منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 7 - 8 - 2010 02:26 PM

الزعزاع
باودية ابن أيوب عدن وكانت لبني مسعود بن المكرم المقارعين لبني الزريع‏.‏ الجوة‏:‏ اختطها ملوك الزريعيين قرب عدن ونزلها بنو أيوب ثم انتقلوا إلى تعز‏.‏ حصن ذي جبلة‏:‏ من حصون مخلاف جعفر اختطه عبد الله الصليحي أخو الداعي سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وانتقل إليه ابنـه المكـرم مـن حصـن صنعـاء‏.‏ وزوجـه سيـدة بنـت أحمـد المستبـدة عليـه وهـي التـي تحكمـت سنـة ثمانيـن‏.‏ ومات المكرم وقد فوض الأمر في الملك والدعوة إلى سبا بن أحمد بن المظفر الصليحي وكان في معقل اشيح وكانت تستظهر بقبيل جنب وكانـوا خامليـن في الجاهلية فظهروا بمخلاف جعفر‏.‏ ثم وصل من مصر ابن نجيب الدولة داعياً ونـزل مدينـة جند واعتضد بهمذان فحاربته السيدة بجنب وخولان إلى أن ركب البحر وغرق‏.‏ وكان يتولى أمورها المفضل بن أبي البركات بعد زوجها المكرم واستولى عليها‏.‏ التعكر‏:‏ من مخلاف جعفر كان لبني الصليحي ثم لسيدة من بعدهم ثم طلبه منها المفضل بن أبـي البركـات فسلمتـه إليـه وأقـام فيـه إلـى أن سـار إلـى زبيـد وحاصر فيها بني نجاح وطالت غيبته فثار بالتعكر جماعة من الفقهاء وقتلوا نائبه وبايعوا لإبراهيم بن زيدان منهم وهو عم عمارة الشاعر‏.‏ واستظهروا بخولان فرجع المفضل وحاصرهم كما ذكرنا ذلك من قبل‏.‏

حصن خدد
كان لعبد الله بن يعلى الصليحي وهو من مخلاف جعفر وكان المفضل قد أدخل مـن خولـان فـي حصـون المخلـاف عـدداً كثيراً في بني بحر وبني منبه ورواح وشعب‏.‏ فلما مات المفضـل وفـي كفالتـه سيـدة كمـا مـر وثـب مسلـم بـن الـذر من خولان في حصن خدد وملكه من يد عبد الله بن يعلى الصليحي ولحق عبد الله بحصن مصدود ورشحته سيدة لمكان المفضل واستخلصته الدولة من مدينة الجند ومن اليمن بأمرها‏.‏

حصن مصدود
من حصون مخلاف جعفر وهي خمسة‏:‏ ذو جبلة والتعكر وحصن خدد‏.‏ ولما غلبـت خولـان علـى حصـن خـدد مـن يد عبد الله الصليحي ولحق بحصن مصدود واستولى عليه منهـم زكريـا بـن شكيـر البحـري وكـان بنـو الكـردي من حمير ملوكا قبل بني الصليحي باليمن وانتزع بنـو الصليحي ملكهم وكان لهم مخلاف بحصونة ومخلاف مغافر ومخلاف الجند وحصن سمندان‏.‏ ثم استقرت لمنصور بن المفضل بن أبي البركات وباعها من بني الزريع كما مر‏.‏

صنعاء
قاعدة التبابعة قبل الإسلام وأول مدينة اختطت باليمن وبنتها فيما يقال عاد وكانت تسمى أوال من الأولية بلغتهم‏.‏ وقصر غمدان قريب منها أحد البيوت السبعة بناه الضحاك باسم الزهرة وحجت إليه الأمم وهدمه عثمان‏.‏ وصنعاء أشهر حواضر اليمن وهي فيما يقال معتدلة وكان فيها أول المئة الرابعة بنو يعفر من التبابعة ودار ملكهم كحلان ولم يكن لها نباهة في الملك إلى أن سكنها بنو الصليحي وغلب عليهـا الزيديـة ثـم السليمانيـون مـن بعـد بنـي الصليحي‏.‏ قلعة كحلان‏:‏ من أعمال صنعاء لبني يعفر من التبابعة بناها قرب صنعاء إبراهيم وكانت له صعـدة ونجـران‏.‏ واعتصـم بنـو يعفـر بقلعـة كحلان وقال البيهقي‏:‏ سيد قلعة كحلان أسعد بن يعفر وحارب بني الرسي وبني زياد أيام أبي الجيش‏.‏ حصن الصمدان‏:‏ من أعمال صنعاء كانت فيه خزائن بني الكردي الحميريين إلى أن ملكه على الصليحـي ورد عليهـم المكـرم بعـض حصونهـم إلـى أن انقـرض أمرهم على يد ابن مهدي‏.‏ وكان لهم مخلاف جعفر الذي منه مدينة في جبلة ومعقل التعكر وهو مخلاف الجند ومخلاف معافر مقر ملكهم السمدان وهو أحصن من الدمولة‏.‏

قلعة منهاب
من قلاع صنعاء بالجبال ملكها بنو زريع واستبد بها منهم الفضل بن علي بن راضـي بـن الداعـي محمـد بـن سبـا بـن زريـع نعته صاحب الجزيرة بالسلطان‏.‏ وقال‏:‏ كانت له قلعة منهاب وكان حياً سنة ست وثمانين وخمسمائة وصارت بعده لأخيه الأغر أبي علي‏.‏ جبـل الدبجـرة‏:‏ وهـو بقـرب صنعاء وقد اختط جعفر مولى بني زياد سلطان اليمن مخلاف جعفر فنسب إليه‏.‏ عدن لاعة‏:‏ بجانب الدبجرة أول موضع ظهرت فيه دعوة الشيعة باليمن ومنها محمد بن المفضل الداعـي‏.‏ ووصـل إليها أبو عبد الله الشيعي صاحب الدعوة بالمغرب‏.‏ وفيها قرأ على علي بن محمـد الصليحـي صبيـا وهي دار دعوة اليمن‏.‏ كان محمد بن المفضل داعياً عهد أبي الجيش بن بيجان‏:‏ ذكرها عمارة في المخاليف الجبلية وملكها نستوان بن سعيد القحطاني‏.‏

تعمر
من أجل معاقل الجبال المطلة على تهامة ما زال حصناً للملوك وهو اليوم كرسي لبني رسـول ومعـدود فـي الأمصار‏.‏ وكان به من ملوك اليمن منصور بن المفضل بن أبي البركات وبنو المظفر وورثها عنه ابنـه منصـور ثـم باعهـا حصنـاً حصنـاً مـن الداعـي بـن المظفـر والداعـي الزريعي إلى أن بقي بيده حصن تعمر فأخذه منه بن مهدي معقل اشيح‏:‏ من أعظم حصون الجبال وفيه خزائن بني المظفر من الصليحيين صارت له بعهد المكـرم ابـن عمـه صاحـب فـي جبلـة وقلـده المستنصر الدعوة وتوفي سنة ست وثمانين وأربعمائة‏.‏ وغلب ابنه علي على معقل الملك اشيح‏.‏ وأعيا المفضل أمره إلى أن تحيل عليه وقتله بالسم وصارت حصون بني المظفر إلى بني أبي البركات‏.‏ ثم مات المفضل وخلف ابنه منصورا‏.‏ واستقل بملك أبيه بعد حين وباع جميع الحصون فباع ذا جبلة من الداعي الزريعي صاحب عدن بمائة ألف دينار وحصن صنبـر بعـد أن كـان حلـف بالطلـاق مـن زوجتـه أنـه يستبقيـه وطلق زوجته الحرة وتزوجها الزريعي وطال عمره‏.‏ ملك ابن عشرين وبقي في الملك ثمانين وأخذ منه معقل علي مهدي‏.‏

صعدة
مملكتها تلو مملكة صنعاء وهي في شرقيها وفي هذه المملكة ثلاثة قواعد‏:‏ صعدة وجبـل تطابـة وحصن تلا وحصون أخرى وتعرف كلها ببني الرسي وقد تقدم ذكر خبره‏.‏ وأما حصـن تـلا فمنـه كان ظهور الموطىء الذي أعاد إمامة الزيدية لبني الرضا بعد أن استولى عليها بنـو سليمـان فـأوى إلـى جبـل قطابـة‏.‏ ثـم بايعـوا لأحمـد الموطـىء سنـة خمـس وأربعين وستمائة وكان فقيهـا عابـداً وحاصـره نـور الديـن بـن رسـول فـي هـذا الحصـن سنـة جمـر عليـه عسكراً للحصار‏.‏ ثم مات ابن رسول سنة ثمان وأربعين واشتغل ابنه المظفر بحصار حصن الدولة فتمكن الموطىء وملك حصون اليمن وزحف إلى صعدة وبايعه السليمانيون وإمامهم أحمد المتوكل كما مر في أخبار بني الرسي‏.‏ وأما قطابة فهو جبل شاهق مشرف على صعدة إلى أن كان ما ذكرناه‏.‏

حران ومسـار
أمـا حـران فهـو إقليـم مـن بلـاد همـدان وحـران بطـن مـن بطونهـم كـان منهـم الصليحي‏.‏ وحصن مسار هو الذي ظهر فيه الصليحي وهي من إقليم حران‏.‏ قال البيهقي‏:‏ بلادهـم شرقيـة بجبـال اليمـن وتفرقـوا فـي الإسلـام ولـم يبـق لهـم قبيلـة وفرقـة إلا في اليمن وهو أعظم قبائل اليمن وبهم قام الموطىء وملكوا جملة من حصون الجبال ولهم بها إقليم بكيل وإقليـم حاشـد وهمـا ابنـا جشـم بـن حيـوان وأنـوق بـن همـدان‏:‏ قـال ابن حزم‏:‏ ومن بكيل وحاشد افترقت قبائـل همـدان انتهى‏.‏ ومن همدان بنو الزريع أصحاب السلطنة والدعوة في عدن والجوة ومنهم بنو يام من قبائل همدان انتهى‏.‏ ومن همدان بنو الزريع سبعة وهم الآن في نهاية من التشيع بلاد خولان‏:‏ قال البيهقي‏:‏ هي شرقية من جبال اليمن ومتصلة ببلاد همدان وهي حصـون خدد والتعكر وغيرهما‏.‏ وهم أعظم قبائل اليمن مع همدان ولهم بطون كثيرة‏.‏ وافترقوا على بلاد الإسلام ولم يبق منهم وبرية إلا باليمن‏.‏

مخلاف بني وائل
مدينة هذا المخلاف شاحط وصاحبها أسعد بن وائل وبنو وائل بطن من ذي الكلاع‏.‏ وذو الكلاع من سبا تغلبوا على هذه البلاد عن مهلك الحسن بن سلامـة حتـى عادوا إلى الطاعة‏.‏ واختط مدينة الكدد على مخلاف سهام ومدينة المعقـل علـى وادي دوال ومات سنة اثنتين وأربعمائة‏.‏

بلـاد كنـدة
وهـي مـن جبـال اليمـن ممـا يلـي حضرموت وجبال الرمل وكان لهم بها ملوك وقاعدتهم دمون ذكرها امرؤ القيس في شعره‏.‏ بلاد مذحج موالي جهات الجند من الجبال وينزلها من مذحج عنس وزبيد ومراد‏.‏ ومن عنس بإفريقيـة فرقـة وبريـة مـع ظواعـن أهلهـا ومـن زبيـد بالحجـاز بنـو حـرب بيـن مكة والمدينة‏.‏ وبنو زبيد الذين بالشام والجزيرة فهم من طيىء وليسوا من هؤلاء‏.‏ بلـاد بنـي نهـد فـي أجـواف السـروات‏.‏ وتبالـة والسـروات بيـن تهامة والجبال ونجد من اليمن والحجاز كسوأة الفرس‏.‏ وبنو نهد من قضاعة سكنوا اليمن جوار خثعم وهم كالوحوش والعامة تسميهم السرو وأكثرهم أخلاط من جبلة وخثعم‏.‏ ومن بلادهم تبالة يسكنها قوم نهر وائل ولهم بها صولة وهي التي وليها الحجاج واستحفرها فتركها‏.‏ البلاد المضافة إلى اليمن أولها الثمامة‏.‏ قال البيهقي‏:‏ هو بلد منقطع بعمله والتحقيق أنه من الحجـاز كمـا هـي نجـران من اليمن‏.‏ وكذا قال ابن حوقل وهي دونها في المملكة وأرضها تسمى العـروض لاعتراضهـا بيـن الحجـاز والبحريـن‏.‏ وفـي شرقيها البحرين وغربيها أطراف اليمن والحجاز وجنوبهـا نجـران وشمالها نجد من الحجاز‏.‏ وفي أطرافها عشرون مرحلة وهي على أربعة أميال من مكة‏.‏ وقاعدتها حجر ‏"‏ بالفتح ‏"‏‏.‏ وبلد اليمامة كانت مقرا لملـوك بنـي حنيفـة‏.‏ ثـم اتخـذ بنـو حنيفـة حجـراً وبينهمـا يـوم وليلـة وبظواهرها أحياء من بني يربوع من تميم وأحياء من بني عجل‏.‏ قال البكري‏:‏ واسمها جو وسميـت باسـم زرقـاء اليمامـة سماهـا بذلك تبع الآخر وهي في الإقليم الثاني مع مكة وبعدهما عن خط الاستواء واحد منازلها توضيح وقرقرا‏.‏ وقال الطبري‏:‏ أن رمل عالج مـن اليمامـة والشحـر وهـي مـن أرض وبـار‏.‏ وكانـت اليمامـة والطائـف لبنـي مزان بن يعفر والسكسك وغلبتهـم عليهـا طسـم وجديـس‏.‏ ثـم غلبتهـم بنـو مزان آخراً وملكوا اليمامة‏.‏ وطسم وجديس في تبعهـم وآخـر ملـوك بنـي طسـم عمليـق‏.‏ ثـم غلبـت جديـس‏.‏ ومنهم باليمامة التي سميت مدينة جو بها وأخبارها معروفة‏.‏ ثم استولى على اليمامة بعد طسم وجديس بنو حنيفة وكان منهم هودة بن علي ملك اليمامة وتتوج‏.‏ ويقال إنما كانت خرزات هودة بن علي ملك اليمامة على عهد النبوة وأسر وأسلم وثبت عند الردة‏.‏ وكان منهم مسيلمة وأخباره معروفة‏.‏ قال ابـن سعيد‏:‏ وسألت عرب البحرين وبعض مذحج لمن اليمامة اليوم فقالوا لعرب من قيس عيلان وليس لبني حنيفة بها ذكر‏.‏ بلـاد حضرمـوت‏.‏ قـال ابـن حوقـل‏:‏ هـي فـي شرقـي عـدن بقرب البحر ومدينتها صغيرة ولها أعمال عريضة وبينها وبين عمان من الجهة الأخرى رمال كثيرة تعرف بالاحقاف وكانت مواطن لعاد‏.‏ وبهـا قبر هود عليه السلام وفي وسطها جبل بشام وهي في الإقليم الأول‏.‏ وبعدها عن خط الأستواء اثنتا عشرة درجة وهي معدودة من اليمن بلد نخل وشجر ومزارع‏.‏ وأكثر أهلهـا يحكمون بأحكام علي وفاطمة ويبغضون علياً للتحكيم‏.‏ وأكبر مدينة بها الآن قلعة بشام فيها خيل الملك وكانت لعاد مع الشحر وعمان وغلبهم عليها بنو يعرب بن قحطان‏.‏ ويقال إن الذي دل عاداً على جزيرة العرب هو رقيم بن إرم كان سبق إليهـا مـع بنـي هـود فرجـع إلـى عاد ودلهم عليها وعلى دخولها بالجوار فلما دخلوا غلبوا على من فيهـا‏.‏ ثـم غلبهـم بنو يعرب بن قحطان بعد ذلك وولى على البلاد فكانت ولاية ابنه حضرموت على هذه البلاد وبه سميت الشحر من ممالك جزيرة العرب مثل الحجاز واليمن‏.‏ وكان معقلا عن حضرموت وعمان والذي يسمى الشحر قصبته ولا زرع فيـه ولا نخـل إنمـا أموالهـم الإبـل والمعـز ومعشهـم مـن اللحـوم والألبـان ومـن السمـك الصغـار ويعلفونهـا للـدواب‏.‏ وتسمـى هذه البلاد أيضاً بلاد مهرة وبها الإبل المهرية وقد يضاف الشحر ألى عمان وهو ملاصق لحضرموت وقيل هو بسائطها‏.‏ وفي هذه البلاد يوجد اللبان وفي ساحله العنبر الشحري وهو متصل في جهة الشرق‏.‏ ومن غربيها ساحل البحر الهندي الذي عليه عدن وفي شرقيها بلاد عمان وجنوبها بحر الهنـد مستطيلـة عليه وشمالها حضرموت كأنها ساحل لها ويكونان معاً لملك واحد‏.‏ وهي في الإقليم الأول وأشد حراً من حضرموت‏.‏ وكانت في القديم لعاد وسكنها بعدهم مهرة من حضرموت أو من قضاعة وهم كالوحوش في تلك الرمال ودينهم الخارجية على رأي الإباضية منهم‏.‏ وأول من نزل بالشحر من القحطانية مالك بن حمير وخرج على أخيه مالك وهو ملك بقصر كمدان فحاربه طويلا ومات مالك فولي بعده ابنه قضاعة بن مالك فلم يزل السكسك يحاربه إلـى أن قهـره واقتصـر قضاعـة على بلاد مهرة‏.‏ وملك بعده ابنه اطاب ثم مالك بن الحاف وانتقل إلى عمان وبها كان سلطانه‏.‏ قال البيهقي‏:‏ وملك مهرة بن حيدان بن الحاف بلـاد قضاعـة وحـارب عمـه مالـك بـن الحـاف صاحـب عمـان حتـى غلبهـم عليهـا وليـس لهـم اليـوم فـي غير بلادهم ذكر‏.‏ وببلاد الشحر مدينة مرياط وضفان على وزن نزال‏.‏ وضفان دار ملك التبابعة ومرياط بساحل الشحر وقد خربت هاتان المدينتان‏.‏ وكان أحمد بن محمود الحميري ولقبه الناخودة وكان تاجراً كثير المال يعبر إلى صاحب مرياط بالتجارة‏.‏ ثم استوزره ثم هلك فملك أحمد الناخودة‏.‏ ثم خربها وخرب ضفان سنة تسع عشرة وستمائة وبنى على ساحل مدينة ضفا بضم الضاد المعجمة وسماها الأحمدية باسمه وخرب القديمة لأنها لم يكن لها مرسى‏.‏ نجران‏:‏ قال صاحب الكمائم‏:‏ هي صقع منفرد عن اليمن وقال غيـره هـي مـن اليمـن‏.‏ قـال البيهقـي‏:‏ مسافتها عشرون مرحلة وهي شرقي صنعاء وشماليها وتوالي الحجاز وفيها مدينتان‏:‏ نجران وجرش متقاربتان في القدر والعادية غالبة عليها وسكانها كالأعراب وبها كعبة نجران ينبت على هيئة عمدان كعبة اليمن وكانت طائفة من العرب تحج إليها وتنهر عندها وتسمى الدير‏.‏ وبها قس بن ساعدة كان يتعبد فيها‏.‏ ونزلها من القحطانية طائفة من جرهم ثم غلبهم عليها حمير وصاروا ولاة للتبابعة‏.‏ وكـان كـل ملـك منهـم يسمى الأفعى‏:‏ وكان منهم أفعى نجران واسمه القلمس بن عمرو بن همدان بـن مالـك بـن شهـاب بـن زيـد بـن وائـل بـن حمير وكان كاهناً هو الذي حكم بين أولاد نزار لما أتوه حسبمـا هـو مذكـور‏.‏ وكـان والياً على نجران لبلقيس فبعثته إلى سليمان عليه السلام وآمن وبث ديـن اليهوديـة فـي قومـه وطـال عمـره‏.‏ ويقـال‏:‏ إن البحريـن والمسلـل كانتـا لـه‏.‏ قـال البيهقي ثم نزل نجران بنو مذحج واستولوا عليها‏.‏ ومنهم الحارث بنو كعب‏.‏ وقـال غيـره‏:‏ لمـا خرجت اليمانية في سيل العرم مروا بنجران‏.‏ فحاربتهم مذحج ومنها افترقوا‏.‏ قـال ابـن حـزم‏:‏ ونـزل فـي جـوار مذحـج بالصلـح الحـارث بـن كعـب بيـن عبـد اللـه بـن مالـك بن نصر بن الأزد‏.‏ ثم غلبوا عليها مذحجاً وصارت لهم رياستها‏.‏ ودخلت النصرانية نجران من قيمون وخبره معروف في كتب السير وانتهـت رياسـة بيـن الحـارث فيهـا إلـى بنـي الريـان‏.‏ ثـم صـارت إلـى بنـي عبـد المـدان‏.‏ وكـان يزيـد منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم على يد خالد بن الوليد ووفد مع قومه ولم يذكره ابن عبد المؤمن وهو مستدرك عليه‏.‏وابن أخيه زياد بن عبد الرحمن بن عبد المدان خال السفاح ولاه نجران واليمامة وخلـف ابنيـه محمـدا ويحيـى‏.‏ ودخلـت المائـة الرابعـة والملـك بها لبني أبي الجود بن عبد المدان واتصل فيهم‏.‏ وكان بينهم وبين الفاطميين حروب‏.‏ وربما يغلبونهم بعض الأحيان على نجران‏.‏ وكان آخرهم عبد القيس الذي أخذ علي بن مهدي الملك من يده ذكـره عمـارة وأثنـى عليـه‏.‏ واللـه سبحانـه وتعالـى أعلـم بالصواب‏.‏

الخبر عن دولة بني حمدان المستبدين بالدعوة العباسية
من العرب بالموصل والجزيرة والشام ومبادىء أمورهم وتصاريف أحوالهم كان بنو ثعلب بن وائل من أعظم بطون ربيعة بن نزار ولهم محل في الكثرة والعدد وكانت مواطنهـم بالجزيـرة في ديار ربيعة وكانوا على دين النصرانية في الجاهلية وصاغيتهم مع قيصر‏.‏ وحاربوا المسلمين مع غسان وهرقل أيام الفتوحات في نصارى العرب يومئذ من غسان وإياد وقضاعة وزابلة وسائر نصارى العرب‏.‏ ثم ارتحلوا مع هرقل إلى بلاد الروم ثم رجعوا إلى بلادهـم‏.‏ وفـرض عليهـم عمـر بـن الخطـاب رضـي اللـه عنه الجزية‏.‏ فقالوا‏:‏ يا أمير المؤمنين لا تذلنا بيـن العـرب باسـم الجزيـة واجعلهـا صدقـة مضاعفـة ففعـل‏.‏ وكـان قائدهـم يومئذ حنظلة بن قيس بن هرير من بني مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن ثعلب وكان من رهطه عمرو بن بسطـام صاحـب السنـد أيـام بنـي أميـة‏.‏ ثـم كـان منهـم بعـد ذلـك فـي الإسلـام ثلاثة بيوت آل عمر بن الخطاب العدوي وآل هارون المغمر وآل حمدان بن حمدون بن الحارث بن لقمان بن أسد‏.‏ ولم يذكر ابن حزم هؤلاء البيوت الثلاثة في بطون بني ثعلـب فـي كتـاب الجمهـرة‏.‏ ووقفـت علـى حاشيـة فـي هذا الموضـع مـن كتابـه فيهـا ذكـر هـؤلاء الثلاثـة كالاستلحـاق عليـه‏.‏ وقـال فـي بنـي حمـدان‏:‏ وقيـل إنهـم ولما فشا دين الخارجية بالجزيرة أيام مروان بن الحكم فرق جموعه ومحا آثار تلك الدعوة‏.‏ ثم ظهـر فـي الجزيـرة بعـد حيـن أثـر مـن تلـك الدعـوة‏.‏ وخـرج مسـاور بـن عبـد اللـه بـن مسـاور البجلي من السرات أيام الفتنة بعد مقتل المتوكل واستولى على أكثـر أعمـال الموصـل وجعـل دار هجرتـه الحديثـة‏.‏ وكـان علـى الموصـل يومئـذ عقبـة بـن محمـد بـن جعفـر بن محمد بن الأشعث الخزاعي الذي ولـى المنصـور جـده محمـداً علـى إفريقيـة وعليـه خـرج مسـاور‏.‏ ثـم ولـي على الموصل أيوب بن أحمد بن عمر بن الخطاب الثعلبي سنـة أربـع وخمسيـن واستخلـف عليـه ابنـه الحسـن فسـار إلـى مسـاور فـي جمـوع قومـه وفيهـم حمـدون بن الحارث فهزموا الخوارج وفرقوا جمعهم‏.‏ ثم ولي أيام المهتدي عبد الله بن سليمان بن عمران الأزدي فغلبه الخوارج وملك مساور الموصل ورجع إلى الحديثة‏.‏ ثـم انتقـض أهـل الموصـل أيـام المعتمـد سنة تسع وخمسين وأخرجو العامل وهو ابن أساتكين الهيثم بـن عبـد اللـه بـن المعتمد العدوي من بني ثعلب فامتنعوا عليه وولوا مكانه إسحاق بن أيوب من آل الخطاب فزحف ومعه حمدان بن حمدون وحاصرهـا مـدة‏.‏ ثـم كانـت فتنـة إسحـاق بـن كنداجق وانتقاضه على المعتمد واجتمع لمدافعته علي بن داود صاحب الموصل وحمدان بن حمدون وإسحاق بن أيوب فهزمهم إسحاق بن كنداجق وافترقوا فاتبع إسحاق بن أيوب إلى نصيبين ثـم إلـى آمـد‏.‏ واستجـار فيهـا بعيسـى بـن الشيـخ الشيبانـي وبعـث إلـى المعـز موسـى بـن زرارة ثم ولي المعتمد ابن كنداجق على الموصل سنة سبع وستين فاجتمع لحربه إسحاق بن أيوب وعيسى بن الشيخ وأبو العز بن زرارة وحمدان بن حمدون في ربيعـة وثعلـب فهزمهـم ابـن كنداجـق وحاصره هو ولجؤوا إلى آمد عند عيسى بن الشيخ الشيباني وحاصرهم بها وتوالت عليهم الحروب‏.‏ وهلك مساور الخارجي أثناء هذه الفتن في حربه مع العساكر سنة ثلاث وستين‏.‏ واجتمع الخوارج بعده على هارون بن عبد الله البجلي واستولى على الموصل وكثر تابعه وخرج عليه محمد بن خردان من أصحابه مغلبه على الموصل فقصد حمدان بن حمدون مستنجـداً بـه فسـار معـه ورده إلـى الموصـل ولحـق محمد بالحديثة ورجع أصحابه إلى هارون‏.‏ ثم سار هارون من الموصل إلى محمد فأوقع به وقتله وعاث في الأكراد الجلالية أصحابه وغلب على القرى والرساتيق وجعل يأخذ الزكاة والعشر‏.‏ ثم زحف بنو شيبان لقتاله سنة اثنتين وسبعيـن فاستنجـد بحمـدان بـن حمـدون وانهـزم قبل وصوله إليه‏.‏ ثم كانت الفتنة بين إسحاق بن كنداجق ويوسف بن أبي الساج وأخذ ابن أبي الساج بدعوة ابن طولون وغلب على الجزيرة والموصـل ثـم عـاد وملكهـا لابـن كنداجـق وولى عليها هارون بن سيما سنة تسع وسبعين ومائتين فطـرده أهلهـا واستنجـد ببنـي شيبـان فسـاروا معـه إلـى الموصـل واستمـد أهلهـا الخوارج وبني ثعلب فسار لإمدادهم هارون الساري وحمدان فهزمهم بنو شيبان وخـاف أهـل الموصـل مـن ابـن ولما بلغ المعتضد ممالأة حمدان بن حمدون لهارون الساري وما فعله بنو شيبان وقـد خـرج لإصلاح الجزيرة وأعطاه بنو شيبان رهنهـم علـى الطاعـة زحـف إلـى حمـدان وهزمـه فلحـق بمارديـن وترك بها ابنه الحسين‏.‏ وهرب فسار مع وصيف ونصر القسوري ومروا بدير الزعفران وبه الحسين بن حمدان فاستأمن لهم وبعثوا به إلى المعتضد‏.‏ وأمر بهدم القلعة ولقي وصيف حمـدان فهزمـه وعبـر إلـى الجانب الغربي‏.‏ ثم سار إلى معسكر المعتضد وكان إسحاق بن أيوب الثعلبـي قـد سبـق إلـى طاعـة السلطـان وهـو فـي معسكـره فقصـد خيمتـه ملقيـاً بنفسه عليه فأحصره عنـد المعتضـد فحبسـه‏.‏ ثـم سـار نصـر القسـوري فـي أتبـاع هـارون فهزم الخوارج ولحق بأذربيجان‏.‏ واستأمن آخرون إلى المعتضد ودخل هارون البرية‏.‏ ثم سار المعتضد سنة ثلاث وثمانين في طلب هارون وبعث في مقدمته وصيفاً وسوح معه الحسين بن حمدان بن يكرين واشتـرط لـه إطلاق ابنه إن جاء بهارون فاتبعه وأسره وجاء به إلى المعتضد فخلع عليه وعلى إخوتـه وطوقـه وفـك القيـود عـن حمـدان ووعده‏.‏ بإطلاقه‏.‏ ومات إسحاق بن أيوب العدوي وكان على ديار ربيعه فولى المعتضد مكانه عبد الله بن الهيثم بن عبد الله بن المعتمد‏.‏

مبدأ الدولة وولاية أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل
ولما ولي المكتفي عقد لأبي الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل وأعمالها وكان الأكراد الهدبانية قد عاثوا في نواحيها ومقدمهم محمد بن سلال فقاتلهم وعبر وراءهم إلى الجانب الشرقـي وقاتلهـم علـى الخـازر وقتـل مولـاه سيما ورجع‏.‏ ثم أمده الخليفة‏.‏ فسار في أثرهم سنة أربع وتسعين وقاتلهم علـى أذربيجـان وهـزم محمـد بـن سلـال بأهلـه وولـده واستباحهـم ابـن حمـدان‏.‏ ثم استأمن محمد وجاءه إلى الموصل واستأمن سائر الأكراد الحميدية واستقام أمر أبي الهيجـاء‏.‏ ثم كانت فتنة الخلع ببغداد سنة ست وتسعين وقتل الوزير العباس بن الحسن وخلع المقتدر وبويع عبد الله بن المعتز يوماً أو بعض يوم وعاد المقتدر كما مر ذلك كله في أخبار الدولة العباسية‏.‏ وكان الحسين بن حمدان على ديار ربيعة وكان ممن تولى كبر هذه الفتنة مع القواد وباشر قتل الوزير مع من قتله فهرب‏.‏ وطلبه المقتدر وبعث في طلبه القاسم بن سيما وجماعة من القواد فلـم يظفـروا بـه فكتـب إلـى أبـي الهيجـاء وهـو علـى الموصـل فسـار مـع القاسـم‏.‏ ولقيهم الحسين عند تكريت فانهزم واستأمن فأمنه المقتدر وخلع عليه وولاه أعمال قم وقاشان‏.‏ ثم رده بعد ذلك إلى ديار ربيعة‏.‏

انتقاض أبي الهيجاء ثم الحسين بن حمدان
ولمـا كانـت سنـة تسـع وتسعيـن خالـف أبـو الهيجـاء بالموصـل إلى سنة اثنتين وثلاثمائة وكان الحسين بن حمدان على ديار ربيعة كما قدمناه فطالبه الوزير عيسى بن عيسى بحمل المال فدافعه فأمره بتسليم البلاد إلى العمال فامتنع فجهز إليه الجيش فهزمهم‏.‏ فكتب إلى مؤنس العجلي وهـو بمصـر يقاتـل عساكـر العلوية بأن يسير إلى قتال الحسين بعد فراغه من أمره فسار إليه سنة ثلاث وثلاثمائة فارتحل بأهله إلى أرمينية وترك البلاد‏.‏ وبعث مؤنس العساكر في أثره فأدركوه وقاتلوه فهزموه وأسر هو وابنه عبد الوهاب وأهله وأصحابه وعاد به إلى بغداد فأدخل على جمـل وقبـض المقتـدر يومئـذ على أبي الهيجاء وجميع بني حمدان فحبسهم جميعاً‏.‏ ثم أطلق أبا الهيجاء سنة خمس بعدها وقتل الحسن سنة ست وولى إبراهيم بن حمدان سنة سبع على ديار ربيعة وولى مكانه داود بن حمدان‏.‏

ولاية أبي الهيجاء ثانية على الموصل ثم مقتله
ثم ولى المقتدر أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان على الموصل سنة أربع عشرة فبعث ابنه فحاصـر الدولـة الحسيـن عليهـا وأقـام هـو ببغـداد‏.‏ ثـم بلغـه إفساد العرب والأكراد في نواحيها وفي نواحـي عملـه الآخـر بخراسـان‏.‏ فبعـث إلـى أبيـه ناصـر الدولة فأوقع بالعرب في الجزيرة ونكل بهم‏.‏ وجاءه في العساكر إلى تكريت فخرج ورحل بهم إلى شهرزور وأوقع بالأكراد الجلالية حتى استقامـوا على الطاعة‏.‏ ثم كان خلع المقتدر سنة سبع عشرة وثلاثمائة بأخيه القاهر‏.‏ ثم عاد ثاني يوم وأحيط بالقاهرة في قصره فتذمم بأبي الهيجاء وكان عنده يومئذ وأطال المقام يحاول على النجاة به فلم يتمكن من ذلك‏.‏ وانقض الناس على القاهر ومضى أبو الهيجاء يفتش عن بعض المنافق في القصر يتخلص منه فاتبعه جماعة وفتكوا به وقتلوه منتصف المحرم من السنة وولى المقتدر مولاه تحريراً على الموصل‏.‏

ولاية سعيد ونصر بني حمدان علي الموصل
ثم إن أبا العلاء سعيد بن حمدان ضمن الموصل وديار ربيعة وما بيـد ناصـر الدولـة فولـاه الراضـي سنـة ثلـاث وعشريـن وسار إلى الموصل فخرج ناصر الدولة لتلقيه وخالفه أبو العلاء إلى بيته وقعد ينتظره فأنفذ ناصر الدولة جماعة من غلمانه فقتلوه‏.‏ وبلغ الخبر إلى الراضي فأعظم ذلك وأمر الوزير ابن مقلة بالمسير إلى الموصل فسار إليها‏.‏ وارتحل ناصر الدولة واتبعه الوزير إلـى جبـل السـن ورجـع عنـه وأقام بالموصل‏.‏ واحتال بعض أصحاب ابن حمدان ببغداد على ابن الوزير وبذل له عشرة آلاف دينار علـى أن يستحـث أبـاه ففعـل وكتـب إليـه بأمـور أزعجتـه فاستعمـل علـى الموصـل مـن وثـق بـه مـن أهـل الدولـة‏.‏ ورجـع إلـى بغـداد فـي منتصـف شـوال‏.‏ ورجع ناصر الدولة إلى الموصل فاستولى عليهـا وكتـب إلـى الراضـي فـي الصفـح وأن يضمـن البلـاد فأجيب إلى ذلك واستقر في ولايته‏.‏ مسير الراضي إلى الموصل وفي سنة سبع وعشرين تأخر ضمان البلاد من ناصر الدولة فغضب الراضي وسار ومدبر دولته تحكم‏.‏ وسار إلى الموصل وتقدم تحكم إلى تكريت فخـرج إليـه ناصـر الدولـة فانهـزم أصحابـه وسـار إلـى نصيبيـن وأتبعـه تحكـم فلحـق بـه‏.‏ وكتـب تحكم إلى الراضي بالفتح فسار في السفـن يريـد الموصـل‏.‏ وكـان ابـن رائـق مختفيـا ببغـداد منذ غلبه ابن البريدي على الدولة فظهر عند ذلـك واستولـى علـى بغـداد‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى الراضـي فأصعـد مـن المـاء إلى البر واستقدم تحكم من نصيبين واستعاد ناصر الدولة ديار ربيعة وهو يعلم بخبر ابن رائق‏.‏ وبعث في الصلح على تعجيل خمسمائة ألف فأجابه إلى ذلك‏.‏ وسار الراضي وتحكم إلى بغداد ولقيهم أبو جعفر محمـد بـن يحيـى بـن سريـق رسـولا مـن ابـن رائـق فـي الصلـح وعلـى أن يولـى ديار مضر‏:‏ وهيي حران والرهـا والرقـة‏.‏ وتضـاف إليهـا قنسريـن والعواصم فأجيب إلى ذلك‏.‏ وسار عن بغداد إلى ولايته ودخل الراضي وتحكم بغداد ورجع ناصر الدولة بن حمدان إلى الموصل‏.‏

مسير المتقي إلى الموصل وولاية ناصر الدولة إمارة الأمراء
كان ابن رائق بعد مسيره إلى ديار مضر والعواصم سار إلى الشام وملـك دمشـق مـن يـد الأخشيد ثم الرملة‏.‏ ثم لقيه الأخشيد على عريش مصر وهزمه ورجع إلى دمشق ثم اصطلحا على أن يجعلا الرملة تخماً بين الشام ومصر وذلك سنة ثمان وعشرين‏.‏ ثم توفـي الراضي سنة تسع وعشرين وولي المتقى وقتل تحكم وجاء البريدي إلى بغداد وهرب الأتراك التحكميـة إلـى الموصـل وفيهـم تـوزون وجحجـح‏.‏ ثـم لحقـوا بأبـي بكـر محمـد بـن رائق واستحثوه إلى العـراق‏.‏ وغلب بعدهم على الخلافة الأتراك الديلمية وجاء أبو الحسن البريدي من واسط فأقام ببغداد أربعة وعشرين يوماً أمير الأمراء‏.‏ ثـم شغـب عليـه الجنـد فرجـع إلـى واسـط وغلـب كورتكين‏.‏ ثم حجر المتقي وكتب إلى ابن رائق يستدعيـه فسـار مـن دمشـق فـي رمضـان سنـة تسـع وعشريـن واستخلـف عليهـا أبـا الحسن أحمد بن علـي بـن حمـدان على أن يحمل إليه مائة ألف دينار وسار ابن رائق إلى بغداد وغلب كورتكين والديلمية حبس كورتكين بدار الخلافة‏.‏ ثم شغب عليه الجند وبعث أبو عبد الله البريدي أخاه أبـا الحسـن إلـى بغـداد فـي العساكـر فغلبـوا عليهـا وهـرب المتقـي وابنـه أبـو منصـور وزاد فـي المبـرة فنثر الدراهم على ابن الخليفة وبالغ في مبرته حتى ركب للإنصراف‏.‏ وأمسـك ابـن رائـق للحديث معه فأستدعاه المتقي وخلع عليـه ولقبـه ناصـر الدولـة وجعلـه أميـر الأمـراء‏.‏ وخلـع على أخيه أبي الحسن ولقبه سيف الدولة‏.‏ وكان قتل ابن رائق لتسع بقين من رجب وولاية ناصـر الدولـة مستهـل شعبـان مـن سنـة ثمانيـن‏.‏ ثـم سـار الأخشيـدي مـن مصـر إلـى دمشـق فملكها من يد عامل ابن رائق وسار ناصر الدولة مع المتقي إلى بغداد‏.‏ ولما قتل ابن رائق وأبو الحسن البريدي على بغداد وقد سخطه العامة والخاصة فهرب جحجح إلى المتقي وأجمع توزون وأصحابه إلى الموصل واستحثوا المتقي وناصر الدولة فانجدوهم إلى بغداد‏.‏ وولى على الخراج والضياع بديار مضرة وهي الرها وحران والرقة أبا الحسـن علـي بـن خلـف بن طياب وكان عليها أبو الحسن علي أحمد بن مقاتل من قبل ابن رائق فقاتله ابـن طيـاب وقتلـه‏.‏ ولمـا قـرب المتقـي وناصـر الدولـة مـن بغـداد هـرب أبـو الحسـن بـن البريـدي إلـى واسط بعد مقامه مائة يوم وعثرة أيام ودخل المتقي بغـداد ومعـه بنـو حمـدان وقلـد تـوزون شرطة جانبي بغداد وذلك فـي شـوال مـن السنـة‏.‏ ثـم سـار بنـو حمـدان إلـى واسـط فنـزل ناصـر الدولـة بالمدائن وبعث أخاه سيف الدولة إلى قتال البريدي وقد سار من واسط إليهم فقاتلوه تحت المدائن ومعهم توزون وجحجح والأتراك فانهزموا أولاً‏.‏ ثم أمدهم ناصر الدولة بمن كان معه من المدائن فانهزم البريدي إلى واسط وعاد ناصر الدولة إلى بغداد منتصف ذي الحجة وبين يديه الأسرى من أصحاب البريدي‏.‏ وأقام سيف الدولة بموضع المعركة حتى اندملت جراحه وذهب وهنه‏.‏ ثم سار إلى واسط فلحق البريدي بالبصرة واستولى على واسط فأقام بها معتزماً على أتباع البريدي إلى البصرة واستمد أخاه ناصر الدولة في المال فلم يمده وكان للأتراك عليه استطالة وخصوصاً توزون وحجحـج ثـم جـاء أبو عبد الله الكوفي بالمال من قبل ناصر الدولة ليفرقه في الأتراك فاعترضه توزون وجحجح وأراد البطش به فأخفاه سيف الدولة عنهما ورده إلى أخيه‏.‏ ثم ثار الأتراك بسيف الدولة سلخ شعبان فهرب من معسكره إلى بغداد ونهب سواده وقتل جماعة من أصحابه‏.‏ وكان أبو عبد الله الكوفي لما وصل إلى ناصر الدولة وأخبره خبر أخيه أراد أن يسيـر إلـى الموصل فركب المتقي إليه واستمهله وعاد إلى قصره فأغذ السير إلى الموصل بعـد ثلاثـة عشـر شهـراً مـن إمارتـه‏.‏ وثـار الديلـم والأتراك ونهبوا داره‏.‏ ولما هرب سيف الدولة من معسكره بواسط عاد الأتراك إلى معسكرهم وولوا طورون أميراً وجحجح صاحب جيـش ولحـق سيـف الدولـة ببغداد منتصف رمضان بعد مسير أخيه وبلغه خبر طورون‏.‏ ثم اختلف الأتراك وقبض تورون على جحجح وسمله وسار سيف الدولة ولحق بأخيه بالموصل وولى إمارة الأمراء ببغداد‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:27 PM

خبر عدل التحكمي بالرحبة
كـان عـدل هـذا مولـى تحكـم ثم صار مع ابن رائق وأصعد معه إلى الموصل‏.‏ ولما قتل ابن رائق صـار في جملة ناصر الدولة بن حمدان فبعثه مع علي بن طياب إلى ديار مضر فاستولى ابن طياب عليها وقتل نائب ابن رائق‏.‏ وكان بالرحبة من ديار مضر رجل من قبل ابن رائق يقال مسافـر يـن الحسيـن فامتنـع بهـا وجبـى خراجهـا واستولى على تلك الناحية فأرسل إليه ابن طياب عدلا التحكمي فاستولى عليها وفر مسافر عنها‏.‏ واجتمع التحكمية إلى عدل واستولى على طريـق الفـرات وبعـض الخابـور‏.‏ ثـم استنصـر مسافـر بجمـع من بني نمير وسار إلى قرقيسيا وملكها وارتجعهـا عـدل مـن يـده‏.‏ ثـم اعتـزم عملـه على ملك الخابور وانتشر أهله ببني نمير فأعرض عدل عن ذلك حينا حتى أمنوا ثم أسرى إلى فسيح سمصاب وهي من أعظم قرى خابور فقاتلها ونقـب السور وملكها ثم ملك غيرها‏.‏ وأقام في الخابور ستة أشهر وجبى الأموال وقوي جمعه واتسعت حالـه‏.‏ ثـم طمـع فـي ملـك بنـي حمـدان فسـار يريـد نصيبيـن لغيبـة سيـف الدولـة عـن الموصـل وبلـاد الجزيـرة ونكـب عـن الرحبـة وحـران لـأن يأنـس المؤنسـي كـان بها في عسكر ومعه جمع من بني نمير فحاد عنها إلى رأس عيـن ومنهـا إلـى نصيبيـن وبلـغ الخبـر إلـى أبـي عبـد اللـه الحسيـن يـن سعيـد بـن حمـدان فجمـع وسـار إليـه فلمـا التقـى الجمعـان استأمـن من أصحاب عدل إلى ابن حمدان ولم يبق معه إلا القليل فقبض عليـه وسملـه وبعـث بـه مـع ابنـه إلـى بغـداد فـي آخـر شعبـان سنـة إحـدى وثلاثيـن ومائتين‏.‏

مسير المتقي إلى الموصل وعوده
ولمـا انصرف ناصر الدولة وسيف الدولة من المتقي من بغداد جاء تورون من واسط واستولى علـى الدولـة ثـم رجـع إلـى واسـط ووقعـت بينـه وبيـن ابـن البريـدي بالبصـرة مواصلة وصهر استوحش لها المتقي‏.‏ وكان بعض أصحاب تورون منافراً له فأكثر فيه السعاية عند المتقي والوزير ابن مقلة وخوفهما اتصال يده بابن البريدي‏.‏ وقارن ذلك اتصال ابن شير زاده بتورون ومسيره إليه بواسط فذكروا الخليفه بما فعل ابن البريدي معه في المرة الأخرى وخوفوه عاقبة أمرهم فكتب إلـى ابـن حمـدان أن ينفـذ إليـه عسكـراً يسيـر صحبتـه إليهـم فأنفـذه مـع ابـن عمـه الحسيـن بن سعيد بن حمدان ووصلوا إلى بغداد سنة اثنتين وثلاثين وخرج المتقي معهم بأهله وأعيان دولته ومعه الوزير ابن مقلة وانتهى إلى تكريت فلقيه سيف الدولة هنالك‏.‏ وجـاء ناصـر الدولـة فأصعـد المتقـي إلـى الموصـل‏.‏ ولمـا بلـغ الخبـر إلى تورون سار نحو تكريت فلقيه سيف الدولة عندها فقاتله ثلاثة أيام‏.‏ ثم هزمه تورون ونهب سواده وسواد أخيه‏.‏ وسار سيـف الدولـة إلـى الموصـل وتـورون فـي أتباعـه فخـرج ناصر الدولة والمتقي وجملته إلى نصيبين ثم إلى الرقة ولحقهم سيف الدولة إليها‏.‏ وملك تورون الموصل وبعث إليـه المتقـي يعاتبـه علـى اتصاله بابن البريدي وأنه إنما استوحش من ذلك فإن آثر رضاه واصل ابن حمدان فأجاب تـورون إلـى ذلـك وعقـد الضمـان لناصـر الدولـة علـى مـا بيـده من البلاد لثلاث سنين كل سنة بثلاثة آلاف وستمائة ألف‏.‏ وعاد تورون إلى بغداد وأقام المتقي بالرقة‏.‏ ثم أحس من ابن حمدان ضجرا به وبلغ سيف الدولة أن محمد بن نيال الترجمان أغرى المتقي بسيف الدولة وهو الذي كـان أفسـد بيـن المتقـي وتـورون فقبـض عليـه سيف الدولة وقتله وارتاب المتقي بذلك فكتب إلى تورون يستصلحه‏.‏ وكتب إلى الأخشيد محمد بن طغج صاحب مصر يستقدمه فسار إليه الأخشيـد‏.‏ ولمـا وصـل إلـى حلـب وعليهـا مـن قبـل سيـف الدولة ابن عمهم أبو عبد الله سعيد بن حمدان فرحل عنها وتخلف عنه ابن مقاتل الذي كان بدمشق مع ابن رائق‏.‏ ولـم وصـل الأخشيـد إلـى حلـب لقيـه ابـن مقاتل فأكرمه واستعمله على خراج مصر‏.‏ ثم سار إلى المتقـي بالرقـة فلقيـه منتصـف ثلـاث وثلاثيـن فبالـغ المتقي في إكرامه وبالغ هو في الأدب معه وحمل إليـه الهدايـا والـى وزيـره وحاشيته وسأله المسير إلى مصر أو الشام فأبى فأشار عليه أن لا يرجع إلـى تـورون فأبى‏.‏ وأشار على ابن مقلة أن يسير معه إلى مصر ليحكمه في دولته وخوفه من تورون فلم يعمل وجاءهم رسل تورون في الصلح وأنهم استحلفوه للخليفة والوزير فانحدر المتقـي إلـى بغـداد آخـر المحـرم وعـاد الأخشيد إلى مصر‏.‏ ولما وصل المتقي إلى هيت لقيه تورون فقبـل الـأرض ورأى أنـه تحلل عن يمينه بتلك الطاعة‏.‏ ثم وكل به وسمل المتقي ورجع إلى بغداد فبايـع للمستكفـي‏.‏ ولمـا ارتحل المتقي عن الرقة ولى عليها ناصر الدولة ابن عمه أبا عبد الله بن سعيد بن حمدان وعلى طريق الفرات وديار مضر وقنسرين وجند والعواصم وحمص‏.‏ فلما وصل إلى الرقة طمع أهلها فيه فقاتلهم وظفر بهم ورجع إلى حلب وقد كان ولى على هذه البلاد قبله أبا بكر محمد بن علي بن مقاتل‏.‏

استيلاء سيف الدولة علي حلب وحمص
ولما ارتحل المتقي من الرقة وانصرف الأخشيد إلى الشام بقي يأنس المؤنسي بحلب فقصـده سيـف الدولـة وملكهـا مـن يـده‏.‏ ثـم سـار إلـى حمص فلقيه بها كافور مولى الأخشيد فهزمه سيف الدولـة وسـار إلى دمشق فامتنعوا عليه فرجع‏.‏ وجاء الأخشيد من مصر إلى الشام وسار في أتباع سيف الدولة فاصطفا بقنسرين ثم تحاجزوا ورجع سيف الدولة إلى الجزيرة والأخشيد إلـى دمشـق‏.‏ ثـم سـار سيـف الدولة إلى حلب فملكها وسارت عساكر الروم إليها فقاتلهم وظفر بهـم‏.‏ ثـم بلـغ ناصـر الدولـة بـن حمدان ما فعله تورون من سمل المتقي وبيعة المستكفي فامتنع من حمل المال وهرب إليه غلمان تورون فاستخدمهم ونقض الشـرط فـي ذلـك‏.‏ وخـرج تـورون والمستكفـي قاصديـن الموصـل وتـرددت الرسـل بينهمـا فـي الصلـح فتـم ذلـك آخـر سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ وعاد المستكفي وتورون إلى بغداد فتوفي تورون أثر عوده وولى الأمور بعده ابنه شيرزاده واستعمل على واسط قائداً وعلى تكريت آخر فأما الذي على واسط فكاتب معز الدولة ابن بويه واستقدمه فقدم بغداد واستولى على الدولة فخلع المستكفـي وبايـع للمطيـع‏.‏ وأمـا الفتنة بين ابن حمدان وابن بويه ولما خلع معز الدولة بن بويه المستكفي عند استيلائه على بغداد امتعض ناصر الدولة بن حمدان لذلك وسار من الموصل إلى العراق‏.‏ وبعث معز الدولة بن بويه قواده فالتقى الجمعان بعكبرا واقتتلوا وخرج معز الدولة مع المطيع إلى عكبرا وكان ابن شيرزاده ببغداد وأقام بها ولحـق بناصر الدولة بن حمدان‏.‏ وجاء بعساكره إلى بغداد فنزلوا بالجانب الغربي وناصر الدولة بالجانـب الشرقي ووقع الغلاء في معسكر معز الدولة والخليفة لانقطاع الميرة‏.‏ وبقي عسكر ابن حمـدان فـي رخـاء مـن العيـش لاتصال الميرة من الموصل‏.‏ واستعان ابن شيرزاده بالعامة والعيارين على حرب معز الدولة والديلم وضاق الأمر بمعز الدولة حتى اعتزم على الرجوع إلى الأهواز‏.‏ ثم أمر أصحابه بالعبور من قطربال بأعلى دجلة وتسابق أصحاب ناصر الدولة إلى مدافعتهم ومنعهم وبقي في خف من الناس فأجاز إليه شجعان الديلم من أقرب الأماكن فهزموه وملك معز الدولة الجانب الشرقي وأعاد المطيع إلى داره في محرم سنة خمس وثلاثين‏.‏ ورجع ناصر الدولـة إلـى عكبـرا‏.‏ وأرسـل فـي الصلـح فوقـف الأتـراك التورونيـة الذيـن معـه علـى خبـر رسالتـه فهموا بقتله فأغذ السير إلى الموصل ومعه ابن شيرزاده وأحكم الصلح مع معز الدولة‏.‏ استيلاء سيف الدولة على دمشق وفي سنة خمـس وثلاثيـن وثلاثمائـة توفـي الأخشيـد أبـو بكر محمد بن طغج صاحب مصر والشام فنصب للأمر بعده ابنه أبو القاسم أنوجور واستولى عليه كافور الأسود وخادم أبيه وسار بهما إلى مصر وجاء سيف الدولة إلى دمشق فملكها وارتاب به أهلها فاستدعوا كافـوراً فجاءهـم وخرج سيف الدولة إلى حلب ثم أتبعوه فعبر إلى الجزيرة وأقام أنوجور على حلب‏.‏ ثم اتفقوا واصطلحوا وعاد أنوجور إلى مصر وسيف الدولة إلى حلب وأقام كافور بدمشق قليلاً‏.‏ ثـم عـاد إلـى مصـر واستعمـل علـى دمشـق بـدراً الأخشيـد ويعـرف ببديـر‏.‏ ثـم عزلـه بعـد سنـة وولى أبا المظفر طغج‏.‏

الفتنة بين ناصر الدولة ابن حمدان وبين تكين والأتراك
كان مع ناصر الدولة جماعة من الأتراك أصحاب تورون فروا إليـه كمـا قدمنـا فلمـا وقعـت المراسلة بينه وبين معز الدولة في الصلح ثاروا به وهرب منهم وعبر إلى الجانب الغربي ونزل الموصـل واستجـار القرامطـة فأجـاروه وبعثوا معه إلى مأمنه وفي جملته ابن شيرزاد فقبض ناصر الدولة عليه واجتمع الأتراك بعده فقدموا عليهم تكين الشيرازي وقبضوا على من تخلف من أصحاب ناصر الدولة وأتبعوه إلى الموصل فسار عنها إلى نصيبين ودخل الأتراك الموصـل‏.‏ وبعث ناصر الدولة إلـى معـز الدولـة يستصرخـه فبعـث إليـه بالجيـوش مـع وزيـره أبـي جعفـر الصيمـري‏.‏ وخـرج الأتـراك مـن الموصـل فـي أتبـاع ناصر الدولة إلى نصيبين فمضى إلى سنجار ثم إلـى الحديثـة ثـم إلـى السـن وهـم فـي أتباعـه‏.‏ وبقـي هنالـك العساكـر فقاتلوا الأتراك وهزموهم وسيق قائدهـم تكيـن إلى ناصر الدولة فسلمه لوقته ثم حبسه وسار مع الصيمري إلى الموصل فأعطاه ابن شيرزاد وارتحل به إلى بغداد‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:28 PM

انتفاض جمان بالرحبة ومهلكه
كـان جمـان هـذا مـن أصحـاب تـورون وسـار إلـى ناصـر الدولـة بن حمدان فلما كان في محاربة معز الدولة ببغداد استراب بمن معه من الديلم وجمعهم على جمان هذا وأخرجه إلى الرحبة والياً فعظم أمره‏.‏ وانتقض سنة ست وثلاثين على ناصر الدولة وحدثته نفسه بالتغلب على ديار مضر فسار إلى الرقة وحاصرها سبعة عشر يوما وانهزم عنها‏.‏ ووثب أهل الرحبة بأصحابه وعماله فقتلوهم لسوء سيرتهم‏.‏ وجاء من الرقة فأثخن فيهم وبعث ناصر الدولة بن حمدان حاجبـه بـاروخ مع عسكر فاقتتلوا على الفرات وانهزم جمان فغرق في الفرات واستأمن أصحابه إلى باروخ فأمنهم ورجع إلى ناصر الدولة‏.‏ فتنة ناصر الدولة مع معز الدولة ثم وقعت الفتنة بين ناصر الدولة بن حمدان ومعز الدولة بن بويه وسار إليه معز الدولة من بغداد سنة سبع وثلاثين فسار هو من الموصل إلى نصيبين وملك معز الدولة الموصل فظلم الرعايا وأخذ أموالهم وأجمع الاستيلاء على بلاد ابن حمدان كلها فجاءه الخبـر بـأن عساكـر خراسان قصدت جرجان والري‏.‏ وبعث أخوه ركن الدولة يستمده فصالح ناصر الدولة عن الموصل والجزيرة والشام على ثمانية آلاف ألف درهم كل سنة وعلى أن يخطب له ولأخويـه عماد الدولة لركن الدولة وعاد إلى بغداد في ذي الحجة آخر سبع وثلاثين‏.‏

غزوات سيف الدولة
كـان أمـر الثغـور راجعـاً إلـى سيـف الدولـة بـن حمـدان ووقـع الفـداء سنـة خمـس وثلاثيـن في ألفين من الأسـرى علـى يـد نصـر النملـي ودخل الروم سنة اثنتين وثلاثين مدينة واسرغين ونهبوها وسبوها وأقاموا بها ثلاثاً وهـم فـي ثمانيـن ألفـاً مـع الدمستـق‏.‏ ثـم سـار سيـف الدولـة سنـة سبـع وثلاثيـن غازيـاً إلى بلاد الروم فقاتلوه وهزموه‏.‏ ونزل الروم على مرعش فأخذوها وأوقعوا بأهل طرسوس‏.‏ ثم دخـل سنـة ثمـان وثلاثيـن وتوغـل فـي بلـاد الـروم وفتح حصوناً كثيرة وغنم وسبا‏.‏ ولما قفل أخذت الـروم عليـه المضايـق وأثخنـوا فـي المسلميـن قتـلا وأسـراً واستـردوا مـا غنمـوه‏.‏ ونجـا سيـف الدولة في فل قليل‏.‏ ثم ملك الروم سنة إحدى وأربعين مدينة سروج واستباحوها‏.‏ ثـم دخـل سيـف الدولـة سنـة ثلـاث وأربعين إلى بلاد الروم فأثخن فيها وغنم وقتل قسطنطين بن الدمستق فيمن قتل فجمع الدمشق عساكر الروم والروس وبلغار وقصـد الثغـور فسـار إليـه سيف الدولة بن حمدان والتقوا عند الحارث فانهزم الروم واستباحهم المسلمون قتلا وأسراً وأسر صهر الدمستق وبعض أسباطه وكثير من بطارقته ورجع سيف الدولة بالظفر والغنيمة ثـم دخـل بلاد الروم النصرانية ثم رجع إلى أذنة وأقام بها حتى جاءه نائبه على طرسوس فخلع عليه وعاد إلى حلب‏.‏ وامتعض الروم لذلك فرجعوا إلى بلادهم‏.‏ ثـم غـزا الـروم طرسوس والرها وعاثوا في نواحيها سبياً وأسراً ورجعوا‏.‏ ثم غزا سيف الدولة بلـاد الـروم سنـة ست وأربعين وأثخن فيها وفتح عدة حصون وامتلأت أيدي عسكره من الغنائم والسبي وانتهى إلى أسروشنة ورجع وقد أخذت الروم عليه المضايق فقال له أهل طرسوس‏:‏ ارجع معنا فإن الدروب التي دخلت منها قد ملكها الروم عليك فلم يرجع إليهم وكان معجباً برأيـه فظهـر الـروم عليـه فـي الـدرب واستـردوا مـا أخـذوا منهـم ونجـا فـي فـل قليل يناهزون الثلاثمائة‏.‏ ثم دخل سنة خمسين قائد من موالي سيف الدولة إلى بلاد الروم من ناحية ميافارقين فغنم وسبا وخرج سالماً‏.‏

الفتنة بين ناصر الدولة ومعز الدولة بن بويه
قد تقدم لنا ما وقع من الصلح بين ناصر الدولة وبين معز الدولة بن بويه وطالبه في المال فانتقض‏.‏ وسار إليه معز الدولة إلى الموصل منتصف السنة وملكها وفارقها ناصر الدولة إلى نصيبين وحمل نوابه ومن يعرف وجوه المال وحمايته وأنزلهم في قلاعه مثل الزعفراني وكواشي ودس إلى العرب بقطع الميرة عن عسكر معز الدولة فضاقت عليهم الأقوات فرحل معز الدولة إلى نصيبين لما بها من الغرت السلطانية واستخلف سبكتكين الحاجب الكبير على الموصل‏.‏ وبلغه في طريقه أن أبا الرجاء وعبد الله ابني ناصر الدولة مقيمان بسنجار فقصدهما فهربا وخلفا أثقالهما وانتهب العسكر خيامهما‏.‏ ثم عادا إلى معسكر معز الدولة وهم غازون فنالوا منهـم ورجعـوا إلـى سنجار‏.‏ وسار معز الدولة إلى نصيبين ففارقها ناصر الدولة إلى ميافارقين واستأمن كثير من أصحابه إلى معز الدولة فسار ناصر الدولة إلى أخيه سيف الدولة بحلب فقام بخدمته وباشرها بنفسه‏.‏ وأرسل إلى معز الدولة في الصلح بينه وبين أخيه فامتنع معز الدولـة مـن قبـول ناصـر الدولـة لانتقاضـه وإخلافـه فضمن سيف الدولة البلاد بألفي ألف وتسعمائـة ألـف درهـم وأطلـق معـز الدولـة أسـرى أصحابهـم‏.‏ وتـم ذلـك فـي محـرم سنة ثمان وأربعين ورجع معز الدولة إلى العراق وناصر الدولة إلى الموصل‏.‏

استيلاء الروم على عين زربة
ثم علي مدينة حلب وفـي المحـرم مـن سنـة إحـدى وخمسين نزل الدمستق في جموع الروم على عين زربة وملك الجبل المطل عليها وضيق عليها حصارها ونصب عليها المنجنيقات‏.‏ وشرع في النقب فاستأمنوا ودخل المدينة‏.‏ ثم ندم على تأمينهم لما رأى من اختلال أحوالهم فنادى فيهم أن يخرجوا بجميع أهاليهـم إلـى المسجـد فمـات منهـم فـي الأبـواب بكـض الزحـام خلـق ومات آخرون في الطرقات وقتل مـن وجـدوا آخـر النهـار‏.‏ واستولـى الروم على أموالهم وأمتعتهم وهدموا سور المدينة وفتحوا في نواحي عين زربة أربعة وخمسين حصناً ورحل الدمستق بعد عشرين يوماً بنية العود وخلف بجيشـه بقيساريـة‏.‏ وكـان ابـن الزيـات صاحب طرسوس قد قطع الخطبة لسيف الدولة بن حمدان واعترضه الدمستق في بعض مذاهبه فأوقع به وقتل أخاه وأعاد أهل البلد الخطبة لسيف الدولة وألقى ابن الزيات نفسه في النهر فغرق‏.‏ ثـم رجـع الدمستـق إلـى الثغـور وأغـذ السيـر إلـى مدينـة حلـب وأعجـل سيـف الدولـة عـن الاحتشاد فقاتله في خف من أصحابه فانهزم سيف الدولـة واستلحـم آل حمـدان واستولـى الدمستق على ما في داره خارج حلب من خزائن الأموال والسلاح‏.‏ وخرب الـدار وحصـر المدينة وأحس أهل حلب مدافعته فتأخر إلى جبل حيوش‏.‏ ثم انطلقت أيدي الدعار بالبلد على النهـب وقاتلهـم النـاس علـى متاعهـم وخربـت الأسـوار لخلوهـا مـن الحاميـة فجـاء الـروم ودخلوهـا عليهـم‏.‏ وبـادر الأسـرى الذيـن كانـوا فـي حلب وأثخنوا في الناس وسبي من البلد بضعة عشر ألفاً ما بين صبي وصبية‏.‏ واحتمل الروم ما قدروا عليه وأحرقوا الباقي‏.‏ ولجأ المسلمون إلى قصبة البلد فامتنعوا بها وتقدم ابن أخت الملك إلى القلعة يحاصرهـا فرمـي بحجـر منجنيـق فمـات‏.‏ وقتـل الدمستـق بـه مـن كان معه من أسرى المسلمين وكانوا ألفاً ومائتين‏.‏ وارتحل الدمستق عنهم ولم يعرض لسواد حلب‏.‏ وأمرهم بالعمارة على أنه يعود ابن عمه عن قريـب فخيـب اللـه ظنـه‏.‏ وأعـاد سيـف الدولـة عين زربة وأصلح أسوارها وغزا حاجبه مع أهل طرسـوس إلـى بلـاد الـروم فأثخنوا فيها ورجعوا فجاء الروم إلى حصن سبة فملكوه وملكوا أيضاً حصـن دلوكـة وثلاثـة حصـون مجـاورة لهـم‏.‏ ثـم سـار نجـا غلـام سيف الدولة إلى حصن زياد فلقيهم جمـع مـن الـروم فانهـزم الـروم وأسـر منهـم خمسمائة رجل‏.‏ وفي السنة أسر أبو فراس بن سعيد بن حمدان وكان عاملا على منبج‏.‏ وفيها سار جيش من الروم في البحر إلى جزيرة اقريطش وبعـث إليهـم المعـز بالمـدد فأسـر الـروم وانهـزم مـن بقـي منهـم‏.‏ ثـم ثـار الـروم فـي اثنتيـن وخمسيـن بعدهـا بملكهم فقتلوه وملكوا غيره وصار ابن السميسرة دمستقاً‏.‏

انتقاض أهل حران
كان سيف الدولة قد ولى هبة الله ابن أخيه ناصر الدولة غيرها من ديار مضر فساء أثره فيهم وطرح الأمتعة على التجار وبالغ في الظلم فانتظروا به غيبته عند عمه سيف الدولة وثاروا بعماله ونوابه فطردوهم فسار هبة الله إليهم وحاصرهم شهريـن وأفحـش فـي القتـل فيهم‏.‏ ثم سار سيف الدولة فراجعوا الطاعة وداخلوا هبة الله وأفحش في القتل واستقاموا‏.‏

انتقاض هبة الله
وفي هذه السنة بعث سيف الدولة الصوائف إلى بلاد الروم فدخل أهل طرسوس من درب ومولاه نجا من درب وأقام هو ببعض الدروب لأنه كان أصابه الفالج قبل ذلك بسنتين فكان يعاني منه شدة إذا عاوده وجعه‏.‏ توغل أهله طرسوس في غزوتهم وبلغوا قونية عادوا فعاد سيـف الدولـة إلـى حلـب واشتد وجعه فأرجف الناس بموته فوثب هبة الله ابن أخيه وقتل ابن دنجـا النصرانـي مـن غلمـان سيـف الدولة‏.‏ ولما تيقن حياة عمه رحل إلى حران وامتنع بها وبعث سيـف الدولـة غلامـه فجـاء إلـى حـران فـي طلبـه فلحـق هبـة اللـه بأبيـه بالموصـل ونـزل نجـا علـى حران آخر شوال من سنة اثنتين وخمسين وصادر أهلها على ألف ألف درهم وأخذها منهم في خمسة أيام بالضرب والنكال وباعوا فيها ذخائرهم حتى أملقوا وصاروا إلى ميافارقين ونزلها شاغرة فتسلط العيارون على أهلها‏.‏ ولما فعل نجا بأهل حران ما فعل واستولى على أموالهم فقوي بها وبطر وسار إلى ميافارقين وقصـد بلـاد أرمينيـة‏.‏ وكـان قـد استولـى علـى أكثرهـا رجـل فـي العـراق يعـرف بأبـي الـورد فغلبـه نجا علـى ما ملك منها وأخذ قلاعه وبلاده فملك خلاط وملاذكرد وأخذ كثيراً من أموال أبي الورد وقتلـه ثـم انتقـض علـى سيـف الدولـة‏.‏ واتفـق أن معـز الدولـة ابـن بويـه استولـى على الموصل ونصيبين فكاتبه نجا يعده المساعدة على بني حمدان‏.‏ ثم صالحه ناصر الدولة ورجع إلى بغداد فسار سيـف الدولـة إلـى نجا فهرب منه بين يديه واستولى على جميع البلاد التي ملكها من أبي الورد واستأمـن إليـه نجـا وأخـوه وأصحابـه فأمنهـم وأعـاد نجـا إلـى مرتبتـه‏.‏ ثـم وثـب عليـه غلمانه وقتلوه في داره بميافارقين في ربيع سنة ثلاث وخمسين‏.‏

مسير معز الدولة إلى الموصل وحروبه مع ناصر الدولة
كان الصلح قد استقر بين ناصر الدولة ومعز الدولة على ألف ألف درهم في كل سنة‏.‏ ثم طلـب ناصـر الدولـة دخـول ولـده أبـي ثعلـب المظفـر فـي اليمن على زيادة بذلها وامتنع سيف الدولة من ذلك وسار إلى الموصل منتصف سنة ثلاث وخمسين‏.‏ ولحق ناصر الدولة بنصيبين وملك معـز الدولـة الموصـل وسـار عنهـا فـي أتبـاع ناصـر الدولـة بعد أن استخلف على الموصل في الجباية والحرب فلم يثبت ناصر الدولة وفارق نصيبين وملكها معز الدولة‏.‏ وخالفه أبو ثعلـب إلـى الموصل وعاث في نواحيها وهزمه قواد معز الدولة بالموصل فسكنت نفس معز الدولة‏.‏ وأقام ببرقعيد يترقب أخباره وخالف ناصر الدولة إلى الموصل فأوقع بأصحابه وقتلهم وأسر قواده واستولى على مخلفه من المال والسلاح‏.‏ وحمل ذلك كله إلي قلعة كواشي‏.‏ وبلغ الخبر إلى معز الدولـة فلحـق بالنـواب وأعيـا معـز الدولـة أمرهـم‏.‏ ثم أرسلوا إليه في الصلح فأجاب وعقد لناصر الدولة على الموصل وديار ربيعة وجميع أعماله بمقرها المعلوم وعلى أن يطلق الأسـرى الذيـن عنده من أصحاب معز الدولة إلى بغداد‏.‏

حصار المصيصة وطرسوس واستيلاء الروم عليها
وفي سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة خرج الدمستق في جموع الـروم فنـازل المصيصـة وشـدد حصارها وأحرق رساتيقها وبلغ إلى نقب السور فدافعه أهلها أشد مدافعتهم‏.‏ ثم رحل إلى أذنة وطرسوس وطال عيشه في نواحيها وأكثر القتل في المسلمين وغلت الأسعار في البلاد وقلت الأقوات‏.‏ وعاود سيف الدولة مرض فمنعه من النهوض إليهم وجاء من خراسان خمسة آلاف رجل غزاة فبلغوا إلى سيف الدولة فارتحل بسببهم للمدافعة فوجد الروم انصرفوا ففرق هؤلاء الغزاة في الثغور من أجل الغلاء وكان الروم قد انصرفوا بعد خمسة عشر يوماً‏.‏ وبعث الدمستق إلى أهل المصيصة وأذنة وطرسوس يتهددهم بالعود ويأمرهم بالرحيل من البلاد‏.‏ ثـم عـاد إليهـم وحاصـر طرسـوس فقاتلهـم أشـد قتـال وأسـروا بطريقـاً مـن بطارقتـه وسقط الدمستـق إلى أهل المصيصة ورجعوا إلى بلادهم‏.‏ ثم سار يعفور ملك الروم من القسطنطينية سنة أربع وخمسين إلى الثغور وبنى بقيسارية مدينة ونزلها وجهز عليها العساكر وبعث أهل المصيصة وطرسوس في الصلح فامتنع وسار بنفسه إلى المصيصة فدخلها عنوة واستباحها ونقـل أهلهـا إلـى بلـاد الـروم وكانـوا نحـواً مـن مائتـي ألـف‏.‏ ثـم سار إلى طرطوس واستنزل أهلها على الأمان وعلى أن يحملوا من أموالهم وسلاحهم ما قدروا عليه وبعث معهم حامية مـن الـروم يبلغونهـم أنطاكيـة وأخـذ فـي عمـارة طرسـوس وتحصينهـا وجلـب الميـرة إليهـا‏.‏ ثـم عاد إلى القسطنطينية وأراد الدمشق بن شمسيق أن يقصد سيف الدولة في ميافارقين ومنعه الملك من ذلك‏.‏

انتقاض أهل أنطاكية وحمص
ولمـا استولـى الـروم علـى طرطـوس لحـق الرشيـق النعيمـي مـن قوادهـم وأولـي الرأي فيهم بإنطاكية في عدد وقوة فاتصل به ابن أبي الاهوازي من الجباة بإنطاكية وحسن له العصيان وأراه أن سيف الدولـة بميافارقيـن عاجـز عـن العـود إلـى الشام بما هو فيه من الزمانة وأعانه بما كان عنده من مال الجبـاة فأجمـع رشيـق الانتقـاض وملـك أنطاكيـة وسـار إلـى حلـب وبهـا عرقوبـة وجـاء الخبر إلى سيف الدولة بأن رشيقاً أجمع الإنتقاض ونجا ابن الأهوازي إلى أنطاكية فأقام في إمارتها رجلا من الديلم اسمه وزير ولقبه الأمير وأوهم أنه علوي وتسمى هو بالأشاد وأساء السيرة في أهل أنطاكية وقصدهم عرقوبة من حلب فهزموه‏.‏ ثم جاء سيف الدولة من ميافارقين إلى حلب وخرج إلى أنطاكية وقاتل وزيراً وابن الأهوازي أياما‏.‏ وجيء بهمـا إليـه أسيريـن فقتـل وزيـراً وحبـس ابـن الأهـوازي أيامـاً وقتلـه وصلـح أمـر أنطاكية‏.‏ ثم ثار بحمص مروان القرمطي كان من متابعة القرامطة وكان يتقلد السواحل لسيف الدولـة فلمـا تمكـن ثـار بحمـص فملكهـا وملـك غيرهـا في غيبة سيف الدولة بميافيارقين وبعث إليه عرقوبـة مولاه بدراً بالعساكر فكانت بينهما عدة حروب أصيب فيها مروان بسهم فأثبت وبقي أيامـاً يجـود بنفسـه والقتـال بيـن أصحابـه وبيـن بدر وأسر بدر في بعض تلك الحروب فقتله مروان وعاش بعده أياماً ثم مات وصلح أمرهم‏.‏

خروج الروم إلى الثغور واستيلاؤهم على دارا
وفي سنة خمس وخمسين خرجت جموع الروم إلى الثغور فحاصروا آمد ونالوا من أهلها قتلا وأسراً فامتنعت عليهم فانصرفوا إلى دارا قريباً من ميافارقين فأخذوهـا وهـرب النـاس إلـى نصيبيـن وسيـف الدولـة يومئـذ بها فهم بالهروب وبعث عن العرب ليخرج معهم ثم انصرف الروم وأقام هو بمكانه وساروا إلى أنطاكية فحاصروها مدة وعاثوا في جهاتها فامتنعت فعاد الروم إلى طرسوس‏.‏

وفاة سيف الدولة ومحبس أخيه ناصر الدولة
وفـي صفـر مـن سنـة خمـس وخمسيـن توفـي سيـف الدولـة أبـو الحسـن علـي بـن أبـي الهيجـاء عبـد الله بن حمـدان بحلـب وحمـل إلـى ميافارقيـن فدفـن بهـا وولـي مكانـه بعـده ابنـه أبـو المعالـي شريـف‏.‏ ثـم فـي جمادى الأولى منها حبس ناصر الدولة أخوه بقلعة الموصل حبسه ابنه أبو ثعلب فضل الله الغضنفر‏.‏ وكان كبير ولده وكان سبب ذلك أنه كبر وساءت أخلاقه وخالف أولاده وأصحابه فـي المصالح وضيق عليهم فضجروا منه ولما بلغهم معز الدولة بن بويه اعتزم أولاده على قصد العراق فنهاهم ناصر الدولة وقال لهم‏:‏ اصبروا حتى ينفق بختيار ما خلف أبوه معز الدولة من الذخيـرة فتظفـروا بـه وإلا استظهـر عليكـم وظفر بكم فلجوا في ذلك ووثب به أبو ثعلب بموافقة البطانة وحبسه بالقلعة ووكل بخدمته‏.‏ وخالفه بعض إخوته في ذلك واضطرب أمره واضطر إلى مداراة بختيار بن معز الدولة وأرسل له في تجديد الضمان ليحتج به على إخوته فضمنه بألفي ألف درهم في كل سنة‏.‏ ولما مات سيف الدولة كما ذكرناه ولي بعده ابنه أبو المعالي شريف وكان سيف الدولة قد ولـى أبـا فـراس بـن أبـي العـلاء سعـد بـن حمـدان عندمـا خلصـه مـن الأسـر الـذي أسـره الـروم في منبج فاستفداه في الفداء الذي بينه وبين الروم سنة خمس وخمسين وولاه على حمص‏.‏ فلما مات سيـف الدولـة استوحـش مـن أبـي المعالـي بعـده ففـارق حمـص ونـزل فـي صدد قرية في طرف البرية قريبـاً مـن حمص فجمع أبو المعالي الأعراب من بني كلاب وغيرهم وبعثهم مع عرقوبة في طلبه فجاء إلى صدد واستأمن له أصحاب أبي فراس وكان في جملتهم فأمر به عرقوبـة فقتـل واحتمل رأسه إلى أبي المعالي وكان أبو فراس خاله‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:30 PM

أخبار أبي ثعلب مع إخوته بالموصل
كان لناصر الدولة بن حمدان زوجة تسمى فاطمة بنت أحمد الكردية وهـي أم أبـي ثعلـب وهي التي دبرت مع ابنها أبي ثعلب على أبيه فلما حبس ناصر الدولة كاتب ابنه حمدان يستدعيـه ليخلصـه ممـا هـو فيـه‏.‏ وظفـر أبـو ثعلـب بالكتـاب فنقـل أباه إلى قلعة كواشي واتصل ذلك بحمـدان وكـان قـد سـار عنـد وفـاة عمـه سيـف الدولـة مـن الرحبة إلى الرقة فملكها‏.‏ ولما اتصل به شـأن الكتـاب سـار إلـى نصيبيـن وجمع الجموع وبعث إلى إخوته في الإفراج عن أبيهم فسار أبو ثعلب لحربه وانهزم حمدان قبل اللقاء للرقة فحاصره أبو ثعلب أشهراً‏.‏ ثم اصطلحا وعاد كل منهمـا إلـى مكانـه‏.‏ ثـم مـات ناصـر الدولـة فـي محبسـه سنـة ثمـان وخمسيـن ودفـن بالموصـل‏.‏ وبعث أبو ثعلب أخاه أبا البركات إلى حمدان بالرحبة فافتـرق عنـه أصحابـه وقصـد العـراق مستجيـرا ببختيار فدخل بغداد في شهر رمضان من سنته وحمل إليه الهدايا‏.‏ وبعـث بختيـار إلـى أبـي ثعلـب النقيـب أبـا أحمد والد الشريف الرضي في الصلح مع أخيه حمدان فصالحه وعاد إلى الرحبة منتصف سنة تسع وخمسين‏.‏ وفارقه أبو البركات ثم استقدمه أبو ثعلب فامتنع من القدوم عليه فبعث إليه أخاه أبا البركات ثانياً في العساكر فخرج حمدان إلى البرية وترك الرحبة فملكها أبو البركات واستعمل عليها‏.‏ وسار إلى الرقـة ثـم إلـى عرابـان‏.‏ وخالفـه حمـدان إلـى الرحبة فكبسها وقتل أصحاب أبي ثعلب بها فرجع إليه أبو البركات وتقاتلا فضرب أبا البركات على رأسه فشجه ثم ألقاه إلى الأرض وأسره ومات من يومه‏.‏ وحمل إلى الموصل فدفن بها عند أبيه‏.‏ وجهز أبو ثعلب إلى حمدان وقدم أخاه أبا فراس محمداً إلى نصيبين ثم عزله عنها لأنه داخل حمدان ومالأه عليه فاستدعاه وقبض عليه وحبسه بقلعة ملاشي من بلاد الموصل فاستوحش أخواه إبراهيم والحسن ولحقا بأخيهما حمدان في شهر رمضان وساروا جميعاً إلى سنجار‏.‏ وسار أبو ثعلب من الموصل في أثرهم في شهر رمضان ستين وثلاثمائة فخاموا عن لقائه واستأمن إليه أخواه إبراهيم والحسن خديعة ومكراً فأمنهما ولم يعلم وتبعهما كثير من أصحاب حمـدان‏.‏ وعـاد حمـدان مـن سنجـار إلـى عرابـان وأطلـع أبـو ثعلـب علـى خديعـة أخويـه فهربـا منـه‏.‏ ثم استأمن الحسن ورجع إليه وكان حمدان أقام نائباً بالرحبة غلامه نجا فاستولـى علـى أموالـه وهـرب بهـا إلـي حـران وبهـا سلامـة البرقعيـدي مـن قبـل أبـي ثعلـب فرجـع حمـدان إلـى الرحبة‏.‏ وسار أبو ثعلب إلى قرقيسيا وبعث العساكر إلى الرحبة فعبروا الفرات واستولوا عليها ونجا حمدان بنفسه ولحـق بسنجـار مستجيـراً بـه ومعـه أخـوه إبراهيـم فأكرمهمـا ووصلهمـا وأقامـا عنـده‏.‏ ورجع أبو ثعلب إلى الموصل وذلك كله آخر سنة ستين وثلاثمائة‏.‏

خروج الروم إلي الجزيرة والشام
وفي سنة خمـس وثمانيـن دخـل ملـك الـروم الشـام فسـار فـي نواحيها ولم يجد من يدافعه فعاث في نواحي طرابلس وكان أهلها قد أخرجوا عاملهم إلى عرقة لسوء سيرته فنهب الروم أمواله ثم حاصر الروم عرقة فملكوها ونهبوها‏.‏ ثم قصدوا حمـص وقـد انتقـل أهلهـا عنهـا فأحرقوهـا ورجعوا إلى بلاد السواحل وملكوا منها ثمانية عشر بلدا واستباحوا عامة القرى وساروا في جميـع نواحـي الشـام ولا مدافـع لهم إلا أن بعض العرب كانوا يغيرون على أطرافهم‏.‏ ثم رجع ملك الروم مجمعاً حصار حلب وأنطاكية وبلغه استعدادهم فرحل عنهم إلى بلاده ومعه من السبي مائة ألف رأس‏.‏ وكان بحلب قرعويه مولى سيف الدولة فمانعهم وبعث ملك الروم سراياه إلى الجزيرة فبلغوا كفرتوثا وعاثوا في نواحيها ولم يكن من أبي ثعلب مدافعة لهم‏.‏ استبداد قرعويه بحلب كـان قرعويـه غلـام سيـف الدولـة وهـو الـذي أخـذ البيعة لابنه أبي المعالي بعد موته فلما كان سنة ثمان وخمسين انتقض على أبي المعالي وأخرجه من حلب واستبد بملكها‏.‏وسار أبو المعالي إلى حران فمنعه أهلها فسار إلى والدته بميافارقين وهي بنت سعيد بن حمدان أخت أبي فـراس‏.‏ ولحـق أصحابـه بأبـي ثعلب وبلغ أمه بميافارقين وهي بنت سعيد بن حمدان أخت أبي فراس أنه يريد القبض عليها فمنعته أياماً من الدخول حتى استوثقت لنفسها وأذنت له ولمن رضيته وأطلقت لهم الأرزاق ومنعت الباقين وسار أبو المعالي لقتـال قرعويـه بحلـب فامتنـع عليـه ثـم لحـق أبـو المعالـي بحمـاة وأقـام بها وبقيت الخطبة بحران له ولا والي عليهم من قبله فقدموا عليهم من يحكم بينهم‏.‏

مسير أبي ثعلب من الموصل إلى ميافارقين
ولمـا سمـع أبـو ثعلـب بخـروج أبـي المعالـي مـن ميافارقين إلى حلب لقتال قرعويه سار إليها وامتنعت زوجـة سيـف الدولـة منـه واستقـر الأمـر بينهمـا علـى أن تحمـل إليـه مائتي ألف درهم‏.‏ ثم نمي إليها أنه يحاول على ملك البلد فكبسته ليلا ونالت من معسكره فبعث إليها يلاطفها فأعادت إليه بعض ما نهب وحملت إليه مائة ألف درهم وأطلقت الأسارى فرجع عنها‏.‏

استيلاء الروم على أنطاكية ثم حلب وثم ملاذكرد
وفي سنة تسع وخمسين خرج الروم إلى أنطاكية فمـروا بحصـن الوفـاء بقربهـا وهـم نصـارى فحاصروهم واتفقوا على أن يرحلوا إلى أنطاكية فإذا نزل الروم عليها ثاروا من داخل‏.‏ وانتقـل أهـل الوفـاء ونزلـوا بجبل أنطاكية‏.‏ وجاء بعد شهرين أخو تقفور ملك الروم في أربعين ألفاً من جموع الروم ونازل أنطاكية فأخلى له أهل الوفاء السور من ناحيتهم وملكوا البلد وسبوا منهـا عشريـن ألفـاً‏.‏ ثـم أنفـذ ملـك الـروم جيشـاً كثيفاً إلى حلب وأبو المعالي بن سيف الدولة عليها يحاصرها ففارقها أبو المعالي وقصد البرية وملك الروم حلـب‏.‏ وتحصـن قرعويـه وأهـل البلـد بالقلعة فحاصروها مدة‏.‏ ثم ضربوا الهدنة بينهم على مال يحمله قرعويه وعلى أن الروم إذا أرادوا الميرة من قرى الفرات لا يمنعونهم منها‏.‏ ودخل في هذه الهدنة حمص وكفرطاب والمعرة وأفامية وشيزر وما بين ذلك من الحصون والقرى وأعطاهم رهنهم على ذلك الروم‏.‏ وأفرج الـروم عـن حلب‏.‏ وكان ملك الروم قد بعث جيشا إلى ملاذكرد من أعمال أرمينية فحاصروها وفتحوها عنوة‏.‏ ورعب أهل الثغور منهم في كل ناحية‏.‏ كان نقفور ملكاً بالقسطنطينية وهي البلاد التي بيد بني عثمان لهذا العهد وكان من يليها يسمى الدمشق‏.‏ وكان نقفور هذا شديداً على المسلمين وهو الذي أخذ حلب أيام سيف الدولة وملك طرسوس والمسينة وعين زربه‏.‏ وكان قتل الملك قبله وتزوج امرأته وكان له منها ابنـان فكفلهما نقفور وكان كثيرا ما يطرق بلاد المسلمين ويدوخها في ثغور الشام والجزيرة حتى هابه المسلمون وخافوه على بلادهم‏.‏ ثم أراد أن يجب ربيبيه ليقطع نسلهما ففرقت أمهما من ذلك وأرسلت إلى الدمشق بن الشميشق وداخلته في قتله‏.‏ وكان شديد الخوف من نقفور‏.‏ وهـذا كـان أبـوه مسلمـاً مـن أهـل طرسـوس يعرف باين العفاش تنصر ولحق بالقسطنطينية‏.‏ ولم يزل يترقـى فـي الأطـوار إلى أن نال من الملك ما ناله‏.‏ وهذه غلطة ينبغي للعقلاء أن يتنزهوا عنها ولا ينـال الملـك من كان عريقاً في السوقة وفقيداً للعصابة بالكلية وبعيداً عن نسب أهل الدولة فقد تقدم من ذلك في مقدمه الكتاب ما فيه كفاية‏.‏

استيلاء أبي ثعلب على حران
وفـي منتصـف سنـة تسـع وخمسيـن سار أبو ثعلب إلى حران وحاصرها نحواً من شهر ثم جنح أهلهـا إلـى مصالحتـه واضطربـوا فـي ذلك ثم توافقوا عليه وخرجوا إلى أبي ثعلب وأعطوه الطاعة ودخل في إخوانه وأصحابه فصلى الجمعـة ورجـع إلـى معسكـره‏.‏ واستعمـل عليهـم سلامـة البرقعيدي وكان من أكابر أصحاب بني حمدان‏.‏ وبلغه الخبر بأن نميراً عاثوا في بلاد الموصل وقتلوا العامل ببرقعيد فأسرع العود‏.‏

مصالحة قرعويه لأبي المعالي
قد تقدم لنا استبداد قرعويه بحلب سنة ثمان وخمسين وخروج أبي المعالى بن سيف الدولة منهـا وأنـه لحـق بأمـه بميافارقيـن‏.‏ ثـم رجـع لحصـار قرعويـه بحلب ثم رجع إلى حلب ونزل بها‏.‏ ثم وقع الإتفاق بينه وبين قرعويه على أن يخطب له بحلب ويخطبان جميعاً للمعز العلوي صاحب مصر‏.‏

مسير الروم إلى بلاد الجزيرة
وفي سنة إحـدى وستيـن سـار الدمستـق فـي جمـوع الـروم إلـى الجزيـرة فأغار على الرها ونواحيها‏.‏ ثـم تنقـل فـي نواحـي الجزيـرة ثـم بلـغ نصيبيـن واستباحهـا ودوخهـا‏.‏ ثـم سـار فـي ديـار بكر ففعل فيها مثـل ذلـك‏.‏ ولـم يكـن لأبـي ثعلـب فـي مدافعتهـم أكثـر مـن حمـل المـال إليهـم وسـار جماعـة مـن أهل تلك البلاد إلى بغداد مستنفرين وجلسوا إلى الناس في المساجد والمشاهد يصفون ما جرى على المسلمين وخوفوهم عاقبة أمرهم فتقدمهم أهل بغداد إلى دار الطائع الخليفـة وأرادوا الهجـوم عليـه فأغلقـت دونهـم الأبواب فأعلنوا بشتمه ولحق آخرون من أهل بغداد ببختيار وهو بنواحي الكوفة يستغيثونه من الروم فوعدهم بالجهاد وأرسل إلى الحاجب سبكتكين يأمـره بالتجهيـز للغزو وأن يستنفر العامة‏.‏ وكتب إلى أبي ثعلب بن حمدان بإعداد الميرة والعلوفات والتجهيز وأنه عـازم علـى الغـزو‏.‏ ووقعـت بسبـب ذلـك فتنـة فـي بغـداد مـن قبـل اشتغـال العافـة بذلـك أدت إلـى القتل والنهب بين عصائب الفتيان والعيارين‏.‏

أسر الدمستق وموته
ولما فعل الدمستق في ديار مضر والجزيرة ما فعل قوي طمعه في فتح آمد فسار إليـه أبـو ثعلـب وقدم أخاه أبا القاسم هبة الله واجتمعا على حرب الدمستق ولقياه في رمضان سنة اثنتين وستين‏.‏ وكانت الجولة في مضيق لا تتحرك فيه الخيل وكان الروم على غير أهبة فانهزمـوا‏.‏ وأخـذ الدمستـق أسيـراً فلـم يـزل محبوسـاً عنـد أبـي ثعلـب إلـى أن مـرض سنـة ثلاث وستين وبالغ في علاجه وجمع له الأطباء فلم ينتفع بذلك ومات‏.‏

استيلاء بختيار بن معز الدولة على الموصل وما كان بينه وبين أبي ثعلب
قـد تقـدم لنـا مـا كـان بيـن أبـي ثعلـب وأخويـه حمدان وإبراهيم من الحروب وأنهما سارا إلى بختيار بن معز الدولة صريخين فوعدهما بالنصرة وشغل عن ذلك بما كان فيه فأبطأ عليهمـا أمـره وهـرب إبراهيـم ورجـع إلـى أخيـه أبـي ثعلـب فتحرك عزم بختيار على قصد الموصل وأغراه وزيره ابن بقية لتقصيره في خطابه فسار ووصل إلى الموصل في ربيع سنة ثلاث وستين ولحق أبو ثعلب بسنجار وأخلى الموصل من الميرة ومن الدواوين‏.‏ وخالف بختيار إلى بغداد ولم يحدث فيهـا حدثـاً مـن نهـب ولا غيـره وإنمـا قاتـل أهـل بغـداد فحدثـت فيهـا الفتنة بسبب ذلك بين عامتها‏.‏ واضطـرب أمرهـم وخصوصـاً الجانـب الغربـي‏.‏ وسمع بختيار بذلك فبعث في أثره وزيره ابن بقية وسبكتكيـن فدخـل ابـن بقية بغداد وأقام سبكتكين في الضاحية‏.‏ وتأخر أبو ثعلب عن بغداد وحاربه يسيراً‏.‏ ثم داخله فـي الانتقـاض واستيـلاء سبكتكيـن علـى الأمـر‏.‏ ثـم أقصـر سبكتكيـن عـن ذلـك وخـرج إليـه ابـن بقيـة وراسلـوا أبـا ثعلـب فـي الصلـح علـى مـال يضمنـه ويـرد علـى أخيه حمدان إقطاعه ما سوى مارديـن وكتبـوا بذلـك إلـى بختيـار‏.‏ وارتحـل أبـو ثعلـب إلـى الموصـل وأشار ابن بقية على سبكتكين باللحـاق ببختيـار فتقاعـد ثـم سار‏.‏ وارتحل بختيار عن الموصل بعد أن جهد منه أهل البلد بما نالهم من ظلمه وعسفه‏.‏ وطلب منه أبو ثعلب الإذن في لقب سلطاني وأن يحط عنه مـن الضمـان فأجابه وسار‏.‏ ثم بلغه في طريقه أن أبا ثعلب نقض وقتل بعضا من أصحاب بختيار عـادوا إلـى الموصـل لنقل أهاليهم فاستشاط بختيار واستدعى ابن بقية وسبكتكين في العساكر وعادوا جميعاً إلى الموصل‏.‏ وفارقها أبو ثعلب وبعث أصحابه بالاعتذار والحلف على إنكار ما بلغه فقبل وبعث الشريف أبا أحمد الموسوي لاستحلافه‏.‏ وتم الصلح ورجع بختيار إلى بغداد فجهز ابنته إلى أبي ثعلب وقد كان عقد له عليها من قبل‏.‏

عود أبي المعالي بن سيف الدولة إلى حلب
قد تقدم لنا أن قرعويه مولى أبيه سيف الدولة كان تغلب عليه وأخرجه من حلب سنة سبع وخمسين وثلاثمائة فسار إلى والدته بميافارقين‏.‏ ثم إلى حماة فنزلها وكانت الروم قد أمنت حمـص وكثـر أهلهـا‏.‏ وكـان قرعويه قد استناب بحلب مولاه بكجور فقوي عليه وحبسه في قلعة حلب وملكها سنين فكتب أصحاب قرعوية إلى أبي المعالي واستدعـوه فسـار وحاصرهـا أربعة أشهر وملكها وأصلح أحوالها وازدادت عمارتها حتى انتقل إلى ولاية دمشق كما يذكر‏.‏

استيلاء عضد الدولة بن بويه على الموصل وسائر ملوك بني حمدان
ولما ملك عضد الدولة بن ركن الدولة بن بويه بغداد وهزم بختيار ابن عمه معز الدولة سار بختيـار فـي الفـل إلـى الشـام ومعـه حمـدان بـن ناصـر الدولة أخو أبي ثعلب فحسن له قصد الموصل علـى الشـام وقـد كـان عضـد الدولـة عاهـده أن لا يتعـرض لأبـي ثعلـب لمـودة بينهمـا فنكـث ولما انتهى إلى تكريت أتته رسل أبي ثعلب بالصلح وأن يسير إليه بنفسه وعساكره ويعيده على ملك بغداد على أن يسلم إليه أخاه حمدان فسلمه إلى رسل أبي ثعلب فحبسه وسار بختيار إلى الحديثة ولقي أبا ثعلب وسار معه إلى العراق في عشرين ألف مقاتل‏.‏ وزحف نحوهمـا عضـد الدولـة والتقـوا بنواحـي تكريـت فـي شوال سنة ست وستين فهزمهما عضد الدولة وقتل بختيار ونجا أبو ثعلب إلى الموصل فاتبعه عضد الدولة وملك الموصل في ذي القعـدة وحمـل معـه الميـرة والعلوفـات للإقامة‏.‏ وبث السرايا في طلب أبي ثعلب ومعه المرزبان بن بختيار وأخواله أبو اسحق وظاهر ابنا معز الدولة ووالدتهم‏.‏ وسار لذلك أبو الوفاء ظاهر بن إسماعيل من أصحابه‏.‏ وسار حاجبه أبو ظاهر طغان إلى جزيـرة ابـن عمر ولحق أبو ثعلب بنصيبين‏.‏ ثم انتقل إلى ميافارقين فأقام بها‏.‏ وبلغه مسير أبي الوفـاء إليـه ففارقهـا إلـى تفليـس‏.‏ وجـاء أبو الوفاء إلى ميافارقين فامتنعت عليه فتركها وطلب أبا ثعلـب فخـرج مـن أرزن الـروم إلـى الحسينيـة مـن أعمـال الجزيـرة وصعد إلى قلعة كواشي وغيرها من قلاعـه‏.‏ ونقـل منهـا ذخيرتـه وعاد فعاد أبو الوفاء إلى ميافارقين وحاصرها واتصل بعضد الدولة مجيئـه إلـى القلـاع فسـار إليـه ولـم يحركـه واستأمن إليه كثير من أصحابه‏.‏ وعاد إلى الموصل وبعث قائـده طغـان إلـى تفليـس فهـرب منهـا أبـو ثعلب واتصل بملكهم المعروف بورد الرومي وكان منازعاً لملكهـم الأعظـم فـي الملـك فوصـل ورد يـده بيد أبي ثعلب وصاهره ليستعين به واتبعه في مسيره عسكر عضد الدولة وأدركوه فهزمهم وأثخن فيهم‏.‏ ونجا فلهم إلى حصن زياد ويسمى خرت برت‏.‏ وأرسل إلى ورد يستمده فاعتذر بما هو فيه ووعده بالنصر‏.‏ ثم انهزم ورد أمام ملك الروم فأيـس أبـو ثعلـب مـن نصـره‏.‏ وعاد إلى بلاد الإسلام ونزل بآمد حتى جاء خبر ميافارقين‏.‏ وكان أبـو الوفـاء لمـا رجـع مـن طلب أبي ثعلب حاصر ميافارقين والوالي عليها هزار مرد فضبط البلد ودافـع أبـا الوفـاء ثلاثـة أشهـر‏.‏ ثـم مـات وولـى أبو ثعلب مكانه مؤنساً من موالي الحمدانية ودس أبو الوفـاء إلـى بعـض أعيـان البلـد فاستمالـه فبعـث لـه في الناس رغبة‏.‏ وشعر بذلك مؤنس فلم يطق مخالفتهم فانقاد واستأمن وملـك أبـو الوفاء البلد وكان في أيام حصاره قد افتتح سائر حصونه فاستولى على سائر ديار بكـر وأمـن أصحـاب أبـي ثعلـب وأحسـن إليهـم ورجـع إلـى الموصـل‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى أبـي ثعلب منقلبه من دار الحرب فقصد الرحبة‏.‏ وبعث إلى عضد الدولة يستعطفه فشرط عليه المسير إليـه فامتنع‏.‏ ثـم استولـى عضد الدولة على ديار مضر وكان عليها من قبل أبي ثعلب سلامه البرقعيدي من كبار أصحاب بني حمدان‏.‏ وكان أبو المعالي بن سيف الدولة بعث إليها جيشاً من حلب فحاربوها وامتنعت عليهم وبعث أبو المعالي إلى عضد الدولة وعرض بنفسه عليه فبعـث عضد الدولة النقيب أبا أحمد الموسوي إلى سلامة البرقعيدي وتسلمها بعد حروب‏.‏ وأخذ لنفسه منها الرقة ورد باقيها على سعد الدولة فصارت له‏.‏ ثم استولى عضد الدولة على الرحبـة وتفـرع بعـد ذلـك لفتـح قلاعـه وحصونه‏.‏ واستولى على جميع أعماله واستخلف أبا الوفاء على الموصل ورجع إلى بغـداد فـي ذي القعـدة سنـة ثمـان وستيـن‏.‏ ثـم بعـث عضـد الدولـة جيشـاً إلـى الأكراد الهكارية من أعمال الموصل فحاصروهم حتـى استقامـوا وسلمـوا قلاعهـم ونزلـوا إلـى الموصل فحال الثلج بينهم وبين بلادهم فقتلهم قائد الجيش وصلبهم على جانبي طريق الموصل‏.‏

مقتل أبي ثعلب بن حمدان
ولما أيس أبو ثعلب بن حمدان من إصلاح عضد الدولة والرجوع إلى ملكه بالموصل وسار إلى الشام وكان على دمشق قسام داعية العزيز العلوي غلب عليها بعد افتكين وقد تقدم ذلك وكيف ولي افتكين على دمشق‏.‏ فخاف قسام من أبي ثعلب ومنعه من دخول البلد فأقام بظاهرهـا وكاتـب العزيـز وجـاء الخبـر بأنـه يستقدمـه فرحـل إلى طبرية بعد مناوشة حرب بينه وبين قسـام‏.‏ وجـاء الفضـل قائـد العزيز لحصار قسام بدمشق وسر بأبي ثعلب ووعده عن العزيز بكل جميـل‏.‏ ثـم حدثـت الفتنـة بيـن دغفل وقسام وأخرجهم وانتصروا بأبي ثعلب فنزل بجوارهم مخافة دغفل والفضل القائد الذي يحاصر دمشق‏.‏ ثم ثـار أبـو ثعلـب فـي بنـي عقيـل إلـى الرملـة فـي محـرم سنـة تسـع وتسعيـن فاستـراب بـه الفضـل ودغفـل وجمعـوا لحربـه ففـر بنـو عقيـل عنـه وبقـي في سبعمائة من غلمانه وغلمان أبيه وولى منهزماً فلحقه الطلب فوقف يقاتل فضرب وأسر وحمل إلى دغفل وأراد الفضل حمله إلى العزيز فخاف دغفل أن يصطنعه كما فعل بافتكين فقتله وبعث الفضل بالـرأس إلـى مصـر‏.‏ وحمـل بنـو عقيـل أختـه جميلـة وزوجتـه بنـت سيـف الدولـة إلـى أبـي المعالـي بحلب فبعث بجميلة إلى الموصل وبعث بها أبو الوفاء إلى عضد الدولة ببغداد فاعتقلها‏.‏ وصول ورد المنازع لملك الروم إلى ديار بكر مستجيراً كان ملك الـروم أرمانـوس لمـا توفـي خلـف ولديـن صغيريـن وهمـا بسيـل وقسطنطيـن ونصـب أحدهمـا للملـك وعـاد حينئـذ الدمشـق يعفور من بلاد الإسلام بعد أن عاث في نواحيها وبالغ في النكاية فاجتمع إليه الروم ونصبوه للنيابة عن ابني أرمانوس فداخلت أمهما ابن الشميشق على الدمشقية وقبض على لاوون أخي دمشق وعلى ابنه ورديس بن لاوون واعتقلهما في بعض القلاع‏.‏ وسار إلى بلاد الشام وأعظم فيها النكاية‏.‏ ومر بطرابلس فحاصرها وكان لوالده الملك أخ خصـي وهـو يومئـذ وزيـر فوضـع علـى ابـن الشميشق من سقاه السم وأحس به من نفسه فأغذ السير إلى القسطنطينية فمات في طريقه‏.‏ وكان ورد بن منير من عظماء البطارقة في الأمر وصار أبا ثعلب بن حمدان واستجاش بالمسلمين من الثغور وقصد الروم ووالى عليهم الهزائم فخافه الملكان وأطلقا ورديس بن لاوون وبعثاه على الجيوش لقتال الورد فقاتله فانهزم ورد إلى ديار بكر سنة تسع وستين وثلاثمائة ونزل بظاهر ميافارقين وبعث أخاه إلى عضد الدولة مستنصراً به‏.‏ وبعث ملكا الروم بالقسطنطينية إلى عضد الدولة فاستمالاه فرجح جانبهما وأمر بالقبض على ورد وأصحابه فقبض عليه أبو علي التميمي عامل ديار بكر وعلى ولده وأخيـه وأصحابـه وأودعهـم السجـن بميافارقيـن ثـم بعثهـم إلـى بغـداد فحبسـوا بهـا إلـى أن أطلقهـم بهـاء الدولـة بن عضد الدولة سنة خمس وسبعين وشرط عليه إطلاق عدد من المسلمين وإسلام سبعة من الحصون برساتيقها وأن لا يتعرض لبلاد المسلمين ما عاش‏.‏ وجهزه فسار وملك في طريقه ملطية وقوي بما فيه وصالحه ورديس بن لاوون على أن يكون قسطنطينية وجانب الشمال من الخليج له وحاصر قسطنطينية وبها الملكان ابنا أرمانوس وهما بسيل وقسطنطين في ملكها وأقرا وردا على ما بيده قليلاً‏.‏ ثم مات وتقدم بسيل في الملك ودام عليه ملكه وحارب البلغار خمساً وثلاثين سنة وظفر بهم وجلاهم عن بلادهم وأسكنهم الروم‏.‏ قدمنا ولاية بكجور على حمص لأبي المعالي بن سيف الدولة وأنه عمرها وكان أهل دمشق ينتقلون إليها لما نالهم من جور قسام ومـا وقـع بهـا مـن الغـلاء والوبـاء وكـان بكجـور يحمـل الأقـوات مـن حمـص تقربـاً إلـى العزيـز صاحـب مصر وكاتبه في ولايته فوعده بذلك‏.‏ ثم استوحش مـن أبـي المعالـي سنـة ثلـاث وسبعيـن وأرسـل إلـى العزيـز يستنجـز وعـده فـي ولايـة دمشق فمنع الوزير بن كلس من ولايته ريبة به وكان بدمشق من قبل العزيز القائد بلكين بعثه فمنع الوزير بعد قسام وساء أثر ابن كلس في الدولة واجتمع الكتاميون بمصر على التوثب بابن كلس ودعته الضرورة لاستقدام بلكين من دمشق فأمر العزيز باستقدامه وولى بكجور مكانه فداخلها في رجب سنة ثلاث وسبعين وأساء السيرة فيها وعاث في أصحاب الوزير بن كلس وأقام على ذلك ستاً‏.‏ وعجز أهل دمشق منه وجهزت العساكر من مصر مع القائد منير الخادم وكوتب نـزال والـي طرابلس بمعاضدته فسار في العساكر وجمع بكجور عسكراً من العرب وغيرهم وخرج للقائه فهزمه منير واستأمن إليه بكجور على أن يرحل عن دمشق فأمنه ورحل إلى الرقة واستولى عليها وتسلم منير دمشق وأقام بكجور بالرقة واستولى على الرحبة وما يجاور الرقة وراسل بهـاء الدولـة بـن عضد الدولة بالطاعة وباد الكردي المتغلب على ديار بكر والموصل بالمسير إليه وأبـا المعالـي سعـد الدولـة صاحب حلب بالعود إلى طاعته على أن يقطعه حمص فلم يجبه أحد إلى شيء فأقام بالرقة يراسل موالي سعد الدولة أبي المعالي ويستميلهم في الغدر به فأجابوه وأخبـروه أن أبـا المعالـي مشغـول بلذاتـه فاستمد حينئذ العزيز فكتب إلى نزال بطرابلس وغيره من ولاة الشام أن يمدوه ويكونوا في تصرفه‏.‏ ودس إليهم عيسى بن نسطورس النصراني وزير العزيز في المباعدة عنه لعداوته مع ابن كلس الوزيـر قبلـه وتجديدهـا مع ابن منصور هذا فكتب نزال إلى بكجور يواعده بذلك في يوم معلوم وأخلفه وسار بكجور من الرقة وبلغ خبر مسيره إلى أبي المعالي فسار من حلب ومعه لؤلؤ الكبيـر مولـى أبيـه وكتـب إلى بكجور يستميله ويذكره الحقوق وأن يقطعه من الرقة إلى حمص فلم يقبل‏.‏ وكتب أبو المعالي إلى صاحب إنطاكية يستمده فأمده بجيش الروم وكتب إلى العرب الذين مع بكجور يرغبهم في الأموال والإقطاع فوعدوه خذلان بكجور عند اللقاء‏.‏ فلما التقى العسكران وشغل الناس بالحرب عطف العرب على سواد بكجور فنهبوه ولحقوا بأبي المعالي فاستمات بكجور وحمل على موقف أبي المعالي يريد وقد أزاله لؤلؤ عن موقفه ووقـف مكانـه خشيـة عليـه‏.‏ وحمـل ذلـك فلمـا انتهـى بكجـور لحملتـه بـرز إليه‏.‏ لؤلؤ وضربه فأثبته‏.‏ وأحـاط بـه أصحابـه فولـى منهزمـاً‏.‏ وجـاء بعضهـم إلـى أبـي المعالـي فشارطـه علـى تسليمه إليه فقبل شرطه وأحضره فقتله وسار إلى الرقة وبها سلامة الرشقي مولى بكجور وأولاده وأبو الحسن علي بن الحسين المغربي وزيره فاستأمنوا إليه فأمنهم ونزلوا عن الرقة فملكها واستكثر ما مع أولاد بكجور فقال له القاضي ابن أبي الحصين‏:‏ هو مالك وبكجور لا يملك شيئاً ولا حنث عليك‏.‏ فاستصفى مالهم أجمع وشفع فيهم العزيز فأساء عليه الرد وهرب الوزير المغربي إلى مشهد علي‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:31 PM

خبر باد الكردي ومقتله علي الموصل
كان من الأكراد الحميدية بنواحي الموصل ومن رؤسائهم رجل يعرف بباد وقيل باد لقب له واسمـه أبـو عبـد اللـه الحسيـن بـن ذوشتـك وقيـل بـاد اسمـه وكنيتـه أبـو شجـاع بن ذوشتك‏.‏ وإنما أبو عبـد الله الحسين أخوه‏.‏ وكان له بأس وشدة وكان يخيف السابلة ويبذل ما تجمع له من النهب في عشائـره فكثـرت جموعـه‏.‏ ثـم سـار إلـى مدينـة أرمينيـة فملـك مدينـة أرجيـش‏.‏ ثـم رجـع إلـى ديـار بكـر فلمـا ملـك عضد الدولة الموصل حضر عنده في جملة الوفود وخافه على نفسه وأبعد في مذهبه وبلغ عضد الدولة أمره فلم يظفر به‏.‏ ولما هلك عضد الدولة سار باد إلى ديار بكر فملك آمد وميافارقين‏.‏ ثم ملك نصيبين فجهز صمصام الدولة العساكر إليه مع الحاجب أبي القاسم سعيد بن محمد فلقيه على خابور الحسينية من بلاد كواشي فانهزم الحاجب وعساكره وقتل كثير من الديلم‏.‏ ولحق الحاجب سعيد بالموصل وباد في أتباعه‏.‏ وثارت عامة الموصل بالحاجب لسوء سيرته فأخرجوه ودخل باد الموصل سنة ثلاث وسبعين وقوي أمره وسما إلى طلب بغداد‏.‏ وأهم صمصام الدولة أمره ونظر مع وزيره ابن سعدان في توجيه العساكر إليه وأنفـذ كبيـر القـواد زيـاد بـن شهـرا كونـه فتجهـز لحربـه وبالغـوا فـي مـدده وإزاحـة علله فلقيهم في صفر سنـة أربع وسبعين‏.‏ وانهزم باد وقتل كثير من أصحابه وأسر آخرون وطيف بهم في بغداد‏.‏ واستولى الديلم على الموصل وأرسل زياد القائد عسكراً إلى نصيبين فاختلفوا على مقدمهم‏.‏ وكتـب ابـن سعـدان وزيـر صمصام الدولة إلى أبي المعالي بن حمدان صاحب حلب يومئذ بولاية ديار بكر وإدخالها في عمله فسير إليه أبو المعالي عسكره إلى ديار بكر فلم يكن لهم طاقة بأصحاب باد فحاصروا ميافارقين أياماً ورجعوا إلى حلب‏.‏ وبعـث سعـد الحاجب من يتولى غدر باد فدخل عليه رجل في خيمته وضربه بالسيف على ساقه يظنها رأسه فنجا من الهلكة‏.‏ ثم بعث باد إلى زياد القائد وسعد الحاجب بالموصل بطلـب الصلح فأثمروا بينهم على أن تكون ديار بكر لباد والنصف من طور عبدين‏.‏ فخلصت ديار بكر لباد من يومئذ وانحدر زياد القائد إلى بغداد‏.‏ وأقام سعد الحاجب بالموصل إلي أن توفي سنة سبع وسبعين فطمع باد في الموصل وبعث إليها شرف الدولة بن بويه أبا نصر خواشاور في العساكر فزحف إليه باد وتأخر الممد عن أبي نصر فبعث عن العرب من بني عقيل وبني نمير لمدافعة باد وأقطعهم البلاد‏.‏ واستولى باد على طور عبدين آخر الجبال ولم يضجر وأرسل أخاه في عسكر لقتال العرب فقتل وانهزم عسكره وأقام باد قبالة خواشاده حتى جاء الخبر بموت شرف الدولة بن بويه فزحف خواشاده إلى الموصـل وقامـت العـرب بالصحراء وباد بالجبال‏.‏

عود بني حمدان إلى الموصل ومقتل باد
كان أبو طاهر إبراهيم وأبو عبد الله الحسن ابنا ناصر الدولة بن حمدان قد لحقا بعد مهلك أخيهمـا أبـي ثعلـب بالعراق وكانا ببغداد وأستقرا في خدمة شرف الدولة بن عضد الدولة فلما تولى شرف الدولة وخواشاده في الموصل بعثهما إليها ثم أنكر ذلك عليه أصحابه فكتب إلى خواشاده عامل الموصل فمنعهما فكتب إليهما بالرجوع عنه فلم يجيبا وأغذا السير إلى الموصل حتـى نـزلا بظاهرهـا‏.‏ وثـار أهـل الموصـل بالديلـم والأتـراك الذيـن عندهـم وخرجوا إلى بني حمدان‏.‏ وزحـف الديلـم لقتالهـم فانهزمـوا وقتـل منهـم خلـق وامتنـع باقيهـم بدار الإمارة‏.‏ وأراد أهل الموصل استلحامهم فمنعهم بنو حمدان وأخرجوا خواشاده ومن معه على الأمان إلى بغداد وملكوا الموصل‏.‏ وتسايل إليهم العرب من كل ناحية‏.‏ وبلغ الخبر إلى باد وهو بديار بكر بملك الموصل وجمع فاجتمع إليه الأكراد البثنوية أصحاب قلعة فسك وكان جمعهم كثيراً‏.‏ واستمال أهـل الموصـل بكتبـه فأجابـه بعضهـم فسـار ونزل على الموصل وبعث أبو طاهر وأبو عبد الله ابنا حمـدان إلـى أبـي عبـد اللـه محمـد بـن المسيـب أميـر بنـي عقيـل يستنصرانـه‏.‏ وشـرط عليهمـا جزيرة ابن عمر ونصيبين فقبلا شرطه‏.‏ وسار أبو عبد الله صريخاً وأقام أخوه أبو طاهر بالموصل وباد يحاصره‏.‏ وزحف أبو الرواد في قومه مع أبي عبد الله بن حمدان وعبروا دجلة عند بدر وجاؤوا إلى باد من خلفه‏.‏ وخرج أبو طاهر والحمدانية من أمامه والتحم القتال ونكب بباد فرسه فوقع طريحاً ولم يطق الركوب وجهض العدو عنه أصحابه فتركوه فقتله بعض العرب وحمل رأسه إلى بني حمدان ورجعوا ظافرين إلى الموصل وذلك سنة ثمانين‏.‏

مهلك أبي طاهر بن حمدان واستيلاء بني عقيل على الموصل
لمـا هلـك بـاد طمـع أبـو طاهـر وأبـو عبـد اللـه ابنـا حمـدان فـي استرجاع ديار بكر وكان أبو علي بن مروان الكردي وهو ابن أخت باد قد خلص من المعركة ولحق بحصن كيفا وبه أهل باد وماله وهـو مـن أمنـع المعاقـل فتـزوج امـرأة خالـه واستولـى علـى مالـه وعلى الحصن‏.‏ وسار في ديار فملك مـا كـان لخالـه فيهـا تليـدا‏.‏ وبينما هو يحاصر ميافارقين زحف إليه أبو طاهر وأبو عبد الله ابنا حمدان يحاربانه فهزمهما وأسر عبد الله منهما‏.‏ ثم أطلقه ولحق بأخيه أبي طاهر وهو يحاصر آمد فزحفا لقتال ابن مروان فهزمهما وأسر أبا عبد الله ثانية إلى أن شفع فيه خليفة مصر فأطلقـه واستعمله الخليفة على حلب إلى أن هلك‏.‏ وأما أبو طاهر فلحق بنصيبين في فل من أصحابه وبها أبو الدرداء محمد بن المسيب أميـر بنـي عقيـل‏.‏ وسـار إلـى الموصـل فملكهـا وأعمالها وبعث إلى بهاء الدولة أن ينفذ إليه عاملا من قبله فبعث إليها قائداً كان تصرفه عن أبي الدرداء ولم يكن له من الأمر شيء إلى أن استبد أبو الدرداء واستغنـى عـن العامـل وانقرض ملك بني حمدان من الموصل والبقاء لله‏.‏ ملك سعد الدولة في حمدان بحلب وولاية ابنه أبي الفضائل واستبداد لؤلؤ عليه‏:‏ ولما هزم سعد الدولة مولاه بكجور وقتله حين سار إليه من الرقة رجع إلى حلب فأصابه فالج وهلك سنة إحدى وثمانين‏.‏ وكان مولاه لؤلؤ كبير دولته فنصب ابنه أبا الفضائل وأخذ له العهد على الأجناد وتراجعت إليهم العساكر‏.‏ وبلغ الخبر أبا الحسن المغربي وهو بمشهد علي فسار إلى العزيز بمصر وأغراه بملك البلد واعتصم أبو الفضائل ولؤلؤ بالقلعة وبعث أبو الفضائل ولؤلؤ إلى ملك الروم يستنجدانه وكان مشغولا بقتال البلغار فأرسل إلى نائبه بأنطاكية أن يسير إليهم فسار في خمسين ألفا ونزل جسر الحديد على وادي العاصي فنفر إليه منجوتكين في عساكر المسلمين وهزم الروم إلى إنطاكية واتبعهم فنهب بلادها وقراها وأحرقهـا‏.‏ ونـزل أبـو الفضائل ولؤلؤ من القلعـة إلـى مدينـة حلـب فنقـل مـا فيهـا مـن الغلـال وأحـرق الباقـي‏.‏ وعـاد منجوتكين إلى حصارهم بحلب‏.‏ وبعـث لؤلـؤ إلـى أبـي الحسـن المغربـي فـي الوساطـة لهم في الصلح فصالحهم منجوتكين ورحل إلى دمشـق حجرا من الحرب وتعذر الأقوات‏.‏ ولم يراجع العزيز في ذلك فغضب العزيز وكتب إليه يوبخه ويأمره بالعود لحصار حلب فعاد وأقام عليها ثلاثة عشر شهراً‏.‏ فبعث أبو الفضائل ولؤلؤ مراسلة لملك الروم وحرضوه على إنطاكية وكان قد توسط بلاد البلغار فرجع عنها وأجفل في الحشد ورجع إلى حلب‏.‏ وبلغ الخبر إلى منجوتكين فأجفل عنها بعد أن أحرق خيامه وهدم مبانيـه وجاء ملك الروم‏.‏ وخرج إليه أبو الفضائل ولؤلؤ فشكرا له ورجعا ورحل ملك الروم إلى الشام ففتح حمص وشيزر ونهبهما‏.‏ وحاصر طرابلس فامتنعت عليه فأقام بها أربعين ليلة ثم رحل عائداً إلى بلده‏.‏ انقراض بني حمدان بحلب واستيلاء بني كلاب عليها ثم إن أبا نصر لؤلؤاً مولى سيف الدولة عزل أبا الفضائل مولاه بحلب وأخذ البلد منه ومحا دعوة العباسية وخطب للحاكم العلوي بمصر ولقبه مرتضى الدولة‏.‏ ثم فسد حاله معه فطمع فيه بنو كلاب بن ربيعة وأميرهم يومئذ صالح بن مرداس وتقبض لؤلؤ على جماعة منهم دخلوا إلى حلب كان فيهم صالح فاعتقله مدة وضيق عليه‏.‏ ثم فر من محبسه ونجا إلى أهله وزحـف إلـى حلـب ولؤلـؤ فيهـا وكانـت بينه وبينهم حروب هزمه صالح آخرها وأسوه سنة ستين وأربعمائـة‏.‏ وخلـص أخـوه نجـا إلـى حلـب فحفظها وبعث إلى صالح في فدية أخيه وشرط له ما شاء فأطلقه ورجع إلى حلب واتهم مولاه فتحاً وكان نائبه على القلعة بالمداخلة في هزيمته فأجمع نكبته‏.‏ ونمي إليه الخبر فكاتب الحاكم العلوي وأظهر دعوته وانتقض على لؤلؤ فأقطعه الحاكـم صيـدا وبيـروت ولحـق لؤلـؤ بالـروم فـي إنطاكيـة فأقـام عندهـم‏.‏ ولحق فتح بصيدا‏.‏ واستعمل الحاكـم علـى حلـب مـن قبلـه وانقرض أمر بني حمدان من الشام والجزيرة أجمع‏.‏ وبقيت حلب في ملك العبيديين‏.‏ ثم غلب عليها صالح بن مرداس الكلابي وكانت بها دولة له ولقومه وورثها عنه بنوه كما يذكر في أخبارهم‏.‏

الخبر عن دولة بني عقيل بالموصل وابتداء أمرهم بأبي الدرداء
وتصاريف أحوالهم كان بنو عقيل وبنو كلاب وبنو نمير وبنو خفاجة وكلهم من عامر بن صعصعة وبنو طيء من كهلان قد انتشروا ما بين الجزيرة والشام في عدوة الفرات‏.‏ وكانوا كالرعايا لبني حمدان يؤدون إليهم الأتاوات وينفرون معهم في الحروب‏.‏ ثم استفحل أمرهم عند فشل دولة بني حمدان وسـاروا إلـى ملـك البلـاد‏.‏ ولمـا انهـزم أبـو طاهـر بـن حمـدان أمام أبي علي بن مروان بديار بكر كما قدمنـاه سنـة ثمانيـن ولحـق بنصيبيـن وقـد استولـى عليها أبو الدرداء محمد بن المسيب بن رافع بن مقلد بن جعفر بن عمر بن مهند أمير بني عقيل ابن كعب بن ربيعة بن عامر فقتل أبا طاهر وأصحابه وسار إلى الموصل فملكها‏.‏ وبعث إلى بهاء الدولة بن بويه المستبد على الخليفة بالعراق في أن يبعث عاملا من قبله والحكم راجع لأبي الدرداء‏.‏ وأقام على ذلك سنتين‏.‏ وبعـث بهـاء الدولـة سنـة اثنتيـن وثمانيـن عساكـره إلـى الموصـل مـع أبي جعفر الحجاج بن هرمز فغلب عليها أبا الدرداء وملكها‏.‏ وزحف لحربه أبو الدرداء في قومه ومن اجتمع إليه من العرب فكانت بينهم حروب ووقائع وكان الظفر فيها للديلم‏.‏ مهلك أبي الدرداء وولاية أخيه المقلد ثـم مات أبو الدرداء سنة ست وثمانين وولي إمارة بني عقيل مكانه أخوه علي بعد أن تطاول إليهـا أخوهمـا المقلـد بـن المسيـب وامتنـع بنـو عقيـل لـأن عليـاً كان أسن منه فصرف المقلد وجهه إلى ملك الموصل واستمال الديلم الذين فيها مع أبي جعفر بن هرمز فمالوا إليه وكتب إلى بهاء الدولـة أن يضمنـه الموصـل بألفـي ألـف درهـم كـل سنـة‏.‏ ثم لمظهر لأخيه علي وقومه أن بهاء الدولة قد ولاه واستمدهم فساروا معه ونزلوا على الموصل وخرج إلى المقلد من كان استماله من الديلم واستأمن إليهم أبو جعفر قائد الديلم فأمنوه وركب السفن إلى بغداد واتبعوه فلم يظفروا منه بشيء وتملك المقلد ملك الموصل‏.‏

فتنة المقلد مع بهاء الدولة في بويه
كان المقلد يتولى حماية غربي الفرات وكان له غربي بغداد نائب فيه تهور وجرى بينه وبين أصحاب بهاء الدولة مشاجرة‏.‏ وكان بهاء الدولة مشغولا بفتنة أخيه فكتب نائب المقلد إليه يشكو من أصحاب بهاء الدولة فجاء في العساكر وأوقع بهم ومد يده إلى جباية الأموال‏.‏ وخـرج نائـب بهـاء الدولـة ببغداد وهو أبو علي بن إسماعيل عن ضمان القصر وغيره فغالط بهاء الدولـة وأنفذ أبا جعفر الحجاج بن هرمز للقبض على أبي علي بن إسماعيل ومصالحة المقلد بن المسيـب فصالحـه علـى أن يحمـل إلى بهاء الدولة عشرة آلاف دينار ويخطب له ولأبي جعفر بعده ويأخـذ مـن البلـاد رسـم الحمايـة وأن يخلـع علـى المقلـد الخلـع السلطانيـة ويلقـب حسـام الدولـة ويقطع الموصل والكوفة والقصر والجامعين وجلس له ولأبي جعفر القادر بالله فاستولى على البلاد وقصده الأعيان والأمائل وعظم قدره‏.‏ وقبض أبو جعفر على أبي علي بن إسماعيل ثم هرب ولحق بمهذب الدولة‏.‏ القبض على علي بن المسيب كـان المقلـد بـن المسيـب قـد وقعـت المشاجـرة بيـن أصحابه وأصحاب أخيه في الموصل قبل مسيره إلـى العـراق فلمـا عـاد إلـى الموصل أجمع الانتقام من أصحاب أخيه‏.‏ ثم نوى أنه لا يمكنه ذلك مع أخيه فأعمل الحيلة في قبض أخيه وأحضر عسكره من الديلم والأكراد‏.‏ وورى بقصر دقوقا واستحلفهم على الطاعة‏.‏ ثم نقب دار أخيه وكانت ملاصقة له‏.‏ ودخـل إليـه فقبـض عليـه وحبسه وبعث زوجته وولديه قرواش وبحران إلى تكريت‏.‏ واستدعى رؤساء العرب وخلع عليهم وأقام فيهم العطاء فاجتمعت له زهاء ألفي فارس وخرجت زوجة أخيه بولديها إلى أخيها الحسن بن المسيب وكانت أحياؤه قريباً من تكريت فاستجاش العرب على المقلد وسار إليـه فـي عشـرة آلـاف فخـرج المقلـد عـن الموصـل واستشـار النـاس فـي محاربـة أخيـه‏.‏ فأشـار رافـع بن محمـد بـن معـز بالحـرب وأشـار أخـوه غريـب بـن محمد بالموادعة وصلة الرحم‏.‏ وبينما هو في ذلك إذ جـاءت أختـه رميلـة بنـت المسيب شافعة في أخيها علي فأطلقه ورد عليه ماله وتوادع الناس وعاد المقلد إلى الموصل وتجهز لقتال علي بن مزيد الأسدي بواسط لأنه كان مغضباً لأخيه الحسـن فلمـا قصد الحلة خالفه علي إلى الموصل فدخلها‏.‏ وعاد إليه المقلد وتقدمه أخوه الحسن مشفقاً عليه من كثرة جموع المقلد فأصلح ما بينهما ودخل المقلد إلى الموصل وأخواه معه‏.‏ ثم خـاف علـي فهـرب‏:‏ ثـم وقـع الصلـح بينهمـا على أن يكون أحدهما بالبلد‏.‏ ثم هرب علي فقصده المقلـد ومعـه بنو خفاجة فهرب إلى العراق واتبعه المقلد فلم يدركه ورجع عنه‏.‏ ثم سار المقلد إلـى بلد علي بن مزيد فدخله ثانية ولحق ابن مزيد بمهذب الدولة صاحب البطيحة فأصلح ما بينهما‏.‏

استيلاء المقلد على دقوقا
ولما فرغ المقلد من شأن أخويه وابن مزيد وسار إلى دقوقا فملكها‏.‏ وكانت لنصرانيين قد استعبـدا أهلهـا وملكها من أيديهما جبريل بن محمد من شجعان بغداد أعانه عليها مهذب الدولة صاحـب البطيحـة وكـان مجاهـداً يحـب الغـزو فملكها وقبض على النصرانيين وعدل في البلد‏.‏ ثم ملكها المقلد من يده وملكها بعده محمد بن نحبان ثم بعده قرواش بن المقلد‏.‏ ثم انتقلت إلى فخر الملك أبي غالب فعاد جبريل واستجاش بموشك بن حكويه من أمراء الأكراد‏.‏ وغلب مقتل المقلد وولاية ابنه قرواش كـان للمقلـد مـوال مـن الأتـراك فهربوا منه واتبعهم فظفر بهم وقتل وقطع وأفحش في المثلة فخاف إخوانهم منه واغتنموا غفلته فقتلوه فيها بالأنبار سنة إحدى وسبعين‏.‏ وكان قد عظم شأنه وطمـع فـي ملـك بغـداد‏.‏ ولمـا قتـل كـان ولـده الأكبـر قرواش غائباً وكانت أمواله بالأنبار فخاف نائبه عبـد اللـه بن إبراهيم بن شارويه بادرة عمه الحسن وراسل أبا منصور بن قراد وكان بالسندية وقاسمـه فـي مختلـف المقلـد علـى أن يدافع الحسن إن ضمه فأجابه إلى ذلك وأرسل عبد الله إلى قـرواش يستحثـه فوصـل ووفـى لابـن قـراد بمـا عاهـده عليـه نائبـه عبـد الله وأقام ابن قراد عنده‏.‏ ثم إن الحسيـن بـن المسيـب جـاء إلـى مشايـخ بنـي عقيـل شاكيـاً ممـا فعله قرواش وابن قراد عنده فسعوا بينهم في الصلح واتفق الحسن وقرواش على الغدر بابن قراد وأن يسير أحدهما إلى الأخر متحاربيـن فـإذا تلاقيـا وقبضـا علـى ابـن قـراد ففعلا ذلك‏.‏ فلما تراءى الجمعان نمي الخبر إلى ابن قراد فهرب واتبعه قرواش والحسن ولم يدركاه ورجع قرواش إلى بيوته فأخذها بما فيها من الأموال فوجه الأموال إلى أن أخذها أبو جعفر الحجاج بن هرمز‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:32 PM

فتنة قرواش مع بهاء الدولة بن بويه
ولمـا كانـت سنـة اثنتيـن وتسعيـن بعـث قـرواش بـن المقلـد جمعـاً من بني عقيل إلى المدائن فحصروها فبعث أبو جعفر بن الحجاج بن هرمز نائب بهاء الدولة ببغداد عسكراً إليهم فدفعوهم عنها فاجتمعت عقيل وبنو أسد وأميرهم علي بن مزيد‏.‏ وخرج أبو جعفر إليهم واستجاش بخفاجة وأحضرهم من الشام فانهزم واستبيح عسكره وقتل وأسر من الأتراك والديلم كثير‏.‏ ثم جمع العساكر ثانيا ولقيهم بنواحي الكوفة فهزمهم وقتل وأسر وسار إلى أحياء بني مزيد ونهب منهـا مـا لا يقـدر قـدره‏.‏ ثـم سـار قـرواش إلـى الكوفـة سنـة سبـع وتسعيـن وكانـت لأبـي علي بن ثمال الخفاجي وكان غائباً عنها فدخل قرواش الكوفة وصادرهم‏.‏ ثم قتل أبو علـي سنـة تسـع وتسعيـن وكان الحاكم صاحب مصر قد ولاه الرحبة فسار إليها‏.‏ وخرج إليه عيسى بن خلاط العقيلـي فقتلـه وملكهـا‏.‏ ثـم ملكهـا بعـده غيـره إلـى أن ولـي أمرهـا صالـح بن مرداس الكلابي صاحب حلب‏.‏

قبض قرواش على وزرائه
كـان معتمـد الدولـة قـرواش بـن المقلـد قـد استـوزره أبا القاسم الحسين بن علي بن الحسين المغربي وكان من خبره أن أباه من أصحاب سيف الدولة بن حمدان فذهب عنه إلى مصر وولي بها الأعمـال‏.‏ وولـد ابنـه أبـا القاسـم ونشـأ هنالك‏.‏ ثم قتله الحاكم فلحق أبو القاسم بحسان بن مفرج بن الجراح الطائي بالشام وأغراه بالإنتقاض والبيعة لأبي الفتوح الحسن بن جعفر صاحب مكة ففعـل ذلـك‏.‏ ولـم يتم أمر أبي الفتوح ورجع إلى مكة‏.‏ ولحق أبو القاسم المغربي بالعراق واتصل بفخر الملك فارتاب به القادر لانتسابه إلى العلوية فأبعده فخر الملك فقصد قرواش بالموصل فاستوزره‏.‏ ثم قبض عليه سنة إحدى عشرة وأربعمائة وصادره على مال زعم أنه ببغداد والكوفة فأحضره وترك سبيله فعاد إلى بغداد ووزر لشرف الدولة بن بويه بعد وزيره مؤيد الملك الرخجي وكان مداخلا لعنبر الخادم الملقب بالأثير المستولي على الدولة يومئذ‏.‏ ثم سخطه الأتراك وسخطوا الأبهر فأشار عليه بالخروج عن بغداد فخرج الوزير وأبو القاسم معه إلى السندية وبها قـرواش فأنزلهـم وسـاروا إلـى أوانـا‏.‏ وبعـث الأتـراك إلـى الأثيـر عنبـر بالاستعتاب فاستعتب ورجع وهرب أبو القاسم المغربي إلى قرواش سنة خمس عشرة لعشرة أشهـر مـن وزارتـه‏.‏ ثـم وقعـت فتنـة بالكوفـة كـان منشؤهـا مـن صهـره ابـن أبي طالب فأرسل الخليفة إلـى قـرواش فـي إبعـاده عنـه فأبعـده وسـار إلـى ابـن مـروان إلـى ديار بكر وهنالك يذكر بقية خبره‏.‏ ثم قبض معتمد الدولة قرواش على أبي القاسم سليمان بن فهر عامل الموصل له ولأبيه وكان مـن خبـره أنـه كـان يكتـب فـي حداثتـه بيـن يدي أبي إسحاق الصابي ثم اتصل بالمقلد بن المسيب وأصعد معه إلى الموصل واقتنى بها الضياع‏.‏ ثم استعمل قرواش على الجبابات فظلم أهلها حروب قرواش مع العرب وعساكر بغداد وفي سنة إحدى عشرة اجتمع العرب على فتن قرواش وسار إليه دبيس بن علي بن مزيد الأسدي وغريب بن معن وجاءهم العسكر من بغداد فقاتلوه عند سر من رأى ومعه رافع بن الحسين فانهزم ونهبت أثقاله وخزائنه وحصل في أسرهم وفتحوا تكريت عنوة من أعمالـه‏.‏ ورجعت عساكر بغداد إليها‏.‏ واستجار قرواش بغريب بن معن فأطلقه ولحق بسلطـان بـن الحسـن مـن عمـال أميـر خفاجـة وأتبعـه عسكـر مـن التـرك وقاتلهـم غربـي الفـرات وانهـزم هو وسلطـان وعـاث العسكـر فـي أعمالـه فبعـث إلـى بغـداد بمراجعـة الطاعـة وقبـل‏.‏ ثـم كانت الفتنة بينه وبيـن أبي أسد وخفاجة سنة سبع عشرة لأن خفاجه تعرضوا لأعماله بالسواد فسار إليهم من الموصـل وأميرهـم أبـو الفتيـان منيـع بـن حسـان فاستجـاش بدبيـس بـن علـي بـن مزيد فجاءه في قومه بني أسد وعسكر من بغداد والتقوا بظاهر الكوفة وهو يومئـذ لقـرواش فخـام قـرواش عـن لقائهـم وأجفل ليلاً للأنبار‏.‏ واتبعوه فرحل عنها إلى حلله واستولى القوم على الأنبار وملكوها‏.‏ ثم فارقوها وافترقوا فاستعادها قرواش‏.‏ ثـم كانـت الحـرب بينـه وبيـن عقيـل فـي هـذه السنـة وكـان سببهـا أن عنبـر الخـادم حاكـم دولة بني بويه انتقض عليه الجند وخافهم على نفسه فلحق بقرواش فجاء قرواش وأخذ له إقطاعه وأملاكه بالقيروان فجمع مجد الدولة بن قراد ورافع بن الحسين جمعاً كبيراً من بني عقيل وانضم إليهم بـدران أخو قرواش وساروا لحربه‏.‏ وقد اجتمع هو وغريب بن معن والأثير عنبر وأمدهم ابن مـروان فكانـوا فـي ثلاثـة عشـر ألفـا والتقـوا عنـد بلدهم فلما تصافوا والتحم القتال خرج بدران بن المقلـد إلى أخيه قرواش فصالحه وسط المصاف وفعل ثوران بن قراد كذلك مع غريب بن معن فتوادعوا جميعاً واصطلحوا‏.‏ وأعاد قرواش إلى أخيه بدران مدينة الموصل‏.‏ ثم وقعت الحرب بين قرواش وبين خفاجة ثانياً وكان سببها أن منيع بن حسان أمير خفاجه وصاحـب الكوفـة سـار إلـى الجامعيـن بلـد دبيـس ونهبهـا فخـرج دبيس في طلبه إلى الكوفة فقصد الأنبـار ونهبهـا هـو وقومـه فسـار قـرواش إليهم ومعه غريب بن معن الأنبار‏.‏ ثم مضى في أتباعهم إلى القصر فخالفوه إلى الأنبار ونهبوها وأحرقوها‏.‏ واجتمع قرواش ودبيس في عشرة آلاف وخاموا عن لقاء خفاجه فلم يكن من قرواش إلا بناء السور على الأنبار‏.‏ ثم سار منيع بن حسان الخفاجي إلى الملك كليجار والتزم الطاعة وخطب له بالكوفة وأزال حكم بني عقيل عـن سقـي الفـرات‏.‏ ثـم سـار بـدران بن المقلد في جموع من العرب إلى نصيبين وحاصرها وهي لنصيـر الدولـة بـن مـروان فجهـز لهـم الجنـد وبعثهـم إليهـا فقاتلـوا بدران فانهزم أولا‏.‏ ثم عطف عليهم فانهزموا وأثخن فيهم وبلغه الخبر أن أخاه قرواش قد وصل إلى الموصل فأجفل خوفاً منه‏.‏ كـان هـؤلاء الغـز مـن شعـوب التـرك بمفـازة بخارى وكثر فسادهم في جهاتها فأجاز إليهم محمود بن سبكتكين وهرب صاحب بخارى وحضر عنده أميرهم أرسلـان بـن سلجـوق فقبـض عليـه وحبسـه بالهنـد ونهـب أحياءهـم وقتـل كثيـراً منهـم فهربـوا إلـى خراسان وأفسدوا ونهبوا فبعث إليهم العساكر فأثخنوا فيهم وأجلوهم عن خراسان‏.‏ ولحق كثيـر منهـم بأصبهـان وقاتلـوا صاحبهـا وذلـك سنة عشرين وأربعمائة‏.‏ ثم افترقوا فسارت طائفة منهم إلى جبل بكجار عند خوارزم ولحقـت طائفـة أخـرى بأذربيجان وأميرها يومئذ وهشوذان فأكرمهم ووصلهم ليكفوا عن فسادهم فلم يفعلوا‏.‏ وكان مقدموهم أربعة‏:‏ توقا وكوكناش ومنصور ودانا فدخلوا مراغة سنة تسع وعشرين ونهبوها وأثخنوا في الأكراد الهدبانية وسارت طائفة منهم إلى الري فحاصروها وأميرهـا عـلاء الديـن بـن كاكويـه واقتحمـوا عليـه البلد وأفحشوا في النهب والقتل وفعلوا كذلك في الكرخ وقزوين‏.‏ ثـم سـاروا إلـى أرمينيـة وعاثـوا فـي نواحيهـا وفـي أكرادهـا‏.‏ ثـم عاثـوا في الدينور سنة ثلاثين‏.‏ ثم أوقع وهشوذان صاحب تبريز لجماعة منهم في بلده وكانوا ثلاثين ومقدمهم فضعف الباقون وأكثر فيهم القتل‏.‏ واجتمع الغز الذين بأرمينية وساروا نحو بلاد الأكراد الهكارية من أعمال الموصل فأثخنوا فيهم وعاثوا في البلاد‏.‏ ثم كر عليهم الأكراد فنالوا منهم وافترقوا في الجبال وتمزقوا‏.‏ وبلغهم مسير نيال أخي السلطان طغرلبك وهم في الري وكانوا شاردين منه فأجفلوا من الري وقصدوا ديار بكر والموصل سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ ونزلوا جزيرة ابن عمر ونهبوا باقردى وبازندى والحسنية‏.‏ وغدر سليمان بن نصير الدولة بن مروان بأمير منهم وهو منصور بن عزعنيل فقبض عليه وحبسه وافترق أصحابه في كل جهة‏.‏ وبعث نصير الدولة بن مروان عسكراً في أتباعهم وأمدهم قرواش صاحب الموصل بعسكر آخر وانضم إليهم الأكراد البثنوية أصحاب فتك فأدركوهم فاستمات الغز وقاتلوهم‏.‏ ثم تحاجزوا وتوجهت العرب إلى العراق للمشتى وأخربت الغز ديار بكر ودخل قرواش الموصل ليدفعهم عنها لما بلغه أن طائفة منهم قصـدوا بلـده‏.‏ فلمـا نزلـوا برقعيـد عـزم علـى الإغـارة عليهم فتقدموا إليه فرجع إلى مصانعتهم بالمال على ما شرطوه‏.‏ وبينما هو يجمع لهم المال وصلوا إلى الموصل فخرج قرواش في عسكره وقاتلهم عامة يومه‏.‏ وعادوا للقتال من الغد فانهزمت العرب وأهل البلد وركب قرواش سفينة في الفرات وخلف جميـع مالـه‏.‏ ودخـل الغـز البلـد ونهبـوا ما لا يحصى من المال والجوهر والحلى والأثاث‏.‏ ونجا قرواش إلى السند وبعث إلى الملك جلال الدولة يستنجده وإلى دبيس علي بن مزيد وأمراء العرب والأكراد يستمدهم‏.‏ وأفحش الغز في أهل الموصل قتلاً ونهباً وعيثاً في الحرم‏.‏ وصانع بعض وفرضـوا علـى أهـل المدينـة عشريـن ألـف دينـار فقبضوها ثم فرضوا أربعة آلاف أخر وشرعوا في تحصيلها فثار بهم أهل الموصل وقتلوا من وجدوا منهم في البلد‏.‏ ولما سمع أخوانهم اجتمعوا ودخلـوا البلد عنوة منتصف سنة خمس وثلاثين ووضعوا السيف في الناس واستباحوها اثني عشر يوماً وانسدت الطرق من كثرة القتلى حتى واروهم جماعات في الحفائر‏.‏ وطلبوا الخطبة للخليفة ثم لطغرلبك وطال مقامهم بالبلد فكتب الملك جلال الدولة بن بويه ونصير الدولة بن مروان إلى السلطان طغرلبك يشكون أمنهم فكتب إلى جلال الدولة معتذراً بأنهم كانوا عبيداً وخدماً لنا فأفسدوا في جهات الري فخافوا على أنفسهم وشردوا‏.‏ ويعده بأنه يبعث العساكر إليهـم وكتـب إلـى نصيـر الدولـة بن مروان يقول له‏:‏ بلغني أن عبيدنا قصدوا بلادك فصانعتهم بالمال وأنـت صاحـب ثغـور ينبغـي أن تعطـي مـا تستعيـن به على الجهاد ويعده أنه يرسل من يدفعهم عن بلاده‏.‏ ثم سار دبيس بن مزيد إلى قرواش مدداً واجتمعت إليه بنو عقيل وساروا من السن إلى الموصل فتأخر الغز إلى تل أعفر وأرسلوا إلى أصحابهم بديار بكر ومقدمتهم ناصفلي وبوقا فوصلـوا إليهم وتزاحفوا مع قرواش في رمضان سنة خمس وثلاثين فقاتلوهم إلى الظهر وكشفوا العـرب عـن حللهـم‏.‏ ثـم استماتـت العـرب فانهزمـت الغـز وأخذهـم السيف‏.‏ ونهب العرب أحياءهم وبعثوا برؤوس القتلى إلى بغداد واتبعهم قرواش إلى نصيبين ورجع عنهم‏.‏ وقصدوا ديار بكر فنهبوها‏.‏ ثم أرزن الروم كذلك ثم أذربيجان ورجع قرواش إلى الموصل‏.‏

استيلاء بدران بن المقلد على نصيبين
قد تقدم لنا محاصرة بحران نصيبين ورحيله عنها من أخيه قرواش‏.‏ ثم اصطلحا بعد ذلك واتفقـا وتـزوج نصيـر الدولـة ابنـة قـرواش فلـم يعـدل بينهـا وبيـن نسائـه وشكـت إلـى أبيها فبعث عنها‏.‏ ثـم هـرب بعـض عمـال ابـن مـروان إلـى قـرواش وأطمعـه فـي الجزيـرة فتعلل عليه قرواش بصداق ابنته وهو عشرون ألف دينار‏.‏ وطلب الجزيرة ونصيبين لأخيه بدران فامتنع ابن مروان من ذلك فبعث قرواش جيشاً لحصار الجزيرة وآخر مع أخيه بدران لحصـار نصيبين‏.‏ ثم جاء بنفسه وحاصرها مع أخيه وامتنعت عليه‏.‏ وتسللت العرب والأكراد إلى نصير الدولة بن مروان بميافارقين‏.‏ وطلب منه نصيبين فسلمها إليه وأعطى قرواش من صـداق ابنتـه خمسـة عشـر ألـف دينـار‏.‏ وكـان ملـك ابـن مـروان فـي دقوقـا فزحـف إليـه أبـو الشوك من أمـراء الأكـراد فحاصـره بهـا وأخذهـا مـن يـده عنـوة وعفـا عـن أصحابـه‏.‏ ثـم توفـي بدران سنة خمس وعشرين وجاء ابنه عمر إلى قرواش فأقره على ولاية نصيبين وكان بنو نمير قد طمعوا فيها وحاصروه فسار إليهم ودافعهم عنها‏.‏ كانت تكريت لأبي المسيب رافع بن الحسين من بني عقيل فجمع غريب جمعاً من العـرب والأكـراد وأمـده جلـال الدولـة بعسكر وسار إلى تكريت فحاصرها‏.‏ وكان رافع بن الحسين عند قرواش بالموصل فسار لنصره بالعساكر ولقيه غريب في نواحي تكريت فانهزم واتبعه قرواش ورافع ولم يتعرضوا لمحلته وماله‏.‏ ثم تراسلوا واصطلحوا‏.‏

فتنة قرواش وجلال الدولة وصلحهما
كـان قـرواش قـد بعـث عسكره سنة إحدى وثلاثين لحصار خميس بن ثعلب بتكريت واستجار خميس بجلال الدولة فبعث إليه بالكف عنه فلم يفعل فسار بنفسه يحاصره وكتب إلى الأتراك ببغداد يستفسدهم عن جلال الدولة‏.‏ وسار جلال الدولة إلى الأنبار فامتنعت عليه‏.‏ وسار قـرواش للقائـه وأعوزت عساكر جلال الدولة الأقوات‏.‏ ثم اختلفت عقيل على قرواش وبعث إلى جلال الدولة بمعاودة الطاعة فتحالفا وعاد كل إلى بلده‏.‏

أخبار ملوك القسطنطينية
لهذه العصور كـان بسيـل وقسطنطيـن قـد تـزوج أبوهمـا أمهمـا فـي يـوم عيـد ركـب إلـى الكنيسة فرآها في النظارة فشغف بها‏.‏ وكان أبوها من أكابر الروم فخطبها منه وتزوجها وولدت الولدين ومات أبوهما وهما صغيران‏.‏ وتزوجت بعده بمدة نقفـور وملـك وتصـرف وأراد أن يجـب ولديهـا‏.‏ وأغـرت الدمستـق بقتله لقتله وتزوجت به‏.‏ وأقامت معه سنة ثم خافها وأخرجها بولديها إلى دير بعيد فأقامـت فيـه سنـة أخـرى‏.‏ ثـم دسـت إلـى بعـض الرهبـان ليقتـل الدمستـق فأقـام بكنيسـة الملـك يتحيل لذلـك حتـى جـاء الملك واستطعمه القربان في العيد من يده فدس له معه سماً ومات‏.‏ وجاءت هـي قبـل العيـد بليـال إلـى القسطنطينيـة فملـك ولدهـا بسيـل واستبـدت عليـه لصغـره‏.‏ فلمـا كبـر سار لقتال البلغار في بلادهم وبلغه وهو هنالك وفاتها فأمر خادماً له بتدبير الأمـر فـي غيبتـه بالقسطنطينية‏.‏ وأقام في قتال البلغار أربعين سنة‏.‏ ثـم انهـزم وعـاد إلـى القسطنطينيـة وتجهـز ثانيـة وعـاد إليهـم فظفـر بهم وقتل ملكهم وملك بلادهـم‏.‏ ونقـل أهلهـا إلـى بلـاد الـروم‏.‏ قـال ابـن الأثيـر‏:‏ وهـؤلاء البلغـار الذيـن ملـك بلادهم بسيل غير الطائفة المسلمة منهم وهؤلاء أقرب من أولئك إلى بلاد الروم بشهرين وكلاهما بلغار انتهى‏.‏ وكان بسيل عادلا حسن السيرة وملك على الروم نيفاً وسبعين سنة‏.‏ ولما مات الملك أخوه قسطنطين‏.‏ ثم مات وخلف بنات ثلاثاً فملكت الكبرى وتزوجت بأرمانوس من بيت ملكهم وهو الذي ملك الرها من المسلمين‏.‏ وكان له من قبل الملك رجل يخدمه من السوقة الصيارفة اسمـه ميخاييـل فاستخلصـه وحكمـه فـي دولتـه فمالـت زوجـة أرمانـوس إليـه‏.‏ وأعمـلا الحيلـة في قتل الملك أرمانوس فقتلاه خنقاً وتزوجته على كره من الروم‏.‏ ثم عرض لميخاييل هذا مرض شوه خلقته فعهد بالملك إلى ابن أخيه واسمه ميخاييل فملك بعده وقبض على أخوالـه وأخوتهـم وضرب الدنانير باسمه سنة ثلاثين وأربعمائة‏.‏ ثم أحضر زوجته بنت الملك وحملها على الرهبانية والخروج له عن الملك وضربها ونفاها إلى جزيرة في البحـر‏.‏ ثـم اعتـزم علـى قتـل البطـرك للراحـة مـن تحكمـه فأمـره بالخـروج إلـى الديـر لعمـل وليمـة يحضرها جنده وأرسل جماعة مـن الـروم وبلغـار لقتلـه فبـذل لهـم البطـرك مـالا علـى الإبقـاء ورجـع إلـى بيعتـه وحمـل الـروم علـى عـزل ميخاييـل فأرسـل إلى زوجته الملكة من الجزيرة التي نفاها إليها فلم تفعل وأقبلت علـى رهبانيتهـا فخلعهـا البطـرك مـن الملـك‏.‏ وملكـت أختهـا الصغيـرة بدرونة وأقاموا من خدم أبيها من يدبر ملكها وخلعوا ميخاييل وقاتل أشياعه أشياع بدرونة فظفر بهم أشياع بدرونة ونهبوهم وفزع الروم إلى التماس ملك يدبرهم وقارعوا بين المرشحين فخرجت القرعة على قسطنطين فملكوه وتزوجته الملكة الكبرى ونزلت لها الصغيرة عن الملك سنة أربع وثلاثين‏.‏ ثم خرج خارجي من الروم اسمه ميناس وكثر جمعه وبلغ عشرين ألفا‏.‏ وجهـز قسطنطيـن إليـه العساكـر فقتلوه وسيق رأسه إليه وافترق أصحابه ثم ورد على القسطنطينية سنة خمس وثلاثين مراكب للروم ووقعت منها محاورات نكرها الروم فحاربوهم وكانوا قد فارقوا مراكبهم إلى البر فأحرقوها وقتلوا الباقين‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:33 PM

الوحشة بين قرواش والأكراد
كان للأكراد عدة حصون تجاور الموصل فمها للحميدية قلعـة العقـر ومـا إليهـا وصاحبهـا أبـو الحسن بن عكشان وللهدبانية قلعة إربل وأعمالها وصاحبها أبو الحسـن بـن موشـك ونازعـه أخوه أبو علي بن أربل فأخذها منه بإعانة ابن عكشان وأسر أخاه أبا الحسن‏.‏ وكان قرواش وأخـوه زعيـم الدولـة أبو كامل مشغولين بالعراق فنكرا ذلك لما بلغهما ورجعا إلى الموصل فطلب قرواش من الحميدي والهدباني النجدة على نصير الدولة بن مروان فجاء الحميدي بنفسه‏.‏ وبعث الهدباني أخاه وأصلح قرواش ونصير الدولة‏.‏ ثم قبض على عكشان وصالحه علـى إطلـاق أبـي الحسـن بـن موشـك وامتنـع أخـوه أبـو علي وكان عكشان عوناً عليه فأجاب ورهن في ذلـك ولـده ثـم أرسـل أبا علي في ذلك الأمر وحضر بالموصل ليسلم أربل إلى أخيه أبي الحسن وسلـم قـرواش إليـه قلاعـه‏.‏ وخـرج ابـن عكشـان وأبـو علـي ليسلمـا إربـل إلـى أبي الحسن بن موشك فغدرا به وقبضا على أصحابه وهرب هو إلى الموصل وتأكدت الوحشة بينهما وبين قرواش‏.‏ خلع قرواش بأخيه أبي كامل ثم عوده ثم وقعت الفتنة بين معتمد الدولة وقرواش وأخيه زعيم الدولة أبي كامل وكـان سببهـا أن قريشاً ابن أخيهما بدران فتن عمه أبا كامل وجمع عليه الجموع وأعانه عمه الآخر‏.‏ واستمد قـرواش بنصيـر الدولـة بـن مـروان فبعـث إليـه بابنـه سليمـان‏.‏ وأمـده الحسـن بن عكشان وغيرهما من الأكراد وساروا إلى معلابا فنهبوها وأحرقوها‏.‏ ثم اقتتلوا في المحرم سنة إحدى وأربعين يوماً وثانيـاً ووقفـت الأكـراد ناحيـة عـن المصاف ولم يغشوا المجال‏.‏ وتسلل عن قرواش بعض جموعه من العرب إلى أخيه وبلغه أن شيعة أخيه أبي كامل بالأنبار وثبوا فيها وملكوها فضعـف أمـره وأحس من نفسه الظهور عليه‏.‏ ولم يبرح فركب أخوه أبو كامل وقصد حلته فركب قرواش للقائه وجاء به أبو كامل لحلته‏.‏ ثم بعث به إلى الموصل ووكل به وملك أبو كامل الموصـل واشتط العرب عليه فخاف العجز والفضيحة أن يراجعوا طاعة أخيه فسبقهم إليها وأعاده إلى ملكـه وبايعـه علـى الطاعـة ورجـع إلـى ملكـه‏.‏ وكـان أبو كامل قد أحدث الفتنة بين الباسيري كافل الخلافة ببغداد وملك الأمراء بها لما فعله بنو عقيل في عراق العجم من التعرض لإقطاعه فسـار‏.‏ إليهـم الساسيـدي وجمـع أبـو كامـل بـن عقيل ولقيه فاقتتلوا قتالاً شديداً‏.‏ ثم حاجزوا فلما رجـع قـرواش إلـى مكة نزع جماعة من أهل الأنبار إلى البساسيري شاكرين سيرة قرواش وطلبوا أن يبعث معهم عسكراً وعاملا إلى بلدهم ففعل ذلك وملكها من يد قرواش وأظهر فيهم العدل‏.‏

خلع قرواش ثانية واعتقاله
كان قرواش لما أطاعه أخو أبو كامل بقي معه كالوزير يتصرف إلا أن قرواش أنف من ذلك وأعمـل الحيلـة فـي التخلـص منـه فخـرج من الموصل سائراً إلى بغداد‏.‏ وشق ذلك على أخيه أبي كامل فأرسل إليه أعيان قومه ليردوه طوعاً أو كرهاً فلاطفوه أولاً وشعر منهم بالدخيلة فأجاب إلـى العـود وشرط سكنى دار الإمارة‏.‏ فلما جاء إلى أبي كامل قام بمبرته وإكرامه ووكل به من يمعنه التصرف‏.‏

وفاة أبي كامل وولاية قريش بن بدران
لما ملك قريش بن بدران وحبس عمه بقلعة الجراحية ارتحل يطلب العراق سنة أربع وأربعين فانتقض عليه أخوه المقلد وسار إلى نور الدولة دبيس بن مزيد فنهب قريش حلله وعاد إلى الموصل‏.‏ واختلف العرب عليه ونهب عمال الملك الرحيم ما كان لقريش بنواحي العراق‏.‏ ثم استمال قريش العرب عليه ونهب عمال الملك الرحيم مـا كـان لقريـش بـن المسيـب صاحـب الحظيرة خالفا عليه‏.‏ وبعث قريش بعض أصحابه فلقيهم وأوقع بهم فسار إليه قريش ولقيه فهزمه واتبعه إلى حلل بلاد ابن غريب ونهبها ودخل العراق‏.‏ وبعث إلى عمال الملك الرحيم بالطاعة وضمان ما كان عليه في أعماله فأجابوه إلى ذلك لشغل الملك الرحيـم بخوزستـان فاستقر أمره وقوي‏.‏ وفاة قـرواش‏:‏ وفي سنة أربـع وأربعيـن هـذه توفـي معتمـد الدولـة أبـو منيـع قـرواش المقلـد بمحبسـه فـي قلعة الجراحية وحمل إلى الموصل ودفن بها ببلد نينوى شرقيها وكان من رجال العرب‏.‏

استيلاء قريش على الأنبار
وفي سنة سـت وأربعيـن زحـف قريـش بن بدران من الموصل ففتح مدينة الأنبار وملكها من يد عمال البساسيري‏.‏ وسار البساسيري إلى الأنبار فاستعادها‏.‏ حرب قريش بن بدران والبساسيري ثم اتفاقهما وخطبة قريش لصاحب مصر كان قريش بن بدران قد بعث بطاعته إلى طغرلبك وهو بالري وخطب له بجميـع أعمالـه وقبض على الملك الرحيم‏.‏ وكان قريش معه فنهب معسكره واختفى وسمع به السلطان فأمنه ووصل إليه فأكرمه ورده إلى عمله‏.‏ وكان البساسيري قد فارق الملك الرحيم عند مسيره من واسط إلى بغداد ومسير طغرلبك من حلوان‏.‏ وقصد نور الدولة دبيس بن مزيد للمصاهرة بينهمـا‏.‏ وكـان سبـب مفارقـة البساسيـري للملـك الرحيـم كتـاب القائـم لـه بإبعاده لإطلاعه على كتابه إلـى خليفـة مصـر فلمـا وصـل قريـش بن بدران إلى بغداد وعظم استيلاء السلطان طغرلبك على الدولـة بعـث جيشـا وزحـف البساسيـري للقائهـم ومعـه نـور الدولـة دبيس فالتقوا بسنجار فانهـزم قريش وقطلمش وأصحابهما وقتل كثير منهم‏.‏ وعاث أهل سنجار فيهم وسار بهم إلى الموصل وخطب بها للمستنصر خليفة مصر وقد كانوا بعثوا إليه بطاعتهم من قبل فبعث إليهم بالخلع ولقريش جملتهم‏.‏

استيلاء طغرلبك على الموصل وولاية أخيه نيال عليها ومعاودة قريش الطاعة
كان السلطان طغرلبك لما طال مقامه ببغداد ساء أثر عساكره في الرعايا فبعث القائم وزيره رئيس الرؤساء أن يحضر عميد الملك الكندري وزير طغرلبك ويعظه في ذلك ويهدده برحيل القائم عن بغداد فبلغه خلال ذلك شأن الموصل فرحل إليها وحاصر تكريت ففتحها وقبل من صاحبهـا نصـر بـن عيسـى مـن بنـي عقيـل مـا لا بـد لـه منـه‏.‏ ورحل عنه فمات نصر وولي بعده أبو الغنائم بن البحلبان فأصلح حاله مع رئيس الرؤساء ورحل السلطان من البواريح وكان في انتظـار أخيـه ياقوتـي بـن تنكيـر‏.‏ ثـم توجه السلطان إلى نصيبين وبعث هزارسب إلى البرية لقتال العـرب وفيهـم قريـش ودبيس وأصحاب حران والرقة من نمير فأوقع بهم ونال منهم وأسر جماعة فقتلهم‏.‏ وعـاد إلـى السلطـان طغرلبـك فبعـث إليـه قريـش ودبيـس بطاعتهمـا وأن يتوسـط لهما عند السلطان فعفا السلطان عنهما وقال البساسيري‏:‏ ردهما إلى الخليفة فيرى ما عندهما‏.‏ فرحل البساسيري عند ذلك إلى الرحبة وتبعه أتراك بغداد ومقبل بن المقلد وجماعة من بني عقيل‏.‏ وبعث السلطان إلى قريش ودبيس هزارسب بن تنكير ليقضي ما عندهما ويحضرهما وكان ذلك بطلبهما‏.‏ ثم خافا على أنفسهما فبعث قريش أبا السيد هبة الله بن جعفر ودبيس ابنه بهاء الدولة منصوراً فقبلهما السلطان وكتب لهما بأعمالهما‏.‏ وكان لقريش من الأعمال‏:‏ الموصل ونصيبيـن وتكريـت وأوانـا ونهـر بيطـر وهيـت والأنبار وبادرونا ونهر الملك‏.‏ ثم قصد السلطان ديار بكر ووصل إليه أخوه إبراهيم نيال وأرسل هزارسـب إلـى قريـش ودبيـس يحذرهمـا منـه‏.‏ وسار لسنجار لأجل واقعته مع قريش ودبيس فبعث العساكر إليها واستباحهم وقتل أميرها علي بن مرحا وخلق كثير من أهلها رجالاً ونساء وشفع إبراهيم نيال في الباقين فكف عنهم وأقطـع سنجـار والموصـل وتلـك الأعمـال كلهـا لأخيه إبراهيم نيال وعاد إلى بغداد فدخلها في ذي القعدة سنة تسع وأربعين‏.‏ مقارنة نيال الموصل وما كان لقريش فيها وفي بغداد مع البساسيري وحبسهما القائم وفي سنة خمسين وأربعمائة خرج إبراهيم نيال من الموصل إلى بلاد الروم فخشي طغرلبك أن يكون منتقضاً وبادر بكتابه وكتاب الخليفة إليه فرجع وخرج الوزير الكندري للقائه‏.‏ وخالفه البساسيـري وقريـش إلى الموصل فملكها وحاصر القلعة حتى استأمن أهلها على يد ابن موسك وصاحـب أربـد فأمناهـم وهدمـا القلعـة‏.‏ وسـار السلطـان طغرلبـك من وقته إلى الموصل ففارقها واتبعها إلى نصيبين ففارقه أخوه نيال في رمضان سنة خمسيـن‏.‏ وسـار السلطـان طغرلبك في أثره وحاصره بهمذان وجاء البساسيري إلى بغداد‏.‏ وكان هزارسـت بواسـط ودبيس ببغداد قد استدعاه الخليفة للدفاع فسئم المقام ورجع إلى بلده‏.‏ وجاء البساسيري وقريش ووزير بني بويه أبو الحسن بن عبد الرحيم ونزلوا بجوانب بغداد ونزل عميد العراق بالعسكر قيالة البساسيري ورئيس الرؤساء وزير الخليفة قبالة الآخرين‏.‏ وخطب البساسيري للمستنصر صاحب مصر بجوامع بغداد وأذن بحي على خير العمـل ثـم إستعجل رئيس الرؤساء الحرب فاستنجده القوم ثم كروا عليه فهزموه واقتحموا حريم الخلافة وملكوا القصور بما فيها وركب الخليفة فوجد عميد العراق قد إستأمن إلى قريش بن بحران فاستأمن هو كذلك وأمنهما قريش وأعادهما وعذله البساسيري في الإنفراد بذلك عونه وقد تعاهدا على خلاف ذلك فاستعتب لـه بالوزيـر رئيـس الرؤسـاء ودفعـه إليـه‏.‏ وأقـام الخليفـة والعميـد عنـده فقتـل البساسيـري الوزير ابن عبد الرحيم وبعث قريش بالخليفة القائم مع ابن عمه مهارش بن نجلي إلى حديثة عانة فأنزله بها مع أهله وحرمه وحاشيته حتى إذا فرغ السلطان طغرلبـك مـن أمـر أخيـه نيـال وقتلـه ورجـع إلـى بغـداد بعـث البساسيري وقريش في إعادة القائم إلى داره فامتنع وأجفل عن بغداد في ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وشمـل النهـب مدينـة بغـداد وضواحيهـا مـن بنـي شيبـان وغيرهم وبعث السلطان طغرلبك الإمام أبا بكـر محمـد بـن فـورك إلـى قريش ابن بدران يشكره على فعله بالخليفة وبابنة أخته زوجة الخليفة أرسلـان خاتون وأنه بعث ابن فورك لإحضارهما وكثب قريش إلى مهارش ابن عمه بأن يلحق بـه هـو والخليفـة فـي البريـة فأبى وسار الخليفة إلى العراق وجعل طريقه على الري ومر ببدر ابن مهلهل فخدم القائم وخرج السلطان للقاء الخليفـة وقـدم إليـه الأمـوال والآلـات وعرضـه أربـاب الوظائـف ولقيـه بالنهـروان وجـاء معـه إلـى قصـره كمـا تقدم في أخباره‏.‏ وبعث السلطان خبارتكين الطغرائي في العساكر لإتباع البساسيري والعرب وجاء إلـى الكوفـة واستصحـب سرايـا ابن منيع ببني خفاجة وسار السلطان في أثرهم وصبحت السرية البساسيري في حلة دبيس بن يزيد فنهبوها وفر دبيس وقاتل البساسيري وأصحابه فقتل في المعركة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:35 PM

وفاة قريش بن بدران لولاية إبنه مسلم
ثم توفي قريش بن بدران سنة ثلاث وخمسين ودفن بنصيبين وجاء فخر الدولة أبو نصر بن محمد بن جهير من دارا وجمع بني عقيل على ابنه أبي المكارم مسلم بن قريش فولوه عليهم واستقام أمره وأقطعه السلطـان سنـة ثمـان وخمسيـن الأنبـار وهيـت وحريـم والسـن والبواريـح ووصـل إلـى بغـداد فركـب الوزيـر بـن جهير في المركب للقائه‏.‏ ثم سار سنة ستين وأربعمائة إلى الرحبة فقاتل بها بني كلاب وهم في طاعة المستنصر العلوي فهزمهم وأخذ أسلابهم وبعث بأشلائهم وعليها سمات العلوية فطيف بها منكسة ببغداد‏.‏

إستيلاء مسلم بن قريش على حلب
وفي سنة اثنتيـن وسبعيـن سـار شـرف الدولـة مسلـم بن قريش صاحب الموصل إلى مدينة حلب فحاصرها ثم أفرج عنها فحاصرها تتش بن ألبارسلان وقد كان ملك الشام سنة إحـدى وسبعيـن قبلهـا فأقـام عليهـا أيامـا‏.‏ ثـم أفرج عنها وملك بزاغة والبيرة وبعث أهل حلب إلى مسلم بـن قريـش بـأن يمكنـوه مـن بلدهـم ورئيسهـا يومئـذ ابن الحسين العباسي فلما قرب منهم امتنعوا من ذلك فترصد لهـم بعـض التركمـان وهـو صاحـب حصـن بنواحيهـا‏.‏ وأقـام كذلـك أيامـا حتـى صادف ابن الحسين يتصيد في ضيعته فأسره وبعث به إلى مسلم بن قريش فأطلقه على أن يسلمـوا لـه البلـد فلمـا عـاد إلـى البلـد تـم لـه ذلـك وسلم له البلد فدخله سنة ثلاث وسبعين وحصر القلعة وإستنزل منها سابغًا ووثابًا ابني محمد بن مرداس وبعث إبنه إبراهيم وهو ابن عمة السلطان إلى السلطان يخبره بملك حلب وسأل أن يقدر عليه ضمانه فأجابه السلطان إلى ذلك وأقطع ابنه محمدأ مدينـة بالـس‏.‏ ثـم سـار مسلـم إلـى حـران وأخذهـا مـن بنـي وثـاب النميرييـن وأطاعـه صاحب الرها ونقش السكة باسمه‏.‏

حصار مسلم بن قريش دمشق وعصيان أهل حران عليه
وفي سنة ست وسبعين سار شرف الدولة إلى دمشق فحاصرها وصاحبها نتش فخرج فـي عسكـره وهـزم مسلـم بن قريش فارتحل عنها راجعًا إلى بلاده‏.‏ وقد كان إستمد أهل مصر فلـم يمـدوه‏.‏ وبلغـه الخبـر بـأن أهـل حران نقضوا الطاعة وأن ابن عطية وقاضيها ابن حلية عازمان علـى تسليـم البلـد للتـرك فبـادر إلى حران وصالح في طريقه ابن ملاعب صاحب حمص وأعطاه سليمة ورفسة وحاصر حران وخرب أسوارها واقتحمها عنوة وقتل القاضي وابنه‏.‏ كـان فخر الدولة أبو نصر محمد بن أحمد بن جهير من أهل الموصل واتصل بخدمة بني المقلد‏.‏ ثـم استوحش من قريش بن بدران واستجار ببعض رؤساء بني عقيل فأجاروه منه‏.‏ ومضي إلـى حلـب فاستـوزره معـز الدولـة أبـو ثمـال بـن صالح‏.‏ ثم فارقه إلى نصير الدولة بن مروان بديار بكر فاستوزره‏.‏ ولما عزل القائم وزيره أبا الفتح محمد بن منصور بن دارس إستدعاه للوزارة فتحيـل فـي المسيـر إلـى بغـداد وإتبعـه ابـن مـروان فلـم يدركـه‏.‏ ولمـا وصل إلى بغداد إستوزره القائم سنة أربع وخمسين وطغرلبك يومئذ هو السلطان المستبد على الخلفاء‏.‏ وإستمرت وزارتـه وتخللهـا العـزل في بعض المرات إلى أن مات القائم وولي المقتدي وصارت السلطنة إلى ملك شاه فعزله المقتدي سنة إحدى وسبعين بشكوى نظام الملك إلى الخليفة به وسؤاله عزله فعزله‏.‏ وسـار ابنـه عميـد الدولـة إلـى نظـام الملـك بأصفهان واستصلحه وشفع فيه إلى المقتدي فأعاد ابنه عميـد الدولـة‏.‏ ثـم عزله سنة ست وسبعين فبعث السلطان ملك شاه ونظام الملك إلى المقتدي بتخلية سبيل بني جهير إليه فوفدوا عليه بأصفهان ولقوا منه مبرة وتكرمة‏.‏ وعقد السلطان ملك شاه لفخر الدولة على ديار بكـر وبعـث معـه العساكـر وأمـره أن يأخـذ البلاد من ابن مروان وأن يخطب لنفسه بعد السلطان وينقش إسمه على السكة كذلك فسار لذلـك وتوسـط ديـار بكـر‏.‏ ثم أردفه السلطان سنة سبع وسبعين بالعساكر مع الأمير أرتق جد الملوك بماردين لهذا العهد وكان ابن مروان عندما أحس بمسير العساكر إليه بعث إلى شرف الدولة مسلم بن قريش يستنجده على أن يعطيه آمد من أعماله فجاء إلى آمد وفخر الدولة بنواحيها وقد أرتاب من إجتماع العرب على نصرة بن مروان ففتر عزمه عن لقائهم‏.‏ وسارت عساكر الترك الذين معه فصبحوا العرب في أحيائهم فانهزموا وغنموا أموالهم ومواشيهم ونجا شرف الدولة إلى آمد وحاصره فخر الدولة فيمن معه من العساكر‏.‏ وبعـث مسلـم بـن قريـش إلـى الأميـر أرتـق يغضـي عنـه فـي الخـروج مـن آمـد علـى مـال بذلـه لـه فأغضى لـه وخرج إلى الرقة وسار أحمد بن جهير إلى ميافارقين بلد إبن مروان لحصارها ففارقه بهاء الدولـة منصـور بـن مزيـد وإبنـه سيـف الدولـة صدقة إلى العراق وسار إبن جهير إلي خلاط وكان السلطـان ملـك شـاه لما بلغه إنحصار مسلم بن قريش بآمد بعث عميد الدولة أقسنقر جد الملك العادل محمود في عساكر الترك ولقيهم الأمير أرتق في طريقهم سائرأ إلى العراق فعاد معهم وجـاؤوا إلـى الموصـل فملكوهـا‏.‏ وسـار السلطـان فـي عساكـره إلـى بلاد مسلم بن قريش وإنتهى إلى البواريح وقد خلص مسلم بن قريش من الحصار بآمد ووصل إلى الرحبة وقد ملكت عليه الموصل وذهبت أمواله فراسل مؤيد الملك بن نظام الملك فتوسل به فتقبل وسيلته وأذن له في الوصـول إلـى السلطـان بعـد أن أعطاه من العهد ما رضي به‏.‏ وسار مسلم بن قريش من الرحبة فأحضره مؤيد الملك عند السلطان وقدم هدية فاخرة من الخيل وغيرها ومن جملتها فرسـه الذي نجا عليه وكان لا يجارى فوقع من السلطان موقعًا وصالحه وأقره على بلاده فرجع إلى الموصل وعاد السلطان إلى ما كان بسبيله‏.‏

مقتل مسلم بن قريش وولاية إبنه إبراهيم
قد قدمنا ذكر قطلمش قريب السلطان طغرلبك وكان سار إلى بلاد الروم فملكها واستولى على قونية واقصراي ومات فملك مكانه ابنه سليمان وسار إلى إنطاكية سنة سبع وسبعين وأربعمائة وأخذها من يد الروم كما نذكر في أخباره‏.‏ وكان لشرف الدولة مسلم بن قريش بأنطاكيه جزية يؤديها إليه صاحبا القردروس من زعماء الروم فلما ملكها سليمان بن قطلمش بعث إليه يطالبه بتلك الجزية ويخوفه معصية السلطان فأجابه بأني على طاعة السلطان وأمري فيها غير خفي وأما الجزية فكانت مضروبة على قوم كفار يعطونها عن رؤوسهم وقد أدال الله منهم بالمسلمين ولا جزية عليهم فسار شرف الدولة ونهب جهات إنطاكيـة‏.‏ وسـار سليمـان فنهب جهات حلب وشكت عليه الرعايا فرد عليهم‏.‏ ثم جمع شرف الدولة جمـوع العـرب وجموع التركمان مع أميرهم جق وسار إلى إنطاكية فسار سليمان للقائـه وإلتقيـا فـي أعمـال ولما إلتقوا مال الأمير جق بمن معه من التركمان إلى سليمان فاختل مصاف مسلم بن قريش وإنهزمـت العـرب عنـه وثبـت فقتل في أربعمائة من أصحابه وكان ملكه قد إتسع من نهر عيسى وجميع ما كان لأبيه وعمه قرواش من البلاد‏.‏ وكانت أعماله في غاية الخصب والأمن وكان حسـن السياسـة كثيـر العـدل‏.‏ ولما قتل مسلم إجتمع بنو عقيل وأخرجوا أخاه إبراهيم من محبسه بعـد أن مكـث فيـه سنيـن مقيـدًا حتـى أفسـد القيـد مشيته فأطلقوه وولوه على أنفسهم مكان أخيه مسلـم‏.‏ ولمـا قتـل مسلم سار سليمان بن قطلمش إلى إنطاكية وحاصرها شهرين فامتنعت عليه ورجع‏.‏ وفي سنة تسـع وسبعيـن بعدهـا بعـث عميـد العـراق عسكـرا إلـى الأنبـار فملكهـا مـن يـد بنـي عقيل‏.‏ وفيها أقطع السلطان ملك شاه مدينة الرحبة وأعمالها وحران وسروج والرقة والخابور لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش وزوجه بأخته خاتون زليخه فتسلم جميع هذه البلاد وإمتنع محمد بن المشاطر من تسليم حران فأكرهه السلطان على تسليمها‏.‏

نكبة إبراهيم وتنازع محمد وعلي ابني مسلم بعده على ملك الموصل
ثم إستيلاء علي عليها لم يزل إبراهيم بن قريش ملكًا بالموصل وأميرًا على قومه بني عقيل حتى إستدعاه السلطان ملك شاه سنة إثنتين وثمانين فلما حضر إعتقله وبعث فخر الدولة بن جهير على البلاد فملك الموصـل وغيرهـا وأقطع السلطان عمته صفية مدينة بلد وكانت زوجًا لمسلم بن قريش ولها منه ابنه علي وتزوجت بعده بأخيه إبراهيم فلما مات ملك شاه إرتحلت صفية إلى الموصل ومعها إبنها علي بن مسلم وجاءه أخوه محمد بن مسلم وتنازعا في ملك الموصل وإنقسمت العرب عليهما‏.‏ وإقتتلوا على الموصل فانهزم محمد وملك علي ودخل الموصل وإنتزعها مـن يـد ابـن جهير‏.‏

عود إبراهيم إلي ملك الموصل ومقتله
ولما مات ملك شاه وإستبـدت تركمـان خاتـون بعـده بالأمـور وأطلقـت إبراهيـم مـن الإعتقـال فبادر إلى الموصل فلما قاربها سمع أن علي ابن أخيه مسلم قد ملكها ومعه أمه صفية عمة ملـك شـاه فبعث إليها وتلطف بها فدفعت إليه ملك الموصل فدخلها وكان تتش صاحب الشام أخو ملك شاه قد طمع في ملك العراق وإجتمع إليه الأمراء بالشام وجاء أقسنقر صاحب حلب وسار إلى نصيبين فملكها وبعث إلى إبراهيم أن يخطب له ويسهل طريقه إلى بغداد فامتنـع إبراهيـم مـن ذلـك فسـار تتـش ومعـه أقسنقر وجموع الترك‏.‏ وخرج إبراهيم للقائه في ثلائين ألفـا‏.‏ والتقي الفريقان بالمغيم فانهزم إبراهيم وقتل وغنم الترك حللهم وقتل كثير من نساء العرب أنفسهن خوفًا من الفضيحة واستولى تتش على الموصل‏.‏

ولاية علي بن مسلم علي الموصل
ثم إستيلاء كربوقا وإنتزاعه إياها من يده وانقراض أمر بني ولمـا قتـل إبراهيم وملك تتش الموصل ولي عليها علي بن أخيه مسلم بن قريش فدخلها مع أمه صفيـة عنـد ملـك شـاه وإستقـرت هـي وأعمالهـا فـي ولايتـه‏.‏ وسار تتش إلى ديار بكر فملكها ثم إلـى أذربيجـان فاستولى عليها‏.‏ وزحف إليه بركيارق وابن أخيه ملك شاه وتقاتلا فانهزم تتش وقـام بمكانـه ابنـه رضـوان وملـك حلـب‏.‏ وأمـره السلطـان بركيـارق بإطلـاق كربوقـا فأطلقه‏.‏ وإجتمعـت عليـه رجال وجاء إلى حران فملكها وكاتبه محمد بن مسلم بن قريش وهو بنصيبين ومعـه تـوران بـن وهيـب وأبـو الهيجـاء الكردي يستنصرونه على علي بن مسلم بن قريش بالموصل فسار إليهم وقبض على محمد بن مسلم وسار به إلى نصيبين فملكها‏.‏ ثم سار إلى الموصل فامتنعت عليه ورجع مدينة بلد وقتل بها محمد بن مسلم غريقًا وعاد إلى حصار الموصل‏.‏ وإستنجـد علـي بـن مسلـم بالأميـر جكرمـش صاحـب جزيـرة ابـن عمـر فسـار إليـه منجداً له‏.‏ وبعث كربوقـا إليـه عسكـرًا مـع أخيـه التوتنـاش فـرده مهزومًـا إلى الجزيرة فتمسك بطاعة كربوقا وجاء مدداً له على حصار الموصل‏.‏ وأشتد الحصار بعلي بن مسلم فخرج من الموصل ولحق بصدقة بن مزيـد بالحلـة وملك كربوقا بلد الموصل بعد حصار تسعة أشهر‏.‏ وإنقرض ملك بني المسيب من الموصل وأعمالها واستولى عليها ملوك الغز من السلجوقية أمراؤهم والبقاء لله وحده‏.‏

الخبر عن دولة بني صالح بن مرداس بحلب وإبتداء أمرهم
وتصاريف أحوالهم كان ابتداء أمر صالح بن مرداس ملك الرحبة وهو من بني كلاب بن ربيعة بـن عامـر بـن صعصعة ومجالاتهم بضواحي حلب‏.‏ وقال ابن حزم إنه من ولد عمرو بن كلاب وكانت مدينة الرحبة لأبي علي بن ثمال الخفاجي فقتله عيسى بن خلاط العقيلي وملكها من يده وبقيت له مـدة‏.‏ ثم أخذها منه بدران بن المقلد‏.‏ وزحف لؤلؤ الساري نائب الحاكم بدمشق فملك الرقة ثـم الرحبـة مـن يـد بـدران وعـاد إلـى دمشـق‏.‏ وكـان رئيـس الرحبـة ابن مجلكان فاستبد بها‏.‏ وبعث إلـى صالـح بـن مـرداس يستعيـن بـه علـى أمـر فأقـام عنـده مدة ثم فسد ما بينهما وقاتله صالح‏.‏ ثم إصطلحـا وزوجـه ابـن مجلكـان إبنتـه ودخـل البلـد‏.‏ ثم إنتقل ابن مجلكان إلى عانه بأهله وماله بعد أن أطاعـوه وأخـذ رهنهـم‏.‏ ثـم نقضـوا وأخـذوا مالـه وسـار إليهم ابن مجلكان مع صالح فوضع عليه صالح من قتله وسار إلى الرحبة فملكها واستولى على أموال ابن لجلكان وأقام دعوة العلويين بمصر‏.‏ إبتداء أمر صالح في ملك حلب قـد قدمنـا أن لؤلـؤا مولـى أبـي المعالـي بـن سيـف الدولـة إستبد بحلب على ابنه أبي الفضائل وأخذ البلـد منـه ومحـا دعـوة العباسيـة وخطـب للحاكـم العلـوي بمصـر‏.‏ ثـم فسـد حاله معه وطمع صالح بن مرداس في ملك حلب‏.‏ وذكرنا هنالك ما كان بين صالح ولؤلؤ من الحروب وأنه كان له مولى اسمه فتح وضعه في قلعة حلب حافظًا لها فاستوحش وإنتقض على لؤلؤ بممالأة صالح بن مرداس وبايع للحاكم على أن يقطعه صيدا أو بيروت وسوغه ما كان في حلب من الأموال‏.‏ ولحـق لؤلـؤ بأنطاكيـة وأقـام عنـد الروم‏.‏ وخرج فتح بحرم لؤلؤ وأمه وتركهن في منبج‏.‏ وترك حلب وقلعتهـا إلـى نـواب الحكـم وتداولـت فـي أيديهـم حتـى وليهـا بعض بني حمدان من قبل حاكم يعرف بعزيز الملك اصطنعه الحاكم وولاه حلب‏.‏ ثم عصى على ابنه الظاهر وكانت عمته بنت الملك مدبـرة لدولتـه فوضعـت علـى عزيـز الملـك من قتله‏.‏ وولوا على حلب عبد الله بن علي بن جعفر الكتامي ويعرف بابن شعبان الكتامي وعلى القلعة صفي الدولة موصوفًا الخادم‏.‏

إستيلاء صالح بن مرداس على حلب
ولمـا ضعـف أمـر العبيدييـن بمصر من بعد المائة الرابعة وانقرض أمر بني حمدان من الشام والجزيرة تطاولت العرب إلى الاستيلاء على البلاد فاستولى بنو عقيل على الجزيرة واجتمع عرب الشام فتقاسموا البلاد على أن يكون لحسان بن مفرج بن دغفل وقومه طيء من الرملـة إلـى مصـر ولصالح بن مرداس وقومه بني كلاب من حلب إلى عانة ولحسان بن علينان وقومه دمشق وأعمالها‏.‏ وكان العامل على هذه البلاد من قبل الظاهر خليفة مصر أنوشتكين إلى عسقلان وملكهـا ونهبها حسان‏.‏ وسار صالح بن مرداس إلى حلب فملكها من يد ابن شعبان وسلم له أهل البلد ودخلها‏.‏ وصعد ابن شعبان إلى القلعة فحصرهـم صالـح بالقلعـة حتـى جهدهـم الحصار واستأمنوا وملك القلعة وذلك سنة أربع وعشرين وأربعمائة واتسع ملكه ما بين بعلبك وعانة‏.‏

مقتل صالح وولاية ابنه أبي كامل
ولم يزل صالح مالكا لحلب إلى سنة عشرين فجهز الظاهر العساكر من مصر إلى الشام لقتال صالح وحسان وعليهم أنوشتكين الدريدي فسار لذلك ولقيهما على الأردن بطبرية وقاتلهما فانهزما وقتل صالح وولده الأصغر ونجا ولده الأكبر أبو كامل نصر بن صالح إلى حلب وكان يلقـب شبـل الدولـة‏.‏ ولمـا وقعت هذه الواقعة طمع الروم أهل إنطاكية في حلب فزحفوا إليها في عدد كثير‏.‏

مسير الروم إلى حلب وهزيمتهم
ثـم سـار ملـك الـروم إلـى حلـب فـي ثلاثمائـة ألـف مقاتـل ونزل قريبا من حلب ومعه ابن الدوقس من أكابر الروم وكان منافرًا له فخالفه وفارقه في عشرة آلاف مقاتل ونمي إليه أنه يروم الفتك به وأنه دس عليه فكر راجعًا وقبض على ابن الدوقس واضطرب الروم وإتبعهم العـرب وأهـل السواد الأرمن ونهبوا أثقال الملك أربعمائة حمل وهلك أكثر عسكره عطشًا‏.‏ ثم أشرف بعض العرب على معسكره فهربوا وتركوا سوادهم وأموالهم وأكرم الله المسلمين بالفتح‏.‏

مقتل نصر بن صالح وإستيلاء الوزيري على حلب
وفي سنة تسع وعشرين زحف الوزيري من مصر في العساكر إلى حلب وخليفتهم يومئـذ المستنصر وبرز إليه نصر فالتقـوا عنـد حمـاة وانهـزم نصـر وقتـل‏.‏ وملـك الوزيـري حلـب فـي رمضان من هذه السنة‏.‏ مهلك الوزيري وولاية ثمال بن صالح ولما ملك الوزيري حلب واستولى على الشام عظم أمره واستكثر من الأتراك في الجند ونمي عنه إلى المستنصر بمصر ووزيره الجرجاي أنه يروم الخلاف فدس الجرجاي إلى جانب الوزيري والجند بدمشق في الثورة به وكشف لهم عن سوء رأي المستنصر فثاروا بـه وعجـز عـن مدافعتهم فاحتمل أثقاله وسار إلى حلب ثم إلى حماة فمنع من دخولها فكاتب صاحب كفر طـاب فسـار إليـه وتبعـه إلـى حلـب ودخلهـا وتوفي سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ ولما توفي فسد أمر الشام وإنحـل النظـام وتزايـد طمـع العـرب‏.‏ وكـان معـز الدولـة ثمال بن صالح بالرحبة منذ مهلك أبيه وأخيه فقصد حلب وحاصرها فملك المدينة وإمتنع أصحاب الوزيري بالقلعة‏.‏ وإستمدوا أهل مصر وشغل الوالي بدمشق بعد الوزيري وهو الحسين بن حمدان لحرب حسان بن مفرج صاحب فلسطين فاستأمن أصحاب الوزيري إلى ثمال بن صالح بعد حصاره إياها حولا فأمنهم وملكها فـي صفـر سنـة أربـع وثلاثيـن‏.‏ فلـم يـزل مملكًا عليها إلى أن زحفت إليه العساكر من مصر مع أبي عبيد الله بن ناصر الدولة بن حمدان‏.‏ وبلغت جموعهم خمسة آلاف مقاتل فخرج إليهم ثمال وقاتلهـم وأحسن دفاعهم وأصابهم سيل كاد يذهب بهم فأفرجوا عن حلب وعادوا إلى مصر‏.‏ ثم عادت العساكر ثانية من مصر سنة إحدى وأربعين مع رفقًا الخادم فقاتلهم ثمال وهزمهم وأسر الخادم رفقًا ومات عنده‏.‏

رغبة ثمال عن حلب ورجوعها لصاحب مصر وولاية ابن ملهم عليها
لم تزل العساكر تتردد من مصر إلى حلب وتضيق عليها حتى سئم ثمال بن صالح إمارتها وعجـز عـن القيـام بهـا فبعـث إلـى المستنصـر بمصـر وصالحـه علـى أن ينزل له عن حلب فبعث عليها مكين الدولة أبا علي الحسن بن ملهم فتسلمها آخر سنة تسع وأربعين‏.‏ وسار ثمال إلى مصر ثورة أهل حلب بابن ملهم وولاية محمود بن نصر بن صالح وأقام ابن ملهم بحلب سنتين أو نحوها ثم بلغه عن أهل حلب أنهم كاتبوا محمود بن نصر بن صالـح فقبـض عليـه فثـار بـه أهل حلب وحصروه بالقلعة وبعثوا إلى محمود فجاء منتصف إثنتين وخمسين وحاصره معهم بالقلعة‏.‏ وإجتمعت معه جموع العرب وإستمـد ابـن ملهـم المستنصـر فكتـب إلـى أبـي محمـد الحسن بن الحسين بن حمدان أن يسير إليه في العساكر فسار إلى حلب وأجفل محمود عنها‏.‏ ونزل ابن ملهم إلى البلد ودخلها ناصر الدولة ونهبتها عساكره وابن ملهم‏.‏ ثـم تواقـع محمـود وناصـر الدولـة بظاهـر حلب فانهزم ناصر الدولة بن حمدان وأسر فرجع به محمود إلـى البلـد وملكهـا وملـك القلعـة فـي شعبـان مـن هـذه السنـة وأطلـق أحمد بن حمدان وابن ملهم فعاد إلى مصر‏.‏

رجوع ثمال بن صالح إلى ملك حلب وفرار محمود بن نصر عنها
لمـا هزم محمود بن حمدان وأخذ القلعة من يد ابن ملهم‏.‏ وكان معز الدولة ثمال بن صالح بمصر منـذ سلمهـا للمستنصـر سنـة تسـع وأربعيـن فسرحـه المستنصـر الـآن وأذن له في ملك حلب من ابن أخيه فحاصره في ذي الحجـة مـن سنـة إثنتيـن وخمسيـن‏.‏ وإستنجـد محمـود بخالـه منيـع بـن شبيـب بـن وثاب النميري صاحب حران فأمح‏!‏ بنفسه وجاء لنصره فأفرج ثمال عن حلب وسار إلى البرية في محرم سنة ثلاث وخمسين‏.‏ ثم عاد منيع إلى حران وملك ثمال حلب في ربيع ثلاث وخمسين وغزا بلاد الروم فظفر وغنم‏.‏

وفاة ثمال وولاية أخيه عطية
ثم توفي ثمال بحلب قريبًا من إستيلائه وذلك في ذي القعدة سنة أربع وخمسين وعهد بحلب لأخيه عطية بن صالح وكان بالرحبة من لدن مسير ثمال إلى مصر فسار وملكها‏.‏

عود محمود إلى حلب وملكه إياها من يد عطية
ولمـا ملـك عطيـة حلـب وكـان ذلك عند استيلاء السلجوقية على ممالك العراق والشام وافتراقهم على العمالات‏.‏ ونزل به قوم منهم فاستخدمهم وقوي بهم‏.‏ ثم خشي إصطحابه غائلتهم فأشاروا بقتلهم فسلط أهل البلد عليهم فقتلـوا منهـم جماعـة ونجـا الباقـون فقصـدوا محمود بن نصر بحران فاستنهضوه لملك حلب‏.‏ وجاءهم فحاصرها وملكها في رمضان سنة خمـس وخمسيـن وإستقـام أمـره‏.‏ ولحـق عطيـة عمه بالرقة فملكها إلى أن أخذها منه شرف الدولة مسلـم بـن قريـش سنـة ثلاث وستين فسار إلى بلد الروم سنة خمس وستين وإستقام أمر محمود بن نصر في حلب‏.‏ وبعـث التـرك الذيـن جـاؤوا فـي خدمتـه مـع أميرهـم ابـن خـان سنـة ستيـن إلـى بعـض قلاع الروم فحاصروها وملكها‏.‏ وسار محمود إلى طرابلس فحاصرهـا وصالحـوه علـى حـال فأخرج عنهم‏.‏ ثم سار إليه السلطان ألبأرسلان بعد فراغه من حصار ديار بكر وآمد والرها ولم يظفر بشيء منها كما نذكر في أخبارهم‏.‏ وجاء إلى حلب وحاصرها وبها محمود بن نصر‏.‏ وجاءت رسالة الخليفة القائم بالرجوع إلى الدعـوة العباسيـة فأعادها وسأل من الرسول أزهر أبو الفراس طراد الزيني أن يعفيه السلطان من الحضور عنده فأبى السلطان من ذلك وإشتد الحصار على محمود وأضربهم حجارة المجانيق فخرج ليلاً ومعه والدته منيعة بنت وثاب متطارحين على السلطان فخلع على محمود في حلـب آخـر ثمان وستين وعهد لإبنه شبيب إلى الترك الذين ملكوا أباه وهم بالحاضر وقد بلغه عنهـم العيـث والفسـاد فلما دنا من حللهم تلقوه فلم يجبهم وقاتلهم وأصيب بسهم في تلك الجولة ومات‏.‏

مهلك نصر بن محمود وولاية أخيه سابق
ولمـا هلـك نصـر ملـك أخـوه سابـق‏.‏ قـال ابـن الأثيـر‏:‏ وهـو الـذي أوصـى لـه أبوه بالملك فلم ينفذ عهده لصغره فلما ولي استدعى أحمد شاه مقدم التركمان الذين قتلوا أباه فخلع عليه وأحسن إليه وبقي فيها ملكا‏.‏

إستيلاء مسلم بن قريش علي حلب من يد سابق
وإنقراض دولة بني صالح بن مرداس ولما كانت سنة إثنتين وسبعين زحف تتش بعد أن ملك دمشق إلى حلب فحاصرها أيامأ ووجل أهل حلب من ولاية الترك فبعثوا إلى مسلم بن قريش ليملكوه‏.‏ ثم بدا لهم في أمره ورجـع مـن طريقـه وكـان مقدمهـم يعـرف بإبـن الحسيـن العباسـي‏.‏ وخرج ولده متصيدًا في ضيعة له فأرسل له بعض أهل القلاع بنواحي حلب من التركمان وأسره وأرسله إلى مسلم بن قريش فعاهـده علـى تمكينـه مـن البلـد وعـاد إلـى أبيه فسلم البلد إلى مسلم بن قريش وملكها سنة ثلاث وسبعين‏.‏ ولحق سابق بن محمود وأخوه وثاب إلى القلعة وإستنزلهما بعد أيام علـى الامـان وإستولى على نواحيها‏.‏ وبعث إلى السلطان ملك شاه بالفتح وأن يضمـن البلـد علـى العـادة فأجابه إلى ذلك وصارت في ولاية مسلم بن قريش إلى أن ملكها السلطان من بعده‏.‏

إستيلاء السلطان ملك شاه على حلب وولاية أقسنقر عليها
قد تقدم لنا أن مسلم بن قريش قتله سليمان بن قطلمش كما مر في أخبار مسلم فلما قتله أرسل إليه ابن الحسين العباسي مقدم أهل حلب يطلب تسليمها إليه‏.‏ وكان تتش أيضًا قد حاصرها وضيق عليها بطلب ملكها فوعد كلاً منهما ونمي الخبر إلى تتش فسار إلى حلب وجاءه سليمان بن قطلمش فاقتتلا وقتل سليمان سنة تسع وسبعين وبعث برأسه إلى ابن الحسيـن فكتـب أنـه يشـاور السلطـان ملـك شـاه فـي ذلـك فغضـب تتش وحاصره وداخله بعض أهل البلد فغدر به وأدخله ليلاً فملك تتش مدينة حلب وشفع الأمير أرتق بن أكسك من أمراء تتـش فـي ابـن الحثيثـي وإمتنـع بالقلعـة سالـم بـن مالـك بـن بـدران بـن المقلـد فحاصـره تتـش‏.‏ وكان ابن الحثيثـي قد كاتب السلطان ملك شاه واستدعاه لملك حلب عندما خاف من أخيه تاج الدولة تتش فسار إليها من أصفهان سنة تسع وأربعين ومر بالموصل‏.‏ ثم تسلم حران من يد ابن الشاطر وأقطعها لمحمد بن قريش‏.‏ ثم سار إلى الرها فملكها من يد الروم وكانوا إشتروها من ابن عطية وسار إلى قلعة جعفر فملكها وقتل من بها من بني قشير وأخذ صاحبها جعفراً شيخاً أعمى وولديـن لـه وكانـوا يفسدون السابلة ويرجعون إليها‏.‏ ثم سار إلى منبج فملكها وسار إلى حلب وأخـوه تتـش يحاصر القلعة سبعة عشر يوماً من حصارها وعاد إلى دمشق وملك السلطان مدينة حلب وقاتل القلعة ساعة من نهار رشقاً بالسهام فأذعن سالم بن مالك بن بحران بالطاعة والنزول عنهـا علـى أن يقطعـه قلعة جعفر فاقطعها له السلطان فلم تزل بيده ويد بنيه إلى أن ملكها منهم نور الدين الشهيد‏.‏ وبعث نصر بن علي بن منقذ الكناني صاحب شيزر بالطاعة وولي على حلب قسيم الدولة أقسنقر جد العادل نور الدين الشهيد وإرتحل عائدأ إلى العراق وسأله أهل حلـب أن يعفيهـم مـن ابـن الحثيثـي فاستصلحـه وأرسلـه إلـى ديـار بكـر فنزلهـا إلـى أن توفـي على حال شديدة من الفقر والإملاق والله مالك الأمور لا رب غيره‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:37 PM

الخبر عن دولة بني مزيد ملوك الحلة وإبتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم
كان بنو مزيد هؤلاء من بني أسد وكانت محلاتهم من بغـداد إلـى البصـرة إلـى نجـد وهـي معروفة‏.‏ وكانت له النعمانية وكانت بنو دبيس من عشائرهم في نواحي خوزستان في جزائر معروفـة بهـم‏.‏ وكـان كبيـر بنـي مزيـد أبـو الحسـن علـي بـن مزيـد وأخوه أبو الغنائم‏.‏ وسار أبو الغنائم إلـى بنـي دبيـس فأقـام عندهم وفر فلم يدركوه ولحق بناحية أبي الحسن فسار إليهم أبو الحسن وإستمد عميد الجيوش فأمده بعسكر من الديلم في البحر ولقيهم فأنهزم أبو الحسن وقتل أبو الغنائم وذلك سنة إحدى وأربعمائة‏.‏ فلما كانت سنة خمس جمع أبـو الحسـن وسـار إليهـم لإدراك الثأر بأخيه‏.‏ وجمع بني دبيس وهم مضر وحسان ونبهان وطراد فإجتمع إليهم العرب ومن في نواحيهم من الأكراد الشاهجان والحادانية وتزاحفوا‏.‏ ثم إنهزم بنو دبيس وقتل حسان ونبهـان وإستولـى أبو الحسن بن مزيد على أموالهم وحللهم‏.‏ ولحق الفل منهم بالجزيرة وقلده فخر الدولة أمر الجزيرة الدبيسية وإستثنى منها الطيب وقرقوب‏.‏ وأقام أبو الحسن هناك‏.‏ ثم جمع مضر بن دبيس جمعًا وكبسه فنجا في فل يسير ولحق ببلد النيل منهزمًا وإستولى مضر على أمواله وعلى الجزيرة وملكها‏.‏ ثـم توفي أبو الحسن بن مزيد سنة ثمان وقام الأمر مكانه إبنه نور الدولة أبو الأغر دبيس وقد كان أبـوه عهـد لأخيـه فـي حياتـه وخلـع عليـه سلطـان الدولـة وأذن فـي ولايتـه‏.‏ فلمـا ولـي بعـد أبيـه نـزع أخـوه المقلـد إلـى بنـي عقيـل فأقـام بينهـم وكانـت بسبـب ذلـك بيـن دبيس وقرواش‏:‏ أميري بني عقيل فتـن وحـروب‏.‏ وجمـع دبيـس عليـه بنـي خفاجـة وملـك الأنبـار مـن يـده سنة سبع عشرة‏.‏ ثم إنتقض خفاجة على دبيس وأميرهم منيع بن حسان‏.‏ وسار إلـى الجامعيـن فنهبهـا وملـك الكوفـة‏.‏ وصار أمر دبيس وقرواش إلى الوفاق وإستوى الأمر على ذلك ومنعت خفاجة بني عقيل من سقي الفرات‏.‏

إستيلاء منصور بن الحسين علي الجزيرة الدبيسية
كانـت الجزيرة الدبيسية قد إستقرت لطراد بن دبيس وكان منصور بن الحسين من شعوب بني أسـد تغلـب عليهـا وأخرج طراد بن دبيس عنها سنة ثمان عشرة‏.‏ ثم مات طراد فسار ابنه أو الحسن إلى جلال الدولة ببغداد وكان منصور بن الحسين قد خطب للملك أبي كليجار وقطع الخطبـة لجلال الدولة فسأل منه علي بن طراد أن يبعث معه عسكراً ليخرج منصورًا من الجزيرة فأنفذ معه العسكر وسار إلى واسط‏.‏ ثم أغذ السير وكان منصور جمع للقائه وأعانه بعض أمراء الترك وهو أبو صالح كركبر‏.‏ وكان قد هرب من جلال الدولة إلى أبي كليجار فأعان منصورأ على شأنه ولقوا علي بن طراد فهزموه وقتلوه وجماعة من الترك الذين بعثهم جلال الدولة لنصرته‏.‏ وإستقر ملك الجزيرة الدبيسية لمنصور بن الحسين‏.‏

فتنة دبيس مع جلال الدولة وحروبه مع قومه
كان المقلد أخو دبيس بن مزيد قد لحق ببني عقيل كما ذكرناه وكانت بينه وبين نور الدولة دبيس عداوة فسار إلى منيغ بن حسان أمير خفاجه وإجتمعا على قتال دبيس وعلى خلافة جلال الدين وخطب لأبي كليجار وإستقدمه للعراق فجاء إلى واسط وبها ابن جلال الدولة ففارقها وقصد التغمانية ففجر عليه البثوق من بلده‏.‏ وأرسل أبو كليجار إلى قراوش صاحب الموصل والأثير عنبر الخادم أن ينحدروا إلى العراق فانحدروا إلى الكحيل‏.‏ ومات بها الأثير عنبر وجمع جلال الدولة عساكره وإستنجد أبا الشوك صاحب بلاد الأكراد فأنجحه وإنحدر إلى واسط وأقام بها وتتابعت الأمطار وإلأوحال فسار جلال الدولة إلـى الأهـواز بلـد أبـي كليجـار لينهبهـا‏.‏ وبعـث أبـو كليجـار إليـه بـأن عساكـر محمـود بـن سكتكين قد قصدت العراق ليرده عن الأهواز فلم يلتفت إلى ذلك وسار ونهب الأهواز وبلغ الخبر إلى أبي كليجار فسار إلى مدافعته وتخلف عنه دبيس خوفًا على حلله من خفاجة‏.‏ وإلتقي أبو كليجار وجلال الدولة فإنهزم أبو كليجار وقتل من أصحابه كثير‏.‏ وإستولى جلال الدولة على واسط وأعاد إليها إبنه عبد العزيز كما كان‏.‏ ولما فارق دبيس أبا كليجار وجد جماعة من عشيرته قد خالفوا عليه وعادوا في نواحي الجامعين فقاتلهم وظفر بهم وأسر منهم جماعـة منهـم أبـو عبـد الله الحسين ابن عمه أبي الغنائم وشبيب وسرايا ووهب وبنو عمه حماد بن مزيد وحبسهم بالجوسق‏.‏ ثم جمع المقلد أخوه جموعاً من العـرب وإستمـد جلـال الدولـة فأمده بعسكر وقصدوا دبيس فإنهزم وأسر جماعة من أصحابه ونزل المعتقلون بالجوسق فنهبوا حللـه‏.‏ ولحـق دبيـس بالشريـد منهزمـاً فسار به إلى مجد الدولة وضمن عنه المال المقرر في ولايته فأجيب إلى ذلك وخلع عليه وإستقام حاله‏.‏ وذهب المقلد مع جماعة من خفاجة فنهبوا مطير أباد والنيل أقبح نهب وعادوا في منازلها ولم تكن الحلة بنيت يومئذ‏.‏ وعبر المقلد دجلة إلى أبي الشوك فأقام عنده حتى أصلح أمره‏.‏

الفتنة بين دبيس وأخيه ثابت
كـان أبـو قـوام ثابـت بـن علـي بـن مزيـد متصـلاً بالبساسيـري سنة أربع وعشرين وتزحزح لهم دبيس عن البلاد وملك ثابت النيل وأعمال دبيس‏.‏ وبعث دبيس طائفة مـن أصحابـه لقتـال ثابـت فإنهزمـوا فسـار دبيـس عـن البلـاد وتركهـا لثابـت حتـى رجـع البساسيـري إلى بغداد فسار في جموع بني أسد وخفاجة ومعه أبو كامل منصور بن قراد وتركوا حللهم بين حصني خفان وجرى‏.‏ وساروا جريدة ولقيهم ثابت عند جرجراً فأقتتلوا ملياً‏.‏ ثم تحاجزوا وإصطلحوا على أن يعود دبيس إلى أعماله ويقطع أخاه ثابتاً بعض تلك الأعمال وتحالفوا على ذلك وإفترقـوا‏.‏ وجـاء البساسيري منجداً لثابت فبلغه الخبر بالنعمانية فرجع‏.‏

الفتنة بين دبيس وعسكر واسط
كان الملك الرحيم قد أقطع دبيس بن مزيد سنة إحدى وأربعين حماية نهر الصلة ونهر الفضل وهـي من إقطاع جند واسط فسخطوا ذلك وإجتمعوا وبعثوا إليه بالتهديد فراجعهم إلى حكم الملـك الرحيـم فغضبـوا وزحفـوا إليـه فلقيهـم وأكمـن لهـم فهزمهـم وأثخـن فيهـم وغنـم أموالهم ودوابهـم ورجعـوا إلـى واسـط يستنجـدون جنـد بغـداد ويرغبـون من البساسيري في المدافعة عنهم ويعطوه نهر الصلة ونهر الفضل‏.‏

إيقاع دبيس بخفاجة
وفي سنة ست وأربعين قصد بنو خفاجة الجامعين من أعمال دبيس فعادوا فيها من غربي الفرات وكان دبيس في شرقيه فاستنجد البساسيري فجاء بنفسه وعبر دبيس الفرات معه وقاتـل خفاجـة وأجلادهـم عـن الجامعين فسلكوا البرية ورجع عنهم‏.‏ ثم عادوا للفساد فعاد إليهم فدخلوا البرية فإتبعهم إلى خفان فأوقع بهم وأثخن فيهم‏.‏ وحاصر خفان ثم إقتحمه وأخرجهم ورجـع إلـى بغـداد ومعـه أسـارى مـن خفاجـة فصلبـوا‏.‏ ثـم سـار إلـى جرى فحاصرها ووضع عليهم سبعة آلاف دينار فالتزموها وأمنهم‏.‏ حرب دبيس مع الغز وخطبته للعلوي صاحب مصر ومعاودته الطاعة ولمـا إنقـرض أمـر بنـي بويـه وغلـب عليهـم الغـز وصـارت الدولة للسلطان طغرلبك سلطان السلجوقية وجاء السلطان طغرلبك إلى بغداد وإستولى على الخليفة وخطب له على منابر الإسلام وقبض على الملك الرحيم آخر ملوك بني بويه حسبما ذلك كله مذكور في أخبارهم وكـان البساسيـري قـد فـارق الملـك الرحيم قبل مسيره من واسط إلى بغداد للقاء طغرلبك مجمعأ على الخلـاف علـى الغـز مـع قطلمـش إبـن عـم طغرلبـك جـد الملـوك ببلـاد الـروم أولـاد قليـج أرسلان ومعه متمم الدولة أبو الفتح عمر وسـار معهـم قريـش بـن بـدران صاحـب الموصـل فلقيهم دبيس والبساسيري على سنجار وهزم ورجع قريش إلى دبيس جريحاً فخلع عليه وسار معهم وذهب بهم إلى الموصل‏.‏ وخرج‏:‏ دبيس وقريش والبساسيري إلى البرية ومعهم جماعة من بني نمير أصحاب حران والرقة إتبعهم عساكر السلطان مع هزارسب من أمراء السلجوقيـة فأوقـع بهـم ورجـع بالغنائـم الأسـرى‏.‏ وأرسـل دبيـس وقريـش إلى هزارسب أن يستعطف السلطان ففعل‏.‏ وبعث دبيس ابنه بهاء الدولة مع وافد قريش فأكرمهما السلطان طغرلبك‏.‏ ثم إنتقض عليه أخوه نيال بهمذان فسار لحربه‏.‏ وترك بغداد وخالفه البساسيري إليها‏.‏ وبعث الخليفة القائم عن دبيـس ليقيـم عنـده ببغـداد فإعتـذر بـأن العـرب لا تقيـم‏.‏ وطلـب الخليفـة فـي الخـروج إليه حتى يجتمع عليه هو وهزارسب ويدافعوا عن بغداد‏.‏ وجاء البساسيري ودخل بغداد ومعـه قريـش بـن بحـران فملكهـا سنـة خمسيـن وخطـب فيهـا للعلوييـن وإستذم الخليفة القائم بقريش بن بـدران فأذمـه وبعثـه إلـى عانـة عنـد مهـاوش العقيلـي مـن بني عمه‏.‏ وفعل البساسيري وجموعه في بغـداد الأفاعيـل وأطاعـه دبيـس بـن علـي بـن مزيـد وصدقة بن منصور بن الحسين صاحب الجزيرة الدبيسية وكان ولي بعد أبيه وقد تقدم ذكر هذا كله‏.‏ ثم رجع السلطان من همذان بعد قتل أخيه وقضي أشغاله فأجفل البساسيري وأصحابه من بغداد ولحق ببلاد دبيس وفارقه صدقة بن منصور إلى هزارسب بواسط‏.‏ وأعاد طغرلبك الخليفة إلى داره وسار السلطان في إتباعه وفي مقدمته خمارتكين الطغرائي في ألفي فارس ومعه سرايا بن منيع الخفاجي فصبحت المقدمة دبيس بن مزيد والبساسيري فهرب دبيـس ووقـف البساسيـري فقتـل وذلـك سنـة إحـدى وخمسيـن‏.‏ ورجـع السلطان إلى بغداد ثم انحدر إلى واسـط‏.‏ وجـاء هزارسـب بـن تنكين فأصلح عنده حال دبيس بن مزيد وصدقة بن منصور بن الحسين وحضرا عند السلطان وجاءا في ركابه إلى بغداد فخلع عليهما وردهما إلى عمالتهما‏.‏

وفاة دبيس وإمارة إبنه منصور
ولـم يـزل دبيـس علـى أعمالـه إلـى أن توفي سنة أربـع وسبعيـن لسبـع وخمسيـن سنة من إمارته وكان ممدوحـاً‏.‏ ورثـاه الشعـراء بعـد وفاتـه بأكثـر ممـا مدحـوه في حياته‏.‏ ولما مات ولي في أعماله وعلى بني أسد ابنه أبو كامل منصور ولقب بهاء الدولة‏.‏ وسار إلى السلطان ملك شاه فأقره على أعماله وعاد في صفر سنة خمس وسبعين فأحسن السيره‏.‏ وفاة منصور بن دبيس وولاية إبنه صقة ثـم توفـي بهـاء الدولـة أبـو كامـل منصـور بـن دبيـس بـن علي بن مزيد صاحب الحلة والنيل وغيرهما فـي ربيـع الـأول سنـة تسـع وسبعيـن فأرسـل الخليفـة نقيـب العلوييـن أبـا الغنائم إلى ابنه سيف الدولة صدقة يعزيه‏.‏ وسار صدقة إلي السلطلن ملك شاه فخلع عليه وولاه مكان أبيه‏.‏

إنتقاض صدقة بن منصور بن دبيس علي السلطان بركيارق
وكان السلطان بركيارق قد خرج عليه أخوه محمود بن ملك شاه ينازعه في الملك وكانـت بينهما عدة وقعات ولم يزل صدقة بن منصور على طاعته ويحضر حروبه تارة بنفسه وتارة يبعـث إليـه العساكـر مـع إبنـه سنـة أربـع وتسعين فبعث إليه وزير السلطان بركيارق وهو الأغر أبو المحاسن الدهستاني يطلبه فيما تخلف عنده من المال وهو ألف ألف دينار ويتهدده عليه فقطع صدقة الخطبة لبركيارق وعاد إلى بغداد في هذه السنة منهزمًا أمام أخويه محمد وسنجـر فبعث الأمير أياز من أكبر أصحابه وطرد نائب السلطان عن الحكومة وإستضافها إليه‏.‏

إستيلاء صدقة علي واسط وهيت
كان السلطان محمد في سنة ست وتسعين مستولياً على بغداد والخطبة بها وشحنته فيها الغـازي بن أرتق وصدقة بن دبيس على طاعته ومظاهرته‏.‏ ثم ظهر في هذه السنة بركيارق على محمد وحاصره بأصفهان فإمتنع عليه فأخرج عنه إلى همذان وبعت كمستكين القصيري شحنة إلى بغداد فإستدعى أبو الغازي خاه سقمان بن أرتق من حصن كيفا يستعين به في مدافعـة كمستكيـن‏.‏ وجـاء كمستكيـن إلـى بغـداد وخطـب بهـا بركيـارق وخـرج أبـو الغـازي وسقمان أبى دجيل فأقاما به بجرى‏.‏ وجاء صدقة بن مزيد إلى صرصر بعد أن جاءه رسول الخليفة في طاعة أبلغازي وسقمان فعادا وعاثت عساكرهما في نواحي دجيل وتقدما إلى بغداد وبعث معهما صدقة ابنه دبيسًا فخيمـوا بالرملـة وقاتلهـم العامـة وكثـر الهـرج‏.‏ وبعـث الخليفة إلى صدقة يعظم عليه الأمر فأشار بإخراج كمستكيبن القيصري مـن بغـداد لتصلـح الأحوال فأخرج إلى النهروان في ربيع سنة ست وتسعين‏.‏ وعاد صدقة إلى الحله وأعيدت خطبة السلطان محمد ببغداد ولحق القيصري بواسط وخطب بها لمحمد فسار إليـه صدقـة وأخرجـه‏.‏ وجـاء أبلغـازي واتبعـوا القيصـري وإستأمـن إلـى صدقة فأكرمه وأعيدت خطبة السلطان محمد بواسط وبعده لصدقه وأبفازي‏.‏ وولي كـل واحـد منهمـا ولـده علـى واسـط وذهب أبلغازي إلى بغداد وعاد صدقة إلى الحلـة وأرسـل إبنـه منصـورًا مـع أبلغـازي إلـى المستنصر ليستظهر رضا فرضي عنه‏.‏ ثم إستولى صدقة على هيـت وكـان بركيـارق أقطعهـا لبهـاء الدولـة تـوران بـن تهيبـة وكـان مقيماً في جماعة من بني عقيل عند صدقة‏.‏ ثم تشاجرا‏.‏ ومال بنو عقيل إلى صدقة وحج عقب ذلك ورجع فوكل به صدقة‏.‏ وبعث إبنه دبيس ليتسلم هيت فمنعه نائب توران بها وهـو محمـد بـن رافـع بـن رفاع بن منيعة بن مالك بن المقلد‏.‏ فلما أخذ صدقة واسطًا سار إلى هيت وبها منصور بن كثير نائباً عن عمه توران فلقي صدقة وحاربه ثم إنتقض جماعة من أهل البلد وفتحوا لصدقة فملكها وخلع على منصور وأصحابه وعاد إلى الحلة‏.‏ وإستخلف على هيت ابن عمه ثابت بن كامل‏.‏ ثم إصطلح السلطان محمد وبركيارق وسار صدقة في شوال إلى واسط فملكها وأخرج الترك الذين كانوا بها‏.‏ وأحضر مهذب الدولة بن أبي الخير فضمنه لثلاثة أشهر بقيت من السنة بخمسين ألف دينار وعاد إلى الحلة‏.‏

إستيلاء صدقة بن مزيد على البصرة
كانت البصرة منذ سنين في ولاية إسماعيل بن أرسلان جق من السلجوقية أقام فيها عشر سنين وعظم تمكنه للخلاف الواقع بين بركيارق ومحمد وكان يظهر طاعـة صدقـة وموافقتـه فلما صفا الأمر لمحمد رغب إليه صدقة في إبقائه فأبقاه‏.‏ وبعث السلطان محمد عاملاً على خاصة البصرة فمنعه إسماعيـل فأمـر السلطـان صدقـة بأخـذ البصـرة منـه‏.‏ وأظهـر منكيـرس الخلاف فشغلوا عن البصرة وبعث إليه صدقة بتسليم الشرطة إلى مهذب الدولة بن أبي الخير فمنـع من ذلك فسار صدقة إليه وحصن إسماعيل القلاع التي إستجدها حوالي البصرة وإعتقل وجوه البلد من العباسيين والعلويين والقاضي والمدرس والأعيان وحاصرهـا صدقـة‏.‏ وخـرج إسماعيل لقتاله وخالفه طائفة من أصحاب صدقة إلى مكان آخر من البلد فإقتحموها وإنهزم إسماعيل إلى قلعة الجزيرة فامتنع بها ونهبت البلد‏.‏ وإنحـدر المهـذب بـن أبـي الخير في السفن فأخذ القلعة التي كانت لإسماعيل بمطارًا‏.‏ ثم إستأمن إسماعيل إلى صدقة فأمنه‏.‏ وجاء صدقة فأمن أهل البصرة ورتب عندهم شحنة وعاد إلى الحلـة منتصـف تسـع وتسعين وأربعمائة لستة عشر يوماً من مقامه بالبصرة‏.‏ وسار إسماعيل نحو فارس فطرقه المرض في رام هرمز ومات‏.‏ وكان صدقة قد إستعمل على البصرة مملوك جده دبيس وإسمه اليونشاش ورتب معه مائة وعشرين فارساً فإجتمعت ربيعة والمتقن وقصـدوا البصرة فدخلوها بالسيف وأسروا اليونشاش وأقاموا بها شهراً ينهبون ويخربون وبعث صدقة عسكراً فوصل بعد خروجهم من البلد فإنتزع السلطان البصرة من صدقة وبعث إليها شحنة وعميداً وإستقام أمرها‏.‏

إستيلاء صدقة على تكريت
كانت تكريت لبني معن من بني عقيل وكانت إلى آخر سبع وعشرين وأربعمائة بيد رافع بن الحسيـن بـن معـن فلمـا مـات وليها ابن أخيه أبو منعة بن ثعلب بن حماد ووجد بها خمسمائة ألف دينـار‏.‏ وتوفي سنة خمـس وثلاثيـن ووليهـا ابنـه أبـو غشـام إلـى سنـة أربـع وأربعيـن فوثـب عليه أخوه عيسـى فحبسـه وملك القلعة والأموال‏.‏ فلما إجتاز به طغرلبك سنة ثمان وأربعين صالحه على البعـض المـال فرحـل عنـه ومات عيسى أثر ذلك‏.‏ وخافت زوجته من عود أخيه أبي غشام إلى الملـك فقتلتـه فـي محبسـه‏.‏ وولـت علـى القلعـة أبـا الغنائم ابن المجلبان فسلمها إلى أصحاب طغرلبك وسارت هي إلى الموصل فقتلها ابن أبي غشام بأبيه‏.‏ وأخذ مسلم بن قريش مالها‏.‏ وولي طغرلبك على قلعة تكريت أبا العباس الرازي فمات لستة أشهر فولي عليها المهرباط وهو أبو جعفر محمد بن أحمد بن غشام من بلد الثغر فأقام بها إحدى وعشرين سنة ومات فوليها ابنه سنتين وأخذتها من تركمان خاتون وولت عليها كوهرايين الشحنة‏.‏ ثم مات ملك شـاه فملكهـا قسيـم الدولـة أقسنقـر صاحـب حلـب فلمـا قتـل صـارت للأميـر كمستكين الجاندار فولي عليها رجلاً يعرف بأبي نصر المصارع‏.‏ ثـم عـادت إلـى كوهراييـن إقطاعـاً‏.‏ ثـم أخذهـا منه محمد الملك الباسلاني فولي عليها لمقا بن هزارسب الديلمي وأقام بها إثنتـي عشـرة سنـة فظلـم أهلهـا وأسـاء السيـرة‏.‏ فلمـا أجـاز بـه سقمـان بـن أرتق سنة ست وتسعين وأربعمائة لنهبها‏.‏ وكان كيقباذ ينهبها ليلاً وسقمان ينهبها نهارأ‏.‏ فلما إستقر السلطان محمـد بعد أخيه بركيارق أقطعها للأمير أقسنقر البرسقي شحنة بغداد فسار إليها وحصرها مدة تزيد على سبعة أشهر حتى ضاق على كيقباذ الأمر فراسل صدقة بن مزيد ليسلمها إليه فسـار إليهـا في صفر من هذه السنة وتسلمها منه‏.‏ وإنحدر البرسقي ولم يملكها‏.‏ ومات كيقباذ بعـد نزولـه مـن القلعـة بثمانيـة أيـام وكـان عمره ستين سنة وإستناب صدقة بها ورام بن أبي قريش بن ورام وكان كيقباذ ينسب إلى الباطنية‏.‏ الخلف بين صدقة وصاحب البطيحة قد كنا قدمنا أن السلطان محمداً أقطع صدقة بن مزيد مدينة واسط فضمنها صدقة لمهذب الدولـة بن أبي الخير وولي في أعمالها أولاده فبذروا الأموال وطالبه صدقة عند إنقضاء السنة بالمال وحبسه‏.‏ وسعي في خلاصه بحران بن صدقة وكان صهراً لمهذب الدولة وأعاده إلى بطيحة‏.‏ وضمن حماد والمختم محمد والد مهذب الدولة كانا أخوين وهما إبنا أبي الخيـر‏.‏ وكانت لهما رياسة قومهما‏.‏ وهلك المصطنع وقام ابنه أبو السيد المظفر والد حماد مقامه‏.‏ وهلـك المختـم محمـد وقام إبنه مهذب الدولة مقامه ونازعا إبراهيم صاحب البطيحة حتى غلبه مهذب الدولة وقبض عليه وسلمه إلى كوهرايين فحمله إلى أصفهان فهلك في الطريق‏.‏ وعظم أمر مهذب الدولة وصير كوهرايين أمير البطيحة وصارت جماعته لحكمه‏.‏ وكان حماد شاباً وكان مهذب الدولة يداريه بجهده وهو يضمر نقضه‏.‏ فلما مـات كوهراييـن إنتقـض حمـاد عـن مهـذب الدولـة وأظهـر مـا في نفسه وإجتهد مهذب الدولة في إستصلاحه فلم يقدر‏.‏ وجمع إبنه القيسر وقصد حماداً فهرب إلى صدقة بالحلة وبعث معه مدداً من العسكر‏.‏ وحشد مهذب الدولة وسار في العساكر برًا وبحراً‏.‏ وأكمن حماد لهم وأصحابه وإستطردوا بين أيديهم‏.‏ ثم خرجت عليهم الكمائن فإنهزموا‏.‏ وأرسل حماد يستمد صدقة فبعث إليه مقدم جيثة وجمعوا السفـن وكان مهذب الدولة جواداً فبعث إلى مقدم الجيش بالإنعامات والصلات فمال إليه وأشار عليـه أن يبعـث ابـن التفيـس إبـى صدقـه فرضي عنه وأصلح بينه وبين حماد ابن عمه وذلك آخر المائة الخامسة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:39 PM

مقتل صادقة وولاية إبنه دبيس
كان صدقة بن منصور بن مزيد شيعة للسلطان محمد بن ملك شاه على أخيه بركيارق ومن أعظم أنصاره‏.‏ ولما هلك بركيارق وإستبد السلطان محمـد بالملـك رعـي وسائلـه فـي ذلـك وأقطعه واسطاً وأذن له في ملك البصرة وأنزله منزل المصافاة حتى كان يجبر عليه‏.‏ وسخط مـرة علـى سرخـاب بـن كيخسـدو وصاحب ساوة فلجأ إليه مستجيراً به فأجاره وطلبه السلطان فمنعه‏.‏ وكان العميد أبو جعفر يستبدله السلطان لكثرة السعاية ويغريه به وينكر دالته وتبسطه فتعين السلطان وسار إلى العراق وأرسل إلى صدقة فإستشار صدقة أصحابه فأشار ابنه دبيـس بملاطفتـه وإستعطافـه بالهدايـا وأشـار سعيـد بـن حميـد صاحب جيشه بالمحاربة فجنح إلى رأيه وإستطال في الخطاب وجمع الجند وأفاض فيهم العطاء وإعترضهم فكانوا عشرين ألف فـارس وثلاثيـن ألـف راجـل‏.‏ وبعـث إليـه المستظهـر مـع علـي بـن طـراد الزينبـي نقيـب النقبـاء يعظـه في المخالفة ويحضه على لقاء السلطان فإعتذر بالخوف منه‏.‏ ثم بعث إليه السلطان قاضي القضاة أبا سعيد الهروي ليؤمنه ويستنفره لجهاد الفرنج في جملته فامتنع ووصل السلطان إلى بغداد في ربيع من سنة إحدى وخمسمائة ومعه وزيره أحمد بن نظام الملك فقدم البرسقي شحنة بغداد في جماعة من الأمراء فنزلوا بصرصر مسلحة لقلة عسكـر السلطـان‏.‏ وإنـه إنمـا جـاء فـي ألفـي فارس للإصلاح والإستنلاف فلما تبين له لجاج صدقة أرسـل إلـى الأمراء بأصفهان بأن يستجيشوا ويقدموا فكتب صدقة إلى الخليفة بالمقاربة وموافقة السلطـان‏.‏ ثـم رجـع صدقـة عـن رأيـه وقال‏:‏ إذا رحل السلطان عن بغداد مددته بالأموال والرجال لجهاده‏.‏ وأما الآن وعساكره متصلة فلا وفاق عندي وقد أرسل إلى جاولى سكاو وصاحب الموصل وإبلغازي بن أرتق صاحـب مارديـن بالإنتقـاض علـى السلطـان‏.‏ وأيـس السلطـان مـن إستقامته‏.‏ ووصـل إليه ببغداد قراوش شرف الدولة وكروباوي بن خراسان التركماني وأبو عمران فضل بن ربيعة بن خادم بن الجرج الطائي وكان آباؤه أصحاب البلقاء وبيت المقدس ومنهم حسان بن مفرج وطرده كفرتكين أتابك دمشق لما كان عليه من الأجلاب تارة مع الفرنج وتارة مع أهل مصر‏.‏ فلجأ إلى صدقة وقبله وأكرمه وأجزل له العطاء سبعة آلاف دينار‏.‏ فلما كانت هذه الحادثة رغب عن صدقة وسار في طلائعه فهرب إلى السلطان فخلع عليه وعلى أصحابه وسوغه دار صدقة عن الهروب‏.‏ وأذن له فعبر من الأنبار وكان آخر العهد به‏.‏ ثـم أنفـذ السلطـان فـي جمـادي الأولـى إلـى واسـط الأميـر محمـد بـن بوقـا التركمانـي فملكها وأخرج منها أصحاب صدقة وأنفذ خيله إلى بلد قوسان من أعمال صدقة فنهبه وأقام أياماً حتى بعث صدقـة ابـن عمـه ثابـت بـن سلطـان فـي عسكـر فخـرج منهـا الأميـر محمد وملكها ثابت وأقاموا على دجلة‏.‏ وخرج ثابت لقتالهم فهزموه وإقتحموا البلد‏.‏ ومنعهم الأمير محمـد مـن النهـب ونـادى بالأمان‏.‏ وأمر السلطان الأمير محمداً بنهب بلاد صدقة فسار إليها وأقطع مدينة واسط لقسيم الدولـة البرسقي‏.‏ ثم سار السلطان من بغداد آخر رجب ولقيه صدقة وإشتد القتال وتخاذلت عنـه عبـادة وخفاجـة‏.‏ ورفـع صوتـه بالإبتهـال بالناشرة بالعرب ورغب الأكراد بالمواعد‏.‏ ثم غشيه الترك فحمل عليهم وهو ينادي‏:‏ أنا ملك العرب أنا صدقة فأصابه سهم أثبته وتعلق به غلام تركـي يسمـى برغـش فجذبـه إلى الأرض‏.‏ فقال يا برغش أرفق فقتله وحمل رأسه إلى السلطان فأنففه إلى بغداد وأمر بدفن شلوه‏.‏ وقتل من أصحابه ثلاثة آلاف أو يزيدون ومن بني شيبان نحو مائة وأسر ابنه دبيس ونجا إبنه بدران إلى لحفة ومن إلى البطيحة عند صهره مهذب الدولة‏.‏ وأسر سرجان بـن كيخسـرو والمستجيـر بصدقـة علـى السلطـان وسعيـد بـن حميـد العمدي صاحب الجيش‏.‏ وكـان مقتـل صدقـة لإحـدى وعشريـن سنـة مـن إمارتـه وهـو الـذي بني الحلة بالعراق وكان قد عظم شأنه وعلا قدره بين الملوك وكان جواداً حليمًا صدوقاً عادلاً في رعيته وكان يقرأ لا يكتب وكانت له خزانة كتب منسوبة الخط ألوف مجلدات ورب السلطان إلى بغداد من عون الحلة وأرسل أمانًا لزوج صدقة فجاءت إلى بغداد‏.‏ وأمر السلطان الأمراء بتلقيها وأطلق لها ولدها دبيسًا وإعتذر لها من قتل صدقة‏.‏ وإستحلف دبيسًا على الطاعـة وأن لا يحـدث حدثـأ‏.‏ وأقـام فـي ظله وأقطعه السلطان إقطاعاً كثيراً ولم يزل دبيس مقيماً عند السلطان محمد إلى أن توفـي وملـك إبنـه محمـود سنـة إحـدى عشـرة فرغـب دبيـس من السلطان محمود أن يسرحه إلى بلده فسرحه وعاد إليها فملكها وإجتمع عليه خلق كثير من العرب والأكراد وإستقام أمره‏.‏

خبر دبيس مع البرسقي ومع الملك مسعود
لما توفي الخليفة المستظهر سنة إثنتي عشرة وبويع ابنه المسترشد خاف ابنه الآخر من غائلة أخيـه وإنحـدر فـي البحـر إلـى المدائـن وسـار منهـا إلـى الحفـة فأبى أن يكرهه فتلطف علي بن طراد لأخـي الخليفـة فأجـاب وتكفـل دبيـس بمـا يطلبـه‏.‏ وبينمـا هـو فـي خلـال ذلـك برز البرسقي من بغداد مجلباً على دبيس الجموع وسار أخو الخليفة إلى واسط فملكها في صفر سنة ثلاث عشرة وخمسمائة وقوي أمره وكثرت جموعه فبعث الخليفة إلى دبيس في شأنه وأنه خرج عن جواره فلقـي أمـره بالطاعـة وبعـث إليـه وهو بواسط عسكراً من قبله فتلقاه وقبض عليه وبعثه إلى أخيه وكان مسعود أخو السلطان محمد بالموصل ومعه أتابكه حيوس بك فاعتزماً على قصد العراق لغيبة السلطان محمود عنه فسار لذلك ومعه وزيره فخر الملك أبو علي بن عفار صاحب طرابلس وقسيم الدولة زنكي بن أقسنقر أبو المعالي أبو الملك العادل وكروباوي بن خراسان التركماني صاحب البواريح وأبو الهيجاء صاحب أربل وصاحب سنجار فلما قاربوا بغداد خاف البرسقي شأنهم‏.‏ وبعث إليه الملك مسعود وحيوس بك أنهم إنما جاؤوا نجدة على دبيس‏.‏ وكان البرسقي إنما إرتاب من حيوس بك فصالحهم ودخل مسعود بغداد ونزل دار المملكة‏.‏ وجـاء منكبـرس فـي العساكـر فسـار البرسقي عن بغداد لمحاربته ودفاعه فمال إلى النعمانية وعبر دجلة‏.‏ وإجتمع مع دبيـس بـن صدقـة‏.‏ وكـان دبيـس قـد صانـع مسعـوداً وصاحبـه بالهدايـا والألطاف مدافعة عن نفسه فلما لقيه منكبرس إعتضد بـه وسـار الملـك مسعـود والبرسقـي وحيوس بك إلى المدائن للقائهما‏.‏ ثم خاموا عـن لقائهمـا لكثـرة جموعهمـا ونكبـوا عـن المدائـن وعبروا نهر صرصر وأكثروا النهب في تلك النواحي من الطائفتين‏.‏ وبعث إليهـم المسترشـد بالموعظـة ويأمرهـم بالموادعـة والمصالحـة فأجابوا إلى ذلك‏.‏ ثم بلغهم أن دبيساً ومنكبرس قد بعثا العساكر مع منصور أخي دبيس وحسين بن أوزبك ربيب منكبرس ليخالفوهم إلى بغـداد فخلوهـا مـن الحاميـة فأغـذ البرسقـي السيـر إلـى بغـداد وتـرك ابنـه عـز الديـن مسعـود على ثـم جـاءه الخبـر ليوميـن بصلـح الفريقيـن كما أشار الخليفة ففتر نشاطه وعبر إلى الجانب الغربي من بغـداد‏.‏ وجـاء فـي أثـره منصـور أخـو دبيـس وحسيـن ربيـب منكبـرس فنـزلا فـي الجانـب الشرقي من بغداد‏.‏ وأغار البرسقي على نعم الملك مسعود فأخذها وعاد فخيم بجانب آخر من بغداد وخيم مسعود وحيوس بك من جانب آخر ودبيس ومنكبرس من جانب ومعهما عز الدولة بن البرسقـي منفـرداً عـن أبيـه‏.‏ وكـان حيـوس بـك قـد بعـث إلـى السلطـان محمـود بطلب الزيادة له وللملك مسعود فجاء كتاب مـع رسولـه يذكـر بـأن السلطـان كـان أقطعهـم أذربيجـان حتـى إذا بلغـه مسيرهـم إلـى بغـداد تثاقـل عـن ذلـك وقد جهز العساكر إلى الموصل‏.‏ ووقع الكتاب بيد منكبرس فبعث إلى حيوس بك وضمن له إصلاح الحال‏.‏ وكان يؤثر مصلحته إذ كان متزوجاً بأمه فتم الصلح وإفترق عن البرسقي أصحابه وبطل ما كان يحدث به نفسه من الإستبداد بالعراق‏.‏ وصار مع الملك مسعود وإستقر منكبرس شحنة ببغداد ورجع دبيس إلى الحلة‏.‏

فتنة دبيس مع السلطان محمود وإجلاؤه عن بغداد
ثم معاودته الطاعة كان دبيس بن صدقة كثيراً ما يكاتب حيوس بك أتابك الملك مسعود ويغريه بطلب السلطنة ويعـده بالمساعـدة ليحصـل لـه بذلك علو اليد كما كان لأبيه مع بركيارق ومحمد إبني ملك شاه‏.‏ وكان قسيم الدولة البرسقي شحنة بغداد قد سار للملك مسعود وأقطعه مراغة مع الرحبة‏.‏ وكانت بينه وبين دبيس عداوة مستحكمة فأغراهم دبيس بالقبض عليه ففارقهم البرسقي إلى السلطان محمود فأكرمه‏.‏ ثم اتصل الأستاذ أبو إسماعيل الحسين بن علي الأصفهاني بالملـك مسعـود وكـان ولـده أبـو المؤيد محمد يكاتب الطغرائي عن الملك مسعود‏.‏ فلما وصل أبوه عزل أبا علي بن عمار صاحب طرابلس واستوزره‏.‏ وحسن لهم ما أشار به دبيس فعزموا عليه‏.‏ ونمـي الخبـر إلـى السلطـان محمـود فكاتبهـم بالوعيـد فأظهـروا أمرهـم وخطبـوا للملـك مسعود بالسلطنة وضربوا له النوب الخمس‏.‏ وبلغهم أن عساكر محمود متفرقة فأغذوا السير لمحاربته والتقـوا عنـد عقبـة إسترابـاد فـي ربيـع سنـة أربـع عشـرة وأبلـى البرسقـي وكـان فـي مقدمته‏.‏ ثم إنهزم مسعود وأمر كثير من أصحابه وجيء بالوزير أبي إسماعيل الطغرائي فأمـر بقتلـه لسنـة مـن ولايته وكان حسن الكتابة والشعر وله تصانيف في صنعة الكيمياء‏.‏ وسار مسعود بطلب الموصل بعد أن استأمن البرسقي وأدركه فرده إلـى أخيـه وعفـا عنـه وعطـف عليـه‏.‏ ولحـق حيـوس بـك بالموصـل‏.‏ ثـم بلغـه فعـل السلطـان محمـود ومعه ألف سفينة لعبوره فبادر دبيس لطلب الأمـان بعـد أن أرسـل حرمه إلى البطيحة‏.‏ وسار بأمواله عن الحلة وأمر بنهبها‏.‏ ولحق بأبلغازي بن أرتق بماردين ووصل السلطان إلى الحلة فوجدها خاوية على عروشها فرجع عنها‏.‏ وأرسـل دبيـس أخـاه منصورأ من قلعة صفد في عسكر إلى العراق فمر بالحلة والكوفة وإنحدر إلـى البصـرة وبعـث إلـى برتقـش الزكوي في صلاح حالهما مع السلطان محمود فقبض على منصور أخي دبيس وولده وحبسهما ببعض القلاع حذاء الكرخ‏.‏ ثم أذن دبيس لجماعة من أصحابه بالمسير إلى أقطاعهم بواسط فمنعهم أتراك واسط فبعث إليهم عسكراً مـع مهلهـل بـن أبـي العسكر وأمر مظفر بن أبي الخير فساعده وإستمد أهل واسط البرسقي فأمدهم بعسكر‏.‏ وسار مهلهل للقائهم قبل مجيء المظفر فهزم وأخذ أسيراً في جماعة من أصحابه‏.‏ وأصعـد المظفـر مـن البطيحـة ينهـب ويفسد حتى قارب واسط‏.‏ وسمع بالهزيمة فأسرع منحدراً‏.‏ ووقع على كتاب بخط دبيس إلى مهلهل يأمره بالقبض على مظفر بن أبي الخيـر ومطالبته بالأموال فبعثوا به إلى المظفر‏.‏ وسار معهم وبلغ دبيساً أن السلطان كحل أخاه فلبس السواد ونهب البلاد وأخذ للمسترشد بنهر الملك وأجفـل النـاس إلـى بغـداد‏.‏ وسـار عسكـر واسـط إلـى النعمانيـة فأوقعـوا بمـن هنالـك مـن عساكـر دبيـس وأجلوهـم عنها‏.‏ وكان دبيس قد أسر في واقعة البرسقي عفيفأ خادم الخليفة فأطلقه وحمله إلى المسترشد عقاباً ووعيداً على كحل أخيـه فغضـب الخليفـة وتقـدم إلى البرسقي بالخروج لحرب دبيس وخرج بنفسه في رمضان سنة عشـرة‏.‏ وأتـاه سليمـان بـن مهـارش مـن الحديثـة فـي جماعـة مـن بنـي عقيـل وقريش بن مسلم صاحب الموصل في كافة بني عقيل‏.‏ وأمر المسترشد بإستنفار الجند كافة وفرق فيهم الأموال والسلاح‏.‏ وجاء دبيساً ما لم يكن يحتسبه فرجع إلى الإستعطاف وبرز الخليفة آخر ذي الحجة وعبر دجلة وهو في أكمل زيه ومعه وزيره نظام الدين أحمد بن نظام الملك ونقيب الطالبييـن ونقـب النقبـاء علـي بـن طـراد وشيخ الشيوخ صدر الدين إسماعيل‏.‏ وبلغ البرسقي مسير المسترشد فعاد إلى خدمته ونزل معه بالحديثة‏.‏ ثم سار إلى الموصل على سبيل التعبية والبرسقي في المقدمة وعبي دبيس أصحابه صفاً واحداً‏.‏ وجعل الرجالة بين يدي الخيالة‏.‏ وقد كان وعد أصحابه بنهب بغداد وسبي حريمها فالتقى الفريقان فإنهزم عسكر دبيس وأسر جماعة من أصحابه فقتلـوا صبـراً وسبيت حرمه ورجع المسترشد إلى بغداد يوم عاشوراء من سنة سبع عشرة‏.‏ ونجا دبيس وعبر الفرات وقصد غزنة من عرب نجد مستنصراً بهم فأبوا عليه فسار إلـى المنتفق وحالفهم على أخذ البصرة فدخلوا ونهبوا أهلها وقتل مقدم عسكرها وبعث المسترشد إلى البرسقي بالعتاب على إهمال أمر البصرة فتجهز البرسقي للإنحدار إليها ففارقها دبيس ولحـق بقلعـة جعبـر‏.‏ وصـار مـع الفرنـج وأطعمهـم فـي حلـب وسـار معهم لحصارها سنة ثمان عشرة فإمتنعت عليهم فعادوا عنها ولحق هو بالملك طغرلبك بن السلطان محمد فأغراه بالمسير إلى العراق كما نذكر‏.‏ لمـا سار دبيس من الشام إلى الملك طغرل باذربيجان تلقاه بالمبرة والتكرمة وأنظمه في خواصه ووزرائـه‏.‏ وأغـراه دبيـس بالعـراق وضمن له ملكه فسار معه لذلك وإنتهوا إلى دقوقا في عساكر كثيرة‏.‏ وكتب مجاهد الدين بهروز صاحب تكريت إلـى المسترشـد بالخبـر فتجهـز لمدافعتهـم وجمع العساكر فبلغوا إثني عشر ألف فارس وبرز من بغداد في صفر سنة تسع عشرة وفي مقدمته برتقش الزكوي ونزل الخالص‏.‏ وإنتهى إلى طغرل خروج المسترشد فعدل إلـى طريـق خراسان ونزل جلولاء وتفرق أصحابه للنهب‏.‏ وبرز إليه الوزير جلال الدين بن صدقـة فـي عسكر كبير فنزل الدسكرة ولحقه المسترشد وكان معه‏.‏ ورحل طغرل ودبيس إلى الهارونية‏.‏ ثم سارا إلى تامرا ليقطعا جسر النهروان فحفـظ دبيـس المعابـر وتقـدم إلـى بغـداد وتملكهـا ونهبها‏.‏ ثـم رحـل دبيس من تامرا وأقام طغرل لحمى أصابته وحالت بينهما الأمطار والسيول‏.‏ ثم أخذ دبيـس ثقـلاً جـاء للخليفـة فيـه ملبـوس وطعـام كثير وكان لحقه الجوع والتعب والبرد فأخذ من ذلك الملبوس ولبسه وأكل من الطعام كثيراً‏.‏ وإستقبل الشمس فأخذه النوم ورقد‏.‏ وأما الخليفة لما بلغـه الخبـر بأخـذ الثقـل رجـع إلـى بغـداد ففـي حـال سيـره عثر على دبيس وهو نائم فوقف وأيقظه فحل عينيه ورأى الخليفة فبادر بتقبيل الأرض على العادة وسأل العفو فرق له الخليفة وثناه الوزير بن صدقة عن ذلك ووقف دبيس أزاء عسكر برتقش يحادثهم‏.‏ ثم مدوا الجسر آخر النهـار للعبـور فتسلـل دبيس عنهم ولحق بالملك طغرل وسار معه إلى عمه الملك سنجر وعادوا في أعمال همذان وإتبعهم السلطان محمود فلم يظفر بهم‏.‏

مسير دبيس إلي السلطان سنجر
لما أيس طغرل من ملك العراق عندما سار إليه مع دبيس عاد منه وسار هو ودبيس إلى السلطان سنجر وهو يومئذ صاحب خراسان والمتقدم على بني ملك شاه فشكا إليه طغرل ودبيس من المسترشد وبرتقش الشحنة ووعدهم النصفة منهم‏.‏ ثم داخله دبيس وأطعمه في ملـك العـراق‏.‏ وخيـل لـه أن المسترشـد والسلطان محمود متفقان على مباعدته ولم يزل يفتل له في الذروة والغارب حتى حرك حفيظته لذلك وسار إلى العراق سنة إثنتين وعشرين فوصل إلى الري وإستدعى السلطان محموداً من همذان يختبر ما خيل له دبيـس فجـاء محمـود مبـادراً وأكذب دبيساً فيما خيل‏.‏ وأمر السلطان سنجر العساكر بتلقي السلطان محمود وأجلسه معه على التخت‏.‏ وأقام عنده إلى آخر سنة إثنتين وعشرين ثم عاد إلى خراسان وأوصاه بإعادة دبيس إلى بلـده فرجـع السلطـان محمـود إلـى همـذان ودبيـس معـه‏.‏ ثـم سـار إلـى بغـداد فـي محـرم سنـة ثلاث وعشرين وأنزل دبيس بداره وإسترضى له الخليفة فرضي عنه وإمتنع من ولايته وبذل فتنة دبيس مع محمود وأسره كانت زوجة السلطان محمود وهي ابنة عمه سنجر تعين بأمر دبيس فماتـت عنـد رحيـل السلطان إلى همذان فإنحل أمره‏.‏ ثم مرض السلطان فأخذ دبيس إبنه الصغير وقصد العراق فجمع المسترشد لمدافعته‏.‏ وكان بهروز شحنة بغداد بالحلة فهرب عنها وملكها دبيس في رمضـان سنة ثلاث وعشرين‏.‏ وبلغ الخبر إلى السلطان محمود فأحضر الأمير ابن قزل الأحمديلي وكانا ضمناً دبيس فطالبهما بالضمان فسار الأحمديلي في أثره‏.‏ وجاء السلطان إلى العراق فبعث إليـه دبيـس بهدايـا عظيمـة كـان فيهـا مائتـا ألـف دينـار وثلاثمائـة فـرس بسـروج مثقلـة بالذهب‏.‏ ثم جاء إلى البصرة ونهبها وأخذ ما في بيوت الأموال‏.‏ وبعـث السلطـان فـي أثـره العساكـر فدخـل البريـة وجـاءه عند مفارقته البصرة قاصداً من صرصـر يستدعيـه وكـان صاحبهـا خصيـاً فتوفي في هذه السنة وخلف سرية له فاستولت على القلعة وأرادت أن تتم أمرها برجل له قوة ونجمة فوصف لها دبيس وحاله في العراق وكثرة عشيرته فكتبت تستدعيـه لتتـزوج بـه وتملكـه القلعـة بمـا فيهـا فلحقـه الكتـاب بعـد مفارقتـه البصرة‏.‏ وقفل من العراق إلى الشام ومعه الأدلاء ومر بدمشق فحبسه وإليها عنده وبعث فيه عماد الدين زنكي وكان عدوه‏.‏ وكان عنده ابن تاج الملوك مأسوراً في واقعة كانت بينهما فطلب أن يبعث إليه دبيس ويفادى به إبنه والأمراء الذين معه ففعل ذلك تاج الملوك وحصل دبيس في يد زنكي وقـد أيقـن بالهلـاك فأطلقـه زنكـي وحمـل لـه الأمـوال والـدواب والسلـاح وخزائن الأمتعة كما يفعل مع أكابر الملوك‏.‏ وبلغ المسترشد خبره فبعث سديد الدين إبن الأنبار يطلبه من تاج الملوك فسار لذلك من جزيرة إبن عمر وبلغه في طريقه أنه بعثه إلى زنكي وأنه فاته القصد منه‏.‏

مسير دبيس إلى بغداد مع زنكي وإنهزامهما
لمـا توفـي السلطـان محمـود سنـة خمـس وعشريـن وولـي بعده داود ونازعه عمومته مسعود وسلجوق ثم إستقرت السلطنة لمسعود وكان أخوهما طغرل عند عمه سنجر بخراسان وكان كبير بيت أهل السلجوقية وله الحكم على ملوكهم فنكر على السلطان محمود لقتاله سلجوق وطغرل وسار به إلى العراق وإنتهى إلى همذان‏.‏ وبعث إلى عماد الدين زنكي فولاه شحنة بغداد وإلى دبيس بن صدقة وهو عند زنكي فأقطعه الحلة‏.‏ وتجهز السلطان محمود لقتال سنجر وطغرل واستدعى الخليفة للحضور معه فخرج من بغداد وعاجلهم ورجع المسترشد إلـى بغداد وقد سمع بوصول زنكي ودبيس إليها ولقيهم بالعباسية فهزمهم وقتل من معسكرهم ودخل بغداد‏.‏ وسار دبيس إلى بلاد الحلة وكانت بيد أقيال المسترشد فبعث إليها بالمدد فهزموا دبيساً ونجا من المعركة‏.‏ ثم جمع جمعاً وقصد واسط وإنضم إليه عسكرها وابن أبي الخير صاحب البطيحة وملكها إلى سنة سبع وعشرين فبعث إقبال الخادم وبرتقش الشحنة العساكر إلى دبيس فلقيهم في عسكر واسط وإنهزم وسار إلى السلطان مسعود فأقام عنده‏.‏

مقتل دبيس وولاية إبنه صدقة
لـم يـزل دبيـس مقيمـأ عنـد السلطـان مسعـود إلـى أن حدثت الفتنة بينه وبين المسترشد ومات أخوه طغـرل كمـا هـو مذكـور فـي أخبارهم‏.‏ وسار مسعود إلى همذان بعد موت أخيه طغرل فملكها وفارقه جماعة من أعيان أمرائه ومعهم دبيس بن صدقة كمستوحشين منه واستأمنوا للخليفة فحذر من دبيس ولم يقبلهم فمضوا إلى خوزستان واتفقوا مع برسق بن برسق‏.‏ ثم تدارك الخليفة رأيه وبعث إلى الأمراء الذين مع دبيس بالأمان وكانوا لما ردهم الخليفة بسبب أجمعوا القبـض عليـه وخدمـة الخليفـة بـه‏.‏ وشعـر بهم وهرب إلى السلطان مسعود وبرز الخليفة من بغداد في رجب من سنة تسع وعشرين لقتال مسعود وكتب إليه أكثر أهل الأعمال بالطاعة‏.‏ وأرسل إليه داود بن السلطان محمود من أذربيجان بأن يقصد المسترشد الدينور ليحضر داود حربه فأبى وسار على التعبية حتى بلغ وأعرج فالتقوا هنالك‏.‏ وإنهزمت عساكر المسترشد وأخذ أسيراً ومعه وزيره شرف الدين علي بن طراد وقاضي القضاة وابـن الأنبـاري أعيـان الدولـة‏.‏ وغنـم مـا فـي عسكـره وعـاد السلطـان إلى بغداد‏.‏ وبعث الأمير بكاية شحنة إلى بغداد وكثـر العويـل والبكاء والضجيج ببغداد على الخليفة‏.‏ وجعل الخليفة في خيمة ووكل به وراسله السلطان مسعود في الصلح وشرط عليه مالاً يؤديه ولا يجمع العساكر ولا يخرج مـن داره مـا بقي وإنعقد ذلك بينهما‏.‏ وبينما هما في ذلك وصل رسول السلطان سنجر فركب السلطان مسعود للقائه وإفترق المتوكلون بالمسترشد فدخل عليه خيمته آخر ذي القعدة من سنة تسع وعشرين جماعة الباطنية وقتلوه وقتلوا معه جماعة من أصحابه‏.‏ ولما قتل المسترشد إتهم السلطان مسعود أن دبيس بـن صدقـة دس أولئـك النفـر عليـه فأمـر بقتله وقصده غلام فوقف على رأسه عند باب خيمته وهو ينكث الأرض بإصبعه فأطار رأسـه وهـو لا يشعـر‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى إبنـه صدقـة وهـو بالحلـة فإجتمعـت إليه عساكر أبيه وممالكييه واستأمن إليه الأمير قطلغ تكين وأمر السلطان مسعود الشحنه بك أبه بمعاجلته‏.‏ وأخذ الحلة مـن يده إلى أن قدم السلطان بغداد سنة إحدى وثلاثين فقصده صدقة وأصلح حاله معه ولزم بابه‏.‏ ولما قتل المسترشد ولي ابنه الراشد بإشارة السلطان مسعود ثم حدثت الفتنـة بينـه وبيـن السلطان مسعود وأغراه بها عماد الدين زنكي صاحب الموصل ومعه الراشد‏.‏ وبايع السلطان مسعود للمقتفي سنة ثلاثين وخلع الراشد ففارق الموصل وسار الأمراء الذين كانوا مع داود إلى السلطان مسعود ورضي عنهم‏.‏ ورجع إلى همذان وأذن للعساكر في العود إلى بلادهم وتمسـك بصدقـة بن دبيس وزوجة إبنته وسار الراشد من الموصل إلى أذربيجان قاصداً الملك وإجتمع إليه صاحب فارس وخوزستان وجماعة الأمراء فسار إليهم السلطان مسعود وهزمهم وأخذه صاحب فارس الأمير منكبرس فقتله صبراً‏.‏ تسلل صاحب خوزستان وعبد الرحمن طغايرك صاحب خلخال إلي السلطان مسعود وهو في خف من الناس فحملوا عليه وهزموه وقبضـوا علـى جماعـة مـن الأمـراء الذيـن معه فقتله منكبرس فيهم صدقة بن دبيس وعنبر بن أبي العسكـر‏.‏ وذهـب داود إلـى همـذان فملكهـا وإستقال السلطان مسعود من عثرته وولي على الحلة محمـد بن دبيس وجعل معه مهلهل بن أبي العسكر أخا نمير بربرة وإستقام أمره بالحلة وكان من شأن الراشد والسلجوقية ما نذكره في أخبارهم‏.‏


الساعة الآن 10:36 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى