![]() |
استيلاء أبي علي على الري ودخول جرجان في طاعة نوح
ثم إن الأمير نوحاً سار إلى مرو وأمر أبا علي بن محتاج أن يسير بعساكر خراسان إلى الري وينتزعها من يد ركن الدولة بن بويه فسار لذلك ولقي في طريقه وشمكير وافداً على الأمير نوح فبعثه إليه.وسار أبو علي إلى بسطام فاضطرب جنوده وعاد عنه منصور بن قراتكين من أكابر أصحاب نوح فقصدوا جرجان وصدهم الحسن بن الفيرزان فانصرفوا إلى نيسابور.وسار إلى الأمير نوح بمرو فأعاده وأمده بالعساكر.وسار من نيسابور في منتصف ثلاث وثلاثين.وعلم ركن الدولة بكثرة جموعه فخرج من الري واستولى أبو علي عليها وعلى سائر أعمال الجبال.وأنفذ نوابه إلى الأعمال وذلك في رمضان من سنته.ثم سار الأمير نوح من مرو إلى نيسابور وأقام بها ووضع جماعة من الغوغاء والعامة من أبي علي ويشكون سوء السيرة منه ومن نوابه فولي على نيسابور إبراهيم بن سيجور وعاد عنها وقصد أن يقيم أبو علي بالري لحسن دفاعه عنها وينقطع طمعه عن خراسان فاستوحش أبو علي للعزل وشق عليه.وبعث أخاه أبا العباس الفضل بن محمد إلى كور الجبال وولاه همذان وخلافة العساكر فقصد الفضل نهاوند والدينور واستولى عليها.واستأمن إليه رؤساء الأكراد بتلك النواحي وأعطوا رهنهم لطاعة.وكان وشمكير لما وفد على الأمير نوح بمرو كما قدمناه استمده على جرجان فأمده بعسكر وبعث إلى أبي علي بمساعدته فلقي أبا علي منصرفه في المرة من الري إلى نيسابور فبعث معه جميع من بقي من العسكر.وسار وشمكير إلى جرجان وقاتل الحسن بن الفيرزان فهزمه واستولي على جرجان بدعوة نوح بن السعيد وذلك في صفر سنة ثلاث وثلاثين.انتفاض أبي علي وولاية منصور بن قراتكين على خراسان قد تقدم لنا أن الأمير نوحاً عزل أبا علي بن محتاج عن خراسان وكان من قبلها ديوان الجند وهو لنظره وبعث من يستعرض الجند فمحا وأثبت وزاد في العطاء ونقص واستوحش لذلك كله واستوحش الجند من التعرض إليهم بالإسقاط ولأرزاقهم بالنقصان.وخلص بعضهم إلى بعض بالشكوى واتفقوا في سيرهم إلى الري وهم بهمذان على استقدام إبراهيم بن أحمد أخي السعيد الذي كان قد هرب أمامه إلى الموصل كما تقدم.وظهر أبو علي على شأنهم فنكر عليهم فتهددوه وكاتبوا إبراهيم واستدعوه جاء إليهم بهمذان في رمضان سنة أربع وثلاثين.وكاتبه أبو علي وكتب أخوه الفضل سرأ إلى الأمير نوح بذلك.ونمي خبر كتابه إلى أخيه أبي علي فقبض عليه وعلى متولي الديوان.وسار إلى نيسابور واستخلف على الري والجبل وبلغ إلى الأمير نوح فنهض إلى مرو واضطرب الناس عليه وشكوا من محمد بن أحمد الحاكم مدبر ملكه ورأوا أنه الذي أوحش أبا علي وأفسد الدولة فنقموا ذلك عليه واعتلوا عليه مع فدفع إليهم الحاكم فقتلوه منتصف سنة خمس وثلاثين.ووصل أبو علي إلى نيسابور وبها إبراهيم بن سيجور ومنصور بن قراتكين وغيرهما من القواد فاستمالهم وساروا معه ودخلها في محرم سنة ست وثلاثين.ثم ارتاب بمنصور بن قراتكين فحبسه وسار من نيسابور ومعه العم إبراهيم إلى مرو وهرب أخوه الفضل في طريقه من محبسه ولحق بقهستان.ولما قاربوا مرو اضطرب عسكر الأمير نوح وجاء إليهم أكثرهم.واستولي عليها وعلى طخارستان.وبعث نوح العساكر من بخارى مع الفضل أبي علي إلى الصغانيان فأقاموا بها ودس إليهم أبو علي فقبضوا على الفضل وبعثوا به إلى بخارى.وعاد أبو علي من طخارستان إلى الصغانيان فأقاموا بها في ربيع سنة سبع وثلاثين وقاتل العساكر فغلبوه ورجع إلى الصغانيان.ثم تجاوزها وأقام قريباً منها ودخلتها العساكر فخربوا قصوره ومساكنه وخرجوا في أتباعه فرجع وأخذ عليهم المسالك فضاقت أحوالهم وجنحوا إلى الصلح معه على أن يبعث بابنه أبي المظفر عبد الله إلى الأمير نوح رهينة فانعقد ذلك منتصف سنة سبع وثلاثين.وبعث بابنه إلى بخارى فأمر نوح بلقائه وخلع عليه وخلطه بندمائه وسكنت الفتنة.قال ابن الأثير: هذا الذي ذكره مؤرخو خراسان في هذه القصة وأما أهل العراق فقالوا إن أبا علي لما سار نحو الري استمد ركن الدولة بن بويه أخاه عماد الدولة فكتب يشير عليه بالخروج عن الري وملكها أبو علي.وكتب عماد الدولة إلى نوح سراً يبذل له في الري في كل سنة مائة ألف دينار وزيادة على ضمان أبي علي ويعجل له ضمان سنة وسجله عليه.ثم دس عماد الدولة إلى نوح في القبض على أبي علي وخوفه منه فأجاب الأمير نوح إلى ذلك وبعث تقرير الضمان وأخذ المال.ودس ركن الدولة إلى أبي علي بهمذان ورجع به على خراسان.وعاد ركن الدولة إلى الري واضطربت خراسان ومنع عماد الدولة مال الضمان خوفاً عليه في طريقه من أبي علي.وبعث إلى أبي علي.يحرضه على اللقاء ويعده بالمدد.وفسد ما بينه وبين إبراهيم وانقبض عنه وأن الأمير نوحاً سار إلى بخارى عند مفارقتها أبي علي.وحارب إبراهيم العم ففارقه القواد إلى الأمير نوح فأخذ أسيراً وسمله الأمير نوح وجماعة من أهل بيته والله أعلم.انتقاض ابن عبد الرزاق بخراسان كان محمد بن عبد الرزاق عاملاً بطوس وأعمالها وكان أبو علي استخلفه بنيسابور عندما زحف منها إلى الأمير نوح فلما راجع الأمير نوح ملكه انتقض ابن عبد الرزاق بخراسان.وولي الأمير نوح على خراسان محمد بن عبد الرزاق واتفق وصول وشمكير منهزماً من جرجان أمام الحسن بن فيرزان.واستمد الأمير نوحاً فأخرج معه منصوراً في العساكر وأمرهما بمعاجلة ابن عبد الرزاق فخرج سنة ست وثلاثين إلى أستراباذ ومنصور في أتباعه فلحق بجرجان واستأمن إلى ركن الدولة بن بويه ومضى إلى الري.وسار منصور بن قراتكين إلى طوس وحاصر رافع إلى قلعة أخرى فحاصره منصور بها حتى استأمن إليه وجمع ما معه فأنبه أصحابه.وخرج معهم فافترقوا في الجبال واحتوى منصور على ما وجد بالحصن وحمل عيال محمد بن عبد الرزاق وأمه إلى بخارى فاعتقلوا بها.ولما وصل محمد بن عبد الرزاق إلى ركن الدولة بن بويه استيلاء ركن الدولة بن بويه علم طبرستان وجرجان ومسير العساكر إلى جرجان والصلح مع الحسن بن الفيرزان ولما وقع من الإضطراب ما وقع بخراسان اجتمع ركن الدولة بن بويه والحسن بن الفيرزان وقصدوا بلاد وشمكير فهزموه وملك ركن الدولة طبرستان.وسار إلى جرجان فملكها وأقام بها الحسن بن الفيرزان.واستأمن قواد وشمكير إليهم فأمنوهم.وسار وشمكير إلى خراسان مستنجداً بصاحب خراسان فسار معه منصور بن قراتكين في عساكر خراسان إلى جرجان وبها الحسن بن الفيرزان.واسترهن ابنه ثم أبلغه عن الأمير نوح ما أقلعه فأعاد على الحسن ابنه وعاد إلى نيسابور وأقام وشمكير بأرزن. مسير ابن قراتكين إلى الري وعوده إليه ثم سار منصور بن قراتكين سنة تسع وثمانين إلى الري بأمر الأمير نوح لغيبة ركن الدولة بن بويه في نواحي فارس فوصل إلى الري واستولى عليها وعلى الجبل إلى قرميسين فكبس الذين بها من العسكر وهم غازون وأسروا مقدمهم محكماً وحبس ببغداد ورجع الباقون إلى همذان فسار سبكتكين نحوهم وجاء ركن الدولة أثر الإنهزام وشاور وزيره أبا الفضل بن العميد فأشار عليه بالثبات.ثم أجفل عسكر خراسان إلى الري لإنقطاع الميرة عنهم وكان ذلك سواء بين الفريقين إلا أن الديلم كانوا أقرب إلى البداوة فكانوا أصبر على الجوع والشظف فركب ركن الدولة واحتوى على ما خلفه عسكر خراسان. |
وفاة ابن قراتكين ورجوع أبي علي بن محتاج إلي ولاية خراسان
ثم توفي منصور بن قراتكين صاحب خراسان بالري بعد عوده من أصفهان في ربيع سنة أربعين وحملت جنازته إلى أسفيجاب فدفن بها عند والده فولي الأمير نوح على خراسان أبا علي بن محتاج وأعاده إلى نيسابور.وقد كان منصور يستقيل من ولاية خراسان لما يلقي بها من جندها ويستعفي نوحاً المرة بعد المرة.وكان نوح يعد أبا علي بعوده إلى ولايته.فلما توفي منصور بعث إليه بالخلع واللواء وأمره بالمسير وأقطعه الري وأمره بالمسير إليها فسار عن الصغانيان في رمضان سنة أربعين واستخلف مكانه ابنه أبا منصور وانتهى إلى مرو فأقام إلى أن أصلح أمر خوارزم وكانت شاغرة.ثم سار إلى نيسابور فأقام بها.ولما كانت سنة إثنتين وأربعين كتب وشمكير إلى الأمير نوح أن يأمر أبا علي بن محتاج بالمسير معه في عساكر خراسان فساروا في ربيع من السنة وخام ركن الدولة عن إلقائهم فامتنع بطزل وأقام عليه أبو علي عدة شهور يقاتله حتى سئم العسكر وعجفت دوابهم فمال إلى الصلح وسعي بينهما فيه محمد بن عبد الرزاق المقدم ذكره فتصالحا على مائتي ألف دينار ضريبة يعطيها ركن الدولة في كل سنة ورجع أبو علي إلى خراسان في وكتب وشمكير إلى الأمير نوح بأن أبا علي لم ينصح في الحرب وأن بينه وبين ركن الدولة مداخلة.وسار ركن الدولة بعد انصراف أبي علي نحو وشمكير فانهزم إلى أسفرايين واستولى ركن الدولة على طبرستان. http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif عزل الأمير أبي علي عن خراسان ومسيره إلى ركن الدولة وولاية بكر بن مالك مكانه ولما تمكنت سعاية وشمكير من أبي علي عند الأمير نوح كتب إليه بالعزل عن خراسان سنة إثنتين وأربعين وكتب إلى القواد بمثل ذلك.واستعمل على الجيوش مكانه أبا سعيد بكر بن مالك الفرغاني وبعث أبو علي يعتذر فلم يقبل.وأرسل جماعة من أعيان نيسابور يسألون إبقاءه فلم يجيبوا فانتقض أبو علي وخطب لنفسه بنيسابور.وكتب نوح إلى وشمكير والحسن بن الفيرزان بأن يتفقا ويتعاضدا على أولياء ركن الدولة حيث كانوا ففعلا ذلك فارتاب أبو علي بأمره ولم يمكنه العود إلى الصغانيان ولا المقام بخراسان فصرف وجهه إلى ركن الدولة واستأذنه في المسير إليه فأذن.وسار أبو علي إلى الري سنة ثلاث وأربعين فأكرمه ركن الدولة وأنزله معه واستولى بكر على خرا سان. http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif وفاة الأمير نوح وولاية ابنه عبد الملك ثم توفي الأمير نوح بن نصر ولقبه الحميد في ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة لإثنتي عشرة سنة من ولايته وولي بعده ابنه عبد الملك.وقام بأمره بكر بن مالك الفرغاني فلما قرر أمر دولته وثبت ملكه أمر بكراً بالمسير إلى خراسان فكان من شأنه مع أبي علي ما قدمناه.مسير العساكر من خراسان إلى الري وأصفهان ثم زحفت عساكر خراسان إلى الري سنة أربع وأربعين وبها ركن الدولة بن بويه قدم إليها من جرجان واستمد أخاه.معز الدولة ببغداد فأمده بالحاجب سبكتكين.وبعث بكر عسكراً آخر من خراسان مع محمد بن ماكان على طريق المفازة إلى أصفهان.وكان بأصفهان أبو منصور علي بن بويه بن ركن الدولة فخرج عنها بحرم أبيه وخزائنه وانتهى إلى خالنجان.ودخل محمد بن ماكان أصفهان وخرج في أتباع بن بويه وأدرك الخزائن فأخذها وسار فأدركه.ووافق وصول أبي الفضل بن العميد وزير ركن الدولة في تلك الساعة فقاتله ابن.ماكان وهزم أصحابه وثبت ابن العميد وشغل عسكر ابن ماكان بالنهب فاجتمع على ابن العميد لمة من العسكر فاستمات وحمل على عسكر ابن ماكان فهزمهم وأسر ابن ماكان.وسار ابن العميد إلى أصفهان فملكها وأعاد حرم ركن الدولة به إلى حيث كانوا من أصفهان.ثم بعث ركن الدولة إلى بكر بن مالك صاحب الجيوش بخراسان وقرر معه الصلح على مال يحمله ركن الدولة إليه على الري ويلد الجبل قتقرر ذلك بينهما وبعث إليه من عند أخيه ببغداد بالخلع وفاة عبد الملك بن نوح صاحب ما وراء النهر وولاية أخيه منصور ثم توفي الأمير عبد الملك لإحدى عشرة خلت من شوال سنة خمس وثلاثين وثلاثمائة لسبع سنين من ولايته.وولي بعده أخوه أبو الحارث منصور بن نوح واستولي ركن الدولة لأول أيامه على طبرستان وجرجان فملكهما وسار وشمكير عنها فدخل بلاد الجبل.مسير العساكر من خراسان إلى الري ووفاة وشمكير قد ذكرنا من قبل أن وشمكير كان يقدح في عمال بني سامان بأنهم لا ينصحون لهم ويداخلون عدوهم من الديلم.ووفد أبو علي بن إلياس صاحب كرمان على الأمير الحارث منصور مستجيشاً به على بني بويه فحرضه على قصد الري وحذره من الإستمالة في ذلك إلى عماله كما أخبره وشمكير وبعث إلى الحسن بن الفيرزان بالنفير عساكره.ثم أمر صاحب جيوش خراسان أبا الحسن بن محمد بن سيجور الدواني بالمسير إلى الري وأوصاه بالرجوع إلى رأي وشمكير وبلغ الخبر إلى ركن الدولة فاضرب وبعث بأهله وولده إلى أصفهان.واستمد ابنه عضد الدولة بفارس وبختيار ابن عز الدولة ببغداد فبادر عضد الدولة إلى إمداده وبعث العساكر على طريق خراسان يريد قضدها لخلوها من العسكر فأجحفت عساكر خراسان وانتهوا إلى الدامغان فأقاموا وبرز ركن الدولة نحوهم في عساكره من الري.وبينما هم في ذلك ركب وشمكير يوماً ليتصيد فاعترضه خنزير فأجفل فرسه وسقط إلى الأرض وانهشم ومات في المحرم سنة سبع وخمسين وانتقض ما كانوا فيه.وقام يسنون بن وشمكير مقام أبيه وراسل ركن الدولة وصالحه فأمده ركن الدولة بالمال والرجال. http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif خبر أبي إلياس بكرمان كان أبو علي بن إلياس قد ملك كرمان بدعوة بني سامان واستبد بها وأصابه فالج وأزمن به.وكان له ثلاثة من الولد اليسع وإلياس وسليمان: فعهد إلى اليسع وبعده إلياس وأمر سليمان بالعود إلى أرضهم ببلاد الصغد يقيم بها فيما لهم هنالك من الأموال لعداوة كانت بين سليمان واليسع فخرج سليمان لذلك واستولى على السيرجان فأنفذ إليه أبوه أبو علي ابنه الآخر في عسكر وأمره بإجلائه عن البلاد ولا يمكنه من قصد الصغد إن طلبها فسار وحاصره.ولما ضاق الحصار على سليمان جمع أمواله ولحق بخراسان.وملك اليسع السيرجان وسار إلى خراسان.ثم لحق أبو علي ببخارى ومعه ابنه سليمان فأكرمه الأمير أبو الحارث وقربه.وأغزاه أبو علي بالري وتجهيز العساكر إليه كما ذكرناه.وأقام عنده إلى أن توفي سنة ست وخمسين كما نذكر في أخباره.ولحق اليسع ببخارى فأقام بها.ثم سعى سليمان عند الأمير أبي الحارث منصور في المسير إلى كرمان وأطمعه في ملكها وأن أهلها في طاعته فبعث معه عسكراً.ولما وصل أطاعه أهل نواحيها من القمص والبولص وجميع المنتقضين على عضد الدولة واستفحل أمره فسار إليه كورتكين عامل عضد الدولة بكرمان وحاربه ونزعت عساكره عنه فانهزم وقتل معه ابنا أخيه اليسع وهما بكر والحسين وكثير من القواد وصارت كرمان للديلم.انعقاد الصلح بين منصور بن نوح وبين بني بويه ثم انعقد الصلح بين الأمير أبي الحارث منصور بن نوح صاحب خراسان وما وراء النهر وبين ركن الدولة وزوجه ابنته وحمل إليه من الهدايا والتحف ما لم يحمل مثله.وكتب بينهم كتاب الصلح شهد فيه أعيان خراسان وفارس والعراق.وتم ذلك على يد أبي الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور صاحب الجيوش بخراسان من جهة الأمير أبي الحارث في سنة إحدى وستين. http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif وفاة منصور بن نوح وولاية ابنه نوح ثم توفي الأمير أبو الحارث منصور ببخارى منتصف سنة ست وستين وثلاثمائة وولي بعده ابنه أبو القاسم نوح صبيا لم يبلغ الحلم فاستوزر أبا الحسن العتبي وجعل على حجابة بابه مولاه أبا العباس قاسما وكان من موالي أبي الحسن العتبي فأهداه إلى الأمير أبي صالح وشركهما في أمر الدولة أبو الحسن فائق وأقر على خراسان أبا الحسن حمد بن إبراهيم بن عزل ابن سيجهر عن خراسان وولاية أبي العباس تاش قد تقدم لنا شأن خلف بن أحمد الليثي صاحب سجستان وانتصاره بالأمير منصور بن فرج على قريبه طاهر بن خلف بن أحمد بن الحسين المنتقض عليه لسنة أربع وخمسين وأنه مده بالعسكر ورده إلى ملكه.ثم انتقض طاهر ثانيًا بعد انصراف العسكر عن خلف وبعث مستجيشًا فأمده ثانيًا.وقد هلك طاهر وولى ابنه الحسين فحاصره خلف وأرهقه الحصار فنزل لخلف عن سجستان ولحق بالسعيد نوح بن منصور.وأقام خلف دعوة نوح في سجستان وحمل المال متقرراً عليه كل سنة.ثم قصر في الطاعة والخدمة وصار يتلقى الأوامر بالإعراض والإهمال فرمى بالحسين بن طاهر في جيوش خراسان وحاصره بقلعة أرك وطال انحصاره.وأمده العتبي الوزير بجماعة القواد كالحسن بن مالك وبكتاش فأقاموا عليه سبع سنين حتى فنيت الرجال والأموال.وكان ابن سيجور بخراسان وكانت أيامه قد طالت بها فلا يطيع السلطان إلا فيما يراه.وكان خلف بن أحمد صاحبه فلم يغن عليه وعوتب في ذلك وعزل عن خراسان بأبي العباس تاش فكتب يعتذر ورحل إلى قهستان ينتظر جواب كتابه فجاءه كتاب الأمير نوح بالمسير إلى سجستان فسار واستنزل خلفا من معقله للحسين بن طاهر.وسار خلف إلى حصن الطاق وداخله ابن سيجور وأقام خطبة لرضا نوح به وانصرف.ولما ولي الأمير نوح الحاجب أبا العباس تاش قيادة خراسان سار إليها سنة إحدى وسبعين فلقي هنالك فخر الدولة ابن ركن الدولة وشمس المعالي قابوس بن وشمكير ناجين من جرجان.وكان من خبرهما أن عضد الدولة لما استولى على بلاد أخيه فخر الدولة وهزمه ولحق فخر الدولة بقابوس وبعث عضد الدولة في طلبه ترغيبا وترهيبا فأجاره قابوس وبعث عضد الدولة في طلبه أخاه مؤيد الدولة في العساكر إليهم ولقيهم قابوس فهزموه فسار إلى بعض قلاعه واحتمل منها ذخائره ولحق بنيسابور.ولحق به فخر الدولة ناجيًا من المعركة فأكرمهم أبو العباس تاش وأنزلهم خير منزل وأقاموا عنده واستولى مؤيد الدولة على جرجان وطبرستان.مسير أبي العباس في عساكر خراسان إلى جرجان ثم مسيره إلي بخارى ولما وصل قابوس بن وشمكير وفخر الدولة بن ركن الدولة إلى أبي العباس تاش مستجيرين بالأمير نوح على استرجاع جرجان وطبرستان من يد مؤيد الدولة كتب بذلك إلى الأمير نوح ببخارى فأمره بالمسير معهما وإعادتهما إلى ملكهما فسار معهما لذلك في العساكر ونازلوا جرجان شهرين حتى ضاق عليهم الحصار.وداخل مؤيد الدولة فائقاً من قواد خراسان ورغبه فوعده بالانهزام.ثم خرج مؤيد الدولة من جرجان في عساكره مستميتاً فهزمهم ورجعوا إلى نيسابور وكتبوا إلى بخارى بالخبر فأجابهم الأمير نوح بالوعد واستنفر العساكر من جميع الجهات إلى نيسابور للمسير مع قابوس وفخر الدولة فاجتمعوا هنالك.ثم جاء الخبر بقتل الوزير أبي الحسن العتبي وكان زمام الدولة بيده فيقال: إن أبا الحسن محمد بن إبراهيم بن سيجور وضع عليه من قتله وذلك سنة اثنتين وسبعين.ولما قتل كتب الأمير نوح بن منصور إلى الحاجب أبي العباس تاش يستدعيه لتدبير دولته ببخارى فسار عن نيسابور إليها وقتل من ظفر به من قتلة أبي الحسن.رد أبي العباس إلى خراسان ثم عزله وولاية ابن سيجور ولما سار أبو العباس إلى بخارى وكان أبو الحسن بن سيجور من حين سار إلى سجستان كما مر مقيما بها.ثم رجع آخرًا إلى قهستان.فلما سار أبو العباس تاش إلى بخارى وكتب ابن سيجور إلى فائق يطلب مظاهرته على ملك خراسان أجابه إلى ذلك واجتمعا بنيسابور واستوليا على خراسان وسار إليهما أبو العباس تاش في العساكر.ثم تراسلوا كلهم واتفقوا على أن يكون بنيسابور وقيادة العساكر لأبي العباس تاش وبلخ لفائق وهراة لأبي الحسن بن سيجور وانصرف كل واحد إلى ولايته.وكان فخر الدولة بن بويه خلال ذلك معهما بنيسابور ينتظر النجمة إلى أن هلك أخوه مؤيد الدولة بجرجان في شعبان سنة ثلاث وسبعين.واستدعاه أهل دولته للملك فكاتبه الصاحب ابن عباد غيره فسار إليهم واستولى على ملك أخيه بجرجان وطبرستان.وكان الأمير نوح لما سار أبو العباس من بخارى إلى نيسابور استوزر مكانه عبد الله بن عزيز وكانت بينه وبين أبي الحسن العتبي منافسة وعداوة.ثم لما ولي الوزارة تقدم على عزل أبي العباس عن خراسان وكتب إلى أبي الحسن محمد بن إبراهيم بخراسان بولاية نيسابور. http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif انتفاض أبي العباس وخروجه مع ابن سيجور ومهلكه ولما عزل أبو العباس تاش عن خراسان كتب إلى الأمير نوح يستعطفه فلم يجبه فانتقض وكتب إلى فخر الدولة يستمده على ابن سيجور فأملى بالأموال والعسكر مع أبي بحمد عبد الله بن عبد الرزاق وسار إلى نيسابور في عساكره وعساكر الديلم وتحصن ابن سيجور بنيسابور.وجاءه ممد آخر من فخر الدولة وبرز ابن سيجور للقائهم فهزموه وغنموا منه.واستولى أبو العباس على نيسابور وكتب إلى الأمير نوح يستعطفه ولج ابن عزيز في عزله.ثم ثاب لابن سيجور رأيه وعادت إليه قوته وجاءه الأمراء من بخارى مددًا.وكاتب شرف الدولة أبا الفوارس ابن عضد الدولة بفارس يستمد فأملى بألفي رس مراغمة لعمه فخر الدولة.فلما كثف جمعه زحف إلى أبي العباس وقاتله فهزمه ولحق رأس بفخر الدولة بن بويه بجرجان فأكرمه وعظمه وترك له جرجان ودهستان وأستراباذ إقطاعاً.وسار عنها إلى الري وبعث إليه من الأموال والآلات ما يخرج عن الحد.وأقام أبو العباس بجرجان.ثم جمع العساكر وسار إلى خراسان فلم يقدر على الوصول إليها وعاد إلى جرجان وأقام بها ثلاث سنين ومات سنة سبع وسبعين.وقام أهل جرجان بأصحابه لما كانوا يحقدون عليهم من سوء السيرة فقاتلهم أصحابه واستباحوهم حتى استأمنوا وكفوا عنهم.ثم افترق أصحابه وسار أكثرهم وهم كبار الخواص والغلمان إلى خراسان وقد كان صاحبها أبو الحسن سيجور مات فجأة وقام بأمرها مكانه ابنه أبو علي وأطاعه إخوته وكبيرهم أبو القاسم ونازعه فائق الولاية فلحق به أصحاب أبي العباس واستكثربهم لشأنه. http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif ولاية أبي علي بن سيجور علي خراسان قد تقدم اتفاق أبي الحسن بن سيجور وأبي العباس تاش وفائق على أن تكون نيسابور وقيادة خراسان لتاش وبلخ لفائق وهراة لأبي علي بن أبي الحسن سيجور.ثم عزل تاش بسعاية الوزير ابن عزيز وولى أبو الحسن وكانت بينهما الحرب التي مر ذكرها.وانهزم تاش إلى جرجان فاستقر أبو علي بهراة وفائق ببلخ وكان ابن عزيز يستحث الحسن لقصد جرجان.ثم عزل ابن عزيز ونفي إلى خوارزم وقام مكانه أبو علي محمد بن عيسى الدامغاني.ثم عجز لما نزل بالدولة من قلة الخراج وكثرة المصاريف فصرف عن الوزارة بأبي نصر بن أحمد بن محمد بن أبي يزيد ثم عزل وأعيد أبو علي الدامغاني.وهلك أبو الحسن بن سيجور خلال ذلك وقام ابنه أبو علي مقامه.وكاتب الأمير نوح بن منصور يطلب أن يعقد له الولاية كما كانت لأبيه فأجيب إلى ذلك ظاهرا وكتب لفائق بولاية خراسان وبعث إليه بالخلع والألوية.وكان أبو علي يظن أنها له فلما بدا له من ذلك ما لم يحتسب جمع عسكره وأغذ السير وأوقع بفائق ما بين هراة وبوشنج فانهزم فائق إلى مرو الروذ وملك أبو علي مرو ووصله عهد الأمير نوح بقيادة الجيوش وولاية نيسابور وهراة وقهستان ولقبه عماد الدولة ثم رقاه الأمير نوح واستولى على سائر خراسان.واستبد بها على السلطان حتى طلبه نوح في بعض أعمالها لنفقته فمنعه وأقام مظهرا لطاعته وخشي غائلة السلطان من طلبة نوح فكاتب بقراخان ملك الترك ببلاد كاشغر وشاغور يغريه ويستحثه لملك بخارى وما وراء النهر على أن يستقر هو بخراسان.خبر فائق وأقام بعد انهزامه أمام أبي علي بمرو الروذ حتى اندملت جراحه واجتمع إليه أصحابه وسار إلى بخارى قبل أن يستأذن فارتاب به الأمير نوح فسرح إليه العساكر مع أخي الحاجب وبكثرزون فانهزم وعبر النهر إلى بلخ فأقام بها أياما.وسار إلى ترمذ وكاتب بقراخان يستحثه.وكتب الأمير نوح إلى والي الجوزجان أبي الحارث أحمد بن محمد الفيرقوني بقصد فائق فقصده في جموعه وسرح فائق إليه بعض عسكره فهزمه وعاد إلى بلخ.وكان طاهر بن الفضل قد ملك الصغانيان على أبي المظفر محمد بن أحمد وهو واحد خراسان فانقطع أبو المظفر إلى فائق صريخًا فأملى وسار إلى طاهر بعسكر فائق واقتتلوا فانهزم طاهر وقتل وصارت الصغانيان لفائق. |
استيلاء الترك على بخارى
و لما خرج الأمير نوح عن بخارى عبر النهر واستقر بآمل الشط وكاتب أبا علي بن سيجور للنصرة وكاتب فائقا أيضا يستصرخه فلم يصرخه أحد منهما.وبلغه مسير بقراحان عن بخارى فأغذ السير إليها وعاود الجلوس على كرسي ملكه وتباشر الناس بقدومه ثم بلغه مهلك بقراخان فتزايد سرورهم.ولما عاد الأمير نوح إلى بخارى ندم أبو علي على ما فرط فيه من نصرته وأجمع الاستظهار بفائق فأزاحوه عن ملكه وملكوها ولحق فائق بأبي علي بن سيجور وتظاهرا على الأمير نوح وذلك سنة أربع وثمانين.عزل علي بن سيجور عن خراسان وولاية سبكتكين لما اجتمع أبو علي بن سيجور وفائق على منافرة الأمير نوح وعصيانه كتب الأمير عليهما وولاه خراسان.وكان سبكتكين في شغل عن أمرهم بما هو فيه من الجهاد مع كفار الهند.فلما جاءه كتاب نوح ورسوله بادر إليه وتلقى أمره في ذلك وعاد إلى غزنة فجمع العساكر.وبلغ الخبرأبا علي وفائقا فبعثا إلى فخر الدولة بن بويه يستنجدانه واستعانا في ذلك بوزيره الصاحب ابن عباد فبعث إليهما مدداً من العساكر.ثم سار سبكتكين وابنه محمود نحو خراسان سنة أربع وثمانين.وسار الأمير نوح واجتمعوا ولقوا أبا علي.وفائقا بنواحي هراة وكان معهما دارا بن قابوس بن وشمكير فنزع إلى الأمير نوح وانهزم أصحاب أبي علي وفائق وفتك فيهم أصحاب سبكتكين واتبعوهم إلى نيسابور فلحقا بجرجان وتلقاهما فخر الدولة بالهدايا والتحف والأموال وأنزلهما بجرجان.واستولى نوح على نيسابور واستعمل عليها وعلى جيوش خراسان محمود بن سبكتكين ولقبه.سيف الدولة ولقب أباه سبكتكين ناصر الدولة.وعاد نوح إلى بخارى وترك سبكتكين بهراة ومحمود بنيسابور.عود ابن سيجور إلى خراسان لما افترق نوح وسبكتكين طمع أبو علي وفائق في خراسان فسار عن جرجان إلى نيسابور في ربيع سنة خمس وثمانين وبرز محمود للقائهما بظاهر نيسابور وأعجلوه عن وصول المدد من أبيه سبكتكين.وكان في قلة وانهزم إلى أبيه وغنموا سواده.وأقام أبو علي بنيسابور.وكان الأمير نوح يستميله ويتلطف في العذر مما كان من سبكتكين فلم يجيباه إلى ما طلب.ظهورسبكتكين وابنه محمود على أبي علي وفائق ومقتل أبي علي ولما دخل أبو علي نيسابور وانهزم عنها محمود جمع سبكتكين العساكر وسار إليه فالتقوا بطوس.وجاء محمود على اثره مددًا فانهزم هو وفائق إلى أبيورد فاتبعهما سبكتكين بعد أن استخلف ابنه محمودأ بنيسابور ثم آمل الشط وكتبا إلى الأمير نوح يستعطفانه فشرط على أبي علي أن ينزل بالجرجانية ويفارق فائقا ففعل.ونزل قريبا من خوارزم بالجرجانية فأكرمه أبو عبد الله خوارزم شاه وسكن إليه وبعث من ليلته من جاء به واعتقله وأعيان أصحابه.وبلغ الخبر إلى مأمون بن محمد صاحب الجرجانية فاستعظم ذلك وسار بعساكره إلى خوارزم شاه وافتتح مدينته وتسمى كاش عنوة وخلص أبا علي من محبسه وعاد إلى الجرجانية.واستخلف بعض أصحابه على بلاد خوارزم.ولما عاد إلى الجرجانية أخرج خوارزم شاه وقتله بين يدي أبي علي بن سيجور وكتب إلى الأمير نوح يشفع في أبي علي فشفعه.واستدعى أبا علي إلى بخارى فسار إليها وأمر الأمراء والعساكر بتلقيه فلما دخل عليه أمر بحبسه.وشفع سبكتكين فيه فهرب ولحق بفخر الدولة وأقام عنده وأما فائق فلما فارقه أبو علي كما شرط عليه الأمير نوح سار إلى ايلك خان ملك الترك بكاشغر فأكرمه وكتب إلى نوح يشفع فيه فقبل شفاعته وولاه عليها وأقام بها. وفاة الأمير نوح وولاية ابنه منصور وولاية بكثرزون علي خراسان ثم توفي الأمير نوح بن منصور منتصف سبع وثمانين لإحدى وعشرين سنة من ملكه وانتقض بموته ملك بني سامان وصار إلى الانحلال.ولما توفي قام بالملك بعمه ابنه أبو الحارث منصور وتابعه أهل الدولة واتفقوا على طاعته وقام بتدبير دولته بكثرزون.واستوزر أبا طاهر محمد بن إبراهيم.وبلغ خبر وفاة نوح إلى ايلك خان فطمع في ملكهما وسار إلى سمرقند وبعث من هنالك فائقا والخاصة إلى بخارى فاضطرب منصور وهرب عن بخارى وقطع النهر.ودخل فائق بخارى وأعلم الناس أنه إنما جاء لخدمة الأمير منصور فبعث مشايخ بخارى بذلك إلى منصور ودخل.واستقدموه بعد أن أخفوا له مواثيق العهود من فائق فاطمأن وعاد إلى بخارى وأقام فائق بتدبير أمره وحكم في دولته وأبعد بكثرزون إلى خراسان أميرا.وقد كان سبكتكين توفي في شعبان من هذه السنة ووقعت الفتنة بين ابنيه إسماعيل ومحمود فقدم بكثرزون أيام فتنتهما واستولى على خراسان. عود أبي القاسم بن سيجور إلى خراسان وخيبته قد ذكرنا مسير بكثرزون إلى خراسان عند مفره أيام محمود بن سبكتكين من خراسان وأقام عند فخر الدولة وعند أبيه مجد الدولة واجتمع عنده أصحاب أبيه.وكتب إليه فائق من بخارى يغريه ببكثرزون ويأمره بقصد خراسان ويخرج بكثرزون منها فسار عن جرجان إلى نيسابور وبعث جيشاً إلى أسفرايين فملكوها من يد أصحاب بكثرزون.ثم تردد السفراء بينهما ووقع الصلح والصهر وعاد بكثرزون إلى نيسابور. انتقاض محمود بن سبكتكين وملكه نيسابور ثم خروجه عنها لما فرغ محمود بن سبكتكين من أمر الفتنة بينه وبين أخيه إسماعيل واستولى على ملك غزنة وعاد إلى بلخ وجد بكثرزون واليا على خراسان كما ذكرنا فبعث إلى الأمير منصور بن نوح يذكر وسائله في الطاعة والمحاباة ويطلب ولاية خراسان فاعتذر له عنها وولاه ترمذ وبلخ وما وراءهما من أعمال بست فلم يرض ذلك وأعاد الطلب فلم يجب فسار إلى نيسابور وهرب منها بكثرزون وملكها محمود سنة ثمان وثمانين فسار الأمير منصور من بخارى إليه فخرج عنها إلى مرو الروذ وأقام بها. خلع الأمير منصور وولاية أخيه عبد الملك ولما سار الأمير منصور عن بخارى إلى خراسان لمدافعة محمود بن سبكتكين عن نيسابور سار بكثرزون للقائه فلقيه بسرخس ثم لم يلق من قبوله ما كان يؤمله فشكا ذلك إلى فاثق فألفاه واجدا مثل ذلك فخلصا في نجواهما واتفقا على خلعه وإقامة أخيه عبد الملك مقامه.ووافقهما على ذلك جماعة من أعيان العسكر.ثم قبضوا عليه وسملوه أول سنة تسعين لعشرين شهرا من ولايته.وولى مكانه أخوه عبد الملك وبعث محمود إلى فائق وبكثرزون يقبح عليهما فعلهما وسار نحوهما طامعا في الاستيلاء على الملك.استيلاء محمود بن سبكتكين علي خراسان ثم سار محمود بن سبكتكين إلى فائق وبكثرزون ومعهما عبد الملك الصبي الذي نصبوه فساروا إليه والتقوا بمرو سنة تسعين وقاتلهم فهزمهم وافترقوا.ولجئ عبد الملك ببخارى ومعه فائق ولحق بكثرزون بنيسابور ولحق أبو القاسم بن سيجور بقهستان.وقصد محمود نيسابور وانتهى إلى طرسوس فهرب بكثرزون إلى جرجان وبعث في أثره ارسلان الحاجب إلى أن وصل جرجان ورجع فاستخلفه محمود على طرسوس وسار إلى هراة فخالفه بكثرزون إلى نيسابور وملكها.ورجع إليها محمود فأجفل عنها ومر بمرو فنهبها ولحق ببخارى.واستقر محمود بخراسان وأزال عها ملك بني سامان وخطب فيها للقادر العباسي واستدعى الولاية من قبله فبعث إليه بالعهد عليها والخلع لبني سيجور وأنزله نيسابور.وسار هو إلى بلخ كرسي أبيه فافتقده واتفق أصحاب الأطراف بخراسان على طاعته مثل آل افريقون بالجوزجان والشا ه صاحب غرسيان وبني مأمون بخوارزم. استيلاء ايلك خان علىبخارى وانقراض دولة بني سامان ولما ملك محمود خراسان ولحق عبد الملك ببخارى اجتمع إليه فائق وبكثرزون وغيرهما من الأمراء وأخذوا في جمع العساكر لمناهضة محمود بخراسان.ثم مات فائق في شعبان من هذه السنة فاضطربوا ووهنوا لأنه كان المقدم فيهم وكان خصيًا من موالي نوح بن نصرفطمع ايلك خان في الاستيلاء على ملكهم كما ملكه بقراخان قبله فسا ر في جموع الترك يظهر المدافعة لعبد الملك عنه فاطمأنوا لذلك وخرج بكثرزون وغيره من الأمراء والقواد للقائه فقبض عليهم جميعا ودخل بخارى عاشر ذي القعدة ونزل دار الإمارة.واختفى عبد الملك فبعث العيون عليه حتى ظفر به وأودعه السجن في أرزكند فمات.وحبس معه أخاه أبا الحارث منصورًا المخلوع وإخوته الآخرين أبا إبراهيم إسماعيل وأبا يعقوب وأعمامه أبا زكريا وأبا سليمان وأبا صالح القاري وغيرهم من بني سامان.وانقرضت دولتهم بعد أن كانت انتشرت في الآفاق ما بين حلوان وبلاد الترك ووراء النهر وكانت من أعظم الدول وأحسنها سياسة.خروج إسماعيل بن نوح بخراسان: ثم هرب أبو إبراهيم إسماعيل بن نوح من حبسه في زي امرأة كانت تتعاهد خدمته ببخارى.ثم لحق بخوارزم وتلقب المنتصر واجتمع إليه بقايا القواد والأجناد وبعث قابوس عسكرًا مع ابنيه منوجهر ودارا.ووصل إسماعيل إلى نيسابور في شوال سنة إحدى وتسعين وجبى أموالها.وبعث إليه محمود مع التوتناش الحاجب الكبير صاحب هراة فلقيهم فانهزم المنتصر إلى أبيورد وقصد جرجان فمنعه قابوس منها سرخس وجبى أموالها وسكنها في ربيع سنة اثنتين وتسعين فأرسل إليها محمود العساكر مع منصور والتقوا فانهزم إسماعيل وأسر أبو القاسم بن سيجور في جماعة من العسكر فبعث بهم منصور إلى غزنة.وسار إسماعيل حائرًا فوافى أحياء الغز بخارى فتعصبوا عليه وسار بهم إلى ايلك خان في شوال سنة ثلاث وتسعين بنواحي سمرقند.وانهزم ايلك واستولى الغز على سواده وأمواله وأسرى من قواده.ورجعوا إلى أحيائهم وتفاوضوا في إطلاق الأسرى من أصحاب ايلك خان وشعر بهم إسماعيل فسار عنهم خائفًا وعبر النهر إلى آمل الشط.وبعث إلى مرو ونسا وخوارزم فلم يقبلوه وعاودوا العبور إلى بخارى.وقاتله واليها فانهزم إلى دبوسية وجمع بها.ثم عاد فانهزم عساكر بخارى وقاتله واليها.وجاءه جماعة من فتيان سمرقند فصاروا في جملته وبعث إليه أهله بأموال وسلاح ودواب.وسار إليه ايلك خان بعد أن استوعب في الحشد بنواحي سمرقند في شعبان سنة أربع وتسعين.وظاهر الغز إسماعيل فكانت الدبرة على ايلك خان.وعاد إلى بلاد الترك فاحتشد ورجع إلى إسماعيل وقد افترقت عنه أحياء الغز إلى أوطانهم.وخف جمعه بنواحي مروسية فهزموه وفتك الترك في أصحابه.وعبر إسماعيل النهر إلى جوزجان فنهبها وسار إلى مرو وركب المفازة إلى قنطرة راغول ثم إلى بسطام وعسا كر محمود في اتباعه مع ارسلان الحاجب صاحب طوس.وأرسل إليه قابوس عسكرا مع الأكراد الشاهجانية فأزعجوه عن بسطام فرجع إلى ما وراء النهر وأعرك أصحابه الكلل والملال ففارقه الكثير منهم وأخبروا أصحاب ايلك خان وأعلموهم بمكانه فكبسه الجند فطاردهم ساعة.ثم دخل في حي من أحياء العرب بالفلاة من طاعة محمود بن سبكتكين يعرف أميرهم بابن بهيج وقد تقدم إليهم محمود في طلبه فأنزله عندهم حتى إذا جن الليل وثبوا عليه وقتلوه وذلك سنة خمس وتسعين.وانقرض أمر بني سامان وانمحت آثاردولتهم والبقاء لله وحده. |
دولة بني سبكتكين
الخبر عن دولة بني سبكتكين ملوك غزنة وماورثوه من الملك بخراسان وماوراء النهر عن مواليهم وما فتحوه من بلاد الهند وأول أمرهم ومصائر أحوالهم هذه الدولة من فروع دولة بني سامان وناشئة عنها.وبلغت من الاستطالة والعز المبالغ العظيمة واستولت على ما كانت دولة بني سامان عليه في عدوتي جيحون وما وراء النهر وخراسان وعراق العجم وبلاد الترك وزيادة بلاد الهند.وكان مبدأ أمرهم عن غزنة.وذلك أن سبكتكين من موالي بني التيكين.وكان التيكين من موالي بني سامان وكان في جملته وولاه حجابته وورد بخارى أيام السعيد منصور بن نوح وهو إذ ذاك حاجبه.ثم توفي التيكين هذا وعقد له السعيد صور بن نوح سنة خمس وستين وثلاثمائه وولى ابنه نوح ويكنى أبا القاسم واستوزر أبا الحسن العتبي وولى على نيسابور أبا الحسن محمد بن سيجور.وكان سبكتكين شديد الطاعة له والقيام بحاجاته.وطرقت دولة بني سامان النكبة من الترك واستولى بقراخان كلى بخارى من يد الأمير نوح.ئم رجع إليها ومات أبو الحسن بن سيجور وولي مكانه بخراسان ابنه أبو علي.واستبد على الأمير نوح في الاستيلاء على خراسان عند نكبة الترك.فلما عاد الأمير نوح إلى كرسيه وثبت في الملك قدمه كاشفه أبو علي في خراسان بالانتقاض واستدعى أبا منصور سبكتكين يستمده على أبي علي ويستعين به في أحوال الدولة فبادر لذلك وكان له المقام المحمود فيه.وولاه الأمير نوح خراسان فدفع عنها أبا علي.ثم أستبد بعد ذلك على بني سامان بها.ثم غلبهم على بخارى وما وراء النهر ومحا اثردولتهم وخلفهم أحسن خلف وأورث ذلك بنيه.واتصلت دولتهم في تلك الأعمال إلى أن ظهر الغز وملك الشرق والغرب بنو سلجوق منهم فغلبوهم على أمرهم وملكوا تلك الأعمال جميعا من أيديهم حسبما يذكر ذلك كله.ولنبدأ الآن بسبكتكين من الجهاد في بلاد الهند قبل ولايته خراسان.فتح بست كانت بست هذه من أعمال سجستان وفي ولايتها.ولما فسد نظام تلك الولاية بانقراض دولة بني الصفار واخترقت تلك العمالات طوائف فانفرد ببست أمير اسمه طغان.ثم غلبه عليها آخر اسمه كان يكنى بأبي ثور فاستصرخ طغان سبكتكين على مال ضمنه على الطاعة والخدمة فسار سبكتكين إلى بست وفتحها وأخذ الوزيرأبا الفتح علي بن محمد البستي الشاعر المشهور فأحضره واستكتبه وكتب لابنه محمود من بعده.ثم استخلف سبكتكين وسار إلى قصدارمن ورائها فملكها وتقبض على صاحبها.ثم أعاده إلى ملكه على مال يؤديه وطاعة غزو الهند ثم صار سبكتكين بعدما فتح بست وقصد غازيأ بلاد الهند وتوغل فيها حتى افتتح بلادًا لم يدخلها أحد من بلاد الإسلام.ولما سمع به ملك الهند سار إليه في جيوشه وقد عبى العساكر والفيلة على عادتهم في ذلك بالتعبية المعروفه بينهم.وانتهى إلى لمغان من ثغوره وتجاوزه وزحف إليه سبكتكين من غزنة في جموع المسلمين.والتقى الجمعان ونصر الله المسلمين وأسر ملك الهند وفدى نفسه على ألف ألف درهم وخمسين فيلا ورهن في ذلك من قومه.وبعث معه رجالا لقبض ذلك فغدر بهم في طريقه.وتقبض عليهم فسارسبكتكين في تعبيته إلى الهند فقبض كل من لقيه من جموعهم وأثخن فيهم.وفتح لمغان وهدمها وهي ثغر الهند مما يلي غزنه فاهتزلذلك جيبال واحتشد وسار إلى سبكتكين فكانت بينهم حرب شديدة.وانهزم جيبال وجموع الكفر وخمدت شوكتهم ولم يقم لملوك الهند بعدها معه قائمة.ثم صرف وجهه إلى إعانة سلطانه الأمير نوح كما نذكر. ولاية سبكتكين على خراسان قد قدمنا أن الأمير نوح بن منصور لما طرقته النكبة ببخارى من الترك وملكها عليه بقراخان عبر النهر إلى آمل الشط واستصرخ ابن سيجور صاحب خراسان وفائقا صاحب بلخ فلم يصرخاه وبلغه مسير بقراخان عن بخارى فأغذ السير إليها وارتجع ملكه كما كان.وهلك بقراخان فثبت قدمه في سلطانه وارتاب أبو علي وفائق بأمرهم عنده وغلط فائق بالمبادرة إلى بخارى للتهنئة والتقدم في الدولة من غير إذن في ذلك فسرح الأمير نوح غلمانه ومواليه فحاربوه وملكوا بلخا من يده.ولحق بأبي علي بن سيجور فاستظهر به على فتنة الأمير نوح وذلك سنة أربع وثمانين.فكتب الأمير نوح عند ذلك إلى سبكتكين يستدعيه للنصرة عليهما وعقد له على خراسان وأعمالها وكان في شغل شاغل من الجهاد بالهند كما ذكرناه فبادر لذلك.وسار إلى نوح فلقيه واتفق معه.ثم رجع إلى غزنة واحتشد وسار هو وابنه محمود ولقيا الأمير نوحا بخراسان في الموضع الذي تواعد معه ولقيهم أبو علي بن سيجور وفائق فهزمهما.وفتك فيهم أصحاب سبكتكين واتبعوهم إلى نيسابور ثم صدوهم عنها إلى جرجان.واستولى نوح على نيسابور واستعمل عليها وعلى جيوش خراسان محمود بن سبكتكين وأنزله بها ولقبه سيف الدولة.وأنزل أباه سبكتكين بهراة ولقبه ناصر الدولة ورجع إلى بخارى.الفتنة بين سيجوروفائق بخراسان وظهورسبكتكين وابنه محمود عليهم ولما رجع نوح إلى بخارى وطمع أبو علي بن سيجور وفائق في انتزاع خراسان من يد سبكتكين وابنه.وبادروا إلى محمود بن سبكتكين بنيسابور سنة خمس وثمانين وأعجلوه عن وصول المدد إليه من ابنه سبكتكين.وكان في قلة فانهزم إلى أبيه بهراة وملك أبو علي نيسابور وسار إليه سبكتكين في العساكر والتقوا بطوس فانهزم أبو علي وفائق حتى انتهيا إلى آمل الشط.واستعطف أبو علي الأمير نوحا فاستدعاه وحبسه ثم بعث به إلى سبكتكين وحبسه عنده ولحق فائق بملك الترك ايلك خان في كاشغر وشفع فيه إلى الأمير نوح فولاه سمرقند كما مر ذلك كله في أخبارهم.وكان أبو القاسم أخوأبي علي قد نزع إلى سبكتكين يوم اللقاء فأقام عنده مدة مديدة.ثم انتقض وزحف إلى نيسابور فجاء محمود بن سبكتكين فهرب ولحق بفخر الدولة بن بويه فأقام عنده واستولى سبكتكين على خراسان.مزاحفة سبكتكين وايلك خان كان ايلك خان ولي بعد بقراخان على كاشغر وشاغور وعلى أمم الترك وطمع في أعمال الأمير نوح كما طمع أبوه ومد يده إليها شيئًا فشيئًا.ثم اعتزم على الزحف إليه كتب الأمير نوح إلى سبكتكين بخراسان يستجيشه على ايلك خان فاحتشد وعبر النهر وأقام بين نسف وكشف حتى لحقه ابنه محمود بالحشود من كل جهة وهنالك وصله أبو علي بن سيجورمقيداً بعث به إليه الأميرنوح فأبى من ذلك وجمع ايلك خان أمم الترك من سائر النواحي.وبعث سبكتكين إلى الأمير نوح يستحثه فخام عن اللقاء وبعث قواده وجميع عساكره وجعلهم لنظره وفي تصريفه فألح عليه سبكتكين وبعث أخاه بغراجق وابنه محمود لاستحثاثه فهرب الوزير ابن عزيز خوفًا منهم وتفادى نوح من اللقاء فتركوه وفت ذلك في عزم سبكتكين.وبعث ايلك خان في الصلح فبادرسبكتكين وبعث أبا القاسم.ثم ارتاب به عند عبوره إلى ايلك خان فحبسه مع أبي علي وأصحابه حتى رجع سبكتكين من طوس إلى بلخ فبلغ ا! خبربمقتلهم ووصل نعي مأمون بن محمد صاحب الجرجانية بخوارزم غدر به صاحب جيشه في صنيع أعده له وقتله ووصل خبر الأمير نوح اثرهما وأنه هلك منتصف رجب سنة سبع وثمانين وثلاثمائة. أخبارسبكتكين مع فخر الدولة بن بويه كان أبوعلي بن سيجوروفائق لما هزمهما سبكتكين لحقا بجرجان عند فخر الدولة بن بويه.ثم لما أجلب أبو القاسم على خراسان وسار إليه محمود بن سبكتكين وعمه بغراجق وكان معه أبونصر بن محمي الحاجب فهربا إلى فخر الدولة وأقاما في نزله وتحت حرابه بقومس والدامغان وجرجان وأناخ سبكتكين على طوس.ثم وقعت المهاداة بينه وبين فخر الدولة بن بويه صاحب الري وكان آخر هدية من سبكتكين جاء بها عبد الله الكاتب من ثغابة.ونمي إلى فخر الدولة أنه يتجسس عدد الجند وغوامض الطرق فبعث إلى سبكتكين بالعتاب في ذلك.ثم ضعف وفاة سبكتكين وولاية ابنه إسماعيل ولما فرغ سبكتكين من أمر ايلك خان ورجع إلى بلخ وأقام بها قليلا طرقه المرض فبادر به إلى غزنة وهلك فى طريقه في شعبان سنة سبع وثمانين لعشرين سنة من ملكه في غزنة وخراسان ودفن بغزنة وكان عادلا خيرًا حسن العهد محافظا على الوفاء كثير الجهاد.ولما هلك بايع الجند لابنه إسماعيل بعهده إليه وكان أصغر من محمود فأفاض فيهم العطاء وانعقد أمره بغزنة. استيلاء محمود بن سبكتكين على ملك أبيه وظفره بأ خيه إسماعيل ولما ولي إسماعيل بغزنة استضعفه الجند واستولوا عليه واشتطوا عليه في الطلب حتى أنفذ خزائن أبيه وكان أخوه محمود بنيسابور فبعث إليه أن يكتب له بالأعمال التي لنظره مثل بلخ فأبى وسعى أبو الحرب والي الجوزجان في الإصلاخ بينهما فامتنع إسماعيل فسار محمود إلى هراة معتزما عليه وتحيز معه عمه بغراجق.ئم سار إلى بست وبها أخوه نصر فاستماله وساروا جميعًا إلى غزنة.وقد كتب إليه الأمراء الذين مع إسماعيل واستدعوه ووعدوه بالطاعة.وأغذ السير ولقيه إسماعيل بظاهر غزنة فاقتتلوا قتالًا شديدًا.وانهزم إسماعيل واعتصم بقلعة غزنة.واستولى محمود على الملك وحاصر أخاه إسماعيل حتى استنزله على الأمان فأكرمه وأشركه في سلطانه وذلك لسبعة أشهر من ولاية إسماعيل واستقامت استيلاء محمود على خراسان لما ولي أبو الحارث منصور بعد نوح استوزر محمد بن إبراهيم وفوض أمره إلى فائق كفالة وتدبيرًا لصغره.وكان عبد الله بن عزيز قد هرب من بخارى عند قدوم محمد إليها في استحثاث الأمير نوح للقاء أيلك خان كما مر فلما مات الأمير نوح وولي ابنه منصور أطمع عزيز أبا منصور محمد بن الحسين الأسفيجابي في قيادة الجيش بخراسان وجمله على الانحدار به إلى بخارى مستغيثا بأيلك خان على غرضه فنهض ايلك خان لمصاحبتهما وسار بهما كأنه يريد سمرقند.ثم قبض على أبي منصور وابن عزيز وأحضر فائقا وأمره بالمسير على مقدمته إلى بخارى فهرب أبو الحارث وملك فائق بخارى ورجع ايلك خان.واستدعى فائق أبا الحارث فاطمأن وبعث من محانه بكثرزون الحاجب الأكبر على خراسان ولقبه بستان الدولة ورجع إلى بخارى فتلقاه فائق وقام بتدبير دولته.وكانت بينه وبين بكثرزون ضغن فأصلح أبوالحارث بينهما وأقام بكثرزون وجبى الأموال وزحف إليه أبو القاسم بن سيجور وكانت بينهما الفتنة التي مر ذكرها.وجاء محمود إلى بلخ بعد فراغه من فتنة أخيه إسماعيل فبعث إلى أبي الحارث منصور رسله وهداياه فعقد له على بلخ وترمذ وهراة وبست.واعتذر عن نيسابور فراجعه مع ثقته أبي الحسن الحمولي فاستخلصه أبو الحارث لوزارته وقعد عن رسالة صاحبه فأقبل محمود إلى نيسابور وهرب عنها بكثرزون فنهض أبوالحارث إلى نيسابور فخرج محمود عنها إلى مرو الروذ وجمع أبو الحارث وكحلة وبكثرزون وبايعوا لأخيه عبد الملك بن نوح.وبعث محمود إلى فائق وبكثرزون بالعتاب على صنيعهما بالسلطان وزحف إليهما فبرزا من مرو للقائه.ثم سألوه الإبقاء فأجاب وارتحل عنهم وبعض أوباشهم في أعقابه فرجع إليهم.وحشدوا الناس للقائه فهزمهم وافترقوا فسار عبد الملك إلى بخارى وبكثرزون إلى نيسابور وكان معهم أبو القاسم بن سيجور.ولحق بقهستان واستولى محمود على خراسان وذلك سنة تسع وثمانين.ثم سار إلى طوس وهرب بكثرزون إلى جرجان وبعث محمود ارسلان الحاجب في أثره فأخرجه من نواحي خراسان فولى ارسلان على طوس وسار إلى هراة لمطالعة أحوالها فخالفه بكثرزون إلى نيسابور وملكها.ورجع فطرده عنها أبو القاسم بن سيجور وملكها وولى محمود أخاه نصر بن سبكتكين قيادة الجيوش بخراسان وأنزله بنيسابور.ثم سار إلى بلخ فأنزل بها سريره.ثم استراب بأخيه إسماعيل فاعتقله ببعض القلاع موسعًا عليه وكتب بالبيعة للقادر الخليفة من بنى العباس فبعث إليه بالخلع والألوية على العادة.وأقام بين يديه السماطين واستوثق له ملك خراسان وبقي يردد الغزو إلى الهند كل سنة.كان خلف بن أحمد صاحب سجستان في طاعة بني سامان ولما شغل عنه بالفتن استفحل أمره وشغل للاستبداد فلما سارسبكتكين للقاء ملك الهند كما مر اغتنم الفرصة من بست وبعث إليها عسكرا فملكوها وجبوها.ولما رجع سبكتكين من الهند ظافرا تلقاه بالمعاذير والتعزية والهدايا والطاعة فقبل وأعرض عنه وارتهن عنده على طاعته.وسار معه الحارث أبو علي بن سيجور بخراسان فملأ يده ويد عسمكره بالعطاء وبتقحمه لقتال ايلك خان بما وراء النهركما مر فدس إلى ايلك خان يغريه بسبكتكين.واعتزم سبكتكين على غزو سجستان ثم أدركه الموت فاغتنم خلف الفرصة وبعث طاهرا إلى قهستان وبوشنج فملكها وكاتب البغراجق أخا سبكتكين.فلما فرغ محمود من شأن خراسان بعث لبغراجق عمه بانتزاع قهستان وبوشنج فسار إلى طاهر فهزمه واتبعه وكر عليه طاهر فقتله وانهزم الفريقان.وزحف محمود إلى خلف سنة تسعين وثلاثمائة فامتنع في حصن بلد وهي قلعة عالية منيعة وحاصره بها حتى لاذ بالطاعة.وبذل مائة ألف دينار فأفرج عنه وسار إلى الهند فتوغل فيها وانتهى في اثني عشر ألف فارس وثلاثين ألف راجل فاختار محمود من عساكره خمسة عشر ألفا وسار لقتال جميال فهزمه وأسره في بنيه وحفدته وكثيرمن قرابته ووجد في سلبه مقلد من فصوص يساوي مائة ألف دينار وأمثال ذلك فوزعها على أصحابه وكان الأسرى والسبي خمسمائة ألف رأس وذلك سنة اثنتين وتسعين.وفتح من بلاد الهند بلادًا أوسع من بلاد خراسان.ثم فادى جيبال ملك الهند نفسه بخمسين رأسا من الفيلة ارتهن فيها ابنه وحافده وخرج إلى بلده فبعث إلى ابنه اندبال وشاهينة وراء سيجور فأعطوه تلك الفيلة وسار لا يعود له ملك.وسار السلطان محمود إلى ويهند فحاصرها وافتتحها وبعث العساكر لتدويخ نواحيها فأثخنوا في القتل في أوباش كانوا مجتمعين للفساد مستترين بخمر الغياض فاستلحموهم.ورجع السلطان محمود إلى غزنة.وكان خلف بن أحمد عند منصرف السلطان عنه أظهر النسك وولى ابنه طاهرًا على سجستان فلما طالت غيبة السلطان أراد الرجوع إلى ملكه فلم يمكنه ابنه فتمارض وبعث إليه بالحضور للوصية والاطلاع على خبايا الذخيرة.فلما حضر اعتقله ثم قتله كما مر.وجزعت نفوس قواده لذلك وخافوه وبعثوا للسلطان محمود بطاعتهم ما بقيت له الدعوة في سجستان سنة ثلاث وتسعين.وسار السلطان محمود إلى خلف فامتنع منه في معقله بحصن الطاق وهو في رأس شاهق تحيط به سبعة أسوار عالية ويحيط به خندق بعيد المهوى وطريقه واحدة على جسر فجثم عليه أشهرا.ثم فرض على أهل العسكر قطع الشجر التي تليه وطم بها الخندق.وزحف إليه وقدم الفيول بين يديه على تعبيتها فحطم الفيل الأعظم على باب الحصن فقلته ورمى به.وفشا القتل في أصحاب خلف وتماسكوا داخل الباب يتناضلون بأحجار المجانيق والسهام والحراب فرأى خلف هول المطلع فأثاب واستأمن وخرج إلى السلطان وأعطاه كثيرًا من الذخيرة فرفع من قدره وخيره في مقاماته فاختار الجوزجان فأذن له في المسير إليها على ما بينه وبين ايلك خان من المداخلة.ثم هلك خلف سنة تسع وتسعين وأبقى السلطان على ولده عمر وكان خلف كثير الغاشية من الوافدين والعلماء وكان محسنًا لهم.ألف تفسيرا جمع له العلماء من أهل ايالته وأنفق عليهم عشرين ألف دينار ووضعه في مدرسة الصابوني بنيسابور.ونسخه يستغرق عمر الكاتب إلا أن يستغرق في النسخ.واستخلف السلطان على سجستان أحمد الفتحي من قواد أبيه ورجع إلى غزنة.ثم بلغه انتقاض أحمد بسجستان فسار إليهم في عشرة آلاف ومعه أخوه صاحب الجيش أبي المظفر نصر والتوتناش الحاجب وزعيم العرب أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الطائي فحاصرهم وفتحها ثانية وولى عليها أخاه صاحب الجيش نصر بن سبكتكين مضافة إلى نيسابور فاستخلف عليها وزيره أبا منصور نصر بن إسحق.وعاد السلطان محمود إلى بلخ مضمرا غزو الهند.هكذا مساق خبر السلطان محمود مع خلف بن غزوة بهاطية والملتان وكوكبر ولما فرغ السلطان محمود من سجستان اعتزم على غزو بهاطية من أعمال الهند وهي وراء الملتان مدينة حصينة عليها نطاق من الأصبوان وآخر من الخنادق بعيدة المهوى.وكانت مشحونة بالمقاتلة والعدة واسم صاحبها بجير فعبر السلطان إليها جيحون وبرز إليه بجير فاعتتلوا بظاهر بهاطية ثلاثة أيام.ثم انهزم بجير وأصحابه في الرابع.وتبعهم المسلمون إلى باب البلد فملكوه عليهم وأخذتهم السيوف من أمامهم ومن ورائهم فبلغ القتل والسبي والسلب والنهب فيهم مبالغه.وسار بجير في رؤوس الجبال فستر في شعابها وبعث السلطان سرية في طلبه فأحاطوا به وقتلوا من أصحابه.ولما أيقن بالهلكة قتل نفسه بخنجرمعه وأقام السلطان محمود في بهاطية حتى أصلح أمورها واستخلف عليها من يعلم أهلها قواعد الإسلام ورجع إلى غزنة فلقي في طريقه شدة من الأمطار في الوحل وزياعة المدد في الأنهار وغرق كثير من عسكره.ثم بلغه عن أبي الفتوح والي الملتان أنه ملحد وأنه يدعوأهل ولايته إلى مذهبه فاعتزم على جهاده وسار كذلك.ومنعه سيجور من العبور لكثرة المدد فبعث السلطان إلى اندبال ملك الهند في أن يبيح له العبور إلى بلاده لغزو الملتان فأبى فبدأ بجهاد وسار في بلاده ودوخها.وفر اندبال بين يديه وهو في طلبه إلى أن بلغ كشمير.ونقل أبو الفتوح أمواله على الفيول إلى سرنديب وترك الملتان فقصدها السلطان وامتنع أهلها فحاصرهم حتى افتتحها عنوة وأغرمهم عشرين ألف ألف درهم عقوبة لهم على عصيانهم.ثم سار إلى كوكبر واسم صاحبها بيدا وكان بها ستمائة صنم فافتتحها وأحرق أصنامها.وهرب صاحبها إلى قلعته وهي كاليجار وهوحصن كبيريسع خمسمائة ألف إنسان وفيه خمسمائة وعشرون ألف راية وهو مشحون بالأقوات والمسالك إليه متعفرة بخمر الشجر وملتف الغياض فأمر بقطع الأشجار حتى اتضحت المسالك.واعترضه عون الحصن واد بعيد المهوى فطم منه عشرين فراعا بالأجربة المحشوة بالتراب وصيره جسرا ومضى منه إلى القلعة وحاصرها ثلاثة وأربعين يوما حتى جنح صاحبها إلى السلم.وبلغ السلطان أن ايلك خان مجمع على غزوخراسان فصالح ملك الهند على خمسين فيلاً وثلاثة آلاف من الفضة.وخلع عليه السلطان فلبس خلعته وشد منطقته.ثم قطع خلعته وأنفذها إلى السلطان وتبعه بما عقد معه وعاد السلطان إلى خراسان بعد أن كان عازما على التوغل في بلاد الهند.مسير ايلك خان إلى خراسان وهزيمته كان السلطان محمود لما ملك ايلك خان بخارى كما مر وكتب إليه مهنئًا وتردد السفراء بينهما في الوصلة وأوفد عليه سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي إمام الحديث ومعه طغان جق والي سرخس في خطبة كريمته بهدية فاخرة من سبائك المحقيان واليواقيت والدر والمرجان والوشي والحمر وصواني الذهب مملوءة بالعنبر والكافور والعود والنصول وأمامه الفيول تحت الخروج المغشاة فقوبلت الهدية بالقبول والوافد بالتعظيم له ولمن أرسله.وزفت المخطوبة بالهدايا والألطاف واتحدت الحال بين السلطانين.ولم يزل السعاة يغرون ما بينهما حتى فسد ما بينهما فلما سار السلطان محمود إلى الملتان اغتنم ايلك خان الفرصة وبعث سباسي تكين قريبه وقائد جيشه إلى خراسان وبعث معه أخاه جعفرتكين وذلك سنة تسعين فملك بلخا وأنزل بها جعفر كين.وكان ارسلان الحاجب بهراة أنزله السلطان بها وأمره إذا دهمه أن ينحاز إلى غزنة.وقصد سباسي هراة وسكنها وندب الحسين بن نصر إلى نيسابور فملكها ورتب العمال واستخرج الأموال.وطار الخبر إلى السلطان بالهند وقصد بلخ فهرب جعفرتكين إلى ترمذ واستقر السلطان ببلخ وسرح ارسلان الحاجب في عشرة آلاف من العساكر إلى سباسي تكين بهراة فسار سباسي إلى مرو واعترضه التركمان وقاتلهم فهزمهم وأثخن فيهم.ثم سار إلى أبيورد ثم إلى نسا وارسلان في اتباعه حتى انتهى إلى جرجان فصد عنها وركب قلل الجبال والغياض وتسلط الكراكلة على أثقاله ورجاله واستأمن طوائف من أصحابه إلى قابوس لعدم الظهور ثم عاد إلى نسا وأصدر ما معه إلى خوارزم شاه أبي الحسن علي بن مأمون وديعة لأيلك خان واقتحم المفازة إلى مرو فسار السلطان لاعتراضه ورماه محمد بن سبع بمائة من القواد حملوا إلى غزنة.ونجا سباسي تكين في فل من أصحابه فعبر النهر إلى ايلك خان.وقد كان ايلك خان بعث أخاه جعفرتكين في ستة آلاف راجل إلى بلخ ليفترمن عزيمة السلطان عن قصد سباسي تكين فلم يفترذلك من عزمه حتى أخرج سباسي من خراسان.ثم قصدهم فانهزموا أمامه وتبعهم أخوه نصر بن سبكتكين صاحب جيش خراسان إلى ساحل جيحون فقطع دابرهم.ولما بلغ الخبر إلى ايلك خان قام في ركائبه وبعث بالصريخ إلى ملك الختل وهوقدرخان بن بقراخان لقرابة بينهما وصهر فجاءه بنفسه ونفرمعه.واستجاش أحياء النزل ودهاقين ما وراء النهر وعبر النهر في خمسين ألفأ وانتهى إلى السلطان خبره وهو بطخارستان فقدم إلى بلخ واستعد للحرب واستنفر جموع الترك والجند والخلنجية والأفقانية والفربوية.وعسكر على أربعة فراسخ من بلخ.وتزاحفوا على التعبئة فجعل السلطان في القلب أخاه نصرًا صاحب الجيش بخراسان وأبا نصر بن أحمد الفريغوني صاحب الجوزجان وأبا عبد الله بن محمد بن إبراهيم الطائي في كماة الأكراد والعرب والهنود.وفي الميمنة حاجبه الكبير أبا سعيد التمرتاشي وفي الميسرة ارسلان الحاجب.وحصن الصفوف بخمسمائة من الفيلة.وجعل ايلك خان على ميمنته قدرخان ملك الختل وعلى ميسرته أخاه جعفر تكين وهو في القلب.وطالت الحرب واستمات الفريقان.ونزل السلطان وعفر خده بالأرض متضرعا.ثم ركب وحمل في فيلته على القلب فأزاله عن مكانه وانهزم الترك واتبعوهم يقتلون ويأسرون إلى أن عبروا بهم النهر.وأكثر الشعراء تهنئة السلطان بهذا الفتح وذلك سنة سبع وتسعين.ولما فرغ السلطان من هذه الحرب سار للهند للإيقاع بنواسه شاه أحد أولاد الملوك كان أسلم على يده واستخلفه على بعض المعاقل التي افتتحها فارتد ونبذ الإسلام فأغذ السير إليه ففر أمامه واحتوى على المعاقل التي كانت في يده من أصحابه وانقلب إلى غزنة ظافرا وذلك سنة سبع وتسعين. فتح بهيم نقرا ثم سار السلطان سنة ثمان وتسعين في ربيع منها غازيا إلى الهند فانتهى إلى سبط وبهند فلقيه هنالك ابن هزباك ملك الهند في جيوش لا تحصى فصدقهم السلطان القتال فهزمهم واتبعهم إلى قلعة بهيم نقرا وهي حصن على حصن عالية اتخذها أهل الهند خزانة للصنم ويودعون به أنواع الذخائر والجواهر التي يتقرب بها للصنم فدافع عنه خزنته أيامًا.ثم استأمنوا وأمكنوا السلطان من القلعة فبعث عليه أبا نصر الفريغوني وحاجبه الكبير ابن التمرتاش وواسعع تكين وكلفهما بنقل ما في الخزائن فكان مبلغ المنقول من الوزن سبعين ألف ألف شامية ومن الذهبيات والفضيات موزونة والديباج السوسي ما لا عهد بمثله.ووجد في جملتها بيت من الفضة الخالصة طوله ثلاثون ذراعًا في.خمسة عشر صفائح مضروبة ومعالق للطي والنشر وشراع من ديباج طوله أربعون ذراعًا في عرض عشمرين بقائمتين من ذهب وقائمتين من فضة فوكلهما بحفظ ذلك.ومضوا إلى غزنة فأمر بساحة داره ففرشت بتلك الجواهر واجتمعت وفود الأطراف لمشاهدتها وفيهم رسول طغان أخي ايلك خان.خبر الفريغون واستيلاء السلطان على الجوزجان وكان بنو فريغون هؤلاء ولاة على الجوزجان أيام بني سامان يتوارثونها.وكان لهم شهرة مكارم.وكان أبوالحارث أحمد بن محمد غرتهم.وكان سبكتكين خطب كريمته لابنه محمود وأنكح كريمته أخت محمود لابنه أبي نصر فالتحم بينهما.وهلك أبو الحارث فأقر السلطان محمود ابنه أبا نصر على ولايته إلى أن مات سنة إحدى وأربعمائة وكان أبو الفضل أحمد بن الحسين الهمذاني المعروف بالبديع يؤلف له التآليف ويجعلها باسمه.ونال عنده بذلك غزوة بارين ثم سار السلطان محمود على رأس المائة الرابعة لغزو بلاد الهند فدوخها واستباحها وأوقع بملكها ورجع إلى غزنة فبعث إليه ملك الهند في الصلح على جزية مفروضة وعسكر مقرر عليه وعلى تعجيل مال عظيم وهدية فيها خمسون فيلاً وتقرر الصلح بينهما على ذلك. غزوة الغور وقصران بلاد الغور هذه تجاور بلاد غزنة وكانوا يفسدون السابلة ويمتنعون بجبالهم وهي وعرة ضيقة.وأقاموا على ذلك متمردين على كفرهم وفسادهم فامتعض السلطان محمود وسار لحسم عللهم سنة إحدى وأربعمائة.وفي مقدمته التوتناش الحاجب والي هراة وارسلان الحاجب والي طوس وانتهوا إلى مضيق الجبل وقد شحنوه بالمقاتلة فنازلتهم الحرب ودهمهم السلطان فارتدوا على أعقابهم ودخل عليهم لبلادهم وملكها.ودخل حصنًا في عشرة آلاف واستطرد لهم السلطان إلى فسيح من الأرض.ثم كر عليهم فهزمهم وأثخن فيهم وأسر ابن سورى وقرابته وخواصه وملك قلعتهم وغنم جميع أموالهم وكانت لا يعبر عنها.وأسف ابن سورى على نفسه فتناول سمًا كان معه ومات.ثم سار السلطان سنة اثنتين وأربعمائة لغزو قصران وكان صاحبها يحمل ضمانه كل سنة فقطع الحمل وامتنع بموالاة ايلك خان وسار اليه فبادر باللقاء وتنصل واعتذر وأهدى عشرين فيًلا وألزمه السلطان خمسة عشر ألف درهم ووكل بقبضها ورجع إلى غزنة. خبر اليشار واستيلاء السلطان على غرشتان كان اسم اليشار عند الأعاجم لقبًا على ملك غرشتان كما أن كسرى على ملك الفرس وقيصر طى ملك الروم ومعناه الملك الجليل.وكان اليشار أبر نصر محمد بن إسماعيل بن أسد ملكها إلى أن بلغ ولده محمد سن النجابة فغلب على أبيه وانقطع أبو نصر للنظر في العلوم لشغفه بها وصاحب خراسان يومئذ أبوعلي بن سيجور.ولما انتقض على الرضى نوح خطبهم لطاعته وولايته فأبوا من ذلك لانتقاضه على سلطانه فبعث العساكر إليهم وحاصرهم زمانا.ثم نهض سبكتكين إلى أبي علي بن سيجور وانضاف اليشار إلى سبكتكين في تلك الفتنة كلها فلما ملك السلطان محمود خراسان وأذعن له ولاة الأطراف والأعمال بعث إليهم في الخطبة فأجابوه.ثم استنفر محمد بن أبي نصر في بعض غزواته فقعد عن النفير فلما رجع السلطان من غزوته بعث حاجبه الكبير أبا سعيد التوتناش في العساكر وأردفه بإرسلان الحاجب والي طوس لمناهضة اليشار ملك غرشتان.واستصحبا معهما أبا الحسن المنيعي الزعيم بمرو الروذ لعلمه بمخادع تلك البلاد.فأما أبو نصر فاستأمن إلى الحاجب وجاء به إلى هراة مرفهًا محتاطًا عليه.وأما ابنه محمد فتحضن بالقلعة التي بناها أيام ابن سيجور فحاصروها طويلأ واقتحموها عنوة وأخذ أسيرا فبعث به إلى غزنة واستصفيت أمواله وصودرت حاشيته.واستخلف الحاجب على الحصن ورجع إلى غزنة فامتحن الولد بالسياط واعتقله مرفهًا واستقدم أباه ابا نصر من هراة فأقام عنده فى كرامة إلى أن هلك ست وأربعمائة. |
وفاة ايلك خان وصلح أخيه طغان خان مع السلطان
كان ايلك خان بعد هزيمته بخراسان يواصل الأسف وكان أخوه طغان يكبر عليه فعلته ونقضه العهد مع السلطان.وبعث إلى السلطان يتبرأ وبعتفر فنافره ايلك خان بسبب ذلك وزحف إليه.ئم تصالحا.ثم هلك ايلك خان سنة ثلاث وأربعمائة وولي مكانه أخوه طغان خان فراسل السلطان محمود وصالحه وقال له: اشتغل أنت بغزو الهند وأنا بغزو الترك فأجابه إلى ذلك.وانقطعت الفتنه بينهما وصلحت الأحوال ثم خرجت طوائف الترك من جانب الصين في مائة ألف خركاه وقصدوا بلاد طغان فهال المسلمين أمرهم فاستنفر طغان من الترك أزيد من مائة ألف واستقبل جموع الكفرة فهزمهم وقتل نحوًا من مائة ألف وأسر مثلها ورجع الباقون منهزمين.وهلك طغان اثر ذلك وملك بعده أخوه ارسلان خان سنة ثمان وأربعمائة وخلص ما بينه وبين السلطان محمود وخطب بعض كرائمه للسلطان مسعود ولده فأجابه.وعقد السلطان فتح بارين ثم سار السلطان سنة ثمان وأربعمائة عندما فصل الشتاء غازيا إلى الهند وتوغل فيها مسيرة شهرين.وامتنع عظيم الهند في جبل صعب المرتقى ومنع القتال.واستدعى الهنود وملك عليهم الفيلة.وفتح الله بارين وكثرت الأسرى والغنائم.ووجد به في بيت البدجي حجر منقوش قال التراجمة كتابته: إنه مبني منذ أربعين ألف سنة ثم عاد إلى غزنة وبعث إلى القادر يطلب عهد خراسان وما بيده من الممالك. غزوة تنيشرة كان صاحب تنيشرة عاليًا في الكفر والطغيان وانتهى الخبر إلى السلطان في ناحيته من الفيلة فيلة من الفيتلمان الموصوفة في الحروب فاعتزم السلطان على غزوه وسار إليه في مسالك صعبة وعرة بين أودية وقفارات حتى انتهى إلى نهرطام قليل المخاضة.وقد استندوا من ورائه إلى سفح جبل فسرب إليهم جماعة من الكماة خاضوا النهر وشغلوهم بالقتال حتى تعدت بقية العسكر.ثم قاتلوهم وانهزموا واستباحهم المسلمون وعادوا إلى غزنة ظافرين ظاهرين.ثم غزا السلطان على عادته فضل الأدلاء طريقهم فوقع السلطان في مخاضات من المياه غرق فيها كثير من العسكر وخاض الماء بنفسه أيامًا حتى تخلص ورجع إلى خراسان.كان مأمون بن محمد صاحب الجرجانية من خوارزم وبهان مخلصأ في طاعة الرضى نوح أيام مقامه في آمد كما مر فأضاف نسا إلى عمله فلم يقبلها لمودة بينه وبين أبي علي بن سيجور.وكان من خبره مع ابن سيجور واستنقاذه إياه من أسر خوارزم شاه سنة ست وثمانين ما مرذكره وصارت خوارزم كلها له.ثم هلك وملك مكانه أبو الحسن علي.ثم هلك وملك مكانه ابنه مأمون وخطب إلى السلطان محمود بعض كرائمه فزوجه أخته.واتحد الحال بينهما إلى أن هلك وولي مكانه أبو العباس مأمون ونكح أخته كما نكحها أخوه من قبله.ثم دعاه إلى الدخول في طاعته والخطبة له كما دعا الناس فمنعه أصحابه وأتباعه وتوجس الخيفة من السلطان في ذلك فرجعوا إلى الفتك به فقتلوه وبايعوا ابنه داود.وازداد خوفهم من السلطان في ذلك فتعاهدوا على الامتناع ومقدمهم التكين البخاري.وسار إليهم السلطان في العساكر حتى أناخ عليهم وبيتوا محمد بن إبراهيم الطائي وكان في مقدمة السلطان فقاتلهم إلى أن وصل السلطان فهزمهم وأثخن فيهم بالقتل والأسر.وركب التكين السفن ناجيا فغدره الملاحون وجاؤوا به إلى السلطان فقتله في جماعة من القواد الذين قتلوا مأمونًا على قبره.وبعث بالباقين إلى غزنة فأخرجوا في البعوث إلى الهند وأنزلوا هنالك في حامية الثغور وأجريت لهم الأرزاق واستخلف على خوارزم الحاجب التونتاش ورجع إلى بلاده.ولما فرغ السلطان من أمر خوارزم وإنضافت إلى مملكته عدل إلى بست وأصلح أحوالها ورجع إلى غزنة.ثم اعتزم على غزو الهند سنة تسع وأربعمائة وكان قد دوخ بلادها كلها ولم يبق عليه إلا كشمير ومن دونها الفيافي والمصاعب فاستنفر الناس من جميع الجهات من المرتزقة والمتطوعة.وسار تسعين مرحلة وعبر نهر جيحون وحيلم وخيالا هو وأمراؤه.وبث عساكره في أودية لا يعبر عن شحة جريها وبعد أعماقها وانتهى إلى كشمير.وكانت ملوك الهند في تلك الممالك تبعث إليه بالخدمة والطاعة وجاءه صاحب عرب كشمير وهوجنكي بن شاهي وشهي فأقر بالطاعة وضمن دلالة الطريق وسار أمام العسكر إلى حصن مأمون لعشرين من رجب.وهو خلال ذلك يفتتح القلاع إلى أن دخل في ولاية هردت أحد ملوك الهند فجاء طائعًا مسلمًا.ثم سار السلطان إلى قلعة كلنجد من أعيان ملوكهم فبرز للقائه وانهزم.واعترضهم أنهار عميقة سقطوا فيها وهلكوا قتًلا وغرقًا يقال هلك منهم خمسون الفًا.وغنم السلطان منهم مائة فيل وخمسة إلى غيرذلك مما جل عن الوصف.ثم عطف إلى سقطالتقيذ وهو بيت مبني بالصخور الصم يشرع منها بابان إلى الماء المحيط موضوعة أبنيته فوق التلال وعن جنبتيه ألف قصرمشتملة على بيوت الأصنام.أذرع في الهواء قد جعلت عينًا كل واحدة منهما ياقوتتين تساويان خمسين ألف دينار وعين الاخر قطعة ياقوت أزرق تزن أربعمائة وخمسين مثقالاً وفي وزن قدمي الصنم الواحد أربعة الاف وأربعمائة مثقال وجملة ما في الأشخاص من الذهب ثمانية وتسعون ألف مثقال.وزادت شخوص الفضة على شخوص الذهب في الوزن فهدمت تلك الأصنام كلها وخربت وسار السلطان طالبًا قنوج وخرب سائر القلاع في طريقه ووصل إليها في شعبان سنة تسع وقد فارقها نزوجبال حين سمع بقدومه وعبر نهركنك الذي تغرق الهنود فيه أنفسهم ويذرون فيه رماد المحرقين منهم.وكان أهل الهند واثقين بقنوج: وهي سبع قلاع موضوعة على ذلك الماء فيها عشرة آلاف بيت للأصنام تزعم الهنود أن تاريخهما منذ مائتي ألف سنة أوثلاثمائة ألف سنة وأنها لم تزل متعبدًا لهم.فلما وصلها السلطان ألفاها خالية قد هرب أهلها ففتحها كلها في يوم واحد واستباحها أهل عسكره.ثم أخذ في السير منها إلى قلعة لنج وتعرف بقلعة البراهمة فقاتلوا ساعة ثم تساقطوا من أعاليها على سنا الرماح وضياء الصفاح ثم سار إلى قلعة أسا وملكها جندبال فهرب وتركها وأمر السلطان بتخريبها.ثم عطف على جندراي من أكابر الهنود في قلعة منيعة وكان جيبال ملك الهند من قبل ذلك يطلبه للطاعة والإلفة فيمتنع عليه.ورام جندراي المدافعة وثوقًا بامتناع قلعته ثم تنصح له بجيبال ومنعه من ذلك فهرب إليه أمواله وأنصاره إلى جبال وراء القلعة وافتتحها السلطان وحصل منها على غنائم.وسار في اتباع جندراي وأثخن فيهم قتلاً ونهبًا وغنم منهم أموالاً وفيولاً وبلغت الغنائم ثلاثة آلاف ألف درهم ذهبًا وفضة ويواقيت والسبي كثير وبيع بدرهمين إلى عشرة.وكانت الفيول تسمى عندهم جنداي داد.ثم قضى السلطان جهاده ورجع إلى غزنة فابتنى مسجدها الجامع وجلب إليه جذوع الرخام من الهند وفرشه بالمرمر وأعالي جمرانه بالأصباغ وصباب الذهب المفرغة من تلك الأصنام.واحتضر بناء المسجد بنفسه.نقل إليه الرخام من نيسابور وجعل أمام البيت مقصورة تسع ثلاثة آلاف غلام.وبنى بإزاء المسجد مدرسة احتوت فيها الكتب من علوم الأولين والآخرين وأجريت بها الأرزاق واختصت لنفسه يفضي منه إليه في أمن من العيون وأمر القواد والحجاب وسائر الخدام فبنوا بجانب المسجد من الدار ما لا يحصى.وكانت غزنة تحتوي على مربط ألف فيل يحتاج كل واحد منها لسياسته ومائدته خطة واسعة. غزوة الأفقانية لما رجع السلطان إلى غزنة راسل بيدو ووالي قنوج واسمه راجبان بدلحة وطال بينهما العتاب وآل إلى القتال فقتل والي قنوج واستلحمت جنوده وطغى بيدو وغلب على الملوك الذين معه وصاروا في جملته ووعدهم برد ما غلبهم عليه السلطان محمود.ونمي الخبر بذلك إليه فامتعض وسار إلى بيدو فغلبه على ملكه.وكان ابتداؤه في طريقه بالأفقانية طوائف من كفار الهند معتصمون بقلل الجبال ويفسدون السابلة فسار في بلادهم ودوخها وعبر نهر كنك وهو واد عميق وإذا جيبال من ورائه فعبر إليه على عسر المجور فانهزم جيبال وأسر كثير من أصحابه.وخلص جريحا واستأمن الى السلطان فلم يؤمنه إلا أن يسلم فسار ليلحق ببيدو فغدر به بعض الهنود وقتله.فلما رأى ملوك الهند ذلك تابعوا رسلهم إلى السلطان في الطاعة على الاتاوة.وسار إلى مدينة باري من أحصن بلاد الهند فألفاها خالية فأمر بتخريبها وعشر قلاع مجاورة لها من أهلها خلقًا.وسار في طلب بيدو وقد تحصن بنهرأدارماءه عليه من جميع جوانبه ومعه ستة وخمسون ألف فارس وثمانون ألف راجل وسبعمائة وخمسون فيلاً فقاتلهم هنالك يومًا وحجز بينهم الليل فأجفل بيدو وأصبحت دياره بلاقع.وترك خزائن الأموال والسلاخ فغنمها المسلمون وتتبعوا آثارهم فوجدوهم في الغياض والآكام فأكثروا فيهم القتل والأسر ونجا بيدو بذماء نفسه ورجع السلطان إلى غزنة ظافرًا.فتح سومنات كان للهند صنم يسمونه سومنات وهو أعظم أصنامهم في حصن حصين على البحر بحيث تلتقفه أمواجه.والصنم مبني في بيته على ستة وخمسين سارية من المصفح بالرصاص وهو من حجر طوله خمسة أذرع منها ذراعان غائصان في البناء و ليس له صورة مشخصة والبيت مظلم يضيءبقناديل الجوهرالفائق وعنده سلسلة ذهب بجرس وزنها مائة من تحرك بأدوار معلومة من الليل فيقوم عباد البرهميين لعبادتهم بصوت الجرس.وعنده خزانة فيها عدد كثير من الأصنام ذهبأ وفضة عليها معلقة بالجوهر منسوجة بالذهب تزيد قيمتها على عشرين ألف ألف دينار.وكانوا يحجون إلى هذا الصنم ليلة خسوف القمرفتجتمع إليه عوالم لا تحصى.وتزعم الهنود أن الأرواح بعد المفارقة تجتمع إليه فيبثها فيمن شاء بناء على التناسخ والمد والجزر عندهم هو عبادة البحر.وكانوا يقزبون إليه كل نفيس وذخائرهم كلها عنده.ويعطون سدنته الأموال الجليلة.وكان له أوقاف تزيد على عشرة آلاف ضيعة.وكان نهرهم المسمى كنك الفي يزعمون أن مصبه في الجنة ويلقون فيه عظام الموتى من كبرائهم وبينه وبين سومنات مائتا فرسخ.وكان يحمل من مائه كل يوم لغسل هذا الصنم.وكان يقوم عند الصنم من عباد البرهميين ألف رجل في كل يوم للعبادة وثلاثماثة لحلق رؤوس الزوار ولحاهم وثلاثمائة رجل وخمسماثة امرأة يغنون ويرقصون ولهم على ذلك الجرايات الوافرة.وكان كلما فتح محمود بن سبكتكين من الهند فتحا أو كسر صنمًا يقول أهل الهند: إن سومنات ساخط عليهم ولوكان راضيًا عنهم لأهلك محموداً دونه.فاعتزم محمود بن سبكتكين إلى غزوه وتكذيب دعاويهم في شأنه.فسار من غزنة في شبعان سنة ست عشرة في ثلاثين ألف فارس سوى المتطوعة وقطع القفر إلى.الملتان وتزود له من القوت والماء قدر الكفاية وزيادة عشرين ألف حمل.وخرج من المفازة إلى حصون مشحونة بالرجال قد غوروا آبارهم مخافة الحصار فقذف الله الرعب في قلوبهم وفتحها وقتل سكانها وكسرأصنامها واستقى منها الماء.وسار إلى انهلوارن وأجفل عنها صاحبها بهيم وسار إلى بعض حصونه.وملك السلطان المدينة ومر إلى سومنات ووجد في طريقه حصونأ كثيرة فيها أصنام وضعوها كالنقباء والخدمة لسومنات ففتحها وخربها وكسر الأصنم.ثم سار في قفر معطش ثم اجتمع من سكانه عشرون ألفأ لدفاعه فقاتلهم سراياه وغنموا أموالهم وانتهوا إلى دبلواه على مرحلتين من سومنات فاستولى عليها وقتل رجالها ووصل إلى سومنات منتصف ذي القعدة فوجد أهلها مختفين في أسوارهم وأعلنوا بكلمة الإسلام فوقها فاشتد القتال حتى حجز بينهم الليل.ثم أصبحوا إلى القتال وأثخنوا في الهنود.وكانوا يدخلون إلى الصنم فيعنفونه يبكون ويتضرعون إليه ويرجعون إلى القتال.ثم انهزموا بعد أن أفناهم القتل.وركب فلهم السفن فأدركوا وانقسموا بين النهب والقتل والغرق وقتل منهم نحو من خمسين ألفًا.واستولى السلطان على جميع ما في البيت.ثم بلغه أن بهيم صاحب انهلوارن اعتصم بقلعة له تسمى كنذهة في جزيرة على أربعين فرسخا من البر فرام خوض البحر إليها ثم رجع عنها وقصد المنصورة وكان صاحبها ارتد عن الإسلام ففارقها وتسرب غياض هناك فأحاطت عساكر السلطان بها وتتبعوهم بالقتل فأفنوهم.ثم سار إلى بهاطية فدان أهلها بالطاعة ورجع إلى غزنة في صفر سنة سبع عشرة.دخول قابوس صاحب جرجان وطبرستان في ولاية السلطان محمود قد قدمنا وفادة قابوس على الأمير نوح بن منصور بن سامان وعامله بخراسان أبي العباس تاش مستصرخا على بني بويه عندما ملكوا طبرستان وجرجان من يده سنة إحدى وسبعين وأقام بخراسان ثماني عشرة سنة وهم يعدونه بالنصرة والمدد حتى يئس منهم.ولما جاء سبكتكين وعده بمثل ذلك.ثم شغله شغل بني سيجور ثم وعده السلطان محمود وشغلته فتنة أخيه.واستولى أبو القاسم بن سيجور على جرجان بعد مهلك فخر الدولة بن بويه.ثم أمر من ببخارى بالمسير إلى خراسان فسار إلى أسفرايين واستمد قابوس رجال الديلم والجبل فأمحوه وظاهروه على أمره حتى غلب على طبرستان وجرجان وملكها كما يذكر في أخبار الديلم والجبل.وكان نصر بن الحسن بن ليرزان وهو ابن عم ماكان بن كالي ينازعه فيهما فآل الحال بنصر إلى أن اعتقله بنو بويه بالري واستقل قابوس بولاية جرجان وطبرستان وديار الديلم كلها من ممالك محمود. |
استيلاء السلطان محمود على الري والجبل
كان مجد الدولة بن فخر الدولة صاحب الري وكان قد ضعف أمره وأدبرت دولته.وكان يتشاغل بالنساء والكتاب نسخًا ومطالعة.وكانت أمه تدبر ملكه فلما توفيت انتقضت أحواله وطمع فيه جنده.وكتب إلى محمود يشكوبذلك ويستدعي نصرته فبعث إليه جيشًا عليهم حاجبه وأمره أن يقبض على مجد الدولة فقبض عليه وعلى ابنه أبي دلف عند وصوله.وطير بالخبر إلى السلطان فسار في ربيع من سنة عشرين ودخل الري وأخذ أموال مجد الدولة وكانت ألف ألف دينار ومن الجواري قيمة خمسمائة ألف دينار ومن الثياب ستة آلاف ثوب ومن الآلات ما لا يحصى.ووجد له خمسين زوجة ولدن نيفا وثلاثين ولدا فسئل عن ذلك فقال: هذه عادة.وأحضر مجد الدولة وعنفه وعرض له بتسفيه رأيه في الانتصار عن جندراي منه وبعثه إلى خراسان فحبس بها.ثم ملك السلطان قزوين وقلاعها ومدينة ساوة وآوة وصلب أصحاب مجد الدولة من الباطنية.ونفى المعتزلة إلى خراسان وأحرق كتب الفلسفة والاعتزال والنجوم وأخذ مما سوى ذلك من الكتب مائة حمل.وتحصن منه منوجهربن قابوس ملك الجيل بالجبال الوعرة فقصده فيها ولم تصعب عليه فهرب منوجهر وتحصن بالغياض وبعث له بخمسمائة ألف دينار استصلاحا فقبلها ورجع عنه إلى نيسابور.وتوفي منوجهر عقب ذلك وولي بعده ابنه أنوشروان فأقره السلطان على ولايته وقرر عليه خمسمائة ألف دينار ضريبة.وخطب للسلطان محمود في بلاد الجيل إلى أرمينية وافتتح ابنه مسعود زنجان وأبهر من يد إبراهيم السيلار بن المرزبان من عقب شوذان بن محمد بن مسافر الديلمي وجميع قلاعه ولم يبق بيده إلا شهرزان قرر عليه فيها ضريبة كما يأتي في أخبار الديلم.ثم أطاعه علاء الدولة بن كاكويه بأصفهان وخطب له وعاد السلطان إلى خراسان.واستخلف بالري ابنه مسعودًا فقصد أصفهان وملكها من علاء الدولة واستخلف مسعود عليها بعض أصحابه وعاد عنها فثار أهلها بعامله وقتلوه فرجع إليهم واستباحهم ثم عاد إلى الري فأقام بها. استيلاء السلطان محمود على بخاري ثم عوده عنها كان ايلك خان ملك الترك وصاحب تركستان لما ملك بخارى من يد بني سامان سنة تسعين وثلاثمائة ولى عليها ورجع إلى بلاده كما مر وكان الغزأحياء بادية بضواحي بخارى وزعيمهم ارسلان بن سلجوق عم السلطان طغرلبك.وكان بينه وبين ايلك خان وأخيه بقراخان حروب وفتن بسبب استظهار بني سامان بهم.فلما ملك ايلك خان بخارى عرف لارسلان بن سيجور حقه ورفع محله وهو مع ذلك مستوحش.وكان على تكين أخو ايلك خان وحبس ارسلان ولحق ببخارى فاستولى عليها وطلب موالاة ارسلان بن سيجور فوالاه واستفحل أمرهما.ونهض إليهما ايلك خان وقاتلهما فهزماه.واستوثق أمر تكين في بخارى.وكان يسيء جوار السلطان محمود بن سبكتكين في أعماله ويعترض رسله المترددين إلى ملوك الترك فأحفظ ذلك السلطان وأجمع المسير إليه فنهض من بلخ سنة عشرين وأربعمائة وعبر النهر وقصد بخارى فهرب منها تكين ولحق بأيلك خان.ودخل السلطان بخارى وملك سائر أعمالها وأخذ الجزية من سمرقند.وأجفلت أحياء الغز وارسلان بن سلجوق وتلطف في استدعائه.فلما حضر عنده تقبض عليه وبعثه إلى بعض قلاع الهند وحبسه بها.وسار إلى أحياء الغز فنهبهم وأثخن فيهم قتلاً وأسرًا ورجع إلى خراسان. خبر السلطان محمود مع الغز بخراسان لما حبس السلطان ارسلان بن سلجوق ونهب أحياءهم أجلاهم عن ضواحى بخارى فعبروا نهر جيحون إلى خراسان وامتدت فيهم أيدي العمال بالظلم والتعدي في أموالهم وأولادهم فتفرقوا.وجاءت منهم طائفة في أكثر من ألفي خركاه إلى كرمان ثم الى أصفهان وكانوا يسمون العراقية.وطائفة إلى جبل بكجان عند خوارزم القديمة وعاث كل منهم فيما سار فيه من البلاد.وبعث السلطان إلى علاء الدولة بأصفهان لرد الذين ساروا إليه إلى الري وقبلهم وحاول ذلك بالغدر فلم يستطع وحاربهم فهزموه وساروا عنه إلى أذربيجان وأفسدوا ما ساروا عليه وصانعهم وهشوذان صاحب أذربيجان و آنسهم.وكان مقدموهم: بوقا وكوكاش ومنصور ودانا.وأما الذين ساروا إلى خوارزم القديمة فكثر عيثهم في تلك النواحي.وأمر السلطان محمود صاحب طوس ارسلان الحاجب أن يسير في طلبهم فاتبعهم سنتين.ثم جاء السلطان على اثره فشردهم على نواحي خراسان واستخدم بعضهم.وكان أمراؤهم: كوكاش وبوقا وقزل ويغمر وتاصفلي.ولما مات السلطان محمود استخدمهم ابنه مسعود أيضًا وساروا معه من غزنة إلى خراسان فسألوه فيمن بقي منهم بجبل بكجان عند خوارزم فأذن لهم أن يسهلوا إلى البسائط على شرط الطاعة.ثم انتقض أحمد نيال عامل الهند فسار مسعود إليه وولى على خراسان تاش وكثرعيث هؤلاء الغزفي البلاد فأوقع بهم تاش وقتل أميرهم يغمر.وبعث السلطان مسعود من أجلاهم عن البلاد ومثل بهم بالقتل والقطع والصلب.فساروا إلى الري طالبين أذربيجان للحاق بالعراقية منهم كما مر ذكرهم فملكوا الدامغان ونهبوها ثم سمنان.ونهبوا جوار الري وايحاباذ ومشكوبة من أعمال الري وخزبوا كل ما مروا عليه من القرى والضياع فاجتمع لحربهم تاش أبو سهل الحمدوني صاحب الري.وسار إليهم تاش في العساكر والفيلة على التعبئة ولقوه مستميتين وسبق إليه أحياؤهم فهزموه وقتلوه.ثم ساروا إلى الري فهزموا أبا سهل الحمدوني وعسكره ولحق بقلعة طبول ونهبوا الري واستباحوا أموالها.وجاء عسكر من جرجان فاعترضوه وكبسوه وأثخنوا فيهم قتلاً وأسرًا ومضوا إلى أذربيجان ليجتمعوا بالعراقية.ثم رجع علاء الدولة بن كاكويه إلى أصفهان بعد مسيرهم من الري وطلبوا مولاه أبا سهل على طاعة مسعود فلم يتم وعاث الغز في أذربيجان وأوقع بهم وهشوذان وقتل منهم وجمع عليهم أهل أذربيجان وأوقع بهم ففارقوها إشفاقأ من نيال وأخيه طغرلبك وافترقوا بين الموصل وديار بكر فملكوها ونهبرها وعاثوا في نواحيها كما مر ذكره في أخبار قرواش صاحب الموصل وابن مروان صاحب ديار بكر.هذه أخبار ارسلان بن سلجوق مفصلة إلا ما اختصر منها بالري وأذربيجان فإنه يأتي في مواضعه من دولة الديلم.وأما طغرلبك واخوته داود وبيقو وأخوه لأمه نيال المسمى بعد الإسلام إبراهيم فانهزموا وأقاموا بعد سلجوق ببلاد ما وراء النهر.وكان بينهم وبين علي تكين صاحب بخارى حروب ظهر عليهم فيها فعبروا جيحون إلى خوارزم وخراسان وكان من افتتاح نرسي من الهند كان السلطان محمود قد استخلف على الهند من مواليه أحمد نيال تكين فغزا سنة إحدى وعشرين مدينة نرسي من أعظم مدن الهند في مائة ألف مقاتل فنهب وخرب الأعمال واستباحها.وجاء إلى المدينة فدخلها من أحد جوانبها واستباحها يومأ ولم يستوعبها حتى خرجوا فباتوا بظاهرها خوفًا على أنفسهم من أهل البلد.وقسموا الأموال كيلاً وأرادوا العود من الغد فدافعهم أهلها ورجع أحمد نيال بعساكره إلى بلده. وفاة السلطان محمود وولاية ابنه محمد ثم توفي السلطان محمود في ربيع سنة إحدى وعشرين وأربعمائة وكان ملكآ عظيما استولى على كثير من الممالك الإسلامية وكان يعظم العلماء ويكرمهم وقصدوه من أقطار البلاد وكان عادلاً في رعيته رفيقًا بهم محسنًا إليهم وكان كثير الغزو والجهاد وفتوحاته مشهورة.ولما حضرته الوفاة أوصى بالملك لابنه محمد وهو ببلخ وكان أصغر من مسعود إلا أنه كان مقبلاً عليه ومعرضأ عن مسعود.فلما توفي بعث أعيان الدولة إلى محمد بخبر الوصية واستحثوه وخطب له في أقاصي الهند إلى نيسابور وسار إلى غزنة فوصلها لأربعين يومًا واجتمعت العساكر على طاعته وقسم فيهم الاعطيات.لما توفي السلطان محمود كان ابنه مسعود بأصفهان فسار إلى خراسان واستخلف على أصفهان فثار أهلهابخليفته وعسكره فقتلوهم فعاد إليهم مسعود وحصرها وافتتحها عنوة واستباحها.ثم استخلف عليها وسار إلى الري ومنها إلى نيسابور.وكتب إلى أخيه محمد بالخبر وأنه لا ينازعه ويقتصر على فتحه من طبرستان وبلد الجبل وأصفهان ويطلب تقديمه على محمد في الخطبة فأحفظه ذلك واستحلف العساكر.وسار إلى مسعود وكان أكثر العساكر يميلون إلى مسعود لقوته وشجاعته وعلوسنه.وأرسل التونتاش صاحب خوارزم وكان من أصحاب السلطان محمود يشير على محمد بترك الخلاف فلم يسمع وسار فانتهى إلي بكياباد أؤل رمضان من سنته.وأقام وكان مشتغلا باللعب عن تدبير الملك فتفاوض جنده في خلعه والإدالة منه بأخيه مسعود.وتولى كبر ذلك عمه يوسف بن سبكتكين وعلي خشاوند صاحب أبيه.وحبسوا محمدًا بقلعة بكياباد وكتبوا بالخبر إلى مسعود وارتحلوا إليه بالعساكر فلقوه بهراة فقبض على عمه وعلى صاحب أبيه وعلى جماعة من القواد.واستقر في ملك أبيه شهر ذي القعده من سنته وأخرج الوزير أبا القاسم أحمد بن الحسن السيمندي من محبسه وفوض إليه الوزارة وأمور المملكة.وكان أبوه قبض عليه سنة ست عشرة وصادره على خمسة آلاف دينار.ثم سار إلى غزنة فوصلها منتصف اثنتين وعشرين ووفدت عليه رسل جميع الملوك من جميع الآفاق واجتمع له ملك خراسان وغزنة والهند والسند وسجستان وكرمان ومكران والري وأصفهان والجبل وعظم سلطانه.عود أصفهان إلى علاء الدولة بن كاكويه ثم رجوعها للسلطان مسعود كان قناخر مجد الدولة بن بويه صاحب أصفهان وملكها السلطان محمود من يده فهرب عنها وامتنع بحصن قصران.وأنزل السلطان محمود ابنه مسعودا بأصفهان وأنزل معه علاء الدولة بن كاكويه فاستقل بها وسارعنه مسعود.ثم زحف إليه وملكها من يده ولحق علاء الدولة بخوزستان يستنجد أبا كاليجار بن سلطان الدولة.وسارعنه إلى تستر ليستمد له من أخيه جلال الدولة العساكر لمعاودة أصفهان.وكان ذلك عقب فتنة وحرب بين أبي كاليجار وأخيه جلال الدولة فوعده أبوه بذلك إذا اصطلحا وأقام عنده إلى أن توفي السلطان محمود.ولما توفي السلطان محمود جمع قناخر جمعأ من الديلم والأكراد وقصد الري وقاتله نائبه مسعود فهزمه ودفعه عن الري وفتك في عسكره قتلاً و أسرًا.وعاد قناخر الى بلده وبلغ الخبر إلى علاء الدولة بموت السلطان محمود وهو عند أبي كاليجار بخوزستان وقد أيس من النصر فبادر إلى أصفهان فملكها ثم همذان.وقصد الري فقاتله نائب مسعود ورجع إلى أصفهان.ثم اقتحموا عليه البلد عنوة ونجا علاء الدولة إلى قلعة قردخان على خمسة عشرفرسخًا من همذان فتح التيز ومكران وكرمان ثم عود كرمان لأبي كاليجار كان صاحب التيز ومكران لما توفي خلف ولدين أباالعساكر وعيسى واستبد عيسى منهما بالملك فسار أبو العساكر إلى خراسان مستنجدًا بمسعود فبعث معه عسكرأ ودعوا عيسى إلى الطاعة فامتنع وقاتلوه فاستأمن كثير من أصحابه إلى أبي العساكر فانهزم عيسى وقتل في المعركة.واستولى أبو العساكر على البلاد وملكها.وخطب فيها للسلطان مسعود وذلك سنة اثنتين وعشرين.وفي هذه السنة ملك السلطان مسعود كرمان وكانت للملك أبي كاليجار بن سلطان الدولة فبعث إليها السلطان مسعود عساكر خراسان فحاصروا مدينة بردسير وشدوا في حصارها واستبد إلى أطراف البلاد.ثم وصل عسكر أبي كاليجار إلى جيرفت واتبعوا الخراسانية بأطراف البلاد فعاود هزيمتهم ودخلوا المفازة إلى خراسان وعاد العساكر إلى فارس.فتنة عساكر السلطان مسعود مع علاء الدولة بن كاكويه وهزيمته قد تقدم لنا هزيمة علاء الدولة أبي جعفربن كاكويه من الري ونجاته إلى قلعة قردخان.ثم سار منها إلى يزدجرد ومعه فرهاد بن مرداويج مددًا له.وبعث صاحب الجيوش بخراسان عسكرًا مع ابن عمران الديلمي لاعتراضهما فلما قاربهما العسكر فر فرهاد إلى قلعة شكمين ومضى علاء الدولة إلى سابورخرات وملك علي بن عمران يزدجرد.ثم أرسل فرهاد إلى الأكراد الذين مع علي بن عمران وداخلهم في الفتك به وشعر بذلك فسار إلى همذان ولحقه فرهاد فاعتصم بقلعة في طريقه منيعة وكادوا يأخذونه لولا عوائق الثلج والمطر في ذلك اليوم وكانوا ضاحين من الخيام فتركوه ورجعوا عنه.وبعث ابن عمران إلى تاش قرواش صاحب جيوش خراسان يستمده في العسكر إلى همذان.وبعث علاء الدولة يستدعي أبا منصور ابن أخيه من أصفهان بالسلاح والأموال ففعل.وسار علي بن عمران من همذان لاعتراضه فكبسه بجرباذقان وغنم ما معه وقتل كثيرًا من عسكره وأسره وبعث به إلى تاش قرواش صاحب جيوش خراسان وسار إلى همذان.وزحف إليه علاء الدولة وفرهاد فانقسموا عليه وجاؤوه من ناحيتين فانهزم علاء الدولة ونجا إلى أصفهان وفر هاربًا إلى قلعة شمكين فتحصن بها. |
مسير السلطان مسعود إلى غزنة والفتن بالري والجبل
لما استولى السلطان على أمره سار من غزنة إلى خراسان لتمهيد أمورها وكان عامله وعامل أبيه على الهند أحمد نيال تكين قد استفحل فيها أمره وحدثته نفسه بالاستبداد فمنع الحمل وأظهر الانتقاض فسار السلطان إلى الهند ورجع أحمد نيال إلى الطاعة.وقام محلاء الدولة بأصفهان وأظهر الانتقاض ومعه فرهاد بن مرداويج فزحف إليهم أبو سهل وهزمهم وقتل فرهاد ونجا علاء الدولة إلى جبال أصفهان وجرباذقان فامتنع بها.وسار أبو سهل إلى أصفهان فملكها سنة خمس وعشرين ونهب خزائن علاء الدولة وحمل كتبه إلى غزنة.وأحرقها الحسين الغوري بعد ذلك.عود أحمد نيال تكين إلي العصيان ولما عاد السلطان إلى خراسان لقتال الغز عاد أحمد نيال تكين إلى العصيان بالهند وجمع الجموع فبعث السلطان سنة ست وعشرين إليه جيشًا كثيفًا.وكتب إلى ملوك الهند بأخذ المذاهب عليه.فلما قاتله الجيوش انهزم ومضى هاربأ إلى ملتان وقصد منها بهاطية وهو في جمع فلم يقدر ملك بهاطية على منعه.وأراد عبور نهر السند في السفن فهيأ له الملك ليعبر إلى جزيرة وسط النهرظنها متصلة بالبر وأوصى الملك الملاحين أن ينزلوه بها ويرجعوا عنه.وعلموا أنها منقطعة فضعفت نفوسهم وأقاموا بها سبعة أيام ففنيت أزوادهم وأكلوا دوابهم وأوهنهم الجوع.وأجاز إليهم ملك بهاطية فاستوعبهم بالقتل والغرق والأسر وقتل أحمد نفسه. فتح جرجان وطبرستان كانت جرجان وطبرستان وأعمالهما لدارا بن منوجهر بن قابوس وكان السلطان مسعود قد أقره عليها فلما سار السلطان إلى الهند وأنتشر الغز في خراسان منع الحمل ودخل علاء الدولة بن كاكويه وفرهاد بن ماكان في العصيان.فلما عاد مسعود من الهند وأجلى الغز عن خراسان سار إلى جرجان سنة ست وعشرين فملكها.ثم سار إلى آمد فملكها وفارقها أصحابها وافترقوا في الغياض فتبعهم وقتل منهم وأسر.ثم راسله دارا في الصلح وتقرير البلاد عليه وحمل ما بقي عليه فأجابه السلطان إلى ذلك ورجع إلى خراسان.مسير علاء الدولة إلى أصفهان وهزيمته كان أبو سهل الحمدوني قد أنزله السلطان بأصفهان ودلهم على النواحي القريبة من علاء الدولة فأوقع بهم وغنم ما معهم وكوي طمعه بذلك في أصفهان فجمع الجموع وسار إليها فخرج إليهم أبو سهل وقاتلهم وتحيز من كان مع علاء الدولة من الأتراك إلى أبي سهل فانهزم علاء الدولة ونهب سواده وسار إلى بروجرد ثم إلى الطرم فلم يقبله ابن السلار صاحبها. استيلاء طغرلبك علي خراسان كان طغرلبك وأخواه بيقو وحقربيك واسم طغرلبك محمد ولما أسر السلطان محمود ارسلان بن سلجوق وحبسه كما مر وأجاز أحياء من الغز إلى خراسان فكان من أخبارهم ما قدمناه وأقام طغرلبك وإخوته في أحيائهم بنواحي بخارى.ثم حدثت الفتنة بينهم وبين علي تكين صاحب بخارى وكانت بينهم حروب ووقائع وأوقعوا بعساكره مرارًا فجمع أهل البلاد عليهم وأوقع بهم واستلحمهم واستباحهم فانحازوا إلى خراسان سنة.ست وعشرين واستخدموا لصاحب خوارزم وهو هارون بن التونتاش.وغدر بهم فساروا عنه إلى مفازة نسا ثم قصدوا مرو وطلبوا الأمان من السلطان مسعود على أن يضمنهم أمان السابلة فقبضوا على الرسل ولم يجبهم على ما سألوا.وبعث العساكر فأوقعوا بهم على نسا ثم طار شررهم في البلاد وعم ضررهم.وسار السلطان ألب ارسلان إلى نيسابور ففارقها أبو سهل الحمموني فيمن معه واستولى عليها داود.وجاء أخوه طغرلبك على اثره ولقيهم رسل الخليفة إليهم وإلى العراقية الذين قتلهم بالري وهمذان يعنفهم وينهاهم عن الفساد ويطمعهم فتلقوا الرسل بالاعظام والتكرمة.ثم إمتدت عين داود إلى نهب نيسابور فمنعه طغرلبك وعرض له بشهر رمضان ووصية الخليفة فلج فقوي طغرلبك في المنع وقال: والله لئن نهبت لأقتلن نفسي فكف داود عن ذلك وقسطوا على أهل نيسابور ثلاثين ألف دينار فرقوها في أصحابهم.وجلس طغرلبك على سرير ملك مسعود بدار الملك وصار يقعد للمظالم يومين في الأسبوع على عادة ولاة خراسان وكانوا يخطبون للملك مسعود مغالطة وايهاماً.ولما بلغ الخبر إلى السلطان مسعود باستيلاء طغرلبك والسلجوقية على نيسابور جمع عساكره من غزنة وسار إلى خراسان فنزل بلخ في صفر سنة ثلاثين وأصهر إلى بعض ملوك الخانية دفعاً لشره.وأقطع خوارزم ولحق إسماعيل بطغرلبك.ثم أراح السلطان مسعود وفرغ من خوارزم والخانية فبعث السلطان سباسي فسار إليهم في العساكر فلم يشف نفسه ونزل سرخس وعدلوا عن لقائه ودخلوا المفازة التي بين مرو وخوارزم.وأتبعهم السلطان مسعود وواقعهم في شعبان من هذه السنة فهزمهم فما بعدوا حتى عادوا في نواحيه فأوقع بهم أخرى.وكان القتلى فيها منهم ألفاً وخمسمائة وهربهم إلى المفازة.وثار أهل نيسابور بمن عندهم وقتلوهم ولحق فلهم بأصحابهم في المفازة.وعدل السلطان إلى هراة ليجهز العساكر ليطلبهم فبلغه الخبر بأن طغرلبك سار إلى أستراباد وأقام بها في فصل الشتاء يظن أن الثلج يمنعهم عنه فسار السلطان إليه هنالك ففارقها طغرلبك وعدل عن طوس إلى جبال الري التي كان فيها طغرلبك وأصحابه وقد امتنعوا بجبالهم خوفاً من السلطان لما كان منهم من موالاة السلجوقية فأغذ إليهم السير وصبحهم فتركوا أهلهم وأموالهم واعتصموا بوعر الجبل وغنمت عساكره جميع ما استولوا عليه.ثم صعد إليهم بنفسه وعساكره وهلك كثير من العسكر بالثلج في شعاب الجبل.ثم ظفروا بهم في قنة الجبل واستلحموهم.وسار مسعود إلى ثم عاد طغرلبك وأصحابه من المفازة وبعث إليهم السلطان بالوعيد فيقال إن طغرلبك قال لكاتبه اكتب إليه: " قل اللهم مالك الملك " الآية ولا تزده عليها.وله ورد الكتاب على السلطان مسعود كتب إليه وآنسه بالمواعيد وبعث إليه بالخلع وأمره بالرحيل إلى آمل الشط على جيحون.وأقطع نسا لطغرلبك ودهستان لداود وبداره لبيقو وسمي كل واحد منهم بالدهقان فلم يقبلوا أشياء من ذلك ولا وثقوا به وأكثروا كل العيث والفساد.ثم كفوا عن ذلك وبعثوا إلى السلطان مسعود يخادعونه بالطاعة ببلخ ورغبوه في أن يسرح إليهم أخاهم أرسلان المحبوس بالهند فبعث إليه السلطان مسعود وجاؤوا بارسلان من الهند.ولما لم يتم بينهم أمر بإعادته إلى محبسه.هزيمة السلطان مسعود واستيلاء طغرلبك على مدائن خراسان وأعمالها ولما تغلبت السلجوقية على نواحي خراسان وفضوا عساكر السلطان وهزموا الحاجب سباسي اهتز السلطان لذلك وأجمع لخراسان الحشد وبث العطاء وأزاح العلل.وسار من غزنة في الجيوش الكثيفة والفيلة العديدة على التعبية المألوفة ووصل إلى بلخ ونزل بظاهرها.وجاء داود بأحيائه فنزل قريبًا منه وأغار يوماً على معسكره فساق من باب الملك مسعود عدة من الجنائب المقربات معها الفيل الأعظم ورتاع الملك لذلك.وارتحل مسعود من بلخ في رمضان سنة تسع وعشرين ومعه مائة ألف مقاتل.ومر بالجوزجان فصلب الوالي الذي كان بها للسلجوقية وانتهى إلى مرو الشاهجان ومضى داود إلى سرخس واجتمع معه أخوه طغرلبك وبيقو وبعث إليهم السلطان في الصلح فوفد عليه بيقو فأكرمه السلطان وخلع عليه وأجابه هو عن أصحابه بالإمتناع من الصلح للخوف من السلطان.وسار من عند السلطان فسقط في يده وسار في إتباعهم من هراة إلى نيسابور ثم سرخس.كلما تبعهم إلى مكان هربوا منه إلى آخر حتى أظلهم فصل الشتاء فأقاموا بنيسابور ينتظرون إنسلاخه فانسلخ والسلطان عاكف على لهوه غافل عن شأنه حتى انقضى زمن الربيع.واجتمع وزراؤه وأهل دولته وعذلوه في إهمال أمر عدوه فسار من نيسابور إلى مرو في طلبهم فدخلوا المفازة فدخل وراءهم مرحلتين وقد ضجر العسكر من طول السفر وعنائه.وكانوا منذ ثلاث سنين منقلبين فيه منذ سفرهم مع سباسي فنزل بعض الأيام في منزلة على قليل من الماء وازدحم الناس على الورود واستأثر به أهل الدولة والحاشية فقاتلهم عليه الجمهور ووقعت في العساكر لذلك هيعة.وخالفهم الدعرة إلى الخيام ينهبون ويتخطفون.وكان داود وأحياؤه متابعاً للعسكر على قرب يتخطف الناس من حولهم فشعر بتلك الهيعة فركب في قومه وصدم العساكر وهم في تلك الحال فولوا منهزمين والسلطان والوزير ثابتان في موقفهما يحرضان الناس على الثبات فلم يثبت أحد فانصرفا مع المنهزمين في فل واتبعهم داود وأثخن فيهم بالقتل.ثم رجع إلى العسكر وقد غنمه أصحابه فآثرهم بالغنائم وقسم فيهم ما حصل له.وقعد على كرسي السلطان وأقام عسكره ثلاثة أيام ولياليها خشية من كر العساكر السلطانية عليهم.ونجا السلطان إلى غزنة فدخلها في شوال سنة إحدى وثلاثين وقبض على سباسي وغيره من الأمراء وسار طغرلبك إلى نيسابور فملكها آخر إحدى وثلاثين ونهب عسكره أهلها وكان بها هرج عظيم من الدعرة.وكانوا ينالون من الناس بالنهب والزنا والقتل فارتدعوا لذلك لهيبة طغرلبك وسكن الناس.وملك السلجوقية البلاد فسار بيقو إلى هراة فملكها وسار داود إلى بلخ وبها الحاجب التونتاش فاستخلفه السلطان عليها فأرسل إليه داود في الطاعة فسجن الرسل وحاصر داود.وبعث السلطان مسعود جيشًا كثيفاً لإمداده.ودفع السلجوقية عن البلاد فسار فريق منهم إلى الرخج فدفعوا من كان بها من السلجوقية وهزموهم وأفحشوا في قتلهم وأسرهم.وسار فريق منهم إلى بيقو في هراة فقاتلوه ودفعوه عنها.ثم بعث السلطان ابنه مودود بعساكر أخرى وجعل معه وزيره أبا نصر أحمد بن محمد بن عبد الصمد يدبره فسار عن غزنة سنة اثنتين وثلاثين.فلما قارب بلخ وداود يحاصرها بعت داود جماعة من عسكره فلقوا طلائع موعود فهزمهم.فلما وصلت منهزمة تأخر موعود عن نهايته وأقام وسمع التونتاش بإحجام موعود عنه فأطاع داود وخرج إليه. |
خلع السلطان مسعود ومقتله وولاية أخيه محمد مكانه
ولما بعث السلطان ولده مودود إلى خراسان لمدافعة السلجوقية عنها وأقام بعده سبعة أيام وخرج من غزنة في ربيع سنة إثنتين وثلاثين يريد الهند للمشتى به على عادة أبيه ويستنفر الهنود لقتال السلجوقية.واستصحب أخاه محمداً المسمول معه.وكان أهل الدولة قد ضجروا منه فتفاوضوا في خلعه وولاية أخيه محمد وأجمعوا ذلك فلما عبروا نهر سيحون وتقدم بعض الخزائن فتخلف أنوش تكين البلخي في جماعة من الغلمان الفداوية ونهبوا بقية الخزائن وبايعوا لمحمد المسمول وذلك في منتصف ربيع الآخر من السنة.وافترق العسكر واقتتلوا وعظم الخطب وانهزم السلطان محمود وحاصروه في رباط هناك.ثم استنزلوه على الأمان.وخيره أخوه محمد في السكنى فاختار مسعود قلعة كيدي فبعث إليها وأمر بإكرامه.ورجع محمد بالعساكر إلى غزنة وفوض إلى ابنه أحمد أمر دولته.وكان أهوج فاعتزم على قتل عمه مسعود وداخل في ذلك عمه يوسف وعلى خشاوند فوافقوه عليه وحرضوه فطلب من أبيه خاتمه ليختم به بعض خزائنهم وبعث بهم إلى القلعة مع بعض خدمه ليؤدي رسالة مسعود وهو بخراسان يعتذر بأن أولاد أحمد نيال تكين قتلوا السلطان مسعود قصاصاً بأبيهم فكتب إليه يتوعده.ثم طمع الجند في السلطان محمد ومحوا أيديهم إلى الرعايا ونهبوها.وخربت البلاد وارتحل عنها محمد.وكان السلطان مسعود شجاعًا كريماً عزيز الفضل حسن الخط سخياً محباً للعلماء مقرباً لهم محسنًا إليهم وإلى غيرهم من ذوي الحاجات كثير الصلوات والعطاء والجوائز للشعراء حليت تصانيف العلوم باسمه وكثرت المساجد في البلاد بعمارته.وكان ملكه فسيحًا.ملك أصفهان وهمذان والري وطبرستان وجرجان وخراسان وخوارزم وبلاد الدارون وكرمان وسجستان والسند والرخج وغزنة وبلاد الغور وأطاعه أهل البر والبحر وقد صنف في أخباره ومناقبه. مقتل السلطان محمد وولاية مودود ابن أخيه مسعود لما بلغ الخبر بمقتل السلطان مسعود إلى ابنه مودود بخراسان سار مجداً في عساكره إلى غزنة فلقيه عمه محمد في شعبان سنة إثنتين وثلاثين وانهزم محمد وقبض عليه وعلى ابنيه أحمد وعبد الرحمن وعلى أنوش تكين البلخي الخصي وعلى علي خشاوند وقتلهم أجمعين إلا عبد الرحمن لرفقه بأبيه مسعود عند القبض عليه.وقتل كل من داخل في قبض أبيه وخلعه وسار سيرة جده محمود.وبلغ الخبر إلى أهل خراسان فثار أهل هراة بمن عندهم من السلجوقية فأخرجوهم وتشوف أهل خراسان للنصر على الغز من قبل موعود وكان أبوه السلطان مسعود قد بعث ابنه الآخر إلى الهند أميراً عليها سنة ست وعشرين.فلما بلغه موت أبيه بايع لنفسه وقفل إلى لهاور والملتان فملكهما وأخذ الأموال وجمع العساكر وأظهر الخلاف على أخيه مودود.وحضر عيد الأضحى فأصبح ثالثه ميتاً بلهاور بعد أن كان مودود يجهز العساكر من غزة لقتاله وهو في شغل شاغل من أمره ففرغ عن الشواغل ورسخت قدمه في ملكه.وخالفه السلجوقية بخراسان وخاطبه خان الترك من وراء النهر بالإنقياد والمتابعة. استيلاء طغرلبك على خوارزم كانت خوارزم من ممالك محمود بن سبكتكين وابنه مسعود من بعده وكان عليها التوتناش حاجب محمود من أكابر أمرائه ووليها لهما معاً.ولما شغل مسعود بفتنة أخيه محمد عند مهلك أبيهما أغار على تكين صاحب بخارى من أطراف البلاد وغيرهما فلما فرغ مسعود من مراجعة محمد واستقل بالملك بعث إلى التونتاش بالمسير إلى أعمال علي وانتزاع بخارى وسمرقند منه وأمده بالعساكر فعبر جيحون سنة أربع وعشرين وأخذ من بلاد تكين كثيرًا فأقام بها وهرب تكين بين يديه.ثم دعته الحاجة إلى الأموال للعساكر ولم يكن في جبايته تلك البلاد.وجاء بها فاستأذن في العود إلى خوارزم وعاد واتبعه علي تكين وكبسه على غرة فثبت وانهزم علي تكين ونجا إلى قلعة دبوسية.وحاصره التوتناش وضيق عليه فبعث إليه واستعطفه فأفرج عنه وعاد إلى خوارزم وكانت به جراحة من هذه الوقعة فانتقض عليه ومات.وترك من الولد ثلاثة وهم: هارون ورشيد وإسماعيل.وضبط وزيره أحمد بن عبد الصمد البلد والخزائن حتى جاء هارون الأكبر من الولد من عند السلطان بعهده على خوارزم ثم توفي التميمي وزير السلطان مسعود وبعث على أبي نصر لوزارته واستناب أبو نصر عند هارون بخوارزم ابنه عبد الجبار.ثم استوحش من هارون وسخطه وأظهر العصيان في رمضان سنة خمس وعشرين فاختفى عبد الجبار خوفاً من غائلته وسعى عند السلطان مسعود.وكتب مسعود إلى شاه ملك بن علي أحد ملوك الأطراف بنواحي خوارزم بالمسير لقتال إسماعيل فسار وملك البلد فهزمهما وهرب إسماعيل وشكر إلى طغرلبك وداود صريخين فسار داود إلى خوارزم فلقيهما شاه ملك وهزمهما.ثم قتل مسعود وملك ابنه مودود فدخل شاه ملك بأمواله وذخائره في المفاوز إلى دهستان ثم إلى طبس ثم إلى نواحي كرمان ثم إلى أعمال البتر ومكران.وقصد أرتاش أخا إبراهيم نيال وهو ابن عم طغرلبك في أربعة آلاف فارس فأسره وسلمه إلى داود واستأثر هو بما غنم من أمواله.ثم أعاد أرتاش إلى باذغيس وأقام على محاصرة هراة على طاعة مودود بن مسعود فامتنعو منه خوفاً من معرة هجومه عليهم. مسير العساكر من غزنة إلى خراسان ولما ملك الغز خراسان واستولوا على سائر أملاكها وأعمالها واستولي طغرلبك جرجان وطبرستان وخوارزم وإبراهيم نيال على همذان وعلى الري والجبل وولي على خراسان وأعمالها داود بن ميكايل وبعث السلطان أبو الفتح مودود عساكره مع بعض حجابه إلى خراسان سنة خمس وثلاثين فسرح إليهم داود ابنه ألب ارسلان في العساكر فاقتتلوا وكان الغلب لألب ارسلان.وعاد عسكر غزنة مهزوماً وسار.عسكر من الغز إلى نواحي بست وعادوا وأفسدوا فبعث أبو الفتح مودود إليهم عسكرًا فقاتلهم لمزموا وظفر عسكر مودود بهم وأثخنوا فيهم.مسير الهنود لحصار لهاور وامتناعها وفتح حصون أخري من بلادهم وفي سنة خمس وثلاثين اجتمع ثلاثة من ملوك الهند على لهاور فجمع مقدم العساكر الإسلامية هناك عسكره وبعثهم للدفاع عنها.وبعث إلى السلطان مودود وحاصرها الثلاثة ملوك.ثم أفرج الآخران وعادا إلى بلادهما.وسارت عساكر الإسلام في إتباع أحدهما وهو دوبالي هربابة فانهزم منهم وامتنع بقلعة له هو وعساكره وكانوا خمسة آلاف فارس وسبعين ألف راجل.وحاصرهم المسلمون حتى استأمنوا وسلموا ذلك الحصن وجميع الحصون التي من أعمال الملك وغنموا أموالهم وأطلقوا من كان الحصون من أسرى المسلمين بعد أن أعطوهم خمسة آلاف ثم ساروا إلى ولاية الملك الآخر واسمه باس الري فقاتلوه وهزموه وقتل في المعركة هو وخمسة آلاف من قومه وأسر الباقون وغنم المسلمون ما معهم.وأذعن ملوك الهند بعدها بالطاعة وحملوا الأموال وطلبوا الأمان والإقرار على بلادهم فأجيبوا. |
وفاة مودود وولاية عمه عبد الرشيد
ثم توفي أبو الفتح مودود بن مسعود بن محمود بغزنة لعشر سنين من ولايته في رجب سنة إحدى وأربعين وقد كان كاتب فأجابوه وجمع أبو كاليجار صاحب أصفهان العساكر وسار في المفازة لنصره فمرض في طريقه ورجع.وسار خاقان إلى ترمذه وطائفة أخرى مما وراء النهر إلى خوارزم.وسار مودود من غزنة فعرض له بعد رحيله من غزنة مرض القولنج عاد إلى غزنة وبعث إلى وزيره أبي الفتح عبد الرزاق بن أحمد التميدي في العساكر إلى سجستان لإنتزاعها من اغز.ثم اشتد وجعه فمات ونصب ابنه للأمر خمسة أيام.ثم عدل الناس عنه إلى عمه إلى عمه علي بن مسعود وكان مسعود لأول ولايته قبض على عمه عبد الرشيد أخي محمود وحبسه بقلعة بطريق بست.فلما قاربها الوزير أبو الفتح وبلغه وفاة مودود نزل عبد الرشيد إلى العسكر فبايعوا له ورجعوا به إلى غزنة فهرب علي بن مسعود واستقر الأمر لعبد.الرشيد ولقب سيف الدولة وقيل جمال الدولة.واستقام أمر السلجوقية بخراسان وانندفعت العوائق عنهم. مقتل عبد الرشيد وولاية فرخزاد كان لمودود صاحب اسمه طغرل وجعله حاجباً ببابه.وكان السلجوقية قد ملكوا سجستان وصارت في قسم بيقو أخي طغرلبك وولي عليها أبا الفضل من قبله فأشار طغرلبك على عبد الرشيد بانتزاعها منهم وألح عليهم في ذلك فبعث إليها طغرل في ألف فارس فحاصر حصن الطاق أربعين يوماً.وكتب أبو الفضل من سجستان يستنجده.وسار طغرل ولما سمع أصوات البوقات والدبادب وأخبر أنه بيقو فتحاجزوا وعلم أنه تورط ولقيهم مستميتاً فهزمهم وسار إلى هراة.واتبعهم طغرل فرسخين وعاد إلى سجستان فملكها وكتب إلى عبد الرشيد بالخبر واستمده لغزو خراسان فأمده بالعساكر.ثم حدثته نفسه بالملك فأغذ السير إلى غزنة حتى كان على خمسة فراسخ منها كتب إلى عبد الرشيد باستيجاش العسكر وطلبهم الزيادة في العطاء فشاور أصحابه فكشفوا له وجه المكيدة في ذلك.وحذروه من طغرل فصعد إلى قلعة غزنة وتحصن بها.وجاء طغرل من الغد فنزل في دار الإمارة وأرسل أهل القلعة في عبد الرشيد فأسلموه إليه فقتله واستولي على ملكهم.وتزوج ابنة السلطان عبد الرشيد ويحضهم على الأخذ بثأره فأجابوا ودخلوا عليه في مجلسه وقتلوه وجاء خرخيز الحاجب لخمسة أيام من قتله وجمع وجوه القواد وأعيان البلد وبايع فرخاد ابن السلطان مسعود وقام بتدبير دولته وقتل الساعين في إلى غزنة ولقي الغز وهزمهم.ودخل غزنة فملكها من أيديهم.ثم سار من غزنة إلى كرمان وسوران فملكها.وكرمان هذه.بين غزنة والهند وليست كرمان المعروفة.ثم سار غياث الدين إلى نهر السند ليعبر إلى ليهاور كرسي خسرو شاه بن بهرام شاه فبادر خسرو شاه ومنعه العبور فرجع وملك ما يليه من جبال الهند وأعمال الأنبار.وولي على غزنة أخاه شهاب الدين ورجع إلى بيروز كوه. استيلاء الغورية على لهاور ومقتل خسرو شاه وانقراض دولة بني سبكتكين ولما ولي شهاب الدين الغوري غزنة أحسن السيرة فيهم وافتتح جبال الهند مما يليه فاستفحل ملكه وتطاول إلى ملك لهاور قاعدة الهند من يد خسرو شاه فسار سنة تسع وسبعين في عسكر غزنة والغور وعبر إليها وحاصرها وبذل الأمان لخسرو شاه وأنكحه ابنته وسوغه ما يريد من الإقطاع على أن يخرج إليه ويخطب لأخيه فأبى من ذلك.وأقام شهاب الدين يحاصره حتى ضاق مخنقه.وخذله أهل البلد فبعث القاضي والخطيب يستأمنان له فأمنه ودخل شهاب الدين وبقي خسرو شاه عنده مكرماً.وبقي شهرين ينتظر المعونة من يد غياث الدين فأنفذ خسرو شاه إليه فارتاب من ذلك وأمنه شهاب الدين وحلف له وبعث به وبأهله وولده مع جيش يحفظونهم.فلما وصلوا بلد الغور حبسهم غياث الدين ببعض قلاعه فكان آخر العهد به وانقرضت دولة بني سبكتكين بموته وكان مبدؤها سنة ست وستين وثلاثمائة فتكون مدة الدولة مائتين وثلاث عشرة سنة. دولة الترك الخبر عن دولة الترك في كاشغر وأعمال تركستان وما كان لهم من الملك في الملة الإسلامية بتلك البلاد وأولية أمرهم ومصائر أحوالهم: كان هؤلاء الترك ملوك تركستان ولا أدري أولية أمرهم بها إلا أن أول من أسلم منهم سبق قراخان وتسمى عبد الملك وكانت له تركستان وقاعدتها كاشغر وساغون وخيمو وما يتصل بها إلى أوان المفازة المتصلة بالصين في ناحية الشمال عنهم أعمال طراز والشاش وهي للترك أيضاً.إلا أن ملوك تركستان أعظم ملكاً منهم بكثير.وفي الخرب عنهم بلاد ما وراء النهر التي كان ملكها لبني سامان وكرسيهم بخارى.ولما أسلم ملكهم عبد الكريم سبق أقام على ملكه بتلك الناحية وكان يطيع بني سامان هو وعقبه يستنفرونهم في حروبهم إلى أن ملك عهد الأمير نوح بن منصور في عشر التسعين والثلاثمائة على حين اضطراب دولة بني سامان وانتقاض عمالهم بخراسان.وانتقض أبو علي بن سيجور فراسل بقراخان وأطمعه في ملك بخارى فطمع بقراخان في البلاد.ثم قصد أعمال بني سامان وملكها شيئًا فشيئاً.وبعث الأمير نوح إليه العساكر مع قائده أنج فلقيهم بقراخان وهزمهم وأسر أنج وجماعة من القواد.وسار فائق إلى بقراخان واختص به وفاة بقراخان وملك أخيه آيلك خان سليمان ولما ارتحل بقراخان من بخارى وهو على ما به من المرض أدركه الموت في طريقه فمات سنة ثلاث وثمانين وكان ديناً عادلاً حسن السيرة محبًا للعلماء وأهل الدين مكرماً لهم متشيعاً سنياً.وكان مواليًا لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم.ولما مات ولي بعده أخوه آيلك خان سليمان ولقبه شهير الدولة.واستوثق ملكه بتركستان وأعمالها ووفد عليه فائق بعد حروبه بخراسان مع جيوش الأمير نوح وسبكتكين وابنه محمود ولحق به مستصرخاً فأكرمه ووعده وكتب إلى الأمير نوح يشفع في فائق وأن يوليه سمرقند فولاه عليها وأقام بها. استيلاء آيلك خان على ما وراء النهر لما عاد بقراخان على بخارى وعاد إليها الأمير نوح وقد كان من أبي علي بن سيجور وإجلائه عن خراسان ما كان استدعي الأمير نوح مولاه سبكتكين بعد ذلك واختلف ابناه بكثرزون ومنصور كما تقدم ذلك سنة خمس وثمانين.ثم هلك سبكتكين كما تقدم ذلك كله قبل ثم استوحش بكثرزون من منصور واتفق مع فائق على خلعه فخلعه وسلمه بخراسان سنة تسع وثمانين وكان فائق خصيًا من موالي نوح بن منصور.وهذه الأخبار كلها مستوفاة في دولة بني سامان.ثم بلغ الخبر إلى آيلك خان فطمع في ملك بخارى وأعمالها وسار في جموع الترك إلى بخارى مورياً بالمحاماة عن عبد الملك والنصرة له وخرج بكثرزون والأمراء والقواد للقائه فقبض عليهم وسار فدخل بخارى عاشر ذي القعده من سنة تسع وثمانين ونزل دار الإمارة وظفر بعبد الملك فحبسه فانكدر حتى مات.وحبس معه أخاه المخلوع أبا الحارث منصور وأخويه الآخرين إسماعيل ويوسف ابني نوح وأعمامه محموداً وداود وغيرهم وانقرضت دولة بني سامان والبقاء لله.ثورة إسماعيل إلى بخارى ورجوعه عنها قد تقدم لنا أن إسماعيل فر من محبسه بخوارزم واجتمع إليه قوادهم وبايعوه ولقبوه المستنصر.وبعث قائداً من أصحابه إلى بخارى ففر من كان بها من عساكر آيلك خان فهزموم وقتل منهم وحبس.وكان النائب بها جعفر تكين أخي آيلك خان فحبسه واتبع المنهزمين إلى سمرقند.ولحق إسماعيل بأحياء الغز وجمعوا عليه.وجاء آيلك خان في جيوشه والتقوا فانهزم آيلك خان وأسروا قواده وغنموا سواده ورجعوا إلى بلادهم وتشاوروا في الأسرى فارتاب بهم إسماعيل وعبر النهر وانضمت إليه فتيان سمرقند.واتصل الخبر بآيلك خان فجمع والتقى هو وإسماعيل وهزمه بنواحي أسروشنة وعبر النهر إلى نواحي الجوزجان ثم إلى مرو.وبعث محمود العساكر في آثره من خرسان وكذلك قابوس من جرجان فعاد إلى ما وراء النهر وقد ضجر أصحابه ونزل بحي من العرب فأمهلوه الليل وقتلوه.واستقرت بخارى في ملك آيلك خان وولي عليها أخوه علي تكين. عبور آيلك إلي خرسان قد تقدم لنا ما كان انعقد بين آيلك خان ومحمود من المواصلة.ثم دبت عقارب السعاية بينهما وأكثر محمود من غزو بلاد الهند.ولما سار إلى الملتان اغتنم آيلك خان الفرصة في خراسان وبعث سباسي تكين صاحب جيشه وأخاه جعفر تكين إلى بلخ في علة من الأمراء وأرسلان الحاجب.فسار أرسلان إلى غزنة وملك سباسي هراة وأقام بها وبعث إلى نيسابور عسكراً فاستولي عليها.وبادر محمود بالرجوع من الهند وفرق الطايا وأزاح العلل واستنفر الأتراك الخلنجية.وسار إلى جعفر تكين ببلخ ففارقها إلى ترمذ وبعث العساكر إلى سباسي بهراة ففارقها إلى مرو ليعبر النهر فاعترضه التركمان فأوقع بهم وسار إلى أبيورد العساكر في أتباعه.ثم سار إلى خراسان فاعترضه محمود وهزمه وأسر أخاه وجماعة من قواده وعبر النهر إلى آيلك وأجلى عساكره وأصحابه من خراسان فبعث آيلك خان إلى قراخان ملك الختل فاستنفر الترك الغزية والخلنجية والهنود وعسكر على فرسخين من بلخ وتقدم آيلك وقراخان في عساكرهما ونزلوا قبالته واقتتلوا يوماً إلى الليل ومن الغد إشتدت الحرب ونزل الصبر.ثم حمل محمود في الفيله على آيلك خان في قلب فاختل المصاف وانهزم الترك واتبعهم عساكر محمود وأثخنوا فيهم بالقتل والأسر إلى أن عبر النهر وانقلب ظافراً غانماً وذلك سنه سبع وتسعين وثلاثمائة. |
وفاة آيلك خان وولاية أخيه طغان خان
ثم هلك آيلك خان سنة ثلاث وأربعمائة وكان موالياً للسلطان محمود ومظاهراً له على أخيه طغان خان.فلما ولي تجدد ما بينه وبين السلطان من الولاية وصلحت الأحوال وأنمحت آثار الفتنة في خراسان وما وراء النهر. وفاة طغان خان وولاية أخيه أرسلان خان ثم توفي طغان خان ملك الترك سنة ثمان وأربعمائة بعد أن كان له جهاد مع أمم من الترك خرجوا من الصين في زهاء ثلاثمائة ألف وقصدوا بلاده في ساغون وهال المسلمون أمرهم فاستنفر طغان طوائف المسلمين وغيرهم واستقبلهم فهزمهم وقتل منهم نحو مائة ألف وأسر مثلها ورجع الباقون منهزمين.ومات طغان أثر ذلك وولي بعده أخوه ارسلان.وكان من الغريب الدال على قصد أيمان طغان أنه كان عند خروج الترك إلى بلاد ساغون عليلاً فلما بلغه الخبر تضرع لله أن يعافيه حتى ينتقم من هؤلاء الكفرة ويدفعهم عن البلاد فاستجاب الله دعاءه.وكان محباً لأهل العلم والدين.ولما توفي واصل ارسلان خنان الولاية مع السلطان محمود وأصهر إلى ابنه مسعود في بعض كرائمه فاستحكم الاتصال بينهما. انتقاض قراخان على ارسلان وصلحه كان ارسلان خان قد ولي على سمرقند قراخان يوسف بن بقراخان هارون الذي ملك بخارى فانتقض عليه سنة تسع وأربعمائة وكاتب السلطان محمود صاحب خراسان يستظهر به على ارسلان خان فعقد السلطان على جيحون جسراً من السفن محكمة الربط بسلاسل الحديد وعبر إليه.ثم خام عن لقائه فعاد إلى خراسان وانقطعت الموالاة بينه وبين ارسلان خان وتصالح مع قراخان واتفقا على محاربة السلطان محمود والمسير إلى بلاده فسار إلى بلخ وقاتلهما السلطان قتالاً شديداً حتى انهزم الترك وعبروا النهر إلى بلادهم.وكان من غرق أكثر ممن نجا وعبر السلطان في أثرهم ثم رجع عنهم.أخبار قراخان الذي يظهر من كلام ابن الأثير: أن قراخان ولي بلاد الترك بتركستان وساغون فإنه ذكره عقب هذا الخبر بالعدل وحسن السيرة وكثرة الجهاد.ثم قال عقب كلامه: فمن فتوحاته ختن بين الصين وتركستان وهي كثيرة العلماء والفضلاء.ثم قال: وبقي كذلك إلى سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة فتوفي فيها.ولما توفي خلف ثلاثة بنين: أرسلان خان وكنيته أبو شجاع ولقبه شرف الدولة وبقراخان ولم يذكر الثالث.والظاهر أنه شرف الدولة.قال: وكان لأرسلان كاشغر وختن وساغون وخطب له على منابرها وكان عادلاً مكرماً للعلماء وأهل الدين محسناً لهم وقصد كثير منهم فأكرمهم.قال: وكان لبقراخان طراز وأسفيجاب.ووقعت الفتنة بين بقراخان وارسلان فغلبه بقراخان وحبسه وملك بلاه.وقال في موضع آخر: كان يقنع من أخوته وأقاربه بالطاعة فقسم البلاد بينهم أعطى أخاه أرسلان تكين كثيراً من بلاد الترك وأعطى أخاه طراز وأسفيجاب وأعطى مه طغان خان فرغانة بأسرها وأعطى ابنه علي تكين بخارى وسمرقند وغيرهما.وقنع هو ببلاد ساغون وكاشغر.قال: وفي سنة خمس وثلاثين أسلم كثير من كفار الترك الذي كانوا يطرقون بلاد الإسلام بنواحي ساغون وكاشغر ويعيشون فيها ويصيفون ببلاد بلغار فأسلموا وافترقوا في البلاد وبقي من لم يسلم التتر والخطا في نواحي الصين انتهى.ورجع إلى بقراخان أول وقال فيه: حبس أخاه ارسلان خان وملك بلاده ثم عهد بالملك لولده الأكبر واسمه حسين جعفر تكين.وكان له ولد آخر أصغر من حسين اسمه إبراهيم فغارت أمه لذلك وقتلت بقراخان بالسم وخنقت أخاه ارسلان في محبسه.ثم استلحمت وجوه أصحابه وأمرائه وملكت ابنها إبراهيم سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وبعثته في العساكر إلى برسخان مدينة بنواحي تركستان وكان صاحبها يسمى نيال تكين.فانهزم إبراهيم وظفر به نيال تكين وقتله.واختلف أولاد بقراخان وفسد أمرهم وقصدهم طقفاج خان صاحب سمرقند وفرغانة فأخذ من أولاد بقراخان الملك من أيديهم. الخبر عن طقفاج خان وولده كان بسمرقند وفرغانة أيام بني بقراخان وأخوته ملك من الترك الخانية اسمه نصر آيلك ويلقب عماد الدولة ويكنى أبا المظفر.ثم فلج سنة إثنتين وأربعمائة ومات وقد عهد بملكه لإبنه شمس الدولة نصر فقصد أخوه طغان خان بن طقفاج وحاصره بسمرقند وبيته شمس الدولة فهزمه وظفر به.وكان ذلك في حياة أبيهما.ثم جاء بعد مماته إلى محاربة شمس الدولة بقراخان هارون بن قدرخان يوسف وطغرك خان وكان طقفاج قد استولي على ممالكه وحاصره بسمرقند ولم يظفروا به ورجعوا عنه.وصارت أعمال الخانية كلها في أيديهما والأعمال المتاخمة لسبحون لشمس الدولة والتخم بينهما خجنده.وكان السلطان ألب أرسلان قد تزوج بابنه قمرخان وكانت قبله زوجاً لمسعود بن محمود بن سبكتكين.وتزوج شمس الدولة بابنه ألب أرسلان شمس الملك وذلك سنة خمس وستين.وملكها ونقل ذخائرها إلى سمرقند.وخاف أهل بلخ منه فاستأمنوا إليه وخطبوا له فيها لأن أرباس ألب أرسلان سار إلى الجوزجان وجاء إليها التكين وولي عليها وعاد إلى ترمذ فثار أهل بلخ بأصحابه وقتلوهم فرجع إليهم وأمر بإحراق المدينة ثم عفا عنهم وصادر التجار.وبلغ الخبر إلى ألب أرسلان فعاد من الجوزجان وسار في العساكر إلى ترمذ في منتصف سنة خمس فلقيه التكين وهزمه وغرق كثير من أصحابه في النهر.ثم استقامت الأمور للسلطان ملك شاه فسار إلى ترمذ سنة ست وستين وحاصرها ورماها بالمنجنيق رطم خندقها حتى استأمن أهلها واعتصم بقلعتها أخو التكين.ثم استأمن وأطلقه السلطان إلى أخيه.ثم سار ملك شاه إلى سمرقند ففارقها وبعث أخوه السلطان في الصلح فأجابه ورده إلى سمرقند.ورجع السلطان إلى خراسان انتهى.قال ابن الأثير: ثم مات شمس الدولة وولي بعده أخوه خضر خان.ثم مات خضر خان فولي بعده ابنه أحمد خان.وكان أحمد هذا أسره ملك شاه في سمرقند لما فتحها ووكل به جماعة من الديلم فلقن عنهم معتقدات الإباحة والزندقة.فلما ولي أظهر الإنحلال فاعتزم جنده على قتله وتفاوضوا في ذلك مع نائبه بقلعة قاشان فأظهر العصيان عليه فسار في العساكر وحاصر القلعة.وتمكن جنده منه فقبضوا عليه ورجعوا به إلى سمرقند فدفعوه إلى القضاة قال ابن الأثير: وكان جده من ملوكهم وكان أصم.وقصده طغان خان بن قراخان صاحب طراز فقتله واستولي على الملك وولي على سمرقند أبا المعالي محمد بن محمد بن زيد العلوي فوليها ثلاث سنين.ثم عصي عليه فحاصره وأخذه فقتله.ثم خرج طغان خان إلى ترمذ فلقيه السلطان سنجر وظفر به وقتله وأخذها منه عمر خان.وملك سمرقند ثم هرب من جنده إلى خوارزم فظفر به السلطان أحمد.وولي سمرقند محمد خان وولي بخارى محمد تكين.وقال ابن الأثير في ذكر كاشغر وتركستان: إنها كانت لأرسلان خان بن يوسف قدرخان كما ذكرنا.ثم صارت لمحمود نوراخان صاحبا طراز والشاش فملكها سنة وثلاثة أشهر ثم مات فولي بعده طغراخان ابن يوسف قدرخان وملك بلاد ساغون وأقام ست عشرة سنة.ثم توفي فملك ابنه ظغرل تكين شهرين ثم جاء هارون بقراخان بن طقفاج نورخان وهو أخو يوسف طغرك خان فملك كاشغر وقبض على هارون واستولي على ختن وما يتصل به إلى ساغور وأقام عشرين سنة وتوفي سنة ست وتسعين وأربعمائة فولي بعده محمد بن أرسلان خان وبعث إليه المستظهر بالخلع ولقبه نور الدولة. مقتل قدرخان صاحب سمرقند قال ابن الأثير سنة خمس وتسعين وأربعمائة: ولما سار سنجر إلى بغداد مع أخيه السلطان محمد طمع قدرخان جبريل بن عمر صاحب سمرقند في خراسان فخالف إليها سنجر بعد رجوعه إليها وقد عظم الخلاف بين بركيارق وأخيه محمد.وكان بعض أمراء سنجر اسمه كنذعري يكاتب قدرخان ويغريه ويستحثه إلى البلاد فسار قدرخان إلى بلخ سنة سبع وتسعين في مائة ألف.وبادر سنجر إليها في ستة آلاف فلما تقاربا لحق كنذعري بقدرخان فبعثه إلى ترمذ وملكها.وجاء الخبر إلى سنجر بأن قدرخان نزل قريباً من بلخ وأنه خرج متصيداً في ثلاثمائة فارس فجرد إليه عسكراً مع أميره برغش فهزمهم وجاء بكنذعري وقدرخان أسيرين.وقيل إنه وقع بينهما مصاف وانهزم قدرخان وأسر فقتله سنجر وسار إلى ترمذ فحاصرها حتى استأمن إليه كنذعري فأمنه ولحق بغزنة.وكان محمد أرسلان خان بن سليمان بن داود بقراخان نازلاً بمرو فبعث عنه السلطان سنجر وولاه على سمرقند وهو من نسل الخانية مما وراء النهر وأمه بنت السلطان سنجر وولي ملك شاه دفع عن ملك آبائه فقصد مرو وأقام بها فلما قتل قدرخان ولاه سنجر أعماله وبعث معه العساكر الكثيرة فاستولي عليها واستفحل ملكه.ثم انتقض عليه من أمراء الترك تيمورلنك وجمع وسار إلى محمد خان بسمرقند وغيرها فاستنجد محمد خان بالسلطان سنجر فأنجده بالعساكر وسار إلى تيمورلنك فهزمه وفض جموعه ورجت العساكر إليه.ثم بلغ السلطان سنجر سوء سيرة محمد في رعيته وإهماله لأوامر السلطان فسار إليه سنة سبع وخمسمائة فخاف محمد خان غائلته وبعث إلى الأمير قماج أعظم أمراء سنجر يعتذر ويسأله الصلح فشرط عليه الحضور عند السلطان فاعتذر بالخوف وأنه يقف من وراء جيحون ويقبل الأرض من هنالك فأجيب إلى ذلك ووقفوا بعدوة النهر حتى وافى محمد خان بشرطه وسكنت الفتنة. استيلاء السلطان سنجر على سمرقند كان السلطان سنجر لما ملك سمرقند ولي عليها أرسلان خان بن سليمان بقراخان داود فأصابه الفالج واستناب ابنه نصر خان فوثب به أهل سمرقند وقتلوه.وتولي كبر ذلك إثنان منهم أحدهما علوي وكان أبوه محمد المفلوج غائباً فعظم عليه وبعث عن ابنه الآخر من تركستان فجاء وقتل العلوي وصاحبه.وكان والد أرسلان خان قد بعث إلى السلطان سنجر يستحثه قبل قدوم ابنه الآخر فسار سنجر لذلك.فلما قدم إلى أبيه أرسلان وقتل قاتل أخيه بعث أرسلان إلى السلطان سنجر يعرفه ويسأله العود إلى بلده فغضب لذلك وأقام أياماً.ثم جيء إليه بأشخاص واعترفوا بأن محمداً خان بعثهم لقتله فغضب وسار إلى سمرقند فملكها عنوة وتحصن محمد خان ببعض الحصون حتى استنزله سنجر بالأمان بعد مدة وأكرمه.وكانت بنته تحبه فبعثه إليها وأقام عندها وولي على سمرقند حسين تكين ورجع إلى خراسان.ومات حسين تكين فولي بعده عليها محمود بن محمد خان أخا زوجته. استيلاء الخطا على تركستان وبلاد ما وراء النهر وانقراض دولة الخانية نقل ابن الأثير هذا الخبر عن اضطراب عنده فيه على أن أخبار هذه الدولة الخانية في كتابه ليست جلية ولا متضحة وأرجو إن مد الله في العمر أن أحقق أخبارها بالوقوف عليها في مظان الصحة وألخصها مرتبة فإني لم أوفها حقها من الترتيب لعدم وضوحها في نقله.وحاصل ما قرر في هذا الخبر من أحد طرقه أنه قال: إن بلاد تركستان وهي كاشغر وبلاد ساغون وختن وطراز وغيرها مما بجوارها من بلاد ما وراء النهر كانت بيد الملوك الخانية من الترك وهم من نسل فراسياب ملكهم الأول المنازع لملوك اليكنية من الفرس.وأسلم جدهم الأول سبق قراخان.ويقال سبب إسلامه أنه رأى في منامه رجلاً نزل من السماء فقال له باللسان التركي ما معناه: أسلم تسلم في الدنيا والآخرة فأسلم في منامه وأصبح مظهراً لإسلامه.ولما مات قام مقامه ابنه موسى واتصل الملك في عقبه إلى أرسلان خان بن محمد بن سليمان سبق فخرج عليه قدرخان في ملكه سنة أربع وتسعين وأربعمائة.واجتمع الترك عليه وكانوا طوائف فكان منهم القارغلية وبقية الغز الذين عبروا إلى خراسان ونهبوها على ما مر.وكان لأرسلان ابن اسمه نصرخان وفي صحابته شريف علوي اسمه الأشرف محمد بن أبي شجاع السمرقندي فحسن له طلب الملك من أبيه وأطمعه فيه فقتلهما أرسلان.ثم وقعت بينه وبين القارغلية من الترك وحشة دعتهم إلى الإنتقاض والعصيان واستنجد بالسلطان سنجر فعبر جيحون بعساكره سنة أربع وعشرين وخمسمائة ووصل إلى سمرقند وهرب القارغلية بين يديد.ثم عثر على رجالة استراب بهم فقبض عليهم وتهددهم فذكروا أن أرسلان خان وضعهم على قتله فرجع إلى سمرقند وملك القلعة وبعث أرسلان أميراً إلى بلخ فمات بها.وقيل إنه اختراع منه ووضع هذه الحكاية وسيلة لذلك.ثم ولي السلطان سنجر على سمرقند فلج طمغاج وهو أبو المعالي الحسن بن علي المعروف بحسين تكين كان من أعيان بيت الخانية فلم تطل أيامه.ومات فولي سنجر مكانه محمود ابن أخته وهو ابن السلطان أرسلان فأقام ملكاً عليها.وكان ملك الصين كوخان قد وصل إلى كاشغر سنة إثنتين وعشرين وخمسمائة في جيوش كثيفة.ومعنى كو بلسان أهل الصين أعظم وخان سمة ملوك الترك.وكان أعور وكان يلبس لبسة ملوك الترك هو مانوي المذهب.ولما خرج من الصين إلى تركستان إنضاف إليه طوائف الخطا من الترك وكانوا قد خرجوا قبله من الصين وأقاموا في خدمة الخانية أصحاب تركستان فانضافوا إلى كو ملك الصين وكثف جمعه وزحف إليه صاحب كاشغر وهو الخان أحمد بن الحسين بجموعه فهزمه وأقامت طوائف الخطا معه في تلك البلاد وكان سبب خروجهم من الصين ونزولهم ساغون أن أرسلان محمد كان يستنجد بهم ويجري عليهم الأرزاق والإقطاعات وينزلهم مسالح في ثغوره.ثم استوحشوا منه ونفروا وطلبوا الرحلة إلى غير بلده وارتادوا البلاد واختاروا منها بلد الساغون فساروا إليها وردد عليهم أرسلان الغزو.ولما جاء كوخان ملك صاروا في جملته حتى إذا رجع زحفوا إلى بلاد تركستان فملكوها بلداً بلداً.وكانوا ملكوا المدينة يأخذون ديناراً من كل بيت ولا يزيدون عليه ويكلفون من يطيعهم الملوك أن يعلق في منطقته لوحاً من فضة علامة على الطاعة.ثم ساروا إلى بلاده النهر سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة.ولقيهم محمود خان بن أرسلان خان فهزموه إلى سمرقند وبخارى واستنجد بالسلطان سنجر ودعاه لنصر المسلمين فجمع العساكر واستنجد صاحب سجستان ابن خلف والغوري صاحب غزنة وملوك ما وراء وغيرهم.وسار للقائهم وعبر النهر في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين.وشكا إليه محمود من القارغلية فأراد أخذهم فهربوا إلى كوخان وسألوه أن لهم عند السلطان سنجر وكتب إليه يشفع لهم فلم يشفعه.وكتب إليه يدعوه الإسلام ويتهدده.ولما بلغ الكتاب إلى كوخان عاقب الرسول وسار للقاء سنجر والترك والخطا والقارغلية فلقيه السلطان سنجر أول صفر سنة ست وعلى ميمنته قماج وعلى ميسرته صاحب سجستان وأبلى ذلك اليوم وساء أثر القارغلية في تلك الحروب وانهزم السلطان سنجر والمسلمون واستمر القتل فيهم.وأسر صاحب سجستان وقماج وزوجة السلطان ابنة أرسلان خان محمد وأطلقهم الكفار.ولم يكن في الإسلام وقعة أعظم من هذه ولا أفحش قتلاً.واستقرت الدولة فيما وراء النهر للخطا والترك وهم يومئذ على دين الكفر.وانقرضت دولة الخانية المسلمين الذين كانوا فيها.ثم هلك كوخان منتصف سبع وثلاثين وكان جميلاً حسن الصوت ويلبس الحرير الصيني له هيبة على أصحابه ولا يقطع أحداً منهم خوفاً على الرعية من العسف.ولا يقدم أميراً على فوق مائة فارس خشية أن تحدثه نفسه بالعصيان.وينهى عن الظلم وعن السكر ويعاقب عليه.ولا ينهى عن الزنى ولا يقبحه.ولما مات ملكت بعده ابنته وماتت قريباً فملكت بعدها أمها زوجة كوخان وبقي ما وراء النهر بيد الخطا إلى أن غلبهم علاء الدين محمد بن خوارزم شاه صاحب دولة خوارزم سنة إثنتي عشرة وستمائة على ما يأتي في أخبار دولتهم. |
الساعة الآن 10:12 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |