![]() |
الخلفاء العباسيين بمصر
الخبر عن الخلفاء العباسيين المنصوبين بمصر من بعد انقراض الخلافة ببغداد ومبادي أمورهم وتصاريف أحوالهم لما هلك المستعصم ببغداد واستولى التتر على سائر الممالك الإسلامية فافترق شمل الجماعة وانتثر سلك الخلافة وهرب القرابة المرشحون وغير المرشحين من قصور بغداد فذهبوا في الأرض طولاً وعرضاً ولحق بمصر كبيرهم يومئذ أحمد ابن الخليفة الظاهر وهو عم المستعصم وأخـو المستنصـر وكـان سلطانهـا يومئـذ الملـك الظاهـر بيبرس ثالث ملوك الترك بعد بني أيوب بمصر والقاهرة فقام على قدم التعظيم وركب لتلقيه وسر بقدومه وكان وصوله سنة تسع وخمسين فجمع الناس على طبقاتهم بمجلس الملك بالقلعة وحضر القاضي يومئذ تاج ابن بنت الأغر فأثبـت نسبـه في بيت الخلفاء بشهادة العرب الواصلين معه بالاستفاضة ولم يكن شخصه خفياً وبايع له الظاهر وسائر الناس ونصبه للخلافة الإسلاميـة ولقبـوه المستنصـر وخطـب لـه علـى المنابر ورسم اسمه في السكة. وصدرت المراسم السلطانية بأخذ البيعة له في سائر أعمال السلطان وفوض هو للسلطان الملك الظاهر سائر أعماله وكتب تقليده بذلك وركب السلطان ثاني يومه إلى خارج البلد ونصب خيمة يجتمع الناس فيها فاجتمعوا وقرأ كتاب التقليد. وقام السلطان بأمر هذا الخليفة ورتب له أرباب الوظائف والمناصب الخلافية من كل طبقة وأجـرى الـأرزاق السنيـة وأقام له الفسطاط والآلة. ويقال أنفق عليه في معسكره ذلك ألف ألف دينـار مـن الذهـب العيـن واعتزم على بعثه إلى بلاد العراق لاسترجاعه ممالك الإسلام من يد أهل الكفـر. وقـد كان وصل على أثر الخليفة صاحب الموصل وهر إسماعيل الصالح بن لؤلؤ أخرجه التتـر مـن ملكـه بعـد مهلـك أبيـه فامتعـض له الملك الظاهر ووعده باسترجاع ملكه وخرج آخر هذه السنـة مشيعـاً للخليفة ولصالح بن لؤلؤ ووصل بهما إلى دمشق فبالغ هنالك في تكرمتهما وبعث معهما أميرين من أمرائه مدداً لهما وأمرهما أن ينتهيا معهما إلى الفرات. فلمـا وصلـوا الفـرات بادر الخليفة بالعبور وقصد الصالح بن لؤلؤ الموصل واتصل الخبر بالتتر فجردوا العساكر للقائه والتقى الجمعان بعانة وصدموه هنالك فصادمهم قليلاً ثم تكاثروا عليه فلم يكن له بهم طاقة وسارت عساكر التتر إلى الموصل فحاصروا الصالح إسماعيل بها سبعة أشهر وملكوها عليه عنوة وقتل رحمه الله. وتطلب السلطان بمصر الملك الظاهر بعده آخر من أصل هذا البيت يقيم برسم الخلافة الإسلامية وبينما هو يسائل الركبان عن ذلك إذ وصل رجل مـن بغـداد ينسـب إلـى الراشـد بـن المسترشـد. قال صاحب حماة في تاريخه عن نسابة مصر: إنه أحمد بن حسـن بـن أبـي بكـر ابـن الأميـر أبـي علـي ابـن الأميـر حسـن بـن الراشـد. وعنـد العباسييـن السليمانيين فـي درج نسبهـم الثابـت أنه أحمد بن أبي بكر بن علي بن أحمد بن الإمام المسترشد انتهى كلام صاحب حماة. ولـم يكـن فـي آبائـه خليفـة فيمـا بينـه وبيـن الراشـد. وبايـع لـه بالخلافـة الإسلاميـة ولقبـه الحاكم وفوض هو إليه الأمور العامة والخاصة وخرج هو له عن العهدة وقام حافظاً لسياج الديـن بإقامـة رسـم الخلافـة. وعمـرت بذكـره المنابر وزينت باسمه السكة ولم يزل على هذا الحال أيـام الظاهـر بيبرس وولديه بعده ثم أيام الصالح قلاون وابنه الأشرف وطائفة من دولة ابنه الملك الناصر محمد بن قلاون إلى أن هلك سنة إحدى وسبعمائة ونصب ابنه أبو الربيع سليمـان للخلافة بعده ولقبه المستكفي. وحفظ به الرسم وحضر مع السلطان الملك الناصر محمد بن قلـاون للقـاء التتـر فـي النوبتين اللتين لقيهم فيها فاستوحش منه السلطان بعض أيامه وأنزله بالقلعة وقطعـه عـن لقـاء الناس عاماً أو نحوه. ثم أذن له في النزول إلى بيته ولقائه الناس إذا شاء وكان ثـم تجـددت لـه الوحشـة وغربـه إلـى قـوص سنـة ثمـان وثلاثيـن ثـم هلـك الخليفـة أبو الربيع سنة أربعين قبل مهلك الملك الناصر رحمهما الله تعالى. وكان عهد بالخلافة لابنه أحمد فبويع له ولقب الحاكم ثم بدا للسلطان في إمضاء عهد أبيه بذلك فعزله واستبدل منه بأخيه إبراهيم ولقبه الواثـق. وكـان مهلـك الناصـر لأشهـر قريبـة مـن ذلـك فأعـادوا أحمـد الحاكـم ولـي عهـد أبيـه سنة إحدى وأربعيـن وأقـام فـي الخلافـة إلـى سنـة ثلـاث وخمسيـن وهلـك رحمـه اللـه فولـي من بعده أخوه أبو بكر ولقب المعتضد ولم يزل مقيماً لرسم الخلافة إلى أن هلك لعشرة أعوام من خلافته سنة ثلاث وستيـن ونصـب بعـده ابنه محمد ولقب المتوكل فأقام برسم الخلافة وحضر مع السلطان الأشرف شعبان بن حسيـن بـن الملـك الناصـر عـام انتقـض عليـه التـرك فـي طريقـه إلـى الحـج. وفسـد أمـره ورجـع الفـل إلـى مصـر وطلبـه أمـراء التـرك فـي البيعـة لـه بالسلطـة مـع الخلافـة فامتنـع مـن ذلـك. ثـم خلعـه أيبـك مـن أمـراء التـرك المستبديـن أيام سلطانه بالقاهرة سنة تسع وتسعين لمغاضبة وقعت بينهما ونصب للخلافـة زكريا ابن عمه إبراهيم الواثق فلم يطل ذلك وعزل زكريا لأيام قليلة وأعاده إلى منصبه إلى أن كانت واقعة قرط التركماني من أمراء العساكر بمصر ومداخلتـه للمفسديـن فـي الثـورة بالسلطـان الملـك الظاهـر أبـي سعيـد برقـوق سنـة خمـس وثمانيـن وسعـى عنـد السلطـان بأنـه ممـن داخله قـرط هـذا فاستـراب بـه وحبسـه بالقلعـة سنـة ستيـن وأدال منه بعمر ابن عمه الواثق إبراهيم ولقبه فأقام ثلاثاً أو نحوها ثم هلك رحمه الله آخر عام ثمانية وثلاثين ونصب السلطان عوضه أخاه زكريـا الـذي كـان أيبـك نصبـه كمـا قدمنـا ذكره ثم حدثت فتنة بليقا الناصري صاحب حلب سنة إحـدى وتسعيـن وسبعمائة. وتعالى على السلطان بحبسه الخليفة وأطال النكير في ذلك فأطلق السلطان الخليفة محمد المتوكل من محبسه بالقلعة وأعاده إلى الخلافة على رسمه الأول وبالغ في تكرمتـه وجـرت فيمـا بيـن ذلـك خطـوب نذكـر أخبارهـا مستوفـاة فـي دولـة التـرك المقيميـن لرسـم هؤلاء الخلفـاء بمصـر. وإنمـا ذكرنـا هنـا مـن أخبارهـم مـا يتعلـق بالخلافـة فقط دون أخبار الدولة والسلطان. وهذا الخليفة المتوكل المنصوب الآن لرسم الخلافة والمعين لإقامة المناصب الدينية على مقتضى الشريعة والمبرك بذكره على منابر هذه الإيالة تعظيماً لأبيهم الظاهر وجرياً على سنن التبرك بسلفهم ولكمال الإيمان في محبتهم وتوفية لشروط الإمامة بينهم. وما زال ملوك الهند وغيرهم من ملوك الإسلام بالنواحي يطلبون التقليد منه ومن سلفه بمصر ويكاتبون في ذلك ملوك الترك بها من بني قلاون وغيره فيجيبونهم إلى ذلك ويبعثون إليهم بالتقليد والخلع والأبهة ويمدون القائمين بأمورهم بمواد التأييد والإعانة بمن الله وفضله. الدولة العلوية أخبار الدولة العلوية المزاحمة لدولة بني العباس ونبـدأ منهـم بدولـة الأدارسـة بالمغـرب الأقصـى. قد تقدم لنا ذكر شيعة أهل البيت لعلي بن أبي طالب وبنيه رضي الله عنهم وما كان من شأنهم بالكوفة وموجدتهم على الحسن في تسليم الأمر لغيره واضطراب الأمر على زياد بالكوفة من أجلهم حتى قتل المتولون كبر ذلك منهم حجـر بـن عـدي وأصحابـه ثم استدعوا الحسين بعد وفاة معاوية فكان من قتله بكربلاء ما هو معـروف ثـم نـدم الشيعة على قعودهم عن مناصرته فخرجوا بعد وفاة يزيد وبيعة مروان وخرج عبيد الله بن زياد عن الكوفة وسموا أنفسهم التوابين وولوا عليهم سليمان بن صرد ولقيتهم جيوش ابن زياد بأطراف الشام فاستلحموهم. ثم خرج المختار بن أبي عبيد بالكوفة طالباً بدم الحسين رضي الله عنه وداعيا لمحمد بن الحنفيـة وتبعـه علـى ذلـك جموعـه مـن الشيعة وسماهم شرطة الله وزحف إليه عبيد الله بن زياد فهزمه المختار وقتله وبلغ محمد بن الحنفية من أحوال المختار ما نقمه عليه فكتب إليه بالبراءة منـه فصـار إلـى الدعـاء لعبـد اللـه بـن الزبير. ثم استدعى الشيعة من بعد ذلك زيد بن علي بن الحسين إلى الكوفة أيام هشام بن عبد الملك فقتله صاحب الكوفة يوسف بن عمر وصلبه وخـرج إليـه ابنـه يحمـي بالجوزجـان من خراسان فقتل وصلب كذلك وطلت دماء أهل البيت في كل ناحية وقد تقدم ذلك كله في أخبار الدولتين. ثم اختلف الشيعة وافترقت مذاهبهم في مصير الإمامة إلى العلوية وذهبوا طرائق قددا فمنهم الإمامية القائلون بوصية النبـي صلـى اللـه علـه وسلـم لعلـي بالإمامـة وشممونـه الوصـي بذلـك ويتبـرؤون مـن الشيخيـن لمـا منعـوه حقـه بزعمهم وخاصموا زيدا بذلك حين دعا بالكوفة. ومن لم يتبرأ من الشيخين رفضوه فسموا بذلك رافضة. ومنهم الزيدية القائلون بإمامة بني فاطمة لفضل علي وبنيه على سائر الصحابة وعلى شروط يشترطونها وإمامة الشيخين عندهم صحيحة وإن كان علي أفضل وهذا مذهب زيد وأتباعه وهم جمهور الشيعة وأبعدهم عن الإنحراف والغلو. ومنهم الكيسانية نسبة إلى كيسان يذهبون إلى إمامة محمد بن الحنفية وبنيه من بعد الحسن والحسيـن ومـن هـؤلاء كانـت شيعـة بنـي العبـاس القائلـون بوصيـة أبـي هاشـم بـن محمد بن الحنفية إلى محمـد بـن علـي بـن عبـد الله بن عباس بالإمامة. وانتشرت هذه المذاهب بين الشيعة وافترق كل مذهـب منهـا إلـى طوائـف بحسب اختلافهم. وكان الكيسانية شيعة بني الحنفية أكثرهم بالعراق وخراسان. ولما صار أمر بني أمية إلى اختلال أجمع أهل البيت بالمدينة وبايعوا بالخلافة سراً لمحمـد بن عبد الله بن حسن المثنى بن الحسن بن علي وسلم له جميعهم وحضرهذا العقد أبو جعفـر عبـد اللـه بـن محمـد بـن علـي بـن عبـد الله بن عباس وهو المنصور وبايع له فيمن بايع له من أهل البيت وأجمعوا على ذلك لثقدمه فيهم لما علموا له من الفضل عليهم ولهذا كان مالك وأبوحنيفة رحمهما الله يحتجان إليه حين خرج من الحجاز ويريدون أن إمامته أصح من إمامة أبي جعفر لإنعقاد هذه البيعة من قبل وربما صار إليه الأمر عند الشيعة بانتقال الوصية من زيـد بـن علـي. وكـان أبـو حنيفـة يقـول بفضله ويحتج إلى حقه فتأدت إليهما المحنة بسبب ذلك أيام أبي جعفر المنصور حتى ضرب مالك على الفتيا في طلاق المكره وحبس أبو حنيفة على القضاء. ولما انقرضت دولة بني أمية وجاءت دولة بني العباس وصار الأمرلأبي جعفر المنصور سعى عنده ببني حسن وأن محمد بن عبد الله يروم الخـروج وأن دعاتـه ظهـروا بخراسـان فحبـس المنصور لذلك بني حسن وإخوته وإبراهيم وجعفر وعلي القائم وابنه موسى بن عبـد اللـه وسليمـان وعبـد الله ابن أخيه داود ومحمد وإسماعيل واسحاق بنو عمه إبراهيم بن الحسن في خمسة وأربعين من أكابرهم وحبسوا بقصر ابن هبيرة ظاهرالكوفة حتى هلكوا في حبسهم وأرهبـوا لطلب محمد بن عبد الله فخرج بالمدينة سنة خمس وأربعين وبعث أخاه إبراهيم إلى البصرة فغلب عليها وعلى الأهواز وفارس وبعث الحسن بن معاوية إلى مكة فملكها وبعث عاملاً إلى اليمن ودعا لنفسه وخطب على منبر النبي صلى الله عليه وسلم وتسمى بالمهدي وكـان يدعـى النفـس الزكيـة وحبس رباح بن عثمان المري عامل المدينة فبلغ الخبر إلى أبي جعفر المنصور فأشفقوا من أمره وكتب إليه كتابه المشهور ونصه: بعد البسملة من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله. أما بعد فإنما جزاء الذين يحاربـون اللـه ورسولـه ويسعـون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلـاف أو ينفـوا مـن الـأرض ذلـك لهـم خـزي فـي الدنيـا ولهـم فـي الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم. وأن لك ذمة الله وعهده وميثاقه إن تبـت مـن قبـل أن نقدر عليك أن نؤمنك على نفسك وولدك وإخوتك ومن تابعك وجميع شيعتك وأن أعطيك ألف درهم وأنزلك من البلاد حيث شئت وأقضي لك ما شئت من الحاجات وأن أطلق من سجن من أهل بيتك وشيعتك وأنصارك ثم لا أتبع أحداً منكم بمكروه. وإن شئت أن تتوثق لنفسك فوجه إلي من يأخذ لك من الميثاق والعهد والأمان ما أحببت والسلام. فأجابـه محمـد بـن عبـد اللـه بكتـاب نصـه بعد البسملة من عبد الله محمد المهدي أمير المؤمنين ابن عبد الله محمد. أمـا بعـد طسـم تلك آيات الكتاب المبين نتلو عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمـة ونجعلهـم الوارثيـن ونمكـن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون وأنـا أعـرض عليـك مـن الأمـان مثـل الـذي أعطيتنـي ففـد تعلـم أن الحـق حقنـا وأنكم إنما أعطيتموه بنا ونهضتم فيه بسعينا وحزتموه بفضلنا وأن أبانا علياً عليه السلام كان الوصي والإمـام فكيـف ورثتمـوه دوننـا ونحـن أحيـاء وقـد علمتـم أنـه ليـس أحد من بني هاشم يشيد بمثل فضلنا ولا يفخر بمثـل قديمنـا وحديثنـا ونسبنـا ونسيبنـا وأنـا بنـو بنتـه فاطمـة في الإسلام من بينكم فإنا أوسط بني هاشـم نسبـاً وخيرهـم أمـاً وأبـاً لـم تلدنـي العجـم ولـم تعـرف في أمهات الأولاد وأن الله عز وجل لم يزل يختار لنا فولدني من النبيين أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم ومن أصحابه أقدمهم إسلاماً وأوسعهم علماً وأكثرهم جهاداً علي بن أبي طالب ومن نسائه أفضلهن خديجة بنت خويلد أول من آمن بالله وصلى إلى القبلة ومن بناته أفضلهن وسيدة نساء أهـل الجنـة ومـن المتولديـن فـي الإسلـام سيدا شباب أهل الجنة ثم قد علمت أن هاشما ولد عليا مرتين من قبل جـدي الحسـن لحسيـن فمـا زال اللـه يختـار لـي حتـى اختار لي في معنى النار فولدني أرفع الناس درجة في الجنة وأهون أهل النار عذابأ يوم القيامة فأنا ابن خير الأخيار وابن خير الأشرار وابـن خيـر أهـل الجنـة وابـن خير أهل النار. ولك عهد الله إن دخلت في بيعتي أن أؤمنك على نفسك وولدك وكل ما أصبته إلا حداً من حدود الله أو حقاً لمسلم أو معاهد فقد علمت ما يلزمك في ذلك فأنا أوفى بالعهد منك وأحرى بقبول الأمان منك. فأما أمانك الذي عرضت علي فهو أي الأمانات هي أأمان ابن هبيرة أم أمان عمك عبد الله بن علي أم أمان أبي مسلم والسلام. فأجابه المنصور بعد البسملة: من عبد الله أمير المؤمنين إلى محمد بن عبد الله. فقـد أتانـي كتابـك وبلغنـي كلامـك فـإذا جـل فخـرك بالنساء لتضل به الحفاة والغوغاء ولم يجعل الله النساء كالعمومة ولا الآباء كالعصبة والأولياء وقد جعل الله العم أبا وبدأ به على الولد فقال جل ثناؤه عن نبيه عليه السلام واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب. ولقد علمت أن الله تبارك وتعالى بعث محمد صلى الله عليه وسلم وعمومته أربعة فأجابه إثنان أحدهمـا أبـي وكفـر بـه إثنـان احدهمـا أبوك. وأما ما ذكرت من النساء وقراباتهن فلو أعطى على قـرب الأنساب وحق الأحساب لكان الخير كله لآمنة بنت لب. ولكن الله يختارلدينه من يشاء من خلقه. وأما ما ذكرت من فاطمة أم أبي طالب فإن الله لم يهد أحدا من ولدها إلى الإسلام ولو فعل لكان عبد الله بن عبد المطلب أولاهم بكل خير في الآخرة والأولى وأسعدهم بدخول الجنة غداً. ولكن الله أبى ذلك فقال أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وأما ما ذكرت من فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب وفاطمة أم الحسين وأن هاشماً ولد عليا مرتيـن وأن عبـد المطلـب ولـد الحسـن مرتيـن فخيـر الأوليـن رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم لم يلده هاشم إلا مرة واحدة ولم يلده عبد المطلب إلا مرة واحدة. وأما ما ذكرت من أنك ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله عز وجل قد أبى ذلك فقال: ما كان محمد أبا أحداً من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين ولكنكم قرابة ابنته وإنها لقرابة قريبة غير أنها امرأة لا تحوز الميراث ولا يجوز أن تؤم فكيف تورث الإمامة من قبلها ولقد طلب بها أبوك من كل وجه وأخرجها تخاصم ومرضها سراً ودفنها ليلا وأبى الناس إلا تقديـم الشيخيـن: ولقـد حضـر أبـوك وفـاة رسـول اللـه صلى الله عليه وسلم فأمر بالصلاة غيره. ثم أخـذ النـاس رجـلا رجلا فلم يأخذوا أباك فيهم ثم كان في أصحاب الشورى فكل دفعه عنها بايع عبد الرحمن عثمان وقبلها عثمان وحارب أباك طلحة والزبير ودعا سعداً إلـى بيعتـه فأغلق بابه دونه. ثم بايع معاوية بعده وأفضى أمر جدك إلى أبيك الحسن فسلمه إلى معاوية بخـزف ودراهـم وأسلـم في يديه شيعته وخرج إلى المدينة فدفع الأمر إلى غير أهله وأخذ مالاً مـن غيـر حلـة فـإن كـان لكـم فيهـا شـيء فقـد بعتمـوه فأمـا قولك إن الله اختار لك في الكفر فجعل أبـاك أهـون أهـل النـار عذابـا فليـس فـي الشـر خيار ولا من عذاب الله هين ولا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يفتخر بالنار سترد لتعلم وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. وأما قولك لم تلدك العجم ولم تعرف فيك أمهات الأولـاد وأنـك أوسـط بنـي هاشـم نسبـا وخيرهم أما وأبا فقد رأيتك فخرت على بني هاشم طراً وقحمت نفسك على من هو خير منك أولا وآخراً وأصلا وفصلا. فخرت على إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى والد والده فانظر ويحك أين تكون من الله غداً وما ولد قبلكم مولود بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من علي بن الحسين وهو لأم ولد ولقد كان خيراً من جدك حسن بن حسن. ثم ابنه محمد خير من أبيك وجدته أم ولد ثم ابنه جعفر وهو خير ولقد علمت أن جدك عليا حكم الحكمين وأعطاهما عهده وميثاقه على الرضا بما حكمابه فأجمعا علـى خلعـه. ثـم خـرج عمـك الحسيـن بـن علـي بـن مرجانـة فكان الناس الذين معه عليه حتى قتلوه ثـم أتـوا بكـم علـى الأقتـاب كالسبـي المجلـوب إلـى الشـام ثـم خـرج منكم غير واحد فقتلكم بنو أمية وحرقوكم بالنار وصلبوكـم علـى جـذوع النخـل حتـى خرجنـا عليهـم فأدركنـا يسيركـم إذ لـم تدركوه ورفعنا أقداركم وأورثناكم أرضهم وديارهم بعد أن كانوا يلعنون أباك في أدبار كل صلاة مكتوبة كما يلعن الكفرة فسفهناهم وكفرناهم وبينا فضله وأشدنا بذكره فاتخذت ذلـك علينا حجة وظننت أنا بما ذكرنا من فضل علي قدمناه على حمزة والعباس وجعفر كل أولئك مضوا سالمين مسلما منهم وأبتلي أبوك بالدماء. ولقد علمت أن مآثرنا في الجاهلية سقاية الحجيج الأعظم وولاية زمزم وكانت للعباس من دون إخوتـه فنازعنـا فيهـا أبـوك إلـى عمـر فقضى لنا عمر بها وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس من عمومته أحد حياً إلا العباس وكان وارثه دون عبد المطلب وطلب الخلافة واحد مـن بنـي هاشـم فلـم ينلهـا إلا ولـده فاجتمع للعباس أنه أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وبنوه القادة الخلفاء فقد ذهب بفضل القديم والحديث ولو أن العباس أخرج بدر كرهاً لمات عماك طالب وعقيل جوعاً ويلحسان جفان عتبة وشيبة فأذهب عنهما العار والشنار. ولقد جاء الإسلام والعباس يمون به طالب للأزمة التي أصابتهم ثم فـدى عقيـلاً يـوم بـدر فعززناكـم فـي الكفر وفديناكم من الأسر وورثنا دونكم خاتم الأنبياء وأدركنا بثأركم إذ عجزتم عنه ووضعناكم بحيث لم تضعوا أنفسكم والسلام. ثـم عقد أبو جعفرعلى حربه لعيسى ابن عمه موسى بن علي فزحف إليه في العساكر وقاتله بالمدينة فهزمه وقتله في منتصف رمضان سنة خمس وأربعين ولحق ابنه علي بالسند إلى أن هلـك هنـاك واختفـى ابنه الآخر عبد الله الأشتر إلى أن هلك في أخبار طويلة قد استوفيناها كلها في أخبار أبي جعفر المنصور ورجع عيسى إلى المنصور فجهزه لحرب إبراهيم أخي محمد بالعيرة فقاتله آخر ذي القعدة من تلك السنة فهزمه وقتله حسبما مر ذكره هنالك وقتل معه عيسـى بـن زيـد بـن علـي فيمـن قتـل مـن أصحابـه. وزعـم ابـن قتيبـة أن عيسـى بـن زيـد بـن علـي ثار على المنصور بعد قتل أبي مسلم ولقيه في مائة وعشرين ألفا وقاتله أياما إلى أن هم المنصـور بالفـرار ثم أتيح له الظفر فانهزم عيسى ولحق بإبراهيم بن عبد الله بالبصرة فكان معه هنالك إلى أن لقيه عيسى بن موسى بن علي وقتلهما كما مر. ثـم خـرج بالمدينـة أيـام المهـدي سنـة تسـع وستين من بني حسن الحسين بن علي بن حسن المثلث وهو أخو عبد الله بن حسن المثنى وعم المهدي وبويع للرضا من آل محمد وسار إلى مكة وكتب الهادي إلى محمد بن سليمان بن علي وقد كان قدم حاجاً من البصرة فولاه حربه يوم التروية فقاتله بفجة على ثلاثة أميال من مكة وهزمه وقتله وافترق أصحابه وكان فيهم عمه إدريـس بـن عبد الله فأفلت من الهزيمة مع من أفلت عنهم يومئذ ولحق بمصر نازعاً إلى المغرب وعلـى بريـد مصـر يومئـذ واضـح مولـى صالـح بـن المنصـور ويعـرف بالمسكيـن وكـان يتشيع فعلم بشأن إدريـس وأتـاه إلـى المكـان الـذي كـان به مستخفيا وحمله على البريد إلى المغرب ومعه راشد مولاه فنزل بوليلى سنة ست وسبعين وبها يومئذ إسحاق بن محمد بن عبد الحميد أمير أوربة من قبائـل البربـر وكبيرهـم لعهـده فأجـاره وأكرمـه وجمـع البربـر علـى القيـام بدعوتـه وخلـع الطاعة العباسية وكشف القناع واجتمع عليه البرابرة بالمغرب فبايعوه وقاموا بأمره وكان فيهم مجـوس فقاتلهم إلى أن أسلموا. وملك المغرب الأقصى ثم ملك تلمسان سنة ثلاث وسبعين ودخلت ملـوك زناتـة أجمـع فـي طاعتـه واستفحـل ملكـه وخاطـب إبراهيـم بـن الأغلـب صاحـب القيـروان وخاطـب الرشيـد بذلـك فشد إليه الرشيد مولى من موالي المهدي اسمه سليمان بن حريز ويعرف بالشماخ وأنفذه بكتابه إلى ابن الأغلب فأجازه ولحق بإدريس مظهراً للنزوع إليه فيمن نزع من وحدان المغرب متبرئا من الدعوة العباسية ومنتحلا للطالبيين واختصه الإمام إدريس وحلى بعينيه وكان قد تأبط سماً في سنون فناوله إياه عند شكايته من وجع أسنانه فكان فيها فيما زعموا حتفه ودفـن ببوليلـى سنـة خمـس وسبعيـن وفـر الشمـاخ ولحقـه راشد بوادي ملوية فاختلفا بينهما ضربتين قطع فيها راشد يده وأجاز الشماخ الوادي فأعجزه وبايع البرابرة بعد مهلكه ابنه إدريس سنة ثمـان وثمانيـن واجتمعـوا علـى القيـام بأمره ولحق به كثير من العرب من إفريقيا والأندلس وعجز بنو الأغلـب أمـراء إفريقيـا عنه فاستفحلت له ولبنيه بالمغرب الأقصى دولة إلى أن انقرضت على يد أبـي العافيـة وقومـه مكناسـة أوليـاء العبيدييـن عـام ثلاثـة عشـر وثلاثمائـة حسبمـا نذكـر ذلـك فـي أخبـار البربر ونعدد ملوكهم هناك واحداً واحداً وانقراض دولتهم وعودها ونستوعب ذلك كلـه لأنـه أمس بالبربر فإنهم كانوا القائمين بدعوتهم. ثم خرج يحيى أخو محمد بن عبد الله بن حسن وإدريس في الديلم سنة ست وسبعين أيام الرشيد واشتدت شوكتهم وسرح الرشيد لحربه الفضل بن يحيى فبلغ الطالقان وتلطف في استنزاله من بلاد الديلم على أن يشترط ما أحب ويكتب له الرشيد بذلك خطه فتم بينهما وجاء به الفضل فوفى له الرشيد بكل ما أحب وأجرى له أرزاقا سنية ثم حبسه بعد ذلك لسعاية كانت فيه من آل الزبير فيقال أطلقه بعدها ووصله بمـال ويقـال سمـه لشهرمـن اعتقالـه ويقال أطلقه جعفر بن يحيى افتياتاً فكـان بسببـه نكبـة البرامكـة وانقـرض شـأن بنـي حسـن وخفيت دعوة الزيدية حينا من الدهر حتى كان منهم بعد ذلك باليمن والديلم ما نذكره والله غالب على أمره. |
الخبر عن خروج الفاطميين بعد فتنة بغداد
كانت الدولة العباسيـة قـد تمهـدت مـن لـدن أبـي جعفـر المنصـور منهـم وسكـن أمـر لخـوارج والدعاة من الشيعة من كل جهة حتى إذا هلك الرشيد ووقع بين بنيه من الفتنة ما وقع وقتل الأميـن بيـد طاهـر بـن الحسيـن ووقـع حصار بغداد من الحرب والعبث ما وقع وبقي المأمون مقيماً بخراسان تسكيناً لأهلها عن ثائرة الفتن وولي على العراق أحسن بن سهل اتسع الخرق حينئذ بالعراق وأشيع عن المأمون أن الفضـل بـن سهـل غلـب عليـه وحجـره فامتعـض الشيعـة لذلـك وتكلمـوا وطمـع العلويـة فـي التوثـب علـى الأمـر فكـان فـي العـراق أعقـاب إبراهيم بن محمد بن حسن المثنـى المقتـول بالبصـرة أيـام المنصـور. وكـان منهـم محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ولقبه أبوه طباطبا للكنـة كانت في لسانه أيام مرباه بين داياته فلقب بها. وكان شيعته من الزيدية وغيرهم يدعون إلـى إمامتـه لأنهـا كانـت متوارثـة فـي آبائـه مـن إبراهيـم الإمـام جـده علـى مـا قلناه في خبره خرج سنة تسع وتسعين ودعا لنفسه ووافاه أبو السرايا السري بن منصور كبير بني شيبان فبايعه وقام بتدبيـر حربـه وملك الكوفة وكثر تابعوه من الأعراب وغيرهم. وسرح حسن بن سهل زهير بن المسيب لقتاله فهزمه طباطبا واستباح معسكره ثم مات محمد في صبيحة ذلك اليوم فجأة ويقـال إن أبا السرايا سمه لما منعه من الغنائم فبايع أبو السرايا يومه ذلك لمحمد بن محمد بن زيد بن علي زين العابدين واستبد عليه وزحفت عليهم جيوش المأمون فهزمهم أبو السرايا وملك البصرة وواسط والمدائن. وسـرح الحسـن بن سهل لحربه هرثمة بن أعين وكان مغضبا فاسترضاه وجهز له جيوش وزحف إلى أبي السرايا وأصحابه فغلبهم على المدائن وهزمهم وقتل منهم خلقاً ووجه أبو السرايا إلى مكـة الحسيـن الأفطـس بـن الحسـن بـن علـي زيـن العابديـن وإلـى المدينة محمد بن سليمان بن داود بن حسـن المثنـى ابـن الحسن وإلى البصرة زيد بن موسى بن جعفر الصادق وكان يقال له زيد النار لكثرة من أحرق من الناس بالبصرة فملكوا مكة والمدينة والبصرة وكان بمكة مسرور الخـادم الأكبـر وسليمـان بـن داود بـن عيسـى فلمـا أحسـوا بقـدوم الحسيـن فـروا عنهـا وبقـي النـاس في الموقف فوضـى ودخلهـا الحسيـن مـن الغـد فعاث في أهل الموسم ما شاء الله واستخرج الكنز الذي كان فـي الكعبـة من عهد الجاهلية وأقره النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده وقدره فيما قيل مائتا قنطار اثنتان من الذهب فأنفقه وفرقه في أصحابه ما شاء الله. ثم إن هرثمة واقع أبا السرايا فهزمه ثم بحث عن منصور بن المهدي فكان أميراً معه واتبع أبا السرايا فغلبه على الكوفة وخرج إلى القادسية ثم إلى واسط ولقيه عاملها وهزمه ولحق بجلولا مغلـولا جريحـاً فقبـض عليـه عاملهـا وقدمـه إلى الحسن بن سهل بالنهروان فضرب عنقه وذلك سنة مائتين وبلغ الخبر الطالبيين بمكة فاجتمعوا وبايعوا محمد بن جعفر الصادق وسموه أمير المؤمنين وغلب عليه ابناه علي وحسين فلم يكن يملك معهما من الامر شيئاً ولحق إبراهيم بن أخيه موسـى الكاظـم بـن جعفـر الصـادق باليمـن فـي أهـل بيتـه فدعا لنفسه هنالك وتغلب على الكثيرمن بلاد اليمن وسمي الجزار لكثرة ما قتل من الناس. وخلـص عامـل اليمـن وهـو إسحـاق بـن موسـى بـن عيسـى إلى المأمون فجهزه لحرب هؤلاء الطالبيين فتوجه إلى مكة وغلبهم عليها وخرج محمد بن جعفر الصادق إلى الأعراب بالساحل فاتبعهم إسحاق وهزمهم ثم طلبهم وطلب محمد الأمان فأمنه ودخل مكه وبايع للمأمون وخطب على المنبـر بدعوتـه وسابقتـه الجيـوش إلى اليمن فشردوا عنه الطالبيين وأقاموا فيه الدعوة العباسية ثم خرج الحسين الأفطس ودعا لنفسه بمكة وقتله ابنيه علياً ومحمداً. ثـم إن المأمـون لمـا رأى كثرة الشيعة واختلاف دعاتهم وكان يرى مثل رأيهم أو قريباً منه في شأن علي والسبطين فعهد بالعهد من بعده لعلي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق سنة إحـدى ومائتيـن وكتـب بذلك إلى الآفاق وتقدم إلى الناس فنزع السواد ولبس الخضرة فحقد بنو العباس ذلك من أمره وبايعوا بالعراق لعمه إبراهيم بن المهدي سنة اثنين ومائتين وخطب له ببغداد وعظمت الفتنة. وشخص المأمون من خراسان متلافيا أمر العـراق وهلـك علـي بـن موسـى في طريقه فجأة ودفن بطوس سنة ثلاث ومائتين. ووصل المأمون إلى بغداد سنة أربع وقبض على عمه إبراهيم وعفا عنه وسكن الفتنة. وفي سنة تسـع بعدهـا خـرج باليمـن عبـد الرحمـن بـن أحمـد بـن عبـد اللـه بـن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب يدعو للرضا من آل محمد وبايعه أهل اليمـن وسـرح إليـه المأمـون مولـاه دينـارا واستأمن له فأمنه وراجع الطاعة. ثم كثر خروج الزيدية من بعد ذلك بالحجاز والعراق والجبال والديلم وهرب إلى مصر خلق وأخذ منهم خلق وتتابع دعاتهم. فـأول من خرج منهم بعد ذلك محمد بن القاسم علي بن عمر بن زين العابدين هرب خوفاً من المعتصـم سنـة تسـع عشرة ومائتين وكان بمكان من العبادة والزهد فلحق بخراسان ثم مضى إلى الطالقان ودعا بها لنفسه واتبعته أمم الزيدية كلهم - ثم حاربه عبد الله بن طاهر صاحب خراسان فغلبه وقبض عليه وحمله إلى المعتصم فحبسه حتى مات ويقال إنه مات مسموماً. ثـم خـرج مـن بعـده بالكوفـة أيضـاً الحسيـن بـن محمـد بـن حمـزة بـن عبـد اللـه بـن الحسيـن الأعـرج بـن علـي بن زين العابدين واجتمع إليه الناس من بني أسد وغيرهم من جموعه وأشياعه وذلك سنة إحدى وخمسين ومائتين وزحف إليه ابن بشكال من أمراء الدولة فهزمه ولحق بصاحب الزنج فكان معه. وكاتبه أهل الكوفة في العود إليه وظهر عليه صاحب الزنج فقتله. وكان خروج صاحب الزنج بالبصرة قبله بقليل واجتمعت له جموع العبيد من زنج البصرة وأعمالها وكان يقول في لفظه من أعلمه أنه من ولد عيسى بن زيد الشهيد وأنه علي بن محمد بن زيد بن عيسى. ثم انتسب إلى يحيى بن زيد الشهيد والحق أنه دعي في أهل البيت كما نذكره في أخباره. وزحف إليه الموفق أخو المعتمد ودارت بينه وبينهم حروب إلى أن قتله ومحا أثر تلك الدعوة كما قدمناه في أخبار الموفق ونذكره في أخبارهم. ثم خرج في الديلم من ولده الحسن بن زيد بن الحسن السبط الداعي المعروف بالعلوي وهو الحسـن بـن زيـد بـن محمـد بـن إسماعيـل بـن الحسـن خرج لخمس وخمسين فملك طبرستان وجرجان وسائر أعمالها وكانت له ولشيعته الزيدية دولة هناك. ثم انقرضت آخر المائة الثالثة وورثها مـن ولـد الحسـن السبـط ثم من ولد عمر بن علي بن زين العابدين الناصر الأطروش وهو الحسن بن علي بن الحسين بن علي بن عمر وهو ابن صاحب الطالقان. أسلم الديلم على يد هذا الأطـروش وملـك بهـم طبرستـان وسائـر أعمال الداعي وكانت له ولبنيه هنالك دولة. وكانوا سببا لملك الديلم البلاد وتغلبهم على الخلفاء كما نذكرذلك في أخبار دولتهم. ثـم خـرج باليمـن مـن الزيدية من ولد القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا أخي محمد صاحب أبي السرايـا عـام ثمانيـة وثمانيـن ومائتيـن يحيـى بـن الحسيـن بـن القاسـم الرسـي فاستولـى علـى صعـدة وأورث عقبه فيها ملكاً باقياً لهذا العهد وهي مركز الزيدية كما نذكر في أخبارهم. وفي خلال ذلك خـرج بالمدينـة الأخـوان محمـد وعلـي ابنـا الحسـن بـن جعفـر بـن موسـى الكاظـم وعاثـا فـي المدينة عيثاً شديداً وتعطلت الصلاة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم نحواً من شهر وذلك سنة إحدى وسبعين. ثـم ظهـر بالمغـرب مـن دعـاة الرافضـة أبـو عبـد اللـه الشيعـي فـي كتامـة مـن قبائـل البربـر عـام ستـة وثمانيـن ومائتين داعيا لعبيد الله المهدي محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل الإمام بن جعفر الصادق فظهـر علـى الأغالبـة بالقيـروان وبايـع لعبيـد الله المهدي سنة ست وتسعين فتم أمره وملك المغربين واستفحلت له دولة بالمغرب ورثها بنوه. ثم استولوا بعد ذلك على مصر سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة فملكها منهم المعز لدين الله معد بن إسماعيل بن أبي القاسم بن عبيد الله المهدي وشيـد القاهـرة. ثـم ملـك الشـام واستفحل ملكه إلى أن انقرضت دولتهم على العاضد منهم على يد صلاح الدين بن أيوب سنة خمس وستين وخمسمائة. ثـم ظهـر فـي سـواد الكوفـة سنـة ثمـان وخمسيـن ومائتيـن مـن دعـاة الرافضـة رجـل اسمـه الفـرج بـن يحيى ويدعى قرمط بكتاب زعم أنه من عند أحمد بن محمد بن الحنفية فيه كثير من كلمات الكفر والتحليـل والتحريـم وادعـى أن محمـد بـن الحنفيـة هو المهدي المنتظر وعاث في بلاد السواد ثم في بلـاد الشام وتلقب وكرويه بن مهرويه واستبد طائفة منهم بالبحرين ونواحيها ورئيسهم أبو سعيد الجنابـي وكان له هناك ملك ودولة أورثها بنيه من بعده إلى أن انقرضت أعوامهم كما يذكر في أخبار دولتهم. وكان أهل البحرين هؤلاء يرجعون إلى دعوة العبيديين بالمغرب وطاعتهم. ثم كان بالعراق من دعاة الإسماعيلية وهـؤلاء الرافضـة طوائـف آخـرون استبـدوا بكثيـر مـن النواحي ونسب إليهم فيها القلاع: قلعة الموت وغيرها وينسبون تارة إلى القرمطة وتارة إلـى العبيديين وكان من رجالاتهم الحسن بن الصباح في قلعة الموت ما إلى أن انقرض أمرهم آخر الدولة السلجوقية. وكان باليمامة ومكة والمدينة من بعـد ذلـك دول للزيديـة والرافضـة فكـان باليمامـة دولـة لبنـي الأخضـر وهـو محمـد بـن يوسـف بن إبراهيم بن موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى خرج أخـوه إسماعيـل بـن يوسـف فـي باديـة الحجـاز سنـة اثنتين وخمسين ومائتين مكة. ثم مات فمضى أخوه محمد إلى اليمامة فملكها وأورثها لبنيه إلى أن غلبهم القرامطة. وكان بمكة دولة لبني سليمان بن داود بن حسن المثنى خرج محمد بن سليمان أيام المأمون وتسمى بالناهض وملك مكة واستقرت إمارتها في بنيه إلى أن غلبهم عليها الهواشم وكبيرهم محمـد بـن جعفـر بـن أبـي هاشـم محمـد بن الحسن بن محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون فملكها من إبراهيم سنة أربع وخمسين وأربعمائة وغلب بني حسن على المدينة وداول الخطبـة بمكـة بيـن العباسييـن والعبيدييـن واستفحل ملكه في بنيه إلى أن انقرضوا آخر المائة السادسة وغلب على مكة بنو أبي قمي أمراؤها لهذا العهد. ملك أولهم أبو عزيز قتادة بن إدريـس مطاعـن بـن عبـد الكريـم بـن موسـى بـن عيسـى بـن محمـد بـن سليمـان بـن عبـد اللـه بـن موسى الجون وورث دولة الهواشم وملكهم أورثها بنيه إلى هذا العهد كما نذكر في أخبارهم وهؤلاء كلهم زيدية. وبالمدينـة دولـة للرافضـة لولـد الهنـاء. قال المسبحي: اسمه الحسن بن طاهر بن مسلم وفي كتاب العتبي مؤرخ دولة ابن سبكتكين أن مسلما اسمه محمد بن طاهر وكان صديقاً لكافور ويدبر أمـره وهـو مـن ولـد الحسـن بـن علـي زيـن العابديـن. واستولـى مسلـم علـى المدينـة أعـوام ستيـن وثلاثمائـة وأورثها بنيه لهذا العهد كما نذكر في أخبارهم والله وارث الأرض ومن عليها. |
الأدارسة ملوك
المغرب الخبر عن الأدارسة ملوك المغرب الأقصى ومبدأ دولتهم وانقراضها ثم تجددها مفترقة في نواحي المغرب لمـا خـرج حسيـن بـن علـي بـن حسـن المثلـث بـن حسـن المثنـى بـن الحسن السبط بمكة في ذي القعدة سنة ست وتسعين ومائة أيام المهدي واجتمع عليه قرابته وفيهم عماه إدريس ويحيى وقاتلهم محمـد بـن سليمـان بـن علـي بعجـة علـى ثلاثـة أميـال عـن مكـة فقتـل الحسيـن فـي جماعـة من أهل بيته وانهزمـوا وأسـر كثيـر منهـم. ونجـا يحيـى بـن إدريـس وسليمـان وظهـر يحيـى بعد ذلك في الديلم وقد ذكرنا خبره من قبل وكيف استنزله الرشيد وحبسه. وأما إدريس ففر ولحق بمصر وعلى بريدها يومئذ واضح مولى صالح بـن المنصـور ويعـرف بالمسكيـن وكـان واضـح يتشيـع فعلـم شـأن إدريـس وأتاه إلى الموضع الذي كان به مستخفيا ولم ير شيئـا أخلـص مـن أن يحملـه علـى البريـد إلـى المغـرب ففعل ولحق إدريس بالمغرب الأقصى هو ومولاه راشـد ونـزل بوليلـى سنـة اثنتيـن وسبعيـن وبهـا يومئـذ إسحـاق بـن محمـد بـن عبد الحميد أمير أوربة وكبيرهم لعهده فأجاره وأجمع البرابر على القيام بدعوته وكشف القناع في ذلـك واجتمعـت عليه زواغة ولواتة ومدراته وغياثة ونفرة ومكناسة وغمارة وكافة البربر بالمغرب فبايعوه وقاموا بأمره. وخطب الناس يوم بويع فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيه لا تمدن الأعناق إلى غيرنا فإن الذي تجدونه عندنا من الحق لا تجدونه عند غيرنا ولحق به من إخوته سليمان ونزل بأرض ولمـا استوثـق أمر إدريس وتمت دعوته زحف إلى البرابرة الذين كانوا بالمغرب على دين المجوسية واليهودية والنصرانية مثل قندلاوة وبهلوانة ومديونة ومازار وفتـح تامستـا ومدينـة شالـة وتـادلا وكان أكثرهم على دين اليهودية والنصرانية فأسلموا على يديه طوعـاً وكرهـاً وهـدم معاقلهـم وحصونهـم. ثـم يزحـف إلى تلمسان وبها من قبائل بني يعرب ومغراوه سنة ثلاث وسبعين ولقيه أميرها محمد بن حرز بن جزلان فأعطاه الطاعة وبذل له إدريس الأمان ولسائر زناتة فأمكنه مـن قيـاد البلـد وبنـى مسجدهـا وأمـر بعمل منبره وكتب اسمه فيه حسبما هو مخطوط في صفح المنبر لهذا العهد. ورجع إلى مدينة وليلى ثم دس إليه الرشيد مولى من موالي المهدي اسمه سليمان بن حريز ويعرف بالشماخ أنفذه بكتابة إلى ابن الأغلب فأجازه ولحق بإدريس مظهراً النزوع إليه فيمن نزع من وهران المغرب متبرئاً من الدعوة العباسية ومنتحلا للطلب. واختصه الإمام إدريس حلا بعينه وكمان قد تأبط سما في سنون فناوله إياه عند شكايته من وجع أسنانه فكان به كما زعموا حتفه ودفن بوليلى سنة خمس وسبعين. وفـر الشمـاخ ولحقـه فيمـا زعمـوا راشـد بوادي ملوية فاختلفا ضربتين قطع فيها راشد يد الشماخ وأجاز الوادي فأعجزه واعتلق بالبرابر من أوربة وغيرهم فجمل من دعوته في ابنه إدريس الأصغر من جاريته كنزه بايعوه حملا ثم رضيعا ثم فصيلا إلى أن شب واستنم فبايعوه بجامع وليلى سنة ثمان وثمانين ابن إحدى عشرة سنة وكان ابن الأغلب دس إليهم الأموال واستمالهم حتى قتلوا راشدا مولاه سنة ست وثمانين وقام بكفالة إدريس من بعده أبو خالد بن يزيد بن إلياس العبدي ولم يزل كذلك إلى أن بايعوا لإدريس فقاموا بأمره وجردوا لأنفسهم رسوم الملك بتجديد طاعته وافتتحوا بلاد المغرب كلها واستوثق لهم الملك بها واستوزر إدريس مصعب بن عيسى الأزدي المسمى بالملجوم من ضربة في بعض حروبهم. وسمته على الخرطوم وكأنها خطام ونزع إليه كثير من قبائل العرب والأندلس حتى اجتمع إليه منهم زهاء خمسمائة فاختصهم دون البربر وكانوا له بطانة وحاشية واستفحل بهم سلطانه. ثـم قتـل كبيـر أوربـة إسحـاق بـن محمـود سنـة اثنتيـن وتسعيـن لمـا أحـس منـه بموالـاة إبراهيـم بـن الأغلـب وكثرت حاشية الدولة وأنصارها وضاقت وليلى بهم فاعتام موضعا لبناء مدينة لهم وكانت فاس موضعا لبني بوغش وبني الخير من وزاغة وكان في بني بوغش مجوس ويهود ونصارى وكان موضع شيبوبة منها بيت نار لمجوسهم وأسلموا كلهم على يده. وكانت بينهم فتن فبعث للإصلـاح بينهـم كاتبـه أبـا الحسـن عبـد الملـك بـن مالـك الخزرجـي. ثم جاء إلى فاس وضرب أبنيته بكـزواوه وشـرع بنائهـا فاختـط عـدوة الأندلـس سنـة اثنيـن وتسعين. وفي سنة ثلاث بعدها اختط عدوة والقرويين وبنى مساكنه وانتقل إليها وأسس جامع الشرفاء وكانـت عـدوة القروييـن مـن بـاب السلسلـة إلـى غديـر الجوزاء والجرف واستقام له أمر الخلافة وأمر القائمين بدعوته وأمر العز والملك. ثم خرج غازيا المصامدة سنة سبع وتسعين فافتتح بلادهم ودانوا بدعوته. ثم غزا تلمسان وجدد بناء مسجدها وإصلاح منبرها وأقام بها ثلـاث سنيـن وانتظمـت كلمـة البرابـرة وزناتـة ومحوا دعوة الخوارج منهم واقتطع الغربيين عن دعوة العباسيين من لدن الشموس الأقصى إلى شلف. ودافع إبراهيم بن الأغلب عن حماه بعد ما ضايقه بالمكاد واستقاد الأولياء واستمال بهلـول بـن عبـد الواحـد المظفـري بمـن معه من قومه عن طاعة إدريس إلى طاعة هارون الرشيد. ووفد عليه بالقيروان واستراب إدريس بالبرابرة فصالح إبراهيم بن الأغلب وسكن من غربه. وعجز الأغالبة من بعد ذلك عن مدافعة هؤلاء الأدارسة ودافعوا خلفاء بني العباس بالمعاذير بالغض من إدريس والقدح في نسبه إلى أبيه إدريس بما هو أوهن من خيوط العناكب. وهلك إدريس سنة ثلاث عشرة وقام بالأمر من بعده ابنه محمد بعهده إليه فأجمع أمره بوفاة جدتـه كنـزة أم إدريـس علـى أن يشـرك إخوتـه في سلطانه ويقاسم ممالك أبيه. فقسم المغرب بينهم أعمـالا اختـص منهـا القاسـم بطنجـة وبسكـرة وسبتـه وتيطاويـن وقلعـة حجـر النسر وما إلى ذلك من البلاد والقبائل واختص عمر بتيكيسان وترغة وما بينهما من قبائل صنهاجة وغمارة واختص داود ببلاد هوارة وتسول وتازى وما بينهما من القبائل: مكناسـة وغياثـة واختـص عبـد اللـه بإغمات وبلد نفيس وجبـال المصادمـة وبلـاد لمطـة والسـوس الأقصـى واختـص يحيـى بأصيـلا والعرائش وبلاد زوغة وما إلى ذلك. واختص عيسى بشالة وسلا وأزمور وتامستا وما إلى ذلك من القبائل. واختص حمزة بوليلى وأعمالها وأبقى الباقين في كفالتهم وكفالة جدتهم كنزة لصغرهـم. وبقيت تلمسان لولد سليمان بن عبد الله. وخرج عيسى بأزمور على أخيه محمد طالباً الأمر لنفسه فبعث لحربه أخاه عمر بعد أن دعا القاسم لذلك فامتنع. ولما أوقع عمر بعيسى وغلب علـى مـا فـي يـده إستنابـه إلـى أعمالـه بـإذن أخيـه محمـد. ثـم أمـره أخـوه محمـد بالنهـوض إلـى حـرب القاسـم لقعـوده عـن إجابتـه فـي محاربـة عيسـى فزحـف إليـه وأوقـع بـه واستناب عليه إلى مـا فـي يـده فصـار الريـف البحـري كلـه مـن عمـل عمـر هـذا من تيكيسان وبلاد غمارة إلى سبتة ثم إلـى طنجـة. وهـذا ساحـل البحـر الرومـي ثـم ينعطـف إلـى أصيـلا ثم سلا ثم أزمور وبلاد تامستا وهذا ساحل البحر الكبير. وتزهد القاسم وبنى رباطاً بساحل أصيلا للعبادة إلى أن هلك. واتسعـت ولايـة عمـر بعمل عيسى والقاسم وخلصت طويته لأخيه محمد الأمير وهلك في إمارة أخيـه محمـد ببلـد صنهاجـة بموضـع يقـال لـه فـج الفـرص سنة عشرين ومائتين ودفن بفاس وعمر هذا هو جد المحموديين الدائلين بالأندلس من بني أمية كما نذكره. وعقـد الأميـر محمـد علـى عملـه لولـده علـي بن عمر. ثم كان مهلك الأمي ومحمد لسبعة أشهر من مهلـك أخيـه عمـر سنـة إحـدى وعشرين ومائتين بعد أن استخلف ولده علياً في مرضه وهو ابن تسع سنين فقام بأمره الأولياء والحاشية من العرب وأوربة وسائر البربر وصنائع الدولة وبايعوه غلاماً مترعرعاً وقامـوا بأمـره وأحسنـوا كفالتـه وطاعتـه فكانـت أيامـه أيـام وهلـك سنـة أربـع وثلاثين لثلاث عشرة سنة من ولايته وعهد لأخيه يحيى بن محمد فقام بالأمر وامتد سلطانه وعظمت دولته وحسنت آثار أيامه. واستجدت فاس في العمران وبنيت بها الحمامات والفنادق للتجار وبينت الأرباض ورحل إليهـا النـاس مـن الثغور القاصية واتفق أن نزلتها امرأة من أهل القيروان تسمى أم البنين بنت محمد الفهري وقال ابن أبي ذرع اسمها فاطمة وإنها من هوارة. وكانت مثرية بموروث أفادته من ذويها واعتزمت علـى صرفـه فـي وجـوه الخيـر فاختطـت المسجـد الجامـع بعـدوة القروييـن أصغـر مـا كـان سنـة خمس وأربعين في أرض بيضاء كان أقطعها الإمام إدريس وأنبطت بصحنها بئراً شراباً للناس فكأنما نبهت بذلك عزائم الملوك من بعدها ونقلت إليه الخطبة من جامع إدريس لضيق محلته وجوار بيته. واختط بعد ذلك أحمد بن سعيد بن أبي بكر اليغرني صومعته سنة خمس وأربعين وثلاثمائة علـى رأس مائـة سنـة من اختطاط الجامع حسبما هو منقوش في الحجارة بالركن الشرقي منها. ثم أوسع في خطته المنصور بن أبي عامر وجلب إليه الماء وأعذ له السقاية والسلسلة بباب الحفـاة منـه. ثم أوسع في خطته آخر ملوك لمتونة من الموحدين وبنى مرين واستمرت العمارة به وانصرفـت هممهـم إلـى تشييـده والمنافسـات فـي الاحتفـال بـه فبلـغ الاحتفـال فيـه ما شاء الله حسبما هـو مذكـور فـي تواريـخ المغـرب. وهلـك يحيـى هـذا سنة وولي ابنه يحيى بن يحيى فأساء السيرة وكثر عيثه في الحرم وثارت به العامة لمركب شنيع أتاه وتولى كبر الثورة عبد الرحمن بن أبي سهل الحزامي وأخرجوه من عدوة القرويين إلى عدوة الأندلسيين فتوارى ليلتين ومات أسفـا لليلتـه. وانقطـع الملـك مـن عقب محمد بن إدريس. وبلغ الخبر بشأن يحيى إلى ابن عمه علي بن عمـر صاحب الريف. واستدعاه أهل الدولة من العرب والبربر والموالي فجاء إلى فاس ودخلها وبايعوه واستولى على أعمال المغرب إلى أن ثار عليه عبد الرزاق الخارجي خرج بجبال لمتونة وكـان علـى رأي الصفريـة فزحـف إلـى فاس وغلب عليها ففر إلى أوربة وملك عبد الرزاق عدوة الأندلس وامتنعت منه عدوة القرويين وولوا على أنفسهم يحيى بن القاسم بن إدريس وكـان يعرف بالصرام بعثوا إليه فجاءهم في جموعه وكانت بينه وبين الخارجي حروب. ويقال إنه أخرجـه مـن عـدوة الأندلـس واستعمـل عليهـا ثعلبـة بـن محـارب بـن أبـي صفـرة. ثـم استعمل ابنه عبد اللـه المعـروف بعبـود من بعده ثم ابنه محارب بن عبود بن ثعلبة إلى أن اغتاله الربيع بن سليمان سنـة اثنتيـن وتسعيـن ومائتين. وقام بالأمر مكانه يحيى بن إدريس بن عمر صاحب الريف وهو ابـن أخـي علـي بـن عمر فملك جميع أعمال الأدارسة وخطب له على سائر أعمال المغرب وكان أعلى بني إدريس ملكا وأعظمهم سلطانـا وكـان فقيهـاً عارفـاً بالحديـث ولـم يبلـغ أحـد مـن الأدارسة مبلغه في السلطان والدولة. وفي أثناء ذلك كله خلط الملك للشيعة بإفريقيا وتغلبوا على الإسكندرية واختطوا المهدية كما نذكره في دولة كتامة. ثم طمحوا إلى ملك المغرب وعقدوا لمضالة بن حبوس كبير مكناسة وصاحب تاهرت علـى محاربـة ملوكـه سنـة خمـس وثلاثمائة فزحف إليه في عساكر مكناسة وكتامة وبرز لمدافعته يحيى بن إدريس صاحـب المغـرب بجموعه من المغرب وأولياء الدولة من أوربة وسائر البرابرة والموالي والتقوا على مكناسة وكانـت الدبـرة علـى يحيـى وقومـه ورجـع إلـى فاس مغلولا وأجاز له بها معاملة إلى أن صالحه على مال يؤديه إليه وطاعة معروفة لعبيد الله الشيعي سلطانه يؤديها فقبل الشرط وخرج عن الأمر وخلع نفسه وأنفذ بيعته إلى عبيد الله المهدي وأبقى عليه مصالحه في سكنى فاس وعقد له على عملها خاصة وعقد لابن عمه موسى بن أبي العافية أمير مكناسـة يومئـذ وصاحـب سنوروتازه على سائر أعمال البربر كما نذكره في أخبار مكناسة ودولة موسى. وكان بين موسى بن أبي العافية وبين يحيى بن إدريس شحناء وعداوة يضطغنها كل واحد لصاحبـه حتـى إذا عـاد مضالـة إلـى المغـرب فـي غزاتـه الثانيـة سنـة تسـع أغـزاه موسـى بن أبي العافية بطلحة بن يحيى بن إدريس صاحب فاس فقبض عليه مضالة استصفى أمواله وذخائره وغربه إلـى أصيـلا والريـف عمـل ذي قربـاه ورحمـه وولـى على فاس ريحان الكتامي. ثم خرج يحيى يريد إفريقيـا فاعترضـه ابـن أبـي العافيـة وسجنـه سنتيـن وأطلقـه ولحـق بالمهديـة سنـة إحـدى وثلاثيـن وهلك فـي حصـار أبـي يزيـد سنـة واستبـد ابـن أبـي العافيـة بملـك المغـرب وثار على ريحان الكتامي بفاس سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس الملقب بالحجام ونفى ريحان عنها وملكها عامين وزحف للقاء موسى بن أبي العافية وكانت بينهما حروب شديدة هلك فيها ابنه منهال بن موسى وانجلت المعركة على أكثر من ألف قتيل وخلص الحسن إلى فاس منهزماً وغدر به حامد بن حمدان الأوربي واعتقله. وبعث إلى موسى فوصل إلى فاس وملكها وطالبه بإحضار الحسن فدافعه عن ذلك وأطلق الحسـن متنكـراً فتدلـى مـن السـور فسقـط ومـات مـن ليلته. وفر حامد بن حمدان إلى المهدية وقتل موسى بن أبي العافية عبد الله بن ثعلبة بن محـارب وابنيـه محمـداً ويوسـف وذهـب ملـك الأدارسـة واستولـى ابن أبي العافية على جميع المغرب وأجلى بني محمد بن القاسم بن إدريس وأخـاه الحسن إلى الريف فنزلوا البصرة واجتمعوا إلى كبيرهم إبراهيم بن محمد بن القاسم أخي الحسـن وولـوه عليهـم واختـط لهـم الحصن المعروف بهم هنالك وهو حجر النسر سنة سبع عشرة وثلاثمائة أنزلوه وبنو عمر بن إدريس يومئذ بغمارة من لدن تيجساس إلى سبتة وطنجة وبقي إبراهيم كذلك. وشمر الناصر المرواني لطلب المغرب وملك سبتة علي بن إدريس سنة تسع عشـرة وكبيرهـم يومئـذ أبـو العيش بن إدريس بن عمر فانجابوا له عنها وأنزل بها حاميته. وهلك إبراهيم بن محمد كبير بني محمد فتولى عليهم من بعده أخوه القاسم الملقب بكانون وهو أخو الحسن الحجام واسمه القاسم بن محمد بن القاسم وقام بدعوة الشيعة انحرافا عن أبي العافية ومذاهبه. واتصل الأمر في ولده وغمارة أولياؤهم لقائمون بأمرهم كما نذكره في أخبار غمارة. ودخلت دعوة المروانيين خلفاء قرطبة إلى المغرب وتغلبت زناتة على الضواحي. ثم ملك بنو يعـرب فـاس وبعدهـم مغـراوة وأقـام الأدارسـة بالريـف مـع غمارة وتجدد لهم به ملك في بني محمد وبني عمر بمدينة البصرة وقلعة حجر النسر ومدينة سبتة وأصيلا. ثم تغلب عليهم المروانيون وأثخنوهم إلى الأندلس ثم أجازوهم إلى الإسكندرية. وبعث العزيز العبيدي بن كانون منهم لطلب ملكهم بالمغرب فغلبه عليه المنصور بن أبي عامر وقتله.وعليه كان انقراض أمرهم وانقراض سلطان أوربة من المغرب وكان من أعقاب الأدارسة الذين أووا إلـى غمـارة فكانـوا الدائليـن مـن ملـوك الأمويـة بالأندلـس. وذلـك أن الأدارسـة لمـا انقـرض سلطانهـم صـاروا إلـى بلـاد غمـارة واستجـدوا بهـا رياسة واستمرت في بني محمد وبني عمر من ولد إدريس بن إدريس وكانت للبربر إليهم بسبب ذلك طاعة وخلطة. وكان بنو حمود هؤلاء مـن غمـارة فأجـازوا مـع البربـر حيـن أجـازوا في مظاهرة المستعين. ثم غلبوه بعد ذلك على الأمر وصار لهم ملك الأندلس حسبما تذكر في أخبارهم. وأما سليمان أخو إدريس الأكبر فإنه فر إلى المغرب أيام العباسيين فلحق بجهات تاهرت بعد مهلك أخيه إدريس وطلب الأمر هناك فاستنكره البرابرة وطلبه ولاة الأغالبة فكان في طلبهم تصحيـح نسبـه. ولحـق بتلمسان فملكها وأذعنت له زناتة وسائر قبائل البربر هنالك وورث ملكه ابنه محمد بن سليمان على سننه ثم افترق بنوه على ثغور المغرب الأوسط واقتسموا ممالكه ونواحيـه فكانـت تلمسـان مـن بعـده لابنـه محمـد بن أحمد بن القاسم بن محمد بن أحمد وأظن هذا القاسم هو الذي يدعي بنو عبد الواد نسبه فإن هذا أشبه من القاسم بن إدريس بمثل هذه الدعوى. وكانت ارشكول لعيسى بن محمد بن سليمان. وكان منقطعاً إلى الشيعة. وكانت جـراوة لإدريـس بـن محمـد بـن سليمـان ثـم لابنـه عيسـى وكنيتـه أبـو العيش ولم تزل إمارتها في ولده ووليهـا بعـده ابنـه إبراهيـم بـن عيسـى ثم ابنه يحيى بن إبراهيم ثم أخوه إدريس بن إبراهيم وكان إدريس بن. إبراهيم صاحب أرشكول منقطعا إلى عبد الرحمن الناصر وأخوه يحيى كذلك. وارتـاب مـن قبلـه ميسـور قائـد الشيعة فقبض عليه سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة ثم انحرف عنهم فلمـا أخـذ ابـن أبـي العافيـة بدعـوة العلويـة نابـذ أوليـاء الشيعـة فحاصـر صاحـب جـراوة الحسـن بن أبي العيـش وغلبـه علـى جـراوة فلحـق بابن عمه إدريس بن إبراهيم صاحب أرشكول. ثم حاصرها البوري بن موسى بن أبي العافية وغلب عليهما وبعث بهما إلى الناصر فأسكنهما قرطبـة وكانـت تنـس لإبراهيـم بـن محمـد بن سليمان ثم لابنه محمد من بعده ثم لابنه يحيى بن محمد ثم ابنه علي بن يحيى وتغلب عليـه زيـري بـن منـاد سنـة اثنتيـن وأربعيـن وثلاثمائـة ففـر إلـى الجبـر بـن محمـد بن خزر وجاز ابناه حمزة ويحيى إلى الناصر فتلقاهما رحبا وتكرمة. ورجع يحمى منهما إلى طلـب تنـس فلـم يظفـر بهـا. وكـان مـن ولـد إبراهيـم هـذا أحمـد بـن عيسـى بـن إبراهيـم صاحـب سـوق إبراهيم وسليمان بن محمد بن إبراهيم من رؤساء المغرب الأوسط. وكان من بني محمد بن سليمـان هـؤلاء وبطوش بن حناتش بن الحسن بن محمد بن سليمان قال ابن حزم وهم بالمغرب كثير جداً وكان لهم بها ممالك وقد بطل جميعها ولم يبق منهم بها رئيـس بنواحـي بجايـة. وحمل بني حمـزة هـؤلاء جوهـر إلـى القيـروان وبقيـت منهـم بقايـا فـي الجبـال والأطـراف معروفـون هنالـك عند البربر والله وارث الأرض ومن عليها. هذه الدعوة فيها اضطراب منذ أولها فلم يتم لصاحبها دولة وذلك أن دعاة العلوية منذ زمان المعتصم من الزيدية كما شرحناه وكان من أعظمهم الذين دعا لهم شيعتهم بالنواحي علي بن محمـد بـن أحمـد بـن عيسـى بـن زيد الشهيد ولما اشتهر أمره فر وقتل ابن عمه علي بن محمد بن الحسن بن علي بن عيسى وبقي هو متغيباً فادعى صاحب الزنج هذا سنة خمس وخمسين ومائتيـن أيـام المهـدي أنـه هـو فلما ملك البصرة ظهر هذا المطلوب ولقيه صاحب الزنج حياً معروفاً بين النـاس فرجـع عـن دعـوى نسبـه وانتسـب إليـه إلـى يحيـى بـن يزيـد قتيـل الجـون ونسبـه المسعـودي إلـى طاهر بن الحسين بن علي وقال فيه علي بن محمد بن جعفر بن الحسين بن طاهر. ويشكل ذلك بأن الحسين بن فاطمة لم يكن له عقب إلا من زين العابدين قاله ابن حزم وغيره فإن أراد بطاهر طاهر بن يحيى المحدث بن الحسن بن عبيد الله بن حسن الأصغر بن زين العابديـن فتطـول سلسلة نسبه وتشتمل على اثني عشرة إلى الحسين بن فاطمة ويبعد ذلك إلى العصر الذي ظهر فيه. والذي عليه المحققون الطبري وابن حزم وغيرهما أنه رجل من عبد القيـس مـن قريـة تسمـى ودريفن من قرى الري واسمه علي بن عبد الرحيم حدثته نفسه بالتوثب ورأى كثرة خروج الزيدية من الفاطميين فانتحل هذا النسب وادعاه وليس من أهله. ويصدق هذا أنه كان خارجياً على رأي الأزارقة يعلن الطائفتين من أهل الجمل وصفين وكيف يكون هـذا مـن علـوي صحيـح النسـب ولأجل انتحاله هذا النسب وبطلانه في دعاويه فسد أمره فقتل ولم تقم له دولة بعد أن فعل الأفاعيل وعاث في جهات البصرة واستباح الأمصار وخربهـا وهـزم العساكـر وقتـل الأمـراء الأكابر واتخذ لنفسه حصونا قتل فيها من جاوبه لمكره سنة الله في عباده. وسيـاق الخبـر عنـه أنـه شخص من الذين حجبوا ببغداد مع جماعة من حاشية المنتصر ثم سار إلى البحرين سنة تسع وأربعين ومائتيـن فادعـى أنـه علـوي مـن ولـد الحسيـن بـن عبيـد اللـه بـن عبـاس بـن علـي ودعـا النـاس إلـى طاعتـه فاتبعـه كثيـر مـن أهـل هجـر. ثـم تحـول إلى الإحساء ونزل على بعض بني تميم ومعه قوارة يحيى بن محمد الأزرق وسليمان بن جامع وقاتل أهل البحرين فهزموه وافترقـت العـرب عنـه ولحـق بالبصـرة والفتنـة فيها بين البلالية والسعدية وبلغ خبره محمد بن رجاء العامـل فطلبـه فهـرب وحبـس ابنـه وزوجتـه وبعـض أصحابـه ولحق هو ببغداد فانتسب إلى عيسى بـن زيـد الشهيـد كمـا قلنـاه وأقـام بها حولا. ثم بلغه أن البلالية والسعدية أخرجوا محمد بن رجاء مـن البصـرة وأن أهلـه خلصـوا فرجع إلى البصرة في رمضان سنة خمس وخمسين ومعه يحيى بن محمد وسليمان بن جامع. ومن أهل بغداد الذين استمالهم جعفر بن محمد الصمدحاني وعلي بن أبان وعبدان غير من سمينـا فنـزل بظاهـر البصـرة ووجـه دعوتـه إلـى العبيـد مـن الزنـوج وأفسدهـم علـى مواليهـم ورغبهـم في العتق ثم في الملك واتخذ راية رسم فيها " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم " الآية. وجاءه موالـي العبيـد فـي طلبهـم فأمرهم بضربهم وحبسهم ثم أطلقهم. وتسايل إليه الزنوج واتبعوه وهزم عساكر البصرة والأبلة وذهب إلى القادسية وجاءت العساكر من بغداد فهزمهم ونهب النواحي وجاء المدد إلى البصرة مع جعلان من قواد الترك وقاتلوه فهزمهم. ثم ملك الأبلة واستباحها وسار إلى الأهواز وبها إبراهيم بن المدبر على الخوارج فافتتحها وأسر ابن المدير سنة ست وخمسين إلى أن فر من محبسهم فبعث المعتمد سعيد بن صالح الحاجب لحربهم سنة سبع وخمسين وهو يومئذ عامل البصرة وسار من واسط فهزمه علي بن أبان من قواد الزنج لحربهم هزمـه إلـى البحريـن فتحصن بالبصرة وزحف علي بن أبان لحصاره حتى نزل على أمانه ودخلها وأحرق جامعها ونكب عليه صاحب الزنج فصرفه وولى على البصرة مكانه يحيى بن محمد البحراني. وبعث المعتمد محمد المولد إلى البصرة فأخرج عنها الزنج ثم بيتوا محمد بن المولد فهزموه ثم سـاروا إلـى الأهـواز وعليهـا منصـور الخيـاط فواقع الزنج فغلبوه وكان المعتمد قد استقدم أخاه أبا أحمـد الموفـق مـن مكـة وعقـد لـه علـى الكوفـة والحرميـن وطريق مكة واليمن ثم عقد له على بغداد والسواد وواسط وكور دجلة والبصرة والأهواز وأمـره أن يعقـد ليارجـوج علـى البصـرة وكـور دجلـة واليمامـة والبحريـن مكـان سعيـد بـن صالـح. ثـم انهـزم سعيـد بـن صالـح فعقد يارجوج لمنصور بـن جعفـر مكانـه ثـم قتلـه الزنـج كمـا قلنـاه فأمـر المعتمـد أخـاه الموفـق بالمسيـر إليهم في ربيع سنة ثمان وخمسيـن وعلـى مقدمته مفلح فأجفل الزنج عن البصرة وسار قائدهم علي بن أبان فلقي مفلحا فقتـل مفلح وانهزم أصحابه ورجع الموفق إلى سامرا وكان اصطيخور ولي الأهواز بعد منصور الخياط وجاءه يحيـى بـن محمـد البحرانـي مـن قـواد الزنـج وبلغهـم مسيـر الموفـق فانهـزم يحيـى البحراني ورجع في السفن فأخذ وحمل إلى سامرا فقتل وبعث صاحب الزنج مكانه علي بن أبان وسليمان الشعراني فملكوا الأهواز من يد اصطيخور سنة تسع وخمسين بعد أن هزموه وهرب في السفن فغرق. وسـرح المعتمـد لحربهـم موسـى بـن بغـا بعـد أن عقـد لـه على تلك الأعمال فبعث إلى الأهواز عبد الرحمـن بـن مفلـح وإلـى البصـرة إسحاق بن كيداجق وإلى باداورد إبراهيم بن سليمان وأقاموا في حروبهـم مـدة سنـة ونصفهـا. ثـم استعفـى موسـى بـن بغـا وولي تلك الأعمال مكانه مسرور البلخي وجهز المعتمد أخاه أبا أحمد الموفق لحربهم بعد أن عهد له بالخلافة ولقبه الناصر لدين الله الموفق وولاه على أعمال المشرق كلها إلى آخر أصفهان وعلى الحجاز فسار لذلك سنة اثنتين وستين واعترضه يعقوب الصفار يريد بغداد فشغل بحربه وانهزم الصفار وانتزع من يده ما كان ملكه من الأهواز. وكان مسرور البلخي قد سار إلى المعتمد وحضر معه حرب الصفار فاغتنم صاحب الزنج خلو تلك النواحي من العسكر وبث سراياه للنهب والتخريب في القادسية وجاءت العساكر مـن بغـداد مـع اغرتمش وخشنش فهزمهم الزنج وقائدهم سليمان بن جامع وقتل خشنش. وكان علـي بـن أبـان مـن قوادهـم قـد سـار إلـى الأهـواز وأميرهـا يومئـذ محمـد بن هزار مرد الكردي فبعث مسـرور البلخـي أحمـد بـن الينونة للقائهم فغلب أولاً. على الأهواز علي بن أبان ثم ظاهره محمد بـن هـزار مرد والأكراد فرجع إلى السوس وأقام علي بن أبان وصاحبه بتستر وطمع أنه يخطب لصاحب الزنج فخطب هو للصفار فاقتتلا وانهزم علـي بـن أبـان وخـرج واضطربـت فـارس بالفتنة. ثم ملك الصفار الأهواز وواعد الزنج وسار سليمان بن جامع من قواد الزنج وولي الموفـق علـى مدينـة واسـط أحمـد بـن المولـد فزحـف إليه الخليل بن أبان فهزمه واقتحم واسطا واستباحها سنـة أربـع وستيـن وضربـت خير لهم في نواحي السواد إلى النعمانية إلى جرجرايا فاستباحوها وسـار علـي بـن ابـان إلـى الأهـواز فحاصرها واستعمل الموفق عليها مسروراً البلخي فبعثه تكيد البخـاري إلـى تستر فهزمهم علي بن أبان وجماعة الزنج وسألوه الموادعة فوادعهم واتهمه مسرور فقبض عليه وبعث مكانه اغرتمش فهزم الزنج أولاً ثم هزموه ثانيا فوادعهم. ثم سار علي بن أبان إلى محمد بن هزارمرد الكردي فغلبه على رامهرمز حتى صالحه عليها على مائتي ألف درهـم وعلـى الخطبـة لـه فـي أعمالـه. ثـم سار أبن أبان لحصار بعض القلاع بالأهواز فزحف إليه مسرور البلخي فهزمه واستباح معسكره. وكان الموفق لما اقتحم الزنج مدينة واسط بعث ابنه أبا العباس سنة ست وستين في عشرة آلاف من المقاتلة ومعه السفن في النهر عليها أبو حمزة نصير فكتب إليه نصير بأن سليمان بن جامع أقبل في المقاتلة والسفن براً أو بحراً وعلى مقدمته الجناني ولحقهم سليمان بن موسى الشعراني بالعساكر ونزلوا من الطفح إلى أسفل واسط فسار إليهم أبو العباس فهزمهم فتأخروا وراءهم وأقام على واسط يردد عليهم الحروب والهزائم مرة بعد أخرى ثم أمر صاحب الزنج قائده ابن أبان وابن جامع أن يجتمعا لحرب أبي العباس بن الموفق وبلغ ذلك الموفق فسار من بغـداد فـي ربيـع سنـة سبـع وستيـن فانتهـى إلـى المنيعـة وقاتـل الزنج فانهزموا أمامه واتبعهم أصحاب أبى العباس ابنه فاقتحموا عليهم المنيعة وقتلوا وأسروا وهدم سور المنيعة وطمس خندقها وهرب الشعراني وابن جامع وسار أبو العباس إلـى المنصـورة بطهشـا فنازلهـا وغلـب عليهـا وأفلت ابن جامع إلى واسط وغلب على ما فيها من الذخائر والأموال وهدم سورها وطم خنادقها ورجع إلى واسط. ثم سار الموفق إلى الزنج بالأهواز واستخلف ابنه هارون على جنده بواسط وجاءه لخبر برجوع الزنج إلى طهشا والمنصورة فرد إليهم من يوقع بهم ومضى لوجهه فانتهى إلى السوس وعلـي بـن أبـان بالأهـواز فسـار إلـى صاحبـه واستأمـن المخلفـون هنالـك إلـى موفـق فأمنهم وسار إلى تستـر وأمـن محمـد بـن عبـد اللـه الكـردي ثـم وافى الأهواز وكتب إلى ابنه هارون أن يوافيه بالجند بنهـر المبـارك مـن فرات البصرة وبعث ابنه أبا العباس حرب الخبيث بنهر أبي الخصيب واستأمن إليه جماعة من قواده فأمنه وكتب إليه بالدعوة والأعذار وزحف إليه في مدينته المختارة له وأطلـق السفـن فـي البحـر وعبـى عساكـره وهـي نحـو مـن خمسيـن ألفـاً والزنـج فـي نحو من ثلاثمائة ألف مقاتـل ونصـب الآلـات ورتـب المنـازل للحصـار وبنـى المقاعـد للقتال واختط مدينة الموفقية لنزوله وكتب بحمل الأموال والميرة إليها فحملت وقطع الميـرة عـن المختـارة وكتـب إلـى البلـاد بإنشـاء السفـن والاستكثـار منهـا وقـام يحاصرهـا من شعبان سنة سبع وستين إلى صفر من سنة سبعين. ثم اقتحم عليهم المختارة فملكها وفر الخبيث وابنه انكلاي وابن جامع إلى معقل أعده واتبعه طائفة من الجند فانقطعوا عنه وأمرهم من الغد بأتباعه فانهزم وقتل من أصحابه وأسر ابن جامع. ثم قتل صاحب الزنج وجيء برأسـه ولحـق انكلـاي بالدينـاري خمسـة آلـاف ولحقهـم أصحاب الموفق فظفروا بهم وأسروهم أجمعين. وكان درمونة من قواده قد لحـق بالبطيحـة واعتصـم بالمغايـض والآجـام ليقطـع الميـرة عـن أصحـاب الموفق. فلما علم بقتل صاحبه استأمن إلى الموفـق فأمنـه. ثـم أقـام الموفـق بمدينتـه قليـلا وولـى علـى البصـرة والأبلـة وكـور دجلـة ورجـع إلى بغداد فدخلها في جمادى سنة سبعين وكان لصاحب الزنج من الولد محمـد ولقبـه انكلـاي ومعنـاه بالزنجية ابن الملك ثم يحيى وسليمان والفضل حبسوا في المطبق إلى أن هلكوا. والله وارث الأرض ومن عليها. |
الخبر عن دعاة الديلم والجبل من العلوية
وما كان لهم من الدولة بطبرستان للداعي وأخيه أولا. ثم للأطروش وبنيه وتصاريف ذلك إلي انقضائه كـان أبـو جعفـر المنصور قد اختص من العلوية من بني الحسن السبط حافده الحسن بن زيد بن الحسن وولاه المدينة وهو الذي امتحن الإمام مالكا رحمه الله كما هو معروف. وهو الذي أغرى المنصور عن قبل ببنـي حسـن وأخبـره بدسيسـة محمـد المهـدي وابنـه عبـد اللـه فـي شـأن الدعـاء لهم حتى قبض عليهم وحملهم إلى العراق كما قدمناه. وكان له عقب بالري منهم: الحسن بن زيـد بـن محمـد بـن إسماعيـل بـن الحسـن والـي المدينة ولما حدث بين عامل طبرستان محمد بن أوس الكافـل بهـا لسليمـان بـن عبـد اللـه بـن طاهـر نائبـاً عـن محمـد بـن طاهر صاحب خراسان وبين محمد وجعفر من بني رستم من أهل نواحي طبرستان حادث فتنة وقد تقدم ذكرها أغروا به أهل تلك النواحي وبعثوا إلى الديلم ليستنجدوا بهم عليه وكانوا على المجوسية يومئذ وهم حرب لمحمد بن أوس لدخوله بلادهم وقتله وسبيه منهم أيام المسالمة وملكهم يومئـذ وهشـوذار بـن حسان فأجابوا ابني رستم إلى حربه. وبعـث ابنـا رستـم إلـى محمـد بـن إبراهيـم بطبرستـان لكـون الدعـوة له فامتنع ودلهم على الحسن بن زيد بالري فاستدعوه بكتاب محمد بن إبراهيم فشخص إليهم وقد اتفق الديلم وابنا رستم وأهـل ناحيتهـم علـى بيعتـه فبايعـوه وانضـم إليهـم أهـل جبـال طبرستان. وزحف إلى آمد فقاتله ابن أوس دونـه وخالفـه الحسـن بـن زيـد فـي جماعـة إلـى آمـد فملكهـا ونجا ابن أوس إلى سليمان بن عبد الله بن طاهر بسارية وزحف إليهم الحسن فخرجوا للقائه فناشبهم الحرب وبعث بعض قواده إلى سارية فملكها وانهزم سليمان إلى جرجان واستولى الحسن على معسكره بما فيه وعلى حرمه وأولاده فبعثهم إليه في السفن. ويقـال: إن سليمـان انهـزم لـه لدسيسـة التشيـع التـي كانـت فـي بنـي طاهـر ثـم أقبـل الحسـن بـن زيـد إلى طبرستـان فملكهـا وهـرب عنهـا سليمـان ثـم بعـث الحسـن دعاته إلى النواحي وكان يعرف بالداعي العلـوي فبعـث إلـى الـري القاسـم ابـن عمـه علـي بن إسماعيل وبها القاسم بن علي بن زيد العابدين السمـري فملكهـا واستخلف بها محمد بن جعفر بن أحمد بن عيسى بن حسين الصغير بن زين العابدين. وبعث إلـى قزويـن الحسيـن المعـروف بالكوكبـي بـن أحمـد بـن محمـد بـن إسماعيـل بـن محمـد بـن جعفر وهزمه وأسره فبعث الحسن بن زيد قائده دواجن إلى محمد بن ميكال فهزمه وقتلـه وملك الري من يده وذلك سنة خمسين ومائتين. ثـم زحف سليمان بن عبد الله بن طاهر من جرجان في العساكر فأجفل الحسن بن زيد عن طبرستان إلى الديلم ودخلها سليمان. ثم قصد سارية وأتاه ابنا قاران بن شهرزاد من الديلم وأتاه أهل آمد وغيرهم طائعين فصفح عنهم. ثم سار محمد بن طاهر إلى لقاء الحسن فهزمه وقتل من أعيان أصحابه ثلاثمائة وأربعين رجلا. ثم زحف موسى بن بغا لحربهم سنة ثلاث وخمسيـن فلقيـه الحسـن الكوكبـي علـى قزويـن وانهـزم إلـى الديلم واستولى موسى بن بغا على قزوين ثـم رجـع الكوكبـي سنـة سـت وخمسيـن فاستولـى علـى الـري واستولـى القاسـم بـن علـي بعدها على الكرخ سنة سبع ثم زحف الحسن بن زيد إلى جرجان وبعث إليها محمد بن طاهر صاحب خراسان العساكر فهزمهم الحسن وغلبهم عليها وانتقـض أمـر ابـن طاهـر بخراسـان مـن يومئـذ واختلف المغلبون عليه وكان ذلك داعياً إلى انتزاع يعقوب الصفار خراسان من يده. ثم غلبه الحسين سنة تسع وخمسين على قومس. استيلاء الصفار على طبرستان كان عبد الله السخري ينازعه يعقـوب بـن الليـث الصفـار الرياسـة بسجستـان فلمـا استولـى يعقـوب علـى الأمـر هـرب عبـد اللـه إلى نيسابور مستجيراً بابن طاهر فأجاره. فلما هلك يعقوب الصفـار بنيسابـور هـرب عبـد اللـه إلـى الحسـن بـن زيد ونزل سارية وبعث فيه يعقوب الصفار فلم يسلمه الحسن بن زيد فسار إليه يعقوب سنة ستين وهزمه فلحق أرض الديلم ولحق عبد الله بالري. وملك يعقوب ساريـة وآمـد وجبـى خراجهـا وسـار فـي طلـب الحسـن فتعلـق بجبـال طبرستـان واعترضتـه الأمطـار والأوحـال فلـم يخلـص إلا بمشقـة. وكتب إلى الخليفة بخبر الحسن وما فعله معه وسار إلى الري في طلب عبد الله السخري فأمكنه منه والي الري فقتله. ثم رجع الحسن بن زيد إلى طبرستان سنة إحدى وستين وغلب عليها أصحاب الصفار واقتطعها عنهم. ثم انتقض السجستاني على يعقوب بن الليث بخراسان وملكها. من يده كما ذكرنـاه فسـار وحاربـه أبـو طلحـة بـن شركـب وأمـره الحسن بن زيد فسار السجستاني إلى محاربته بسبب ذلك سنة خمس وستين وانتزاع جرجان من يده ثم خرج عنها بقتال عمرو بن الليث بعد موت أخيه يعقوب كما نذكر في أخبارهم فملكها الحسن بن زيد. ثم أوقع السجستاني بالحسن بن زيد سنة ست وستين كبسه بجرجان وهو غاز فهزمه ولحق بآمد وملك سارية واستخلف عليها الحسن بن محمد بن جعفر بن عبد الله الشيعي بن الحسين الأصغر بن زين العابدين. وانصرف فأظهر الحسن بسارية قتل الحسن بن زيد ودعا لنفسه فبايعه جماعة. ثم وافاه الحسن بن زيد فظفر به وقتله. وفاة الحسن بن زيد وولاية أخيه ثـم توفـي الحسـن بـن زيـد صاحـب طبرستـان فـي رجـب سنـة سبعيـن وولـي مكانـه أخـوه محمـد وكـان قيامهم أولاً على ابن طاهر كما ذكرناه. ثم غلب يعقوب الصفار على خراسان وانتقض عليه أحمد السجستاني وملكها من يده ثم مات يعقوب سنة خمس وستين وولي مكانه أخوه عمرو وزحف إلى خراسان وقاسم السجستاني فيهـا وكانـت بينهمـا حـروب وكـان الحسـن داعـي طبرستان يقابلهما جميعاً إلى أن هلك وولي مكانه أخوه كما ذكرناه. وكانت قزوين تغلب عليها أثناء ذلك عساكر الموفق ووليها أذكوتكين من مواليهم فزحف إلى الري سنة اثنتين وسبعين وزحـف إليـه محمـد بن زيد في عالم كبير من الديلم وأهل طبرستان وخراسان فانهزم وقتل من عسكره ستة آلاف وأسر ألفان وغنم أذكوتكين عسكره جميعاً وملك الري وفرق عماله في نواحيهـا. ثـم مات السجستاني وقام بأمره في خراسان رافع بن الليث من قواد الظاهرية فغلب محمـد بـن زيـد علـى طبرستـان وجرجـان فلحق بالديلم ثم صالحه سنة إحدى وثمانين وخطب له فيهـا سنـة اثنتيـن وثمانيـن علـى أن ينجـده علـى عمـر بن الليث وكتب له عمرو بن الليث يعذله عن ذلك فأقصر عنه فلما غلب عمرو على رافع رعى لمحمد بن زيد خذلانه لرافع فخلى له عن طبرستان وملكها. مقتل محمد بن زيد كان عمرو بن الليث لما ملك خراسان وقتل رافع بن هرثمة طلب من المعتضد ولاية ما وراء النهر فولاه. واتصل الخبر بإسماعيل بن أحمد الساماني ملك تلك الناحية فعبر جيحون وهزم جيـوش عمـرو بـن الليـث ورجع إلى بخارى فزحف عمرو بن الليث من نيسابور إلى بلخ وأعوزه العبور. وجاء إسماعيل فعبر النهر وأخذ عليه الجهات بكثرة جموعه فأصبح كالمحاصر. ثم اقتتلـوا فانهـزم عمـرو وأسـره إسماعيـل وبعـث بـه إلـى المعتضـد سنـة ثمان وثمانين فحبسه إلى أن قتل وعقد لإسماعيل على ما كان بيد عمرو. ولما اتصل بمحمد بن زيد واقعة عمرو وأمره سار من طبرستان لا يرى أن إسماعيل يقصدها فلما انتهى إلى جرجان بعث إليه إسماعيل يصده عن ذلك فأبى فسرح إليه محمد بن هرون وكان من قواد رافع بن هرثمة وصار من قواد إسماعيل بن سامان فلقي محمد بن زيد على جرجان واقتتلوا فانهزم محمد بن هارون أولا. ثم رجعت الكرة على محمد بن زيد وافترقت عساكره وقتل من عساكره عالم وأسر ابنه زيد وأصابته هو جراحات هلك منها لأيام قلائل وغنـم ابـن هارون عسكره بما فيه وسار إلى طبرستان فملكها وبعث يزيد إلى إسماعيل فأنزله ببخارى ووسع عليه الإنفـاق واشتـدت عليـه شوكـة الديلـم. وحاربهـم إسماعيـل سنـة تسـع وثمانيـن وملكهـم يومئـذ ابن حسان فهزمهم وصارت طبرستان وجرجان في ملك بني سامان مع خراسان إلى أن ظهر بها الأطروش كما نذكر بعد. ويقال إن زيد بـن محمـد بـن زيـد ملـك طبرستان من بعد ذلك إلى أن توفي ملكها من بعده ابنه الحسن بن زيد. ظهور الاطروش العلوي وملكه طبرستان الأطروش هذا من ولد عمر بن زين العابدين الذي كان منهم داعي الطالقان أيام المعتصم وقد مـر ذلـك. واسـم الأطـروش الحسـن بـن علـي بـن الحسيـن بـن علـي بـن عمـر دخـل إلـى الديلـم بعـد مقتل محمد بن زيد وأقام فيهم ثلاث عشرة سنة يدعوهم إلى الإسلام ويأخذ منهم العشر ويدافع عنهم ملكهم ابن حسان فأسلم منهم خلق كثير واجتمعوا عليه وبنى في بلادهم المساجد وحملهـم علـى رأي الزيديـة فدانـوا بـه. ثـم دعاهـم إلـى المسيـر معـه إلـى طبرستـان. وكـان عاملهـا محمـد بـن نـوح مـن قبـل أحمـد بـن إسماعيـل بـن سامـان وكـان كثير الإحسان إليهم فلم يجيبوا الأطروش إلى البغـي عليـه. ثـم عزل ابن سامان عن طبرستان ابن نوح وولى عليها غيره فأساء السيرة فأعاد إليهـا ابـن نـوح ثـم مـات فاستعمـل عليها أبا العباس محمد بن إبراهيم صعلوكا فأساء السيرة وتنكر لرؤساء الديلم فدعاهم الحسن الأطروش للخـروج معـه فأجابـوه فسـار إليهـم صعلـوك ولقيهـم بشاطىء البحر على مرحلة من سالوس فانهزم وقتل من أصحابه نحو من أربعة آلاف وحصر الاطروش بقيتهم في سالوس حتى استأمنوا إليه فأمنهم ونزل آمد. وجـاء صهـره الحسـن بـن قاسـم بـن علـي بـن عبـد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني بن القاسم بـن الحسـن بـن زيـد والـي المدينـة وقـد مـر ذكـره فلـم يحضـر قتـل أولئك المستأمنين واستولى الأطروش على طبرستان وتسمى الناصر وذلك سنة إحدى وثلاثمائة ولحق صعلوك بالري وسار منها إلى بغداد. ثـم زحـف الناصـر سنـة اثنتين فخرج عن آمد ولحق بسالوس وبث إليه صعلوك العساكر فهزمهم الحسن الداعي وهو الحسن بن زيد. ثم زحفت إليه عساكر خراسان وهي للسعيد نصر بن أحمد فقتلوه سنة أربع وثلاثمائة وولى صهره وبنوه وكانت بينهم حروب بالديلم كما نذكره. وكان له من الولد أبو القاسم وأبو الحسن وكان قواده من الديلم جماعة منهم ليلى بن النعمان وولاه صهره الحسن بعد ذلك جرجان وما كان بن كالي وكانت له ولاية استراباذ ويقرأ مـن كتاب الديلم وكان من قواده الديلم جماعة أخرى منهم أسفار بن شيرويه من أصحاب ماكان ومرداويج من أصحاب أسفار والسيكـري مـن أصحابـه أيضـاً ومولويـه مـن أصحـاب مرداويـج ويأتي الخبر عن جميعهم. وكـان الحسـن بن قاسم صهر الأطروش وكان رديفه في الأمر حتى كان يعرف بالداعي الصغير واستعمل على جرجان سنة ثمان وثلاثمائة ليلى بن النعمان من كبار الديلم وكان له مكان في قومه وكان الأطروش وأولاده يلقبونه المؤيد لدين الله المنتصر لآل رسول الله وكانت خراسـان يومئذ لنصر بن أحمد من بني سامان. وكـان الدامغان ثغرها من ناحية طبرستان وكان بها فراتكين من موالي ابن سامان فوقعت بينه وبين ليلى حروب وهزمه ليلى واستفحل أمره ونزع إليه فارس مولى فراتكين فأكرمه وأصهر إليه بأخته واستأمن إليه أبو القاسم بن حفص وهو ابن أخت أحمد بن سهل قائد السامانية عندمـا نكـب خالـه أحمـد فأمنـه وأجـاره. ثـم حرضـه الحسـن بـن قاسـم الداعي الصغير على المسير إلـى نيسابـور فسـار إليهـا ومعـه أبـو القاسـم بن حفص فملكها من يد فراتكين سنة ثمان وثلاثمائة. وخطب بها للداعي وأنفذ السعيد نصر عساكره إليه من بخارى مع قائده حمويه بن علي ومعه محمد بن عبيد الله البلعي وأبو جعفر صعلوك وخوارزم شاه وسيجور الدواني ويقر أخان فلقيهم ليلى بطوس وقاتلوه فانهزم إلى آمد ولم يقدر على الحصار ولحقه يقراخان فقبض عليه وبعث حمويه من قتله واستأمن الديلم إليهم فأمنوهم وأشار حمويه بقتلهم فاستجاروا بالقواد وبعث برأس ليلى إلى بغداد وذلك في ربيع من سنة تسع وبقي فارس مولى فراتكين بجرجان. إمارة العلوية بطبرستان بعد الأطروش ولما قتل الحسن الأطروش سنة أربع وثلاثمائة كما قدمناه ولى مكانه بطبرستان صهره وهو الحسن بن القاسم وقـد مـر ذكـره ويسمـى بالداعـي الصغيـر ويلقـب بالناصـر. وبعـض النـاس يقولـون هـو الحسـن بن محمد أخي الأطروش هكذا قال ابن حزم وغيره وليس بصحيح وإنما هو صهره الحسن بن القاسم من عقب الحسين بن زيد والي المدينة. ثم من عقب حافده محمد البطحانـي بـن القاسـم بـن الحسـن وكـان أبـو الحسـن بـن الأطروش باستراباذ فبايع له ما كان بن كالي وقام بأمره فلما قتل ليلى بن نعمان صاحب جرجان وعاد فراتكين إليها ثم انصرف عنهـا وجاءه أبو الحسن بن أطروش باستراباذ فبايع له فملكها فبعث السعيد بن سامان صاحب خراسان قائده سيجور الدواني في أربعة آلاف فارس لحصاره بجرجان فحاصره شهراً ومع الحسن صاحب جيشه سرخاب بن وهشوداب وهو ابن عم ماكان بن كالي فلما اشتد بهم الحصـار خـرج أبـو الحسن وسرخاب في ثمانية آلاف من الديلم والجند فانهزم سيجور أولاً أتبعوه وقد أكمن لهم الكمائن فخرجت عليهم وقتل من الديلم والجند نحو أربعة آلاف وخلص أبو الحسن في البحر إلى استراباذ ولحقه سرخاب فخلفه وأقام سيجرر بجرجان. ثم هلك سرخاب وسار أبو الحسن إلى سارية وإستخلف ماكان بن كالي علـى استرابـاذ فاجتمع إليه الديلم وولوه على أنفسهم وزحف إليه عساكر السعيد بن سامان فحاصروه مدة. ثم خرج عن استراباذ إلى سارية فملكوها وولوا عليها يقراخان وعادوا إلى جرجان ثم إلى نيسابور ثم سار ماكان بن كالي إلى استراباذ وملكها من يد يقراخان ملك جرجان وأقام بها وذلك سنة عشر وثلائمائة. ثم استولى أسفار بن شيرويه على جرجان واستقل بها وكان سبب ذلك أنه كان من أصحاب ماكان بن كالـي ونكـره لبعـض أحوالـه فطـرده مـن عسكـره وسار إلى أبي بكر بن محمد بن اليسع من السامانية بنيسابور فخدمه وبعثه في عسكر إلى جرجان ليفتحها له وقد كان ماكان سار إلى طبرستان وولى على جرجان مكانه أخاه أبا الحسـن عليـا وكـان أبـو الحسـن بـن الأطـروش معتقـلا عنـده وهم ليله بقتله وقصده في محبسه فظفر به أبو علي وقتله وخرج من الدار. وأختفى وبعث من الغد إلى القواد فبايعوا له وولوا على جيشه علي بن خرشيد ورضوا به. واستقدموا أسفار بن شيرويه فاستأذن بكر بن محمد وقدم عليهم وسار إليهم ماكان بن كالي فحاربـوه وغلبـوه علـى طبرستان وأنزلوا بها أبا علي بن الأطروش فأقام بها أياماً ومات على أثره علي بن خرشيد صاحب جيشه وجاء ماكان بن كالي لحرب أسفار بطبرستان فانهزم أسفار ولحـق ببكـر بـن محمد بجرجان وأقام إلى أن توفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة فولاه السعيد على جرجان وأرسل إلى مرداويج بن دينـار الجبلـي وجعلـه أميـر جيشـه وزحفـوا إلـى طبرستـان فملكوها وكان الحسن بن القاسم الداعي قد استولى على الري وقزوين وزنجان وأبهر وقم وقائده ماكان بن كالي الديلمي فسار إلى طبرستان وقاتله أسفار فانهزم ماكان والحسن بـن القاسم الداعي وقتل بخذلان أصحابه إياه لأنه كان يشتد عليهم في تغيير المنكرات فتشاوروا في أن يستقدموا هذرسيدان من رؤساء الجبل وكان خال مرداويج ووشكين فيقدموه عليهم ويحبسوا الحسن الداعي وينصبوا أبا الحسن بن الأطروش. ونما الخبر بذلك إلى الداعي وقدم هذرسيدان فلقيه الداعي مع القواد وأدخلهم إلى عصره بجرجان ليأكلوا من مائدته فدخلوا وقتلهم عن آخرهم فعظمت نفرتهم عنه فخذلوه في هذا الموطن وقتـل واستولـى أسفـار علـى طبرستـان والـري وجرجـان وقزويـن وزنجـار وأبهـر وقـم والكرج ودعا للسعيد بن سامان صاحب خراسان وأقام بسارية واستعمل على آمد هرون بـن بهـرام وقصـد بذلـك استخلاصـه لنفسـه لأنـه كـان يخطـب لأبـي جعفـر مـن ولـد الناصـر الاطروش فولاه آمد وزوجه بإحدى نسائه الأعيان بها وحضر عرسه أبو جعفـر وغيـره مـن العلويين وهجم عليه أسفار يوم عرسه بآمد فقبض على أبي جعفر وغيره من أعيان العلويين وحملهم إلى بخارى فاعتقلوا بها إلى أن خلصوا من بعد ذلك. ومن تاريخ بعض المتأخرين: أن الحسن بن القاسم الداعي صهر الأطروش بويع بعد موته ولقب الناصر وملك جرجان. وكان الديلم قـد اشتملـوا علـى جعفـر بـن الأطـروش وتابعـوه فصـار الداعـي إلـى طبرستـان وملكهـا ولحـق جعفـر بدنباونـد فقبـض عليـه علـي بـن أحمـد بن نصر وبعث به إلـى علـي بـن وهشـودان بـن حسـان ملـك الديلـم وهو عامله فحبسه علي بن وهشودان بن حسان ملـك الديلـم فلمـا قتـل أطلقـه مـن بعده حسرة فيروز فاستجاش جعفر بالديلم وعاد إلى طبرستان فملكهـا وهـرب الحسـن. ثـم مـات جعفـر فبويـع أبـو الحسـن ابـن أخيـه الحسـن فلمـا ظهـر ماكان بن كالي بايع للحسن الداعي وأخرجه إليه وقبض على الحسن أحمد وهو ابن أخـي جعفـر وحبسـه بجرجان عند أخيه أبي علي ليقتله فقتله الحسن ونجا وبايعه القواد بجرجان. ثم حاربه ما كان فانهزم الحسن إلى آمد ومات بها وبويع أخوه أبو جعفر بن محمد بن أحمد وقصـده مـا كان من الري فهرب من آمد إلى سارية وبها أسفار ابن شيرويه. فقاتل دونه وانهزم أسفار إلى جرجان واستأمن إلى أبي بكر بن محمد بن الياس. ثم بايع ما كان لأبي القاسم الداعي وخرج الحسن إلى الري وطلب مرداويج بثأر خاله سيداب بن بندار. وكان الداعي بجرجـان سنـة إحدى وعشرين وثلاثمائة وانصرف ما كان إلى الديلم ثم ملك طبرستان وبايع بها لأبـي علـي الناصـر بـن إسماعيـل ابـن جعفـر بـن الأطـروش وهلـك بعد مدة. ومضى أبو جعفر محمد بن أبي الحسن أحمد بن الأطروش إلى الديلم إلى أن غلب مرداويج على الري فكتب إليـه وأخرجه عن الديلم وأحسن إليه. فلما غلب على طبرستان وأخرج ما كان عنها بايع لأبي جعفر هذا وسمي صاحب القلنسوة إلى أن مات وبويع أخوه ولقب الثائـر وأقـام مـع الديلـم. وزحـف سنـة ست وثلاثين إلى جرجان وبها ركن الدولة بن بويه فسرح إليه ابن العميد فانهزم الثائـر وتعلق بالجبال وأقام مع الديلم وملوك العجم يخطبون له إلى أن هلك سنة خمس وخمسين وثلاثمائة لثلاثين سنة من ملكه وبايعوا لأخيه الحسين بن جعفر وتلقب بالناصر وتقبفر عليه ليكوبن وشكس ملك الجبل وسلمه وانقرض ملك الفاطميين أجمع بتلك الجبال والبقاء لله وحده. |
الخبر عن دولة الإسماعيلية
ونبدأ منهم بالعبيديين الخلفاء بالقيروان والقاهرة. وما كان لهم من الدولة من المشرق والمغرب. أصل هؤلاء العبيديين من الشيعة الإمامية وقد تقدم لنا حكاية مذهبهم والبراءة من الشيخين ومن سائر الصحابة لعدولهم عن بيعة علي إلى غيره مع وصية النبي صلى الله عليه وسلم له بالإمامة بزعمهم وبهذا امتازوا عن سائر الشيعة. وإلا فالشيعة كلهم مطبقون على تفضيل علـي ولـم يقـدح ذلك عند الزيدية في إمامة أبي بكر لقولهم بجواز إمامة المفضول مع الأفضل ولا عند الكيسانيـة لأنهـم لـم يدعـوا هـذه الوصيـة فلـم يكـن عندهـم قـادح فيمـن خالفهـا. وهـذه الوصيـة لـم تعرف لأحد من أهل النقل. وهي من موضوعات الإمامية وقد يسمون رافضة قالوا لأنه لما خرج زيد الشهيد بالكوفة واختلف عليه الشيعة ناظروه في أمر الشيخين وأنهم ظلموا علياً فنكر ذلك عليهم فقالوا له: وأنت أيضا فلم يظلمك أحد ولا حق لك في الأمر وانصرفوا عنه ورفضوه فسموا رافضة وسمي أتباعه زيدية. ثم صارت الإمامة من علي إلـى الحسـن ثـم الحسين ثم ابنه علي زين العابدين ثم ابنه محمد الباقر ثم ابنـه جعفـر الصـادق كـل هـؤلاء ثم افترقـوا مـن ههنـا فرقتيـن: وهـم الاثنـا عشريـة والإسماعيليـة. واختـص الاثنـا عشريـة باسـم الإماميـة لهذا العهد ومذهبهم أن الإمامة انتقلت من جعفـر الصـادق إلـى ابنـه موسـى الكاظـم وخـرج دعاتـه بعـد مـوت أبيه فحمله هرون من المدينة وحبسه عند عيسى بن جعفر ثم أشخصه إلى بغداد وحبسه عنـد ابـن شاهـك. ويقـال أن يحيـى بـن خالـد سمـه فـي رطـب فقتلـه وتوفي سنة ثلـاث وثمانيـن ومائـة وزعـم شيعتهـم أن الإمـام بعـده ابنـه علـي الرضـا وكان عظيما في بني هاشم وكانت لـه مـع المأمـون صحبـة وعهد له بالأمر من بعده سنة إحدى ومائتين عند ظهور الدعاة للطالبيين وخروجهـم فـي كـل ناحية. وكان المأمون يومئذ بخراسان لم يدخل العراق بعد مقتل أخيه الأمين فنكر ذلك عليه شيعة العباسيين وبايعوا لعمه إبراهيم بن المهدي ببغداد فارتحل المأمون إلى العـراق وعلـي الرضـا معـه فهلك علي في طريقه سنة ثلاث ومائتين ودفن بطوس ويقال إن المأمون سمه. ويحكـى أنـه دخـل عليـه يعـوده فـي مرضـه فقـال لـه أوصنـي فقال له علي إياك أن تعطي شيئا وتندم عليه ولا يصح ذلك لنزاهة المأمون عن إراقة الدماء بالباطل سيما دماء أهل البيت. ثم زعم شيعتهـم أن الأمرمـن بعـد علـي الرضـا لابنـه محمـد التقي وكان له من المأمون مكان وأصهر إليه في ابنتـه فأنكحـه المأمـون إياهـا سنـة خمـس ومائتيـن. ثـم هلـك سنـة عشريـن ومائتين ودفن بمقابر قريش وتزعم الاثنا عشرية أن الإمام بعده ابنه علي ويلقبونه الهادي ويقال الجواد ومات سنـة أربـع وخمسين ومائتين وقبره بقم وزعم ابن سعيد أن المقتدر سمه. ويزعمون أن الإمام بعده ابنه الحسن ويلقب العسكري لأنه ولد بسر مـن رأى وكانـت تسمـى العسكـر وحبـس بهـا بعـد أبيـه إلـي أن هلـك سنة ستين ومائتين ودفن إلى جنب أبيه في المشهد وترك حملا ولد منه ابنه محمد فاعتقل ويقال دخل مع أمه في السـرداب بـدار أبيـه وفقـد فزعمت شيعتهم أنه الإمام بعد أبيه ولقبوه المهدي والحجة. زعموا أنه حي لم يمت وهم الآن ينتظرونه ووقفوا عند هذا الانتظار وهو الثاني عشر من ولد علي ولذلـك سميـت شيعتـه الاثنـي عشريـة. وهـذا المذهـب فـي المدينـة والكرخ الشام والحلة والعراق وهم حتى الان على ما بلغنا يصلون المغرب فإذا قضوا الصلاة قدموا مركبا إلى دار السرداب بجهازه وحليته ونـادوا بأصوات متوسطة أيهـا الإمـام أخـرج إلينـا فـإن النـاس منتظـرون والخلـق حائـرون والظلـم عـام والحق مفقود فاخرج إلينا فتقرب الرحمة من الله آثارك ويكررون ذلك إلى أن تبدو النجوم ثم ينصرفـون إلـى الليلـة القابلـة هكـذا دأبهـم. وهـؤلاء مـن الجهـل بحيـث ينتظـرون من يقطع بموته مع طول الآمد لكن التعصب حملهم على ذلك وربما يحتجون لذلك بقصة الخضر والأخرى أيضاً باطلة والصحيح أن الخضر قد مات. وأمـا الإسماعيليـة فزعموا أن الإمام بعد جعفر الصادق ابنه إسماعيل وتوفي قبل أبيه. وكان أبو جعفـر المنصـور طلبـه فشهد له عامل المدينة بأنه مات. وفائدة النص عندهم على إسماعيل وإن كـان مـات قبـل أبيـه بقـاء الإمامـة فـي ولده كما نص موسى على هارون صلوات الله عليهما ومات قبلـه. والنـص عندهـم لا مرجـع وراءه لـأن البـداء علـى اللـه محـال. ويقولـون في ابنه محمد أنه السابع التام من الأئمة الظاهرين وهو أول الأئمـة المستوريـن عندهـم الذيـن يستتـرون ويظهـرون الدعـاة وعددهم ثلاثة ولن تخلو الأرض منهم عن إمام إما ظاهر بذاته أو مستور فر بد من ظهور حجته ودعاته. والأئمة يدور عددها عندهم على سبعة عدد الاسبوع والسماوات والكواكـب والنقبـاء تدور عندهم على اثني عشر. هم يغلطون الأئمة المستورين عندهم محمد بـن إسماعيل وهو محمد المكتوم ثم ابنه جعفر المصدق ثم ابنه محمد الحبيب ثم ابنه عبد الله مهدي صاحب الدولة بإفريقية والمغرب التي قام بها أبو عبد الله الشيعي بكتامة. وكـان مـن هـؤلاء الإسماعيليـة القرامطـة واستقرت لهم دولة بالبحرين في أبي سعيد الجنابي وبنيه أبـي القاسم الحسين بن فروخ بن حوشب الكوفي داعي اليمن لمحمد الحبيب ثم ابنه عبد الله ويسمـى بالمنصـور وكـان مـن الاثنـي عشريـة أولا فلمـا بطـل ما في أيديهم رجع إلى رأي الإسماعيلية وبعـث محمـد الحبيـب أبـو عبـد اللـه إلـى اليمـن داعيـة لـه فلمـا بلغـه عن محمد بن يعفرملك صنعاء أنه أظهـر التوبـة والنسـك وتخلـى عـن الملـك فقـدم اليمـن ووجـد بهـا شيعـة يعرفـون ببنـي موسى في عدن لاعة. وكان علي بن الفضل من أهل اليمن ومن كبار الشيعة وطاهر بن حوشب على أمره وكتب له الإمام محمد بالعهد لعبد الله ابنه وأذن له في الحرب فقام بدعوته وبثها في اليمن وجيش الجيوش وفتح المدائن وملك صنعاء وأخرج منها بني يبعن وفرق الدعـاة فـي اليمـن واليمامة. والبحرين والسنـد والهنـد ومصـر والمغـرب وكـان يظهـر الدعـوة للرضـا مـن آل محمـد وكان من دعاته أبو عبد الله الشيعي صاحب كتامة. ومن عنده سار إلى إفريقية فوجد في كتامة من الباطنية خلقا كثيراً وكان هذا المذهب هنالك من لدن الدعاة الذين بعثهم جعفر الصادق إلى المغرب. أقاموا بإفريقية وبثوا فيها الدعوة وتناقله من البرابرة أمم وكان أكثرهم من كتامة فلما جاء أبو عبد الله الشيعي داعية المهدي ووجد هذا المذهب في كتامة فقام على تعليمه وبثه وإحيائه حتى تم الأمر وبويع لعبد الله كما نذكر الآن في أخبارهم. |
دولة العبيديين
ابتداء دولة العبيديين وأولهـم عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب بن جعفرالصادق بن محمد المكتوم بن جعفر الصادق ولا عبرة بمن أنكر هذا النسب من أهل القيروان وغيرهم وبالمحضرالذي ثبت ببغداد أيام القادر بالطعـن فـي نسبهـم وشهـد فيـه أعلـام الأئمـة. وقـد مر ذكرهم فإن كتاب المعتضد إلى ابن الأغلب بالقيروان وابن مدرار بسجلماسة يغريهم بالقبض عليه لما سار إلى المغـرب شاهـد بصحـة نسبهم. وشعر الشريف الرضي مسجل بذلك. والذين شهدوا في المحضـر فشهادتهـم علـى السمـاع وهي ما علمت. وقد كان نسبهم ببغداد منكرا عند أعدائهم شيعة بني العباس منذ مائـة سنـة فتلـون الناس بمذهب أهل الدولة وجاءت شهادة عليه مع أنها شهادة على النفي عليه مع أن طبيعة الوجود في الانقياد إليهم وظهور كلمتهم حتى في مكة والمدينة أدل شيء على صحة نسبهم. وأما من يجعل نسبهم في اليهودية والنصرانية ليعمون القدح وغيره فكفاه ذلك إثما وسفسفة. وكان شيعة هؤلاء العبيديين بالمشرق واليمن وإفريقية. وكان أصل ظهورهم بأفريقيـة دخـول الحلواني وأبي سفيان من شيعتهم إليها أنفذهما جعفر الصادق وقال لهما بالمغرب أرض بور فاذهبا واحرثاها حتى يجيء صاحب البذر فنزل أحدهما ببلد مراغة والآخر ببلد سوف جمار وكلاهما من أرض كتامة ففشت هذه الدعوة في تلك النواحي وكان محمد الحبيب ينزل سلمية من أرض حمص وكان شيعتهم يتعاهدونه بالزيارة إذا زاروا قبر الحسين فجاء محمد بن الفضل من عدن لاعة من اليمن لزيارة محمد الحبيب فبعث معه رستم بن الحسن بن حوشب من أصحابه لإقامة دعوته باليمن وأن المهدي خـارج فـي هـذا الوقـت فسـار وأظهـر الدعـوة للمهدي مـن آل محمـد بنعوتـه المعروفـة عندهـم واستولـى علـى أكثـر اليمـن وتسمـى بالمنصـور وابتنى حصنا بجبل لاعة.وملك صنعاء من بني يعفر وفرق الدعاة في اليمن واليمامة والبحرين والسند والهند ومصر والمغرب. وكان أبو عبد الله الحسين بن محمد بن زكريا المعروف بالمحتسـب وكـان محتسبـاً بالبصـرة وقيـل أنما المحتسب أخوه أبو العباس المخطوم وأبو عبد الله هذا يعرف بالمعلم لأنه كان يعلـم مذهـب الإماميـة فاتصـل أبـو عبـد اللـه بمحمـد الحبيب ورأى ما فيه من. الأهلية فأرسله إلى ابن حوشب باليمن ليأخذ عنه ثم يذهب إلى المغرب يقصد بلد كتامة فيظهر بينهم الدعوة. فجاء أبو عبد الله إلى ابن حوشب ولزمه وشهد مجالسه وأفاد علمه. ثم خرج مع حاج اليمن إلى مكة فلقي بالموسم رجالات كتامة ورؤساءهم وفيهم من لقـي الحلواني وابن بكار وأخذوا عنهما فقصدهم أبو عبد الله في رحالهم وكان منهم موسى بن حريـث كبيـر بنـي سكـان مـن جملـة أحـد شعوبهـم وأبو القاسم الورنجومي من أحلافهم ومسعود بن عيسى بن ملال المساكتي وموسى بن تكاد فجلس إليهم وسمعوا منه مذاهبهم ورأوا ما هو عليـه مـن العبـادة والزهد فعلق ببقلوبهم وصار يتعهدهم في رحالهم فاغتبطوا به واغتبط بهم. ولما أرادوا الرحلة إلى بلادهم سألوه الصحبة فوافقهم طاوياً وجه مذهبه عنهم بعد أن سألهم عن قومهم وعصابتهم وبلادهم وملكة السلطان فيهم فكشفوا له علم ذلك وأنهم أنما يعطون السلطـان طاعـة معروفـة فاستيقـن تمـام أمـره فيهـم وخـرج معهـم إلـى المغـرب وسلكـوا طريـق الصحراء وعدلوا عن القيروان إلى أن وصلوا بلد سوماثة وبها محمد بن حمـدون بـن سمـاك الأندلسي من بجاية الأندلس نزيلا عندهم وكان قد أدرك الحلواني وأخذ عنه. فنزل أبو عبد الله الشيعي عليه فأكرمه وفاوضه وتفرس ابن حمدون فيه أنه صاحب الدولة. ثـم ارتحلـوا وصحبهـم ابـن حمـدون ودخلـوا بلـد كتامـة منتصـف ربيـع سنة ثمان وثمانين ومائتين فنزل علـى موسـى بـن حريـث ببلـده انكجـان فـي. بلـد بنـي سكتـان مـن جبيلـة وعيـن له مكان منزله بفج الأخيـار وأن النـص عنـده مـن المهدي بذلك وبهجرة المهدي وأن أنصار الأخيار من أهل زمانه وأن اسمهم مشتـق مـن الكتمـان. واجتمـع إليـه الكثيـر مـن أهـل كتامـة ولقـي علماءهـم واشتمل عليه الكثير من أهوائهم فجاهر بمذهبه وأعلن بإمامة أهل البيت دعا للرضا من آل محمـد. واتبعـه أكثر كتامة وكانوا يسمونه بأبي عبد الله الشيعي والمشرقي. وبلغ خبره إلى أمير إفريقية إبراهيم بن أحمد بن الأغلب فبعث إليه بالتهديد والوعيد فأساء الرد عليه وخاف رؤساء كتامة عادية ابن الأغلـب وأغراهـم عمـال بلادهـم بالشيعـي مثـل موسـى بـن عيـاش صاحب مسيلة وعلي بن حفص بن عسلوجة صاحب سريف. وجاء ابن تميم صاحب يلزمة فاجتمعـوا وتفاوضـوا في شأنه وحضر يحيى المساكتي وكان يدعى الأمير ومهدي بن أبي كمارة رئيس لهيعة وفرج بن جمران رئيس أجانة وثمل بـن بحـل رئيـس لطانـة. وراسلـوا بيـان بـن صفلـان رئيـس بني سكتان وأبو عبد الله الشيعي عندهم بجبل ايكجان في أن يسلمه إليهم أو يخرجه من بلدهم وحذروه عاقبة أمره فرد أمره إلى أهل العلم فجاؤوا بالعلماء وهموا باغتياله فلم يتم لهم ذلك وأطبقت بجيلة على مظاهرته فهزموا هؤلاء المثيرين عليه وردوهم خائبين. ثم راجعوا بيات بن صقلاب في أمره ولاطفوه حتى صفا إليهم وشعر بذلك أبو عبد الله الشيعي وأصحابه فبعثوا إلى الحسن بن هارون الغساني يسألونه الهجرة إليهم فأجابهم ولحق ببلـدة تـازروت مـن بلادهم واجتمعت غسان لنصرته مع بطون كتامة الذين بايعوه من قبل فاعتز وامتنـع وعظـم أمـره. ثـم انتفض على الحسن بن هارون أخوه محمد منافسة له في الرياسة وكان صديقـا لمهـدي بن أبي كمارة فداخله في التثريب على أبي عبد الله وعظمت الفتنة بين لهيعة وغسان وولى أبو عبد الله الشيعي الحسن بن هارون على حروبه وظهر بعد أن كان مختفياً. وكـان لمهـدي بـن أبـي كمـارة شيخ لهيعة أخ اسمه أبو مديني وكان من أحباب أبي عبد الله فقتل أخاه مهدياً ورأس على لهيعة مكانه فصاروا جميعـاً إلـى ولايـة أبـي عبـد اللـه وأبـي مدينـي ثم تجمعت كتامة لحرب الشيعي وأصحابه ونازلوه بمكانه من تازروت. وبعث الشيعي سهل بـن فوكـاش إلـى فحـل بـن نـوح رئيـس لطانـة وكـان صهـره لينجـد لـه عـن حربهم في السلم فمشى إلى كتامة وأبوا إلا أن يناجزوهم الحرب فغلبهم أبو عبد الله وأصحابه وانهزمت كتامة وأبلى عروبة بـن يوسف الملوشي في ذلك اليوم بلاء حسناً واجتمعت إلى أبي عبد الله غسان كلها ويلزمة ولهيعة وعامة بجاية ورئيسهم يومئذ ماكنون بن ضبارة وأبو زاكي تمام بن معارك. ولحق بجيلة من بجاية فرج بن خيران ويوسف بن محمد مـن لطانـة وفحـل بـن نـوح واستقـام أمـر الباقـي للشيعي وجمع فتح بن يحيى من أطاعه من قومه مسالمة لحرب الشيعي فسار إليهم وأوقع بهم ولحق فلهم بسطيف. ثـم استأمنـوا إليـه فأمنهـم ودخلـوا فـي أمـره وولـى منهـم هـارون بـن يونـس علـى حروبـه. ولحـق رئيسهـم فتـح بـن يحيـى بعجيسـة وجمـع ثانية لحربه الشيعي فسار إليه ومعه جموع كتامة وتحصن منه فتح ببعض قلاعهم فحاصره الشيعي وفتحها واجتمعت إليه عجيسة وزواوة وجميع قبائـل كتامـة ورجع إلـى تـازروت وبـث دعاتـه فـي كـل ناحيـة فدخـل النـاس قـي أمـره طوعـاً وكرهـاً. ولحـق فتـح بـن يحيـى بالأميـر إبراهيم بن أحمد بتونس واستحثه حرب الشيعي. ثم فتح أبو عبد الله مساكتة بمداخلـة بعـض أهلهـا وقتـل صاحبهـا موسى بن عياش وولي عليها ماكنون بن ضبارة الجايي وهو أبـو يوسـف ولحـق إبراهيـم بـن موسـى بـن عيـاش بأبـي العبـاس إبراهيـم بـن الأغلـب بتونـس بعـد خـروج أبيـه إلـى صقليـة. وكـان فتـح بـن يحيـى المساكتي قد نزع إليه من قبل ذلك ووعده المظاهرة فجهز العساكر وعقد عليها لابنه أبي خوال وزحف من تونس سنة تسع وثمانين فدوخ كتامة ثم صمد إلى تازروت فلقيه أبو عبد الله الشيعي في جموعه ببلد ملوسة فهزمهم أبو خوال وفر الشيعي من قصر تازروت إلى ايكجان فامتنع بها فهدم أبو خوال القصر واتبعه. وتوغل أبو خوال في بلاد كتامة فاضطرب أمره وتوقع البيات. وسـار إبراهيـم بـن موسى بن عياش من عسكر أبي خوال إلى نواحي مسيلة يتجسس الأخبار فتواقع مع طائفة من أصحاب الشيعي فهزموه واتبعوه إلى المعسكر فاضطرب وأجفل أبو خوال وخرج من بلاد كتامة واستوطن أبو عبد الله ايكجان وبنى بها بلداً وسماهـا دار الهجـرة. واستبصر الناس في أمره ودخلوا في دعوته. ثم هلك الحسن بن هارون وجهز أبو العباس العساكر ثانية مع ابنه أبي خوال ورده لحرب الشيعي وكتامة فسار في بلادهم ورجع منهزماً وأقـام قريبـاً منهـم يدافعهـم ويمنعهـم مـن التقـدم. وفـي خلـال ذلك هلك إبراهيم بن أحمد بن الأغلب وقتل ابنه أبو العباس وقام بالأمر ابنه زيادة الله فاستدعى أخاه أبا خوال وقتله وانتقل من تونـس إلى وقادة وانهمك في لذاته وانتشرت جيوش الشيعي في البلاد وعلا أمره وبشرهم بأن وصول المهدي إلى المغرب واعتقاله بسجلماسة ثم خروجه من الاعتقال وبيعته ولمـا توفـي محمـد الحبيـب بـن جعفـر بـن محمـد بـن إسماعيـل الإمام عهد إلى ابنه عبيد الله وقال له: أنت المهدي وتهاجر بعدي هجرة بعيدة وتلقى محنا شديدة. واتصل خبره بسائر دعاته في إفريقية واليمن وبعث إليه أبو عبد الله رجالا من كتامة يخبرونه بما فتح الله عليهم وأنهم في انتظاره. وشاع خبره واتصل بالعباسيين فطلبه المكتفي ففر من أرض الشام إلى العراق. ثم لحق بمصر ومعه ابنه أبو القاسم غلاماً حدثاً وخاصته ومواليه بعد أن كان أراد قصد اليمن فبلغه ما أحدث بها علي بن الفضل من بعد ابن حوشب وأنه أساء السيرة فانثنى عن ذلك واعتـزم علـى اللحـاق بأبـي عبـد اللـه الشيعي بالمغرب فارتحل من مصر إلى الإسكندرية ثم خرج من الإسكندرية في زي التجار. وجاء كتاب المكتفي إلى عامل مصر وهو يومئذ عيسى النوشـري بخبرهـم والقعـود لهـم بالمراصـد وكتب نعته وحليته فسرح في طلبهم حتى وقف عليهم وامتحن أحوالهم فلم يقف على اليقين في شيء منها فخلى سبيلهم. وجـد المهـدي فـي السيـر وكـان لـه كتب في الملاحم منقولة عن آبائه سرقت من رحله في طريقه فيقـال إن ابنـه أبـا القاسـم استردهـا مـن برقـة حيـن زحـف إلـى مصـر ولما انتهى إلى طرابلس وفارقه التجار أهل الرفقة بعث معهم أبا العباس أخا أبي عبد الله الشيعي إلى أخيه بكتامة ومر بالقيروان وقد سبق خبرهم إلى زيادة الله وهو يسأل عنهم فقبض على أبي العباس وساءله فأنكـر فحبسـه. وكتـب إلـى عامل طرابلس بالقبض على المهدي ففاته وسار إلى قسنطينة. ثم عـدل عنهـا خشيـة علـى أبي العباس أخي الشيعي المعتقل بالقيروان فذهب إلى سجلماسة وبها اليسع بن مدرار فأكرمه. ثـم جـاء كتـاب زيـادة الله ويقال كتاب المكتفي بأنه المهدي الذي داعيته في كتامة فحبسه اليسع ثم إن أبا عبد الله الشيعي بعد مهلك أبي خوال الذي كان مضايقا لهم اجتمعت إليه سائر كتامة وزحف إلى سطيف فحاصرها مدة وكان بها علي بن جعفر بن عسكوجة صاحبها وأخوه أبو حبيب فملكها وكان بها أيضاً داود بن جاثة من كبار لهيعة لحق بها فيمن لحق من وجوه كتامة فقام بها من بعد علي وأخيه واستأمن أهل سطيف فأمنهم أبو عبد الله ودخلها فهدمها وجهز زيادة الله العساكر إلى كتامة مع قريبه إبراهيم بن حشيش وكانوا أربعين ألفا فانتهى إلى قسنطينة فأقام بها وهم متحصنون بجبلهم. ثم زحف إليهم وواقعهم عند مدينة يلزمة فانهزم إلى باغاية ولحق بالقيروان. وكتب الشيعي بالفتح إلى المهدي مع رجال من كتامة أخفوا أنفسهم حتـى وصلـوا إليـه وعرفـوه بالخبـر. ثـم زحـف الشيعـي إلـى طبنـة فحاصرهـا وقتـل فتـح وجهز زيادة الله العساكر مع هارون الطبني عامل باغاية فانتهوا إلى مدينة أزمول وكانوا في طاعـة الشيعـي فهدمها هارون وقتل أهلها وزحف إليه عروبة بن يوسف من أصحاب الشيعي فهزمه وقتله. ثم فتح الشيعي مدينة ينجبت كلها على يد يوسف الغساني ولحق عسكرها بالقيروان. وشاع عن الشيعي وفاؤه بالأمان فأمنـه النـاس وكثـر الأرجـاف بزيـادة اللـه فجهـز العساكر وأزاح العلل وأنفق ما في خزائنه وذخائره وخرج بنفسـه سنـة خمـس وتسعيـن ونـزل الأريس. ثم حاد عن اللقاء وأشار عليه أصحابه بالرجـوع إلـى القيـروان ليكـون ردءاً للعساكـر فرجـع وقـدم علـى العساكـر إبراهيم بن أبي الأغلب من قرابته وأمره بالمقام هنالك. ثم زحف الشيعي إلـى باغاية فهرب عاملها وملكها صلحاً وبعث إلى مدينة قرطاجنة فافتتحها عنوة وقتل عاملها وسـرح عساكـره فـي إفريقية فرددوا فيها الغارات على قبائل البربر من نفزة وغيرهم. ثم استأمن إليه أهل تيفاش فأمنهم واستعمل عليهم صواب بن أبي القاسم السكتاني فجاء إبراهيم بن الأغلـب واقتحمهـا عليـه. ثـم نهـض الشيعـي فـي احتفـال مـن العساكـر إلى باغاية ثم إلى سكتانة ثم إلـى تبسـة ففتحهـا كلهـا علـى الأمـان. ثـم إلـى القصريـن من قمودة فأمن أهلها وأطاعوه. وسار يريد رقـادة فخشـي إبراهيـم بـن أبـي الأغلـب علـى زيـادة الله لقلة عسكره فنهض إلى الشيعي واعترضه ثم سار الشيعي ثانية بعساكره إلى قسنطينة فحاصرها واقتحمها على الأمان ثم إلى قفصة كذلك ثم رجع إلى باغاية فأنزل بها عسكراً مع أبي مكدولة الجيلي. ثم صار إلى ايكجان وخالفـه إبراهيـم إلـى باغايـة وبلـغ الخبـر إلـى الشيعـي فسرح لقتاله أبا مديني بن فروخ اللهيمي ومعه عروبـة بـن يوسـف الملوشـي ورجـاء بـن أبـي قنـة فـي اثنـي عشـر ألفـا فقاتلـوا ابن أبي الأغلب ومنعوه من باغاية فرحل عنها واتبعوه إلى فج العرعر ورجعوا عنه. ثم زحف أبو عبد الله الشيعي سنـة سـت وتسعيـن فـي مائتـي ألـف مـن العساكـر إلـى إبراهيـم بـن أبـي الأغلـب بالأريس. ثم اقتتلوا أياما ثم انهزم إبراهيم واستبيح عسكره وفر إلى القيروان ودخل الشيعي الأريس فاستباحها ثم سار فنزل قمودة واتصل الخبر بزيادة الله وهو برقادة ففر إلى المشرق ونهبت قصـوره. وافترق أهل رقادة إلـى القيـروان وسوسـة. ولمـا وصـل إبراهيـم بـن أبـي الأغلـب إلـى القيـروان نـزل قصـر الإمارة وجمع الناس وأرادهم على البيعة له على أن يعينوه بالأمـوال فاعتـدوا وتصايحـت بـه العامـة ففـر عنهـا ولحـق بصاحبـه. وبلـغ أبـا عبـد اللـه الشيعـي خبر فرارهم بسبيبة فقدم إلى رقادة وقدم بين يديه عروبة بن يوسف وحسن بن أبي خنزير فساروا وأمنوا الناس وجـاء علـى أثرهم. وخرج أهل رقادة والقيروان للقائه فأمنهم وأكرمهم ودخل رقادة في رجب سنة ست وتسعين ونزل قصرها وأطلق أخاه أبا العباس من الاعتقال ونادى بالأمان فتراجع الناس وفر العمال في النواحي. وطلب أهل القيروان فهربوا وقسـم دور البلـد علـى كتامـة فسكنوهـا وجمـع أمـوال زيادة الله وسلاحه فأمر بحفظها وحفظ جواريه واستأذنه لخطباء لمن يخطبون فلم يعين أحدا. ونقش على السكة من أحد الوجهين بلغت حجة الله ومن الآخـر تفـرق أعـداء اللـه وعلـى السلاح عدة في سبيل الله وفي وسم الخيل الملك لله. ثـم ارتحل إلى سجلماسة في طلب المهدي واستخلف على إفريقية أخاه أبا العباس وترك معه أبا زاكي تمام بن معارك الألجائي واهتز المغرب لخروجه وفرت زناتة من طريقه. ثم بعثوا إليه بالطاعة فقبلهم وأرسل إلى اليسع بن مدرار صاحب سجلماسة يتلطفه فقتل الرسل وخرج للقائه. فلما تراءى الجمعان انفض معسكره هرب هو وأصحابه وخرج أهـل البلـد مـن الغـد للشيعي وجاؤوا معه إلى محبس المهدي ابنه فأخرجهما وبايع للمهدي ومشى للمهدي ومشى مـع رؤسـاء القبائـل بيـن أيديهما هو يبكي من الفرح ويقول: هذا مولاكم حتى أنزله بالمخيم وبعث في طلب اليسع أدرك وجيء به فقتل وأقاموا بسجلماسة أربعين يوماً ثم ارتحلوا إلى إفريقية ومروا بأيكجان فسلم الشيعي ما كان بها من الأموال للمهدي. ثـم نزلـوا رقادة في ربيع سبع وتسعين وحضر أهل القيروان وبويع للمهدي البيعة العامة واستقام أمـره وبث دعاته في الناس فأجابوا إلا قليلا عرض عليهم السيف وقسم الأموال والجواري في رجال كتامة وأقطعهم الأعمال ودون الدواوين وجبى الأموال وبعث العمال على البلاد فبعث على طرابلس ماكنون بن ضبارة الألجائي وعلى صقلية الحسن بن أحمد بن أبي خنزير فسار إليها ونزل البحر ونزل مازر في عيد أضحى من سنة سبع وتسعين فاستقضى إسحاق بن المنهـال وولـى أخـاه علـى كريت. أجاز البحر سنة ثمان وتسعين إلى العدوة الشمالية ونزل بسيط قلوريـة مـن بلـاد الإفرنـج فأثخـن فيهـا ورجـع إلـى صقليـة فأسـاء السيرة في أهلها فثاروا به وحبسوه وكتبوا إلى مهدي فقبل عذرهم وولى عليهم مكانه علي بن عمر البلوي فوصل خاتم تسع سعين. |
مقتل أبي عبد الله الشيعي وأخيه
لمـا استقـام سلطان عبيد الله المهدي بإفريقية استبد بأمره وكفح أبا عبد الله الشيعي وأخاه أبا العبـاس عـن الاستبـداد عليـه والتحكـم فـي أمـره فعظـم ذلـك عليهمـا وصـرح أبـو العبـاس بما في نفسه فنهـاه أخوه أبو عبد الله عن ذلك فلم يصغ إليه. ثم استماله أبو العباس لمثل رأيه فأجابه وبلغ ذلك إلى المهدي فلم يصدقه. ثم نهى أبا عبد الله عن مباشرة الناس وقال إنه مفسد للهيبة فتلطـف فـي رده ولـم يجبـه إليـه ففسـدت النيـة بينهما واستفسدوا كتامة وأغروهم به وذكروهم بما أخذه من أموال ايكجان واستأثر به دونهم وألقوا إليهم أن هذا ليس هو الإمام المعصوم الذي دعونـا إليـه حتى بعث إلى المهدي رجل كان في كتامة يعرف بشيخ المشايخ وقال له جئنا بآية على أمرك فقد شككنا فيك فقتله المهدي ثم عظمت استرابتهم واتفقوا على قتـل المهـدي وداخلهم في ذلك أبو زاكي تمام بن معارك وغيره من قبائل كتامة. ونمـي الخبـر إلـى المهـدي فتلطـف فـي أمرهـم وولـى مـن داخلهـم مـن قـواد كتامـة على البلاد فبعث تمام بـن معـارك علـى طرابلـس وبعـث إلـى عاملهـا ماكنـون بقتله فقتله عند وصوله. ثم اتهم المهدي ابن الغريم بمداخلتهم وكان من أصحاب زيادة الله فأمر بقتله واستصفاء أمواله وكان أكثرها لزيادة الله. ثم إن المهدي استدعى عروبة بن يوسف وأخاه حباسة وأمرهما بقتل الشيعي وأخيه فوقفا لهما عند القصر وحمل عروبة على أبي عبد الله فقال له لا تفعل فقال الذي أمرتنـا بطاعته أمرنا بقتلك ثم أجهز عليهما في نصف جمادى سنة ثمان وتسعين. ويقال إن المهدي صلى على أبي عبد الله وترحم عليه وعلم أن الذي حمله على ذلك إغراء أبي العباس أخيه وثارت فتنة بسبب قتلهما من أصحابهما فركب المهدي وسكنها. ثم ثارت فتنة أخرى بين كتامة وأهل القيروان وفشا القتل فيهم فركب المهدي وسكنها وكف الدعاة عن طلب التشيع من العامة وقتل جماعة من بني الأغلب برقادة لما رجعوا إليها بعد زيادة الله. ولما استقام أمر المهدي بعد الشيعي جعل ولاية عهده لابنه أبي القسم نزار وولى على برقة وما إليها حباسة بن يوسف. وعلى المغـرب أخـاه عروبـة وأنزلـه باغايـة فسـار إلـى تاهـرت فاقتحمها وولى عليها دواس بن صولات اللهيص. ثم انتقضت عليه كتامة بقتله أبا عبد الله الشيعـي ونصبـوا طفـلا لقبـوه المهـدي وزعمـوا أنه نبي وأن أبا عبد الله الشيعي لم يمت فجهز ابنه أبا القاسم لحربهم فقاتلهم وهزمهم وقتل الطفل الذي نصبوه وأثخن فيهم ورجع ثم انتقض أهل طرابلـس سنـة ثلاثمائـة وأخرجـوا عاملهـم ماكنون فبعث إليهم ابنه أبا القاسم فحاصرها طويلا ثم فتحهـا وأثخـن فيهم وأغرمهم ثلاثمائة ألف دينار. ثم أغزى ابنه أبا القاسم وجموعه كتامة سنة إحدى وثلاثمائة إلى الإسكندرية ومصر وبعث أسطوله فـي البحـر فـي مائتيـن مـن المراكـب وشحنها بالإمداد وعقد عليها لحباسة بن يوسف وسارت العساكر فملكوا برقة ثم الإسكندرية والفيوم. وبعث المقتدر العساكر من بغداد مع سبكتكين ومؤنس الخادم فتواقعوا مرات وأجلاهم عن مصـر فرجعـوا إلـى المغـرب. ثـم عـاد حباسـة فـي العساكر في البحر سنة اثنتين إلى الإسكندرية فملكها وسار يريد مصر فجاء مؤنس الخادم من بغداد لمحاربته فتواقعوا مرات وكان الظهور آخـراً لمؤنـس وقتـل مـن أصحابه نحو من سبعة آلاف. وانصرف إلى المغرب فقتله المهدي وانتقض لذلك أخوه عروبة بالمغرب واجتمع إليه خلق كثير من كتامة والبربر. وسرح إليهم المهدي مولاه غالباً في العساكر فهزمهم وقتل عروبة وبني عمه في أمم لا تحصى. ثم انتقض أهل صقلية وتقبضوا على عاملهم علي بن عمرو وولوا عليهم أحمد بن قهرب فدعا للمقتدر العباسـي وذلك سنة أربع وثلاثمائة. وخلع طاعة المهدي وجهز إليه الأسطول مع الحسن بن أبي خنزير فلقيه أسطول بن قهرب فغلبه وقتل ابن أبي خنزير. ثم راجع أهل صقلية آمرهم وكاتبوا المهدي وثاروا بابن قهرب فخلعوه وبعثوا به إلى المهدي فقتلـه علـى قبـر ابن أبي خنزير وولى على صقلية علي بن موسى بن أحمد وبعث معه عساكر كتامـة. ثـم اعتـزم المهـدي علـى بنـاء مدينة على ساحل البحر يتخذها معصماً لأهل بيته لما كان يتوقعه على الدولة من الخوارج. ويحكى عنه أنه قال: بنيتها لتعتصم بها الفواطم ساعـة مـن نهـار وأراهـم موقـف صاحـب الحمار بساحتها فخرج بنفسه يرتاد موضعا لبنائها ومر بتونس وقرطاجنة حتى وقف على مكانها جزيرة متصلة بالبر كصورة كف اتصلـت بزنـد فاختـط المهديـة بهـا وجعلهـا دار ملكـه وأدار بها سورا محكما وجعل لها أبوابا من الحديد وزن كل مصراع مائة قنطار وابتدأ ببنائها آخر سنة ثلاث. ولما ارتفع السور رمى من فوقه بسهم إلى ناحية المغرب ونظر إلى منتهاه وقـال: إلـى هـذا الموضـع يصـل صاحـب الحمـار يعنـي أبا يزيد. ثم أمر أن يبحث في الجبل لإنشاء السفـن تسعمائة سفين وبحث في أرضها أهراء للطعام ومصانع للماء وبنى فيها القصور والدور فكملت سنة ست ولما فرغ منها قال اليوم أمنت على الفواطم. ثـم جهـز ابنـه أبا القاسم بالعساكر إلى مصر مرة ثانية سنة سبع وثلاثمائة فملك الإسكندرية ثم سـار فملـك الجيـزة والأشمونيـن وكثيـراً مـن الصعيـد. وكتـب إلـى أهـل مكة بطلب الطاعة فلم يجيبوا إليها وبعث المقتدر مؤنسا الخادم في العساكر وكانت بينه وبين أبي القاسم عدة وقعات ظهر فيها مؤنس وأصاب عسكر أبي القاسم الجهد من الغلاء والوباء فرجع إلـى إفريقيـة وكانـت مراكبهم قد وصلت من المهدية إلى الإسكندرية في ثمانين أسطولا مدداً لأبي القاسم وعليها سليمان الخادم ويعقوب الكتامي وكانا شجاعيـن وسـار الأسطـول مـن طرسـوس للقائهـم فـي خمسة وعشرين مركباً والتقوا على رشيد وظفرت مراكب طرسوس وأحرقوا وأسروا سليمان ويعقوب فمات سليمان في حبس مصر. وهرب يعقوب من حبس بغداد إلى إفريقية. ثـم أغـزى المهـدي سنـة ثمـان مضالة بن حبوس في رجالات مكناسة إلى بلاد المغرب فأوقع بملك فـاس مـن الأدارسـة وهـو يحيـى بن إدريس بن إدريس بن عمرو واستنزله عن سلطانه إلى طاعة المهدي فأعطى بها صفقته وعقد لموسى بن أبي العافية المكناسي من رجالات قومه على أعمـال المغـرب ورجـع. ثـم عـاود غـزو المغرب سنة تسع فدوخه ومهد جوانبه وأغراه قريبه عامل المغرب موسى بن أبي العافية بيحيى بن إدريس صاحب فاس فتقبض عليه وضم فاس إلى أعمال موسى ومحا دعوة الإدريسية من المغرب وأجهضهم عن أعماله فتحيزوا إلى بلاد الريف وغمارة واستجدوا بها ولاية كما نذكره في أخبار غمارة. ومنهم كان بنو حمود العلويون المستولون على قرطبة عند انقراض ملك الأمويين في سنة ثلاث وأربعمائة كما نذكر هنالك ثم صمد مضالة إلى بلاد سجلماسة فقتل أميرها من آل مدرار المكناسيين المنحرف عن طاعة الشيعة وعقد لابن عمه كما نذكر في أخبارهم. وسار في أتباعـه زناتـة فـي نواحـي المغـرب فكانـت بينـه وبينهـم حـروب هلـك ضالـة فـي بعضهـا على يد محمد بـن خـرز. واضطـرب المغـرب فبعـث المهـدي ابنه أبا القاسم غازيا إلى المغرب في عساكره كتامة وأولياء الشيعة سنة خمس عشرة وثلاثمائة ففر محمد بن خزر وأصحابه إلى الرمال. وفتح أبو القاسم بلد مزاتة ومطماطة وهوارة وسائر الإباضية والصفرية ونواحي تاهرت قاعدة المغـرب الأوسـط إلـى مـا وراءهـا ثـم عـاج إلـى الريـف فافتتـح بلـد لكور من ساحل المغرب الأوسط ونازل صاحب جراوة من آل إدريس وهو الحسن بن أبي العيش وضيـق عليـه ودوخ أقطـار المغـرب ورجـع ولـم يلـق كيـداً. ومـر بمكان بلد المسيلة وبها بنو كملان من هوارة وكان يتوقع منهم الفتنة فنقلهم إلى فج القيروان وقضى الله أن يكونوا أولياء لصاحب الحمار عند خروجه. ولما نقلهم أمر ببناء المسيلة في بلدهم وسماها المحمدية ودفع علي بن حمدون الأندلسي من صنائع دولتهـم إلـى بنائهـا وعقـد لـه عليهـا وعلـى الزاب بعد اختطاطها فبناها وحصنها وشحنها بالأقوات فكانت مدداً للمنصور في حصار صاحب الحمار كما يذكر. ثم انتقض موسى بن أبي العافية عامل فاس والمغرب وخلع طاعة الشيعة وانحرف إلى الأموية من وراء البحر وبث دعوتهم في أقطار المغرب فنهض إليه أحمد بن بصلين المكناسي قائد المهدي وسار في العساكر فلقيه ميسور وهزمه وأوقع به وبقومه مكناسة وأزعجه عن الغرب إلى الصحارى وأطراف البلاد ودوخ المغرب وثقف أطرافه ورجع ظافراً. وفاة عبيد الله المهدي وولاية ابنه أبي القاسم ثـم توفـي عبيـد اللـه فـي ربيـع سنـة اثنتيـن وعشريـن لأربـع وعشريـن سنـة من خلافته وولي ابنه أبو القاسم محمد ويقال نزار بعده ولقب القائم بأمر الله فعظم حزنه على أبيه حتى يقال أنه لم يركب سائر أيامه إلا مرتين وكثر عليه الثوار. وثار بجهات طرابلس ابن طالوت القرشي وزعم أنه ابن المهدي وحاصر طرابلس. ثم ظهر للبربر كذبه فقتلوه. ثم أغزى المغرب وملكه وولى على فاس أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذابي وحاصر الأدارسة ملوك الريف وغوارة فنهض ميسور الخصي من القيروان في العساكر ودخل المغرب وحاصر فاس واستنزل عاملها أحمد بن بكر. ثم نهض في اتباع موسى كانت بينهما حروب وأخذ الثوري بن موسى في بعضها أسيرا وأجلاه ميسور عن مغرب وظاهره عليه الأدارسة الذين بالريف وانقلب ميسـوراً إلـى القيروان سنة أربع وعشرين وعقد للقاسم بن محمد كبير أدارسة الريف من ولد محمد بن إدريس على أعمال بن أبي العافية وما يفتحه من البلاد فملك المغرب كلها ما عدا فاس وأقام دعوة الشيعة بسائر أعماله. ثم جهز أبو القاسم اسطولا ضخما لغزو ساحل الإفرنجة وعقد عليـه ليقـرب بـن إسحـاق فأثخـن في بلاد الإفرنجة وسبى ونازل بلد جنوة وافتتحها وعظم صنع اللـه فـي شأنهـا ومـروا بسردانيـة مـن جـزر الفرنـج فأثخنـوا فيها. ثم مروا بقرقيسا من سواحل الشام فأحرقوا مراكبها. ثم بعث عسكراً إلى مصر مع خادمه زيران فملكوا الإسكندرية وجاءت عساكر الأخشيد من مصر فأزعجوهم عنها ورجعوا إلى المغرب. أخبار أبي يزيد الخارجي وهو أبو يزيد مخلد بن كيراد وكان أبوه كيراد من اهل قسطيلة من مدائن بلد تـوزر وكـان يختلف إلى بلاد السودان بالتجارة وبها ولد ولده أبو يزيد ونشأ بتوزر. وتعلم القرآن وخالط النكارية من الخوارج وهم الصفرية فمال إلى مذهبهم وأخذ به ثم سافر إلى تاهرت وأقام بها يعلـم الصبيـان. ولمـا صـار الشيعـي إلى سجلماسة في طلب المهدي هو إلى تقيوس وأقام يعلم. فيهـا. وكـان يذهـب إلى تكبير أهل ملته واستباحة الأموال والدماء والخروج على السلطان. ثم أخـذ نفسـة بالحسبـة علـى النـاس وتغييـر المنكـر بسنـة سـت عشـرة وثلاثمائـة فكثر أتباعه. ولما مات المهدي خرج بناحية جبل أوراس وركب الحمار وتلقب بشيخ المؤمنين ودعا للناصر صاحب الأندلس هن بني أمية فاتبعه أمم من البربر. وزحف إليه عامل باغاية فلقيه في جموع البربر وهزمه وزحف إلى باغاية فحاصرها ثم انهزم عنها وكتب إلى بني واسى من قبائل زناتة بضواحي قسنطينة يأمرهم بحصارها فحاصروها سنة ثلاث وثلانين. ثم فتح تبسة صلحاً ومجانة كذلك وأهدى له رجل من أهل مرماجنة حماراً أشهب فكان يركبه وبه لقب وكـان يلبس جبة صوف قصيرة ضيقة الكمين. وكان عسكر الكتاميين على الأريس فانفضوا وملكها أبو يزيد وأحرقها ونهبها وقتل في الجامع مـن لجـأ إليـه وبعـث عسكـراً إلـى سبيبـة ففتحهـا وقتـل عاملهـا. وبلـغ الخبـر إلـى القاسم فقال لا بد أن يبلغ المصلى من المهدية. ثم جهز العساكر وبعثها إلى رقادة والقيروان وبعث خادمه ميسوراً الخصـي لحربـه وبعـث عسكراً مع خادمه بشرى إلى باجة فنهض إليه أبو يزيد وهزمه إلى تونس ودخل أبو يزيد باجة فنهبها وأحرقها وقتل الأطفال وسبى النساء واجتمع إليـه قبائـل البربـر واتخـذ الأبنيـة والبيـوت وآلـات الحـرب وبعـث إليـه بشرى عسكراً من تونس. وبعث أبو يزيد للقائهم عسكراً آخر فانهزم أصحاب أبي يزيد وظفر أصحاب بشرى. ثم ثار أهل تونس ببشرى فهرب فاستأمنوا لأبي يزيد فأمنهم وولى عليهم وسار إلى القيروان وبعث القائم خديمه بشرى للقائه وأمره أن يبعث من يتجسس عن أخباره فبعث طائفة وبعث أبو يزيد طائفة أخرى فانهزم عسكر أبي يزيد وقتل منهم أربعة آلاف وجيء بأسراهم إلى المهدية فقتلوا فسار أبو يزيد إلى قتال الكتاميين فهزم طلائعهم وأتبعهم إلى القيروان ونزل على رقادة في مائتي ألف مقاتل وعاملهـا يومئـذ خليـل بـن إسحـاق وهـو ينتظـر وصـول ميسـور بالعساكـر ثـم ضايقـه أبو يزيد وأغراه الناس بالخروج فخرج وهزمه أبو يزيد فمضى إلى القيروان. ودخـل أبـو يزيـد وقـادة فعـاث فيها وبعث أيوب الزويلي في عسكر إلى القيروان فملكها في صفر سنة ثلاث وثلاثين ونهبها وأمن خليلا فقتله أبو يزيد وخرج إليه شيوخ أهل القيروان فأمنهم ورفـع النهب عنهم وزحف ميسور إلى أبي يزيد وكان معه أبو كملان فكاتبوا أبا يزيد وداخلوه في الغدر بميسور. وكتب إليه القائم بذلك فحفرهم فطردهم عنه. ولحقوا بأبي يزيد وسار معـه إلـى ميسـور فانهـزم ميسور وقتله بنو كملان وجاؤوا برأسه فأطافه بالقيروان وبعث بالبشرى إلى البلاد. وبلغت هزيمة ميسور إلى القائم بالمهدية فاستعد للحصار وأمر بحفر الخنادق وأقام أبو يزيد سبعين عاماً في مخيم ميسور وبث السرايا في كل ناحية يغنمون وبعودون وأرسل سرية إلى سوسة ففتحوها عنوة واستباحوها وخرب عمران افريقيـة مـن سائـر الضواحـي ولحـق فلهـم بالقيروان حفاة عراة. ومات أكثرهم جوعاً وعطشاً. ثـم بعـث القائـم إلى رؤساء كتامة والقبائل وإلى زيري بن مناد ملك صنهاجة بالمسير إلى المهدية فتأهبوا لذلك وسمع أبو يزيد بخبرهم فنزل على خمسة فراسخ من المهدية وبث السرايا في جهاتها وسمع كتامة بافتراق عسكره في الغارة فخرجوا لبياته آخر جمادى الأول. وكان ابنه فضـل قـد جـاء بالمدد من القيروان فبعثه للقاء كتامة وركب في أثرهم ولقي أصحابه منهزمين. ولمـا رآه الكتاميـون انهزمـوا بغيـر قتـال واتبعهـم أبـو يزيـد إلـى بـاب المهدية ورجع. ثم جاء أيام لقتالهم فوقـف علـى الخندق المحدث وعليه جماعة من العبيد فقاتلهم ساعة وهزمهم وجاوز السور إلى البحر ووصل المصلى على رمية سهم من البلد والبربر يقاتلون من الجانب الآخر. ثم حمل الكتاميون عليهم فهزموهم وبلغ ذلك أبا يزيد وسمع بوصول زيري بن مناد فاعتزم أن يمر بباب المهدية ويأتي زيري وكتامـة مـن ورائهـم فقاتلـوا أهـل الأربـاض ومالـوا عليـه لمـا عرفـوه ليقتلـوه وتخلص بعد الجهد ووصل إلى منزله فوجدهم يقاتلون العبيد كما تركهم فقوي أصحابه وانهزم العبيد. ثم رحل وتأخر قليلا وحفرعلى معسكره خندقاً واجتمع عليه خلق عظيم من البربر ونفوسة والـزاب وأقاصـي المغـرب وضيـق على أهل المرية ثم زحف إليها آخر جمادى فقاتلها وتورط في قتالها يومه ذلك. ثم خلص وكتب إلى عامل القيروان أن يبعث إليه مقاتلتها فجاؤوا وزحف بهـم آخـر رجـب فانهـزم وقتـل مـن أصحابه. ثم زحف الزحف الرابع آخر شوال ولم يظفر ورجع إلى معسكره واشتد الحصار على أهل المهدية حتى أكلوا الميتات والدواب وافترق أهلها في النواحي ولم يبق بها إلا الجند. وفتح القائم أهراء الزرع التي أعدها المهدي وفرقها فيهم. ثم اجتمعت كتامة وعسكروا بقسنطينة فبعث إليهم أبو يزيد بعثاً من ورجومة وغيرهم فهزموا كتامة ووافت أبا يزيد حشود البربر من كل ناحية وأحاط بسوسة وضيق عليها. ثـم انتقـض البربـر عليـه بمـا كان منه من المجاهرة بالمحرمات والمنافسة بينهم فانفضوا عنه ورجع إلى القيروان سنة أربع وثلاثين. وغنم أهل المهدية معسكره وكثر عبث البربر في أمصار إفريقية وضواحيها وثار أهل القيروان بهم وراجعوا طاعة القائم. وجاء على بن حمدون من المسيلة بالعساكـر فبيتـه أيوب بن أبي يزيد وهزمه وسار إلى تونس وجاءت عساكر القائم فواقعوه مرات وانهـزم إلـى القيـروان فـي ربيـع سنـة أربـع وثلاثيـن. فبعـث أيـوب ثانيـة لقتـال علـي بن حمدون ببلطة. وكانـت حروبـه معـه سجـالا إلـى أن اقتحـم عليـه البلـد بمداخلـة بعـض أهلهـا. ولحـق ابـن حمدون ببلاد كتامة واجتمعت قبائل كتامة ونفزة ومزاتة وعسكروا بقسطنطينة. وبعث ابن حمدون العساكر إلى هوارة فأوقعوا بهم وجاءهم مدد أبي يزيد فلم يغن عنهم. وملـك ابـن حمـدون مدينـة يتجسـت وباغايـة. ثـم زحـف أبـو يزيـد إلـى سوسـة فـي جمـادى الآخـر من سنته وبها عسكر القائم وتوفي القائم وهو بمكانه من حصارها. |
وفاة القائم وولاية ابنه المنصور
ثم توفي القائم أبو القاسم محمد بن عبيد الله المهدي صاحب افريقية بعد أن عهد إلى ولده إسماعيل بعده وتلقب بالمنصور وكتم موت أبيه حذراً أن يطلع عليه أبو يزيد وهو بمكانه من حصار سوسة فلم يسم بالخليفة ولا غير السكة ولا الخطبة ولا البنود الى أن فرغ من أمر أبي يزيد يذكر. بقية أخبار أبي يزيد ومقتله ولما مات القائم كان أبو يزيد محاصر السوسة كما تقدم وقد جهد أهلها الحصار فلما ولي إسماعيـل المنصـور وكـان. أول عملـه أن بعـث الأساطيـل مـن المهدية إلى سوسة مشحونة بالمدد من المقاتلة والأمتعة والميرة مع رشيق الكاتب ويعقوب بن إسحاق وخرج بنفسه في أثرهم وأشار أصحابه بالرجوع فرجع ووصل الأسطول إلى سوسة وخرجوا لقتال أبي يزيد وعساكر سوسة معهم فانهزم أبو يزيد واستبيح معسكره نهباً وإحراقاً ولحق بالقيروان فمنعه أهلها من الدخول وثـاروا بعاملـه فخـرج إليه ورحل إلى سبيبة وذلك أواخر شوال سنة أربع. وجاء المنصور إلى القيروان وأمن أهلها وأبقى على حرم أبي يزيد وأولاده وأجرى عليهم الرزق وخرجت سرية مـن عسكـر المنصـور لاستكشـاف خبـر أبـي يزيـد. وجاءت أخرى من معسكر أبي يزيد لمثل ذلك فالتقوا وانهزمت سرية المنصور فقوي أبو يزيد بذلك وكثر جمعه وعاد فقاتل القيروان وخندق المنصور على عسكره وقاتلهم أبو يزيد فكان الظفر أول يوم للمنصور ثم قاتلهم ثانيا فانهزموا وثبت المنصور وراجع أصحابه من طريق المهدية وسوسة. ولما رأى أبو يزيد امتناعهم عليـه رحـل أواخـر فـي القعـدة ثـم رجـع فقاتلهـم وكانـت الحـرب سجالا وبعث السرايا إلى طريق المهدية وسوسة نكاية فيهم وبعث إلى المنصور في حرمه وأولـاده فبعثهـم إليـه بعـد أن وصلهـم. وقـد كان أقسم على الرحيل فلما وصلوا إليه نكث وقاتلهم خامس المحرم سنة خمس وثلاثين فهزمهم. ثم عبى المنصور عساكره منتصف المحرم وجعل البرابـر فـي الميمنـة وكتامـة فـي الميسـرة وهـو وأصحابـه فـي القلـب. وحمـل أبـو يزيـد علـى الميمنـة فهزمهـا ثم على القلب فلقيه المنصور واشتد القتال. ثم حملوا عليه حملة رجل واحد فانهزم وأسلم أثقاله وعسكره وقتل خلق من أصحابه وبلغت رؤوس القتلى الذي في أيدي صبيان القيروان عشرة آلاف ومضى أبو يزيد لوجهـه ومـر بباغايـة فمنعـه أهلهـا مـن الدخـول فأقـام يحاصرهـا ورحل المنصور في ربيع الأول لأتباعه واستخلف على المهدية مراماً الصفلي وأدركه علـى باغايـة فأجفل المنصور في أتباعه. وكلما قصد حصنا سبقه المنصور إليه إلى أن نزل المنصور طبنة فجاءته رسل محمد بـن خـزر أميـر مغـراوة مـن أصحـاب أبـي يزيـد ومواطئـه بالغـرب الأوسط فاستأمن للمنصور فأمنه وأمره بطلب أبي يزيد. ووصـل أبـو يزيـد إلى بني برزال وكانوا نكارية وبلغه خبر المنصور في أتباعه فسلك الرملة. ثم عـاد نواحـي غمـرة فصـادف المنصـور وقاتلـه فانهـزم أبـو زيـد إلـى جبـل سالـات والمنصور في أثره في جبـال وأوعار ومضايق تفضي إلى القفر وأصابهم الجهد وعلم أنه ليس أمامه إلا المفازة إلى بلاد السودان فرجع إلى غمرة من بلاد صنهاجة. ووفد عليه هنالك زيري بن مناد أمير صنهاجة فأكرمـه ووصلـه كما يجب له. وجاء كتاب محمد بن جزر بالمكان الذي فيه أبو يزيد من المفازة وأقـام المنصـور هنالـك لمرض أصابه فرجع أبو يزيد إلى المسيلة وحاصرها. فلما عوفي المنصور رحل أول رجب سنة خمـس وثلاثيـن وقصـده فأفـرج عـن المسيلـة وقصـد المفـازة يريـد بلـاد السـودان فأبـى عليـه بنـو كملـان أصحابـه فرجعوا إلى جبال كتامة وعجيسة فتحصنوا بها. وجاء المنصور فنزل بساحتهم عاشر شعبان ونزل أبو يزيد فقاتلهم فانهـزم وأسلـم عسكـره وأولـاده وطعنه بعض الفرسان فأكبه وحامى عنه أصحابه فقتل في الحومة ما يزيد على عشرة آلاف وتخلص. ثم سار المنصور في أثره أول رمضان ولم يقدر أحد من الفريقين على الهزيمة لضيق المكان وصعوبته. ثم انهزم أبو يزيد لما ضرسه الحرب وترك أثقاله وساروا إلى رؤس الجبال يرمون بالصخر وتزاحفوا حتى تعانقوا بالأيدي وكثر القتل. ثم تحاجزوا وتحصن أبو يزيد بقلعة كتامة واستأمـن الذيـن معه من هوارة فأمنهم المنصور وحصر أبا يزيد في القلعة وقاتلها غير مرة حتى افتتحها عنوة وأضرمها ناراً وقتل أصحاب أبي يزيد في كل ناحية وجمع أهله وأولاوده في القصر وأظلم الليل فأمر المنصور بإشعال النيران في الشعراء المحيطة بالقصر حتى أضاء الليل لتكون أحواله بمرأى منهم حذراً من فراره حتى خرج الليل وحمل في أصحاب المنصور حملة منكرة فأفرجوا له وأمر المنصور بطلبه فألفوه وقد حمله ثلاثة من أصحابه لأنه كان جريحـا فسقـط مـن الوعـر وارتـث فحملـوه إلـى المنصـور فسجـد سجـدة الشكر وأقام عنده إلى سلخ المحرم مـن سنـة ست وثلاثين. ثم هلك من الجراحة التي به فأمر بسلخ جلده وحشوه تبناً واتخذ له قفصـا فأدخـل فيـه مـع قرديـن يلاعبانه بعثاله. ورحل إلى القيروان والمهدية ولحق ابنه فضل بمعبد بـن خـزر وزحـف بـه إلـى طبنة وبسكرة. وقصد المنصور فانهزم معبد وصعد إلى كتامة فبعث إليه العساكر مع مولييه شفيع وقيصر ومعهما زيري بن مناد في صنهاجة فانهزم فضل ومعبد وافترق جمعهم ورجع المنصور إلى القيروان فدخلها. بقية أخبار المنصور ثم انتقض حميد بن يضلبتن عامل المغرب وانحرف عن طاعة الشيعة ودعا للأموية من وراء البحـر وزحـف إلـى تاهـرت فحاصرهـا فنهـض إليـه المنصـور فـي صفـر سنـة سـت وثلاثيـن وجـاء إلى سوق حمزة فأقام به. وحشد زيري بن مناد جموع صنهاجة من كل ناحية ورحل مع المنصور فأخرج حميد عن تاهرت وعقد عليها ليعلى بن محمد اليفرني وعقد لزيري بن مناد على قومه وعلى سائر بلادهم. ثم رحل لقتال لواتة فهربوا إلى الرمال وأقام هو على وادي ميناس وكان هنالـك ثلاثـة جبـال كـل منهـم عليـه قصـر مبنـي بالحجـر المنحـوت فوجـد فـي وجـه أحد هذه القصور كتابة على حجر فسيح فأمر المنصور التراجمة بقراءته وإذا فيه أنا سليمان السردغوس خالف أهـل هـذا البلـد علـى الملـك فبعثنـي إليهـم ففتـح الله عليهم وبنيت هذا البناء لأذكر به. ذكر هذه الغريبة ابن الرقيق في تاريخه. ثم رحل المنصور إلى القيروان بعد أن خلع على زيري بن مناد وحمله ودخل المنصورية في جمـادى سنـة ست وثلاثين فبلغه أن فضل بن أبي يزيد جاء إلى جبل أوراس وداخل البربر في الثـورة فخـرج إليـه المنصـور فدخل الرمل ورجع المنصور إلى القيروان ثم إلى المهدية ورجع فضل بن أبي يزيد إلى باغاية. وأقام يحاصرها فغدر به باطيط وبعث برأسه إلى المنصور. ثـم عقـد سنـة تسـع وثلاثيـن للحسيـن بـن علـي بـن أبـي الحسيـن الكلبـي علـى صقلية وأعمالها وكانت لخليل بن إسحاق فصرفه الحسين واستقل بولايتها فكان له فيها ولبنيه ملك سنذكره. وبلغ المنصور أن ملك إفرنجة يريد غزو المسلمين فأخرج أسطوله وشحنه بالعساكر لنظر مولاه فرج الصقلي وأمر الحسين بن علي عامل صقلية بالخروج معه فأجازوا البحر إلى عدوة الإفرنجة ونزلوا قلورية ولقيهم رجاء ملك الفرنجة فهزموه. وكان فتحاً لا كفاء له وذلـك سنـة أربعيـن وثلاثمائـة ورجـع فرج بالغنائم إلى المهدية سنة اثنين وأربعين وكان معبد بن خزر بعد مظاهرته لفضل بن أبي يزيـد لـم يـزل منتقضـا وأوليـاء المنصـور فـي طلبـه حتـى أخـذ فـي بعـض الوقائـع وسيـق مـع وفاة المنصور وولاية ابنه المعز ثم توفي المنصور إسماعيل بن القاسم سلخ رمضان سنة إحدى وأربعين لسبع سنين من خلافته أصابه الجهد من مطر وثلج تجلد على ملاقاته ودخل على أثره الحمام فعيت حرارته ولازمـه السهـر فمـات. وكـان طبيبـه إسحـاق بـن سليمان الإسرائيلي قد نهاه عن الحمام فلم يقبل. وولى الأمر بعده ابنه معد ولقب المعز لدين الله فاستقام أمره وخرج لجبل أوراس سنة اثنتين وأربعين وجالت فيه عساكره واستأمن إليه بنو كملان ومليلة من هوارة ودخلوا في طاعته فأمنهم وأحسن إليهم. واستأمن إليه محمد بن خزر بعد مقتل أخيه معبد فأمنه ورجع إلى القيروان وترك مولاه قيصر في العساكر وعقد له على باغاية فدوخ البلاد وأحسن إلى الناس وألـف مـن كـان شـارداً مـن البربـر ورجـع بهـم إلى القيروان فأكرمهم المعز ووصلهم. ثم وفد بعدهم محمد بن خزر أمير مغراوة فلقاه مبرة وتكريماً. وأقام عنده بالقيروان إلى أن هلك سنة ثمان وأربعين. واستقدم المعز زيري بن مناد سنة ثلاث وأربعين أمير صنهاجة فقدم من أستير فأجزل صلته ورده إلـى عملـه. وبعـث إلـى الحسيـن بـن علـي عامـل صقليـة سنـة أربـع وأربعين أن يخرجه بأسطوله إلى ساحل المرية من بلاد الأندلس فعاث فيه وغنم وسبى ورجع فأخرج الناصر صاحـب الأندلس أسطوله إلى سواحل إفريقية مع غالب مولاه فمنعتهم العساكر وأقلعوا. ثـم عـاودوا سنـة خمـس وأربعيـن فـي سبعيـن مركبا فأحرقوا مرسى الخزر وعاثوا في جهات سوسة ثم في نواحي طبرنة ورجعوا. واستقام أمر المعز في بلاد إفريقية والمغرب واتسعت إيالته وكانت أعماله من إيفكـان خلـف تاهرت بثلاثة مراحل إلى زناتة التي دون مصر وعلى تاهرت وإيفكان يعلى بن محمد اليفرني وعلـى أشيـر وأعمالهـا زيـري بـن منـاد الصنهاجـي وعلـى المسيلـة وأعمالهـا جعفر بن علي الأندلسي وعلى باغية وأعمالها قيصر الصقلي. وكان على فاس أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذامـي وعلـى سجلماسـة محمـد بـن واسـول المكناسي. ثم بلغه سنة سبع وأربعين أن يعلى بن محمد اليفرني داخل الأمويـة مـن وراء البحـر وأن أهـل المغـرب الأقصـى نقضـوا طاعـة الشيعـة فأغزى جوهراً الصقلي الكاتب إلى المغرب بالعساكر وكان على وزارته وخرج معه جعفر بن علي صاحب المسيلة وزيري بن مناد صاحب أشير وتلقاهم يعلى بن محمد صاحب المغرب الأوسط. ولمـا ارتحـل عـن إيفكـان وقعت هيعة في أصحاب صيلة وقيل له إن بني يعرب أوقعوها فتقبض على يعلى وناشته سيوف كتامة لحينه وخرب إيفكان وأسر ابنه يدو بن يعلى وتمادوا إلى فـاس ثـم تجاوزوها إلى سلجماسة فأخذها وتقبض على الشاكر لله محمد بن الفتح الذي تلقب بأميـر المؤمنيـن مـن بنـي واسـول وولى ابن المعتز من بني عمه مكانه ودوخ المغرب إلى البحر. ثم رجع إلى فاس وحاصرها وواليها يومئذ أحمد بن بكر بن أبي سهل الجذامي وقاتلهـا مـدة فامتنعـت عليـه وجاءتـه هدايا الأمراء الأدكرنية من السوس. ثم رحل إلى سلجماسة وبها محمد بـن واكول من مكناسة وقد تلقب بأمير المؤمنين الشاكر لله وضرب السكة باسمه تقدست عزة اللـه فلمـا سمـع بجوهر هرب ثم أخذ أسيراً وجيء به إلى جوهر وسار عن سلجماسة وافتتح البلـاد فـي طريقـه. ثـم عـاد إلـى فـاس وأقـام في حصارها إلى أن افتتحها عنوة على يد زيري بن مناد تسنم سوارها ليلا ودخلها وتقبض على أحمد بن بكر وذلك سنة ثمان وأربعين وولى عليهـا مـن قبلـه وطـرد عمال بني أمية من سائر المغرب. وانقلب إلى القيروان ظافراً عزيزاً وضم تاهرت إلى زيري بن مناد. وقدم بالفاطميين وبأحمد بن بكر وبمحمد بن واسال أسيرين في قفصين ودخل بهما إلى المنصورية في يوم مشهود. وكانت ولاية المغرب والمشرق منقسمة بين مولييه فيصر ومظفر وكانا متغلبين على دولته فقبض عليهما سنة تسع أربعين وقتلهما. وفي سنة خمسين كان تغلب النصارى على جزيرة إقريطش وكان بها أهل الأندلس من جالية الحكـم بن هشام بسبب ثورة الرفض ففر بهم إلى الإسكندرية فثاروا بها وعبد الله بن طاهر يومئـذ عامل مصر فحاصرهم بالإسكندرية حتى نزلوا على الأمان وأن يجيزوا البحر إلى جزيرة إقريطش فعمروها ونزلوها منذ تلك الأيام وأميرها أبو حفص البلوطي منهم واستبد بها وورث بنـوه رياسـة فيها إلى أن نازلهم النصارى في هذه السنة في سبعمائة مركب واقتحموها عليهم عنوة وقتلوا منهم وأسروا وبقيت في أيدي النصارى لهذا العهد والله غالب على أمره. وافتتح صاحب صقلية سنة إحدى وخمسين قلعة طرمين من حصون صقلية بعد حصـار طويل أجهدهم فنزلوا على حكم صاحب صقلية بعد تسعة أشهر ونصف للحصار وأسكن المسلمين بالقلعة وسماها المعزية نسبة إلى المعز صاحب إفريقية. ثم سـار صاحـب صقليـة بعدها وهو أحمد بن الحسن بن علي بن أبي الحسن إلى حصـار رمطـة مـن قلـاع صقليـة فاستمدوا ملكهم صاحب القسطنطينية فجهز لهم العساكر براً وبحراً واستمد صاحب صقلية المعز فأمده بالعساكر مع ابنه الحسن ووصل مدده إلى مدينة ميسني وساروا بجموعهم إلى رمطة وكان على حصارها الحسن بن عمار فحمل عسكرا على رمطة وزحف إلى عسكر الروم مستميتاً فقاتلهم فقتل أمير الروم وجماعة من البطارقة وهزموا أقبح هزيمـة واعترضهـم خندق فسقطوا فيه وأثخن المسلمون فيهم وغنموا عسكرهـم. واشتـد الحصـار علـى أهـل رمطة وعدموا الأقوات فاقتحمها المسلمون عنوة وركب فل الروم البحر يطلبون النجاة فإتبعهم الأمير أحمد بن الحسن في أسطوله فأدركهم وسبح بعض المسلمين في الماء فخرق مراكبهم وانهزمـوا وبـث أحمـد سرايـا المسلميـن فـي مدائـن الـروم فغنمـوا منهـا وعاثـوا فيهـا حتى صالحوهم على الجزية وكانت هذه الواقعة سنة أربع وخمسين وتسمى وقعة المجاز. فتح مصر ثم إن المعز لدين الله بلغه اضطراب أحوال مصر بعد موت كافـور الأخشيـدي وعظـم فيهـا الغلاء وكثرت الفتن وشغل بغداد عنهم بما كان من الفتن بين بختيار بن معز الدولة وعضد الدولة ابن عمه فاعتزم المعز على المسير إلى مصر وأخرج جوهراً الكاتب إلى المغرب لحشد كتامـة وأوعـز إلـى عمـال برقـة لحفـر الآبـار فـي طريقها وذلك سنة خمس وخمسين فسيره إلى مصر وخرج لتوديعه وأقام أياما في معسكره وسار جوهر وبلغ خبره إلى عساكر الأخشيدية بمصر فافترقوا وكان ما يذكر في أخبارهم وقدم جوهر منتصف شعبان من سنة ثمان وخمسين فدخلها وخطب في الجامع العتيق منه باسم المعتز وأقيمت الدعوة العلوية. وفي جمادى من سنـة تسـع وخمسيـن دخـل جوهـر جامـع ابـن طولـون فصلـى فيـه وأمـر بزيـادة حـي علـى خيـر العمـل فـي الآذان فكان أول أذان أذن به في مصر. ثم بعث إلى المعز بالهدايا وبأعيان الدولة الأخشيدية فحبسهـم المعز بالمهدية وأحسن إلى القضاة والعلماء من وفدهم وردهم إلى مصر وشرع جوهر في بناء القاهرة واستحث المعز للقدوم على مصر. فتح دمشق ولما فتحت مصر وأخذ بنو طفج هرب منهم الحسن بن عبد الله بن طفج إلى مكة ومعه جماعـة مـن قوادهـم فلمـا استشعـر جوهـر بـه بعث جعفر بن فلاح الكتامي في العساكر إليه فقاتله مراراً ثم أسره ومن كان معه من القواد وبعث بهم إلى جوهر فبعث بهم جوهر إلى المعز بإفريقية. ودخل جعفر الرملة عنوة فاستباحها ثم أمن من بقي وجبى الخراج وسار إلى طبرية وبها ابن ملهم وقد أقام الدعوة للمعز فتجافى عنه وسار إلى دمشق فافتتحها عنوة وأقام بها الخطبة للمعز لأيام من المحرم سنة تسع وخمسين وكان بدمشق الشريف أبو القاسم بن يعلى الهاشمي وكان مطاعا فيهم فجمع الأوباش والذعار وثار بهم في الجمعة الثانية ولبس السواد وأعـاد الخطبة للمطيع فقاتلهم جعفر بن فلاح أياماً وأولى عليهم الهزائم. وعاثت جيوش المغاربة في أهل دمشق فهرب ابن أبي يعلى ليلا من البلد وأصبحوا حيارى وكانوا قد بعثوا الشريف الجعفري إلى جعفر في الصلح فأعاده إليهم بتسكين الناس والوعد الجميل وأن يدخـل البلـد فيطـوف فيـه ويرجـع إلـى معسكـره فدخـل وعـاث المغاربة في البلد بالنهب فثار الناس بهم وحملوا عليهم وقتلوا منهم وشرعوا في حفر الخنادق وتحصين البلد. ومشى الشريـف أبـو القاسـم فـي الصلـح بينهـم وبيـن جعفـر بـن فلـاح فتـم ذلـك منتصـف فـي الحجـة مـن سنة تسع وخمسين ودخل صاحب شرطة جعفر فسكن الناس س وقبض علي جماعة من الأحداث وقتـل منهـم وحبـس. ثـم قبـض علـى الشريـف أبـي القاسـم بـن أبـي يعلـى فـي المحـرم مـن سنـة ستيـن وبعـث بـه إلـى مصـر واستقـام ملـك دمشـق لجعفـر بـن فلـاح وكان خرج بإفريقية في سنة ثمان وخمسين أبو جعفر الزناتي واجتمعت إليه جموع من البربر والنكارية وخرج إليه المعز بنفسه وانتهى إلى باغاية وافترقت جموع أبي خزر وسلك الأوعار فعاد المعز وأمر بلكين بن زيري بالمسير في طلبه فسار لذلك حتى انقطع عنه خبره ثم جاءه أبو جعفر مستأمناً سنة تسع وخمسين فقبله وأجرى عليه الرزق وعلى أثر ذلك وصلت كتب جوهر بإقامة دعوته بمصر والشـام وباستدعائه إليها فاشتد سرور المعز بذلك وأظهره في الناس ونطق الشعراء بامتداحه. ثم زحف القرامطة إلى دمشق وعليهم ملكهم الأعصم ولقيهم جعفر بن فلاح فظفر بهـم وقتلهـم. ثـم رجعـوا إليه سنة إحدى وستين وبرز إليهم جعفر فهزموه وقتلوه وملك الأعصم مسير المعز إلى مصر ونزوله بالقاهرة ولما انتهت هذه الأخبار إلى المعز اعتزم على المسير إلى مصر وبدأ بالنظر في تمهيد المغرب وقطع شواغله وكان محمد بن الحسن بن خزر المغراوي مخالفاً عليه بالمغـرب الأوسـط وقـد كثرت جموعه من زناتة والبربـر وكـان جبـاراً طاغيـاً فأهـم المعـز أمـره وخشـي علـى إفريقيـة غائلته فأمر بلكين بن زيري بن مناد بغزوه فغزاه في بلاده وكانت بينهما حروب عظيمة. ثم انهـزم محمـد بن خزر وجموعه ولما أحس بالهزيمة تحامل على سيفه فقتل نفسه وقتل في المعركة سبعة عشر من أمراء زناتة وأسر منهم كثير وذلك سنة ستين. وسر المعز ذلك وقعد للهناء به. واستقدم بلكين بن زيري فاستخلفه على إفريقية والمغرب وأنزله القيروان وسماه يوسف وكناه أبا الفتوح وولى على طرابلس عبد الله بن يخلف الكتامي ولـم يجعل لبلكين ولاية عليه ولا على صاحب صقلية. وجعل على جباية الأموال زيادة الله بن الغريم وعلى الخراج عبد الجبار الخراساني وحسين بن خلف المرصدي بنظر بلكين وعسكر ظاهـر المنصوريـة آخـر شـوال مـن سنـة إحدى وستين وأقام على سردانية قريباً من القيروان حتى فرغ من أعماله ولحقته عساكره وأهل بيته وعماله وحمل له ما كـان فـي قصـره مـن الأمـوال والأمتعـة. وارتحل بعد أربعة أشهر من مقامه وسار معه بلكين قليلا ثم ودعه ورده إلى عمله وسـار هـو إلـى طرابلـس فـي عساكـره وهـرب بعضهـم إلـى جبـل نفوسـة فامتنعوا به وسار إلى برقة فقتـل بها شاعره محمد بن هانىء الأندلسي وجد قتيلا بجانب البحر في آخر رجب من سنة اثنتيـن وستيـن. ثـم سـار إلـى الإسكندريـة وبلغهـا فـي شعبـان مـن هـذه السنـة ولقيـه بهـا أعيـان مصر فأكرمهم ووصلهم وسار فدخل القاهرة لخمس من رمضان من هذه السنة فكانت منزله ومنزل الخلفاء بعده إلى آخر دولتهم. |
حروب المعز مع القرامطة واستيلاؤه على دمشق
كـان للقرامطة على بني طفج بدمشق ضريبة يؤدونها إليهم فلما ملك ابن فلاح بدعوة المعز قطع تلك الضريبة وآسفهم بذلك فرجعوا إلى دمشق وعليهم الأعصم ملكهم فبرز إليهم جعفر بن فلـاح فهزمـوه وقتلوه وملكوا دمشق وما بعدها إلى الرملة وهرب من كان بالرملة وتحصنوا بيافا. وملك القرامطة الرملة وجهزوا العساكر على يافا وساروا إلى مصر ونزلوا عين شمس وهي المعروفة لهذا العهد بالمطرية. واجتمع إليهم خلق كثير من العرب وأولياء بني طفج وحاصروا المغاربة بالقاهرة وقاتلوهم أياماً فكان الظفر بهم. ثم خرج المغاربة واستماتوا وهزمهم فرحلوا إلـى الرملـة وضيقـوا حصـار يافـا وبعـث إليهم جعفر بالمدد في البحر فأخذه القرامطة وانتهى الخبر إلى المعز القيروان. وجاء إلى مصر ودخلها كما ذكرناه. وسمع أنهم يريدون المسير إلى مصر فكتب إلى الأعصم يذكره فضل بنيه وأنهم إنما دعوا له ولآبائه وبالغ في وعظه وتهدده فأساء في جوابه وكتب إليه: وصل كتابك الذي قل تحصيله وكثر تفصيله ونحن سائرون إليك والسلام. وسار من الأحساء إلى مصر ونزل عين شمس في عساكـره واجتمع إليه الناس من العرب وغيرهم. وجاء حسان بن الجراح في جموع عظيمة من طيـىء وبـث سرايـاه فـي البلـاد فعاثـوا فيهـا وأهـم المعـز شأنه فراسل ابن الجراح واستماله بمائة ألف دينـار علـى أن ينهـزم عـن القرامطـة واستحلفـوه علـى ذلك. وخرج المعز ليوم عينوه لذلك فإنهزم ابن الجـراح بالعـرب. وثبـت القرامطـة قليـلا ثـم إنهزمـوا وأخـذ منهم نحو ألف وخمسمائة أسير. وساروا في أتباعهم ولحق القرامطة باذرعات وساروا منها إلى الأحساء وقتلوا صبراً ونهب معسكرهم. وجرد المعز القائد أبا محمود في عشرة آلاف فارس وبعث المعز القائد ظالم ابن موهوب العقيلي والياً على دمشق فدخلها وكان العامل بها من قبل القرامطة أبو اللجاء وابنه. في جماعة منهم فحبسهم ظالم وأخذ أموالهم ورجع القائد أبو محمود من أتباع القرامطة إلى دمشق فتلقاه ظالم وسر بقدومه وسأله المقام بظاهر دمشق حذراً من القرامطة ففعل ودفع أبا اللجـاء وابنـه فبعـث بهـم إلـى مصـر فحبسـوا بهـا وعـاث أصحاب أبي محمود في دمشق فاضطرب النـاس وقتـل صاحـب الشرطـة بعضهم فثاروا به وقتلوا أصحابه. وركب ظالم بذراريهم وأجفل أهـل الضواحـي إلـى البلـد مـن عيـث المغاربـة ثم وقعت في منتصف شوال من سنة ثلاث وستين فتنـة بيـن العامـة وبيـن عسكـر أبـي محمـود وقاتلـوه أيامـاً. ثـم هزمهـم وتبعهم إلى البلد وكان ظالم بن موهوب يداري العامة فأشفق في هذا اليوم على نفسه وخرج من دار الإمارة وأحرق المغاربة ناحيـة بـاب الفراديـس ومـات فيهـا خلـق واتصلـت الفتنـة إلى ربيع الآخر من سنة أربع وستين. ثم وقـع الصلـح بينهـم علـى إخـراج ظالـم مـن البلـد وولايـة جيـش بـن الصمصامـة ابن أخت محمود فسكن الناس إليه ثم رجع المغاربة إلى العيث وعاد العامة إلى الثـورة وقصـدوا القصـر الـذي فيـه جيش فهرب ولحق بالعسكر وزحف إلى البلد فقاتلهم وأحرق ما كان بقي وقطع الماء عن البلد فضاقت الأحوال وبطلت الأسواق وبلغ الخبـر إلـى المعـز فنكـر ذلـك علـى أبـي محمـود واستعظمـه وبعـث إلـى ريـان الخـادم فـي طرابلس يأمره بالمسير إلى دمشق لاستكشاف حالها وأن يصرف القائد أبا محمود عنها فصرفه إلى الرملة وبعث إلى المعز بالخبر وأقام بدمشق إلى أن وصل أفتكين والياً على دمشق. وكـان أفتكيـن هـذا مـن موالي عز الدولة بن بويه ولما ثار الأتراك على ابنه بختيار مع سبكتكين ومات سبكتكين قدمه الأتراك عليهم وحاصروا بختيار بواسط وجاء عضد الدولـة لأنجـاده فأجفلـوا عـن واسـط فتركـوه ببغـداد. وسـار أفتكيـن فـي طائفـة مـن الجنـد إلـى حمـص فنـزل قريباً منها وقصـده ظالـم بـن موهـوب العقيلـي ليقبضـه فعجـز عنـه وسـار أفتكيـن فنـزل بظاهـر دمشق وبها زياد خادم المعز وقد غلب عليه وعلى أعيان البلد الأحداث والذعار فلم يملكوا معهم أمر أنفسهم فخرج الأعيان إلى أفتكين وسألوا منه الدخول إليهم ليولـوه وشكـوا إليـه حـال المغاربـة ومـا يحملونهم عليه من عقائـد بعـض الرفـض ومـا أنـزل بهـم عمالهـم مـن الظلـم والعسـف فأجابهـم واستحلفهـم وحلـف لهـم وملـك البلـد وخـرج منهـا زياد الخادم وقطع خطبة المعز العلوي وخطب للطائع العباسي وقمع أهل الفساد ودفع العرب عما كانوا استولوا عليه من الضواحي. واستقل ملك دمشق وكاتب المعز بطلب طاعته وولايتها من قبله فلم يثـق إليـه ورده وتجهـز لقصده وجهز العساكر فتوفي بعسكره ببلبيس كما يذكر. وفاة المعز وولاية ابنه العزيز ثـم توفـي المعـز بمصـر فـي منتصـف ربيـع الآخـر سنـة خمـس وستيـن لثلـاث وعشريـن سنـة مـن خلافته وولـي ابنـه نزار بعهده إليه ووصيته ولقب العزيز بالله وكتم موت أبيه إلى عيد النحر من السنة فصلى بالناس وخطبهم ودعا لنفسه وعزى بأبيه وأقر يعقوب بن كلس على الوزارة كما كان أيـام أبيـه وأقـر بلكيـن بن زيري على ولاية إفريقية وأضاف إليه ولاية عبد الله بن يخلف الكتامي وهي طرابلس وسرت وجر أبيه. وكان أهل مكة والمدينة قد خطبوا للمعز أبيه في الموسم فتركوا الخطبة للعزيز فبعث جيوشه إلى الحجاز فحاصروا مكة والمدينة وضيقوا عليهم حتى رجعوا إلى دعوتهم وخطب للعزيز بمكة وكان أمير مكة عيسى بن جعفر والمدينة طاهر بن مسلم ومات في هذه السنة فولي ابنه الحسن وابن أخيه مكانه. بقية أخبار أفتكين ولما توفي المعز وولي العزيز قام أفتكين وقصد البلاد التي لهم بساحل الشام فبدأ بصيـدا فحاصرها وبها ابن الشيخ في رؤوس المغاربة وظالم بن موهوب العقيلي فبرزوا إليه وقاتلوه فاستنجد لهم ثم كر عليهم وأوقع بهم وقتل منهم أربعة آلاف وسار إلى عكة فحاصرها وقصد طبرية وفعل فيها مثل صيدا. ورجع واستشار العزيز وزيره يعقوب بن كلس فأشار بإرسال جوهر الكاتب إليه فجهزه العزيز وبعثه وأقبل أفتكين على أهل دمشق يريهم التحول عنهـم ويذكرهـم بذلـك ليختبرهـم فتطارحـوا إليـه واستماتـوا واستحلفهـم علـى ذلـك ووصل جوهـر فـي ذي القعـدة سنـة خمـس وستيـن فحاصـر دمشـق شهريـن وضيـق حصارها وكتب أفتكين إلى الأعصم ملك القرامطة يستنجده فسار إليه من الإحساء واجتمع إليهم من رجال الشام والعرب نحو من خمسين ألفاً وأدركوا جوهراً بالرملة وقطعوا عنه الماء فارتحل إلى عسقلـان فحاصروه بها حتى بلغ الجهد وأرسل جوهر إلى أفتكين بالمغاربة والوعد والقرمطي يمنعه ثم سأله في الاجتماع فجاءه أفتكين ولم يزل جوهر يعتل له في الدروة والغارب وأفتكين يعتذر بالقرمطـي ويقـول: أنت حملتني على مداراته. فلما أيس منه كشف له عما هم فيه من الضيق سأله الصنيعة وأنها يتخذها عند العزيز فحلف له على ذلك وعزله القرمطي. وأراه جوهـر أن يحمـل العزيـز علـى المسير بنفسه فصم من عزله وأبى إلا الوفاء وانطلق جوهر إلى مصـر وأغرى العزيز بالمسير إليهم فتجهز في العساكر وسار وجوهر في مقدمته ورجع أفتكين والقرمطـي إلـى الرملـة واحتشدوا ووصل العزيز فصطوا للحرب بظاهر الرملة في محرم سنة سبع وستيـن. وبعـث العزيـز إلـى أفتكيـن يدعـوه إلى الطاعة يرغبه ويعده بالتقدم في دولته ويدعوه إلى الحضـور عنـده فتقـدم بيـن الصفيـن وترجـل وقبل الأرض وقال: قل لأمير المؤمنين لو كان قبل هذه لسارعت وأما الآن فلا يمكنني. وحمل على المسيرة فهزمهم وقتل الكثير منهم فامتعض العزيز وحمـل هـو والميمنـة جميعـاً فهزمهـم ووضـع المغاربـة السيـف فقتلوا نحواً من عشرين ألفا. ثم نزل في خيامه وجيء بالأسرى فخلع على من جاء بهم وبذل لمن جاء بأفتكين مائة ألف دينار فلقيه المفرج بن دغفل الطائي وقد جهده العطش فاستسقاه وتركه بعرشه مكرماً. وجاء إلى العزيز ولما حضر عند العزيز وهو لا يشك أنه مقتول أكرمه العزيز ووصل ونصب له الخيـام وأعـاد إليـه ما نهب له ورجع به إلى مصر فجعله أخص خدمه وحجابه وبعث إلى الأعصم القرمطي من يرده إليه ليصله كما فعل بأفتكين فأدرك بطبرية وامتنع من الرجوع فبعث إليه بعشرين ألف دينار وفرضها له ضريبة. وسار القرمطي إلى الأحساء وعاد العزيز إلى مصر ورقي رتبة أفتكين وخص به الوزير يعقوب بن كلس فسمه وسمع العزيز بأنه سمه فحبسه أربعين يوماً وصـادره علـى خمسمائـة ألـف دينـار ثـم خلـع عليـه وأعاده إلى وزارته. وتوفي جوهر الكاتب في ذي القعدة من سنة إحدى وثمانين وقام ابنه الحسن مقامه ولقب قائد القواد. وكان أفتكين قد استخلص أيام وزارته دمشق رجلا اسمه قسام فعـلا صبتـه وكثـر تابعـه واستولى على البلد. ولما انهزم أفتكين والقرامطة بعث العزيز القائد أبا محمود بن إبراهيم واليا علـى دمشـق كمـا كـان لأبيـه المعـز فوجـد فيها قساما قد ضبط البلد وهو يدعو للعزيز فلم يتم له معـه ولايـة. وبقـي قسـام مستبـداً عليـه إلـى أن مـات أبـو محمـود سنـة سبعيـن. ثـم جاء أبو ثعلب بن حمدان صاحب الموصل إلى دمشق عند انهزامه أمام عضد الدولة فمنعه قسام من الدخول وخاف أن يغلبه على البلد بنفسه أو بأمر العزيز واستوحش أبو ثعلب لذلك فقاتله قليلا ثم رحل إلى مطرية. وجاءت عساكر العزيز مع قائده الفضل فحاصروا قساما بدمشق ولم يظفروا به ورجعوا ثم بعث العزيز سنة تسع وستين سليمان بن جعفر بن فلاح فنزل بظاهرها ولم يمكنه قسام من دخولها ودس إلى الناس فقاتلوه وأزعجوه عن مكانه. وكان مفرج بن الجراح أمير بني طيىء وسائر العرب بأرض فلسطين قد كثرت جموعه وقويت شوكته وعاث في البلاد وخربها فجهز العزيز العساكر لحربه مع قائده بلتكين التركي فسار إلى الرملة واجتمع إليه العرب من قيس وغيرهم ولقي ابن الجراح وقد أكمن لهم بلتكين من ورائهم فانهزم ومضى إلى إنطاكية فأجاره صاحبها. وصادف خروج ملك الروم من القسطنطينية إلى بلاد الشام فخاف ابن الجراح وكاتب بكجور مولـى سيـف الدولـة وعاملـه على حمص ولجأ إليه فأجاره. ثم زحف بلتكين إلى دمشق وأظهر لقسـام أنـه جـاء لإصلـاح البلـد. وكـان مـع قسـام جيـش بن الصمصامة ابن أخت أبي محمود قد قام بعده في ولايتـه فخـرج إلـى بلتكيـن فأمـره بالنـزول معـه بظاهـر البلـد هـو وأصحابـه. واستوحـش قسـام وتجهـز للحـرب. ثـم قاتـل وانهـزم أصحابـه ودخـل بلتكيـن أطـراف البلـد فنهبـوا وأحرقوا. واعتزم أهل البلـد علـى الاستئمـان إلـى بلتكيـن وشافهـوه بذلـك فـأذن لهـم وسمع قسام فإضطرب وألقى ما بيده واستأمن الناس إلى بلتكين لأنفسهم ولقسام فأمن الجميع. وولى على البلد أميراً اسمه خطلج ثم اختفى قسام بعد يومين فنهبت دوره ودور أصحابه وجاء ملقياً بنفسه على بلتكين فقبله وحمله إلى مصر فأمنه العزيز. وكان بكجور في غوية من غلمان سيف الدولة وعامله على حمص. وكان يمد دمشق أيام هذه الفتنة والغلاء ويحمل الأقوات من حمص إليها ويكاتب العزيز بهـذه الخدم. ثم استوحش سنة ثلاث وسبعين من مولاه أبي المعالي فاستنجز من العزيز وعده إياه بولاية دمشق وصادف ذلك أن المغاربة بمصر أجمعوا على التوثب بالوزير بن كلس ودعت الضرورة إلى استقدام بلتكين من دمشق فأمره العزيز بالقدوم وولاية بكجور على دمشق ففعل ودخلها بكجور في رجب من سنة ثلاث وسبعين وعاث في أصحاب ابن كلس وحاشيته بدمشق لما كان يبلغه عنه من صد العزيز عن ولايته. ثـم أسـاء السيـرة فـي أهـل دمشـق فسعـى ابـن كلـس في عزله عند العزيز وجهز العساكر سنة ثمان وسبعين مع منير الخادم وكتب إلى نزال عامل طرابلس بمظاهرته وجمع بكجور العرب وخرج للقائه فانهزم. ثم خاف من وصول نزال فاستأمن لهم وتوجه إلى الرقة فاستولى عليها ودخل منيـر دمشـق واستقـر فـي ولايتهـا وارتفعت منزلته عند العزيز وجهزه لحصار سعد الدولة بحلب. وكان بكجور بعد انصرافه من دمشق إلى الرقة سأل من سعد الدولة العود إلى ولاية حمص فمنعه فأجلب عليه واستنجد العزيز لحربه ويعث إلى نزال عامل طرابلس بمظاهرته فسار إليه بالعساكر وخرج سعد الدولة من حلب للقائهم. وقد أضمر نزال الغدر ببكجور تقدم إليـه بذلك عيسى بن نسطورس وزير العزيز بعد ابن كلس. وجاء سعد الدولة للقائهم وقد استمد عامل إنطاكية للروم فأمده بجيش كثير وداخل العرب الذيـن مع بكجور في الانهزام عنه ووعدوه ذلك من أنفسهم فلما تراءى الجمعان وشعر بكجور بخديعة العرب إستمات وحمل على الصف بقصد سعد الدولة فقتل لؤلؤ الكبير مولاه بطعنه إياه ثم حمل عليه سعد الدولة فهزمه فسار إلى بعض العرب وحمل إلى سعد الدولة فقتله وسار إلى الرقة فملكها وقبض جميع أمواله وكانت شيئاً لا يعبر عنه. وكتب أولاده إلى العزيز يستشفعـون بـه فشفـع إلـى سعـد الدولـة فيهم أن يبعثهم إلى مصر ويتهدده على ذلك فأساء سعد الدولة الرد وجهز لحصار حلب الجيوش مع منجوتكين فنزل عليها وحاصرها وبها أبو الفضائل بن سعد الدولة ومولاه لؤلؤ الصغير. وأرسلا إلى بسيل ملك الروم يستنجدانه وهو في قتال بلغـار فبعـث إلـى عامـل إنطاكيـة أن يمدهما فسار في خمسين ألفا حتى نزل حبس العاصي وبلغ خبره إلى منجوتكين فارتحل عن حلب ولقي الروم فهزمهم وأثخن فيهم قتلاً وأسراً. وسار إلى إنطاكية وعاث في نواحيها وخرج أبو الفضائل في مغيب منجوتكين إلى ضواحي حلب فنقل ما فيها من الغلال وأحرق بقيتها لتفقـد عساكـر منجوتكيـن الأقـوات. فلمـا عـاد منجوتكين إلى الحصار جهز عسكره وأرسل لؤلؤ إلى أبي الحسن المغربي في الصلح فعقد له ذلـك ورحـل منجوتكيـن إلى دمشق وبلغ الخبر إلى العزيز فغضب. وكتب إلى منجوتكين بالعود إلى حصار حلب وإبعاد الوزير المغربي وأنفذ الأقوات للعسكر في البحر إلى طرابلس. وأقام منجوتكيـن فـي حصـار حلـب. وأعادوا مراسلة ملك الروم فاستنجدوه وأغزوه وكان قد توسط بلـاد البلغـار فعـاد مجـداً فـي السيـر. وبعـث لؤلـؤ إلـى منجوتكيـن بالخبـر حـذراً علـى المسلمين وجاءته جواسيسه بذلك فأجفل بعـد أن خـرب مـا كـان اتخـذه فـي الحصـار مـن الأسـواق والقصـور والحمامات. ووصل ملك الروم إلى حلب ولقي أبا الفضائل ولؤلؤاً ثم سار في الشام وافتتح حمص وشيزر ونهبهما وحاصـر طرابلـس أربعيـن يومـاً فامتنعـت عليـه وعـاد إلـى بلـاده وبلـغ الخبـر إلـى العزيـز فعظـم عليـه واستنفر الناس للجهاد وبرز من القاهرة وذلك سنة إحدى وثمانين. ثم انتقض منير في دمشق فزحف إليه منجوتكين إلى دمشق. |
أخبار الوزراء
كان وزير المعز لدين الله يعقوب بـن يوسـف بـن كلـس أصلـه مـن اليهـود وأسلـم وكـان يدبـر الأحوال الإخشيدية بمصر وعزله أبو الفضائل بن الفرات سنة سبع وخمسين وصادره فاستتر بمصـر ثـم فـر إلـى المغـرب ولقـي المعـز لدين الله وجاء في ركابه إلى مصر فاستوزره وعظم مقامه عنده واستوزره بعده ابنه العزيز إلى أن توفي سنة ثمانين وصلى عليه العزيز وحضر دفنه وقضى عنه دينه. وقسم عمله فرد النظر في الظلامات إلى الحسن بن عمار كبير كتامة ورد النظـر فـي الأمـوال إلـى عيسـى بـن نسطـورس ولـم تـزل الـوزارة سائـر دولتهم في أرباب الأقلام وكانوا بمكان وكان منهم البارزي. وكان مع الوزارة قاضي القضاة وداعي الدعاة. وسأل أن يرسم اسمـه علـى السكـة فغـرب ومنـع ومـات قتيـلا بتنيـس. وأبو سعيد النسري وكان يهودياً وأسلم قبل وزارته والجرجاني وقطع الجرجاني في أمر منع من الكتب فيه فكتب وحلف الحاكم بيمين لا تكفـر ليقطعنـة. ثـم رده بعـد ثلـاث وخلـع عليـه وابـن أبـي كدينـة ثلاثـة عشـر شهـراً. ثم صرف وقتل وأبو الطاهر بن ياشاد وكان من أهل الدين واستعفى فأعفي وأقام معتكفا في جامع مصر وسقط ليلة من السطح فمات. وكان آخرهم الوزير أبو القاسم بن المغربي وكان بعده بدر الجمالـي أيـام المستنصـر وزير سيف الدولة واستبد له على الدولة ومن بعده منهم كما يأتي في أخبارهم. أخبار القضاة كـان النعمـان بـن محمـد بـن منصـور بـن أحمـد بـن حيـون فـي خطة القضاء للمعز بالقيروان. ولما جاء إلـى مصـر أقـام بها في خطة القضاء إلى أن توفي وولي ابنه علي ثم توفي سنة أربع وسبعين وثلاثمائـة فولـى العزيـز أخـاه أبـا عبـد الله محمداً خلع عليه وقلده. وكان المعز قد وعد أباه بقضاء ابنـه محمـد هـذا بمصـر وتم في سنة تسع وثمانين أيام الحاكم. وكان كبير الصيت كثير الإحسان شديـد الاحتيـاط فـي العدالـة فكانـت أيامـه شريفـة. وولـي بعـده ابـن عمـه أبـو عبـد اللـه الحسين علي بن النعمان أيام الحاكم ثم عزل سنة أربع وتسعين وقتل وأحرق بالنار وولي مكانه ملكة بن سعيـد الفارقـي إلـى أن قتلـه الحاكـم سنـة خمـس وأربعمائة بنواحي القصور وكان عالم المنزلة عند الحاكـم ومداخـلا لـه فـي أمـور الدولـة وخالصـة لـه فـي خلواتـه. وولي بعده أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوام. واتصل في آخرين إلى آخر دولتهم كان كثيراً ما يجمعون للقاضي المظالم والدعـوة فيكـون داعـي الدعـاة وربما يفردون كلا منهما. وكان القاضي عندهم يصعد مع الخليفة المنبر مع من يصعده من أهل دولته عندما يخطب الخلفاء في الجمع والأعياد. وفاة المعز وولاية ابنه الحاكم قد تقدم لنا أن العزيز استنفر الناس للجهاد سنة إحدى وثمانين وبرز في العساكر لغزو الروم ونـزل بلبيـس فاعتورتـه الأمـراض واتصلـت بـه إلـى أن هلـك آخـر رمضان سنة ست وثمانين لإحدى عشـرة سنة ونصف من خلافته ولقب الحاكم بأمر الله واستولى برجوان الخادم على دولته كما كـان لأبيـه العزيـز بوصيتـه بذلـك وكـان مدبـر دولتـه وكـان رديفـه في ذلك أبو محمد الحسن بن عمار ويلقب بأمين الدولة وتغلب على ابن عمار وانبسطت أيدي كتامة في أموال الناس وحرمهم ونكـر منجوتكيـن تقديـم ابـن عمار في الدولة وكاتب برجوان بالموافقة على ذلك فأظهر الانتقاض وجهز العساكر لقتاله مع سليمان بن جعفر بن فلاح فلقيهم بعسقلان وانهزم منجوتكين وأصحابه وقتل منهم ألفين وسيق أسيراً إلى مصر فأبقى عليه ابن عمار واستماله للمشارقة. وعقد على الشام لسليمان بن فلاح ويكنى أبا تميم فبعث من طبرية أخاه علياً إلى دمشق فامتنـع أهلهـا فكاتبهـم أبـو تميـم وتهددهـم وأذعنـوا ودخـل علـى البلد ففتك فيهم. ثم قدم أبو تميم فأمـن وأحسـن وبعـث أخاه عليا إلى طرابلس وعزل عنها جيش ابن الصمصامة فسار إلى مصر وداخل برجوان في الفتك بالحسن بن عمار وأعيان كتامة وكان معهما في ذلك شكر خادم عضـد الدولة نزع إلى مصر بعد مهلك عضد الدولة ونكبة أخيه شرف الدولة إياه فخلص إلى العزيز فقربه وحظي عنده فكان مع برجوان وجيش بن الصمصامـة. وثـارت الفتنـة واقتتـل المشارقة والمغاربة فانهزمت المغاربة واختفى ابن عمار وأظهر برجوان الحاكم وجدد له البيعة وكتـب إلـى دمشـق بالقبـض على أبي تميم بن فلاح فنهب ونهبت خزائنه واستمر القتل في كتامة واضطربت الفتنة بدمشق واستولى الأحداث. ثم أذن برجوان لابـن عمـار فـي الخـروج مـن أستاره وأجرى له أرزاقه على أن يقيم بداره. واضطرب الشام فانتقض أهـل صـور وقـام بهـا رجـل ملـاح اسمـه العلاقـة وانتقـض مفـرج بـن دغفل بن الجراح ونزل على الرملة وعاث في البلاد وزحف الدوقس ملك لروم إلى حصـن أفامية محاصراً لها. وجهز برجوان العساكر مع جيش ابن الصمصمامة فسار إلى عبد الله الحسين بن ناصر الدولة بن حمدون وأسطولا في البحر واستنجد العلاقة ملك الروم فأنجده بالمقاتلة في المراكب فظفر بهم أسطول المسلمين. واضطرب أهل صور وملكها ابن حمدان وأسر العلاقة وبعث به إلى مصر فسلخ وصلب وسار جيش ابن الصمصامة إلى الفرج بن دغفل فهرب أمامه ووصل إلى دمشق وتلقاه أهلها مذعنين وأحسن إليهم وسكنهم ورفع أيدي العدوان عنهم. ثـم سـار إلـى أفامية وصاف الروم عندها فانهزم أولاً هو وأصحابه وثبت بشارة الأخشيدي بن قـرارة فـي خمسمائـة فـارس ووفـق الدوقـس ملـك الروم على رابية في ولده وعدة من غلمانه ينظر فعل الروم في المسلمين فقصد كردي من مصاف الأخشيدي وبيده عصا من حديد يسمى الخشت وظنه الملك مستأمناً فلما دنا منه ضربه بالخشت فقتله وانهزم الروم واتبعهم جيش ابـن الصمصامـة إلـى أنطاكية يغنم ويسبي ويحرق. ثم عاد مظفراً إلى دمشق فنزل بظاهرها ولم يدخـل. واستخلـص رؤسـاء الأحـداث واستحجبهم وأقيم له الطعام في كل يوم وأقام على ذلك برهـة. ثـم أمـر أصحابـه إذا دخلـوا للطعـام أن يغلـق بـاب الحجـرة عليهم ويوضع السيف في سائرهم فقتل منهم ثلاثة آلاف ودخل دمشق وطاف بها وأحضر الأشرف فقتل أيديهم وبعث بهم إلى مصر وأمن الناس. ثم إنه توفي وولى محمود بن جيش وبعث برجوان إلى بسيل ملك الروم فصالحه لعشر سنين وبعث جيشاً إلى برقة وطرابلس المغرب ففتحها وولى عليها يانساً الصقلي. ثم ثقل مكان برجـوان علـى الحاكـم فقتلـه سنة تسع وثمانين وكان خصياً أبيض وكان له وزير نصراني استوزره الحاكم من بعده. ثم قتل الحسين بن عمار ثم الحسين بن جوهر القائد. ثم جهز العساكر مع يارختكين إلى حلب وقصد حسان بن فرج الطائي لما بلغ من عيثه وفساده. فلما رحل من غزوه إلى عسقلان لقيه حسان وأبوه مفرج فانهزم وقتل ونهبـت النواحـي وكثـرت جمـوع بنـي الجـراح وملكـوا الرملـة واستقدمـوا الشريـف أبـا الفتـوح الحسن بن جعفر أمير مكة فبايعوه بالخلافة. ثـم استمالهمـا الحاكـم ورغبهمـا فـرداه إلـى مكـة وراجعـا طاعـة الحاكم وراجع هو كذلك وخطب له بمكة. ثم جهز الحاكم العساكر إلى الشام مع علي بن جعفر بن فلاح وقصد الرملة فانهزم حسان بن مفرج وقومه وغلبهم على تلك البلاد واستولى على أموالهم وذخائرهم وأخذ مـا كـان لهـم مـن الحصـون بجبـل السـراة ووصـل إلى دمشق في شوال سنة تسعين فملكها واستولى عليها وأقام مفرج وابنه حسان شريدين بالقفز نحواً من سنتين. ثم هلك مفرج وبعث حسان ابنه إلى الحاكم فأمنه وأقطعه ثم وفد عليه بمصر فأكرمه ووصله. خروج أبي ركوة ببرقة والظفر به كـان أبو ركوة هذا يزعم أنه الوليد بن هشام بن عبد الملك بن عبد الرحمن الداخل وأنه هرب من المنصور بن أبي عامر حين تتبعهم بالقتل وهو ابن عشرين سنة وقصد القيروان فأقام بها يعلم الصبيان. ثم قصد مصر وكتب الحديث ثم سار إلى مكة واليمن والشام وكان يدعو للقائم من ولد أبيه هشام واسمه الوليد وإنما لقبه أبا ركوة لأنه كان يحملها لوضوئه على عادة الصوفية. ثم عاد إلى نواحي مصر ونزل على بني قرة من بادية هلال بن عامر وأقام يعلم الصبيـان ويؤمهـم فـي صلاتهـم. ثـم أظهر ما في نفسه ودعا للقائم. وكان الحاكم قد أسرف في القتل في أصناف الناس وطبقاتهم والناس معه على خطر وكان قتل جماعـة مـن بنـي قـرة وأحرقهـم بالنار لفسادهم فبادر بنو قرة وكانوا في أعمال برقة فأجابوه وانقاد له وبايعوا. وكان بينهم وبين لواتة ومزاتة وزناتة جيرانهم في الأصل حروب ودماء فوضعوها واتفقوا على بيعته. وكتـب عامـل برقـة أنيـال الطويـل بخبرهـم إلى الحاكم فأمره بالكف عنهم. ثم اجتمعوا وساروا إلى برقة فهزموا العامل برمادة وملكوا برقة وغنموا الأموال والسلاح وقتلوه. وأظهر أبو ركوة العدل وبلغ الخبر إلى الحاكم فاطمأنت نفسه وكف عن الأذى والقتل وجهز خمسة آلاف فارس مع القائـد أبي الفتوح الفضل بن صالح فبلغ ذات الحمام وبينها وبين برقة مفازة صعبة معطشة وأمر أبو ركوة من غور المياه التي فيها على قلبها. ثم سار للقائهم بعد خروجهم من المفازة على جهد العطش فقاتلهم ونال منهم وثبت أبو ركوة واستأمن إليه جماعة من كتامة لما نالهم من أذى الحاكم وقتله فأمنهم ولحقوا به وانهزمت عساكر الحاكم وقتل خلق كثير منهم. ورجع أبو ركوة إلى برقة ظافراً وردد البعوث والسرايا إلى الصعيد وأرض مصر. وأهم الحاكم أمره وندم على ما فرط. وجهز علي بن فلاح العساكر لحربهم. وكاتب الناس أبا ركوة يستدعونه وممن كتب إليه الحسن بـن جوهـر قائـد القـواد وبعثهـم فـي ستـة عشـر ألـف مقاتـل سـوى العـرب وبعـث أخـاه في سرية فواقع بنـي قـرة وهزمهـم وقتـل مـن شيوخهـم عبـد العزيز بن مصعب ورافع بن طراد ومحمد بن أبي بكر واستمال الفضل بني قرة فأجابه ماضي بن مقرب من أمرائهم وكان يطالعه بأخبارهم. وبعث علي بن فلاح عسكراً إلى الفيوم فكبسه بنو قرة وهزموه ونزل أبو ركوة بالهرمين ورجع من يومه. ثم رحل الفضل إلى الفيوم لقتالهم فواقعهم برأس البركة وهزمهـم واستأمـن بنـو كلـاب وغيرهم ورجع علي بن فلاح وتقدم الفضل لطلب أبي ركوة وخذل ماضي بن مقرب بني قرة عن أبي ركوة فقالوا له انج بنفسك إلى بلد النوبة ووصل إلى تخومهم وقال: أنا رسول الحاكم فقالوا: لا بد من استئذان الملك فوكلوا به وطالعوا الملك بحقيقة الحال. وكان صغيرا قد ولي بعـد سرقـة أبيـه وبعـث إليـه الفضـل بشأنـه وطلبه فكتب إلى شجرة بن مينا قائد الخيل الثغر بأن يسلمـه إلى نائب الحاكم فجاء به رسول الفضل وأنزله الفضل في خيمة وحمله إلى صر فطيف به على جمل لابساً طرطوراً وخلفه قرد يصفعه. ثم حمل إلى ظاهر القاهرة ليقتل فمات قبل وصوله. وقطع رأسه وصلب. وبالغ الحاكم في إكرام الفضل ورفع مرتبته ثم قتله بعد ذلك وكان ظفر الحاكم بأبي ركوة سنة سبع وتسعين. بقية أخبار الحاكم: كان الحسن بن عمار زعيم كتامة مدبر دولته كما ذكرناه وكان برجوان خادمه وكافله وكان بيـن الموالـي والكتامييـن فـي الدولـة منافسـة. وكان كثيراً ما يفضي إلى القتال. واقتتلوا سنة سبع وثمانيـن. وأركب المغاربة ابن عمار والموالي برجوان وكانت بينهم حروب شديدة. ثم تحاجزوا واعتزل ابن عمار الأمور وتخلى بداره عن رسومه وجراياته وتقدم برجوان بتدبير الدولـة. وكان كاتب بن فهر بن إبراهيم يربع وينظر في الظلامات ويطالعه. وولي على برقـة يأنـس صاحـب الشرطـة مكـان صنـدل. ثـم قتـل برجـوان سنـة تسع وثمانين ورجع التدبير إلى القائد أبي عبـد اللـه الحسيـن بـن جوهـر وبقي ابن فهر على حاله. وفي سنة تسعين انقطعت طرابلس عن منصور بن بلكين بن زيري صاحب إفريقية وولى عليها يأنس العزيزي من موالي العزيز فوصل إليها وأمكنه عامل المنصور منها وهو عصولة بن بكار. وجـاء إلى الحاكم بأهله وولده وماله وأطلق يد يأنس على مخلفه بطرابلس يقال كان له من الولد نيف وستون بين ذكر وأنثى ومن السراري خمس وثلاثون فتلقي بالمبرة وهيىء له القصور ورتب له الجراية وقلـده دمشـق وأعمالهـا فهلـك بهـا لسنـة مـن ولايتـه. وفي سنة اثنتيـن وتسعيـن وصـل الصريـخ مـن جهة فلفول بن خزرون المغراوي في ارتجاع طرابلس إلى منصور بن بلكين فجهزت العساكـر مـع يحيـى بـن علي الأندلسي الذي كان جعفر أخوه عامل الزاب للعبيديين ونزع إلى بني أميـة وراء البحـر. ولـم يـزل هـو وأخـوه فـي تصريفهـم إلـى أن قتـل المنصـور بـن أبـي عامر جعفراً منهما ونزع أخـوه يحيـى إلـى العزيـز بمصـر فنـزل عليـه وتصـرف فـي خدمتـه وبعثـه إلـآن الحاكـم فـي العساكـر لمـا قدمناه فاعترضه بنو قرة ببرقة ففضوا جموعه. ورجع إلى مصر وسار يأنس من برقة إلى طرابلس فكان من شأنه مع عصولة ما ذكرناه. وبعـد وفـاة عصولـة ولـي علـى دمشـق مفلـح الخادم وبعده علي بن فلاح سنة ثمان وتسعين. وبعد مسير يأنـس ولـي علـى برقـة صنـدل الأسـود. وفي سنة ثمـان وتسعيـن عـزل الحسيـن بـن جوهـر القائـد وقـام بتدبيـر الدولـة صالـح بـن علـي بـن صالـح الروبـاذي. ثـم نكـب حسيـن القائـد بعد ذلك وقتل ثم قتـل صالـح بعـد ذلـك وقـام بتدبيـر الدولـة الكافـي بـن نصر بن عبدون وبعده زرعة بن عيسى بن نسطورس ثم أبو عبد الله الحسن بن طاهر الوزان. وكثر عيث الحاكم في أهل دولته وقتله إياهم - مثل الجرجراي وقطعه أيديهم حتى إن كثيراً منهم كانوا يهربون من سطوته وآخرون يطلبون الأمان فيكتب لهم به السجلات. وكـان حاله مضطربا في الجور والعدل والإخافة والأمن والنسك والبدعة. وأما ما يرمى به من الكفر وصدور السجلات بإسقاط الصلوات فغيـر صحيـح ولا يقولـه ذو عقـل ولـو صـدر مـن الحاكم بعض ذلك لقتل لوقته. وأما مذهبه في الرافضة فمعروف. ولقد كان مضطرباً فيه مع ذلـك فكـان يـأذن فـي صلـاة التراويـح ثـم ينهى عنها. وكان يرى بعلم النجوم ويؤثره. وينقل عنه أنه منـع النساء من التصرف في الأسواق ومنع من أكل الملوخيا. ورفع إليه أن جماعة من الروافض تعرضوا لأهل السنة في التراويـح بالرجـم وفـي الجنائـز فكتـب فـي ذلـك سجـلاً قـرىء علـى المنبـر بمصـر كان فيه: أمـا بعـد فـإن أميـر المؤمنيـن يتلـو عليكـم آيـة مـن كتاب الله المبين " لا إكراه في الدين " الآية. مضى أمس بما فيه وأتى اليوم بما يقتضيه. معاشر المسلمين نحن الأئمة وأنتم الأمة. لا يحل قتل من شهـد الشهادتين ولا يحل عروة بين اثنين تجمعها هذه الأخوة عصم الله بها من عصم وحرم لها مـا حـرم مـن كـل محـرم من دم ومال ومنكح الصلاح والأصلح بين الناس أصلح والفساد والإفساد بين العباد يستقبح. يطوى ما كان فيما مضى فلا ينشر ويعرض عما انقضى فلا يذكـر. ولا يقبـل علـى مـا مـر وأدبـر مـن إجـراء الأمـور علـى مـا كانـت عليه في الأيام الخالية أيام آبائنا الأئمـة المهتديـن سلـام اللـه عليهـم أجمعيـن مهديهـم بالله وقائمهم بأمر الله ومنصورهم بالله ومعزهم لدين الله وهـو إذ ذاك بالمهديـة والمنصوريـة وأحـوال القيـروان تجـري فيهـا ظاهـرة غيـر خفية ليست بمستورة عنهم ولا مطوية. يصوم الصائمون على حسابهم ويفطرون ولا يعـارض أهل الرؤية فيما هم عليه صائمون ومفطرون. صلاة الخمس للدين بها جاءهم فيهـا يصلـون وصلاة الضحى وصلاة التراويح لا مانع لهم منها ولا هم عنها يدفعون يخمس في التكبير على الجنائز المخمسون ولا يمنع من التكبير عليها المربعون. يؤذن بحي على خير العمل المؤذنون ولا يؤذى من بها لا يؤذنون. لا يسب أحد من السلف ولا يحتسب على الواصف فيهم بما يوصف والخالـف فيهم بما خلف. لكل مسلم مجتهد في دينه اجتهاده وإلى الله ربه ميعاده عنده كتابه وعليـه حسابـه. ليكـن عبـاد اللـه علـى مثـل هـذا عملكـم منـذ اليـوم لا يستعلي مسلم على مسلم بما اعتقـده ولايعتـرض معتـرض علـى صاحبـه فيمـا اعتمـده. مـن جميـع مـا نصـه أمير المؤمنين في سجله هـذا وبعد قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى اللـه مرجعكـم جميعـاً فينبئكـم بمـا كنتـم تعملون ". والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كتب في رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة. http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif وفاة الحاكم وولاية الظاهر ثم توفي الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز نزار قتيلا ببركة الحبش بمصر وكان يركب الحمار ويطوف بالليل ويخلو بدار في جبل المقطم للعبادة ويقال لاستنزال روحانية الكواكب. فصعد ليلة من ليالي لثلاث بقين من شوال سنة إحدى عشرة ركب على عادته ومشى معه راكبان فردهمـا واحـداً بعـد آخـر فـي تصاريـف أمـوره. ثـم افتقـد ولم يرجع وأقاموا أياماً في انتظاره. ثم خرج مظفر الصقلي والقاضي وبعض الخواص إلى الجبل فوجدوا حماره مقطوع اليدين واتبعوا أثره إلى بركة الحبش فوجدوا ثيابه مزررة وفيها عدة ضربات بالسكاكين فأيقنوا بقتله. ويقال بلغه عن أخته أن الرجال يتناوبون بها فتوعدها فأرسلت إلى ابن دواس من قواد كتامة وكان يخاف الحكم فأغرته بقتله وهونته عليه لما يرميه به الناس من سوء العقيدة فقد يهلك النـاس ونهلـك معـه ووعدتـه بالمنزلـة والإقطـاع فبعث إليه رجلين فقتلاه في خلوته. ولما أيقنوا بقتله اجتمعـوا إلـى أختـه سـت الملـك فأحضـرت علي بن دواس وأجلس علي بن الحاكم صبياً لم يناهز الحلم وبايع له الناس ولقب الظاهر لإعزاز دين الله ونفذت الكتب إلى البلاد بأخذ البيعة له. ثم حضر ابن دواس من الغد وحضر معه القواد فأمرت ست الملـك خادمهـا فعلـاه بالسيـف أمامهم حتى قتله وهو ينادي بثأر الحاكم فلم يختلف فيه اثنان وقامت بتدبير الدولة أربع سنين. ثم ماتت وقام بتدبير الدولة الخادم معضاد وتافر بن الوزان وولي وزارته أبو القاسم علي بن أحمد الجرجراي وكان متغلباً على دولته وانتقض الشام خلال ذلك وتغلب صالح بن مـرداس مـن بنـي كلـاب علـى حلـب وعـاث بنـو الجـراح فـي نواحيه فبعث الظاهر سنة عشرين قائده الزريري والي فلسطين في العساكر وأوقع بصالح بن الجراح وقتل صالح وابنه وملك دمشق. وملـك حلـب مـن يـد شبـل الدولـة نصـر بـن صالـح وقتله وكان بينه وبين بني الجراح قبل ذلك وهو بفلسطين حروب حتى هرب من الرملة إلى قيسارية فاعتصم بها وأخرب ابن الجراح الرملة وأحرقها. وبعث السرايا فانتهت إلى العريش وخشي أهل بلبيس وأهل القرافة على أنفسهم فانتفلوا إلى مصر وزحف صالح بن مرداس في جموع العرب لحصار دمشق وعليها يومئذ ذو القرنين ناصر الدولة بن الحسين. وبعث حسان بن الجراح إليهم بالمدد ثم صالحوا صالح بن مرداس وانتقل إلى حصار حلب وملكها من يد شعبان الكتامي وجردت العساكر من الشام وفاة الظاهر وولاية ابنه المستنصر ثـم توفـي الظاهـر لإعـزاز ديـن اللـه أبـو الحسـن علـي ابـن الحاكـم منتصف شعبان سنة سبع وعشرين لست عشرة سنة من خلافته فولي ابنه أبو تميم معد ولقب المستنصر بأمر الله وقام بأمره وزيـر أبيـه أبـو القاسـم علـي بـن أحمد الجرجراي وكان بدمشق الوزيري اسمه أقوش تكين. وكانت البلاد صلحت على يديه لعدله ورفقه وضبطه وكان الوزير جرجراي يحسده ويبغضه وكتب إليه بإبعاد كاتبه أبي سعيد فأنفذ إليه أنه يحمل الوزيري على الانتقاض فلم يجب الوزيري إلى ذلـك واستوحش وجاء جماعة من الجند إلى مصر في بعض حاجاتهم فداخلهم الجرجراي في التوثب به ودس معهم بذلك إلى بقية جند بدمشق فتعللوا عليه فخرج إلى بعلبك سنة ثلاث وثلاثين فمنعه عاملها من الدخول فسار إلى حماة فمنع أيضاً فقوتل وهو خلال ذلـك ينهـب فاستدعـى بعـض أوليائـه مـن كفرطـاب فوصـل إليـه فـي ألفـي رجـل وسار إلى حلب فدخلها وتوفي بهـا فـي جمـادى الآخـرة مـن السنـة وفسـد بعـده أمـر الشام وطمع العرب في نواحيه وولى الجرجراي على دمشق الحسين بن حمدان فكان قصارى أمره منع الشام وملك حسان بن مفرج فلسطين وزحف معز الدولة بن صالح الكلابي إلى حلب فملك المدينة وامتنع عليه أصحاب القلعة وبعثوا إلى مصر للنجدة فلم ينجدهم فسلموا القلعة لمعز الدولة بن صالح فملكها. كان المعز بن باديس قد انتقض دعوة العبيديين بإفريقية وخطب للقائم العباسي وقطع الخطبة للمستنصر العلـوي سنـة أربعيـن وأربعمائـة فكتـب إليـه المستنصـر يتهـدده. ثـم إنـه استـوزر الحسيـن بـن علي التازوري بعد الجرجراي ولم يكن في رتبته فخاطبه المعز دون ما كان يخاطب من قبله كان يقول في كتابه إليهم عبده ويقول في كتاب التازوري صنيعته فحقد ذلك وأغـرى بـه المستنصر وأصلح بين زغبة ورياح من بطون هلال وبعثهم إلى إفريقية وملكهم كل ما يفتحونه وبعـث إلـى المعز: أما بعد فقد أرسلنا إليك خيولا وحملنا عليها رجالا فحولا ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. فساروا إلى برقة فوجدوها خالية لأن المعز كان أباد أهلها من زناتة فاستوطن العرب برقة واحتقر المعز شأنهم واشترى العبيد واستكثر منهم حتى اجتمع له منهم ثلاثون ألفاً. وزحف بنو زغبة إلى طرابلس فملكوها سنة ست وأربعين وجازت رياح الأتبح وبنو عدي إلـى إفريقيـة فأضرموهـا نـاراً. ثـم سـار أمراؤهـم إلـى المعـز وكبيرهـم مؤنـس بـن يحيى من بني مرداس من زياد فأكرمهم المعز وأجزل لهم عطاياه فلـم يغـن شيئـاً وخرجـوا إلـى مـا كانـوا عليـه مـن الفسـاد ونـزل بإفريقيـة بـلاء لـم ينـزل بهـا مثلـه. فخرج إليهم المعز في جموعه من صنهاجة والسودان نحواً من ثلاثين ألفاً والعرب في ثلاثة آلاف فهزموه وأثخنوا في صنهاجة بالقتل واستباحوهم. ثم سار إليهم بعد أن احتشد زناتة معه فانهزم ثالثة وقتل من عسكره نحو من ثلاثة آلاف ونزل العرب بمصلى القيروان ووالوا عليهم الهزائم وقتلت منهم أمم. ثم أباح لهم المعز دخول القيروان للميرة فاستطالت عليهم العامة فقتلوا منهم خلقاً وأدار المعز السور على القيروان سنة سـت وأربعيـن. ثـم ملـك مؤنـس بـن يحيـى مدينـة باجـة سنـة سـت وأربعين وأمر المعز أهل القيروان بالانتقـال إلـى المهديـة للتحصيـن بهـا وولـى عليهـا ابنـه تيمـا سنة خمس وأربعين. ثم انتقل إليها سنة تسع وأربعين وانطلقت أيدي العرب علـى القيـروان بالنهـب والتخريـب وعلـى سائـر الحصـون والقرى كما يذكر في أخبارهم. ثم كانت الخطبة للمستنصر ببغداد على يد البساسيري من مماليك بني بويه عند انقراض دولتهم واستيلاء السلجوقية كما نذكره في أخبارهم. |
الساعة الآن 07:46 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |