منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 7 - 8 - 2010 05:53 AM

الخبر عن نسب الطالبيين
وذكر المشاهير من أعقابهم وأما نسب هؤلاء الطالبيين فأكثرها راجع إلى الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب من فاطمـة رضـي اللـه عنهـا وهمـا سبطـا الرسـول صلى الله عليه وسلم وإلى أخيها محمد بن الحنفية وإن كان لعلي رضي الله عنه غيرهم من الولد إلا أن الذين طلبوا الحق في الخلافة وتعصبت لهـم الشيعـة ودعـوا لهـم فـي الجهـات إنمـا هم الثلاثة لا غيرهم فأما الحسن فمن ولده الحسن المثنى وزيد ومنهما العقب المشهود له في الدعوة والإمامة‏.‏ ومن ولد حسن المثنى عبد الله الكامل وحسن المثلث وإبراهيم العمر وعباس وداود‏.‏ فأما عبد الله الكامـل وبنـوه فقـد مـر ذكرهـم وأنسابهم عند ذكر ابنه محمد المهدي وأخبارهم مع أبي جعفر المنصور‏.‏ وكان منهم الملوك الأدارسة بالمغرب الأقصى بنو إدريس بن إدريس بن عبد الله الكامل‏.‏ ومن عقبهـم بنـو حمـود ملـوك الأندلـس الدائلـون بهـا مـن بنـي أمية آخر دولتهم‏.‏ ومنهم بنو حمود بن أحمد بـن علـي بـن عبيـد اللـه بـن عمر بن إدريس وسيأتي ذكر أخبارهم‏.‏ ومنهم بنو سليمان بن عبد الله الكامل كان من عقبه ملوك اليمامة بنو محمد الأخيضر بن يوسف بن إبراهيم بن موسى الجـون ومنهـم بنـو صالـح بـن موسـى بـن عبـد اللـه الساقـي ويلقـب بأبـي الكرام بن موسى الجون وهم الذين كانوا ملوكا بغانة من بلاد السودان بالمغرب الأقصى وعقبهم هنالك معروفون‏.‏ ومن عقبه أيضاً الهواشم بنو أبي هاشم محمد بن الحسن بن محمد الأكبر بن موسى الثاني بن عبـد الله أبي الكرام‏.‏ كانوا أمراء مكة لعهد العبيديين وقد مر ذكرهم‏.‏ ومن أعقابهم بنو قتادة بـن إدريـس بـن مطاعـن بـن عبـد الكريـم بـن موسـى بـن عيسـى بن سليمان بن موسى الجون وملكوا مكة بعد الهواشم علـى يـد قتـادة أبيهـم هـذا‏.‏ فمنهـم بنـو نمـى بـن سعـد بـن علـي بـن قتـادة أمـراء مكـة لعهدنا‏.‏ ومن عقب داود بن حسن المثنى السليمانيون الذين كانوا بمكة وهم بنو سليمان بن داود وغلبهم عليها الهواشم آخراً وصـاروا إلـى اليمـن فقامـت الزيديـة بدعوتهـم كمـا مـر فـي أخبارهم‏.‏ ومـن عقـب حسـن المثلـث بن حسن المثنى حسين بن علي بن حسن المثلث الخارج على الهادي وقـد مـر ذكـره‏.‏ ومـن عقـب إبراهيـم العمـر بـن حسـن المثنـى بن طباطبا واسمه إبراهيم بن إسماعيل بـن إبراهيـم كـان منهـم محمـد بـن طباطبـا أبـو الأئمة بصعدة الذين غلبهم عليها بنو سليمان بن داود بن حسن المثنى حين جاؤوا من مكة‏.‏ ثم غلبهم بنو الرسي عليها ورجعوا إلى إمامهم بصعدة وهم بها لهذا العهد‏.‏ ومنهم بنو سليمان بن داود بن حسن المثنى وابنه محمد بن سليمان القائم بالمدينة أيام المأمون‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ وعقبه بالمدينة لأبي جعفر المنصـور ولا عقـب لزيـد إلا منـه‏.‏ وكـان مـن عقبـه محمد بن الحسن بن محمد بن إبراهيم بن الحسن بن زيد‏.‏ قام بالمدينة أيام المعتمد وجاهر بالمنكرات والقتل إلى أن تعطلت الجماعات‏.‏ ومن عقبه أيضاً القائم بطبرستان الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد وأخوه محمد القائم من بعده وقد مر خبرهما‏.‏ ومنهم الداعي الصغير بالري وطبرستان وهو الحسن بن القاسم بن علي بن عبد الرحمن بن القاسـم بن محمد الطحاني بن القاسم بن الحسن بن زيد وكانت بين هذا الداعي الصغير وبين الإطروش حروب‏.‏ وقتل هذا الداعي سنة تسع عشرة وثلاثمائة‏.‏ ومن عقبه أيضاً القاسم بن علـي بـن إسماعيـل أحـد قـواد الحسـن بـن زيـد‏.‏ وهم غيروا نعم أهل تلك الآفاق وأذهبوا بمهجتهم وكانوا سببا لتورد الديلم ببلاد الإسلام لما يستجيشونهم‏.‏ وخرج معهم ومع الأطروش الحسني ماكان بن كالي ملك الديلم‏.‏ وكان مرداويج وبنو بويه من بعض رجاله وكان لهم من عشيرهم قواد ورجال تسموا باسم الديلم من أجل مرباهم بينهم والله يخلق ما يشاء‏.‏ وأما الحسين وهو القتيل بالطعن أيام يزيد بن معاوية فمن ولده علي بن زين العابدين بن زيد الشهيد ومحمد الباقر وعبد الله الأرقط وعمر والحسن الأعرج‏.‏ فمن ولـد الأرقـط الحسيـن الكويكي بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن أحمد بن عبد الله الأرقط كان من قواد الحسن الأطـروش بـن الحسـن بـن علـي القائـم بـن علـي بـن عمـر‏.‏ قـام بـأرض الطالقـان أيـام المعتصـم‏.‏ ثم هرب من سفك الدماء واستتر إلى أن مات وكان معتزلياً‏.‏ ومنهم الأطروش أسلم على يديه الديلم وهو الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر وكان فاضلاً حسن المذهب عدلاً ولـي طبرستـان وقتـل سنـة أربـع وثلاثمائـة‏.‏ وقـام بعـده أخـوه محمد ومات‏.‏ وقام الحسين أبن أخيه محمد بـن علـي وقتـل بهـا سنـة سـت عشـرة وثلاثمائـة قتلـه جيـوش نصـر بـن أحمـد بـن إسماعيل بن أحمد بن نوح بن أسد الساماني صاحب خراسان‏.‏ ومـن ولـد الحسيـن الهمـرج بـن زين العابدين بن عبد الله العقيقي بن الحسين كان من ولده الحسين بـن محمـد بـن جعفـر بـن عبـد اللـه العقيقـي قتلـه الحسـن بـن زيـد صاحـب طبرستـان‏.‏ ومنهم جعفر بن عبيـد اللـه بـن الحسيـن الأعـرج‏.‏ كـان شيعته يسمونه حجة الله وكان من عقبه الملقب بمسلم الذي دبـر أمـر مصـر أيـام كافـور وهـو محمـد بـن عبيـد اللـه بـن طاهـر بـن يحيـى المحـدث ابـن الحسيـن بن جعفر حجـة اللـه وابنـه طاهر بن مسلم‏.‏ ومن عقب طاهر هذا أمراء المدينة لهذا العهد بنو جماز بن هبـة بـن جماز بن جماز بن شيخة بن هاشم بن القاسم بن مهنى ومهنى بن مهنى بن داود بن القاسم أخي مسلم وعمر وطاهر‏.‏ وزعـم ابـن سعيـد‏:‏ أن بنـي جمـاز بـن شيخة أمراء المدينة هؤلاء من ولد عيسى بن زيد الشهيد وفيـه نظـر‏.‏ ومن ولد الحسين الحسن الأعرج وزيد هو القائم بالكوفة على عهد هشام بن عبد الملك سنة إحدى وعشرين ومائة وقتل وخرج ابنه يحيى سنة خمس وعشرين بخراسان وقتل وقد انتمى صاحب الزنج في بعض أوقاته إليه‏.‏ وأخوه عيسى بن زيد الذي حارب المنصور أول خلافته من ولد الحسين الذي كان من عقبه يحيى بن عمر بن يحيى القائم بالكوفة أيام المستعين وكان حسن المذهب في الصحابة وإليه ينسـب العمريون الذين استولوا على الكوفة أيام الديلم من قبل السلطان ببغداد‏.‏ وعلي بن زيد بـن الحسيـن بـن زيـد قـام بالكوفة ثم هرب إلى صاحب الزنج بالبصرة فقتله وأخذ جارية له كان سباها من البصرة‏.‏ ومن ولد محمد الباقر بن زين العابدين عبد الله الأفطح وجعفر الصادق فكانت لعبد الله الأفطح شيعة يدعون إمامته‏:‏ منهم زرارة بن أعين الكوفي‏.‏ ثم قام بالمدينة وسأله عن مسائل من الفقه فألفاه جاهلا فرجع عن القول بإمامته فانقطعت الأفطحية‏.‏ وزعم ابن حزم أن بني عبيد ملوك مصر ينسبون إليه وليس ذلك بصحيح‏.‏ ومـن ولـد جعفـر الصـادق إسماعيـل الإمام وموسى الكاظم ومحمد الديباجة‏.‏ فأما محمد الديباجـة فخـرج بمكـة أيـام المأمـون وبايع له أهل الحجاز بالخلافة وحمله المعتصم لما حج وجاء به إلى المأمون فعفا عنه ومات سنة ثلاث ومائتين‏.‏ وأما إسماعيل الإمام وموسى الكاظم فعليهما وعلى بنيهما مدار اختلاف الشيعة وكان الكاظم على زي الأعراب مائلا إلى السواد وكان الرشيد يؤثره ويتجافى عن السعاية فيه كما مر ثم حبسه‏.‏ ومـن عقبـه بقيـة الأئمـة الاثنـي عشـر عنـد الإماميـة مـن لـدن علـي بـن أبـي طالب الوصي ووفاته سنة خمـس وأربعيـن ثـم أخـوه الحسيـن ومقتلـه سنـة إحدى وستين ثم ابنه زين العابدين ووفاته ثم ابنه محمـد الباقـر ووفاته سنة إحدى وثمانين ومائة ثم ابنه جعفر الصادق ووفاته سنة ثلاث وأربعين ومائـة ثـم ابنـه موسـى الكاظـم ووفاتـه سنـة ثلاث وثمانين ومائة وهو سابع الأئمة عندهم‏.‏ ثم ابنه علـي الرضـا ووفاتـه سنـة ثلـاث ومائتيـن ثـم ابنه محمد المقتفى ووفاته سنة عشرين ومائتين ثم ابنه علي الهادي ووفاته سنة أربع وخمسين ومائتين ثم ابنه حسن العسكري ووفاته سنة ستين ومائتين ثم ابنه محمد المهدي وهو الثاني عشر وهو عندهم حي منتظر وأخبارهم معروفة‏.‏ ومن عقب موسى الكاظم من غير الأئمة ابنه إبراهيم المرتضى ولاه محمد بن طباطبا وأبو السرايا على اليمن فذهب إليها ولم يزل بها أيام المأمون يسفك الدماء حتى لقبه الناس بالجزار وأظهـر الإمامـة عندمـا عهـد المأمـون لأخيـه الرضـا‏.‏ ثـم اتهـم المأمـون بقتلـه فجاهر وطلب لنفسه‏.‏ ثم عقد المأمون على حرب الفاطميين باليمن لمحمد بن زياد بن أبي سفيان لما بينهم من البغضاء فأوقع بهم مراراً وقتل شيعتهم وفرق جماعتهم ومن عقب موسى بن إبراهيم جد الشريف الرضـي والمرتضـى واسم كل منهما علي بن الحسين بن محمد بن موسى بن إبراهيم ومن عقب موسى الكاظم ابنه زيد ولاه أبو السرايا على الأهواز فسار إلى البصرة وملكها وأحرق دور العباسييـن بهـا فسمـي زيـد النـار ومـن عقبه زيد الجنة بن محمد بن زيد بن الحسن بن زيد النار مـن أفاضـل هـذا البيـت وصلحائهم حمل إلى بغداد في محنة الفاطميين أيام المتوكل ودفع إلى ابن أبي دواد يمتحنه فشهد له وأطلقه‏.‏ ومن عقب موسى الكاظم ابنه‏.‏ إسماعيل ولاه أبو السرايا على فارس‏.‏ ومن عقب جعفر الصادق من غير الأئمة محمد وعلي ابنا الحسين بن جعفر قاما بالمدينة سنة إحدى وسبعين ومائتيـن وسفكـا الدمـاء وانتهبـا الأمـوال واستلحمـا آل جعفـر بـن أبـي طالـب وأقامـت المدينـة شهـرا لا تقـام فيهـا جمعـة ولا جماعـة ومـن عقـب إسماعيل الإمام العبيديون خلائـف القيـروان ومصـر بنـو عبيـد اللـه المهـدي بـن محمـد بـن جعفر بن محمد بن جعفر بن محمد بن إسماعيل وقد مر ذكرهم وما للناس من الخلاف في نسبهم وهو مطروح كله وهذا أصح ما فيه‏.‏ وقال ابن حزم إنهم من بني حسن البغيض وهو عم المهدي وعنده أنها دعوى منهم‏.‏ وأمـا محمـد بـن الحنفيـة فكان من ولده عبد الله بن عباس وأخوه علي بن محمد وابنه الحسن بن علي بن محمد وكل ادعت الشيعة إمامته وخرج باليمن على المأمون ولد علي من غير هؤلاء عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب ومن ولد جعفر بن أبي طالب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب القائم بفارس وبويع بالكوفة وأراد بعـض شيعـة العباسيـة تحويـل الدعـوة إليه فمنع أبو مسلم من ذلك وكانت له شيعة ينتظرونه وشاقـوا الخلافـة إليـه مـن أبـي هاشـم بـن محمـد بـن الحنفية بالوصية‏.‏ وكان فاسقاً وكان معاوية ابنه نظير أبيه فـي الشـر‏.‏ انتهـى الكلـام فـي أنسـاب الطالبييـن وأخبارهـم فلنرجـع الـآن إلـى أخبـار بنـي أميـة بالأندلس المنازعين للدعوة العباسية‏.‏ ثم نرجع إلى دولة القائمين بالدعوة العباسية المستبدين عليهم من العرب والترك واليمن والجزيرة والشام والعراق والمغرب والله المستعان‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:54 AM

دولة بني أمية بالأندلس
الخبر عن دولة بني أمية بالأندلس من هذه الطبقة المنازعين للدعوة العباسية وبداية أمرهم وأخبار ملوك الطوائف من بعدهم كان هذا القطر الأندلسي من العدوة الشمالية عن عدوة البحر الرومي وبالجانب الغربي منها يسمى عند العرب أندلوش‏.‏ وتسكنه أمم من إفرنجة المغرب أشدهم وأكثرهم الجلالقة‏.‏ وكـان القـوط قـد تملكوهـا وغلبـوا على أمره لمائتين من السنين قبل الإسلام بعد حروب كانت لهم مـع اللطينييـن حاصروا فيها رومة‏.‏ ثم عقدوا معهم السلم على أن تنصرف القوط إلى الأندلس فسـاروا إليهـا وملكوهـا‏.‏ ولما أخذ الروم واللطينيون لبلة النصرانية حملوا من وراءهم بالمغرب من أهـل إفرنجـة والقوط عليها فدانوا بها وكان ملوك القوط ينزلون طليطلة وكانت دار ملكهم‏.‏ وربما انتقلوا ما بينها وبين قرطبة وماردة واشبيلية وأقاموا كذلك نحو أربعمائة سنة إلى أن جاء الله بالإسلام والفتح‏.‏ وكان ملكهم لذلك العهد يسمى لزريق وهو سمة لملوكهم كجرجير سمة ملوك صقلية ونسب القوط وخبر دولتهم قد تقدم‏.‏ وكانت لهم خطوة وراء البحر في هذه العدوة الجنوبية خطوها من فرضة المجاز بطنجـة ومـن زقـاق البحـر إلـى بلـاد البربر واستعبدوهم‏.‏ وكان ملك البرابرة بذلك القطر الذي هو اليوم جبال غمارة يسمى بليان وكان يدين بطاعتهم وبملتهم وموسى بن نصير أمير العرب إذ ذاك عامل على إفريقية من قبل الوليد بن عبد الملك ومنزله بالقيروان‏.‏ وكان قد أغزى لذلك العهد عساكر المسلمين بلاد المغرب الأقصى ودوخ أقطاره وأوغل في جبال طنجة هذه حتى وصل خليج الزقاق واستنزل بليان لطاعة الإسلام وخفف مولاه طارق بن زياد الليثي واليا بطنجـة وكـان بليـان ينقـم علـى لزريـق ملك القوط لعهده بالأندلس لفعله بابنته في داره كما زعموا على عادتهم في بنات بطارقتهم فغضب لذلك وأجاز إلى لزريق فأخذ ابنته منه‏.‏ ثم لحق بطارق فكشف للعرب عورة القوط ودلهم على غرة فيهم أمكنت طارقا فانتهزها لوقتـه وأجـاز البحـر سنـة اثنتيـن وتسعيـن مـن الهجـرة بـإذن أميـره موسـى بـن نصيـر فـي نحـو ثلاثمائـة مـن العـرب وانتهـب معهم من البربر زهاء عشرة آلاف فصيرهم عسكراً ونزل لهم جبل الفتح فسمي بـه وأداروا الأسـوار علـى أنفسهـم للتحصيـن‏.‏ وبلـغ الخبـر لزريـق فنهـض إليهـم يجر أمم الأعاجم وأهل ملة النصرانية في زهاء أربعين ألف فالتقوا بفحص شريش فهزمه إليه ونفلهم أموال أهل الكفر ورقابهـم‏.‏ وكتب طارق إلى موسى بن نصير بالفتح وبالغنائم فحركته الغيرة وكتب إلى طارق يتوعـده بأنـه يتوغـل بغيـر إذنـه ويأمـره أن لا يتجـاوز مكانـه حتـى يلحـق بـه واستخلـف علـى القيروان ولده عبد الله وخرج معه حسين بن أبي عبد الله المهدي الفهري‏.‏ ونهض من القيروان سنة ثلاث وتسعين من الهجرة في عسكر ضخم من وجوه العرب والموالي وعرفاء البربر ووافى خليج الزقاق ما بين طنجة والجزيرة الخضراء فأجاز إلى الأندلس وتلقاه طـارق وانقـاد واتبـع وتمـم موسـى الفتـح وتوغـل في الأندلس إلى البرشلونة في جهة الشرق وأربونة فـي الجـوف وصنـم قادس في الغرب ودوخ أقطارها وجمع غنائمها‏.‏ وجمع أن يأتي المشرق على القسطنطينية ويتجاوز إلى الشام ودروب الأندلـس ويخـوض مـا بينهـا مـن بلـاد الأعاجـم أمـم النصرانية مجاهداً فيهم مستلحما لهم إلى أن يلحق دار الخلافة‏.‏ ونمى الخبر إلى الوليد فاشتد قلقه بمكان المسلمين من دار الحرب ورأى أن ما هم به موسى غـرر بالمسلميـن فبعـث إليـه بالتوبيـخ والانصـراف‏.‏ وأسـر إلى سفيره أن يرجع بالمسلمين إن لم يرجع هو وكتب له بذلك عهده ففت ذلك في عزم موسى وقفل عن الأندلس بعد أن أنزل الرابطة والحامية بثغورها واستعمل ابنه عبد العزيز لغزوها وجهاد أعدائها وأنزله بقرطبة فاتخذها دار إمارة واحتل موسى بالقيروان سنة خمس وتسعين وارتحل إلى الشرق سنة ست بعدها بما كان معه من الغنائم والذخائر والأموال على العجل والظهر‏.‏ يقال كان من جملتها ثلاثون ألف فارس من السبـي وولـى علـى إفريقيـة ابنـه عبـد اللـه‏.‏ وقـدم علـى سليمـان فسخطـه ونكبـه‏.‏ وسـارت عساكر الأندلس بابنه عبد العزيز بإغراء سليمانا فقتلوه لسنتين من ولايته وكان خيراً فاضلاً وافتتـح فـي ولايتـه مدائـن كثيـرة‏.‏ وولـي مـن بعـده أيـوب بـن حبيـب اللخمـي وهـو ابـن أخـت موسـى بن نصيـر فتولـى عليهـا ستـة أشهـر‏.‏ ثـم تتابعـت ولـاة العـرب على الأندلس فتارة من قبل الخليفة وتارة مـن قبـل عاملـه على القيروان وأثخنوا في أمم الكفر وافتتحوا برشلونة من جهة الشرق وحصون قشتالة وبسائطها مـن جهـة الجـوف وانقرضـت أمـم القـوط وأرزا الجلالقـة ومـن بقـي مـن أمـم العجم إلى جبال قشتالة وأربونة وأفواه الدروب فتحصنوا بها وأجازت عساكر المسلمين ما وراء برشلونة من دروب الجزيرة حتى احتلوا بسائط وراءها وتوغلوا في بلاد الفرنجة وعصف ريح الإسلام بأمم الكفر من كل جهة وربما كان بين جنود الأندلس من العرب اختلاف وتنازع أوجب للعدو بعض الكرة فرجع الفرنج ما كانوا غلبوهم عليه‏.‏ وكان محمد بن يزيد عامل إفريقية لسليمان بن عبد الملك لما بلغه مهلك عبد العزيز بن موسى بن نصير بعث إلى الأندلس الحارث بن عبد الرحمن بن عثمان فقدم الأندلس وعزل أيوب بن حبيـب وولـي سنتيـن وثمانيـة أشهـر‏.‏ ثـم بعث عمر بن عبد العزيز على الأندلس السمح بن مالك الخولانـي علـى رأس المائـة مـن الهجـرة وأمـره أن يخمـس أرض الأندلـس فخمسهـا وبنـى قنطـرة قرطبـة واستشهـد غازيـاً بـأرض الفرنجة سنة اثنتين ومائة فقدم أهل الأندلس عليهم عبد الرحمن بـن عبـد اللـه الغافقـي إلـى أن قـدم عنبسـة بـن شحيـم الكلبـي مـن قبـل يزيـد بن مسلم عامل إفريقية‏.‏ وكـان أولهـم يحيـى بـن سلمـة الكلبـي أنفـذه حنظلـة بـن صفـوان الكلبـي والي إفريقية لما استدعى منه أهـل الأندلـس واليـا بعـد مقتل عبيدة فقدمها آخر سنة سبع وأقام في ولايتها سنتين ونصفاً ولم يغز ثم قدم إليها عثمان بن أبي والياً من قبل عبيدة بن عبد الرحمن السلمي صاحب إفريقية وعزله لخمسة أشهر مجذيفة بن الأحوص العتبي فوافاها سنة عشر وعزل قريباً يقال لسنة من ولايته واختلـف هـل تقدمـه عثمـان أم هـو تقدم عثمان‏.‏ ثم ولي بعده الهيثم بن عبيد الكلابي من قبل عبيدة بن عبد الرحمن أيضا قدم في المحرم سنه إحدى عشرة وغزا أرض مقرشة فافتتحها وأقام عشرة أشهر‏.‏ وتوفي سنة ثلـاث عشـرة لسنتيـن مـن ولايتـه وقـدم بعده محمد بن عبيد الله بن الحبحاب صاحب إفريقيـة فدخلهـا سنـة ثلـاث عشـرة وغـزا إفرنجـة‏.‏ وكانـت لـه فيهـم وقائـع وأجب عسكره في رمضان سنـة أربـع عشـرة فولـي سنتيـن‏.‏ وقال الواقدي أربع سنين وكان ظلوماً جائراً في حكومته وغزا أرض البشكنس سنة خمس عشرة ومائة وأوقع بهم وغنم ثم عزل في رمضان سنة ست عشرة وولـي عتبـة بـن الحـاج السلولـي مـن قبـل عبيـد اللـه بـن الحبحـاب فقـدم سنـة سبـع عشـرة‏.‏ وأقـام خمـس سنيـن محمـود السيـرة مجاهـداً مظفـراً حتـى بلـغ سكنـى المسلميـن أرمونة وصار مساكنهم على نهر ودونة‏.‏ ثم قام عليه عبد الملك بن قطن الفهري سنة إحدى وعشرين فخلفه وقتله‏.‏ ويقال أخرجـه مـن الأندلـس وولـي مكانـه إلـى أن دخـل بلـخ بـن بشـر بأهـل الشـام سنـة أربع وعشرين كما مر فغلب عليه وولي الأندلس سنة أو نحوها‏.‏ وقـال الـرازي‏:‏ ثـار أهل الأندلس بعقبة بن الحجاج أميرهم في صفر من سنة ثلاث وعشرين في خلافة هشام بن عبد الملك وولوا عليهم عبد الملك ابن قطن ولايته الثانية فكانت ولاية عقبة ستة أعوام وأربعة أشهر‏.‏ وتوفي بسرقوسة في صفر سنة ثلاث وعشرين واستقام الأمر لعبد الملـك‏.‏ ثـم دخـل بلـخ بـن بشـر مـن أهـل الشـام ناجيـا من وقعة كلثوم بن عياض مع البربر فثار على عبد الملك وقتله وانحاز الفهريون إلى جانب فامتنعوا عليه وكاشفوه واجتمع عليهم من نكر فعلته بابن قطن وقام بأمرهم قطش وأمية ابنا عبد الملك بن قطن والتقوا فكانت الدبرة على الفهرييـن وهلـك بلـخ مـن الجراح التي أصابته في حربهم وذلك سنة أربع وعشرين لسنة أو نحوها من إمارته ثم ولي ثعلبة بن سلامة الجذامي غلب على إمارة الأندلس بعد مهلك بلخ وانحاز عنه الفهريون فلم يطيعوه وولي سنين أظهر فيها العدل ودانت له الأندلس عشرة أشهر إلى أن ثار به العصبة اليمانية فعسر أمره وهاجت الفتنة‏.‏ وقدم أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي من قبل حنظلة بن صفوان عامل إفريقية وركب إليها البحر من تونس سنة خمس وعشرين فدانت له أهل الأندلس وأقبل إليه ثعلبة وابن أبي سعد وابنا عبد الملك فلقيهم وأحسن إليهم واستقام أمره‏.‏ وكان شجاعاً كريماً ذا رأي وحزم وكثر أهل الشام عنده ولم تحملهـم قرطبـة ففرقهم في البلاد وأنزل أهل دمشق إلبيرة لشبهها بها وسماها دمشق وأنزل أهل حمص إشبيلية وسماها حمص لشبهها بها وأهل قنسرين حسان وسماها قنسرين وأهل الأردن رية وهي مالقة وسماها الأردن وأهل فلسطيـن شدونـة وهـي شريـش وسماهـا فلسطيـن وأهـل مصـر تدميـر وسماها مصر‏.‏ وقفل ثعلبة إلى الشرق ولحق بمروان بن محمد وحضر حروبه وكان أبو الخطاب أعرابياً عصبياً أفـرط عنـد ولايته في التعصب لقومه من اليمانية وتحامل على المضرية وأسخط قيسا وأمر في بعـض الأيـام بالضميـل بـن حاكـم كبير القيسية وكان من طوالع بلخ وهو الضميل بن حاكم بن شمر بـن ذي الجوشـن ورأس علـى الحصريـة فأمر به يوما فأقيم من مجلسه وتقنع فقال له بعض الحجاب وهو خارج من القصر أقم عمامتك يا أبا الجوشن فقال إن كان لي قـوم فسيقيمونهـا فسـار الضميـل بـن حاتـم زعيمهـم يومئـذ وألب عليه قومه واستعان بالمنحرفين عنه من اليمنية فخلع أبا الخطاب سنة ثمان وعشرين لأربع سنين وتسعة أشهر من ولايته وقدم مكانه ثوابة بن سلامة الجذامي وهاجت الحرب المشهورة‏.‏ وخاطبوا بذلك عبد الرحمن بن حبيب صاحب إفريقية فكتب إلى ثوابة بعهده على الأندلس منسلخ رجب سنة تسع وعشرين فضبط الأندلس وقام بأمـره الضميـل واجتمع عليه الفريقان‏.‏ وهلك لسنتين من ولايته‏.‏ ووقع الخلاف بإفريقية وتلاشت أمـور بنـي أميـة بالمشـرق وشغلـوا عـن قاصيـة المغرب بكثرة الخوارج وعظم أمر المسودة فبقي أهل الأندلس فوضى ونصبوا للأحكام خاصة عبد الرحمن بن كثير‏.‏ ثم اتفق جند الأندلس على اقتسام الإمارة بين المضرية واليمنية وإدالتها بين الجندين سنة لكل دولة‏.‏ وقدم المضرية على أنفسهم يوسف بن عبد الرحمن الفهري سنة تسع وعشرين واستقر سنة ولايتـه بقرطبـة دار الإمـارة‏.‏ ثـم وافقتهـم اليمنيـة لميعـاد إدالتهـم واثقيـن بمكـان عهدهـم وتراضيهـم واتفاقهـم فبيتهم يوسف بمكان نزلهم من شقندة من قرى قرطبة من الضميل بن حاتم والقيسية والمضرية فاستلحموههم واستبد يوسف بما وراء البحرين عدوة الأندلس وغلب اليمنية على أمرهم فاستكانوا للغلبة وتربصـوا بالدوائـر إلـى أن جـاء عبـد الرحمـن الداخـل فكـان يوسـف بـن عبـد الرحمن قد ولى الضميل بن حاتم سرقسطة فلما ظهر أمر المسودة بالمشرق ثار الحباب بن رواحة الزهري بالأندلس داعيـة لهـم وحاصـر الضميل بسرقطة واستمد يوسف فلم يمده رجاء هلاكه بما كان يغص به‏.‏ وأمدته القيسيـة فأخـرج الحبحـاب وفـارق الضميـل سرقسطـة فملكهـا الحبـاب وولـى يوسـف الضميل على طليطلة إلى أن كان من أمر عبد الرحمن الداخل ما نذكره‏.‏ لما نزل ما نزل ببني أمية بالمشرق وغلبهم بنو العباس على الخلافة وأزالوهم عن كرسيها وقتل عبـد اللـه يـن محمد بن قروان بن الحكم آخر خلفائهم سنة اثنتين وثلاثين ومائة وتتبع بنو مروان بالقتـل فطلبـوا مـن بعدهـا بطـن الـأرض‏.‏ وكـان ممـن أفلت منهم عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ين عبد الملك وكان قومه يتحينون له ملكا بالمغرب ويرون فيه علامات لذلك يؤثرونها عن مسلمة بـن عبـد الملك وكان هو قد سمعها منه مشافهة فكان يحدث نفسه بذلك‏.‏ فخلص إلى المغرب ونـزل علـى أخوالـه نفـرة مـن برابـرة طرابلـس‏.‏ وشعـر بـه عبـد الرحمـن بـن حبيـب وكـان قتـل ابني الوليد بـن عبـد الملـك لمـا دخـلا إفريقيـة مـن قبله فلحق عبد الرحمن بمغيلة ويقال بمكناسة ويقال نزل على قـوم من زناتة فأحسنوا قبوله واطمأن فيهم‏.‏ ثم لحق بمليلة وبعث بدراً مولاه إلى من بالأندلس من موالي المروانيين وأشياعهم فاجتمع بهم وبثوا بالأندلس دعوة ونشروا له ذكرا‏.‏ ووافق ذلك ما قدمناه من الفتنة بين اليمنية والمضرية فاجتمعت اليمنية على أمره ورجع إليه بدر مولاه بالخبر فأجاز البحر سنة ثمان وثلاثين في خلافة أبي جعفر المنصور ونزل ساحل السند وأتاه قوم من أهل إشبيلية فبايعوه‏.‏ ثم انتقل إلى كورة رحب فبايعه عاملها عيسى بن مسور ثم رجع إلى شدونة فبايعه عتاب بن علقمة اللخمي ثم أتى مورور فبايعه ابن الصباح ونهز إلى قرطبة واجتمعت عليه اليمنية‏.‏ ونمي خبره إلى والي الأندلس يوسف بن عبد الرحمن الفهـري‏.‏ وكـان غازيـاً بجليقـة فانفـض عسكره وسار إلى قرطبة وأشار عليه وزيره الضميل بن حاتم بالتلطف له والمكر به فلم يتم لـه مراده‏.‏ وارتحل عبد الرحمن من المنكب فاحتل بمالقة فبايعه جندها ثم برندة فبايعه جندها ثم بشريش كذلك ثم بإشبيلية فتوافت عليه الإمداد والإمصار وتسايلت المضرية إليه حتى إذا لم يبق مع يوسف بن عبد الرحمن غير الفهرية والقيسية لمكان الضميل منه زحف إليه حينئذ عبد الرحمن بن معاوية وناجزهم الحرب بظاهر قرطبة فانكشف ورجع إلى غرناطة فتحصن بهـا وأتبعـه الأميـر عبـد الرحمـن فنازلـه‏.‏ ثـم رغـب إليه يوسف في الصلح فعقد له على أن يسكن قرطبة وأقفله معه ثم نقض يوسف عهده‏.‏ وخرج سنة إحدى وأربعين ولحق بطليطلة واجتمع إليه زهاء عشرين ألفا مـن البربـر وقـدم الأميـر عبـد الرحمن للقائه عبد الملك بن عمر المرواني كان وفد عليه من المشرق وكان أبوه عمر بـن مـروان بـن الحكـم فـي كفالـة أخيـه عبـد العزيـز بمصـر فلمـا هلـك سنـة خمـس عشـرة بقـي عبـد الملـك بمصر فلما دخلت المسودة أرض مصر خرج عبد الملك يوم الأندلس في عشرة رجال من بيته مشهورين بالبأس والنجدة حتى نزل على عبد الرحمن سنة إحدى وأربعين فعقد لـه علـى إشبيلية ولابنه عمر بن عبد الملك على مورور‏.‏ وسار يوسف إليهمـا وخرجـا إليـه فلقيـاه وتناجز الفريقان فكانت الدبرة على يوسف وأبعد الفر واغتاله بعض أصحابه بناحية طليطلة واحتز رأسه وتقدم به إلى الأمير عبد الرحمن فاستقام أمـره واستقـر بقرطبـة وبنـى القصـر والمسجد الجامع‏.‏ أنفق ثمانين ألف دينار ومات قبل تمامه‏.‏ وبنى مساجد ووفد عليه جماعة من أهل بيته من المشرق وكان يدعو للمنصور ثم قطعها لما تـم لـه الملـك بالأندلـس ومهـد أمرهـا وخلـد لبني مروان السلطان بها وجدد ما طمس لهم بالمشرق مـن معالـم الخلافـة وآثارهـا‏.‏ واستلحـم الثـوار فـي نواحيهـا وقطـع دعـوة العباسيين من منابرها وسد المذاهب منهم دونها‏.‏ وهلك سنة اثنتين وسبعين ومائة وكان يعرف بعبد الرحمن الداخل لأن أول داخـل مـن ملـوك بنـي مـروان هـو وكـان أبـو جعفـر المنصـور يسميـه صقـر بنـي أمية لما رأى ما فعل بالأندلس وما ركب إليها من الأخطار‏.‏ وأنه صمد إليها من أنأى ديار المشرق من غير عصابة ولا قوة ولا أنصار فغلب على أهلها وعلى أميرهم وتناول الملك من أيديهم بقوة شكيمة ومضاء عزم‏.‏ ثم تحلى وأطيع وأورثه عقبه‏.‏ وكان عبد الرحمن هذا يلقب بالأمير وعليه جرى بنوه من بعده فلم يدع أحد منهـم بأميـر المؤمنين إذ بايع الخلافة بمقر الإسلام ومبتدأ العرب حتى كان عبد الرحمن الناصر وهو الثامن منهـم علـى مـا نذكـره فتسمـى بأميـر المؤمنيـن وتـوارث ذلـك بنـوه واحـداً بعـد واحـد‏.‏ وكان لبني عبد الرحمن الداخل بهذه العدوة الأندلسية ملك ضخم ودولة ممتعة اتصلت إلى ما بعد المائة الرابعة كما نذكر‏.‏ وعندما شغـل المسلمـون بعبـد الرحمـن وتمهيـد أمـره قـوي أمـر الخلافـة واستفحـل سلطانه وتجهز فرويلة بن الأدفونش ملكهم وسار إلى ثغور البلاد فأخرج المسلمين منها وملكها من أيديهم ورد مديزلك وبريعال وسمورة وسلمنقة وقشتالة وسقونيـة وصـارت للجلاقـة حتـى افتتحها المنصور بن أبي عامر رئيس الدولة كما نذكر في أخباره‏.‏ ثـم استعادوهـا بعـده مـن بلاد الأندلس واستولوا على جميعها‏.‏ وكان عبد الرحمن عندما تمهد له الأمر بالأندلس ودعا للسفاح ثم خلعه واستبد بأمره كما ذكرناه وجد هشام بن عبـد ربـه الفهري مخالفا بطليطلة على يوسف من قبله بقي على خلافه ثم أغزاه عبد الرحمن سنة تسع وأربعيـن بـدراً مولـاه وتمـام بـن علقمـة فحاصـراه - ومعـه حيـوة بـن الوليـد الحصبـي وحمزة بن عبد الله بن عمر - حتـى غلبـاه وجـاءا بهـم إلـى قرطبـة فصلبـوا‏.‏ وسـار مـن إفريقيـة سنـة تسـع وأربعيـن العـلاء بن مغيث اليحصبي ونزل باجة من بلاد الأندلس داعياً لأبي جعفر المنصور واجتمع إليه خلق فسـار عبـد الرحمـن إليـه ولقيـه بنواحـي إشبيليـة فقاتلـه أيامـا‏.‏ ثـم انهزم العلاء وقتل في سبعة آلاف مـن أصحابـه وبعـث عبـد الرحمـن بـرؤوس كثيـرة منهم إلى القيروان ومكة فألقيت في أسواقها سرا ومعها اللواء الأسود‏.‏ وكاتب المنصور العلاء ثم ثار سعيد اليحصبي المعروف بالمطري بمدينة لبلة طالباً بثأر من قتل من اليمنية مع العلاء وملك إشبيلية‏.‏ وسار إليه عبد الرحمن فامتنع ببعض الحصون فحاصره وكان عتاب بن علقمة اللخمي بمدينة شدونة فأمد المطري وبعث عبد الرحمن بدراً مولاه فحال دون المدد ودون المطري‏.‏ ثم طال عليه الحصار وقتل في بعض أيامـه وولـي مكانـه بالقلعـة خليفة بن مروان‏.‏ ثم استأمن من بالقلعة إلى عبد الرحمن وأسلموا إليه الحصـن فخربـه وقتـل عبد الرحمن خليفة ومن معه‏.‏ ثم سار إلى غياث فحاصره بشدونة حتى استأمنوا فأمنهم‏.‏ وعاد إلى قرطبة فخرج عليه عبد الرحمن بن خراشة الأسدي بكورة جيان‏.‏ وبعث إليه العساكر فافترق جمعه واستأمن فأمنه ثم حرج عليه سنة خمس غياث بن المستبد الأسدي فجمع عامل باجة العساكر وسار إليه فهزمه وقتله وبعث برأسه إلى عبد الرحمن بقرطبة‏.‏ وفـي هـذه السنـة شـرع عبـد الرحمـن فـي بنـاء السـور علـى قرطبـة ثـم ثار رجل بشرق الأندلس من بربر مكناسة يعرف بشقنا بن عبد الواحد كان يعلم الصبيان وادعى أنه من ولد الحسيـن الشهيد وتسمى بعبد الله بن محمد وسكن شنة برية واجتمع إليه خلق من البربر فسار إليه عبـد الرحمـن فهـرب فـي الجبـال واعتصـم بهـا فرجـع وولـى علـى طليطلـة حبيب بن عبد الملك فولى حبيـب شنـة بريـة سليمـان بـن عثمـان بـن مـروان يـن عثمـان بـن أبـان بـن عثمـان بـن عفان‏.‏ فسار إليه وأعيـاه أمـره وصار ينتقل في البلاد ويهزم العساكر وكان سكن بحصن شيطران من جبال بلنسية فسار إليه عبد الرحمن سنة ست وخمسين واستخلف على قرطبة ابنه سليمان فأتاه الخبر بعصيان أهل إشبيلية وثورة عبد الغفار وحيوة بن قلاقس مع اليمانية فرجع عن شقنا وهاله أمـر إشبيليـة‏.‏ وقـدم عبـد الملـك بـن عمـر لقتالهـم فسـاروا إليـه ولقيهـم مستميتـا فهزمهـم وأثخن فيهم‏.‏ ولحق بعبد الرحمن فشكرها له وجزاه خيراً ووصله بالصهر وولاه الوزارة ونجا عبـد الغفـار وحيـوة بـن قلاقـس إلـى إشبيليـة فسـار عبـد الرحمـن سنـة سبـع وخمسيـن إليهـا فقتلهم وقتل خلقا ممن كان معهم واستراب من يومئذ بالعرب إلى اصطناع القبائل من سواهم واتخاذ الموالي‏.‏ ولمـا كانـت سنة إحدى وستين غدر بشقنا رجلان من أصحابه وجاءا برأسه إلى عبد الرحمن ثـم سار عبد الرحمن بن حبيب الفهري المعروف بالقلعي من إفريقية إلى الأندلس مظهراً للدعوة العباسية ونزل بتدمير واجتمع إليه البربر‏.‏ وكان سليمان بن يقظان عاملا على برشلونة فكتب إليـه يدعـوه إلـى أمـره فلـم يجبـه فسـار إليـه فـي البربـر ولقيـه سليمـان فهزمـه وعـاد إلـى تدمير‏.‏ وزحف إليـه عبـد الرحمـن مـن قرطبـة فاعتصـم بجبـل بلنسيـة فبـذل عبـد الرحمـن فيـه الأمـوال فاغتالـه رجل من أصحابـه البربـر وحمـل رأسـه إلـى عبـد الرحمـن وذلـك سنـة اثنتين وستين‏.‏ ورجع عبد الرحمن إلى قرطبة‏.‏ ثـم خـرج دحيـة الغسانـي فـي بعـض حصـون البيـرة فبعـث إليـه شهيـد بـن عيسـى فقتله وخالف البربر وعليهم بحرة بن البرانس فبعث بدراً مولاه فقتله وفرق جموعهم‏.‏ وفر القائد السلمي من قرطبة إلـى طليطلـة وعصـى بهـا فبعـث حبيـب بـن عبـد الملـك وحاصـره فهلـك فـي الحصار‏.‏ وزحف عبد الرحمن سنه أربع وستين إلى سرقسطة وبها سليمان بن يقظان والحسين بن عاصي وقـد حاصرهمـا ثعلبة بن عبيد من قواده فامتنعت عليه وقبض سليمان على ثعلبة وبعث إلى ملك الفرنج فجاء وقد تنفس عنه الحصار فدفع إليه ثعلبة‏.‏ ثم غلب الحسين على سليمان وقتله وانفرد فحاصره عبد الرحمن حتى صالحه‏.‏ وسار إلى بلاد الفرنج والبشكنس ومن ورائهم من الملـوك ورجـع إلـى وطنـه‏.‏ وغـدر الحسيـن بسرقسطـة فسـار إليـه عاملـه ابـن علقمـة فأسـر أصحابـه ثـم سـار إليـه عبـد الرحمـن سنة ست وستين وملكها عنوة وقتل الحسين وقتل أهل سرقسطة‏.‏ ثم خرج سنة ثمان وستين أبو الأسود محمد بن يوسف بن عبد الرحمن فلقيه بقسطلونة وهزمه وأثخـن فـي أصحابـه‏.‏ ثـم لقيـه ثانية سنة تسع وستين فهزمه‏.‏ ثم هلك سنة سبعين في أعمال طليطلة وقام مكانه أخوه قاسم وغزاه عبد الرحمن فحاصره فجاء بغير أمان فقتله‏.‏ ثم توفي عبد الرحمن سنة اثنتين وسبعين ومائة لثلاثة وثلاثين سنة من إمارته‏.‏ ولمـا هلك عبد الرحمن كان ابنه الأكبر سليمان والياً على طليطلة وكان ابنه هشام على ماردة وكـان قـد عهـد لـه بالأمـر‏.‏ وكـان ابنـه عبـد اللـه المسكيـن حاضـرا بقرطبة فأخذ البيعة لأخيه هشام وبعث إليه بالخبر فسار إلى قرطبة وقام بالدولة وغص بذلك أخوه سليمان فأظهر الخلاف بطليطلـة ولحـق بـه أخـوه عبد الله‏.‏ وبعث هشام في أثره فلم يلحق‏.‏ وسار هشام في العساكر فحاصرهم بطليطلة وخالفه سليمان إلى قرطبة فلم يظفر بشيء منها وبعث هشام بن عبد الملك في أثره فقصد ماردة فحاربه عامله وهزمه الله بغير أمان ودخل في طاعته فأكرمه‏.‏ ثم بعث سنة أربع وسبعين ابنه معاوية لحصار أخيه سليمان بتدمير فدوخ نواحيها وهرب سليمـان إلـى جبـال بلنسيـة فاعتصـم بهـا ورجـع معاويـة إلـى أبيه بقرطبة‏.‏ ثم طلب سليمان العبور إلى عدوة البربر بأهله وولده فأحازه هشام وأعطاه ستين ألف دينار صلحاً على تركه أبيه‏.‏ وأقـام بعـدوة المغـرب وسـار معـه أخـوه عبـد اللـه‏.‏ ثـم خـرج علـى هشـام سعيـد بن الحسين بن يحيى الأنصـاري بطرسوسـة مـن شـرق الأندلـس وكـان قـد التجأ إليها حين قتل أبوه‏.‏ ودعى إلى اليمانية فملكها وأخرج عاملها يوسف العبسي فعارضه موسى بن فرقوق في المضرية بدعوة هشام وخـرج أيضاً مطروح بن سليمان بن يقظان بمدينة برشلونة وملك مدينة سرقسطة وواشقة وكان هشـام فـي شغـل بأمر أخويه فلما فرغ منهما بعث أبا عثمان عبيد الله بن عثمان بالعساكر إلى مطروح فحاصره بسرقسطة أياما ثم أفرج عنه ونزل بطرسوسة قريباً وأقام بتحيفة ثم غدر بمطـروح بعـض أصحابـه وجـاء برأسه إلى أبي عثمان فبعث به إلى هشام وسار إلى سرقسطة فملكها‏.‏ ثم دخل إلى دار الحرب غازياً وقصد ألبة والقلاع فلقي العدو وظفر بهم وفتح الله عليـه وذلـك سنـة خمـس وسبعيـن وبعـث هشـام العساكـر مـع يوسـف بـن نحية إلى جليقة فلقي ملكه ابن مند وهزمه وأثخن في العدو‏.‏ وفي هذه السنة دخل أهل طليطلة في طاعة الأمير هشام بعد منصرف أخويه عنهم فقلبهم وأمنهـم وبعـث عليهـا ابنـه الحكـم والياً فضبطها وأقام بها‏.‏ وفي سنة ست وسبعين بعث هشام وزيـره عبـد الملـك بـن عبـد الواحـد بـن مغيـث لغزاة العدو فبلغ ألبة والقلاع وأثخن في نواحيها‏.‏ ثم بعثه في العساكر إلى أربونة وجرندة فأثخن فيهما ووطىء أرض سلطانية وتوغل في بلادهم ورجع بالغنائم التي لا تحصى‏.‏ واستمد الطاغية بالبشكنس وجيرانه من الملوك فهزمهم عبد الملـك ثـم بعـث بالعساكـر مـع عبـد الكريم بن عبد الواحد إلى بلاد جليقة فأثخنوا في بلاد العدو وغنموا ورجعوا‏.‏ وفي هذه السنة هاجت فتنة بتاكدنا وهي بلاد رندة من الأندلس وخلع البربـر هنالـك الطاعـة فبعـث إليهـم هشـام بـن عبـد القـادر بـن أبـان بن عبد الله مولى معاوية بن أبي سفيـان فأبادهـم وخـرب بلادهـم وفـر مـن بقـي منهـم فدخلوا في القبائل وبقيت تاكدنا قفراء خالية سبـع سنيـن‏.‏ وفي سنة تسـع وسبعيـن بعـث هشـام الحاجـب عبـد الملـك بـن عبـد الواحـد بـن مغيث فـي العساكـر إلـى جليقـة فانتهـى إلـى ميورقـة فجمـع ملـك الجلالقـة واستمـد بالملوك ثم خام عن اللقاء ورجـع أدراجـه وأتبعـه عبد الملك وتوغل في بلادهم‏.‏ وكان هشام قد بعث الجيوش من ناحية أخـرى فالتقـوا بعبـد الملـك وأثخنـوا فـي البلـاد وأعرضهـم عسكـر الأفرنـج فنالـوا منهـم بعـض الشيء ثم خرجوا ظافرين سالمين‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:54 AM

وفاة هشام وولاية ابنه الحكم
ثـم توفـي هشـام بـن عبـد الرحمـن سنة ثمانين ومائة لسبع سنين من إمارته وقيل ثمان سنين وكان من أهل الخير والصلاح وكان كثير الغزو والجهاد وهو الذي أكمل بناء الجامع بقرطبة الذي كان أبوه شرع فيه وأخرج المصرف لآخذي الصدقة على الكتاب والسنة ولما مات ولي ابنه الحكم بعده فاستكثر من المماليك وارتباط الخيل واستفحل ملكه وباشر الأمور بنفسه‏.‏ ولأول ولايته أجاز ابنه عبد الله البلنسي من عدوة المغرب بلنسية ثم أخوه سليمـان مـن طنجـة فحاربهمـا الحكـم سنة ثم ظفر بعمه سليمان فقتله سنة أربع وثمانين‏.‏ وأقام عبد الله ببلنسية وكف عن الفتنة وأرسل الحكم في الصلح على يد يحيى بن الفقيه وغيره فصالحـه سنـة سـت وثمانيـن‏.‏ وفـي خلال الفتنة مع عميه سليمان وعبد الله اغتنم الفرنج الفرصة واجتمعـوا وقصـدوا برشلونـة فملكوهـا سنـة خمـس وثمانيـن وتأخـرت عساكـر المسلمين إلى ما دونها‏.‏ وبعـث الحكم العساكر إلى برشلونة مع الحاجب عبد الكريم بن مغيث إلى بلاد الجلالقة فأثخن فيها وخالفهم العدو إلى المضايق فرجع إلى التعبية وظفر بهم ورجع إلى بلاد الإسلام ظافراً‏.‏ وفي سنة إحـدى وثمانيـن ثـار البهلـول بـن مرزوق بناحية الثغر وملك سرقسطة‏.‏ وفيها جاء عبد اللـه البلنسـي عـم الحكـم كمـا ذكرنـاه وفي هذه السنة خالف عبيدة بن عمير بطليطلة وكان القائد عمـروس بـن يوسـف مـن قـواد الحكـم بطلبيـرة فكتـب إلـى هشـام بحصارهـم فحاصرهـم‏.‏ ثم استمال بني مخشي من أهل طليطلـة فقتلـوا عبيـدة وبعثـوا برأسـه إلـى عمـروس فبعـث بـه إلـى الحكـم وأنـزل بنـي مخشي عنده فقتلهم البربـر بطلبيـرة بثـار كاتـب لهـم وقتـل عمـروس الباقيـن واستقامـت تلـك الناحية‏.‏ واستعمل عمروس ابنه يوسف على مدينة طليطلة ولحق بالفرنج سنة تسع وثمانين بعـض أهـل الحرابـة وأطمعـوا الفرنـج فـي ملك طليطلة فزحفوا إليها وملكوها وأسروا أميرها يوسف وحبسـوه بصخـرة قيسـر وسـار عمـروس مـن فـوره إلـى سرقسطـة ليحميها من العدو وبعث العساكر مـع ابـن عمـه فلقـي العـدو وهزمهم وسار إلى صخرة قيسر وقد وهن الفرنج من الهزيمة فافتتحها وبعث عمروس نائبه وخلص يوسف وعظم صيته كـان الحكـم فـي صـدر ولايتـه قـد انهمـك فـي لذاتـه واجتمـع أهـل العلـم والورع بقرطبة مثل يحيى بن يحيى الليثي وطالوت الفقيه وغيرهما فثاروا به وامتنع فخلعوه وبايعوا محمد بن القاسم مـن عمومـة هشـام‏.‏ وكـان الربض الغربي من‏!‏ رطبة محلة متصلة بقصره وحصروه سنة تسعين ومائة وقاتلهم فغلبهم وافترقوا وهدم دورهم ومساجدهم ولحقوا بفاس عن أرض العدوة إليهم عبد الله بن طاهر صاحب مصر وافتتحها وأجازهم إلى جزيرة إقريطش كما مر وكان مقدمهم أبا حفص عمر البلوطي فلم يزل رئيساً عليهم وولده من بعده إلى أن ملكها الفرنج من أيديهم وقعة الحفرة بطليطلة كان أهل طليطلة يكثرون‏.‏ الخلاف ونفوسهم قوية لحصانة بلدهم فكانت طاعتهم ملتانة فأعيا الحكم أمرهم واستقدم عمروس بن يوسف من الثغر وكان أصله من أهل مدينة وشقة من المولدين وكان عاملاً عليها فداخله في التدبير على أهل طليطلة وكتب له بولايتها فأنسوا به واطمأنـوا إليه‏.‏ ثم داخلهم في الخلع وأشار عليهم ببناء مدينة يعتزل فها مع أصحاب السلطان فوافقـوه وأمضـي رأيـه فـي ذلـك‏.‏ ثـم بعـث صاحـب الأعلـى إلـى الحكـم يستنجـده على العدو فبعث العساكـر مـع ابنـه عبـد الرحمن والوزراء ومروا بطليطلة ولم يعرض عبد الرحمن لدخولها ثم رجع العدو وكفى الله شره فاعتزم عبد الرحمن على العود إلى قرطبة فأشار عمروس عند ذلك علـى أهـل طليطلة بالخروج إلى عبد الرحمن فخرج الوجوه وأكرمهم ودس خادم الحكم كتابه إلى عمروس بالحيلة على أهل طليطلة فأشار عليهم عمروس بأن يدخلوا عبد الرحمن البلد وأنزله بداره واتخذ صنيعا للناس واستعدله على موعد لذلك فكان يدخلهم من باب ويخرجهم من آخر خشية الزحام فيدخلون إلى حفرة في القصر وتضرب رقابهم عليها إلى أن قتل معظمهم وفطـن الباقـون فنفـروا وحسنـت طاعتهـم مـن بعـد ذلـك إلـى أيـام الفتنـة كمـا نذكـر ثـم عصى اصبغ بن عبد الله بماردة وأخرج عامل الحكم فسار إليه الحكم وحاصره وجاءه الخبر بعصيان أهل قرطبة فرجع وقتلهم‏.‏ ثم استنزل أصبغ من بعد ذلك وأنزله قرطبة‏.‏ وفي سنة اثنتيـن وتسعيـن جمـع لزريـق بـن قارلـه ملـك الإفرنـج وسـار لحصـار طرطوشـة فبعـث الحكـم ابنـه عبـد الرحمـن فـي العساكـر فهزمه وفتح الله على المسلمين‏.‏ ثم عاود أهل ماردة الخلاف عن الحكـم سنـة أربـع وتسعيـن فسـار إليهـم وقاتلهـم ثلاث سنين‏.‏ وكثر عيث الفرنج في الثعور فسار إليهـم سنـة سـت وتسعيـن فافتتـح الحصـون وخـرب النواحـي وأثخـن فـي القتـل والسبـي والنهب وعاد إلـى قرطبـة ظافـراً‏.‏ وفي سنة مائتيـن بعـث الحكـم العساكـر مـع الحاجـب عبـد الكريـم بـن مغيث إلى بلـاد الفرنـج فسـار فيهـا وخربها ونهبها وهدم عدة من حصونها وأقبل إليه ملك الجلالقة في جموع عظيمة وتنازلوا على نهر واقتتلوا عليه أياماً ونال المسلمون منهم أعظم النيل وأقاموا على ذلك وفاة الحكم وولاية ابنه عبد الرحمن الأوسط ثم توفي الحكم ين هشام آخر سنة ست ومائتين لسبع وعشرين سنة من ولايته وهو أول من جنـد بالأندلـس الأجنـاد والمرتزقـة وجمـع الأسلحـة والعـدد واستكثر من الحشم والحواشي وارتبط الخيول على بابه واتخذ المماليك وكان يسميهم الخرس لعجمتهم وبلغت عدنهم خمسة آلاف وكان يباشر الأمور بنفسه وكانت له عيون يطالعونه بأحوال الناس وكان يقـرب الفقهـاء والعلماء والصالحين وهو الذي وطأ الملك لعقبه بالأندلس‏.‏ ولما مات قام بأمره من بعده ابنه عبد الرحمن فخرج عليه لأول إمارته عبد الله البلنسي عم أبيه وسار إلى تدمير يريد قرطبة فتجهـز لـه عبـد الرحمـن فخـام عـن اللقـاء ورجـع إلى بلنسية ومات أثر ذلك فنقل عبد الرحمن ولده وأهله إلى قرطبة‏.‏ ثـم غـزا لـأول ولايتـه إلـى جليقـة فأبعـد وأطـال الغيبـة وأثخـن فـي أمـم النصرانية هنالك ورجع‏.‏ وقدم عليه سنة ست ومائتين من العراق زرآب المغني مولى المهدي ومعلم إبراهيم الموصلي واسمه علي بن نافع فركب لتلقيه وبالغ في إكرامه وأقام عنـده بخيـر حـال‏.‏ وأورث صناعـة الغنـاء بالأندلـس وخلـف ولـده مخلفـه كبيرهم عبد الرحمن في صناعته وحظوته‏.‏ وفي سنة سبع كانت وقعة بالثغر كان الحكم قد قبض على عاملها ربيع وصلبه حيا لما بلغه من ظلمه‏.‏ وهلك الحكم أثر ذلك فتوافى المتظلمون من ربيع إلى قرطبة يطلبون ظلاماتهم ومعظمهم جند إلبيرة ووقفوا بباب القصر وشغبوا وبعث عبد الرحمن من يسكتهم فلم يقبلوا فركبت العساكر إليهم وأوقعوا بهم‏.‏ ونجا الفل منهم إلى البيرة وبالشر وتتبعهم عبد الرحمن‏.‏ وفي هذه السنة نشأت الفتنة بين المضرية واليمانية واقتتلوا فهلك منهم نحو من ثلاثة آلاف‏.‏ وبعـث عبـد الرحمـن إليهـم يحيـى بـن عبـد اللـه بن خالد في جيش كثيف ليكفهم عن الفتنة فكفوا عن القتال لما أحسوا بوصوله‏.‏ ثم عاودوا الحرب عند مغيبه وأقاموا على ذلك سبع سنين‏.‏ وفي سنة ثمان أغزا حاجبه عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث إلى ألبة و القلاع فخرب كثيراً من البلاد وانتسفها وفتح كثيراً من حصونهم وصالح بعضاً على الجزية وإطلاق أسرى المسلمين وانصرف ظافراً‏.‏ وفي سنة ثلاث عشرة انتقض عليه أهل ماردة وقتلوا عامله فبعث إليهم العساكر فافتتحوها وعاودوا الطاعة وأخذوا رهائنهم وخربوا سورها ورجعوا عنهم‏.‏ ثم أمر عبد الرحمن بنقل حجارة السور إلى النهر فعاودوا الخلاف وأسروا العامل وأصلحوا سورهـم فسـار إليهـم عبـد الرحمـن سنـة أربـع عشرة وحاصرهم فامتنعوا عليه‏.‏ ثم بعث العساكر سنة سبع عشرة فحاصرها فامتنعوا ثم حاصرها سنة عشرين وافتتحها ونجا فلهم مع محمود بن عبد الجبار منهم إلى ملت شلوط فاعتصم بها سنة عشرين ومائتين فبعث عبد الرحمن العساكر لحصاره فلحق بدار الحرب واستولى على حصن من حصونهم أقام به خمسة أعوام حتى حاصره أدفونش ملك الجلالقة وافتتح الحصن وقتل محموداً وجميع أصحابه سنة خمس وعشرين‏.‏ وفي سنة خمس عشرة خرج بمدينة طليطلة هاشم الضراب من أهل واقعة الربض واشتدت شوكته واجتمعت له الخلق وأوقع بأهل شنت برية فبعث عبد الرحمـن العساكـر لقتالـه فلـم يصيبوا منه‏.‏ ثـم بعـث عساكـر أخـرى فقاتلـوه بنواحـي دورقـة فهزمـوه وقتـل هـو وكثيـر مـن أصحابـه‏.‏ واستمـر أهـل طليطلـة علـى الخلـاف‏.‏ وبعـث عبـد الرحمـن ابنـه أميـة لحصارها فحاصرها مدة ثم أفرج عنها ونزل قلعة رياح وبعث عسكراً للإغارة عليها‏.‏ وكان أهـل طليطلـة قـد خرجوا في أتباعه إلى قلعة رياح فكمن لهم فأوقعوا به فاغتم لذلك لأيام قليلة‏.‏ وبعث عبد الرحمن العساكر لحصارها ثانياً فلم يظفروا وكمن المغيرون عليها بقلعة رياح يعاودونها بالحصار كل حين‏.‏ ثـم بعـث عبـد الرحمـن أخـاه الوليـد في العساكر سنة اثنتين وعشرين لحصارها وقد أشرفوا على الهلكـة وضعفـوا عـن المدافعـة فاقتحمهـا عنـوة وسكـن أهلهـا وأقـام إلـى آخـر ثلـاث وعشريـن ورجـع‏.‏ وفي سنة أربـع وعشريـن بعـث عبـد الرحمـن قريبـه عبيـد اللـه بـن البلنسـي فـي العساكـر لغزو بلاد ألبة والقلاع ولقي العدو فهزمهم وكثر السبي والقتل‏.‏ ثم خرج لزريق ملك الجلالقة وأغار علـى مدينـة سالـم بالثغـر فسـار إليـه فرنـون بـن موسـى وقاتلـه فهزمـه وأكثر القتل في العدو والأسر‏.‏ ثـم سـار إلـى الحصـن الذي بناه أهل ألبة بالثغر نكاية للمسلمين فافتتحه وهدمه‏.‏ ثم سار عبد الرحمـن فـي الجيـوش إلـى بلاد جليقة فدوخها وافتتح عدة حصون منها وجال في أرضهم ورجع بعد طول المقام بالسبي بالغنائم‏.‏ وفي سنة سـت وعشريـن بعـث عبـد الرحمـن العساكـر إلـى أرض الفرنجـة وانتهـوا إلـى أرض سرطانيـة وكـان علـى مقدمـة المسلمين موسى بن موسى عامل تطيلة ولقيهم العدو فصبروا حتى هزم الله عدوهم وكان لموسى في هذه الغزاة مقام محمود ووقعت بينه وبين بعض قواد عبد الرحمن ملاحاة وأغلظ له القائد فكان ذلك سببا لانتقاضه فعصى على عبد الرحمن وبعث إليه الجيوش مع الحارث بن بزيغ فقاتله موسى وانهزم وقتل ابـن عمـه‏.‏ ورجـع الحـارث إلـى سرقسطـة‏.‏ ثـم زحـف إلـى تطيلـة وحاصـر بهـا موسـى حتـى نـزل عنهـا علـى الصلـح إلـى أربط وأقام الحارث بتطيلة أياماً‏.‏ ثم سار لحصار موسى في أربط فاستنصر موسى بغرسية من ملوك الكفر فجاءه وزحف الحارث وأكمنوا له فلقيهم على نهر بلبة فخرجت عليه الكمائن بعد أن أجاز النهر وأوقعوا به وأسروه وقد فقئت عينه‏.‏ واستشاط عبد الرحمن لهذه الواقعة وبعث وحاصر موسى بتطيلة حتى صالحه وتقدم إلى ينبلونة فأوقع بالمشركين عندها وقتل غرسية صاحبهـا الـذي أنجـد موسـى علـى الحارث‏.‏ ثم عاود موسى الخلاف فزحفت إليه العساكر فرجع إلى المسالمة ورهن ابنه عند عبد الرحمن على الطاعة وقبله عبد الرحمـن وولـاه تطيلة فسار إليها واستقرت في عمالته ثم كان في هذه السنة خروج المجوس في أطـراف بلـاد الأندلـس ظهـروا سنـة سـت وعشريـن بساحـل أشبونـة فكانت بينهم وبين أهلها الحرب ثلاثة عشر يوماً‏.‏ فـي تقدمـوا إلـى قـادس ثـم إلـى أشدونـة فكانـت بينهـم وبيـن المسلميـن بهـا وقعـة‏.‏ ثـم قصدوا إشبيلية ونزلوا قريباً منها وقاتلوا أهلها منتصف المحرم من سنة ثمان وعشرين فهزمهم المسلمـون وغنمـوا‏.‏ ثـم مضـوا إلـى باجـة ثـم إلـى مدينـة أشبونـة‏.‏ ثـم أقلعـوا مـن هنالك وانقطع خبرهم وسكنت البلاد وذلك سنة ثلاثين‏.‏ وتقدم عبد الرحمن الأوسط بإصلاح ما خربوه من البلاد وأكثـف الحاميـة بهـا‏.‏ وذكر بعض المؤرخين حادثة المجوس هذه سنة ست وأربعين ولعلها غيرها والله أعلم‏.‏ وفي سنة إحـدى وثلاثيـن بعـث عبـد الرحمـن العساكـر إلى جليقة فدوخوها وحاصروا مدينة ليون ورموا سورها قلم يقدروا عليه لأن عرضه سبعة عشر ذراعاً فثلموا فيه ثلمة ورجعوا‏.‏ ثم أغـزى عبـد الرحمـن حاجبـه عبـد الكريـم بـن مغيـث فـي العساكـر إلـى بلـاد برشلونـة فجـاز فـي نواحيها وأجاز الدروب التي تسمى السرب إلى بلاد الفرنجة فدوخها قتـلا وأسـراً وسبيـاً وحاصـر مدينتهم العظمى وعاث في نواحيها وقفل‏.‏ وقد كان ملك القسطنطينية توفلس بن نوفلس بن نوفيل بعث إلى الأمير عبد الرحمن سنة خمس وعشرين بهدية وبطلب مواصلته فكافأه عبد الرحمن كن هديته وبعث إليه يحيى العزال من كبار الدولة‏.‏ وكان مشهوراً في الشعر والحكمة فأحكم بينهما المواصلة وارتفع لعبد الرحمن ذكر عند منازعيه من بني العباس‏.‏ وفي سنة ست وثلاثين هلك نصر الحفي القائم بدولة الأمير عبد الرحمن وكان يضغن على مولاه ويمالىء ابنه عبد الرحمن على إبنه الآخر ولي عهده بما كانت أم عبد الله قد اصطنعته وكانـت حظيـة عنـد السلطـان ومنحرفة عن ابنه محمد ولي العهد فداخلت نصراً هذا في أمرها وداخل هـو طبيـب الـدار فـي أن يسـم محمـداً ولـي العهـد‏.‏ ودس الطبيـب بذلـك إلـى الأميـر مـع قهرمانـة داره وأن نصراً أكرهه على إذابة السم فيه وباكر نصر القصر ودخل على السلطان يستفهمـه عن شراب الدواء فوجده بين يديه وقال له أن نفسي قد بشعته فاشربه أنت فوجم فأقسم عليه فلم يسمه خلافه فشربه وركب مسرعاً إلى داره فهلك لحينه وحسم السلطان علة ابنه عبد الله وكان من بعدها مهلكه‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:56 AM

وفاة عبد الرحمن الأوسط وولاية ابنه محمد
ثم توفـي عبـد الرحمـن الأوسـط‏.‏ بـن الحكـم يـن هاشـم بـن عبـد الرحمـن الداخـل فـي ربيـع الآخـر سنـة ثمان وثلاثين لإحدى وثلاثين سنة من إمارته وكان عالماً بعلـوم الشريعـة وكانـت أيامـه هـدو وسكون‏.‏ وكثرت الأموال عنده واتخذ القصور والمنتزهات وجلب إليها الماء وجعل له مصنعاً اتخذه الناس شريعة‏.‏ وزاد في جامع قرطبة رواقين ومات قبل أن يستتمه فأتمه ابنه محمد بعده‏.‏ وبنى بالأندلـس جوامـع كثيـرة ورتـب رسـوم المملكـة واحتجـب عـن العامـة ولمـا مات ولي مكانه ابنه محمد فبعث لأول ولايته العساكر مع أخيه الحكم إلى قلعة رباح لإصلاح أسوارها‏.‏ وكان أهل طليطلة خربوها فرمها وأصلح حالها وتقدم إلى طليطلة فعاث في نواحيها‏.‏ ثـم بعـث الجيـوش مـع موسـى بـن موسى صاحب تطيلة فعاث في نواحي ألبة والقلاع وفتح بعض حصونها ورجع وبعث عساكر أخرى إلى نواحي برشلونة ومـا وراءهـا فعاثـوا فيهـا وفتحـوا حصـون برشلونـة ورجعـوا‏.‏ ثـم سـار محمـد سنـة أربعين في جيوشه إلى طليطلة فاستمدوا ملك جليقة وملك البشكنس فساروا لإنجادهـم مـع أهـل طليطلـة فلقيهـم الأميـر محمـد علـى وادي سليـط وقـد أكمـن لهـم فأوقـع بهم‏.‏ وبلغ عدة القتلى من أهل طليطلة والمشركين عشرين ألفا‏.‏ ثم سـار إليهـم سنـة ثلـاث وأربعيـن فأوقـع بهـم ثانيـة وأثخـن فيهم وخرب ضياعهم فصالحوه ثم نكثوا‏.‏ وفي سنة خمـس وأربعيـن ظهـرت مراكـب المجوس ونزلوا بإشبيلية والجزيرة وأحرقوا مسجدها‏.‏ ثم عـادوا إلـى تدمير ودخلوا قصر أريولة وساروا إلى سواحل الفرنجة وعاثوا فيها وانصرفوا فلقيهم مراكب الأمير محمد فقاتلوهم وغنموا منهم مركبيـن واستشهـد جماعـة مـن المسلميـن ومضـت مراكـب المشركيـن إلـى ينبلونـة وأسـروا صاحبهـا غرسيـة وفـدى نفسـه منهـم بسبعيـن ألـف دينـار‏.‏ وفي سنة سبع وأربعين حاصر طليطلة ثلاثين يوماً‏.‏ ثـم بعـث الأميـر محمـد سنـة إحـدى وخمسيـن أخـاه المنـذر فـي العساكـر إلـى نواحـي ألبة والقلاع فعاثوا فيهـا وجمـع لزريق للقائم فلقيهم وانهزم وأثخن المسلمون في المشركين بالقتل والأسر وكان فتحاً لا كفـاء لـه‏.‏ ثـم غزا الأمير محمد بنفسه سنة إحدى وخمسين بلاد الجلالقة فأثخن وخرب وانتقض عليه عبد الرحمن بن مروان الجليقي فيمن معه من المولدين وساروا إلى التخم ووصل يـده بأذفونش ملك جليقة فسار إلى الوزير هاشم بن عبد الرحمن في عساكر الأندلس سنة ثلاث وستين فهزمه عبد الرحمن وحصل هاشم في أسره‏.‏ ثـم وقعت المراودة في الصلح على أن ينزل عبد الرحمن بطليوس ويطلق الوزير هاشماً فتم ذلك سنـة خمـس وستيـن ونـزل عبـد الرحمـن بطليوس وكانت خربة فشيدها وأطلق هاشما بعد سنتين ونصـف مـن أمـره‏.‏ ثـم تغيـر أذفونش لعبد الرحمن بن مروان وفارقه وخرج من دار الحرب بعد أن قاتله ونزل مدينة إنطاكية بجهات ماردة وهي خراب فحصنها وملك ما إليها من بلـاد اليـون وغيرهـا مـن بلـاد الجلالقـة واستضافها إلى بطليوس‏.‏ وكان مظفر بن موسى بن ذي النون الهواري عاملاً بشنت برية فانتقض وأغار على أهل طليطلة فخرجوا إليـه فـي عشريـن ألفـا ولقيهـم فهزمهم وانهزم معهم مطرف بن عبد الرحمن وقتل من أهل طليطلة خلق‏.‏ وكان مطرف بن موسـى فـرداً فـي الشجاعـة ومحـلا من النسب ولقي شنجة صاحب ينبلونة أمير البشكنس فهزمه شنجـة وأسره وفر من الأسر ورجع إلى شنت برية فلم يزل بها قويم الطاعة إلى أن مات آخر دولـة الأميـر محمـد‏.‏ وفي سنة إحـدى وستيـن انتقـض أسـد بـن الحارث بن بديع بتاكرتا وهي رندة فبعث إليهم الأمير محمد العساكر وحاصروهم حتى استقاموا على الطاعة‏.‏ وفي سنة ثلـاث وستيـن أغـزى الأمير محمد ابنه المنذر إلى دار الحرب وجعل طريقه على ماردة وكان بها ابن مروان الجليقي ومرت طائفة من عسكر المنذر بماردة فخرج عليهم ابن مروان ومعـه جمـع مـن المشركيـن استظهـر بهـم فقتـل تلك الطائفة عن آخرهم وفي سنة أربع وستين بعث ابنـه المنـذر ثانيـة إلـى بلـد ينبلونـة ومـر بسرقسطـة فقاتـل أهلهـا ثم تقم إلى تطيلة وعاث في نواحيها وخرب بلاد بني موسى ثم لوجهه إلى ينبلونة فدوخها ورجع‏.‏ وفي سنة سـت وستيـن أمـر الأميـر محمـد بإنشـاء المراكـب بنهـر قرطبـة ليدخـل بها إلى البحر المحيط ويأتـي جليقـة مـن ورائهـا فلمـا تـم إنشاؤهـا وجرت في البحر أصابها الريح وتقطعت فلم يسلم منها إلا القليـل‏.‏ وفي سنة سبـع وستيـن انتقـض عمـر بن حفصون بحصن يشتر من جبال مالقة وزحف إليـه عساكر تلك الناحية فهزمهم وقوي أمره وجاءت عساكر الأمير محمد فصالحهم ابن حفصون واستقام أمر الناحية‏.‏ وفي سنة ثمان وستين بعث الأمير محمد ابنه المنذر لقتال أهل الخلـاف فقصـد سرقسطـة وحاصرهـا وعـاث في نواحيها وفتح حصن ريطة‏.‏ ثم تقدم إلى دير بروجة وفيه محمد بن لب بن موسى ثم قصد مدينة لاردة وقرطاجنة ثم دخل دار الحرب وعاث في نواحي ألبة والقلاع وفتـح منهـا حصونـاً ورجـع‏.‏ وفي سنة سبعيـن سـار هاشم بن عبد العزيز بالعساكر لحصار عمر بن حفصون بحصن يشتر واستنزله إلى قرطبة فأقام بها وفيها شرع إسماعيل بن موسى ببناء مدينة لاردة فجمع صاحب برشلونة لمنعه من ذلـك وسـار إليـه فهزمـه إسماعيـل وقتـل أكثـر رجاله وفي سنة إحدى وسبعين سار هاشم بن عبد العزيز في العساكر إلـى سرقسطـة فحاصرها هاشم وافتتحها ونزلوا جميعا على حكمه‏.‏ وكان في عسكره عمر بن حفصون واستدعـاه مـن الثغـر فحضـر معـه هـذه الغـزاة فهـرب ولحـق بيشتـر فامتنع به وسار هاشم إلى عبد الرحمن بن مروان الجليقي وحاصره بحصن منت مولن‏.‏ ثم رجع عنه فأغار ابن مروان على إشبيلية ولقنت‏.‏ ثم نزل منت شلوط فامتنع فيه وصالح عليه الأمير محمداً واستقام علـى طاعته إلى أن هلك الأمير محمد‏.‏ وكان ملك رومة والفرنجة لعهده اسمه فرلبيب بن لوزنيق وفاة الأمير محمد وولاية ابنه المنذر ثـم توفـي الأميـر محمـد بـن عبـد الرحمـن بـن الحكـم بـن هشـام بـن عبـد الرحمـن الداخل في شهر صفر مـن سنـة ثلـاث وسبعين لخمس وثلاثين سنة من إمارته وولي بعده ابنه المنذر فقتل لأول ولايته هاشـم بـن عبد العزيز وزير أبيه وسار في العساكر لحصار ابن حفصون فحاصره بحصن يشتر سنـة أربـع وسبعيـن وافتتـح جميـع قلاعـه وحصونـه‏.‏ وكان منها رية وهي مالقة وقبض على واليها من قبله عيشون فقتله‏.‏ ولما اشتد الحصار على ابن حفصون سأل الصلح فأجابه وأفرج عنه فنكـث فرجـع لحصـاره وصالـح ثـم نكـث مرتيـن فأقام المنذر على حصاره وهلك قريبا فانفرج عن ابن حفصون‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:56 AM

وفاة المنذر وولاية أخيه عبيد الله ابن الأمير محمد
ثـم توفـي المنـذر محاصراً لابن حفصون بجبل يشتر سنة خمس وسبعين لسنتين من إمارته فولي مكانه أخوه عبد الله ابـن الأميـر محمـد وقفـل بالعساكـر إلـى قرطبـة وقـد اضطربـت نواحـي الأندلـس بالثـوار‏.‏ ولمـا كثـر الثـوار قـل الخـراج لامتنـاع أهـل النواحي من الأداء‏.‏ وكان خراج الأندلس قبله ثلاثمائة ألف دينار مائة ألف منها للجيوش ومائة ألف للنفقة في النوائب وما يعرض ومائة ألف ذخيرة ووفراً فأنفقوا الوفر في تلك السنين وقل الخراج‏.‏

أخبار الثوار وأولهم ابن مروان ببطليوس وأشبونة
قد تقدم لنا أن عبد الرحمن بن مروان انتقض على الأمير محمد بن عبد الرحمن سنة خمس وخمسيـن فـي غزاتـه إلـى بلـاد الجلالقـة واجتمـع إليـه المولـدون وصـار إلى التخم ووصل يده بإذفونش ملـك الجلالقـة فعـرف لذلـك بالجليقـي وذكرنـا كيـف سـار إليـه هاشـم بـن عبـد العزيز سنة ثلاثين في عساكر الأندلس فهزمه ابن مروان وأسره‏.‏ ثم وقع الصلح على إطلاق هاشم وأن ينزل ابـن مـروان بطليوس فتم ذلك سنة خمس ونزل عبد الرحمن بطليوس فشيدها وترس بالدولتين‏.‏ ثم تغير له أذفونش وقاتله ففارق دار الحرب ونزل مدينة أنطاكية بجهات مـاردة فحصنهـا وهـي خـراب وملـك مـا إليهـا مـن بلـد اليـون وغيرهـا مـن بلـاد الجلالقة واستضافها إلى بطليوس واستعجـل لـه الأميـر عبـد اللـه علـى بطليـوس وكـان معـه بدار الحرب سعدون السرساقي وكان من الأبطال الشجعان وكان دليلا للغزو وهو من الخارجين معه‏.‏ فلما نزل عبد الله بطليوس انتزى سعـدون ببعـض الحصـون مـا بين قلنيرة وباجة‏.‏ ثم ملك قلنيرة وترس بأهل الدولتين إلى أن قتله ابن تاكيت بماردة كان محمد بن تاكيت من مصمودة وثار بناحية الثغر أيام الأمير محمد وزحف إلى ماردة وبها يومئذ جند من العرب وكتامة فأعمل الحيلة في إخراجهم منها ونزلها هو وقومه مصمودة‏.‏ بقية خبر ابن مروان ولما ملك ابن تاكيت ماردة زحفت إليه العساكر من قرطبة وجاء عبد الرحمن بن مروان من بطليـوس مدداً له فحاصروهم أشهراً ثم أقلعوا‏.‏ وكان بماردة جموع من العرب ومصمودة وكتامة فتحيل محمد بن تاكيت على العرب وكتامة وأقاربهم فأخرجهـم واستقـل بمـاردة هـو وقومـه وعظمـت الفتنـة بينـه وبيـن عبـد الرحمـن بـن مـروان صاحـب بطليـوس بسبب مظاهرته عليه وحاربه فهزمه مروان مراراً كانت إحداها على لقنت استلحم فيها مصمودة فقصت من جناح ابـن تاكيت واستجاش بسعدون السرساقي صاحب قلنيرة فلم يغنه وعلا كعب ابن مروان عليهم وتوثـق أمـره وطلبـه ابـن حفصـون فـي الولايـة فامتنـع ثـم هلـك أثـر ذلـك سنـة أيـام الأميـر عبد الله وولي ابنـه عبـد الرحمن بن مروان وأثخن في البرابرة المجاورين له وهلك لشهرين من ولايته فقعد الأمير عبـد اللـه علـى بطليـوس لأميريـن مـن العرب ولحق من بقي من ولد عبد الرحمن بحصن شونة وكانا اثنين من أعقابه وهما مروان وعبد الله ابنا ابنه محمد وعمهما مروان‏.‏ ثم خرجا من حصن شونة ولحقا بآخر من أصحاب جدهما عبد الرحمن‏.‏ ثم اضطرب الأميران ببطليوس وتنازعا وقتـل أحدهما الأخر واستقل ببطليوس ثم تسور عبد الله منها سنة ست وثمانين فقتله وملك بطليوس واستفحل أمره والمعجل له الأمير عبد الله عليها‏.‏ ونازل حصون البرابرة حتى طاعوا له وحارب ابن تاكيت صاحب ماردة‏.‏ ثم اصطلحوا وأقاموا جميعاً طاعة الأمير عبد الله ثم تحاربوا فاتصلت حروبهم إلى آخر دولته‏.‏ ثورة لب بن محمد بسرقسطة وتطيلة ثـم ثـار لـب بـن محمـد بـن موسـى بسرقسطة سنة ثمان وخمسين ومائتين أيام الأمير محمد فترددت إليه الغزوات حتى استقام وأسجل له الأمير على سرقسطة وتطليلة وطرسونة فأحسن حمايتها واستفحلـت إمارته فيها‏.‏ ونازله ملك الجلالقة أذفونش في بعض الأيام بطرسونة فنزل إليه ورده على عقبه منهزماً وقتل نحواً من ثلاثة آلاف من قومه وانتقض على الأمير عبد الله وحاصر تطيلة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:57 AM

ثورة مطرف بن موسى بن ني النون الهواري بشنة بريه
كـان لمطـرف صيت من الشجاعة ومحل من النسب والعصببية فثار في شنت برية وكانت بينه وبيـن صاحـب ينبلونـة سلطـان البشكنـس مـن الجلالقـة حـروب أسـرة العـدو فـي بعضهـا ففـر من الأسر ثورة الأمير ابن حفصون في يشتر ومالقة ورندة واليس وهـو عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر بن دميان بن فرغلوش بن أذفونش القس هكذا نسبه ابن حيان أول ثائر كان بالأندلس وهو الذي افتتح الخلاف بها وفارق الجماعة أيام محمد بن عبـد الرحمـن فـي سنـي السبعيـن والمائتيـن‏.‏ خـرج بجبـل يشتـر مـن ناحيـة ريـة ومالقـة وانضـم إليـه الكثيـر مـن جنـد الأندلـس ممـن فـي قلبـه مـرض فـي الطاعـة وابتنى قلعته المعروفة به هنالك واستولى على غـرب الأندلـس إلـى رنـدة وعلـى السواحـل مـن الثجة إلى البيرة وزحف إليه هاشم بن عبد العزيز الوزيـر فحاصـره واستنزلـه إلـى قرطبـة سنـة سبعين‏.‏ ثم هرب ورجع إلى حصن يشتر ولما توفي الأمير محمد تغلب على حصن الحامة ورية ورندة والثجة وغزاه المنذر سنة أربع وسبعين فافتتح جميع قلاعه وقتل عامله برية ثم سأل الصلح فعقد له المنذر‏.‏ ثم نكث ابن حفصون وعـاد إلـى الخلـاف فحاصـره المنـذر إلـى أن هلك محاصراً له فرجع عنه الأمير عبد الله واستفحل أمر ابن حفصون والثوار وتوالت عليه الغزوات والحصار‏.‏ وكاتب ابن الأغلب صاحب إفريقية وهاداه وأظهر دعوة العباسية بالأندلس فيما إليه وتثاقل ابن الأغلب على إجابته لاضطراب إفريقية فأمسك وأكثر الاجلاب على قرطبة وبنى حصن بلاية قريباً منها وغزاه عبد الله وافتتح بلاية والثجة‏.‏ ثم قصده في حصنه فحاصره أياماً وانصـرف عنـه فاتبعـه ابـن حفصـون فكـر عليـه الأميـر عبـد الله وهزمه وأثخن فيه وافتتح البيرة من أعماله‏.‏ ووالى عليه الحصار في كل سنة فلما كانت وثمانين عمر بن حفصون وخالص ملك الجلالقـة فنبـذ إليـه أمـراؤه بالحصـون عهده وسار الوزير أحمد بن أبي عبيدة لحصاره في العساكر فاستنجد بإبراهيم بن حجاج الثائر بإشبيلية ولقياه فهزمهما وراجع ابن حجاج الطاعة وعقد لـه الأميـر عبـد اللـه علـى إشبيلية وبعث ابن حفصون بطاعته للشيعة عندما تغلبوا على القيروان من يد الأغالبة وأظهر بالأندلس دعوة عبيد الله‏.‏ ثم راجع طاعة بني أمية عندما هيأ الله للناصر ما هيأه من استفحال الملك واستنزل الثوار واستقـام إلـى أن هلـك سنـة سـت وثلاثمائة لسبع وثلاثين سنة من ثورته‏.‏ وقام مكانه ابنه جعفر فأقره الناصر على أعماله‏.‏ ثم دس إليه أخوه سليمان بن عمر بعض رجالاتهم فقتله لسنتين أو ثلاثة من ولايته‏.‏ وكان مع الناصر فسار إلى أهل يشتر وملكوه مكان أخيه وذلك سنة ثمان وثلاثمائة وخاطب الناصر فعقد له كما كان أخوه ثم نكث وتكرر إنكاثه ورجوعه ثم بعث إليـه الناصـر وزيـره عبـد الحميـد بـن سبيل بالعساكر ولقيه وقتله وجيء برأسه إلى قرطبة‏.‏ وقدم المولدون أخاه حفص بن عمر فانتكث ومضى على العصيـان وغـزاه الناصـر وجهـز العساكـر لحصـاره حتـى استأمـن لـه ونـزل إلـى قرطبـة بعـد سنة من ولايته‏.‏ وخرج الناصر إلى يشتر فدخله وجال في أقطاره ورفع أشلاء عمـر وابنـه جعفـر وسليمـان فصلبهـم بقرطبـة وخـرب جميـع الكنائس التي كانت في الحصون التي بنواحي رية وأعمال مالقة ثلاثين حصنا فأكثر وانقرض أمر بني حفصون وذلك سنة خمس عشرة وثلاثمائة والبقاء لله‏.‏

ثوار إشبيلية المتعاقبون ابن أبي عبيدة
وابن خلدون وابن حجاج وابن مسلمة وأول الثوار كان بإشبيلية أمية بن عبد اللـه الغافـر بـن أبي عبيدة وكان جده أبو عبيدة عاملاً عليها من قبل عبد الرحمن الداخل‏.‏ قال ابن سعيد ونقله عن مؤرخي الأندلس‏:‏ الحجازي ومحمد بن الأشعث‏.‏ وابن حيان قال‏:‏ لما اضطربت الأندلس بالفتن أيام الأمير عبد الله وسما رؤساء البلاد إلى التغلب وكان رؤساء إشبيلية المرشحون لهذا الشأن أمية بن عبد الغافر وكليب بن خلدون الحضرمي وأخوه خالد وعبد الله بن حجاج وكان الأمير عبد الله قد بعث علـى إشبيلية ابنه محمداً وهو أبو الناصر والنفر المذكورون يحومون على الاستبداد فثاروا بمحمد بن الأمير عبد الله وحصروه في القصر مع أمه وانصرف ناجيا إلى أبيه‏.‏ ثم استبد أمية بولايتها على مداراتهم ودس على عبد الله بن حجاج من قتلـه فقـام أخـوه إبراهيم مكانه فثاروا به وحاصروه في القصر ولما أحيط به خرج إليهم مستميتاً بعد أن قتل أهله وأتلف موجوده فقتل وعاثت العامة برأسه وذلك أعوام الثمانين والثلاثمائة‏.‏ وكتب ابـن خلدون وأصحابه بذلك إلى الأمير عبد الله وأن أمية خلع وقتل فتقبل منهم للضرورة وبعث عليهم عمه هشام بن عبد الرحمن واستبدوا عليه وتولى كبر ذلك كريب ابن خلدون واستبد عليهـم بالرياسـة‏.‏ قـال ابـن حيـان ونسبهـم فـي حضرمـوت وهـم بإشبيليـة نهايـة فـي النباهة‏.‏ مقتسمين الرياسـة السلطانيـة والعلمية وقال ابن حزم إنهم من ولد وائل بن حجر ونسبهم في كتاب الجمهرة وكذلـك قـال ابـن حيـان في بني حجاج‏.‏ قال الحجازي‏:‏ ولما قتل عبد الله بن حجاج قام أخوه إبراهيم مقامه وظاهر بني خلدون على قتل أمية وأنزل نفسه منهم منزلة الخديم‏.‏ واستبد كريب وعسف أهل إشبيلية فنفر عنه الناس وتمكن لإبراهيم الغرض وصـار يظهـر الرفق كلما أظهر كريب الغلظة وينزل نفسه منزلة الشفيع والملاطف‏.‏ ثم دس للأمير عبد الله بطلب الولاية ليشتد بكتابه على كريب بن خلدون وكتب له بذلك عهده فأظهر للعامة وثاروا جميعاً بكريب فقتلوه‏.‏ واستقام إبراهيم بن حجاج على الطاعة للأمير عبد الله وحصن مدينة قرمونة وجعل فيها مرتبط خيولـه وكـان يتـردد مـا بينهـا وبيـن إشبيليـة‏.‏ وهلـك ابـن حجـاج واستبـد ابـن مسلمـة بمكانـه‏.‏ ثـم استقـرت إشبيليـة آخـراً بيـد الحجاج بن مسلمة وقرمونة بيد محمد بن إبراهيم بن حجاج وعقد له الناصر‏.‏ ثم انتقض وبعث له الناصـر بالعساكـر وجـاء ابـن حفصون لمظاهرة ابن مسلمة فهزمته العساكر وبعث ابنه شفيعا فلم يشفعه فبعث ابن مسلمة بعض أصحابه سراً فداخل الناصر في المكر به وعقد له‏.‏ وجاء بالعساكر وخرج ابن مسلمة للحديث معه فغدروا به وملكوا عليه أمره وحملوه إلى قرطبة‏.‏ ونزل عامل السلطان إشبيلية وكان من الثوار على الأمير عبد الله قريبه وغدر به أصحابه فقتل‏.‏

مقتل الأمير محمد ابن الأمير عبد الله
ثم مقتل أخيه المطرف كان المطرف قد أكثر السعاية في أخيه محمد عند أبيهما حتـى إذا تمكنـت سعايتـه وظهـر سخطه على ابنه محمد لحق حينئذ ببلد ابن حفصون‏.‏ ثم استأمن ورجع وبالغ المطرف في السعاية إلى أن حبسه أبوه ببعض حجر القصر وخرج لبعض غزواته واستخلف ابنه المطرف علـى قصـره فقتـل أخـاه فـي محبسـه مفتاتا بذلك على أبيه وحزن الأمير عبد الله على ابنه محمد وضم ابنه عبد الرحمن إلى قصره وهو ابن يوم فربي مع ولده‏.‏ ثم بعث الأمير عبد الله ابنه المطرف بالصائفة سنة ثلاث وثمانين ومائتين ومعه الوزير عبد الملك بن أمية ففتـك المطـرف بالوزير لعداوة بينهما وسطا به أبوه الأمير عبد الله وقتله شر قتله ثأر فيها منه بأخيه محمد وبالوزير‏.‏ وعقد مكان الوزير لابنه أمية فسنح على الفقراء بأنفه وترفع على الوزراء فمقتوه وسعـوا فيـه عنـد الأميـر عبـد اللـه بأنـه بايـع جماعـة مـن سماسرة الشر لأخيه هشام بن محمد ولفقت بذلك شهادات اعتمد القاضي حينئذ قبولها وأشار للساعين أن يجعلوا في الجماعة للمشهود عليهم بالبيعة بعض أعدائه فتمت الحيلة وقتل هشام أمية الوزير وذلك سنة أربع وثمانين‏.‏

وفاة الأمير عبد الله بن محمد وولاية حافده عبد الرحمن الناصر بن محمد
ثم توفي الأمير عبد الله في شهر ربيع الأول من آخر المائة الثالثة لست وعشرين سنة من إمارته وولي حافده عبد الرحمن ابن ابنه محمد قتيل أخيه المطرف وكانت ولايته من الغريب لأنه كان شاباً وأعمامـه وأعمـام أبيـه حاضـرون فتصـور إليهـا وحازهـا لونهـم ووجـد الأندلس مضطربة فسكنها وقاتل المخالفين حتى أذعنوا واستنزل الثوار ومحا أثر ابن حفصون كبيرهـم وحمـل أهـل طليطلـة علـى الطاعـة وكانـوا معروفيـن بالخلـاف والانتفـاض‏.‏ واستقامت الأندلس وسائر جهاتها في نيف وعشرين سنة من أيامه ودامت أيامه نحواً من خمسين سنة استفحـل فيهـا ملـك بنـي أميـة بتلـك النواحـي وهـو أول مـن تسمى بأمير المؤمنين عندما تلاشى أمر الخلافـة بالمشـرق واستبـد موالـي الترك على بني العباس وبلغه أن المقتدر قتله مؤنس المظفر مولاه سنة سبع وعشرين وثلاثمائة فتلقب بألقاب الخلفاء وكان كثير الجهاد بنفسه والغزو إلـى دار الحرب إلى أن انهزم عام الخندي سنة ثلاث وعشرين ومحص اللـه المسلميـن فقعـد عـن الغـزو بنفسـه وصـار يرفـد الصوائـف فـي كـل سنـة فأوطـأ عساكـر المسلميـن من بلاد الفرنج ما لم يطأه قبل أيـام سلفـه ومـدت إليـه أمـم النصرانيـة مـن وراء الحـروب يـد الإذعان وأوفدوا إليه رسلهم وهداياهم من رومة القسطنطينية في سبيل المهادنة والسلم والاحتمال فيما يعن من مرضاته‏.‏ ووصـل إلـى سدنة ملوك الجلالقة من أهل جزيرة الأندلس المتاخمين لبلاد المسلمين كجهات قشتالة وينبلونـة ومـا إليهـا مـن الثغـور الجوفيـة فقبلـوا يـده والتمسـوا رضـاه واحتقبـوا جوائـزه وامتطوا مركبه‏.‏ ثم سما إلى ملك العدوة فتناول سبتة من أيدي أهلها سنة سبع عشرة وأطاعه بنو إدريـس أمراء العدوة وملوك زناتة البربر وأجاز إليه الكثير منهم كما نذكر في أخباره وبدأ أمره لأول ولايته بتخفيف المغارم عن الرعايا واستحجب موسى بن محمد بن يحيى‏.‏ واستوزر عبد الملك بن جهور بن عبد الملك بن جوهر وأحمد بن عبـد الملـك بـن سعـد وأهـدى لـه هديتـه المشهـورة المتعـددة الأصنـاف‏.‏ ذكرهـا ابـن حيـان وغيره وهي مما نقل من ضخامة الدولة الأموية واتساع أحوالها وهي خمسمائة ألف مثقال من الذهـب العيـن وأربعمائـة رطـل من التبر ومصارفه خمسة وأربعين ألف دينار ومن سبائك الفضة مائتـا بـدرة واثنا عشر رطلاً من العود الهندي يختم عليه كالشمع ومائة وثمانون رطلا من العود الصمغي المتخير ومائة رطل من العود الشبه المنقى ومائة أوقية من المسك الذكي المفضل في جنسـه وخمسمائـة أوقيـة مـن العنبـر الأشهـب المفضـل فـي جنسـه علـى خليقتـه مـن غير صناعة ومنها قطعة ململمة عجيبة الشكل وزن مائة أوقية وثلاثمائة أوقية من الكافور المترفع الذكاء ومـن اللبـاس ثلاثـون شقـة مـن الحريـر المختـم المرقوم بالذهب للباس الخلفاء مختلفة الألوان والصنائع وعشرة أفرية من عالي جلود الفنك الخراسانية وستة من السرادقات العراقية وثمان وأربعون من الملاحـف البغداديـة لزينـة الخيـل مـن الحريـر والذهـب وثلاثـون شقـة الغريـون مـن الملاحف لسروج الهبات وعشرة قناطير من السمور فيها مائة جلد وأربعة آلاف رطل مـن الحريـر المغزول وألف رطل من الحرير المنتقى للاستغزال وثلاثون بساطاً من الصوف وعشر مائة منقاة مختلفـة ومائـة قطعـة مصليـات مـن وجـوه الفـرش المختلفـة وخمسـة عشـر مـن نخـاخ الخـز المقطوع شطرها‏.‏ ومن السلاح والعدة ثمانمائة من تخافيف الزينة أيام البروز والمواكب وألف ترس سلطانية ومائة ألف سهم من النبال البارعة الصنعة ومن الظهر خمسة عشر فرساً من الخيل العراب المتخيرة لركاب السلطان فائقة النعوت وعشرون من بغال الركاب مسرجة ملجمة بمراكب خلافية ولجم بغال مجالس سروجها خز جعفري عراقي ومائة فرس من عتاق الخيل التي تصلح للركوب في التصرف والغزوات رمن الرقيق أربعون وصيفاً وعشرون جارية متخيرات بكسوتهن وزينتهن ومن سائر الأصناف ومن الصخرسيات ما أنفـق عليـه فـي عـام واحـد‏.‏ ثمانـون ألـف دينـار وعشرون ألف عود من الخشب من أجمل الخشب وأصلبه وأقدمه قيمته خمسون ألف دينار‏.‏ وعرضت الهدية على الناصر سنة سبع وعشرين فشكرها وحسن لديه موقعها‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:59 AM

سطوة الناصر بأخيه القاضي ابن محمد
كـان محمـد بـن عبـد الجبـار ابـن الأميـر محمـد وعبـد الجبـار هـو عـم أبـي الناصـر قد سعى عنده في أخيه القاضي ابن محمد وأنه يريد الخلاف والبيعة لنفسه‏.‏ وسعى القاضي في محمد بن عبد الجبار وأنه يروم الانتقاض واستطلع على الجلي من أمرهما وتحقق نقضهما فقتلهما سنة ثمان وثلاثمائة‏.‏ سطوة الناصر ببني إسحاق المروانيين وهو إسحاق بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن الوليد بن إبراهيم بن عبد الملك بن مروان دخـل جدهـم أول الدولـة ولـن يزالـوا فـي إكرام وعز واستقرت الرياسة في إسحاق وسكن إشبيلية أيـام الفتنـة عنـد ابـن حجـاج‏.‏ ثـم هلـك ابـن حجـاج وولـي ابـن مسلمـة فاتهمـه وقبـض عليـه وعلى ولده وصهره يحيى بن حكم بن هشام بن خالد بن أبان بن خالد بن عبد الله بن عبد الملك بن الحـارث بـن مـروان فقتـل الولد والصهر وكان عنده سفير لابن حفصون فشفع في الشيخ إسحاق وولـده أحمـد‏.‏ ثم ملك الناصر إشبيلية من يد ابن مسلمة فرحل إسحاق إلى قرطبة واستوزره الناصر واستوزر بنيه أحمد وابنه ومحمد وعبد الله ففتحوا الفتوحات وكفوا المهمات وعلت مقاديرهم في الدولة‏.‏ وتوفي أبوهم إسحاق فورثوا مكانه في كل رفيعة‏.‏ ثم هلك كبيرهم عبد الله وكان مقدمهم عند الناصر واستوزره ثم اتهمه الناصر بالخلاف وكثرت فيهم السعايات وصاروا في مجـال الظنـون فسطـا بهـم الناصـر وغربهـم فـي النواحـي فانـزوى أميـة منهـم فـي تستريـن سنـة خمـس وعشرين وخلع الطاعة وقصده الناصر في العساكر فدخل دار الحرب وأجاره رذمير ملك الجلالقة‏.‏ ثم تغير لـه فجـاء إلـى الناصـر مـن غيـر عهـد وعفـا عنـه وبقـي فـي غمـار النـاس إلـى أن هلـك‏.‏ وأمـا أحمـد فعزل عن سرقسطة لما نكب أبوه وبقي خاملا مغضبا‏.‏ ثم تكاثرت السعاية فيه فقتل‏.‏ وأما أحمـد فبقـي فـي جملـة الناصـر حتـى إذا تحـرك إلـى سرقسطـة نمـى عنـه ففـر ولقـي فـي مفـره جماعـة مـن أهل سرقسطة فقتلوه‏.‏

أخبار الناصر مع الثوار
كان أول فتحه أبيح له أسجة بعث إليها بدراً مولاه وحاجبه فافتتحها من يد ابن حفصون سنـة ثلاثمائـة وغـزا فـي أثرهـا بنفسـه فافتتـح أكثـر كـل ثلاثيـن حصنـا من يد ابن حفصون منها البيرة ودوخ سائـر أقطـاره وضيـق مخنقـه بالحصـار واستنـزل سعيد بن مزيل من حصن المنتلون وحصـن سمنـان‏.‏ وفي سنة إحـدى وثلاثمائة ملك إشبيلية من يد أحمد بن مسلمة كما ذكرناه ثم سار سنة اثنتين في العساكر فنازل حصون ابن حفصون وانتهى إلى الجزيرة الخضراء وضبط البحـر ونظر في أساطيله واستكثر منها‏.‏ ومنع ابن حفصون من البحر وسأله في الصلح على لسـان يحيـى بـن إسحـاق المروانـي فعقـد لـه‏.‏ ثـم أغـزى إسحـاق بـن محمـد القرشـي إلى الثوار بمرسية وبلنسيـة فأثخـن فـي نواحيهـا وفتـح أريولـة وأغـزى بـدراً مولـاه إلـى مدينـة لبـة فاستنـزل منهـا عثمان بن نصر الثائر بها وساقه مقيداً إلى قرطبة ثم أغزى إسحاق بن محمد سنة خمس مدينة قرمونة فملكهـا مـن يـد حبيـب بن سوارة كان ثائراً بها‏.‏ وفتح حصن ستمرية سنة ست وحصن طرش سنة تسع‏.‏ وأطاعه أحمد بن أضحى الهمداني الثائر بحصن الجامة ورهن ابنه على الطاعة‏.‏ وغزا ابن حفصون سنة أربع عشرة فردته العساكر المجمرة لحصاره ورجع وبعث إليه حفص يستأمنه فأمنه وجاء إلى قرطبة وملك الناصر يشتر كما مر‏.‏ ثم انتقض سنة خمس وعشرين أميـة بـن إسحـاق فـي تستريـن وقـد مـر ذكـر أوليتـه ومحمـد بـن هشـام التجيبـي فـي سرقسطـة ومطرف بن مندف التجيبي في قلعة أيوب فغزاهم الناصر بنفسه وبدأ بقلعة أيوب فحاصرها وقتل مطـرف فـي أول جولـة عليهـا وقتـل معـه يونـس بـن عبـد العزيـز‏.‏ ولجـأ أخـوه إلى القصبة حتى استأمن وعفـا عنـه وقتـل مـن كـان معهـم مـن النصرانية أهل ألبة‏.‏ وافتتح ثلاثين من حصونهم وبلغه انتقاض طوطـة ملكة البشكنس فغزاها في ينبلونة ودوخ أرضها واستباحها ورجع‏.‏ ثم غزا سنة سبع وعشريـن غـزوة الخنـدق إلـى جليقـة فانهـزم وأصيبـت فيها المسلمون وأسر محمد بن هاشم التجيبي وحـاول الناصـر إطلاقـه فأطلـق بعد سنتين وثلاثة أشهر‏.‏ وقعد الناصر بعدها عن الغزو بنفسه وصار يردد البعوث والصوائف‏.‏ وثار سنة ثلاث وأربعين بجهـات مـاردة ثائـر وتوجهـت إليـه العساكر فجاؤوا به وبأصحابه ومثل بهم وقتلوا‏.‏

أخبار طيطلة ورجوعها إلي الطاعة
قال ابن حبان اختطها ديرنيقيوش الجبار وكان قواد رومة ينزلونها دار ملك‏.‏ ثم ثار بها برباط من نجدانية فملكها واختلف قواد رومة على حصاره‏.‏ ثـم وثـب بـه بعـض أصحابـه فقتلـه وملكهـا‏.‏ ثـم قتـل ورجعـت إلـى قـواد رومـة ثـم انتقـض أهلهـا وولوا أميرا منهم اسمه أينش‏.‏ ثم قتل ورجعت إلى قواد رومة وقام أولهم شنتيلة وأطاعه أهل الأندلس وامتنع على ملوك رومة‏.‏ ثـم غزاهـم وحاصـر رومـة وفتـح كثيـراً من بلادها ورجع إلى طليطلة وثار عليه البشكنس فظهر عليهـم وأوقـع بهـم ولحقوا بالجبال‏.‏ هلك شنتيلة بعد تسع وملك مكانه على الغوط بسيلة ست سنيـن ولـم يغـن فيهـا‏.‏ ثـم ولـى منهم حندس وغزا إفريقية وولي بعده قتبان وبنى الكنائس وبلغه خبـر المبعـث فقـال لـه‏.‏ بليـان وكـان من أكابر الغوط وأعاظمهم‏:‏ وجدت في كتاب مطريوس العالم عـن دانيـال النبـي أنهـم يملكـون الأندلـس‏.‏ ثـم هلـك فتبـادر وملـك ابنـه سـت عشـرة سنـة وكـان سيىء السيـرة ولـي بعـده لزريـق‏.‏ ثـم لـم تـزل طليطلـة دار فتنـة وعصبيـة ومنعـة أتعبت عبد الرحمن الداخل سبع سنين وانتقضت على هشام والحكم وعلى عبد الرحمن الأوسط إلى أن جاء الناصر فأدخلهم في الطاعة كرها لما أكمل فتح ماردة وبطليوس وتسترين سـار إليهـم فـي العساكـر وحاصرهم وجاء الطاغية يظاهرهم فدافعه الناصر وجثم عليها فخرج أميرهم ثعلبة بن محمد بن عبد الوارث إلى الناصر فاستقال واستأمن فأمنه وعفا عنه ودخلها الناصـر وجـال فـي أقطارها ورجع عنها فلم يزالوا مستقيمين على الطاعة بعد‏.‏

أخبار الناصر مع أهل العدوة
ثـم سمـا للناصـر أهـل فـي ملـك عـدوة البربـر مـن بلـاد المغـرب فافتتـح أمـره بملك سبتة من بني عصام ولاتها واستدعى أمراء البربر بالعدوة وبلغ الخبر إبراهيم بن محمد أمير بني إدريس فبادر إلى سبتـة وحاصرها أنفة من عبور الناصر إليهم‏.‏ ثم استقال وكاتب الناصر بالولاية‏.‏ وأما إدريس بن إبراهيم صاحب أرشكوك من الأدارسة فبادر بولاية الناصر وكاتبه وأهدى إليه وتقبل أثره فـي ذلـك محمـد بن خزر أمير مغراوة وموسى بن أبي العافية أمير مكناسة وهو يومئذ صاحب المغرب بعد أن ملك قواعد المغرب الأوسط وهي تنس ووهران وشرشال والبطحاء‏.‏ وأهدوا إلـى الناصـر فقبـل وكافأهـم وأحكـم ولايتهـم وبـادر جماعـة من الأدارسة إلى مثل ذلك منهم القاسم بـن إبراهيـم والحسـن بن عيسى وأهدى صاحب فاس هدية عظيمة وعقد له الناصر على أهل بيتـه‏.‏ ولمـا فشـت دعـوة الناصر في المغرب الأقصى بعث عبيد الله المهدي قائمه ابن يصل أمير مكناسـة وعامـل تاهـرت فزحـف فـي العساكـر إلى المغرب سنة إحدى وعشرين وكتب موسى بن أبي العافية إلى الناصر يستنجده فأخرج إليه قاسم بن طملس في العساكر ومعه الأسطول فوصـل إلـى سبتـة وبلغـه الخبـر بـأن موسـى بـن أبـي العافيـة هـزم عساكـر حميـد فأقصـر ورجـع حسبما هو مذكور في أخبارهم‏.‏

أخبار الناصر مع الفرنجة والجلالقة
وكـان فـي أول المائـة الرابعـة ملـك علـى الجلالقـة أردون بـن رذميـر بـن برمند بن قريولة بن اذفونش بن بيطـر‏.‏ وخـرج سنـة اثنتيـن وثلاثمائة إلى الثغر الجوفي لأول ولاية الناصر وعاث في جهات ماردة وأخـذ حصـن الحنـش‏.‏ وبعث الناصر وزيره أحمد بن عبدة في العساكر إلى بلاده فدوخها‏.‏ ثم أغـزاه ثانيـة سنـة خمـس فنكـث وقتـل‏.‏ ثـم أغـزى بـدراً مولـاه فـدوخ ورجـع ثـم غـزا بنفسـه بلـاد جليقة سنة ثمان‏.‏ واستنصر أردون بشانجة ابـن غرسيـة ملـك البشكنـس وصاحـب بنبولـة فهزمهـم الناصر ووطىء بلادهم وخربها وفتح حصونها وهدمها وردد الغزو بعد ذلك في بلد غرسية إلـى أن هلـك أذفونـش وولـي بعـده ابنـه فرويلـة‏.‏ قـال ابـن حيـان‏:‏ لمـا ملك فرويلة بن أردون بن رذمير ملك الجلالقة سنة ثلـاث عشـرة وثلاثمائـة ملـك أخـوه أذفونـش ونازعـه أخـوه شانجـة واستقـل غرسية بليون من قواعد ملكهم وظاهر أذفونش على أمره ابن أخيه وهو أذفونش ين فرويلة وصهره شانجة فانهزموا وافترقت كلمتهم‏.‏ ثم اجتمعوا ثانية وخلعوا شانجة وأخرجوه عن مدينة ليـون ففـر إلـى قاصيـة جليقـة وولى أخاه رذمير بن أردون على ملكه بغربي جليقة إلى قلنسرية‏.‏ وهلـك شانجـة أثـر ذلـك ولـم يعقـب‏.‏ واستقـل أذفونـش وخـرج علـى أخيه رذمير وملك مدينة سنت ماذكـش‏.‏ ثـم أكثـروا عليـه العـذل فـي نزوعـه عـن الرهبانيـة فرجـع إلـى رهبانيتـه‏.‏ ثـم خـرج ثانيا وملك مدينة ليون وكان رذمير أخوه غازياً إلى سمورة فرجع إليه وحاصره بها حتى اقتحمها عليه عنـوة سنـة عشريـن وثلاثمائـة فحبسـه ثـم سمله في جماعة من ولد أبيه أردون خافهم على أمرهم وكان غرسية بن شانجة ملك البشكنس لما هلك قامت بأمرهم بعده أخته طوطة وكفلـت ولده‏.‏ ثم انتقضت سنة خمس وعشرين فغزا الناصر بلادها وخرب نواحي بليونة وردد عليها الغزوات وكذا أمية بن إسحاق في تسترين‏.‏ وكان الناصر سنة اثنتين وعشرين قد غزا إلى وحنشمة واستدعى محمد بن هشام من سرقسطة فامتنع ورجع إليه وافتتح حصونه وأخذ أخاه يحمى مـن حصـن روطـة‏.‏ ثـم رحل إلى ينبلونة فجاءته طوطة بنت أنثير بطاعتها وعقد لابنها غرسية بـن شانجـة علـى ينبلونـة‏.‏ ثـم عـدل إلـى لبلـة وبسائطها فدوخها وخرب حصونها‏.‏ ثم أقتحم جليقة وملكها يومئذ رذمير بن أردون فخام عن اللقاء ودخل هو وحشمه فنازله الناصر فيها وهدم برغث وكثيراً من معاقلهم وهزمهم مراراً ورجع‏.‏ ثـم كانـت بعدها غزوة الخندق ولم يغز الناصر بعدها بنفسه‏.‏ وكان يردد الصوائف وهابته أمم النصرانيه‏.‏ ورفدت عليه سنة ست وثلاثين رسل صاحب القسطنطينية وهديته وهـو يومئـذ قسنطيـن بـن ليون بن شل واحتفل الناصر للقائهم في يوم مشهود وكتب فيه العساكر بالسلاح في أكمل هيئة وزي وزين القصر الخلافي بأنواع الزينة وأصناف الستور وجمل السرير الخلافي بمقاعد الأبناء والأخوة والأعمام والقرابة ورتب الوزراء والخدمة في مواقفهم ودخل الرسـل فهالهـم ما رأوا وقربوا حتى أدوا رسالتهم‏.‏ وأمر يومئذ الأعلام أن يخطبوا في ذلك المحفل ويعظمـوا أمـر الإسلـام والخلافـة ويشكـروا نعمـة اللـه علـى ظهور دينه وإعزازه وذله عدوه فاستعـدوا لذلـك‏.‏ ثـم بهرهـم هـول المجلـس فرجعـوا وشرعـوا فـي الغـزل فارتج عليهم وكان فيهم أبو علي القالي وافد العراق كان في جملة الحكم ولي العهد وندبه لذلك استئثاراً لفخره فلما وجمـوا كلهـم قـام منـذر بـن سعيد البلوطي من غير استعداد ولا رويه ولا ثقدم له أحد في ذلك بشيء فخطب واستخفر وجلى في ذلك القصد وأنشد آخره شعراً طويلا ارتجله في ذلك الغرض ففاز بفخر ذلك المجلس وعجب الناس من شأنه كثر من كل ما وقع‏.‏ وأعجب الناصر به وولاه القضاء بعدها وأصبح من رجالات العالم وأخباره مشهورة وخطبته في ذلك اليوم منقولـة فـي كتـب ابـن حيـان وغيـره‏.‏ ثـم انصـرف هـؤلاء الرسـل وبعـث الناصـر معهم هشام بن كليب إلى الجاثليق ليجدد الهدنة ويؤكد المودة ويحسن الإجابة‏.‏ ورجع بعد سنتين وقد أحكم من ذلك ما شاء وجاءت معه رسل قسطنطين‏.‏ ثم جاء رسل ملك الصقالبة وهو يومئذ هوتو وأخر من ملك اللمان وأخر من ملك الفرنجة وراء المغرب وهو يومئذ أخوه‏.‏ وأخر من ملك الفرنجة بقاصية المشرق وهو يومئذ كلدة واحتفل السلطان لقدومهم وبعث مع رسل الصقالبة ريفا الأسقف إلى ملكهم هوتو ورجعوا بعد سنتين‏.‏ وفي سنة أربع وأربعين جـاء رسـول أردون بـن رذميـر وأبـوه رذميـر هـو الـذي سمـل أخـاه أذفونش وقد مر ذكره بعث يخطب السلم فقعد له ثم بعث في سنة خمس وأربعين يطلب إدخال قومس قشتيلية فردلند وقد مر ذكره ومال إلى أردون بن رذمير كمـا ذكرنـاه‏.‏ وكـان غرسيـة بـن شانجـة حافـد الطوطه بنت أسنين ملكة البشكنس فامتعضت لحل حافدها غرسية ووفدت على الناصر سنة سبع وأربعين ملقية بنفسها في عقد السلم لها ولولدها شانجة بن رذمير الملك وأعانه حافدها غرسية بن شانجة على ملكه ونصره من عدوة وجاء ملك جليقة فرد عليه ملكه وخلع الجلالقة طاعة أردون وبعث إلى الناصر يشكوه على فعلته وكتب إلى الأمم في النواحي بذلك وبما ارتكبه فردلند قومس قشتيلة وعظيم قوامس في نكثة ووثوبه ونفـر بذلـك عنـد الأمـم ولـم يـزل الناصـر علـى موالاتـه وإعانته إلى أن هلك‏.‏ ولما وصل رسول كلدة ملـك الإفرنجـة بالمشـرق كمـا تقدم وصل معه رسول مغيرة بن شبير ملك برشلونة وطركونة راغبا في الصلح فأجابه الناصر ووصل بعده رسول صاحب رومة يطلب المودة فأجيب‏.‏

سطوة الناصر بابنه عبد الله
كـان الناصـر قـد وشحـه ابنه الحكم وجعله ولي عهده وآثره على جميع ولده ودفع إليه كثيراً من التصرف في دولته وكان أخوه عبد الله يساميه في الرتبة فغص لذلك وأغراه الحسد بالنكثة فنكـث وداخـل فـي قلبـه مـرض مـن أهـل الدولـة فأجابـوه وكـان منهم ياسر الفتى وغيره‏.‏ ونمى الخبر بذلك إلى الناصر فاستكشف أمرهم حتى وقف على الجلي فيه وقبض على ابنه عبد الله وعلى ياسر الفتى وعلى جميع من داخلهم وقتلهم أجمعين سنة ثلاث وتسعين‏.‏ ولما استفحل ملك الناصر صرف نظره إلى تشييد المباني والقصور وكان جده الأمير محمد وأبـوه عبـد الرحمـن الأوسـط وجـده الحكـم قـد اختلفـوا في ذلك وبنوا قصورهم على أكمل الاتفاق والضخامة وكان منها المجلس الزاهر والبهو الكامل والقصر المنيف فبنى هو إلى جانب الزاهر قصره العظيـم وسمـاه دار الروضـة وجلـب المـاء إلـى قصورهـم مـن الجبـل واستدعـى عرفـاء المهندسيـن والبنائيـن مـن كـل قطـر فوفـدوا عليـه حتى من بغداد والقسطنطينية‏.‏ ثم أخذ في بناء المنتزهات فاتخذ مينا الناعورة خارج القصـور وسـاق لهـا المـاء مـن أعلـى الجبـل علـى بعـد المسافة‏.‏ ثم اختط مدينة الزهراء واتخذها منزله وكرسياً لملكه فأنشأ فيها من المباني والقصور والبساتيـن مـا عـلا علـى مبانيهـم الأولى واتخذ فيها مجالات للوحش فسيحة الفناء متباعدة السياح ومسارح الطيور ومظللة بالشباك واتخذ فيها داراً لصناعة آلات السلاح للحرب والحلي للزينة وغير ذلك من المهن‏.‏ وأمر بعمل الظلة على صحن الجامع بقرطبة وقاية للناس من حر الشمس‏.‏

http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif وفاة الناصر وولاية ابنه الحكم المستنصر
ثـم توفـي الناصـر سنـة خمسيـن وثلاثمائـة أعظـم مـا كـان سلطانه وأعز ما كان الإسلام بملكه‏.‏ وكان له قضاة أربعة‏:‏ مسلم بن عبد العزيز وأحمد بن بقى بن مخلد ومحمد بن عبد الله بن أبي عيسى ومنذر بن سعيد البلوطي‏.‏ ولما توفي الناصر ولي ابنه الحكم وتلقب المستنصر بالله وولـى علـى حجابتـه جعفر المصحفي وأهدى له يوم ولايته هدية كان فيها من الانصاف ما ذكره ابن حيان في المقتبس وهي مائة مملوك من الفرنج ناشئة على خيول صافنة كاملـو الشيكـة والأسلحة من السيوف والرماح والدرق والتراس والقلانس الهندوية وثلاثمائة ونيف وعشرون درعاً مختلفة الأجانس وثلثمائة خوذة كذلك ومائة بيضة هندية وخمسون خـوذة حبشيـة مـن حبشيات الإفرنجة غيـر الحبـش التـي يسمونهـا الطاشانيـة وثلاثمائـة حربـة إفرنجيـة ومائـة تـرس سلطانيـة الجنـس وعشـرة جواشن نقية مذهبة وخمسة وعشرون قرنا مذهبة من قرون الجاموس‏.‏ ولأول وفاة الناصر طمع الجلالقة في الثغور فغزا الحكم بنفسه واستباحها وقفـل فبادروا إلى عقد السلم معه وانقبضوا عما كانوا فيه‏.‏ ثم أغزى غالبا مولاه بلاد جليقة وسار إلـى مدينـة سالـم قبـل الدخـول لـدار الحـرب فجمـع لـه الجلالقـة ولقيهـم علـى أشتة فهزمهم واستباحهم وأوطأ العساكر بلاد فردلند القومس ودوخها وكان شانجة بن رذمير ملك البشكنس قد انتقض فأغزاه الحكـم يحيـى بـن محمـد التجيبـي صاحـب سرقسطـة فـي العساكـر‏.‏ وجـاء ملـك الجلالقـة لنصـره فهزمهم وامتنعوا في حصونها‏.‏ وعاث في نواحيها وأغزى الهذيل بن هاشم ومولاه غالبا فعاثا فيها وقفلا‏.‏ وعظمت فتوحات الحكم وقواد الثغور في كل ناحية وكان من أعظمها فتح قلهرة من بلاد البشكنس على يد غالب فعمرها الحكم واعتنى بها‏.‏ ثم فتح قطريبة على يد قائد وشقـة وغنـم مـا فيهـا مـن الأمـوال والسلـاح والآلـات والأقـوات‏.‏ وغنم ما في بسيطة من الغنم والبقر والرمك والأطعمة والسبي ما لا يحصى‏.‏ وفي سنة أربع وخمسين سار غالب إلى بلاد ألبة ومعه يحيى بن محمد التجيبي وقاسم بن مطرف بن ذي النون فأخذ حصن غرماج ودوخ بلادهم وانصرف‏.‏ وظهرت في هذه السنة مراكب المجوس في البحر الكبير وأفسدوا بسايط أحشبونة وناشبهم الناس القتال فرجعوا إلى مراكبهم وأخرج الحكم القواد لاحتراس السواحل وأمر قائد البحر عبد الرحمـن بـن رماجـس بتعجيـل حركـة الأسطـول‏.‏ ثـم وردت الأخبـار بأن العساكر نالت منهم من كل جهة من السواحل‏.‏ ثم كانت وفادة أردون بن أذفونش ملك الجلالقة‏.‏ وذلك أن الناصر لما أعان عليه شانجة بن رذمير وهو ابن عمه وهو الملك من قبل أردون وحمل النصرانية‏.‏ واستظهـر أردون بصهـره فردلنـد قومـس قشتيليـة‏.‏ ثم توقع مظاهرة الحكم لشانجة كما ظاهره أبوه الناصر فبادر بالوفادة علي الحكم مستجيرا به فاحتفل لقدومه وكان يوماً مشهوداً وصفه ابن حيان‏.‏ كما وصف أيام الوفادات قبله‏.‏ ووصل إلى الحكم وأجلسه ووعده بالنصر على عدوه وخلع عليه لما جاء ملقيا بنفسه وعاقده على موالاة الإسلام ومقاطعة فردلند القومس وأعطى علـى ذلـك صفقـة يمينه ورهن ولده غرسية ودفعت الصلات والحملات له ولأصحابه‏.‏ وانصـرف معـه وجـوه نصـارى الذمة بقرطبة ولبد بن مغيث القاضي وأصبغ بن عبد الله بن نبيل الجاثليق وعبد الله بن قاسم مطران طليطلة ليوطئوا له الطاعة عند رسميته ويقبضوا رهنه وذلك سنة إحدى وخمسين‏.‏ وعند ذلك بعث ابن عمه شانجة بن رذمير ببيعته وطاعته مع قولـب مـن أهـل جليقة وسمورة وأساقفهم يرغب في قبوله ويبقي بما فعل أبوه الناصر معه فتقبل بيعتهم على شروط شرطها كان منها هدم الحصون والأبراج القريبة من ثغور المسلمين‏.‏ ثـم بعـث قومـس الفرنجـة برسل ومسيرة أثناء سير ملك برشلونة وطركونة وغيرهما يسألان تجديد العهد وإقرارهما على ما كانا عليه وبعثا بهدية وهي عشرون صبياً من الخصيان الصقالبة وعشرون قنطاراً من الصوف السمـور وخمسـة قناطيـر مـن الفرصـدس وعشـرة أذراع صقليـة ومائتـا سيـف إفرنجيـة فقبل هديتهم وعقد لهم على أن يهدموا الحصون التي بقرب الثغور وعلى أن لا يظاهروا عليه أهل ملتهم وأن ينذروه بما يكون من النصارى في الإجلاب على المسلمين‏.‏ ثـم وصلـت رسـل غرسيـة بن شانجة ملك البشكنس في جماعة من الأساقفة والقواميس يسألون الصلـح بعـد أن كان توقف فعقد لهم الحكم ورجعوا‏.‏ وفي سنة خمس وستين وثلاثمائة وردت أم لزريـق بـن بلاكـش القومـس بالقـرب مـن جليقـة وهـو القومـس الأكبـر فأخـرج الحكـم لتلقيهـا واحتفل لقدومها في يوم مشهود فوصلها وأسعفها وعقد السلم لابنها كما رغبت وأحبت ودفع لها مالا تقسمه بين وفدها وحملت على بغلة فارهة بسرج ولجام مثقلين بالذهب وملحفـة ديبـاج‏.‏ ثـم عـاودت مجلس الحكم للوداع فعاودوها بالصلات لسفرها وانطلقت‏.‏ ثم أوطأ عساكره من أرض العدوة من المغرب الأقصى والأوسط وتلقى دعوته ملوك زناتة من مغراوة ومكناسة فبثوهـا فـي أعمالهـم وخطبـوا بهـا علـى منابرهـم وزاحمـوا بهـا دعـوة الشيعـة فيما بينهم‏.‏ ووفد عليه ملوكهم من آل خزر وبني أبي العافية فأجزل صلتهم وأكرم وفادتهم وأحسن منصرفهم واستنزل بني إدريس من ملكهم بالعدوة في ناحية الريف وأجازهم البحر إلى قرطبة ثم أجلاهم إلى الإسكندريـة حسبمـا نشيـر إلـى ذلـك كلـه بعـد‏.‏ وكان محباً للعلوم مكرما لأهلها جماعة للكتب في أنواعها ما لم يجمعه أحد من الملوك قبله‏.‏ قال ابن حزم‏:‏ أخبرني بكية الخصي - وكان على خزانة العلوم والكتب بدار بني مروان - أن عـدد الفهـارس التـي فيهـا تسميـة الكتـب أربعـة وأربعـون فهرسـة فـي كـل فهرسـة عشـرون ورقة ليس فيها إلا ذكر أسماء الدواوين لا غير‏.‏ فأقام للعلم والعلماء سلطانا نفقت فيها بضائعه من كل قطر ووفد عليه أبو علي القالي صاحب كتاب الأمالي من بغداد فأكرم مثواه وحسنت منزلته عنده وأورث أهل الأندلس علمه‏.‏ واختص بالحكم المستنصر واستفاد علمه وكان يبعث في الكتب إلى الأقطار رجالاً من التجار ويسرب إليهم الأموال لشرائهـا حتـى جلـب منهـا إلـى الأندلـس مـا لـم يعهـدوه‏.‏ وبعـث فـي كتـاب الأغانـي إلـى مصنفـه أبـي الفـرج الأصفهانـي وكـان نسبـه في بني أمية وأرسل إليه فيه ألف دينار من الذهب العين فبعث إليه بنسخة منه قبل أن يخرجه بالعراق‏.‏ وكذلك فعل مع القاضي أبي بكر الأبهري المالكي في شرحه لمختصر ابن عبد الحكم وأمثال ذلـك‏.‏ وجمـع بـداره الحـذاق فـي صناعـة النسـخ والمهـرة فـي الضبـط والإجـادة فـي التجليـد فأوعـى مـن ذلك كله واجتمعت بالأندلس خزائن من الكتب لم تكن لأحد من قبله ولا من بعده إلا مـا يذكـر عـن الناصـر العباسـي بـن المستضـيء‏.‏ ولـم تـزل هذه الكتب بقصر قرطبة إلى أن بيع أكثرها فـي حصـار البربـر أمـر بإخراجهـا وبيعها الحاجب واضح من موالي المنصور بن أبي عامر‏.‏ ونهب مـا بقي منها عند دخول البربر قرطبة واقتحامهم إياها عنوة كما نشير إليه بعد‏.‏ واتصلت أيام الحكم المستنصر وأوطأ العساكـر أرض العـدوة مـن المغـرب الأقصـى والأوسـط وتلقـى دعوتـه ملوك زناتة ومغراوة ومكناسة فبثها في أعمالهم وخطبوا بها على منابرهم وزاحموا بها دعوة الشيعة فيما يليهم ووفد عليه ملوكهم من آل خـزر وبنـي أبـي العافيـة فأجـزل صلتهـم وأكـرم وفادتهم‏.‏ وبيعة ابنه هشام المؤيد ثـم أصابـت الحكـم العلـة فلـزم الفراش إلى أن هلك سنة ست وستين وثلاثمائة لست عشرة سنة مـن خلافتـه وولـي مـن بعـده ابنـه هشـام صغيـرا مناهـز الحلـم وكان الحكم قد استوزر له محمد ابن أبـي عامـر نقلـه مـن خطـة القضاء إلى وزارته وفوض إليه في أموره فاستقل وحسنت حاله عند الحكم فلما توفي الحكم بويع هشام ولقب المؤيد بعد أن قتل ليلتئذ أخو الحكم المرشح لأمره تنـاول الفتـك بـه محمـد بـن عامـر هذا بمبالاة جعفر بن عثمان المصحفي حاجب أبيه وغالب مولى الحكم صاحب مدينة سالم ومن خصيان القصر ورؤسائهم فائق وجودر فقتل محمد بن أبي عامر المغيرة وبايع لهشام‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 06:00 AM

أخبار المنصور ابن أبي عامر
ثم سما محمد بن أبي عامر المتغلب على هشام لمكانه في السن وثاب له رأي في الاستبداد فمكـر بأهل الدولة وضرب بين رجالها وقتل بعضها ببعض‏.‏ وكان من رجال اليمنية من مغافر واسمـه محمـد بـن عبـد اللـه بـن أبـي عامـر بـن محمـد بـن عبـد اللـه بـن عامـر بـن محمـد بـن الوليد بن يزيد بن عبد الملك المغافري دخل جده عبد الملك مع طارق وكان عظيما في قومه وكان له في الفتح أثر فاستوزره الحكم لابنه هشام كما ذكرنا‏.‏ فلما مات الحكم حجبه محمد وغلب عليه ومنع الوزراء من الوصول إليه إلا في النادر من الأيام يسلمون وينصرفون‏.‏ وأرخص للجند في العطاء وأعلى مراتب العلماء وقمع أهل البدع وكان ذا عقل ورأي وشجاعة وبصر بالحروب ودين متين‏.‏ ثم تجرد لرؤساء الدولة ممن عانده وزاحمه فمال عليهم وحطهم عن مراتبهم وقتل بعضها ببعض‏.‏ كل ذلك عن أمر هشام وخطه وتوقعيه حتى استأصل بهم وفرق جموعهم‏.‏ وأول ما بدأ بالصقالبة الخصيان الخدام بالقصر فحمل الحاجب المصحفي على نكبتهم فنكبهم وأخرجهـم مـن القصـر وكانوا ثمانمائة أو يزيدون ثم أصهر إلى غالب مولى الحكم وبالغ في خدمته والتنصح له واستعان به على المصحفي فنكبه ومحا أثره من الدولة ثم استعان على غالب بجعفـر بن علي بن حمدون صاحب المسيلة الفازع إلى الحكم أول الدولة بمن كان معه من زناتة والبربر‏.‏ ثم قتل جعفر عماله ابن عبد الودود وابن جوهر وابن ذي النون وأمثالهم من أولياء الدولـة مـن العـرب وغيرهـم‏.‏ ثـم لمـا خـلا الجـو مـن أوليـاء الخلافـة والمرشحيـن للرياسـة رجـع إلى الجند فاستدعى أهل العدوة من رجال زناتة والبرابرة فرتب منهم جنـدا واصطنـع أوليـاء وعـرف عرفاء من صنهاجة ومغراوة وبني يفرن وبني برزال ومكناسة وغيرهم فتغلب على هشـام وحجـره واستولى على الدولة وملأ الدنيا وهو في جوف بيته مع تعظيم الخلافة والخضوع لها ورد الأمور إليها وترديد الغزو والجهاد وقدم رجال البرابرة زناتة وأخر رجال العرب وأسقطهم عن مراتبهم فتم له ما أراد من الاستقلال بالملك والاستبداد بالأمر وابتنى لنفسه مدينة فنزلها وسماها الزاهرة‏.‏ ونقل إليها خزائن الأموال والأسلحـة وقعـد علـى سريـر الملـك وأمـر أن يحيـا بتحيـة الملـوك وتسمـى بالحاجـب المنصـور ونفـذت الكتـب والأوامـر والمخاطبـات باسمـه وأمر بالدعاء له على المنابر وكتب اسمه في السكة والطرز وعمر ديوانه بما سوى ذلك‏.‏ وجند البرابرة والمماليك واستكثر من العبيد والعلوج للاستيلاء علـى تلـك الرغبـة وقهـر مـن يطاول إليها من الغلبة فظفر من ذلك بما أراد وردد الغزو بنفسه إلى دار الحارث فغزا اثنتين وخمسيـن غـزوة فـي سائـر أيام ملكه لم ينكسر له فيها راية ولا فل له جيش ولا أصيب له بعث ولا هلكـت سريـة وأجـاز عساكـره إلـى العـدوة وضـرب بيـن ملـوك البرابـرة بعضهم في بعض فاستوثق ملكه بالمغرب وأذعنت له ملوك زناتة وانقادوا لحكمه وأطاعوا لسلطانه وأجاز ابنه عبد الملك إلى ملوك مغراوة بفاس من آل خزر لما سخط زيري بن عطية ملكهم لما بلغه من إعلانه بالنيل منـه والغـض مـن ملكهـم والتأنـف لحجـر الخليفة هشام فأوقع به عبد الملك سنة ست وثمانين ونزل بفـاس وملكها وعقد لملوك زناتة على المغرب وأعماله من سجلماسة وغيرها على ما نشير إليه بعـد‏.‏ وشـرد زيري بن عطية إلى تاهرت وأبعد المفر وهلك في مفره‏.‏ ثم قفل عبد الملك إلى قرطبـة واستعمـل واضحـاً علـى المغـرب‏.‏ وهلـك المنصـور أعظـم مـا كـان ملكاً وأشد استيلاء سنة أربـع وسبعيـن ثلاثمائة بمدينة سالم منصرفه من بعض غزواته ودفن هنالك وذلك لسبع وعشرين سنه من ملكه‏.‏

المظفر بن المنصور
ولما هلك المظفر قام بالأمر من بعده أخوه عبد الرحمن وتلقب بالناصر لدين الله وجرى على سنـن أبيـه وأخيـه فـي حجر الخليفة هشام والاستبداد عليه والاستقلال بالملك دونه‏.‏ ثم ثاب له رأي في الإستئثار بما بقي من رسوم الخلافة فطلب من هشام المؤيد أن يوليه عهده فأجابه وأحضـر لذلـك المـلأ مـن أربـاب الشورى وأهل الحل والعقد فكان يوماً مشهوداً‏.‏ وكتب عهده في إنشـاء أبـي حفـص بـن بـرد بمـا نصـه‏:‏ هـذا ما عهد هشام المؤيد بالله أمير المؤمنين إلى الناس عامة وعاهـد الـذي عليـه مـن نفسـه خاصـة وأعطـى بـه صفقة يمينه بيعة تامة بعد أن أمعن النظر وأطال الاستخارة وأهمه ما جعل الله إليه من الإمامة ونصب إليه من أمر المؤمنين واتقى حلول القدر بما لا يؤمن وخاف نزول القضاء بما لا يصرف وخشي إن هجم محتوم ذلك عليه ونزل مقدوره به ولم يرفع لهذه الأمة علماً تأوي إليه وملجأ تنعطف إليه أن يلقى ربه تبارك وتعالى مفرطاً ساهياً عن أداء الحق إليها‏.‏ واعتبر عند ذلك من أحياء قريش وغيرها من يستحق أن يستند هـذا الأمـر إليه ويعول في القيام به عليه ممن يستوجبه بدينه وأمانته وهديه وصيانته بعد إطراح الهوى والتحري للحق والتزلف إلى الله عز وجل بما يرضيه‏.‏ وبعد أن قطع الأقاصي وأسخط الأقارب فلم يجد أحداً يوليه عهده ويفوض إليه الخلافة بعده غيره لفضل نسبه وكرم خيمه وشرف مرتبته وعلو منصبه مع تقاه وعفافه ومعرفته وحزمـه وتفاوته المأمون العيب الناصح الحبيب أبي المظفر عبد الرحمن بن المنصور بن أبي عامر وفقه الله تعالى إذ كان أمير المؤمنين قد ابتلاه واختبره ونظر في شأنه واعتبره فرآه مسارعاً في الخيرات سابقاً إلى الجليات مستولياً على الغايـات جامعـاً للمأثـرات‏.‏ ومـن كـان المنصـور أبـاه والمظفر أخاه فلا غرو أن يبلغ من سبل البر مداه ويحوي من خلال الخير ما حواه‏.‏ مع أن أمير المؤمنين أيده الله بما طالع من مكنون العلم ووعاه من مخزون الغيب رأى أن يكون ولـي عهـده القحطاني الذي حدث عنه عبد الله بن عمرو بن العاص وأبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل عن قحطان يسوق الناس بعصاه فلما استـوى لـه الاختيـار وتقابلـت عنـده الآثـار ولـم يجد عنه مذهبا ولا إلى غيره معدلا خرج إليه من تدبير الأمور في حياته وفوض إليه الخلافة بعد وفاته طائعا راضياً مجتهـداً وأمضـى أميـر المؤمنين هذا وأجازه وأنفذه ولم يشترط فيه ثنياً ولا خياراً وأعطى على الوفاء به في سره وجهره وقوله وفعله عهد الله وميثاقه وذمة نبيه صلى الله عليه وسلم وذمة الخلفاء الراشدين من آبائه وذمة نفسه أن لا يبدل ولا يغير ولا يحول ولا يزول‏.‏ وأشهد على ذلك الله والملائكة وكفـى باللـه شهيـداً وأشهد من أوقع اسمه في هذا وهو جائز الأمر ماضي القول والفعل بمحضر من ولي عهده المأمون أبي المظفر عبد الرحمن بن المنصور وفقه الله تعالى وقيد له ما قلده وألزمه لنفسه ما في الذمة‏.‏وذلك في شهر ربيع الأول سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة وكتب الوزارء والقضاء وسائر الناس شهادتهم بخطوط أيديهم‏.‏ وتسمى بعدها بولي العهد ونقم أهل الدولة عليه ذلك فكان فيه حتفه وانقراض دولته ودولة قومه والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏

ثورة المهدي ومقتل عبد الرحمن المنصور وانقراض دولتهم
ولما حصل عبد الرحمن المنصور على ولاية العهد ونقم ذلك الأمويون والقرشيون وغصوا بأمره واتفقوا على تحويل الأمر جملة من المضرية إلى اليمنية فاجتمعوا لشأنهم وتمشت من بعض إلى بعض رجالاتهم وأجمعوا أمرهم في غيبة من الحاجب الناصـر ببلـاد الجلالقـة فـي غـزاه مـن صوائف ووثبوا بصاحب الشرطة ففتكوا به بمقعدة من باب قصر الخلافة بقرطبة سنة تسع وتسعيـن وثلاثمائـة وخلعـوا هشامـاً المؤيـد وبايعوا محمد بن هشام بن عبد الجبار بن‏:‏ أمير المؤمنين الناصر لدين الله من أعياص الملك وأعقاب الخلفاء ولقبوه المهدي وطار الخبـر إلـى الحاجـب بمكانه من الثغر فانفض جمعه وقفل إلى الحضرة مدلاً بمكانه زعيما بنفسه حتى إذا‏.‏ قرب من الحضرة تسلـل عنـه الجنـد ووجـوه البربـر ولحقـوا بقرطبـة وبايعـوا المهـدي القائـم بالأمـر وأغـروه بالناصـر واعترضـه منهـم مـن تقبـض عليه واحتز رأسه‏.‏ وحمله إلى المهدي وإلى الجماعة وذهبت دولة العامريين‏.‏ ثورة البربر وبيعة المستعين وفرار المهدي كان الجند من البرابرة وزناتة قد ظاهروا المنصور على أمره وأصبحوا شيعة لبنيه من بعده ورؤساؤهم يومئذ زاوى بن مناد الصنهاجي وبنو ماكير ابن أخيه زيري ومحمد بن عبد الله البرزالي ونصيل بن حميد المكناسي الفازع أبوه عن العبيديين إلى الناصر وزيري بـن عزانـة المتيطي وأبو زيد بن دوناس اليفرني وعبد الرحمن بن عطاف اليفرني وأبو نور بن أبي قرة اليفرني وأبو الفتوح بن ناصر وحزرون بن محصن المغراوي وبكساس بن سيد الناس ومحمد بن ليلى المغراوي فيمن إليهم من عشائرهم فلحقوا بمحمد بن هشام لما رأوا من انتقاض أمر عبد الرحمـن وسوء تدبيره‏.‏ وكانت الأموية تعتد عليهم ما كان من مظاهرتهم العامريين وتنسب إليهم تغلب المنصور وبنيه على أمرهم فسخطتهم القلوب وخزرتهم العيون وتنفست بذلك صدور الغوغاء من أذيال الدوة ولفظت به ألسنة الدهماء من المدينة‏.‏ وأمر محمد بن هشام أن لا يركبوا ولا يتسلحوا وردوا في بعض الأيام من باب القصر وانتهت العامـة يومئـذ دورهـم ودخل زاوي وابن أخيه حساسة وأبو الفتوح بن ناصر على المهدي شاكين بما أصابهم فاعتذر إليهم وقتل من آذاهم من العامة في أمرهم وكان مع ذلك مظهراً لبغضهم مجاهراً بسوء الثناء عليهم‏.‏ وبلغهم أنه سره الفتك بهم فتشمت رجالاتهم وأسروا نجواهم‏.‏ واتفقـوا علـى بيعـة هشـام بـن سليمـان بـن أميـر المؤمنيـن الناصر لدين الله وفشا في الخاصة حديثهم فعوجلوا عن أمرهم ذلك وأغرى بهم السواد الأعظم فثـاروا بهـم وأزعجوهـم عـن المدينـة‏.‏ وتقبض على هشام وأخيه أبي بكر وأحضرا بين يدي المهدي فضرب عنقيهما ولحق سليمان ابن أخيهما الحكـم بجنـود البربـر وزناتـة وقـد اجتمعـوا بظاهـر قرطبـة وتآمـروا فبايعـوه ولقبـوه المستعيـن بالله ونهضوا به إلى ثغر طليطلة فاستجاش بابن أذفونش‏.‏ ثم نهض في جموع البرابرة والنصرانية إلى قرطبة وبرز إليهم المهدي في كافة أهل البلد وخاصة الدولة وكانـت الدبـرة عليهـم واستلحـم منهـم مـا يزيـد علـى عشريـن ألفـا وهلـك مـن خيـار النـاس وأئمـة المساجـد وسدنتم ومؤذنيها عالم‏.‏ ودخل المستعين قرطبة خاتم المائة الرابعة ولحق ابن عبد الجبار بطليلة‏.‏ رجوع المهدي إلى ملكه بقرطبة ولما استولى المستعين على قرطبة خالفه محمد بن هشام المهدي إلى طليطلة واستجاش بابن أذفونـش ثانيـة فنهـض معـه إلـى قرطبـة وهـزم المستعيـن والبرابـرة بعقبـة البقـر مـن ظاهرهـا فـي آخـر باب سبتة ودخل المهدي قرطبة وملكها‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 06:01 AM

هزيمة المهدي وبيعته للمؤيد هشام ومقتله
ولما دخل المهدي إلى قرطبة خرج المستعين إلى البرابرة وتفرقوا في البسائط والقرى فينهبون ويقتلـون ولا يبقـون علـى أحـد‏.‏ ثـم ارتحلـوا إلـى الجزيـرة الخضـراء فخـرج المهدي وابن أدفونش واتبعهم المستعيـن والبرابـرة أثنـاء ذلـك يحاصرونهـم حتـى خشـي الناس من اقتحام البرابرة عليهم فأغروا أهل القصر وحاجبه المدبر بالمهدي وإن الفتنة إنما جاءت من قبله وتولى كبر ذلك واضح العامري فقتلـوا المهـدي محمـد بـن هشـام واجتمعت الكافة على تجديد البيعة لهشام المؤيد ليعتصموا به من معرة البرابرة وما يسومونهم به ملوكهم من سوء العذاب وعاد هشام إلى خلافته وأقام واضح العامري لحجابته وهو من موالي المنصور بن أبي عامر‏.‏ حصار قرطبة واقتحامها عنوة ومقتل هشام واستمـر البرابـرة على حصار قرطبة والمستعين بينهم ولم يفر عن أهل قرطبة تبعه هشام المؤيد والبرابرة يترددون إليها ذاهبين وجائيـن بأنـواع النهـب والفتـك إلـى أن هلكـت القـرى والبسائـط وعدمـت المرافـق وصافـت أحـوال أهـل قرطبـة وجهدهم الحصار‏.‏ وبعث المستعين البرابرة إلى ابن أذفونش يستقدمونه لمظاهرتهم فبعث إليه هشام المؤيد وحاجبه واضحاً يكفونه عن ذلك بأن نزلوا له عن ثغور قشتالة التي كان المنصور اقتحمها فسكن عزمه وسكن عن مظاهرتهم‏.‏ ثم اتصـل الحصار بمخنق البلد وصدق البرابرة القتال فتقتحموها عنوة سنة ثلاث وأربعمائة وفتكوا بهشام المؤيد ودخل المستعين‏.‏ ولحق بأهل قرطبة من البرابرة فـي نسائهـم ورجالهـم وبناتهـم وأبنائهم ومنازلهم‏.‏ وظن المستعين أن قد استحكم أمره وتوثبت البرابرة العبيد على الأعمال فولوا المدن العظيمة وتقلدوا الأعمال الواسعة مثل باديس بن حبوس في غرناطة ومحمد بن عبد الله البرزالي في قرمونـة وأبـو ثـور بـن أبـي شبـل بالأندلس وصار الملك طوائف في آخرين من أهل الدولة مثل ابن عبـاد باشبيليـة وابن الأفطس ببطليوس وابن ذي النون بطليطلة وابن أبي عامر ببلنسية ومرسية وابن هود بسرقسطة ومجاهد العامري بدانية والجزائر منذ عهـد هـذه الفتنـة كمـا نذكـر فـي أخبارهم‏.‏

ثورة ابن حمود واستيلاؤه وقومه على ملك قرطبة
ولما افترق شمل جماعة قرطبة البرابرة على الأمر وكان علي بن حمود وأخوه قاسم من عقب إدريس قد أجازوا معهم من العدوة فدعوا لأنفسهم وتعصب معهم الكثير من البربر‏.‏ وملكوا قرطبـة سنـة سبع وأربعمائة وقتلوا المستعين ومحوا ملك بني أمية‏.‏ واتصل ذلك في خلق منهم سبـع سنيـن‏.‏ ثـم رجـع الملـك فـي بنـي أميـة وفـي ولـد الناصـر نحـواً مـن سبـع سنيـن‏.‏ ثم خرج عنهم وافتـرق الأمـر فـي رؤسـاء الدولة من العرب والموالي والبربر واقتسموا الأندلس ممالك ودولاً وتلقبوا بألقاب الخلفاء كما نذكر ذلك كله مستوفى في أخبارهم‏.‏ عود الملك إلى بني أمية وأولاد المستظهر لما قطع أهل قرطبة دعوة المحموديين يعد سبع من هلكهم وزحف إليهم قاسم بن حمود في جموع من البربر فهزمهم أهل قرطبة ثم اجتمعوا واتفقوا على رد الأمر إلى بني أمية واختاروا لذلك عبد الرحمن بن هشام بن عبد الجبار أخا المهدي وبايعوه في رمضان سنة أربع عشرة وأربعمائة ولقبوه المستظهر‏.‏ وقام بأمره المستكفي‏.‏ ثم ثار على المستظهر لشهرين من خلافته محمـد بـن عبـد الرحمـن بـن عبيـد اللـه بـن الناصـر أميـر المؤمنيـن‏.‏ كـان المنصور بن أبي عامر قتل أباه عبـد الرحمـن لسعيـه فـي الخلـاف فثـار الـآن محمـد هـذا وتبعـه الغوغـاء وفتـك بالمستظهـر واستقل بأمر قرطبة وتلقب بالمستكفي‏.‏ عود الأمر إلى بني حمود وبعـد ستـة عشـر شهـراً مـن بيعـة المستكفـي رجـع الأمر إلى يحيى ابن علي بن حمود وهو المعتلي المعتمد من بني أمية ثم خلع أهل قرطبة المعتلي بن حمود ثانياً سنة سبع عشرة وبايع الوزير أبو محمد جهور بن جهور عميد الجماعة وكبير قرطبة لهشام بن محمد أخي المرتضى وكان بالثغر في لاردة عند ابـن هـود‏.‏ ولمـا بلغـه خبـر البيعـة لـه انتقـل إلـى البرنـث واستقـر عنـد التغلب عليها محمد بن عبد الله بن قاسم وكانت البيعة له انتقل سنة ثمان عشرة وأربعمائة وتلقب المعتمد بالله وأقام متردداً في الثغر‏.‏ ثلاثة أعوام واشتدت الفتن بين رؤساء الطوائف واتفقوا على أن ينزل دار الخلافة بقرطبـة فاستقدمـه ابـن جهـور والجماعـة ونزلهـا آخـر سنـة عشريـن وأقام يسيراً ثم خلعه الجند سنة اثنتين وعشرين وفر إلى لاردة فهلك بها سنة ثمان وعشرين وانقطعت دولة الأموية والله غالب على أمره‏.‏

الخبر عن دولة بني حمود
التي أدالت من دولة بني أمية بالأندلس وأولية ملكهم وتصاريف أمورهم إلى آخرها كان في جملة المستعين مع البربر والمغاربة أخوان من ولد عمر بن إدريس وهما القاسم وعلي ابنـا حمـود بن ميمون بن أحمد بن عبيد الله بن عمر كانوا في لفيف البرابرة فكانت للبربر إليهم صاغية بسبب ذلك وخلطة‏.‏ وبقي الفخر منهم بتاز غدره من غمـارة فأجـازوا مـع البربـر وصاروا في جملة المستعين مع أمراء‏.‏ العدوة من البربر فعقد لهما المستعين فيمن عقد له من المغاربة عقد لعلي منهما على طنجة وعملها للقاسم - وكان الأسن - على الجزيرة الخضراء‏.‏ وكان في نفوس المغاربة والبرابرة تشيع لأولاد إدريس متوارث حق دولتهم بالعدوة كما ذكرناه‏.‏ واستقام أمر علي بن حمود وتمكن سلطانه واتصلت دولته عامين إلى أن قتله صقالبته بالحمام سنة ثمان وأربعمائة فولي مكانه أخوه القاسم بن حمود وتلقب بالمأمون‏.‏ ونازعـه فـي الأمـر بعـد أربـع سنيـن مـن خلافتـه يحيـى ابـن أخيـه علـي بسبتـة وكـان أميـر الخرب وولي عهد أبيه فبعث إليه أشياعهم من البربر مالاً مع جند الأندلس سنة عشر واحتل بمالقة وكان أخـوه إدريـس بهـا منـذ عهـد أبيهمـا فبعـث إلـى سبتـة ووصـل إلـى يحيى بن علي زاوى بن زيري من غرناطة وهو عميد البرابرة ثانية يومئذ فزحف إلى قرطبة فملكها سنة اثنتي عشرة وتلقب المعتلي واستوزر أبا بكر بن ذكـوان وفـر المأمـون إلـى إشبيليـة وبايـع لـه القاضـي محمـد بـن إسماعيل بن عباد‏.‏ واستمال بعضاً من البرابرة ثانية واستجاشهم على ابن أخيه ورجع إلى قرطبة سنة ثلاث عشرة‏.‏ ولحق المعتلي بمكانه من مالقة وتغلب أخوه على الجزيرة الخضراء عمل المأمون من لدن عهد المستعين وتغلب أخوه إدريس على طنجة من وراء البحر وكان المأمون يعتدها حصناً لنفسه وبنيـه ويستـودع بهـا ذخيرتـه وبلـغ الخبـر إلـى قرطبـة بتغلبـه علـى قواعده وحصونه مع ما كان يتشدد على بني أمية فاضطرب أمر المأمون وثار عليه أهل قرطبة ونقضوا طاعته وبايعوا للمستظهر ثـم للمستكفـي مـن بنـي أميـة كمـا ذكرنـاه‏.‏ وتحيـز المأمـون وبرابرتـه إلى الأرباض فاعتصموا به وقاتلوا دونه وحاصروا المدينة خمسين يوماً‏.‏ ثم صمم أهل قرطبة لمدافعتهم فأخرجوا عن الأرباض وانفضت جموعهم سنة عشرة‏.‏ ولحق المأمون باشبيلية وبها ابنه محمد ومحمد بن زيري من رجالات البربر فأطمعه القاضي محمد بن إسماعيل بن عباد في الملك وأن يمتنعوا من القاسم فمنعوه وأخرجوا إليه ابنه وضبطوا بلدهم‏.‏ ثم اشتد ابن عباد وأخرج محمد بن زيري ولحق المأمـون بشريـش ورجـع عنـه البربـر إلـى يحيـى المعتلـي ابـن أخيـه فبايعـوه سنة خمس عشرة‏.‏ وزحف إلـى عمـه المأمـون بشريـش فتغلـب عليـه ولـم يزل في محبسه سنة سبع وعشرين وأربعمائة واستقل يحيى المعتلي بالأمور واعتقل محمداً والحسن ابني عمه القاسم المأمون بالجزيرة ووكل بهما أبا الحجاج من المغاربة وأقاما كذلك‏.‏ ثم خلع أهل قرطبة المستكفي وصاروا إلى طاعة المعتلي واستعمل عليهم عبد الرحمن بن عطـاف اليفرني من رجالات البربر وفر المستكفي إلى ناحية الثغر فهلك بمدينة سالم‏.‏ ثم نقض أهل قرطبة طاعة المعتلي سنة سبع عشرة وصرفوا عامله عليهم ابن عطاف وبايعوا للمعتمد أخي المرتضى‏.‏ ثم خلعوه كما ذكرنا في خبره واستبد بأمر قرطبة الوزير ابن جهور بن محمد كمـا نذكـره فـي أخبـار ملـوك الطوائـف وأقـام يحيـى بـن المعتلـي يتخيفهـم ويردد العساكر لحصارهم إلى أن اتفقت الكافة على إسلام المدائن والحصون له فلا سلطانه واشتد أمره وظاهره محمد بن عبـد اللـه البرزالـي علـى أمـره فنـزل عنـده بقرمونـة يحاصـر فيهـا ابن عباد بإشبيلية إلى أن هلك سنة سـت وعشريـن بمداخلـة ابـن عبـاد للبرزالي في اغتياله فركب المعتلي لخيل أغارت على معسكره بقرمونـة مـن جنـد ابـن عباد وقد أكمنوا له فكبا به فرسه وقتل‏.‏ وتولى قتله محمد بن عبد الله البرزالي وانقطعت دولة بني حمود بقرطبة‏.‏ وكـان أحمـد بـن موسـى بـن بقيـة والخـادم نجـى الصقلـي وزيـري دولة الحموديين عند أولها فرجعا إلى مالقة دار ملكهم واستدعوا أخاه إدريس بن علي بن حمود من سبتة وطنجة وبايعوه على أن يولي سبتة حسن ابن أخيه يحيى فتم أمره بمالقة وتلقب المتأيد بالله وبايعـه المريـة وأعمالهـا ورندة والجزيرة وعقد لحسن ابن أخيه يحيى على سبتة ونهض معه نجى الخادم وكان له ظهور على ملوك الطوائف وكان أبوه القاسم بن عباد قد استفحل ملكه لذلك العهد ومد يده إلى انتزاع البلاد من أيدي الثوار‏.‏ وملك أشبونة وأستجة من يد محمد بن عبد الله البرزالي وبعث العساكـر مـع ابنـه إسماعيـل لحصـار قرمونـة فاستصـرخ محمـد بـن عبد الله بالقائد هذا وبزاوي فجاء زاوي بنفسه وبعث القائد هذا عساكره مع ابن بقية فكانت بينهـم وبيـن ابـن عبـاد حـروب شديدة هزم فيها ابن عباد وقتل وحمل رأسه إلى إدريس المتأيد وهلك ليومين بعدها سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة‏.‏ واعتـزم ابـن بقيـة علـى بيعـة ابنـه يحيى الملقب حبون فأعجله عن ذلك نجى الخادم وبادر إليه من سبتة ومعه حسن بن يحيى المعتلي فبايعه البربر ولقب المستنصر وقتل ابن بقية وفر يحيى بن إدريس إلى قمارش فهلك بها سنة أربع وثلاثين ويقال بل قتله نجى ورجع نجى إلى سبتة ليحفظ ثغرها ومعه ولد حسن بن يحيى صبياً وترك السطيفي على وزارة حسن لثقته بـه وبايعته غرناطة وجملة من بلاد الأندلس‏.‏ وهلك حسن مسموماً بيد ابنة عمه إدريس ثارت لأخيها حسن سنة ثمان وثلاثين فاعتقل السطيفي أخاه إدريس بن يحيى وكتب إلى نجى وابن حسـن المستنصـر الـذي كان عنده بسبتة ليعقد له واغتاله نجى وأجاز إلى مالقة ودعى لنفسه‏.‏ ووافقه البربر والجند‏.‏ ثم نهض إلى الجزيرة ليستأصل حسناً ومحمداً ابني قاسم بن حمود ورجع خاسئاً فاغتاله في طريقه بعض عبيد القاسم وقتلوه‏.‏ وبلغ الخبر إلى مالقة فثارت العامة بالسطيفي وقتل وأخرج إدريس بن يحيى المعتلي من معتقله وبويع له سنة أربع وثلاثين وأطاعته غرناطة قرمونة وما بينهمـا ولقـب العالـي وولـى علـى سبتـة سكوت ورزق الله من عبيد أبيه‏.‏ ثم قتل محمداً وحسناً ابني عمه إدريس فثار السودان بدعوة أخيهما محمد بمالقة وامتنعوا بالقصبة وكانت العامة مع إدريس ثم أسلموه‏.‏ وبويع محمد بمالقة سنة ثمان وثلاثين وتلقب المهدي وولى أخاه عهده ولقبه الساني‏.‏ ثم نكر منه بعض النزعات ونفاه إلى العدوة فأقام بين غمارة ولحق العالي بقمارش فامتنع بها وأقام يحاصر مالقة وزحف بإدريس من غرناطة منكراً على المهدي فعله فامتنع عليه فبايع له وانصرف وأقام المهدي في ملكه بمالقة وأطاعته غرناطة وحيان وأعمالها إلى أن مات بمالقة سنة أربع وأربعين‏.‏ وبويع إدريس المخلوع ابن يحيى المعتلي من مكانه بقمارش وبويع له بمالقة وأطلق أيدي عبيده عليهـا لحقـده عليهـم ففـر كثيـر منهـم إلـى أن هلـك سـن سبـع وأربعيـن وبويـع محمـد الأصغر ابن إدريس المتأيـد وتلقبـه وخطـب لـه بمالقـة والمرية ورندة‏.‏ ثم سار إليه باديس فتغلب على مالقة سنة تسع وأربعين وأربعمائة وسار محمد المستعلي إلى المرية مخلوعاً واستدعاه أهل مليلة فأجاز إليهم وبايعوه سنة تسع وخمسين وبايعه بنو ورقدى وقلوع جارة ونواحيها‏.‏ وهلك سنة وأربعمائة‏.‏ وأما محمد بن القاسم المعتقل بمالقة ففر هو من ذلك الاعتقال سنة أربع عشرة ولحق بالجزيرة الخضـراء فملكهـا وتلقـب المعتصـم إلـى أن مـات سنـة أربعيـن‏.‏ ثـم ملكهـا بعـده ابنـه القاسم الواثق إلى أن هلك سنة خمسين وصارت الجزيرة للمعتضد بن عباد وكان سكوت البرغواطي الحاجب مولـى القاسـم الواثق محمد بن المعتصم ويقال مولى يحيى المعتلي والياً على سبتة من قبلهم فلما غلب ابن عباد على الجزيرة طلبه في الطاعة وطلب هو ملك الجزيرة فامتنعت عليه واتصلت الفتنـة بينهمـا إلـى أن كـان مـن أمـر المرابطين وتغلبهم على سبتة وعلى الأندلس ما سنذكره والبقاء لله وحده سبحانه وتعالى‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 06:01 AM

الخبر عن ملوك الطوائف بالأندلس بعد الدولة الأموية
كان ابتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم لما انتثر ملك الخلافة العربية بالأندلس وافترق الجماعة بالجهات وصار ملكها في طوائف من الموالي والوزراء وأعياص الخلافة وكبار العرب والبربر واقتسموا خططها وقام كل واحد بأمر ناحية منها‏.‏ وتغلب بعض على بعض استقل أخيراً بأمرهـا ملـوك منهـم استفحـل شأنهـم ولاقـوا بالجزيـة للطاغيـة أو يظاهـرون عليهـم أو ينتزعونهـم ملكهم حتى أجاز إليهم يوسف بن تاشفين أمير المرابطين وغلبهم جميعاً على أمرهم فلنذكر أخبارهم واحداً بعد واحد‏.‏ بنو عباد الخبر عن بني عباد ملوك إشبيلية وغربي الأندلس وعمن تغلبوا عليه من أمراء الطوائف كـان أولهـم القاضـي أبـو القاسـم محمـد بـن فـي الوزارتين أبي الوليد إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بـن قريـش بـن عبـاد بـن عمر بن أسلم بن عمر بن عطاف بن نعيم اللخمي وعطاف هو الداخل إلى الأندلس في طوالع لخم وأصلهم من جند حمص ونزل عطاف قرية طشانة بشرق إشبيلية ونسل بنيه بها‏.‏ وكان محمد بن إسماعيل بن قريش صاحب الصلاة بطشانة‏.‏ ثم ولي ابنه إسماعيـل الـوزارة بإشبيليـة سنـة ثلاث عشرة وأربعمائة وولي ابنه أبو القاسم القضاء بها والوزارة من سنة أربع عشرة وأربعمائة إلى أن هلك سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ وكـان أصل رياسته أنه كان له اختصاص بالقاسم بن حمود وهو الذي أحكم عقد ولايته وكان محمـد بـن زيـري مـن أقيـال البرابـرة والياً على إشبيلية فلما فر القاسم من قرطبة وقصده داخل بن عباد محمد بن زيري في غرناطة ففعل وطردوا القاسم وطردوا بعدها بن زيري وصار الأمر شـورى بينـه وبيـن أبـي بكـر الزبيـدي معلـم هشـام وصاحـب مختصـر العيـن فـي اللغة ومحمد بن برمخ الألهانـي‏.‏ ثـم استبـد عليهـم وجنـد الجنـد ولـم يـزل علـى القضـاء‏.‏ ولمـا منـع القاسـم من إشبيلية عدل عنهـا إلـى قرمونـه ونـزل على محمد بن عبد الله البرزالي وكان ولي قرمونة أيام هشام والمهدي من بعده‏.‏ ثم استبد بها سنة أربع وأربعمائة أزمان الفتنة فداخله ابن عباد في خلع القاسم والاستبداد بها‏.‏ ثم تنصح للقاسم فتحول إلى شريش واستبد محمد بن البرزالي بقرمرنة‏.‏ واستبد أبو القاسم إلى أن هلك سنة ثلاث وثلاثين كما قلناه وقام بأمره ابنه عباد وتلقب المعتضد واستولى على سلطانه واشتدت حروبه وأيامه‏.‏ وتنـاول طائفـة مـن الممالك بعد بالأندلس وانفسح أمده وأول ما افتتح أمره بمداخلة محمد بن عبد الله البرزالي صاحب قرمونـة فـي إفسـاد مـا بينـه وبيـن القاسـم بـن حمـود حتـى تحـول عنـه إلـى شريـش‏.‏ ثم تحارب مع عبد الله بن الأفطس صاحب بطليوس وغزاه ابنه إسماعيل في عساكره ومعه محمد بن عبد الله البرزالي فلقيه المظفر بن الأفطس فهزمهما وأسر المظفر بن البرزالي إلى أن أطلقـه بعـد حيـن‏.‏ ثـم فسـد مـا بينـه وبيـن البرزالـي واتصلـت الفتنـة بينهمـا إلـى أن قتله ابنه إسماعيل خرج إليه في سرية فأغار على قرمونة وأكمن الكمائن فركب محمـد البرزالـي فـي أصحابـه واستطرد له إسماعيل إلى أن بلغ به الكمين فخرجوا عليه فقتلوه وذلك سنة أربع وثلاثين‏.‏ ثم خالف عليه ابنه إسماعيل وأغراه العبيد والبرابرة بالملك فأخـذ مـا قـدر عليـه مـن المـال والذخيـرة وفر إلى جهة الجزيرة للتوثب بها وكان أبوه ليلتئذ بحصن الفرج فأنفذ الخيالة في طلبه فمـال إلـى قلعـة الـورد فتقبـض واليهـا عليـه وأنفـذه إلى أبيه فقتله وقتل كاتبه وكل من كان معه‏.‏ ثم رجع إلى مطالبة البربر المتزين بالثغور وأول من نذكر منهم صاحب قرمونة وكان بها المستظهر العزيز بن محمد بن عبد الله البرزالي وليها بعد أبيه كمـا ذكرنـاه‏.‏ وكانـت لـه معهـا أستجـة والمروز وكان نموز ورواركش للوزير نوح الرموي من برابرة العدوة وشيعة المنصور واستبد بها سنـة أربـع ومـات سنـة ثلـاث وثلاثيـن‏.‏ وولـي ابنـه عـز الدولـة الحاجـب أبو مياد محمد بن نوح ومات سنـة‏.‏ وكـان يزيـد أبـو ثـور بـن أبـي قـرة اليفرنـي استبـد بهـا أيام الفتنة سنة خمسين من يد عامر بن فتـوح مـن صنائـع العلوييـن ولـم يزل المعتضد يضايقه واستدعاه بعض الأيام لولاية فحبسه وكاده في ابنـه بكتـاب علـى لسـان جاريتـه برنـدة أنه ارتكب منها محرماً ثم أطلقه فقتل ابنه وشعر بالمكيدة فمـات أسفـاً سنـة خمسيـن وولـي ابنـه أبـو نصـر إلـى أن غـدر بـه فـي الحصـن بعـض أجناده فسقط من السور ومات سنة تسع وخمسين‏.‏ وكـان بشريـش خـزرون بـن عبـدون ثـار بها سنة اثنتين وأربعمائة فتقبض عليه ابن عباد وطالبهم وطاف على حصونهـم وصـار يهاديهـم وأسجـل لهـم بالبلـاد التـي بأيديهـم فاسجـل لابـن نـوح بأركـش ولابـن خـزرون بشريـش ولأبـن أبـي قـرة برنـدة وصـاروا فـي حزبـه ووثقـوا بـه‏.‏ ثـم استدعاهـم لوليمة وغدر بهم في حمام استعمله لهم على سبيل الكرامة وأطبقه عليهم فهلكوا جميعاً إلا ابن نوح فإنه سالمه من بينهم لليد التي كانت له عنده في وخرج باديس لطلب ثأرهم منه واجتمعت إليه عشائرهم فنازلوه مدة ثم انصرفوا وأجازوا إلـى العـدوة فاحتلـوا بسبتـة وطردهـم سكـوت فهلكـوا فـي المجاعـة التـي صادفـوا وأحلـوا بالمغـرب لذلـك العهد‏.‏ واستقل ابن عباد وكان بأونية وشلطليش عبد العزيز البكري وكانت عساكر المعتضد ابن عباد تحاصره فشفع فيه ابن جهور للمعتضد فسالمه مدة‏.‏ ثم هلك ابن جهور فعاد إلى مطالبته إلى أن تخلـى لـه عنهـا سنـة ثلـاث وأربعيـن فولـى عليهـا ابنـه المعتمـد‏.‏ ثـم سـار إلـى شلـب وبهـا المظفـر أبـو الأصبـغ عيسـى بـن القاضـي أبـي بكـر محمـد بـن سعيـد بـن مزيـن ثـار بها سنة تسع عشرة ومات سنة اثنتين وأربعين فسار إليها المعتضد وملكها من يد ابنه ونقل إليها المعتمد فنزلها واتخذهـا دار إمـارة‏.‏ ثـم سـار إلـى شنـت بريـه وبهـا المعتصـم محمد بن سعيد بن هارون فانخلع له عنها سنة تسع وثلاثين وأضافها للمعتمد‏.‏ وكان بلبلة تاج الدين أبو العباس أحمد بن يحيى التحصيني ثار بها سنة أربع عشرة وخطب له بأونية وشلطليش ومات سنة ثلاث وثلاثين وأوصـى إلـى أخيـه محمـد وضايقـه المعتضـد فهـرب إلـى قرطبـة واستبـد بهـا ابن أخيه فتح بن خلف بـن يحيـى‏.‏ وانخلـع للمعتضـد سنـة خمـس وأربعين وصارت هذه كلها من ممالك بني عباد‏.‏ وتملك المعتضد أيضاً مرسية وثار بها عليه ابـن رشيـق البنـاء وتسمـى خاصـة الدولـة وبقـي ثمـان سنين‏.‏ ثم ثاروا عليه سنة خمس وخمسين ورجعوا لابن عباد‏.‏ وتملـك المعتضـد مرثلـة مـن يـد ابـن طيفـور سنـة سـت وثلاثيـن وكان تملكها من يد عيسى بن نسب الجيش الثائر بها وصارت هذه الممالك كلها في ملك ابن عباد وكانت بينه وبين باديس ابن حبـوس صاحـب غرناطـة حـروب إلـى أن هلـك سنـة إحـدى وستيـن وولـي من بعده ابنه المعتمد بن المعتضد بن إسماعيل أبو القاسم بن عباد وجرى على سنن أبيه واستولى على دار الخلافة قرطبة من يد ابن جهور وفرق أبناءه على قواعد الملك وأنزلهم بها واستفحل ملكه بغرب الأندلس وعلت يـده علـى مـن كـان هنالـك مـن ملـوك الطوائـف مثـل ابـن باديـس بـن حبـوس بغرناطـة وابـن الأفطـس ببطليـوس وابن صمادح بالمرية وغيرهم‏.‏ وكانوا يطلبون سلمه ويعملون في مرضاته وكلهم يدارون الطاغية ويتقونه بالجزى إلى ظهر بالعدوة ملك المرابطين واستفحل أمر يوسـف بـن تاشفيـن وتعلقـت آمـال المسلميـن فـي الأندلـس بإعانتـه وضايقهم الطاغية في طلب الجزية فقتل ابن عباد ثقته اليهودي الذي كان يتردد إليه لمكة لأخذ الجزية بسبب كلمة أسف بها‏.‏ ثم أجاز البحر صريخاً إلي يوسف بن تاشفين وكان من إجازته إليه ومظاهرته إياه ما يأتي ذكره في أخباره‏.‏ ثم طلب الفقهاء بالأندلس من يوسف بن تاشفين رفع المكوس والظلامات عنهـم فتقـدم بذلـك إلـى ملـوك الطوائـف فأجازوه بالامتساك حتى إذا رجع من بلادهم رجعوا إلى حالهم وهو خلال ذلك يردد العساكر للجهاد‏.‏ ثم أجاز إليهم وخلع جميعهم ونقلهم إلى العدوة واستولى على الأندلـس كمـا يأتـي ذكـره فـي أخبـاره‏.‏ وصـار ابـن عبـاد فـي قبضـة حكمـه بعـد حـروب نذكرها‏.‏ - ونقله إلى أغمات قرية مراكش سنة أربع وثمانين وأربعمائة واعتقله هنالك إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين‏.‏ وكانـت بالأندلـس ثغور أخرى دون هذه ولم يستول عليها ابن عباد فمنها بلد السهلة استبد بها هذيل بن خلف بن رزن أول المائة الخامسة بدعوة هشام تسمى مؤيد الدولة‏.‏ وهلك شهيداً سنـة خمسيـن وهلـك بعـده أخـوه حسـام الدولـة عبـد الملـك بـن خلف‏.‏ ولم يزل أميراً عليها إلى‏.‏ أن ملكها المرابطون من يده عند تغلبهم على الأندلس‏.‏ ومنها بلد البونت واللج تغلب عليها عبد الله بن قاسم الفهري أزمان الفتنة وتسمى نظام الدولة وهو الذي كان المعتمد عنده عندما ولاه الجماعة بقرطبة ومن عنده جاء إليها وهلك سنة إحدى وعشرين وولي ابنه محمد يمين الدولـة وكانـت بينـه وبيـن مجاهـد حـروب‏.‏ وملـك بعـده ابنـه أحمـد عقـد الدولة وهلك سنة أربعين‏.‏ وملـك أخـوه عبـد الله جناح الدولة إلى أن خلعه المرابطون سنة خمس وثمانين‏.‏ ولنرجع إلى ذكر بقية الملوك الأكابر من الطوائف والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب أخبار ابن جهور‏:‏ كـان رئيـس الجماعـة أيـام الفتنـة بقرطبـة أبـو الحـزم جهـور بن محمد بن جهور ابن عبد الله بن محمد بن المعمر بـن يحيـى بـن أبـي المغافـر بـن أبـي عبيـدة الكلبـي هكـذا نسبـه ابـن بشكـوال‏.‏ وأبـو عبيـدة هـو الداخل إلى الأندلس وكانت لهم وزارة الدولة العامرية بقرطبة واستبد جهور هذا سنة اثنتين وعشريـن وأربعمائـة لمـا خلـع الجنـد المعتـز آخـر خلفـاء بنـي أميـة ولم يدخل في أمور الفتنة فاستولى على المملكة ورتب الأمور ولم يتحول عن داره إلى قصر الخلافة وكان على سنن أهل الفضل يعـود المرضـى ويشهـد الجنائـز ويـؤذن عنـد مسجدهم بالربض الشرقي ويصلي التراويح ولا يحتجـب عـن النـاس فأسنـدوا أمرهـم إليـه إلـى أن يوجـد خليفـة إلـى أن خاطبهم محمد‏.‏ بن إسماعيل بن عباد يعرفهم أن هشاماً المؤيد عنده بأشبيلية وأكثـر فـي ذلـك فخطـب لـه بقرطبـة بعـد مراوضـات‏.‏ ثـم أتـي بـه إلـى قرطبـة فمنعـوه الدخـول وأضربـوا عـن ذكـره فـي الخطبـة وانفرد ابن جهور بأرهم إلـى أن هلـك فـي محـرم سنـة خمـس وثلاثيـن ودفـن بـداره وولـي ابنـه أبـو الوليـد محمـد بـن جهـور باتفـاق مـن الكافـة فجـرى علـى سنـن أبيـه‏.‏ وكـان قـد قرأ على مكي ابن أبي طالب المكي وغيره فكان مكرماً لأهله‏.‏ واستوزر ثقته إبراهيم بن يحيى فكفاه وهلك كما هو معروف ففوض التدبير إلى ابنه عبد الملك فأساء السيرة وتكره إلى الناس‏.‏ وحاصره ابن ذي النون بقرطبة فاستغاث بمحمد بن عباد فأمده بالجيش ووصى عسكره بذلك فداخلوا أهل قرطبة وخلعوه سنـة إحـدى وستيـن وأخرجـوه عـن قرطبـة‏.‏ واعتقل بشلطليش إلى أن هلك سنة اثنتين وسبعين وولـى ابـن عبـاد علـى قرطبـة ابنـه سـراج الدولـة وقدمهـا مـن بلنسيـة ودخلها إلى أن قتل بها مسموماً وحمـل إلـى طليطلـة فدفـن بهـا‏.‏ وزحـف المعتمـد بـن عبـاد بعـد مهلكـه إلـى قرطبة فملكها سنة تسع وستيـن‏.‏ وقتـل ابـن عكاشـة واستخلـف ابنـه المأمـون الفتـح بـن محمـد وصـار غرب الأندلس كله في ملكه إلى أن دخل المرابطون الأندلس وغلبوا عليهم سنة أربع وثمانين فقتل الفتح وحمل أباه المعتمد إلى أغمات كما ذكرناه ونذكره‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏


الساعة الآن 10:04 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى