![]() |
أخبار ابن الأفطس صاحب بطليوس من غرب الأندلس ومصاير أمره
ملك بطليوس من غرب الأندلس عند الفتنة واهتياجها أبو محمد عبد الله بن مسلمة التجيبي المعروف بابن الأفطس واستبد بها سنة إحدى وستين وأربعمائة فهلك وولي من بعده ابنه المظفر أبو بكر واستفحل ملكه وكان من أعاظم ملوك الطوائف. وكانت بينه وبين ابن ذي النون حروب مذكورة وكذا مع ابن عباد بسبب ابن يحيى صاحب مليلة أعانه ابن عباد عليه فاستولـى بسبـب ذلـك علـى كثيـر مـن ثغـوره ومعاقلـه. واعتصـم المظفـر ببطليـوس بعد هزيمتين هلك فيهما خلق كثير وذلك سنة ثلاث وأربعين. ثم أصلح بينهما ابن جهور وهلك المظفر سنة ستين وأربعمائة. وتولى بعده ابنه المتوكل أبو حفص عمر بن محمد المعروف بساجة ولم يزل سلطانـاً بهـا إلـى أن قتلـه يوسف بن تاشفين أمير المرابطين سنة تسع وثمانين وأربعمائة وقتل معه أولاده. أغراه به ابن عباد فلما تمكنت الاسترابة من المتوكل خاطب الطاغية واستراح إليه مما دهمه. وشعر به ابن عباد فكاتـب يوسـف بـن تاشفيـن واستحثـه لمعاجلتـه قبـل أن يتصـل بالطاغية ويتصل بالثغر فأغذ إليـه السيـر ووافـاه سنـة فقبـض عليـه وعلـى بنيـه وقتلهـم يـوم الأضحى حسبما نذكر في أخبارهم. ورثاه ابن عبدون بقصيدته المشهورة وهي: الدهر يفجـع بعـد العيـن بالأثـر فما البكاء على الأشباح والصور عـدد فيهـا أهل النكبات ومن عثر به الزمان بما يبكي الجماد وسنذكر قصتهم في أخبار لمتونة وفتحهم الأندلس والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. أخبار باديس بن حسون ملك غرناطة والبيرة كان عميد صنهاجة في الفتنة البربرية زاوي بن زيري بن مناد. أجاز إلى الأندلس على عهد المنصور فلما هاجت الفتنة البربرية وانحل نظام الخلافة كان فحـل ذلـك الشـول وكبـش تلـك الكتائـب وعمد إلى البيرة ونزل غرناطة واتخذها داراً لملكه. ولما بايع الموالي العامريون للمرتضى المروانـي وتولـى كبـر ذلـك مجاهـد العامري ومنذر بن يحيى بن هاشم التجيبي وعمد إلى غرناطة فلقيهم زاوي بن زيري في جموع صنهاجة وهزمهم سنة عشرين وأربعمائـة وقتـل المرتضـى. وأصاب زاوي من ذخائرهم وأموالهم وعددهم ما لم يقتنه ملك. ثم وقع في نفسه سوء آثار البربـر بالأندلـس أيـام هذه الفتنة وحذر مغبة ذلك فارتحل إلى سلطان قومه بالقيروان واستخلـف علـى غرناطـة ابنـه فدبـر القبـض علـى ابـن رصيـن ومشيخة غرناطة إذا رجعوا عن أبيه وشعروا بذلك فبعثوا إلى ابن أخيه ماكس بن زيري من بعض الحصون فوصل وملك غرناطة واستبـد بهـا إلـى أن هلـك سنة تسع وعشرين وولي ابنه باديس وكانت بينه وبين ذي النون وابن عبـاد حـروب. واستولـى علـى سلطانـه كاتبـه وكاتـب أبيـه إسماعيـل بـن نعزلـة الذمـي. ثـم نكبـه وقتله سنـة تسـع وخمسيـن وقتـل معـه خلقـاً مـن اليهـود. وتوفي سنة سبـع وستين وولي حافده المظفر أبو صمـد عبـد اللـه بـن بلكيـن بـن باديـس وولـى أخـاه تميمـاً بمالقة بعهده جده. وخلعهما المرابطون سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة وحملا إلى أغمات ووريكـة واستقـرا هنالـك حسبمـا يذكـر بعـد فـي أخبارهم مع يوسف بن تاشفين والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. الخبر عن بني ذي النون ملوك طليطلة من الثغرالجوفي وتصاريف أمورهم ومصائر أحوالهم جدهم إسماعيل الظافر بن عبد الرحمن بن سليمان بن ذي النون أصله من قبائل هوارة ورأس سلفـه فـي الدولـة المروانيـة. وكانـت لهم رياسة في شنترية. ثم تغلب على حصن أفلنتين أزمان الفتنة سنة تسع وأربعمائة. وكانت طليطلة ليعيش بن محمد بن يعيش واليها منذ أول الفتنة فلما هلك سنة سبع وعشرين استدعاه إسماعيل الظافر من حصن أفلنتين مع بعض أجناد طليطلـة فمضـى إليهـا وملكهـا. وامتـد ملكـه إلـى جنجالـة مـن عمل مرسية ولم يزل أميراً بها إلى أن هلـك سنـة تسـع وعشريـن. وولي ابنه المأمون أبو الحسن يحيى واستفحل ملكه وعظم بين ملوك الطوائف سلطانه وكانت بينه وبين الطاغية مواقف مشهورة. وفي سنة خمـس وثلاثيـن غـزى بلنسيـة وغلـب علـى صاحبهـا المظفـر ذي السابقين من ولد المنصور بن أبي عامر. ثم غلب على قرطبة وملكها من يد ابن عباد وقتل ابنه أبا عمر بعد أن كان ملكهـا وهلـك الظافـر بهـا مسمومـا سنـة سبع وستين كما ذكرناه. وولي بعده على طليطلة حافده القادر يحيى بن إسمعيل بن المأمون يحيى بن ذي النون وكان الطاغية ابن أدفونش قد استفحل أمره لما خلا الجو من مكان الدولة الخلافية وخف ما كان على كاهله من أمره العرب فالتهم البسائـط وضايـق ابـن ذي النـون حتـى غلـب علـى طليطلـة فخـرج لـه القادر عنها سنة ثمان وسبعين وأربعمائة وشرط عليه أن يظاهره على أخذ بلنسية وعليها عثمان القاضي بن أبي بكر بن عبـد العزيـز مـن وزراء ابن أبي عامر فخلعه أهلها خوفاً من القادر أن يمكن منهم ألفنش فدخلها القادر وأقام بها سنتين وقتل سنة إحدى وثمانين على ما نذكر بعد إن شاء الله تعالى. الخبر عن أبي عامر صاحب شرق الأندلس من بني ملوك الطوائف وأخبار الموالي العامريين الذين كانوا قبله وابن صمادح قائده بالمرية وتصاريف أحوالهم ومصائرها: بويع للمنصور عبد العزيز بن عبد الرحمن الناصر بن أبي عامر بشاطبة سنة إحدى عشرة وأربعمائة أقامه الموالي العامريون عند الفتنة البربرية فاستبد بها. ثم ثار عليـه أهـل شاطبة فأفلت ولحق ببلنسية فملكها وفوض أمره للموالي. وكان من وزرائه ابن عبد العزيز وكان خيران العامري من مواليهم. وكان من وزرائه ابن عبد العزيز وكان خيران العامري من مواليهم تغلب من قبل ذلك على أربولة سنة أربع. ثم ملك مرسية سنة سبع ثم حيان ثم المرية سنة تسع وبايعوا جميعاً للمنصور عبد العزيز. ثم انتقض خيران على المنصور وسار من المرية إلى مرسية وأقام بها ابن عمه أبا عامر محمد بـن المظفـر بـن المنصـور بـن أبـي عامـر خـرج إليه من قرطبة من حجر القاسم بن حمود وخلص إلى خيران بأموال جليلة فجمع الموالي فأخذوا ماله وطردوه. ثم ولـاه خيـران وسمـاه المؤتمـن ثـم المعتصـم. ثـم تنكـر عليـه وأخرجـه مـن مرسيـة ولحـق بالمريـة وأغرى به الموالي فأخذوا ماله وطردوه ولحق بغرب الأندلس إلي أن مات. ثم هلك خيران بالمرية سنة تسع عشرة وقام بالأمر بعده الأميـر عميـد الدولـة أبـو قاسـم زهيـر العامـر فـي وزحف إلى غرناطة فبرز إليه باديس بن حبوس وهزمه وقتل بظاهرها سنة تسع وعشرين فصار ملكه للمنصور عبد العزيز صاحب بلنسية وملكها من يده سنة سبع وخمسين. ولمـا هلـك المأمـون بـن ذي النـون وولـى حافـده القـادر ولى على بلنسية أبا بكر بن عبد العزيز بقية وزراء ابن أبي عامر فداخله ابن هود في الانتقاض على القادر ففعل واستبد بها وضبطها سنـة ثمـان وستيـن حيـن تغلـب المقتدر على دانية. ثم هلك سنة ثمان وسبعين لعشر سنين من ولايتـه. وولـي ابنـه القاضـي عثمـان فلمـا سلـم القـادر بـن ذي النـون طليطلـة زحـف إلى بلنسية ومعه الفنش كما قلناه وخلع أهل بلنسية عثمان بن أبي بكر وأمكنوا منها القادر خوفاً من استيلاء النصراني وذلك سنة ثمان وسبعين وأربعمائة. ثـم ثـار القـادر سنـة ثلـاث وثمانيـن القاضي جعفر بن عبد الله بن حجاب وقتله واستبد بها. ثم تغلـب النصارى عليها سنة تسع وثمانين وقتلوه. ثم تغلب المرابطون على الأندلس وزحف ابن ذي النـون قائدهـم إلـى بلنسيـة فاسترجعهـا مـن أيديهـم سنـة خمـس وتسعيـن وأربعمائة. وأما معن بن صالح قائد الوزير ابن أبي عامر فأقام بالمرية لما ولاه المنصور سنة ثمان وثمانين وتسمـى ذا الوزارتيـن. ثـم خلعـه وولى ابنه المعتصم أبو يحيى محمد بن معن بن صمادح واستبد بها أربعاً وأربعيـن سنـة وثـار عليه صاحب لورقة ابن شبيب وكان أبوه معزولاً عليها فجهز إليه المعتصم جيشا واستمد ابن شبيب المنصور بن أبي عامر صاحب بلنسية ومرسية بالعدو واستمد المعتصم بباديس ونهض عمه صمادح بن باديس بن صمادح فقاتلوا حصوناً من حصون لورقة واستولـوا عليهـا ورجعـوا ولـم يزل المعتصم أميراً بالمرية إلى أن هلك سنة ثمانين وولي ابنه وخلعه يوسـف بـن تاشفيـن أميـر المرابطيـن سنـة أربع وثمانين وأجاز إلى العدوة ونزل على آل حماد بالقلعة وبها مات ولده والله وارث الأرض ومن عليها. بنو هود الخبر عن بني هود ملوك سرقسطة من الطوائف صارت إليهم من بني هاشم وما كان من أوليتهم ومصائر أمورهم كان منذر بن مطرف بن يحيى بن عبد الرحمن بن محمد بن هاشم التجيبي صاحب الثغر الأعلى وكان بين المنصـور وعبـد الرحمـن منافسـة علـى الإمـارة والرياسـة وكانـت دار إمارتـه سرقسطة ولما بويع المهدي بن عبد الجبار وانقرض أمر العامريين وجاءت فتنة البربر كان مع المستعين حتى قتل هشام مولاه فامتعض لذلك وفارقه وبايع المرواني للمرتضى مع مجاهد ومن اجتمـع إليـه مـن الموالـي والعامرييـن وزحفـوا إلى غرناطة فلقيهم زاوي بن زيري وهزمهم. ثم ارتابوا بالمرتضـى ووضعـوا عليـه من قتله مع خيران بالمرية واستبد منذر هذا بسرقسطة والثغر وتلقب بالمنصـور وعقدهـا بين طاغية جليقة وبرشلونة وبنيه وهلك سنة أربع عشرة وولي ابنه وتقلب المظفـر. وكـان أبـو أيـوب سليمـان بـن محمـد بن هود الجذامي من أهل نسبهم مستبداً بمدينة تطيلة ولاها منذ أول الفتنة وجدهم هود هو الداخل للأندلس ونسبه الأزد إلى سالم مولـى أبـي حذيفة. قال هود بن عبد الله بن موسى بن سالم: وقيل هود من ولد روح بن زنباغ فتغلب سليمان على المظفر يحيى بن المنذر وقتله سنة إحدى وثلاثين وملك سرقسطة والثغر الأعلى وابنه يوسف المظفر لاردة. ثم نشأت الفتنـة بينهمـا وانتصـر المقتـدر بالإفرنـج والبشكنـس فجـاؤوا لميعاده فوقعت الفتنة بين المسلمين وبينهم ثائرة وانصرفوا إلى يوسف صاحب لاردة فحاصرها بسرقسطة وذلـك سنـة ثلـاث وأربعيـن. وهلـك أحمـد المقتـدر سنـة أربـع وسبعيـن لتسـع وثلاثيـن سنـة من ملكه فولي بعده ابنه يوسف المؤتمن وكان قائما على العلوم الرياضية وله فيها تآليف مثل الاستهلال والمناظر ومات سنة ثمان وسبعين وهي السنة التـي استولـى فيهـا النصـارى علـى طليطلـة مـن يـد القـادر بـن ذي النـون. وولـي بعده المستعين وعلى يده كانت وقعة وشقة زحف سنة تسع وثمانين في آلاف لا تحصى من المسلمين وهلك فيها خلـق نحـو عشـرة آلـاف ولـم يـزل أميـرا بسرقسطة إلى أن هلك شهيدا سنة ثلاث وخمسمائة بظاهر سرقسطة في زحف الطاغية إليها. وولي بعده ابنه عبد الملك وتلقب عماد الدولة وأخرجه الطاغية من سرقسطة سنة اثنتي عشـرة فنـزل روطـة مـن حصونهـا وأقـام بهـا إلـى أن هلـك سنـة ثلـاث عشرة. وولي ابنه أحمد وتلقب سيـف والمستنصـر وبالـغ النكايـة فـي الطاغيـة ثـم سلـم لـه روطـة على أن يملكه بلاد الأندلس فانتقل معـه إلـى طليطلـة بحشمـه وآلتـه وهنالـك هلـك سنة ست وثلاثين وخمسمائة. وكان من ممالك بني هود هؤلاء مدينة طرطوشة وقد كان بقايا من الموالي العامريين فملكها سنة ثلـاث وثلاثيـن وأربعمائة. ثم هلك سنة خمس وأربعين وملكها بعده يعلى العامري ولم تطل مدته. وملكها بعـده شبيـل إلـى أن نـزل عنهـا لعمـاد الدولـة أحمـد بـن المستعيـن سنـة ثلـاث وخمسين فلم تزل في يده وفـي يـد بنيـه مـن بعـده إلـى أن غلـب عليهـا العـدو فيمـا غلـب عليه من شرق الأندلس. والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. |
الخبر عن مجاهد العامري صاحب دانية والجزائر الشرقية
وأخبار بنية ومواليهم من بعدهم ومصائر أمورهم كـان فتـح ميورقـة سنـة تسعيـن ومائتيـن علـى يـد عصام الخولاني وذلك أنه خرج حاجاً في سفينة اتخذها لنفسه فعصفت بهم الريح فأرسلوا بجزيرة ميودقة وطال مقامهم هنالك واختبروا من أحوالهم ما أطمعهم في فتحها فلما رجع بعد فرضه أخبر الأمير بما رأى فيها وكان من أهل الغنـاء عنـده فـي مثلهـا فبعـث معـه القطائـع في البحر. ونفر الناس معه إلى الجهاد فحاصرها أياماً وفتحوهـا حصنـاً حصنـاً إلى أن كمل فتحها. وكتب عمام بالفتح إلى الأمير عبد الله فكتب له بولايتهـا فوليهـا عشـر سنين وبنى فيها المساجد والفنادق والحمامات. ولما هلك قدم أهل الجزيرة عليهـم ابنـه عبـد اللـه وكتـب لـه الأميـر بالولايـة. ثـم زهد وترهب وركب إلى الشرق حاجاً وانقطع وبعث الناصر المرواني إليها الموفق من الموالي فأنشأ الأساطيل وغزا بلاد الإفرنج وهلك سنة تسع وخمسين أيام الحكم المستنصر وولي بعده كوثر من مواليه فجرى على سنن الموفق في جهـاده. وهلـك سنـة تسـع وثمانين أيام المستنصر وولي بعده من مواليه وكان كثير الغزو والجهاد. وكان المنصور وابنه المؤيد يمدانه في جهاده. وهلك سنة ثلاث وأربعمائة أزمان الفتنة. وكـان مجاهـد بـن يوسف بن علي من فحول الموالي العامريين. وكان المنصور قد رباه وعلمه مع مواليـه القـراآت والحديث والعربية فكان مجيداً في ذلك. وخرج من قرطبة يوم قتل المهدي سنة أربعمائـة وبايـع هو والموالي العامريين وكثير من جند الأندلس المرتضى كما قدمناه. ولقيهم زاوي بفحص غرناطة فهزمهم وبحد شملهم. ثم قتل المرتضى كما تقدم وسار مجاهد إلى طرطوشة فملكها. ثم تركها وانتقل إلى دانية وأستقل بها وملك ميورقة ومنورقة ويابسة واستبد سنة ثلاث عشرة. ونصب العيطي كما مر فأراد الاستبداد ومنع طاعة مجاهد ومنعه أهل ميورقة مـن ذلـك فبعـث عنـه مجاهـد وقـدم علـى ميورقـة عبد الله ابن أخيه فولي خمس عشرة سنة. ثم هلـك وكـان غـزا سردانيـة فـي الأساطيـل فاقتحمهـا وأخـرج النصـارى منهـا وتقبضوا على ابنه أسيراً ففـداه بعـد حيـن وولـى مجاهـد علـى ميورقـة بعد ابن أخيه مولاه الأغلب سنة ثمان وعشرين وكان بين مجاهـد صاحـب دانيـة وبيـن خيـران صاحـب مرسيـة وابـن أبـي عامـر صاحـب بلنسيـة حـروب إلـى أن هلـك مجاهـد سنـة سـت وثلاثيـن. وولـي ابنـه علـي وتسمـى إقبـال الدولـة وأصهر إلى المقتدر بن هـود وأخرجـه مـن دانية سنة ثمان وستين ونقله إلى سرقسطة ولحق ابنه سراج الدولة بالإفرنجة وأمـدوه علـى شـروط شرطهـا لهـم فتغلـب علـى بعـض حصونـه. ثـم مـات فيمـا زعموا مسموماً بحيلة من المقتدر سنة تسع. ومـات علـي قريبـا مـن وفاة المقتدر سنة أربع وسبعين. ويقال بل فر أمام المقتدر إلى بجاية ونزل على صاحبها يحيى بن حماد ومات هنالك. وأما الأغلب مولى مجاهد صاحب ميورقة فكان صاحـب غـزو وجهـاد في البحر. ولما هلك مجاهد استأذن ابنه علياً في الزيارة فأذن له وقدم على الجزيرة صهره ابن سليمان بن مشكيان نائبا عنه. وبعث على آل الأغلب فاستعفاه وأقام سليمان خمس سنين. ثم مات فولى على مكانه مبشراً وتسمى ناصر الدولة وكان أصله من شرق الأندلس أسر صغيراً وجبه العدو وأقام بدانية مجبوباً يجاهد في أسرى دانية وسردانية واصطفاه فولاه بعد مهلك سليمان فولي خمس سنين وانقرض ملك علي وتغلب عليه المقتدر بن هـود فاستبـد مبشـر بميورقـة والفتنـة يومئـذ تمـوج بيـن ملـوك الطوائـف. وبعـث إلـى دانيـة فـي تسليـم أهل سيده فبعثوا إليه بهم وأولادهم جميلا. ولم يزل يردد الغزو إلى أرض العدو إلى أن جمع طاغية برشلونة الجموع ونازله بميورقة عشرة أشهر. ثم افتتحها واستباحها سنة من ولايته. وكـان بعـث بالصريـخ إلـى علـي بـن يوسـف صاحـب المغـرب مـن لمتونـة فلم يوافهم الأسطول بالمدد إلا بعـد استيـلاء العـدو. فلمـا وصـل الأسطـول دفعـوا العثـور عنهـا وولـى علـي بـن يوسـف من قبله أنور بن أبي بكر اللمتوني فعسف بهم وأرادهم على بناء مدينة أخرى بعيدة من البحر فثاروا به وصفدوه. وبعثوا إلى علي بن يوسف فردهم إلى ولاية محمد بن علي بن إسحاق بن غانية المستولي صاحب غرب الأندلس فبعث إليها أخاه محمد بن علي من قرطبة كان والياً عليها فوصـل إلـى ميورقـة فصفـد أنـور وبعـث بـه إلـى مراكش وأقام في ولايتها عشر سنين إلى أن هلك أخـوه يحيـى وسلطانهـم علـي بـن يوسـف. واستقـرت ميورقـة فـي ملـك بنـي غانيـة هؤلاء وسلطانهم. وكانـت لهـم في زمن علي بن يوسف بها دلة. وخرج منها علي ويحيى إلى بجاية وملكوها من الموحدين وكانت لهم معهم حروب بإفريقية كما نذكر في أخبارهم بعد أخبار لمتونة. وملك الأفرنج ميورقة من أيدي الموحدين آخر دولتهم. والبقاء لله والملك يؤتيه من يشاء وهو العزيز الحكيم. الخبر عن ثوار الأندلس آخر الدولة اللمتونية واستبداد بني مرديس ببلنسية ومزاحمتهم لدولة بني عبد المؤمن من أولها إلى آخرها ومصائر أحوالهم وتصاريفهم لما شغل لمتونة بالعدو وبحرب الموحدين بعد عليهم الأندلس وعادت إلى الفرقة بعض الشيء فثار ببلنسية سنة سبع وثلاثين وخمسمائة القاضي مروان بن عبد الله بن مروان ابن حضاب وخلعوه لثلاثة أشهر من ملكه ونزل بالمرية. ثم حمل إلى ابن غانية بميورقة فسجن بها وثار بمرسيـة أبـو جعفـر أحمـد بـن عبد الرحمن بن ظاهر. ثم خلع وقتل لأربعة أشهر من ولايته وولي حافد المستعين بـن هـود شهريـن. ثـم ولـي ابـن عيـاض وبايـع أهـل بلنسيـة بعـد ابـن حضـاب للأميـر أبـي محمـد عبـد اللـه بـن سعيـد بـن مردنيـش الجذامـي. وأقـام مجاهـداً إلـى أن استشهـد فـي بعـض أيامـه مع النصارى سنة أربع وخمسمائـة فبويـع لعبـد الله بن عياض كان ثائراً بمرسية كما قدمناه. وهلك سنة اثنتين وأربعين فبويع إلى ابن أخيه محمد بن أحمد بن سعيد بن مردنيش وملك شاطبة وملينة شقر ومرسية. وكـان إبراهيـم ابـن همشـك مـن قـواده فعبـث فـي أقطـار الأندلـس وأغـار علـى قرطبـة وتملك بها. ثم استرجعت منه. ثم غدر بغرناطة وملكها من أيدي الموحدين وحصرهم بالقصبة هـو وابـن مردنيش. ثم استخلصها عبـد المؤمـن مـن أيديهـم بعـد حـروب شديـدة دارت بينهـم بفحـص غرناطـة لقيـه فيهـا ابـن همشـك وابـن مردنيـش وجيوش من أمم النصرانية إستعانوا بهم في المدافعة عن غرناطه فهزمهم عبد المؤمن وقتلهم أبرح قتل. وحاصر يوسف بلنسية فخطب للخليفة العباسي المستنجد وكاتبه فكتب له بالعهد والولاية. ثم بايع للموحدين سنة ست وستين. وكان المظفر عيسى بن المنصور بن عبد العزيز الناصر بن أبي عامر عندما انصرف إلى ملك شاطبـة ومرسيـة تغلـب علـى بلنسيـة مدة ثم هلك سنة خمس وخمسين وخمسمائة ورجعت إلى ابن مردنيش وكان أحمد بن عيسى تغلب على حصن مزيلة ثائراً بالمرابطين من أتباعه فجلب منذر بن أبي وزير عليه فأجاز سنة أربعين وخمسمائة إلى عبد المؤمن ورغبه فـي ملـك الأندلس فبعث معه البعوث وتغلبوا على بني غانية أمراء المرابطين بالأندلس. وكان بميورقة أيضا منذ اضطراب أمر لمتونة محمد بن علي بن غانية المستوفي وليها سنـة عشرين وخمسمائة واستشهد بها. ورحل عنها سنـة سبـع وثلاثيـن إلـى زيـارة أخيـه يحيـى ببلنسيـة. واستخلـف علـى ميورقـة عبد الله بن تيما فلما مكث ثار عليه ثوار فرجع محمد بن غانيـة وأصلـح شانهـا إلـى أن هلـك سنـة سبع وستين وولي ابنه إبراهيم أبو إسحاق وتوفي سنة إحدى وثمانين. وأوفـد عليهـم أهـل ميورقـة فبعثـوا معهـم علـي بـن الربرتبـر فلمـا وصـل إلـى ميورقـة ثـار علـى طلحـة بنـو أخيـه إسحـاق وهـم علـي ويحيـى ويعفـر بـن الربرتبـر وخلعـوا طلحـة. ثم بلغهم موت يوسف بن عبد المؤمن فخرجوا إلى إفريقية حسبما نذكر في أخبار دولتهم. فانقرضت دولة المرابطين بالمغرب والأندلس وأدال الله منهم بالموحدين وقتلوهم في كل وجه. واستفحل أمرهم بالأندلس واستعملوا فيها القرابة من بني عبد المؤمن وكانوا يسمونهم السادة واقتسموا ولايتها وأجاز يعقوب المنصور منهم غازيا بعد أن إستقر أهل العدوة كافة من زناتة فأوقـع العـرب بابن أدفونش ملك الجلالقة بالأركة من نواحي بطليوس الوقعة المذكورة سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وأجاز ابنه الناصر من بعده سنة تسع فمحص الله المسلمين واستشهد منهم عدة. ثم تلاشت إمارة الموحدين من بعده وانتزى بالسادة بنواحي الأندلس في كل عمله وضعف بمراكش فصاروا إلى الاستجاشة بالطاغية بقص واستسلام حصون المسلمين إليـه فـي ذلـك فسمت رجالات الأندلس وأعقاب العرب من دولة الأموية وأجمعوا أخراجهم فثاروا بهم لحين وأخرجوهـم. وتولـى كبـر ذلك محمد بن يوسف بن هود الجذامي الثائر بالأندلس. وقام ببلنسية زيان بن أبي الحملات مدافع بن يوسف بن. سعـد مـن أعقـاب دولـة بنـي مردنيـش وثـوار آخرون. ثم خرج علي بن هود في دلته من أعقاب دولة العرب أيضاً وأهل نسبهم محمد بن يوسـف بـن نصـر المعروف بابن الأحمر وتلقب محمد هذا بالشيخ فحاربه أهل الجبل وكانت لكل منهمـا دولـة أورثهـا بنيـه. فأمـا زيـد بـن مردنيش فكان مع عشرة من بنى مردنيش رؤساء بلنسية واستظهر الموحدون على إمارتها. ولما وليها السيد أبو زيد بن محمد بن أبي حفص بن عبد المؤمـن بعـد مهلـك المستنصر كما نذكر في أخبارهم وذلك سنة عشرين وستمائة كان زياد هذا بطانته وصاح أمره. ثـم انتقـض عليـه سنـة سـت وعشريـن عندمـا بويـع ابـن هـود بمرسيـة وخرج إلى أبداه فخشيه السيد أبـو زيـد وبعـث إليـه يلاطفـه في الرجوع فامتنع ولحق السيد أبو زيد بطاغية برشلونه ودخل في دين النصرانية. وملك زيان بلنسية واتصلت الفتنة بينه وبين ابن هود وخالف عليه بنو عمه عزيـز بـن يوسـف بـن سعـد فـي جزيـرة سقـم وصـاروا إلى طاعة بن هود وزحف زيان للقائه على شريش فانهزم وتبعه ابن هود ونازله في بلنسية أياما وامتنعت عليه فأقلع وتكالب الطاغية على ثغور المسلمين ونازل صاحب برشلونة أنيشة وملكها وزحف زيان إليها بجميع من معه مـن المسلميـن سنـة أربـع وثلاثيـن ونفـر معـه أهـل شاطبـة وجزيـرة شقر فكانت عليهم الواقعة العظيمة التـي استشهـد فيهـا أبـو الربيـع سليمـان وأخـذ النـاس في الانتقال عن بلنسية فبعث إليهم يحيى بن أبـي زكريـا صاحب إفريقية بالمدد من الأموال والأسلحة والطعام مع قريبه يحي عندما نبذ دعوة بني عبد المؤمن وأوفد عليه أعيان بلنسية وهي محصورة فرجع إلى دانية. ثـم أخـذ الطاغيـة بلنسيـة سنـة سـت وثلاثيـن وخـرج زيـان إلى جزيرة شقر وأقام بدعوة الأمير أبي زكريا وبعث إليه بيعتها مع كاتبه الحافظ أبي عبد الله محمد بن الأنباري فوصل إلى تونس وأنشده قصيدته المشهورة على روي السين بلغ فيها من الإجادة حيـث شـاء وهـي معروفـة وسيأتي ذكرها في دولة بني حفص بإفريقية من الموحدين. ثم هلك ابن هود وانتقض أهل مرسيـة علـى ابنـه أبـي بكـر الواثـق وكـان واليـه بها أبو بكر بن خطاب فبعثوا إلى زيان واستدعوه فدخلها وانتهب قصرها وحملهم على البيعة للأمير أبي زكريا على ولاية شرق الأندلس كله وذلـك سنـة سبـع وثلاثيـن. ثـم انتقـض عليـه ابـن عصـام باريولـة ولحـق بـه قرابـة زيـان بمدينـة لقنـت فلم يـزل بهـا إلـى أن أخذهـا منـه طاغيـة برشلونة سنة أربع وأربعين فأجاز إلى تونس وبها مات سنة ثمـان وستيـن. وأمـا ابـن هـود فسيأتـي الخبر عن دولته وأما ابن الأحمر فلم تزل الدولة في أعقابه لهذا العهد. ونحن ذاكرون أخبارهم لأنهم من بقايا دولة العرب والله خير الوراثين. |
الخبر عن ثورة ابن هود علي الموحدين بالأندلس دولته
وأولية أمره وتصاريف أحواله هو محمد بن يوسف بن محمد بن عبد العظيم بن أحمد بن سليمان المستعين بن محمد بن هود ثار بالصخيرات من عمل مرسية مما يلي رقوط عنـد فشـل دولـة الموحديـن واختلـاف السادة الذين كانوا أمراء ببلنسية. وذلك عندما هلك المستنصر سنة عشرين. وبايع الموحدون بمراكش لعمه المخلوع عبد الواحد بن أمير المؤمنين يوسف. ثار العادل ابن أخيـه المنصـور بمرسية ودخل في طاعة صاحب حيان أبو محمد عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن وخالفهمـا فـي ذلـك السيـد أبـو زيـد أخوه ابن محمد بن أبي حفص. وتفاقمت الفتنة وأستظهر كل علـى أمـره بالطاغيـة ونزلـوا لـه عن كثير من الثغور. وقلقت من ذلك ضمائر هل الأندلس فتصدر ابـن هـود هـذا للثـورة وهـو مـن أعقاب بني هود من ملوك الطوائف وكان يؤمل لها. وربما امتحنه الموحدون لذلك مرات فخرج في نفر من الأجناد سنة خمس وعشرين وجهز إليه والي مرسية يومئذ السيد أبو العباس بن أبي عمران موسى بن أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن عسراً فهزمهم. وزحف إلى مرسية فدخلها واعتقل السيد وخطب للمستنصر صاحب بغداد لذلك العهـد مـن بنـي العبـاس. وزحـف إليـه السيـد أبـو زيـد بـن محمـد بـن أبـي حفـص بـن عبد المؤمن من شاطبة وكـان واليـه بهـا فهزمه ابن هود ورجع إلى شاطبة واستجاش بالمأمون وهو يومئذ بإشبيلية بعد أخيـه العـادل فخـرج فـي العساكـر ولقيه ابن هود فانهزم وأتبعه إلى مرسية فحاصره مدة وامتنعت عليه فأقلع عنه ورجع إلى إشبيليه. ثم انتقض على السيد أبي زيد ببلنسية زيان ابن أبي الحملات مدافع ابن حجاج بن سعد بن مردنيـش وخـرج عنـه إلـى أبـدة وذلـك سنـة سـت وعشرين. وكان بنو مردنيش هؤلاء أهل عصابة وأولي بأس وقوة فتوقع أبو زيد اختلال أمره وبعـث إليـه ولاطفـه فـي الرجـوع فامتنـع فخـرج أبـو زيـد مـن بلنسيـه ولحـق بطاغيـة برشلونـة ودخـل في دين النصرانية. وبايعت أهل شاطبة لابن هود. ثم تابعه أهل جزيرة شقر حملهم عليها ولاتهم بنو عزيز بن يوسف عم زيان بن مردنيش. ثم بايعه أهل خبيان وأهل قرطبة تسمى بأمير المسلمين وبايعه أهل إشبيليه عند رحيل المأمون عنها إلى مراكش وولى عليهم أخاه ونازعه زيان بن مردنيش وكانت بينهما ملاقاة انهزم فيها زيان سنة تسع وعشرين. وحاصره ابن هود ببلنسية ثم أقلع. ولقي الطاغية على ماردة فانهزم ومحص الله المسلمين وانهزم بعدها أخرى على الكوس. ولم تزل غزواته مترددة في بلاد العدو كل سنة وحربه معهم سجالا والطاغية يلتقم الثغور والقواعد. ثـم استولـى ابـن هـود علـى الجزيرة الخضراء وجبل الفتح فرضتي المجاز على سبتة من يد السيد أبـي عمـران موسـى لمـا انتقـض على أخيه المأمون ونازله بسبتة فبايع هو لابن هود وأمكنه منها. ثم ثار بهـا اليناشتـي علـى مـا يذكـر. ثـم بويـع للسلطـان محمـد بـن يوسـف بـن نصـر سنـة تسـع وعشريـن بأرجونـة ودخلـت قرطبـة فـي طاعتـه ثـم قرفونـة. ثـم انتقض أهل إشبيلية وأخرجوا سالم بن هود وبايعـوا لابـن مـروان أحمد بن محمد الباجي وجهز عسكرا للقاء ابن الأحمر فانهزموا وأسر قائده. ثم اتفق الباجـي مـع ابـن الأحمـر علـى فتنـة ابـن هـود. وصالـح ابـن هـود الفنـش علـى فعلتهـم علـى ألـف دينـار فـي كـل يـوم. ثـم صـارت قرطبـة إلـى ابن هود وزحف إلى الباجي وابن الأحمر فانهزم ونزل ابـن الأحمـر ظاهـر إشبيليـة. ثـم غـدر الباجـي فقتلـه وتولـى ذلـك صهـره واشقيلولة وزحف سالم بن ووصل خطـاب الخليفـة المستنصـر العباسـي إلـى ابـن هـود مـن بغـداد سنـة إحـدى وثلاثيـن وفـد بـه أبـو علي حسن بن علي بن حسن بن الحسين الكردي الملقب بالكمال. وجاء بالراية والخلع والعهد ولقبـه المتوكـل. وقـدم عليـه بذلـك فـي غرناطـة في يوم مشهود وبايع له ابن الأحمر. وعندما غدر ابن الأحمر بالباجي فر من إشبيلية شعيب بن صمد إلى البلد فاعتصم بها وتسمى المعتصم فحاصـره ابـن هـود وأخذهـا مـن يـده. ثـم خـرج العدو من كل جهة ونازلوا ثغور المسلمين وأحاطوا بهـم وانتهـت محلاتهـم علـى الثغـور إلـى سبع. ثم حاصر الطاغية مدينة قرطبة وغلب عليها سنة ثلـاث وثلاثيـن وبايـع أهـل إشبيليـة للرشيـد مـن بنـي عبـد المؤمـن. ثم زحف ابن الأحمر إلى غرناطة وملكها كما يذكر وبويع للرشيد سنة سبع وثلاثين. وكان عبد الله أبو محمد بن عبد الله بن محمـد بن عبد الملك الأموي الرميمي وزير ابن هود وكان يدعوه ذا الوزارتين ولا المرية من عمله فلـم يـزل بهـا وقـدم عليـه المتوكـل سنـة خمـس وثلاثيـن وستمائة فهلك بالحمام ودفن بمرسية ويقال إنه قتلـه. ثـم استبـد مـن بعـده المؤيـد واستنزلـه عنهـا ابـن الأحمـر سنـة ثلـاث وأربعين. ولما هلك المتوكل ولـي مـن بعـده بمرسيـة ابنـه أبـو بكـر محمـد بعهـد إليـه وتلقب بالواثق وثار عليه عزيز بن عبد الملك بن خطاب سنة ست وثلاثين لأشهر من ولايته فاعتقله وكان يلقب ضياء الدولة. ثم تغلب زيان بن مردنيش على مرسية وقتل ابن خطاب لأشهر من ولايته. وأطلق الواثق بن هود من اعتقاله. ثم ثار عليه بمدينة مرسية محمد بن هود عم المتوكل سنة ثمان وثلاثين وأخرج منها زيـان بـن مردنيـش وتلقـب بهـاء الدولـة. وهلـك سنـة سبـع وخمسين وستمائة. وولي ابنه الأمير أبو جعفـر. ثـم ثـار عليـه سنـة اثنتيـن وستيـن أبـو بكـر الواثـق الـذي كان ابن خطاب خلعه وهو المتوكل أميـر المسلميـن وبقي بها أميراً إلى أن ضايقه الفنش والبرشلوني فبعث إليه عبد الله بن علي بن أشقيلولة وتسلم مرسية منه. وخطب بها لابن الأحمر. ثم خرج منها راجعا إلى ابن الأحمر فأوقـع بـه البصـري فـي طريقـه ورجـع الواثـق إلـى مرسيـة ثالثـة فلـم يـزل بهـا إلـى أن ملكهـا العـدو مـن يده سنة ثمان وستين وعوضه منها حصناً من عملها يسمى يس إلى أن هلك والله خير الوارثين. الخبر عن دولة بني الأحمر ملوك الأندلس لهذا العهد ومبدأ أمورهم وتصاريف أحوالهم أصلهم من أرجونة من حصون قرطبة ولهم فيها سلف في أبناء الجند ويعرفون ببني نصر وينسبـون إلـى سعـد بـن عبـادة سيـد الخـزرج. وكـان كبيرهم لآخر دولة الموحدين محمد بن يوسف بن نصر ويعرف بالشيخ وأخوه إسماعيل. وكانت لهم وجاهة في ناحيتهم. ولما فشل ريح الموحديـن وضعـف أمرهم وكثر الثوار بالأندلس وأعطى حصونها للطاغية واستقل بأمر الجماعة محمد بن يوسف بن هود الثائر بمرسية فأقام بدعوته العباسية وتغلب على شرق الأندلـس أجمـع فتصـدى محمد بن يوسف هذا للثورة على ابن هود وبويع له سنة تسع وعشرين وستمائة على الدعاء للأمير أبي زكريا صاحب إفريقية وأطاعته حيان وشريش سنة ثلاثين بعدها وكان يعرف بالشيخ ويلقب بأبي دبوس. واستظهر على أمره أولاً بقرابته من بني نصر وأصهـاره ببني اشقيلولة عبد الله وعلي. ثم بايع لابن هود سنة إحدى وثلاثين عندما وصله خطاب الخليفة من بغداد. ثم ثار باشبيلية أبو مروان الباجي عند خروج ابن هود عنها ورجوعه إلى مرسية فداخله محمـد بـن الأحمـر فـي الصلـح علـى أن يزوجـه ابنتـه فأطاعـه ودخـل إشبيليـة سنـة اثنتين وثلاثين. ثم فتـك بابـن الباجـي وقتلـه وتنـاول الفتـك بـه علـي بـن أشقيلولة. ثم راجع أهل إشبيلية بعدها لشهر دعـوة ابـن هـود وأخرجـوا ابـن الأحمـر. ثـم تغلـب علـى غرناطـة سنـة خمـس وثلاثيـن بمداخلـة أهلهـا ثم ثـار ابـن أبـي خالـد بدعوتـه فـي لحيـان ووصلتـه بيعتهـا فقـدم إليهـا أبا الحسن بن إشقيلولة. ثم جاء علـى أثـره ونزلهـا واستقـر بهـا بعـد مهلـك ابن هود وبايع للرشيد سنة تسع وثلاثين ثم تناول المؤيد من يد محمد بن الرميمي فخلعه أهل البلد سنة ثلاث وستين وبايعوا لابن الأحمر. ثـم ثـار أبـو عمـرو بـن الجـد واسمـه يحيى بن عبد الملك بن محمد الحافظ أبي بكر وملك أشبيلية وبايع للأمير أبي زكريا بن حفص صاحب إفريقية سنة ثلاث وأربعين وولي عليهم أبو زكريا أميرا وقام بأمرهم القائد شغاف والعدو أثناء ذلك يلتقم بلاد المسلمين وحصونهم من لدن عام عشريـن أو قبلـه وصاحب برشلونة من ولد البطريق الذي استعمله الإفرنجة عليها لأول استرجاعهم لها من أيدي العرب فتغلب عليها وبعد عن الفرنجة وضعـف لعهـده سلطانهـم. ووصلوا وراء الدروب وعجزوا فكانوا عن برشلونة وجماعتها أعجز فسما أهل طاغيتها منهم لذلك العهد واسمه حاقمة إلى التغلب على ثغور المسلمين. واستولى على ماردة سنة ست وعشرين وستمائة ثم ميورقة سنة سبع وعشرين وستمائة. ثم أجاز إلى سرقسطة وشاطبة كان تملكها منذ مائة وخمسين مـن السنيـن قبلهـا. ثـم بلنسيـة سنـة سـت وثلاثيـن وستمائـة بعـد حصـار طويـل وطوى ما بين ذلك من الحصون والقرى حتى انتهى إلى المرية حصوناً وابن أدفونش أيضا ملك الجلالقة هو ابن الأدفونش " الملقب بالحكيم " وآباؤه من قبلـه يتقـرى الفرستيـرة حصنـاً حصنـاً ومدينـة مدينـة إلـى أن طواهـا. واستعبـد ابـن الأحمـر هـذا لـأول أمـره بمـا كان بينه وبين الثوار بالأندلـس مـن المنازعـة فوصـل يـده بالطاغيـة فـي سبيل الاستظهار على أمره فوصله وشد عضده وصـار ابـن الأحمـر فـي جملتـه وأغطـاه ابـن هـود ثلاثيـن مـن الحصـون أو نحوهـا فـي كـف غربه عن ابن الأحمـر وأن يعينـه علـى ملـك قرطبـة فتسلمهـا. ثـم تغلـب علـى قرطبـة سنـة ثلـاث وثلاثيـن وأعـاد إليها خيـرة اللـه كلمـة الكفـر. ثـم نـازل إشبيليـة سنـة سـت وأربعيـن وابـن الأحمـر معـه مظهر الامتعاض لابن الجـد وحاصرهـا سنتيـن. ثـم دخلهـا صلحاً وانتظم معها حصونها وثغورها وأخذ طليطلة من يد ابن كماشة وغلب بعد ذلك ابن محفوظ على شلب وطلبيره سنة تسع وخمسين. ثم ملك مرسيـة سنـة خمـس وستيـن. ولـم يـزل الطاغية يقتطع ممالك الأندلس كورة كورة وثغراً ثغراً إلى أن ألجأ المسلمين إلى سيف البحر ما بين رندة من الغرب وإلبيرة من شرق الأندلس نحو عشر مراحـل مـن الغـرب إلـى الشـرق. وفـي مقـدار مرحلـة أو مـا دونهـا فـي العـرض مـا بيـن البحر والجوف. ثم سخط بعد ذلك الشيخ ابن الأحمر وطمع في الاستيلاء على كافة الجزيرة فامتنعت عليه وتلاحق بالأندلس غزاة من زناتة الثائرين يومئذ من بني عبد الواد وتوجين ومغراوة وبني مرين وكان أعلاهم كعباً في ذلك وأكثرهم غزى بنو مرين فأجاز أولا أولاد إدريس بن عبد الحق وأولـاد رحـو بـن عبـد اللـه بـن عبـد الحـق أعياص الملك منهم سنة ستين أو نحوها عقد لهم عمهم يعقوب بن عبد الحق سلطان المغرب وأجازوا في ثلاثة آلـاف أو نحوهـا فتقبـل ابـن الأحمـر إجازتها ودفع بهم في نحر عدوه ورجعوا. ثم تهايلوا إليه من بعد ذلك من كل بيت من بيوت بني مرين ومعظمهم الأعياص من بني عبد الحـق لمـا تزاحمهـم مناكـب السلطان في قومهم وتغص بهم الدولة فينزعون إلى الأندلس مغنين بها مـن بأسهـم وشوكتهـم فـي المدافعة عن المسلمين ويخلصون من ذلك على حظ من الدولة بمكان. ولـم يـزل الشـأن هـذا إلـى أن هلـك محمـد بـن يوسـف بن الأحمر سنة إحدى وسبعين وستمائة وقام بأمـره مـن بعـده ابنـه محمـد وكان يعرف بالفقيه لما كان يقرأ الكتاب من بين أهل بيته ويطالع كتب العلم. وكان أبوه الشيخ أوصاه باستصـراخ ملـوك زناتـة مـن بنـي مريـن الدائليـن بالمغـرب مـن الموحدين وأن يوثق عهده بهم ويحكم أراضي سلطانه بمداخلتهم فأجاز محمد الفقيه ابن الأحمر إلى يعقـوب بـن عبـد الحـق سلطـان بنـي مريـن سنـة اثنتيـن وسبعيـن وستمائـة عندمـا تـم استيلـاؤه علـى بلاد المغرب وتغلبه على مراكش وافتقـاده سريـر ملـك الموحديـن بهـا فأجـاب صريخـه وأجـاز ثم جاء على أثرهم وأمكنه ابن هشام من الجزيرة الخضراء كان ثائرا بها فتسلمها منه ونزل بها وجعلهـا ركابـاً لجهـاده ينـزل بهـا جيـش الغـزو. ولما أجاز سنة اثنتين وسبعين كما قلناه هزم زعيم النصرانيـة ثـم حـذره ابن الأحمر على ملكه فداخل الطاغية. ثم حذر الطاغية فراجعه وهو مع ذلـك يـده فـي نحـره بشوكـة الأعيـاص الذيـن نزعـوا إليـه مـن بني مرين بما شاركوا صاحب المغرب من نسـب ملكـه وقاسمـوه فـي يعسوبيـة قبيلتـه فكـان لـه بذلـك مدفـع عـن نفسه ومرض في طاعة قرابته من بني إشقيلولة كان عبد الله منهم بمالقة وعلي بوادي آش وإبراهيم بحصن قمارش فالتاثوا عليه وداخلوا يعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين في المظاهرة عليه فكان له معهم فتنة وأمكنوا يعقوب من الثغور التي بأيديهم مالقة ووادي آش حتى استخلصها هذا السلطان الفقيه مـن بعـد ذلـك كمـا نذكـره فـي أخبـار بنـي مريـن مـع بنـي الأحمر. وصار بنو إشقيلولة آخراً وقرابتهم بنـي الزرقـاء إلـى المغـرب ونزلـوا علـى يعقـوب بـن عبد الحق وأكرم مثواهم وأقطعهم واستعملهم في كبيـر الخطـط للدولـة حسبمـا يذكـر. واستبد السلطان الفقيه ابن الأحمر بملك ما بقي من الأندلس وأورثه عقبة من غير قبيل ولا كثير عصبة ولا استكثار من الحامية إلا من يأخذه الجلاء من فحول زتاتة وأعياص الملك فينزلون بهم غزى ولهم عليهم عزة وتغلب وسبب ذلك ما قدمناه فـي الكتـاب الـأول من إفقاد القبائل والعصائب بأرض الأندلس جملة فلا تحتاج الدولة هنالك إلى كبيـر عصبيـة. وكـان للسطـان ابـن الأحمـر فـي أول أمـره عصبيـة مـن قرابتـه في نصر وأصهارهم بني إشقيلولـة وبنـي المولـى ومـن تبعهـم مـن الموالـي والمصطنعيـن كانـت كافيـة فـي الأمـر مـن أولـه مـع معاضدة الطاغيـة علـى ابـن هـود وثـوار الأندلـس ومعاضـدة ملـك المغـرب علـى الطاغيـة والإستظهـار بالأعيـاص علـى ملـك المغـرب فكـان لهـم بذلـك كلـه أقدار على بلوغ أمرهم وتمهيده وربما يفهم في مدافعة الطاغية اجتماع الخاصة والعامة في عداوته والرهب منه بما هو عدو للدين فتستوي القلوب في مدافعته ومخافته فينزل ذلك بعض الشيء منزلة العصبية. وكانت إجازة السلطان يعقوب بن عبد الحق إليه أربع مرات وأجاز ابنه يوسف إليهم بعد أبيـه. ثـم شغلتـه الفتنـة مـع بنـي يغمراسـن إلـى أن هلـك السلطان الفقيه سنة إحدى وسبعمائة وهو الذي أعان الطاغية على منزلة طريف وأخذها وكان يمير عسكر مدة حصاره إياها إلى أن فتحها سنة أربع وسبعمائة لما كانت ركابا لصاحب المغرب متى هم بالجواز لقرب مسافة الزقاق. فلما ملكها الطاغية صارت عيناً على من يروم الجواز من الغزاة. فصعب أمره عليهم وولي من بعده ابنه محمد المخلوع واستبد عليه وزيره محمد بن محمد بن الحكم اللخمي من مشيخـة رنـدة ووزرائهـا فحجـره واستولـى علـى أمـره إلـى أن ثـار بـه أخـوه أبـو الجيوش نصر بن محمد فقتل الوزير واعتقل أخاه سنة ثمان وسبعمائة وكان أبوهما السلطان الفقيه استعمل على مالقة الرئيس أبا سعيد بن عمه إسماعيل بن نصر وطالت فيها إمارته. وهو الذي تملـك سبتـة وغـدر بنـي الغرفـي بهـا علـى عهـد المخلـوع وبدعوتـه كمـا يذكـر في أخبار سبتة ودولة بني مرين. وكـان أصهـر إليـه فـي ابنتـه وكان له منها ابنه أبو الوليد إسماعيل فلما تملك الجيوش نصر غرناطة واستولى على سلطانهم بها ساءت سيرته وسيرة وزيره ابن الحاج وأحقد الأعياص من بني مرين واستظهر الرعية بالقهر والعسف. وكان بنو إدريس بن عبد الله بن الحق أمراء على الغزاة بمالقة وكان كبيرهم عثمان بن أبي المعلى فداخل أيا الوليد في الخروج على السلطان نصر وتناول الأمر من يده لضعفه وسعفه بطانتـه وأقربـاؤه فاعتزمـوا علـى ذلـك ولم يتم لهم إلا باعتقال أبيه أبي الجيوش فاعتقلوه وبايعوا أبا الوليد. وثـار بمالقـة سنـة سبـع عشـرة الرئيس أبو سعيد وزحفوا إلى غرناطة فهزموا عساكر أبي الجيوش وثـارت بـه الدهماء من أهل المدينة وأحيط به. وصالحهم على الخروج إلى وادي آش فلحق بها وجـدد بهـا ملكـاً إلـى أن مـات سنـة اثنتيـن وعشريـن ودخـل أبو الوليد إلى غرناطة فاصل بها لنفسه وبنيه ملكاً جديداً وسلطاناً فسيحاً. ونازله ملك النصارى الفنش بغرناطة سنة ثمان عشرة وأبلـى فيهـا بنـي أبـي العـلا. ثـم كـان مـن تكييـف اللـه تعالـى فـي قتلـه وقتل رديفه واستلحام جيوش النصرانية بظاهر غرناطة ما ظهرت فيه معجزة من معجزات الله. وتردد إلى أرض النصرانية بنفسـه غازيـا مـرات مـع عساكـر المسلمين من زناتة والأندلس. وكانت زناتة أعظم غناء في ذلك لقرب عهدهم بالتقشف والبداوة التي ليست للناس. وبلغ أبو الوليد من العز والشوكة إلى أن غدر به بعض قرابته من بني نصر سنة سبع وعشرين وسبعمائة طعنه غدراً عندما انفض مجلسه بباب داره فأنفذه وحمل إلى فراشه ولحق القادر بدار عثمان بن أبي العلى فقتله لحينه وقتل الموالي المجاهدين فخرج عليهم ولحق بانديس فتملكها واستدعى محمد بن الرئيس أبي سعيد في معتقله بسلوباشة. ونصبه للملك فلم يتم له مراده من ذلك. ورجعوا آخراً للمهادنة وقتـل السلطـان محمـد وزيـره ابن المحروق بداره غدراً سنة تسع وعشرين استدعاه للحديث على لسان عمته المتغلبة عليه مع ابن المحروق وتناوله مع علوجه طعنا بالخناجر إلى أن مات. وقام السلطان بأعباء ملكه ورجع عثمان بن أبي العلى إلى مكانه من يعسوبية الغزاة وزناتة حتى إذا هلك قدم عليهم مكانه ابنه أبا ثابت. وأجاز السلطان محمد إلى المغرب صريخا للسلطـان أبـي الحسـن علـى الطاغيـة فوجـده مشغولا بفتنة أخيه محمد. ومع ذلك جهز له العساكر وعقـد عليهـا سنـة ثلـاث وثلاثيـن. واستـراب بنـو أبـي العلـى بمداخلـة السلطـان أبـي الحسـن فتشاوروا فـي أمـره وغـدروا بـه يـوم رحيلـه عـن الجبـل إلـى غرناطة فتقاصفوه بالرماح وقدموا أخاه أبا الحجاج يوسـف فقـام بالأمـر وشمـر عـن ساعـده فـي الأخـذ بثـأر أخيـه فنكـب بني العلي وغربهم إلى تونس وقـدم علـى الغـزاة مكـان أبـي ثابـت بـن عثمـان قرثيـة مـن بنـي رحـو بـن عبـد الله بن عبد الحق وهو يحيى بن عمر بن رحو فقام فأمرهم وطال أمر رياسته. واستدعى السلطـان أبـو الحجـاج السلطان أبا الحسن صاحب المغرب فأجاز ابنه عندما تم له الفتح بتلمسان وعقد له على عساكر جمة من زناتة والمتطوعة. فغزاهم وغنم وقفل راجعاً. وتلاحقت به جموع النصارى وبيتوه على حدود أرضهم فاستشهد كثير من الغزاة وأجاز السلطان أبو الحسن سنة إحدى وأربعين بكافة أهل المغرب من زناتة ومغراوة والمرتزقة والمتطوعة فنازل طريف وزحف إليه الطاغية فلقيه بظاهرها فانكشف المسلمون واستشهد الكثير منهم وهلك فيها نساء السلطان وحريمه وفسطاطة من معسكره وكان يوم ابتلاء وتمحيص. وتغلب الطاغية أثرها على القلعة ثغر غرناطة ونازل الجزيرة الخضراء وأخذها صلحـا سنـة ثلـاث وأربعين.ولم يزل أبو الحجاج في سلطانه إلى أن هلك يوم الفطر سنة خمس وخمسين طعنـه فـي سجـوده مـن صلـاة العيـد وغـد مـن صفاعفـة البلـد كـان مجتمعـاً. وتولى ابنه واستبد عليه مولاهـم رضـوان حاجـب أبيـه وعمـه فقام بأمره وغلبه عليه وحجبه. وكان إسماعيل أخوه ببعض قصـور الحمـراء قلعـة الملـك وكانـت لـه ذمـة وصهـر مـن محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن محمد ابن الرئيس أبي سعيد بما كان أبوه أنكحه شقيقة إسماعيل هذا. وكان أبو يحيى هذا يدعى بالرئيس وجده محمد هذا هو الذي قدمنا أن عثمان بن أبي العلى دعاه من مكان اعتقاله للملـك فداخل محمد هذا الرئيس بعض الزعالقة من الغوغاء وبيت حصن الحمراء وتسوره وولج على الحاجب رضوان في داره فقتله وأخرج صهره إسماعيل ونصبه للملك ليلة سبع وعشرين من رمضان سنة ستين وسبعمائة. وكان السلطان محمد هذا المخلوع بروضة خارج الحمراء فلحق بوادي آش وأجاز منهـا إلـى العدوة ونزل على ملك المغرب السلطان أبي سالم ابن السلطان أبي الحسن فرعى له ذمته وأحمد نزوله. وارتاب شيخ الغزاة يحيى بن عمرو بالدولة ففر إلـى دار الحـرب ولحـق منهـا بالمغرب. ونزل على السلطان أبي سالم فأحمد نزوله وولى مكانه على الغزاة بغرناطة من جهة إدريس بن عثمان بن أبي العلى. فقام الرئيس بأمر إسماعيل أخيه ودر ملكه. ثم تـرددت السعايـات وأنـذر الرئيس بالنكبة فغد بإسماعيل وقتله وإخوته جمعياً سنة إحدى وستين. وقام بملـك الأندلـس ونبـذ إلـى الطاغية عهده ومنعه ما كان سلفه يعطونه من الجزية على بلاد المسلمين فشمر الطاغية لحربه وجهز العساكر إليه فأوقع المسلمون بهم بوادي آش وعليهم بعض الرؤساء من قرابة السلطان فعظمت النكاية. وأرسل ملك المغرب إلى الطاغية في شأن محمد المخلوع ورده إلـى ملكـه فأركـب الأساطيـل وأجـازه إلـى الطاغيـة فلقيـه ووعـده المظاهرة على أمره وشرط له الاستئثار بما يفتح من حصون المسلمين. ثـم نقـض فيمـا افتتـح منهـا ففارقـه السلطـان وأوى إلى الثغر المغربي في ملكة بني مرين وأمكن من ثغـور رنـدة فزحـف منهـا إلـى مالقـة سنـة خمس وستين فافتتحها. وفر الرئيس محمد بن إسماعيل من غرناطة ولحق بالطاغية. وكان معه إدريس بن عثمان شيخ الغزاة بحبسه إلى أن فر من محبسه بعد حين كما يذكر في أخبارهم. وزحف السلطان محمد فيمن معه وأتوه بحاجب الرئيس وقتله واستلحم معه الرجال من الزعالقة الذين قتلوا الحاجب وتسوروا قصور الملك. ودخل السلطان محمد غرناطة واستولى على ملكه. وقدم على الغزاة شيخهم يحيى بن عمر واختـص ابنـه عثمـان ثـم نكبهـا لسنة وحبسهما بالمطبق بالمرية ثم غربهما بعد أعوام. وقدم على الغـزاة قريبهمـا علـي بـن بدر الدين بن محمد بن رحو. ثم مات فقدم مكانه عبد الرحمن بن أبي يغلوسـن وترفـع علـى السلطان أبي علي بن محمد ملك المغرب وتملأ هذا السلطان محمد المخلوع أريكة ملكه بالحمراء ممتنعاً بالظهور والترف والعزة على الطاغية والجلالقة وعلى ملوك المغرب بالعدوة بما نال دولتهم جميعاً من الهرم الذي يلحق الدول. وأما الجلالقة فانتقضوا على ملكهم بطرة بن أدفونش سنة ثمان وستين من لدن مهلك أبيهما ووقعـت بيـن بطـرة وبيـن ملـك برشلونـة بسبـب إجارتـه عليـه فتـن وحـروب حجـر منهـا الجلالقـة وكانت سببا لانتقاضهم على بطرة واستدعائهم لأخيه الفنش فجاء وبايعوه وانحرفوا إليه جميعاً عن بطـرة فتحيز إلى ناحية بلاد المسلمين. واستدعى هذا السلطان محمدا صاحب غرناطة لنصره من عدوه وأغزاه ببلاد الفنش ففتح كثيرا من معاقلها وخربها مثل حيان وأبدة وأثر وغيرها. وعاث في بسائطها ونزل قرطبة وخرب نواحيها ورجع ظافراً غانماً. ولحـق ببطـرة سلطـان الإفرنجة الأعظم في ناحية الشمـال مـن وراء جزيـرة الأندلـس وهـو صاحـب جزيـرة أركبلطـرة وتسمـى بنسـر غالـس وفـد عليـه صريخاً وزوجه ابنته فبعث ابنه لنصره في أمم الإفرنج. وانهزم الفنش أمامهم وارتجع بطرة البلاد حتى إذا رجعت عساكر الإفرنجة رجع الفنش فارتجع البلاد ثانيا وحاصر أخاه بطرة في بعض حصون جليقة حتى أخذه وقتله واستولى على ملكهم. واغتنم السلطان صاحب غرناطة شغلهم بهذه الفتنـة فأغـار عليهـم ومنـع الجزيـة التـي كانـوا يأخذونها من المسلمين منذ عهد سلفه فأقاموا من لدن سنة اثنتين وسبعين لا يعطونهم شيئاً. واستمر على ذلك وسما إلى مطالبتهم بنسر غالس ملك الإفرنجة من ورائهم الذي جاء لنصر بطـرة وأنكحـه بطـرة ابنتـه وولدت له ولدا فزعم أبوه هذا الملك أنه أحق بالملك من الفنش وغيره على عادة العجم في تمليك الأسباط من ولد البطن. وطالـت الحـرب بينهما ونزل بالجلالقة من ذلك شغل شاغل واقتطع الكثير من ثغورهم وبلادهم فمنعهم ابن الأحمر الجزية واعتز عليهم كما ذكرناه والحال على ذلك لهذا العهد. وأمـا ملـوك المغـرب فإن السلطان عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن لما استبد بملكه واستفحل أمره وكان عبد الرحمن بن أبي يغلوسن مقدماً على الغزاة بالأندلس كما قلناه وهو قسيمه في النسـب ومرادفـه فـي الترشيـح للملـك فعثـر السلطان عبد العزيز على مكاتبة بينه وبين أهل دولته فارتاب وبعث إلى ابن الأحمر في حبسه فحبسه وحبس معه الأمير مسعود بن ماسي لكثرة خوضـه فـي الفتنـة ومكاتبتـه لأهـل الدلـة. فلمـا توفـي السلطـان عبـد العزيـز سنـة أربع وسبعين وبويع ابنـه محمـد السعيـد يافعـا وكفلـه وزيـر أبيـه أبـو بكـر بـن غـازي الثائـر أطلـق ابـن الأحمـر عبـد الرحمن ابن يغلوسن من محبسه فنقم ذلك عليه الوزير أبو بكر كافل الدولة بالمغرب واعتزم على بعـث الرؤساء من قرابة ابن الأحمر إلى الأندلس لمنازعته ومده بالمال والجيش. وبلغ ذلك ابن الأحمر فعاجله عنه وسار في العساكر إلى فرضة المجاز ونازل جبل الفتح ومعه ابن يغلوسن وابن ماسي واركبهما السفن فنزلوا ببلاد بطرة فاضطرب المغرب واشتد الحصار على أهل جبل الفتح واستأمنوا لابن الأحمر وأطاعوه. وكان بسبتة محمد بن عثمان بن الكاس صهر أبي بكر بن غازي وقريبه بعثه لضبط المراسي عندمـا نـزل ابـن الأحمـر علـى الجبـل وبطنجة يومئذ جماعة من ولد السلطان أبي الحسن المرشحين محبوسون منذ عهد عبد العزيز فوقعت المراسلة من السلطان ابن الأحمر ومحمد ابن عثمان ونكـر عليه مبايعتهم لولد صغير لم يراهق. وأشار ببيعة واحد من أولئك المرشحين المحبوسين بطنجـة ووعـده بالمظاهـرة والمـدد بالمـال والجيش ووقع إختيار محمد بن عثمان على السلطان أبي العبـاس أحمـد فأخرجـه وبايـع لـه. وقـد كـان أولئـك الفتيـة تعاهـدوا فـي محبسهم أن من استولي منهم على الملك أطلق الباقين منهم فوفى لهم السلطان أبو العباس لأول بيعته وأطلقهم من المحبس وبعثهم إلى الأندلس ونزلوا على السلطان ابن الأحمر فأكرمهم وجعلهم لنظره. وبعث بالأموال والعساكر للسلطان أبي العباس ولوزيره محمد بن عثمان وكتب إلى عبد الرحمن بن يغلوسن بموافقتهما واجتماعهما على الأمر فساروا جميعاً ونازلوا دار الملك بفاس حتى استأمن أبو بكر بـن غـازي للسلطـان أبي العباس وأمكنه من البلد الجديد دار الملك فدخلها في محرم سنة ست وسبعين. وشيـع عبد الرحمن بن يغلوسن إلى مراكش وأعمالها وسوغ له ملكها كما كان الوفاق بينهما من قبل. وبعث بالسعيد بن عبد العزيز المنصوب واتصلت الموالاة والمهاداة بينه وبين عبد الرحمن صاحب مراكـش ونهـض مـرارا وحاصـره وابـن الأحمـر يمـده تـارة وبسعـى بينهمـا فـي الصلـح أخرى إلى أن نهض إليه سنة أربع وثمانين وحاصره شهرا واقتحم عليه حصنه عنوة وقتلـه ورجـع إلـى فـاس. ثـم نهـض إلـى تلمسـان وهـرب صاحبهـا أبو أحمد سلطان بني عبد الواد ودخل السلطان أبو العباس تلمسان. وكـان جماعـة مـن سماسـرة الفتـن قـد سعـوا مـا بينه وبين السلطان ابن الأحمر بالفساد حتى أوغروا صدره وحملوه على نقض دولة السلطان أبي العباس ببعض الأعياص الذين عنده فاختار من أولئـك الفتيـة الذيـن نزلـوا عليه من طنجة موسى ابن السلطان أبي عنان واستوزر له مسعود بن ماسي وركب السفن معه إلى سبتة فبادر أهلها بطاعة موسى وأتوه ببيعتهم وارتحل عنهم إلـى فـاس. وملـك السلطـان ابـن الأحمـر سبتـة وصـارت في دعوته وعمد السلطان موسى إلى دار الملك بفاس فوقف عليها يوماً واستأمنوا له آخر النهار فدخلها سنة سـت وثمانيـن وأصبـح جالساً على سرير ملكه. وطـار الخبر إلى السلطان أبي العباس وقد ارتحل من تلمسان لقصد أبي حمو وبني عبد الواد بمكانهـم مـن دار الملـك فكـر راجعـا وأغـذ السيـر إلـى فـاس فلما تجاوز تازي وتوسط ما بينها وبين فاس افترق عنه بنو مرين وسائر عساكره وساروا على راياتهم إلى السلطان موسى ونهب معسكره ورجع هو إلى تازي فتوثق منه عاملها حتى جاء يريد السلطان من فاس فتقبض عليـه وحملـه إلـى فـاس وأزعجـه السلطـان موسـى إلـى الأندلـس ونـزل على ابن الأحمر كما كان هو. واستولى السلطان موسى على المغرب واستبد عليه وزيره مسعود وطالـب ابـن الأحمـر بالنـزول علـى سبتـة فامتنـع ونشـأت بينهمـا الفتنـة ودس ابـن ماسـي لأهـل بيته بالثورة على حامية السلطان ابن الأحمر عندهم فثاروا عليهم وامتنعوا بالقصبة حتى جاءهم المدد في أساطيل ابن الأحمر فسكن أهل بيته واطمأنت الحال ونزع إلى السلطان ابن الأحمر جماعة من أهل الدولة وسألوه أن يبعث لهم ملكا من الأعياص الذيـن عنـده فبعـث إليهـم الواثـق محمـد بـن الأميـر أبـي الفضل ابن السلطان أبي الحسن. وشيعه في الأسطـول إلـى سبتـة وخـرج إلـى غمـارة. وبلـغ الخبـر إلـى مسعـود بـن ماسـي فخرج إليه في العسكر وحاصـره بتلـك الجبـال. ثـم جـاءه الخبـر بمـوت سلطانـه موسـى ابـن السلطـان أبي عنان بفاس فارتحل راجعـاً. ولمـا وصـل إلـى دار الملـك نصب على الكرسي صبياً من ولد السلطان أبي العباس كان تركه بفاس. وجاء السلطان أبو عنان ابن الأمير أبي الفضل ونزل بجبل زرهون قبالة فاس. وخرج ابن ماسي في العساكر فنزل قبالته. وكان متولى أمره أحمد بن يعقوب الصبيحي وقد غص به أصحابه فذبوا عنه وقتلوه أمام خيمة السلطان. وامتعض السلطان لذلـك ووقعـت المراسلة بينه وبين ابن ماسي على أن يبايع بشرط الاستبداد عليه واتفقا على ذلك. ولحق السلطان بابن ماسي ورجع به إلى دار الملك فبايع له وأخذ له البيعة من الناس. وكانت معه حصـة مـن جنـد السلطـان ابـن الأحمـر مـع مولـى مـن مواليـه فحبسهـم جميعا. وامتعض لذلك السلطان فأركب أبا العباس البحر وجاء معه بنفسـه فدخلهـا وعساكـر ابـن ماسـي عليهـا يحاصرونهـا فبايعوا جميعا للسلطان أبي العباس. ورجع ابن الأحمر إلى غرناطة وسار السلطان أبو العباس إلى فاس واعترضه ابن ماسي في العساكر فحاصره بالصفيحة من جبل غمارة وتحدث أهل عسكره في اللحاق بالسلطان أبي العباس ففزعوا إليه وهرب ابن ماسي وحاصره السلطان شهـراً حتى نزلوا على حكمه فقطع ابن ماسي بعد أن قتله ومثل به. وقتل سلطانه واستلحم سائر بني ماسي بالتنكيل والقتل والعذاب. واستولى على المغرب واستبد بملكه وأفرج السلطان ابن الأحمر عن سبتـة وأعادهـا إليـه. واتصلت الموالاة بينهما. وأقام ابن الأحمر في اعتزازه ولم تطرقه نكبة ولا حادثة سائر أيامه إلا ما بلغنا أنه نمى له عن ابنـه ولـي عهـده أبـي الحجـاج يوسـف أنـه يـروم التوثـب بـه وكـان علـى سفـر فـي بعض نواحي الأندلس فقبـض علـى ولده لحينه ورجع إلى غرناطة. ثم استكشف حاله فظهرت براءته فأطلقه وأعاده إلى أحسن أحواله. وإلا ما بلغنا أيضاً أنه لما سار من غرناطة إلى جبل الفتح شاربا لأحوال السلطان أبي العباس وهو بالصفيحة من جبال غمارة وابن ماسي يحاصره فنمي إليه أن بعض حاشيتـه مـن أولـاد الـوزراء وهـو ابـن مسعـود البلنسـي ابن الوزير أبي القاسم بن حكيم وقد اتفقوا علـى اغتيالـه وأن ابـن ماسـي دس إليهـم بذلك ونصبت له على ذلك العلامات التي عرفتها فقبض عليهـم لحينـه ولـم يمهلهـم وقتلهـم وجميـع من داخلهم في ذلك ورجع إلى غرناطة وأقام ممتنعا بملكه إلى أن هلك سنة ثلاث وتسعين. فولي مكانه ابنه أبو الحجاج وبايعه الناس وقام بأمره خالد مولـى أبيـه وتقبـض علـى أخوتـه سعـد ومحمـد ونصـر فهلكـوا فـي محبسهـم ولـم يوقـف لهم على خبر. ثـم سعـى عنـده فـي خالد القائم بدولته أنه أعد السم لقتله وأن يحيى بن الصائغ اليهودي طبيب دارهم داخله في ذلك ففتك بخالد وقتل بين يديه صبراً بالسيوف لسنة أو نحوها من ملكه. وحبس الطبيـب فذبـح فـي محبسـه. ثـم هلـك سنـة أربـع وتسعيـن لسنتيـن أو نحوهـا مـن ملكـه. وبويـع ابنه محمد وقام بأمره محمد الخصاصي القائد من صنائع أبيه والحال على ذلـك لهـذا العهـد والله غالب على أمره. وقد انقضى ذكر الدولة الأموية المنازعين لبني العباس ومن تبعهم من الملوك بالأندلس فلنذكر الآن شيئاً من أخبار ملوك النصرانية الذين يجاورون المسلميـن بجزيـرة الأندلس من سائر نواحيهم ونلم بطرف من أنسابهم ودولهم. |
الخبر عن ملوك بني أدفونش من الجلالقة ملوك الأندلس
بعد الغوط ولعهد المسلمين وأخبار من والملوك لهذا العهد من النصرانية أربعة في أربعة من العمالات محيطة بعمالة المسلمين قد ظهر إعجاز الملة في مقامهم معهم وراء البحر بعدما استرجعوا من أيديهم ما نظمه الفتح الإسلامي أول الأمر. وأعظم هؤلاء الملوك الأربعة: قشتالة وعمالاته عظيمة متسعة مشتملة على أعمال جليقية كلها مثل قشتالة وغليسية. والقرنتيرة وهي بسيط قرطبة وإشبيلية وطليطلة وجيان آخذة في جوف الجزيرة من المغرب إلى المشرق. ويليه من جانب الغرب ملك البرتغال وعمالته صغيرة وهي أشبونة ولا أدري نسبه فيمن هو من الأمم. ويغلب على الظن أنه من أعقاب القواميس الذين تغلبوا على عمالات بني أدفونش في العصور الماضية كما نذكر بعد ولعله من أسباطهـم وأولـي نسبهـم واللـه أعلم. ويلي ملك قشتالة هذا من جهة الشرق ملك نبرة وهو ملك البشكنس وعمالته صغيرة فاصلة بين عمالات قشتالة وعمالة ملك برشلونة وقاعدة ملك نبرة وهي مدينة ينبلونة. وملك برشلونة وما وراءها. ونحن الآن نذكر أخبار هذه الأمم من عهد الفتح بما يظهر لك منه تفصيل أخبارهم وذلك أن النصرانيـة لمـا تغلـب عليهـم المسلمون عند الفتح سنة تسعين مم الهجرة وقتلوا لزريق ملك الغوط وانساحوا في نواحي جزيرة الأندلس واجفلت أمم النصرانية كلها أمامهم إلى سيف البحر من جانب الجوف وتجاوزوا الدروب وراء قشتالة واجتمعوا بجليقة وملكوا عليهم ثلاثة: ابن ناقلة فأقـام ملكـا تسـع عشـرة سنة وهلك سنة ثلاث وثلاثين ومائة وولي ابنه قافلة سنتين. ثم هلك فولـوا عليهـم بعدهمـا أدفونـش بـن بطـرة وهـو الـذي اتصل ملكه في عقبه لهذا العهد. ونسبهم في الجلالقة من العجم كما تقدم. ويزعم ابن حيان أنهم ما أعقاب الغوط وعندي أن ذلك ليس بصحيـح فـإن أمـة الغـوط قـد دثـرت وغبـرت وهلكـت وقـل أن يرجـع أمـر بعد إدباره. وإنما هو ملك مستجد في أمة أخرى والله أعلم. فجمعهم أدفونش بن بطرة على حماية ما بقي من أرضهم بعـد أن ملـك المسلمـون عامتهـا. وانتهـوا إلـى جليقة وأقصروا عن الفتح بعدها حتى فشلت الدولة الإسلامية بالأندلس وارتجع النصارى الكثير مما غلبوا عليه. وكـان مهلـك أدفونش بن بطرة سنة اثنتين وأربعين ومائة لثمان عشرة سنة من ملكه وولي عده أنه فرويلة إحدى عشرة سنة قوي فيها سلطانه وقارنه فيها شغل عد الرحمن الداخل بتمهيد أمره فاسترجع مدينة بك وبرتغال وسمورة وسلمنقة وشقرنية وقشتالة بعد أن كانت انتظمت للمسلميـن فـي الفتـح. وهلـك سنـة ثمـان وخمسيـن وولـي ابنـه شيلـون عشـرة سنيـن. وهلـك سنـة ثمـان وستيـن فولـوا مكانـه أدفونـش منهـم ووثـب علـب سمـول مـاط فقتلـه وملـك مكانه سبع سنين. وعلى عقب ذلك استفحل ملك عبد الرحمن بالأندلس وأغزى جيوشـه أرض جليقيـة ففتـح وغنـم وأسر. ثم ولي منهم أدفونش آخر سنة اثنتين وخمسين وهلك سنة ثمان وستين فولوا مكانه قال ابن حيان: كانت ولاية رذمير هذا عند ترهب أخيه أدفونش الملك قبله وذلك سنة تسع عشـرة وثلاثمائـة علـى عهـد الناصـر وتهيـأ للناصـر الظهـور عليه إلى أن كان التمحيص على المسلمين في غزوة الخندق وذلك سنة سبع وعشرين وثلاثمائة وكانت الواقعة بالخندق وقريبا من مدينة شنـت ماكـس كمـا ذكـر فـي أخبـاره. ثم هلك رذمير سنة تسع وثلاثين وولي أخوه شانجة وكان تياهاً معجباً بطالاً فانتقض سلطانه ووهن ملك قومه وانتزى عليه قوامس دولته فلم يتم لبني أدفونـش بعدهـا ملك مستبد في الجلالقة إلا من بعد أزمان الطوائف وملوكهم كما ذكرناه. وكان اضطراب ملكهم كما نقل ابن حيان على يد فردلند بن عبد شلب قومس ألبة والقلاع فكان أعظم القوامس وهم ولاة الأعمال من قبل الملك الأعظم فانتقض على شانجة البة وظاهرهم ملك البشكنس على شانجة وورد شانجة على الناصر بقرطبة صريخا فأمده واستولى بذلك الإمـداد علـى سمورة فملكها وأنزل المسلمين بها واتصلت الحرب بين شانجة وبين فردلند إلى أن أسر فردلند في بعض أيام حروبهم وحصل في أسر ملك البشكنس على أن ينفذ إليه أسيره فردلنـد بـن عبـد شلـب قومـس البة والقلاع فأبى من ذلك وأطلقه. ووفد على المنتصر أردون بن أدفونش المقارع لشانجة صريخا سنة إحدى وخمسين فأجابه وأنفذ غالباً مولاه في مدده. ثم هلـك شانجة ملك بني أدفونش ببطليوس وقام بأمرهم بعده ابنه رذمير وهلك أيضا فردلند بن عبـد شلـب قومـس ألبـة وولي بعده ابنه غرسية ولقي رذمير المسلمين بالثغر في بعض صوائفهم وعظمـت نكايتـه بعـد مهلـك الحكـم المستنصـر إلـى أن قيض الله لهم منصور بن أبي عامر حاجب ابنـه هشـام فأثخـن فـي عمـل رذميـر وغـزاه مـراراً وحاصـره في سمورة ثم في ليون بعد أن زحف إلـى غرسيـة بـن فردلنـد صاحـب ألبـة وظاهـر معـه ملـك البشكنس فغلبهما. ثم ظاهروا مع رذمير وزحفوا جميعاً للقائه بشنت ماكس فهزمهم واقتحمها عليهم وخربها. وتشاءم الجلالقة برذمير وخرج عليهم عمه بزمند بن أرذون وافترق أمرهم. ثم رجع رذمير طاعـة المنصـور سنـة أربـع وسبعيـن وهلك على أثرها فأطاعت أمه واتفقت الجلالقة على بزمند بن أرذون وعقد له المنصور على سمورة والعيون وما اتصل بهما من أعمال غليسية إلى البحر الأخضـر واشتـرط عليـه فقبـل. ثـم امتعـض بزمنـد لمـا نـزل جلالقـة عيـث المنصـور سنـة ثمان وسبعين فافتتح حيون وحاصره في سمورة ففر عنها وأسلمها أهلها إلى المنصور فاستباحها ولم يبق لملك الجلالقة إلا حصون يسيرة بالجبل الحاجز بين بلدهم وبين البحر الأخضر. ثـم اختلـف حـال بزمنـد في الطاعة والإنتقاض والمنصور يردد إليه الغزو حتى أذعن واخفر ذمته الخارج على المنصور فأسلمه إليه سنة خمس وثمانين وضرب عليه الجزية. وأوطن المسلمين مدينة سمـورة سنـة تسـع وثمانيـن وولـي عليهـا أبـا الأحـوص معـن بـن عبـد العزيـز التجبـي. ثـم سـار إلـى غرسيـة بـن فردلنـد صاحـب ألبـة وكان أعان المخالفين على المنصور وكان فيمن أعان عليه حين خرج عليه فنازل المنصور مدينة أشبونة قاعدة غليسية فملكها وخربها. وهلك غرسية هذا فولي ابنه شانجة وضرب المنصور إليهم الجزية وصار أهل جليقة جميعاً في طاعته وكانوا كالعمـال لـه إلا بزمنـد بـن أرذون ومسـد بـن عبـد شلـب قومس غليسية فإنهما كانا أملك لأمرهما. على أن مسداً بعث انته للمنصور سنة ثلاث وثمانين وصيرها جاريـة لـه فأعتقهـا وتزوجها. ثـم انتقـض بزمنـد وغـزاه المنصـور فبلـغ شنـت ياقـب موضـع حـج النصرانيـة ومدفن يعقوب الحواري من أقصى غليسية وأصابها خالية فهدمها ونقل أبواها إلى قرطبة فجعلها في سمت الزيادة التي أضافهـا إلـى المسجـد الأعظـم. ثـم تطـارح بزمنـذ بـن أرذون فـي السلـم وانفـذ ابنـه يلانـة مـع معـن بـن عبـد العزيـز صاحـب جليقـة فوصـل بـه إلـى قرطبـة وعقـد لـه السلـم وانصـرف إلـى أبيـه. وألح المنصور على أرغومس من القوامس وكانوا في طرف جليقية بين سمورة وقشتالة وقاعدتهم شنـت بريـة فافتتحهـا سنـة خمـس وثمانيـن. ثـم هلـك بزمنـد بـن أرذون ملـك بني أدفونش وولي ابنه أدفونش وهو صاحب بسيط غرسية واحتكما إلى عبد الملك بن المنصور فخرج أصبغ بن سلمـة قاضـي النصـارى للفصـل بينهمـا فقضـى بـه لمسـد بـن عبـد شلـب. فلـم يـزل أدفونـش بزمنـد فـي كفالته إلى أن قتل غيلة سنة ثمان فاستبد أدفونش بأمره وطلب القواميس المقتدرين على أبيه وعلى من سلف من قومه برسوم الملك فحاز ذلك منهم لنفسه وبعث على نواحيهم من عنده وأذعنوا لـه وسقـط ذكرهـم فـي وقتـه مثـل بنـي أرغومـس وبنـي فردلنـد الذيـن قدمنـا ذكرهـم وقـد كـان قيامهم أيام شانجة بن رذمير من بني أدفونش كما قدمناه. جمعهم أدفونش للقاء عبد الملك المظفر بن المنصور فظاهرهم ملك البشكنس ولقيهم بظاهر فلونية فهزموهـم وافتتـح الحصـن صلحاً. ثم انقرض أمر المنصور وبنيه وجاءت الفتنة البربرية على رأس المائة الرابعة فانتهز الفرصة في المسلميـن صاحـب ألبـة وهـو شانجـة بـن غرسيـة وصـار يظاهر الفرقة الخارجة على الأخرى إلى أن أدرك بعض الأمل وقتل ملك البشكنس سنة ست وأربعمائة وتغلب النصارى على ما كان عليـه بقشتالـة وجليقيـة. ولـم يـزل أدفونـش ملكـاً علـى جليقيـة وأعمالهـا. واتصـل الملـك في عقبة إلى أن كان شأن الطوائف. تغلب المرابطون ملوك المغرب من لمتونة على ملوك الطوائف واستولوا على الأندلس وانقرض منها ملك العرب أجمع. وفي تواريخ لمتونة وأخبارهم أن ملك قشتالة الذي ضرب الجزية على ملوك الطوائـف سنـة خمسيـن وأربعمائـة هـو البيطبييـن ويظهر أنه كان متغلباً على شانجة بن ابرك الملك يومئذ من بني أدفونش وهو مذكور في أخبارهم وأنه لما هلك قام بأمره بنوه فردلند وغرسية ورذمير وولي أمرهم فردلند واحتوى على شنت برية وعلى كثير من عمل ابن الأفطس. ثم هلك وخلف شانجة وغرسية والفنش فتنازعوا ثم خلص الملك لألفنش وعلى عهده مات الظاهر إسماعيل بن ذي النون سنة سبع وستين وأربعمائة وهو المستولي على طليطلة سنة ثمان وسبعين وهو يومئذ اعتزاز النصرانية بجزيرة الأندلس وكـان مـن بطارقتـه وقواميـس دولتـه البرهانـس فكـان يلقب الانبنذور ومعناه ملك الملوك. وهو الذي لقي يوسف بن تاشفين بالزلاقة وكانت الدائرة عليه وذلك سنة إحدى وثمانين. وحاصـر ابـن هـود فـي سرقسطـة وكـان ابـن عمـه رذميـر منازعاً له فزحف إلى طليطلة وحاصرها فامتنعت عليه وحاصر القسريلية وغرسية المرية والبرهانس مرسية وقسطون شاطبة وسرقسطـة. ثـم استولـى علـى بلنسيـة سنـة تسـع وثمانيـن وارتجعها المرابطون من يده بعد أن غلبوا ملوك الطوائف على أمرهم. ثم مات الفنش سنة إحدى وخمسمائة وقام بأمر الجلالقة زوجته وتزوجت رذمير ثم فارقته وتزوجت بعده قمطاً من أقماطها وجاءت منه بولد كانوا يسمونه السليطين وأوقع ابن رذمير بابـن هـود سنـة ثلـاث وخمسمائـة الواقعـة المشهـورة التـي استشهـد فيها. وملك ابن رذمير سرقسطة وفـر عمـاد الدولـة وابنـه إلـى روطـة فأقـام إلـى أن استنزلـه السليطيـن ونقلـه إلـى قشتالـة. ثـم كانـت بين رذميـر وأهل قشتالة حرب هلك فيها البرهانس سنة سبع وخمسمائة وذلك لآخر أيام المرابطون بلمتونـة. ثـم انقـرض أمرهـم علـى يـد الموحديـن. وكان أمر النصارى لعهد المنصور يعقوب ابن أمير المؤمنين يوسف بن عبد المؤمن كان دائرا بين ثلاثة من ملوكهـم الفنـش والبيبـوح وابـن الرنـد وكبيرهـم الفنـش وهـو أميرهـم يـوم الـأرك الـذي كـان للمنصـور عليهـم سنـة إحدى وتسعين وخمسمائة والبيبوح صاحب ليون هو الذي مكـر بالناصـر عـام العقـاب فداخلـه وقـدم عليـه وأظهـر لـه التنصيـح فبذل له أموالا. ثم غدر به وكر عليه الهزيمة يوم العقاب. ثم هلك الناصر وولـي المستنصـر وفشـل ريـح بنـي عبـد المؤمـن واستولـى الفنش على جميع ما افتتحه المسلمون من معاقـل الأندلـس وارتجعهـا. ثـم هلك الفنش وولي ابنه هراندة وكان أحول وكان يلقب بذلك وهو الـذي ارتجـع قرطبـة وإشبيليـة من أيدي بني هود وعلى عهده زحف ملك أرغون فارتجع شرق الأندلس كلـه شاطبـة ودانيـة وبلنسيـة وسرقسطـة وسائـر الثغـور والقواعـد الشرقيـة. وانحـاز المسلمون إلى سيف البحر وملكوا عليهم ابن الأحمر بعد ولايه ابن هود. ثـم هلـك هرانـدة وولـي ابنـه ثـم هلك ابنه وولي ابنه هراندة وأجاز بنو مرين إلى الأندلس صريخاً لابن الأحمر وسلطانهم يومئذ يعقوب بن عبد الحق فلقيته جموع النصرانية بوادلك وعليهم ذنبة من أقباط بني أدفونش وزعمائهم فهزمهم يعقوب بن عبد الحق وبقيت فتن متصلة ولم يلقه يعقـوب وإنما كان يغزو بلادهم ويكثر فيها العيث إلى أن ألقوه بالسلم وخالف على هراندة ملك قشتالـة هـذا ابنـه شانجة فوفد هراندة على يعقوب بن عبد الحق صريخاً وقبل يده فقبل وفادته وأمـده بالمـال والجيـش ورهـن فـي المـال التـاج المعـروف مـن ذخائـر سلفهـم فلـم يـزل بـدار بنـي عبـد الحـق من بني مرين لهذا العهد. ثم هلك هراندة ثلاث وثمانين واستقل ابنه شانجة بالملك ووفد على يوسف بن يعقوب بالجزيرة الخضراء بعد مهلك أبيه يعقوب وعقد معه السلم. ثم انتقض وحاصر طريف وملكها وهلك سنة ثلاث وتسعين فولي ابنـه هرانـدة. ثـم هلـك سنـة اثنتـي عشـرة وسبعمائـة فولـي ابنـه بطـرة صغيـرا وكفلـه عمـه جران وكان نزلها جميعاً على غرناطة عند زحفهما إليها سنة ثمان عشرة وسبعمائة فولـي ابنـه الهنشـة بـن بطرة صغيرا وكفله زعماء دولتهم. ثم استبد بأمره وزحف إلى السلطان أبي الحسن وهو محاصر لطريف سنة إحدى وخمسين فهلك في الطاعون الجارف وملك ابنه بطرة وقرابته القمط برشلونة فأجاره ملكها وزحف إليه بطرة مرارا وتغلـب علـى كثيـر مـن أعماله. وحاصر بلنسية مـراراً. ثـم أتيـح الغلـب للقمـط سنـة ثمـان وسبعيـن وسبعمائـة فاستولـى علـى بلاد قشتالة. وزحفت إليه أمم النصرانية لما كانوا سئموا من عنف بطرة وسوء ملكته ولحق بطرة باسم الفرنجة الذين وراء قشتالة في الجوف بجهات الليمانية وفرطانية إلى سيف البحر الأخضـر وجزيـرة قـدوح شنـت مزيـن ملكهم الأعظم وهو البلنس غالس. وجاء معه مدداً بأمم لا تحصـى حتـى ملـك قشتالـة والقرنتيرة ورجعوا عنه إلى بلادهم بعد أن أصابهم وباء هلك الكثير منهم. ثـم اتصلـت الحـرب بيـن بطـرة وأخيـه القمـط إلى أن غلبه القمط واعتصم منه بطرة ببعض الحصون ونازله القمط حتى إذا أشرف على أخذه بعث بطرة إلى بعض الزعماء سراً لنيل النزول في جـواره فأجابـه ووشـى بـه لأخيـه القمـط فكسبـه في بيت ذلك الزعيم وقتله سنة إثنتين وسبعين وسبعمائة. واستولى على ملك بني أدفونش أجمع واستنزل ابن أخيه بطرة من قرمونة. وقد كان اعتصم بها بعد مهلك أبيه مع وزيره مرتين لبس هو. واستقام لـه ملـك قشتالـة ونازعـه البلنـس غالـس ملـك الأفرنجة بالابن الذي هو من بنت بطرة على عادة العجم في تمليك ابـن البنـت محتجا بأن القمط لم يكن لرشدة. واتصلت الحرب بينهما وشغله ذلك عن المسلمين فامتنعـوا مـن الجزيـة التـي كانـت عليهـم لمن قبله. وهلك هذا القمط سنة إحدى وثمانين وسبعمائة فملـك ابنـه شانجـة وفـر ابنـه الآخـر غرمـس إلى غرناطة. ثم رجع إلى نواحي قشتالة والأمر على ذلك لهذا العهد وفتنتهم مع الفنش ملك الفرنج موصولة وعاديتهم لذلك عن المسلمين مرفوعة والله من ورائهم محيط. وأمـا ملـك البرتغـال بجهـة أشبونـة غـرب الأندلـس ومملكته صغيرة وهي من أعمال جليقية وصاحبها لهذا العهد متميز بسمته. وملكه مشارك لابن أدفونش في نسبه. ولا أدري كيف يتصل نسبه معهم. وأما ملك برشلونة بجهة شرق الأندلس فعمالتهم واسعـة ومملكتهـم كبيـرة تشتمـل علـى برشلونـة بجهـة وارغون وشاطبة وسرقسطة وبلنسية وجزيرة دانية وميورقة وبنورقة ونسبهم في الفرنج وسياق الخبر عن ملكهم ما نقل ابن حبان أن الغوط الذين كانوا بالأندلس كانوا قديماً في ملك الفرنج ثم اعتزموا عليهم وامتنعوا ونبذوا إليهم عهدهم. وكانت برشلونة من مماليك الفرنج وعمالاتهم فلما جاء الله بالإسلـام وكـان الفتـح قعـد الفرنـج عن نصر الغوط لتلك العداوة فلما انقضى أمر الغوط زحف المسلمون إلى الفرنج فأزعجوهم عن برشلونة وملكوها. ثم تجاوزوا الحروب من ورائها إلى البسائط بالبر الكبير فملكوا من قواعدها جزيرة أربونة وما إليها من تلك البسائط. ثم كانت فترة عند انقراض الدولة الأموية بالمشرق وبداية الدولة العباسية افتتن فيها العرب بالأندلس وانتهز الفرنج فرصتهم فارتجعوا بلادهم إلى برشلونة فملكوها لهذا العهد مائتين من الهجرة وولوا عليهم من قبلهم وصار أمرها راجعا إلى ملك رومة من الفرنجـة و هـو قارلـه الأكبر وكان من الجبابرة. ثم ركبهم من الخلاف والمنافسة في أوقات ضعفهم واختلاف ملوكهم كالذي ركبه المسلمون من ضعفت يده من الملوك فاقتطع الأمراء نواحيهم بكل جهة فكان ملوك برشلونة هؤلاء ممن اقتطع عمله وكان ملوك بني أمية لأول دولتهم يتراضون بمهادنة هؤلاء الملوك أهل برشلونة حذراً من مدد صاحب رومة ثم صاحب القسطنطينية من ورائه. فلما كانت دولة المنصور بن أبي عامر بين قطاع برشلونة عن ملك الفرنج شمر المنصور لغزوهم واستباح بلادهم وأثخن في أعمالهم وافتتح برشلونة وخربها وانزل بهم النقمات. وملكهم لعهده بردويل بن سير وكانت حالة الظهور عليه كحاله مع سائر الملوك النصارى. ولما هلك بردويل ترك من الولد فلبة وريند وأومنقود. ثم انتقض أومنقود على عبد الملك بن المنصور فغـزاه وأخـذه فـي بعـض ثغـوره صلحـاً. ثـم كانـت الفتنـة البربريـة وحضرهـا أومنقـود فهلـك فـي الوقعة مع البربر سنة أربعمائة وانفرد بيمند بملك برشلونة إلى أن هلك بعد عشر وأربعمائة وملـك ابنـه يلتنفيـر وكفلتـه أمه وحاربت يحيى بن منذ من ملوك الطوائف وهي التي تغلبت على ثغـر طرشوشـة واتصـل الملـك في عقب بيمند. وكان الملك منهم لآخر دولة الموحدين جامعة بن بطـرة بـن أدفونـش بـن ريند وهو الذي ارتجع بلنسية وملكهم بهذا العهد اسمه بطرة. ولم يبلغني كيـف اتصال نسبه بقومه. وملك بعد العشرين من هذه المائة وهو حي لهذا العهد وابنه غالب عليه لكبر سنه. والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. |
أخبار القائمين بالدولة العباسية من العرب المستبدين بالنواحي
ونبدأ منهم ببني الأغلب ولاة إفريقية وأولية أمرهم ومصائر أحوالهم قـد ذكرنـا فـي خلافـة عثمـان بـن عفـان رضـي اللـه عنـه شـأن فتـح إفريقيـة علـى يـد عبـد الله بن أبي سـرح وكيـف زحـف إليهـا فـي عشريـن ألفا من الصحابة وكبار العرب ففض جموع النصرانية الذين كانوا بها من الفرنجة والروم والبربر وهدم سبيطلة قاعدة ملكهم وخربها واستبيحت أموالهم وسبيت نساؤهم وبناتهم وأفترق أمرهم وساخت خيول العرب في جهات إفريقية وأثخنوا بها فـي أهـل الكفـر قتـلا وأسـراً حتـى لقـد طلـب أهـل إفريقيـة مـن ابـن أبي سرح أن يرحل عنهم بالعرب إلى بلادهم ويعطوه ثلاثمائة قنطار من الذهب ففعل وقفل إلى مصر سنة سبع وعشرين. معاوية بن خديج ثم أغزى معاوية بن أبي سفيان معاوية بن خديج السكوني إفريقية سنة أربع وثلاثين وكان عاملا على مصر فغزاها ونازل جلولاء وقاتل مدد الروم الذي جاءها من قسطنطينية لقيهم بقصر الأحمر فغلبهم وأقلعوا إلى بلادهم وافتتح جلولاء وغنم وأثخن وقفل. عقبة بن نافع ثم ولى معاوية سنة خمس وأربعين عقبة بن نافع بن عبد الله بن قيس الفهري على إفريقية واقتطعها عن معاوية بن خديج فبنى القيروان وقاتل البربر وتوغل في أرضهم. أبو المهاجر ثم استعمل معاوية على مصر وإفريقية مسلمة بن مخلد فعزل عقبة عن إفريقية وولى مولاه أبا المهاجر دينارا سنة خمس وخمسين فغزا المغرب وبلغ إلى تلمسان وخرب قيروان عقبة وأساء عزله وأسلم على يديه كسيله الأوربي بعد حرب ظفر به فيها. عقبة بن نافع ثانيا ولما استقل يزيد بن معاوية بالخلافة رجع عقبة بن نافع إلى إفريقية سنة اثنتين وستين فدخل إفريقيـة وقـد نشـأت الـردة في البرابرة فزحف إليهم وجعل مقدمته زهير بن قيس البلوي وفر منه الروم والفرنجة فقاتلهم وفتح حصونهم مثل لميس وباغاية وفتح أذنة قاعدة الزاب بعد أن قاتله ملوكهـا مـن البربـر فهزمهم وأصاب من غنائمهم وحبس أبا المهاجر فلم يزل في اعتقاله. ثم رحل إلى طنجة فأطاعه بلبان ملك غمارة وصاحب طنجة وهاداه وأتحفه ودله على بلاد البربر وراءه بالمغرب مثل وليلى عند زرهون وبلاد المصامدة وبلاد السوس وكانوا على دين المجوسيـة ولـم يدينـوا بالنصرانيـة فسـار عقبـة وفتـح وغنم وسبى وأثخن فيهم وانتهى إلى السوس. وقاتل مسوفة من أهل اللثام وراء السوس ووقف على البحر المحيط وقفل راجعا وأذن لجيوشه في اللحاق بالقيروان. وكان كسيلة ملك أروبة والبرانس من البربر قد اضطغن عليه بما كان يعامله به من الاحتصار يقال إنه كان يحاصره في كل يوم ويأمره بسلـخ الغنـم إذا ذبحـت لمطبخـه فانتهـز فيـه الفرصـة وأرسـل البربـر فاعترضـوا لـه فـي تهـودا وقتلوه في ثلاثمائة من كبار الصحابة والتابعين واستشهدوا كلهـم. وأسر في تلك الوقعة محمد ابن أوس الأنصاري في نفر فخلصهم صاحب قفصة وبعث بهم إلى القيروان مع من كان بها من المخلفين والفراري. ورجع زهير بن قيس إلى القيروان واعتزم على القتال وخالفه حنش بـن عبـد اللـه الصنعانـي وارتحـل إلـى مصـر واتبعـه النـاس فاضطـر زهيـر إلـى الخـروج معهـم وانتهـى إلـى برقـة فأقـام بهـا مرابطاً واستأمن من كان بالقيروان إلى كسيلة فأمنهم ودخل القيروان وأقاموا في عهده. زهير بن قيس البلوي ولمـا ولـي عبـد الملـك بـن مـروان بعـث إلـى زهيـر بـن قيـس مكانـه من برقة بالمدد وولاه حرب البرابرة فزحف سنة سبع وستين ودخل إفريقية ولقيه كسيلة على ميس من نواحي القيروان فهزمه زهيـر بعـد حـروب صعبـة وقتلـه واستلحـم فـي الوقعـة كثيـر مـن أشراف البربر ورجالاتهم. ثم قفل زهير إلى المشرق زاهدا في الملك وقال: إنما جئت للجهاد وأخاف أن نفسي تميل إلى الدنيا وسار إلى مصر واعترضه بسواحل برقة أسطول صاحب قسطنطينية جاؤوا لقتاله فقاتلهم واستشهد رحمه الله تعالى. حسان بن النعمان الغساني ثـم أن عبـد الملـك بـن مـروان بعـد أن قتـل عبـد اللـه بـن الزبير وصفا له الأمر أمر حسان بن النعمان الغساني بغزو إفريقية وأمده بالعساكر ودخل القيروان وافتتح قرطاجنة عنوة وخربها وفر من كان بها من الروم والفرنجة إلى صقلية والأندلس ثم اجتمعوا في صطفورة وبنزرت وهزمهم ثانيـة. وانحـاز الفـل إلـى باجـة وبونـة فتحصنـوا بهـا. ثـم سـار حسـان إلـى الكاهنـة ملكة جرارة بجبل أوراس وهي يومئذ أعظم ملوك البربر فحاربها وانهزم المسلمون وأسر منهم جماعة. وأطلقتهم الكاهنة سوى خالد بن يزيد القيسي فإنها أمسكته وأرضعته مع ولديها وصيرته أخا لهما. وأخرجـت العـرب من إفريقية وانتهى حسان إلى برقة وجاءه كتاب عبد الملك بالمقام حتى يأتيه المـدد. ثـم بعـث إليـه المـدد سنـة أربـع وسبعيـن فسـار إلـى إفريقيـة ودس إلـى خالد بن يزيد يستعمله فأطلعه على خبرهم واستحثه فلقي الكاهنة وقتلها وملك جبل أوراس وما إليه ودوخ نواحيه وانصرف إلى القيروان وأمن البربر وكتب الخراج عليهم وعلى من معهم من الروم والفرنج على أن يكون معه اثنا عشر ألفا من البربر لا يفارقونه في مواطن جهاده ورجع إلـى عبـد الملـك واستخلف على إفريقية رجلا اسمه صالح من جنده. موسى بن نصير ولمـا ولـي الوليـد بـن عبـد الملـك كتـب إلـى عمـه عبـد الله وهو على مصر - ويقال عبد العزيز - أن يبعث بموسى بن نصير إلى إفريقية وكان أبوه نصير من حرس معاوية فبعثه عبد الله وقدم القيروان وبها صالح خليفة حسان فعقد له ورأى البربر قد طمعوا في البلاد فوجه البعوث في النواحـي وبعـث ابنـه عبـد اللـه فـي البحـر إلـى جزيـرة ميورقـة فغنـم منهـا وسبـى وعاد. ثم بعثه إلى ناحيـة أخـرى وابنـه مـروان كذلـك وتوجـه هـو إلـى ناحية فغنم منها وسبى. وعاد وبلغ الخمس من المغنم سبعين ألف رأس من السبي. ثم غزا طنجة له وافتتح درعة لسلطانه ودولته وأخذ رهائـن المصامـدة وأنزلهـم بطنجـة وذلك سنة ثمان وثمانين وولى عليها طارق بن زياد الليثي. ثم أجـاز طـارق إلـى الأندلـس دعـاه إليهـا بلبـان ملـك غمارة فكان فتح الأندلس سنة تسعين. وأجاز موسـى بـن نصيـر علـى أتـره فكمـل فتحهـا كمـا ذكرنـاه. ثـم قفل موسى إلى الشرق واستخلف على إفريقية ابنه عبد الله وعلى الأندلـس عبـد العزيـز وهلـك الوليـد وولـي سليمـان سنـة سـت وتسعين فسخط موسى وحبسه. محمد بن يزيد ولما ولي سليمان وحبس موسى بن نصير عن ابنه عبد الله عن إفريقية ولى مكانه محمداً بن يزيد مولى قريش فلم يزل عليها حتى مات سليمان. إسماعيل بن أبي المهاجر ولما مات سليمان استعمل عمر بن عبد العزيز على إفريقية إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر وكان حسن السيرة وأسلم جميع البربر في أيامه. يزيد بن أبي مسلم ولما تولى يزيد بن عبد الملك ولي على إفريقية يزيد بن أبي مسلم مولى الحجاج وكاتبه فقدم سنة إحدى ومائة وأساء السيرة في البربر ووضع الجزية على من أسلم من أهل الذمة منهم تأسيـا بمـا فعلـه الحجـاج بالعـراق فقتلـه البربـر لشهـر مـن ولايتـه. ورجعـوا إلى محمد بن يزيد مولى من الأنصـار الذيـن كـان عليهـم قبـل إسماعيل وكتبوا إلى يزيد بالطاعة والعذر عن قتل ابن أبي مسلم بشر بن صفوان الكلبي: ثم ولى يزيد على إفريقية بشر بن صفوان الكلبي فقدمها سنة ثلاث ومائة فمهدها وسكن أرجاءها وغزا بنفسه صقلية سنة تسع وهلك مرجعه عنها. عبيدة بن عبد الرحمن ثم عزل هشام بن عبد الملك بشر بن صفوان عن إفريقية وولى مكانه عبيدة بن عبد الرحمن السلمي وهو ابن أخي أبي الأعور فقدمها سنة عشر. عبيدة الله بن الحبحاب ثـم عـزل هشـام عبيـدة بـن عبـد الرحمـن وولـى مكانـه عبيـد اللـه بن الحبحاب مولى بني سلول وكان والياً على مصر فأمره أن يمضي إلى إفريقية واستخلف على مصر ابنه أبا القاسم وسار إلى إفريقية فقدمها سنة أربع عشرة وبنى جامع تونس واتخذ لهـا دار الصناعـة لإنشـاء المراكـب البحرية. وبعث إلى طنجة ابنه إسماعيل وجعل معه عمر بن عبيد الله المرادي. وبعث على الأندلـس عقبـة بـن حجـاج القيسـي. وبعث حبيب بن عبيدة بن عقبة بن نافع غازيا إلى المغرب فبلغ السوس الأقصى وأرض السودان وأصاب من مغانم الذهب والفضة والسبي كثيرا ودوخ بلـاد المغـرب وقبائـل البربـر ورجـع. ثـم أغـزاه ثانيـة فـي البحـر إلى صقلية سنة اثنتين وعشرين ومعه عبد الرحمن بن حبيب فنازل سرقوسة أعظم مدائن صقلية وضرب عليهم الجزية وأثخن في سائـر الجزيـرة. وكان محمد بن عبيد الله بطنجة قد أساء السيرة في البربر وأراد أن يخمس من أسلم منهم وزعم أنه الفيء فأجمعوا الانتقاض وبلغهم مسير العساكر مع حبيب بن أبي عبيدة إلـى صقليـة فسـار ميسرة المظفري بدعوة الصفرية من الخوارج وزحف إلى طنجة فقتل عمر بن عبيـد الله وملكها واتبعه البربر وبايعوه بالخلافة وخاطبوه بأمير المؤمنين وفشت مقالته في سائر القبائـل بإفريقيـة. وبعث ابن الحبحاب إليه خالد بن حبيب الفهري فيمن بقي معه من العساكر. واستقدم حبيب بن أبي عبيدة من صقلية ومن معه من العساكر وبعثه في أثر خالد ولقيهم ميسـرة والبربـر بناحية طنجة فاقتتلا قتالا شديداً. ثم تحاجزوا ورجع ميسرة إلى طنجة فكره البربر سوء سيرته فقتلوه وولوا عليهم مكانه خالد بن حبيب الزناتي. واجتمع إليه البربر ولقيه خالـد ابن حبيب في العرب وعساكر هشام فانهزموا وقتل خالد بن حبيب وجماعة من العرب وسميـت بهـم غـزوة الأشـراف وانتقضـت إفريقية على ابن الحبحاب وبلغ الخبر إلى الأندلس فعزلوا عامله عقبة بن الحجاج وولوا عبد الملك بن قطن كما مر. كلثوم في عياض ولمـا انتهـى الخبـر إلـى هشام بن عبد الملك بهزيمة العساكر بالمغرب إستنقص ابن الحبحاب وكتب إليـه يستقدمـه وولـى علـى إفريقيـة سنـة ثلـاث وعشريـن كلثوم بن عياض وعلى مقدمته بلخ بن بشر القشيـري فأسـاء إلـى أهل القيروان فشكوا إلى حبيب بن أبي عبيدة وهو بتلمسان موافق للبربر فكتب إلى كلثوم بن عياض ينهاه ويتهدده فاعتذر وأغضى له عنها ثم سار واستخلف على القيروان عبد الرحمن بن عقبة ومر على طريق سبيبة وانتهى إلى تلمسان ولقي حبيب بن عبيـدة واقتتـلا ثم اتفقا ورجعا جميعاً. وزحف البرابرة إليهم على وادي طنجة وهو وادي سوا فانهزم بلخ في الطلائع وانتهوا إلى كلثوم فانكشف واشتد القتال. وقتل كلثوم وحبيب بن أبي عبيـدة وكثيـر مـن الجنـد. وتحيـز أهـل الشـام إلـى سبتـة مـع بلخ بن بشر فحاصرهم البرابرة وأرسلوا إلـى عبـد الملـك بـن قطـن أميـر الأندلـس فـي أن يجيـزوا إليـه فأجابهم إلى ذلك بشرط أن يقيموا سنة واحدة. وأخذ رهنهم على ذلك وانقضت السنة وطالبهم بالشرط فقتلوه وملك بلخ الأندلس. وكـان عبـد الرحمـن بـن حبيـب بـن عبيـدة بـن عقبـة بـن نافع لما قتل أبوه حبيب مع كلثوم بن عياض وأجاز بلخ إلى الأندلس فملكها فأجاز عبد الرحمن إلى الأندلس يحاول ملكها. فلما جاء أبو الخطار إلى الأندلس من قبل حنظلة أيس عبد الرحمن من أمرها ورجع إلى تونس سنة ست وعشرين وقد توفي هشام وولي الوليد بن يزيد فدعا لنفسه وسار إلى القيروان ومنع حنظلة من قتاله وبعث إليه وجوه الجند فانتهز عبد الرحمن الفرصة فيهم وأوثقهم لئلا يقاتله أصحابهم وأغذ السير إلى القيروان فرحل حنظلة من إفريقية وقفل إلى المشرق سنة سبع وعشرين. واستقل عبد الرحمن بملك إفريقية وولى مروان بن محمد فكتب له بولايتها ثم ثـارت عليـه الخوارج في كل جهة فكان عمر بن عطاب الأزدي بطبنياش وعروة بن الوليد الصفري بتونس وثابت الصنهاجي بباجة وعبد الجبار بن الحارث بطرابلس على رأي الاباضية فزحف عبد الرحمن إليهما سنة إحدى وثلاثين فظفر بهما وقتلهما وسرح أخاه إلياس لابن عطاب فهزمه وقتله. ثم زحف إلى عروة بتونس فقتله وانقطع أمر الخوارج. وزحف سنة خمس وثلاثين إلى جموع من البربر بنواحي تلمسان فظفر بهم وقفل. ثم بعث جيشاً فـي البحـر إلـى صقليـة وآخـر إلـى سردانيـة فأثخنـوا فـي أمـم الفرنـج حتـى استقـروا بالجـزاء. ثـم دالـت دولـة بنـي العبـاس وبعـث عبـد الرحمـن بطاعتـه إلـى السفـاح ثـم إلـى أبـي جعفـر مـن بعد. ولحق كثير من بني أمية إلى إفريقية. وكان ممن قدم عليه القاضي وعبد المؤمن ابنا الوليد بن يزيد ومعهمـا ابنـة عـم لهمـا فزوجهـا عبـد الرحمـن مـن أخيـه إليـاس. ثـم بلـغ عبـد الرحمـن عنهما السعي في الخلافة فقتلهما وامتعضت لذلك ابنه عمهما فأغرت زوجها بأخيه عبد الرحمن واستفسدته. وكان عبد الرحمن قد أرسل إلى أبي جعفر بهدية قليلة وذهب يعتذر عنها فلم يحسن العذر وأفحش في الخطاب فكتب إليه المنصور يتهدده وبعث إليه بالخلعة فانتقض هو ومزق خلعته علـى المنبـر فوجـد أخـوه اليـاس بذلـك السبيـل إلـى مـا كـان يحـاول عليـه وداخل وجوها من الجند في الفتك بعبد الرحمن وإعادة الدعوة للمنصور ومالأه في ذلك أخوه عبد الـوارث وفطـن عبـد الرحمـن لهمـا فأمـر اليـاس بالمسيـر إلى تونس وجاء ليودعه ومعه أخوه عبد الوارث فقتلاه في آخر سبع وثلاثين لعشر سنين من إمارته. حبيب بن عبد الرحمن ولمـا قتـل عبـد الرحمن نجا ابنه حبيب إلى تونس فلحق به بعد أن طلبوه وضبطوا أبواب القصر ليأخذوه فلم يظفروا به. وكان عمه عمران بن حبيب بتونس فلحق به واتبعه الياس فاقتتلوا ملياً ثم اصطلحوا على أن يكون لحبيب قفصة وقصطيلة ونغراوة ولعمران تونس وصطغـورة وهـي تبـرزو والجزيـرة ولإليـاس سائر إفريقية. وتم هذا الصلح سنة ثمان وثلاثين. وسار حبيب إلـى عملـه ببلـاد الجريـد وسار إلياس مع أخيه عمران إلى تونس فغدر بعمران وقتله وجماعة من الأشراف معه وعاد إلى القيروان. وبعث بطاعته إلى أبي جعفر المنصور مع عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قاضي إفريقية. ثم سار حبيب إلى تونس فملكهـا وجـاءه عمـه اليـاس فقاتلـه وخالفـه حبيـب إلـى القيـروان فدخلهـا وفتـق السجـون فرجـع اليـاس فـي طلبـه وفارقه أكثر أصحابه إلى حبيب فلما تواقفا دعاه حبيب إلى البراز فتبارزا وقتله حبيب ودخل القيروان وملكها آخر سنة ثمان وثلاثين ونجا عمه الأخر عبد الوارث إلى وربجومة من قبائل البربر وكبيرهم يومئذ عاصم بن جميل وكان كاهنا ويدعي النبوة فأجار عبد الوارث وقاتلهم حبيب فهزموه إلى قابس. واستفحل أمرهم وكتب من كان بالقيروان من العرب إلى عاصم بن جميل يدعونه للولاية عليهم واستخلفوه على الحمايـة والدعـاء للمنصـور فلـم يجـب إلـى ذلـك وقاتلهـم فهزمهم واستباح القيروان وضرب المساجد واستهانها. ثم سار إلى حبيب بن عبد الرحمن بقابس فقاتله وهزمه ولحق حبيب بجبل أوراس فأجاره أهله وجاء عاصم فقاتلهم فهزموه وقتل جماعة من أصحابه. وقام بأمر وربجومة والقيروان من بعده عبد الملك وقتله سنة أربعين ومائة. وكانت إمارة الياس على إفريقية سنة ونصفا وإمارة حبيب ثلاث سنين. عبد الملك بن أبي الجعد الوربجومي ولمـا قتـل عبـد الملـك بـن أبـي الجعـد حبيب بن عبد الرحمن رجع في قبائل وربجومة إلى القيروان وملكها واستولت وربجومة على إفريقية وساروا في أهل القيروان بالعسف والظلم كما كان عاصـم وأسـوأ منـه. وافتـرق أهـل القيـروان بالنواحـي فـرارا بأنفسهـم وشـاع خبرهـم فـي الآفـاق فخـرج بنواحي طرابلس عبد الأعلـى بـن السمـح المغافـري الاباضـي منكـرا لذلـك وقصـد طرابلـس عبد الأعلى أبو السمح المغافري ولما ملك عبد الأعلى مدينة طرابلس بعث عبد الملك بن أبي الجعد العساكر لقتالـه سنـة إحدى وأربعين فلقيهم أبو الخطاب وهزمهم وأثخن فيهم واتبعهم إلى القيروان فملكها وأخرج وربجومة منها واستخلف عليها عبد الرحمن بن رستـم وسـار إلـى طرابلـس للقـاء العساكـر القاعدة من ناحية أبي جعفر. محمد بن الأشعث الخزاعي كان أبو جعفر المنصور لما وقع بإفريقية ما وقع من الفتنة وملك قبائل وربجومة القيروان وفد عليه زجالات من جند إفريقية يشكون ما نزل بهم من وربجومة ويستصرخونه فولى على مصر وإفريقية محمد بن الأشعث الخزاعي فنزل مصر وبعث على إفريقية أبا الأحـوص عمـرو بـن الأحوص العجلي. وسار في مقدمته فلقيه أبو الخطاب عبد الأعلى بسرت ودهمه بالعساكر ومعهـم الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة بن سوادة التميمي فسار لذلك ولقي أبا الخطاب بسرت ثانية فانهزم أبو الخطاب وقتل عامة أصحابه وذلك سنة أربع وأربعين. وبلـغ الخبـر إلـى عبـد الرحمن بن رستم بالقيروان ففر عنها إلى تاهرت وبنى هنالك مدينة ونزلها وقام ابن الأشعث فافتتح طرابلس واستعمل عليها المخارق غفاراً الطائي وقام بأمر إفريقية وضبطهـا. وولـى علـى طبنـة والـزاب الأغلـب بـن سالـم. ثـم ثـارت عليـه المضريـة وأخرجـوه سنـة ثمـان وأربعيـن فقفـل إلـى المشـرق الأغلـب بـن سالـم. ولمـا قفـل بـن الأشعـث إلـى المشرق ولى على المضرية عيسى بن موسى الخراساني فبعث أبو جعفر المنصور الأغلب بن سالم بن عقال بن خفاجة التميمـي بعـده علـى إفريقيـة وكـان من أصحاب أبي مسلم بخراسان. وقدم مع ابن الأشعث فولاه علـى الـزاب وطبنـة فقـدم القيروان وسكن الناس. ثم خرج عليه أبو قرة اليفرني في جموع البربر فهـرب وسكـن فأبى عليه الجند وخلعوه. وكان الحسن بن حرب الكندي بقابس فكاتب الجند وثبطهـم عن الأغلب فلحقوا به وأقبل بهم إلى القيروان فملكها ولحق الأغلب بقابس. ثم رجع إلى إقبال الحسن بن حرب سنة خمسين فهزمه وسار إلى القيروان فكر عليه الحسن دونها واقتتلوا وأصاب الأغلب سهم فقتله. وقدم أصحابه عليهم المغافر بن غفار الطائي الذي كان علـى طرابلـس وحملـوا علـى الحسن فانهزم أمامهم إلى تونس: ثم لحق بكتامة وخيل المخارق في أتباعه. ثم رجع إلى تونس بعد شهرين فقتله الجند وقيل أصحاب الأغلب قتلوه في الموقف الذي قتل فيه الأغلب وقام بأمر إفريقية المخارق بن غفار إلى أن كان ما نذكره. |
عمر بن هزار مرد
ولـم بلـغ أبـا جعفـر المنصور قتل الأغلب بن سالم بعث على إفريقية مكانه عمر بن حفص هزار مـرد من ولد قبيصة بن أبي صفرة أخي المهلب فقدمها سنة إحدى وخمسين فاستقامت أموره ثلـاث سنيـن. ثـم سـار لبنـاء السـور علـى مدينة طبنة واستخلف على القيروان أبا حازم حبيب بن حبيب المهدي فلما توجه لذلك ثار البربر بإفريقية وغلبوا على من كان بها وزحفوا إلى القيـروان وقاتلـوا أبـا حـازم فقتلـوه واجتمـع البربـر الأباضيـة بطرابلـس وولـوا عليهم أبا حاتم يعقوب بن حبيـب الأباضـي مولـى كنـدة وكـان علـى طرابلـس الجنيـد بـن بشـار الأسـدي مـن قبـل عمـر بن حفص فأمده بالعساكر وقاتلوا أبا حازم فهزمهم وحصرهم بقابس وانقضت إفريقية من كل ناحية. ثم ثاروا فـي عسكـر إلـى طبنـة وحاصـروا بهـا عمـر بـن حفـص فيهـم أبـو قـرة اليعقوبـي فـي أربعيـن ألفـا من الصفرية وعبد الرحمن بن رستم في خمسة عشر ألفاً من الاباضية جاؤوا معه والمسور الزناتـي فـي عشـرة آلـاف من الاباضية وأمم من الخوارج من صنهاجة وزناتة وهوارة ما لا يحصى فدافعهـم عمـر بـن حفـص بالأمـوال وفرق كلمتهم وبذل لأصحاب أبي قرة مالاً فانصرفوا. واضطر أبو قرة لأتباعهم فبعـث عمـر جيشـا إلـى ابـن رستـم وهـو بتهـودا فانهـزم إلـى تاهـرت وضعـف الأباضيـة عن حصار طبنة فافرجوا عنها وسار حاتم إلـى القيـروان وحاصرهـا ثمانيـة أشهـر واشتـد حصارهـا. وسـار عمـر بـن حفـص وجهـز العساكـر لطبنـة فخالفـه أبـو قـرة إلـى طبنـة فهزمـوه. وبلغ أبا حاتـم وأصحابـه وهـو القيـروان مسيـر عمـر بـن حفـص إليهـم فسـاروا للقائه فمال هو من الأربس إلى تونس ثم جاء إلى القيروان فدخلها واستعد للحصار واتبعه أبو حاتم والبربر فحاصروه إلى جهده الحصار وخرج لقتالهم مستميتا فقتل آخر سنة أربع وخمسين وولي مكانه أخوه لأمه حميد بن صخر فوادع أبا حاتم على أنه يقيم دعوة العباسية بالقيروان وخرج أكثر الجند إلى طبنة وأحرق أبو حاتم أبواب القيروان وثلم سورها. يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب ولما بلغ المنصور انتقاض إفريقية على عمر بن حفص وحصاره بطبنة بالقيروان بعث إليه يزيد بن أبي حاتـم بـن قبيصـة بـن المهلـب بـن أبـي صفـرة فـي ستيـن ألـف مقاتـل. وبلـغ خبـره عمـر بـن حفـص فحمله ذلك على الاستماتة حتى قتل وسار يزيد بن حاتم فقدم عليها وأبو حاتم يعقوب بن حبيب مستول عليها فسار طرابلس للقائه واستخلف على القيروان عمر بن عثمان الفهري فانتقض وقت أصحابه وخرج المخارق بن غفار فرجع إليهما أبو حاتم ففرا من القيروان ولحقا بجيجل من سواحل كتامة فتركهما واستخلف على القيروان عبـد العزيـز بـن السبـع المغافـري وسار للقاء يزيد. وسار يزيد إلى طرابلس فلحق أبو حاتم بجبال نفوسه واتبعته عساكر يزيد فهزمهـم فسـار إليـه يزيـد بنفسـه. وقاتلـه قتـالا شديـدا فانهـزم البربـر وقتـل أبـو حاتـم فـي ثلاثيـن ألفـا من أصحابـه وتتبعهـم يزيـد بالقتـل بثـأر عمـر بـن حفـص. ثـم ارتحل إلى القيروان فدخلها منتصف سنة خمس وخمسين. وكان عبد الرحمن بن حبيب بن عبد الرحمن الفهري مع أبي حاتم فلحق بكتامة وبعث يزيد في طلبه فحاصروهم ثم ظفروا بهم. وهرب عبد الرحمن وقتل جميع من كـان معـه وبعـث يزيـد المخـارق بـن غفار على الزاب ونزل طبنة وأثخن في البربر في وقائع كثيرة مـع وربجومـة وغيرهـم إلـى أن هلـك يزيد سنة سبعين ومائة في خلافة هارون الرشيد بأمره ابنه داود فخرج عليه البربر وأوقع بهم ورجع إلى القيروان إلى أن كان من أمم ما نذكر. أخوه روح بن حاتم ولم بلغ الرشيد وفاة يزيد بن حاتم وكان أخوه روح على فلسطين استقدمه وعزاه في أخيه وولاه على إفريقية فقدمها منتصف إحدى وسبعين. وسار داود ابن أخيه يزيد إلى الرشيد. وكان يزيد قد أذل الخوارج ومهد البلاد فكانـت ساكنـة أيـام روح ورغـب فـي موادعـة عبـد الوهاب بن رستم وكان من الوهبية فوادعه. ثم هلك روح في رمضان سنة أربع وسبعين وكـان الرشيـد قـد بعـث بعهـده سراً إلى نصر بن حبيب من قرابتهم فقام بالأمر بعد روح إلى أن ولي الفضل. أبنه الفضل بن روح ولما توفي روح بن حاتم قام حبيب بن نصر مكانه وسار ابنه الفضل إلى الرشيد فولاه على إفريقيـة مكـان أبيـه فعـاد إلـى القيـروان فـي محـرم سنـة سبـع وسبعيـن واستعمـل علـى تونـس المغيرة ابن أخيه بشر بن روح وكان غلاما غراً فاستخف بالجند واستوحشوا من الفضل لما أساء فيهم السيرة وأخذهم بموالاة حبيب بن نصر فاستعفى أهل تونس من المغيرة فلم يعفهم فانتقضوا وقدموا عليهم عبد الله بن الجارود ويعرف بعبد ربه الأنباري وبايعوه على الطاعة وأخرجوا المغيـرة وكتبـوا إلـى الفضـل أن يولـي عليهم من أراد فولى عليهم ابن عمه عبد الله بن يزيد بن أبي حاتم وسار إلى تونس. ولما قاربها بعث ابن الجارود جماعة لتلقيه واستفهامه في أي شيء جاء فعدوا عليه وقتلوه افتئاتاً بذلك على ابن الجارود واضطر إلى إظهار الخلاف وتولى كبر ذلـك محمـد بـن الفارسي من قواد الخراسانية وكتب إلى القود والعمال في النواحي واستفسدهم على الفضل. وكثر جموع ابن الجارود وخرج الفضل فانهزم واتبعه ابن الجارود واقتحم عليه القيروان. ووكل به وبأهله من يوصلهم إلى قابس. ثم رده من طريقه وقتلـه منتصـف ثمـان وسبعين. ورجع ابن الجارود إلى تونس وامتعض لقتل الفضل جماعة من الجند وفي مقدمتهم مالك بن المنذر ووثبوا بالقيروان فملكوها وسار إليهم ابن الجارود من تونـس فقتلهـم وقتـل مالك بن المنذر وجماعة من أعيانهم ولحق فلهم بالأندلس فقدموا عليهم الصلت بـن سعيـد وعادوا إلى القيروان واضطربت إفريقية. ولما بلغ الرشيد مقتل الفضل بن روح وما وقع بإفريقية من الإضطراب ولى مكانه خزيمة بن أعين وبعث إلى ابن الجارود يحيى بن موسى لمحله عند أهل خراسان. ويقـال يقطيـن يرغبـه فـي الطاعـة فأجابـه بشـرط الفـراغ مـن العـلاء بـن سعيـد. وعلم يقطين أنه يغالطه فداخل صاحبه محمد بن الفارسي واستماله فنزع عن ابن الجارود. وخرج ابن الجارود من القيروان فراراً من العلاء في محرم سنة تسع وسبعين لسبعة أشهر من ولايته وسار للقاء ابن الفارسـي من القيروان وتزاحفا للقتال فدعا ابن الجارود ابن الفارسي إلى خلوة وقد دس رجلا مـن أصحابـه يغتالـه فـي خلوتهمـا فقتلـه وانهـزم أصحابـه وسابـق العـلاء بـن سعيـد ويقطيـن إلـى القيروان فسبـق إليهـا العـلاء وملكهـا وفتـك في أصحاب ابن الجارود. ولحق ابن الجارود بهرثمة فبعث به إلى الرشيد وكتب إليه أن العلاء بن سعيد هو الذي أخرجه من القيروان فأمره بأن يبعث بالعلاء فبعث به مع يقطين فاعتقل ابن الجارود وأحسن إلى العلاء إلى أن توفي بمصر. وسـار هرثمة إلى القيروان فقدمها سنة سبع وسبعين فأمن الناس وسكنهم وبنى القصر الكبير بالمنستيـر لسنـة عـن قدومـه وبنى السور على طرابلس مما يلي البحر. وكان إبراهيم بن الأغلب عاملا على الزاب وطبنة فهاداه ولاطفه فعقد له على عمله فقام بأمره وحسن أثره. ثم خرج عليـه عيـاض بـن وهـب الهواري وكليب بن جميع الكلبي وجمعا الجموع فسرح هرثمة إليهما يحيى بن موسى عن قواد الخراسانية ففرق جموعهما وقتل كثيرا من أصحابهما ورجع إلى القيروان. ولما رأى هرثمة كثرة الثوار والخلاف بإفريقية استعفى الرشيد من ولايتها فأعفـاه ورجـع إلـى العراق لسنتين ونصف من ولايته. محمد في مقاتل الكعبي ثـم بعـث الرشيـد على إفريقية محمد بن مقاتل الكعبي وكان صنيعته فقدم القيروان في رمضان سنـة إحـدى وثمانيـن فكـان سيـئ السيـرة فاختلف عليه الجند وقدموا مخلد بن مرة الأزدي فبعث إليـه العساكـر فهزم وقتل. ثم خرج عليه بتونس تمام بن تميم التميمي سنة ثلاث وثمانين واجتمع إليـه النـاس وسار إلى القيروان فخرج إليه محمد بن مقاتل ولقيه فانهزم أمامه ورجع إلى القيروان وتمـام فـي أتباعـه إلـى أن دخـل عليـه القيـروان وأمنـه تمـام علي أن يخرج عن إفريقية فسار محمد إلى طرابلس وبلغ الخبر إلى إبراهيم بن الأغلب بمكانه من الزاب فانتقض لمحمد وسار بجموعه إلى القيـروان وهرب تمام بين يديه إلى تونس وملك القيروان. واستقدم محمد بن مقاتل من طرابلس وأعـاده إلـى إمارتـه بالقيـروان آخـر ثلـاث وثمانيـن وزحـف تمام لقتالهم فخرج إليه إبراهيم بن الأغلب بأصحابه فهزمه وسار في أتباعه إلى تونس. واستأمن له تمام فأمنه وجاء به إلى القيروان وبعث به إلى بغداد فاعتقله الرشيد. ولما استوثق الأمر لمحمد بن مقاتل كره أهل البلاد ولايته وداخلوا إبراهيم بن الأغلب في أن يطلب من الرشيد الولاية عليهم فكتب إبراهيم إلى الرشيد في ذلك على أن يترك المائة ألف دينـار التـي كانـت من مصر إلى إفريقية وعلى أن يحمل هو من إفريقية أربعين ألفا. وبلغ الرشيد غناءه في ذلك واستشار فيه أصحابه فأشار هرثمة بولايته فكتب له بالعهـد إلـى إفريقيـة منتصـف أربـع وثمانيـن فقـام إبراهيـم بالولايـة وضبـط الأمـور. وقفـل ابـن مقاتـل إلـى المشـرق وسكنت البلاد بولاية ابن الأغلب وابتنى مدينة العباسية قرب القيروان وانتقل إليها بجملته. وخرج عليه سنة ست وثمانين بتونس حمديس من رجالات العرب ونزع السواد فسرح إليه ابن الأغلب عمران بن مجالد في العساكر فقاتله وانهزم حمديس وقتل من أصحابه نحو عشرة آلاف. ثم صرف همه إلى تمهيد المغرب الأقصى وقد ظهر فيه دعوة العلوية بإدريس بن عبد الله. وتوفي ونصب البرابرة ابنه الأصغر وقام مولـاه راشـد بكفالتـه وكبـر إدريـس واستفحـل أمـره براشد فلم يزل إبراهيم يدس إلى البربر ويسرب فيهم الأموال حتى قتل راشد وسيق رأسه إليـه. ثـم قـام بأمـر إدريـس بعده بهلول عبد الرحمن المظفر من رؤس البربر فاستفحل أمره فلم يزل إبراهيـم يتلطفـه ويستميلـه بالكتب والهدايا إلى أن انحرف عن دعوة الأدارسة إلى دعوة العباسية فصالحـه إدريـس وكتـب إليـه يستعطفـه بقرابتـه مـن رسـول اللـه صلـى الله عليه وسلم كف عنه. ثم خالف أهل طرابلس على إبراهيم بن الأغلب سنة تسع وثمانين وثاروا بعاملهم سفيان بن المهاجر وأخرجوه من داره إلى المسجد وقتلوا عامـة أصحابـه. ثـم أمنـوه علـى أن يخـرج مـن طرابلـس فخـرج سفيـان لشهـر مـن ولايتـه واستعملـوا عليهـم إبراهيم بن سفيان التميمي فبعث إليهم إبراهيم بن الأغلب العساكر وهزمهم ودخل طرابلس عسكره. ثم استحضر إبراهيم الذين تولوا كبر ذلك فحضروا في ذي الحجة آخر السنة وعفا عنهم وأعادهـم إلـى بلدهـم. ثـم انتقـض عمـران بـن مجالـد الربعـي سنـة خمـس وتسعين على ابن الأغلب. وكان بتونس واجتمع معه على ذلك قريش بن التونسي وكثرت جموعهما. وسار عمران إلى القيروان فملكها وقدم عليه قريش من تونس وخندق إبراهيم على نفسه بالعباسية فحاصروه سنـة كاملـة كانـت بينـه وبينهـم حـروب كـان الظفـر فـي آخرهـا لابـن الأغلـب. وكـان عمران يبعث إلى أسد بن الفرات القاضي في الخروج إليهم وامتنع. ثـم بعـث الرشيـد إلـى إبراهيم بالمال فنادى في الناس بالعطاء ولحق به أصحاب عمران وانتقض أمره ولحق بالزاب فأقـام بـه إلـى أن توفـي ابـن الأغلـب. ثـم بعـث إبراهيـم علـى طرابلـس ابنـه عبـد اللـه سنة ست وتسعين فثار عليه الجند وحاصروه بداره. ثم أمنوه على أن يخرج عنهم فخرج واجتمع إليه الناس وبذل العطاء وأتاه البربر من كل ناحية. وزحف إلى طرابلس فهزم جندها ودخل المدينة. ثم عزله أبوه وولى سفيان بن المضاء فثارت هوارة بطرابلس وهجم الجند فلحقوا بإبراهيم بن الأغلب وأعاد معهم ابنه عبد الله في ثلاثة عشر ألفا من العساكر ففتك بهـوارة وأثخـن فيهـم وجـدد سـور طرابلـس. وبلـغ الخبـر إلـى عبـد الوهـاب بـن عبـد الرحمـن بـن رستـم فجمع البربر وجاء إلى طرابلس فحاصرها وسد عبد الوهاب باب زناتة وكان يقاتل من باب هـوارة. ثم جاءه الخبر بوفاة أبيه فصالحهم على أن يكون البلد والبحر لعبد الله وأعمالها لعبد الوهاب وسار إلى القيروان. وكانت وفاة إبراهيم في شوال سنة ست وتسعين. ابنه أبو العباس عبد الله ولما توفي إبراهيم بن الأغلب عهد لابنه عبد الله وكان غائبا بطرابلس والبربر يحاصرونه كما ذكرناه وأوصى ابنه الآخر زيادة الله أن يبايع له بالإمارة ففعـل وأخـذ لـه البيعـة علـى النـاس بالقيـروان. وكتـب إليـه بذلـك فقـدم أبـو العبـاس عبـد اللـه فـي صفـر سنـة سبـع وتسعيـن ولم يرع حق أخيه فيما فعله. وكان ينتقصـه ولـم يكـن فـي أيامـه فتنـة بمـا مهـد لـه أبـوه الأمـر. وكـان حائـراً حتـى قيـل أن مهلكـه كـان بدعـوة حفـص بـن حميـد مـن الأوليـاء الصالحيـن من أهل حمود ومهريك وفد عليه في جماعـة مـن الصالحيـن يشكـو ظلامـة فلـم يصـغ إليهـم فخرج حفص يدعو عليه وهم يؤمنون فأصابته قرحة في أذنه عن قريب هلك منها في ذي الحجة سنة إحدى ومائتين لخمس سنين من ولايته. ولمـا توفي أبو العباس ولي مكانه أخوه زيادة الله وجاءه التقليد من قبل المأمون وكتب إليه يأمره بالدعاء لعبد الله بن طاهر على منابره فغضب من ذلك وبعث مع الرسول بدنانير من سكة الادارسـة يعـرض لـه بتحويـل الدعـوة. ثـم استأذنـه قرابته في الحج وهم أخوه الأغلب وأبناء أخيه أبي العباس محمد وأبو محمد بهر وإبراهيم أبو الأغلب. فأذن لهم وانطلقوا لقضـاء فرضهـم فقضـوه وأقامـوا بمصـر حتـى وقعـت بين زيادة الله وبين الجند الحروب فاستقدمهم واستوزر أخاه والأغلب وهاجت الفتن. واستولى كل رئيس بناحية فملكوها عليه كلها وزحفوا إلى القيروان فحصـروه. وكـان فاتحـة الخلـاف زيـاد بـن سهـل بن الصقلية خرج سنة سبع ومائتين وجمع وحاصر مدينة باجة فسرح إليه العساكر فهزموه وقتلوا أصحابه. ثم انتقض منصـور الترمـذي بطبنـة وسار إلى تونس فملكها وكان العامل عليها إسماعيل بن سفيان وسفيان أخو الأغلب فقتله لتستخلص له طاعة الجند. وسـرح زيـادة الله العساكر من القيروان مع غلبون ابن عمه ووزيره اسمه الأغلب بن عبد الله بن الأغلب وتهددهم بالقتل إن انهزموا فهزمهم منصور وخشوا على أنفسهم ففارقوا الوزير غلبون وافترقوا على إفريقية واستولوا على باجة والجزيرة وصطفورة والاربس وغيرها. واضطربت إفريقية ثم اجتمعوا إلى منصور وسار بهم إلى القيروان فملكها وحاصره في العباسية أربعين يوما وعمروا سور القيروان الذي خربه إبراهيم بن الأغلب. ثم خرج إليه زيادة الله فقاتله فهزمه ولحق بتونس. وخرب زيادة الله سور القيروان. ولحق قواد الجند بالبلاد التي تغلبوا عليهـا. فلحـق منهـم عامـر بـن نافـع الـأزرق بسبيبـة. وسـرح زيـادة اللـه سنـة تسـع ومائتيـن عسكـراً مع محمد بن عبد الله بن الأغلب فهزمهم عامر وعادوا ورجع منصور إلى تونس. ولم يبق على طاعة زيادة الله من إفريقية إلا تونس والساحل وطرابلس ونفزاوة. وبعث الجند إلى زيادة الله بالأمان وأن يرتحل عن إفريقية وبلغه أن عامر بن نافع يريد نفزاوة وأن برابرتها دعوه فسرح إليهم ماشي مقاتل لمنع عامر بن نافع فرجع عامراً عنها وهزمه إلى قسطيلة ورجع. ثم هرب عنها واستولى سفيان على قسطيلة وضبطها. وذلك سنة تسع ومائتين. واسترجع زيادة الله قسطيلة والزاب وطرابلس واستقام أمره. ثم وقعت الفتنة بين منصـور الطبنـدي وبيـن عامـر بـن نافـع لـأن منصوراً كان يحسده ويضغن عليه فاستمال عامر الجند وحاصـره بقصره بطبندة حتى استأمن إليه على أن يركب إلى الشرق. وأجابه إلى ذلك وخرج منصـور مـن طنبـدة منهرمـاً. ثـم رجـع فحاصـره عامـر حتى استأمن إليه ثانيا على يد عبد السلام بن المفرج من قواد الجند وأخذ له الأمان من عامر على أن يركب البحر إلى المشرق فأجابه عامـر وبعثـه مـع ثقاتـه إلـى تونس وأوصى ابنه. وكان يغريه أن يقتله إذا مر به فقتله وبعث برأسه وأقـام عامـر بـن نافـع بمدينـة تونـس إلـى أن توفي سنة أربـع عشـرة. ورجـع عبـد السلـام بن المفرج إلى باجـة فأقـام بهـا إلـى أن انتقـض فضـل بـن أبـي العيـن بجزيـرة شريـك سنـة ثمـان عشـرة ومائتيـن فسـار إليه عبد السلام بن المفرج الربعي وجاءت عساكر زيادة الله فقاتلوهما وقتل عبد السلام. وانهزم فضل إلى مدينة تونس وامتنع بها وحاصرته العساكر حتى اقتحموها عليه وقتلوا كثيرا من أهلها وهرب آخرون حتى أمنهم زيادة الله وعادوا. وفي سنة تسع عشرة ومائتين فتح أسد بن الفرات صقلية. كانت صقلية من عمالات الروم وأمرها راجع إلى صاحب قسطنطينية وولي عليها سنة إحدى عشرة ومائتين بطريقاً اسمه قسنطيـل واستعمـل علـى الأسطـول قائـداً مـن الـروم حازماً شجاعاً فغزا سواحل إفريقية وانتهبها. ثم بعد مدة كتب ملك الروم إلى قسنطيل يأمره بالقبض على مقدم الأسطول وقتله. ونمـى الخبر إليه بذلك فانتقض وتعصب له أصحابه وسار إلى مدينة سرقوسة من بلاد صقلية فملكها وقاتله قسنطيل فهزمه القائد ودخل مدينة نطانية فأتبعه جيشا أخذوه وقتلوه واستولى القائد على صقلية فملكها وخوطب بالملك. وولى على ناحية من الجزيرة رجلا اسمه بلاطة وكـان ميخاييـل ابـن عـم بلاطـة علـى مدينـة بليـرم فانتقـض هـو وابـن عمـه على القائد واستولى بلاطة علـى مدينـة سرقوسـة. وركـب القائد في أساطيله إلى إفريقية مستنجداً بزيادة الله فبعث معهم العساكر واستعمل عليهم أسد بن الفرات قاضي القيروان فخرجوا في ربيع سنة اثنتي عشرة فنزلوا بمدينة مأزر وساروا إلى بلاطة ولقيهم القائد وجميع الروم الذين بها استمدهم فهزموا بلاطة والروم الذين معه وغنموا أموالهم. وهـرب بلاطـة إلـى فلونـرة فقتـل واستولـى المسلمـون علـى عـدة حصـون مـن الجزيرة ووصلوا إلى القلعة الكرات وقد اجتمع بها خلق كثير فخادعوا القاضي أسد بن الفرات في المراودة على الصلح وأداء الجزية حتى استعدوا للحصار ثم امتنعوا عليه فحاصرهم وبعث السرايا في كل ناحية وكثرت الغنائـم. وحاصـروا سرقوسـة بـراً وبحـراً وجـاءه المـدد مـن إفريقيـة وحاصـروا بليـرم. وزحف الروم إلى المسلمين وهم يحاصرون سرقوسة قد بعثوهـم واشتـد حصـار المسلميـن بسرقوسة. ثم أصاب معسكرهم الفناء وهلك كثير منهم ومات أسد بن الفرات أميرهم ودفن بمدينة قصريانة ومعهم القائد الذي جاء يستنجدهم فخادعه أهل قصريانة وقتلوه. وجـاء المـدد مـن القسطنطينيـة فتصافـوا مـع المسلميـن وهزموهـم ودخـل فلهم إلى قصريانة. ثم توفي محمـد بـن الحـواري أميـر المسلميـن وولـي بعمـه زهيـر بـن عـوف. ثـم محض الله المسلمين فهزمهم الروم مرات وحصروهم في معسكرهم حتى جهدهم الحصـار وخـرج مـن كـان فـي كبركيـب مـن المسلميـن بعـد أن هدموهـا وسـاروا إلي مأزر. وتعذر عليهم الوصول إلى إخوانهم وأقاموا كذلك إلى سنة أربع عشرة إلى أن أشرفوا على الهلاك فوصلت مراكب إفريقية مدداً وأسطول من الأندلس خرجوا للجهاد. واجتمع منهم ثلاثمائة مركب فنزلوا الجزيرة وأفرج الروم عن حصار المسلميـن وفتـح المسلمـون مدينـة بليـرم بالأمان سنة سبع عشرة. ثم ساروا سنة تسع عشرة إلى مدينة قصريانة وهزموا الروم عليها سنة عشرين. ثم بعثوا إلى طرميس. ثم بع زيادة الله الفضل بن يعقوب في سرية إلى سرقوسة فغنموا. ثم سارت سرية أخرى واعترضها بطريق صقلية فامتنعوا منه في وعر وخمل من الشعراء حتى يئس منهم وانصرف على غير طائل فحمل عليهم أهل السرية وانهزموا وسقط البطريق عن فرسه فطعن وجرح وغنـم المسلمـون مـا معهـم مـن سلـاح ودواب ومتـاع. ثـم جهـز زيـادة الله إلى صقلية إبراهيم بن عبد الله بن الأغلب في العساكر وولاه أميرا عليها فخرج منتصف رمضان وبعث أسطولا فلقي أسطولا للروم فغنمه وقتل من كان فيه. وبعث أسطولا آخر إلى قصورة فلقي أسطولا فغنمه وسـارت سرية إلى جبل النار والحصون التي في نواحيها وكثر السبي بأيدي المسلمين. وبعث الأغلب سنة إحدى وعشرين أسطولا نحو الجزائر فغنموا وعادوا. وبعث سرية إلى قطلبانة وأخرى إلى قصريانة كان فيهما التمحيص على المسلمين ثم كانت وقعة أخرى كان فيها الظفر للمسلميـن. وغنـم مـن أسطولهـم تسـع مراكـب ثـم عثر بعض المسلمين على عورة من قصريانة فدل المسلمين عليها ودخلوا منها البلد وتحصن المشركون بحصنه حتى استأمنوا وشده الله وغنم المسلمون غنائمه وعادوا إلى بليرم إلى أن وصلهم الخبر بوفاة زيادة الله فوهنوا أولاً ثم انشطوا وعادوا لي الصبر والجهاد وكانت وفاة زيادة الله منتصف سنة ثلاث وعشرين ومائتين لإحدى وعشرين سنة ونصف من ولايته. أخوهما أبو عقال الأغلب بن إبراهيم بن الأغلب ولما توفي زيادة الله بن إبراهيم تولى أخوه الأغلب ويكنى أبا عقال فأحسن إلى الجند وأزال المظالـم وزاد العمـال في أرزاقهم وكفهم عن الرعية. وخرج عليه بقسطيلة خوارج زواغة ولواتة ومكناسـة وقتلـوا عاملهـا بهـا وبعـث إليهـم العساكـر فقتلهـم واستأصلهـم. وبعـث سنة أربع وعشريـن سريـة إلـى صقليـة فغنموا وعادوا ظافرين. وفي سنة خمس وعشرين استأمن للمسلمين عـدة حصـون مـن صقليـة فأمنوهـم وفتحوهـا صلحـاً. وسـار أسطـول المسلمين إلى قلورية ففتحوها ولقـوا أسطـول القسطنطينيـة فهزموهـم وفي سنة سـت وعشريـن سـارت سرايـا المسلميـن بصقلية إلى قصريانـة ثـم حصـن القيـروان وأثخنـوا فـي نواحيهـا كمـا نذكـر. ثـم توفـي الأغلـب بـن إبراهيـم في ربيع من سنة ست وعشرين ومائتين لسنتين وسبعة أشهر من إمارته. ابنه أبو العباس محمد بن الأغلب بن إبراهيم ولما توفي أبو عقال الأغلب ولي بعده ابنه أبو العباس ودانت له إفريقية وشيد مدينة بقرب تاهـرت وسماهـا العباسية وذلك سنة سبع وعشرين وأحرقها أفلح بن عبد الوهاب بن رستم. وكتب إلى صاحب الأندلس يتقرب إليه بذلك فبعث إليه بمائة ألف درهم. وفي أيامه ولي سحنـون القضاء سنة أربع وثلاثين بعد عزل ابن الجواد وضربه سحنون فمات ومات سحنون سنـة أربعيـن ومائتيـن وثـار عليـه أخـوه أبـو جعفر وغلبه. ثم اتفقا على أن يستوزره فاستبد عليه وقتل وزارءه ومكث على ذلك. ثم أقام أبو العباس محمد بأمره واستبد سنة ثلاث وأربعين بعد أن استبد لذلك رجالاً وحارب أخوه أبو جعفر فغلبه محمد وانتقض عليه وأخرجه من إفريقية إلى مصر سنة ست وأربعين ومائتين لستة عشر شهراً من ولايته. ابنه أبو إبراهيم أحمد بن أبي العباس محمد لمـا توفـي أبـو العباس محمد بن أبي عقال سنة اثنتين وأربعين ولي مكانه ابنه أبو إبراهيم أحمد فأحسن السيرة وأكثر العطاء للجند وكان مولعاً بالعمارة فبنى بإفريقية نحواً من عشرة آلاف حصن بالحجارة والكلس وأبواب الحديد. واتخذ العبيد جنداً وخرج عليه بناحية طرابلس خوارج من البربر فغلبهم عاملها وهو يومئذ أخوه عبد الله بن محمد بن الأغلب سرح إليهم أخاهمـا زيـادة اللـه يحاربهـم واستلحمهـم وكتـب إلـى أخيـه أبي إبراهيم بالفتح. وفي أيامه افتتحت قصريانـة مـن مـدن صقليـة فـي شوال سنة أربع وأربعين وبعث بفتحها إلى المتوكل وأهدى له من سبيها. ثم توفي إبراهيم هذا سنة تسع وأربعين لثمان سنين من ولايته. ابنه زيادة الله الأصغر بن أبي إبراهيم بن أحمد ولما توفي أبو إبراهيم ولي مكانه ابنه زيادة الله ويعرف بزيادة الله الأصغر فجرى على سنن سلفه ولم تطل أيامه. وتوفي سنة خمسين لحول من ولايته. أخوه أبو الغرانيق بن أبي إبراهيم بن أحمد ولما توفي زيادة الله كما قدمناه ولي مكانه أخوه محمد ويلقب بأبي الغرانيق فغلب عليه اللهو والشـراب. وكانـت فـي أيامـه حـروب وفتـن. وفتـح جزيـرة مالطـة سنـة خمـس وخمسيـن. وتغلـب الـروم على مواضع من جزيرة صقلية وبنى محمد حصوناً ومحارس على ساحل البحر بالمغرب على مسيرة خمسة عشر يوماً من برقة إلى جهة المغرب وهي الآن معروفة. ثم توفي أبو الغرانيق منتصف إحدى وستين لإحدى عشرة سنة من ولايته. بقية أخبار صقلية وفي سنة ثمـان وعشريـن سـار الفضـل بـن جعفـر الهمدانـي فـي البحـر ونـزل مرسـى مسينـة وحاصرها فامتنعـت عليـه وبث السرايا في نواحيها فغنموا. ثم بعث طائفة من عسكره وجاؤوا إلى البلد من وراء جبل مطل عليه وهمك مشغولون بقتاله فانهزموا وأعطوا باليد ففتحها. ثم حاصر سنـة اثنتيـن وثلاثيـن مدينـة لسـى وكاتـب أهلهـا بطريق صقلية يستمدونه فأجابهم وأعطاهم العلامة بإيقاد النار على الجبل. وبلغ ذلك الفضل بن جعفر فأوقد النار على الجبل وأكمن لهم من ناحيته فخرجوا واستطرد لهم حتى جاوزوا الكمين فخرجوا عليهم فلم ينج منهم. إلا القليل وسلموا البلد على الأمان. وفي سنة ثلاث وثلاثين أجاز المسلمون إلى أرض انكبردة من البر الكبير وملكوا منها مدينة وسكنوها وفي سنة أربع وثلاث صالح أهل رغوش وسلموا المدينة للمسلمين فهدموها بعد أن حملوا جميـع مـا فيهـا. وفي سنة ثلـاث وثلاثيـن توفـي أميـر صقليـة محمـد بـن عبد الله بن الأغلب واجتمع المسلمون بعده على ولاية العباس بن الفضل بن يعقوب بعد موت أميرهم. وكتب له محمد بن الأغلب بعهده. على صقلية وكان من قبل يغزو ويبعث السرايا وتأتيه الغنائم. ولما جاءه كتاب الولاية خرج بنفسه وعلى مقدمته عمه رياح فعاث في نواحي صقلية وردد البعوث والسرايا إلى قطانيه وسرقوسة وبوطيف ورغوس فغنموا وخربوا وحرقوا وافتتح حصوناً جمة وهزم أهل قصريانة وهي مدينة ملك صقلية. وكـان الملـك قبلـه يسكـن سرقوسـة فلمـا فتحها المسلمون كما ذكرناه انتقل الملك إلى قصريانة وأخبر أن العباس كان يردد الغزو إلى نواحي سرقوسة وقصريانة شاتية وصائفة فيصيب منهم ويرجع بالغنائـم والأسـارى. فلمـا كـان فـي شاتيـة منهـا أصـاب منهـم أسارى وقدمهم للقتل فقال له بعضهم وكـان لـه قـدر وهيبة استبقني وأنا أملك قصريانة ودلهم علي عورة البلد فجاؤوها ليلا ووقفهم بـاب صغيـر فدخلـوا منـه. فلمـا توسطـوا البلـد وضعوا السيف وفتحوا الأبواب ودخل العباس في العسكر فقتل المقاتلة وسبى بنات البطارقة وأصاب فيها ما يعجز الوصـف عنـه وذل الـروم بصقلية من يومئذ. وبعث ملك الروم عسكـراً عظيمـاً مـع بعـض بطارقتـه وركبـوا البحـر إلـى مرسـى سرقوسـة فجاءهم العباس من بليرم فقاتلهم وهزمهم وأقلع فلهم إلى بلادهم بعد أن غنم المسلمون من أسطولهم ثلاثة أو أكثر وذلك سنة سبع وثلاثين. وافتتح بعدها كثيراً من قلاع صقلية وجاء مدد الروم من القسطنطينية وهو يحاصر قلعة الروم فنزلوا سرقوسة وزحف إليهم العباس من مكانـه وهزمهـم ورجـع إلـى قصريانـة فحصنها وأنزل بها الحامية. ثم سار سنة سبع وأربعين إلي سرقوسة فغنم ورجع واعتـل فـي طريقـه فهلـك منتصـف سنتـه. ودفـن فـي نواحـي سرقوسـة وأحـرق النصارى شلوه وذلك لإحدى عشرة سنة من إمارته. واتصل الجهاد بصقلية والفتح وأجاز المسلمـون إلى عدوة الروم في الشمال وغزوا أرض قلورية وانكبرده وفتحوا فيها حصونا وسكن بها المسلمون ولمـا توفـي العباس اجتمع الناس على ابنه عبد الله وكتبوا إلى صاحب إفريقية وبعث عبد الله السرايا ففتح القلاع وبعد خمسة أشهر من ولايته وصل خفاجة بن سفيان من إفريقية علـى صقليـة فـي منتصـف ثمـان وأربعيـن وأخـرج ابنـه محمـوداً فـي سرية إلى سرقوسة فعاث في نواحيها وخـرج إليهـم الـروم فقاتلهـم وظفـر ورجـع. ثم فتح مدينة نوطوس سنة خمس وخمسين وسار إلى سرقوسة وجبل النار واستأمن إليه أهل طرميس ثم غدروا فسرح ابنه محمدا في العساكر وسبى أهلها. ثم سار خفاجة إلى رغوس وافتتحها وأصابه المرض فعاد إلى بليرم. ثم سار سنة ثلاث وخمسين إلى سرقوسة وقطانية فخرب نواحيها وأفسد زرعهـا وبعـث سراياه في أرض صقلية فامتلأت أيديهم من الغنائم. وفي سنة أربع وخمسين وصل بطريق من القسطنطينية لأهل صقلية فقاتله جمع من المسلمين وهزموه وعاث خفاجة في نواحي سرقوسة ورجع إلى بليـرم. وبعـث سنـة خمـس وخمسيـن ابنـه محمـداً فـي العساكـر إلـى طرميـس وقـد دلـه بعـض العيون على بعض عوراتها فدخلوها وشرعوا في النهب. وجاء محمد بن خفاجة من ناحية أخرى فظنوه مدداً للعدو فأجفلوا ورآهم محمد مجفلين فرجع. ثم سار خفاجة إلى سرقوسة فحاصرهـا وعـاث في نواحيها ورجع فاغتاله بعض عسكره في طريقه وقتله وذلك سنة خمس وخمسيـن وولـى النـاس عليهـم ابنـه محمـداً. وكتبـوا إلـى محمـد بـن أحمـد أميـر إفريقيـة فأقره على الولاية إبراهيم بن أحمد أخو أبي الغرانيق ولمـا توفـي أبـو الغرانيـق ولـي أخـوه إبراهيـم وقـد كـان عهد لابنه أبي عقال واستحلف أخاه إبراهيم أن لا ينازعه ولا يعرض له بل يكون نائبا عنه إلى أن يكبر فلما مات عدا عليه أهل القيروان وحملوه على الولاية عليهم لحسن سيرته وعدله فامتنع ثم أجاب وترك وصية أبي الغرانيق في ولده أبي عقال وانتقل إلى قصر الإمارة وقام بالأمر أحسن قيام. وكان عادلا حازماً فقطع البغي والفساد وجلس لسماع شكوى المتظلمين فأمنت البلاد وبنى الحصون والمحارس بسواحل البحـر حتـى كانت النار توقد في ساحل سبتة للنذير بالعدو فيتصل إيقادها بالإسنكدرية في الليلـة الواحـدة وبنـى سـور سوسـة. وفـي أيامـه كان مسير العباس بن أحمد بن طولون مخالفا على أبيـه صاحـب مصـر سنة خمس وستين فملك برقة من يد محمد بن قهرب قائد ابن الأغلب ثم ملـك لبـدة ثم حاصر طرابلس واستمد ابن قهرب بقوسة فأمدوه ولقي العباس بن طولون بقصر حاتم سنة سبع وستين فهزمه ورجع إلى مصر. ثم خالفت وزداجة ومنعوا الرهن وفعلت مثـل ذلـك هـوارة ثـم لواتـة وقتـل ابـن قهـرب فـي حروبهم فسرح إبراهيم ابنـه أبـا العبـاس عبـد اللـه إليهـم فـي العساكـر سنـة تسـع وستيـن فأثخـن فيهـم. وفي سنة ثمانيـن كثـر الخـوارج وفـرق العساكـر إليهم فاستقاموا واستركب العبيد السودان واستكثر منهـم فبلغـوا ثلاثـة آلـاف. وفي سنة إحـدى وثمانيـن انتقـل إلـى سكنى تونس واتخذ بها القصور ثم تحـرك إلـى مصـر سنـة ثلـاث وثمانين لمحاربة ابن طولون واعترضته نفوسة فهزمهم وأثخن فيهم. ثم انتهـى إلـى سـرت فانفضـت عنـه الحشـود فرجع وبعث ابنه أبا العباس عبد الله على صقلية سنة سبـع وثمانيـن فوصـل إليهـا فـي مائـة وستيـن مركبـا. وحاصـر طرابـة وانتقـض عليـه بليـرم وأهـل كبركيت وكانـت بينهـم فتنـة فأغـراه كـل واحـد منهـم بالآخريـن. ثـم اجتمعـوا لحربـه وزحـف إليـه أهل بليرم في البحر فهزمهم واستباحهم وبعث جماعة من وجوهها إلى أبيه وفر آخرون مـن أعيانهـم إلـى القسطنطينيـة وآخـرون إلـى طرميـس فاتبعهـم وعـاث في نواحيها. ثم حاصر أهل قطانية فامتنعوا عليـه فأعـرض عـن قتـال المسلميـن. وتجهـز سنـة ثمـان وثمانيـن للغـزو فغـزا دمقـش ثـم مسينـي. ثـم جاء فـي البحـر إلـى ربـو ففتحهـا عنـوة وشحـن مراكبـه بغنائمهـا ورجـع إلـى مسينـي فهدم سورها. وجاء مـدد القسطنطينيـة فـي المراكـب فهزمهم وأخذ لهم ثلاثين مرى. ثم أجاز إلى عدوة الروم وأوقع بأمم الفرنجة من وراء البحر. ورجع إلى صقلية. وجاء في هذه السنة رسول المعتضد بعزل الأميـر إبراهيـم لشكـوى أهـل تونـس بـه فاستقـدم ابنـه أبـا العباس من صقلية وارتحل هو إليها مظهراً لغربة الانتجاع. هكذا قال ابن الرقيق. وذكر أنه كان جائراً ظلوماً سفاكاً للدماء وأنه أصابه آخـر عمـره ماليخوليـا أسـرف بسببهـا فـي القتل فقتل من خدمه ونسائه وبناته ما لا يحصى. وقتل ابنـه أبـا الأغلـب لظـن ظنـه بـه. وافتقـد ذات يـوم منديـلا لشرابـه فقتـل بسببـه ثلاثمائـة خـادم. وأما ابن الأثير فأثنى عليه بالعقل والعدل وحسن السيرة وفكر أن فتح سرقوسة كان في أيامه على يد جعفـر بـن محمـد أميـر صقليـة وأنه حاصرها تسعة أشهر مدد وجاءهم المدد من قسطنطينية في البحر فهزمهم. ثم فتح البلد واستباحها. واتفقوا كلهم على أنه ركب البحر من إفريقية إلى صقلية فنزل طرابنة ثم تحول عنها إلى بليرم ونـزل علـى دمقـش حاصرهـا سبعـة عشـر يومـاً. ثـم فتـح مسينـي وهـدم سورها. ثم فتح طرميس آخر شعبان من سنة تسع وثمانين ووصل ملك الروم بالقسطنطينية ففتحها. ثم بعث حافده زيادة الله ابن ابنه أبي العباس عبد الله إلى قلعة بيقش فافتتحها وابنه أبو محرز إلى رمطة فأغطـوه الجزيـة. ثم عبر إلى عدوة البحر وسار في بر الفرنج ودخل قلورية عنوة فقتل وسبى ورهـب منـه الفرنجة. ثم رجع إلى صقلية ورغب منه النصارى في قبول الجزية فلم يجب إلى ذلك. ثم سار إلى كنسة فحاصرها واستأمنوا إليه فلم يقبل. ثم هلك وهو محاصر لها آخر تسع وثمانين لثمان وعشرين سنة من إمارته فولى أهل العسكر عليهم حافده أبا مضر ليحفظ العساكـر والأمـور إلـى أن يصـل ابنه أبو العباس وهو يومئذ بإفريقية فأمن أهل كنسة قبل أن يعلموا بموت جده وقبل منهم الجزية وأقام قليلا حتى تلاشت به السرايا من النواحي. ثم ارتحل ظهور الشيعي بكتامة وفـي أيامـه ظهر أبو عبد الله الشيعي بكتامة يدعو للرضا من آل محمد ويبطن الدعوة لعبيد الله المهدي من أبناء إسماعيل الإمام واتبعه كتامة وهو من الأسبـاب التـي دعتـه للتوبـة والإقلـاع والخـروج إلـى صقلية. وبعث إليه موسى بن عياش صاحب صلة بالخبر وبعث إبراهيم رسوله إلـى الشيعـي بانكجان يهدده ويحذره فلم يقبل وأجابه بما يكره. فلما قربص أمور أبي عبد الله وجاء كتاب المعتضد لإبراهيم كما قدمناه أظهر التوبة ومضى إلى صقلية وكانت بعده بإفريقية حـروب أبـي عبـد اللـه الشيعـي مـع قبائـل كتامـة حتـى استولـى عليهـم واتبعوه وكان إبراهيم قد أسر لابنه أبي العباس في شأن الشيعي ونهاه عن محاربته واتبعوه يلحق به إلى صقلية إن ظهر عليه. ابنه أبو العباس عبد الله بن إبراهيم أخي محمد أبي الغرانيق: ولما هلك إبراهيم سنة تسع وثمانين كما قدمناه قدم حافده زيادة الله بالجيوش على أبيه أبي العباس عبد الله بأمر إفريقية وعظم غناؤه وكتب إلى العمال كتابا يقرأ على الناس بالوعد الجميـل والعـدل والرفـق والجهـاد واعتقـل ابنه زيادة الله هذا لما بلغه عنه من اعتكافه على اللذات واللهو وأنه يروم التوثب عليه وولى على صقلية مكانه محمد بن السرقوسي. وكان أبو العباس حسـن السيـرة عـادلاً بصيراً بالحروب وكانت أيامه صالحة وكان نزوله بتونس. ولما توفي استولى أبـو عبـد اللـه الشيعـي علـى كتامـة ودخلوا في أمره كافة وزحف إلى ميلة فافتتحها وقتل موسى بن عياش. وكان فتح بن يحيى أمير مسالة من عبادة حارب أبا عبد الله طويلاً ثم غلبه واستولـى علـى قومـه فنـزع فتـح إلـى أبـي العباس وحرضه على قتال يكزاخول وإنما كان يكر على جفنـة إذا نظـر وزحـف إليه من تونس سنة تسع وثمانين ودخل سطيف ثم يلزمه وقتل من دخل فـي دعوتهـم. ولقيـه أبـو عبـد اللـه الشيعـي فانهـزم وهـرب من تاوزرت إلى انكجان وهدم أبو خول قصـر الشيعـي ثم قاتلهم يوماً إلى الليل فانهزم عسكر أبي خول ولحق بتونس ورجع بكتامة إلى مواضعهم. ولما دخل أبو خول بأبيه جند له العسكر وأعاده ثانية وانتظمت إليه القبائل وسار حتى نزل سطيف. ثم ارتحل منها إلى لقائهم. وزحف إليه أبو عبد الله فهزمه ورجع إلى سطيـف ثـم ارتحـل منهـا إلى لقائهم. وفي أثناء ذلك صانع زيادة الله بعض الخدم على قتل أبيه أبي العباس فقتل نائما في شعبان سنة تسعين ومائتين وأطلق زيادة الله من اعتقاله. ابنه أبو مضر زيادة الله ولما أطلق زيادة الله من الاعتقال اجتمع أهل الدولة وبايعوا له فقتل الخصيان الذين قتلوا أباه وأقبل على اللذات واللهو ومعاشرة المضحكين والصفاعين وأهمل أمور الملك واستقل. وكتب إلى أخيه أبي خولط على لسان أبيه يستقدمه وقدم فقتله وقتل عمومته وإخوته. وقوي أمر الشيعـي وانتقـل زيـادة اللـه إلـى رقـادة ليلاً لئلا يخالفه الشيعي إليها. وفتح الشيعي مدينة سطيف فسـرح زيـادة اللـه العساكـر لحربـه وعقـد عليهـا لإبراهيـم بـن حبيـش مـن صنائعـه فخـرج فـي أربعيـن ألفـاً وأقام بقسطيلة ستة أشهر فاجتمعت إليه مائة ألف وزحف إلى كتامة وتلقوه بأجانة فأضرمت عساكـره وولـت الهزيمـة عليـه. وانتهـى إلـى باغايـة ثم انتقل إلى القيروان وافتتح أبو عبد الله مدينة طبنـة وقتـل فتـح بـن يحيـى المسالتـي وكـان بهـا. ثـم فتـح يلزمـة وهدم سورها. ثم وصل عروبة بن يوسـف مـن أمـراء كتامـة إلى باغاية وأوقع بالعساكر التي كانت بها مجمرة لحربهم بنظر هارون بن الطبني. وأرسل أبو عبد الله الشيعي إلى تيحيسن فحاصرها ثم افتتحها صلحاً. وكثر الإرجاف بالقيروان ففتح زيادة الله ديوان العطاء واستلحق واستركب وأجمع الخروج فخرج إلى الأربس سنـة خمـس وتسعيـن فلمـا انتهى إليها تخوف غائلة الشيعي وأشار عليه أهل بيته بالرجوع فرجع إلـى رقـادة وقـدم علـى العساكـر إبراهيم بن أبي اأغلب من وجوه أهل بيته. ثم زحف أبو عبد الله إلى باغاية ففتحها صلحا وهرب عاملها. ثم سرب أبو عبد الله الجيوش فبلغت مجانة وأوقعوا بقبائل نفزة واستولوا على تيفاش. وزحف ابن أبي الأغلب إلى تيفاش فمنعه أهلها وهزمـوا طلائعـه فافتتحهـا وقتـل مـن كـان بهـا. ثـم خـرج أبـو عبـد اللـه الشيعـي فـي عساكر كتامة إلي باغايـة ثـم إلـى سكايـة ثـم إلـى سبيبـة ثـم إلى حمودة فاستولى على جميعها وأمن أهلها ورحل ابن أبـي الأغلـب مـن الأربـس. ثـم سـار أبـو عبد الله إلى قسطيلة وقفصة فأمنهم ودخلوا في دعوته وانصرف إلى باغاية ثم إلى انكجان. وزحف ابن أبي الأغلب إلى باغاية فقاتلها وامتنعت عليه ورجع إلى الأربـس. ثـم زحـف أبـو عبـد اللـه إلـى الأربـس سنـة سـت وتسعيـن فـي جمـادى ومـر بشق بنارية وأمن أهلها إلى قمودة. |
خروج زيادة الله إلي المشرق
ولما وصل الخبر إلى زيادة الله بوصول الشيعي إلى قمودة حمل أمواله وأثقاله ولحق بطرابلس معتزمـاً علـى الشـرق. وأقبـل الشيعي إلى إفريقية وفي مقدمته عروبة بن يوسف وحسن بن أبي خنزير ووصل إلى رقادة في رجب سنة ست وتسعين وتلقاه أهل القيروان وبايعوا لعبيد الله المهدي كما ذكرناه في أخبارهم ودولتهم. وأقام زيادة الله بطرابلس سبعة عشر يوماً وانصرف ومعـه إبراهيـم بن الأغلب. وكان نمي عنه أنه أراد الاستبداد لنفسه بالقيروان بعد خروج زيادة الله فاعرض عنه واطرحه وبلغ مصر فمنعه عاملهـا عيسـى البرشـدي مـن الدخـول إلا عـن أمـر الخليفة وأنزله بظاهر البلد ثمانية أيام. وانصـرف إلـى ابـن الفـرات وزير المقتدر يستأذن له في الدخول فأتاه كتابه بالمقام في المرقة حتى يأتيه رأي المقتدر فأقام بها سنة. ثم جاءه كتاب المقتدر بالرجوع إلى إفريقية. وأمر النوشزي بإمداده بالرجال والمال لاسترجاع الدعوة بإفريقية ووصل إلى فأصابته بها علة مزمنة وسقط شعره. ويقال أنه سم وخرج إلى بيت المقدس ومات بها. وتفرق بنو الأغلب وانقطعت أيامهم والبقاء لله وحده. والله سبحانه وتعالى أعلم. دولة بني أبي الحسن الكلبيين بقية أخبار صقلية ودولة بني الحسن الكلبيين بها من العرب المستبدين بدعوة العبيديين وبداية أمرهم وتصاريف أحوالهم ولمـا استولـى عبيـد اللـه المهـدي علـى إفريقيـة ودانـت له وبعث العمال في نواحيها بعث على جزيرة صقليـة الحسن بن محمد بن أبي خنزير من رجالات كتامة فوصل إلى مأزر سنة سبع وتسعين فـي العساكـر فولـى أخـاه علـى كبركيـت وولى على القضاء بصقلية إسحاق بن المنهال.ثم سار سنـة ثمـان وتسعيـن فـي العساكـر إلـى ومـش فعـاث فـي نواحيهـا ورجع. ثم شكا أهل صقلية سوء سيرته وثاروا به وحبسوه وكتبوا إلى المهدي معتذرين فقبل عذرهم وولى عليهم أحمد بن قهرب. وبعث سرية إلى أرض قلورية فدوخوها ورجعوا بالغنائم والسبي. ثم أرسل سنة ثلاثمائـة ابنـه عليـاً إلـى قلعة طرمين المحدثة ليتخذها حصنا لحاشيته وأمواله حذراً من ثورة أهل صقليـة فحصرهـا ابنـه ستـة أشهر. ثم اختلف عليه العسكر فأحرقوا خيامه وأرادوا قتله فمنعه العرب ودعا هو الناس إلى المقتدر فأجابوه. وقطع خطبة المهدي وبعث الأسطول إلى إفريقية ولقـوا أسطول المهدي وقائده الحسن بن أبي خنزير فقتلوه وأحرقوا الأسطول. وسار أسطول بن قهـرب إلـى صفاقـس فخربوهـا وانتهـوا إلـى طرابلـس وانتهـى الخبـر إلـى القائم بن المهدي. ثم وصلت الخلع والألوية من المقتدر إلى ابن قهرب. ثم بعـث الجيـش فـي الأسطـول إلـى قلوريـة فعاثـوا فـي نواحيهـا ورجعـوا. ثـم بعـث ثانيـة أسطـولا إلـى إفريقية فظفر به أسطول المهدي فانتقض أمره وعصى عليه أهل كبركيت وكاتبوا المهدي. ثم ثار الناس بابن قهرب آخر الثلاثمائة وحبسوه وأرسلوه إلى المهـدي فأمـر بقتلـه علـى قبـر ابـن خنزيـر فـي جماعـة من خاصته. وولى على صقلية أبا سعيد بن أحمد وبعث معه العساكر عن كتامة فركب إليها البحر فنزل في طرابنة وعصى عليه أهل صقلية بمن معه من العساكر فامتنعوا. عليه وقاتله أهل كبركيت وأهل طرابنة فهزمهم وقتلهم. ثم استأمن إليه أهل طرابنة فأمنهم وهدم أبوابها. وأمره المهدي بالعفو عنهم. ثـم ولى المهدي على صقلية سالم بن راشد وأمده سنة ثلاث عشرة بالعساكر فعبر البحر إلى أرض انكبردة فدوخها وفتحوا فيها حصوناً ورجعوا. ثم عادوا إليها ثانية وحاصروا مدينـة ادرنت أياما ورحلوا عنها. ولم يزل أهل صقلية يغيرون على ما بأيدي الروم من جزيرة صقلية وقلوريـة ويعيثـون فـي نواحيهـا. وبعـث المهـدي سنـة اثنتيـن وعشريـاً جيشاً في البحر مع يعقوب بن إسحـاق فعاث في نواحي جنوة ورجعوا. ثم بعث جيشه من قابل ففتحوا مدينة جنوة ومروا بسردانية فأحرقوا فيها مراكب وانصرفوا. ولما كانت سنة خمس وعشرين انتقض أهل كبركيت على أميرهم سالم بن راشـد وقاتلـوا جيشـه وخـرج إليهـم سالـم بنفسـه فهزمهـم وحصرهـم واستمـد القائـم فأمده بالعساكر مع خليل بن إسحاق فلما وصل إلى صقلية شكا إليه أهلها من سالـم بـن راشـد واسترحمتـه النسـاء والصبيـان. وجاءه أهل كبركيت وغيرها من أهل صقلية بمثل ذلك فرق لشكواهم ودس إليهم سالم بأن خليلاً إنما جاء للانتقام منهم بمن قتلوا من العساكر فعاودوا الخلاف واختط خليل مدينة على مرسى المدينة وسماها الخالصة. وتحقق بذلك أهل كبركيت ما قـال لهـم سالـم واستعـدوا للحـرب فسـار إليهـم خليـل منتصـف سـت وعشريـن وحصرهم ثمانية أشهر يغاديهم بالقتال ويراوحهم حتى إذا جاء الشتاء إلى الخالصة واجتمع أهل صقلية على الخلاف واستمدوا ملك القسطنطينية فأمدهم بالمقاتلة والطعام. واستمد خليل القائم فأمده بالجيش فافتتح قلعة أبي ثور وقلعة البلوط وحاصر قلعة بلاطنو إلى أن انقضت سنة سبع وعشرين فارتحل عنها وحاصر كبركيت. ثم حبس عليها عسكراً للحصار مع أبي خلـف بـن هـارون ورحـل عنهـا وطـال حصارهـا إلـى سنـة تسـع وعشرين فهرب كثير من أهل البلد إلى بلد الروم واستأمن الباقون فكنهم على النزول عن القلعة. ثم غدر بهم فارتاع. لذلك سائر القلاع وأطاعوا ورجع خليل إلى إفريقية آخر سنة تسـع وعشريـن وحمـل معـه وجـوه أهـل كبركيـت فـي سفينـة وأمـر بخرقهـا فـي لجـة البحـر فغرقـوا أجمعين. ثم ولى على صقلية عطاف الأزدي. ثم كانت فتنة أبي يزيد وشغل القائم والمنصور يأمره قلما انقضت فتنة أبي يزيد عقد المنصور على صقلية للحسن بن أبي الحسن الكلبي من صنائعهم ووجوه قواده وكنيته أبو الغنائم وكان له في الدولة محل كبير. وفي مدافعة أبي يزيد غناء عظيم. وكان سبب ولايته أن أهل بليرم كانوا قد استضعفوا عطافاً واستضعفهم العدو لعجزه فوثب به أهل المدينة يوم الفطر من سنة خمس وثلاثين وتولى كبر ذلك بنو الطير منهم ونجا عطاف إلى الحصن وبعث للمنصور يعلمه ويستمده فولى الحسن بن علي على صقلية وركب البحـر إلـى مـأزر وأرسـى بهـا فلـم يلقـه أحـد منهـم. وأتـاه في الليل جماعة من كتامة واعتذروا إليه عـن النـاس بالخـوف مـن بنـي الطيـر. وبعـث بنـو الطيـر عيونهم عليه واستضعفوه وواعدوه أن يعودوا إليه فسبق ميعادهم ودخل المدينة ولقيه حاكم البلد وأصحاب الدواوين واضطر بنو الطير إلى لقائه وخرج إليهم كبيرهم إسماعيل ولحق به من انحرف عن بني الطير فكثـر جمعـه. ودس إسماعيـل بعـض غلمانـه فاستغـاث بالحسن من بعض عبيده أنه أكره امرأته على الفاحشة يعتقد أن الحسن لا يعاقب مملوكه فتخشن قلوب أهل البلـد عليـه. وفطـن الحسـن لذلـك فدعـا الرجـل وأستحلفه على دعواه وقتل عبده فسر الناس بذلك ومالـوا عـن الطيـري وأصحابـه وافتـرق جمعهم. وضبط الحسن أمره وخشي الروم بادرته فدفعوا إليه جزية ثلاث سنين. وبعث ملك الـروم بطريقـا فـي البحـر فـي عسكـر كبيـر إلـى صقليـة واجتمـع هـو والسردغـرس. واستمـد الحسـن بن علي المنصور فأمده بسبعة آلاف فارس وثلاثة آلاف وخمسمائة راجل وجمع الحسن من كان عنده وسار براً وبحراً. وثلاثة السرايا في أرض قلورية ونزل على أبراجه فحاصرها وزحف إليه الروم فصالحه على مال أخذه وزحف إلى الروم ففروا من غير حرب. ونزل الحسن على قلعـة قيشانـة فحاصرهـا شهـراً وصالحهـم علـى مـال ورجـع إلى قلورية فعبر إلى خراجة فلقي الروم والسردغرس فهزمهم وامتلأ من غنائمهم وذلك يوم عرفة سنة أربعين وثلاثمائة. ثم ثار إلى خراجة فحاصرها حتى هادنه ملك الروم قسطنطين. ثم عاد إلى ربو وبنى بها مسجداً وسط المدينة وشرط على الروم أن لا يعرضوا له وأن من دخله من الأسرى أمن. ولما توفي المنصور وملك ابنه المعز سار إليه الحسن واستخلف على صقلية ابنه أحمد وأمره المعز بفتـح القلـاع التي بقيت للروم بصقلية فغزاها وفتح طرمين وغيرها سنة إحدى وخمسين وأعيته رمطـة فحاصرهـا فجاءهـا مـن القسطنطينية أربعون ألفا مدداً. وبعث أحمد يستمد المعز فبعث إليـه المـدد بالعساكـر والأمـوال مـع أبيـه الحسن. وجاء مدد الروم فنزلوا بمرسى مسينة وزحفوا إلى رومطـة ومقـدم الجيـوش علـى حصارهـا الحسـن بـن عمار وابن أخي الحسن بن علي فأحاط الروم بهم. وخرج أهل البلد إليهم وعظم الأمر على المسلمين فاستماتوا وحملوا على الروم وعقروا فرس قائدهم منويل فسقط عن فرسه وقتل جماعة من البطارقة معه. وانهزم الروم وتتبعهم ثم فتحوا رمطة عنوة وغنموا ما فيها وركب فل الروم من صقلية وجزيرة رفق في الأسطول ناجين بأنفسهم فاتبعهم الأمير أحمد في المراكب فحرقوا مراكبهم وقتل كثير منهم وتعرف هذه الوقعة بوقعة المجاز وكانت سنة أربع وخمسين وأسر فيها ألف من عظمائهم ومائة بطريق. وجـاءت الغنائـم والأسـارى إلـى مدينـة بليرم حاضرة صقلية وخرج الحسني للقائهم فأصابته الحمى مـن الفـرح فمـات وحزن الناس عليه وولي ابنه أحمد باتفاق أهل صقلية بعد أن ولى المعز عليهم يعيـش مولـى الحسـن فلـم ينهـض بالأمـر ووقعـت الفتنـة بيـن كتامة والقبائل وعجز عن تسكينها. وبلغ الخبر إلى المعز فولى عليها أبا القاسم علي بن الحسن نيابة عن أخيه أحمد. ثـم توفـي أحمـد بطرابلـس سنة تسع وخمسين واستبد بالإمارة أخوه أبو القاسم علي وكان مدلا محبـاً وسـار إليه سنة إحدى وسبعين ملك الفرنج في جموع عظيمة وحصر قلعة رمطة وملكها وأصـاب سرايـا المسلميـن. وسـار الأميـر أبـو القاسـم فـي العساكـر مـن بليـرم يريدهم فلما قاربهم خام عـن اللقـاء ورجـع وكـان الفرنـج في الأسطول يعاينونه فبعثوا بذلك للملك بردوبل فسار في أتباعه وأدركه فاقتتلوا وقتل أبو القاسم في الحرب. وأهم المسلمين أمرهم فاستماتوا وقاتلوا الفرنج فهزموهـم أقبـح هزيمة. ونجا بردويل إلى خيامه برأسه وركب البحر إلى رومة. وولى المسلمون عليهم بعد الأمير أبي القاسم ابنه جابر فرحل بالمسلمين لوقته راجعا ولم يعرج على الغنائم. ولمـا ولـي ابـن عمـه جعفر بن محمد بن علي أبي الحسن وكان من وزراء العزيز وندمائه استقامت الأمور وحسنت الأحوال. وكان يحـب أهـل العلـم ويجـزل الهبـات لهـم. وتوفي سنة خمـس وسبعيـن وولـي أخـوه عبـد الله فاتبع سيرة أخيه إلى أن توفي سنة تسع وسبعين وولي ابنه ثقة الدولـة أبـو الفتـوح يوسف بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي الحسن فأنسى بجلائله وفضائله من كان قبله منهم إلى أن أصابه الفالج وعطل نصفه الأيسر سنة ثمان وثمانين. وولي ابنه تاج الدولة جعفر بن ثقة الدولة يوسف فضبط الأمور وقام بأحسن قيام وخالف عليه أخوه علي سنة خمس وأربعمائة مع البربر والعبيد فزحف إليه جعفر فظفر به وقتله ونفى البربر والعبيد واستقامت أحواله. ثم انقلبت حاله واختلت على يد كاتبه ووزيره حسن بن محمد الباغاني فثار عليه الناس بسببها وجاؤوا حول القصر وأخرج إليهم أبو الفتوح في محفة فتلطف بالناس وسلـم إليهم الباغاني فقتلوه وقتلوا حافده أبا رافع وخلع ابنه ابن جعفر ورحل إلى مصر وولى ابنـه ابـن جعفـر سنـة عشـرة ولقبـه بأسـد الدولـة بـن تـاج الدولـة. ويعـرف بالأكحـل فسكن الاضطراب واستقامت الأحوال وفوض الأمور إلى ابنه ابن جعفر وجعل مقاليد الأمور بيده فأساء ابن جعفـر السيـرة وتحامل على صقلية ومال إلى أهل إفريقية. وضج الناس وشكوا أمرهم إلى المعز صاحب القيروان وأظهروا دعوته فبعث الأسطول فيه ثلاثمائة فارس مع ولديه عبد الله وأيوب واجتمع أهل صقلية وحصروا أميرهم الأكحل وقتل وحمل رأسه إلى المعز سنة سبع عشرة وأربعمائـة. ثم ندم أهل صقلية على ما فعلوه وثاروا بأهل إفريقية وقتلوا منهم نحوا من ثلاثمائة وأخرجوهم وولوا الصمصام أخا الأكحل فاضطربت الأمور وغلب السفلة على الأشراف. ثم سار أهل بليرم على الصمصام وأخرجوه وقدموا عليهم ابن الثمنة من رؤس الأجناد وتلقب القـادر باللـه واستبـد بمـازر ابنـه عبـد الله قبل الصمصام وغلب ابن الثمنة على ابن الأكحل فقتله واستقل بملك الجزيرة إلى أن أخذت من يده. ولما استبد ابن الثمنة بصقلية تزوج ميمونة بنت الجراس فتخيل له منها شيء فسقاها السم. ثم تلافاها وأحضر الأطباء فأنعشوها وأفاقت فندم واعتذر فأظهرت له القبول. واستأذنته في زيارة أخيها بقصريانة وأخبرت أخاها فحلف أن لا يردها ووقعت الفتنة وحشد ابن الثمنة فهزمه ابن جراس فانتصر ابن الثمنة بالروم. وجاء القمص وجاز ابن ينقر بن خبرة ومعه سبعة من إخوته وجمع من الإفرنج ووعدهم بملك صقلية فداخل في بيع مية. وقصد قصريانة وحكموا على مروا من المنازل وخرج ابن جراس فهزمه ورجع إلى إفريقية عمر بن خلف بن مكي فنزل تونس وولي قضاءها. ولم يزل الروم يملكونها حتى لم يبق إلا المعاقل. وخرج ابن الجراس بأهله وماله صلحاً سنة أربع وستيـن وأربعمائـة وتملكها رجار كلها وانقطعت كلمة الإسلام منها ودولة الكلبيين وهم عشرة ومدتهـم خمـس وتسعـون سنـة. ومـات رجـار فـي قلعة مليطو من أرض قلورية سنة أربع وتسعين وولي ابنه رجار الثاني وطالت أيامه. وله ألف الشريف أبو عبد الله الإدريسي كتاب نزهة المشارق في أخبار الأفاق وسماه قصار رجار علماً عليه معروفاً به في الشهرة والله مقدر الليل والنهار. الخبر عن جزيرة اقريطش وما كان بها للمسلمين من الملك علي يد بني البلوطي إلى أن استرجعها العدو هذه الجزيرة من جزر البحر الرومي ما بين صقلية وقبرص في مقابلة الإسكندرية على يد الجاليـة أهل الربض. وذلك أن أهل الربض الغربي من قرطبة وكان محلة متصلة بقصر الحكم بن هشام فنقموا عليه وثاروا به سنة اثنتين ومائتين فأوقع بهم الوقعة المشهورة واستلحمهم وهلم ديارهم ومساجدهم وأجلى الفل منهم إلى العدوة ونزلوا بفاس وغيرها. وغرب آخرين إلـى الإسكندريـة فنزلـوا وافترقوا في جوانبها. وتلاحى رجل منهم مع جزار من سوقة الإسكندرية فنادوا بالثأر واستلحموا كثيراً من أهل البلد وأخرجوا بقيتهم وامتنعوا بها وولوا عليهـم أبـا حفص عمر بن شعيب البلوطي ويعرف بأبي الفيض من أهل قرية مطروح من عمل فحص البلـوط المجـاور لقرطبة فقام برياستهم. وكان على مصر يومئذ عبد الله بن طاهر فزحف إليهم وحصرهم بالإسكندرية فاستأمنوا له فأمنهم وبعثهم إلى جزيرة إقريطش فعمروها وأميرهم أبو حفص البلوطي. وتداولها بنوه من بعده مدة من مائة وأربعين سنة إلى أن ملكها أريانوس بن قسطنطين ملك القسطنطينية من يد عبد العزيز بن شعيب من أعقابه سنة خمس وثلاثمائة وأخرجوا المسلميـن منهـا واللـه يعيـد الكـرة ويذهـب آثـار الكفـرة واللـه سبحانـه وتعالـى أعلـم بالصواب. أخبار اليمن أخبار اليمن والدول الإسلامية |
أخبار اليمن أخبار اليمن والدول الإسلامية
التي كانت فيه للعباسيين والعبيديين وسائر ملوك العرب وإبتداء ذلك وتصاريفه على الجملة ثم تفصيل ذلك علي مدنه وممالكه واحدة بعد واحدة قد كنا قدمنا في أخبار السير النبوية كيف صار اليمن في ملكة الإسلام بدخول عامله في الدعوة الإسلامية وهو باذان عامل كسرى وأسلم معه أهل اليمن. وأمره النبي صلى الله عليه وسلـم علـى جميـع مخاليفها وكان منزله صنعاء كرسي التبابعة. ولما مات بعد حجة الوداع قسم النبـي صلـى اللـه عليـه وسلـم اليمـن علـى عمال من قبله. وجعل صنعاء لابنه شهربان بن باذان. وذكرنـا خبـر الأسود العنسي وكيف أخرج عمال النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن وزحف إلـى صنعـاء فملكهـا. وقتـل شهربـان بـن باذان وتزوج إمرأته واستولى على أكثر اليمن وارتد أكثر أهله. وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه. وعماله وإلى من ثبت على إسلامه فداخلـوا زوجـة شهربـان بـن بـاذان التي تزوجها في أمره على. يد ابن عمها فيروز. وتولى كبر ذلـك قيس بن عبد يغوث المرادي فبيته هو وفيروز وذاذويه بإذن زوجته فقتلوه. ورجع عمال النبي صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم وذلك قبيل الوفاة. واستبـد قيـس بصنعـاء وجمـع الفـل مـن جنـد الأسـود فولـى أبـو بكـر علـى اليمن فيروز فيمن إليه من الأبنـاء وأمـر النـاس بطاعتـه فقاتـل قيـس بـن مكشـوح وهزمـه. ثـم ولـى أبو بكر المهاجر بن أبي أمية فقاتل أهل الردة باليمن وكذلك عكرمة بن أبي جهل وأمره أن يبدأ بالمرتدة. ثم دعته عائشة فسـار معهـا وحضـر حـرب الجمـل. وولـي على اليمن عبيد الله بن عباس ثم أخاه عبد الله. ثم ولى معاوية على صنعاء فيروز الديلمي ومات سنة ثلاث وخمسين. ثـم جعـل عبـد الملـك اليمـن فـي ولايـة الحجـاج لما بعثه لحرب ابن الزبير سنة اثنتين وسبعين. ولما جاءت دولة بني العباس ولى السفاح على اليمن عمه داود بن علي حتى إذا توفي سنة ثلاث وثلاثيـن ولـى مكانـه محمـد بـن يزيـد بـن عبيـد اللـه بـن عبـد الملك عبد الدار. ثم تعاقب الولاة على اليمن وكانوا ينزلون صنعاء حتى انتهت الخلافة إلى المأمون وظهرت دعاة الطالبين بالنواحي وبايـع أبـو السرايـا مـن بنـي شيبان بالعراق لمحمد بن إبراهيم طباطبا بن إسماعيل بن إبراهيم أخو المهـدي النفـس الزكيـة محمـد بـن عبـد الله بن حسن. وكثر الهرج وفرق العمال في الجهات ثم قتل وبويـع محمـد بـن جعفـر الصـادق بالحجـاز. وظهـر باليمـن إبراهيـم بـن موسـى الكاظم سنة مائتين ولم يتم أمره وكان يعرف بالجزار لسفكه الدماء. وبعث المأمون عساكره إلى اليمن فدوخوا نواحيه وحملوا كثيراً من وجوه الناس فاستقام أمر اليمن كما نذكره. دعوة زياد بالدعوة العباسية ولما وفد وجوه أهل اليمن على المأمون كان فيهم محمد زياد ولد عبد الله بن أبي سفيان فاستعطف المأمون وضمن له حياطة اليمن من العلويين فوصله وولاه على اليمن وقدمها سنة ثلـاث ومائتيـن. وفتـح تهامـة اليمـن وهـي البلد التي على ساحل البحر الغربي. واختط بها مدينة زبيد ونزلها وأصارها كرسياً لتلك المملكة. وولى على الجبال مولاه جعفراً وفتح تهامة بعد حروب من العرب. واشترط على عرب تهامة أن لا يركبوا الخيل واستولى على اليمن أجمع. ودخلـت فـي طاعتـه أعمـال حضرمـوت والشحر وديار كندة وصار في مرتبة التبابعة. وكان في صنعاء قاعدة اليمن بنو جعفر من حميـر بقيـة الملـوك التبابعـة استبـدوا بهـا مقيميـن بالدعـوة العباسية ولهم مع صنعاء سحان ونجران وجرش. وكان أخوهم أسعد بن يعفر ثم أخوه قد دخلـوا فـي طاعـة ابـن زيـاد وولـي بعـده ابنه إبراهيم ثم ابنه زياد بن إبراهيم ثم أخوه أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم. وطالت مدته إلى أن أسن وبلغ الثمانين. وقال عمارة: ملك ثمانين سنة باليمـن وحضرمـوت والجزائـر البحريـة. ولما بلغه قتل المتوكل وخلع المستعين واستبداد الموالي على الخلفاء مع ارتفاع اليمن ركب بالمظلة شأن سلاطين العجم المستبدين. وفـي أيامـه خـرج باليمـن يحيـى بـن الحسيـن بـن القاسم الرسي بن إبراهيم بن طباطبا بدعوة الزيدية جـاء بهـا مـن السنـد وكـان جـده القاسـم قد فر إلى السند بعد خروج أخيه محمد مع أبي السرايا ومهلكـه كمـا مـر فلحـق القاسـم بالسنـد وأعقب بها الحسين ثم ابنه يحيى باليمن سنة ثمان وثمانين ونـزل صعـدة وأظهـر دعـوة الزيديـة وزحف إلى صنعاء فملكها من يد أسعد بن يعفر ثم استردها منه بنو أسعد ورجع إلى صعدة. وكان شيعته يسمونه الإمام وعقبه الآن بها. وقد تقدم خبرهم. فـي أيـام أبـي الجيـش بـن زيـاد أيضـا ظهرت دعوة العبيديين باليمن فأقام بها محمد بن الفضل بعدن لاعـة وجبـال اليمـن إلـى جبـال المديحـرة سنـة أربعيـن وثلاثمائـة. وبقـي لـه باليمـن مـن السرجـة إلـى عدن عشرون مرحلة ومن مخلافة إلى صنعاء خمس مراحل. ولما غلبه محمد بن الفضل بهذه الدعوة امتنـع أصحـاب الأطـراف عليـه مثـل بنـي أسعد بن يعفر بصنعاء وسليمان بن طرف بعثر والإمام الرسي بصعدة فسلك معهـم طريـق المهادنـة. ثـم هلـك أبـو الجيـش سنـة إحـدى وسبعيـن وثلاثمائـة بعـد أن اتسعت جبايته وعظم ملكه. قال ابن سعيد: رأيت مبلغ جبابته وهو ألف ألف مكررة مرتين وثلاثمائة ألف وستة وستون ألفا من الدنانير العشرية ما عدا ضرائبه على مراكب السند وعلى العنبر الواصل بباب المندب وعدن أبين وعلـى مغائـص اللؤلـؤ وعلـى جزيـرة دهلـك ومـن بعضهـا وصائـف. وكانـت ملـوك الحبشة من وراء البحر يهادونه ويخطبون مواصلته. ولما مات خلف صبياً صغيراً اسمه عبد اللـه وقيـل إبراهيـم وقيـل زيـاد وكفلتـه أختـه ومولـاه رشيـد الحبشـي واستبـد عليهـم إلـى أن انقرضـت دولتهـم سنـة سبـع وأربعمائـة. ثـم هلـك هـذا الطفـل فولوا طفلا آخر من بني زياد أصغر منـه. وقـال ابـن سعيـد: لـم يعـرف عمـارة اسمـه لتوالـي الحجبـة عليـه ويعنـي عمـارة مـؤرخ اليمن وقيل هذا الطفل الأخير اسمه إبراهيم وكفلته عمته ومرجان من موالي الحسن بن سلامة. واستبد بأمرهم ودولتهـم وكـان لـه موليـان اسـم أحدهمـا قيـس والآخـر نجـاح فجعـل الطفـل المملـك فـي كفالتـه وأنزلـه معه بزبيد. وولى نجاحا على سائر الأعمال خارج زبيد ومنها الكرارة واللجـم. وكـان يؤثـر قيسـاً علـى نجـاح ووقـع بينهمـا تنافر ورفع لقيس أن عمة الطفل تميل إلى نجاح وتكاتبه دونه فقبض عليها بإذن مولاه مرجان ودفنها حيـة واستبـد وركـب بالمظلـة وضـرب السكة. وانتقض نجاح لذلك فزحف في العساكر وبرز قيـس للقائـه فكانـت بينهمـا حـروب ووقائع انهزم قيس آخرها وقتل في خمسة آلاف من عسكره. وملك نجاح زبيد سنة عشر وأربعمائة. ودفن قيساً ومولاه مرجاناً مكان الطفل والعمة واستبـد وضـرب السكـة باسمـه. وكاتـب ديـوان الخلافـة ببغـداد فعقـد لـه علـى اليمـن. ولـم يـزل مالكا لتهامة قاهرا لأهل الجبال وانتزع الجبـال كلهـا مـن مولـاه الحسـن بن سلامة. ولم تزل الملوك تتقي صولته إلى أن قتله علي الصليحي القائـم بدعوة العبيديين على يد جارية بعث بها إليه سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة فقام بالأمر الخبر عن بني الصليحي القائمين بدعوة العبيديين باليمن كان القاضي محمد بن علي الهمداني ثم الصليحي رئيس حران من بلاد همذان وينتسب في بني يام ونشأ له ولد اسمه علي وكان صاحب الدعوة يومئذ عامر بن عبد الله الزوايي نسبة إلـى زوايـة مـن قـرى حـران ويقـال إنـه كـان عنـده كتـاب الجفر من ذخائر أبيهم بزعمهم فزعوا أن علي ابـن القاضـي محمـد مذكـور فيـه فقـرأ علـى علـي عامل الداعي وأخذ عنه. ولما توشم فيه الأهليه أراه مكـان اسمـه فـي الجفـر وأوصافـه. وقـال لأبيـه القاضـي احتفـظ بابنـك فيملـك جميـع اليمن. ونشأ فقيهاً صالحاً وجعل يحج بالناس على طريق الطائف والسروات خمس عشرة سنة فطار ذكره وعظمـت شهرته وألقى على ألسنة الناس أنه سلطان اليمن ومات الداعي عامر الزواي فأوصى له بكتبه وعهد إليه بالدعوة.ثم حج بالناس سنة ثمان وعشريـن وأربعمائـة علـى عادتـه واجتمع بجماعة من قومه همدان كانوا معه فدعاهم إلى النصرة والقيام معه فأجابوه وبايعوه وكانـوا ستيـن رجـلا مـن رجالات قومهم فلما عادوا قام في مسار وهو حصن بذروة جبل حمام وحصن ذلك الحصن ولم يزل أمره ينمى. وكتب إلى المستنصر صاحب مصر يسأله الإذن في إظهار الدعوة فأذن له وأظهرها وملك اليمن كله. ونزل صنعاء واختط بها القصور وأسكن عنده ملـوك اليمـن الذيـن غلـب عليهـم وهزم بني طـرف ملـوك عثـر وتهامـة وأعمـل الحيلـة فـي قتـل نجـاح مولـى بنـي زيـاد ملـك زبيـد حتـى تـم له ذلك على يد جارية أهداها إليه كما ذكرناه سنة اثنتين وخمسين. ثم سار إلى مكة بأمر المستنصر صاحب مصر ليمحو منهـا الدعـوة العباسيـة والإمـارة الحسنيـة. واستخلـف علـى صنعـاء ابنـه المكـرم أحمـد وحمـل معه زوجته أسماء بنت شهاب قد سباها سعيد بن نجاح ليلة البيـات فكتبـت إلـى ابنهـا المكـرم إنـي حبلـى مـن العبد الأحول فأدركني قبل أن أضع وإلا فهو العار الـذي لا يمحـوه الدهـر فسـار المكـرم مـن صنعـاء سنـة خمس وسبعين في ثلاثة آلاف ولقي الحبشة فـي عشريـن ألفـا فهزمهـم. ولحـق سعيـد بـن نجـاح بجزيـرة دهلـك. ودخـل المكـرم إلـى أمـه وهي جالسة بالطاق الذي عنده رأس الصليحي وأخيه فأنزلهما ودفنهما ورفع السيف. وولى خاله أسعد بن شهاب على أعمال تهامة كما كان وأنزله بزبيد منها وارتحل بأمه إلى صنعاء وكانت تدبر ملكه. ثم جمع أسعد بن شهاب أموال تهامة وبعث بها مع وزيره أحمد بن سالم ففرقتها أسماء على وفود العرب. ثم هلكت أسماء سنة سبع وسبعين وخرجت زبيد من يد المكرم واستردها سعيـد بـن نجـاح سنـة تسـع وسبعيـن. ثـم انتقـل المكـرم إلـى ذي جبلـة سنـة ثمانيـن وولى على صنعاء عمران بن الفضل الهمداني فاستبد بهـا وتوارثهـا عقبـه وتسمـى ابنـه أحمـد باسـم السلطـان واشتهـر بـه وبعده ابنه حاتم بن أحمد وليس بعده بصنعاء من له ذكر حتى ملكها بنو سليمان لما غلبهم الهواشم على مكة كما مر في أخبارهم. ولما انتقل المكرم إلى ذي جبلة وهي مدينة اختطها عبد الله بن محمد الصليحي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وكان انتقاله بإشارة زوجه سيدة بنت أحمد التي صار إليها تدبير ملكه بعـد أمـه أسمـاء فنزلهـا وبنـى فيهـا دار العـز وتحيـل على قتل سعيد بن نجاح فتم له كما نذكر في أخبـار ابـن نجـاح. وكـان مشغـولا بلذاتـه محجوبـاً بزوجتـه. ولمـا حضرتـه الوفـاة سنـة أربـع وثمانيـن عهد إلى ابن عمه المنصور بن أحمد المظفر بن علي الصليحي صاحب معقل أشيح وأقام بمعقله وسيدة بنت أحمد بذي جبلة وخطبهما المنصور سبا وامتنعت منه فحاصرها بذي جبلة وجاءها أخوها لأمها سليمان بن عامر وأخبرها أن المستنصر زوجك منه وأبلغها أمره بذلك وتـلا عليهـا: " ومـا كـان لمؤمـن ولا مؤمنـة إذا قضـى اللـه ورسولـه أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " وأن أمير المؤمنين زوجك من الداعي المنصور أبي حمير سبا بن أحمد بن المظفر على مائة ألف دينار وخمسين ألفا من أصناف التحف واللطائف فانعقد النكاح وسار إليها من معقل أشيح إلى ذي جبلة. ودخل إليها بدار العز ويقال أنها شبهت بجارية من جواريها فقامت على رأسه ليلها كله وهو لا يرفع الطرف إليها حتى أصبح فرجع إلى معقله. وأقامت هي بذي جبلة وكان المتولي عليها المفضل بن أبي البركات مـن بنـي نـام رهـط الصليحـي واستدعـى عشيرتـه جنيـا. وأنزلهـم عنـده بـذي جبلـة فكـان يسطـو بهـم وكانـت سيـدة تأتي التعكر في الصيف وبه ذخائرها وخزائنها فإذا جاء الشتاء رجعت إلى ذي جبلة. ثم انفرد المفضل لقتال نجاح فرتب في حصن التعكر فقيها يلقب بالجمل مع جماعة من الفقهاء أحدهم إبراهيم بن زيد بن عمر عمارة الشاعـر فبايعـوا الجمـل علـى أن يمحـو الدعـوة الإماميـة فرجـع المفضـل مـن طريقـه وحاصرهـم وجـاءت خولان لنصرتهم وضايقهم المفضل وهلك في حصارهم سنة أربع وخمسمائة فجاءت بعده الحرة سيدة وأنزلتهم على عهد فنزلوا ووفت لهم به وكفلت عقب المفضل وولده وصار معقل التعكر في يد عمران بن الذر الخولاني وأخيه سليمان. واستولى عمران على الحرة سيدة مكان المفضل. ولما ماتـت استبـد عمـران وأخـوه بحصـن التعكر واستولى منصور بن المفضل بن أبي البركات على في جبلة حتى باعه من الداعي الذريعي صاحب عدن كما يأتي واعتصم بمعقل أشيح الذي كان للداعي المنصور سبا بن أحمد. وذلك أن المنصور توفي سنة ست وثمانين وأربعمائة واختلف أولاده من بعده. وغلب ابنه علي منهم على المعقل وكان ينازع المفضل بن أبي البركات والحرة سيدة وأعياهما أمره فتحيـل المفضل بسم أودعه سفرجلا أهداه إليه فمات منه واستولى بنو أبي البركات على بني المظفـر فـي أشيـح وحصونـه. ثـم بـاع حصـن فـي جبلـة مـن الداعـي الزريعـي صاحـب عـدن بمائـة ألف دينـار. ولـم يـزل يبيـع معاقلـه حصنـاً حصنـاً حتـى لـم يبـق لـه غيـر معقـل تعـز أخنـه منـه علـي بـن مهدي بعد أن ملك ثمانين سنة وبلغ من العمر مائة سنة والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. |
الخبر عن دولة بني نجاح بزبيد موالي بني زياد ومبادىء أمورهم
وتصاريف أحوالهم ولمـا استولـى الصليحـي علـى زبيـد مـن يـد كهلـان بعد أن أهلكه بالسم على يد الجارية التي بعثها إليـه سنـة اثنتيـن وخمسيـن وأربعمائـة كمـا مـر. وكـان لنجـاح ثلاثـة مـن الولـد معـارك وسعيد وجياش: فقتـل معـارك نفسـه ولحق سعيد وجياش بجزيرة دهلك وأقاما هنالك يتعلمان القرآن والآداب. ثم رجع سعيد إلى زبيد مغاضبا لأخيه جياش واختفى بها في نفق احتفره تحت الأرض ثم استقدم أخاه جياشا فقدم وأقاما هنالك في الإختفاء ثم أن المستنصر العبيدي الخليفة بمصر قطع دعوته بمكة محمد بن جعفر أميرها من الهواشم فكتب إلى الصليحي يأمره بقتاله وحمله علـى إقامة الدعوة العلوية بمكة فسار علي الصليحي لذلك من صنعاء وظهر سعيد وأخوه من الإختفاء وبلغ خبرهم الصليحي فبعث عسكراً نحواً من خمسة آلاف فارس وأمرهم بقتلهما. وقـد كـان سعيـد وجيـاش خالفـا العسكـر وسـارا في أتباع الصليحي وهو في عساكره فبيتوه في اللجم وهو متوجه إلى مكة فانتقض عسكره وقتل. وتولى قتله جياش بيده سنة ثلاث وسبعين. ثـم قتـل عبـد اللـه الصليحي أخا علي في مائة وسبعين من بني الصليحي وأسر زوجته أسماء بنـت عمـه شهـاب في مائة وخمس وثلاثين من ملوك القحطانيين الذين غلبوا باليمن. وبعث إلى العسكر الذين ساروا لقتل سعيد وجياش فأمنهم واستخدمهم ورحل إلى زبيد وعليها أسعد بـن شهـاب أخـو زوجـة الصليحـي ففر أسعد إلى صنعاء ودخل سعيد إلى زبيد وأسماء زوجة الصليحي أمامه في هودج ورأس الصليحـي وأخيـه عنـد هودجهـا. وأنزلهـا بدارهـا ونصـب الرأسين قبالة طاقها في الدار. وامتلأت القلوب منه رعباً وتلقب نصير الدولة وتغلب ولاة الحصـون علـى مـا بأيديهـم. ودس المكـرم بـن الصليحـي بـن سعيـد بـن نجـاح بصنعـاء علـى لسان بعض أهـل الثغـور وضمـن لـه الظفر فجاء سعيد لذلك في عشرين ألفا من الحبشة. وسار إليه المكرم مـن صنعـاء وهزمـه وحـال بينـه وبيـن زبيـد فهرب إلى جزيرة دهلك ودخل المكرم زبيد وجاء إلى أمه وهي جالسة بالطاق وعندها رأس الصليحي وأخيه فأنزلهما ودفنهما. وولى على زبيد خاله أسعد سنة سبع وتسعين. وكتـب المكـرم إلى عبد الله بن يعفر صاحب حصن الشعر بأن يغري سعيداً بالمكرم وانتزاع ذي جبلة من يده لاشتغاله بلذاته واستيلاء زوجه سيدة بنت أحمد عليه. وأنه بلخ فتمت الحيلة فسـار سعيـد فـي ثلاثيـن ألفـا من الحبشة وأكمن له المكرم تحت حصن الشعر فثاروا به هنالك. وانهزمت عساكره وقتل ونصب رأسـه عنـد الطـاق الـذي كـان فيهـا رأس الصليحـي بزبيـد. واستولـي عليهـا المكـرم وانقطـع منهـا ملك الحبشة. وهرب جياش ومعه وزير أخيه خلف بن أبي الظاهر المرواني ودخلا عدن متنكرين. ثم لحقا بالهند وأقاما بها ستة أشهر ولقيـا هنالـك كاهناً جاء من سمرقند فبشرهما بما يكون فرجعا إلى اليمن وتقدم خلف الوزير إلى زبيد وأشاع موت جياش واستأمن لنفسه ولحق جياش فأقاما هنالك مختفيين وعلى زبيد يومئـذ أسعد بن شهاب خال المكرم ومعه علي بن القم وزير المكرم وكان حنقا على المكرم ودولته فداخله الوزير خلف ولاعب ابنه الحسين الشطرنج. ثم انتقل إلى ملاعبة أبيه فاغتبط به وأطلعه على رأيه في الدولة وكان يتشيع لآل نجاح. وانتمى بعض الأيام وهو يلاعب فسمعه علي بن القم واستكشـف أمـره فكشـف لـه القنـاع واستحلفه وجياش أثناء ذلك يجمع أشياعه من الحبشة وينفق فيهم الأموال حتى اجتمع له خمسـة آلـاف فثـار بهـم فـي زبيـد سنـة اثنتيـن وثمانيـن ونـزل دار الإمارة ومن على أسعد بن شهاب وأطلقـه لزمانة كانت به وبقي ملكاً على زبيد يخطب للعباسيين والصليحيون يخطبون للعبيديين والمكرم يبعث العرب للغارة على زبيد ابنه الفاتك صبياً لم يحتلم وعبروا ملكه. وجاء عنه إبراهيم لقتاله وبرزوا له فثار عبد الواحد بالبلد وبعث منصور إلى الفضل بن أبي البركات صاحـب التعكـر فجـاء لنصـره مضمـرا بـه ثـم بلغـه انتقاض أهل التعكر عليه فرجع ولم يزل منصور في ملكه بزبيد إلى أن وزر له أبو منصور عبيد الله فقتله مسموماً سنة سبع عشرة وخمسمائة. ونصب فاتكاً ابنه طفلا صغيراً. واستبد عليه وقام بضبط الملك وهان عليه التعرض لآل نجاح حتى هربت منه أم فاتك هذا وسكنت خارج المدينة وكان قرماً شجاعاً وله وقائع مع الأعداء. وحاربه ابن نجيب داعي العلوية فامتنع عليه وهو الذي شيد المدارس للفقهاء بزبيد واعتنـى بالحـاج. ثـم راود مفـارك بنت جياش ولم تجد بداً من إسعافه فأمكنته حتى إذا قضى وطره مسحت ذكره بمنديل مسموم فنثر لحمه. وذلك سنة أربع وعشرين وخمسمائة. وقام بأمر فاتك بعده زريق من موالي نجاح. قال عمارة: كان شجاعاً فاتكاً قرماً وكان من موالـي أم فاتـك المختصيـن بهـا. قـال عمـارة: وفي سنة إحدى وخمسمائة توفي فاتك بن المنصور وولي بعده ابن عمه وسميه فاتك بن محمد بن فاتك وسـرور قائـم بوزارتـه وتدبيـر دولتـه ومحاربة أعدائه. وكان يلازم المسجد إلى أن دس عليه علي بن مهدي الخارجي من قتله في المسجد وهو يصلي العصر يوم الجمعة ثاني عشر صفر سنة إحدى وخمسين. وثار السلطان بالقاتل فقتل جماعة من أهل المسجد ثم قتل واضطرب موالي نجاح بالدولة وثار عليهم ابن مهدي الخارجـي وحاربهـم مـراراً وحاصرهـم طويـلاً واستعانـوا بالشريـف المنصـور أحمـد بـن حمـزة السليمانـي وكـان يملـك صعدة فأغاثهم على أن يملكوه ويقتلوا سيدهم فاتك بن محمد فقتلوه سنة ثلاث وخمسين وملكوا عليهم الشريف أحمد فعجز عن مقاومة ابن مهدي وفر تحت الليل وملكها علي بن مهدي سنة أربع وخمسين وانقرض أمر آل نجاح والملك لله الخبر عن دولة بني الزريع بعدن من دعاة العبيديين باليمن وأولية أمرهم ومصائرهم وعدن هذه من أمنع مدائن اليمن وهي على ضفة البحر الهندي. وما زالت بلد تجارة من عهد التبابعة وأكثر بنائهم بالأخصاص ولذلك يطرقها تجار الحرير كثيراً وكانت صدر الإسلام دار ملك لبني معن ينتسبون إلى معن بن زائدة وملكوها من أيام المأمون وامتنعوا على بني زياد وقنعوا منهم بالخطبة والسكة. ولما استولى الداعي علي بن محمد الصليحي رعى لهم ذمـام العروبيـة وقرر عليهم ضريبة يعطونها. ثم أخرجهم منها ابنه أحمد المكرم وولى عليها بني المكـرم مـن عشيـرة جسـم بن يام من همذان وكانوا أقرب عشائره إليه فأقامت في ولايتهم زمناً. ثم حدثت بينهم الفتنة وانقسموا إلى فئتين بني مسعود بن المكرم وبني الزريع بن العباس بن المكرم. وغلب بنو الزريع بعد حروب عظيمة. قال ابن سعيد: وأول مذكور منهم الداعي بن أبي السعود بن الزريع أول من اجتمع له الملك بعد بني الصليحي وورثه عنه بنوه وحاربه ابن عمه علي بن أبي الغارات بن مسعود بن المكرم صاحب الزعازع فاستولى على عدن من يده بعد مقاساة ونفقات في الأعراب. ومات بعد فتحها بسبعة أشهر سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة. وولي ابنه الأغر وكان مقيما بحصن الدملوة المعقل الذي لا يرام وامتنع عليه بعده ابن بلاد بن الزريع من مواليه وخشي محمد بن سبا على نفسه ففر إلى منمور بن المفضل من ملوك الجبال الصليحيين بذي جبلة. ثـم مـات الأغـر قريبـاً فبعـث بلـال عـن محمد بن سبا فوصل إلى عدن وكان التقليد جاء من مصر باسم الأغر فكتب مكانه محمد بن سبا وكان في نعوته الداعي المعظم المتوج المكنى بسيف أميـر المؤمنيـن فوقعـت كلهـا عليهـا وزوجه بلال بنته ومكنه من الأموال التي كانت في خزائنه. ثم مات بلال عن مال عظيم وورثه محمد بن سبا وأنفقه في سبيل الكرم والمروءات. واشترى حصن ذي جبلة من منصور بن المفضل بن أبي البركات كما ذكرناه. واستولى عليه وهو دار ملـك الصليحييـن وتـزوج سيـدة بنـت عبد الله الصليحي. وتوفي سنة ثمان وأربعين. وولي ابنه عمـران بـن محمـد بـن سبا. وكان ياسر بن بلال يدبر دولته. وتوفي سنة ستين وخمسمائة وترك ولدين صغيرين وهما وهما محمد وأبو السعود فحبسهما ياسر بن بلال فـي القصـر واستبـد بالأمر. وكان ياسر محمد كثير العطية للشعراء. وممن وفد عليه ومدحه ابن قلاقس شاعر الإسكندرية ومن قصائده في مدحه: سافـر إذا حاولت قدرا سار الهلال فصار بدراً. وهو آخر ملوك الزريعيين. ولما دخل سيف الدولة أخو صلاح الدين إلى اليمن سنة ست وستين وستمائة واستولى عليها جاء إلى عدن فملكها وقبض على ياسر بن بلال وانقطعت دولـة بنـي زريـع. وصـار اليمـن للمعـز وفيـه ولاتهـم بنـو أيـوب كمـا نذكـر فـي أخبارهم. وكانت مدينة الحديدة قرب عدن اختطفها ملوك الزريعيين فلما جاءت دولة بني أيوب تركوها ونزلوا تعز من الجبال كما يأتي ذكره. |
أخبار ابن مهدي الخارجي وبنيه وذكر دولتهم باليمن وبدايتها وانقراضها
هذا الرجل من أهل العثر من سواحل زبيد وهو علي بن مهدي الحميري. كان أبوه مهدي معروفاً بالصلاح والدين. ونشأ ابنه على طريقته فاعتزل ونسك. ثم حج ولقي علماء العراق وأخذ الوعظ من وعاظهم وعاد إلى اليمن واعتزل ولزم الوعظ. وكان حافظاً فصيحاً ويخبر بحوادث أحواله فيصدق فمال إليه الناس واغتبطوا به وصار يتردد للحج سنة إحدى وستين ويعـظ النـاس فـي البـوادي. فـإذا حضـر الموسم ركب على نجيب له ووعظ الناس. ولما استولت أم فاتك على بني جياش أيام ابنها فاتك بن منصور أحسنت فيه المعتقد وأطلقت له ولقرابته وأصهاره خرجهم فحسنت أحوالهم وأثروا وركبوا الخيول. وكان يقول في وعظه: دنا الوقت يشير إلى وقت ظهوره. واشتهر ذلك عنه وكانت أم فاتك تصل أهل الدولة عنه فلما ماتت سنـة خمـس وأربعيـن جـاءه أهـل الجبال وحالفوه علي النصرة. وخرج من تهامة سنة ثمان وثلاثين وقصد الكودا فانهزم وعاد إلى الجبال وأقام إلى سنة إحدى وأربعين ثم أعادته الحرة أم فاتك إلى وطنه وماتت سنة خمس وأربعين فخرج إلى هوازن ونزل ببطن منهم يقال له حيوان في حصـن يسمـى الشـرف وهـو حصـن صعـب ليـس يرتقـى على مسيرة يوم من سفح الجبل في طريقه أوعـار فـي واد ضيـق عقبـة كؤد. وأصحابه سماهم الأنصار وسمى كل من صعد معه من تهامة المهاجرين. وأمر للأنصار رجلا اسمه سبا وللمهاجرين آخر اسمه شيخ الإسلام واسمه النوبة. واحتجب عمن سواهما. وجعل يشن الغارات على أرض تهامة وأعانه على ذلك خراب النواحي بزبيد فأخـرب سابلتهـا ونواحيهـا وانتهـى إلـى حصـن الداثـر علـى نصـف مرحلـة من زبيد وأعمل الحيل في قتـل مسـرور مدبـر الدولـة فقتـل كمـا مـر وأقـام يخيـف زبيد بالزحوف. قال عمارة: زاحفها سبعين زحفاً وحاصرها طويلاً واستمد الشريف أحمد بن حمزة السليماني صاحب صعدة فأمدهم وشرط عليهم قتل سيدهم فاتك فقتلوه سنة ثلاث وخمسين. وملك عليهم الشريف ثم عجز وهرب عنهم. واستولى علي بن مهدي عليها في رجب سنة أربع وخمسين ومات لثلاثة أشهر من ولايته. وكان يخطب له بالإمام المهدي أمير المؤمنين. وقامع الكفرة والملحدين وكان على رأي الخوارج يتبـرأ مـن علـي وعثمـان ويكفـر بالذنـوب ولـه قواعد وقواميس في مذهبه يطول ذكرها. وكان يقتل على شرب الخمر. قال عمارة: كان يقتل من خالفه من أهل القبلة ويبيح نساءهم وأولادهم وكانوا يعتقدون فيه العصمة وكانت أموالهم تحت يده ينفقها عليهم في مؤنهم ولا يملكون معه مالاً ولا فرساً ولا سلاحاً. وكان يقتل المنهزم من أصحابه ويقتل الزاني وشارب الخمر وسامع الغناء ويقتل من تأخر عن صلاة الجماعة ومن تأخر عن وعظه يوم الإثنين والخميس. وكان حنفيـا في الفروع. ولما توفي تولى بعده ابنه عبد النبي وخرج من زبيد واستولى على اليمن أجمـع وبـه يومئـذ خمـس وعشـرون دولـة فاستولـى علـى جميعهـا ولـم يبـق لـه سوى عدن ففرض عليها الجزية. ولما دخل شمس الدولة تورشاه بن أيوب أخـو صلـاح الديـن سنـة سـت وستيـن وخمسمائـة واستولـى علـى الدولـة التـي كانـت باليمـن فقبـض علـى عبـد النبـي وامتحنـه وأخذ منه أموالا عظيمة وحملـه إلـى عـدن فاستولى عليها. ثم نزل زبيد واتخذها كرسياً لملكه. ثم استوخمها وسارفي الجبـال ومعـه الأطبـاء يتخير مكاناً صحيح الهواء ليتخذ فيه سكناه فوقع اختيارهم على مكان تعز فاختط به المدينة ونزلها. وبقيت كرسياً لملكه وبنيه ومواليهم بني رسول كما نذكر في أخبارهم. وبانقراض دولة بني المهدي انقرض ملك العرب من اليمن وصار للغز ومواليهم. قواعد اليمن ولنذكر الأن طرفاً من الكلام على قواعد اليمن ومدنه واحدة واحدة كما أشار إليه ابن سعيد: اليمن: من جزيرة العرب يشتمل على كراسي سبعة للملك تهامة والجبال وفي تهامة مملكتان: مملكـة زبيـد ومملكـة عـدن. ومعنى تهامة ما انخفض من بلاد اليمن مع ساحل البحر من البرين من جهة الحجاز إلى آخر أعمال عدن دورة البحر الهندي. قال ابن سعيد: وجزيرة العرب في الإقليم الأول ويحيط بها البحر الهندي من جنوبها وبحر السويس من غربها وبحر فارس من شرقها. وكانت اليمن قديما للتبابعة وهـي أخصـب مـن الحجـاز وأكثـر أهلهـا القحطانيـة وفيهـا من عرب وائل. وملكها لهذا العهد لبني رسول موالي بني أيوب ودار ملكهم تعز بعد أن نزلوا الحرة أولا: وبصعدة من اليمن أئمـة الزيديـة وبزبيـد وهـي مملكة اليمن شمالها الحجاز وجنوبها البحر الهندي وغربها بحر السويس اختطها محمد بن زياد أيام المأمون سنة أربع ومائتين وهي مدينة مسورة تدخلها عين جارية تحلها الملوك. وعليها غيطـان يسكنونهـا أيـام الغلـة. وهـي الـآن من ممالك بني رسول وبها كان ملك بني زياد ومواليهم. ثم غلب بنو الصليحي وقد مر خبرهم. عثـر وحلـى والسرجة: من أعمال زبيد في شمالها وتعرف بأعمال ابن طرف مسيرة سبعة أيام فـي يوميـن مـن السرجـة إلـى حلـى ومكـة ثمانية أيام. وعثر هي منبر الملك وهي على البحر وكان سليمان بن طرف ممتنعاً بها على أبي الجيش ابن زياد. وكان مبلغ ارتفاعه خمسمائة. ألف دينـار ثـم دخـل فـي طاعتـه وخطـب له وحمل المال. ثم صارت هذه المملكة للسليمانيين من بني الحسـن مـن أمـراء مكـة حيـن طردهم الهواشم عن مكة. وكان غالب بن يحيى منهم يؤدي الأتاوة لصاحب زبيد وبه استعان محمد مفلح الفاتكي من سرور. ثم هلك بعدها. ثم عيسى بن حمـزة مـن بنيـه. ولمـا ملـك الغـز اليمـن أخـذ يحيـى أخـو عيسـى أسيـراً وسيـق إلـى العراق فحاول عليه عيسـى فتخلصـه من الأسر. ورجع إلى اليمن فقتل أخاه عيسى وولي مكانه المهجم من أعمال زبيـد علـى ثلاثـة مراحل عليها وعربها من العسيرة من حكم وجغفر قبيلتين منهم. ويجلب منها الزنجبيل. السرير آخر أعمال تهامة من اليمـن وهـي علـى البحـر دون سـور وبيوتهـا أخصـاص وملكهـا الزرائب: من الأعمال الشمالية من زبيد وكانت لابن طرف واجتمع له فيها عشرون ألفا من الحبشة الذين معه جميعاً. وقال ابن سعيد: في أعمـال زبيـد والأعمـال التـي فـي الطريـق الوسطـى بيـن البحـر والجبـال. وهـي فـي خـط زبيـد فـي شماليهـا وهـي الجـادة إلـى مكة. قال عمارة: هي الجادة السلطانيـة منهـا إلـى البحـر يوم أو دونه. وكذلك إلى الجبال. ويجتمع الطريقان الوسطى والساحلية في السرير ويفترقان. عدن من ممالك اليمن في جوف زبيد وهي كرسي عملها وهي على ضفة البحر الهندي. وكانت بلد تجارة منذ أيام التبابعة وبعدها عن خط الاستواء ثلاث عشرة درجة ولا تنبت زرعاً ولا شجراً ومعاشهم السمك وهي ركاب الهند مـن اليمـن وأول ملكهـا لبنـي معـن بـن زائـدة استقامـوا لبنـي زياد وأعطوهم الأتاوة. ولما ملك الصليحيون أقرهم الداعي. ثم أخرجهم ابنه أحمد المكرم وولاها بني المكرم من جشم بن يام رهطه بهمدان وصفا الملك فيها لبني الزريع منهم وقنع منهم بالأتاوة حتى ملكها من أيديهم شمس الدولة بن أيوب كما تقدم. عدن أبين: من بينات المدن وهي إلى جهة الشحر. |
الساعة الآن 11:52 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |