![]() |
مقتل ناصر الدولة ابن حمدان بمصر
كانت أم المستنصر متغلبة على دولته وكانت تصطنع الوزراء وتوليهم وكانوا يتخذون الموالـي من الأتراك للتغلب على الدولة. فمن استوحشت منه أغرت به المستنصر فقتله. فاستوزرت أولاً أبا الفتح الفلاحي ثم استوحشت منه فقبض عليه المستنصر وقتله ووزر بعده أبا البركات حسـن بن محمد وعزله. ثم ولي الوزارة أبا محمد التاوزري من قرية بالرملة تسمى تازور فقام بالدولة إلى أن قتل. ووزر بعده أبو عبد الله الحسين بن البابلي وكان في الدولة من موالي السودان ناصر الدولة ابن حمدان واستمالوا معهم كتامة والمصامدة. وخرج العبيد إلى الضياع واجتمعوا في خمسين ألف مقاتل وكان الأتراك ستة آلاف وشكوا إلى المستنصر فلم يشكهم فخرجوا إلى غرمائهم والتقوا بكوم الريش وأكمن الأتراك للعبيد ولقوهم فانهزموا وخرج كمينهم على العبيد وضربوا البوقات والكاسات فارتاب العبيد وظنوه المستنصر فانهزموا وقتل منهم وغرق نحو أربعين ألفاً. وفدى الأتراك وتغلبوا وعظـم الافتـراء فيهـم فخلـت الخزائـن واضطربـت الأمـور وتجمـع باقـي العسكر من الشام وغيره إلى الصعيد واجتمعوا مع العبيد وكانوا خمسة عشر ألفاً وساروا إلى الجيزة فلقيهم الأتراك وعليهم ناصر الدولة بن حمدان فهزموهم إلى الصعيد وعاد ناصر الدولة والأتـراك ظافريـن. واجتمع العبيد في الصعيد وحضر الأتراك بدار المستنصر فأمرت أمه العبيد بالدار أن يفتكوا بمقدمي الأتراك ففعلوا وهربوا إلى ظاهـر البلـد ومعهـم ناصـر الدولـة وقاتـل أولياء المستنصر فهزمهم وملك الإسكندرية ودمياط وقطـع الخطبـة منهمـا ومـن سائـر الريـف للمستنصر وراسل الخليفة العباسي ببغداد وافترق الناصر من القاهرة. ثم صالح المستنصر ودخـل القاهرة واستبد عليه وصادر أمه على خمسين ألف دينار وافترق عنه أولاده وكثير من أهلـه فـي البلـاد ودس المستنصـر لقواد الأتراك بأنه يحول الدعوة فامتعضوا لذلك وقصدوه في بيته وهـو آمـن منهـم فلمـا خـرج إليهـم تناولوه بسيوفهم حتى قتلوه وجاؤوا برأسه ومروا على أخيه في بيتـه فقطعـوا رأسـه وأتـوا بهمـا جميعـا إلى المستنصر وذلك سنة خمس وستين وولى عليهم الذكر منهم وقام بأمر الدولة. استيلاء بدر الجمالي على الدولة أصل بدر هذا من الأرمن من صنائع الدولة بمصـر ومواليهـا وكـان حاجبـا لصاحـب دمشـق واستكفاه فيما وراء بابه. ثم مات صاحب دمشق فقام بالأمور إلى أن وصل الأميـر علـى دمشـق وهـو ابـن منيـر فسـار هـو إلى مصر وترقى في الولايات إلى أن ولي عكا وظهر منه كفاية واضطلاع. ولما وقع بالمستنصر ما وقع من استيلاء الترك عليه والفساد والتضييق إستقـدم بـدراً الجمالـي لولاية الأمور بالحضرة فاستأذن في الاستكثار من الجند لقهر من تغلب من جند مصر فأذن له في ذلك وركب البحر من عكا في عشرة مراكب ومعه من جند كثيف من الأرمن وغيرهم فوصل إلى مصر وحضر عند الخليفة فولاه ما وراء بابه وخلع عليه بالعقد المنظـوم بالجوهـر مكـان الطوق ولقبه بالسيد الأجل أمير الجيوش مثل والي دمشق. وأضيف إلى ذلك كافل قضاة المسلمين وداعي دعاة المؤمنين ورتب الوزارة وزاده سيفه ورد الأمـور كلهـا إليه ومنه إلى الخليفة. وعاهده الخليفة على ذلك وجعل إليه ولاية الدعاة والقضاة وكان مبالغاً في مذهب الإمامية فقام بالأمور واسترد ما كان تغلب عليه أهل النواحي مثل ابن عمار بطرابلـس وابـن معـروف بعسقلـان وبنـي عقيـل بصـور. ثـم استـرد من القواد والأمراء بمصر جميع ما أخذوه أيام الفتنة من المستنصر من الأموال والأمتعة. وسار إلى دمياط وقد تغلب عليها جماعة من المفسدين من العرب وغيرهم فأثخن في لواته بالقتل والنهب في الرجال والنساء وسبى نساءهم وغنم خيولهم. ثم سار إلى جهينة وقد ثـاروا ومعهـم قـوم من بني جعفر فلقيهم على طرخ العليا سنة تسع وستين فهزمهم وأثخن فيهم وغنـم أموالهـم. ثـم سـار إلـى أسـوان وقـد تغلـب عليهـا كنـز الدولة محمد فقتله وملكها وأحسن إلى الرعايا ونظم حالهم وأسقط عنهم الخراج ثلاث سنين وعادت الدولة إلى أحسن ما كانت عليه. وصول الغز إلى الشام واستيلاؤهم عليه وحصارهم مصر: كـان السلجوقيـة وعساكرهـم مـن الغـز قـد استولـوا فـي هذا العصر على خراسان والعراقين وبغداد وملكهـم طغرلبـك وانتشـرت عساكرهـم فـي سائـر الأقطـار وزحـف إتسـز بـن أنـز مـن أمـراء السلطان ملك شاه وسماه الشاميون أفسفس والصحيح هذا وهو اسم تركي هكذا قال ابن الأثيـر فزحـف سنـة ثلـاث وثلاثيـن بـل وستين ففتح الرملة ثم بيت المقدس وحاصر دمشق وعاث فـي نواحيهـا وبهـا المعلـى بـن حيـدرة ولـم يـزل يوالـي عليهـا البعـوث إلـى سنـة ثمـان وستيـن وكثر عسف المعلى بأهلها مع ما هم فيه من شدة الحصار فثاروا به وهرب إلى بلسيس. ثم لحق بمصر فحبـس إلـى أن مـات ولمـا هـرب مـن دمشـق اجتمعت المصامدة وولوا عليهم انتصار بن يحيى منهم ولقبـوه وزيـر الدولـة. ثـم اضطربوا مما هم فيه من الغلاء وجاء أمير من القدس فحاصرهم حتى نزلوا على أمانه. وأنزل وزير الدولة بقلعة بانياس ودخل دمشق في ذي القعدة وخطب فيها للمقتدي العباسي. ثـم سـار إلـى مصـر سنـة تسـع وستين فحاصرها وجمع بدر الجمالي العساكر من العرب وغيرهم وقاتله فهزمه وقتل أكثر أصحابه ورجع إتسز منهزماً إلى الشام فأتى دمشق وقد صانوا مخلفه فشكرهـم ورفـع عنهـم خـراج سنة تسع وستين وجاء إلى بيت المقدس فوجدهم قد عاثوا في مخلفـه وحصـروا أهلـه وأصحابـه في مسجد داود عليه السلام فحاصرهم ودخل البلد عنوة وقتل أكثر أهله حتى قتل كثيراً في المسجد الأقصى. ثم جهز أمير الجيوش بدر الجمالي العساكر من مصر مع قائده نصير الدولة فحاصر دمشق وضيق عليها وكان ملك السلجوقية السلطان ملك شاه قد أقطـع أخـاه تتـش سنـة سبعيـن وأربعمائة بلاد الشام وما يفتحه منها فزحف إلى حلب وحاصرها وضيق عليها ومعه جموع كثيـرة مـن التركمان فبعث إليه إتسز من دمشق يستصرخه فسار إليه وأجفلت عساكر مصر عن دمشـق وخـرج إتسـز مـن دمشق للقائه فقتله وملك البلد وذلك سنة إحدى وسبعين. وملك ملك شـاه بعـد ذلـك حلـب واستولـى السلجوقيـة علـى الشـام أجمـع وزحـف أميـر الجيـوش بدر الجمالي من مصر في العساكر إلى دمشق وبها تاج الدولة تتش حاصره وضيق عليه وامتنع عليه ورجع وزحفت عساكر مصر سنة اثنتين وثمانين إلى الشام فاسترجعوا مدينة صور من يـد أولـاد القاضـي عيـن الدولـة بـن أبي عقيل كان أبوهم قد انتزى عليها ثم فتحوا مدينة صيدا ثم مدينة جبيـل وضبـط أميـر الجيـوش البلـاد وولـى عليهـا العمـال. وفي سنة أربـع وثمانين استولى الفرنج على جزيرة صقلية وكان أمير الجيوش قد ولى على مدينة صور منير الدولة الجيوشي من طائفته فانتقض سنة ست وثمانين وبعث إليه أمير الجيوش العساكر فثار به أهل المدينة واقتحمت عليهم العساكر وبعث منير الدولة إلى مصر في جماعة من أصحابه فقتلوا كلهم. ثم توفي أمير الجيوش بـدر الجمالـي سنـة سبـع وثمانيـن فـي ربيـع الـأول لثمانيـن سنـة مـن عمـره. وكـان لـه موليان أمين الدولة لاويز ونصير الدولة أفتكين فلما قضى بدر نحبه استدعى المستنصر لاويز ليقلده فأنكر ذلك أفتكين وركب في الجند وشغبوا على المستنصر واقتحموا القصر وأسمعوه خشن الكلام فرجع إلى ولاية ولد بدر وقدم للوزارة ابنه محمداً الملك أبا القاسم شاه ولقبه بالأفضل مثل لقب أبيه. وكان أبو القاسم بن المقري رديفا لبدر في وزارته بما كان اختصه لذلك فولى بعد موته الوزارة المقري وكانت عندهم عبارة عن التوقيع بالقلم الغليظ. وقام الأفضـل أبـو القاسـم بالدولـة وجـرى علـى سنـن أبيـه في الاستبداد وكانت وفاة المستنصر قريباً من ولايته. وفاة المستنصر وولاية ابنه المستعلي ثـم توفي المستنصر معد بن الظاهر يوم التروية سنة سبع وثمانين لستين سنة من خلافته ويقال لخمـس وستيـن بعـد أن لقـي أهـوالا وشدائـد وانفتقـت عليـه فتـوق استهلـك فيهـا أمواله وذخائره حتى لـم يكـن لـه إلا بساطـه الـذي يجلـس عليـه وصار إلى حد العزل والخلع حتى تدارك أمره باستقدام بـدر الجمالـي مـن عكـا فتقـوم أمـره ومكنـه فـي خلافتـه. ولمـا مـات خلف من الولد أحمد ونزاراً وأبا القاسـم. وكـان المستنصـر فيما يقال قد عهد لنزار وكانت بينه وبين أبي القاسم الأفضل عداوة فخشـي بادرتـه وداخـل عمته في ولاية أبي القاسم على أن تكون لها كفالة الدولة فشهدت بأن المستنصر عهد له بمحضر القاضي والداعي فبويع ابن ست ولقب المستعلي بالله وأكره أخوه الأكبر على بيعته ففر إلى الإسكندرية بعد ثلاث وبها نصير الدولة أفتكين مولى بدر الجمالي الذي سعى للأفضل فانتقض وبايع لنزار بعهده ولقب المصطفى لدين الله. وسار الأفضل بالعساكر وحاصرهـم بالإسكندريـة واستنزلهـم علـى الأمـان وأعطاهـم اليميـن على ذلك وأركب نزاراً السفن إلى القاهرة وقتل بالقصر. وجاء الأفضل ومعه افتكين أسيراً فأحضره يوماً ووبخه فهم بالرد عليه فقتل بالضرب بالعصى وقال: لا يتناول اليمين هذه للقتلة ويقال إن الحسين بن الصباح رئيس الإسماعيلية بالعراق قصد المستنصر في زي تاجر وسأله إقامـة الدعـوة لـه ببلـاد العجـم فأذن له في ذلك وقال له الحسن من إمامي بعدك فقال: ابني نزار فسار ابن الصباح ودعا الناس ببلاد العجم إليه سراً. ثم أظهر أمره وملك القلاع هنالك مثل قلعة الموت وغيرها كما نذكره في أخبار الإسماعيلية وهم من أجل هذا الخبر يقولون بإمامة نزار. ولما ولي المستعلي خرج ثغر عن طاعته وولي عليه واليه كشيلة وبعث المستعلـي العساكـر فحاصره ثم اقتحموا عليه وحملوه إلى مصر فقتل بها سنة إحدى وتسعين وأربعمائة. وكان تتـش صاحـب الشـام قـد مـات واختلـف بعـده ابنـاه رضـوان ودقاق وكان دقاق بدمشق ورضوان بحلب فخطب رضوان في أعماله للمستعلي بالله أيامـاً قلائـل ثـم عـاودوا الخطبـة للعباسيين. استيلاء الفرنج على بيت المقدس كان بيت المقدس قد أقطعه تاج الدولة تتش للأمير سليمان بن أرتق التركماني وقارن ذلك استفحال الفرنج واستطالهم على الشام وخروجهم سنة تسعين وأربعمائة ومروا بالقسطنطينية وعبروا خليجها وخلى صاحب القسطنطينية سبيلها ليحولوا بينه وبين صاحـب الشـام مـن السلجوقية والغز فنازلوا أولا أنطاكية فأخذوها من يد باغيسيان من قواد السلجوقية وخرج منهـا هاربـاً فقتلـه بعـض الأرمـن فـي طريقـه وجـاء برأسـه إلى الفرنج بأنطاكية. وعظم الخطب على عساكر الشام وسار كربوقا صاحب الموصل فنزل مـرج دابـق واجتمـع إليـه دقـاق بـن تتـش وسليمان بن أرتق وطغتكين أتابك صاحب حمص وصاحب سنجار وجمعوا من كان هنالك من الترك والعرب وبادروا إلى أنطاكية لثلاثة عشر يوماً من حلول الفرنج بها. وقد اجتمع ملوك الفرنج ومقدمهم بنميد وخرج الفرنج وتصادموا مع المسلمين فانهزم المسلمون وقتل الفرنج منهم ألوفا واستولوا على معسكرهم وساروا إلى معرة النعمان وحاصروها أياماً وهربـت حاميتهـا وقتلـوا منهـا نحـوا مـن مائة ألف وصالحهم ابن فنقذ على بلده شيزر وحاصـروا حمـص فصالحهـم عليهـا جنـاح الدولـة ثـم حاصـروا عكة فامتنعت عليهم وأدرك عساكر الغز من الوهن ما لا يعبر عنه فطمع أهل مصر بهم وسار الأفضل بن بدر بالعساكر لاسترجاع بيت المقدس فحاصرها وبها سقمان وأبو المغازي ابنا أرتق وابن أخيهما ياقوتي وابن عمهما سوتج ونصبوا عليها نيفاً وأربعين منجنيقاً وأقاموا عليها نيفاً وأربعين يوماً ثم. وأحسن الأفضل إلى سقمان وأبي المغازي ومن معهما وخلى سبيلهم فسار سقمان إلى بلد الرهـا وأبـو المغـازي إلـى بلـد العراق وولى الأفضل على بيت المقدس ورجع إلى مصر ثم سارت الفرنج إلى بيت المقدس وحاصروه نيفاً وأربعين يوماً ونصبوا برجين ثم اقتحموها من الجانب الشمالي لسبع بقين من شعبان واستباحوها أسبوعـاً ولجـأ المسلمـون إلـى محـراب داود عليـه السلام واعتصموا بـه إلـى أن استنزلهـم بالأمـان وخرجـوا إلـى عسقلـان وقتـل بالمسجـد عنـد الشجرة سبعون ألفاً وأخذوا من المسجد نيفاً وأربعين قنديلا من الفضة يزن كل واحد منها ثلاثـة آلاف وستمائة وتنوراً من الفضة يزن أربعين رطلاً بالشامي ومائة وخمسين قنديلاً الصفر وغيـر ذلـك ممـا لا يحصـى. وأجفـل أهـل بيـت المقـدس وغيرهـم مـن أهـل الشام إلى بغداد باكين على ما أصاب الإسلام ببيت المقدس من القتل والسبي والنهب. وبعث الخليفة أعيان العلماء إلى السلطـان بركيـارق وإخوته محمد وسنجر بالمسير إلى الجهاد فلم يتمكنوا من ذلك للخلاف الذي كـان بينهـم. ورجـع الوفـد مؤيسيـن من نصرهم. وجمع الأفضل أمير الجيوش بمصر العساكر وسار إلى الفرنج فساروا إليهم وكبسوهم على غير أهبة فهزموهم. وافترق عسكر مصر وقد لاذوا بخم الشعراء هناك فأضرموها عليهم ناراً فاحترقوا وقتل من ظهر ورجع الفرنج إلى عسقلان فحاصروها حتى أنزلوا لهم عشرين ألف دينار فارتحلوا. ثـم توفـي المستعلـي أبـو القاسـم أحمـد بـن المستنصـر منتصـف صفـر سنـة خمـس وتسعيـن لسبـع سنين من خلافته فبويع ابنه أبو علي ابن خمس سنين ولقب الآمر بأحكام الله ولم يل الخلافة فيهم أصغر منه ومن المستنصر فكان هذا لا يقدر على ركوب الفرس وحده. |
هزيمة الفرنج لعساكر مصر
ثم بعث الأفضل أمير الجيوش بمصر العساكر لقتال الفرنج مع سعد الدولة الفراسي أميراً مملوك أبيه فلقي الفرنج بين الرملة ويافا ومقدمهم بغدوين فقاتلهم وانهزم وقتل واستولى الفرنج على معسكـره فبعـث الأفضـل ابنـه شـرف المعالي في العساكر فبارزوهم قرب الرملة وهزمهم واختفى بغدويـن فـي الشجـر ونجـا إلـى الرملـة مـع جماعـة من زعماء الفرنج فحاصرهم شرف المعالي خمسة عشـر يومـاً حتـى أخذهـم فقتـل منهـم أربعمائـة صبـراً. وبعـث ثلاثمائـة إلـى مصر ونجى بغدوين للغزو وسار بهم إلى عسقلان فهرب شرف المعالي وعاد إلى أبيه. وملك الفرنج عسقلان وبعث العساكـر في البر مع تاج العجم مولى أبيه إلى عسقلان وبعث الأسطول في البحر إلى يافا مع القاضـي ابـن قـادوس فبلغ إلى يافا واستدعى تاج العجم وحبسه. وبعث جمال الملك من مواليه إلى عسقلان مقدم العساكر الشامية. ثم بعث الأفضل سنة ثمان وتسعين ابنه سنا الملك حسين وأمر جمال الملك بالسير معه لقتال الفرنج فساروا في خمسة آلاف واستمدوا طغتكين أتابك دمشق فأمدهم ألف وثلاثمائة ولقوا الفرنج بين عسقلان ويافا فتفانوا بالقتل وتحاجزوا وافترق المسلمون إلى عسقلان ودمشق. وكان مـع الفرنـج بكتـاش بـن تتـش عـدل عنـه طغتكيـن بالملـك إلـى بنـي أخيـه دقـاق بن تتش فلحق الإفرنج مغاضباً. http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif استيلاء الفرنج على طرابلس وبيروت كانت طرابلس رجعت إلى صاحب مصر وكان يحاصرها من الفرنـج ابـن المردانـي صاحـب صيحيل والمدد يأتيهم من مصر. فلما كانت سنة ثلاث وخمسين وصل أسطول من الفرنج مع " ويمتديـن " إلـى صيحيل من قمامصتهم فنزل على طرابلس وتشاجر مع المرداني فبادر بغدوين صاحب القدس وأصلح بينهم ونزلوا جميعاً على طرابلس وألصقوا أبراجهم بسورها وتأخرت الميـرة عنهـم مـن مصـر فـي البحر لركود البحر فاقتحمها الفرنج عنوة ثاني الأضحى من سنة ثلاث وخمسيـن وقتلـوا ونهبـوا وأسـروا وغنمـوا. وكـان واليهـا قـد إستأمـن قبـل فتحها في جماعة من الجند فلحقوا بدمشق ووصل الأسطول بالمدد وكفاية سنة من الأقوات بعد فتحها ففرقوه في صور وصيدا وبيروت واستولى الفرنج على معظم سواحل الشام. وإنما خصصنا هذه بالذكر في الدولة العلوية لأنها كانت من أعمالهم وسنذكر البقية في أخبار الفرنج إن شاء الله تعالى. كـان الأميـر قـد استولـى علـى عسقلـان وبها قائد من قواد شمس الخلافة فداخل بغدوين صاحب بيت المقدس من الفرنج وهاداه ليمتنع به على أهل مصر وجهز أمير الجيوش عسكراً من مصر للقبض عليه إذا حضر وشعر بذلك وانتقض وأخرج من عنده من أهل مصر وخاف الأفضل أن يسلـم عسقلـان إلـى الفرنـج فأقره على عمله وارتاب شمس الخلافة بأهل عسقلان وأتخذ بطانة مـن الأرمـن فاستوحـش أهـل البلـد فثـاروا بـه وقتلوه وبعثوا إلى الآمر والأفضل بذلك فأرسل إليهم الوالي من مصر وأحسن إليهم واستقامت أحوالهم. وحاصر بغدوين بعد ذلك مدينة صور وفيها عساكر الأرمن واشتد في حصارها بكل نوع وكان به عز الملك الأعز من أولياء الأمر فاستمد طغتكين أتابك دمشق فأمده بنفسه وطال الحصار وحضر أوان الغلال فخشي الفرنج أن يفسـد طغتكين غلال بلدهم فأفرجوا عنها إلى عكا وكفى بالله شرهم. ثم زحف بغدوين ملـك الفرنـج مـن القـدس إلى مصر وبلغ سنتين وسبح في النيل فانتقض عليه جرح كان به وعاد إلى القدس ومات وعهد بملك القدس للقمص صاحب الرها ولولا ما نزال بملوك السلجوقية من الفتنة لكانوا قد استرجعوا من الفرنج جميع ما ملكوه من الشام. ولكن الله خبأ ذلك لصلاح الدين بن أيوب حتى فاز بذكره. مقتل الأفضل قد قدمنا أن الآمر ولاه الأفضل صغيراً ابن خمس فلما استجمع واشتد تنكر للأفضل وثقلت وطأته عليه فانتقل الأفضل إلى مصر وبنى بها داراً ونزلها وخطب منه الأفضل ابنته فزوجها على كره منه وشاور الآمر أصحابه في قتله فقال له ابن عمه عبد المجيد وكان ولي عهده لا تفعـل وحـذره سـوء الأحدوثة لما اشتهر بين الناس من نصحه ونصح أبيه وحسن ولايتهما للدولة ولا بـد مـن إقامـة غيـره والاعتمـاد فيتعـرض للحذر من مثلها إلى الامتناع منه. ثم أشار عليه من مداخلـة ثقتـه أبي عبد الله بن البطائحي في مثل ذلك فإنه يحسن تدبيره ويضع عليه من يغتاله ويقتل به فيسلـم عرضـك. وكـان ابـن البطائحـي فراشـاً بالقصـر واستخلصـه الأفضـل ورقـاه واستحجبـه فاستدعـاه الآمـر وفـي داخلـه فـي ذلـك ووعده بمكانه فوضع عليه رجلان فقتلاه بمصر وهـو سائر في موكبه من القاهرة منقلباً من خزانة السلاح في سنة خمس عشرة وخمسمائة كان يفرق السلاح على العادة في الأعياد وثار الغبار في طريقه فانفرد عن الموكب فبدره الرجلان وطعناه فسقط وقتلا وحملا إلى داره وبه رمق فجاءه الآمر متوجعاً وسأله عن ماله فقال: أما الظاهر فأبو الحسن ابن أبي أسامة يعرفه وكان أبوه. قاضياً بالقاهرة وأصله من حلب. وأما الباطن فإن البطائحي يعرفه. ثم قضى الأفضل نحبه لثمان وعشرين سنة من وزارته وإحتاط الآمر على داره فوجد له ستة آلاف كيس من الذهب العين وخمسين أردبا من الورق ومن الديباج الملون والمتاع البغدادي والاسكندري وطرف الهند وأنواع الطيوب والعنبر والمسك ما لا يحصـى. حتـى لقـد كان من ذخائره دكة عاج وأبنوس محلاه بالفضة عليها عرم متمن من العنبر زنته ألف رطل وعلى العرم مثل طائـر مـن الذهـب برجليـن مرجانـاً ومنقـار زمـرذاً وعينـان ياقوتتان كان ينصبها في بيته ويضوع عرفها فيعم القصر وصارت إلى صلاح الدين. ولاية ابن البطائحي قال ابن الأثير: كان أبوه من جواسيس الأفضل بالعراق ومات ولم يخلف شيئاً ثم ماتت أمه معلقـاً فتعلم البناء أولا. ثم صار يحمل الأمتعة بالأسواق ويدخل بها على الأفضل فخف عليه واستخدمـه مـع الفراشيـن وتقدم عنده واستحجبه ولما قتل الأفضل ولاه الآمر مكانه وكان يعرف بابن فاتت وابن القائد فدعاه الآمر جلال الإسلام ثم خلع عليه بعد سنتين من ولايته للوزارة ولقبه المأمون فجرى على سنن الأفضل في الاستبداد ونكر ذلك الآمر وتنكر له واستوحش المأمـون وكـان لـه أخ يلقـب المؤتمـن فاستـأذن الآمر في بعثه إلى الإسكندرية لحمايتها ليكون له ردءاً هنالك فأذن له وسار معه القواد وفيهم علي بن السلار وتاج الملوك قائمين وسنا الملك الجمل ودري الحروب وأمثالهم وأقام المأمون على استيحاش من الآمر وكثرت السعاية فيه وأنه يدعي أنه ولد نزار من جارية خرجت من القصر حاملا به وأنه بعث ابن نجيب الدولة إلى اليمن مقتل البطائحي ولما كثرت السعاية فيه عند الآمر وتوغر صدره عليه كتب إلى القواد الذين كانوا مع أخيه بثغـر الإسكندريـة بالوصول إلى دار الخلافة فهم لذلك علي بن سلار فحضروا واستأذن المؤتمن بعدهـم فـي الوصـول فـأذن لـه.وحضـر رمضـان مـن سنـة تسـع عشـرة فجاؤوا إلى القصر للإفطار على العادة ودخل المأمون والمؤتمن فقبض عليهما وحبسهما داخل القصر وجلس الآمر من الغد في إيوانه وقرأ عليه وعلى الناس كتاباً بتعديد ذنوبهم. وترك الآمر رتبة الوزارة خلواً وأقام رجليـن مـن أصحـاب الدواويـن يستخرجـان الأمـوال مـن الخراج والزكاة والمكس ثم عزلهما لظلمهما. ثم حضر الرسول الذي بعثة إلى اليمن ليكشف خبر المأمـون وحضـر ابـن نجيـب وداعيته فقتل وقتل المأمون وأخوه المؤتمن. مقتل الآمر وخلافة الحافظ كـان الآمـر مؤثـراً للذاتـه وطموحاً إلى المعالي وقاعداً عنها وكان يحدث نفسه بالنهوض إلى العراق في كل الوقت ثم يقصر عنه وكان يقرض الشعر قليلا ومن قوله: أصبحت لا أرجو ولا ألقى إلا إلهي وله الفضل جـدي نبـي وإمامـي أبي ومذهبي التوحيد والعـدل وكانت الفداوية تحاول قتله فيتحرر منهم واتفق أن عشرة منهم اجتمعوا في بيت وركب بعض الأيام إلى الروضة ومر على الجسر بين الجزيرة ومصر فسبقوه فوقفوا في طريقه. فلما توسط الجسر إنفرد عن الموكب لضيقة فوثبوا عليه وطعنوه وقتلوا لحينهم ومات هو قبل الوصول إلى منزله سنة أربع وعشرين وخمسمائة. لتسع وعشرين سنة. ونصف من خلافته. وكان قلد استخلص مملوكين وهما برغش العـادل وبرعـوارد هزبـر الملـوك وكـان يؤثـر العـادل منهمـا فلمـا مـات الآمـر تحيلـوا فـي قيـام المأمـون عبـد الحميـد بالأمـر وكـان أقرب القرابة سناً وأبوه أبو القاسم بن المستضيء معه وقالوا إن الآمر أوصى بأن فلانة حامل فدلته الرؤيا بأنها تلد ذكراً فهو الخليفة بعدي وكفالته لعبد الحميد فأقاموه كافلا ولقبوه الحافظ لدين الله وذكروا من الوصية أن يكون هزبر الملوك وزيراً والسعيدباس من موالي الأفضل صاحب الباب وقرأوا السجل بذلك في دار الخلافة. ولاية أبي علي بن الأفضل الوزارة ومقتله ولمـا تقـرر الأمـر على وزارة هزبر الملوك وخلع عليه أنكر ذلك الجند وتولى كبر ذلك رضوان بن ونحش كبيرهم. وكان أبو علي بن الأفضل حاضرا بالقصر فحثه برغش العادل على الخروج حسداً لصاحبه وأوجد له السبيل إلى ذلك فخرج وتعلق به الجند وقالوا: هذا الوزير ابن الوزير وتنصل فلم يقبلوا وضربوا له خيمة بين القصرين وأحدقوا بـه وأغلقـت أبـواب القصـر فتسـوروه وولجـوا مـن طيقانـه. واضطـر الحافـظ إلـى عـزل هزبـر الملوك ثم قتله وولى أبو علي أحمد بن الأفضل الوزارة وجلـس بدسـت أبيـه ورد النـاس أمـوال الـوزارة المقضيـة. واستبـد علـى الحافظ ومنعه من التصرف ونقل الأموال من الذخائر والقصر إلـى داره وكـان إماميـا متشـدداً فأشـار عليه الإمامية بإقامة الدعوة للقائم المنتظر. وضرب الدراهم بإسمه دون الدنانير. ونقش عليها الله الصمد الإمام محمد وهو الإمام المنتظر. وأسقط ذكر إسماعيل من الدعاء على المنابر وذكر الحافظ وأسقط من الآذان حي على خير العمل. ونعت نفسه بنعوت أمر الخطباء بذكرها على المنابر. وأراد قتل الحافظ بمن قتله الآمر من أخوته فإن الآمر أجحفهم عند نكبة الأفضل وقتلهم فلم يقدر أبو علي على قتله فخلعه واعتقله. وركب بنفسه في المواسم وخطب للقائـم مموهـا فتنكـر لـه أوليـاء الشيعـة ومماليـك الخلفـاء. وداخـل يونـس الجنـد مـن كتامـة وغيرهـم في شأنه واتفقوا على قتله. وترصد له قوم من الجند فاعترضوه خارج البلد وهو في موكبه وهم يتلاعبون على الخيل. ثم اعتمدوه فطعنوه وقتلوه وأخرجوا الحافظ من معتقله وجددوا له البيعة بالخلافة ونهب دار أبي علي. وركب الحافظ وحمل ما بقي فيها إلى القصر. واستوزر أبا الفتح يانساً الحافظي ولقبه أمير الجيوش وكان عظيم الهيبة بعيد الغور واستبد عليه فاستوحش كل منهما بصاحبه. ويقال إن الحاكم وضع له سما في المستراح هلك به وذلك آخر في الحجة سنة ست وعشرين. ولما هلك يانس أراد الحافظ أن يخلي دست الوزارة ليستريح مـن التعـب الـذي عـرض منهـم للدولة وأجمع أن يفوض الأمور إلى ولده وفوض إلى ابنه سليمان. ومات لشهرين فأقام ابنه الآخر حسنا فحدثته نفسه بالخلافة وعزم على اعتقال أبيه وداخل الإجناد في ذلك فأطاعوه واطلـع أبـوه علـى أمـره ففتـك بهـم. يقـال إنـه قتـل منهـم فـي ليلـة أربعيـن. وبعـث أبوه خادماً من القصر فهزمه حسن وبقي الحافظ محجورا وفسد أمره وبعث حسـن بهـرام الأرمنـي لحشـد الأرمـن ليستظهر بهم على الجند وثاروا بحسن وطلبوه من أبيه ووقفوا بين القصرين وجمعوا الحطب لإحـراق القصر. واستبشع الحافظ قتله بالحديد فأمر طبيبه ابن فرقة عنه في ذلك سنة تسع وعشرين. وزارة بهرام ورضوان بعده: ولما مات حسـن بـن الحافـظ ورحـل بهـرام لحشـد الأرمـن اجتمـع الجنـد وكـان بهـرام كبيرهـم وراودوا الحافظ على وزارته فوافقهم وخلع عليه وفوض إليه الأمور السلطانية وأستثنى عليه الشرعية وتبعه تاج الدولة أفتكين في الدولة واستعمل الأرمن وأهانوا المسلمين وكان رضوان بن ولحيس صاحب الباب وهو الشجاع الكاتب من أولياء الدولة وكان ينكر على بهرام ويهزأ به فولاه بهرام الغربية ثم جمع رضوان وأتى إلى القاهرة ففر بهرام وقصد قوص في ألفين من الأرمـن ووجـد أخـاه قتيـلا فلـم يعرض لأهل قوص وباء بحق الخلافة وصعد إلى أسوان فامتنعت عليه بكنز الدولة. ثم بعث رضوان العساكر في طلبه مع أخيه الأكبر وهو إبراهيم الأوحد فاستنزلـه علـى الأمـان لـه وللأرمـن الذيـن معـه. وجـاء بـه فأنزلـه الحافـظ فـي القصر إلى أن مات على دينه واستقر رضوان في الوزارة ولقب بالأفضل وكان سنيا وكان أخو إبراهيم إمامياً فأراد الأستبداد وأخذ في تقديم معارفه سيفاً وقلماً. وأسقط المكوس وعاقب من تصـدى لهـا فتغيـر لـه الخليفـة فـأراد خلعـه وشاور في ذلك داعي الدعاة وفقهاء الإمامية فلم يعينوه في ذلك بشيء. وفطـن لـه الحافـظ فـدس خمسيـن فارسـاً ينـادون في الطرقات بالثورة عليه وينهضون باسم الحافظ فركب لوقته هارباً منتصف شوال سنة ثلـاث وثلاثيـن ونهبـت داره وركـب الحافـظ وسكـن الناس ونقل ما فيها إلى قصره. وسار رضوان يريد الشام ليستنجد الترك وكان في جملته شاور وهو من مصطفيه وأرسل الحافظ الأمير بن صال ليرده على الأمان فرجع وحبس في القصـر وقيـل وصـل إلى سرخد فأكرمه صاحبها أمين الدولة كمستكين وأقام عنده ثم رجع إلى مصـر سنـة أربـع وثلاثيـن فقاتلهـم عنـد بـاب القصـر وهزمهـم. ثم افترق عنه أصحابه وأرادوا العود إلى الشام فبعث عنه الحافظ بن مصال وحبسه بالقصر إلى سنة ثلاث وأربعين فنقب الحبس وهرب إلى الجيزة وجمع المغاربـة وغيرهـم ورجع إلى القاهرة ونزل عند جامع الأقمر وأرسل إلى الحافظ في المال ليفرقه فبعث عشرين ألفاً على عادتهم مع الوزير ثم استزاد عشرين وعشرين. وفي خلال ذلك وضع الحافـظ عليه جمعاً كثيراً من السودان فحملوا عليه وقتلوه وجاؤوا برأسه إلى الحافظ. واستمر الحافظ في دولته مباشراً لأموره وأخلى رتبة الوزارة فلم يول أحداً بعده. |
وفاة الحافظ وولاية ابنه الظافر
ثم توفي الحافظ لدين الله عبد الحميد بن الأمير أبي القلسم أحمد بن المستنصر سنة أربع وأربعين لتسع عشرة سنة ونصف من خلافته وعن أبي العالية يقال بلغ عمره سبعاً وسبعين سنـة ولـم يـزل فـي خلافتـه محجـور الـوزارة ولمـا مـات ولـي بعـده ابنـه أبـو منصور إسماعيل بعهده إليه بذلك ولقب الظافر بأمر الله. وزارة ابن مصال ثم ابن السلار: كان الحافظ لما عهد لابنه الظافر أوصاه بوزارة ابن مصال فاستوزره أربعين يوماً وكان علي ين السلار والياً على الإسكندرية ومعه بلارة بنت عمه القاسم وابنه منها عباس وتزوجت بعده بابن السلار شب عباس وتقدم عند الحافظ حتى ولي الغربية فلم يرض ابن السلار وزارة ابـن مصال واتفق مع عباس على عزله وبلغ الخبر إلى ابن مصال فشكا إلى الظافر. فلم يشكـه فقـال ذوو الحـرب: ليـس هنـا من يقاتل ابن السلار فغضب الظافر ودس عليه من بني علي مصلحيـه فخـرج إلـى الصعيـد وقدم ابن السلار إلى القاهرة فاستوزره الظافر وهو منكر له ولقبه العادل. وبعث العساكر مع العباس ربيبه في أتباع ابن مصال خرج في طلبه. وكان جماعة من لواتة السودان فتحصنوا من عباس في جامع دولام فأحرقه عليهم وقتل ابن مصال وجاء برأسه. وقام ابن سلار بالدولة وحفظ النواميس وشد من مذاهبه أهله. وكان الخليفة مستوحشاً منه منكراً له وهو مبالغ في النصيحة والخدمة. واستخدم الرجالة لحراسته فارتـاب لـه صبيـان الخـاص مـن حاشيـة الخليفـة فاعتزمـوا علـى قتلـه ونمـي ذلـك فقبـض على رؤوسهم فحبسهم وقتل جماعة منهم وافترقوا ولم يقدر الظافر على إنكار ذلك. وأحتفل ابن السلار بأمـر عسقلـان ومنعها من الفرنج وبعث إليها بالمدد كل حين من الأقوات والأسلحة فلم يغن ذلك عنها وملكها الفرنج وكان لذلك من الوهن على الدولة ما تحدث به الناس. ولما قتل العادل ين السلار صبيان الخاص تأكد نكر الخليفة له واشتد قلقه. وكان عباس بن أبي الفتوح صديقاً ملاطفاً له فكان يسكنه ويهديه. وكان لعباس ولد اسمه نصير استخصه الظافر وأستدناه ويقال كان يهواه ففاوض العادل عباساً في شأن ابنه عن مخالطة ابنه للظافر فلم ينته ابنه فنهى العادل جدته عن السماح للولد أن يدخل إلى بينه فشق ذلك على نصير وعلى أبيه وتنكر للعادل. وزحف الفرنج إلى عسقلان فجهز العادل الجيوش والعساكر إليهـا مـدداً مـع مـا كـان يمدهـا وبعثهم مع عباس ابن أبي الفتوح فارتاب لذلك وفاوض الظافر في قتل العادل وحضر معهم مؤيداً لدولة الأمير أسامة بن منقذ أحد أمراء شيزر وكان مقرباً عند الظافـر وصديقـا لعبـاس فاستصـوب ذلـك وحـث عليـه وخـرج عبـاس بالعساكـر إلى بلبيس وأوصـى ابنـه نصيـر بقتله فجاء قي جماعة إلى بيت جدته والعادل نائم فدخل إليه وضربه فلم يجهـز عليـه وخـرج إلـى أصحابـه. ثـم دخلوا جميعاً فقتلوه وجاؤوا برأسه إلى الظافر ورجع عباس من بلبيس بالعساكر فاستوزره الظافر وقام بالدولة وأحسن إلى الناس وأيس أهل عسقلان من المدد فأسلموا أنفسهم وبلدهم بعد حصار طويل وكان ذلك كله سنة ثمان وأربعين. مقتل الظفر وأخويه وولاية ابنه الفائز ولمـا وزر عبـاس للظافـر وقـام بالدولـة كـان ولـده نصير من ندمان الظافر وكان يهواه كما تقدم. وكان أسامة بن منقذ من خلصاء عباس وأصدقائه فقبح عليه سوء المقالة في ابنه وأشـار عليـه بقتـل الظافـر فاستدعـى ابنـه نصيـرا وقبح عليه في شناعة الأحدوثة فيه بين الناس وأغراه باغتيال الظافـر ليمحـو عنـه مـا يتحـدث بـه النـاس فسـأل نصيـر مـن الظافـر أن يأتـي إلـى بيتـه فـي دعـوة فركـب مـن القصـر إليـه فقتلـه نصيـر ومـن جـاء معـه ودفنهـم في داره وذلك في محرم سنة تسع وأربعين وباكر إلى القصر ولم ير الظافر وسأل خدام القصر فأحسن العذر ورجع إلى أخوي الظافر يوسف وجبريل فخبرهما بركوب الظافر إلى دار نصير فقالا له: خبر الوزير. فلما جاء عبـاس مـن الغـد أخبـره بأنـه ركـب إلـى بيت نصير ابنه ولم يعد فاستشاط غيظاً عليه ورماه بأنه داخل أخويه في قتله. ثم استدعاهما فقتلهما وقتل معهما ابنا هنالك لحسن بن الحافظ. ثم أخـرج ابنـه القاسـم عيسـى ابن خمس سنين وحمله على كتفه وأجلسه على سرير الملك وبايع له بالخلافة ولقبه الفائز بالله ونقل عباس بسب ذلك ما في القصر من الأموال والذخائر ما لا حد له. وعند خروجه بأخويه رأى القتلى فاضطرب وفزع وبقي سائر أيامه يعتاده الصرع. وزارة الصالح بن رزيك: ولما قتل الظافر وأخواه كما ذكرناه كتب النساء من القصر إلى طلائع بن زريك وكان والياً علـى الأشمونيـن والبهنسـة. وجـاء الخبـر بـأن النـاس اختلفوا على عباس بسبب ذلك فجمع وقصد القاهرة ولبس السواد حزنا ورفع على الرماح الشعور التي بعث بها النساء حزناً. ولما عبر البحر خرج عباس وولده ودفعوا ما قدروا عليه من مال وسلاح من حاصل الدولة ومعهما صديقهما أسامة بن منقذ فاعترضهم الفرنج وقاتلوا فقتل عباس وأسر ولده ونجا أسامة إلى الشام. ودخـل طلائـع القاهـرة فـي ربيـع سنـة تسـع وخمسيـن وجـاء إلـى القصـر راجـلا. ثـم مضـى إلـى دار عباس ومعه الخادم الذي حضر لقتله فاستخرجه من التراب ودفنه عند آبائه وخلع الفائز عليه الوزارة ولقبه الصالح. وكان إمامياً كاتباً أديبا فقام بأمر الدولة وشرع في جمع الأموال والنظـر فـي الولايـات. وكـان الأوحـد بـن تميـم مـن قرابـة عبـاس واليـاً على تنيس وكان لما سمع بفعله قريبه عباس جمع وقصد القاهرة فسبقه طلائع فلما إستقل بالوزارة أعاده إلى عمله بدمياط وتنيـس. ثـم بعـث فـي فـداء نصيـر مـن عبـاس بـن الفرنـج فجـيء بـه وقتلـه وصلبـه بـه زويلـه. ثم نظر فـي المزاحميـن مـن أهـل الدولـة ولـم يكن أرفع رتبة من تاج الملوك قايماز وابن غالب فوضع عليهما الجند فطلبوهما فهربا ونهب دورهما وتتبع كبراء الأمراء بمثل ذلك حتى خلا الجو ووضع الرقباء والحجاب على القصر وثقلت وطأته على الحرم ودبرت عمة الفائـز فـي قتـل الصلـح وفرقت الأموال في ذلك. ونمي الخبر إليه فجاء إلى القصر وأمر الأستاذين والصقالبة بقتلها فقتلوهـا سـراً وصـار الفائـز فـي كفالـة عمتـه الصغـرى وعظـم إشتـداد الفائـز واستفحـل أمـره وأعطى الولايات للأمراء واتخذ مجلساً لأهل الأدب يسامرون فيه وكان يقرض الشعر ولا يجيده. وولى شاور السعدي على قرضه وأشار عليه حجابه يصرفـه واستقدمـه فامتنـع وقـال: إن عزلنـي دخلـت بلـاد النوبـة. وعلى عهده كان استيلاء نور الدين محمود الملك العادل على دمشق من يد ابن طغتكين أتابك تتش سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وفاة الفائز وولاية العاضد ثم توفي الفائز بنصر الله أبو القاسم عيسى بن الظافر إسماعيل سنة خمس وخمسين لست سنين من خلافته فجاء الصالح بن رزيك إلى القصر وطلب الخدام بإحضار أبناء الخلفاء ليختار منهم وعدل عن كبرائهم إلى صغرائهم لمكان استبداده فوقع اختياره على أبي محمد عبد الله بن يوسف قتيل عباس فبايع له بالخلافة وهو غلام ولقبه العاضد لدين الله وزوجه ابنته وجهزها بما لم يسمع بمثله. مقتل الصالح بن رزيك وولاية ابنه رزيك ولما استفحل يمر الصالح وعظم استبداده بجباية الأموال والتصرف وحجر العاضد تنكر له الحـرم ودس إلـى الأمـراء بقتلـه. وتولـت كبـر ذلـك عمـة العاضد الصغرى التي كانت كافلة الفائز بعد أختها. واجتمع قوم من القواد والسودان منهم الريفـي الخـادم وابـن الداعـي والأميـر بـن قـوام الدولة وكان صاحب الباب وتواطؤا على قتلـه ووقفـوا فـي دهليـز القصـر وأخـرج ابـن قـوام الدولة الناس أمامه وهو خارج من القصر واستوقفه عنبر الريفي يحادثـه وتقـدم ابنـه رزيـك فوثـب عليـه جماعـة منهـم وجرحوه وضرب ابن الداعي الصالح فأثبته وحمل إلى داره فبقي يجود بنفسه يومه ذلك. وإذا أفاق يقول رحمك الله يا عباس ومات من الغد. وبعث إلى العاضد يعاتبه على ذلك فحلف على البراءة من ذلك ونسبه إلى العمـة وأحضـر ابنـه رزيـك وولـاه الوزارة مكان أبيه ولقبه العادل فأفذ له في الأخذ بثأره فقتل العمة وابن قوام الدولة والأستاذ عنبر الريفي وقام بحمل الدولة وأشير عليه بصرف شاور من قوص وقد كان أبوه أوصاه ببقائه وقال له قد ندمت على ولايته ولم يمكني عزله فصرفه وولى مكانه الأمير بن الرفعة فاضطـرب شـاور وخرج إلى طريق الواحات وجمع وقصد القاهرة وجاء الخبر إلى رزيك فعجز عـن لقائـه وخـرج فـي جماعـة من غلمانه بعدة أحمال من المال والثياب والجوهر وانتهى إلى طفيحة واعترضه ابن النضر وقبض عليه وجاء به إلى شاور فاعتقله واعتقل معه أخاه فأراد الهرب من محبسه فوشى به أخوه فقتل لسنة من ولايته ولتسع سنين من ولاية أبيه. وزارة شاور ثم الضرغام من بعده ودخل شاور القاهرة سنة ثمان وخمسين ونزل بدار سعيد السعداء ومعه ولده طبن وشجاع والطازي وولاه العاضد الوزارة ولقيه أمير الجيوش وأمكنه من أموال بني رزيـك فاستصفـى معظمها وزاد أهل الرواتـب والجرايـات عشـرة أمثالهـا واحتجـب عـن النـاس وكـان الصالـح بـن رزيك قد أنشأ في لواتة أمراء يسمون البرقية وكان مقدمهم الضرغام وكان صاحب البـاب فنازع شاور في الوزارة لتسعة أشهر من ولايته وثار عليه وأخرجه من القاهرة فلحق بالشام وقتل ولده علياً وكثيراً من أمراء المصريين حتى ضعفت الدولة وخلت من الأعيان وأدى ذلك إلى خرابها. |
مسير شيركوه وعساكر نور الدين إلى مصر مع شاور
ولما لحق شاور إلى الشام نزل على الملك العادل نور الدين بدمشق صريخاً وشرط له ثلث الجباية على أن يقيم له العساكر. وجهز نور الدين شيركوه وكان مقدماً في دولته ويذكر سبب إتصالـه بـه فـي موضعه فساروا في جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وقد تقدم نور الدين إلى أسد الدين شيركوه بأن يعيد شاور إلى وزارته وينتقم له ممن نازعه وسار نور الدين بعساكره إلى طرف بلاد الفرنج ليمنعهم من اعتراض أسد الدين إن هموا به ولمـا وصـل أسـد الديـن وشاور إلى بلبيس لقيهم ناصر الدين همام وفخر الدين همام أخو الضرغام في عساكر مصر فهزموه ورجع إلى القاهرة وقتل رفقاؤه الأمراء البرقية الذين أغروه بشاور. ودخل أسد الدين القاهرة ومعه أخو الضرغام أسيراً وفر الضرغام فقتل بالجسر عند مشهد السيدة نفيسة وقتل أخواه وعاد شاور إلى وزارته وتمكن منها. ثم نكث عهده مع أسد الدين وسلطانه وصرفه إلى الشام. فتنة أسد الدين مع شاور وحصاره ولمـا رجـع أسـد الدين من مصر إلى الشام أقام بها في خدمة نور الدين. ثم استأذن نور الدين العـادل سنـة اثنتيـن وستيـن فـي العـود إلـى مصـر فـأذن لـه وجهـزه فـي العساكـر وسـار إلـى مصر ونازل بلاد الفرنج في طريقه ثم وصل إلى من ديار مصر وعبر النيل إلى الجانب الغربي ونزل الجيزة وتصرف في البلاد الغربية نيفاً وخمسين واستمد شاور الفرنج وجاء. بهم إلى مصر وخرج معهم للقاء أسد الدين شيركوه فأدركوه بالصعيد فرجعا للقائهـم علـى رهـب لكثـرة عددهـم وصدقهـم القتـال فهزمهـم علـى قلـة مـن معه لم يبلغوا ألفي فارس. ثم سار إلى الإسكندرية وهو يجبي الأموال في طريقه إلى أن وصلها فاستأمن أهلها وملكها وولى عليها صلاح الدين يوسف بن أخيه نجم الدين أيوب ورجع إلى جباية الصعيد. واجتمعت عساكر مصر والفرنج على القاهرة وأزاحوا عللهم وساروا إلى الأسكندرية وحاصروا بها صلاح الدين فسار أسد الدين إليهم من الصعيد ثم خذله بعض من معه من التركمان بمداخلة شاور وبعثوا له أثر ذلك في الصلح فصالحهم ورد إليهم الإسكندرية ورجع إلى دمشق فدخلها آخر ذي القعدة من سنـة اثنتين وستين. واستطال الفرنج على أهل مصر وشرطوا عليهم أن ينزلوا القاهرة وشحنة وأن تكون أبوابها بأيديهم لئلا تدخل عساكر نور الدين وقرر ضريبة يحملها كل سنة فأجابه إلى ذلك. رجوع أسد الدين إلى مصر ومقتل شاور وزارته ثم طمع الإفرنج في مصر واستطالوا على أهلها وملكوا بلبيس واعتزموا على قصد القاهرة. وأمر. شاور بتخريب مصر خشية عليها منهم فحرقت ونهب أهلها ونزل الفرنج على القاهرة وأرسل العاضد إلى نور الدين يستنجده وخشي شاور من إتفاق العاضد ونور الدين فداخل الفرنج في الصلح على ألفي ألف دينار مصرية معجلة وعشرة آلاف إردب من الزرع وحذرهم أمر القهر إلى ذلك وكان فيه السفير الجليس بن عبد القوي وكان الشيخ الموفق كاتب السر وكان العاضد قد أمرهم بالرجوع إلى رأيه وقال: هو رب الحرمة علينا وعلـى آبائنـا وأهـل النصيحة لنا. فأمر الكامل شجاع بن شاور القاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني أن يأتيه ويشاوره فقال له قل لمولانا يعني العاضد أن تقرير الجزية للفرنـج خيـر مـن دخـول الغـز للبلـاد وإطلاعهم على الأحوال. ثم بعث نور الدين العساكر مع أسد الدين شيركوه مدداً للعاضد كما سأل وبعث معه صلاح الدين ابن أخيه وجماعة الأمراء فلما سمع الفرنج بوصولهم أفرجوا عن القاهـرة ورجعـوا إلـى بلادهم. وقال ابن الطويل مؤرخ دولة العبيدين: إنه هزمهم على القاهرة ونهب معسكرهم ودخل أسد الديـن إلـى القاهـرة فـي جمـادى سنـة أربـع وستيـن وخلـع عليـه العاضـد ورجع إلى معسكره وفرضت له الجرايات. وبقي شاور على ريبة وخوف وهو يماطله فيمـا يعيـن لـه مـن الأمـوال. ودس العاضـد إلـى أسـد الديـن بقتـل شـاور وقـال: هـذا غلامنـا ولا خيـر لـك في بقائه ولا لنا فبعث عليه صلاح الدين بن أخيه وعز الدين خرديك. وجاء شاور إلى أسد الدين على عادته فوجده عند قبر الإمام الشافعي فسار إليه هنالك فاعترضه صلاح الدين وخرديك فقتلاه وبعثا برأسه إلى العاضد ونهبت العامة لدوره واعتقل ابناه شجاع والطازي وجماعة من أصحابه بالقصر وخلع عليه للوزارة واستقر في الأمـر وغلـب علـى الدولـة وأقطـع البلـاد لعساكـره. واستعـد أصحابـه فـي ولايتهـا ورد أهـل مصر إلى بلدهم وأنكر ما فعلوه في تخريبها. ثم اجتمع بالعاضد مرة أخرى وقال له جوهر الأستاذ: يقول لك مولانا لقد تيقنا أن الله أدخرك نصرة لنا على أعدائنا فحلف له أسد الدين على النصيحة فقال له: الأمل فيك أعظم وخلع عليه وحسن عنده موقع الجليس بن عبد القوي وكان داعي الدعاة وقاضي القضاة فأبقاه على مراتبه. ثـم توفـي أسـد الديـن رحمـه الله تعالى لشهرين في أيام قلائل من وزارته وقيل لأحد عشر شهراً وأوصـى أصحابـه أن لا يفارقـوا القاهرة. ولما توفي كان معه جماعة من الأمراء النورية منهم عين الدولة الفاروقي وقطـب الديـن نسـال وعيـن الديـن المشطـوب الهكـاوي وشهـاب الديـن محمـود الحازمـي فتنازعـوا فـي طلـب الرياسة وفي الوزارة جمع كل أصحابه للمغالبة. ومال العاضد إلى صلاح الدين لصغره وضعفه عنهم ووافقه أهل دولته على ذلك بعد أن ذهب كثير منهم إلى دفع الغز وعساكرهم إلى شرقية ويولى عليهم قراقوش. ومال آخرون إلى وزارة صلاح الدين ومـال العاضـد إلـى ذلـك لمكافأتـه عـن خدمتـه السالفة فاستدعاه وولاه الوزارة واضطرب أصحابه. وكان الفقيه عيسى الهكاري من خلصاء صلاح الدين فاستمالهم إليه إلا عين الدولة الفاروقي فأنه سار إلى الشام وقام صلاح الدين بوزارة مصر نائباً عن نور الدين يكاتبه بالأمير الأصفهسان ويشركه في الكتاب مع كافة الأمراء بالديـار المصريـة. ثـم استبـد صلـاح الديـن بالأمـور وضعف أمر العاضد وهدم دار المعرفة بمصر وكانت حبسا. وبناها مدرسة للشافعية وبنى دار الغزل كذلك للمالكية وعزل قضاة الشيعة وأقام قاضياً شافعياً في مصر واستناب في جميع البلاد. |
حصار الفرنج دمياط
ولما جاء أسد الدين وأصحابه إلى مصر وملكوها ودفعوهم عنها ندموا على ما فرطوا فيها وانقطع عنهم ما كان يصل إليهم وخشوا غائلة العز على بيت المقدس وكاتبوا الفرنج بصقلية والأندلس واستنجدوهم وجاءهم المدد من كل ناحية فنازلوا دمياط سنة خمس وستين وبها شمس الخواص منكوريين فأمدها صلاح الدين بالعساكر والأموال مع بهاء الدين قراقوش وأمراء الغز واستمـد نـور الديـن واعتـذر عـن المسيـر إليهـا بشـأن مصـر والشيعـة فبعـث نـور الديـن العساكر إليها شيئاً فشيئاً وسار بنفسه إلى بلاد الفرنج بسواحل الشام فضيق عليهـا فأقلـع الفرنج عن دمياط لخمسين يوماً من نزولها فوجدوا بلادهم خراباً. وأثنى العاضد على صلاح الديـن فـي ذلـك. ثـم بعـث صلـاح الديـن غرابيـه نجـم الديـن وأصحابـه إلـى مصـر وركب العاضد للقائه تكرمة له. واقعة الخصيان وعمارة ولمـا استقـام الأمـر لصلـاح الديـن بمصـر غـص بـه الشيعـة وأولياؤهـم واجتمع منهم العوريش وقاضـي القضـاة ابـن كامـل والأميـر المعـروف والكاتـب عبـد الصمد وكان فصيحاً وعمارة اليمني الشاعر الزبيدي وكان متولي كبرها فاتفقوا على استدعاء الفرنج لأخراج الغز من مصر وجعلوا لهم نصيباً وافراً من ارتفاعها وعمدوا إلى شيعي من خصيان القصر إسمه نجاح ولقبه مؤتمن الدولة وكان قد ربى العاضد وصهره فأغروه بذلك ورغبوا على أن يجمع رسول الفرنج بالعاضد فجمعه معه في بيته ملبسا بذلك ولم يكن العاضد الذي حضر وأوهموه أنه عقد معـه. ثـم اتصـل الخبـر بنجـم الديـن بـن مضـال مـن أولياء الشيعة وكان نجم الدين قد اختصه صلاح الدين وولاه الأسكندرية واستغضبـه بهـاء الديـن قراقـوش ببعـض النزغـات فظنـوا أنـه غضـب فاطلعوه على شأنهم وأن يكون وزيراً وعمارة كات الدست وصاحب ديوان الإنشاء والمكاتبات مكان الفاضل بن كامل قاضي القضاة: داعي الدعاة وعبد الصمد جابي الأموال والعوريش ناظراً عليه فوافقهم ابن مضال ووشى بهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم وعلـى رسول الفرنج وقررهم في عدة مجالس. وأحضر زمام القصر وهو مختص بالغز ونكر عليه خـروج العاضـد إلـى بيت نجاح فحلف على نفسه وعلى العاضد أن هذا لم يقع وأخبر العاضد بطلـب حضـور نجـاح مـع مختـص فحضر واعترف بالحق أن العاضد لم يحضر فتحقق صلاح الدين براءته وكان عمارة يجالس شمس الدولة تورنشاه فنقل لأخيه صلاح الدين أنه امتدحه بقصيدة يغريه فيها بالمضي إلى اليمن ويحمله على الإستبداد وأنه تعرض فيها للجانب النبوي يوجب استباحة دمه وهو قوله: فاخلق لنفسك ملكاً لا تضاف به إلى سواك وأور النار في العلـم وكـان هـذا الدين من رجل سعى إلى أن دعوه سيد الأمم فجمعهم صلاح الدين وشنقهم في يوم واحد بين القصرين وأخر ابن كامل عنهم عشرين يوماً. ثم شنقه ومر عمارة بباب القاضي الفاضل فطلب لقاءه فمنع فقال وهو سائر إلى المشنقة: عبد الرحيم قد احتجب إن الخلاص هو العجب وفي كتاب ابن الأثير: أن صلاح الدين إنما اطلع على أمرهم من كتابهم الذي كتبوه إلى الفرنجة عثر على حامله وقرأ الكتاب وجيء به. إلى صلاح الدين فقتل مؤتمن الخلافة لقرينة وعزل جميع الخدام واستعمل على القصر بهاء الدين قراقوش وكان خصياً أبيض وغضب السودان لقتل مؤتمن الخلافة واجتمعوا في خمسين ألفا وقاتلوا أجناد صلاح الدين بين القصرين وخالفهم إلى بيوتهم فأضرمها ناراً وأحرق أموالهم وأولادهـم فانهزمـوا وركبهـم السيـف. ثـم استأمنـوا ونزلوا الجيزة وعبر إليهم شمس الدولة توريشاه فاستلحمهم. انقراض الدولة العلوية بمصر قطع الخطبة للعاضد وانقراض الدولة العلوية بمصر كان نور الدين العادل يوم استقل صلاح الدين بملك مصر وضعف أمر العاضد بها وتحكم في قصره يخاطبه في قطع دعوتهم من مصر والخطبة بها للمستضيء العباسي وهو يماطل بذلك حـذراً مـن استيـلاء نـور الديـن عليـه ويعتذر بتوقع المخالفة من أهل مصر في ذلك فلا يقبل. ثم ألزمه ذلك فاستأذن فيه أصحابه فأشاروا به وأنه لا يمكن نور الدين. ووفد عليه من علماء العجم الفقيه الخبشاني وكان يدعى بالأمير العالم فلما رأى أحجامهم عن هذه الخطبة قال: أنا أخطبها فلما كان أول جمعة من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة صعد المنبر قبل الخطيب ودعا للمستنصر فلم ينكر إليه فأمر صلاح الدين في الجمعة الثانية الخطباء بمصر والقاهرة أن يقطعـوا العاضد ويخطبوا للمستضيء ففعلوا وكتب بذلك إلى سائر أعمال مصر. وكان العاضد فـي شـدة من المرض فلم يعلمه أحد بذلك وتوفي في عاشوراء من السنة وجلس صلاح الدين للعـزاء فيـه واحتـوى علـى قصر الخلافة بما فيه فحمله بهاء الدين قراقوش إليه وكان في خزائنهم مـن الذخيـرة مـا لـم يسمـع بمثله من أصناف الجواهر واليواقيت والزمرد وحلي الذهب وآنية الفضة والذهب ووجد ماعون القصـر مـن الموائـد والطسـوت والأباريـق والقـدور والصحـاف والخـوان والبواقيل والمناير والطيافر والقباقب والأسورة كل ذلك من الذهب. ووجد من أنواع الطيوب واللباس والمذهبات والقرقبيات والمعلقات والوشي ما لا تقله الأوقار ومن الكتب ما يناهز مائة وعشرين ألف سفر أعطاها للفاضل عبد الرحيم البيساني كاتبه وقاضيه ومن الظهر والكراع والسلاح ومن الخدم والوصائف خمسين ألفا. ومن المال ما يملأ مائة بيت. ثم حبس رجالهم ونساءهم حتى ماتوا وكانت الدولة عند عهد العزيز والحاكم قـد خـلا جوهـا مـن رجالـات كتامة وتفرقوا في المشرق في سبيل ذلك الملك وانقرضوا بانقراض أمر الشيعة وموت العاضد آخر خلفائهم وأكلتهم الأقطار والوقائع شأن الدول كما ذكرنـاه مـن قبـل. ولمـا هلـك العاضـد وحول صلاح اللين الدعوة إلى العباسية اجتمع قوم من الشيعة بمصر وبايعوا الداود بن العاضد ونمي خبرهم إلى صلاح الدين فقبض عليهم وقتلهم وأخرج داود من القصر وذلك سنة تسع وستين وخمسمائة. ثـم خـرج بعـد حيـن ابنـه سليمان بن داود رضي الله تعالى عنه بالصعيد وحبس إلى أن هلك. وظهـر بعـد حيـن بجهـة فـاس بالمغـرب محمـد بـن عبد الله بن العاضد ودعا هنالك وتسمى بالمهدي فقتـل وصلـب. ولـم يبـق للعبيديين ذكر إلا في بلاد الحثيثية من العراق وهم دعاة الفداوية. وفي بلـاد الإسماعيليـة التي كانت فيها دعوتهم بالعراق. وقام بها ابن الصباح في قلعة الموت وغيرها كمـا يذكـر فـي أخبارهم إلى أن انقرضت تلك الدعوة أجمع بانقطاع دعوة العباسيين ببغداد على يـد هولاكـو مـن ولد جنكزخان ملوك التتر سنة خمس وخمسين وستماية والأمر لله وحده. هذه أخبار الفاطميين ملخصة من كتاب ابن الأثير ومن تاريخ دولتهم لابن الطوير وقليل من ابن بنو حمدون الخبر عن بني حمدون ملوك المسيلة والزاب بدعوة العبيديين ومال أمرهم كان علي بن حمدون أبوهم من أهل الأندلس وهو علي بن حمدون بن سماك بن مسعود بن منصور الجذامي يعرف بابن الأندلسي واتصل بعبيد الله وأبـي القاسـم بالمشـرق قبـل شـأن الدعـوة وبعثـوه مـن طرابلـس إلـى عبـد اللـه الشيعـي فأحسـن اللقـاء والانصـراف ولزمهم أيام اعتقالهم بسجلماسة فلما استفحل ملكهم جذبوا أبا ضبيعة ورقوه إلى الرتب. ولما رجع أبو القاسـم مـن حركتـه إلـى المغـرب سنـة خمـس عشـرة وثلاثمائـة واختـط مدينـة المسيلة استعمل علي بن حمدون على بنائها وسماها المحمدية. ولما تم بناؤها عقد له على الزاب وأنزله بها وشحنها بالأقـوات التـي كانـت ميـرة للعساكـر عند محاصرة المنصور لأبي يزيد صاحب الحمار بجبل كتامة. ولم يزل والياً على الزاب وربى ابنيه جعفراً ويحيى بدار أبي القاسم. وكان جعفر سار إلى المعز. ولما كانت فتنة أبي يزيد وأضرمت إفريقية ناراً وفتنة وأهاب القائم بالأولياء من كل ناحيـة كتـب إلـى ابـن حمـدون أن يجنـد قبائـل البربـر ويوافيـه فنهـض إلـى المهديـة فـي عسكـر ضخم بقسنطينة وهو يحتشـد كـل مـن مـر بـه فـي طريقـه حتـى وصـل إلـى شـق بناريـة. ثـم قـارب باجـة وكـان بهـا أيـوب بـن أبي يزيد في عسكر كبير من النكارية والبربر فزحف إليهم وتناور الفريقان. ثم بيته أيوب فاستبـاح معسكـره وتـردى علـي بـن حمـدون بعـض الشواهـق فهلـك سنـة أربـع وثلاثين وثلاثمائة. ولما انقضت فتنة أبي يزيد عقد المنصور على المسيلة والزاب لجعفر بن علي بن حمدون وأنزله بها وأخاه يحيى واستجدوا بهـا سلطانـاً ودولـة وبنـوا القصـور والمنتزهـات واستفحـل بهـا ملكهـم وقصدهم بها العلماء والشعراء وكان فيمن قصدهم ابن هانىء شاعر الأندلس وأمداحه فيهم معروفة مذكورة وكان بين جعفر هذا وبين زيري بن مناد عداوة جرتها المنافسة والمساماة في الدولـة فسـاء أثـر زيـري فيـه عنـد صدمتـه للمغـرب وفتكـه بزناتـة وسعـوا بـه إلـى الخليفة وألقح له في جوانحه العداوة فكانت داعيته إلى زناتة. وتولى محمد بن خزر أمير مغراوة. ثم إن المعز لما اعتزم على الرحيل إلى القاهرة سنة اثنتين وثلاثمائـة استقـدم جعفـراً فاستـراب جعفـر ومـال بعسكـره إلـى زناتـة قبل قدومه وانقطعت الرسائـل بينـه وبين صنهاجة والخليفة المعز وشملت عليه زناتة قبل قدومه كسوا عليه ودعا إلى نقض طاعة المعز والدعاء للحاكم المستنصر فوجدهم أقدم إجابة لها وناهضهم زيري الحرب قبـل إستكمـال التعبيـة فكانـت عليـه مـن أمـراء زناتة فكبا بزيري فرسه فطاح فقصوا رأسه وبعثوا به مع جماعة من زناتة إلى الحاكم المستنصر كرم الحاكم وفادتهم ونصب رأس زيري بسوق ولما علمت زناتة أن يوسف بن زيري يطالبهم بـدم أبيـه أظهـروا الغـدر بـه ورأى أن يتجنـب مجابهتهم لضيق ذات يده وعجز رؤساؤهم عن الذب والدفاع عنها وقبضت الأيدي عن تناوله لدنو الفتنة ومراس العصبية فأوجس الخيفة في نفسه وألطف الحيلة في الفرار رغبة بحيلته وشحن السفن بما معه من المال والمتاع والرقيق والحشم وذخيرة السلطان وأجاز البحر ولحق بسدة الخلافة من قرطبـة وأجـاز معـه عظمـاء الزناتييـن معطيـن الصفقـة علـى القيـام بدعوتـه والإحتطاب في جبل طاعتـه فكـرم مثـواه وأجمـل وفادتهـم وأحسـن منصرفهـم وانقلبـوا لمحبتـه والتشيع له ومناغاة الأدارسة للقيام في خدمته بالمغرب الأقصى وبث دعوته. وتخلف عنهم أولـاد علـي بـن حمـدون بالحضـرة وأقامـوا بسـدة الخلافة ونظموا في طبقات الوزراء وأجريت عليهم سنيات الأرزاق والتحقوا على حديث عهدهم بالقوم من أولياء الدولة. ثم كان بعد ذلك شأن اعتقالهم على طريق التأديب لارتكابهم في منازعتهـم أمـرا خرقـوا حـدود الـآداب مـع الخلافـة فاستدعوا إلى القصر واعتقلوا ثم أطلقوا لأيام قلائل لما انغمس الحكم في علة الفالج وركدت ريح المروانية بالمغرب واحتاجت الدولة إلى رجالهم لسد الثغور ودفع العدو. واستدعي يحيى بن محمد بن هاشم من العدوة وكان والياً على فاس والمغرب وأداله الحاجب المصفحي لجعفر بن علي بن حمدون وجمعوا بين الانتفاع في مقارعة زناتة بالعدوة والراحـة ممـا يتوقـع منه على الدولة عند من ولي الخلافة لما كانوا صاروا إليه من النكبة وطروق المحنة فعقدوا له ولأخيه يحيى على المغرب وخلعوا عليهما وأمكنوهما من مال وكسى فاخرة للخلـع علـى ملـوك العـدوة فنهـض جعفر إلى المغرب سنة خمس وستين وضبطه واجتمع إليه ملوك زناتـة مـن بنـي يفـرن ومغـراوة وسجلماسـة. ولمـا هلك الحكم وولي هشام وقام بأمره المنصور. بن أبي عامر اقتصر لأول قيامه على سبتة من بلاد العدوة فضبطها جند السلطان ورجال الدولة وقلدهـا أربـاب السيـوف والأقلـام مـن الأوليـاء والحاشيـة وعـدل فـي ضبطه على ما وراء ذلك على ملـوك زناتـة ونقدهـم بالجوائـز والخلـع وصـار إلـى إكرام وفودهم وإثبات من رغب الإثبات في ديوان السلطان منهم فجدوا في ولاية الدولة وبث الدعوة وفسد ما بين هذين الأميرين جعفر وأخيه واقتطـع يحيـى مدينـة البصـرة لنفسـه وذهـب بأكثـر الرجـال. ثم كانت على جعفر النكبة التي نكبته بنـو غواطة في غزاته إياهم. ثم استدعاه محمد بن أبي عامر لأول أمره لما رأى من الاستكانة إليـه وشـد أزره به ونقم عليه كراهته لما لقيه بالأندلس من الحكم ثم أصحبه وتخلى لأخيه عن عمل المغرب وأجـاز البحـر إلـى ابـن أبـي عامـر فحـل منـه بالمكـان الأثيـر ولمـا زحـف بلكيـن إلـى المغـرب سنة تسع وستين زحفته المشهورة خرج محمد بن أبي عامر من قرطبة إلي الجزيرة لمدافعته بنفسه وأجاز جعفر بن علي إلى سبتة وعقد له على حرب بلكين وأمده بمائة حمل من المال وانضمـت إليـه ملـوك زناتـة رجـع عنهم بلكين كما نذكره. ولما رجع إلى ابن أبي عامر اغتاله في بعض ليالي معاقرتهـم وأعـد لـه رجـالا فـي طريقـه مـن سمـره إلـى داره فقتلـوه سنـة ولحـق يحيـى بـن علـي بمصـر ونـزل بـدار العزيـز وتلقـاه بالمبـرة والتكريـم وطـال بـه ثـراؤه واستكفـى بـه العظائم ولما استصـرخ فلفـول بـن خـزرون بالحاكـم فـي استرجـاع طرابلـس مـن يـد صنهاجـة المتغلبيـن عليـه دفع إليه العساكـر وعقد عليها ليحيى بن علي واعترضه بنو قرة من الهلاليين ببرقة ففلوه وفضوا جموعه ورجـع إلـى مصـر. ولـم يزل بمصر إلى أن هلك هنالك. والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. الخبر عن القرامطة واستبداد أمرهم وما استقر لهم من الدولة بالبحرين وأخبارها إلي حين انقراضها هذه الدعوة لم يظهرها أحد من أهل نسب العلوية ولا الطالبيين وإنما قام بها دعاة المهدي من أهـل البيـت علـى اختلـاف منهـم فـي تعييـن هـذا المهـدي كمـا نذكـره وكـان مدار دعوتهم على رجلين أحدهما يسمى الفرج بن عثمان القاشاني من دعاة المهدي ويسمى أيضاً كرويه بن مهدويه وهو الـذي انتهـى إليه دعاتهم بسواد الكوفة ثم بالعراق والشام ولم يتم لهؤلاء دولة والآخر يسمى أبا سعيد الحسن بـن بهـرام الجنابـي كانـت دعوتـه بالبحريـن واستقـرت لـه هنالـك دولـة ولبنيـه. وانتسب بعض مزاعمهم إلى دعاة الإسماعيلية الذين كانوا بالقيروان كما نذكره. ودعـوى هؤلاء القرامطة في غاية الاضطراب مختلة العقائد والقواعد منافية للشرائع والإسلام في الكثيـر مـن مزاعمهـم وأول مـن قـام بهـا بسواد الكوفة سنة ثمان وسبعين ومائتين رجل أظهر الزهد والتقشف وزعم أنه يدعو إلى المهدي وأن الصلوات المفروضة خمسون كل يوم واستجاب له جمع كثير ولقب قرمط وأصلها بالكاف. وكان يأخذ من كل من يجيب دعوته دينارا للإمام. وجعل عليهم نقباء وسماهم الحواريين وشغل الناس بذلك عن شؤونهم وحبسه عامل الناحية ففرمـن حبسـه ولـم يوقـف لـه علـى خبـر فـازداد أتباعـه فتنـة فيـه ثـم زعـم أنـه الـذي بشـر به أحمد بن محمـد ابـن الحنفيـة. وأن أحمـد نبـي وفشـا هـذا المذهـب في السواد وقرىء بينهم كتاب زعموا أنه جاءهم من داعيه المهدي نصه بعد البسملة: يقول الفرج بن عثمان الحمد الله بكلمته وتعالى باسمه المنجد لأوليائه قل إن الأهلة مواقيت للناس ظاهرها لتعلم عدد السنين والحساب والشهور والأيام. وباطنها أوليائي الذيـن عرفـوا عبادي سبيلي اتقوني يا أولي الألباب وأنا الذي لا اسأل عما أفعل وأنا العليم الحكيم وأنا الذي أبلو عبادي وأستخبر خلقي فمن صبر على بلائي ومحنتي واختباري ألقيته في جنتي وأخلدته في نعمتي ومن زال عن أمري وكذب رسلي أخلدته مهانا في عذابي وأتممت أجلي وأظهرت على ألسنة رسلي فأنا الذي لا يتكبر علي جبار إلا وضعته ولا عزيز إلا ذللته فليس الذي أصر على أمره ودام على جهالته وقال لن نبرح عليه عاكفين وبـه مؤمنيـن أولئـك هـم الكافـرون. ثـم يركـع ويقـول فـي ركوعه مرتين سبحان ربي ورب العزة تعالى عما يصف الظالمون وفـي سجـوده اللـه أعلـى مرتيـن اللـه أعظم مرة والصوم مشروع يوم المهرجان والنيروز والنبيذ حرام والخمـر حلال والغسل من الجنابة كالوضوء ولا يؤكل ذو ناب ولا ذو مخلب. ومن خالف وحارب وجب قتله ومن لم يحارب أخذت منه الجزية انتهى. إلى غير ذلك من دعاوى شنيعة متعارضة يهدم بعضها بعضاً وتشهد عليهم الكذب. والذي حملهـم علـى ذلـك إنمـا هـو مـا اشتهر بين الشيعة من أمر المهدي مستندين فيه إلى الأحاديث التي خرجهـا بعضهـم وقـد أرينـاك عللهـا في مقدمة الكتاب في باب الفاطمي فلهجوا به وبالدعوة إليه فمن الصادق فيمن يعنيه وأن كان كاذباً في استحقاقه. ومنهم من بني أمره علـى الكـذب والانتحال عساه يستولي بذلك على حظ من الدنيا ينال بها صفقة. وقد يقال إن ظهور هذا الرجل كان قبل مقتل صاحب الزنج وإنه سار على الأمان وقال له إن ورائي مائة ألف سيف فناظرني لعلنا نتفق ونتعاون. ثم اختلفا وانصرف قرمط عنه وكان يسمي نفسه القائم بالحق. وزعم بعض الناس أنه كان يرى رأي الأزارقة من الخوارج ثم زحف إليـه أحمـد بـن محمـد الطائي صاحب الكوفة في العساكر فأوقع بهم وفتك بهم وتتابعت العساكر في السواد في طلبهـم وأبادوهـم وفـر هـو إلـى أحيـاء العـرب فلـم يجبه أحد منهم فاختفى في القفر في جب بناه واتخذه لذلك وجعل عليه باب حديد واتخذ بجانبه تنوراً سحراً إن أرهقه الطلب فلا يفطن لـه. ولمـا اختفـى فـي الجـب بعـث أولـاده فـي كلـب بـن دبـرة بأنهـم مـن ولـد إسماعيل الإمام مستجيرون بهـم. ثـم دعـوا إلـى دعوتهـم أثنـاء ذلـك وكانـوا ثلاثـة يحيـى وحسيـن وعلـي فلم يجبهم أحد إلى ذلك إلا بنـو القليـص بـن ضمضـم بـن علـي بـن جنـاب فبايعـوا ليحيـى علـى أنـه يحيـى بـن عبـد الله بن محمد بـن إسماعيـل الإمـام وكنـوه أبـا القاسـم ولقبوه الشيخ. ثم حول اسمه وادعى أنه محمد بن عبد الله وأنه كان يكتم هذا الاسم وأن ناقته التي يركبها مأمورة ومن تبعها منصور فزحف إليه سبك مولـى المعتضـد فـي العساكـر فهزمهـا وقتل فسار إليه محمد بن أحمد الطائي في العساكر فانهزمت القرامطة وجيء ببعضهم أسيراً فاحتضره المعتضد وقال: هل تزعمون أن روح الله وأنبيائه تحل فيكم فتعصمكم من الزلل وتوفقكم لصالح العمل. فقال لـه: يـا هـذا أرأيـت لـو حلـت روح إبليـس فمـا ينفعـك فاتـرك مـا لا يعنيـك إلـى ما يعنيك. فقال له قل فيمـا يعنـي فقـال له قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبوكم العباس حي فلم يطلب هذا الأمـر ولا بايعـه أحـد ثم قبض أبو بكر واستخلف عمر وهو يرى العباس ولم يعهد إليه عمر ولا جعله من أهل الشورى وكانوا ستة وفيهم الأقرب والأبعد وهذا إجماع منهم على دفع جدك عنها فبماذا تستحقون أنتم الخلافة فأمر المعتضد به فعذب وخلت عظامه ثم قطع مرتين ثم قتل. ثم زحـف القرامطـة إلـى دمشـق وعليهـا طغـج مولـى ابـن طولـون سنـة تسعيـن. واستصـرخ بابـن سيـده بمصـر فجـاءت العساكـر لإمـداده فقاتلهـم مـراراً وقتـل يحيى بن ذكرويه المسمى بالشيخ في خلق من أصحابـه واجتمـع فلهـم علـى أخيـه الحسيـن وتسمـى أحمـد أبـا العبـاس وكانت في وجهه شامة يزعم أنها فلقب صاحب الشامة المهدي أمير المؤمنين وأتاه ابن عمه عيسى بن مهدي وهو عبد الله بن أحمد بن محمد بن إسماعيل الإمام ولقبه المدثر وعهد إليه وزعم أنه المذكور في القرآن. ولقب غلاماً من أهله المطوق. ثم دعا الناس فأجابه كثير من أهل البوادي وسار إلى دمشق فحاصرهـا حتـى صالحـوه علـى مـال ودفعـوه لـه. ثـم سـار إلـى حمـص وحماة والمعرة وبعلبك فخطب لـه بهـا واستباحهـا جميعـاً ثـم إلـى سلميـة وبها جماعة من بني. هاشم فاستلحمهم حتى الصبيان بالمكاتـب والبهائـم. ثم خرج المكتفي إليه وقدم عساكره فكبسهم ونجا فلهم إلى حلب. وانتهى المكتفـي إلـى الرقـة وقـد سـار بـدر مولـى ابـن طولـون فـي أتباع القرامطة فهزمهم وأثخن فيهم وبعث المكتفـي العساكـر مـع يحيـى بـن سليمان الكاتب. وفيهم الحسين بن حمدان من بني تغلب ومعهم بنو شيبان فواقعوا القرامطة سنة إحدى وتسعين فهزموهـم وقتـل منهـم خلـق مـن أصحـاب القرمطي ونجا ابنه أبو القاسم ببعض ذخيرته. وسار هو مستخفياً إلى ناحية الكوفة. ومعه المدثر والمطوق وغلام له وانتهو إلى الرحبة فوشى بهم إلى العامل فقبض عليهم وبعث بهم إلى المكتفي بالرقة ورجع إلى بغداد فقطعهم بعد أن ضرب صاحب الشامة. مائتي سوط وأما علـي بـن ذكرويه ففر بعد مقتل أخيه يحيى على دمشق إلى ناحية الفرات. واجتمع إليه فل من القرامطة فاستباح طبرية. ثـم لمـا اتبعهـم الحسيـن بـن حمدان فر إلى اليمن واجتمع إليه دعاتهم هنالك وتغلب على كثير من مدنـه وقصـد صنعـاء فهـرب عنها ابن يعفر فاستباحها وتجافى عن صعدة لذمة العلوية بينه وبين بنـي الرسـى ونـازل بنـي زيـاد بـن بيـد ومات في نواحي اليمن. وفي خلال ذلك بعث أبوه ذكرويه إلى بني القليص بعد أن كانوا استكانوا وأقاموا بالسماوة فبعث إليهم من أصحابه عبد الله بن سعيـد ويسمـى أبـا غانـم فجاءهـم بكتابـه سنـة ثلـاث وتسعين بأنه أوحي إليه بأن صاحب الشامة وأخـاه الشيـخ مقبلان وأن إمامه يظهر من بعدهما يملأ الأرض عدلاً ويظهر وطاب أبو غانم على أحياء كلب فاجتمع إليه جماعة منهم وقصد الشام فاستباح بصرى وأذرعات ونازل دمشق وعاملهـا يومئـذ أحمـد بـن كيغلـغ وهـو غائـب بمصـر فـي محاربة الجليجي الثائر من شيعة بني طولون على عساكر المكتفي وقابلـه خلفـاؤه فهزمهـم وقتـل بعضهـم وسـار إلـى الـأردن فقتـل عاملهـا ونهب طبرية وبعث المكتفي الحسين بن حمدان في العساكر ففر أبو غانم إلى السماوة وغور مياهها واتبعته العساكر إلى أن جهدهم العطش ثم رجع الحسين بهم إلى الرحبة وقيل إنهم تقبضوا على أبي غانم وقتلوه وافترق جمعهم وذلك سنة ثلاث وتسعين. |
ظهور ذكرويه ومقتله
ثم اجتمع القرامطة إلى ذكرويه وأخرجوه من الجب الذي كان مختفياً فيه منذ عشرين سنة وحضـر عنـده دعاتهـم فاستخلـف عليهـم أحمـد بـن القاسـم بن أحمد وعرفهم بما له عليهم من المنة وأن رشادهم في امتثال أمره ورمز لهم في ذلك بآيات من القرآن حرف تأويلها وسار وهو محتجب يدعونه السيـد ولا يرونـه والقاسـم يباشـر الأمـور ويتولاهـا. وبعـث المكتفـي عساكـره فهزمهم القرامطة بالسواد وغنموا معسكرهم وساروا لاعتراض الحاج ومروا بالصوان وحاصـروا الواقصـة فامتنعـت عليهـم وطمـوا الآبـار والمياه في تلك النواحي. وبعث المكتفي محمد بن إسحاق بن كنداج الصهال ورجعوا. ونهب القرامطة الحاج وقتلوهم بعد أن قاتلوهم ثلاثاً علـى غيـر مـاء فاستسلموا وغنم أموالهم وأموال التجار وأموال بني طولون كانوا نقلوها من مصر إلـى مكـة. ثـم مـن مكـة إلـى بغـداد عندما أجمعوا النقل إليها. ثم حاصر القرامطة بقية الحاج في حمص قبل فامتنعوا وجهز المكتفي العساكر مـع وصيـف بـن صوارتكيـن وجماعـة مـن القـواد فساروا على طريق خفان وأدركوا القرامطة فقاتلوهم يومين ثم هزموهم وضرب ذكرويه على رأسه فانهشم وجيء به أسيراً وبخليفة القاسم وابنه وكاتبه وزوجته ومات لخمس ليال فسيق شلـوه إلـى بغـداد وصلـب وبعـث. برأسـه إلـى خراسـان مـن أجـل الحاج الذين نهبهم من أهلها. ونجا الفـل مـن أصحابـه إلـى الشام فأوقع بهم الحسين بن حمدان واستلحمهم وتتبعوا بالقتل في نواحي الشام والعراق وذلك سنة أربع وتسعين وثلاثمائة. ودولة بني الجنابي منها وفي سنة إحـدى وثمانيـن جـاء إلـى القطيعـي مـن البحريـن رجـل تسمـى بيحيـى بـن المهدي وزعم أنه رسول عن المهدي وأنه قد قرب خروجه وقصد من أهل القطيف علي بن المعلي بن أحمد الدبـادي وكـان متغاليـاً فـي التشيـع فجمـع الشيعـة وأقرأهـم كتـاب المهـدي وشنع الخبر في سائر قرى البحريـن فأجابـوا كلهم وفيهم أبو سعيد الجنابي واسمه الحسن بن بهرام وكان منه عظمائهم. ثم غاب عنهم يحيى بن المهدي مدة ورجع بكتاب المهدي يشكرهم على إجابتهم ويأمرهم أن يدفعوا ليحيـى ستـة دنانيـر وثلاثيـن عـن كـل رجـل فدفعوهـا. ثـم غـاب وجـاء بكتـاب آخـر يأمرهـم أن يدفعـوا إليـه خمـس أموالهـم فدفعـوا وقـام يتـردد فـي قبائـل قيـس. ثـم أظهـر أبـو سعيـد الجنابي الدعوة بالبحرين سنة ثلاث وثمانين واجتمع إليه القرامطة والأعراب وسار إلى القطيف طالباً البصرة وكـان عليهـا أحمد بن محمد بن يحيى الواثقي فأدار السور على البصرة وبعث المعتمد على ابن عمـر: الغنـوي وكان على فارس فاقطعه اليمامة والبحرين وضم إليه ألفين من المقاتلة وسيره إلى البصرة فاحتشد وخرج للقاء الجنابي ومن معه ورجع عنه عند اللقاء بنو ضبة فانهزم وأسره الجنابي واحتوى على معسكره وحرق الأسرى بالنار. ثم من عليه وأطلقه فسار إلى الأبلة ومنهـا إلـى بغـداد وسـار أبـو سعيـد إلـى هجر فملكها وأمنها واضطربت البصرة للهزيمة وهم أهلها بالارتحال فمنعهم الواثقي. ومن كتاب ابن سعيد في خبر قرامطة البحرين ملخصاً من كلام الطبري فلعله كما ذكره قال: كان ابتداء أمر القرامطة سنة ثمان وثلاثمائة فنقل الكلام وكان أبو سعيد عهد لابنه الأكبر سعيد فلم به وثار به أخوه الأصغر والظاهر سليمان فقتله وقـام بأمرهم وبايعه العقدانية وجاءه كتاب عبيد الله المهدي بالولاية. وفي سنة ست وثمانين وصل أبو القاسم القائم إلى مصر واستدعى أبا طاهر القرمطي وانتطره فأعجله مؤنس الخادم عن انتظاره وسار من قبل المقتدر فهزمه ورجع إلى المهدية. ثم سار أبو الطاهر سنة سبع إلى البصرة فاستباحها ورجع واضطربت بغداد وأمر المقتدر بإصلاح ما تثلم من سورها. ثـم زحف إليها أبو الطاهر سنة إحدى عشرة فاستباحها وخرب الجامع وتركها خربة. ثم خرج سنـة اثنتـي عشـرة لاعتـراض الحـاج فأوقـع بهم وهزم قواد السلطان الذين كانوا معهم وأسر أميرهم أبا النجاء بن حمدون واستصفى النساء والصبيان وترك الباقي بالبرية فهلكوا. ثم خرج سنة أربع عشرة إلى العراق فعاث في السواد ودخل الكوفة وفعل فيها أشد من البصـرة. وفي سنة أربـع عشرة وقع بين العقدانية وأهل البحرين خلاف فخرج أبو الطاهر وبنى مدينـة الأحسـاء وسماهـا المؤمنيـة فلـم تعـرف إلا بـه وبنـى قصـره وأصحابه حوله. وفي سنة خمس عشرة استولى على عمان وهرب واليها في البحر إلى فارس وزحف سنة ست عشرة إلى الفرات وعاث في بلاده. وبعث المقتدر عن يوسف بن أبي الساج من أذربيجان وولاه واسط وبعثه لحربه فالتقوا بظاهر الكوفة وهزمه أبو طاهر وأسره. وأرجف أهل بغداد وسار أبو طاهر إلى الأنبار وخرجت العساكر من بغداد لدفاعه مع مؤنس المظفر وهارون بن غريب الحال فلم يطيقوا دفاعه وتوافقوا ثم تحاجزوا وعاد مؤنس إلى بغداد وسار هو إلى الرحبة واستباحها ودوخ بلاد الجزيرة بسراياه. وسار إلى هشت والكوفة وقاتل الرقة فامتنعت عليه وفـرض الأتـاوة علـى أعـراب الجزيـرة يحملونهـا إلـى هجـر ودخل في دعوته جماعة من بني سليم بن منصور وبني عامر بن صعصعة. وخرج إليه هارون بن غريب الحال فانصرف أبو طاهر إلى البرية وظفر هارون بفريق منهم فقتلهم وعاد إلى بغداد. وفي سنة سبع عشرة هجم على مكة وقتل كثيراً من الحاج ومن أهلها ونهب أموالهم جميعاً وقلع باب البيت والميزاب وقسم كسوة البيت في أصحابه واقتلع الحجر الأسود وانصرف به وأراد أن يجعل الحج عنده وكتب إليه عبيد الله المهدي من القيروان يوبخه على ذلك ويتهدده فكتـب إليـه بالعجـز عـن رده مـن الناس ووعد برد الحجر فرده سنة تسع وثلاثين بعد أن خاطبه منصور إسماعيل من القيروان في رده فردوه وقد كان الحكم المتغلب على الدولة ببغداد أيام المستكفي بذل لهم خمسين ألفاً من الذهب على أن يردوه فأبوا وزعموا أنهم إنما حملوه بأمر إمامهم عبيد الله وإنما يردونه بأمره وأمر خليفته. وأقام أبو طاهر بالبحرين وهو يتعاهد العراق والشـام بالغـزو حتـى ضربـت لـه الأتـاوة ببغـداد وبدمشـق علـى بنـي طغـج. ثـم هلـك أبو طاهر سنة اثنتين وثلاثين لإحدى وثلاثين سنة من ملكه ومات عن عشرة من الولد كبيرهم سابور وولى أخوه الأكبر أحمد بن الحسـن واختلـف بعـض العقدانيـة عليـه ومالـوا إلـى ولايـة سابـور بـن أبـي طاهـر وكاتبـوا القائـم في ذلك فجـاء جوابـه بولايـة الـأخ أحمد وأن يكون الولد سابور ولي عهده فاستقر أحمد في الولاية عليهم وكنوه أبا منصور وهو الذي رد الحجر الأسود إلى مكانه كما قلناه. ثم قبض سابور على عمه أبي منصور فاعتقله بموافقة إخوته له على ذلك وذلك سنة ثمان وخمسيـن. ثـم ثـار بهـم أخـوه فأخرجـه مـن الاعتقـال وقتـل سابـور ونفى إخوته وأشياعهم إلى جزيرة أوال. ثـم هلـك أو منصـور سنـة تسـع وخمسيـن يقـال مسمومـاً على يد شيعة سابور وولى ابنه أبو علي الحسن بن أحمد ويلقب الأعصم وقيل الأغنم فطالت مدته وعظمت وقائعه ونفى جمعاً كثيـراً مـن ولـد أبـي طاهـر يقال اجتمع منهم بجزيرة أوال نحو من ثلاثمائة وحج هذا الأعصم بنفسه فتنة القرامطة مع المعز العلوي ولمـا استولـى جوهـر قائد المعز لدين الله على مصر وجعفر بن فلاح الكتامي على دمشق طالب الحسن بالضريبة التي كانت له على دمشق فمنعوه ونابذوه وكتب له المعز وأغلظ عليه ودس لشيعـة أبـي طاهر وبنيه أن الأمر لولده وأطلع الحسن على ذلك فخلع المعز سنة اثنتين وخطب للمطيع العباسي في منابره ولبس السواد. ثم زحف إلى دمشق وخرج جعفر بن فلاح لحربه فهزمـه الأعصـم وقتلـه وملـك دمشـق وسـار إلى مصر فحاصر جوهراً بها وضيق عليه. ثم غدر بـه العـرب وأجفلـوا فأجفـل معهـم وعـاد إلى الشام ونزل الرملة وكتب إليه المعز سنة إحدى وستين بالنفـي والتوبيخ وعزله عن القرامطة وولى بني أبي طاهر فخرجوا من أوال ونهبوا الاحساء في غيبته وكتب إليهم الطائع العباسي بالتزام الطاعة وأن يصالحوا ابن عمهم ويقيموا بجزيرة أوال. وبعث من أحكم بينهم الصلح. ثم سار الأعصم إلى الشام وتخطاها دون صور فقاتلوه وراء الخنادق وبذل جوهر المال للعرب فافترقوا عنه وانهزم ونهب معسكره. وجاء المعز من إفريقية ودخل القاهرة سنة ثلاث وستين وسرح العساكر إلى الشام فاستولوا عليه فنهض الأعصم إليهم فأوقع بهم وأثخن فيهم وانتزع ما ملكوه من الشام وسار إلى مصر وبعث المعز لدين الله ابنه عبد الله فلقيهم على بلبيس وانهزم الأعصم وفشا القتل والأسر في أصحابه فكانوا نحواً من ثلاث آلاف ورجع الأعصم إلى الإحساء واستخلص المعز بني الجراح أمراء الشام من طيىء حتى استرجع بهم ما غلـب عليـه القرامطـة مـن الشـام بعـد حـروب وحصـار. ثـم مـات المعـز سنة خمس وستين وطمع الأعصم في بلاد الشام وكان أفتكين التركي مولى معز الدولة بن بويه لما انتقض على أبيه بختيار وهزمه ببغداد سار أفتكين منهزماً إلى دمشـق وكانـوا مضطربيـن فخرجـوا إليه وولوه عليهم وصالح المعز إلى أن توفي فنابذ العزيز وبعث إليـه جوهر في العساكر فحاصره فكتب أفتكين إلى الأعصم واستدعاه فجاء إلى الشام سنة ست وستين. وخرج معه أفتكين ونازلوا الرملة فملكوها من يد جوهر وزحف إليهم العزيز وهزمهم وتقبض على أفتكين ولحق الأعصم بطبريـة منهزمـاً. ثـم ارتحـل منهـا إلـى الأحسـاء وأنكروا ما فعله الأعصم من البيعة لبني العباس واتفقوا على إخراج الأمر عن ولد أبي سعيد الجنابـي وقدمـوا رجليـن منهـم: وهمـا جعفـر وإسحاق وسار بنو أبي سعيد إلى جزيرة أوال وكان بنو أبـي طاهـر قبلهـم فقتلـوا كـل مـن دخـل إليهـم مـن ولـد أحمـد بـن أبـي سعيـد وأشياعـه. ثـم قـام بأمـر القرامطة جعفر وإسحاق هذان ورجعوا إلى دعوة العلوية ومحاربة بني بويه ورجعوا سنة أربع وستيـن إلـى الكوفة فملكوها. وبعث صمصام الدولة بن بويه العساكر إليهم فهزمهم على الفرات وقتل منهم خلق واتبعوهم إلى القادسية. ثم اختلف جعفر وإسحاق وطمع كل منهما في الرياسة على صاحبه وافترق أمرهم وتلاشت دعوتهم إلى أن استولى الأصغر بن أبي الحسن الثعلبي سنة ثمان وتسعين عليهم وملك الأحساء من أيديهم وأذهب دولتهم وخطب للطائـع واستقرت الدولة له ولبنيه. ذكر المتغلبين بالبحرين من العرب بعد القرامطة كان بأعمال البحرين خلق من العرب وكـان القرامطـة يستنجدونهـم علـى أعدائهـم ويستعينـون بهم في حروبهم وربما يحاربونهم ويقاطعونهم في بعض الأوقات وكان أعظم قبائلهم هنالك بنو ثعلب وبنو عقيل وبنو سليم وأظهرهم في الكثرة والعزة بنو ثعلب. ولما فشلت دولة القرامطة بالبحرين واستحكمت العداوة بينهم وبين بني بويه بعد انقراض ملك بني الجنابي وعظم اختلافهم عند القائم بدعوة العباسية وكان خالصة للقرامطة ودعاه إلى إذهاب دولتهم فأجابه وداخل بني مكرم رؤساء عمان فـي مثـل ذلـك فأجابـوه واستولـى الأصغـر علـى البحريـن وأورثهـا بنيـه واستولـى بنـو مكـرم على عمان ثم غص بنو ثعلب بسليم واستعانوا عليهم ببني عقيل وطردوهم من البحرين فساروا إلى مصر ومنها كان دخولهم إلى إفريقية كما يأتي. ثـم اختلـف بنـو ثعلـب وبنـو عقيل بعد مدة وطردهم بنو ثعلب إلى العراق فملكوا الكوفة والبلاد العراقية وامتد ملك الأصغر وطالت أيامه وتغلب على الجزيرة والموصل وحارب بني عقيـل سنة ثمان وثلاثين وأربعمائة برأس عين من بلاد الجزيرة وغص بشأنه نصير الدولة بن مروان صاحب ميافارقين وديار بكر فقام له وجمع له الملوك من كل ناحية فهزمه واعتقله ثم أطلقه ومات. وبقي الملك متوارثاً في بنيه بالبحرين إلى أن ضعفوا وتلاشوا وانقرضت دولة بني عقيل بالجزيرة وغلبهم عليها وعلى تلك البلاد أولياء الدولة السلجوقية فتحولوا عنها إلى البحرين مواطنهم الأولى ووجدوا بني ثعلب قد أدركهم الهرم فغلبوا عليهم. قـال ابن سعيد: سألت أهل البحرين حين لقيتهم بالمدينة النبوية سنة إحدى وخمسين وستمائة عـن البحريـن فقالـوا الملـك فيها لبني عامر بن عوف بن عقيل وبنو ثعلب من جملة رعاياهم وبنو عصفور منهم أصحاب الأحساء. ولنذكر هنا نبذة في التعريف بكاتـب القرامطـة وأمصـار البحرين وعمان لما أن ذلك من توابع أخبارهم. الكاتب كان كاتبهم أبو الفتح الحسيـن بـن محمـود ويعـرف بكشاجـم كـان مـن أعلـام الشعـراء وذكـره الثعالبـي فـي اليتيمـة والحصـري فـي زهـر الـآداب وهـو بغدادي المولد واشتهر بخدمة القرامطة فيما ذكره البيهقي وكتب لهم بعده ابنه أبو الفتح نصر ولقبه كشاجم مثل أبيه كاتباً للأعصم البحريـن - إقليـم يسمـى باسـم مدينتـه ويقال هجر باسم مدينة أخرى منه وكانت حضرية فخربها القرامطـة وبنـو الأحسـاء وصارت حاضرة وهذا الإقليم مسافة شهر على بحر فارس بين البصرة وعمان شرقيها بحر فارس وغربيها متصل باليمامة وشماليها البصرة وجنوبها بعمان كثيرة المياه ببطونها على القامة والقامتين كثيرة البقل والفواكه مفرطة الحر منهالة الكثبان يغلب الرمل عليهم في منازلهم وهي من الإقليم الثاني وبعضها في الثالث. كانت في الجاهلية لعبد القيس وبكر بن وائل من ربيعة وملكها للفرس وعاملهـا مـن قبلهـم المنـذر بـن سـاوى التميمـي. ثـم صـارت رياستهـا صـدر الإسلام لبني الجـارودي ولـم يكـن ولاة بني العباس ينزلون هجر إلى أن ملكها أبو سعيد القرمطي بعد حصار ثلاث سنين واستباحها قتلاً وإحراقاً وتخريباً. ثم بنى أبو طاهر مدينة الأحساء وتوالت دولة القرامطة وغلب على البحرين بنو أبي الحسن بن ثعلب. بعدهم بنو عامر ابن عقيل قال ابن سعيد: والملك الآن فيهم في بني عصفور. الأحسـاء - بناهـا أبـو طاهـر القرمطـي فـي المائـة الثالثـة وسميـت بذلـك لمـا فيها من أحساء المياه في الرمال ومراعي الإبل وكانت للقرامطة بها دولة وجالوا في أقطار الشام والعراق ومصر والحجاز وملكوا الشام وعمان. دارين - هي من بلاد البحرين ينسب إليها الطيب كما تنسب الرماح إلى الخط بجانبها فيقال مسك دارين والرماح الخطية. عمـان - وهـي مـن ممالك جزيرة العرب المشتملة على اليمن والحجاز والشحر وحضرموت وعمان وهـي خامسهـا إقليـم سلطاني منفرد على بحر فارس من غربيه مسافة شهر شرقيها بحر فارس وجنوبها بحر الهند وغربيها بلاد حضرموت وشماليها البحرين كثيرة النخل والفواكه وبها مغاص اللؤلؤ شفيت بعمان بن قحطان أول من نزلها بولايـة أخيـه يعـرب وصـارت بعـد سيـل العـرم للأزد. وجاء الإسلام وملوكها بنو الجلندي والخوارج بها كثيرة. وكانت لهم حروب عمال بني بويه وقاعدتهم تروى وملك عمان من البحر ملوك فارس غير مرة وهي في الإقليم الثاني وبها مياه وبساتين وأسواق وشجرها النخل. وكانت بها في الإسلام دولة لبني شامة بن لؤي بن غالب. وكثير من نسابة قريش يدفعونهم عن هذا النسب أولهم بها محمد بن القاسم الشامي عثه المعتضد وأعانه ففتحها وطرد الخوارج إلى تروى قاعدة الجبال وأقام الخطبة لبني العباس وتوارث ذلك بنوه وأظهروا شعار السنة. ثـم اختلفـوا سنـة خمس وثلاثمائة وتحاربوا ولحق بعضهم بالقرامطة وأقاموا في فتنة إلى أن تغلب عليهـم أبو طاهر القرمطي سنة سبع عشرة عند اقتلاعه الحجر وخطب بها لعبيد الله المهدي وترددت ولاة القرامطة عليها من سنة سبع عشرة إلى سنة خمس وسبعين فترهب واليها منهم وزهد وملكها أهل تروى الخوارج وقتلوا من كان بها من القرامطة والروافض وبقيت في أيديهم ورياستها للأزد منهم. ثم سار بنو مكرم من وجوه عمان إلى بغداد واستخدموا لبني بويه وأعانوهم بالمراكب من فارس فملكوا مدينة عمان وطردوا الخوارج إلى جبالهم وخطوا لبني العباس. ثم ضعفت دولة بني بويه ببغداد فاستبد بنو مكرم بعمان وتوارثوا ملكها وكان منهم مؤيد الدولة أبو القاسم علي بن ناصر الدولة الحسين بن مكرم وكان ملكاً جواداً ممدوحـاً. قالـه البيهقي ومدحه مهيار الديلمي وغيره ومات سنة ثمان وعشرين وأربعمائة بعد مدة طويلة في الملك وفي سنة اثنين وأربعين ضعف ملك بني مكرم وتغلب عليهم النساء والعبيد فزحف إليها الخوارج وملكوها وقتلوا بقيتهم وانقطع منها رسم الملك وصار في حجار من مدر هذا الإقليـم قلهاة هي عرصة عمان على بحر فارس من الأقليم الثاني ومما يلي الشحر وحجار في شماليهـا إلـى البحريـن بينهما سبع مراحل وهي في جبال منيعة فلم تحتج إلى سور وكان ملكها سنة ثمان وأربعين زكريا بن عبد الملك الأزدي من ذرية رياسة. وكان الخوارج بتروى مدينة الشراة يدينون لهم ويرون أنهم من ولد الجلندي. الإسماعيلية الخبر عن الإسماعيلية أهل الحصون بالعراق وفارس والشام وسائر أمورهم ومصائرها هذا المذهب هو مذهب القرامطة وهم غلاة الرافضة وهـو علـى مـا رأيتـه مـن الاضطـراب والاختلـاف. ولـم يـزل متناقـلاً فـي أهلـه بأنحـاء العـراق وخراسـان وفارس والشام. واختلف بعضهم باختلاف الأعصار والأمصـار وكانـوا يدعـون أولاً قرامطـة. ثـم قيـل لهـم بالعـراق باطنيـة ثـم الإسماعيليـة ثـم النزاريـة لمـا حـدث مـن عهـد المستضيء العلوي لابنه نزار وقتله شيعتهم بمصر ولم يبايعوا له وكان عنده ابن الصباح من هؤلاء الإسماعيلية ونفى الإمامة بعده عن أئمتهم بصر فسموا أصحابه لذلك نزارية وكان هذا المذهب بعد موت ذكرويه وانحلال عقدتهم بقي منبثاً في الأقطار ويتناوله أهله ويدعون إليه ويكتمونه ولذلك سموا الباطنية وفشت أذيتهم بالأمصار بما كانوا يعتقدونـه مـن استباحـة الدمـاء فكانـوا يقاتلـون النـاس ويجتمـع لذلـك جمـوع منهم يكمنون في البيوت ويتوصلون إلى مقاصدهم من ذلك. ثم عظمت أمورهم أيام السلطان ملك شاه عندما استمر الملك للعجم من الديلم والسلجوقية وعقل الخلفاء وعجزوا عن النظر في تحصين إمامتهم وكف الغوائل عنهما فانتشروا في هذه العصور وربما اجتمع منهم جماعة بساوة بأنحاء همذان فصلوا صلاة العيد بأنحائهم فحبسهم الشحنـة ثـم أطلقهـم. ثـم استولـوا بعـد ذلـك علـى الحصـون والقلـاع فـأول قلعة غلبوا عليها قلعة عند فارس كان صاحبها على مذهبهم فأووا إليـه واجتمعـوا عنـده وصـاروا يخطفـون النـاس مـن السابلة وعظم ضررهم بتلك النواحي. ثم استولوا على قلعة أصفهان واسمها شاه در كان السلطان ملك شاه بناها وأنزل بها عامله فاتصل به أحمد بن غطاش كان أبوه من مقدمي الباطنية وعنه أخذ ابن الصباح وغيره منهم وكـان أحمـد هـذا عظيمـاً فيهـم لمكـان أبيـه ورسوخـه فـي العلم بينهم فعظموه لذلك وتوجوه وجمعوا له مالاً وقدموه عليهم واتصل بصاحب القلعة فآثر مكانه وقلده الأمور حتى إذا توفي استولى أحمد بن غطاش على قلعة شاه در وأطلق أيدي أصحابه في نواحيها يخيفون السابلة من كل ناحية. ثـم استولـوا علـى قلعـة المـوت مـن نواحي قروين وهي من بنيان الديلم ومعنى هذا الإسم عندهم تميل العقاب. ويقال لتلك الناحية طالقان وكانت في ضمان الجعفري فاستناب بها علوياً وكان بالري أبو مسلم صهر نظام الملك واتصل به الحسن بـن الصبـاح وكـان بينهـم عالمـاً بالتعاليـم والنجوم والسحر وكان من جملة تلامذة ابن غطاش صاحب قلعة أصفهان ثم اتهمه أبو مسلم بجماعة من دعاة المصريين عنده فهرب منه وجال في البلاد وانتهى إلى مصر فأكرمه المستنصر وأمره بدعاء الناس إلى إمامته وقال له الحسن من الإمام بعدك فأشار إلى ابنه نزار وعاد من مصر إلى الشام والجزيرة وديار بكر وبلاد الروم ورجع إلى خراسان بقلعة الموت فنزل على العلوي فأكرمه واعتقد البركة فيه وأقام بها وهو يحاول إحكام أمره في تملكها فلما تم له من ذلك ما أراد أخرج العلوي منها وملكها. واتصل الخبر بنظام الملك فبعث العسكر لحصارها فجهده الحصار وبعث جماعة من الباطنية فقتلوا نظام الملك ورجعت العساكر واستولوا أيضاً على قلعة طبس وما جاورها مـن قلـاع قوهستان وهي زرون وقائد وكان رئيس قوهستان المنـور مـن أعقـاب بنـي سيجـور أمـراء خراسان للسامانية فطلبه عامل قوهستان وأراد اغتصاب أخته فاستدعى الإسماعيلية وملكهم هذه القلاع واستولوا على قلعة خالنجان على خمسة فراسخ من أصفهان كانت لمؤيد الملك بن نظام الملك وانتقلت إلى جاولي سقاور من أمراء الغز وولى عليها بعض الترك فاتصل به بعض الباطنيـة وخدمـه وأهـدى لـه حتـى صـارت مفاتيـح القلعـة فـي يـده فدس لابن غطاش في قلعة شاه در فجـاء فـي جمـع مـن أصحابـه ليـلاً وهـرب التركـي فملكهـا وقتـل مـن كـان بهـا وقـوي. بهـا على أهل أصفهان وفرض عليهم القطائع. ومن قلاعهم أسويا وندبين الرمل وآمد ملكوها بعد ملك شاه غدراً ومنها أزدهر ملكها أبو الفتـوح ابن أخت الحسن بن الصباح. ومنها كردكوه ومنها قلعة الناظر بخوزستان وقلعة الطنبور قرب أرجان. ملكها أبو حمزة الإسكاف من أهل أرجان وقد كان سافر إلى مصر فأخذ بمذهبهـم ورجـع داعيـة لهـم. ومنهـا قلعـة ملاوخـان بيـن فـارس وخوزستـان امتنـع بها المفسدون نحواً من مائتي سنة لقطع الطريق حتى فتحها عضد الدولة بن بويه وقتل من بها فلما ملك ملك شاه أقطعها للأمير أنز فولى عليها من قبله وداخله الباطنية الذين من أرجان في بيعها منهم فأبى فقالوا نرسل إليك من يناظرك حتى نرى الحق في مذهبنا وبعثـوا إليهـم رجـالاً منهـم فاعتقلوا مملوكه حتى سلم لهم مفاتيح المقلعة وقبضوا على صاحبها وقويت شوكتهم. وامتدت أيدي الناس إلى قتلهم واعتقدوا جهادهم وثاروا بهم في كل وجهة فقتلوهم وقتلتهم العامة بأصفهان وكانوا قد ظهروا بها عند محاصرة السلطان بركيارق أصفهان وبها أخوه محمد وأمه خاتون الجلالية وفشت فيها دعوتهم وكثر فيها الاغتيال من أتباعهم فثاروا بهم وقتلوهم وحفـروا الأخاديـد وأوقدوهـا بالنيـران وجعلـوا يأتـون بالباطنية فيلقونهم فيها وتجرد جاولي سقاور وكان والياً بفارس للجهاد فيهم وتحيل عليهم بجماعة من أصحابه أظهروا. الهـروب إليهم فوثقوا هم وساره هو من بعد ذلك إلى همذان فأغزاهم. ثم صار الباطنية من بعد ذلك إلى همذان لقتل أمراء السلجوقية غدراً فكان يقصد أحدهم أميـراً من هؤلاء وقد استبطن خنجراً واستمات. حملهم على ذلك السلطان بركيارق واستعان بهم على أمر أخيه فكان أحدهم يعرض نفسه بين يدي الأمير حتى يتمكن من طعنه فيطعنه ويهلـك غالباً ويقتل الباطني لوقته فقتلوا منهم كذلك جماعة ولما ظهر بركيارق على أخيه محمد انتشـروا فـي عسكـره واستعانـوا بطائفـة منهـم وتهـددوا بالقتـل على ذلك حتى ارتاب أمراء العسكر بأنفسهم وخافوا عاديتهم ولازموا حمل السلاح وشكوا إلى بركيارق بذلك وبما يلقونه منهم ومن عسكر أخيه فيما يرمونهم به من الاتحاد بهؤلاء الباطنية فأذن في قتلهم وركب والعسكر معه فتتبعوهم بالقتل حتى إن الأمير محمداً من أعقاب علاء الدولة بن كاكويه وكان صاحب يزد اتهم برأيهم فهرب وقتل. وكتب إلـى بغـداد فـي أبـي إبراهيـم الاسترابـاذي وكـان بركيـارق بعثـه رسـولاً فأخذ هنالك وقتل واستلحموا في كل جهة واستلحم المتهمون وانطلقت عليهم الأيدي في كل ناحية وذلك سنة ست وثمانين. ولمـا استفحـل أمـر السلطـان محمـد بعـد أخيـه بركيارق زحف إلى قلعة شاه در التي بها أحمد بن غطاش لقربها من أصفهان سرير ملكه فجمع العساكر والأمم وخرج في رجب في أول المائة السادسة وأحاط بجبل القلعة ودووه أربعة فراسخ ورتب الأمراء لقتالهم نوباً. ولما اشتد الأمر بهم سألوا فتوى الفقهاء في أمرهم وكتبوا ما نصه: ما يقول السادة الفقهاء أئمة الدين في قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر وكتبه ورسله وإن ما جاء به محمـد صلـى اللـه عليـه وسلـم حـق وصدق وإنما يخالفون في الإمام هل يجوز للسلطان مساعدتهم ومراعاتهم وأن يقبـل طاعتهـم ويحرسهم من كل أذى أم لا فأجاب أكثر الفقهاء بجواز ذلك وتوقف بعضهم وجمعوا للمناظرة. فقال السمنجانـي مـن كبـار الشافعيـة: يجـب قتالهـم ولا يجـوز قرارهـم بمكانهـم ولا ينفعهم التلفظ بالشهادتين فإنهم لا يرون مخالفـة إمامهـم إذا خالـف أحكـام الشـرع وبذلـك تبـاح دماؤهم إجماعاً وطالت المناظرة في ذلك. ثم سألوا أن يأتيهم من العلماء من يناظرهم وعينوا أعياناً من أصفهان وقصدوا بذلك المطاولة والتعلل فبعثهم السلطان إليهم فعادوا من غير شيء فاشتد السلطـان إليهـم فـي حصارهـم واستأمنوا على أن يعوضوا عن قلعتهم بقلعة خالنجان على سبعة فراسخ من أصفهان وأن يؤجلوا في الرحيل شهراً فأجابهم وأقاموا في تلك المدة يجمعون ما يقدرون عليه من الأطعمة ووثبوا على بعض الأمراء وسلم منهم فجدد السلطان حصارهم وطلبوا أن ويقيم الباقون بضرس من القلعة إلى أن يصل الأولون ثم يبعث مع الآخرين من يوصلهم إلى ابن الصبـاح بقلعة الموت فأجابهم إلى ذلك وخرج الأولون إلى الناظر وطبس وخرب السلطان القلعة وتمسك ابن غطاش بالضرس الذي هو فيه وعزم على الاعتصام به وزحف إليه الناس عامة وهـرب بعضهـم إلـى السلطان فدله على عورة المكان فصعدوا إليه وقتلوا من وجدوا فيه وكانوا ثمانيـن وأخـذ ابن غطاش أسيراً فسلخ وحشي جلده تبناً وقتل ابنه وبعث برأسيهما إلى بغداد وألقت زوجه نفسها من الشاهق فهلكت. |
خبر الإسماعيلية بالشام
لما قتل أبو إبراهيم الاستراباذي ببغداد كما تقدم هرب بهرام ابن أخيه إلى الشام وأقام هنالك داعيـة متخفيـاً واستجـاب لـه من الشام خلق. وكان الناس يتبعونهم لكثرة ما اتصفوا به من القتل غـدراً. وكـان أبـو الغازي بن ارتق بحلب يتوصل بهم إلى غرضه في أعدائه وأشار أبو الغازي علـى ابـن طغتكيـن الأتابك بدمشق بمثل ذلك فقبل رأيه ونقل إليه فأظهر حينئذ شخصه وأعلن بدعوته وأعانه الوزير أبو علي ظاهر بن سعد المزدغاني لمصلحتهم فيه فاستفحل أمره وكثر تابعوه وخاف من عامة دمشق فطلب من ابن طغتكين ووزيره أبي علي حصناً يأوي إليـه فأعطوه قلعة بانياس سنة عشرين وخمسمائة وترك بدمشق خليفة له يدعو الناس إلى مذهبه وكان بوادي التيم من أعمال بعلبك طوائف من المجوس والنصرانية والدرزية وأميرهم يسمـى الضحـاك فسـار بهـرام لقتالهـم سنـة اثنتيـن وعشريـن واستخلـف علـى بانيـاس إسماعيل من أصحابه ولقيهم الضحاك في ألف رجل وكبس عسكره فهزمهم وقتله وعاد فلهم إلى بانياس فأقام بأمرهم إسماعيل وجمع شملهم وبث دعاته في البلاد وعاضده المزدغاني وزير دمشق وانتصر لهذه الطائفـة وأقـام بدمشـق خليفـة لبهـرام اسمـه أبـو الوفـا فقـوي أمـره وكثـر أتباعـه. واستبـد علـى صاحبها تاج الملوك بن طغتكين. ثم إن المزدغاني راسل الفرنج أن يملكهم دمشق على أن يعطوه صور وتواعدوا ليوم عينوه ودس للإسماعيلية أن يكونوا ذلك اليوم على أهبـة ونمـى الخبـر إلـى إسماعيـل فخـاف أن يثـور بـه النـاس فأعطى بانباس للفرنج وانتقل إليهم ومات سنة أربع وعشرين وكان الإسماعيلية قلاع في تلك الجهات. تتصل بعضهـا ببعـض أعظمهـا قلعـة مصياف فسار صلاح الدين لما ملك الشام سنة اثنتين وسبعين إليها وحاصر مصياف وضيق حصارها وبعث سنان مقـدم الإسماعيليـة إلـى خـال صلـاح الديـن بحمـاة وهـو شهـاب الديـن الحـادي أن يسـأل صلـاح الدين في الصلح معهم ويتهددونه على ذلك سراً فسار إلى صلاح الدين وأصلح أمرهم عنده ورحل عنهم. بقية الخبر عن قلاع الإسماعيلية في العراق ولم تزل قلاع هؤلاء الإسماعيلية بالعراق عشاً لهذه الغواية وسفطاً لهؤلاء الخباث منذ سار بها أحمـد بـن غطـاش والحسـن بـن الصبـاح. وكـان لهذا الحسن مقالات في مذاهب الرافضة عريقة في الغلو داخلة من باب الكفر وتسميها الرافضة المقالات الجديدة ولا يدين بقبولها إلا الغلاة منهم. وقد ذكرها الشهرستاني في كتاب ملـل والنحـل فعليـك بـه إن أردت معرفتهـا. وبقـي الملـوك يقصدونهم بالجهاد لما اشتهر عنهم من الضرر بالاغتيال ولما افتـرق أمـر السلجوقيـة واستبـد ايتغمش بالري وهمذان سار إليهم سنة ثلاث وستمائة إلى قلاعهم المجاورة لقزوين فحاصرها وفتـح منهـا خمـس قلاع واعتزم على حصار قلعة الموت فعرض له ما شغله عن ذلك ثم زحف إليهم جلال الدين منكبري بن علاء الدين وخوارزم شاه عندما رجع من الهند وملك بلـاد أذربيجـان وأرمينيـة فقتلـوا بعـض أمرائـه بمثـل قتلهم فسار إلى بلادهم ودوخ نواحي الموت وقد مر ذكـره. وقلاعهم التي بخراسان خربها واستباحها قتلاً ونهباً. وكانوا منذ ظهر التتر قد شرهوا علـى الجهـات فأوقـع بهـم جلـال الدين هذه الواقعة سنة أربع وعشرين وستمائة وكفحهم عما سموا إليه من ذلك. ولما استفحل أمر التتر سار هولاكو عام الخمسين والستمائة في بغداد وخرب قلاعهـم وزحـف الظاهـر بعـد ذلـك إلـى قلاعهم التي بالشام خرب كثيراً منها وطوع ما بقي منها وصارت مصياف وغيرها في طاعته وانقرض أمرهـم إلا مغتاليـن يستعملهـم الملـوك فـي قتـل أعدائهم على البعد غدراً ويسمون الفداوية أي الذين يأخذون فدية أنفسهم على الاستماتة في مقاصد من يستعملهم والله وارث الأرض من عليها. الخبر عن دوله بني الأخيضر باليمامة من بني حسن كان موسى الجون بن عبد الله بن حسن المثنى بن الحسن السبط لما اختفى أخواه محمد وإبراهيـم طالبـه أبـو جعفـر المنصور بإحضارهما فضمن له ذلك. ثم اختفى وعثر عليه المنصور فضربـه ألـف سـوط قلمـا قتـل أخـوه محمد المهدي بالمدينة اختفى موسى الجون إلى أن هلك وكان مـن عقبـه إسماعيـل وأخـوه محمـد الأخيضـر ابنـا يوسف بن إبراهيم بن موسى فخرج إسماعيل في أعـراب الحجـاز وتسمـى السفـاك سنـة إحـدى وخمسيـن ومائتيـن. ثـم قصـد مكـة فهـرب عاملهـا جعفر بسباسات وانتهب منزله ومنازل أصحاب السلطان وقتل جماعة من الجند وأهل مكة وأخذ مـا كـان حمـل للإصلاح من المال وما في الكعبة وخزائنها من الذهب والفضة وأخذ كسوة الكعبة وأخذ من الناس نحواً من مائتي ألف دينار. ثـم نهبهـا وأحـرق بعضهـا بعضاً وأقام في ذلك خمسين يوماً. ثم سار إلى المدينة فتوارى عاملها وحاصرهـا حتـى مـات أهلهـا جوعـاً ولـم يصـل أحد في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصـل عساكـر المعتز إلى المدينة فأفرج عنها ورجع إلى مكة وحاصرها حتى جهدها الحصار ورحل بعد مقامه شهرين إلى جدة فأخذ أموال التجار ونهب ما في مراكبهم ورجع إلى مكة وقد وصل إليها محمد بن عيسى بن المنصور وعيسى بن محمد المخزومي بعثهما المعتز لقتاله فتواقعوا بعرفة واقتتلوا وقتل من الحاج نحو ألف وسلبوا الناس وهربوا إلى مكة وبطل الموقف إسماعيل وأصحابه وخطب لنفسه ثم رجع إلى جدة واستباحوها ثانية. ثم هلك لسنة من خروجه. بالخدري آخر سنة اثنتين وخمسين أيـام حـرب المستعيـن والمعتـز. وكـان يتـردد بالحجـاز منـذ اثنتيـن وعشريـن سنـة ومـات ولم يعقب وولي مكانه أخوه محمد الأخيضر وكان أسن منه بعشرين سنة ونهض إلى اليمامة فملكها واتخذ قلعة الحضرمية وكان له من الولد محمد وإبراهيم وعبد اللـه ويوسـف وهلـك فولـي بعـده ابنـه يوسـف وأشرك ابنه إسماعيل معه في الأمر مدة حياته. ثم هلـك وانفرد إسماعيل بملك اليمامة وكان له من الإخوة الحسن وصالح ومحمد بنو يوسف. فلما هلـك إسماعيـل ولـي مـن بعـده أخـوه الحسـن وبعـده ابنـه أحمـد بـن الحسـن. ولـم يـزل ملكهـا فيهـم إلـى أن غلب عليهم القرامطة وانقرض أمرهم والبقاء لله. وكان بمدينة غانة من بلاد السودان بالمغرب ممـا يلـي البجـر المحيـط ملـك بنـي صالـح ذكرهـم صاحـب كتـاب زجـار فـي الجغرافيـا. ولم نقف على نسـب صالـح هـذا مـن خبـر يعـول عليـه. وقـال بعـض المؤرخيـن إنـه صالـح بـن عبـد الله بن موسى بن عبـد الله الملقب أبا الكرام ابن موسى الجون وإنه خرج أيام المأمون بخراسان وحمل إليه وحبسه وابنـه محمـد مـن بعده ولحق بنوه بالمغرب فكان لهم ملك في بلد غانة. ولم يذكر ابن حزم في أعقـاب موسـى الجـون صالحـاً هـذا بهذا النسب ولعله صالح الذي ذكرناه آنفآ في ولد يوسف بن محمد الأخيضر والله أعلم. دولة السليمانيين الخبر عن دولة السليمانيين من بني الحسن بمكة ثم بعدها باليمن ومباديء أمورهم وتصاريف أحوالهم مكة هذه أشهر من أن نعرف بها أو نصفها إلا أنه لما انقـرض سكانهـا مـن قريـش بعـد المائـة الثانية بالفتن الواقعة بالحجاز من العلوية مرة بعد أخرى فأقفرت من قريش ولم يبق بها إلا أتباع بنـي حسـن أخلـاط مـن النـاس ومعظمهم موال سود من الحبشة والديلم. ولم يزل العمال عليها من قبـل بنـي العبـاس وشيعتهم والخطبة لهم إلى أن اشتغلوا بالفتن أيام المستعين والمعتز وما بعدهما فحدثـت الرياسة فيها لبني سليمان بن داود بن حسن المثنى بن الحسن السبط. وكان كبيرهم آخر المائة الثانية محمد بن سليمان وليس هو سليمان بن داود لأن ذلك ذكره ابن حزم أنه قام بالمدينة أيام المأمون وبين العصرين نحو من مائة سنة سنة إحدى وثلاثمائة أيام المقتدر وخلع طاعة العباسية وخطب في الموسم فقال: الحمد الله الذي أعاد الحق إلى نظامه وأبرز زهر الإيمـان مـن أكمامـه وكمـل دعـوة خيـر الرسـل بإسباطـه لابنـي أعمامـه صلـى اللـه عليه وسلم وعلى آله الطاهرين وكف عنا ببركته أسباب المعتدين وجعلها كلمه باقية في عقبه إلى يوم الدين ثم أنشد: لأطلبن بسيفـي ماكان للحق في دينا يعدون كل بلاد من العراق علينا وكان يلقب بالزيدي نسبة إلى نحلته من مذاهب الإمامية وبقي ركب العراق يتعاهد مكة إلى أن اعترضـه أبـو طاهـر القرمطـي سنـة اثنتـي عشـرة وأسـر أبـا الهيجـاء بـن حمـدان والد سيف الدولة وجماعـة معه وقتل الحجاج وترك النساء والصبيان بالقفر فهلكوا وانقطع الحاج من العراق بسبب القرامطة. ثم أنفذ المقتدر سنة سبع عشرة منصورا الديلمي من مواليه فوافاه يوم التروية بمكة أبو طاهر القرمطي فنهب الحاج وقتلهم حتى في الكعبة والحرم وامتلأ زمزم بالقتل والحجاج يصيحـون كيـف يقتـل جيـران اللـه فيقـول ليـس بجـار مـن خالـف أوامـر اللـه ونواهيـه. ويتلـو: " إنمـا جزاء الذين يحاربون الله ورسوله " الآية. وكان يخطب لعبيد الله المهدي صاحب إفريقية. ثم قلع الحجر الأسود وحمله إلى الاحساء وقلع باب البيت وحمله وطلع رجل يقلع الميزاب فسقط ومات فقال اتركوه فإنه محروس حتى يأتي صاحبه يعني المهدي فكتب إليه ما نصه: والعجب مـن كتبـك إلينـا ممتنـاً علينـا بمـا ارتكبتـه واجترمتـه باسمنـا مـن حرم الله وجيرانه بالأماكن التي لم تزل الجاهليـة تحـرم إراقـة الدمـاء فيهـا وإهانـة أهلهـا. ثم تعديت ذلك وقلعت الحجر الذي هو يمين الله في الأرض يصافح بها عباده وحملته إلى أرضك ورجوت أن نشكرك فلعنك الله ثم لعنك والسلام على من سلم المسلمون من لسانه ويده وفعل في يومه ما عمل فيه حساب غده انتهى. فانحرفت القرامطة عن طاعة العبيدين لذلك. ثم قتل المقتدر على يد مؤنس سنة عشرين وثلاثمائة وولى أخوه القاهر وحج بالناس أميره تلك السنة. وانقطع الحج من العراق بعدها إلى أن كاتب أبو علي يحيى الفاطمي سنة سبع وعشرين من العراق أبا طاهر القرمطي أن يطلق السبيـل للحجـاج علـى مكس يأخذه منهم. وكان أبو طاهر يعظمه لدينه ويؤمله فأجابه إلى ذلك وأخـذ المكـس مـن الحجـاج لم يعهد مثله في الإسلام. وخطب في هذه السنة بمكة للراضي بن المقتدر. وفي سنة تسع وعشرين لأخيه المقتفي من بعده ولم يصل ركب العراق في هذه السنين من القرامطـة. ثـم ولـي المستكفـي بـن المكتفـي سنة ثلاث وثلاثين على يد توروز أمير الأمراء ببغداد فخرج الحاج في هذه السنة لمهادنة القرامطة بعد أبي طاهر. ثم خطب للمطيع ابن المقتدر. بمكة مع معز الدولة سنة أربع وثلاثين عندما استولى معز الدولة ببغداد وقلـع عين المستكفي واعتقله. ثم تعطل الحاج بسبب القرامطة وردوا الحجر الأسود سنة تسع وثلاثين بأمر المنصور العلوي صاحب إفريقية وخطابه في ذلك لأميرهم أحمد بن أبي سعيد. ثـم جـاء الحـاج إلى مكة سنة اثنتين وأربعين مع أمير من العراق وأمير من مصر فوقعت الحرب بينهمـا علـى الخطبـة لابـن بويـه ملـك العـراق وابـن الأخشيـد صاحـب مصـر فانهـزم المصريـون وخطب لإبن بويه واتصل ورود الحاج من يومئذ. فلما كانت سنة ثمان وأربعين وجاء الحاج مـن بغـداد ومصـر كـان أميـر الحـاج مـن العـراق ومحمد بن عبيد الله فأجابه إلى ذلك. ثم جاء إلى المنبـر مستعداً وأمر بالخطبة لابن بويه فوجم الآخر وتمت عليه الحيلة وعاقبه أميره كافور ويقال قتله. ووقع ابن بويه لمحمد بن عبيد الله باتصال إمارته على الحاج. ولما كانت سنة ست وخمسين وصل بركب العراق أبو أحمد الموسوي. نقيب الطالبيين وهو والد الشريف الرضي ليحـج بالنـاس ونهـب بنـو سليـم حـاج مصـر وقتـل أميرهـم.وفي سنة ست وخمسين حج بالناس أبو أحمد المذكور وخط بمكة لبختيار بعد مـوت أبيـه معـز الدولـة والخليفـة يومئـذ المطيـع. واتصـل حـج أبـي أحمـد يركب العراق. وفي سنة ثلاث وخمسين خطب للقرمطي بمكة فلما قتل أحمد وقعت الفتنة بين أبي الحسن القرمطي وخلع طاعة العبيديين وخطب للمطيع وبعث إليه بالرايات السود ونهض إلى دمشق فقتل جعفر بن فلاح قائد العلويين وخطب للمطيع. ثـم وقعـت الفتنـة بيـن أبـي الحسـن وبيـن جعفـر وحصلـت بينهـم دمـاء. وبعث المعز العلوي من أصلح بينهـم وجعـل ديـة القتلـى الفاضلـة في مال المعز. وهلك بمصر أبو الحسن فولي أخوه عيسى. ثم ولي بعده أبو الفتوح الحسن بن جعفر سنة أربع وثمانين. ثم جاءت عساكر عضد الدولة ففر الحسن بن جعفر. إلى المدينة ولما مات العزيز بالرفقة وعاد بنو أبي طاهر وبنو أحمد بن أبي سعيد إلى الفتنة فجاء من قبل الطائع أمير علوي إلى مكة وأقام له بها خطبة. وفي سنة سبع وستين بعث العزيز من مصر باديس بن زيري الصنهاجي وهو أخو بلكين صاحب إفريقية أميراً على الحاج فاستولى على الحرمين وأقام له الخطبة وشغل عضد الدولة في العراق بفتنة بختيار ابن عمه فبطل ركب العراق. ثم عاد في السنة بعدها وخطب لعضد الدولة أبو أحمد الموسوي وانقطعت بعدها خطبة العباسييـن عـن مكـة وعـادت لخلفـاء مصـر العبيدييـن إلى حين من الدهر. وعظم شأن أبي الفتوح واتصلت إمارته في مكة وكتب إليه القادر سنة ست وتسعين في الأذن لحاج العراق فأجابه على أن الخطبة للحاكم صاحب مصر. وبعث الحاكم إلى ابن جراح أمير طيـىء باعتراضهـم وكـان على الحاج الشريف الرضي وأخوه المرتضى فلاطفهم ابن الجراح وخلى سبيلهـم علـى أن لا يعـودوا. ثم اعترض حاج العراق سنة أربع وتسعين الأصيغر الثعلبي عندما ملك الجزيرة فوعظه قارئان كانا في الركب. ثم اعترضهم في السنة بعدها أعراب خفاجة ونهبوهـم. وسـار فـي طلبهـم علـي بـن يزيد أمير بني أسد فأوقع بهم سنة اثنتين وأربعمائة. ثم عادوا. إلى مثل ذلك من السنة بعدها فعاد علي بن يزيد فأوقع بهم وسماله بذلك ذكر وكان ثـم كتـب الحاكـم سنـة اثنتيـن وأربعيـن إلـى عماله بالبراءة من أبي بكر وعمر ونكر ذلك أبو الفتوح أمير مكة وانتقض له وحمل الوزير أبو القاسم المغربي على طلب الأمر لنفسه. وكان الحاكم قتل أباه وأعمامـه فخطـب أبـو الفتـوح لنفسـه وتلقـب الراشـد باللـه وسـار إلـى مدينـة الرملـة لإستدعاء ابن الجراح أمير طيىء لمغاضبة بينه وبين الحاكم. ثـم سـرب الحاكـم أموالـه فـي بنـي الجـراح فانتقضـوا على أبي الفتوح وأسلموه وفر الوزير المغري إلى ديار بكر من أرض الموصل ومعه ابن سبابة. وفر التهامي إلى الري وكان معه. وقطع الحاكم الميـرة عـن الحرميـن ثـم راجـع أبـو الفتوح الطاعة فعفا عنه الحاكم وأعاده إلى إمارته بمكة ولم يحج من العراق في هذه السنين أحد. وفي سنة اثنتـي عشرة حج بأهل العراق أبو الحسن محمد بن الحسن الإفساسي فقيه الطالبيين واعترضهم بنو نبهان من طيىء وأميرهم حسان بن عدي وقاتلوهم فهزموهم وقتـل أميرهـم حسان. وخطب في هذه السنة للظاهر بن الحاكم بمكة. ولما كان الموسم سنة ثلاث عشرة وأربعمائة ضرب رجل من قوم مصر الحجر الأسود بدبوس فصدعه وثلمه وهو يقـول: كـم تعبدكم تقبل فتبادر إليه الناس فقتلوه وثار أهل العراق بأهل مصر فنهبوهم وفتكوا فيهم. ثم حج بركب العراق سنة أربع عشرة النقيب بن الأفساسي وخشي من العرب فعاد إلى دمشق ولما بويع القائم العباسي سنة اثنتين وعشرين رام أن يجهز الحاج فلم يقدر لاستيـلاء العـرب وانحلال أمر بني بويـه. ثـم خطـب بمكـة للمستنصـر بـن الظاهـر. ثـم توفـي الأميـر أبـو الفتـوح الحسـن بـن جعفر بن محمد بن سليمان رئيس مكة وبني سليمان سنة ثلاثين وأربعمائة لأربعين سنة من إمارته وولى بعده إمارة مكة ابنه شكر وجرت له مع أهل المدينة خطوب ملك في أثنائها المدينة وجمع بين الحرمين وعليه انقرضت دولة بني سليمان سنة ثلاثين بمكة وجاءت دولة الهواشم كما يذكر. وشكر هذا هو الذي يزعم بنو هلال بن عامر أنه تزوج الجازية بنت سرحان من أمراء الأثبج منهم وهو خبر مشهور بينهم في أقاصيصهم وحكايات يتناقلونها ويطرزونها بأشعار من جنس لغتهم ويسمونه الشريف بن هاشم. وقال ابن حزم: غلب جعفر بن أبي هاشم على مكة أيام الأخشيديين وولي بنوه من بعده عيسى بن جعفر وأبو الفتوح وابنه شكر بن أبي الفتوح وقد انقـرض لـأن شكـراً لـم يولـد لـه وصـار أمـر مكـة إلى عبد كان له. انتهى كلام ابن حزم. وليس أبو هاشم الذي نسب جعفر إليه أبا الهواشم الذي يأتي ذكرهم لأن هذا كان أيام الأخشيديين وذلك أيام المستضيء العبيدي وبينهما نحو من مائة سنة. |
دولة الهواشم
الخبر عن دولة الهواشم بمكة من بني الحسن وتصاريف أحوالهم إلى انقراضها هـؤلاء الهواشـم مـن ولـد أبـي هاشـم محمـد بـن الحسن بن حمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بـن موسـى الجـون ونسبـه معـروف وقـد مـر. وكانـت بيـن هـؤلاء الهواشـم وبيـن السليمانييـن فتـن متصلـة ولمـا مـات شكـر ذهبـت الرياسـة مـن بنـي سليمـان لأنـه لم يعاقب. وتقدم فيهم طراد بن أحمد ولم يكن من بيت الإمارة وإنما كانوا يؤملونه لإقدامه وشجاعته. وكان رئيس الهواشم يومئذ محمد بن جعفر بن محمد وهو أبو هاشم المذكور وقد ساد في الهواشم وعظم ذكره فاقتتلوا سنة أربع وخمسين بعد موت شكر فهزم الهواشم بني سليمان وطردوهم عن الحجاز فساروا إلى اليمن وكان لهم بها ملك كما يذكر. واستقـل بإمـارة مكـة الأميـر محمـد بـن جعفـر وخطـب للمستنصـر العبيـدي ثم ابتدأ الحاج من العراق سنة ست وخمسين بنظر السلطان البارسلان بن داود ملـك السلجوقيـة حيـن استولـى على بغداد والخلافة طلب منه القائم ذلك فبذل المال وأخذ رهائن العرب. وحج بالناس أبو الغنائم نور الدين المهدي الزيني نقيب الطالبين. ثم جاور في السنة بعدها واستمال الأمير محمد بن جعفر عن طاعة العبيديين فخطب لبني العبـاس سنـة ثمان وخمسين وانقطعت ميرة مصر عن مكة فعذله أهله على ما فعل فرد الخطبة للعبيدييـن ثم خاطبه القائم وعاتبه وبذل له أموالاً فخطب له سنة اثنتين وستين بالموسم فقط وكتـب إلـى المستنصـر بمصـر معتـذراً ثـم بعـث القائم أبا الغنائم الزيني سنة ثلاث وستين أميراً إلى الركب العراقي ومعه عسكر ضخم ولأمير مكة من عند ألب أرسلان ثلاثون ديناراً وتوقيعاً بعشرة آلاف دينار. واجتمعوا بالموسم وخطب الأمير محمد بن جعفر وقال: الحمد لله الذي هدانا إلى أهل بيته بالـرأي المصيـب وعوض بيته بلبسة الشباب بعد لبسة المشيب وأمال قلوبنا إلى الطاعة ومتابعة إمـام الجماعـة. فانحـرف المستنصـر عـن الهواشم ومال إلى السليمانيين. وكتب إلى علي بن محمد الصبيحي صاحب دعوتهم باليمن أن يعينهم علـى استرجـاع ملكهـم وينهـض معهـم إلـى مكـة فنهض وانتهى إلى المهجم. وكان سعيد بن نجاح الأحوال موتور بني الصبيحي قد جاء من الهند ودخل صنعاء فثار بها واتبع الصبيحي في سبعين رجلاً وهو في خمسة آلاف فبيته بالمهجم وقتله. ثـم جمـع محمـد بـن جعفـر أجنـاداً. مـن التـرك وزحـف بهـا إلـى المدينـة فأخـرج منهـا بنـي حسن وملكها وجمع بين الحرمين. ثـم مـات القائـم العباسـي وانقطع ما كان يصل إلى مكة فقطع محمد بن جعفر الخطبة للعباسيين. ثـم جـاء الزينـي مـن قابـل بالأمـوال فأعادهـا. ثـم بعث المقتدي سنة سبعين منبراً إلى مكة صنيعاً استجيد خشبه ونقش عليه بالذهب اسمه. وبعث على الحاج ختلع التركي. وهو أول تركي تأمر على الحاج وكان والياً بالكوفة. وقهر العرب مع جماعته فبعثه المقتدي أميراً على الحاج فوقعـت الفتنـة بيـن الشيعـة وأهـل السنـة وكسـر المنبـر وأحـرق وتـم الحـج. ثـم عـاودوا الفتنـة سنـة ثلـاث وسبعين وقطعت الخطبة للمستنصر وأعيدت للمقتدي واتصلت إمارة ختلع على الحاج وبعده خمارتكين إلى أن مات ملك شاه ووزيره نظام الملك فانقطعت الخطبة للعباسيين وبطل الحاج من العراق باختلاف السلجوقية وتغلب العرب. ومات المقتـدي خليفـة بغـداد وبويـع ابنـه المستظهـر ومـات المستنصـر خليفـة مصـر وبويـع ابنـه المستعلي من إمارته وهو الذي أظهر الخطبة العباسية بمكة وبها ابتدىء أمره وكان يسقطها بعـض الأحيـان. وولـي بعـده ابنـه قاسـم فكثـر اضطرابـه ومهـد بنـو مزيـد أصحـاب الحلة طريق الحاج من العراق فاتصل حجهم. وحج سنة اثنتي عشرة وخمسمائة نظر الخادم من قبل المسترشد بركب العراق وأوصل الخلع والأموال إلى مكة. ثم توفي قاسم بن محمد سنة ثمان عشـرة وخمسمائـة لثلاثيـن سنـة مـن إمارتـه وكانـت فـي اضطراب. وتغلب وولي بعده ابنه أبو قليبة بمكة فافتتـح بالخطبـة العباسية وأحسن الثناء عليه بالعدل ووصل نظر الخادم أميراً على الركب ومعه الأموال والخلع. ثم مات أبو قليبة سنة سبع وعشرين لعشر سنين من إمارته والخطبة للعباسيين وإمارة الحاج لنظر الخادم. ثم كانت واقعة المسترشد مع السلطان مسعود ومقتله وتعطل ركب الحاج. ثم حـج نظـر الخـادم فـي السنـة بعدهـا. ثـم بعثـت أسمـاء الصبيحيـة صاحبـة اليمـن لأميـر مكـة قاسم بن أبـي قليبـة فتوعدتـه علـى قطـع خطبـة الحافـظ وماتـت فكفاه الله شرها وانقطع الركب العراقي في هـذه السنيـن للفتـن والغـلاء. ثـم حـج سنـة أربـع وأربعين نظر الخادم ومات في طريقه فولي قيماز واعترضه رهط من الأعراب فنهب الركب واتصل حج قيماز والخطبة لبني العباس إلى سنة خمس وخمسين قبله. وبويع المستنجد فخطب له كما كان لأبيه المقتفي. ثم قتل قاسم بن أبي قليبة سنة ست وستين وبعث المستضيء بالركب طاتنكين التركي. وانقرضت دولـة العبيدييـن بمصـر ووليهـا صلـاح الديـن بن أيوب واستولى على مكة واليمن وخطب له بالحرمين ثم مات المستضيء سنة خمـس وسبعيـن وبويع ابنه الناصر وخطب له بالحرمين وحجت أمه بنفسها سنة خمس وثلاثين وكانت له آثار عظيمة ورجعت فانهت إلى الناصر بن عيسى بن قاسم ما اطلعت عليه من أحواله فعزله عن إمارة مكة وولى أخاه مكثر بن قاسم وكان جليل القدر ومات سنة تسع وثمانين السنة التـي مـات فيهـا صلـاح الديـن. وضعـف أمـر الهواشـم وملـك مكـة مـن أيديهـم بنو قتادة الخبر عن بني قتادة أمراء مكة بعد الهواشم ثم عن بني أبي نمير منهم أمراؤها لهذا العهد كـان مـن ولـد موسـى الجـون النبي مر ذكره في بني حسن عبد الله أبي الكرام وكان له على ما نقل نسابتهم ثلاثة من الولد: سليمان وزيد وأحمد. ومنه تشعبت ولده. فأما زيد فولده اليوم بالصحراء بنهر الحسنية وأما احمد فولده بالدهناء وأما سليمان فكان من ولده مطاعن بن عبـد الكريـم بن يوسف بن عيسى بن سليمان وكان لمطاعن إدريس وثعلب بالثعالبة بالحجاز. فكان لإدريس ولدان قتادة النابغة وصرخة. فأما صرخة فولده شيع يعرفون بالشكرة وأما قتـادة النابغة فكان يكنى أبا عزيز وكان من ولده علي الأكبر وشقيقه حسن. فمن ولده حسن إدريـس وأحمد ومحمد وجمان وإمارة ينبع في أعقابهم ومنهم لهذا العهد أميران يتداولان إمارتها مـن ولـد إدريـس بـن حسن بن إدريس وأما أبو عزيز قتادة النابغة فمن ولد موالي عز أمراء مكة لهذا العهد. وكان بنو حسن بن الحسن كلهم موطنين بنهر العلقمية من وادي ينبع لعهد إمارة الهواشم بمكة وكانـوا ظواعـن باديـة. ولمـا نشـأ فيهـم قتـادة هـذا جمـع ذوي مطاعـن وأركبهـم واستبد بإمارتهم وكان بوادي ينبع بنو خراب من ولد عبد الله بن حسن بن الحسن وبنو عيسى بن سليمان بن موسى الجون فحاربهم بنو مطاعن هـؤلاء وأميرهـم أبـو عزيـز قتـادة وأخرجهم وملك ينبع والصفراء واستكثر مـن الجنـد والمماليـك. وكـان علـى عهـد المستنصـر العباسي في أواسط المائة السادسة. وكان الأمراء يومئذ بمكة الهواشم من ولد جعفر بن هاشم بن المحسن بن محمد بن موسى بن أبـي الكـرام عبـد اللـه وقـد مـر ذكرهـم. وكـان أخرجهـم مكثـر بـن عيسـى بن قاسم الذي بنى القلعة على جبل أبي قبيس ومات سنة تسع وثمانين وخمسمائة فسار قتادة إلى مكة وانتزعها من أيديهم وملكها وخطب للناصر العباسي وأقام في إمارتها نحواً من أربعين سنة. واستفحل ملكـه واتسـع إلى نواحي اليمن وكان لقبه أبا عزيز. وفي سنة ثلاث وستمائة حج بالركب وجه السبـع التركـي مـن مماليـك الناصـر وفـر مـن طريقـه إلى مصر فنهب الركب. وفي سنة ثمان وستمائة وثـب شخـص مـن حاج العراق على شريف من قرابة قتادة فقتله فاتهم الشرفاء به أمراء الركب فثاروا بهم وقتلوا منهم خلقاً. ثم بعث إليهم بالأموال من بغداد وبعث قتـادة بعـض أولـاده يستعتب فأعتب. وفي سنة خمس عشرة خطب بمكة للعادل بن أيوب بعد الناصر الخليفة وللكامل بن العادل بعدهما. وفي سنة ست عشرة كان خروج التتر وكان قتادة عادلاً وأمن الناس في أيامه ولم الأموال والخلع تحمل إليه واستدعاه الناصر في بعض السنين فكتب إليه: ولي كف ضرغام أذل ببسطها وأشـري بهـا عـز الـورى وأبيع تظل ملوك الأرض تلثم ظهرها وفي بطنها للمجدبين ربيع أأجعلها تحت الرجا ثـم ابتغـي خلاصـاً لها إني إذاً لوضيع وما أنا إلا المسك في كـل بقعـة يضوع وأما عندكم فيضيع واتسعت دولته فملك ملك مكة والينبع وأطراف اليمن وبعض أعمال المدينة وبلاد نجد وكان يستكثـر مـن المماليـك. وتوفي سنة سبع عشرة وستمائة ويقال سمه ابنه حسن ويقال داخل ابنه حسن جاريته فأدخلته ليلاً فخنق أباه ثم قتلها وملك مكة وامتعض لذلك ابنه راجح بن أبي عزيز قتادة وشكاه إلى أمير حاج أقباش التركي عند وصوله فأشكاه ووعده بالإنصاف منه فأغلق حسن أبواب مكة وخرج بعض أصحابه إلى الأمير أقباش فلقوه عند باب المعلى فقتلوه وعلقوه بالمسعى. ثم جاء المسعود بن الكامل سنة عشرين من اليمن إلى مكة فحج وقاتله حسن ببطن المسعى فغلبـه المسعـود وملـك مكـة ونصـب رايتـه وأزال رايـة أميـر الركـب وكتـب الخليفـة مـن بغـداد يعاتب أباه على ذلك وعلى ما فعله في مكة والتخلف فكتب إليه أبوه: برئـت يـا أقسـى من ظهر العادل إن لم أقطع يمينك فقد نبذت وراء ظهرك دنياك ودينك ولا حول ولا قـوة إلا باللـه العلـي العظيـم. فغـرم ديـات الشرفاء وأصابه شلل في يده ومضى حسن بن قتادة إلـى بغـداد صريخـاً بعـد أن بقي طريداً بالشام والجزيرة والعراق. ثم جاء إلى بغداد دخيلاً وهم الترك بقتله بأقباش أمير الركب فمنعوا منه. ومات ببغداد سنة اثنتين وعشرين ودفن بمشهد الكاظم. ثم مات المسعود بن الكامل بمكة سنة ست وعشرين ودفن بالمعلى وبقي على مكة قائده فخر الدين بن الشيخ وعلى اليمن أمير الجيوش عمر بن علي بن رسول وقصـد راجـح بـن قتـادة مكـة سنة تسع وعشرين مع عساكر عمر بن رسول فملكها سنة ثلاثين من يد فخر الدين بن الشيخ ولحق فخر الدين بمصر ثم جاءت عساكر مصر سنة اثنتيـن وثلاثيـن مع الأمير جبريل وملكوا مكة وهرب راجح إلى اليمن. ثم جاء عمر بن رسول معه بنفسه فهربت عساكر مصر وملك راجح مكة وخطب لعمر بن رسول بعد المستنصر. ولمـا ملـك التتـر العـراق سنـة أربـع وثلاثيـن وعظـم أمرهم وانتهوا إلى أربل أبطل المستنصر الحج من أمر الجهاد وأفتاه العلماء بذلك. ثـم جهـز المعتصـم الحـاج مـع أمـه سنـة ثلـاث وأربعيـن وشيعهـا إلـى الكوفـة. ولما حجت ضرب تركي فـي الموسـم شريفـاً وكتـب راجـح فيـه إلـى الخليفـة فقطعـت يـده وبطـل الحج بعد ذلك. ثم قوي أمر الموطـىء أمـام الزيديـة باليمن واعتزم على قطع الخطبة لبني العباس فضاق به المظفر بن عمر بن رسول وكاتب المعتصم يحرضه على تجهيز الحاج بسبب ذلك. ثم قوي أمر الموطـىء أمـام الزيدية باليمن وسار جماز بن حسن بن قتادة سنة إحدى وخمسين إلى الناصر بن العزيز بن الظاهـر بـن أيـوب بدمشـق مستجيشـاً علـى أبـي سعيـد وسـار إلـى مكـة فقتـل أبا سعيد فرب الحرم ونقض عهد الناصر وخطب لصاحب اليمن. قـال ابـن سعيـد: وفي سنة ثلاث وخمسين بلغني وأنا بالمغرب أن راجح بن قتادة جاء إلى مكة وهو شيخ كبير السن وكان يسكن السدير على نحو اليمن فوصل إلى مكة وأخرج منها جماز بن أبي عزيز فلحق بالينبع. قال: وفي سنة اثنتيـن وستيـن وضـل الخبـر إلـى المغـرب بـأن أمـر مكـة دائـر بين أبي نمي بن أبي سعيد الذي قتل جماز به على إمارة مكة وبين غالب بن راجح الذي أخرجـه أبـوه جمـاز إلـى الينبـع. ثـم استبد أبو نمي على أمر مكة ونفى قتلة أبيه أبي سعيد إلى الينبـع وهـم إدريـس وجمـاز ومحمـد وقد كان إدريس منهم ولي أمر مكة قليلاً فانطلقوا إلى الينبع وملكوه وأعقابهم أمراؤه لهذا العهد وأقام أبو نمى أميراً بمكة نحواً من خمسين سنة وهلك على رأس المائة السابعة أو بعدها بسنتين وخلف ثلاثين ولداً. لما هلك أبو نمي قام من بعده بأمر مكة ابناه رميثة وحميضة ونازعهما عطيفة وأبو الغيث فاعتقلاهمـا ووافـق ذلـك وصـول بيبـرس الجاشنكيـر كافـل الملك الناصر بمصر لأول ولايته فأطلقهمـا وولاهمـا وبعث. برميثة وحميضة إلى مصر ثم ردهما السلطان إلى إمارتهما بمكة مع عسكره وبعث إليه وبعطيفة وأبي الغيث. ثم طال تنازعهم وتعاقبهم في إمارة مكة مرة بعد أخـرى. وهلـك أبـو الغيـث في بعض حروبهم ببطن مر. ثم تنازع حميضة ورميثة وسار رميثة إلـى الملـك الناصـر سنـة خمـس عشـرة واستمـد بأمرائـه وعساكـره. وهـرب حميضـة بعد أن استصفـى أمـوال أهـل مكـة. ثـم رجـع بعد رجوع العساكر إلى مكة. ثم اصطلحوا وتوافقوا. ثم خالف عطيفة سنة ثمان عشرة ووصل إلى السلطان وجاء بالعسكر فملك مكة وتقبض على رميثة فسجن أياماً ثم أطلق سنة عشرين عند مقدم السلطان من حجه وأقام بمصر. وبقـي حميضـة مشرداً إلى أن استأمن السلطان فأمنه وكان معه جماعة من المماليك فروا إليه من مصر أيام انتقاضه فشعروا بطاعته فخافوا على أنفسهم أن يحضروا معه فقتلوه وجاؤوا إلـى السلطان يعتقدون ذلك وسيلة عنده فأقاد رميثة منهم بأخيه فقتل المباشر للقتل وعفا عن الباقيـن. وأطلـق رميثـة إلـى مكـة مشاركـاً لأخيـه عطيفـة في إمارتها. ثم هلك عطيفة وأقام أخوه رميثـة بعـده مستقـلاً بإمـارة مكـة إلـى أن كبـر وهـرم. ثـم هلـك وكان ابناه ثقبة وعجلان قد اقتسما معه إمارة مكة برضاه. ثم أراد الرجوع عن ذلك فلم يجيباه إلى شيء مما أراد واستمرا على ولايتهمـا معـه. ثـم تنازعـا وخـرج ثقبة وبقي عجلان بمكة. ثم غلبه عليها ثقبة ثم اجتمعا بمصر سنة ست وخمسين فولى صاحب الأمر بمصر عجلان منهما وفر ثقبة إلى بلاد الحجاز فأقام هنالك وعاقبه إلى مكة مراراً. وجاء عجلان سنة اثنتين وستين بالمدد من عسكر القاهرة فكبسه ثقبة وقتل أخاه وبعضاً من العسكر ولم يزل عجلان على إمارته سالكاً سبيل العدل والإنصاف في الرعية متجافياً عن الظلم عما كان عليه قومه من التعرض للتجار والمجاورين. وسعـى فـي أيـام إمارتـه فـي قطع ما كان لعبيدهم على الحاج من المكس. وثبت لهم في ديوان السلطان عليها عطاء يتعاهدهم أيام الموسم وكانت من حسنات سلطان مصر. وسعى هذا الأميـر عجلـان جـزاه اللـه خيـراً وأقام على ذلك إلى أن هلك سنة سبع وسبعين وولي ابنه أحمد بعـده. وقـد كـان فـوض إليـه فـي حياتـه وقاسمـه فـي أمـره فقـام أحمـد بأمـر مكة وجرى إلى سن أبيه في إثبات مراسم العدل وإحياء معالمه حتى شاع عنه ذلك في الآفاق على ألسنة الحـاج والمجاورين. وولاه صاحب مصر لعهده الملك الظاهر أبو سعيد برقوق على ما كان أبوه وسير إليه بالخلع والتفويض على عادتهم في ذلك. وكان في محبس أحمد جماعة من قرابته منهم أخوه محمد ومحمد ابن أخيه ثقبة وعنان ابن عمه مغامس في آخرين. فلما مات أحمد هربوا من محبسهم ولحقوا بهم فردوهم وأجلوا محمد بن عجلان منهم إلا عناناً فأنه لحق بمصر مستجيشاً على محمد وكبيش فأنجده السلطان وبعثه مع أمير الركب ليطالع أحوالهم واستصحب معه جماعة مـن الباطنيـة فتكـوا بمحمـد عنـد لقائـه المحمـل الذي عليه كسوة الكعبة بشارة الخليفة وتقبيله الخف الـذي يحملـه علـى العـادة فـي ذلـك وتركـوه صريعـاً فـي مكانـه ودخلـوا إلـى مكـة فولى أمير الحاج عنان بن مغامس ولحق كبيش وشيعته بجدة فلما انقضى الموسم ورجع الحاج جاء كبيش وأصحابه وحاصروا مكة. وكـان بينهم وبين عنان حروب قتل كبيش في بعضها. ثم لحق علي بن عجلان وأخوه حسن بالملك الظاهر صاحب مصر فرأى أن يحسم المادة بولايته فولاه سنة تسع وثمانين مشاركاً لعنان بن مغامس في الإمارة وسار مع أمير الركب فلما وصلوا لكومرد بكروا إلى مكة على العادة وخـرج عنـان للقائهـم. ثـم نكص من بعض الطريق هارباً ودخل على مكة واستقل بإمارتها. ولما انفض الموسم ورجع الحاج جاء عنان ومعه بنو عمه مبارك وجماعة الشرفاء فحاصروا مكة على علي ونازعوه الإمارة ثـم أفرجـوا ثـم رجعـوا وحالهـم علـى ذلـك متصـل لهـذا العهـد. ووفـدوا علـى السلطـان بمصـر سنـة أربـع وتسعين فأفرد علياً بالإمارة وأفاض عليه العطاء وأكثف له الجند والمستخدمين وأبقى عنان بن مغامس عنده وأجرى عليه الرزق ونظمه فـي أهـل دولتـه. ثـم نمـى إلـى السلطـان أنـه يـروم الفـرار إلـى الحجـاز لينازع أمير مكة علي بن عجلان فقبض عليـه وحبسـه فقبـض علـي بـن عجلـان علـى الأشراف الذين كانوا هنالك شيعة له. ثم من عليهم وأطلقهم فعادوا إلى منازعته والفتنة معه لهذا العهد والله متولي الأمور لا رب غيره. |
الخبر عن بني مهنى أمراء المدينة المنورة من بني الحسن
وذكر أوليتهم ومفتتح إمارتهم كانت المدينة بلد الأنصار من الأوس والخزرح كما هو معروف. ثم افترقوا على أقطار الأرض فـي الفتوحـات وانقرضـوا ولـم يبق بها أحد إلا بقايا من الطالبيين. قال ابن الحصين في ذيله على الطبري: دخلت المائة الرابعة والخطبة بالمدينة للمتقدر. قال: وترددت ولاية بني العباس عليها والرياسة فيها بين بني حسين وبني جعفر إلى أن أخرجهم بنو حسين فسكنوا بين مكة والمدينة. ثم أجلاهم بنو حرب من زبيد إلى القرى والحصون وأجازوهم إلى الصعيد فهم هنالك إلى اليوم. وبقي بنو حسين بالمدينة إلـى أن جاءهـم ظاهـر بـن مسلـم مـن مصـر فملكـوه عليهـم. وفـي الخبـر عن وصول ظاهر هذا أن مسلماً أباه اسمه محمد بن عبيد الله بن ظاهر بن يحيى المحدث ابن الحسن بن جعفر ويسمى عند الشيعة حجة الله بن عبيد الله بن الحسين الأصغر بن زين العابدين وكان مسلم هذا صديقاً لكافور المتغلب على الأخشيدية بمصر وكان يدبر أمره ولم يكـن بمصر لعصره أوجه منه. ولما ملك العبيديون مصر وجاء المعز لدين الله ونزل بالقاهرة التي اختطهـا وذلـك سنـة خمـس وستيـن وثلاثمائة خطب يومئذ من مسلم هذا كريمته لبعض بنيه فرده مسلم فسخطه المعز ونكبه واستصفى أمواله وأقام في اعتقاله إلى أن هلك. ويقال فر من محبسه فهلك في مفره ولحق ابنه ظاهر بن محمد بعد ذلك بالمدينة فقدمه بنو حسين على أنفسهم واستقل بإمارتها سنين. ثـم مـات سنـة إحـدى وثمانيـن وثلاثمائـة وولـي مكانـه ابنـه الحسـن. وفـي كتـاب العتبـي مؤرخ دولة ابن سبكتكين: أن الذي ولي بعده هو صهره وابن عمه داود بن القاسم بن عبيد الله بن ظاهر وكنيتـه أبـو علـي واستقـل بهـا دون ابنـه الحسـن إلى أن هلك وولي بعده ابنه هاني ثم ابنه مهنى. ولحق الحسن بمحمود بن سبكتكين فأقام عنده بخراسان وهذا غلـط لـأن المسبحـي مـؤرخ العبيدييـن ذكـر وفـاة ظاهـر بـن مسلـم فـي سنتهـا كمـا قلنـاه وولايـة الحسـن ابنـه. وقـال: فـي سنة ثلاث وثمانين وعامل المدينة الحسن بن ظاهر ويلقب مهنى والمسبحي أقعد بأخبار المدينة ومصر من العتبي إلا أن امراء المدينة لهذا العهد ينتسبون إلى داود ويقولون: جاء من العراق فلعلهم لقنوا ذلك عمن لا يعرفه ومؤرخ حماة متى ينسب أحداً من أوليهم فإنما ينسبه إلى أبي داود والله أعلم وقـال أبـو سعيـد: وفي سنة تسعيـن وثلاثمائـة ملكهـا أبـو الفتوح حسن بن جعفر أمير مكة من بني سليمان بأمر الحاكم العبيدي وأزال عنها إمارة بني مهنى من بني الحسين وحاول نقل الجسد النبـوي إلـى مصـر ليـلا فأصابتهـم ريح عاصفة أظلم لها الجو وكادت تقتلع البناء من أصله فردهم أبـو الفتـوح عـن ذلـك ورجـع إلى مكة. وعاد بنو مهنى إلى المدينة. وذكر مؤرخ حماة من أمرائهم منصور بن عمارة ولم ينسبه وقال: مات سنة سبع وتسعين وأربعمائة وولي بعده ابنه. قال: وهـم مـن ولـد مهنـى. وذكر منهم أيضا القاسم بن مهنى بن حسين بن مهنى بن داود وكنيته أبو قليتة وأنه حضر مع صلاح الدين بن أيوب غزاة إنطاكية وفتحها سنة أربع وثمانين وخمسمائة: وقال الزنجازي مؤرخ الحجاز فيما ذكر عنه ابن سعيد حين ذكر ملوك المدينة من ولد الحسين فقال: وأحقهم بالذكر لجلالة قدره قاسم بن جماز بن قاسم بن مهنى. ولاه المستضيء فأقام خمساً وعشرين سنة. ومات سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة وولي ابنه سالم بن قاسم وكان. شاعـراً وهـو الـذي كانـت بينـه وبيـن أبـي عزيـز قتـادة صاحـب مكـة وقعـة المصـارع ببـدر سنة إحدى وستمائة. زحف أبو عزيز من مكة وحاصره بالمدينة واشتد في حصاره. ثم ارتحل وجاء المـدد إلـى سالـم مـن بنـي لـام إحـدى بطـون همـذان فـأدرك أبـا عزيـز ببـدر واقتتلـوا وهلـك من الفريقين خلق وانهزم أبو عزيز إلى مكة. : وفي سنة إحدى وستمائة جاء المعظم عيس بن العادل فجدد المصانع والبرك وكان معه سالم بـن قاسـم أميـر المدينـة جـاء يشكـو مـن قتـادة فرجـع معـه ومـات في الطريق قبل وصوله إلى المدينة. وولـي بعـده ابنـه شيخـة وكـان سالـم قـد استخـدم عسكـراً مـن التركمـان فمضـى بهـم جمـاز بـن شيخـة إلـى قتـادة وغلبـه وفـر إلـى الينبـع وتحصـن بهـا. وفي سنة أربـع وأربعيـن قتـل صاحـب المدينة شيخة وولي ابنه عيسى. ثم قبض عليه أخوه جماز سنة تسع وأربعين وملك مكانه. قـال ابـن سعيـد: وفي سنة تسـع وخمسيـن كـان بالمدينـة أبـو الحسـن بـن شيخـة بـن سالم وقال غيره: كـان بالمدينـة سنـة ثلـاث وخمسيـن أبـو مالـك منيـف بـن شيخـة ومـات سنـة سبـع وخمسيـن وولي أخوه جماز وطال عمره ومات سنة أربع وسبعمائة وولي ابنه منصور. ولحق أخوه مقبل بالشـام ووفـد علـى بيبـرس بمصـر فأقطعـه نصـف إقطـاع منصـور. ثم أقبل إلى المدينة على حين غفلة مر أخيـه منصور وبها ابنه أبو كبيشة فملكها عليه ولحق أبو كبيشة بإحياء العرب ثم استجاشهم ورجع إلى المدينة سنة تسع فقتل عمه مقبلا. وجاء منصور إلى محل إمارته. وكان لمقبل ابـن. اسمه ماجد فأقطع بعض إقطاع أبيه فأقام مع العرب يجلب على المدينة ويخالف منصوراً عمـه إليهـا متـى خـرج عنهـا. ووقـع بيـن منصـور وبيـن قتـادة صاحـب الينبـع حـرب سنـة إحـدى عشـرة من أجله. ثم جاء ماجد بن مقبل بالمدينة سنة سبع عشرة لقتال عمه منصور واستنجد منصور بالسلطان فبعث إليه العساكر وحاصر ماجد بن مقبل بالمدينة. ثم قاتلهم وانهزم وبقي منصور على إمارته وتوفي سنه خمس وعشرين وولي ابنه كبيش بن منصور على إمارته وطالت أيامه ونازعه ودي بن جماز وحاصره وولي بعده طفيل وقبض عليه طاز سنة إحدى وخمسين وولي عطية. ثم توفي عطيـة سنـة ثلـاث وثمانيـن وولـي بعـده طفيـل وقبـض عليـه فامتنـع وولـي جماز بن هبة بن جماز بن منصور وملوك الترك بمصر يختارون لولايتها من هذين البيتين لا يعدلـون عنهمـا إلـى سواهمـا. وولايتهـا اليـوم لجمـاز بـن هبـة بن جماز وابن عمه عطية بن محمد بن عطية ينازعه لما بينهما من المنازعة والمنافسة قديماً وحديثاً شأن العجليين في التثور وهما جميعا على مذهب الإمامية من الرافضة ويقولون بالأئمة الإثني عشر وبما يناسب ذلك مـن اعتقـادات الإماميـة. واللـه يخلـق مـا يشـاء ويختـار. هـذا آخـر الخبـر عن أمراء المدينة ولم أقف على أكثر منه والله المقدر لجميع الأمور سبحانه لا إله إلا هو. |
الخبر عن دولة بني الرسي أئمة الزيدية بصعدة
وذكر أوليتهم ومصائر أحوالهم قـد ذكرنـا فيمـا تقـدم خبـر محمـد بـن إبراهيـم الملقـب أبـوه طباطبـا بن إسماعيل بن إبراهيم بن حسن الدعي وظهوره أيام المأمون وقيام أبي السرايا ببيعته وشأنه كله. ولما هلك وهلك أبو السرايا وانقـرض أمرهـم طلـب المأمـون أخـاه القاسـم الرسـي بن إبراهيم طباطبا ففر إلى السند ولم يزل به إلى أن هلك سنة خمس وأربعين ومائتين ورجع ابنه الحسن إلى اليمن وكان من عقبه الأئمة بصعدة من بلاد اليمن أقاموا للزيدية بها دولة اتصلت آخر الأيام وصعدة جبل في الشرق عن صنعاء وفيه حصون كثيرة أشهرها صعدة وحصن تلا وجبل مطابة وتعرف كلها ببني الرسي. وأول من خرج بها منهم يحيى بـن الحسيـن بـن القاسـم الرسـي دعـا لنفسـه بصعـدة وتسمـى بالهادي وبويع بها سنة ثمان وثمانين في حياة أبيه الحسين وجمع الجموع من شيعتهم وغيرها وحـارب إبراهيـم بـن يعفـر. وكـان أسعـد بـن يعفـر السادس من أعقاب التبايعة لصنعاء وكملا فغلبه على صنعاء ونجران فملكها وضرب السكة ثم انتزعها بنو يعفر منه ورجع إلى صعدة وتوفي سنة ثمـان وتسعين لعشر سنين من ولايته هكذا قال ابن الحارث قال: وله مصنفات في الحلال والحرام. وقال غيره: كان مجتهداً في الأحكام الشرعية وله في الفقه آراء غريبة وتواليف بين الشيعة معروفة. قال الصولي: وولي بعـده ابنـه محمـد المرتضـى واضطـرب النـاس عليـه وهلـك سنـة عشريـن وثلاثمائة لست وعشرين سنة من ولايته. وولي بعده أخوه الناصر أحمد واستقام ملكه واطرد في بنيـه بعـده فولـي بعـده ابنـه حسيـن المنتجـب ومـات سنـة أربـع وعشريـن. وولـي بعـده أخـوه القاسـم المختار إلى أن قتله أبو القاسم الضحاك الهمداني سنة أربع وأربعين. وقال الصولي: من بني الناصر الرشيد والمنتجب ومات سنة أربع وعشرين. وقال ابن حزم لما ذكر ولد أبي القاسم الرسي فقال: ومنهم القائمون بصعدة من أرض اليمن أولهم يحيى الهادي له رأي في الفقه وقد رأيتـه ولـم يبعـد فيـه عـن الجماعـة كـل البعـد. كان لأبيه أحمد الناصر بنون ولي منهم صعدة بعده جعفر الرشيد وبعده أخوه القاسم المختار ثم الحسن المنتجب ومحمد المهدي. قـال: وكـان اليمانـي القائم بماردة سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة يذكر أنه عبد الله بن أحمد الناصر أخـو الرشيـد والمختـار والمنتجـب والمهـدي وقـال ابـن الحاجب: ولم تزل إمامتهم بصعدة مطردة إلى أن وقـع الخلـاف بينهـم وجـاء السليمانيـون مـن مكـة عندمـا أخرجهـم الهواشم فغلبوا عليهم بصعـدة. وانقرضـت دولتهـم بهـا فـي المائـة السادسـة. قـال ابـن سعيد: وكان من بني سليمان حين خرجوا من مكة إلى اليمن أحمد بن حمزة بن سليمان فاستدعاهم أهل زبيد لينصروهم على علي بن مهدي الخارجي حين حاصرهم وبها فاتك بن محمد من بني نجاح فأجابهم على أن يقتلـوا فاتكـاً فقتلوه سنة ثلاث وخمسمائة وملكوا عليهم أحمد بن حمزة فلم يطق مقاومة علي بن مهـدي ففـر عـن زبيـد وملكها ابن مهدي قال: وكان عيسى بن حمزة أخو أحمد في عمرة باليمن ومنهـم غانـم بـن يحيى ثم ذهب ملك بني سليمان من جميع التهائم والجبال واليمن على يد بني مهدي. ثم ملكهم بنو أيوب وقهروهم واستقر ملكهم آخراً في المنصور عبد الله بن أحمد بن حمزة قال ابن النديم: أخذ الملك بصعدة عن أبيه واشتدت يده مع الناصر العباسي وكان يناظره ويبعث دعاته إلى الديلم وجيلان حتى خطب له هنالك وصار له فيها ولاه وأنفق الناصـر عليـه أمـوالا فـي العـرب باليمـن ولـم يظفر به. قال ابن الأثير: جمع المنصور عبد الله بن حمزة أيام الزيدية بصعدة سنة اثنتين وخمسمائة وزحف إلى اليمن فخاف منه المعز بن سيف الإسلام طغتكيـن بـن أيـوب. ثـم زحـف إليـه المعـز فهزمـه ثـم جمـع ثانيـة سنـة اثنتـي عشـرة وستمائـة جموعـاً مـن همذان وخولان وارتجت له اليمن وخاف المسعود بن الكامل وهو يومئذ صاحب اليمن ومعه الكرد والترك وأشار أمير الجيوش عمر بن رسول بمعاجلته قبل أن يملك الحصون. ثم اختلف أصحاب المنصور ولقيه المسعود فهزمه وتوفي المنصور سنة ثلاثين وستمائة عن عمر مديد وترك ابنـاً اسمـه أحمـد ولـاه الزيديـة ولـم يخطبـوا لـه بالإمامـة ينتظـرون علـو سنـه واستكمـال شروطـه ولما كانت سنة خمس وأربعين بايع قوم من الزيدية لأحمد الموطىء من بقية الرسـي وهـو أحمـد بـن الحسين من بني الهادي لأنهم لما أخرجهم بنو سليمان من كرسي إمامتهم بصعـدة آووا إلـى جبـل قطابـة بشرقـي صعـدة فلـم يزالـوا هنالـك وفي كل عصر منهم إمام شائع بأن الأمر إليهم أن بايع الزيدية الموطىء وكان فقيهاً أديباً عالمـاً بمذهبهـم قوامـاً صوامـاً بويـع سنـة خمس وأربعين وستمائة وأهم نور الدين عمر بن رسول شأنه فحاصره بحصن تلا سنة وامتنع عليه فأفرج عن وحمل العساكـر مـن الحصـون المجـاورة لحصاره. ثم قتل عمر بن رسول وشغل ابنه المظفر بحصن الدملوة فتمكن الموطىء وملك عشرين حصناً وزحف إلى صعدة فغلب السليمانيين عليها وقد كانوا بايعـوا لأحمد ابن إمامهم عبد الله المنصور ولقبوه المتوكل عندما بويعا للموطىء بالإمامة في تلا لأنهم كانوا ينتظرون استكمال سنه فلما بويع الموطىء بايعوه ولما غلبهم على صعدة نزل أحمد المتوكل إمامهم وبايع له وأمنه وذلك سنة تسع وأربعين ثم حج سنة خمسين وبقي أمر الزيدية بصعدة في عقب الموطىء هذا وسمعت بصعدة أن الإمام بصعدة كان قبل الثمانين والسبعمائة علـي بـن محمـد فـي أعقابهـم وتوفـي قبـل الثمانين والسبعمائة علي بن محمد في أعقابهم وولي ابنه صلـاح وبايعـه الزيدية. وكان بعضهم يقول ليس هو بإمام لعدم شروط الإمامة فيقول هو أنا لكم مـا شئتم إمام أو سلطان. ثم مات صلاح آخر سنة ثلاث وتسعين وقام بعده ابنه نجاح وامتنع الزيدية من بيعته فقال أنا محتسب لله هذا ما بلغنا عنهم بمصر أيام المقام فيهـا واللـه وارث الأرض ومن عليها. |
الساعة الآن 10:15 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |