منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 7 - 8 - 2010 02:40 PM

تغلب علي بن دبيس على الحلة وملكه إياها من أخيه محمد
ثم خرج على السلطان مسعود سنة ست وأربعين بوزاية صاحب فارس وخوزستان وبايع للسطان محمد ابن السلطان محمود وسار معهم عباس صاحب الري وملكوا كثيراً من البلاد فسار السلطان مسعود إليهم من بغداد واستخلف بها الأمير مهلهل بن أبـي العسكـر ونظـر الخادم وأشار مهلهل على السلطان مسعود عند رحيله من بغداد أن يحبس علي بن دبيس بقلعة تكريـت‏.‏ ونمـي إليـه الخبـر فهـرب فـي نفـر قليـل ومضـي إلـى بنـي أسـد فجمعهـم فسـار إلـى الحلـة فبرز إليه محمداً أخوه فهزمه علي وملك الحلة وإستهان السلطان أمره أولاً فاستفحل وضم إليه جمعاً من غلمانه وغلمان أبيه وأهل بيته وعساكرهم وكثر جمعهم فسار إليه مهلهل فيمن معه في بغداد من العسكر وضربوا عليه مصافاً وكسرهم وعادوا منهزمين إلى بغداد‏.‏ وكان أهلها يتعصبون لعلي بن دبيس فكانوا يعيطون إذا ركب مهلهل أو بعض أصحابه يا علي كله فكثر ذلك منهم بحيث إمتنع مهلهل من الركوب ويد علي فوق كل يد في أوضـاع الأمـراء بالحلـة وتصرف فيها‏.‏ وصار شحنه بغداد ومن فيها على وجل منه ووضع الخليفة الحامية على الأسوار وأرسل إلى علي يحضه على الإستقامة فأجاب بالآمال والطاعة فسكن الناس‏.‏ أخذ السلطان الحلة من يد علي وعوده إليها كـان علـي بن دبيس كثير العسف بالرعية والظلم لهم وإرتفعت شكوى الرعية به إلى السلطان مسعود سنة إثنتين وأربعين فأشكاهم وأقطع الحلة سلاركرد فسار إليها من همذان‏.‏ وجمع عسكراً من بغداد وقصد الحلة وإحتاط على أهل علي وأقام بالحلة في مماليكه وأصحابه‏.‏ ورجعـت عنـه العساكـر ولحـق علـي بـن دبيـس بالتقشكنجـر وكـان فـي إقطاعـه باللحـف متجنياً على السلطـان مسعـود فإستنجـده علـي فأنجـده وسـار معـه إلـى واسـط وسـار معهمـا الطرنطـاي صاحـب واسـط فانتزعـوا الحلـة مـن سلاركـرد ورجـع إلـى بغـداد آخـر إثنتيـن وأربعيـن وإستولى علي على الحلة‏.‏ نكبة علي بن دبيس ثم إنتقض علي السلطان مسعود سنة أربع وأربعيـن جماعـة مـن الأمـراء‏:‏ منهـم التقشكنجـر الطرنطاي وعلي بن دبيـس وبايعـوا ملـك شـاه ابـن السلطـان محمـود وسـاروا بـه إلـى العـراق وراسلوا المقتفي في الخطبة له فامتنع وجمع العساكر وحصن بغداد‏.‏ وأرسل إلى السلطان مسعود بالخبـر فشغـل عنهـم بلقـاء عمـه السلطـان سنجـر كـان سـار إليـه بالـري‏.‏ ولمـا علـم التقشكنجـر بذلـك نهـب النهـروان وقبـض علـى علي بن دبيس وهرب الطرنطاي إلى النعمانية‏.‏ ثم وصـل السلطان مسعود إلى بغداد فرحل التقشكنجر من النهروان وأطلق علي بن دبيس فسار إلى السلطان مسعود فلقيه ببغداد وإستعطفه فرضي عنه‏.‏ ثـم توفـي علـي بـن دبيـس صاحـب الحلـة عليلاً بسعد إباد وإتهم طبيبه محمد بن صالح بالإدهان فيـه فمـات بعـده بقليـل‏.‏ ثم مات السلطان مسعود آخر ملوك السلجوقية الأعاظم وبويع ملك شاه ابـن أخيـه محمـود بعهـده‏.‏ وإستبـد المقتفـي على ملوك السلجوقية بعده‏.‏ وبعث السلطان ملك شاه سلاركـرد إلـى الحلة فملكها ولحق به مسعود بلاك شحنة بغداد هرب منها عند موت السلطان مسعود وأظهر لسلاركرد الوفاق‏.‏ ثم قبض عليه وغرقه وإستبد بالحلة وبعث المقتفـي إليـه العساكر مع الوزير عون الدين بن هبيرة فبرز مسعود بلاك للقائهم فانهزم وعاد إلى الحلة فمنعه أهلها من الدخول فسار إلى تكريت وملك ابن هبيرة الحلة وبعث العساكر إلى الكوفة وواسط فملكوهـا‏.‏ ثـم جاءت عساكر السلطان ملك شاه إلى واسط وخرجت منها عساكر المقتفي إلى واسط فملكها ثم إلى الحلة كذلك‏.‏ ثم عاد إلى بغداد آخر ذي القعدة سنة سبع وأربعين‏.‏ ثم قبض الأمراء على مالك شاه سنة ثمان وأربعين وبايعوا لأخيه محمد وطلب الخطبة من المقتفـي فمنـع منهـا فسـار السلطان محمد بن محمود إلى العراق سنة إحدى وخمسين‏.‏ وإضطرب النـاس ببغداد وإهتم المقتفي بالإحتشاد وجاءته عساكر واسط‏.‏ وبعث السلطان مهلهل بن أبي العسكر إلى الحلة فملكها وحاصر السلطان محمد بغداد سنة إثنتين وخمسين وإمتنعت عليه فرجع وتوفي المقتفي سنة خمس وخمسين وبويع ابنه المستنجد وإستبد بأمره كما كان أبوه‏.‏ ومنـع خطبـة السلجوقيـة مـن بغـداد وكـان في نفسه شيء من بني أسد لإجلابهم على بغداد مع مهلهل بن أبي العسكر أيام حصار السلطان محمد لها فأمر بردن بن قماج بقتالهم وإجلائهم وكانـوا منتشرين في البطائح ولا يقدر عليهم وجمع عساكره وبعث عن ابن معروف مقدم المنتفق من أرض البصرة فجاءه في جمع كبير وحاصرهم حتى إنحسر الماء عنهم‏.‏ وأبطأ أمرهم على المستنجـد فبعـث إلـى بـردن يعاتبه وينسبه إلى موافقتهم في التشيع فجهد هو وابن معروف في قتالهم وسد مسالكهم في الماء وإستسلموا فقتل منهم أربعة آلاف ونودي عليهم بالجلاء من الحلة فافترقوا في البلاد ولم يبق منهم بالعراق من يعرف وسلمت بطائحهم وبلادهم إلى ابن معروف والمتقي وإنقرضت دولة بني مزيد والبقاء لله‏.‏

ملوك العجم القائمين بالدعوة العباسية
الخبر عن ملوك العجم القائمين بالدعوة العباسية في ممالك الإسلام والمستبدين على الخلفاء ونبدأ منهم أولاً بدولة أبن طولون بمصر وبداية أمرهم ومصائر أحوالهم قد تقدم لنا عند ذكر الفتوحات فتح مصر على يد عمرو بن العاص سنة عشرين من الهجرة فـي خلافـة عمـر بـن الخطـاب رضـي اللـه عنـه بإذنـه وولـاه عليها وأفتتح ما وراءها في المغرب إلى طرابلس وودان وغذامس حسبماً ذلك مذكور هنالك‏.‏ وأقام عمرو في ولايتها أيام عمر كلها‏.‏ وولي عثمان على الصعيد عبد الله بن أبي سرح وأفردها بالولاية وكان يعدو على عمرو فغضب عمرو وأبى من الرجوع إلى ولاية مصر فضمها عثمان لعبد الله بن أبي سرح وولاه عليهـا‏.‏ وكانـت فـي أيامـه غزوة الصوارى و جائت مراكب الروم من القسطنطينية في ألف مركب ونزلوا بسواحـل الإسكندريـة‏.‏ وإنتقـض أهـل القـرى ورغـب أهـل الإسكندريـة مـن عثمـان أن يمدهم بعمرو بن العاص فبعثه وزحف إليهم في العرب ومعه المقوقس في القبط وخرجوا من البحر ومعهم من إنتقض من أهل القرى ففتح الله على المسلمين وهزموا الروم إلى الإسكندرية‏.‏ وأمضى عمرو في قتلهم ورد على أهل القرى ما غنم المسلمون منهم وعذرهم بالإكراه ورجع إلـى المدينـة‏.‏ وأقـام عبـد اللـه فـي ولايتهـم وغـزا إفريقيـة وإفتتحها‏.‏ ثم غزا بلد النوبة ووضع عليهم الجزية المعروفة الباقية على الأيام وذلك سنة إحدى وثلاثين‏.‏ وثم كان من بعد ذلك يبعث معاويـة بـن خديـج فيفتـح ويثخـن إلـى أن إستملـك فتـح إفريقيـة‏.‏ ووفـد علـى عثمـان آخر أيامه عندما اهتاجـت الفتنـة وكثـر الطعن عليه من جماعة جند مصر يتعللون بالشكوى من ابن أبي سرح مع وفـد مـن الجنـد شاكيـن مـن عمالهـم بالأمصـار‏.‏ وعزلـه عثمان يسترضيهم به فكانت قضية الكتاب المنسوب إلى مروان وحصارهم عثمان بداره‏.‏ وخـرج عبـد اللـه مـن مصـر مـدداً لعثمـان فخالفـه محمـد بـن أبـي حذيفة بن عتبة بن ربيعة إلى مصر وإنتزى بها‏.‏ ورجع عبد الله من طريقه فمنعه الدخول فسار إلى عسقلان وأقام بها حتى قتل عثمـان‏.‏ ثـم سـار إلـى الرملـة وكانـت مـن مهماتـه فأقـام بهـا هربا من الفتنة حتى مات ولم يبايع علياً ولا معاويـة‏.‏ ثـم قتـل عمـرو بـن العـاص محمـد بـن أبـي حذيفـة وفـي كيفيـة قتلـه إيـاه اضطـراب‏.‏ ثـم ولي علـي علـى مصـر قيس بن سعد بن عبادة وكان ناصحاً له شديدأ على عدوه وإستماله معاوية فـي الـرد عليـه‏.‏ وأشـاع معاويـة خلـاف ذلـك عنـه فعزلـه علـي من أجل ذلك وولي بعد ذلك الأشتر النخعـي وإسمـه مالـك بـن الحـارث بـن يغـوث بـن سلمـة بـن ربيعة بن الحارث بن خزيمة بن سعد بن مالـك بـن النخـع‏.‏ وسـار إليها فمات بالقلزم قريبأ منها سنة سبع وثلاثين فولي علي مكانه محمد بن أبي بكر وكان نشأ في حجره‏.‏ ثم بعث معاوية إلى عمـرو بـن العـاص وهـو بفلسطيـن قـد إعتـزل النـاس بعـد مقتـل عثمـان وإستماله وإجتمع معه على قتال علي وولاه مصر فسار إليها بعد إنقضاء أمر صفين وأمر الحكمين‏.‏ وطلب معاوية الخلافة وقد اضطرب الأمر على محمد ابن أبي بكر وخرج عليه معاوية بن خديـج السكونـي مـع جماعـة مـن العثمانيـة بنواحـي مصـر فكاتـب عمـرو العثمانيـة وسرح الكتائب إلى مصر وفي مقدمتها معاوية بن خديج فهزموا عساكر محمد وإفترق عنه أصحابه وقتل كما هو معروف في أخباره ودخل عمرو بن العاص الفسطاط وملك مصر إلى سنـة ثلـاث وأربعيـن فتوفـي وملـك مكانـه ابنـه عبـد الله‏.‏ ثم عزله معاوية وولي أخاه عتبة بن أبي سفيـان وتوفي سنة أربـع وأربعيـن وولـي مكانـه عقبـة بـن عامـر الجهنـي ثـم عزله سنة سبع وأربعين وولي مكانه معاوية بن خديج‏.‏ ثـم إقتطـع عنـه إفريقية سنة خمسين وولي عليها عقبة بن نافع ثم جمع مصر وإفريقية لمسلمة بن مخلـد الأنصـاري فبعـث مسلمـة على إفريقية مولاه أبا المهاجر وأساء عزل عقبة كما هو معروف‏.‏ ثـم مـات معاويـة وولـي ابنـه يزيـد وإضطربـت الأمـور وبويع عبد الله بن الزبير بمكة وإنتشرت دعوته في الممالك الإسلامية فبعث على مصر عبد الرحمن بن جحدم القرشي وهو عبد الرحمن بن عقبة بن أياس بن الحارث بن عبد بن أسد بن جحدم الفهري ثم بويع مروان وإنتقض ابن الزبير وسار مروان إلى مصر فأخرج منها عبد الرحمن بن جحدم وولي عليها عمر بن سعيد الأشدق ثم بعثه للقاء مصعب بالشام وولي مكانه على مصر ابنه عبد العزيز بن مروان‏.‏ ثم هلـك سنـة خمـس وكـان مـروان قـد مات فولي مكانه ابنه عبد الله بن عبد الملك ثم عزله الوليد سنة تسع وثمانين وولي عليها مرة بن شريك بن مرثد بن الحارث العبسي ومات سنة خمس وتسعيـن فولـي الوليـد مكانـه عبـد اللـه بـن رفاعـة سنـة تسـع وتسعيـن وكـان قـد إستخلفـه عنـد موته‏.‏ ويقال بل ولي قبله أسامة بن زيد التنوخي‏.‏ ثم عزل عمر بن عبد العزيز عبد الملك بن رفاعة سنة تسع وتسعين وولي مكانه أيوب بن شرحبيـل بـن أكـرم بـن أبرهـة بـن الصبـاح الأصبحـي‏.‏ ثـم عزلـه يزيـد بـن عبـد الملـك وولي مكانه بشد بن صفوان وأقره يزيد ثم عزله هشام بن عبد الملك وولي عبد الملك ابن رفاعة وتوفي بعد خمس عشرة ليلة وإستخلف أخاه الوليد بن رفاعة‏.‏ وأقره هشام فأقام سبعة أشهر ثم عزله وولـي حنظلـة بـن صفـوان فـي المحرم سنة أربع وعشرين وأقره هشام ثم إستعفى مروان بن محمد حين ولـي فأعفـاه وولـي مكانـه حسـان بـن عتامـة بـن عبـد الرحمـن السجينـي وكـان بالشـام فإستخلـف حميـر بن نعيم الحصري بمصر‏.‏ ثم قدم ورفض ولايتها فولي مكانه حفص بن الوليد لستة عشر يوماً عن ولايته‏.‏ وبقي حفص شهرين ثم ولي مروان الحوثرة بن سهل بن العجلان الباهلي في محـرم سنـة ثمـان وعشريـن‏.‏ ثـم صـرف عنهـا فـي رجـب سنـة إحـدى وثلاثيـن وولـي المغيـرة بن عبد الله بن مسعود الفزاري‏.‏ ثم مات في جمادي سنة ست وثلاثين وإستخلف ابنه الوليد‏.‏ وولي مروان بن عبد الملك موسـى بـن نصيـر فأمـر بإتخـاذ المنابـر فـي الكـور وإنمـا كانـوا يخطبـون علـى العصـي‏.‏ ثـم قـدم مروان بن محمـد إلـى مصـر وكـان فيهـا مهلكـه كمـا هـو معـروف‏.‏ ثـم جـاءت الدولة العباسية فولي السفاح على مصـر عمـه صالـح بـن علـي سنـة أربـع وثلاثيـن ومائـة وبقيـت في ولايته يستخلف عليها فاستخلف أولاً محصـن بـن فانـي الكنـدي ثمانيـة أشهـر ثـم أبا عون عبد الملك بن يزيد مولى مناه ثمانية أشهر‏.‏ وولـي داود بـن يزيـد بـن حاتـم بـن قبيصـة محـرم سنـة أربـع وسبعين‏.‏ ثم عزله في محرم سنة خمس وسبعيـن لسنـة مـن ولايتـه وأعـاد إليهـا موسـى بـن عيسـى‏.‏ ثـم صرفـه فـي ربيع سنة ست وسبعين وولـي ابـن عمـه إبراهيـم بـن صالـح وتوفـي لثلاثـة أشهـر مـن ولايتـه وقام بالأمر بعده ابنه صالح فولي الرشيد عبد الله بن المسيب بن زهير الضبي في رمضان سنة ست وسبعين‏.‏ ثـم عزلـه بعـد الحـول وولـي هرثمـة بـن أعيـن ثـم أمـره بالمسيـر إلى إفريقية لثلاثة أشهر من ولايته سلخ ثمان وسبعين وولـي أخـاه عبيـد اللـه بـن المسيـب‏.‏ ثـم أعـاد موسـى بـن عيسـى فـي رمضـان سنـة تسـع وسبعين فاستخلـف ابنـه يحيـى‏.‏ ثـم صـرف موسـى فـي منتصـف سنـة ثمانيـن لعشـرة أشهـر مـن ولايتـه وأعيد عبيد الله بـن المهـدي‏.‏ ثـم صرفـه فـي رمضـان سنـة إحـدى وثمانيـن وأعيـد إسماعيـل بـن صالـح بن علي من العمومة فاستخلف ثم صرف في منتصف إثنتين وثمانين وأعيد لعشرة أشهر من ولايته‏.‏ وولي الليث بن الفضل من أهل أسبورد فوليها أربع سنين ونصفأ وعزل‏.‏ ثـم ولـي الرشيـد مـن قرابتـه أحمـد بـن إسماعيل بن علي منتصف سبع وثمانين فبقي عليها سنتين وشهرين‏.‏ ثم ولي مكانه عبد الله بن محمد بن الإمام إبراهيم بن محص ويعرف بابن زينب وصرفـه عنهـا آخـر شعبـان مـن سنـة تسعيـن لسنـة وشهريـن مـن ولايتـه وولـي حاتـم بـن هرثمـة بن أعين فقدم في شـوال سنـة أربـع وتسعيـن ثـم صرفـه الأميـر منتصـف خمـس وتسعيـن لسنـة وثلاثـة أشهـر مـن ولايتـه وولـي جابـر بـن الأشعث بن يحيى النعمان الطائي منتصف خمس وتسعين فأخرجه الجند منهـا سنـة سـت وتسعيـن لسنـة مـن ولايتـه‏.‏ ثـم ولـي المأمـون عليهـا عباد بن محمد بن حيان البلخي مولـي كنـدة ويكنـى أبـا نصـر‏.‏ ثـم عزلـه لسنـة ونصـف مـن ولايتـه في صفر سنة ثمان وتسعين وولي المطلـب عبـد اللـه بـن مالـك بـن الهيثـم الخزاعـي وقدمهـا مـن مكـة فـي منتصـف ربيـع الـأول‏.‏ ثـم صرفـه فـي شـوال لثمانيـة أشهـر مـن ولايتـه وولـي مـن عمومتـه العبـاس بـن موسـى بـن عيسـى فبعـث عليهـا ابنـه عبد الله ومعه الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه فأقام عليها شهريـن ونصف فقتله الجند يوم النحر سنة ثمان وتسعين وولوا عليهم المطلب بن عبد الله‏.‏ ثم جرت بينه وبين السدي وبين الحكم بن يوسف مولي بني ضبة من أهل بلخ من قوم يقال لهم الزط وجـرت بينـه وبيـن أهـل المطلـب حـروب وخـرج هاربـاً إلـى مكـة بعـد سنة وثمانية أشهر من ولايتها‏.‏ ووليها السري بإجماع الجند في رمضان سنة مائتين ثم وثب به الجند بعد ستة أشهر وولوا سليمان بن غالب بن جبريل بن يحيى بن قرة العجلي في ربيع الأول سنة إحدى عشرة‏.‏ وولـي عبـد اللـه بن طاهر بن الحسين مولي خزاعة فأقام عشرة‏.‏ ثم ولي المأمون عليها أخاه أبا إسحـاق الملقـب فـي خلافتـه بالمعتصـم فأقـر عبسـى الجلـودي وبعده عمير الوليد التميمي في صفر سنة أربع عشرة‏.‏ ثم قتل بعد شهرين واستخلف ابنه محمد بن عمير شهراً ثم أعاد عيسى الجلودي‏.‏ ثم جاء أبو إسحاق المعتصم إلى الفسطاط إلى الشام واستخلف عبدويه بن جبلة فـي المحـرم فاتـح خمس عشرة فأقام سنة وولي عيسى ين منصور بن موسى الخراساني الرافعي مولي بني نصر بن معاوية‏.‏ ثم قدم المأمون مصر لسنة من ولايته فسخط على عيسى بن منصور وعمر المقياس وجسراً آخر بالفسطاط وولي كندر بن عبـد اللـه بـن نصـر الصفـدي ويكنـى أبـا مالـك ورجـع إلـى العراق‏.‏ ومات كندر في ربيع سنة تسع عشرة ومائتين واستخلف ابنه المظفر‏.‏ ولما صارت الخلافة للمعتصم ولي على مصر مولاه أشناس ويكنى أبا جعفر في رجب سنة ثمان عشرة فاستخلـف عليهـا موسـى بـن أبـي العبـاس ثابـت مـن بنـي حنيفة من أهل الشاش في رمضان سنة تسـع عشـرة ومائتيـن واستخلـف ابنـه المظفـر فأقـام مستخلفًـا لأشنـاس أربـع سنيـن ونصف‏.‏ ثم عزله بعـد سنتيـن واستخلـف مالـك بـن كيـد بـن عبـد اللـه الصفـدي فقدم في ربيع سنة أربع وعشرين‏.‏ ثـم عزلـه بعـد سنتيـن واستخلـف علـي بـن يحيـى الأرمنـي وقـدم فـي ربيـع سنـة سـت وعشرين‏.‏ ثم عزلـه بعـد سنتيـن وثمانية أشهر واستخلف عيسى بن منصور الذي كان مستخلفًا للمعتصم أيام المأمون وسخطه المأمون عند قدومه مصر فقدم عيسى في محرم سنة تسع وعشرين‏.‏ ثـم مـات أشناس بعد الثلاثين وقد استخلف على مصر إيتاخ مولى المعتصم وأقيم إيتاخ مكان أشنـاس فأقـر الواثـق أتيـاخ علـى مصـر فأقـر إيتاخ عيسى بن منصور في ربيع سنة ست وثلاثين فبقـي أربعـة أشهـر‏.‏ ثـم استخلـف إيتـاخ هرثمـة بـن النضـر الجبلـي فقـدم منتصف سنة ثلاث وثلاثين وأقـام سنـة ثـم مـات سنـة أربـع وثلاثين‏.‏ وقام بأمره ابنه حاتم رضي الله تعالى عنه فاستخلف إيتـاخ علـي بـن يحيـى الأرمنـي فـي رمضـان سنـة أربـع وثلاثيـن‏.‏ ثـم صـرف إيتـاخ عـن ولايـة مصـر في محرم سنة خمس وثلاثين بعد وفاة المعتصم‏.‏ وولي المتوكل على مصر ابنه المستنصر فاستخلف عليها إسحاق بن يحيى بن معاذ الختلي وقدم في ذي القعدة من سنتـه‏.‏ وفـي أيامـه أخـرج ولـد علـي مـن مصـر إلـى العـراق‏.‏ ثـم صـرف فـي ذي القعـدة مـن سنـة ست وثلاثين واستخلف المستنصر عليها عبد الرحمن بن يحيى بن منصور بن طلحـة وريـق وهـو ابـن عـم طاهـر بـن الحسيـن وقـدم فـي ذي القعـدة سنة ست وثلاثين‏.‏ ثم صرفه واستخلف عنبسة بن إسحاق بـن عبـس بـن عبسـة مـن أهـل هـراة‏.‏ ويكنـى أبـا حاتـم فـي صفـر سنـة ثمان وثلاثين‏.‏ وفي ولايته كبس الروم دمياط يوم عرفة من سنة ثمان وثلاثين‏.‏ واستخلـف يزيـد بـن عبـد اللـه بـن دينار من مواليهم ويكنى أبا خالد‏.‏ وفي أيامه منع العلويون من ركـوب الخيـل واقتنـاء العبيـد‏.‏ ثـم ولـي المستنصـر الخلافـة في شوال سنة سبع وأربعين فأقر يزيد على ولاية مصر‏.‏ ثم صرف عنها في ربيـع سنـة ثلـاث وخمسيـن لعشـر سنيـن مـن ولايتـه‏.‏ وولـي المعتـز مكانه مزاحم بـن خاقـان بـن عزطـوج التركـي فـي ربيـع سنـة أربـع وخمسيـن وعهـد إلـى أزجـور بـن أولـغ طرخـان التركي فأقام خمسة أشهر وخر حاجًا في رمضان سنة أربع وخمسين وولي أحمد بن طولون وإستفحل بها أمره وكانت له ولبنيه بها دولة كما نذكر الآن أخبارها‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:41 PM

الخبر عن دولة أحمد بن طولون بمصر وبنيه ومواليه بني طغج
وإبتداء أمرهم وتصاريف أحوالهم قـال ابـن سعيـد ونقلـه مـن كتـاب ابـن الدايـة في أخبار بني طولون كان طولون أبو أحمد من الطغز غزوهـم التتـر‏.‏ حملـه نـوح بـن أسـد عامـل بخـارى إلـى المأمـون فـي وظيفتـه مـن المـال والرقيـق والبراذين‏.‏ وولـد لـه أحمـد سنـة عشريـن ومائتيني من جارية إسمها ناسم وتوفي طولون سنة أربعين ومائتين وكفله رفقاء أبيه بدار الملك حتى ثبتت مرتبته وتصرف في خدمة السلطان وإنتشر له ذكر عند الأولياء فاق به على أهل طبقته‏.‏ وشاع بين الترك صونه ودينه وأمانته على الأسرار والأموال والفروج‏.‏ وكان يستصغر عقول الأتراك ويرى أنهم ليسـوا بأهـل للرتـب‏.‏ وكـان يحـب الجهاد‏.‏ وطلب من حمد بن أحمد بن خاقان أن يسأل من عبـد اللـه الوزيـر أن يكتـب لهمـا بأرزاقهما إلى الثغر ويقيما هنالك مجاهدين‏.‏ وسار إلى طرسوس وأعجبه ما عليه أهل الحق من تغيير المنكر وأقامة الحق فأنس وعكف على طلب الحديث‏.‏ ثم رجع إلى بغداد وقد امتـلأ علمـاً ودينـاً وسياسـة‏.‏ ولمـا تنكر الأتراك للمستعين وبايعوا المعتز وآل أمر المستعين إلى الخلع والتغريب إلى واسط وكلوا بـه أحمـد بـن محمـد الواسطـي يومـه‏.‏ وكـان حسـن العشـرة فكـه المجالسة‏.‏ ولما إعتزموا على قتله بعثوا إلى أحمد بن طولون أن يمضي ذلك فتفادى منه فبعثوا سعيداً الحاجب فسمله ثم قتله ودفنه ابن طولون وعظم محله بذلك عند أهل الدولة‏.‏ إنتهى كلام ابن سعيد‏.‏ وقال ابن عبد الظاهر‏:‏ وقفت على سيرة للأخشيد قديمة عليها خط الفرغاني وفيها أن أحمد هـو ابـن النج من الأتراك كان طولون صديق أبيه ومن طبقته‏.‏ فلما مات النج رباه طولون وكفله فلمـا بلـغ مـن الحداثـة مشـي مـع الحشويـة وغـزا وتنقلـت بـه الأحـوال إلـى أن صـار معدوداً في الثقات‏.‏ وولي مصر وإستقر بها‏.‏ قال صدر الدين بن عبد الظاهر‏:‏ ولم أر ذلك لغيره من المؤرخين إنتهى‏.‏ ولما وقع إضطراب الترك ببغداد وقتل المستعين وولي المعتز وإستبد عليه الأتراك وزعيمهم يومئـذ بـاك بـاك وولـاه المعتز مصر ونظر فيمن يستخلفه عليها فوقع اختياره على أحمد بن طولون فبعثه عليها وسار معه أحمد بن محمد الواسطى ويعقوب بن إسحاق ودخلها في رمضان سنـة أربـع وخمسيـن وعلـى الخوارج بها أحمد ابن المدبر وعلى البريد سفير مولى قبيجة فأهدى له ابن المدبر ثم إستوحش منه وكاتب المعتز بأن ابن طولون يروم العصيان وكاتب صاحب البريد بمثل ذلك فسطا بسفير صاحب البريد ومات من غده‏.‏ ثـم قتـل المعتـز وولي المهتدي فقتل باك باك ورتب مكانه يارجوج وولاه مصر‏.‏ وكانت بينه وبين أحمد بن طولون مودة أكيدة فاستخلفه على مصر وأطلق يده على الإسكندرية والصعيد بعد أن كـان مقتصـراً علـى مصـر فقـط‏.‏ وجعـل إليـه الخـراج فسقطـت رتبة ابن المدبر‏.‏ ثم أعاده المعتمد فلم ينهض إلى مساماة ابن طولون ولا منازعته‏.‏ ثم كتب إليه المعتمد بضبط عيسى بن شيخ الشيباني وكان يتقلد فلسطين والأردن وتغلب على دمشـق وطمـع فـي مصـر ومنـع الحمـل‏.‏ واعترض حمل ابن المدبر وكان خمسة وسبعين حملاً من الذهب فأخذها فكتب إليه المعتمد يومئذ بولاية أعماله فادعى العجز وأنكر مال الحمل ونزع السواد وأنفذ أناجور من الحضرة في العساكر إلى دمشق سنة سبع وخمسين‏.‏ ثم خرج أحمد بن طولون إلى الإسكندرية ومعه أخوه موسى وكان يتجنى عليه ويرى أنه لم يـوف بحقـه‏.‏ وظهـر ذلك منه في خطابه فأوقع به ونفاه وحبس كاتبه إسحاق بن يعقوب واتهمه بأنه أفضى بسره إلى أخيه‏.‏ وخرج أخوه حاجاً‏.‏ وسار من هنالك إلى العراق ووصف أخاه بالجميل فحظي بذلك عند الموفق‏.‏ واستفحل أمر أحمد واستكثر من الجند وخافه أناجور بالشـام‏.‏ وكتـب الموقـف يغريـه بشأنـه وأنـه يخشـى على الشام منه‏.‏ ثم كتب الموفق إلى ابن طولون بالشخوص إلـى العـراق لتدبيـر أمـر السلطـان وأن يستخلـف علـى مصـر فشعـر ابـن طولـون بالمكيـدة فـي ذلك فبعث كاتبه أحمد بن محمـد الواسطـي إلـى يارجـوج وإلـى الوزيـر وحمـل إليهمـا الأمـوال والهدايا‏.‏ وكان يارجوج متمكنا في الدولة فسعى في أمره وأعفاه من الشخوص وأطلق ولده وحرمـه واشتـدت وطـأة ابـن طولـون وخافـه أحمـد بـن المدبـر فكتب إلى أخيه إبراهيم أن يتلطف له في الإنصراف عن مصر فورد الكتاب بتقليده خراج دمشق وفلسطين والأردن‏.‏ وصانع ابن طولـون بضياعـه التـي ملكهـا وسـار إلـى عملـه بمصـر وشيعه ابن طولون ورضي عنه‏.‏ وذلك سنة ثمان وخمسين‏.‏ وولي الوزير على الخراج من قبله‏.‏ وتقدم لإبن طولون باستحثاثه فتتابع حمل الأموال إلى المعتمد‏.‏ ثم كتب ابن طولون بأن تكون جباية الخراج له فأسعف بذلك‏.‏ وأنفذ المعتمد نفيسا الخادم بتقليده خراج مصر وضريبتها وخـراج مصـر وضريبتها وخراج الشام‏.‏ وبعث إليه نفيس الخادم ومعه صالح بـن أحمـد بـن حنبـل قاضـي الثغور ومحمد بن أحمد الجزوعي قاضي واسط شاهدين بإعفائه ما زاد على الرسم من المال والطراز‏.‏ ومات يارجوج في رمضان سنة تسع وخمسين وكان صاحب مصر ومن أقطاعه‏.‏ ويدعى له قبل ابن طولون فلما مات استقل أحمد بمصر

فتنة ابن طولون مع الموفق
لما استأمن الزنج وتغلبوا على نواحي البصرة وهزموا العساكر بعث المعتمد إلى الموفق وكان المهتدي نفاه إلى مكة فعهد له المعتمد بعد ابنه المفوض وقسم ممالك الإسلام بينهما‏.‏ وجعل الشرق للموفق ودفعه لحرب الزنـج وجعـل الغـرب للمفـوض واستخلـف عليـه موسـى بـن بغـا واستكتـب موسـى بـن عبيـد اللـه بـن سليمـان بـن وهـب‏.‏ وأودع كتـاب عهدهمـا فـي الكعبـة‏.‏ وسار الموفق لحرب الزنج واضطرب الشرق وقعد الولاة عن الحمل‏.‏ وشكا الموفق الحاجة إلى المال‏.‏ وكـان ابـن طولون يبعث الأموال إلى المعتمد يصطنعه بذلك فأنفذ الموفق نحريرأ خادم المتوكل إلى أحمد بن طولون يستحثه لحمل الأموال والطراز والرقيق والخيل ودس إليه يعتقله‏.‏ واطلع على الكتب‏.‏ وقتل بعض القواد وعاقب آخرين‏.‏ وبعث مع نحرير ألفي ألف ومائتـي ألـف دينـار ورقيقًا وطرزأ‏.‏ جمع الرسم وبعث معه من أسلمه إلى الثقة أناجور صاحب الشام‏.‏ ولمـا فعـل ابـن طولـون بنحريـر مـا فعـل كتـب الموفـق إلـى موسى بن بغا بصرف أحمد بن طولون عن مصـر وتقليدهـا أناجـور فكتب إلى أناجور بتقليدها فعجز عن مناهضة أحمد فسار موسى بن بغا ليسلم إليه مصر وبلغ الرقة‏.‏ واستحث أحمد في الأموال فتهيأ أحمد لحربه وحصن الجزيرة معقـلاً لحربه وذخيرته‏.‏ وأقام موسى بالرقة عشرة أشهر واضطرب عليه الجند وشغبوا وطالبوه بالـأرزاق واختفـى كاتبـه موسـى بـن عبيـد اللـه بـن وهـب فرجـع وتوفي سنة أربـع وستيـن‏.‏ ثم كتب الموفق إلى ابن طولون باستقلال ما حمله من المال وعنفه وهدده فأساء ابن طولون جوابه وأن العمـل لجعفـر بـن المعتمـد ليـس لك فأحفظ ذلك الموفق وسأل من المعتمد أن يولي على الثغور من يحفظهـا وأن ابن طولون لا يؤمن عليها لقلة اهتمامه بأمرها فبعث محمد بن هارون التغلبي عامل الموصل وركب السفن فألقته الريح بشاطىء دجلة فقتله الخوارج أصحاب مساو الساري‏.‏

ولاية أحمد بن طولون على الثغور
وكانت أمهات الثغور يومئذ أنطاكية وطرسوس والمصيصة وملطية وكان على أنطاكية محمد بن علـي بـن يحيـى الأرمنـي وعلـى طرسـوس سيمـا الطويل وإليه أمر الثغور وجاء في بعض أيامه إلى أنطاكية فمنعه الأرمني من الدخول فدس إلى أهل البلد بقتله فقتلوه وأحفظ ذلك الموفق فولي على الثغور أرجون بن أولغ طرخان التركي وأمره بالقبض علـى سيمـا الطويـل فقـام بالثغـور وأساء التصرف وحبس الأرزاق عن أهلها‏.‏ وكانت قلعة لؤلؤة من قلاع طرسـوس فـي نحـر العدو وأهم أهل طرسوس أمرها فبعثوا إلى حاميتها خمسة آلاف دينار رزقاً من عندهم فأخذها أرجون لنفسه وضاعت حاميتها وافترقوا‏.‏ وكتب الموفق إلى أحمد بن طولون بتقليد الثغور وأن يبعث عليها من قبله فبعث من قبله طحشي بن بكروان وحسنت حالهم وطلب منـه ملـك الـروم الهدنـة واستأذن في ذلك ابن طولون فمنعه وقال‏:‏ إنما حملهم على ذلك تخريبكم لقلاعهم وحصونهم فيكون في الصلح راحـة لهـم فحـاش للـه منـه وأمـره بـرم الثغـور وأرزاق الغزاة‏.‏ قـد تقـدم لنـا ولايـة أناجـور علـى دمشـق سنـة سبـع وخمسين وما وقع بينه وبين أحمد بن طولون‏.‏ ثـم توفـي أناجـور فـي شعبـان سنـة أربـع وستيـن ونصـب ابنـه علـي مكانـه‏.‏ وقـام يدبـر أمره أحمد بن بغا وعبيد الله بن يحيى بن وهب‏.‏ وسار إلى الشام مورياً بمشارفة الثغور واستخلف ابنه العبـاس علـى مصـر وضـم إليـه أحمـد بـن محمـد الواسطـي وعسكـر فـي مينـة الأصبـع وكتب إلى علي بـن أناجـور بإقامـة الميـرة للعساكر فأجاب الآمال‏.‏ وسار ابن طولون إلى الرملة وبها محمد بن أبي رافع من قبل أناجور ومدبر دولته أحمد‏.‏ هنالك منذ نفاه المهتدي فأكرمه‏.‏ ثـم سـار عـن دمشق واستخلف عليها أحمد بن دوغياش ورحل إلى حمص وبها أكبر قواد أناجور فشكت الرعية منه فعزله وولي يمتا التركي‏.‏ ثم سار إلى أنطاكية وقد امتنع بها سيما الطويل بعد أن كتب بالطاعة وأن ينصرف عنه فأبى وحاصرها وشد حصارها‏.‏ وضجر أهلهما من سيما فداخل بعضهم أحمد بن طولون ودلوه على بعض المسارب فدخلها منه فـي فاتحـة خمـس وستيـن وقتـل سيمـا الطويـل وقبـض علـى أمرائـه وكاتبـه‏.‏ ثـم سـار إلـى طرسـوس فملكهـا ودخلهـا فـي خلـق كثيـر وشـرع فـي الدخـول إلـى بلاد الروم للغزو وبينما هو يروم ذلك جاءه الخبر بانتقاض ابنه العباس الذي استخلفه بمصر فرجع وبعث عسكراً إلى الرقة وعسكراً إلى حران وكانت لمحمد بن أناشر فأخرجوه عنها وهزموه‏.‏ وبلغ الخبر إلى أخيه موسى فسار إلى حـران وكـان شجاعًـا‏.‏ وكـان مقـدم العسكر بحران بن جيعونة فأهمه أمرهم فقال له أبو الأغر من العرب‏:‏ أنا آتيك بموسى‏.‏ واختار عشرين فارسًا من الشجعان وسار إلى معسكر موسى فأكمن بعضهم ودخل بالباقين بعض الخيام فعقدت واهتاج العسكر وهرب أبو الأغر واتبعوه فخرج عليهم الكمين فهزموهم وأسر موسى وجاء به أبو الأغر إلى جيعونة قائد ابن طولون فاعتقله وعاد إلى مصر سنة ست وستين‏.‏

الخبر عن انتقاض العباس بن أحمد بن طولون على أبيه
لما رحل أحمد بن طولون إلى الشام واستخلف ابنه العباس وكان أحمد بن الواسطي محكمًـا في الدولة‏.‏ وكان للعباس بطانة يدارسونه الأدب والنحو وأراد أن يولي بعضهم الوظائـف ولـم يكونـوا يصلحـون لهـا فمنـع الواسطـي مـن ذلك خشية الخلل في الأعمال فحمل هؤلاء البطانـة عليـه عنـد العبـاس وأغروه به‏.‏ وكتب هو إلى أحمد يشكوهم فأجابه بمداراة الأمور إلى حيـن وصولـه‏.‏ وكان محمد بن رجاء كاتب أحمد مداخلاً لإبنه العباس فكان يبعث إليه بكتب الواسطـي يتنـزل لـه فاطلـع علـى جواب أبيه عن كتبه بالمداراة فازداد خوفاً وحمل ما كان هنالك من المال والسلاح وهو ألف ألف دينار‏.‏ وتسلف من التجار مائتي ألف أخرى واحتمل أحمد بن محمد الواسطي وأيمن الأسود مقيدين وسار إلى برقة‏.‏ ورجع أحمد إلى مصر وبعث له جماعة فيهم القاضي أبو بكرة بكار بن قتيبة والصابونـي القاضـي وزيـاد المـري مولى أشهب فتلافوا به بالموعظة حتى لان‏.‏ ثم منعه بطانته وخوفوه فقال لبكار‏:‏ ناشدتك الله هل تأمنه علي فقال هو قد حلف وأنا لا أعلم فمضى على ريبته‏.‏ ورجـع القـوم إلـى أبيـه‏.‏ وسار هو إلى إفريقية يطلب ملكها وسهل عليه أصحابه أمر إبراهيم بن أحمد بن الأغلب صاحبها‏.‏ وكتب إليه بأن المعتمد قلده إفريقية وأنه أقره عليها‏.‏ وانتهى إلى المدينة لبلة فخرج عليه عامل بن الأغلب فقبض عليه ونهب البلد وقتل أهله وفضح نساءهم فاستغاثوا بالياس بن منصور كبير نفوسة ورئيس الأباضيـة وقـد كـان خاطبـه يتهـدده علـى الطاعة‏.‏ وبلغ الخبر إلى ابن الأغلب فبعث العساكر مع خادمه بلاغ وكتب إلى محمد بن قهرب عامل طرابلـس بـأن يظاهـر معـه علـى قتـال العبـاس فسـار ابـن قهـرب وناوشـه القتـال من غير مسارعة‏.‏ ثم صحبهـم اليـأس فـي إثنـي عشـر ألفًـا مـن قومه‏.‏ وجاء بلاغ الخادم من خلفه فأجفل واستبيح أمواله وذخائره وقتل أكثر من كان معه وأفلت بحاشيته‏.‏ وإنطلق أيمن الأسود من القيد ورجع إلى مصـر‏.‏ وجـاء العبـاس إلـى برقـة مهزومـأ‏.‏ وكـان قـد أطلـق أحمـد لواسطي بعد أن ضمن حزب برقة إحضاره فلما رجع أعاده إلى محبسه فهرب من الحبس ولحق بالفسطاط‏.‏ ووجد أحمد بن طولون قد سار إلى الإسكندرية عازماً على الرحيل إلى برقة فهون أمره ومنعه من الرحيل بنفسـه‏.‏ وخـرج طبارجـي وأحمـد الواسطـي فجـاؤوا بـه مقيـداً علـى بغـل وذلـك سنة سبع وستين‏.‏ وقبـض علـى كاتبـه محمـد بـن رجـاء وحبسه لما كان يطلع ابنه العباس على كتبه‏.‏ ثم ضرب ابنه وهو باك عليه وحبسه‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:42 PM

خروج الصوفي والثمري بمصر
كـان أبـو عبـد الرحمـن العمـري بمصر وهو عبد الحميد بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر مقيمًا بالقاصية من الصعيد وكان البجاة يغيرون في تلك الأعمال ويعيون فيها‏.‏ وجاؤوا يوم عيد فنهبـوا وقتلـوا فخـرج هـذا العمـري غضبـاً للـه وأكمـن لهم في طريقهم ففتك بهم وسار في بلادهم حتى أعطوه الجزية واشتدت شوكته‏.‏ وزحف العلوي للقائه فهزمه العمري وذلك سنة ستين‏.‏ وكـان مـن خبـر هـذا العلـوي أنـه ظهـر بالصعيـد سنـة سبـع وخمسين وذكر أن إسمه إبراهيم بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب ويعرف بالصوفي‏.‏ فملك مدينة أسنا ونهبهـا وعـاث فـي تلـك الناحيـة‏.‏ وبعـث إليه ابن طولون جيشًا فهزمهم وأسر مقدم الجيش فقطعه فأعـاد إليـه جيشـاً آخـر وإنهـزم إلـى الواحـات‏.‏ ثـم عـاد إلـى الصعيـد سنـة تسـع وخمسين وسار‏.‏ إلى الأشمونيـن‏.‏ ثـم سار للقاء العمري وإنهزم إلى أسوان وعاث غي جهاتها‏.‏ وبعث إليه ابن طولون العسكر فهرب إلـى عيـذاب وعبـر البحـر إلـى مكـة فقبـض عليـه الوالـي بمكـة وبعـث بـه إلـى ابـن طولـون فحبسـه مـدة‏.‏ ثـم أطلقه ومات بالمدينة‏.‏ ثم بعث ابن طولون العسكر إلى العمري فلقي قائدهم وقال‏:‏ إني لم أخرج بالفساد ولا يؤذى مسلم ولا ذمي وإنما خرجت للجهاد فشاور أميرك في فأبى وناجزه الحرب فانهزم العسكر ورجعوا إلى ابن طولون فأخبروه بشأنه فقال‏:‏ هلا كنتم شاورتموني فيه فقد نصره الله عليكم ببغيكم‏.‏ ثم وثب عليه بعد مدة غلامان لـه فقتلـاه وجاءا برأسه إلى أحمد بن طولون فقتلهما‏.‏ إنتفاض برقة وفي سنة إحـدى وستيـن وثـب أهـل برقـة بعاملهـم محمـد بـن فرج الفرغاني فأخرجوه ونقضوا طاعة ابن طولون فبعث إليهم العساكر مع غلامه لؤلؤ وأمره بالملاينة فحاصرهم أياماً وهو يلين لهم حتى طمعوا فيه ونالوا من عسكره فبعث إلى أحمد بخبره فأمره بالاشتداد فشد حصارهم ونصـب عليهـم المجانيـق فاستأمنـوا ودخل البلد وقبض على جماعة من أعيانهم فضربهم وقطعهم ورجع إلى مصر واستعمل عليهم مولى من مواليه وذلك قبل خلاف العباس على أبيه‏.‏

إنتقاض لؤلؤ علي ابن طولون
كان ابن طولون قد ولي مولاه لؤلؤ على حلب وحمص وقنسرين وديار مضر من الجزيرة وأنزله الرقـة وكـان يتصـرف عـن أمره‏.‏ ومتى وقع في مخالفته عاقب ابن سليمان كاتب لؤلؤ فسقط لؤلؤ فـي المـال وقطـع الحمـل عـن أحمـد بن طولون‏.‏ وخاف الكاتب مغبة ذلك فحمل لؤلؤ على الخلاف وأرسـل إلـى الموفـق بعـد أن شـرط علـى المعتمـد شروطًـا أجابـه الموفق إليها‏.‏ وسار إلى الرقة وبها ابن صفوان العقيلي فحاربه وملكها منه وسلمها إلى أحمد بن مالك بن طوق‏.‏ وسار إلى الموفق فوصل إليه بمكانه من حصار صاحب الزنج وأقبل عليه واستعان به في تلك الحروب وولـاه علـى الموصـل ثم قبض عليه سنة ثلاث وسبعين وصادره على أربعمائة آلف دينار فافتقر وعاد إلى مصر آخر أيام هارون بن خمارويه فقيراً فريداً‏.‏ مسير المعتمد إلى ابن طولون وعوده عنه من الشام كان ابن طولون يداخل المعتمد في السر ويكاتبه ويشكو إليه المعتمد ما هو فيه من الحجر والتضييق عليه من أخيه الموفق والموفق بسبب ذلك ينافر ابن طولون ويسعى في إزالته عن مصر‏.‏ ولما وقع خلاف لؤلؤ على ابن طولون خاطب المعتمد وخوفه الموفق واستدعاه إلى مصـر‏.‏ وأن الجيـوش عنده لقتال الفرنج فأجابه المعتمد إلى ذلك وأراد لقاءه بجميع عساكره فمنعه أهل الرأي من أصحابه وأشاروا عليه بالعدول عن المعتمد جملة وأن أمره يؤول معه إلى أكثر مـن أمـر الموفـق مـن أجـل بطانتـه التي يؤثرها على كل أحد‏.‏ واتصلت الأخبار بأن الموفق شارف القبض على صاحب الزنج فبعث ابن طولون بعض عساكره إلى الرقة لإنتظار المعتمد واغتنم المعتمد غيبة الموفق وسار في جمادى سنة ثمان وستين ومعه جماعة من قواده فقبض عليهم وقيدهم‏.‏ وقـد كـان ساعـد بـن مخلـد وزير الموفق خاطبه في ذلك عن الموفق فأظهر طاعتهم حين صاروا إلى عمله وسار معهم إلى أول عمل أحمد بن طولون فلم يرحل معهم حين رحلوا‏.‏ ثم جلس معهم بيـن يـدي المعتمـد وعذلهـم فـي المسيـر إلـى ابـن طولـون ودخلوهـم تحـت حكمـه وحجـره‏.‏ ثـم قـام بهـم عنـد المعتمـد ليناظرهـم فـي خلـوة فلمـا دخلـوا خيمتـه قبـض عليهـم‏.‏ ثـم رجـع إلـى المعتمـد فعذلـه في الخـروج عـن دار خلافتـه وفـراق أخيـه وهـو فـي قتـال عـدوه‏.‏ ثـم رجـع بالمعتمـد والذيـن معـه حتـى أدخلهـم سـر مـن رأى‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى ابـن طولـون فقطع خطبة الموفق ومحا اسمه من الطرز فتقدم الموفـق إلـى المعتمـد بلعـن ابـن طولـون فـي دار العامـة فأمـر بلعنـه على المنابر وعزله عن مصر وفوض إليه من باب الشاتية إلـى إفريقيـا وبعـت إلـى مكـة بلعنـه فـي المواسـم فوقعـت بيـن أصحـاب ابـن طولـون وسلبوا وأمر جعفر المصريين وقرأوا الكتاب في المسجد بلعن ابن طولون‏.‏

اضطراب الثغور ووصول أحمد في طولون إليها ووفاته
كـان عامـل أحمـد بـن طولـون علـى الثغـور طلخشـي بـن بلـذدان واسمـه خلـف وكان نازلاً بطرسوس‏.‏ وكان مازيار الخادم مولى فتح بن خاقان معه بطرسوس وارتـاب بـه طلخشـي فحبسه فوثب جماعة من أهل طرسوس واستقدموا مازيـار مـن يـده وولـوه‏.‏ وهـرب خلـف وتركوا الدعاء لإبن طولون من مصر وانتهى إلى أذنة وكاتب مازيار واستماله فامتنع واعتصم بطرسوس فرجع ابن طولون إلى حمص ثم إلى دمشق فأقام بها‏.‏ ثم رجع وحاصره في فصل الشتاء بعد أن بعث إليه يدعوه وانساح على معسكر أحمد وخيمه وكادوا يهلكون فتأخر ابن طولون إلى أذنة وخرج أهل طرسوس فنهبوا العسكر‏.‏ وطال مقام أحمد بأذنة في طلب البرد‏.‏ ثـم ثـار إلـى المصيصـة فأقـام بهـا ومـرض هنـاك‏.‏ ثـم تماسـك إلـى أنطاكيـة فاشتـد وجعه ونهاه الطبيب عن كثرة الغذاء فتناوله سراً فكثر عليه الإختلاف لأن أصل علته هيضة من لبن الجواميس‏.‏ وثقل عليه الركوب فحملوه على العجلة فبلغ الفرمار وركب من ساحـل الفسطـاط إلـى داره وحضره طبيبه فسهل عليه الأمر وأشار بالحمية فلم يداوم عليها‏.‏ وكثر الإسهال وحميت كبده من سوء الفكر فساءت أفعاله‏.‏ وضرب بكار بن قتيبة القاضي وأقامه للناس فـي الميـدان وخرق سواده وأوقع بابن هرثمة وأخذ ماله وحبسه‏.‏ وقتل سعيد بن نوفل مضروباً بالسياط‏.‏ ثم رجع أولياءه وغلمانه وعهد إلى ابنه أبي الجيش خمارويه وأوصاهم بانظاره وحسن النظر فسكنـوا إلـى ذلـك لخوفهـم مـن ابنـه أبـي العبـاس المعتقـل‏.‏ ثـم مـات سنـة سـت وسبعيـن ومائتيـن لست وعشرين سنة من إمارته‏.‏ وكان حازمًا سائساً وبني جامعه بمصرة وأنفق فيه مائة وعشرين ألـف دينـار‏.‏ وبنـي قلعـة يافـا وكـان يميـل إلـى مذهـب الشافعي رضي الله تعالى عنه‏.‏ وخلف من المال عشرة آلاف دينار ومن الموالي سبعة آلاف ومن الغلمان أربعة آلاف ومن الخيل المرتبطة مائـة ومـن الـدواب لركابـه مائتيـن وثلاثيـن‏.‏ وكـان خراج مصر لأيامه جمع ما ينضاف إليها من ضياع الأمراء لحضرة السلطان أربعة آلاف ألف دينار وثلاثمائة ألف دينار وعلى المارستان وأوقافه ستين ألف دينار وعلى حصن الجزيرة والجزيرة وهي المسماة لهذا العهد بقلعة الروضة ثمانين ألـف دينـار‏.‏ وخربـت بعد موته وجددها الصالح نجم الدين بن أيوب‏.‏ ثم خربت ثانية ولم يبق منها إلا أطلال دائرة وكان يتصدق في كل شهر بألف دينار ويجري على المسجونين خمسمائة دينار في كل شهر وكانت نفقة مطابخه وعلوفته ألف دينار في كل يوم‏.‏

ولاية خمارويه بن أحمد بن طولون
ولمـا توفـي أحمـد بـن طولـون إجتمـع أهـل الدولـة وخواص الأولياء وكبيرهم أحمد بن محمد الواسطي والغالب على الدولة الحسن بن مهاجر فاتفقوا على بيعة ابنه أبي الجيش خمارويه وأحضروا ابنـه العبـاس مـن محبسـه وغزاه الواسطي وهم يبكون‏.‏ ثم قال‏:‏ بايع لأخيك فأبى فقام طبارجي وسعد الآيس من الموالي وسحبوه إلى حجرة في القصر فاعتقلوه بها وأخرج من الغد ميتاً وأخرجوا أحمد إلى مدفنه وصلى عليه ابنه أبو الجيش وواراه ورجع إلى القصر مقيماً لأمر سلطانه‏.‏

مسير خمارويه إلى الشام وواقعته مع ابن الموفق
ولمـا توفـي أحمـد بـن طولون كان إسحاق بن كنداج عاملاً على الجزيرة والموصل وابن أبي الساج على الكوفة وقد ملك الرحبة من يد أحمد بن مالك فطمعا في ملك الشام واستأذنا الموفق فأذن لهما ووعدهما بالمدد‏.‏ وسار إسحاق إلى الرقة والثغور والعواصم فملكها من يد ابن دعاس عامل بن طولون‏.‏ واستولي إسحاق على حمص وحلب وأنطاكية ثم على دمشق‏.‏ وبعث خمارويه العساكر إلى الشام فملكوا دمشق وهرب العامل الذي انتقـض بهـا ثـم سـار العسكـر إلـى شيزر فأقام عليها قبالة إسحاق وابن أبي الساج وهما ينتظران المدد من العراق‏.‏ ثم هجم الشتاء فتفرق عسكر خمارويه في دور شيزر ووصل العسكر من العراق مع أبي العباس أحمد بن الموفق الذي صارت إليه الخلافة ولقب المعتضد فكبسوا عسكر خاوريه في دور شيرز وفتكوا فيهم ونجا الفل إلى دمشق والمعتضد في إتباعهم فارتحلوا عنها وملكها المعتضد في شعبان سنة إحدى وسبعين‏.‏ ولحق عسكر خمارويه بالرملة فأقاموا بها وكتبوا إلى خمارويه بالخبر وسار المعتضد نحوهم من دمشـق‏.‏ وبلغـه وصـول خمارويـه وكثـرة عساكـره فهـم بالعـود ومعـه أصحاب خمارويه الذين خالفـوا عليه ولحقوا به‏.‏ وكان ابن كنداج وابن أبي الساج متوحشين من المعتضد لسوء معاملته لهمـا‏.‏ والتقـى العسكـران علـى الماء الذي عليه الطواحين بالرملة فولي خمارويه منهزماً مع عصابة معه ليس لهم عربة بالحرب‏.‏ ومضي إلى مصر بعد أن أكمن مولاه سعداً الآيس في عسكر‏.‏ وجاء المعتضد فملك خيام خمارويه وسواده وهو يظن الظفر فخرج سعد الآيس من كمينه وقصـد الخيـام وظـن المعتضـد أن خمارويه قد رجع فركب وانهزم لا يلوي على شيء‏.‏ وجاء إلى دمشق فمنعوه الدخول فمضى إلى طرسوس ولما افتقد سعد الآيس خمارويه نصب أخاه أبا العشائـر لقيـادة العساكـر ووضع العطاء ووصلت البشائر إلى مصر فشر خمارويه بالظفر وخجـل مـن الهزيمة وأكثر الصدقة وأكرم الأسرى وأطلقهم‏.‏ وسارت عساكره إلى الشام فارتجعوه كله من أصحابه فأخرجوهم ولحقوا بالعراق‏.‏ وغزا بالصائفة هذه السنة مازيار صاحب الثغر وغنم وعاد ثم غزا كذلك سنة ثلاث وسبعين‏.‏

فتنة ابن كنداج وابن أبي الساج والخطبة لإبن طولون بالجزيرة
كان ابن أبي الساج عاملًا على قنسرين وإسحاق على الجزيرة والموصل فتنافسوا في الأعمال واستظهـر ابـن أبـي السـاج بخمارويـه وخطـب لـه بأعماله وبعث ابنه رهينة إليه فسار في عساكره بعـد أن بعـث إليـه الأمـوال وانتهـى إلى السن وعبر ابن أبي الساج الفرات ولقي إسحاق بن كنداج على الرقة فهزمه وجاز خمارويه من بعده فعبر الفرات إلى الرافقية‏.‏ ونجا إسحاق إلى ماردين وحصره ابن أبي الساج‏.‏ ثم خرج وسار إلى الموصل فصده ابن أبي الساج عنها وهزمه فعاد إلى ماردين‏.‏ واستولي ابن أبي الساج على الجزيرة والموصل وخطب في أعمالها لخمارويه ثم لنفسـه بعـده‏.‏ وبعـث العساكر مع غلامه فتح لجباية نواحي الموصل فأوقع بالشراة اليعقوبية ومكر بهم‏.‏ وعلم أصحابهم بما فعل معهم فجاؤوا إليه وهزموه واستلحموا أصحابه‏.‏ ونجا ابن أبي الساج في فل قليل‏.‏ ثـم انتفـض ابـن أبـي الساج على خماروبه سنة خمس وسبعين وذلك أن إسحاق بن كنداج سار إلى خمارويه بمصر وصار في جملته فأنتقض ابن أبي الساج‏.‏ وسار خمارويه إليه فلقيه على دمشق في المحرم فانهزم ابن أبي الساج واستبيح معسكره‏.‏ وكان وضع بحمص خزائنه فبعث خمارويه عسكراً إلى حمص فمنعوه من دخولها واستولوا على خزائنه‏.‏ ومضى ابن أبي الساج إلـى حلـب ثـم إلـى الرقـة وخماوريـه في إتباعه‏.‏ ثم فارق الرقة إلى الموصل وعبر خمارويه الفرات واحتل مدينة بلد وأقام بها وسار ابن أبي الساج إلى الحديثة‏.‏ وبعـث خمارويـه عساكـره وقـواده مـع إسحـاق بـن كنـداج فـي طلب ابن أبي الساج فعبر دجلة وأقام بتكريـت وإسحـاق فـي عشريـن ألفـاً وابـن أبـي السـاج فـي ألفيـن وأقامـوا يترامـون فـي العوتين‏.‏ ثم جمع ابـن كنـداج السفـن ليمـد الجسر للعبور فخالفهم ابن أبي الساج إلى الموصل ونزل بظاهرها فرحلوا في أتباعه فسار لقتالهم فانهزم إسحاق إلى الرقة وتبعه ابن أبي الساج‏.‏ وكتب إلى الموفق يستأذنه في عبور الفرات إلى الشام وأعمال خمارويه فأجابه بالتربص وانتظار المدد‏.‏ ولما إنهزم إسحاق سار إلى خمارويه وبعث معه العسكر ورجع فنزل على حد الفرات من أرض الشام وابن أبي الساج قبالته على حدود الرقة فعبرت طائفة من عسكر ابن كنداج لم يشعروا بهم وأوقعـوا بجمـع من عسكر ابن أبي الساج فلما رأى أن لا مانع لهم من العبور سار إلى الرقة إلى بغداد وقدم على الموفـق سنـة سـت وسبعيـن فأقـام عنـده إلـى أن ولـاه إذربيجـان فـي سنتـه واستولـى ابن كنداج على ديار ربيعة وديار مضر وأقام الخطبة فيها لخمارويه‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:43 PM

عود طرسوس إلى أيالة خمارويه
قد كنا قدمنا أن مازيار الخادم ثار بطرسوس سنة سبعين وحاصره أحمد بن طولون فامتنع عليـه فلمـا ولـي خمارويـه وفـرغ مـن شواغلـه أنفـذ إلى مازيار سنة سبع وسبعين ثلاثين ألف دينار وخمسمائة ثوب وخمسمائة مطرف واصطنعه فرجع إلى طاعته وخطب له بالثغور‏.‏ ثم دخل بالصائفة سنة ثمان وسبعين وحاصروا أسكند فأصابه منها حجر منجنيق رثه ورجع إلى طرسـوس فمـات بهـا‏.‏ وقـام بأمـر طرسـوس ابـن عجيـف‏.‏ وكتـب إلـى خمارويـه فأقـره على ولايتها ثم عزلـه‏.‏ وإستعمـل مكانـه محمـد ابـن عمـه موسـى بـن طولـون‏.‏ وكان من خبره أن أباه موسى لما ملك أحمـد أخـوه مصـر تبسـط عليه بدلالة القرابة وذوي الأرحام فلم يحتمله له أحمد ورده عليه وكسر جاهه فانحرف موسى وسخط دولته‏.‏ ثـم خاطبه في بعض مجالسه بمالاً يحتمله السلطان فضربه ونفاه إلى طرسوس‏.‏ وبعث إليه بمال يتزوده فأبى من قبوله وسار إلى العراق ورجع إلى طرسوس فأقام بها إلى أن مات وترك ابنه محمـداً‏.‏ وولـاه خمارويـه وبعث إلى أميرهم راغب فأكرمه خمارويه وأنس به وطالت إقامته عنده وشاع بطرسوس أن خمارويه حبسه فاستعظم الناس ذلك وثاروا بأميرهم محمد بن موسـى وسجنـوه رهينـة فـي راغـب‏.‏ وبلغ الخبر إلى خمارويه فسرحه إلى طرسوس فلما وصلها أطلقوا أميرهـم محمد بن موسى وقد سخطهم فسار عنهم إلى بيت المقدس‏.‏ وعاد ابن عجيف إلى ولايته بدعوه خمارويه وغزا سنة ثمانين بالطائفـة ودخـل معـه بـدر الحمامـي فظفـروا وغنمـوا ورجعوا‏.‏ ثم دخل بالطائفة سنة إحدى وثمانين من طرسوس طغج بن جف الفرغاني من قبل خمارويه في عساكره طرابزون وفتح مكودية‏.‏ ولما ولي المعتضد الخلافة بعث إلى خمارويه خاطبًا قطر‏.‏ الندى ابنته وكانت أكمل نسـاء عصرها فـي الجمـال والـأداب‏.‏ وكـان متولـي خطبتهـا أمينـه الخصـي ابـن عبـد اللـه بـن الجصـاص فزوجـه خمارويه بها وبعثها مع ابن الجصاص وبعث معها من الهدايا ما لا يوصف‏.‏ وقدمت سنة تسع وسبعين فدخل بها وتمتع بجمالها وآدابها وتمكن سلطانه في مصر والشام والجزيرة إلى أن هلك‏.‏

مقتل خمارويه وولاية ابنه جيش
كـان خمارويـه قـد سـار سنـة اثنين وثمانين إلى دمشق فأقام بها أياماً وسعى إليه بعض أهل بيته بـأن جواريه يتخذون الخصيان يفترشوهن وأراد استعلام ذلك من بعضهن فكتب إلى نائبه بمصر أن يقرر بعضهن فلما وصله الكتاب قرر بعض الجواري وضربهن‏.‏ وخـاف الخصيـان ورجـع خمارويـه مـن الشـام وبـات فـي مخدعـه فأتاه بعضهم وذبحه على فراشه في ذي الحجة سنة إثنتين وثمانين‏.‏ وهرب الذين تولوا ذلك فاجتمع القواد صبيحة ذلك اليوم وأجلسوا ابنه جيش بن خمارويه على كرسي سلطانه وأفيض العطاء فيهم وسيق الخدم الذين تولوا قتل خمارويه فقتل منهم نيف وعشرون‏.‏

مقتل جيش بن خمارويه وولاية أخيه هارون
ولما ولي جيش كان صبياً غراً فعكف على لذاته وقرب الأحداث والسفلـة وتنكـر لكبـار الدولـة وبسـط فيهم القول وصرح لهم بالوعيد فأجمعوا على خلعه‏.‏ وكان طغج ابن جف مولي أبيه من كبار الدولة وكان عاملاً لهم على دمشق فانتقض وخلع طاعته‏.‏ وسار آخرون من القواد إلى بغداد منهم إسحاق بن كنداج وخاقان المفلحي وبدر بن جف أبو طغج وقدموا على المعتضد فخلع عليهم وأقام سائر القواد بمصر على انتقاضهم وقتل قائداً منهم‏.‏ ثم وثبوا بجيش فقتلوه ونهبوا داره ونهبوا مصر وحرقوه وبايعوا لأخيه هارون وذلـك لتسعـة أشهـر مـن ولايته‏.‏

فتنة طرسوس وانتفاضها
وقد تقدم لنا أن راغباً مولي الموفق نزل طرسوس للجهاد فأقام بها ثم غلب عليها بعد ابن عجيف‏.‏ ولما ولي هارون بن خمارويه سنة ثلاث وثمانين ترك الدعاء له ودعا لبدر مولى المعتضد وقطع طرسوس والثغور من عمالة بني طولون‏.‏ ثم بعث هارون بن خمارويه إلى المعتضـد أن يقاطعـه علـى أعمالـه بمصر والشام بأربعمائة ألف وخمسين ألف دينار ويسلم قنسرين والعواصـم وهـي الثغـور لمعتضد فأجابه إلى ذلك‏.‏ وسار من آمد وكان قد ملكها من يد محمد بن أحمد بن الشيخ فاستخلف ابنه المكتفي عليها‏.‏ وسار سنة ست وثمانين فتسلم قنسرين والثغور من يد أصحاب هارون وجعلها مع الجزيرة في ولاية ابنه المكتفي‏.‏ ولمـا ولـي هـارون بعـد أخيـه جيـش علـى ما ولي عليه من اختلاف القواد وقوة أيديهم خشي أهل الدولـة مـن افتـراق الكلمـة ففوضـوا أمرهـا إلـى أبـي جعفـر بـن أبـان‏.‏ كان مقدماً عند أحمد وخمارويه فأصلح ما استطاع وبقي يرتق الفتق ويجبر الصدع‏.‏ ثم نظر إلى الجند الذيـن كانـوا خالفـوا بدمشـق مـع طغـج بـن جـف فبعـث إليهـم بـدراً الحمامـي والحسيـن بـن أحمد المارداني فأصلحا مورد الشام وأفردا طغج بن جف بولاية دمشق وإستعملا فـي سائـر الأعمـال ورجعـا إلـى مصـر والأمور مضطربة والقواد طوائف لا ينقاد منهم أحط إلى أن وقع ما نذكر‏.‏ زحف القرامطة إلى دمشق قد تقم لنا إبتداء أمر القرامطة وما كان منهم بالعراق والشام وأن ذكرويه بن مهداوية داعية القرامطة لما هزم بسواد الكوفة وأفنى أصحابه القتل لحق ببني القليص بن كلب بن وبرة في السماوة فبايعوه ولقبوه الشيخ وسموه يحيى وكنوه أبا القاسم‏.‏ وزعم أنه محمد بن عبد الله بن المكتـوم بـن إسماعيـل الإمـام فلقبوه المدثر وزعم أنه المشار إليه في القرآن‏.‏ ولقب غلاماً من أهله المطـوق‏.‏ وسـار مـن حمـص إلـى حمـاة ومعـرة النعمـان إلى بعلبك ثم إلى سلميه فقتل جميع من فيها حتى النساء والصبيان والبهائم‏.‏ ونهب سائر القرى من كل النواحي‏.‏ وعجز طغج بن جف وسائر جيشه وصاحبه هارون عن دفاعهم‏.‏ وتوجه أهل الشام ومصر إلى المكتفي مستغيثيـن فسـار إلـى أهـل الشـام سنـة تسعيـن ومـر بالموصـل وقـدم بيـن يديه أبا الأغر من بني حمدان في عشرة آلاف رجل‏.‏ ونزل قريبًا من حلب وكبسه القرمطي صاحب الشامة فقتل منهم جماعة ونجا أبو الأغر إلـى حلـب فـي فـل مـن أصحابـه‏.‏ وحاصـره القرمطي ثم أفرج عنه وانتهى المكتفي إلى الرقة‏.‏ وبعث محمد بن سليمان الكاتـب فـي العساكـر ومعـه الحسين من بني حمدان وبنو شيبان فناهضه في المحرم سنة إحدى وتسعيـن علـى حمـاة وانهـزم القرامطـة‏.‏ وأخـذ صاحب الشامة أسيراً فبعث به إلى الرقة وبين يديه المدثر والمطوق وتقدم المكتفي إلى بغداد ولحقه محمد بن سليمان بهم فأمر المكتفي بضربهم وقطعهم وضرب أعناقهم وحسم دائهم حتى ظهر منهم من ظهر بالبحرين‏.‏

استيلاء المكتفي علي الشام ومصر وقتل هارون وشيبان ابني خمارويه
وانقراض دولة بني طولون ونبـدأ أولاً بخبـر محمد بن سليمان المتولي بتحويل دولة بني طولون كان أصله من ديار مضر من الرقة اصطنعه أحمد بن طولون وخدمه في مصر‏.‏ ثم تنكر له وعامله في جاهه وأقاربه بما أحفظه وخشي على نفسه فلحق ببغداد ولقي بها مبرة وتكرمة‏.‏ واستخدمه الخلفاء وجعلوه كاتبـاً للجيـش فمـا زال يغريهـم بملـك مصـر إلـى أن ولـي هـارون بـن خمارويـه وفشلـت دولـة بني طولون بالشـام‏.‏ وعـاث القرامطة في نواحيه وعجز هارون عن مدافعتهم ووصل صريخ أهل الشام إلى المكتفي فقام لدفع ضررهم عن المسلمين ودفع محمد بن سليمان لذلك وهو يومئذ من أعظم قـواده فسـار فـي العساكـر في مقدمته‏.‏ ثم أمره المكتفي بأتباع القرامطة وأقام بالرقة فسار حتى لقيهم وقاتلهم حتى هزمهم واستلحمهم ودفع عن الشام ضررهم ورجع بالقرمطـي صاحـب الشامـة وأصحابـه أسـرى إلى المكتفي بالرقه فرجع إلى بغداد وقتلهم هنالك وشفي نفسه ونفس المسلمين منهم‏.‏ وكان محمد بن سليمان لما تخلف عن المكتفي عند وصوله إلى بغداد فأمره بالعود وبعث معه جماعه من القواد وأمده بالأموال وبعث دميانة غلام مازيار في الأسطول وأمـره بالمسيـر إلـى سواحل مصر ودخول نهر النيل والقطع عن أهل مصر ففعل وضيق عليهم‏.‏ وسار محمد بن سليمـان والعساكـر واستولـي على الشام وما وراءه فلما قارب مصر كاتب القواد يستميلهم فجاء إليه بدر الحمامي وكان رئيسهم فكسر ذلك من شوكتهم‏.‏ تتابع إليه‏.‏ الفواد مستأمنين فبرز هـارون لقتالهـم فيمـن معـه مـن العساكـر‏.‏ وأقـام قبالتهـم واضطرب عسكره في بعض الأيام من فتنة وقعت بينهم‏.‏ واقتتلوا فركب هارون ليسكنهم فأصابته حربة من بعض المغاربة كان فيها حتفه فقام عمه شيببـن بـن أحمـد بـن طولـون بعـده بالأمـر وبـذل الأموال للجند من غير حسبان ولا تقدير ثم أباح‏.‏ نهب ما بقي منه يصطنعهم بذلك فنهبوه في ساعة واحده وتشوف إلى جمع المال فعجز عنه واضطرب وفسد تدبيره وتسايل إلى محمد بن سليمان جنده وفاوض أعيان دولته في أمره فاتفقوا على الإستئمان إلى محمد بن سليمان فبعث إليه مستأمناً فسار إليه‏.‏ ثم تبعه قواده وأصحابـه فركب محمد إلى مصر واستولى عليها وقيد بني طولون حبسهم وكانوا سبعه عشر رجلاً‏.‏ وكتب بالفتح فأمره المكتفي بأشخاص بني طولون جميعاً من مصر والشام إلى بغـداد فبعـث بهـم‏.‏ ثـم أمـر بإحـراق القطائـع التـي بناها أحمد بن طولون على شرقي مصر وكانت ميلاً في ميل فأحرقت ونهب الفسطاط‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:44 PM

ولاية عيسى النوشزي على مصر وثورة الخليجي
ولما اعتزم محمد بن سليمان على الرجوع إلى بغداد وكان المكتفي قد ولاه على مصر فولي المكتفي عيسى بن محمد النواشـزي وقـدم فـي منتصـف سنـة إثنتيـن وتسعيـن‏.‏ ثـم ثـار بنواحـي مصـر إبراهيـم الخليجـي وكـان مـن قـواد بني طولون وتخلف عن محمد بن سليمان‏.‏ وكتب إلى المكتفي عيسى النوشزي بالخبر‏.‏ وكثرت جموع الخليجي وزحف إلى مصر فخرج النوشري هارباً إلى الإسكندريه وملك الخليجي مصر وبعث المكتفي العساكر مع فاتك مولي أبيه المعتضد وبدر الحمامـي وعلـى مقدمتهـم أحمد بن كيغلغ في جماعة من القواد ولقيهم الخليجي على العريش في صفـر سنـة ثلـاث وتسعيـن فهزمهم‏.‏ ثم تراجعوا وزحفوا إليه وكانت بينهم حروب فني فيها أكثر أصحابـه الخليجـي وانهـزم الباقون فظفر عسكر بغداد ونجا الخليجي إلى الفسطاط واختفى به‏.‏ ودخل قواد المكتفي المدينة وأخذوا الخليجي وحبسوه‏.‏ وكـان المكتفـي عندمـا بلغتـه هزيمـة ابـن كيغلـغ وسار ابن كيغلغ في ربيع وبرز المكتفي منه ورائهم يسيـر إلـى مصـر فجـاءه كتـاب فاتك بالخبر والحبس الخليجي فكتب المكتفي بحمله ومن معه إلى بغداد‏.‏ وبرز من تكريت فبعث فاتك بهم وحبسوا ببغداد ورجع عيسى النوشري إلى مصر في منتصـف ثلـاث وتسعيـن فلـم يـزل وليـاً عليهـا إلـى أن توفـي فـي شعبـان سنـة سبـع وتسعيـن لخمـس سنين من ولايته وشهرين وقام بأمره ابنه محمد‏.‏ وولي المقتدر على مصر أبا منصور تكين الخزري فقدمها آخر شوال من سنة سبع وتسعين وأقام والياً عليها‏.‏ واستفحلت دولة العلويين بالمغرب‏.‏ وجهز عبد الله المهدي العساكر مع ابنه أبي القاسم سنة إحـدى وثلاثمائـه فملـك برقـة فـي ذي الحجـه آخرهـا‏.‏ ثـم سـار إلـى مصر وملك الإسكندرية والفيوم وبلـغ الخبـر إلـى المقتـدر فقلـد ابنـه أبـا العباس مصر والمغرب وعمره يومئذ أربع سنين‏.‏ وهو الذي ولي الخلافة بعد ذلك ولقب الراضي ولما قلده مصر استخلف له عليها مؤنساً عليها الخادم وبعثه في العساكر إلى مصر وحاربهم فهزمهم ورجعوا إلى المغرب فأعاد عبيد الله العساكر سنـة أثنين مع قائده حامسة الكتامي‏.‏ وجاء في الأسطول فملك الإسكندرية وسار منها إلى مصر‏.‏ وجاء مؤنس الخادم في العساكر فقاتله وهزمه‏.‏ ثم كانت بينهم وقعات وانهزم أصحاب المهـدي آخراً في منتصف إثنتين وثلاثمائة وقتل منهم نحواً من سبعة آلاف ورجعوا إلى المغرب فقتل المهدي حامسة وعاد مؤنس إلى بغداد‏.‏

ولاية ذكاء الأعور
لـم يـزل تكيـن الخـزري واليـاً علـى مصـر استخلافـاً إلـى أن صـرف آخر إثنتين وثلاثمائة فولي المقتدر مكانه أبا الحسن ذكاء الأعور وقدم منتصف صفر من سنة ثلاث فلم يزل والياً عليها إلى أن توفي سبع لأربع سنين من ولايته‏.‏ ولاية تكين الخزري ثانية لمـا صـرف المقتـدر ذكاء ولي مكانه أبا منصور تكين الخزري ولاية ثانية فقدم في شعبان سنة سبع وكان عبيد الله المهير قد جهز العساكر مع ابنه أبي القاسم ووصل إلى الإسكندرية في ربيع من سنة سبع وملكها‏.‏ ثم سار إلى مصر وملك الجزيرة والأشمونين من الصعيد وما إليه وكتـب أهـل مكـة بطاعته‏.‏ وبعث المقتدر من بغداد مؤنساً الخادم في العساكر فواقع أبا القاسم عدة وقعات وجاء الأسطول من إفريقيا إلى الإسكندرية في ثمانين مركباً مدداً لأبي القاسم وعليـه سيمـان بـن الخـادم ويعقـوب الكتامـي فسـار إليهم في أسطول طرسوس في خمسة وعشرين مركباً وفيها النفط والممد وعليها أبو اليمن فالتقت العساكر في الأساطيل في مرسى رشيد‏.‏ فظفـر أسطـول طرسوس بأسطول إفريقيا وأسر كثير منهم‏.‏ وقتل بعضهم وأطلق البعض‏.‏ وأسر سليمان الخادم فهلك في محبسه بمصر وأسر يعقوب الكتامي وحمل إلى بغداد فهرب منها إلى إفريقيا‏.‏ واتصل الحرب بين أبي القاسم ومؤنس وكان الظفر لمؤنس ووقع الغلاء والوباء في عسكر أبي القاسم ففني كثير منهم بالموت‏.‏ ووقع الموتان في الخيل فعاد العسكر إلى المغرب واتبعهم عساكر مصر حتى أبعدوا فرجعوا عنهم‏.‏ ووصل أبو القاسم إلى القيروان منتصف السنـة‏.‏ ورجـع مؤنـس إلـى بغـداد وقـدم تكيـن إلـى مصـر كمـا مر ولم يزل والياً عليها إلى أن صرف في ربيع من سنة تسع‏.‏

ولاية أحمد بن كيغلغ
ولـاه المقتدر بعد هلال بن بدر فقدم في جمادى وصرف لخمسة أشهر من ولايته وأعيد تكين المـرة الثالثـة فقـدم فـي عاشوراء سنة ثلاث عشرة وأقام والياً عليها تسع سنين إلى أن توفي في منتصـف ربيـع الـأول سنـة إحـدى وعشريـن‏.‏ وفـي أيامـه جـدد المقتدر عهد لأبنه أبي العباس على بلـاد المغـرب ومصر والشام واستخلف له مؤنساً وذلك سنة ثمان عشرة‏.‏ وقال ابن الأثير‏:‏ وفي سنة إحدى وعشرين توفي تكين الخزري بمصر فولي عليها مكانه ابنه محمد وبعث له القاهر بالخلع وثار به الجند فظفر بهم إنتهى‏.‏ ولاية أحمد بن كيغلغ الثانية ولـاه القاهـر في شوال سنة إحدى وعشرين بعد أن كان ولي محمد بن طغج وهو عامل دمشق وصرفه لشهر من ولايته قبل أن يتسلم العمل ورده إلى أحمد بن كيغلغ كما قلناه‏.‏ فقدم مصر فـي رجب سنة إثنتين وعشرين‏.‏ ثم عزل آخر رمضان من سنة ثلاث وعشرين وولي الراضي الخليفـة بأن يدعى على المنبر باسمه ويزاد في ألقابه الأخشيد فقام بولاية مصر أحسن قيام ثم إنتزع الشام من يده كما يذكر‏.‏ استيلاء ابن رائق على الشام من يد الأخشيد كـان محمد بن رائق أمير الأمراء ببغداد وقد مر ذكره‏.‏ ثم نازعه مولاه تحكم وولي مكانه سنة سـت وعشريـن‏.‏ وهـرب ابـن رائـق ثـم استتـر ببغـداد واستولـي عليهـا ورجـع الخليفـة مـن تكريت بعد أن كـان قـدم تحكـم‏.‏ ثـم كتـب إليـه واستـرده وقد عقد الصلح مع ناصر الدولة بن حمدان من قبل أن يسمـع بخبـر ابـن رائـق‏.‏ ثم عادوا جميعاً وراسلهم أبي رائق مع أبي جعفر محمد بن يحيى بن شيـرزاد فـي الصلـح فأجيـب وقلـده الراضـي طريـق الفرات وديار مصر التي هي حران والرها وما جاورهما وجند قنسرين والعواصم فسار إليها واستقر بها‏.‏ ثـم طمحـت نفسـه سنـة ثمـان وعشرين إلى ملك الشام فسار إلى مدينة حمص فملكها وكان على دمشق بدر بن عبد الله مولى الأخشيد ويلقب بتدبير فملكها ابن رائق من يده وسار إلى الرملة يريد مصر‏.‏ وبرز الأخشيـد مـن مصـر فالتقـوا بالعريـش وأكمـن الأخشيـد ثـم إلتقيـا فانهـزم الأخشيـد أولاً وملـك أصحـاب ابـن رائـق سـواده ونزلـوا خيامهـم‏.‏ ثـم خرج عليهم كمين الأخشيد فانهزموا ونجا ابن رائق إلى دمشـق فـي فـل مـن أصحابـه فبعـث إليـه الأخشـد أبـا نصيـر بـن طغـج فـي العسكـر فبـرز إليهـم ابـن رائـق وهزمهـم وقتـل أبـو نصـر فـي المعركـة فبعـث ابـن رائـق شلـوه إلى مصر مع ابنه مزاحم بن محمد بن رائق وكتب إليه بالعزاء والإعتذار وأن مزاحمأ في فدائه فخلع عليه ورده إلى أبيه‏.‏ وتم الصلح بينهما على أن تكون الشام لإبن رائق ومصر للأخشيد والتخم بينهما للرملة‏.‏ وحمل الأخشيـد وبقـي في عمالة ابن رائق إلى أن قتل تحكم والبريدي‏.‏ وعاد ابن رائق من الشام إلى بغـداد فاستدعـاه المتقـي وصار أمير الأمراء بها فإسخلف على الشام أبا الحسن علي بن محمد بن مقاتل‏.‏ ولما وصل إلى بغداد قاتله كورتكين القائم بالدولة فظفر به وحبسه وقاتل عنه أصحابـه مـن الديلـم‏.‏ وزحـف إليهـم البريـدي مـن واسـط سنـة ثلاثيـن فانهزم المتقي وابن رائق وسار إلى الموصل‏.‏ وكان المتقي قد استنجد ناصر الدولة بن حمدان فبعث إليه أخاه سيف الدولة ولقيه المتقي بتكريت ورجع معه إلى الموصل وقتل ناصر الدولة بن محمد بن رائق ووالي إمارة الأمـراء للمتقـي‏.‏ فلمـا سمـع الأخشيـد بمقتـل ابـن رائـق سـار إلـى دمشـق ثـم استولـي يوسـف بعـد ذلك عليها سنة إثنتين وثلاثين‏.‏ وولي ناصر الدولة بن حمـدان فـي ربيـع سنـة إثنيـن وثلاثيـن علـى أعمـال ابـن رائـق كلهـا‏:‏ وهـي طريـق الفـرات وديار مصر وجند قنسرين والعواصم وحمص أبا بكر محمد علي بـن مقاتـل وأنفـده إليهـا مـن الموصـل فـي جماعـة مـن القـواد‏.‏ ثـم ولـي بعـده فـي رجـب ابـن عمـه أبـا عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان على تلك الأعمال وامتنع أهل الكوفة من طاعته فظفر بهم وملكهـا‏.‏ وسـار إلـى حلـب وكـان المتقـي قـد سار إلى الموصل سنة إحدى وثلاثين مغاضباً لأمير الأمراء تورون فأقام بالموصل عند بني حمدان‏.‏ ثم سار إلى الرقـة فأقـام بهـا وكتـب إلـى الأخشيد يشكو إليه ويستقدمه فأتاهما النصر‏.‏ ومر بحلب فخرج عنها الحسين بن سعيد بن حمـدان وتخلـف عنـه أبـو بكـر بـن مقاتـل للقاء الأخشيد فأكرمه واستعمله على خراج مصر‏.‏ وولي على حلب يأنس المؤنسي‏.‏ وسار الأخشيد من حلب إلى الرقة في محرم سنة ثلاث وثلاثين وأهدى له ولوزيره الحسين بن مقله وحاشيته وأشار عليه بالمسيـر إلـى مصـر والشـام ليقـوم بخدمته فأبى فخوفه من تورون وأن يلزم الرقة‏.‏ وكان قد أنفذ رسله إلى تورون في الصلح وجاؤوه بالإجابة فلم يعرج على شيء من إشارته‏.‏ وسار إلى بغداد وانصرف الأخشيد إلى مصر وكان سيف الدوله بالرقة معهم فسار إلى حلب وملكها ثم سار إلى حمص‏.‏ وبعث الأخشيـد عساكـره إليهـا مـع كافـور مولـاه فلقيهـم سيـف الدولـة إلـى قنسرين والتقيا هنالك وتحاربـا‏.‏ ثـم إفترقـا علـى منعـة وعاد الأخشيد إلى دمشق وسيف الدولة إلى حلب وذلك سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ وسارت الروم إلى حلب وقاتلهم سيف الدولة فظفر بهم‏.‏

وفاة الأخشيد وولاية ابنه أنوجور واستبداد كافور عليه
واستيلاء سيف الدولة على دمشق ثم توفي الأخشيد أبو بكر بن طغج بدمشق سنة أربع وثلاثين وقيل خمس وولي مكانه أبو القاسم أنوجور وكان صغيراً فاستبد عليه كافور وسار من دمشق إلى مصر فخالفه سيف الدولـة فسـار إلـى حلـب وزخـف أنوجـور فـي العساكـر إليـه فعبر سيف الدولة إلى الجزيرة وحاصر أنوجور حلب أيامأ‏.‏ ثم وقع الصالح بينهما وعاد سيف الدولة إلى حلب وأنوجور إلى مصر ومضى كافور إلى دمشق وولي عليها بدرأ الأخشيدي المعروف بتدبير فرجع إلى مصر فأقام بدربها سنة ثم عزل عنها وولي أبو المظفر طغج وقبض على تدبير‏.‏

وفاة أنوجور ووفاة أخيه علي واستبداد كافور عليه
ثـم علت سن أبي القاسم أنوجور ورام الأستبداد بأمره وإزالة كافور فشعر به وقتله فيما قيل مسموماً سنة ونصب أخاه عليه للأمر في كفالته وتحت استبداده إلى أن هلك‏.‏

وفاة علي بن الأخشيد وولاية كافور
ثم توفي علي بن الأخشيد سنة خمس وخمسين‏.‏ فأعلن كافور بالإستبداد بالأمر دون بني الأخشيد وركب بالمظلة‏.‏ وكتب له المطيع بعهده على مصر والشام والحرمين وكناه العالي بالله فيم يقبل الكنية واستوزر أبا الفضل جعفر بن الفرات‏.‏ وكان من أعاظم الملوك جواداً ممدوحاً سيوساً كثير الخشية لله والخوف منه‏.‏ وكان يداري المعز صاحب المغرب ويهاديه وصاحب بغداد وصاحب اليمن وكان يجلس للمظالم في كل سبت إلى أن هلك‏.‏

وفاة كافور وولاية أحمد بن علي بن الأخشيد
ثم توفي كافور منتصف سبع وخمسين لعشره سنين وثلاثة أشهر من استبداده منها سنتان وأربعـه أشهـر مستقلاً من قبل المطيع وكان أسود شديد السواد واشتراه الأخشيد بثمانية عشر دينـاراً‏.‏ ولمـا هلـك إجتمـع أهـل الدولـة وولوا أحمد بن علي بن الأخشيد وكنيته أبو الفوارس وقام بتدبير أمره الحسن بن عمه عبد الله بن طغج وعلى العساكر شمول مولي جده وعلى الأموال جعفر بن الفضل واستوزر كاتبه جابر الرياحـي‏.‏ ثـم أطلـق ابـن الفـرات بشفاعـة ابـن مسلـم مسير جوهر إلى مصر وانقراض دولة بني طغج ولمـا فرغ المعز لدين الله من شواغل المغرب بعث قائده جوهر الصقلي الكاتب إلى مصر وجهزه في العساكر وأزاح عللها‏.‏ وسار جوهر من القيروان إلى مصر ومر ببرقة وبها أفلح مولي المعز فلقيه وترجل له فملك الإسكندرية ثم الجيزة‏.‏ ثم أجاز إلى مصر وحاصرها وبها أحمد بن علـي بـن الأخشيـد وأهـل دولتـه‏.‏ ثـم إفتتحهـا سنـة ثمـان وخمسيـن وقتـل أبـا الفـوارس وبعث بضائعهم وأموالهم إلى القيروان صحبة الوفد من مشيخة مصر وقضاتها وعلمائها‏.‏ وانقرضت دولة بني طغـج وأذن سنـة تسـع وخمسيـن فـي جامـع ابـن طولـون بحـي علـي خيـر العمـل‏.‏ وتحولـت الدعـوة بمصر للعلويـة واختـط جوهـر مدينـة القاهـرة في موضع العسكر وسير جعفر بن فلاح الكتامي إلى الشام فغلب القرامطة عليه كما تقدم ذلك في أخبارهم‏.‏

الخبر عن دولة بني مروان بديار بكر بعد بني حمدان
ومباديء أمورهم وتصاريف أحوالهم كـان حـق هذه الدولة أن نصل ذكرها بدولة بني حمدان كما فعلنا في دولة بني المقلد بالموصل وبنـي صالح بن مرداس بحلب لأن هذه الدول الثلاث إنما نشأت وتفرعت عن دولتهم إلا أن بني مروان هؤلاء ليسوا من العرب وإنما هم من الأكراد فأخرنا دولتهم حتى ننسقها مع العجم‏.‏ ثم أخرناها عن دولة بني طولـون لـأن دولـة بنـي طولـون متقدمـة عنهـا فـي الزمـن بكثيـر‏.‏ فلنشـرع الـآن فـي الخبـر عـن دولـة بنـي مـروان‏.‏ وقـد كـان تقـدم لنـا خبـر بـاد الكـردي وإسمـه الحسيـن بـن دوشك وكنيته أبو شجاع وإنه خال أبي علي بن مروان الكردي وأنه تغلب على الموصل وعلى ديار بكر ونـازع فيهـا الديلـم‏.‏ ثـم غلبـوه عليهـا وأقـام بجبـال الأكـراد‏.‏ ثـم مات عضد الدولة شرف الدولة‏.‏ ثم جـاء أبـو طاهـر إبراهيـم وأبـو عبـد اللـه الحسن إلى الموصل فملكاها ثم حدثت الفتنة بينهما وبين الديلم وطمع باد في ملك الموصل وهو بديار بكر فسار إلى الموصل فغلبه ابنا ناصر الدولة وقتـل فـي المعركـة وقـد مـر الخبـر عـن ذلك كله‏.‏ فلما قتل خلص ابن أخته أبو علي بن مروان من المعركة ولحق بحصن كيفا وبه أهل باد وذخيرته وهو من أمنع المعاقل فتحيل في دخوله بأن خالـه أرسلـه واستولـي عليـه وتـزوج امـرأة خالـه‏.‏ ثم سار في ديار بكر فملك جميع ما كان لخاله بـاد‏.‏ وزحـف إليـه ابنـا حمدان وهو يحاصر ميافارقين فهزمهما‏.‏ ثم رجعا إليه وهو يحاصر آمد فهزمهمـا ثانيـاً وانقـرض أمرهمـا مـن الموصـل وملـك أبـو علـي بـن مـروان ديـار بكر وضبطها وإستطـال عليـه أهـل ميافارقيـن وكـان شيخهـا أبـو الأصغـر فتركهـم يـوم العيـد حتى أصحروا وكبسهم بالصحـراء وأخـذ أبـا الأصغـر فألقـاه مـن السـور ونهـب الأكـراد عامـة البلـد وأغلـق أبـو علـي الأبواب دونهم ومنعهم من الدخول فذهبوا كل مذهب وذلك كله سنة ثمانين وثلاثمائة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:46 PM

مقتل أبي علي بن مروان وولاية أخيه أبي منصور
كان أبو علي بن مروان قد تزوج بنت سعد الدولة بن سيف الدولة وزفت إليه من حلب وأراد البنـاء بهـا بآمـد فخـاف شيخهـا أن يفعـل بـه وبهـم مـا فعـل فـي ميافارقين فحذر أصحابه منه وأشار عليهم أن ينثروا الدنانير والدراهم إذا دخل ويقصدوا بها وجهه فيضربوه فكان كذلك‏.‏ ثـم أغفلـه وضـرب رأسه واختلط أصحابه فرمى برأسه إليهم وكر الأكراد راجين إلى ميافارقين فاستراب بهم مستحفظاً أن يملكوها عليه ومنعهم مـن الدخـول‏.‏ ثـم وصـل مهـد الدولـة أبـو منصـور بـن مـروان أخـو أبـي علـي إلـى ميافارقيـن فأمكنـه المستحفـظ مـن الدخـول فملكه ولم يكن له فيـه إلا السكـة والخطبـة ونازعـه أخـوه أبـو نصـر فأقام بها مضيقاً عليه فغلبه أبو منصور وبعثه إلى قلعـة أسعرد فأقام بها مضيقاً عليه‏.‏ وأما آمد فتغلب عليها عبد الله شيخهم أياماً وزوج ابنته مـن ابـن دمنة الذي تولي قتل أبي علي بن مروان فقتله ابن دمنة وملك آمد وبني لنفسه قصراً ملاصقاً للسور‏.‏ وأصلح أمره مع مهد الدولة بالطاعة‏.‏ وهـادى ملـك الـروم وصاحـب مصـر وغيرهما من الملوك وانتشر ذكره‏.‏

مقتل مهد الدولة بن مروان وولاية أخيه أبي نصر
ثم إن مهد الدولة أقام بميافارقين وكان قائده شروة متحكمأ في دولته‏.‏ وكان مولى قد ولاه الشرطة‏.‏ وكان مهد الدولة يبغضه وبهم يقتله مراراً ثم يتركه من أجل شروة فاستفسد مولاه شروة على مهد الدولة لحضوره‏.‏ فلما حضر عنده قتله وذلك سنة إثنتين وأربعمائة ثم خرج على أصحابه وقرابته يقبض عليهم كأنه بأمر مهد الدولة‏.‏ ثم مضى إلى ميافارقين ففتحوا له يطنونه مهد الدولة فملكها وكتب إلى أصحاب القلاع يستدعيهم على لسان مهد الدولة وفيهم خواجـا أبـو القاسـم صاحـب أرزن الروم فسار إلى ميافارقين ولم يسلم القلعة لأحد‏.‏ وسمع في طريقـه بقتـل مهد الدولة فرجع من الطريق إلى أرزن الروم وأحضر أبا نصر بن مروان من أسعرد وجـاء بـه إلـى أبيهـم مـروان‏.‏ وكـان قـد أضـر ولزم قبر ابنه أبي علي بارزن هو وزوجته فأحضره خواجا عنده واستحلفه عند أبيه وقبر أخيه وملك أرزن‏.‏ وبعث شروة من ميافارقين إلى أسعـرد عـن أبـي نصـر بـن مـروان ففاتـه إلـى أرزن فأيقـن بانتقـاض أمره‏.‏ ثم ملك أبو نصر سائر ديار بكـر ولقـب نصيـر الدولـة ودامـت أيامـه‏.‏ وأحسـن السيـرة وقصـده العلمـاء من سائر الأفاق وكثروا عنده‏.‏ وكان ممن قصده أبو عبد الله الكازروني وعنه انتشر مذهب الشافعي بديار بكر وقصده الشعراء ومدحوه وأجزل جوائزهم‏.‏ وأقامت الثغور معه آمنة والرعية في أحسن ملكة إلى أن توفي‏.‏

استيلاء نصير الدولة بن مروان على الرها
كانت مدينة الرها بيد عطير وكاتبوا أبا نصر بن مروان أن يملكوه فبعث نائبه بآمد ويسمى زنك فملكها وأستشفع عطير بصالح بن مرداس صاحب حلب إلى ابن مروان فأعطاه نصف البلد ودخل إلى نصير الدولة بميافارقين فأكرمه ومضى إلى الرها فأقام بها مع زنك‏.‏ وحضر بعض الأيام مع زنك في صنيع وحضر ابن النائب الذي قتله فحمله زنك على الأخذ بثأره فاتبعـه لمـا خـرج ونـادى بالثـأر واستنفـر أهـل السـوق فقتلوه في ثلاثة نفر‏.‏ وكمن له بنو نمير خارج البلد وبعثوا من يغير منهم عليها فخرج زنك في العسكر‏.‏ ولمـا جـاوز الكميـن خرجـوا عليـه وقاتلـوه وأصابـه حجـر فمـات مـن ذلـك فاتـح ثملن عشرة وخلصت الرها لنصير الدولة‏.‏ ثم شفع صالح بن مرداس في ابن عطير وابن شبل فرد إليهما البلد إلى أن باعه ابن عطير من الروم كما يأتي‏.‏ كانـت نصيبيـن لنصيـر الدولـة بـن نصـر بـن مروان فسار إليها بدران بن المقلد في جموع بني عقيل وحاصرها فظهر على العساكر الذين بها وأمدهم نصير الدولة بعسكر آخر فبعث بدران من اعتراضهم في طريقهم وهزمهم فاحتفل ابن مروان في الإحتشاد وبعث العساكر إلى نصيبين فخرجـوا عليه فهزموه أولاً‏.‏ ثم كر عليهم ففتك وأقام يقاتلهم حتى سمع بأن أخاه قرواش وصل إلى الموصل فخشي منه وإرتحل عنها‏.‏

دخول الغز إلى ديار بكر هؤلاء الغز من طوائف الترك
وهم الشعب الذين منهم السلجوقية وقد تقدم لنا كيف أجازوا إلـى خراسـان لمـا قبـض محمـد بن سبكتكين على أرسلان بن سلجق منهم فحبسه وما ظهر من فسادهم في خراسان وكيف أوقع بهم مسعود بن سبكتكين على أرسلان بن سلجق منهم فحبسـه ومـا ضهـر من فسادهم في خرسان وكيف أوقع بهم مسعود بن سبكتين من بعد أبيه محمـود ففـروا فـي الريـه يريدون أذربيجان واللحاق بمن تقدم منهم هنالك ويسمون العراقية بعد أن عاثـوا فـي همـذان وقزويـن وأرمينيـة‏.‏ وعـاث الآخـرون فـي أذربيجـان وقتـل هوشذان صاحب تبريز منهم جماعه‏.‏ ثم عاثوا في الأكـراد واستباحوهـم‏.‏ ثـم جاءهـم الخبـر‏.‏ بـأن نيـال إبراهيـم أخـا السلطـان طغرلبك سار إلى الري فأجفلوا منها سنة ثلاث وثلاثين ووصلوا أذربيجان واتصلت الأخبار ولمـا أجفلـوا سلـك بهـم الدليل في الجبال على الزوزن وأسهلوا إلى جزيرة ابن عمر فسار بعضهم إلى ديار بكر ونهبوا قزوين وبازدي والحسنية وبقي آخرون بالجانب الشرقي من الجزيرة وسار آخـرون إلـى الموصـل‏.‏ وكان سليمان بن نصير الدولة قيماً بها فراسلهم في الصلح على أن يسير معهـم إلـى الشام فقبلوا‏.‏ ثم صنع سليمان صنيعاً ودعاً إليه ابن غزعلي وقبض عليه وحبسه‏.‏ وأجفل الغز في كل ناحية واتبعهم عساكر نصير الدولة وقرواش والأكراد البثنوية‏.‏ ثم قصدت العـرب العـراق للمشتي وعاد الخز إلى جزيرة أبن عمر فحصروها وخربوا ديار بكر نهباً وقتلاً‏.‏ وصانعهم نصير الدولة بإطلاق منصور بن غزعلي الذي حبسه سليمان فلم يكف إطلاقه من فسادهم وساروا إلى نصيبين وسنجار والخابور ودخل قرواش الموصل كما نبهنا واتبعه طائفة منهم فكان من خبرة معهم ما قدمناه في أخباره‏.‏

مسير الروم إلى بلد ابن مروان ثم فتح الرها
ولما كانت الدعوة العلوية قد إنتشرت في الشام والجزيرة وكان سبب ذلك أن وثابـا النميـري صاحب حران والرقة يخطب لهم فلما ولي الوزيري للعلويين على الشام بعث إلى ابن مروان بالتهديد وأنه يسير إلى بلاده فاستمد ابن مروان قرواش صاحب الموصل وشبيب بن وثاب صاحـب الرقـة ودعاهمـا إلـى الموافقـة وقطـع الدعـوة العلويـة فأجابـوه وخطبـوا للقائم وقطعوا الخطبـة للمستنصـر وذلـك سنة ثلاثين فقام الوزيري في ركائبه وتهددهم وأعاد ابن وثاب خطبة العلوية بحران في ذي الحجة آخر السنة‏.‏

مقتل سليمان بن نصير الدولة كان نصير الدولة
قد ولي ابنه سليمان ويكنى أبا حـرب الأمـور وكـان يحـاوره فـي الجزيـرة بشرموشك بن المحلي زعيم الأكراد في حصون له هنالك منيعة ووقعت بينهما منافرة‏.‏ ثم استمالـه سليمـان ومكـر بـه‏.‏ وكان الأمير أبو طاهر البثنوي صاحب قلعة فنك وغيرها وهو ابن أخت نصير الدولة وكان صديقأ لسليمان فكان مما استماله به موشك أن زوجه بابنة أبـي طاهـر فاطمـأن موشـك إلـى سليمـان وسـار إلـى غـزو الروم بأرمينية‏.‏ وأمدة نصر الدولة بن مروان بالعساكر والهدايا وقد كان خطب له من قبل ذلك وأطاعه فشفع عنده في موشك فقتله سليمان وقال لطغرلبك أنه مات‏.‏ وشكر له أبو طاهر حيث كان صهره واتخذها ذريعة إلى قتلـه فخافـه سليمـان وتبـرأ إليـه مما وقع فأظهر القبول ولي الإجتماع ونزل من حصنه فنك لذلك‏.‏ وخـرج سليمـان إليـه فـي قلـة مـن أصحابـه فقتلـه عبيـد اللـه وأدرك مـن ثـار أبيـه‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى نصيـر الدولة فبادر بابنه نصير وبعث معه العساكر لحماية الجزيرة وسمع قريش بن بدران صاحب الموصـل فطمع في ملك جزيرة ابن عمر فسار إليها وإستمال الأكراد الحسنية والبثنوية واجتمعوا على قتال نصير بن مروان‏.‏ فأحسن المدافعة عن بلده وقاتلهم وجرح قريش جراحاً عديدة ورجع إلى الموصل وأقام نصير بن مروان بالجزيرة والأكراد على خلافه‏.‏

مسير طغرلبك إلى ديار بكر
ولما انصرف طغرلبـك مـن الموصـل وملكهـا وفـر قريـش عنهـا‏.‏ ثـم عـاود الطاعـة سنـة ثمـان وأربعين فسار طغرلبك بعدها إلى ديار بكر وحاصر جزيرة ابن عمر‏.‏ وكان ابن مروان في خدمته وهداياه مترادفه عليه ي مسيرة إلى الموصل وعوده‏.‏ فبعث إليه بالمال مفاده عن الجزيرة ويذكـر مـا هـو بصـدده مـن الجهـاد وحماية الثغر فأفرج عنه طغرلبك وسار إلى سنجار كما ذكرناه في أخبار قريش‏.‏

وفاة نصير الدولة بن مروان وولاية ابنه بصير
وفي سنة ثلاث وخمسين توفي نصير الدولة أحمد بن مروان الكردي صاحب ديار بكر وكان لقبه القادر بالله‏.‏ ومات لإثنتين وخمسين سنة من ولايته‏.‏ وكان قد عظم استيلاؤه وتوفرت أمواله وحسن في عمارة الثغور وضبطها أثره وكان يهادي السلطان طغرلبك بالهدايا العظيمة ومنها حبل الياقوت الذي كان لبني بويه إشتراه من أبي منصور بن جلال الدولة وأرسل معه مائة ألف دينار فحسنت حالة عنده وكان يناغي عظماء الملوك في الترف فيشتري الجارية بخمسمائة دينار وأكثر‏.‏ واجتمع عنده منهن للأفتراش والإستخدام أزيد من ألف واقتني من الأواني والآلات ما تزيد قيمته على مائتي ألف دينار‏.‏ وجمع في عصمته بنات الملوك وأرسل طباخين إلى الديار المصريه وأنفق عيهم جملة حتى تعلموا الطبخ هنالك‏.‏ ووفـد عليـه أبـو القاسم بن المغربي من أهل الدولة العلوية بمصر وفخر الدولة بن جهير من الدولـة العباسيـة فأقبل عليهمـا واستوزرهمـا‏.‏ ووفـد عليـه الشعـراء فوصلهـم وقصـده العلمـاء فحمـدوا عنـده مقامهم ولما توفي كان الظفر فيهـا لنصـر واستقـر بميافارقيـن ومضـى أخـوه سعيـد إلـى آمـد فملكها واستقر الحال بينهما على ذلك‏.‏

وفاة نصير الدولة وولاية ابنه منصور
ثـم توفـي نظـام الديـن نصـر بـن نصيـر الدولـة فـي ذي الحجة سنة إثنتين وسبعين وولي ابنه منصور ودبر دولته ابن الأنباري ولم يزل في ملكه إلى أن قدم ابن جهير وملك البلاد من يده‏.‏

مسير ابن جهير إلى ديار بكر
كان فخر الدولة أبو نصر محمد بن محمد بن جهير من أهل الموصل واستخدم لجارية قرواش ثـم لأخيـه بركـة وسـار عنـه بالعوائد إلى ملك الروم‏.‏ ثم استخدم لقريش بن بدران وأراد حبسه فاستجار ببعض بني عقيـل ومضـى إلـى حلـب فـوزر لمعـز الدولـة أبـي ثمـال بـن صالـح‏.‏ ثـم مضـى إلـى عطيـة ولحق منها بنصير الدولة بن مروان وإستوزره وأصلح حال دولته‏.‏ ولما توفي سنة ثلاث وخمسيـن دبـر أمـر ابنـه نصـر القائـم بعـده‏.‏ ثم هرب إلى بغداد سنة أربع وخمسين استدعى منها للـوزارة فـوزر بعـد محمـد بـن منصـور بـن دؤاد‏.‏ ثـم تـداول العـزل والولاة مرات هو وابنه عميد الملك واستخدم لنظام الملك والسلطان طغرلبك‏.‏ وكان شفع عند الخليفة فلما عزل ابنه آخراً بعث عنه السلطان ونظام الملك وعن ابنه وجميع أقاربه وسار إليه بأصفهان ولقاه مبرة وتكريماً‏.‏ وبعثـه فـي العساكـر لفتح ديار بكر وأخذها من يد بني مروان وأعطاه الآلات وأذن له أن يخطب لنفسه بعد السلطان وينقش اسمه على السكة فسار لذلك سنة ست وسبعين‏.‏

استيلاء ابن جهير على أمد
قد ذكرنا مسير فخر الدولة بن جهير في العساكر إلى ديار بكر ثم أمده السلطان سنة سبع وسبعيـن بأرتـق بـن أكسـك فـي العساكـر‏.‏ واستنجـد نصـر بـن مـروان شرف الدولة مسلم بن قريش على أن يعطيه آمد فأنجده وسار لمظاهرته فأقصر فخر الدولة بن جهير عن حربهم عصبة للعـرب‏.‏ وخالفـه أرتق وسار في الترك إليهم وهزمهم ولحق مسلم بآمد وحاصره بها فبذل المال لأرتق‏.‏ وخلص من أمره ولحق بالرقة وسار ابن جهير إلى ميافارقين فرجع عنه منصور بن مزيد وابنه صدقة ومن معهما من العرب‏.‏ وسـار فخـر الدولـة المعـروف بالقـرم فنـزل عليهـا وشدد حصارها ونزل يوماً بعض الحامية من السور وأخلى مكانه فوقف فيه بعـض العامـة ونادى بشعار السلطان وإتبعه سائر الحامية بالسور‏.‏ وبعثوا إلى زعيم الرؤسـاء ابـن جهيـر فركب إليهم وملك البلد وذلك سنة ثمان وسبعين‏.‏ ونصب أهل البلد بيوت النصارى الذين كانوا يستخدمون لبني مروان في الجبايات‏.‏ وإنتقموا منهم والله أعلم‏.‏

استيلاء ابن جهير على ميافارقين وجزيرة ابن عمر وإنقراض دولة بني مروان
كـان فخـر الدولة بن جهير لما بعث ابنه إلى آمد سار هو إلى ميافارقين وأقام على حصارها منـذ سنـة سبـع وسبعيـن‏.‏ وجـاءه سعـد الدولـة وكوهراييـن مدداً واشتد الحصار وإنثلم السور في تعـض الأيـام فنـادى أهلهـا بشعار ملك شاه‏.‏ ودخل فخر الدولة وملك البلد واستولى على أموال بنـي مـروان وذخائرهـم وبعثهـا إلـى السلطـان ملك شاه مع ابنه زعيم الرؤساء فوصل أصفهان في شوال سنة ثمان وسبعين‏.‏ وسار فخر الدولة وكوهرايين إلى بغداد وكان قد بعث عسكراً لحصار جزيرة ابن عمر فحصروها وثار بها أهل بيت من أعيانها يعرفون ببني رهان وفتحوا باباً صغيراً للبلد كان منفذاً للرجالة وأدخلوا العسكر منه وملكوه بدعوة السلطان ملك شاه‏.‏ وانقرضـت دولـة بنـي مروان ولحق منصور بن نظام الدين نصر بن نصير الدولة بالجزيرة وأقام في آيالـة الغـز‏.‏ ثـم قبـض عليه جكرمش وحبسه بدار يهودي فمات بها سنة تسع وثمانين والبقاء لله

الخبر عن دولة بني الصفار ملوك سجستان المتغلبين علي خراسان
ومبادىء أمورهم وتصاريف أحوالهم كان أهل هذه الدولة قوماً اجتمعـوا بنواحـي سجستـان ونسبـوا لقتـال الخـوارج الشـراة بتلـك الناحية عندما اضطربت الدولة ببغداد لقتل المتوكل وسمو أنفسهم المتطوعة‏.‏ وكان إجتماعهم علـى صالـح بـن نصيـر الكنانـي ويقال له صالح المتطوعي وصحبه جماعة منهم‏:‏ درهم بن الحسن ويعقـوب بـن الليث الصفار وغلبوا على سجستان وملكوها‏.‏ ثم سار إليهم طاهر بن عبد الله أمير خراسان وغلبهم عليها وأخرجهم منها‏.‏ ثم هلك صالح أثر ذلك وقام بأمره في المتطوعة درهم بن الحسن فكثر أتباعه‏.‏ وكان يعقوب بن الليث قائـده وكـان درهـم مضعفـاً فتحيـل صاحب خراسان عليه حتى ظفر به وبعثه إلى بغداد فحبس بها واجتمع المتطوعة على يعقـوب بـن الليـث قائـده وكـان درهـم يكاتـب المعتـز يسألـه ولايتهـا وأن يقلـده حـرب الخـوارج فكتب له بذلك‏.‏ وأحسن الغناء في حرب الشراة وتجاوزه إلى سائر أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏ ثم سار من سجستان إلى خراسان سنة ثلاث وخمسين ومائتين وعلى الأنبار ابن أوس فجمع لمحاربة يعقوب وسار إليهم في التعبية فاقتتلوا وإنهزم ابن أوس وملك استيلاء يعقوب الصفار على كرمان ثم على فارس وعودها كان على فارس علي بن الحسن بن شبل وكتب إلى المعتز يطلب كرمان ويذكر عجز ابن طاهر عنها‏.‏ وكان قد أبطأ عن حرب الخوارج فكتب له المعتز بولاية كرمان وكتب ليعقوب الصفـار أيضـأ بولايتهـا بقصـد التضريـب بينهما لتتمحص طاعتهما أو طاعة حدهما‏.‏ فأرسل علي بـن الحسيـن مـن فـارس علـى كرمـان طـوق بـن المفلـس مـن أصحابـه سبـق إليها يعقوب وملكها‏.‏ وجاء يعقوب فأقام قريباً منها شهرين يترقب خروج طوق إليه ثم إرتحل إلى سجستان ووضع طوق أوزار الحرب وأقبل على اللهو واتصل ذلك بيعقوب في طريقه فكر راجعأ وأغذ السير ودخل كرمـان وحبـس طوقاً‏.‏ وبلغ الخبر إلى علي بن الحسين وهو شيراز فجمع عسكره ونزل مضيق شيراز‏.‏ وأقبل يعقوب حتى نزل قبالته والمضيق متوعر بين جبل ونهر ضيق المسلك بينهما فاقتحـم يعقـوب النهر بأصحابه وأجاز إلى علي بن الحسين وأصحابه فانهزموا‏.‏ وأخذ علي بن الحسين أسيراً واستولى على سواده ودخل شيراز وملكها وجبي الخراج وذلك سنة خمس وخمسين‏.‏ وقيـل قـد وقـع بينهما بعد عبور النهر حروب شديدة وانهزم آخرها علي وكان عسكره نحواً من خمسـة عشـر ألفـاً مـن الموالـي والأكـراد فرجعـوا منهزميـن إلـى شيـراز آخـر يومهـم وإزدحموا في الأبواب وبلـغ القتلـى منهم خمسة آلاف‏.‏ ثم إفترقوا في نواحي فارس وانتهبوا الأموال‏.‏ ولما دخل يعقوب شيراز وملك فارس امتحن عليـاً وأخـذ منـه ألـف بـدرة ومـن الفـراش والسلـاح والآلـة مـا لا يحصـى وكتـب للخليفـة بطاعتـه وأهـدى هديـة جليلـة منهـا عشـرة بازات بيض وباز أبلق صيني ومائة نافجة من المسك وغير ذلك من الطرف ورجع إلى سجستان ومعه علي وطوق في إعتقاله ولما فارق فارس بعث المعتز عماله إليها‏.‏

ولاية يعقوب الصفار علي بلخ وهراة
ولما انصرف يعقوب عن فارس ولي عليها المعتز من قبله والخلفاء بعده وليها الحارث بن سيما فوثب به محمد بن واصل بن إبراهيم التميمي من رجال العرب وأحمد بن ليث الأكرد الذين بنواحيهـا فقتلـاه واستولـى ابـن واصـل علـى فـارس سنـة سنة ست وخمسين وأظهر دعوة المعتمد‏.‏ وبعـث عليهـا المعتمـد الحسيـن بن الفياض فسار إليه يعقوب بن الليث سنة سبع وخمسين وكتب إليـه المعتمـد بالنكيـر علـى ذلـك‏.‏ وبعث إليه الموفق بولاية بلخ طخارستان فملكها وخرب المباني التي بناها داود بن العباس بظاهر بلخ وتسمى باساديانج‏.‏ ثم سار إلى كابل واستولي عليها وقبـض علـى رتبيـل وبعـث بالأصنـام التـي أخذها من كابل وملك البلاد إلى المعتمد‏.‏ وأهدى إليه هدية جليلة المقدار وعاد إلى بست معتزماً على العود إلى سجستان فاحفظه بعض قواده بالرحيل قبله فغضب وأقام منه إلى سجستان‏.‏ ثم سار إلى خراسان وملك هراة‏.‏ ثم إلى بوشنـج فملكهـا وقبـض علـى عاملهـا الحسيـن بـن علـي بـن طاهـر الكبيـر وكان كبير بيتهم‏.‏ وشفع له فيـه محمـد بـن طاهـر صاحـب خراسـان فأبـى مـن إسعافـه وبقـي فـي قلبه وولي على هراة وبوشنج وباذغيس ورجع إلي سجستان‏.‏

استيلاء الصفار على خراسان وانقراض أمر بني طاهر
كان بسجستان عبد الله السجزي ينازع يعقوب بن الليث فلما قوي يعقوب واستفحل سار عبـد اللـه إلـى خراسـان وطمـع فـي ملكهـا وحاصـر محمـد بـن طاهـر في كرسي ولايته نيسابور‏.‏ ثم تـردد الفقهـاء بينهـم فـي الصلـح حتـى تـم بينهمـا وولـاه محمـد الطبسيـن وقهستـان‏.‏ ثـم بعـث يعقـوب إلـى محمـد في طلبه فأجاره وأحفظ ذلك يعقوب فسار إلى محمد بنيسابور فخام محمد عن لقائه‏.‏ ونزل يعقوب بظاهـر نيسابـور وخـرج إليـه قرابـة محمـد وعمومتـه وأهـل بيتـه ودخـل نيسابـور واستعمـل عليهـا وذلـك سنـة تسـع وخمسين وكتب إلى المعتمد بأن أهل خراسان استدعوه لعجز ابـن طاهـر وتفريطـه فـي أمـره‏.‏ وغلبـه العلـوي علـى طبرستـان فكتـب إليـه المعتمد بالنكير والإقتصار علـى مـا بيـده وإلا سلـك بـه سبيـل المخالفيـن‏.‏ وقيـل فـي ملكـه نيسابـور غير ذلك وهو أن محمد بن طاهـر لمـا أصـاب لدولتـه العجـز والإدبـار كاتـب بعـض قرابتـه يعقـوب ابن الليث الصفار‏.‏ واستدعـوه فكتـب يعقـوب إلـى محمـد بـن طاهـر بمجيئـه إلـى ناحيتـه موريـاً بقصـد الحسـن بـن زيد في طبرستان‏.‏ وأن المعتمد أمره بذلك وأنه لا يعرض لشيء من أمر خراسان‏.‏ وبعث بعض قواده عينـاً عليـه وعنفـه علـى الإهمـال والعجـز وقبـض علـى جميـع أهـل بيته نحواً من مائة وستين رجلأ‏.‏ وحملهـم جميعـاً إلـى سجستـان وذلك لإحدى عشرة سنة من ولاية محمد‏.‏ واستولى يعقوب على خراسان وهرب منازعه عبد الله السجزي إلى الحسين بن يزيد صاحب طبرستان وقد كان ملكها من لدن سنة إحدى وخمسين فأجاره الحسين‏.‏ وسار إليه يعقوب سنة ستين وحاربه فانهـزم الحسيـن إلـى أرض الديلـم واعتصـم بجبـال طبرستان‏.‏ وملك يعقوب سارية وآمد ورجع في طلب السنجري إلى الري وتهدد العامل على دفعه إليه فبعث به وقتلـه يعقـوب m0

ميارى 7 - 8 - 2010 02:47 PM

استيـلاء الصفار على فارس
قد تقدم لنا تغلب محمد بن واصل على فارس سنة ست وخمسين ومسير الصفار إليه سنة سبع ورجوعه عنها وأنه أعاضه عنها ببلخ وطخارستان‏.‏ ثم إن المعتمد أضاف فارس إلى موسى بن بغا مع الأهواز والبصرة والبحرين واليمامة وما بيده من الأعمال فولي موسى على فارس من قبله عبد الرحمن بن مفلح وبعثه إلى الأهواز وأمده بطاشتمر‏.‏ وزحفوا إلى ابن واصل وسار لحرب موسى بن بغا بواسط فولي على الأهواز مكانه أبا الساج وأمره بمحاربة الزنج فبعث صهره عبد الرحمن لذلك فلقيه علي بن أياز قائد الزنج وهزمه وقتل‏.‏ وملك الزنج الأهـواز وعاثـوا فيهـا وأديـل مـن أبـي السـاج بإبراهيـم بـن سيما وسار لحرب ابن واصل واضطرابت الناحيـة علـى موسـى بـن بغـا فاستعفـى مـن ولايتهـا وأعفـاه المعتمد‏.‏ وطمع يعقوب الصفار في ملك فارس فسار من سجستان ممداً ورجع ابن واصل من الأهواز إليه وترك محاربة ابن سيما وأغذ السير ليفجأه على بغتة ففطن له الصفار وسار إليهم وقد أعيوا وتعبوا من شدة السير والعطش‏.‏ ولما تراءى الجمعان تخاذل أصحاب ابن واصل وانهزموا من غير قتال وغنم الصفار في معسكره وما كانوا أصابوا لإبن مفلح‏.‏ واستولى على بلاد فارس ورتب بها العمال وأوقع بأهل دم لإعانتهم ابن واصل وطمع في الإستيلاء على الأهواز وغيرها‏.‏

حروب الصفار مع الموفق
ولما ملك الصفار خراسان من يد ابن طاهر وقبض عليه وملك فارس من يد ابن واصل‏.‏ وكان المعتمد نهاه عن تلك فلم ينته صرح المعتمد بأنه لم يوله ولا فعل ما فعل بإذنه وأحضر حـاج خراسـان وطبرستـان والـري وخاطبهـم بذلـك فسـار الصفـار إلـى الأهواز سنة إثنتين أصحابه الذين أسروا بخراسان فأبى إلا العزم على الوصول إلى الخليف‏.‏ وبعث حاجبه درهماً يطلب ولاية طبرستان وخراسان وجرجان والري وجارس والشرطة ببغداد فولاه المعتمد ذلـك كلـه مضافـاً إلـى سجستـان وكرمـان‏.‏ وأعـاد حاجبـه بذلـك ومعـه عمـرو بن سيما فكتب يقول لا بد من الحضور بباب المعتمد وارتحل من عسكر مكرم جاثياً‏.‏ وخرج أبو الساج من الأهواز لتلقيه لدخـول الأهـواز في أعماله فأكرمه ووصله‏.‏ وسار إلى بغداد ونهض المعتمد من بغداد فعسكر بالزعفرانية ووافاه مسرور البلخ من مكانه من مواجهه الزنج‏.‏ وجاء يعقوب إلى واسط فملكها ثم سار منها إلى دير العاقول‏.‏ وبعث المعتمد أخاه الموفق لمحاربته وعلى ميمنته موسى بن بغا وعلى ميسرته موسى البلخي فقاتله منتصف رجب وانهزمت ميسرة الموفق وقتل فيها إبراهيم بن سيما وغيره من القواد‏.‏ ثم تزاحفوا واشتدت الحرب وجاء للموفق محمد بن أوس والدواني مدداً من المعتمد‏.‏ وفشل أصحاب الصفار ولما رأوا مدد الخليفة انهزموا وخرج الصفار واتبعهم أصحاب الموفق وغنموا من عسكره نحواً من عشرة آلاف من الظهر ومن الأموال والمسك ما يؤود حمله‏.‏ وكـان محمـد بن طاهر معتقلاً في العسكر منذ قبض عليه بخراسان فتخلص ذلك اليوم‏.‏ وجاء إلى الموفق وخلع عليه وولاه الشرطة ببغداد‏.‏ وسار الصفار إلى خوزستا فنزل جنديسابور وراسله صاحب الزنج على الرجوع ويعده المساعدة فكتب له‏:‏ ‏"‏ قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ‏"‏ السورة‏.‏ وكان ابن واصل قد خالف الصفار إلى فارس وملكهـا فكتـب إليـه المعتمد بولايتها وبعث إليه الصفار جيشاً مع عمر بن السري من قواده فأخرجه عنها وولي علـى الأهـواز محمـد بـن عبيـد اللـه بـن هزارمـرد الكردي‏.‏ ثم رجع المعتمد إلى سامراً والموفق إلى واسط واعتزم الموفق على إتباع الصفار فقعد به المرض عن ذلك‏.‏ وعاد إلى بغداد ومعه مسرور البلخي وأقطعه ما لأبي الساج من الضياع والمنازل وقدم معه محمد بن طاهر فقام بولاية الشرطة ببغداد‏.‏

انتقاض الخجستاني بخراسان على يعقوب الصفار وقيامه بدعوة بني طاهر
كـان من أصحاب محمد بن طاهر ورجالاته أحمد بن عبد الله بن خجستان وكان متولياً على وهي من جبال سراة وأعمال باذغيس‏.‏ فلما استولى الصفار على نيسابور وخراسان انضم أحمـد هـذا إلـى أبيـه علـي بـن الليـث وكـان شركب الحمال قد تغلب على مرو ونواحيها سنة تسع وخمسيـن وتغلـب علـى نيسابـور سنـة ثلـاث وستيـن وأخرج منها الحسين بن طاهر‏.‏ وكان لشركب ثلاثة من الولد إبراهيم وهو أكبرهم وأبو حفص يعمر وأبو طلحة منصور‏.‏ وكان إبراهيم قد أبلى في واقعة المغار مع الحسن بن زيد بجرجان فقدمه الصفار وحسده أحمد الخجستاني فخوفـه عاديـة الصفـار وزيـن لـه الهـرب‏.‏ وكـان يعمـر أخـوه محاصـراً لبعـض بلـاد بلخ فاتفق إبراهيـم وأحمـد الخجستانـي فـي الخروج إلى يعمر وسبقه إبراهيم إلى الموعد ولم يلقه فسار إلى ولما عاد الصفار إلى سجستان سنة إحدى وستين ولي على هراة أخاه عمرو بن الليـث فاستخلـف عليها طاهر بن حفص الباذغيسي‏.‏ وجاء الخجستاني إلى علي بن الليث وزين له أن يقيم بخراسان نائباً عنه في أموره وأقطاعه فطلب ذلك من أخيه يعقوب فأذن له‏.‏ فلما ارتحلـوا عـن خراسـان جمـع أحمـد الخجستانـي وأخرج علي بن الليث من بلده سنة إحدى وستين وملـك تونـس وأعـاد دعـوة بنـي طاهـر وملـك نيسابـور سنـة إثنتيـن وستيـن‏.‏ واستقـدم رافـع بـن هرثمة مـن رجالـات بنـي طاهـر فجعلـه صاحـب جيشـه وسـار إلـى هـراة فملكهـا من يد طاهر بن حفص‏.‏ وقتلـه ثم قتل يعمر بن شركب واستولى على بلاد خراسان ومحا منها دعوة يعقوب بن الليث‏.‏ ثـم جـاء الحسـن بـن طاهـر أخـو محمـد بأصفهـان ليخطـب لـه فأبـى فخطـب له أبو طلحة بن شركب بنيسابـور‏.‏ وانتقـض الخجستانـي واضطربـت خراسان فتنة‏.‏ وزحف إليها الحسن بن زيد فقاتلوه وهزموه‏.‏ ثم ملك نيسابور من يد عمرو بن الليث وترك الخطبـة لمحمـد بـن طاهـر وخطـب للمعتمد ولنفسه من بعده كما هو مشروح في أخبار الخجستاني‏.‏

استيلاء الصفار على الأهواز
قد تقدم لنا استيلاء الصفار على فارس بعد خراسان‏.‏ ثم سار منها إلى الأهواز وكان أحمد بن لسوقة قائد مسرور البلخي على الأهواز قد نزل تستر فرحل عنها ونزل يعقوب جنديسابور وفرت عساكر السلطان من تلك النواحي‏.‏ وبعث يعقوب بالخضر بن العين إلى الأهـواز وعلـي بن أبان والزنج يحاصرونها فتأخروا عنها إلى نهر السدرة‏.‏ ودخل الخضر الأهواز وملكها بدعوة الصفار‏.‏ وكان عسكره وعسكر الزنج يغير بعضهم على بعض ثم أوقع الزنج بعسكره ولحق الخضر بعسكر مكرم واستخرج ابن أبان ما كان في الآهواز ورجع إلى نهر السدرة‏.‏ وبعث يعقوب الإمداد إلى الخضر وأمره بالكف عن قتال الزنج والمقام بالأهواز فوادع الزنج وشحن الأهواز بالأقوات وأقام‏.‏

وفاة يعقوب الصفار وولاية عمرو أخيه
ثم توفي يعقوب الصفار في شوال سنة خمس وستين بعد أن افتتح الزنج وقتل ملكها وأسلم أهلها على يده‏.‏ وكانت مملكة واسعة الحدود‏.‏ وافتتح زابلستان وهي غزنه وأعمالها‏.‏ وكان المعتمد قد استماله وولاه على سجستان والسند‏.‏ ثم تغلب على كرمان وخراسان وفارس وولـاه المعتمـد علـى جميعهـا‏.‏ ولمـا مات قام مكانه أخوه عمر بن الليث وكتب إلى المعتمد بطاعته فولـاه الموفـق مـن قبـل أعمـال أخيه وهي خراسان وأصفهان وسجستان والسند وكرمان والشرطـة ببغـداد‏.‏ وبعـث إليـه بالخلـع فولـي عمـرو بـن الليـث علـى الشرطـة ببغـداد وسر من رأى من قبلـه عبيـد اللـه بـن عبيـد اللـه بـن طاهـر‏.‏ وخلـع عليـه الموفـق وعمـرو بـن الليـث‏.‏ وولي على أصفهان مسير عمرو بن الليث إلى خراسان لقتال الخجستاني قـد تقـدم ذكـر الخجستانـي وتغلبـه علـى نيسابـور وهـراة بدعـوة بني طاهر سنة إثنتين وستين فلما توفي يعقوب سار عمرو إلـى خراسـان سنـة خمـس وستيـن واستولـي علـى هـراة‏.‏ وسـار الخجستانـي بنيسابـور فقاتلـه فانهـزم عمـرو ورجـع إلـى هراة‏.‏ وكان الفقهاء بنيسابور يشيعون لعمرو لولايـة الخليفـة إيـاه فأوقـع الخجستانـي الفتنـة بينهـم بالميـل إلـى بعضهـم وتكريمهـم عـن بعض ليشغلهم بها ثـم سـار إلـى هـراة سنـة سبـع وستيـن وحاصـر عمـرو بـن الليـث فلم يظفر بشيء فتركه وخالفه إلى سجستـان‏.‏ ووثـب أهـل نيسابـور بنائبـه عليهـم وأمدهم عمرو بن الليث بجنده فقبضوا على نائب الخجستاني وأقاموا بها ورجع الخجستاني من سجستان فأخرجهم وملكها‏.‏ وكان أبو منصور طلحة بن شركب محاصراُ لبلخ من قبل ابن طاهر‏.‏ وكاتبه عمرو بن الليث واستقدمه وأعطاه أموالاً واستخلفه على خراسان ورجع إلى سجستان‏.‏ وبقي أبو طلحة بخراسان والخجستاني يقاتله إلى أن قتل الخجستاني سنة ثمان وستين قتله بعض مواليه كما مر في أخباره مع رافع بخراسان‏.‏ كـان رافـع بـن هرثمـة مـن قـواد بنـي طاهـر بخراسان فلما ملكها يعقوب سار إليه واستقر في منزله بتأمين من قرى باذغيس‏.‏ فلما قتل الخجستاني اجتمع الجيش على رافع وهو بهراة فأقروه عليهم‏.‏ وكان أبو طلحة بن شركب قد سار مـن جرجـان إلـى نيسابـور فسـار إليـه رافـع وحاصرهـا‏.‏ وخـرج عنهـا أبـو طلحـة إلـى مـرو وخطـب بها وبهراة لمحمد بن طاهر وولي على هراة مـن قبلـه‏.‏ ثم زحف إليه عمرو بن الليث فغلبه عليها وولي عليها محمد بن سهيل بن هاشم‏.‏ ورجع وبعث أبو طلحة إلى إسماعيل بن أحمد يستنجده فأنجده بعسكر سار بهم إلى مرو وأخـرج منها محمد بن سهل وخطب لعمرو بن الليث وذلك في شعبان سنة إحدى وسبعين‏.‏ ثـم عـزل المعتمد عمرو بن الليث عن سائر أعمال خراسان وقلدها الموفق محمد بن طاهر وهو مقيـم ببغـداد فاستخلـف محمـد عليهـا رافـع بن هرثمة وأقر نصر بن محمد أحمد الساماني على ما وراء النهر فسار رافع إلى إسماعيل يستنجده على أبي طلحة فجاءه في أربعة آلاف مدداً‏.‏ واستقـدم رافـع أيضـاً علي بن الحسين المروروذي وساروا جميعاً إلى أبي طلحة وهو بمرو سنة إثنتين وسبعين وغلبوه عليها ولحق بهراة وعاد إسماعيل إلى خوارزم فجبي أموالها ورجع إلى نيسابور‏.‏

حروب عمرو مع عساكر المعتمد ومع الموفق
ولما عزل المعتمد عمرو بن الليث عن خراسان أمر بلعنه على المنابر وأعلم حاج خراسان بذلك وقلد محمد بن طاهر أعمالها فاستخلف عليها رافع بن الليث وكتب المعتمد إلى أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف بعزله عن أصفهان والري‏.‏ وبعث إليه العساكر لقتاله سنة إحدى وسبعيـن فزحـف إليـه عمـرو فـي خمسـة عشـر ألفـاً مـن المقاتلة فهزمه أحمد بن عبد العزيز والعساكر واستباحوا معسكره ودفعوه عن أصفهان والري‏.‏ وكان المعتمد لما عزله ولعنه بعث صاعد بن مخلـد فـي العساكـر إلـى فـارس لقتال عمرو بن الليث وإخراجه من فارس فسار لذلك ولم يظفر‏.‏ ورجع سنة إثنتين وسبعين‏.‏ ثـم سـار الموفـق سنـة أربـع وسبعيـن إلـى فـارس لحـرب عمـرو بـن الليـث فسيـر عمـرو قائـده عباس بن إسحـاق إلـى شيـراز وابنـه محمـد بـن عمـرو إلى أرجان وبعث على مقدمته أبا طلحة بن شركب صاحـب جيشـه فاستأمن أبو طلحة إلى الموفق‏.‏ وفت ذلك في عضد عمرو وخام عن لقائه‏.‏ وسـار الموفـق إلـى شيـراز وإرتـاب بأبـي طلحـة فقبـض عليـه‏.‏ وملـك الموفق فارس وعاد عمرو إلى كرمان فسار الموفق في طلبه فلحق بجستان على المفازه‏.‏ وتوفي ابنه محمد بن عمرو بها‏.‏ وامتنعت كرمان وسجستان على الموفق فعاد إلى بغداد‏.‏ وإرتاب عمرو بن الليث بأخيه علي فحبسه بكرمان وحبس معه ابنه المعدل الليث فهربوا من محبسهم ولحقوا برافع بن الليث عندما ملك طبرستان وجرجان من محمد بن زيد العلوي سنة سبـع وسبعيـن فأقامـوا عنـده وهلـك علـي بـن الليـث وبقـي ولـده عنـده‏.‏ ثـم رضـي المعتمـد عـن عمرو بـن الليـث وولـاه الشرطـة ببغـداد وكتـب اسمـه علـى غلام والترسة سنة ست وسبعين‏.‏ واستخلف في الشرطة عبيد الله بن عبيد الله بن طاهر‏.‏ ثم سخطه لسنة ومحا اسمه من الإعلام‏.‏

ولاية عمرو بن الليث على خراسان ثانياً ومقتل رافع بن الليث
ثم سخط المعتمد رافع بن الليث لإمتناعه من تخلية قرى السلطان بالري بعد أن أمره بذلك فكتـب إلـى أحمـد بـن عبـد العزيـز بـن أبـي دلـف يأمـره بمحاربـة رافـع وإخرجه عن الري‏.‏ وكتب إلى عمرو بن الليث بولاية خراسان‏.‏ وحارب أحمد بن عبد العزيز سنة ثمانين فقاتله أخويه عمر وبكراً ابني عبد العزيز فهزمهما إلى أصفهان وأقام بالري باقي سنته‏.‏ ثم سار إلى أصفهان فملكها سنة إحدى وثمانين وعاد إلى جرجان‏.‏ ووافى عمرو بن الليث خراسان والياً عليها بجموعـه‏.‏ وتـورط رافـع بـن الليـث ورجع إلى مصالحة محمد بن زيد على أن يعيد إليه طبرستان فصالح محمد بن زيد وخطب له بطبرستان سنة إثنتين وثمانين على أن يمده بأربعة آلاف من الديلم‏.‏ وسـار عـن طبرستـان إلـى نيسابـور سنـة ثلـاث وثمانيـن فحاربـه عمـرو وهزمه إلى أبيورد وأخذ منه المعدل والليث ابني أخيه‏.‏ ثم أراد رافع المسير إلى هراة فأخذ عليه عمرو الطريق لسرخس وسرب رافع في المضايق ونكب عن جمهور الطريق فدخل نيسابور وحاصره فيها عمرو بن الليث‏.‏ ثم برز للقائه واستأمن بعض قواد رافع إلى عمرو فانهزم رافع وأصحابه وبعث إلى محمـد بـن وهـب يستمـده كما شرط له‏.‏ وكان عمرو قد حذر محمد بن زيد من إمداده فأقصر عن ذلك وتفرق عن رافع أصحابه وغلمانـه‏.‏ وكانـوا أربعـة آلـاف غلـام‏.‏ وفارقـه محمـد بـن هارون إلى أحمد بن إسماعيل بن سمان ببخارى وخرج رافع منهزماً إلى خوارزم في فل من العسكر وحمـل بقيـة المـال والآلـة وذلـك فـي رمضـان سنـة ثلـاث وثمانيـن‏.‏ فلمـا رآه صاحـب خـوارزم أبـو سعيـد الفرغانـي فـي قلـة مـن العسكر غدر به وقتله في أول شوال وحمل رأسه إلى عمرو بن الليث بنيسابور فأنفذه عمرو إلى بغداد فكتب إليه المعتضد بولاية الري مضافة إلى خراسان وأنفذ له الألوية والخلع سنة أربع وثمانين‏.‏

استيلاء بن سامان على خراسان وهزيمة عمرو بن الليث وحبسه ثم مقتله
لما بعث عمرو بن الليث برأس رافع بن هرثمة إلى المعتضد طلب ولاية ما وراء النهر فولاه وبعث إليه بالخلع واللواء فسرح عمرو الجيوش من نيسابور مع قائده محمد بن بشير وغيره من قـواده لمحاربـة إسماعيل بن أحمد وانتهوا إلى آمد فعبر إسماعيل جيحون وهزمهم وقتل محمد بن بشيـر وغيـره مـن قـواده‏.‏ ورجـع الفـل إلـى عمـرو بنيسابـور‏.‏ وعـاد إسماعيـل إلى بخارى وتجهز للسير إلـى إسماعيـل وسـار إلـى بلـخ وبعـث إليـه إسماعيـل أنـك قـد حـزت الدنيا العريضة فاتركني في هذا الثغر فأبى‏.‏ وعبر إسماعيل وأخذ عليه الجهات فصار محصوراً‏.‏ وندم وطلب المحاجزة فأبى إسماعيـل وقاتلـه فانهـزم عمـرو ونكـب عـن طريـق العسكر إلى مضيق ينفرد فيه‏.‏ وتوارى في أجمة فوحلت به دابته ولم يتفطن له أصحابه فأخذ أسيراً وبعث به إسماعيل إلى المعتضد بعد أن خيـره فاختـار المسيـر إليـه ووصـل إلـى بغـداد سنة ثمان وثمانين وأدخل على جمل وحبس‏.‏ وبحث المعتضد إلى إسماعيل بولايته خراسان إلـى أن توفـي المعتضـد‏.‏ وجـاء المكتفـي إلـى بغـداد‏.‏ وكـان فـي نفسه اصطناعه‏.‏ وكره ذلك الوزير القاسم بن عبيد الله فوضع عليه من قتله سنة تسع وثمانين‏.‏

ولاية بن محمد بن عمرو على سجستان وكرمان ثم على فارس
ولما أسر عمرو سار إلى محبسه قام مكانه بسجستان وكرمان حافده طاهر بن محمد بـن عمـرو وهـو الـذي مـات أبوه محمد بمفازة سجستان عندما هرب عمرو أمام الموفق من فارس ثم سـار طاهـر إلـى فـارس وسـار إليهـا فـي الجيـوش سنـة ثمـان وثمانيـن‏.‏ اعترضـه بدر فعاد طاهر إلى سجستـان وملـك بـدر فارس وجبي أموالها‏.‏ ثم بعث طاهر بن محمد سنة تسع وثمانين يطلب المقاطعة على فارس بمال يحمله‏.‏ وكان المعتضد قد توفي فعقد له المكتفي عليها‏.‏ وتشاغل طاهر بالصيد واللهو ومضى إلى سجستان فغلب على الأمر بفارس الليث ابن عمه علي بن الليث وسيكري مولي جده عمرو وكان معهما أبو فارس قائد طاهر فلحق بالخليفة المكتفي وكتب طاهر رده بما جباه من المال ويحتسب له من جملته فلم يجب إلى ذلك‏.‏

استيلاء الليث على فارس ثم مقتله واستيلاء سيكري
ولمـا تغلـب سيكـري علـى فارس لحق الليث بن علي بطاهر ابن عمه وزحف طاهر إلى فارس فهزمـه السيكـري وأسـره وبعـث بـه وبأخيـه يعقـوب إلى المقتدر سنة سبع وتسعين‏.‏ وضمن فارس بالحمـل الـذي كـان قـرره فولـاه علـى فـارس‏.‏ ثم زحف إليه الليث بن علي بن الليث فملك فارس الليث للقائهم‏.‏ وجاءه الخبر بأن الحسين بن حمدان سار من قم مداداً لمؤنس فركب لإعتراضه وتاه الدليل عن الطريق فأصبح على معسكر مؤنس فثاروا واقتتلوا وانهزم عسكر الليث وأخذ أسيراً‏.‏ وأشار أصحاب مؤنس بأن بقبض على سيكري معه ويملك بلاد فارس ويقره الخليفة فوعدهـم بذلـك ودس إلـى سيكـري بـأن يهـرب إلـى شيـراز‏.‏ وأصبـح يلـوم أصحابـه علـى ظهـور الخبر من جهتهم وعاد بالليث إلى بغداد واستولي سيكري على فارس واستبد كاتبه عبد الرحمن بـن جعفـر علـى أمـوره فسعـي فيـه أصحابه عند سيكري حتى قبض عليه وحملوه على العصيان فمنع الحمل فكتب هو من محبسه إلى الوزير ابن الفرات يعرفه بأمرهم‏.‏ وكتب ابن الفرات إلى مؤنـس وهو بواسط يأمره بالعود إلى فارس ويعاتبه حيث لم يقبض على سيكري فسار مؤنس إلى الأهواز وراسله سيكري وهاداه‏.‏ وعلم ابن الفرات بميل مؤنس إليه فأنفذ وصيفاً وجماعة من القواد ومعهم محمد بن جعفر وأمرهم بالتعويل عليه في فتح فارس‏.‏ وكتب إلى مؤنس باستصحاب الليث إلى بغداد ففعل وسار محمد بن جعفر إلى فارس ودافع سيكري على شيراز فهزمه وحاصره بها وحاربه ثانية فهزمه ونهب أمواله ودخل سيكري مفازة خراسان فظفرت به جيوش خراسان وأسروه وبعثوا به إلى بغداد وولي على فارس فتح خادم الأفشين‏.‏

انقراض ملك بني الليث من سجستان وكرمان
وفي سنة ثمان وتسعين توفي فتح صاحب فارس فولي المقتدر مكانه عبد الله بن إبراهيم المسمعي وأضاف إليه كرمان من أعمال بني الليث‏.‏ وسار أحمد بن إسماعيل بن سامان إلى الـري فبعـث منهـا جيوشـه إلـى سجستـان سنـة ثمـان وتسعيـن مـع جماعـة مـن قـواده وعليهـم الحسن بن علـي المروروذي‏.‏ وكانت سجستان لما أسر طاهر سنة سبع وتسعين ولي بها بعده الليث بن علـي بـن الليـث‏.‏ فلمـا أسـر الليث كما تقدم ولي بعده أخو المعدل ين علي بن الليث‏.‏ فلما بلغه مسيـر هـذه العساكـر إليـه مـن قبـل أحمـد بن إسماعيل بعث أخاه أبا علي بن الليث محمد بن علي بن الليث إلى بست والرخج ليجبيهما ويبعث منهما إلى سجستان بالميرة فسار إليه أحمد بن إسماعيـل بـن سامـان وعلـى سجستـان أبـو صالـح منصور ابن عمه إسحاق بن أحمد بن إسماعيل بن سامان وعلى إلى سجستان في المفازة فبعث إليه جيشاً فأخذه وكتب الأمير أحمد إلى المقتدر بالخبر وبالفتح فأمره بحمل سيكري والليث فبعث إلى بغداد وحبسهما‏.‏

ثورة أهل سجستان بأصحاب ابن سامان
ودعوتهم إلى بن عمرو ابن الليث بن الصفار ثم عودهم إلي طاعة أحمد بن إسماعيل بن سامان كـان محمـد بن هرمز ويعرف بالمولي الصندلي خارجياً وهو من أهل سجستان‏.‏

خرج أيام بني سامان وأقام ببخارى وسخط بعض الأعيان بها
فسار إلى سجستان واستمال جماعة من الخـوارج رئيسهم ابن الحفار فخرجوا وقبضوا على منصور بن إسحاق عاملهم من بني سامان وحبسـوه وولـوا عليهـم عمرو بن يعقوب بن محمد بن الليث وخطبوا له فبعث أحمد بن إسماعيل الجيـوش ثانيـاً مـع الحسيـن بـن علـي سنة ثلاثمائة وحاصرها ستة أشهر‏.‏ ومات الصندلي فاستأمن عمـرو بـن يعقـوب الصفـار وابـن الحفـار إلـى الحسيـن بن علي وخرج منصور بن إسحاق من محبسه ‏.‏ واستعمل أحمد بن إسماعيل على سجستان سيجور الدواني ورجع الحسين بالجيوش إلى الأمير أحمد ومعه يعقوب وابن الحفار في ذي الحجه سنة ثلاثمائة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:49 PM

استيلاء خلف بن أحمد بن علي على سجستان ثم انتفاضهم عليه
كان خلف بن أحمد من ذرية عمرو بن الليث الصفار وهو بسطة برسمه بانوا ولما فشل أمر بنـي سامـان استولـي علـى سجستـان وكـان مـن أهـل العلـم ويجالسهـم‏.‏ ثم حج سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائـة واستخلـف علـى أعماله طاهر بن الحسين من أصحابه فلما عاد من الحج انتقض عليه طاهر بن الحسين فسار خلف إلى بخارى مستجيشاً بالأمير منصور بن سامان فبعث معه العساكر وملك سجستان وكثرت أمواله وجنوده‏.‏ وقطع ما كان يحملـه إلـى بخـارى فسـارت العساكر إليه ومقدمهم وحاصروا خلف ابن أحمد في حصن أوال من أمنع الحصون وأعلاها‏.‏ ولما اشتد به الحصار وفنيت الأموال والآلات كتب إلى نوح بن منصور صاحب بخارى بأن يستأمنـه ويرجـع إلـى دفـع الحمـل فكتب نوح بن منصور إلى أبي الحسن بن سيمجور عامله على خراسان وقد عزل بالمسير إلى حصار خلف فسـار مـن قهستـان إلـى سجستـان وحاصـر خلف وكانت بينهما مودة فأشار عليه سيمجور بتسليم حصن أرك للحسن لتتفرق الجيوش عنه إلى بخارى ويرجع هو إلى شأنه مع صاحبه فقبل خلف مشورته‏.‏ ودخل سيمجور إلى حصـن أرك وخطـب فيـه للأميـر نـوح‏.‏ ثـم سلمـه للحسـن بـن طاهر وانصرف إلى بخارى وكان هذا أول وهن دخل على بني سامان من سوء طاعة أصحابهم‏.‏

استيلاء خلف بن أحمد على كرمان
ثم إنتزاع الديلم لها ولمـا استفحـل أمـر خلـف بسجستان حدث نفسه بملك كرمان وكانت في أيدي بني بويه وملكهم يومئـذ عضـد الدولـة فلمـا وهن أمرهم ووقع الخلف بين صمصام الدولة وبهاء الدولة ابني عضد الدولة جهز العساكر إلى كرمان وعليهم عمرو ابنه وقائدهم يومئذ تمرتاش من الديلم‏.‏ فلمـا قاربها عمرو هرب تمرتاش إلى بردشير وحمل ما أمكنه وغنـم عمـرو الباقـي وملـك كرمـان وجبـي الأمـوال‏.‏ وكـان صمصام الدولة صاحب فارس فبعث العساكر إلى تمرتاش مع أبي جعفر وأمره بالقبض عليه لإتهامه بالميل إلى أخيه بهاء الدولة فسار وقبض عليه وحمله إلى شيراز‏.‏ وسار بالعساكر إلى عمرو بن خلف فقاتله عمرو بدار زين‏.‏ وانهزم الديلم وعادوا على طريق جيرفت وبعث صمصام الدولة عسكراً آخر مع العباس بن أحمد من أصحابه فلقوا عمرو بن خلف بالسيرجان في المحـرم سنـة إثنتيـن وثمانيـن فهزمـوه‏.‏ وعـاد إلـى أبيـه بسجستـان مهزومـاً ووبخـه ثـم قتله‏.‏ ثـم غزل صمصام الدولة العباس عن كرمان فأشاع خلف بأن أستاذ هرمز سمه واستنفر الناس لغزو كرمان وبعثهم مع ابنه طاهر فانتهـوا إلـى برماشيـر وملكوهـا مـن الديلـم‏.‏ ولحـق الديلـم بجيرفت واجتمعوا بهـا وبعثـوا بهـا إلـى بردشيـر حاميـة مـن العسكـر وهـو أصـل بلـاد كرمـان ومصرهـا فحصرهـا طاهـر ثلاثـة أشهـر وضيق على أهلها وكتبوا إلى أستاذ هرمز يستمدونه قبل أن يغلبهـم عليهـا طاهـر فخاطر بنفسه وركب إليهم المضايق والأوعار حتى دخلها‏.‏ وعاد طاهر إلى سجستان واستنفر الناس لغزو الديلم بجيرفت واجتمعوا بها وبعثوا إلى بردشير حامية من العسكر وهو أصل بلاد كرمان وذلك سنة أربع وثمانين‏.‏

استيلاء طاهر بن خلف على كرمان وعوده عنها ومقتله
كـان طاهر بن خلف من العقوق لأبيه على عظيم وانتقض عليه وجرت بينهما وقائع كان الظفر بهـا لخلـف ففـارق طاهـر سجستان وسار إلى كرمان وبها الديلم عسكر بهاء الدولة فصعد إلى جبالهـا واحتمـى بقـوم هنالـك كانـوا عصـاة ونـزل علـى جيرفـت فملكهـا ولقيـه الديلـم فهزمهم واستولـي علـى الكثيـر ممـا بأيديهـم فبعـث بهـاء الدولـة عسكـراً مـع أبي جعفر بن أستاذ هرمز فغلب طاهـراً علـى كرمـان فعـاد إلى سجستان وقاتل أباه فهزمه وملك البلاد‏.‏ وامتنع أبوه خلف ببعض حصونه وكان الناس قد سئموا منه لسوء سيرته فرجع إلى مخادعة ابنه فتواعدا اللقاء تحت القلعة وأكمن له بالقرب كميناً فلما لقيه خرج الكمين واستمكن منه أبوه خلف فقتله أبوه‏.‏

استيلاء محمود بن سبكتكين على سجستان ومحو أثار بني الصفار منها
كـان خلـف بـن أحمـد قـد بعـث ابنـه طاهـراً إلـى قهستـان فملكهـا ثـم إلـى بوشنـج كذلـك‏.‏ وكانـت هي وهراة لبغراجق عم محمود وكان محمود مشتغلاً بالفتنة مع قواد بني سامان فلما فرغ منهـا إستأذنه عمـه فـي إخـراج طاهـر بـن خلـف فـأذن لـه‏.‏ وسـار إليـه سنـة تسعيـن وثلاثمائـة ولقيـه بنواحـي بوسنـج فهزمـه ولـج فـي طلبـه فكـر عليـه طاهـر وقتلـه فساء ذلك محموداً وجمع عساكره وسار إلى خلف بن أحمد وحاصره بحصن أصبهيل وضيـق عليـه حتـى بـذل لـه أمـوالاً جليلـة وأعطـاه الرهن عليها فأفرج عنه‏.‏ ثم عهد خلف بملكه إلى ابنه وعكف على العبادة والعلم خوفاً من محمود بن سبكتكين فلما استولي طاهر على الملك عق أباه وكان من أمره ما تقدم‏.‏ ولما قتل طاهر تغيرت نيات عساكره وساءت فيه ظنونهم‏.‏ واستدعوا محمود بن سبكتكين وملكوه مدينتهم‏.‏ وقعد خلف في حصنه وهو حصن الطاق له سبعة أسوار محكمة وعليها خندق عتيق له جسر يرفع ويحط عند الحاجة فحاصره محمود سنـة ثلـاث وتسعيـن وطـم الخندق بالأعواد والتراب في يوم واحد وزحف لقتاله بالخيول‏.‏ وتقدم عظيمها فافتلع باب الحصن بنابه وألقاه وملك محمود السور الأول‏.‏ ودفع عنه أصحاب خلف إلى السور الثاني ثم إلى الثالث كذلك فخرج خلف واستأمن وحضر عنده محمود وخيره في المقام حيث شاء من البلاد فاختار الجوزجان وأقام بها أربع سنين‏.‏ ثم نقل عنه الخوض في الفتنة وأنه راسـل أيلكخـان يغريـه بمحمود فنقله إلى جردين وحبسه هنالك إلى أن هلك سنة تسع وتسعين وورثه ابنه أبو حفص‏.‏ ولما ملك محمود سجستان واستنزل خلـف مـن حصـن بالطـاق ولـي علـى سجستـان أحمـد الفتحـي مـن قـواد أبيـه‏.‏ ثم انتقض أهل سجستان فسار إليهم محمود سنة ثلاث وتسعين في ذي الحجة وحصرهم في حصن أول واقتحمه عليهم عنوة وقتل أكثرهم وسبى باقيهم حتى خلت سجستان منهم وصفاً ملكها له فأقطعها أخاه نصراً مضافة إلى نيسابور وانقرض ملك بني بالصفار وذويهم من سجستان والبقاء لله وحده‏.‏

الخبر عن دولة بني سامان ملوك ما وراء النهر المقيمين بها
الدولة العباسية وأولية ذلك ومصادره ‏:‏ أصل بني سامان هؤلاء من العجم كان جدهم أسد بن سامان من أهل خراسان وبيوتها وينتسبون في الفرس إلى بهرام حشيش الذي ولاه كسرى أنوشروان مرزبان أذربيجان‏.‏ وبهرام حشيش من أهل الري ونسبهم إليه هكذا‏:‏ أسد بن سامان خذاه بن جثمان بن طغان بن نوشردين بن بهرام نجرين بن بهرام حشيش‏.‏ ولا وثوق لنا بضبط هذه الأسماء‏.‏ وكان لأسد أربعة من الولد‏:‏ نوح وأحمد ويحيى وإلياس وأصل دولتهم هذه فيما وراء النهر أن المأمون لما ولي خراس اصطنع بني أسد هؤلاء وعرف لهم حق سلفهم واستعملهم‏.‏ فلما انصرف إلى الجـراق ولـي علـى خراسـان غسـان كبـن عبـاد مـن قرابـة الفضـل بـن طاهـر مكـان ابنه إسحاق ومحمد بـن إليـاس‏.‏ ثم مات أحمد بن أسد بفرغانة سنة إحدى وستين وكان له من الولد سبعة‏:‏ نصر ويعقوب ويحيى وإسماعيل وإسحـاق وأسـد وكنيتـه أبـو الأشعـث وحميـد وكنيتـه أبـو غانـم‏.‏ ولمـا توفـي أحمد وكانت سمرقند من أعماله استخلف عليها ابنه نصراً وأقام في ولايتها أيام بني طاهر وبعدهم‏.‏ وكان يلي أعماله من قبل ولاة خراسان إلى حين انقراض أمر بني طاهر واستيلاء ولاية نصر بن أحمد على ما وراء النهر ولما استولي الصفار على خراسان وانقرض أمر بني طاهر عقد المعتمد لنصر بن أحمد على أعمـال مـا وراء النهـر فبعـث جيوشـه إلـى شـط جيحـون مسلحـة مـن عبور الصفار فقتل مقدمهم‏.‏ ورجعوا إلى بخارى وخشيهم واليها على نفسه ففر عنها‏.‏ وولوا عليهم ثم عزلوا ثم ولوا ثم عزلوا فبعث نصر أخاه إسماعيل على شط بخارى‏.‏ وكان يعظـم محلـه ويقـف فـي خدمتـه‏.‏ ثـم ولـي علـى غزنـة أبـا اسحـاق بـن التكيـن‏.‏ ثـم ولـي علـى خراسـان مـن بعـد ذلـك رافـع بـن هرثمـة بولايـة بني طاهر وأخرج عنها الصفار وحصلت بينه وبين إسماعيل أعمال خوارزم فولاه إياهـا وفسـد مـا بيـن إسماعبـل وأخيـه نصر وزخف إليه سنة إثنتين وسبعين فأرسل قائده حمويه بـن علـي إلـى رافـع يستنجـده فسـار إليـه بنفسـه منهـا وأصلح بينهما ورجع إلى خراسان ثم انتقض ما بينهما وتحاربا سنة خمس وسبعين وظفر إسماعيل بنصر‏.‏ ولما حضـر عنـده ترجـل لـه إسماعيل وقبل يده ورده إلى كرسي إمارته بسمرقند‏.‏ وأقام نائباً عنه ببخارى وكان إسماعيل خيراً مكرماً لأهل العلم والدين‏.‏

وفاة نصر بن أحمد وولاية أخيه إسماعيل على ما وراء النهر
ثم توفي نصر سنة تسع وسبعين وقام مكانه في سلطان ما وراء النهر أخوه إسماعيل وولاه المعتضـد‏.‏ ثـم ولـاه خراسـان سنـة سبـع وثمانيـن وكـان سبـب ولايتـه علـى خراسـان أن فـي الليث كان المعتضد ولاه خراسان وأمره بحرب رافع بن هرثمة فحاربه وقتله وبعث برأسه إلي المعتضد وطلـب منـه ولايـة مـا وراء النهـر فولـاه وسيـر العساكر لمحاربة إسماعيل بن أحمد مع محمد بن بشير مـن خواصـه فانتهـوا إلـى آمـد بشـط جيجون‏.‏ وعبر إسماعيل فهزمهم وقتل محمد بن بشير ورجع إلـى بخـارى فسـار عمـرو بـن الليـث مـن نيسابـور إلي بلخ يريد العبور إلى ما وراء النهر فبعث إليه إسماعيل يستعطفه بأن الدنيا العريضة في يدك وإنما لي هذا الثغر فأبى ولج‏.‏ وعبر إسماعيل النهر وأحاط به وهو على نجد فصار محصوراً وسأل المحاجزة إسماعيل وقاتله فهزمه‏.‏ وأخذه بعض العسكر أسيراً وبعث به إلى سمرقند‏.‏ ثم خيره في انفاذه إلى المعتضد فاختـاره فبعـث بـه إليـه ووصل إلى بغداد سنة ثمان وثمانين وأدخل على جمل وحبس‏.‏ وأرسل المعتضد إلى إسماعيل بولاية خراسان كما كانت لهم فاستولي عليها وصارت بيده‏.‏ ولما قتل عمـرو بـن الليـث طمع محمد بن زيد العلوي صاحب طبرستان والديلم في ملك خراسان فسار إليها وهو يظن أن إسماعيل بن أحمد لا يريدها ولا يتجاوز عمله فلما سار إلى جرجان وقد وصـل كتـاب المعتضـد إلـى إسماعيـل بولايـة خراسـان فكتب إليه ينهاه عن المسير إليها فأبى فسرح إليـه محمـد بن هارون قائد رافع وكان قد فارقه عند هزيمته ومقتله‏.‏ ولحق بإسماعيل فسرحه في العساكر لقتال محمد بن زيد العلوي ولقيه على جرجان فانهزم محمد بن زيد وغنم ابن هارون عسكره وأصابت محمد بن زيد جراحات هلك لأيام منها‏.‏ وأسـر ابنـه زيـد فأنزلـه إسماعيل ببخارى وأجرى عليه وسار محمد بن هارون إلى طبرستان فملكها وخطب فيها لإسماعيل وولاه إسماعيل عليها‏.‏

استيلاء إسماعيل على الري
كـان محمـد بـن هـارون قد انتقض في طبرستان على إسماعيل وخلع دعوة العباسية وكان الوالي على أهل الري من قبل المكتفي أغرتمش التركي وكان سيء السيرة فيهم استدعوا محمد بن هارون من طبرستان فسار إليهم وحارب أغرتمش فقتله وقتل ابنين وأخاه كيغلغ من قواد المكتفـي‏.‏ واستولـي علـى الـري فكتـب المكتفـي إلى إسماعيل بولاية الري وسار إليها فخرج محمد بن هارون عنها إلى قزوين وزنجان وعاد إلى طبرستان واستعمل إسماعيل بولاية الذين على جرجـان فـارس الكبير‏.‏ وألزمه بإحضار محمد بن هارون فكاتبه فارس وضمن له إصلاح حاله فقبـل قولـه وانصـرف عـن حسـان الديلمـي إلـى بخـارى فـي شعبـان سنـة تسعيـن‏.‏ ثـم قبـض فـي طريقـه وأدخل إلى بخارى مقيداً فحبس بها ومات لشهرين‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:50 PM

وفاة إسماعيل بن أحمد وولاية ابنه أحمد
ثـم توفـي إسماعيـل بـن أحمـد صاحب خراسان وما وراء النهر في منتصف سنة خمس وتسعين وكان يلقب بعد موته بالماضي وولي بعده أبو نصر أحمد وبعث إليه المكتفي بالولاية وعقد له لواء بيده‏.‏ وكان إسماعيل عادلاً حسن السيرة حليماً‏.‏ وخرجت الترك في أيامه سنة إحدى وتسعين إلى ما وراء النهر في عدد لا يحصى يقال كان معهم سبعمائة قبة وهي لا تكون إلا للرؤسـاء فاستنفـر لهـم إسماعيـل النـاس وخـرج مـن الجنـد والمتطوعة خلق كثير‏.‏ وخرجوا إلى الترك وهـم غـازون فكبسوهـم مصبحين وقتلوا منهم ما لا يحصى وانهزم الباقون واستبيح عسكرهم‏.‏ ولما مات وولي ابنه أبو نصر أحمد واستوسق أمره ببخارى بهث عن عمه إسحاق بن أحمد من سمرقند فقبض عليه وحبسه‏.‏ ثم عبر إلى خراسان ونزل نيسابور وكان فارس الكبير مولي أبيه عاملاً على جرجان وكان ظهر له أن عزله عن جرجان بفارس هذا‏.‏ وكان فارس قد ولي الري وطبرستان وبعث إلى إسماعيـل بن أحمد بثمانين حملأ من المال‏.‏ فلما سمع بوفاة إسماعيل استردها من الطريق وحقد لـه أبـو نصـر ذلـك كلـه فخافـه فـارس‏.‏ فلمـا نـزل أبـو نصر نيسابور كتب فارس إلى المكتفي يستأذنه فـي المسيـر إليـه وسـار فـي أربعـة آلـاف فـارس واتبعـه أبـو نصـر فلـم يدركـه‏.‏ وتحصن منه عامل أبي نصـر بالـري ووصـل إلـى بغـداد فوجـد المقتـدر قـد ولي بعد المكتفي وقد وقعت حادثة ابن المعين فولـاه المقتـدر ديـار ربيعـة وبعثـه في طلب بني حمدان وخشي أصحاب المقتدر أن يتقدم عليهم فوضعوا عليه غلاماً له فسمه ومات الموصل وتزوج الغلام امرأته‏.‏

استيلاء أحمد بن إسماعيل على سجستان
كانت سجستان في ولاية الليث بن علي بن الليث وخرج إلى طلب فارس فأسره مؤنس الخـادم وحبـس ببغـداد وولـي علـى سجستان أخوه المعدل‏.‏ ثم سار أبو نصر أحمد بن إسماعيل سنة سبع وتسعيـن مـن بخـارى إلـى الـري ثـم إلـى هـراة وطمـع فـي ملـك سجستـان فبعـث إليـه العسكـر فـي محـرم سنة ثمان وتسعين مع أعيان قواده أحمد بن سهل وحمد بن المظفر وسيجور الدواني والحسين بن علي المروروذي‏.‏ فلما بلغ الخبر إلى المعدل بعث أخاه محمد بن علي إلى بست والزنـج فحاصرتـه العساكـر بسجستان‏.‏ وسار أحمد بن إسماعيل إلى بست فملكها وأسر محمد بن علـي‏.‏ وبلـغ الخبـر إلـى المعـدل فاستأمـن إلـى الحسيـن فملكهـا وحمـل المعـدل معـه إلـى بخـارى‏.‏ وولـي الأميـر علـى خستـان أبـا صالـح منصـور ابن عمه إسحاق بن أحمد وكان قد قبض على إسحاق لأول ولايته‏.‏ ثم أطلقه الآن وأعاده إلى سمرقند وفرغانة‏.‏ وقد كان سيكري هزمته عساكر المقتدي بفارس وخرج إلى مفازة سجستان فبعث الحسين عسكراً لإعتراضه وأخذ أسيـراً وبعثـوا بـه وبمحمـد بـن علـي إلـى بغـداد‏.‏ وبعـث المقتـدر إلـى أحمد بالخلع والهدايا‏.‏ ثم انتقض أهل مقتل أبي نصر أحمد بن إسماعيل ابنه نصر ثم قتل أبو نصر أحمد صاحب خراسان ومـا وراء النهـر آخـر جمـادي الآخـرة سنـة إحـدى وثلاثمائة وكان مولعاً بالصيد فخرج إلى برير متصيداً‏.‏ وكان له أسد يربط كل ليلة على باب خيمته فأغفل ليلة فعدا عليه بعض غلمانه وذبحوه على سريره‏.‏ وحمل إلى بخارى فدفن بها ولقب الشهيد وقتل من وجد من أولئك الغلمان‏.‏ وولي الأمير مكانه ابنه أبا الحسن نصر بن أحمـد وهـو ابن ثمان سنين ولقب السعيد‏.‏ وتولي الأمور له أصحاب أبيه ببخارى وحمله على عاتقـه أحمـد بـن الليـث مستولـي الأمـور‏.‏ وانتقـض عليـه أهـل سجستـان وعم أبيه إسحاق بن أحمد بسمرقنـد وابنـاه منصـور وإليـاس ومحمـد بـن الحسيـن ونصـر بـن حمـد وأبـو الحسيـن بـن يوسـف والحسن بن علي المروروذي وأحمد بن سهل وليلى بن النعمان من الديلم صاحب العلويين بطبرستان ومعـه سيجور وأبو الحسين بن الناصر الأطروش وقراتكين‏.‏ وخرج عليه إخوته يحيى ومنصور وإبراهيم بنو أبيه وجعفر بن داود ومحمد بن إلياس ومرداويج ووشكمير ابنا زياد من أمراء الديلم وكان السعيد نصر مظفراً على جميعهم‏.‏

انتقاض سجستان
ولمـا قتـل أحمـد بـن إسماعيـل انتقـض أهـل سجستـان وبايعـوا للمقتـدر وبعثـوا إليـه وأخرجـوا سيجـور الدوانـي فأضافهـا المقتـدر إلـى بدر الكبير وأنفذ إليها افضل بن حميد وأبا يزيد من قبل السعيد نصر وسعيد الطالقانـي وغزنـة كذلـك فقصدهـا الفضـل وخالـد واستوليـا علـى غزنـة وبستـة وقبضـا علـى سعيـد الطالقانـي وبعثـا بـه إلـى بغـداد‏.‏ وهـرب عبيـد اللـه الجهستانـي‏.‏ ثـم اعتل الفضل وانفرد خالد بالأمور‏.‏ ثم انتقض فأنفذ إليه المقتدر أخا طغج الطولوني فهزمه خالـد وسار إلى كرمان فأنفذ إليه بدر الجيش فأخذ أسيراً ومات وحمل إلى بغداد‏.‏

انتقاض إسحق العم وابنه إلياس
كان إسحق بن أحمد عم الأمير أحمد بن إسماعيل والياً على سمرقند فلما بلغه مقتل الأمير أحمـد وولايـة ابنـه السعيـد نصر دعا لنفسه بسمرقند وتابعه ابنه إلياس على ذلك‏.‏ وساروا إلى بخارى فبرز إليهم القائد حمويه بن علي فهزمهم إلى سمرقند‏.‏ ثم جمعوا وعادوا فهزمهم ثانية وملك سمرقند من أيديهم عنوة‏.‏ واختفى إسحق وجد حمويـه فـي طلبـه فضـاق بـه مكانـه واستأمـن إلـى حمويـه وحملـه إلـى بخـارى‏.‏ وأقـام بهـا إلى أن هلك ولحق إلياس بفرغانة فأقام بها إلى أن خرج ثانية كما يأتي‏.‏

ظهور الأطروش واستيلاؤه على طبرستان
قد تقدم لنا في أخبار العلوية شأن دولة الأطروش وبنيه بطبرستان وهو الحسن بن علي بن الحسـن بن علي بن عمرو بن علي بن الحسن السبط وأنه استعمل الأمير أحمد على طبرستان مكانـه أبـا العبـاس أحمـد عبـد اللـه بن محمد بن نوح فأحسن السيرة وعدل في الرعية وكرم العلوية وبالـغ فـي الإكرام والإحسان إليهم‏.‏ واستمال رؤساء الديلم وهاداهم وكان الحسن الأطروش قد دخل إليهم بعد قتل محمد بن زيد وأقام فيهم ثلاث عشرة سنه يدعوهم إلى الإسلام ويقتصر منهـم علـى العشـر ويدافـع عنهـم ملكهـم ابـن حسـان فأسلـم منهـم خلـق كثير واجتمعوا إليه وبني في بلادهم المساجد ودعاهم للمسير معه إلى طبرستان فلم يجيبوه إلى ذلك‏.‏ ثم عزل أبو العباس وتولـي سلـام فلـم يحسـن سياسـة الديلـم فخرجـوا عليـه وقاتلـوه فهزمهـم واستعان بالأمير أحمد السعيد فأعاد الأمير أحمد إليها ابن نوح فاستعمل عليها أبا العباس محمد بن إبراهيم صعلوك ففسد ما بينه وبين الديلم بإساءة السيرة وعدم السياسة‏.‏ فطلبهم الأطروش في الخروج معه فخرجوا ولقيهم ابن صعلوك على مرحلة مـن سالـوس وهـي ثغـر طبرستان فانهزم وقتل من أصحابه أربعة آلاف وحصر الأطروش الباقين ثم أمنهم وعاد إلى آمـد‏.‏ وسـار إليهـم الحسـن بـن القاسم العلوي الداعي صهر الأطروش فقتلهم متعللاً عليهم بأنه لم يحضر لعهدهم‏.‏ واستولي الأطروش على طبرستان سنة إحدى وثلاثمائة أيام السعيد نصـر وخـرج صعلـوك إلى الري متعللاً عليهم ومنها إلى بغداد‏.‏ وكان الذين أسلموا على يد الأطروش الديلم من وراء أسفيجاب إلى آمد فمهم شيعـة زيديـة‏.‏ وكـان الأطـروش زيديـاً‏.‏ وخرجـت طبرستان يومئذ من ملك بني سامان‏.‏

انتقاض منصور بن إسحق العم والحسين المروروذي
كان الأمير أحمد بن إسماعيل لما افتتح سجستان ولي عليها منصور ابن عمه إسحق وكان الحسين بن علـي هـو الـذي تولـي فتحهـا وطمـع فـي ولايتهـا‏.‏ ثـم افتتحهـا ثانيـاً كمـا ذكرنـا فوليـا سيجـور الدوانـي فاستوحـش الحسيـن لذلك وداخل منصور بن إسحق في الإنتقاض على أن تكون إمارة خراسان لمنصور والحسين بن علي خليفته على أعماله‏.‏ فلما قتل الأمير أحمد انتقض الحسين بهراة وسار إلى منصور بنيسابور فانتقض أيضأ وخطب لنفسه سنة إثنتين وثلاثين‏.‏ وسار القائد حمويه بن علي من بخارى في العساكر لمحاربتهما ومات منصور قبل وصوله فلما قارب حمويـه نيسابـور سـار الحسيـن عنهـا إلـى هـراة وأقـام بهـا وكان محمد بن جند على شرطته من مدة طويلـة‏.‏ وبعـث مـن بخـارى بالنكيـر فخشـي علـى نفسه وعدل عن الطريق إلى هراة فسار الحسين بـن علـي مـن هراة إلى نيسابور بعد أن استخلف عليها أخاه منصوراً فملك نيسابور فسار إلى محاربتـه مـن بخـارى أحمد بن سهل فحاصر هراة وملكها من منصور على الأمان‏.‏ ثم سار إلى نيسابـور فحاصر بها الحسين وملكها عنوة وأسر الحسين سنة إثنتين وثلاثمائة‏.‏ وأقام أحمد بن سهل بنيسابور وجاءه ابن جند مزمر وقبض عليه وسيره والحسين بن علي إلى بخارى‏.‏ فأما ابن جيد مزمر فسير إلى خوارزم ومات بها وأما الحسين فحبس ثم خلصه أبو عبيد الله الجهاني مدبر الدولة وعاد إلى خدمة السعيد نصر‏.‏

انتقاض أحمد بن سهل بنيسابور وفتحها
كان الأمير أحمد بن سهل من قواد إسماعيل ثم ابنه أحمد ثم ابنه نصر بن محمد‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ وهو أحمد بن سهل بن هاشم بن الوليد بن جبلة بن كامكان بن يزدجرد بن شهربان الملك‏.‏ قال‏:‏ وكان كامكان دهقان بنواحي مرو‏.‏ قال‏:‏ وكان لأحمد أخوة ثلاثة وهم محمـد والفضل والحسين قتلوا في عصبية العرب والعجم‏.‏ وكان خليفة عمرو بن الليث على مرو فسخطه وحبسه بسجستان‏.‏ ثم فر من محبسه ولحق بمرو فملكها واستأمن إلى أحمد بن إسماعيـل‏.‏ وقـام بدعوتـه فاستدعـاه إلـى بخـارى وأكرمه ورفع منزلته ونظمه في طبقة القواد وبقي فـي خدمتـه وخدمـة بنيـه‏.‏ فلمـا انتقـض الحسيـن بـن علـي بنيسابـور علـى السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل سنة إثنتين وثلاثمائة سار إليه أحمد بن سهل في العساكر وظفر به كما مر‏.‏ وولي السعيد نصر بن أحمد بن إسماعيل على نيسابور وقراتكين مولاهم‏.‏ مقتل ليلى بن النعمان ومهلكه كان ليلى بن النعمان من كبار الديلم ومن قواد الأطروش وكان الحسن بن القاسم الداعي قد ولاه على جرجان سنة ثلاث وثلاثمائة وكان أولاد الأطروش يحلونه في كتابهم بالمؤيد لدين الله المنتصر لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كريماً شجاعًا‏.‏ولما ولي جرجان سار إليه قراتكين وقاتله عشرة فراسخ من جرجان فانهزم قراتكين واستأمن غلامه فارس إلى ليلى في ألف رجل من أصحابه فأمنه وأكرمه وزوجه أخته‏.‏واستئمن إليه أبو القاسم بن حفص ابن أخت سهل وحرضه على المسير إلى نيسابور وبها قراتيكن‏.‏وكان أجناده قد كثروا وضاقت عليهم الأموال فاستأذن الداعي في المسير إلى نيسابور فأذن له وسار إليها في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثمائة فملكها وأقام بها الخطبة للداعي الحسين بن القاسم‏.‏وأنفذ السعيد نصر العساكر من بخارى مع حمويه بن علي ومحمد بن عبيد الله البلغمي وأبي جعفر صعلوك وخوارزم شاه وسيجور الدواني‏.‏فانهزم أكثر أصحاب حمويه وثيت القواد وجالت العساكر جولة فانهزم ليلى ودخل آمد‏.‏ولحقه بقراخان ملك الترك جاء مع العساكر ممداً فقبض على ليلى في آمد وبعث إلى حمويه بذلك فبعث إليه من قطع رأس ليلى في ربيع سنة تسع وثلاثمائة‏.‏وبعث به إلى بخارى‏.‏وطلب قواد الديلم الذين كانوا مع ليلى الأمان فأمنوهم بعد أن أشار حمويه بقتلهم والراحة منهم فلم فخرج من سارية وولوا عليها بقراخان‏.‏ووصلوا إلى جرجان ثم إلى نيسابور‏.‏ورجع ماكان إلى أستراباذ مع جرجان ولحق بقراخان بنيسابور‏.‏وهذا كان مبتدأ أمر ماكان بن كالي وستأتي أخباره‏.‏خروج إلياس بن إسحق قد تقدم لنا انتقاض إسحق وابنه إلياس بسمرقند سنة إحدى وثلاثمائة وكيف غلبهم القائد حمويه وسار بإسحق إلى بخارى ومات بها‏.‏ولحق ابنه إلياس بفرغانة فأقام بها إلى سنة ست عشرة وثلاثمائة‏.‏وأجمع المسير إلى سمرقند واستظهر بمحمد بن الحسين برمت من قواد بني سامان‏.‏واستمد أهل فرغانة من الترك فأمدوه‏.‏واجتمع إليه ثلاثون ألف فارس وقصد سمرقند‏.‏وبعث السعيد للمدافعة عنها أبا عمرو ومحمد بن أسد وغيره في ألفين وخمسمائة راجل‏.‏فلما ورد إلياس كمنوا له بين الشجر حتى إذا اشتملت عساكره بضرب الأبنية خرجوا عليه فانهزم الحسن بن ست ولحق بأسفيجاب ومنها إلى ناحية طراز وكريت فلقيه دهقان الناحية فقتله وأنفذ رأسه إلى بخارى‏.‏ثم استمد إلياس صاحب الشاش وهو أبو الفضل بن أبي يوسف فأمده بنفسه وبعث إليه اليسع بالمدد وعاود محاربة الوالي بسمرقند فانهزم إلى كاشغر وأسر أبو الفضل وحمل إلى بخارى فمات بها وسار إلياس إلى كاشغر وصاحبها استيلاء السعيد على الري كان المقتدر قد عقد على الري ليوسف بن أبي الساج وسار إليه سنة إحدى عشرة فملكه من يد أحمد بن علي أخي صعلوك‏.‏وقد كان فارق أخاه صعلوكأ وسار إلى المقتدر فولاه على الري‏.‏ثم انتقض على المقتدر ووصل يده بماكان بن كالي قائد الديلم وأولاد الأطروش وهم بطبرستان وجرجان‏.‏وفارق طاعة المقتدر فسار إليه يوسف ابن أبي الساج وحاربه فقتله واستولى على الري‏.‏ثم استدعاه المقتدر سنة أربع عشرة إلى واسط لقتال القرامطة وكتب إلى السعيد نصر بن أحمد بولاية الري فاستخلف عليها وأمره بالمسير إليها‏.‏وأخذها فاتك مولى يوسف بن أبي الساج فسار نصر السعيد لذلك أول سنة أربع عشرة‏.‏فلما وصل إلى جبل قارن منعه أبو نصر الطبري من الإجتياز به فبذل له ثلاثين ألف دينار واسترضاه‏.‏وسار إلى الري فخرج عنها فاتك واستولى عليها السعيد منتصف السنة وأقام بها شهرين ثم عاد عنها إلى بخارى واستعمل عليها محمد بن علي الملقب صعلوك فأقام بها إلى شعبان سنة ست عشرة ومرض فكاتب الداعي وماكان بن كالي في القدوم ليسلم لهم الري فقدموا واستولوا على الري‏.‏وسار صعلوك عنها فمات في طريقه‏.‏وأقام الحسن الداعي بالري مالكاً لها‏.‏واستولى معها على قزوين وزنجان وأبهر وقم ومعه ماكان‏.‏وكان أسفار قد استولي على طبرستان فسار الداعي وماكان إليه والتقوا على سارية فانهزم وقتل الداعي كما مر في أخبار العلوية بطبرستان‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 02:52 PM


الجزء الثالث


ولاية أسفار على جرجان والري
كان أسفار بن شيرويه من أعيان الديلم وكان من أصحاب ماكان بن كالي‏.‏وقد تقدم لنا أن أبا الحسن بن الأطروش ولي ماكان على أستراباذ وأن الديلم اجتمعوا إليه وأمروه وأنه ملك جرجان واستولى بعدها على طبرستان وولي أخاه أبا الحسن بن كالي على جرجان‏.‏وكان أسفار بن شيرويه من قواده فانصرف مغاضباً عنه سنة خمس عشرة إلى بكر بن محمد بن اليسع بنيسابور فبعثه بكر إلى جرجان ليفتحها واضطرب أمر جرجان لأن ماكان بن كالي اعتقل بها أبا علي الأطروش بنظر أخيه ابن كالي فوثب الأطروش على أخيه أبي الحسن وقتله وملك جرجان‏.‏واستقدم أسفار بن شيرويه فقدم وضبط أمره‏.‏وسار إليهم ماكان من طبرستان في جيوشه فهزموه واتبعوه إلى طبرستان فملكوها وأقاموا بها‏.‏وهلك أبو علي بن الأطروش بطبرستان فعاد ماكان بن كالي وأخرج أسفار بن شيرويه من طبرستان‏.‏ثم زحف أسفار إلى الداعي وماكان والتقوا على السيارية فانهزم الداعي وماكان وقتك الداعي‏.‏واستولى أسفار على طبرستان وجرجان والري وقزوين وزنجاق وأبهر وقم والكرخ ودعا للسعيد نصر بن أحمد صاحب خراسان‏.‏واستعمل على آمد هارون بن بهرام يريد استخلاصه لنفسه لأن هارون كان يخطب لأبي جعفر من ولد الأطروش فولاه آمد وزوجه ببعض نساء الأعيان فبني بها‏.‏وحضر عرسه أبو جعفر وغيره من العلويين فهجم عليه أسفار يوم العرس فقبض على أبي جعفر والعلويين وحملهم إلى بخارى فاعتقلوا بها واستفحل أمر أسفار وانتقض على السعيد صاحب خراسان وعلى الخليفة المقتدر‏.‏وسار السعيد من بخارى إلى نيسابور لمحاربته وأشار عليه وزيره محمد بن مطرف الجرجاني بطاعة السعيد وخوفه منه فقبل إشارته ورجع إلى طاعة السعيد وقبل شروطه من حمل المال وغيره‏.‏ثم انتقض عليه مرداويج واستدعى ماكان من طبرستان وهزم أسفار وقتله وملك ما بيده من الأعمال كما يذكر في أخبار الديلم ثم ملك طبرستان وجرجان من يد ماكان فاستمد ماكان السعيد فأمده بأبي علي بن المظفر فهزمهما مرداويج وعاد أبو علي إلى نيسابور وماكان إلى خرسان‏.‏

خروج أولاد الأمير أحمد في إسماعيل على أخية السعيد
كان السعيد نصر بن أحمد لما ولي استراب بإخوته وكانوا ثلاثة‏:‏ أبو زكريا يحيى وأبو صالح منصور وأبو إسحق إبراهيم أولاد الأمير أحمد بن إسماعيل فحبسهم في القندهان ببخارى ووكل بهم‏.‏فلما سار السعيد إلى نيسابور سنة خمس عشرة فتقوا السجن وخرجوا منه على يد رجل خباز من أصفهان يسمى أبا بكر داخلهم في محبسهم بتسهيل نفقتهم التي كانت على يده‏.‏وجاء إلى القندهان قبل يوم الجمعة الذي كان ميقاتاً لفتحه‏.‏وأقام عندهم مظهراً للزهد والدين وبذل للبواب دنانير على أن يخرجه ليلحق الصلاة في الجماعة ففتح له الباب وقد أعدهم جماعة للوثوب فحبسوا البواب وأخرجوا أولاد الأمير أحمد ومن معهم في الحبس من العلويين والديلم والعيارين واجتمع إليهم من كان وافقهم من العسكر والقواد ورأسهم شروين الجبلي وبايعوا يحيى ابن الأمير أحمد ونهبوا خزائن السعيد وقصوره‏.‏وقدم يحيى أبا بكر الخباز وبلغ الخبر إلى السعيد فعاب من نيسابور إلى بخارى وكان أبو بكر محمد بن المظفر بن محتاج صاحب خراسان مقيماً بجرجان فاستدعى ماكان بن كالي وصاهره وولاه نيسابور فسار إليها‏.‏ولما جاء السعيد إلى بخارى إعترضه أبو بكر الخباز عند النهر فهزمه السعيد وأسره ودخل بخارى فعذبه وأحرقه فيتنوره الذي كان يخبز فيه‏.‏ولحق يحيى بسمرقند ثم مر بنواحي الصغانيان وبها أبو علي بن أحمد بن أبي بكر بن المظفر بن محتاج صاحب خراسان مقيماً بجرجان فاستدعى ماكان بن كالي إلى جرجان ولقوا بها محمد بن إلياس وقوي أمره فلما جاء يحيى إلى نيسابور خطب له وأظهر دعوته‏.‏ثم قصدهم السعيد فافترقوا ولحق ابن إلياس بكرمان ولحق يحيى وقراتكين ببست والرخج ووصل السعيد إلى نيسابور سنة عشرين واصطلح قراتكين وأمنه وولاه بلخ وذهبت الفتنة‏.‏وأقام السعيد بنيسابور إلى أن استأمن إليه أخواه يحيى ومنصور وحضرا عندهم وهلكا وفر إبراهيم إلى بغداد ومنها إلى الموصل‏.‏وهلك قراتكين ببست وصلحت أمور الدولة‏.‏وكان جعفر بن أبي جعفر بن داود والياً لبني سامان على الختل فاستراب به السعيد وكتب إلى أبي علي أحمد بن أبي بكر محمد بن المظفر وهو بالصغانيان أن يسير إليه فسار إليه وحاربه وكسره وجاء به إلي بخارى قحبس بها فلما فتق السجن خرج مع يحيى وصحبهم‏.‏ثم لما رأى تلاشي أموره استأذنه في المسير إلى الختل فأذن له فسار إليها وأقام بها ورجع إلى طاعة السعيد سنة ثمان عشرة وصلح حاله‏.‏والختل بخاء معجمة مضمومة وتاء مثناة فوقانية مشددة مفتوحة‏.‏

ولاية ابن المظفر على خراسان
كان أبو بكر محمد بن المظفر والياً للسعيد نصر على جرجان‏.‏ولما استفحل أمر مرداويج بالري كما يأتي في أخبار الديلم خرج عنها ابن المظفر ولحق بالسعيد نصر في نيسابور وهو مقيم بها فسار السعيد في عساكره نحو جرجان ووقعت المكاتبة بين محمد بن عبيد الله البلغمي مدبر دولته وبين مطرف بن محمد‏.‏واستماله محمد فمال إليه مطرف وقتله سلطانه مرداويج‏.‏ثم بعث محمد ينتصح لمرداويج ويذكره نعمة السعيد عنده في اصطناعه وتوليته وتطوق العار في ذلك المطرف الوزير الهالك‏.‏ويهول عليه أمر السعيد ويخوفه ويشير عليه بمسالمة جرجان إليه‏.‏وصالحه السعيد عليها‏.‏ولما فرغ السعيد من أمر جرجان وأحكمه استعمل محمد بن المظفر بن محتاج على جيوش خراسان سنة إحدى وعشرين ورد إليه تدبير الأمور بجميع نواحيها‏.‏وسار إلى كرسي ملكه ببخارى واستقر بها‏.‏استيلاء السعيد على كرمان كان محمد بن إلياس من أصحاب السعيد ثم سخطه وحبسه وشفع فيه محمد بن عبيد الله البلغمي فأطلقه وسيره محمد بن المظفر إلى جرجان‏.‏ثم سار إلى يحيى وإخوته عندما توثبوا ببخارى فكان معه في الفتنة‏.‏وخطب له بنيسابور كما مر‏.‏فلما زحف السعيد إليهم فارق يحيى ولحق بكرمان واستولى عليها‏.‏ثم خرج إلى بلاد فارس وبها ياقوت مولى الخلفاء فوصل إليه بإصطخر يريد أن يستأمن له‏.‏وأطلع ياقوت على مكره فرجع إلى كرمان‏.‏ثم بعث السعيد ماكان بن كالي في العساكر سنة إحدى وعشرين وقاتل ابن إلياس وهزمه وملك كرمان بدعوة السعيد نصر بن أحمد‏.‏وسار إلى الدينور‏.‏ثم رجع ماكان عن كرمان على ما نذكره بعد فرجع إليها ابن إلياس‏.‏وسبب خروج ماكان أن السعيد بعد قتل مرداويج كتب إليه وإلى محمد بن المظفر صاحب خراسان أن يقصد جرجان والري وبها وشمكير أخو مرداويج فجاء ماكان على المفازة ووصل إلى نيسابور بعد أن كان محمد بن المظفر قد استولي عليها بعث إليه مدداً فهزمتهم عساكر وشمكير فأقصر ماكان عن حربهم وأقام بنيسابور وجعلت ولايتها له‏.‏وذلك أول سنة أربع وعشرين‏.‏ثم صفت كرمان لمحمد بن إلياس بعد حروب مع جيش نصر كان له الظفر فيها آخراً‏.‏استيلاء ماكان على كرمان وانتقاضه لما ملك مانحين جرجان وأقام ماكان بنيسابور وجعلت ولايتها له وهلك مانحين لأيام من دخوله جرجان استنفر محمد المظفر ماكان للمسير إلى جرجان فاعتل بالخروج بجميع أصحابه‏.‏وسار إلى أسفرايين فأنفذ عسكراً إلى جرجان واستولي عليها‏.‏ثم انتقض وسار إلى نيسابور وبها محمد بن المظفر‏.‏وكان غير مستعد للحرب فسار نحو سرخس ودخل ماكان نيسابور سنة أربع وعشرين‏.‏ثم رجع عنها خوفاً من اجتماع العساكر‏.‏

ولاية علي بن محمد على خراسان وفتحه جرجان
كان أبو بكر محمد بن المظفر بن محتاج صاحب خراسان من ولاة السعيد عليها سنة إحدى وعشرين فلما كانت سنة سبع وعشرين اعتل أبو بكر وطال به مرضه وقصد لسعيد راحته فاستقدم ابنه أبا علي من الصغانيان وبعثه أميراً على خراسان‏.‏واستدعى أباه أبا بكر فلقي ابنه أبا علي على ثلاث مراحل من نيسابور فوصاه وحمله حملاً من سياسته‏.‏وسار إلى بخارى ودخل ابنه أبو علي نيسابور من السنة فأقام بها أياماً‏.‏ثم سار في محرم سنة ثمان وعشرين إلى جرجان وبها ماكان بن كالي مستنقضاً على السعيد وقد غوروا المياه في طريقه فسلك إليهم غمرة حتى نزل على فرسخ من جرجان وحاصرها وضيق عليها وقطع الميرة عنها حتى جهدهم الحصار‏.‏وبعث ماكان بن كالي إلى وشمكير وهو بالري فأمده بقائد من قواده فلما وصل إلى جرجان شرع في الصلح بينهما لينجو فيه ماكان فتم ذلك وهرب ماكان إلى طبرستان واستولي أبو علي على جرجان سنه ثلاث وعشرين واستخلف عليها إبراهيم بن سيجور الدواني‏.‏

استيلاء أبي علي على الري وقتل ماكان بن كالي
ولما ملك أبو علي جرجان أصلح أمورها‏.‏ثم استخلف عليها إبراهيم بن سيجور وسار إلى الري في ربيع سنة ثمان وعشرين وبها وشمكير بن زياد أخو مرداويج قد تغب عليها من بعد أخيه‏.‏وكان عماد الدولة وركن الدولة ابنا بويه يكاتبان أبا علي صاحب خراسان يستحثانه لقصد الري بأن أبا علي لا يقيم بها لسعة ولايته فتصفو لهما‏.‏فلما سار أبو علي لذلك بعث وشمكير إلى ماكان بن كالي يستنجده فسار إليه من طبرستان وسار أبو علي وجاءه مدد ركن الدولة بن بويه وإلتقوا بنواحي الري فانهزم وشمكير وماكان‏.‏ثم ثبت ماكان ووقف مستميتاً فأصابه سهم فقتله‏.‏وهرب وشمكير إلى طبرستان فأقام بها واستولي أبو علي على الري سنة تسع وعشرين وأنفذ رأس ماكان والأسرى معه إلى بخارى فأقاموا حتى دخل وشمكير في طاعة بني سامان‏.‏وسار إلى خراسان سنة ثلاثين واستوهبهم الأسرى فأطلقوا له وبقي الرأس ببخارى ولم يحمل إلى بغداد‏.‏

استيلاء أبي علي على بلد الجيل
ولما ملك أبو علي بن محتاج صاحب خراسان بلد الري والجبل من يد وشمكير وأقام بها دعوة السعيد نصر بعث العساكر إلى بلد الجيل ففتحها واستولي على زنجان وأبهر وقزوين وقم وكرخ وهمذان ونهاوند والدينور إلى حدود حلوان ورتب فيها العمال وجبي الأموال‏.‏وكان الحسن بن الفيزوان بسارية وهو ابن عم ماكان بن كالي وكان وشمكير يطمع في طاعته له وهو يتمنع فقصده وشمكير وحاصره بسارية وملكها عليه‏.‏واستنجد الحسن أبا علي بن محتاج فسار معه لحصار وشمكير بسارية سنة ثلاثين وضيق عليه حتى سأل الموادعة فصالحه أبو علي على طاعة السعيد نصر وأخذ رهنه ورحل عنه إلى جرجان سنة إحدى وثلاثين‏.‏ثم بلغه موت السعيد فعاد أبو علي إلى خراسان فملكها وراسله الحسن بن الفيرزان يستميله ورد عليه ابنه سلار الرهينة ليستعين به على الخراسانية فوعده وأطمعه‏.‏ولما ملك وشمكير الري طمع فيه بنو بويه لأنه كان قد اختل أمره بحادثته مع أبي علي فسار الحسن بن الفيرزان إلى الري وقاتل وشمكير فهزمه واستأمن إليه الكثير من جنده‏.‏وسار وشمكير إلى الري فاعترضه الحسن بن الفيرزان من جرجان وهزمه إلى خراسان وراسل الحسن ركن الدولة وتزوج ابنته واتصل ما بينهما‏.‏وفاة السعيد نصر وولاية ابنه نوح ثم أصاب السعيد نصراً صاحب خراسان وما وراء النهر مرض السل فاعتل ثلاثة عشر شهراً‏.‏ومات في شعبان سنة إحدى وثلاثين لثلاثين سنة من ولايته‏.‏وكان يؤثر عنه الكرم والحلم وأخلص في مرضه التوبة إلى أن توفي‏.‏ولما مات ولي مكانه ابنه نوح وكان يؤثر الكرم والحلم عنه وبايعه الناس ولقب الحميد‏.‏وقام بتدير ملكه أبو الفضل أحمد بن حويه وهو من أكابر أصحاب أبيه كان أبوه السعيد ولي ابنه إسماعيل بخارى في كفالة أبي الفضل وولايته فأساء السيرة مع نوح وحقد له ذلك‏.‏وتوفي إسماعيل في حياة أبيه وكان يؤثر أبا الفضل فحذره من ابنه نوح‏.‏فلما ولي نوح سار أبو الفضل من بخارى وعبر جيحون إلى آمد‏.‏وكان بينه وبين أبي علي بن محتاج صهر فبعث إليه يخبره بقدومه فنهاه عن القدوم عليه‏.‏ثم كتب له نوح بالأمان وولاه سمرقند وكان على الحاكم صاحب الدولة ولا يلتفت إليه والآخر يحقد عليه ويعرض عنه‏.‏ثم انتقض عبد الله بن أشكام بخوارزم الأمير نوح فسار من بخارى إلى مرو سنة إثنتين وثلاثين وبعث إليه جيشاً مع إبراهيم بن فارس فمات في الطريق‏.‏واستجار ابن إشكام بملك الترك‏.‏وكان ابنه محبوساً ببخارى فبعث إليه نوح بإطلاق ابنه على أن يقبض على ابن إشكام وأجابه ملك الترك لذلك‏.‏ولما علم بذلك ابن إشكام عاد إلى طاعة نوح وعفا عنه وأكرمه‏.‏


الساعة الآن 12:54 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى