![]() |
بـُلينا بـكم يـا متعطـّلين!
كان أبو الحسين بن أبي البغل واليـاً على إصبهان. فقدم عليه شيخ من الكتـّاب يطلب عملاً، وأتى معه برسائل كثيرة من الحضرة، يذكرون فيها طول عطلته، ويثنون على كفاءته، ويسألونه أن يوليه عملاً. فاستكثرها أبو الحسين، وفضّ منها واحداً فقرأه، ثم أقبل على شغله من غير أن يقرأ باقي الكتب. فقال له الرجل: إن رأيتَ أن تقف على باقي الكتب. فضجر أبو الحسن وتغيـّظ وقال: أليس كلها في معنى واحد؟ قد والله بـُلينا بكم يا متعطـّلين! كل يوم يصير إلينا منكم واحد يريد عملاً. لو كانت خزائن الأرض لي، لكانت قد نفدت. يا هذا! ما لك عندي تصرّف ولا عمل شاغر، ولا في مالي فضل فأبرّك. فدبـّر أمرك بنفسك. هذا والرجل ساكت. فلما سكت أبو الحسين، قام الرجل وقال: أحسن الله جزاءك. وأسرف في الشكر والدعاء له، وولى منصرفـاً. فصاح أبو الحسين: ردّوه! فرجع. فقال له: يا هذا، أتسخر مني؟ على أيّ شيء تشكرني؟ على إياسي لك من التصرّف، أو على قطع رجائك من الصلة، أو قبيح ردّي لك، أو ضجري عليك؟ أم أنك تريد خدعتي بهذا الفعل؟ قال الرجل: والله ما أريد خداعك. وما كان منك من قبيح الرد فـَغير مـُنكـَر، لأنك سلطان، ولحقك الضجر، ولعل الأمر كما ذكرته من كثرة الواردين عليك، وقد ضقتَ بهم. واتـّفق لقوّة نحسي أَنْ كان هذا الرد القبيح في شأني. ولم أشكرك إلا في موضع الشكر، لأنك صـَدَقـْتني عما في نفسك من أول وهلة، وأعتقت عنقي من رق الطمع، وأرحتني من التعب بالغدو والرواح إليك، وخدمة قوم أستشفع بهم إليك، ولم تعدني بما لا تنوي الوفاء به. ومعي بقية نفقة، لعلي أسافر بها إلى بلد آخر، وأطلب العمل من أحد سواك. فأطرق أبو الحسين. فلما مضى الرجل، رفع رأسه واستدعاه، واعتذر إليه، وأمر له بصلة، وقال له: خذ هذه إلى أن أقلـّدك ما يصلح لك، فإني أرى فيك مـُصـْطـَنـَعـاً. فلما كان بعد أيام قلـّده عملاً جليلاً. من كتاب "الفرج بعد الشدّة" للتنوخي. |
بنات أمير المؤمنيـن
كان لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، رحمه الله غلام، وكان خازناً لبيت المال وكان لعمر بنات، فجئن إليه وقلن له: غداً العيد، ونساء الرعية وبناتهم يلمننا ويقلن، أنتن بنات أمير المؤمنين، ونراكن عريانات، لا أقل من ثياب بيضاء تلبسنها، وبكيـْن عنده، فضاق صدر عمر، ودعا غلامه الخازن وقال له: أعطني مشاهرتي لشهر واحد، فقال الخازن: يا أمير المؤمنين، تأخذ المشاهرة من بيت المال سلفاً، أتظن أن لك عمر شهر؟ فأطرق عمر، ثم رفع رأسه وقال: نعم ما قلت أيها الغلام، بارك الله فيك، ثم التفت إلى بناته وقال: اكظمن شهواتكن، فإن الجنة لا يدخلها أحد إلا بمشقة. |
بيـت لا فـرش فيه
قال ابن درّاج الطُّفَيلي: مرّت بي جنازة ومعي ابني، ومع الجنازة امرأة تبكي الميت وتقول: بك يذهبون إلى بيت لا فرش فيه ولا وِطاء، ولا ضيافة ولا غطاء، ولا خبز فيه ولا ماء. فقال لي ابني: يا أبة، إلى بيتنا والله يذهبون بهذه الجنازة! من كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني. |
بيـن أبي حيان التوحيدي ومـسكويه
قال لي مسـْكَوَيْه مرّة: أما ترى إلى خطأ صاحبنا الوزير ابن العميد؟ يـُعطي فلان ألف دينار ضـَربةً واحدة؟! لقد أضاع هذا المال الخطير فيمن لا يستحق. فقلت له: أسألك عن شيء واحد، فاصدُق فإنه لا مـَدَبَّ للكذب بيني وبينك. لو غـَلـِط الوزير فيك بهذا العطاء، وبأضعافه وأضعاف أضعافه، أكنتَ تراه في نفسك مخطئـاً ومبذّراً ومفسداً أو جاهلاً بحق المال؟ أو كنتَ تقول ما أحسن ما فعل، وليتـَه أَرْبـَى عليه؟ إنما هو الحسد، أو شيء آخر من جنس الحسد، ما دفعك إلى قول ما قلت. وأنت تدّعي الحكمة وتكتب عن الأخلاق. فافطـِن لأمرك واطـّلـِعْ على سـِرِّك. من كتاب "أخلاق الوزيرين" لأبي حيان التوحيدي. |
تأديب أحمد بن طولون لولده
قال عبد اللّه بن القاسم كاتب العباس بن أحمد بن طولون: بعث إليّ أحمد بن طولون بعد أن مضى من الليل نصفـُه، فوافيتـُه وأنا منه خائف مذعور. ودخل الحاجب بين يديّ وأنا في أثره، حتى أدخلني إلى بيت مظلم، فقال لي: سلـِّم على الأمير! فسلـَّمت. فقال لي ابن طولون من داخل البيت وهو في الظلام: لأي شيء يصلح هذا البيت؟ قلت: للفكر. قال: ولم؟ قلت: لأنه ليس فيه شيء يشغل الطرف بالنظر فيه. قال: أحسنت! امض إلى ابني العباس، فقل له: يقول لك الأمير اغدُ عليّ. وامنعه من أن يأكل شيئًا من الطعام إلى أن يجيئني فيأكل معي. فقلت: السمع والطاعة. وانصرفت، وفعلتُ ما أمرني به، ومنعته من أن يأكل شيئًا. وكان العباس قليل الصبر على الجوع، فرام أن يأكل شيئًا يسيرًا قبل ذهابه إلى أبيه، فمنعته. فركب إليه، وجلس بين يديه. وأطال أحمد بن طولون عمدًا، حتى علم أن العباس قد اشتدَّ جوعه. وأُحضرت مائدة ليس عليها إلا البوارد من البقول المطبوخة، فانهمك العباس في أكلها لشدَّة جوعه، حتى شبع من ذلك الطعام، وأبوه متوقف عن الانبساط في الأكل. فلما علم بأنه قد امتلأ من ذلك الطعام، أمرهم بنقل المائدة، وأُحضر كل لون طيـّب من الدجاج والبط والجدي والخروف، فانبسط أبوه في جميع ذلك فأكل، وأقبل يضع بين يدي ابنه منه، فلا يمكنه الأكل لشبعه. قال له أبوه: إنني أردت تأديبك في يومك هذا بما امتحنتك به. لا تـُلق بهمـَّتك على صغار الأمور بأن تسهـِّل على نفسك تناول يسيرها فيمنعك ذلك من كبارها، ولا تشتغل بما يقلّ قدرُه فلا يكون فيك فضلٌ لما يعظم قدرُه. من كتاب "سيرة أحمد بن طولون" للبلوي |
تـارك الصــلاة
ما يصيب تارك الصلاة، كما ورد في الأثر. ستة في الدنيا، وثلاثة عند الموت، وثلاثة في القبر، وثلاثة عند خروجه من القبر. فأما الستة التي تصيبه في الدنيا، فالأولى، ينزع الله البركة من عمره، والثانية، يمسح الله سيما الصالحين من وجهه، والثالثة، كل عمل لا يؤجره الله عليه، والرابعة، لا يرفع الله عز وجل له دعاء إلى السماء، والخامسة تمقته الخلائق في دار الدنيا، والسادسة، ليس له حظ في دعاء الصالحين. وأما الثلاثة التي تصيبه عند الموت: فالأولى، يموت ذليلاً، والثانية يموت جائعاً، والثالثة يموت عطشاناً، ولو سـُقي مياه بحار الدنيا ما روي من عطشه. وأما الثلاثة التي تصيبه في قبره، فالأولى، يـُضـَيـّق الله عليه ويـُعصر حتى تختلف أضلاعه، والثانية يوقد عليه في قبره ناراً يتقلب على جمرها ليلاً ونهاراً، والثالثة، يـُسـَلـِّطُ الله عليه ثعباناً يسمى الشجاع الأقرع، صوته كالرعد القاصف، ويقول: أمرني ربي أن أضربك على ضياع الصلوات الخمس، فكلما ضربه يغوص في الأرض، سبعين ذراعاً، فيدخل أظفاره تحت الأرض ويـُخرجه، فلا يبرح تحت الأرض إلى يوم القيامة. وأما الثلاثة التي تصيبه يوم القيامة، فالأولى يـُسلط الله عليه من يسحبه إلى نار جهنم على حـُرّ وجهه، والثانية ينظر الله تعالى إليه بعين الغضب وقت الحساب، فيقع لحم وجهه، والثالثة يحاسبه الله حساباً ما عليه من مزيد سرمداً طويلاً، ويأمر الله عز وجل به إلى النار، وبئس القرار. |
تجارة عثمان مع الله
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: حدث في خلافة أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، أن أصاب الناس قحط، فلما اشتد بهم الأمر. ذهبوا إلى الخليفة، وقالوا له: (يا خليفة رسول الله، إن السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت وقد توقع الناس الهلاك. فماذا نصنع؟). فقال لهم: انصرفوا واصبروا، فإني أرجو ألا تمسوا حتى يفرّج الله عنكم فلما كان آخر النهار، وردت الأنباء بأن عيراً لعثمان بن عفان، قد قدمت من الشام، وتصبح بالمدينة. فلما جاءت، خرج الناس يتلقونها، فإذا هي ألف بعير موسوقة بـُرّا وزيتاً وزبيباً، فأناخت بباب عثمان، فلما جعل أحمالها في داره، جاءه التجار، فقال لهم: ماذا تريدون؟ فقالوا: إنك لتعلم ما نريد. بعنا من هذا الذي وصل إليك، فإنك تعلم حاجة الناس إليه. فقال عثمان: "حبّا وكرامة" كم تربحونني على شرائي؟ قالوا: الدرهم درهمين. قال: أُعطيت زيادة على هذا. قالوا: أربعة. قال: أعطيت أكثر. قالوا: نربحك خمسة. قال: أعطيت أكثر. فقالوا: ما في المدينة تجار غيرنا، وما سبقنا أحد إليك، فمن الذي أعطاك أكثر مما أعطينا؟ قال: إن الله أعطاني بكل درهم عشرة. فهل عندكم زيادة؟ قالوا: لا. قال: فإني أشهد الله، أني جعلت ما حملت هذه العير صدقة لله على المساكين وفقراء المسلمين، ثم أخذ يُفرق بضاعته، فما بقي من فقراء المدينة أحد إلا أخذ ما يكفيه وأهله. |
تجربـة حكيــم
عاديت الرجال، فلم أر عدواً أعدى لي من نفسي، وعالجت الشجعان والسباع، فلم يغلبني إلا الصاحب السوء. وأكلت الطيب وتمتعت باللذات، فلم أر ألذ من العافية، وأكلت الصبر وشربت المر، فما رأيت أشد من الفقر. وصارعت الأقران، وبارزت الشجعان، فلم أر أغلب من المرأة السليطة، ورُميت بالسهام، ورُجمت بالحجارة، فلم أر أصعب من الكلام السوء، يخرج من فم مطالب بحق. وتصدقت بالأموال والذخائر، فلم أر صدقة أنفع من رد ذي ضالة إلى الهدى، وسررت بقرب الملوك وصلاتهم، فلم أر أحسن من البعد عنهم. |
تعريـف الغوغـاء
يُطلق "الغوغاء" على هؤلاء الذين لا عبرة بهم. قال الأصمعي: والغوغاء الجراد إذا ماج بعضهم في بعض. وبه سُمي الغوغاء من الناس. وقال آخر: هم الذين إذا اجتمعوا غلبوا، وإذا تفرقوا لم يُعرفوا. ومن علاماتهم ما تضمنته حكاية الخطابي عن أبي عاصم النبيل. وذلك أن رجلاً أتاه فقال: إن امرأتي قالت لي: يا غوغاء! فقلت لها: إن كنتُ غوغاء فأنتِ طالق ثلاثاً. فما عساي أصنع؟ فقال له أبو عاصم: هل أنت رجلٌ إذا خرج الأمير يوم الجمعة جلست على ظهر الطريق حتى يمرّ فتراه؟ فقال: لا. قال أبو عاصم: لستَ بغوغاء، إنما الغوغاء من يفعل هذا. من كتاب "طبائع المُلك" لابن الأزرق. |
تعزيـــة
كتب شبيب بن شيبة الأهمتي، يـُعزي أمير المؤمنين المهدي في ابنته فقال: أعطاك الله يا أمير المؤمنين على ما رزئت أجراً، وأعقبك صبراً، ولا أجهد الله بلاءك بنقمة، ولا نزع منك نعمة، ثواب الله خير لك منها، ورحمة الله خير لها منك، وأحق ما صـُبر عليه، ما لا سبيل إلى رده. |
الساعة الآن 10:11 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |