منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   السيرة النبوية (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=9451)

ميارى 26 - 8 - 2010 06:04 PM

ذكر الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة
إشارة رسول الله صلى الله عليه و سلم على أصحابه بالهجرة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يُصيب أصحابه من البلاء ، وما هو فيه من العافية ، بمكانه من الله ومن عمه أبي طالب ، وأنه لا يقدر على أن يمنعهم مما هم فيه من البلاء ، قال لهم ‏‏:‏‏ لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد ، وهي أرض صدق ، حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه ‏‏.‏‏
فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة ، مخافة الفتنة ، وفرارا إلى الله بدينهم ، فكانت أول هجرة كانت في الإسلام ‏‏.‏‏
أوائل المهاجرين إلى الحبشة
وكان أول من خرج من المسلمين من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ابن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ‏‏:‏‏ عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ، معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف ‏‏:‏‏ أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، معه امرأته ‏‏:‏‏ سهلة بنت سهيل بن عمرو ، أحد بني عامر بن لؤي ، ولدت له بأرض الحبشة محمد بن أبي حذيفة ‏‏.‏‏
ومن بني أسد بن عبدالعزى بن قصي ‏‏:‏‏ الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد ‏‏.‏‏
ومن بني عبدالدار بن قصي ‏‏:‏‏ مصعب بن عمير بن هاشم بن عبدمناف بن عبدالدار ‏‏.‏‏
ومن بني زهرة بن كلاب ‏‏:‏‏ عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ‏‏.‏‏
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة ‏‏:‏‏ أبو سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ‏‏.‏‏
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ‏‏:‏‏ عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ‏‏.‏‏
ومن بني عدي بن كعب ‏‏:‏‏ عامر بن ربيعة ، حليف آل الخطاب ، من عنـز بن وائل - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ و يقال ‏‏:‏‏ من عنـزة بن أسد بن ربيعة - معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن حذافة بن غانم بن عامر بن عبدالله بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب ‏‏.‏‏
ومن بني عامر بن لؤي ‏‏:‏‏ أبو سبرة بن أبي رُهْم بن عبدالعزى بن أبي قيس ابن عبد وُدّ بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ؛ ويقال ‏‏:‏‏ بل أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ؛ ويقال ‏‏:‏‏ هو أول من قدمها ‏‏.‏‏
ومن بني الحارث بن فهر ‏‏:‏‏ سهيل بن بيضاء ، و هو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أُهيب بن ضبة بن الحارث ‏‏.‏‏
فكان هؤلاء العشرة أول من خرج من المسلمين إلى أرض الحبشة ، فيما بلغني ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وكان عليهم عثمان بن مظعون ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم خرج جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، وتتابع المسلمون حتى اجتمعوا بأرض الحبشة ، فكانوا بها ، منهم من خرج بأهله معه ، ومنهم من خرج بنفسه لا أهل له معه ‏‏.‏‏
المهاجرون من بني هاشم إلى أرض الحبشة
و من بني هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ‏‏:‏‏ جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب بن هاشم ، معه امرأته أسماء بنت عُميس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة بن خثعم ، ولدت له بأرض الحبشة عبدالله بن جعفر ، رجل ‏‏.‏‏
المهاجرون من بني أمية إلى أرض الحبشة
ومن بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ‏‏:‏‏ عثمان بن عفان بن أبي العاص ابن أمية بن عبد شمس ، معه امرأته رقية ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وعمرو بن سعيد بن العاص بن أمية ، معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث بن خُمْل بن شقّ بن رقبة بن مخُدج الكناني ، وأخوه خالد بن سعيد بن العاص بن أمية ، معه امرأته أُمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن جُعْثمة بن سعد بن مُليح بن عمرو ، من خزاعة ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ همُينة بنت خلف ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولدت له بأرض الحبشة سعيد بن خالد ، وأمه بنت خالد ، فتزوج أمة بعد ذلك الزبير بن العوام ، فولدت له عمرو بن الزبير ، وخالد بن الزبير ‏‏.‏‏

المهاجرون من بني أسد إلى أرض الحبشة
ومن حلفائهم ، من بني أسد بن خزيمة ‏‏:‏‏ عبدالله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد ؛ وأخوه عبيد الله بن جحش ، معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية ؛ وقيس بن عبدالله ، رجل من بني أسد بن خزيمة ، معه امرأته بركة بنت يسار ، مولاة أبي سفيان بن حرب بن أمية ؛ ومعيقيب بن أبي فاطمة ‏‏.‏‏ وهؤلاء آل سعيد بن العاص ، سبعة نفر ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ومُعيقيب من دوس ‏‏.‏‏
المهاجرون من بني عبد شمس إلى الحبشة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني عبد شمس بن عبد مناف ، أبو حذيفة بن عتبة ابن ربيعة بن عبد شمس ؛ وأبو موسى الأشعري ، واسمه عبدالله بن قيس ، حليف آل عتبة بن ربيعة ، رجلان ‏‏.‏‏

المهاجرون من بني نوفل إلى الحبشة
ومن بني نوفل بن عبد مناف ‏‏:‏‏ عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب بن نسيب بن مالك بن الحارث بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ، حليف لهم ، رجل ‏‏.‏‏
المهاجرون من بني أسد إلى الحبشة
ومن بني أسد بن عبدالعزى بن قصي ‏‏:‏‏ الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد ، والأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد ، ويزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، وعمرو بن أمية بن الحارث بن أسد ، أربعة نفر ‏‏.‏‏

المهاجرون من بني عبد بن قصي إلى الحبشة
ومن بني عبد بن قصي ‏‏:‏‏ طُليب بن عمير بن وهب بن أبي كبير بن عبد بن قصي ، رجل ‏‏.‏‏
المهاجرون من بني عبدالدار بن قصي إلى الحبشة
ومن بني عبدالدار بن قصي ‏‏:‏‏ مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار ؛ وسويبط بن سعد بن حرملة بن مالك بن عُميلة بن السباق ابن عبدالدار ؛ وجهم بن قيس بن عبد شُرحبيل بن هاشم بن عبد مناف ابن عبدالدار ، معه امرأته أم حرملة بنت عبدالأسود بن جذيمة بن أقيش ابن عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد بن مُليح بن عمرو ، من خزاعة ؛ وابناه ‏‏:‏‏ عمرو بن جهم وخزيمة بن جهم ؛ وأبو الروم ابن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار ؛ وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبدالدار ، خمسة نفر ‏‏.‏‏

المهاجرون من بني زهرة إلى الحبشة
ومن بني زهرة بن كلاب ‏‏:‏‏ عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد ابن الحارث بن زهرة ؛ وعامر بن أبي وقاص وأبو وقاص ، مالك بن أهيب ابن عبد مناف بن زهرة ؛ والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن ضُبيرة بن سُعيد بن سعد بن سهم ، ولدت له بأرض الحبشة عبدالله بن المطلب ‏‏.‏‏
المهاجرون من بني هذيل إلى الحبشة
ومن حلفائهم من هذيل ‏‏:‏‏ عبدالله بن مسعود بن الحارث بن شمخ بن مخزوم ابن صاهلة بن كاهل بن الحارث بن تميم بن سعد بن هذيل ، وأخوه ‏‏:‏‏ عتبة بن مسعود ‏‏.‏‏
المهاجرون من بهراء إلى الحبشة
ومن بهراء ‏‏:‏‏ المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن ربيعة بن ثمامة بن مطرود بن عمرو بن سعد بن زهير بن لؤي بن ثعلبة بن مالك بن الشريد ابن أبي أهوز بن أبي فائش بن دُريم بن القين بن أهود بن بهراء بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ هزل بن فاس بن ذر ، ودَهير بن ثور ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان يقال له المقداد بن الأسود بن عبد يغوث ‏بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ، وذلك أنه تبناه في الجاهلية ، وحالفه ستة نفر ‏‏.‏‏
المهاجرون من بني تيم إلى الحبشة
ومن بني تيم بن مرة ‏‏:‏‏ الحارث بن خالد بن صخر بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ، معه امرأته ريطة بنت الحارث بن جبلة بن عامر ابن كعب بن سعد بن تيم ، ولدت له بأرض الحبشة موسى بن الحارث ، وعائشة بنت الحارث ، وزينب بنت الحارث ، وفاطمة بنت الحارث ، وعمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ، رجلان ‏‏.‏‏
المهاجرون من بني مخزوم إلى الحبشة
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة ‏‏:‏‏ أبو سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، ومعه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة ابن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، ولدت له بأرض الحبشة زينب بنت أبي سلمة ، واسم أبي سلمة ‏‏:‏‏ عبدالله ، واسم أم سلمة ‏‏:‏‏ هند ، وشماس بن عثمان بن الشريد بن سويد بن هَرْمي بن عامر بن مخزوم ‏‏.‏‏
خبر الشماس
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ واسم شماس ‏‏:‏‏ عثمان ، وإنما سمي شماسا ، لأن شماسا من الشمامسة ، قدم مكة في الجاهلية ، وكان جميلا فعجب الناس من جماله ، فقال عتبة بن ربيعة ، وكان خال شماس ‏‏:‏‏ أنا آتيكم بشماس أحسن منه ، فجاء بابن أخته عثمان بن عثمان ، فسمي شماسا ‏‏.‏‏ فيما ذكر ابن شهاب وغيره ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وهبار بن سفيان بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله ابن عمر بن مخزوم ؛ وأخوه عبدالله بن سفيان ؛ وهشام بن أبي حذيفة بن المغيرة بن عبدالله بن مخزوم ؛ وسلمة بن هشام بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ؛ وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ‏‏.‏‏
المهاجرون من حلفاء بني مخزوم إلى الحبشة
ومن حلفائهم ‏‏:‏‏ معتب بن عوف بن عمر بن الفضل بن عفيف بن كليب ابن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو ، من خزاعة ، وهو الذي يقال له ‏‏:‏‏ عَيْهامة ، ثمانية نفر ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ حُبشية بن سلول ، وهو الذي يقال له معتب بن حمراء ‏‏.‏‏
المهاجرون من بني جمح إلى الحبشة
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ‏‏:‏‏ عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ؛ وابنه السائب بن عثمان ؛ وأخواه قدامة بن مظعون ، وعبدالله بن مظعون ؛ وحاطب بن الحارث بن معمر ابن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ، معه امرأته فاطمة بنت المجلَّل بن عبدالله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ؛ وابناه ‏‏:‏‏ محمد بن حاطب ، والحارث بن حاطب ، وهما لبنت المجلل ؛ وأخوه حطاب بن الحارث ، معه امرأته فكيهة بنت يسار ؛ وسفيان بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ، معه ابناه ‏‏:‏‏ جابر بن سفيان ، وجنادة بن سفيان ، ومعه امرأته حسنة ، وهي أمهما ، وأخوهما من أمهما شرحبيل بن حسنة ، أحد الغوث ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ شرحبيل بن عبدالله أحدُ الغوث بن مر ، أخي تميم بن مر ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وعثمان بن ربيعة بن أهبان بن وهب بن حذافة بن جمح ، أحد عشر رجلا ‏‏.‏‏
من هاجر إلى الحبشة من بني سهم
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ، خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ؛ وعبدالله بن الحارث بن قيس ابن عدي بن سعد بن سهل ، وهشام بن العاص بن وائل بن سعد بن سهم ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ العاص بن وائل بن هاشم بن سعد بن سهم ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ؛ وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ؛ وعبدالله بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ؛ والحارث بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ؛ ومَعْمَر بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ؛ وبشر بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ؛ وأخ له من أمه من بني تميم ، يقال له ‏‏:‏‏ سعيد بن عمرو ؛ وسعيد بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ؛ والسائب بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ؛ وعمير بن رئاب بن حذيفة بن مهشم بن سعد بن سهم ‏‏.‏‏ ومحَمية بن الجزاء ، حليف لهم ، من بني زبيد ، أربعة عشر رجلا ‏‏.‏‏
المهاجرون من بني عدي إلى الحبشة
ومن بني عدي بن كعب ‏‏:‏‏ معمر بن عبدالله بن نضلة بن عبدالعزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي ؛ وعروة بن عبدالعزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي ؛ وعدي بن نضلة بن عبدالعزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي ؛ وابنه النعمان بن عدي ؛ وعامر بن ربيعة ، حليف لآل الخطاب ، من عنـز بن وائل ، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم ‏‏.‏‏ خمسة نفر ‏‏.‏‏
المهاجرون من بني عامر إلى الحبشة
ومن بني عامر بن لؤي ‏‏:‏‏ أبو سبرة ابن أبي رهم بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ، معه امرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ؛ وعبدالله بن مخرمة بن عبدالعزى بن أبي قيس ابن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ، وعبدالله بن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن مالك بن حسل بن عامر ؛ وسليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ؛ وأخوه السكران بن عمرو ، معه امرأته سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ؛ ومالك بن زمعة ابن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ، معه امرأته عمرة بنت السعدي بن وقدان بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ؛ وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ؛ وسعد بن خولة ، حليف لهم ‏‏.‏‏ ثمانية نفر ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ سعد بن خولة من اليمن ‏‏.‏‏
المهاجرون من بني الحارث إلى الحبشة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني الحارث بن فهر ‏‏:‏‏ أبو عبيدة بن الجراح ، وهو عامر بن عبدالله بن الجراح بن هلال بن أُهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر ؛ وسهيل بن بيضاء ، وهو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ، ولكن أمه غلبت على نسبه ، فهو ينسب إليها ، وهي دعد بنت جحدم بن أمية من ظرب بن الحارث بن فهر ، وكانت تدعى بيضاء ؛ وعمرو بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ؛ وعياض بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث ، ويقال ‏‏:‏‏ بل ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث ؛ وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث ؛ وعثمان بن عبد غنم بن زهير بن أبي شداد بن ربيعة بن هلال بن مالك بن ضبة بن الحارث ؛ وسعد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن ظرب بن الحارث بن فهر ؛ والحارث بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن ظرب بن الحارث بن فهر ‏‏.‏‏ ثمانية نفر ‏‏.‏‏
عدد مهاجري الحبشة
فكان جميع من لحق بأرض الحبشة ، وهاجر إليها من المسلمين ، سوى أبنائهم الذين خرجوا بهم معهم صغارا وولدوا بها ، ثلاثة وثمانين رجلا ، إن كان عمار بن ياسر فيهم ، وهو يشك فيه ‏‏.‏‏
شعر عبدالله بن الحارث في الهجرة إلى الحبشة
وكان مما قيل من الشعر في الحبشة ، أن عبدالله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، حين أمنوا بأرض الحبشة ، وحمدوا جوار النجاشي ، وعبدوا الله لا يخافون على ذلك أحدا ، وقد أحسن النجاشي جوارهم حين نزلوا به ، قال ‏‏:‏‏
يا راكبا بلغن عني مغلغلة * من كان يرجو بلاغ الله والدينِ
كل امرىء من عباد الله مضطهد * ببطن مكة مقهور ومفتون
أنا وجدنا بلاد الله واسعة * تنجي من الذل والمخزاة والهون
فلا تقيموا على ذل الحياة وخز ي * في الممات وعيب غير مأمون
إنا تبعنا رسول الله واطَّرحوا * قول النبي وعالوا في الموازين ‏
فاجعل عذابك بالقوم الذين بغوا * وعائذا بك ان يعلوا فيُطغوني
وقال عبدالله بن الحارث أيضا ، يذكر نفي قريش إياهم من بلادهم ، ويعاتب بعض قومه في ذلك ‏‏:‏‏
أبت كبدي ، لا أكذبنك ، قتالهم * علي وتأباه علي أناملي
وكيف قتالي معشرا أدبوكم * على الحق أن لا تأشبوه بباطل
نفتهم عباد الجن من حر أرضهم * فأضحوا على أمر شديد البلابل
فإن تك كانت في عدي أمانة * عدي بن سعد عن تُقى أو تواصل
فقد كنت أرجو أن ذلك فيكم * بحمد الذي لا يُطَّـبى بالجعائل
وبُدلت شبلا شبل كل خبيثة * بذي فجر مأوى الضعاف الأرامل
وقال عبدالله بن الحارث أيضا ‏‏:‏‏
وتلك قريش تجحد الله حقه * كما جحدت عاد ومدين والحِجْرُ
فإن أنا لم أبرق فلا يسعنَّني * من الأرض بر ذو فضاء ولا بحر
بأرض بها عبد الإله محمد * أُبـين ما في النفس إذ بُلغ النقر ‏
فَسُمِّي عبدالله بن الحارث - يرحمه الله - لبيته الذي قال ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ المبرق ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
شعر عثمان بن مظعون في ذلك
وقال عثمان بن مظعون يعاتب أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ، وهو ابن عمه ، وكان يؤذيه في إسلامه ، وكان أمية شريفا في قومه في زمان ذلك ‏‏:‏‏
أتيمَ بن عمرو للذي جاء بِغضة * ومن دونه الشرمان والبرك أكتعُ
أأخرجتني من بطن مكة آمنا * وأسكنتني في صرح بيضاء تقذع
تريش نبالا لا يُواتيك ريشُها * وتبري نبالا ريشها لك أجمع
وحاربتَ أقواما كراما أعزة * و أهلكت أقواما بهم كنت تفزع
ستعلم إن نابتك يوما ملمة * وأسلمك الأوباش ما كنت تصنع
وتيم بن عمرو ، الذي يدعو عثمان ، جمح ، كان اسمه تيما ‏‏.‏‏
إرسال قريش إلى الحبشة في طلب المهاجرين إليها
من أرسلتهما قريش في طلب المهاجرين
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمنوا واطمأنوا بأرض الحبشة ، وأنهم قد أصابوا بها دارا وقرارا ، ائتمروا بينهم أن يبعثوا فيهم منهم رجلين من قريش جلدين إلى النجاشي ، فيردهم عليهم ، ليفتنوهم في دينهم ، ويخرجوهم من دارهم ، التي اطمأنوا بها وأمنوا فيها ؛ فبعثوا عبدالله بن أبي ربيعة ، وعمرو بن العاص بن وائل ، وجمعوا لهما هدايا للنجاشي ولبطارقته ، ثم بعثوهما إليه فيهم ‏‏.‏‏
شعر أبي طالب للنجاشي يحضه على الدفع عن المهاجرين
فقال أبو طالب ، حين رأى ذلك من رأيهم وما بعثوهما فيه ، أبياتا للنجاشي يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم ‏‏:‏‏
ألا ليت شعري كيف في النأي جعفر * وعمرو وأعداء العدو الأقارب
وهل نالت أفعال النجاشي جعفرا * وأصحابه أو عاق ذلك شاغب
تعلم ، أبيت اللعن ، أنك ماجد * كريم فلا يشقى لديك المجانب
تعلم بأن الله زادك بسطة * وأسباب خير كلها بك لازب
وأنك فيض ذو سجال * غزيرة ينال الأعادي نفعها والأقارب
حديث أم سلمة عن الرسولين اللذين أرسلتهما قريش للنجاشي
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني محمد بن مسلم الزهري عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي ، عن أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت ‏‏:‏‏ لما نزلنا أرض الحبشة ، جاورنا بها خير جار النجاشي ، أمِنَّا على ديننا ، وعبدنا الله تعالى لا نُؤذى ولا نسمع شيئا نكرهه ؛ فلما بلغ ذلك قريشا ، ائتمروا بينهم أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين منهم جلدين ، وأن يُهدوا للنجاشي هدايا مما يُستطرف من متاع مكة ، وكان من أعجب ما يأتيه منها الأدم ، فجمعوا له أدما كثيرا ، ولم يتركوا من بطارقته بطريقا إلا أهدوا له هدية ، ثم بعثوا بذلك عبدالله بن أبي ربيعة ، وعمرو بن العاص ، وأمروهما بأمرهم ، وقالوا لهما ‏‏:‏‏ ادفعا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلما النجاشي فيهم ، ثم قدما إلى النجاشي هداياه ، ثم سلاه أن يسلمهم إليكما قبل أن يكلمهم ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فخرجا حتى قدما على النجاشي ، ونحن عنده بخير دار ، عند خير جار ، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل ‏أن يكلما النجاشي ، وقالا لكل بطريق منهم ‏‏:‏‏ إنه قد ضوى إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينكم ، وجاءوا بدين مبتدع ، لا نعرفه نحن ولا أنتم ، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم ليردهم إليهم ، فإذا كلمنا الملك فيهم ، فأشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم ، فإن قومهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم ؛ فقالوا لهما ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏
ثم إنهما قدما هداياهما إلى النجاشي فقبلها منهما ، ثم كلماه فقالا له ‏‏:‏‏ أيها الملك ، إنه قد ضوى إلى بلدك منا غلمان سفهاء ، فارقوا دين قومهم ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين ابتدعوه ، لا نعرفه نحن ولا أنت ، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم وأعمامهم و عشائرهم لتردهم إليهم ، فهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم وعاتبوهم فيه ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ ولم يكن شيء أبغض إلى عبدالله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع كلامهم النجاشي ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقالت بطارقته حوله ‏‏:‏‏ صدقا أيها الملك قومهم أعلى بهم عينا ، وأعلم بما عابوا عليهم فأسلمهم إليهما فليرداهم إلى بلادهم وقومهم ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فغضب النجاشي ، ثم قال ‏‏:‏‏ لاها الله ، إذن لا أسلمهم إليهما ، ولا يكاد قوم جاوروني ، ونزلوا بلادي ، واختاروني على من سواي ، حتى أدعوهم فأسألهم عما يقول هذان في أمرهم ، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ، ورددتهم إلى قومهم ، وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما ، وأحسنت جوارهم ما جاوروني ‏‏.‏‏
الحوار الذي دار بين المهاجرين والنجاشي
قالت ‏‏:‏‏ ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم ، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ، قال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ ما تقولون للرجل إذا جئتموه ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نقول ‏‏:‏‏ والله ما علمنا ، وما أمرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم كائنا في ذلك ما هو كائن ‏‏.‏‏
فلما جاءوا ، وقد دعا النجاشي أساقفته ، فنشروا مصاحفهم حوله ، سألهم فقال لهم ‏‏:‏‏ ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ، ولم تدخلوا به في ديني ، ولا في دين أحد من هذه الملل ‏‏؟‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال له ‏‏:‏‏ أيها الملك ، كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ؛ فكنا على ذلك ، حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنات ؛ وأمرنا أن نعبدالله وحده ، لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - قالت ‏‏:‏‏ فعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه وآمنا به ، واتبعناه على ما جاء به من الله ، فعبدنا الله وحده ، فلم نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذبونا ، وفتنونا عن ديننا ، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله تعالى ، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وضيقوا علينا ، وحالوا بيننا وبين ديننا ، خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ؛ ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نُظلم عندك أيها الملك ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فقال له النجاشي ‏‏:‏‏ هل معك مما جاء به عن الله من شيء ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقال له جعفر ‏‏:‏‏ نعم ؛ فقال له النجاشي ‏‏:‏‏ فاقرأه علي ؛ قالت ‏‏:‏‏ فقرأ عليه صدرا من ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ كهيعص ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فبكى والله النجاشي حتى اخضلَّت لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ، حين سمعوا ما تلا عليهم ‏‏.‏‏
ثم قال لهم النجاشي ‏‏:‏‏ إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة ، انطلقا ، فلا والله لا أسلمهم إليكما ، ولا يُكادون ‏‏.‏‏
رأي المهاجرين في عيسى عليه السلام أمام النجاشي
قالت ‏‏:‏‏ فلما خرجا من عنده ، قال عمرو بن العاص ‏‏:‏‏ والله لآتينه غدا عنهم بما أستأصل به خضراءهم ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقال له عبدالله بن أبي ربيعة ، وكان أتقى الرجلين فينا ‏‏:‏‏ لاتفعل ، فإن لهم أرحاما ، وإن كانوا قد خالفونا ، قال ‏‏:‏‏ والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ ثم غدا عليه من الغد فقال له ‏‏:‏‏ أيها الملك ، إنهم يقولون في عيسى بن مريم قولا عظيما ، فأرسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فأرسل إليهم ليسألهم عنه ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ ولم ينـزل بنا مثلها قط ‏‏.‏‏ فاجتمع القوم ، ثم قال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ ماذا تقولون في عيسى بن مريم إذا سألكم عنه ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نقول والله ما قال الله ، وما جاءنا به نبينا ، كائنا في ذلك ما هو كائن ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فلما دخلوا عليه ، قال لهم ‏‏:‏‏ ماذا تقولون في عيسى بن مريم ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقال جعفر بن أبي طالب ‏‏:‏‏ نقول فيه الذي جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم ، يقول ‏‏:‏‏ هو عبدالله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم ‏العذارء البتول ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فضرب النجاشي بيده إلى الأرض ، فأخذ منها عودا ، ثم قال ‏‏:‏‏ والله ما عدا عيسى بن مريم ما قلت هذا العود ، قالت ‏‏:‏‏ فتناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال ؛ فقال ‏‏:‏‏ وإن نخرتم والله ، اذهبوا فأنتم شُيوم بأرضي - والشيوم ‏‏:‏‏ الآمنون - مَن سبَّكم غرم ، ثم قال ‏‏:‏‏ من سبكم غرم ، ثم قال ‏‏:‏‏ من سبكم غرم ‏‏.‏‏ ما أحب أن لي دبرا من ذهب ، وأني آذيت رجلا منكم - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال دبرا من ذهب ، ويقال ‏‏:‏‏ فأنتم سيوم ، والدبر ‏‏:‏‏ بلسان الحبشة ‏‏:‏‏ الجبل - ردوا عليهما هداياهما ، فلا حاجة لي بها ، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس فيّ فأطيعهم فيه ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فخرجا من عنده مقبوحين مردودا عليهما ما جاءا به ، وأقمنا عنده بخير دار ، مع خير جار ‏‏.‏‏
المهاجرون يفرحون بانتصار النجاشي على عدوه
قالت ‏‏:‏‏ فوالله إنا لعلي ذلك ، إذ نزل به رجل من الحبشة ينازعه في ملكه ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فوالله ما علمتُنا حزنَّا حزنا قطُّ كان أشد علينا من حزن حزنَّاه عند ذلك ، تخوفا أن يظهر ذلك الرجل على النجاشي ، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ وسار إليه النجاشي ، وبينهما عرض النيل ، قالت ‏‏:‏‏ فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ‏‏:‏‏ من رجل يخرج حتى يحضر وقيعة القوم ثم يأتينا بالخبر ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقال الزبـير بن العوام ‏‏:‏‏ أنا ، قالوا ‏‏:‏‏ فأنت ‏‏.‏‏ وكان من أحدث القوم سنا ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فنفخوا له قربة فجعلها في صدره ، ثم سبح عليها حتى خرج إلى ناحية النيل التي بها ملتقى القوم ، ثم انطلق حتى حضرهم ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فدعونا الله تعالى للنجاشي بالظهور على عدوه ، والتمكين له في بلاده ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فوالله إنا لعلى ذلك متوقعون لما هو كائن ، إذ طلع الزبير وهو يسعى ، فلمع بثوبه وهو يقول ‏‏:‏‏ ألا أبشروا ، فقد ظفر النجاشي ، وأهلك الله عدوه ، ومكن له في بلاده ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فوالله ما علمتنا فرحنا فرحة قط مثلها ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ ورجع النجاشي ، وقد أهلك الله عدوه ، ومكن له في بلاده ، واستوسق عليه أمر الحبشة ، فكنا عنده في خير مـنـزل ، حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ‏‏.‏‏

ميارى 26 - 8 - 2010 06:08 PM

قصة تملك النجاشي على الحبشة
قتل أبي النجاشي ، وتملك عمه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ قال الزهري ‏‏:‏‏ فحدثت عروة بن الزبير حديث أبي بكر ابن عبدالرحمن ، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ هل تدري ما قوله ‏‏:‏‏ ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناسَ فيّ فأطيع الناس فيه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ لا ؛ قال ‏‏:‏‏ فإن عائشة أم المؤمنين حدثتني أن أباه كان ملك قومه ، ولم يكن له ولد إلا النجاشي ، وكان للنجاشي عم ، له من صلبه اثنا عشر رجلا ، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة ، فقالت الحبشة بينها ‏‏:‏‏ لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملَّكنا أخاه فإنه لا ولد له غير هذا الغلام ، وإن لأخيه من صلبه اثني عشر رجلا ، فتوارثوا ملكه من بعده ، بقيت الحبشة بعده دهرا ؛ فغدوا على أبي النجاشي فقتلوه ، وملَّكوا أخاه ، فمكثوا على ذلك حينا ‏‏.‏‏
الحبشة تبيع النحاشي
ونشأ النجاشي مع عمه ، وكان لبيبا حازما من الرجال ، فغلب على أمر عمه ، ونزل منه بكل منـزلة ؛ فلما رأت الحبشة مكانه منه قالت بينها ‏‏:‏‏ والله لقد غلب هذا الفتى على أمر عمه ، وإنا لنتخوف أن يملِّكه علينا ، وإن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين ، لقد عرف أنا نحن قتلنا أباه ‏‏.‏‏
فمشوا إلى عمه فقالوا ‏‏:‏‏ إما أن تقتل هذا الفتى ، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا ، فإنا قد خفناه على أنفسنا ؛ قال ‏‏:‏‏ ويلكم ‏‏!‏‏ قتلت أباه بالأمس ، وأقتله اليوم ‏‏!‏‏ بل أخرجه من بلادكم ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فخرجوا به إلى السوق ، فباعوه من رجل من التجار بست مئة درهم ؛ فقذفه في سفينة فانطلق به ، حتى إذا كان العشي من ذلك اليوم ، هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يستمطر تحتها ، فأصابته صاعقة فقتلته ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ ففزعت الحبشة إلى ولده ، فإذا هو محمَّق ، ليس في ولده خير ، فمرج على الحبشة أمرهم ‏‏.‏‏
تولية النجاشي الملك برضا الحبشة
فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك ، قال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ تعلموا والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتم غدوة ، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه الآن ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فخرجوا في طلبه ، وطلب الرجل الذي باعوه منه حتى أدركوه ، فأخذوه منه ؛ ثم جاءوا به ، فعقدوا عليه التاج ، وأقعدوه على سرير الملك ، فملكوه ‏‏.‏‏
حديث التاجر الذي ابتاع النجاشي
فجاءهم التاجر الذي كانوا باعوه منه ، فقال ‏‏:‏‏ إما أن تعطوني مالي ، وإما أن أكلمه في ذلك ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ لا نعطيك شيئا ، قال ‏‏:‏‏ إذن والله أكلمه ؛ قالوا ‏‏:‏‏ فدونك وإياه ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فجاءه فجلس بين يديه ، فقال ‏‏:‏‏ أيها الملك ، ابتعت غلاما من قوم بالسوق بست مئة درهم ، فأسلموا إلي غلامي وأخذوا دراهمي ، حتى إذا سرت بغلامي أدركوني ، فأخذوا غلامي ، ومنعوني دراهمي ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقال لهم النجاشي ‏‏:‏‏ لتُعطنَّه دراهمه ، أو ليضعن غلامه يده في يده ، فليذهبن به حيث شاء ؛ قالوا ‏‏:‏‏ بل نعطيه دراهمه ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فلذلك يقول ‏‏:‏‏ ما أخذ الله مني رشوة حين رد علي ملكي ، فآخذ الرشوة فيه ، وما أطاع الناس فيّ فأُطيع الناس فيه ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ وكان ذلك أول ما خُبر من صلابته في دينه ، وعدله في حكمه ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، قالت ‏‏:‏‏ لما مات النجاشي ، كان يُتحدث أنه لا يزال يُرى على قبره نور ‏‏.‏‏
إسلام النجاشي والصلاة عليه وخروج الحبشة عليه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني جعفر بن محمد ، عن أبيه ، قال ‏‏:‏‏ اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي ‏‏:‏‏ إنك قد فارقت ديننا ، وخرجوا عليه ‏‏.‏‏ فأرسل إلى جعفر وأصحابه ، فهيأ لهم سفنا ، وقال ‏‏:‏‏ اركبوا فيها وكونوا كما أنتم ، فإن هزمتُ فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم ، وإن ظفرت فاثبتوا ‏‏.‏‏
ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه ‏‏:‏‏ هو يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، ويشهد أن عيسى بن مريم عبده ورسوله وروحه ، وكلمته ألقاها إلى مريم ؛ ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن ، وخرج إلى الحبشة ، وصفُّوا له ، فقال ‏‏:‏‏ يا معشر الحبشة ، ألست أحق الناس بكم ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ بلى ؛ قال ‏‏:‏‏ فكيف رأيتم سيرتي فيكم ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ خير سيرة ؛ قال ‏‏:‏‏ فما بالكم ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ فارقت ديننا ، وزعمت أن عيسى عبد ؛ قال ‏‏:‏‏ فما تقولون أنتم في عيسى ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نقول هو ابن الله ؛ فقال النجاشي ، ووضع يده على صدره على قبائه ‏‏:‏‏ هو يشهد أن عيسى بن مريم ، لم يزد على هذا شيئا ، وإنما يعني ما كتب ، فرضوا وانصرفوا عنه ‏‏.‏‏ فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فلما مات النجاشي صلى عليه ، واستغفر له ‏‏.‏‏
إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه
اعتزاز المسلمين بإسلام عمر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولما قدم عمرو بن العاص وعبدالله بن أبي ربيعة على قريش ، ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وردَّهما النجاشي بما يكرهون ، وأسلم عمر بن الخطاب ، وكان رجلا ذا شكيمة لا يرام ما وراء ظهره ، امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة حتى عازُّوا قريشا ، وكان عبدالله بن مسعود يقول ‏‏:‏‏ ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة ، حتى أسلم عمر بن الخطاب ، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة ، وصلينا معه ،وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة ‏‏.‏‏
قال البكائي ، قال ‏‏:‏‏ حدثني مسعر بن كدام ، عن سعد بن إبراهيم ، قال ‏‏:‏‏ قال عبدالله بن مسعود ‏‏:‏‏ إن إسلام عمر كان فتحا ، وإن هجرته كانت نصرا ، وإن إمارته كانت رحمة ، ولقد كنا ما نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر ، فلما أسلم قاتل قريشا حتى صلى عند الكعبة ، وصلينا معه ‏‏.‏‏
حديث أم عبدالله بنت أبي حثمة عن إسلام عمر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني عبدالرحمن بن الحارث بن عبدالله بن عياش بن أبي ربيعة ، عن عبدالعزيز بن عبدالله بن عامر بن ربيعة ، عن أمه أم عبدالله بنت أبي حثمة ، قالت ‏‏:‏‏ ‏
و الله إنا لنترحَّل إلى أرض الحبشة ، وقد ذهب عامر في بعض حاجاتنا ، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي وهو على شركه - قالت ‏‏:‏‏ وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وشدة علينا - قالت ‏‏:‏‏ فقال ‏‏:‏‏ إنه للانطلاق يا أم عبدالله ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ نعم والله ، لنخرجن في أرض الله ، آذيتمونا وقهرتمونا ، حتى يجعل الله مخرجا ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقال ‏‏:‏‏ صحبكم الله ، ورأيت له رقة لم أكن أراها ، ثم انصرف وقد أحزنه - فيما أرى - خروجنا ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فجاء عامر بحاجته تلك ، فقلت له ‏‏:‏‏ يا أبا عبدالله ، لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ أطمعتِ في إسلامه ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ فلا يسلم الذي رأيتِ حتى يسلم حمار الخطاب ؛ قالت ‏‏:‏‏ يأسا منه ، لما كان يُرى من غلظته وقسوته عن الإسلام ‏‏.‏‏
سبب إسلام عمر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة بنت الخطاب ، وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ، وكانت قد أسلمت وأسلم بعلها سعيد بن زيد ، وهما مستخفيان بإسلامهما من عمر ، وكان نُعيم بن عبدالله النحَّام من مكة ، رجل من قومه ، من بني عدي ابن كعب قد أسلم ، وكان أيضا يستخفي بإسلامه فرقا من قومه ، وكان خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة ‏بنت الخطاب يُقرئها القرآن ، فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه قد ذُكروا له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا ، وهم قريب من أربعين ما بين رجال ونساء ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبدالمطلب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق ، وعلي بن أبي طالب ، في رجال من المسلمين رضي الله عنهم ، ممن كان أقام من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، ولم يخرج فيمن خرج إلى أرض الحبشة ‏‏.‏‏
فلقيه نعيم بن عبدالله ، فقال له ‏‏:‏‏ أين تريد يا عمر ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ أريد محمدا هذا الصابئ ، الذي فرَّق أمر قريش ، وسفه أحلامها ، وعاب دينها ، وسب آلهتها ، فأقتله ؛ فقال له نعيم ‏‏:‏‏ والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر ، أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ‏‏!‏‏ أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ وأي أهل بيتي ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ خَتَنُكَ وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو ، وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد والله أسلما ، وتابعا محمدا على دينه ، فعليك بهما ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه ، وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة ، فيها ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ طه ‏‏)‏‏ يقرئهما إياها ، فلما سمعوا حس عمر ، تغيب خباب في مخدع لهم ، أو في بعض البيت ، وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها ، وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما ، فلما دخل قال ‏‏:‏‏ ما هذه الهَيْنَمة التي سمعت ‏‏؟‏‏ قالا له ‏‏:‏‏ ما سمعت شيئا ؛ قال ‏‏:‏‏ بلى والله ، لقد أُخبرت أنكما تابعتما محمدا على دينه ، وبطش بختنه سعيد بن زيد ؛ فقامت إليه أخته فاطمة ‏بنت الخطاب لتكفه عن زوجها ، فضربها فشجها ؛ فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه ‏‏:‏‏ نعم لقد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما بدا لك ‏‏.‏‏
فلما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع ، فارعوى ، وقال لأخته ‏‏:‏‏ أعطيني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءون آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد ، وكان عمر كاتبا ؛ فلما قال ذلك ، قالت له أخته ‏‏:‏‏ إنا نخشاك عليها ؛ قال ‏‏:‏‏ لا تخافي ، وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها إليها ؛ فلما قال ذلك ، طمعت في إسلامه ، فقالت له ‏‏:‏‏ يا أخي ، إنك نجس ، على شركك ، وإنه لا يمسها إلا الطاهر ، فقام عمر فاغتسل ، فأعطته الصحيفة ، وفيها ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ طه ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ فقرأها ؛ فلما قرأ منها صدرا ، قال ‏‏:‏‏ ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ‏‏!‏‏ فلما سمع ذلك خباب خرج عليه ، فقال له ‏‏:‏‏ يا عمر ، والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصك بدعوة نبيه ، فإني سمعته أمس وهو يقول ‏‏:‏‏ اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام ، أو بعمر بن الخطاب ، فالله الله يا عمر ‏‏.‏‏ فقال له عند ذلك عمر ‏‏:‏‏ فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأُسلم ؛ فقال له خباب ‏‏:‏‏ هو في بيت عند الصفا ، معه فيه نفر من أصحابه ،‏ فأخذ عمر سيفه فتوشحه ، ثم عمد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فضرب عليهم الباب ؛ فلما سمعوا صوته ، قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر من خَلل الباب فرآه متوشحا السيف ، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فزع ، فقال ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، هذا عمر بن الخطاب متوشحا السيف ؛ فقال حمزة بن عبدالمطلب ‏‏:‏‏ فأذنْ له ، فإن كان جاء يريد خيرا بذلناه له ، وإن كان جاء يريد شرا قتلناه بسيفه ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ائذن له ، فأذن له الرجل ، ونهض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لقيه في الحجرة ، فأخذ حُجْزته ، أو بمجمع ردائه ، ثم جَبَذه به جبذة شديدة ، وقال ‏‏:‏‏ ما جاء بك يا ابن الخطاب ‏‏؟‏‏ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينـزل الله بك قارعة ، فقال عمر ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، جئتك لأومن بالله وبرسوله ، وبما جاء من عند الله ؛ قال ‏‏:‏‏ فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمر قد أسلم ‏‏.‏‏
فتفرق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكانهم ، وقد عزوا في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة ، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينتصفون بهما من عدوهم ‏‏.‏‏ فهذا حديث الرواة من أهل المدينة عن إسلام عمر بن الخطاب حين أسلم ‏‏.‏‏ ‏
ما رواه عطاء ومجاهد عن إسلام عمر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالله بن أبي نجيح المكي ، عن أصحابه ‏‏:‏‏ عطاء ، ومجاهد ، أو عمن روى ذلك ‏‏:‏‏ أن إسلام عمر فيما تحدثوا به عنه ، أنه كان يقول ‏‏:‏‏ كنت للإسلام مباعدا ، وكنت صاحب خمر في الجاهلية ، أحبها وأسر بها ، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحَزْوَرة ، عند دور آل عمر بن عبد بن عمران المخزومي ، قال ‏‏:‏‏ فخرجت ليلة أريد جلسائي أولئك في مجلسهم ذلك ، قال ‏‏:‏‏ فجئتهم فلم أجد فيه منهم أحدا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ لو أني جئت فلانا الخمَّار ، وكان بمكة يبيع الخمر ، لعلي أجد عنده خمرا فأشرب منها ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فخرجت فجئته فلم أجده ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ فلو أني جئت الكعبة فطفت بها سبعا أو سبعين ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فجئت المسجد أريد أن أطوف بالكعبة ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي ، وكان إذا صلى استقبل الشام ، وجعل الكعبة بينه وبين الشام ، وكان مصلاه بين الركنين ‏‏:‏‏ الركن الأسود ، والركن اليماني ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت حين رأيته ، والله لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول ‏‏!‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ لئن دنوت منه أستمع منه لأروِّعنه ؛ فجئت من قبل الحجر ، فدخلت تحت ثيابها ، فجعلت أمشي رويدا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يقرأ القرآن ، حتى قمت في قبلته مستقبله ، ما بيني وبينه إلا ثياب الكعبة ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فلما سمعت القرآن رق له قلبي ، فبكيت ودخلني الإسلام ، فلم أزل قائما في مكاني ذلك ، حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته ، ثم انصرف ، وكان إذا انصرف خرج على دار ابن أبي حسين ، وكانت طريقه ، حتى يجزع المسعى ، ثم يسلك بين دار عباس بن عبدالمطلب ، وبين دار ابن أزهر بن عبد عوف الزهري ، ثم على دار الأخنس بن شريق ، حتى يدخل بيته ‏‏.‏‏ وكان مسكنه صلى الله عليه وسلم في الدار الرقطاء ، التي كانت بيدي معاوية بن أبي سفيان ‏‏.‏‏
قال عمر رضي الله عنه ‏‏:‏‏ فتبعته حتى إذا دخل بين دار عباس ، ودار ابن أزهر ، أدركته ؛ فلما سمع رسول اله صلى الله عليه وسلم حسي عرفني ، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أني إنما تبعته لأوذيه فنهمني ، ثم قال ‏‏:‏‏ ما جاء بك يا ابن الخطاب هذه الساعة ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ جئت لأومن بالله وبرسوله ، وبما جاء من عند الله ؛ قال ‏‏:‏‏ فحمد اللهَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال ‏‏:‏‏ قد هداك الله يا عمر ، ثم مسح صدري ، ودعا لي بالثبات ، ثم انصرفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ والله أعلم أي ذلك كان ‏‏.‏‏
ذكر ثبات عمر في إسلامه و جلده
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني نافع مولى عبدالله بن عمر ، عن ابن عمر ، قال ‏‏:‏‏ لما أسلم أبي عمر قال ‏‏:‏‏ أي قريش أنقل للحديث ‏‏؟‏‏ فقيل له ‏‏:‏‏ جميل بن معمر الجمحي ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏‏ فغدا عليه ‏‏.‏‏ قال عبدالله بن عمر ‏‏:‏‏ فغدوت أتبع أثره ، وأنظر ما يفعل ، وأنا غلام أعقل كل ما رأيت ، حتى جاءه ، فقال له ‏‏:‏‏ أعلمت يا جميل أني قد أسلمت ، ودخلت في دين محمد ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فوالله ما راجعه حتى قام يجر رداءه واتبعه عمر ، واتبعت أبي ، حتى إذا قام على باب المسجد صرخ بأعلى صوته ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، وهم في أنديتهم حول الكعبة ، ألا إن عمر بن الخطاب قد صبا ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ و يقول عمر من خلفه ‏‏:‏‏ كذب ، ولكني قد أسلمت ، وشهدت أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ‏‏.‏‏ وثاروا إليه ، فما برح يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رءوسهم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وطَلِحَ ، فقعد وقاموا على رأسه وهو يقول ‏‏:‏‏ افعلوا ما بدا لكم ، فأحلف بالله أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لقد تركناها لكم ، أو تركتموها لنا ؛ قال ‏‏:‏‏ فبينما هم على ذلك ، إذ أقبل شيخ من قريش ، عليه حلة حِبْـرَة ، وقميص موشى ، حتى وقف عليهم ، فقال ‏‏:‏‏ ما شأنكم ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ صبا عمر ؛ فقال ‏‏:‏‏ فمه ، رجل اختار لنفسه أمرا فماذا تريدون ‏‏؟‏‏ أترون بني عدي بن كعب يُسلمون لكم صاحبكم هكذا ‏‏!‏‏ خلوا عن الرجل ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فوالله لكأنما كانوا ثوبا كُشط عنه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة ‏‏:‏‏ يا أبت ، من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت ، وهم يقاتلونك ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ ذاك ، أي بُنيّ ، العاص بن وائل السهمي ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أهل العلم ، أنه قال ‏‏:‏‏ يا أبت ، من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت ، وهم يقاتلونك ، جزاه الله خيرا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ يا بني ، ذلك العاص بن وائل ، لا جزاه الله خيرا ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالرحمن بن الحارث عن بعض آل عمر ، أو بعض أهله ، قال ‏‏:‏‏ قال عمر ‏‏:‏‏ لما أسلمت تلك الليلة ، تذكرت أيّ أهل مكة أشد لرسول الله صلى الله عليه وسلم عداوة حتى آتيه فأخبره أني قد أسلمت ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ أبو جهل - وكان عمر لحنتمة بنت هشام بن المغيرة - قال ‏‏:‏‏ فأقبلت حين أصبحت حتى ضربت عليه بابه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فخرج إلي أبو جهل ، فقال ‏‏:‏‏ مرحبا وأهلا بابن أختي ، ما جاء بك ‏‏؟‏‏ قلت ‏‏:‏‏ جئت لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد ، وصدقت بما جاء به ؛ قال ‏‏:‏‏ فضرب الباب في وجهي وقال ‏‏:‏‏ قبحك الله ، وقبح ما جئت به ‏‏.‏‏ ‏
خبر الصحيفة
ائتمار قريش بالرسول
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما رأت قريش أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلوا بلدا أصابوا به أمنا وقرارا ، وأن النجاشي قد منع من لجأ إليه منهم ، وأن عمر قد أسلم ، فكان هو وحمزة بن عبدالمطلب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، وجعل الإسلام يفشو في القبائل ، اجتمعوا وائتمروا بينهم أن يكتبوا كتابا يتعاقدون فيه على بني هاشم ، و بني المطلب ، على أن لا يُنكحوا إليهم ولا يُنكحوهم ، ولا يبيعوهم شيئا ، ولا يبتاعوا منهم ؛ فلما اجتمعوا لذلك كتبوه في صحيفة ، ثم تعاهدوا وتواثقوا على ذلك ، ثم علقوا الصحيفة في جوف الكعبة توكيدا على أنفسهم ، وكان كاتبَ الصحيفة منصورُ بن عكرمة بن عامر ابن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ النضر بن الحارث - فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فشُلّ بعض أصابعه ‏‏.‏‏
من انحاز إلى أبي طالب ومن خرج عنه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما فعلت ذلك قريش انحازت بنو هاشم و بنو المطلب إلى أبي طالب بن عبدالمطلب ، فدخلوا معه في شعبه واجتمعوا إليه ، وخرج من ‏بني هاشم أبو لهب ، عبدالعزى بن عبدالمطلب ، إلى قريش ، فظاهرهم ‏‏.‏‏
تهكم أبي لهب بالرسول صلى الله عليه و سلم ، و ما نزل فيه من القرآن
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني حسين بن عبدالله ‏‏:‏‏ أن أبا لهب لقي هند بنت عتبة بن ربيعة ، حين فارق قومه ، وظاهر عليهم قريشا ، فقال ‏‏:‏‏ يا بنت عتبة ؛ هل نصرت اللات والعزى ، وفارقت من فارقهما وظاهر عليهما ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ نعم ، فجزاك الله خيرا يا أبا عتبة ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحُدثت أنه كان يقول بعض ما يقول ‏‏:‏‏ يعدني محمد أشياء لا أراها ، يزعم أنها كائنة بعد الموت ، فماذا وضع في يديّ بعد ذلك ‏‏؟‏‏ ثم ينفخ في يديه ويقول ‏‏:‏‏ تبا لكما ، ما أرى فيكما شيئا مما يقول محمد ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ تبت يدا أبي لهب وتبَّ ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ تَـَّبت ‏‏:‏‏ خسرت ‏‏.‏‏ والتباب ‏‏:‏‏ الخسران ‏‏.‏‏ قال حبيب بن خُدْرة الخارجي ‏‏:‏‏ أحد بني هلال بن عامر بن صعصعة ‏‏:‏‏
يا طيب إنا في معشر ذهبت * مسعاتهم في التبار والتببِ
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏
شعر أبي طالب في تظاهر قريش على الرسول الله صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما اجتمعت على ذلك قريش ، وصنعوا فيه الذي صنعوا ‏‏.‏‏ قال أبو طالب ‏‏:‏‏
ألا أبلغا عني على ذات بيننا * لؤيا وخُصَّا من لؤي بني كعبِ
ألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خُط في أول الكتب
وأن عليه في العباد محبة * ولا خير ممن خصه الله بالحب
وأن الذي ألصقتمُ من كتابكم * لكم كائن نحسا كراغيه السقب
أفيقوا أفيقوا قبل أن يحُفر الثرى * ويصبح من لم يجن ذنبا كذي الذنب
ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا * أواصرنا بعد المودة والقرب
وتستجلبوا حربا عوانا وربما * أمرّ على من ذاقه جلب الحرب
فلسنا ورب البيت نُسلم أحمدا * لعزَّاء من عض الزمان ولا كرب
ولما تبنْ منا ومنكم سوالف * وأيد أُترّت بالقُساسية الشهب
بمعترك ضيق ترى كسر القنا * به والنسور الطُخم يعكفن كالشَّرب
كأن مجُال الخيل في حَجَراته * ومعمعة الأبطال معركة الحرب
أليس أبونا هاشم شد أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب
ولسنا نمل الحرب حتى تملنا * ولا نشتكي ما قد ينوب من النكب
ولكننا أهل الحفائظ والنهى * إذا طار أرواح الكماة من الرعب
فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثا ، حتى جُهدوا لا يصل إليهم شيء ، إلا سرا مستخفيا به من أراد صلتهم من قريش ‏‏.‏‏
أبو جهل يحكم الحصار على المسلمين
وقد كان أبو جهل بن هشام - فيما يذكرون - لقي حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد ، معه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد ، وهي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه في الشعب ، فتعلق به وقال ‏‏:‏‏ أتذهب بالطعام إلى بني هاشم ‏‏؟‏‏ والله لا تبرح أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة ‏‏.‏‏
فجاءه أبو البَخْتري بن هشام بن الحارث بن أسد ، فقال ‏‏:‏‏ ما لك وله ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ يحمل الطعام إلى بني هاشم ؛ فقال له أبو البختري ‏‏:‏‏ طعام كان لعمته عنده بعثت إليه فيه ، أفتمنعه أن يأتيها بطعامها ‏‏!‏‏ خلّ سبيل الرجل ؛ فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه ، فأخذ له أبو البختري لَـحْي ‏بعير فضربه به فشجه ، ووطئه وطأ شديدا ، وحمزة بن عبدالمطلب قريب يرى ذلك ، وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فيشمتوا بهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك يدعو قومه ليلا ونهارا ، و سرا وجهارا ، مباديا بأمر الله لا يتقي فيه أحدا من الناس ‏‏.‏‏
ذكر ما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم من قومه من الأذى
ما نزل من القرآن في أبي لهب وامرأته حمالة الحطب
فجعلت قريش حين منعه الله منها ، وقام عمه وقومه من بني هاشم ، وبني المطلب دونه ، وحالوا بينهم وبين ما أرادوا من البطش به ، يهمزونه ويستهزئون به ويخاصمونه ، وجعل القرآن ينـزل في قريش بأحداثهم ، وفيمن نصب لعداوته منهم ، ومنهم من سمّى لنا ، ومنهم من نزل فيه القرآن في عامة من ذكر الله من الكفار ، فكان ممن سمّي لنا من قريش ممن نزل فيه القرآن عمه أبو لهب بن عبدالمطلب وامرأته أم جميل بنت حرب ابن أمية ، حمالة الحطب ، وإنما سماها الله تعالى حمالة الحطب ، لأنها كانت - فيما بلغني - تحمل الشوك فتطرحه على طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يمر ، فأنزل الله تعالى فيهما ‏
‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ تبت يدا أبي لهب وتب ، ما أغنى عنه ماله وما كسب ، سيصلى نارا ذات لهب ، وامرأته حمالةَ الحطب ، في جيدها حبل من مسد ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الجيد ‏‏:‏‏ العنق ‏‏.‏‏ قال أعشى بني قيس بن ثعلبة ‏‏:‏‏
يوم تُبدي لنا قُتيلة عن جيد * أسيل تزينه الأطواقُ
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وجمعه ‏‏:‏‏ أجياد ‏‏.‏‏ والمسد ‏‏:‏‏ شجر يدق كما يدق الكتان فتفتل منه حبال ‏‏.‏‏ قال النابغة الذبياني ، واسمه زياد بن عمرو ابن معاوية ‏‏:‏‏
مقذوفة بدخيس النحض بازلها * له صريف صريف القعو بالمسدِ
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وواحدته ‏‏:‏‏ مسدة ‏‏.‏‏
أم جميل امرأة أبي لهب و رد الله كيدها عن الرسول صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فذُكر لي ‏‏:‏‏ أن أم جميل ‏‏:‏‏ حمالة الحطب ، حين سمعت ما نزل فيها ، وفي زوجها من القرآن ، أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو جالس في المسجد عند الكعبة ومعه أبو بكر الصديق ، وفي يدها فِهْر من حجارة ، فلما وقفت عليهما أخذ الله ببصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا ترى إلا أبا بكر ، فقالت ‏‏:‏‏ يا أبا بكر ، أين صاحبك ‏‏؟‏‏ فقد بلغني أنه يهجوني ، والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه ، أما والله إني لشاعرة ، ثم قالت ‏‏:‏‏
مذمما عصينا وأمره أبَيْنا
ودينه قَلَيْنا *
ثم انصرفت ، فقال أبو بكر ‏‏:‏‏ يا رسول الله أما تُراها رأتك ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ ما رأتني ، لقد أخذ الله ببصرها عني ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قولها ‏‏(‏‏ ودينه قلينا ‏‏)‏‏ عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكانت قريش إنما تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمما ، ثم يسبونه ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏‏:‏‏ ألا تعجبون لما يصرف الله عني من أذى قريش ، يسبون و يهجون مذمما ، وأنا محمد ‏‏.‏‏
إيذاء أمية بن خلف للرسول صلى الله عليه و سلم
وأمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ، كان إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم همزه ولمزه ، فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ويل لك همزة لمزة ، الذي جمع مالا وعدده ‏‏.‏‏ يحسب أن ماله أخلده ‏‏.‏‏ كلا لينبذن في الحطمة ، وما أدراك ما الحطمة ، نار الله الموقدة ، التي تطلع على الأفئدة ‏‏.‏‏ إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الهمزة ‏‏:‏‏ الذي يشتم الرجل علانية ، ويكسر عينيه عليه ، ويغمز به ‏‏.‏‏ قال حسان بن ثابت ‏‏:‏‏
همزتك فاخْتضعْتُ لذل نفس * بقافية تأجج كالشُواظِ
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وجمعه ‏‏:‏‏ همزات ‏‏.‏‏ واللمزة ‏‏:‏‏ الذي يعيب الناس سرا ويؤذيهم ‏‏.‏‏
قال رؤبة بن العجاج ‏‏:‏‏
في ظل عَصْريْ باطلي ولمزي *
وهذا البيت في أرجوزة له ، وجمعه ‏‏:‏‏ لمزات ‏‏.‏‏
إيذاء العاص الرسول صلى الله عليه وسلم وما نزل فيه من قرآن
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ والعاص بن وائل السهمي ، كان خباب بن الأرت ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قينا بمكة يعمل السيوف ، وكان قد باع من العاص ابن وائل سيوفا عملها له حتى كان له عليه مال ، فجاءه يتقاضاه ، فقال له ‏‏:‏‏ يا خباب ، أليس يزعم محمد صاحبكم هذا الذي أنت على دينه أن في الجنة ما ابتغى أهلُها من ذهب ، أو فضة ، أو ثياب ، أو خدم ‏‏!‏‏ قال خباب ‏‏:‏‏ بلى ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأنظرني إلى يوم القيامة يا خباب حتى أرجع إلى تلك الدار فأقضيك هنالك حقك ، فوالله لا تكون أنت وصاحبك يا خباب آثر عند الله مني ، ولا أعظم حظا في ذلك ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا ، أطلع الغيب ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ونرثه ما يقول ، ويأتينا فردا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
إيذاء أبي جهل الرسول صلى الله عليه و سلم ، و ما نـزل فيه
ولقي أبو جهل بن هشام رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - فقال له ‏‏:‏‏ والله يا محمد ، لتتركن سب آلهتنا ، أو لنسبن إلهك الذي تعبد ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله ، فيسبوا الله عدوا بغير علم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ فذُكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كف عن سب آلهتهم ، وجعل يدعوهم إلى الله ‏‏.‏‏
إيذاء النضر الرسول صلى الله عليه و سلم ، و ما نـزل فيه
والنضر بن الحارث بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي ، كان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا ، فدعا فيه إلى الله تعالى وتلا فيه القرآن ، وحذر فيه قريشا ما أصاب الأمم الخالية ، خلفه في مجلسه إذا قام ، فحدثهم عن رستم السنديد ، وعن أسفنديار ، وملوك فارس ، ثم يقول ‏‏:‏‏ والله ما محمد بأحسن حديثا مني ، وما حديثه إلا أساطير الأولين ، اكتتبها كما اكتتبتها ‏‏.‏‏ فأنزل الله فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا ، قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض ، إنه كان غفورا رحيما ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ونزل فيه ‏‏(‏‏ إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ونزل فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تُتلى عليه ثم يُصرّ مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا ، فبشره بعذاب أليم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الأفاك ‏‏:‏‏ الكذاب ‏‏.‏‏ وفي كتاب الله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله ، وإنهم لكاذبون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ‏
وقال رؤبة بن العجاج ‏‏:‏‏
ما لامرىء أفَّك قولا إفكا *
وهذا البيت في أرجوزة له ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما - فيما بلغني - مع الوليد بن المغيرة في المسجد ، فجاء النضر بن الحارث حتى جلس معهم في المجلس ، وفي المجلس غير واحد من رجال قريش ، فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعرض له النضر بن الحارث ، فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أفحمه ، ثم تلا عليه وعليهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ، لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ، وكل فيها خالدون ، لهم فيها زفير ، وهم فيها لا يسمعون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ حصب جهنم ‏‏:‏‏ كل ما أوقدت به ‏‏.‏‏ قال أبو ذؤيب الهذلي ، واسمه خويلد بن خالد‏‏:‏‏
فأطفىء ولا توقد ولا تك محضأ * لنار العداة أن تطير شكاتها
وهذا البيت في أبيات له ‏‏.‏‏ ويُروى ‏‏(‏‏ ولا تك محضأ ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ قال الشاعر ‏‏:‏‏
حضأت له ناري فأبصر ضوءها * وما كان لولا حضأة النار يهتدي
مقالة ابن الزبعرى ، وما أنـزل الله فيه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل عبدالله بن الزبعرى السهمي حتى جلس ، فقال الوليد بن المغيرة لعبدالله بن الزبعرى ‏‏:‏‏ والله ما قام النضر بن الحارث لابن عبدالمطلب آنفا وما قعد ، وقد زعم محمد أنا وما نعبد من آلهتنا هذه حصب جهنم ؛ فقال عبدالله بن الزبعرى ‏‏:‏‏ أما والله لو وجدته خصمته ، فسلوا محمدا ‏‏:‏‏ أكلّ ما يُعبد من دون الله في جهنم مع من عبده ‏‏؟‏‏ فنحن نعبد الملائكة ، واليهود تعبد عزيرا ، والنصارى تعبد عيسى بن مريم عليهما السلام ؛ فعجب الوليد ، ومن كان معه في المجلس من قول عبدالله بن الزبعرى ، ورأوا أنه قد احتج وخاصم ‏‏.‏‏ فذُكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قول ابن الزبعرى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إن كل من أحب أن يُعبد من دون الله فهو مع من عبده ، إنهم إنما يعبدون الشياطين ، ومن أمرتهم بعبادته ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى عليه في ذلك ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ، أولئك عنها مبعدون ، لا يسمعون حسيسها ، وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي عيسى بن مريم ، وعزيرا ، ومن عُبدوا من الأحبار والرهبان الذي مضوا على طاعة الله ، فاتخذهم من يعبدهم من أهل الضلالة أربابا من دون الله ‏‏.‏‏
ونزَّل فيما يذكرون ، أنهم يعبدون الملائكة ، وأنها بنات الله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه ، بل عباد مكرمون ‏‏.‏‏ لا يسبقونه بالقول ، وهم بأمره يعملون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ومن يقل منهم إني إله من دونه ، فذلك نجزيه جهنم ، كذلك نجزي الظالمين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ‏
ونزّل فيما ذكر من أمر عيسى بن مريم أنه يُعبد من دون الله ، وعجب الوليد ومن حضره من حجته وخصومته ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولما ضُرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي يصدون عن أمرك بذلك من قولهم ‏‏.‏‏
ثم ذكر عيسى بن مريم فقال ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إن هو إلا عبد أنعمنا عليه ، وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ، ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ، وإنه لعلم للساعة فلا تمترُنَّ بها واتبعون هذا صراط مستقيم ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي ما وضعت على يديه من الآيات من إحياء الموتى ، وإبراء الأسقام ، فكفى به دليلا على علم الساعة ، يقول ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ فلا تمترن بها واتبعون ، هذا صراط مستقيم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
الأخنس بن شريق ، وما أنزل الله فيه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي ، حليف بني زهرة ، وكان من أشراف القوم وممن يُستمع منه ، فكان يصيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويرد عليه ؛ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولا تطع كل حلاف مهين ، هماز مشاء بنميم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ زنيم ‏‏)‏‏ ، ولم يقل ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ زنيم ‏‏)‏‏ لعيب في نسبه ، لأن الله لا يعيب أحدا بنسب ، ولكنه حقق بذلك نعته ليُعرف ‏‏.‏‏ والزنيم ‏‏:‏‏ العديد للقوم ‏‏.‏‏ وقد قال الخطيم التميمي في الجاهلية ‏‏:‏‏
زنيم تداعاه الرجال زيادة * كما زيد في عرض الأديم الأكارعُ ‏
الوليد بن المغيرة ، وما أنزل الله تعالى فيه
والوليد بن المغيرة ، قال ‏‏:‏‏ أيُنـزَّل على محمد وأُترك وأنا كبير قريش وسيدها ، ويترك أبو مسعود عمرو بن عمير الثقفي سيد ثقيف ، ونحن عظيما القريتين ، فأنزل الله تعالى فيه ، فيما بلغني ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ مما يجمعون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط وما أنزل الله فيهما
وأبي بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح ، وعقبة بن أبي معيط ، وكانا متصافيين ، حَسَنا ما بينهما ‏‏.‏‏ فكان عقبة قد جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع منه ، فبلغ ذلك أبيا ، فأتى عقبة فقال له ‏‏:‏‏ ألم يبلغني أنك جالست محمدا وسمعت منه ، قال ‏‏:‏‏ وجهي من وجهك حرام أن أكلمك - واستغلظ من اليمين - إن أنت جلست إليه أو سمعت منه ، أو لم تأته فتتفل في وجهه ‏‏.‏‏ ففعل ذلك عدو الله عقبة بن أبي معيط لعنه الله ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيهما ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ للإنسان خذولا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
ومشى أبي بن خلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعظم بال قد ارْفتَّ ، فقال ‏‏:‏‏ يا محمد ، أنت تزعم أن الله يبعث هذا بعد ما أرمّ ، ثم فتَّه في يده ، ثم نفخه في الريح نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ نعم ، أنا أقول ذلك ، يبعثه الله وإياك بعدما تكونان هكذا ، ثم يدخلك الله النار ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال ‏‏:‏‏ من يحيي العظام وهي رميم ، قل يحييها الذي أنشأها ‏أول مرة وهو بكل خلق عليم ، الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا ، فإذا أنتم منه توقدون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
سورة ‏‏(‏‏ قل يا أيها الكافرون ‏‏)‏‏ وسبب نزولها
واعترض رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يطوف بالكعبة - فيما بلغني - الأسود بن المطلب بن أسد بن عبدالعزى ، والوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، والعاص بن وائل السهمي ، وكانوا ذوي أسنان في قومهم ، فقالوا ‏‏:‏‏ يا محمد ، هلم فلنعبد ما تعبد ، وتعبد ما نعبد ، فنشترك نحن وأنت في الأمر ، فإن كان الذي تعبد خيرا مما نعبد ، كنا قد أخذنا بحظنا منه ، وإن كان ما نعبد خيرا مما تعبد ، كنت قد أخذت بحظك منه ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل يا أيها الكافرون ، لا أعبد ما تعبدون ، ولا أنتم عابدون ما أعبد ، ولا أنا عابد ما عبدتم ‏‏.‏‏ ولا أنتم عابدون ما أعبد ‏‏.‏‏ لكم دينكم ولي دينِ ‏‏)‏‏ أي إن كنتم لا تعبدون الله ، إلا أن أعبد ما تعبدون ، فلا حاجة لي بذلك منكم ، لكم دينكم جميعا ، ولي ديني ‏‏.‏‏
أبو جهل ، وما أنزل الله فيه
وأبو جهل بن هشام ، لما ذكر الله عز وجل شجرة الزقوم تخويفا بها لهم ، قال ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، هل تدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ لا ؛ قال ‏‏:‏‏ ‏عجوة يثرب بالزبد ، والله لئن استمكنا منها لنتزقمنَّها تزقما ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إن شجرة الزقوم ، طعام الأثيم ، كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ أي ليس كما يقول ‏‏.‏‏
تفسير لفظ ‏‏(‏‏ المهل ‏‏)‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ المهل ‏‏:‏‏ كل شيء أذبته ، من نحاس أو رصاص أو ما أشبه ذلك فيما أخبرني أبو عبيدة ‏‏.‏‏
وبلغنا عن الحسن البصري أنه قال ‏‏:‏‏ كان عبدالله بن مسعود واليا لعمر ابن الخطاب على بيت مال الكوفة ، وأنه أمر يوما بفضة فأُذيبت ، فجعلت تلون ألوانا ، فقال ‏‏:‏‏ هل بالباب من أحد ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ فأدخلوهم ، فأدخلوا ، فقال ‏‏:‏‏ إن أدنى ما أنتم راءون شبها بالمهل ، لهذا ‏‏.‏‏ وقال الشاعر ‏‏:‏‏
يسقيه ربي حميم المهل يجرعه * يشوي الوجوه فهو في بطنه صهر
ويقال ‏‏:‏‏ إن المهل ‏‏:‏‏ صديد الجسد ‏‏.‏‏
وقال عبدالله بن الزبير الأسدي ‏‏:‏‏
فمن عاش منهم عاش عبدا وإن يمت * ففي النار يُسقى مهلها وصديدها
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ ‏
استشهاد في تفسير ‏‏(‏‏ المهل ‏‏)‏‏ بكلام لأبي بكر
بلغنا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما حُضِر أمر بثوبين لَبِيْسين يُغسلان فيكفن فيهما ، فقالت له عائشة ‏‏:‏‏ قد أغناك الله يا أبت عنهما ، فاشترِ كفنا ، فقال ‏‏:‏‏ إنما هي ساعة حتى يصير إلى المهل ‏‏.‏‏ قال الشاعر ‏‏:‏‏
شاب بالماء منه مُهلا كريها * ثم علّ المتون بعد النهالِ
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ والشجرة الملعونة في القرآن ، وُنخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
ابن أم مكتوم ، والوليد ، و نزول سورة ‏‏(‏‏ عبس ‏‏)‏‏
ووقف الوليد بن المغيرة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و رسول الله عليه و سلم يكلمه ، وقد طمع في إسلامه ، فبينا هو في ذلك ، إذ مر به ابن أم مكتوم الأعمى ، فكلم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل يستقرئه القرآن ، فشق ذلك منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أضجره ، وذلك أنه شغله عما كان فيه من أمر الوليد ، وما طمع فيه من إسلامه ‏‏.‏‏ فلما أكثر عليه انصرف عنه عابسا وتركه ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى فيه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ عبس وتولى أن جاءه الأعمى ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ في صحف مكرمة ، مرفوعة مطهرة ‏‏)‏‏ أي إنما بعثتك بشيرا ونذيرا ، لم أخص بك أحدا دون أحد ، فلا تمنعه ممن ابتغاه ، ولا تتصدينّ به لمن لا يريده ‏‏.‏‏ ‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ابن أم مكتوم ، أحد بني عامر بن لؤي ، و اسمه عبدالله ، و يقال ‏‏:‏‏ عمرو ‏‏.‏‏

ميارى 26 - 8 - 2010 06:11 PM

ذكر من عاد من أرض الحبشة لما بلغهم إسلام أهل مكة
سبب رجوع مهاجرة الحبشة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وبلغ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذين خرجوا إلى أرض الحبشة ، إسلام أهل مكة ، فأقبلوا لما بلغهم من ذلك ، حتى إذا دنوا من مكة ، بلغهم أن ما كانوا تحدثوا به من إسلام أهل مكة كان باطلا ، فلم يدخل منهم أحد إلا بجوار أو مستخفيا ‏‏.‏‏
من عاد من بني عبد شمس و حلفائهم
فكان ممن قدم عليه مكة منهم ، فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة ، فشهد معه بدرا و أحدا ، و من حُبس عنه حتى فاته بدر وغيره ، ومن مات بمكة منهم من بني عبد شمس بن عبد مناف بن قصي ‏‏:‏‏ عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس ، و معه امرأته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، و امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو ‏‏.‏‏
ومن حلفائهم ‏‏:‏‏ عبدالله بن جحش بن رئاب ‏‏.‏‏
من عاد من بني نوفل
ومن بني نوفل بن عبد مناف ‏‏:‏‏ عتبة بن غزوان ، حليف لهم ، من قيس ابن عيلان ‏‏.‏‏
من عاد من بني أسد
ومن بني أسد بن عبدالعزى بن قصي ‏‏:‏‏ الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد ‏‏.‏‏
من عاد من بني عبدالدار
ومن بني عبدالدار بن قصي ‏‏:‏‏ مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف ؛ بن عبدالدار ‏‏.‏‏ وسُويـبط بن سعد بن حرملة ‏‏.‏‏ ‏
من عاد من بني عبد بن قصي
ومن بني عبد بن قصي ‏‏:‏‏ طُليب بن عمير بن وهب بن عبد ‏‏.‏‏
من عاد من بني زهرة
ومن بني زهرة بن كلاب ‏‏:‏‏ عبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد ابن الحارث بن زهرة ؛ والمقداد بن عمرو ‏‏.‏‏ حليف لهم ؛ وعبدالله بن مسعود ، حليف لهم ‏‏.‏‏
من عاد من بني مخزوم و حلفائهم
ومن بني مخزوم بن يقظة ‏‏:‏‏ أبو سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله ابن عمرو بن مخزوم ، معه امرأته أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة ؛ وشماس بن عثمان بن الشريد بن سويد بن هرمي بن عامر بن مخزوم ‏‏.‏‏ وسلمة بن هشام بن المغيرة ، حبسه عمه بمكة ، فلم يقدم إلا بعد بدر وأحد والخندق ، وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة ، هاجر معه إلى المدينة ، ولحق به أخواه لأمه ‏‏:‏‏ أبو جهل بن هشام ، والحارث بن هشام ، فرجعا به إلى مكة فحبساه بها حتى مضى بدر وأحد والخندق ‏‏.‏‏
ومن حلفائهم ‏‏:‏‏ عمار بن ياسر ، يُشك فيه ، أكان خرج إلى الحبشة أم لا ‏‏؟‏‏ ومعتب بن عوف بن عامر من خزاعة ‏‏.‏‏
من عاد من بني جمح
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ‏‏:‏‏ عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ‏‏.‏‏ وابنه السائب بن عثمان ؛ وقدامة بن مظعون ؛ وعبدالله بن مظعون ‏‏.‏‏
من عاد من بني سهم
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ‏‏:‏‏ خنيس بن حذافة بن قيس بن عدي ؛ وهشام بن العاص بن وائل ، حبس بمكة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى قدم بعد بدر وأحد والخندق ‏‏.‏‏
من عاد من بني عدي
ومن بني عدي بن كعب ‏‏:‏‏ عامر بن ربيعة ، حليف لهم ، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن حذافة بن غانم ‏‏.‏‏
من عاد من بني عامر و حلفائهم
ومن بني عامر بن لؤي ‏‏:‏‏ عبدالله بن مخرمة بن عبدالعزى بن أبي قيس ‏‏:‏‏ وعبدالله بن سهيل بن عمرو ، وكان حبس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة ، حتى كان يوم بدر ، فانحاز من المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد معه بدرا ؛ وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبدالعزى ، معه امرأته أم كلثوم بنت سهيل بن عمرو ؛ والسكران بن عمرو بن عبد شمس ، معه امرأته سودة بنت زمعة بن قيس ، مات بمكة قبل هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأته سودة بنت زمعة ‏‏.‏‏
ومن حلفائهم ‏‏:‏‏ سعد بن خولة ‏‏.‏‏
من عاد من بني الحارث
ومن بني الحارث بن فهر ‏‏:‏‏ أبو عبيدة بن الجراح ، وهو عامر بن عبدالله ابن الجراح ؛ وعمرو بن الحارث بن زهير بن أبي شداد ؛ وسهيل بن بيضاء ، وهو سهيل بن وهب بن ربيعة بن هلال ؛ وعمرو بن أبي سرح بن ربيعة بن هلال ‏‏.‏‏
فجميع من قدم عليه مكة من أصحابه من أرض الحبشة ثلاثة وثلاثون رجلا ‏‏.‏‏
من دخل مكة بجوار من مهاجري الحبشة
فكان من دخل منهم بجوار ، فيمن سمُي لنا ‏‏:‏‏ عثمان بن مظعون بن حبيب الجمحي ، دخل بجوار من الوليد بن المغيرة ، وأبو سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، دخل بجوار من أبي طالب بن عبدالمطلب وكان خاله ‏‏.‏‏ وأم أبي سلمة ‏‏:‏‏ برة بنت عبدالمطلب ‏‏.‏‏ ‏
http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif قصة عثمان بن مظعون في رد جوار الوليد
تألمه لما يصيب إخوانه في الله ، و ما حدث له في مجلس لبيد
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأما عثمان بن مظعون فإن صالح بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف حدثني عمن حدثه عن عثمان ، قال ‏‏:‏‏ لما رأى عثمان ابن مظعون ما فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من البلاء ، وهو يغدو ويروح في أمان من الوليد بن المغيرة ، قال ‏‏:‏‏ والله إن غدوي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك ، وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني ، لنقص كبير في نفسي ‏‏.‏‏
فمشى إلى الوليد بن المغيرة ، فقال له ‏‏:‏‏ يا أبا عبد شمس ، وفت ذمتك ، قد رددت إليك جوارك ؛ فقال له ‏‏:‏‏ لم يا ابن أخي ‏‏؟‏‏ لعله آذاك أحد من قومي ؛ قال ‏‏:‏‏ لا ، ولكني أرضى بجوار الله ، ولا أريد أن أستجير بغيره ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فانطلق إلى المسجد ، فاردد عليّ جواري علانية كما أجرتك علانية ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فانطلقا فخرجا حتى أتيا المسجد ، فقال الوليد ‏‏:‏‏ هذا عثمان قد جاء يرد علي جواري ؛ قال ‏‏:‏‏ صدق ، قد وجدته وفيا كريم الجوار ، ولكني قد أحببت أن لا أستجير بغير الله ، فقد رددت عليه جواره ؛ ثم انصرف عثمان ، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب في مجلس من قريش ينشدهم ، فجلس معهم عثمان ، فقال لبيد‏‏:‏‏
ألا كل شيء ما خلا الله باطل*
قال عثمان ‏‏:‏‏ صدقت ‏‏.‏‏ قال لبيد‏‏:‏‏
وكل نعيم لا محالة زائل *
قال عثمان ‏‏:‏‏ كذبت ، نعيم الجنة لا يزول ‏‏.‏‏ قال لبيد بن ربيعة ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، والله ما كان يُؤذى جليسكم ، فمتى حدث هذا فيكم ‏‏؟‏‏ فقال رجل من القوم ‏‏:‏‏ إن هذا سفيه في سفهاء معه ، قد فارقوا ديننا ، فلا تجدن في نفسك من قوله ؛ فرد عليه عثمان حتى شري أمرهما ، فقام إليه ذلك الرجل فلطم عينه فخضَّرها ، والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ من عثمان ، فقال ‏‏:‏‏ أما والله يا ابن أخي إن كانت عينك عما أصابها لغنية ، لقد كنت في ذمة منيعة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ يقول عثمان ‏‏:‏‏ بل والله إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في الله ، وإني لفي جوار من هو أعز منك وأقدر يا أبا عبد شمس ؛ فقال له الوليد ‏‏:‏‏ هلم يا ابن أخي ، إن شئت فعد إلى جوارك ؛ فقال ‏‏:‏‏ لا ‏‏.‏‏
قصة أبي سلمة رضي الله عنه في جوار أبي طالب
ضجر المشركين بأبي طالب لإجارته ، و دفاع أبي لهب ، و شعر أبي طالب في ذلك
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأما أبو سلمة بن عبدالأسد ، فحدثني أبي إسحاق بن يسار عن سلمة بن عبدالله بن عمر بن أبي سلمة أنه حدثه ‏‏:‏‏ أن أبا سلمة لما استجار بأبي طالب ، مشى إليه رجال من بني مخزوم ، فقالوا له ‏‏:‏‏ يا أبا طالب ، لقد منعت منا ابن أخيك محمدا ، فما لك ولصاحبنا تمنعه منا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ إنه استجار بي ، وهو ابن أختي ، وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي ؛ فقام أبو لهب فقال ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، والله لقد أكثرتم على هذا الشيخ ، ما تزالون توثَّبون عليه في جواره من بين قومه ، والله لتنتهن عنه أو لنقومن معه في كل ما قام فيه ، حتى يبلغ ما أراد ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقالوا ‏‏:‏‏ بل ننصرف عما تكره يا أبا عتبة ، وكان لهم وليا وناصرا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبقوا على ذلك ‏‏.‏‏ فطمع فيه أبو طالب حين سمعه يقول ما يقول ، ورجا أن يقوم معه في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو طالب يحرض أبا لهب على نصرته ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏
وإن امرأ أبو عتيبة عمه * لفي روضة ما إن يُسام المظالما
أقول له ، وأين منه نصيحتي * أبا معتب ثبتْ سوادك قائما
ولا تقبلنّ الدهر ما عشت خطة * تُسبّ بها إما هبطت المواسما
وولّ سبيل العجز غيرك منهمُ * فإنك لم تخُلق على العجر لازما
وحارب فإن الحرب نُصْف ولن ترى * أخا الحرب يُعطىالخسف حتى يُسالما
وكيف ولم يجنوا عليك عظيمة * ولم يخذلوك غانما أو مغارما
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا * وتيما ومخزوما عقوقا ومأثما
بتفريقهم من بعد ود وألفة * جماعتنا كيما ينالوا المحارما ‏
كذبتم وبيت الله نُبزى محمدا *ولما تروا يوما لدى الشعب قائما
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ نبزى ‏‏:‏‏ نسلب ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وبقي منها بيت تركناه ‏‏.‏‏
دخول أبي بكر في جوار ابن الدغنة ثم رد جواره عليه
سبب جوار ابن الدغنة لأبي بكر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، كما حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنهما ، حين ضاقت عليه مكة وأصابه فيها الأذى ، ورأى من تظاهر قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما رأى ، استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فأذن له ، فخرج أبو بكر مهاجرا ، حتى إذا سار من مكة يوما أو يومين ، لقيه ابن الدغنة ، أخو بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، وهو يومئذ سيد الأحابيش ‏‏.‏‏
الأحابيش
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ والأحابيش ‏‏:‏‏ بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، والهون بن خزيمة بن مدركة ، وبنو المصطلق من خزاعة ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ تحالفوا جميعا ، فسموا الأحابيش - لأنهم تحالفوا بواد يقال له الأحبش بأسفل مكة - للحلف ‏‏.‏‏
ويقال ‏‏:‏‏ ابن الدغينة ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها قالت ‏‏:‏‏ فقال ابن الدغنة ‏‏:‏‏ أين يا أبا بكر ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أخرجني قومي وآذوني ، وضيقوا علي ؛ قال ‏‏:‏‏ ولم ‏‏؟‏‏ فوالله إنك لتزين العشيرة ، وتعين على النوائب ، وتفعل المعروف ، وتكسب المعدوم ، ارجع فأنت في جواري ‏‏.‏‏ فرجع معه ، حتى إذا دخل مكة ، قام ابن الدغنة فقال ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، إني قد أجرت ابن أبي قحافة ، فلا يعرضن له أحد إلا بخير ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فكفوا عنه ‏‏.‏‏
سبب خروج أبي بكر من جوار ابن الدغنة
قالت ‏‏:‏‏ وكان لأبي بكر مسجد عند باب داره في بني جمح ، فكان يصلي فيه ، وكان رجلا رقيقا ، إذا قرأ القرآن استبكى ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فيقف عليه الصبيان والعبيد والنساء ، يعجبون لما يرون من هيئته ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فمشى رجال من قريش إلى ابن الدغنة ، فقالوا له ‏‏:‏‏ يا ابن الدغنة ، إنك لم تجر هذا الرجل ليؤذينا ، إنه رجل إذا صلى وقرأ ما جاء به محمد يرق ويبكي ، وكانت له هيئة ونحو ، فنحن نتخوف على صبياننا ونسائنا وضعفتنا أن يفتنهم ، فأته فمره أن يدخل بيته فليصنع فيه ما شاء ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فمشى ابن الدغنة إليه ، فقال له ‏‏:‏‏ يا أبا بكر ، إني لم أجرك لتؤذي قومك ، إنهم قد كرهوا مكانك الذي أنت فيه ، وتأذوا بذلك منك ، فادخل بيتك ، فاصنع فيه ما أحببت ؛ قال ‏‏:‏‏ أو أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فاردد علي جواري ؛ قال ‏‏:‏‏ قد رددته عليك ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقام ابن الدغنة ، فقال ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، إن ابن أبي قحافة قد رد علي جواري فشأنكم بصاحبكم ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم ابن محمد ، قال ‏‏:‏‏ لقيه سفيه من سفهاء قريش ، وهو عامد إلى الكعبة ، فحثا على رأسه ترابا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فمر بأبي بكر الوليد بن المغيرة ، أو العاص بن وائل ، قال ‏‏:‏‏ فقال أبو بكر ‏‏:‏‏ ألا ترى إلى ما يصنع هذا السفيه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أنت فعلت ذلك بنفسك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وهو يقول ‏‏:‏‏ أي رب ، ما أحلمك ، أي رب ، ما أحلمك ، أي رب ، ما أحلمك ‏‏.‏‏
حديث نقض الصحيفة
هشام بن عمرو يسعى في نقض الصحيفة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وبنو هاشم وبنو المطلب في منـزلهم الذي تعاقدت فيه قريش عليهم في الصحيفة التي كتبوها ، ثم إنه قام في نقض تلك الصحيفة التي تكاتبت فيها قريش على بني هاشم وبني المطلب نفر من قريش ، ولم يبل فيها أحد أحسن من بلاء هشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حُبيب بن نصر بن جذيمة بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، وذلك أنه كان ابن أخي نضلة بن هاشم بن عبد مناف لأمه ، فكان هشام لبني هاشم واصلا ، وكان ذا شرف في قومه ، فكان - فيما بلغني - يأتي بالبعير ، وبنو هاشم وبنو المطلب في الشعب ليلا ، قد أوقره طعاما ، حتى إذا أقبل به فم الشعب خلع خطامه من رأسه ، ثم ضرب على جنبه ، فيدخل الشعب عليهم ثم يأتي به قد أوقره بزا ، فيفعل به مثل ذلك ‏‏.‏‏
سعي هشام في ضم زهير بن أبي أمية له
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم إنه مشى إلى زهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، وكانت أمه عاتكة بنت عبدالمطلب ، فقال ‏‏:‏‏ يا زهير ، أقد رضيت أن تأكل الطعام ، وتلبس الثياب ، وتنكح النساء ، وأخوالك حيث قد علمت ، لا يباعون ولا يبتاع منهم ، ولا ينكحون ولا يُنكح إليهم ‏‏؟‏‏ أما إني أحلف بالله أن لو كانوا أخوال أبي الحكم بن هشام ، ثم دعوته إلى مثل ما دعاك إليه منهم ، ما أجابك إليه أبدا ؛ قال ‏‏:‏‏ ويحك يا هشام ، فماذا أصنع ‏‏؟‏‏ إنما أنا رجل واحد ، والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها حتى أنقضها ؛ ‏قال ‏‏:‏‏ قد وجدت رجلا ، قال ‏‏:‏‏ فمن هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أنا ، قال له زهير ‏‏:‏‏ أبغنا رجلا ثالثا ‏‏.‏‏
سعي هشام في ضم المطعم بن عدي له
فذهب إلى المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف ، فقال له ‏‏:‏‏ يا مطعم أقد رضيت أن يهلك بطنان من بني عبد مناف ، وأنت شاهد على ذلك ، موافق لقريش فيه ، أما والله لئن أمكنتموهم من هذه لتجدُنهَّم إليها منكم سراعا ؛ قال ‏‏:‏‏ ويحك ، فماذا أصنع ‏‏؟‏‏ إنما أنا رجل واحد ؛ قال ‏‏:‏‏ قد وجدت ثانيا ؛ قال ‏‏:‏‏ من هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أنا ؛ فقال ‏‏:‏‏ أبغنا ثالثا ؛ قال ‏‏:‏‏ قد فعلت ؛ قال ‏‏:‏‏ من هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ زهير بن أبي أمية ، قال ‏‏:‏‏ أبغنا رابعا ‏‏.‏‏
سعي هشام في ضم أبي البختري إليه
فذهب إلى البختري بن هشام ، فقال له نحوا مما قال للمطعم بن عدي ، فقال ‏‏:‏‏ وهل من أحد يُعين على هذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ من هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ زهير بن أبي أمية ، والمطعم بن عدي ، وأنا معك ؛ قال ‏‏:‏‏ أبغنا خامسا ‏‏.‏‏
سعي هشام في ضم زمعة له
فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، فكلمه ، وذكر له قرابتهم وحقهم ، فقال له ‏‏:‏‏ وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ، ثم سمى له القوم ‏‏.‏‏
ما حدث بين هشام و زملائه ، وبين أبي جهل ، حين اعتزموا تمزيق الصحيفة
فاتعدوا خَطْم الحجون ليلا بأعلى مكة ، فاجتمعوا هنالك ‏‏.‏‏ فأجمعوا أمرهم وتعاقدوا على القيام في الصحيفة حتى ينقضوها ، وقال زهير ‏‏:‏‏ أنا أبدؤكم ، فأكون أول من يتكلم ‏‏.‏‏
فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم ، وغدا زهير بن أبي أمية عليه حلة ، فطاف بالبيت سبعا ؛ ثم أقبل على الناس فقال ‏‏:‏‏ يا أهل مكة ، أنأكل الطعام ونلبس الثياب ، وبنو هاشم هلكى لا يُباع ولا يُبتاع منهم ، والله لا أقعد حتى تُشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة ‏‏.‏‏
قال أبو جهل ‏‏:‏‏ وكان في ناحية المسجد ‏‏:‏‏ كذبت والله ولا تشق ؛ قال زمعة بن الأسود ‏‏:‏‏ أنت والله أكذب ، ما رضينا كتابها حيث كتبت ؛ قال أبو البختري ‏‏:‏‏ صدق زمعة ، لا نرضى ما كتب فيها ، ولا نقر به ؛ قال المطعم بن عدي ‏‏:‏‏ صدقتما وكذب من قال غير ذلك ، نبرأ إلى الله منها ، ومما كتب فيها ؛ قال هشام بن عمرو نحوا من ذلك ‏‏.‏‏
فقال أبو جهل ‏‏:‏‏ هذا أمر قُضي بليل ، تُشُوْوِرَ فيه بغير هذا المكان ‏‏.‏‏ وأبو طالب جالس في ناحية المسجد ، فقام المطعم إلى الصحيفة ليشقها ، فوجد الأرضة قد أكلتها ، إلا ‏‏(‏‏ باسمك اللهم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
شلت يد من كتب الصحيفة
وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة ‏‏.‏‏ فشُلّت يده فيما يزعمون ‏‏.‏‏
إخباره عليه الصلاة والسلام بأكل الأرضة الصحيفة ، و ما كان من القوم بعد ذلك
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وذكر بعض أهل العلم ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب ‏‏:‏‏ يا عم ، إن ربي الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش ، فلم تدع فيها اسما هو لله إلا أثبتته فيها ، ونفت منه الظلم والقطيعة والبهتان ؛ فقال ‏‏:‏‏ أربك أخبرك بهذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ فوالله ما يدخل عليك أحد ، ثم خرج إلى قريش ، فقال ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، إن ابن أخي أخبرني بكذا وكذا ، فهلم صحيفتكم ، فإن كان كما قال ابن أخي ، فانتهوا عن قطيعتنا ، وانزلوا عما فيها ، وإن يكن كاذبا دفعت إليكم ابن أخي ، فقال القوم ‏‏:‏‏ رضينا ، فتعاقدوا على ذلك ، ثم نظروا ، فإذا هي كما ‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزادهم ذلك شرا ‏‏.‏‏ فعند ذلك صنع الرهط من قريش في نقض الصحيفة ما صنعوا ‏‏.‏‏
شعر أبي طالب في مدح النفر الذين نقضوا الصحيفة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما مزقت الصحيفة وبطل ما فيها ، قال أبو طالب ، فيما كان من أمر أولئك النفر الذين قاموا في نقضها يمدحهم ‏‏:‏‏
ألا هل أتى بحريِّنا صنع ربنا * على نأيهم والله بالناس أرودُ
فيخبرهم أن الصحيفة مزقت * وأنْ كل ما لم يرضه الله مفسد
تراوحها إفك وسحر مجمع * ولم يُلف سحر آخر الدهر يصعد
تداعى لها من ليس فيها بقرقر * فطائرها في رأسها يتردد
وكانت كفاء رقعة بأثيمة * ليُقطع منها ساعد ومقلَّد
ويظعن أهل المكتين فيهربوا * فرائصهم من خشية الشر ترعد
ويُترك حرّاث يقلب أمره * أيُتهم فيهم عند ذاك ويُنجد
وتصعد بين الأخشبين كتيبة * لها حدج سهم وقوس ومِرهد
فمن يَنْشَ من حضّار مكة عزه * فعزتنا في بطن مكة أتلد
نشأنا بها والناس فيها قلائل * فلم ننفكك نزداد خيرا ونحمد
ونُطعم حتى يترك الناس فضلهم * إذا جعلت أيدي المفيضين تُرعد
جزى الله رهطا بالحجون تبابعوا * على ملأ يهدي لحزم ويرشد
قعودا لدى خطم الحجون كأنهم * مقاولة بل هم أعز وأمجد
أعان عليها كل صقر كأنه * إذا ما مشى في رفرف الدرع أحرد
جريّ على جُلَّى الخطوب كأنه * شهاب بكفَّيْ قابس يتوقَّد
من الأكرمين من لؤي بن غالب * إذا سيم خسفا وجهه يتربد
طويل النجاد خارج نصفُ ساقه * على وجهه يُسقى الغمام ويسعد
عظيم الرماد سيد وابن سيد * يحض على مَقْرَى الضيوف ويحشد
ويبني لأبناء العشيرة صالحا * إذا نحن طفنا في البلاد ويمهد ‏
ألظَّ بهذا الصلح كل مبرَّأ * عظيم اللواء أمره ثم يحُمد
قضوا ما قضوا في ليلهم ثم أصبحوا * عل مهل وسائر الناس رُقَّدُ
همُ رجعوا سهل بن بيضاء راضيا * وسُرّ أبو بكر بها ومحمد
متى شُرّك الأقوام في جل أمرنا * وكنا قديما قبلها نُتودد
وكنا قديما لا نُقرّ ظُلامة * وندرك ما شئنا ولا نتشدد
فيا لقصي هل لكم في نفوسكم * وهل لكم فيما يجىء به غد
فإني وإياكم كما قال قائل * لديك البيان لو تكلمت أسود
ما رثى به حسان المطعم بن عدي ، وذكره نقضه الصحيفة
وقال حسان بن ثابت ‏‏:‏‏ يبكي المطعم بن عدي حين مات ، ويذكر قيامه في نقض الصحيفة ‏‏:‏‏
أيا عين فابكي سيد القوم واسفحي * بدمع وإن أنزفته فاسكبي الدما
وبكِّي عظيم المشعرين كليهما * على الناس معروفا له ما تكلما
فلو كان مجد يخلد الدهر واحدا * من الناس ، أبقى مجده اليوم مُطعما
أجرت رسول الله منهم فأصبحوا * عبيدك ما لبى مُهِلّ وأحرما
فلو سئلت عنه معد بأسرها * وقحطان أو باقي بقية جرهما
لقالوا هو الموفى بخُفرة جاره * وذمته يوما إذا ما تذمما
فما تطلع الشمس المنيرة فوقهم * على مثله فيهم أعز وأعظما
وآبى إذا يأبي وألين شيمة * وأنوم عن جار إذا الليل أظلما
فذهب إلى البختري بن هشام ، فقال له نحوا مما قال للمطعم بن عدي ، فقال ‏‏:‏‏ وهل من أحد يُعين على هذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ من هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ زهير بن أبي أمية ، والمطعم بن عدي ، وأنا معك ؛ قال ‏‏:‏‏ أبغنا خامسا ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قوله ‏‏(‏‏ كليهما ‏‏)‏‏ عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وأما قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أجرت رسول الله منهم ‏‏)‏‏ ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عن أهل الطائف ، ولم يجيبوه إلى ما دعاهم إليه ، من تصديقه ونصرته ، صار إلى حراء ، ثم بعث إلى الأخنس بن شريق ليجيره ، فقال ‏‏:‏‏ أنا حليف ، والحليف لا يجير ‏‏.‏‏ فبعث إلى سهيل بن عمرو ، فقال ‏‏:‏‏ إن بني عامر لا تجير على بني كعب ‏‏.‏‏ فبعث إلى المطعم بن عدي فأجابه إلى ذلك ، ثم تسلح المطعم وأهل بيته ، وخرجوا حتى أتوا المسجد ، ثم بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ادخل ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطاف بالبيت وصلى عنده ، ثم انصرف إلى منـزله ‏‏.‏‏ فذلك الذي يعني حسان بن ثابت ‏‏.‏‏
حسان يمدح هشام بن عمرو لقيامه في نقض الصحيفة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال حسان بن ثابت الأنصاري أيضا ‏‏:‏‏ يمدح هشام بن عمرو لقيامه في الصحيفة ‏‏:‏‏
هل يُوفينّ بنو أمية ذمة * عقدا كما أوفى جوار هشام
من معشر لا يغدرون بجارهم * للحارث بن حُبيِّب بن سخام
وإذا بنو حسل أجاروا ذمة * اوفوا وأدَّوْا جارهم بسلام
وكان هشام أحد سُحام بالضم
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال سخام ‏‏.‏‏

ميارى 26 - 8 - 2010 06:13 PM

قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي
قريش تحذره من استماعه للرسول صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، على ما يرى من قومه ، يبذل لهم النصيحة ، ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه ‏‏.‏‏ وجعلت قريش ، حين منعه الله منهم ، يحذّرونه الناس ومن قدم عليهم من العرب ‏‏.‏‏
وكان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث ‏‏:‏‏ أنه قدم مكة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، فمشى إليه رجال من قريش ، وكان الطفيل رجلا شريفا شاعرا لبيبا ، فقالوا له ‏‏:‏‏ يا طفيل ، إنك قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا ، وقد فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وإنما قوله كالسحر يفرق بين الرجل وبين أبيه ، وبين الرجل وبين أخيه ، وبين الرجل وبين زوجته ، وإنا نخشى عليك وعلى قومك ما قد دخل علينا ، فلا تكلمنَّه ولا تسمعنّ منه شيئا ‏‏.‏‏
استماعه لقول قريش ، ثم عدوله و سماعه من الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ‏‏:‏‏ فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه ، حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كرسفا فَرقا من أن يبلغني شيء من قوله ، وأنا لا أريد أن أسمعه ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فغدوت إلى المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقمت منه قريبا ، فأبى الله إلا أن يُسمعني بعض قوله ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فسمعت كلاما حسنا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت في نفسي ‏‏:‏‏ واثُكْل أمي ، والله إني لرجل لبيب شاعر ما يخفى علي الحسن من القبيح ، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول ‏‏!‏‏ فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته ‏‏.‏‏
إسلام الطفيل
قال ‏‏:‏‏ فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته ، حتى إذا دخل بيته دخلت عليه ، فقلت ‏‏:‏‏ يا محمد ، إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا ، للذي قالوا ، فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف لئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يُسمعني قولك ، فسمعته قولا حسنا ، فاعرض علي أمرك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فعرض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، وتلا علي القرآن ، فلا والله ما سمعت قولا قط أحسن منه ، ولا أمرا أعدل منه ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فأسلمت وشهدت شهادة الحق ، وقلت ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، إني امرؤ مطاع في قومي ، وأنا راجع إليهم ، وداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه ، فقال ‏‏:‏‏ اللهم اجعل له آية ‏‏.‏‏
آية للطفيل ليصدقه قومه
قال ‏‏:‏‏ فخرجت إلى قومي ، حتى إذا كنت بِثنيَّة تطلعني على الحاضر وقع نور بين عينيّ مثل المصباح ؛ فقلت ‏‏:‏‏ اللهم في غير وجهي ، إني أخشى أن يظنوا أنها مُثْلة وقعت في وجهي لفراقي دينهم ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فتحول فوقع في رأس سوطي ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فجعل الحاضر يتراءون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق ، وأنا أهبط إليهم من الثنية ، قال ‏‏:‏‏ حتى جئتهم فأصبحت فيهم ‏‏.‏‏
إسلام والد الطفيل
قال ‏‏:‏‏ فلما نزلت أتاني أبي ، وكان شيخا كبيرا ، قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ إليك عني يا أبت ، فلست منك ولست مني ؛ قال ‏‏:‏‏ ولم يابني ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ أسلمت وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ؛ قال ‏‏:‏‏ أي بني ، فديني دينك ؛ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ فاذهب فاغتسل وطهر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلمك ما عُلِّمت ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فذهب فاغتسل ، وطهر ثيابه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم جاء فعرضت عليه الإسلام ، فأسلم ‏‏.‏‏ ‏
دعوته زوجه إلى الإسلام
قال ‏‏:‏‏ ثم أتتني صاحبتي ، فقلت ‏‏:‏‏ إليك عني ، فلست منك ولست مني ؛ قالت ‏‏:‏‏ لم ‏‏؟‏‏ بأبي أنت وأمي ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ قد فرق بيني وبينك الإسلام ، وتابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ؛ قالت ‏‏:‏‏ فديني دينك ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ فاذهبي إلى حِنا ذي الشَّرى - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ حمى ذي الشرى - فتطهري منه ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ وكان ذو الشرى صنما لدوس ، وكان الحمى حمى حموه له ، وبه وَشَل من ماء يهبط من جبل ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فقالت ‏‏:‏‏ بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية من ذي الشرى شيئا ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ لا ، أنا ضامن لذلك ، فذهبت فاغتسلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام ، فأسلمت ‏‏.‏‏
دعوته قومه إلى الإسلام ، و ما كان منهم ، و لحاقهم بالرسول صلى الله عليه و سلم
ثم دعوت دوسا إلى الإسلام ، فأبطئوا علي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فقلت له ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، إنه قد غلبني على دوس الزنا ، فادع الله عليهم ؛ فقال ‏‏:‏‏ اللهم اهد دوسا ، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فلم أزل بأرض دوس أدعوهم إلى الإسلام ، حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق ، ثم قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن أسلم معي من قومي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس ، ثم لحقنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ، فأَسْهم لنا مع المسلمين ‏‏.‏‏
ثم لم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا فتح الله عليه مكة ، قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، ابعثني إلى ذي الكفين ، صنم عمرو بن حممة حتى أُحرقه ‏‏.‏‏
إحراق صنم ذي الكفين
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فخرج إليه ، فجعل طفيل يوقد عليه النار ويقول ‏‏:‏‏
يا ذا الكفين لست من عُبَّادكا * ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حشوتُ النار في فؤادكا *
جهاده معه صلى الله عليه وسلم وموته
قال ‏‏:‏‏ ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان معه بالمدينة حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ فلما ارتدت العرب ، خرج مع المسلمين ، فسار معهم حتى فرغوا من طليحة ، ومن أرض نجد كلها ‏‏.‏‏ ثم سار مع المسلمين إلى اليمامة ، ومعه ابنه عمرو بن الطفيل ، فرأى رؤيا وهو متوجه إلى اليمامة ، فقال لأصحابه ‏‏:‏‏ إني قد رأيت رؤيا فاعبروها لي ، رأيت أن رأسي حُلق ، وأنه خرج من فمي طائر ، وأنه لقيتْني امرأة فأدخلتني في فرجها ، وأرى ابني يطلبني حثيثا ، ثم رأيته حُبس عني ؛ قالوا ‏‏:‏‏ خيرا ؛ قال ‏‏:‏‏ أما أنا والله فقد أولتها ؛ قالوا ‏‏:‏‏ ماذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أما حَلْق رأسي فوضعه ؛ وأما الطائر الذي خرج من فمي فروحي ؛ وأما المرأة التي أدخلتني فرجها فالأرض تحفر لي ، فأُغيَّب فيها ؛ وأما طلب ابني إياي ثم حبسه عني ، فإني أراه سيجهد أن يصيبه ما أصابني ‏‏.‏‏ فقُتل رحمه الله شهيدا باليمامة ، وجُرح ابنه جراحة شديدة ، ثم استبل منها ، ثم قتل عام اليرموك في زمن عمر رضي الله عنه شهيدا ‏‏.‏‏ ‏
قصة أعشى بني قيس بن ثعلبة
قدومه على الرسول ومدحه
قال ابن هشام ‏‏:‏‏حدثني خلاد بن قرة بن خالد السدوسي وغيره من مشايخ بكر بن وائل من أهل العلم ‏‏:‏‏ أن أعشى بني قيس بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل ، خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد الإسلام ، فقال يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا * وبتَّ كما بات السليم مُسهَّدا
وما ذاك من عشق النساء وإنما * تناسيت قبل اليوم صُحبة مهددا
ولكن أرى الدهر الذي هو خائن * إذا أصلحت كفاي عاد فأفسدا
كهولا وشُبَّانا فقدت وثروة * فلله هذا الدهر كيف ترددا
وما زلت أبغي المال مذ أنا يافع * وليدا وكهلا حين شبت وأمردا
وأبتذل العيس المراقيل تغتلي * مسافة ما بين النُّجير فصرخدا
ألا أيهذا السائلي أين يممتْ * فإن لها في أهل يثرب موعدا
فإن تسألي عني فيا رُب سائل * حفيّ عن الأعشى به حيث أصعدا
أجدَّت برجليها النجاء وراجعت * يداها خنافا لينا غير أحردا
وفيها إذا ما هجرت عجرفية * إذا خلت حرباء الظهيرة أصيدا
و آليت لا آوي لها من كلالة * ولا من حفى حتى تلاقي محمدا
متى ما تناخي عند باب ابن هاشم * تراحي وتلقى من فواضله ندى
نبيا يرى ما لا ترون وذكره * أغار لعمري في البلاد وأنجدا
له صدقات ما تغب ونائل * وليس عطاء اليوم مانعه غدا
أجدك لم تسمع وصاة محمد * نبى الإله حيث أوصى وأشهدا
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى * ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله * فترصد للموت الذي كان أرصدا
فإياك والميتات لا تقربنها * ولا تأخذنْ سهما حديدا لتفصدا
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه * ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا
ولا تقربن حرة كان سرها * عليك حراما فانكحن أو تأبدا
وذا الرحم القربى فلا تقطعنه * لعاقبة ولا الأسير المقيدا
وسبح على حين العشيات والضحى * ولا تحمد الشيطان والله فاحمدا
ولا تسخرن من بائس ذي ضرارة * ولا تحسبن المال للمرء مخلدا
نهاية الأعشى
فلما كان بمكة أو قريبا منها ، اعترضه بعض المشركين من قريش ، فسأله عن أمره ، فأخبره أنه جاء يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم ؛ فقال له ‏‏:‏‏ يا أبا بصير ، إنه يحرم الزنا ؛ فقال الأعشى ‏‏:‏‏ والله إن ذلك الأمر ما لي فيه من أرب ؛ فقال له ‏‏:‏‏ يا أبا بصير ، فإنه يحرم الخمر ؛ فقال الأعشى ‏‏:‏‏ أما هذه فوالله إن في النفس منها لعلالات ، ولكني منصرف فأتروى منها عامي هذا ، ثم آتيه فأسلم ‏‏.‏‏
فانصرف فمات في عامه ذلك ، ولم يعد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ ‏
أبو جهل يَذِلُّ للرسول صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد كان عدو الله أبو جهل بن هشام مع عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبغضه إياه ، وشدته عليه ، يذله الله له إذا رآه ‏‏.‏‏
أبو جهل وأمر الإراشي الذي باعه الإبل
مماطلة أبي جهل الإراشي ، و استنجاده بقريش ، و استخفافهم بالرسول
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني عبدالملك بن عبدالله بن أبي سفيان الثقفي ، وكان واعية ، قال ‏‏:‏‏ قدم رجل من إراش - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ إراشة - بإبل له مكة ، فابتاعها منه أبو جهل ، فمطله بأثمانها ‏‏.‏‏ فأقبل الإراشي حتى وقف على ناد من قريش ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد جالس ، فقال ‏‏:‏‏ يا معشر قريش ، من رجل يؤديني على أبي الحكم بن هشام ، فإني ‏ رجل غريب ، ابن سبيل ، وقد غلبني على حقي ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال له أهل ذلك المجلس ‏‏:‏‏ أترى ذلك الرجل الجالس - لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يهزءون به لما يعلمون ما بينه وبين أبي جهل من العداوة - اذهب إليه فإنه يؤديك عليه ‏‏.‏‏
الرسول ينصف الإراشي من أبي جهل
فأقبل الإراشي حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ يا عبدالله إن أبا الحكم بن هشام قد غلبني على حق لي قبله ، وأنا رجل غريب ابن سبيل ، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤديني عليه ، يأخذ لي حقي منه ، فأشاروا لي إليك ، فخذ لي حقي منه ، يرحمك الله ؛ قال ‏‏:‏‏ انطلق إليه ، وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوه قام معه ‏‏.‏‏ قالوا لرجل ممن معهم ‏‏:‏‏ اتبعه ، فانظر ماذا يصنع ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه فضرب عليه بابه ، فقال ‏‏:‏‏ من هذا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ محمد ، فاخرج إلي ، فخرج إليه ، وما في وجهه من رائحة ، قد انتقع لونه ، فقال ‏‏:‏‏ أعط هذا الرجل حقه ؛ قال ‏‏:‏‏ نعم ، لا تبرح حتى أعطيه الذي له ، قال ‏‏:‏‏ فدخل ، فخرج إليه بحقه ، فدفعه إليه ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال للإراشي ‏‏:‏‏ الحق بشأنك ، فأقبل الإراشي حتى وقف على ذلك المجلس ، فقال ‏‏:‏‏ جزاه الله خيرا ، فقد والله أخذ لي حقي ‏‏.‏‏
ما خافه أبو جهل من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ‏‏:‏‏ وجاء الرجل الذي بعثوا معه ، فقالوا ‏‏:‏‏ ويحك ‏‏!‏‏ ماذا رأيت ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ عجبا من العجب ، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه ، فخرج إليه وما معه روحه ، فقال له ‏‏:‏‏ أعط هذا حقه ، فقال ‏‏:‏‏ نعم ، لا تبرح حتى أخرج إليه حقه ، فدخل فخرج إليه بحقه ، فأعطاه إياه ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ ثم لم يلبث أبو جهل أن جاء ، فقالوا له ‏‏:‏‏ ويلك ‏‏!‏‏ ما لك ‏‏؟‏‏ والله ما رأينا مثل ما صنعت قط ‏‏!‏‏ قال ‏‏:‏‏ ويحكم ، والله ما هو إلا أن ضرب علي بابي ، وسمعت صوته ، فملئت رعبا ، ثم خرجت إليه ، وإن فوق رأسه لفحلا من الإبل ، ما رأيت مثل هامته ، ولا قصرته ، ولا أنيابه لفحل قط ، والله لو أبيت لأكلني ‏‏.‏‏
أمر ركانة المطلبي ومصارعته للنبي صلى الله عليه وسلم
من معجزاته صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، قال ‏‏:‏‏ كان ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبدالمطلب بن عبد مناف أشد قريش ، فخلا يوما برسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض شعاب مكة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ يا ركانة ، ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ إني لو أعلم أن الذي تقول حق لاتبعتك ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أفرأيت إن صرعتك ، أتعلم أن ما أقول حق ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ فقم حتى أصارعك ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فقام إليه ركانة يصارعه ؛ فلما بطش به رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجعه ، وهو لا يملك من نفسه شيئا ، ثم قال ‏‏:‏‏ عد يا محمد ، فعاد فصرعه ، فقال ‏‏:‏‏ يا محمد ، والله إن هذا للعجب ، أتصرعني ‏‏!‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ وأعجب من ذلك إن شئت أن أريكه ، إن اتقيت الله واتبعت أمري ؛ قال ‏‏:‏‏ ما هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أدعو لك هذه الشجرة التي ترى فتأتيني ؛ قال ‏‏:‏‏ ادعها ، فدعاها ، فأقبلت حتى وقفت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال لها ‏‏:‏‏ ارجعي إلى مكانك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فرجعت إلى مكانها ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فذهب ركانة إلى قومه ، فقال ‏‏:‏‏ يا بني عبد مناف ساحروا بصاحبكم أهل الأرض ، فوالله ما رأيت أسحر منه قط ، ثم أخبرهم بالذي رأى والذي صنع ‏‏.‏‏
قدوم وفد النصارى الذين أسلموا من الحبشة
أبو جهل يحاول ردهم عن الإسلام ، و إخفاقه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بمكة ، عشرون رجلا أو قريب من ذلك من النصارى ، حين بلغهم خبره من الحبشة ، فوجدوه في المسجد ، فجلسوا إليه وكلموه وسألوه ، ورجال من قريش في أنديتهم حول الكعبة ؛ فلما فرغوا من مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما أرادوا ، دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل وتلا عليهم القرآن ‏‏.‏‏
فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع ، ثم استجابوا لله ، وآمنوا به وصدقوه ، وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره ‏‏.‏‏ فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش ، فقالوا لهم ‏‏:‏‏ خيبكم الله من ركب ‏‏!‏‏ بعثكم من وراءكم من أهل دينكم ترتادون لهم لتأتوهم بخبر الرجل ، فلم تطمئن مجالسكم عنده ، حتى فارقتم دينكم وصدقتموه بما قال ، ما نعلم ركبا أحمق منكم ‏‏.‏‏ أو كما قالوا ‏‏.‏‏فقالوا لهم ‏‏:‏‏ سلام عليكم لا نجاهلكم لنا ما نحن عليه ، ولكم ما أنتم عليه ، لم نَأْلُ أنفسنا خيرا ‏‏.‏‏
مواطنهم و ما نزل فيهم من القرآن
ويقال ‏‏:‏‏ إن النفر من النصارى من أهل نجران ، فالله أعلم أي ذلك كان ‏‏.‏‏ فيقال - والله أعلم - فيهم نزلت هؤلاء الآيات ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ‏‏.‏‏ وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به ، إنه الحق من ربنا ، إنا كنا من قبله مسلمين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله ‏‏(‏‏ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد سألت ابن شهاب الزهري عن هؤلاء الآيات فيمن أنزلن ، فقال لي ‏‏:‏‏ ما أسمع من علمائنا أنهن أنزلن في النجاشي وأصحابه ‏‏.‏‏ والآية من سورة المائدة من قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا ، وأنهم لا يستكبرون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ فاكتبنا مع الشاهدين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
تهكم المشركين بالمستضعفين ، وما نزل في ذلك
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المسجد ، فجلس إليه المستضعفون من أصحابه ‏‏:‏‏ خباب ، وعمار ، وأبو فكيهة يسار مولى صفوان بن أمية بن محرث ، وصهيب ، وأشباههم من المسلمين ، هزئت بهم قريش ، وقال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ هؤلاء أصحابه كما ترون ، أهؤلاء من الله عليهم من بيننا بالهدى والحق ‏‏!‏‏ لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه ، وما خصهم الله به دوننا ‏‏.‏‏
فأنزل الله تعالى فيهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ، ما عليك من حسابهم من شيء ، وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين ، وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ، أليس الله بأعلم بالشاكرين ‏‏.‏‏ وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا ، فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه ‏الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
ادعاء المشركين على النبي أنه يعلمه بشر ، ورد القرآن عليهم
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - كثيرا ما يجلس عند المروة إلى مَبْيَعة غلام نصراني ، يقال له ‏‏:‏‏ جبر ، عبد لبني الحضرمي ، فكانوا يقولون ‏‏:‏‏ والله ما يُعلِّم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني ، غلام بنى الحضرمي ‏‏.‏‏
فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ، وهذا لسان عربي مبين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يلحدون إليه ‏‏:‏‏ يميلون إليه ‏‏.‏‏ والإلحاد ‏‏:‏‏ الميل عن الحق ‏‏.‏‏
قال رؤبة بن العجاج ‏‏:‏‏
إذا تبع الضحاك كل ملحد *
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يعني الضحاك الخارجي ، وهذا البيت في أرجوزة له ‏‏.‏‏
سبب نزول سورة الكوثر
نزول سورة الكوثر في العاص بن وائل
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان العاص بن وائل السهمي - فيما بلغني - إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ دعوه ، فإنما هو رجل أبتر لا عقب له ، لو مات لانقطع ذكره واسترحتم منه ، فأنزل الله في ذلك ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إنا أعطيناك الكوثر ‏‏)‏‏ ما هو خير لك من الدنيا وما فيها ‏‏.‏‏ والكوثر ‏‏:‏‏ العظيم ‏‏.‏‏
معنى الكوثر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ قال لبيد بن ربيعة الكلابي ‏‏:‏‏
وصاحب ملحوب فجعنا بيومه * وعند الرداع بيت آخر كوثر
يقول ‏‏:‏‏ عظيم ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وصاحب ملحوب ‏‏:‏‏ عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ، مات بملحوب ‏‏.‏‏ وقوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وعند الرداع بيت آخر كوثر ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ يعني شريح بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ، مات بالرداع ‏‏.‏‏ وكوثر ‏‏:‏‏ أراد الكثير ‏‏.‏‏ ولفظه مشتق من لفظ الكثير ‏‏.‏‏ قال الكميت بن زيد يمدح هشام بن عبدالملك بن مروان ‏‏:‏‏
وأنت كثير ياابن مروان طيب * وكان أبوك ابن العقائل كوثرا
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ وقال أمية بن أبي عائذ الهذلي يصف حمار وحش ‏‏:‏‏ ‏
يحامي الحقيق إذا ما احتدمن * وحمحمن في كوثر كالجلال
يعني بالكوثر ‏‏:‏‏ الغبار الكثير ، شبهه لكثرته عليه بالجلال ‏‏.‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏
سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الكوثر ما هو ‏‏؟‏‏ فأجاب
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني جعفر بن عمرو - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ هو جعفر ابن عمرو بن أمية الضمري - عن عبدالله بن مسلم أخي محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن أنس بن مالك ، قال ‏‏:‏‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل له ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، ما الكوثر الذي أعطاك الله ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نهر كما بين صنعاء إلى أيلة ، آنيته كعدد نجوم السماء ، ترده طيور لها أعناق كأعناق الإبل ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ يقول عمر بن الخطاب ‏‏:‏‏ إنها يا رسول الله لناعمة ؛ قال ‏‏:‏‏ آكلها أنعم منها ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد سمعت في هذا الحديث أو غيره أنه قال صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ من شرب منه لا يظمأ أبدا ‏‏.‏‏
نزول ‏‏(‏‏ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ‏‏)‏‏
مقالة زمعة و صحبه ، و نزول هذه الآية
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه إلى الإسلام ، وكلمهم فأبلغ إليهم ، فقال له زمعة بن الأسود ، والنضر بن الحارث ، والأسود بن عبد يغوث ، وأبي بن خلف ، والعاص بن وائل ‏‏:‏‏ لو جُعل معك يا محمد ملك يحدث عنك الناس ويُرى معك ‏‏!‏‏ فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقالوا لولا أنزل عليه ملك ، ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ، ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا ، وللبسنا عليهم ما يلبسون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏

ميارى 26 - 8 - 2010 06:18 PM

نزول ‏‏(‏‏ ولقد استهزىء برسل من قبلك ‏‏)‏‏
مقالة الوليد و صحبه ، و نزول هذه الآية
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - بالوليد بن المغيرة ، وأمية بن خلف ، وبأبي جهل بن هشام ، فهمزوه واستهزءوا به ، فغاظه ذلك ‏‏.‏‏ فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من أمرهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولقد استهزىء برسل من قبلك ، فحاق بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ ‏
ذكر الإسراء والمعراج
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي قال ‏‏:‏‏ ثم أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ، وهو بيت المقدس من إيلياء ، وقد فشا الإسلام بمكة في قريش ، وفي القبائل كلها ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ كان من الحديث فيما بلغني عن مسراه صلى الله عليه وسلم ، عن عبدالله بن مسعود ، وأبي سعيد الخدري ، وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعاوية بن أبي سفيان ، والحسن بن أبي الحسن البصري ، وابن شهاب الزهري ، وقتادة وغيرهم من أهل العلم ، وأم هانئ بنت أبي طالب ، ما اجتمع في هذا الحديث ، كل يحدث عنه بعض ما ذكر من أمره حين أُسري به صلى الله عليه وسلم ، وكان في مسراه ، وما ذكر عنه بلاء وتمحيص ، وأمر من أمر الله عز وجل في قدرته وسلطانه ، فيه عبرة لأولي الألباب ، وهدى ورحمة وثبات لمن آمن وصدق ، وكان من أمر الله سبحانه ‏وتعالى على يقين ، فأسرى به سبحانه وتعالى كيف شاء ، ليريه من آياته ما أراد ، حتى عاين ما عاين من أمره وسلطانه العظيم ، وقدرته التي يصنع بها ما يريد ‏‏.‏‏

رواية عبدالله بن مسعود عن الإسراء
فكان عبدالله بن مسعود - فيما بلغني عنه - يقول ‏‏:‏‏
أُتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبراق - وهي الدابة التي كانت تحُمل عليها الأنبياء قبله ، تضع حافرها في منتهى طرفها - فحُمل عليها ، ثم خرج به صاحبه ، يرى الآيات فيما بين السماء والأرض ، حتى انتهى إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم الخليل وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء قد جمُعوا له ، فصلى بهم ‏‏.‏‏ ثم أُتي بثلاثة آنية ، إناء فيه لبن ، وإناء فيه خمر ، وإناء فيه ماء ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فسمعت قائلا يقول حين عُرضت علي ‏‏:‏‏ إن أخذ الماء غرق وغرقت أمته ، وإن أخذ الخمر غوى وغوت أمته ، وإن أخذ اللبن هُدي وهديت أمته ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأخذت إناء اللبن ، فشربت منه ، فقال لي جبريل عليه السلام ‏‏:‏‏ هُديت وهديت أمتك يا محمد ‏‏.‏‏
رواية الحسن عن مسراه صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحُدثت عن الحسن أنه قال ‏‏:‏‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ بينا أنا نائم في الحجر ، إذ جاءني جبريل ، فهمزني بقدمه ، فجلست فلم أر شيئا ، فعدت إلى مضجعي ، فجاءني الثانية فهمزني بقدمه ، فجلست ولم أر شيئا ، فعدت إلى مضجعي ، فجاءني الثالثة فهمزني بقدمه ، فجلست ، فأخذ بعضدي ، فقمت معه ، فخرج بي إلى باب المسجد ، فإذا دابة أبيض ، بين البغل والحمار ، في فخذيه جناحان يحفز بهما رجليه ، يضع يده في منتهى طرفه ، فحملني عليه ، ثم خرج معي لا يفوتني ولا أفوته ‏‏.‏‏
رواية قتادة عن مسراه صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحُدثت عن قتادة أنه قال ‏‏:‏‏ حُدثت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏‏:‏‏ لما دنوت منه لأركبه شَـمَس ، فوضع جبريل يده على مَعرفته ، ثم قال ‏‏:‏‏ ألا تستحي يا براق مما تصنع ، فوالله ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم عليه منه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فاستحيا حتى ارفضّ عرقا ، ثم قر حتى ركبته ‏‏.‏‏
عودة إلى رواية الحسن
قال الحسن في حديثه ‏‏:‏‏ فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومضى جبريل عليه السلام معه ، حتى انتهى به إلى بيت المقدس ، فوجد فيه إبراهيم وموسى وعيسى في نفر من الأنبياء ، فأمَّهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ، ثم أُتي بإناءين ، في أحدهما خمر ، وفي الآخر لبن ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إناء اللبن ، فشرب منه ، وترك إناء الخمر ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال له جبريل ‏‏:‏‏ هديت للفطرة ، وهديت أمتك يا محمد ، وحرمت عليكم الخمر ‏‏.‏‏ ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ، فلما أصبح غدا على قريش فأخبرهم الخبر ‏‏.‏‏ فقال أكثر الناس ‏‏:‏‏ هذا والله الإمْر البين ، والله إن العير لتطرد ، شهرا من مكة إلى الشام مدبرة ، وشهرا مقبلة ، أفيذهب ذلك محمد في ليلة واحدة ، ويرجع إلى مكة ‏‏!‏‏ قال ‏‏:‏‏ فارتد كثير ممن كان أسلم ، وذهب الناس إلى أبي بكر ، فقالوا له ‏‏:‏‏ هل لك يا أبا بكر في صاحبك ، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع إلى مكة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال لهم‏ أبو بكر ‏‏:‏‏ إنكم تكذبون عليه ؛ فقالوا ‏‏:‏‏ بلى ، ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس ؛ فقال أبو بكر ‏‏:‏‏ والله لئن كان قاله لقد صدق ، فما يُعجبكم من ذلك ‏‏!‏‏ فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدّقه ، فهذا أبعد مما تعجبون منه ، ثم أقبل حتى انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، فصفه لي ، فإني قد جئته - قال الحسن ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فرُفع لي حتى نظرت إليه - فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفه لأبي بكر ، ويقول أبو بكر ‏‏:‏‏ صدقت ، أشهد أنك رسول الله ، كلما وصف له منه شيئا ، قال ‏‏:‏‏ صدقت ، أشهد أنك رسول الله ، حتى إذا انتهى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ‏‏:‏‏ وأنت يا أبا بكر الصديق ؛ فيومئذ سماه الصديق ‏‏.‏‏
قال الحسن ‏‏:‏‏ وأنزل الله تعالى فيمن ارتد عن إسلامه لذلك ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ، والشجرة الملعونة في القرآن ، ونخوفهم ، فما يزيد إلا طغيانا كبيرا ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
فهذا حديث الحسن عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ وما دخل فيه من حديث قتادة ‏‏.‏‏
رواية عائشة عن مسراه صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني بعض آل أبي بكر ‏‏:‏‏ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت تقول ‏‏:‏‏ ما فُقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكن الله أسرى بروحه ‏‏.‏‏
رواية معاوية عن مسراه صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ‏‏:‏‏ أن معاوية بن أبي سفيان ، كان إذا سئل عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ كانت رؤيا من الله تعالى صادقة ‏‏.‏‏ ‏
جواز أن يكون الإسراء رؤيا
فلم يُنكر ذلك من قولهما ، لقول الحسن ‏‏:‏‏ إن هذه الآية نزلت في ذلك ، قول الله تبارك وتعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس ‏‏)‏‏ ، ولقول الله تعالى في الخبر عن إبراهيم عليه السلام إذ قال لابنه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يا بُنيّ إني أرى في المنام أني أذبحك ‏‏)‏‏ ثم مضى على ذلك ‏‏.‏‏ فعرفت أن الوحي من الله يأتي الأنبياء أيقاظا ونياما ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - يقول ‏‏:‏‏ تنام عيناي وقلبي يقظان ‏‏.‏‏ والله أعلم أي ذلك كان قد جاءه ، وعاين فيه ما عاين ، من أمر الله ، على أي حاليه كان ‏‏:‏‏ نائما ، أو يقظان ، كل ذلك حق وصدق ‏‏.‏‏ ‏
وصفه صلى الله عليه وسلم لإبراهيم وموسى وعيسى
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وزعم الزهرى عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف لأصحابه إبراهيم وموسى وعيسى حين رآهم في تلك الليلة ، فقال ‏‏:‏‏ أما إبراهيم ، فلم أر رجلا أشبه قط بصاحبكم ، ولا صاحبكم أشبه به منه ؛ وأما موسى ، فرجل آدم طويل ضرب جعد أقنى كأنه من رجال شنوءة ؛ وأما عيسى بن مريم ، فرجل أحمر ، بين القصير والطويل ، سبط الشعر ، كثير خِيلان الوجه ، كأنه خرج من ديماس ، تخال رأسه يقطر ماء ، وليس به ماء ، أشبه رجالكم به عروة بن مسعود الثقفي ‏‏.‏‏
علي يصف الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وكانت صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكر عمر مولى غفرة عن إبراهيم بن محمد بن علي بن أبي طالب ، قال ‏‏:‏‏ كان علي بن أبي طالب عليه السلام ، إذا نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏‏:‏‏ لم يكن بالطويل الممغَّط ، ولا القصير المتردد ‏‏.‏‏ وكان ربعة من القوم ، ولم يكن بالجعد القطط ولا السبط ، كان جعدا رجلا ، ولم يكن بالمطهَّم ولا المكلثم ، وكان أبيض مشربا ، أدعج العينين ، أهدب الأشفار ، جليل المشاش والكتد ، دقيق المسربة ، أجرد شَثْن الكفين والقدمين ، إذا مشى تقلع ، كأنما يمشي في صبب ، وإذا التفت التفت معا ، بين كتفيه خاتم النبوة ، وهو صلى الله عليه و سلم خاتم النبيين ، أجود الناس كفا ، وأجرأ الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وأوفى الناس ذمة ، وألينهم عريكة ، وأكرمهم عشرة ، من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه أحبه ، يقول ناعته ‏‏:‏‏ لم أر قبله ولا بعده مثله ، صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏
رواية أم هانئ عن الإسراء
قال محمد بن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان فيما بلغني عن أمر هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ، واسمها هند ، في مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنها كانت تقول ‏‏:‏‏ ما أُسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو في بيتي ، نام عندي تلك الليلة في بيتي ، فصلى العشاء الآخرة ، ثم نام ونمنا ، فلما كان قبيل الفجر أهبَّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما صلى الصبح وصلينا معه ، قال ‏‏:‏‏ يا أم هانىء ، لقد ‏صليت معكم العشاء الآخرة كما رأيت بهذا الوادي ، ثم جئت بيت المقدس فصليت فيه ، ثم قد صليت صلاة الغداة معكم الآن كما ترين ، ثم قام ليخرج ، فأخذت بطرف ردائه ، فتكشَّف عن بطنه كأنه قُبطية مطوية ، فقلت له ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، لا تحدث بهذا الناس فيكذبوك ويؤذوك ؛ قال ‏‏:‏‏ والله لأحدثنهموه ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فقلت لجارية لي حبشية ‏‏:‏‏ ويحك اتبعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تسمعي ما يقول للناس ، وما يقولون له ‏‏.‏‏ فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس أخبرهم ، فعجبوا وقالوا ‏‏:‏‏ ما آية ذلك يا محمد ‏‏؟‏‏ فإنا لم نسمع بمثل هذا قط ؛ قال ‏‏:‏‏ آية ذلك أني مررت بعير بني فلان بوادي كذا وكذا ، فأنفرهم حس الدابة ، فندَّ لهم بعير ، فدللتهم عليه ، وأنا موجَّه إلى الشام ‏‏.‏‏
ثم أقبلت حتى إذا كنت بضجنان مررت بعير بني فلان ، فوجدت القوم نياما ، ولهم إناء فيه ماء قد غطوا عليه بشيء ، فكشفت غطاءه وشربت ما فيه ، ثم غطيت عليه كما كان ؛ وآية ذلك أن عيرهم الآن يصوب من البيضاء ، ثنية التنعيم ، يقدمها جمل أورق ، عليه غرارتان ، إحداهما سوداء ، والآخرى برقاء ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فابتدر القوم الثنية فلم يلقهم أولُ من الجمل كما وصف لهم ، وسألوهم عن الإناء ، فأخبروهم أنهم وضعوه مملوءا ماء ثم غطوه ، وأنهم هبوا فوجدوه مغطى كما غطوه ، ولم يجدوا فيه ماء ‏‏.‏‏ وسألوا الآخرين وهم بمكة ، فقالوا ‏‏:‏‏ صدق والله ، لقد أُنْفرنا في الوادي الذي ذكر ، وندّ لنا بعير ، فسمعنا صوت رجل يدعونا إليه ، حتى أخذناه ‏‏.‏‏
قصة المعراج
الرسول صلى الله عليه وسلم يصعد إلى السماء الأولى ‏‏(‏‏ حديث الخدري عن المعراج ‏‏)‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني من لا أتهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال ‏‏:‏‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏‏:‏‏ لما فرغت مما كان في بيت المقدس ، أُتي بالمعراج ، ولم أر شيئا قط أحسن منه ، وهو الذي يمد إليه ميتكم عينيه إذا حُضر ، فأصعدني صاحبي فيه ، حتى انتهى بي إلى باب من أبواب السماء ، يقال له ‏‏:‏‏ باب الحفظة ، عليه ملك من الملائكة ، يقال له ‏‏:‏‏ إسماعيل ، تحت يديه اثنا عشر ألف ملك ، تحت يدي كل ملك منهم اثنا عشر ألف ملك - قال ‏‏:‏‏ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حدث بهذا الحديث ‏‏:‏‏ وما يعلم جنود ربك إلا هو - فلما دُخل بي ، قال ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا محمد ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ أوقد بعث ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فدعا لي بخير ، وقاله ‏‏.‏‏
صفة مالك خازن النار
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أهل العلم عمن حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال ‏‏:‏‏ تلقتني الملائكة حين دخلت السماء الدنيا ، فلم يلقني ملك إلا ضاحكا مستبشرا ، يقول ‏خيرا ويدعو به ، حتى لقيني ملك من الملائكة ، فقال مثل ما قالوا ، ودعا بمثل ما دعوا به ، إلا أنه لم يضحك ، ولم أر منه من البشر مثل ما رأيت من غيره ، فقلت لجبريل ‏‏:‏‏ يا جبريل من هذا الملك الذي قال لي كما قالت الملائكة ولم يضحك إلي ، ولم أر منه من البشر مثل الذي رأيت منهم ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال لي جبريل ‏‏:‏‏ أما إنه لو ضحك إلى أحد كان قبلك ، أو كان ضاحكا إلى أحد بعدك ، لضحك إليك ، ولكنه لا يضحك ، هذا مالك صاحب النار ‏‏.‏‏
من صفات جهنم أعاذنا الله منها
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فقلت لجبريل ، وهو من الله تعالى بالمكان الذي وصف لكم ‏‏(‏‏ مطاع ثم أمين ‏‏)‏‏ ‏‏:‏‏ ألا تأمره أن يُريني النار ‏‏؟‏‏ فقال ‏‏:‏‏ بلى ، يا مالك ، أرِ محمدا النار ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فكشف عنها غطاءها ، فقال ‏‏:‏‏ ففارت وارتفعت ، حتى ظننت لتأخذن ما أرى ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت لجبريل ‏‏:‏‏ يا جبريل ، مُرْه فليردها إلى مكانها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأمره ، فقال لها ‏‏:‏‏ اخبي ، فرجعت إلى مكانها الذي خرجت منه ‏‏.‏‏ فما شبَّهت رجوعها إلا وقوع الظل ‏‏.‏‏ حتى إذا دخلت من حيث خرجت رد عليها غطاءها ‏‏.‏‏
عرض الأرواح على آدم عليه السلام ، ‏‏(‏‏ و عود إلى حديث الخدري عن المعراج ‏‏)‏‏
و قال أبو سعيد الخدري في حديثه ‏‏:‏‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏‏:‏‏ لما دخلت السماء الدنيا ، رأيت بها رجلا جالسا تُعرض عليه أرواح بني آدم ، فيقول لبعضها إذا عُرضت عليه خيرا ويُسّر به ، ويقول ‏‏:‏‏ روح طيبة خرجت من جسد طيب ؛ ويقول لبعضها إذا عُرضت عليه ‏‏:‏‏ أف ، ويعبس بوجهه ويقول ‏‏:‏‏ روح ‏خبيثة خرجت من جسد خبيث ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هذا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا أبوك آدم ، تعرض عليه أرواح ذريته ، فإذا مرت به روح المؤمن منهم سر بها ‏‏.‏‏ وقال ‏‏:‏‏ روح طيبة خرجت من جسد طيب ‏‏.‏‏ وإذا مرت به روح الكافر منهم أفَّف منها وكرهها ، وساءه ذلك ، وقال ‏‏:‏‏ روح خبيثة خرجت من جسد خبيث ‏‏.‏‏
صفة أكلة أموال اليتامى ظلما
قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الإبل ، في أيديهم قطع من نار كالأفهار ، يقذفونها في أفواههم ، فتخرج من أدبارهم ‏‏.‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء أكلة أمول اليتامى ظلما ‏‏.‏‏
صفة أكلة الربا
قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت رجالا لهم بطون لم أر مثلها قط بسبيل آل فرعون ، يمرون عليهم كالإبل المهيومة حين يُعرضون على النار ، يطئونهم لا يقدرون على أن يتحولوا من مكانهم ذلك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء أكلة الربا ‏‏.‏‏
صفة الزناة من بني آدم
قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت رجالا بين أيديهم لحم ثـمين طيب ، إلى جنبه لحم غث منتن ، يأكلون من الغث المنتن ، ويتركون السمين الطيب ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء الذين يتركون ما أحل الله لهم من النساء ، ويذهبون إلى ما حرم الله عليهم منهن ‏‏.‏‏ ‏
من نسبت ابنا لزوجها من غيره
قال ‏‏:‏‏ ثم رأيت نساء معلقات بثديهنّ ، فقلت ‏‏:‏‏ من هؤلاء يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هؤلاء اللاتي أدخلن على الرجال من ليس من أولادهم ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني جعفر بن عمرو ، عن القاسم بن محمد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏‏:‏‏ اشتد غضب الله على امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم ، فأكل حرائبهم ، واطلع على عوراتهم ‏‏.‏‏
صعوده صلى الله عليه وسلم إلى السماوات الآخرة ، وما رأى منها
ثم رجع إلى حديث أبي سعيد الخدري ، قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء الثانية ، فإذا فيها ابنا الخالة ‏‏:‏‏ عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء الثالثة ، فإذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا أخوك يوسف ابن يعقوب ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء الرابعة ، فإذا فيها رجل فسألته ‏‏:‏‏ ‏من هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا إدريس - قال ‏‏:‏‏ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ورفعناه مكانا عليا - قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء الخامسة فإذا فيها كهل أبيض الرأس واللحية ، عظيم العثنون ، لم أر كهلا أجمل منه ؛ قالت ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال هذا المحبَّب في قومه هارون بن عمران ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم أصعدني إلى السماء السادسة ، فإذا فيها رجل آدم طويل أقنى ، كأنه من رجال شنوءة ؛ فقلت له ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا أخوك موسى بن عمران ‏‏.‏‏ ثم أصعدني إلى السماء السابعة ، فإذا فيها كهل جالس على كرسي إلى باب البيت المعمور ، يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يرجعون فيه إلى يوم القيامة ‏‏.‏‏ لم أر رجلا أشبه بصاحبكم ، ولا صاحبكم أشبه به منه ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا أبوك إبراهيم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم دخل بي الجنة ، فرأيت فيها جارية لعساء ، فسألتها ‏‏:‏‏ لمن أنت ‏‏؟‏‏ وقد أعجبتني حين رأيتها ؛ فقالت ‏‏:‏‏ لزيد بن حارثة ، فبشَّر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ‏‏.‏‏ ‏
فرض الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني ‏‏:‏‏ أن جبريل لم يصعد به إلى سماء من السماوات إلا قالوا له حين يستأذن في دخولها ‏‏:‏‏ من هذا يا جبريل ‏‏؟‏‏ فيقول ‏‏:‏‏ محمد ؛ فيقولون ‏‏:‏‏ أوقد بعث إليه ‏‏؟‏‏ فيقول ‏‏:‏‏ نعم ؛ فيقولون ‏‏:‏‏ حياه الله من أخ وصاحب ‏‏!‏‏ حتى انتهى به إلى السماء السابعة ، ثم انتهى به إلى ربه ، ففرض عليه خمسين صلاة في كل يوم ‏‏.‏‏
موسى بن عمران عليه السلام يطلب من النبي عليه الصلاة والسلام سؤال ربه التخفيف عن أمته في أمر الصلاة
قال ‏‏:‏‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ فأقبلت راجعا ، فلما مررت بموسى بن عمران ، ونعم الصاحب كان لكم ، سألني كم فُرض عليك من الصلاة ‏‏؟‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ خمسين صلاة كل يوم ؛ فقال ‏‏:‏‏ إن الصلاة ثقيلة ، وإن أمتك ضعيفة ، فارجع إلى ربك ، فاسأله أن يخفف عنك وعن أمتك ‏‏.‏‏ فرجعت فسألت ربي أن يخفف عني وعن أمتي ، فوضع عني عشرا ‏‏.‏‏ ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك ؛ فرجعت فسألت ربي ، أن يخفف عني وعن أمتي ، فوضع عني عشرا ‏‏.‏‏ ثم انصرفت فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك ؛ فرجعت فسألت ربي ، فوضع عني عشرا ‏‏.‏‏ ثم لم يزل يقول لي مثل ذلك ، كلما رجعت إليه ، قال ‏‏:‏‏ فارجع فاسأل ربك ، حتى انتهيت إلى أن وضع ذلك عني ، إلا خمس صلوات في كل يوم وليلة ‏‏.‏‏ ثم رجعت إلى موسى ، فقال لي مثل ذلك ، فقلت ‏‏:‏‏ قد راجعت ربي وسألته ، حتى استحييت منه ، فما أنا بفاعل ‏‏.‏‏
فمن أَدَّاهنّ منكم إيمانا بهن ، واحتسابا لهن ، كان له أجر خمسين صلاة مكتوبة ‏‏.‏‏
المستهزئون بالرسول ، وكفاية الله أمرهم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر الله تعالى صابرا محتسبا ، مؤديا إلى قومه النصيحة على ما يلقى منهم من التكذيب والأذى و الاستهزاء ‏‏.‏‏ وكان عظماء المستهزئين ، كما حدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، خمسة نفر من قومهم ، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم ‏‏.‏‏
أسماء المستهزئين بالرسول من بني أسد
من بني أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب ‏‏:‏‏ الأسود بن المطلب بن أسد أبو زمعة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه به ، فقال ‏‏:‏‏ اللهم أَعمِ بصره ، وأثكله ولده ‏‏.‏‏
المستهزئون بالرسول من بني زهرة
ومن بني زهرة بن كلاب ‏‏:‏‏ الأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة ‏‏.‏‏
المستهزئون بالرسول من بني مخزوم
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة ‏‏:‏‏ الوليد بن المغيرة بن عبدالله بن عمر ابن مخزوم ‏‏.‏‏
المستهزئون بالرسول من بني سهم
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ‏‏:‏‏ العاص بن وائل بن هشام ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ العاص بن وائل بن هاشم بن سُعيد بن سهم ‏‏.‏‏
المستهزئون بالرسول من خزاعة
ومن بني خزاعة ‏‏:‏‏ الحارث بن الطُّلاطِلة بن عمرو بن الحارث بن عبد عمرو بن لؤي بن ملكان ‏‏.‏‏
فلما تمادوا في الشر ، وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء ، أنزل الله تعالى عليه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ، إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
ما فعل الله بالمستهزئين
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني يزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير ، أو غيره من العلماء ‏‏:‏‏ أن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يطوفون بالبيت ، فقام وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فمر به الأسود بن المطلب ، فرمى في وجهه بورقة خضراء ، فعمي ‏‏.‏‏
ومر به الأسود بن عبد يغوث ، فأشار إلى بطنه ، فاستستقى بطنه فمات منه حبنا ‏‏.‏‏
ومر به الوليد بن المغيرة ، فأشار إلى أثر جرح بأسفل كعب رجله ، كان أصابه قبل ذلك بسنين ، وهو يجر سبله ، وذلك أنه مر برجل من خزاعة وهو يريش نبلا له ، فتعلق سهم من نبله بإزاره ، فخدش في رجله ذلك الخدش ، وليس بشيء ، فانتقض به فقتله ‏‏.‏‏
ومر به العاص بن وائل ، فأشار إلى أخمص رجله وخرج على حمار له يريد الطائف ، فربض به على شُبارقة ، فدخلت في أخمص رجله شوكة فقتلته ‏‏.‏‏
ومر به الحارث بن الطلاطلة ، فأشار إلى رأسه ، فامتخض قيحا ، فقتله ‏‏.‏‏‏
قصة أبي أزيهر الدوسي
وصية الوليد لأولاده
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما حضرت الوليد الوفاة دعا بنيه ، وكانوا ثلاثة ‏‏:‏‏ هشام بن الوليد ، والوليد بن الوليد ، وخالد بن الوليد ، فقال لهم ‏‏:‏‏ أي بني ، أوصيكم بثلاث ، فلا تضيعوا فيهن دمي في خزاعة فلا تَطُلُّنَّه ، والله إني لأعلم أنهم منه برآء ، ولكني أخشى أن تُسبوا به بعد اليوم ؛ ورباي في ثقيف ، فلا تدعوه حتى تأخذوه ؛ وعُقري عند أبي أُزيهر ، فلا يفوتنكم به ‏‏.‏‏ وكان أبو أزيهر قد زوجه بنتا ، ثم أمسكها عنه ، فلم يُدخلها عليه حتى مات ‏‏.‏‏
عقل الوليد عند خزاعة
فلما هلك الوليد بن المغيرة ، وثب بنو مخزوم على خزاعة يطلبون منهم عَقْل الوليد ، وقالوا ‏‏:‏‏ إنما قتله سهم صاحبكم - وكان لبني كعب حلف من بني عبدالمطلب بن هاشم - فأبت عليهم خزاعة ذلك ، حتى تقاولوا أشعارا ، وغلظ بينهم الأمر - وكان الذي أصاب الوليد سهمه رجلا من بني كعب بن عمرو ، من خزاعة - فقال عبدالله بن أبي أمية ابن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ‏‏:‏‏
ما قيل من الأشعار في مقتل الوليد
إني زعيم أن تسيروا فتهربوا * وأن تتركوا الظهران تعوي ثعالبه
وأن تتركوا ماء بجزعة أطرقا * وأن تسألوا ‏‏:‏‏ أي الأراك أطايبه ‏‏؟‏‏ ‏
فإنا أناس لا تُطلّ دماؤنا * ولا يتعالى صاعدا من نحاربه
وكانت الظهران والأراك منازل بني كعب ، من خزاعة ‏‏.‏‏
فأجابه الجون بن أبي الجون ، أخو بني كعب بن عمرو الخزاعي ، فقال ‏‏:‏‏
والله لا نؤتي الوليد ظُلامة * ولما تروا يوما تزول كواكبه
ويُصرع منكم مُسْمن بعد مسمن * وتُفتح بعد الموت قسرا مشاربه
إذا ما أكلتم خبزكم و خزيركم * فكلكم باكي الوليد ونادبه
ثم إن الناس ترادوا وعرفوا أنما يخشى القوم السُّبة ، فأعطتهم خزاعة بعض العقل ، وانصرفوا عن بعض ‏‏.‏‏
فلما اصطلح القوم قال الجون بن أبي الجون ‏‏:‏‏
وقائلة لما اصطلحنا تعجبا * لما قد حملنا للوليد وقائل
ألم تُقسموا تُؤتوا الوليد ظُلامة * ولما تروا يوما كثير البلابل
فنحن خلطنا الحرب بالسلم فاستوت * فأمَّ هواه آمنا كلُّ راحل
ثم لم ينته الجون بن أبي الجون حتى افتخر بقتل الوليد ، وذكر أنهم أصابوه ، وكان ذلك باطلا ‏‏.‏‏ فلحق بالوليد وبولده وقومه من ذلك ‏ ما حذره ، فقال الجون بن أبي الجون ‏‏:‏‏
ألا زعم المغيرة أن كعبا * بمكة منهمُ قدر كثيرُ
فلا تفخر مغيرة أن تراها * بها يمشي المُعَلْهَج والمهير
بها آباؤنا وبها وُلدنا * كما أرسى بمثبته ثبير
وما قال المغيرة ذاك إلا * ليعلم شأننا أو يستثير
فإن دم الوليد يُطل إنا * نطل دماء أنت بها خبير
كساه الفاتك الميمون سهما * زُعافا وهو ممتلىء بهير
فخرّ ببطن مكة مسلحبَّا * كأنه عند وجبته بعير
سيكفيني مِطالَ أبي هشام * صغار جعدة الأوبار خُور
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ تركنا منها بيتا واحدا أُقذع فيه ‏‏.‏‏
مقتل أبي أزيهر و ثورة بني عبد مناف لذلك
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم عدا هشام بن الوليد على أبي أزيهر ، وهو بسوق ذي المجاز ، وكانت عند أبي سفيان بن حرب عاتكة بنت أبي أزيهر - وكان أبو أزيهر رجلا شريفا في قومه - فقتله بعُقر الوليد الذي كان عنده ، لوصية أبيه إياه ، وذلك بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومضى بدر ، وأُصيب به من أصيب من أشراف قريش من المشركين ؛ فخرج يزيد بن أبي سفيان ، فجمع بني عبد مناف ، وأبو سفيان بذي المجاز ، فقال الناس ‏‏:‏‏ أُخفر أبو سفيان في صهره ، فهو ثائر به ‏‏.‏‏
فلما سمع أبو سفيان بالذي صنع ابنه يزيد - وكان أبو سفيان رجلا حليما منكرا ، يحب قومه حبا ‏‏ شديدا - انحط سريعا إلى مكة ، وخشي أن يكون بين قريش حدث في أبي أزيهر ، فأتى ابنه وهو في الحديد ، في قومه من بني عبد مناف والمطيبين ، فأخذ الرمح من يده ، ثم ضرب به على رأسه ضربة هده منها ، ثم قال له ‏‏:‏‏ قبحك الله ‏‏!‏‏ أتريد أن تضرب قريشا بعضهم ببعض في رجل من دوس ‏‏.‏‏ سنؤتيهم العقل إن قبلوه ، وأطفأ ذلك الأمر ‏‏.‏‏
فانبعث حسان بن ثابت يحرض في دم أبي أزيهر ، ويعير أبا سفيان خُفْرَته ويجُبنه ، فقال ‏‏:‏‏
غدا أهل ضوجَىْ ذي المجاز كليهما * وجار ابن حرب بالمغمس ما يغدو
ولم يمنع العَير الضروط ذماره * وما منعت مخزاة والدها هند
كساك هشام بن الوليد ثيابه * فأبْلِ وأخلفْ مثلها جددا بعد
قضى وطرا منه فأصبح ماجدا * وأصبحت رخوا ما تخُب وما تعدو
فلو أن أشياخا ببدر تشاهدوا * لَبلَّ نعال القوم مُعتبط وَرْدُ
فلما بلغ أبا سفيان قول حسان قال ‏‏:‏‏ يريد حسان أن يضرب بعضنا ببعض في رجل من دوس ‏‏!‏‏ بئس والله ما ظن ‏‏!‏‏
مطالبة خالد بربا أبيه ، و ما نزل في ذلك من القرآن
ولما أسلم أهل الطائف كلم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ربا الوليد ، الذي كان في ثقيف ، لما كان أبوه أوصاه به ‏‏.‏‏ ‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فذكر لي بعض أهل العلم أن هؤلاء الآيات من تحريم ما بقي من الربا بأيدي الناس نزلن في ذلك من طلب خالد الربا ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ، وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏إلى آخر القصة فيها ‏‏.‏‏
ثورة دوس للأخذ بثأر أبي أزيهر ، و حديث أم غيلان
ولم يكن في أبي أزيهر ثأر نعلمه ، حتى حجز الإسلام بين الناس ؛ إلا أن ضرار بن الخطاب بن مرادس الفهري خرج في نفر من قريش إلى أرض دوس ، فنزلوا على امرأة يقال لها أم غيلان ، مولاة لدوس ، وكانت تمشط النساء ، وتجهز العرائس ، فأرادت دوس قتلهم بأبي أزيهر ، فقامت دونهم أم غيلان ونسوة معها ، حتى منعتهم ، فقال ضرار بن الخطاب في ذلك ‏‏:‏‏
جزى الله عنا أم غيلان صالحا * ونسوتها إذ هنَّ شُعث عواطلُ
فهن دفعن الموت بعد اقترابه * وقد برزت للثائرين المقاتل
دعت دعوة دوسا فسالت شعابها * بعز وأدَّتها الشَّراج القوابل
وعمرا جزاه الله خيرا فما وَنى * وما بردت منه لدي المفاصل
فجرّدت سيفي ثم قمت بنصله * وعن أي نفس بعد نفسي أقاتل
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ حدثني أبو عبيدة ‏‏:‏‏ أن التي قامت دون ضرار أم جميل ، ويقال أم غيلان ؛ قال ‏‏:‏‏ ويجوز أن تكون أم غيلان قامت مع أم جميل فيمن قام دونه ‏‏.‏‏
أم جميل و عمر بن الخطاب
فلما قام عمر بن الخطاب أتته أم جميل ، وهي ترى أنه أخوه ‏‏:‏‏ فلما انتسبت له عرف القصة ، فقال ‏‏:‏‏ إني لست بأخيه إلا في الإسلام ، ‏وهو غاز ، وقد عرفت مِنَّتك عليه ، فأعطاها على أنها ابنة سبيل ‏‏.‏‏
ضرار و عمر بن الخطاب
قال الراوي ‏‏:‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد ، فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول ‏‏:‏‏ انج يا بن الخطاب لا أقتلك ؛ فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه ‏‏.‏‏
وفاة أبي طالب وخديجة ، وما عاناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدهما
من كان يؤذي الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان النفر الذن يؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته ‏‏:‏‏ أبا لهب ، والحكم بن العاص بن أمية ، وعقبة بن أبي معيط ، وعدي بن حمراء الثقفي ، وابن الأصداء الهذلي ؛ وكانوا جيرانه لم يسلم منهم أحد إلا الحكم بن أبي العاص ، فكان أحدهم - فيما ذكر لي - يطرح عليه صلى الله عليه وسلم رحم الشاة وهو يصلي ، وكان أحدهم يطرحها في بُرْمته إذا نُصبت له ، حتى اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجرا يستتر به منهم إذا صلى ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرحوا عليه ذلك الأذى ، كما حدثني عمر بن عبدالله بن عروة بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، يخرج به رسول الله صلى الله عليه وسلم على العود ، فيقف به على بابه ، ثم يقول ‏‏:‏‏ يا بني عبد مناف ، أي جوار هذا ‏‏!‏‏ ثم يُلقيه في الطريق ‏‏.‏‏
طمع المشركين في الرسول صلى الله عليه و سلم بعد وفاة أبي طالب و خديجة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم إن خديجة بنت خويلد وأبا طالب هلكا ‏في عام واحد ، فتتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلك خديجة ، وكانت له وزير صدق على الإسلام ، يشكو إليها ؛ وبهلك عمه أبي طالب ، وكان له عضدا وحرزا في أمره ، ومنعة وناصرا على قومه ، وذلك قبل مهاجره إلى المدينة بثلاث سنين ‏‏.‏‏
فلما هلك أبو طالب ، نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب ، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش ، فنثر على رأسه ترابا ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير ، قال ‏‏:‏‏
لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التراب ، دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه ، فقامت إليه إحدى بناته ، فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها ‏‏:‏‏ لا تبكي يا بُنيِّة ، فإن الله مانع أباك ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ و يقول بين ذلك ‏‏:‏‏ ما نالت مني قريش شيئا أكرهه ، حتى مات أبو طالب ‏‏.‏‏

المشركون يطلبون عهدا بينهم وبين الرسول عند أبي طالب لما ثقل به المرض
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولما اشتكى أبو طالب ، وبلغ قريشا ثقله ، قالت قريش بعضها لبعض ‏‏:‏‏ إن حمزة وعمر قد أسلما ، وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها ، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب ، فيأخذ لنا على ابن أخيه ، وليعطه منا ، والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني العباس بن عبدالله بن معبد بن عباس عن بعض أهله ، عن ابن عباس ، قال ‏‏:‏‏ مشوا إلى أبي طالب فكلموه ؛ وهم أشراف قومه ‏‏:‏‏ عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو جهل بن هشام ، وأمية بن خلف ، وأبو سفيان بن حرب ، في رجال من أشرافهم ، فقالوا ‏‏:‏‏ يا أبا طالب ، إنك منا حيث قد علمت ، وقد حضرك ما ترى ، وتخوفنا عليك ، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك ، فادعه ، فخذ له منا ، وخذ لنا منه ، ليكف عنا ، ونكف عنه ، وليدعنا وديننا ، وندعه ودينه ؛ فبعث إليه أبو طالب ، فجاءه ، فقال ‏‏:‏‏ يا ابن أخي ‏‏:‏‏ هؤلاء أشراف قومك ، قد اجتمعوا لك ، ليعطوك ، وليأخذوا منك ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ نعم ، كلمة واحدة تعطونيها تملكون بها العرب ، وتدين لكم بها العجم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال أبو جهل ‏‏:‏‏ نعم وأبيك ، وعشر كلمات ؛ قال ‏‏:‏‏ تقولون ‏‏:‏‏ لا إله إلا الله ، وتخلعون ما تعبدون من دونه ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فصفقوا بأيديهم ، ثم قالوا ‏‏:‏‏ أتريد يا محمد أن تجعل الآلهة إلها واحدا ، إن أمرك لعجب ‏‏!‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم قال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ إنه والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئا مما تريدون ، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم ، حتى يحكم الله بينكم وبينه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم تفرقوا ‏‏.‏‏

رجاء الرسول إسلام أبي طالب ، و حديث ذلك
فقال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ والله يا ابن أخي ، ما رأيتك سألتهم شططا ؛ قال ‏‏:‏‏ فلما قالها أبو طالب طمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في إسلامه ، فجعل يقول له ‏‏:‏‏ أي عم ، فأنت فقلها أستحل لك بها الشفاعة يوم القيامة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ، قال ‏‏:‏‏ يا ابن أخي ، والله لولا مخافة السبة عليك وعلي بني أبيك من بعدي ، وأن تظن قريش أني إنما قلتها جزعا من الموت لقلتها ، لا أقولها إلا لأسرك بها ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فلما تقارب من أبي طالب الموت قال ‏‏:‏‏ نظر العباس إليه يحرك شفتيه ، قال ‏‏:‏‏ فأصغى إليه بأذنه ، قال ‏‏:‏‏ فقال ‏‏:‏‏ يا ابن أخي ، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته أن يقولها ، قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لم أسمع ‏‏.‏‏

ما نزل فيمن طلبوا العهد على الرسول عند أبي طالب
قال ‏‏:‏‏ وأنزل الله تعالى في الرهط الذين كانوا قد اجتمعوا إليه ، وقال لهم ما قال ، وردوا عليه ما ردوا ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ص والقرآن ذي الذكر ، بل الذين كفروا في عزة وشقاق ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أجعل الآلهة إلها واحدا ، إن هذا لشيء عجاب ‏‏.‏‏ وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم ، إن هذا لشيء يراد ‏‏.‏‏ ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ يعنون النصارى ، لقولهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إن الله ثالث ثلاثة ‏‏)‏‏ - ‏‏(‏‏ إن هذا إلا اختلاق ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ثم هلك أبو طالب ‏‏.‏‏

ميارى 26 - 8 - 2010 06:20 PM

سعي الرسول إلى الطائف يطلب النصرة ، وموقف ثقيف منه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تنال منه في حياة عمه أبي طالب ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، يلتمس النصرة من ثقيف ، والمنعة بهم من قومه ، ورجاء أن يقبلوا منه ما جاءهم به من الله عز وجل ، فخرج إليهم وحده ‏‏.‏‏
الثلاثة الذين نزل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشرافهم ، و تحريضهم عليه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال ‏‏:‏‏ لما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، عمد إلى نفر من ثقيف ، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم ، وهم إخوة ثلاثة ‏‏:‏‏ عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، ومسعود بن عمرو بن عمير ، وحبيب بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف ، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح ، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاهم إلى الله ، وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام ، والقيام معه على من خالفه من قومه ؛ فقال له أحدهم ‏‏:‏‏ هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك ؛ وقال الآخر ‏‏:‏‏ أما وجد الله أحدا يرسله غيرك ‏‏!‏‏ وقال الثالث ‏‏:‏‏ والله لا أكلمك أبدا ‏‏.‏‏ لئن كنت رسولا من الله كما تقول ، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله ، ما ينبغي لي أن أكلمك ‏‏.‏‏ فقام رسول الله صلى عليه وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف ، وقد قال لهم - فيما ذكر لي - ‏‏:‏‏ إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني ، وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغَ قومَه عنه ، فيُذْئِرهم ذلك عليه ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قال عبيد بن الأبرص ‏‏:‏‏
ولقد أتاني عن تميم أنهم * ذَئِروا لقتلى عامر وتعصبوا
فلم يفعلوا ، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم ، يسبونه ويصيحون به ، حتى اجتمع عليه الناس ، وألجئوه إلى حائط لعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ، وهما فيه ، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه ، فعمد ‏ إلى ظل حَبَلة من عنب ، فجلس فيه ‏‏.‏‏ وابنا ربيعة ينظران إليه ، ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف ، وقد لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - المرأة التي من بني جمح ، فقال لها ‏‏:‏‏ ماذا لقينا من أحمائك ‏‏؟‏‏
شكواه صلى الله عليه وسلم إليه تعالى
فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - فيما ذكر لي - اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي ، إلى من تكلني ‏‏؟‏‏ إلى بعيد يتجهمني ‏‏؟‏‏ أم إلى عدو ملكته أمري ‏‏؟‏‏ إن لم يكن بك علي غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنـزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك ‏‏.‏‏
قصته صلى الله عليه وسلم مع عداس النصراني
قال ‏‏:‏‏ فلما رآه ابنا ربيعة ، عتبة وشيبة ، وما لقي ، تحركت له رحمهما ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا ، يقال له عداس ، فقالا له ‏‏:‏‏ خذ قطفا من هذا العنب ، فضعه في هذا الطبق ، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل ، فقل له يأكل منه ‏‏.‏‏
ففعل عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال له ‏‏:‏‏ كل ، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده ، قال ‏‏:‏‏ باسم الله ، ثم أكل ، فنظر عداس في وجهه ، ثم قال ‏‏:‏‏ والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ومن أهل أي البلاد أنت يا عداس ، وما دينك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نصراني ، وأنا رجل من أهل نينوى ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ من قرية الرجل الصالح يونس بن متى ؛ فقال له عداس ‏‏:‏‏ وما يدريك ما يونس بن متى ‏‏؟‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ذاك أخي ، كان نبيا وأنا نبي ، فأكب عداس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل رأسه ويديه وقدميه ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ يقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه ‏‏:‏‏ أما غلامك فقد أفسده عليك ‏‏.‏‏ فلما جاءهما عداس ، قالا له ‏‏:‏‏ ويلك يا عداس ‏‏!‏‏ ما لك تقبل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ يا سيدي ما في الأرض شيء خير من هذا ، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلا نبي ؛ قالا له ‏‏:‏‏ ويحك يا عداس ، لا يصرفنك عن دينك ، فإن دينك خير من دينه ‏‏.‏‏
وفد جن نصيبين الذين استمعوا له و آمنوا به
قال ‏‏:‏‏ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة ، حين يئس من خير ثقيف ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي ، فمر به النفر من الجن الذين ذكرهم الله تبارك وتعالى ، وهم - فيما ذكر لي - سبعة نفر من جن أهل نصيبين ، فاستمعوا له ؛ فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين ، قد آمنوا وأجابوا إلى ما سمعوا ‏‏.‏‏
فقص الله خبرهم عليه صلى الله عليه وسلم ، قال الله عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله تعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ويجركم من عذاب أليم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وقال تبارك وتعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى آخر القصة من خبرهم في هذه السورة ‏‏.‏‏
عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل
عرض الرسول صلى الله عليه و سلم نفسه على العرب في مواسمهم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه ، إلا قليلا مستضعفين ، ممن آمن به ‏‏.‏‏
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في المواسم ، إذا كانت ، على قبائل العرب يدعوهم إلى الله ، ويخبرهم أنه نبي مرسل ، ويسألهم أن يصدقوه ويمنعوه حتى يبين لهم الله ما بعثه به ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني من أصحابنا ، من لا أتهم ، عن زيد بن أسلم ، عن ربيعة بن عباد الديلي ، - أو من حدثه أبو الزناد عنه - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ربيعة بن عباد ‏‏.‏‏
أبو لهب يفرق الناس من حوله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني حسين بن عبدالله بن عبيد الله بن عباس ، قال ‏‏:‏‏ سمعت ربيعة بن عباد ، يحدثه أبي ، قال ‏‏:‏‏ إني لغلام شاب مع أبي بمنى ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقف على منازل القبائل من العرب ، فيقول ‏‏:‏‏ يا بني فلان ، إني رسول الله إليكم ، يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأن تخلعوا ما تعبدون من دونه من هذه الأنداد ، وأن تؤمنوا بي ، وتصدقوا بي ، وتمنعوني ، حتى أُبين عن الله ما بعثني به ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ وخلفه رجل أحول وضيء ، له غديرتان ، عليه حلة عدنية ‏‏.‏‏ فإذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله وما دعا إليه ، قال ذلك الرجل ‏‏:‏‏ يا بني فلان ، إن هذا إنما يدعوكم أن تسلخوا اللات والعزى من أعناقكم ، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش ، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تطيعوه ، ولا تسمعوا منه ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فقلت لأبي ‏‏:‏‏ يا أبت ، من هذا الذي يتبعه ويرد عليه ما يقول ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ هذا عمه عبدالعزى بن عبدالمطلب ، أبو لهب ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قال النابغة ‏‏:‏‏
كأنك من جمال بني أقيش * يُقعقع خلف رجليه بشنّ
عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على كندة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثنا ابن شهاب الزهري ‏‏:‏‏ أنه أتى كندة في منازلهم ، وفيهم سيد لهم يقال له ‏‏:‏‏ مُليح ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وعرض عليهم نفسه ، فأبوا عليه ‏‏.‏‏
عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على بني كلب
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله بن حصين ‏‏:‏‏ أنه أتى كلبا في منازلهم ، إلى بطن منهم يقال لهم ‏‏:‏‏ بنو عبدالله ، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه ، حتى إنه ليقول لهم ‏‏:‏‏ يا بني عبدالله ، إن الله عز وجل قد أحسن اسم أبيكم ، فلم يقبلوا منه ما عرض عليهم ‏‏.‏‏
عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على بني حنيفة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أصحابنا عن عبدالله بن كعب بن مالك ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بني حنيفة في منازلهم ، فدعاهم إلى الله وعرض عليهم نفسه ، فلم يكن أحد من العرب أقبح عليهم ردا منهم ‏‏.‏‏ ‏
عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على بني عامر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني الزهري أنه أتى بني عامر بن صعصعة ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وعرض عليهم نفسه ، فقال رجل منهم - يقال له ‏‏:‏‏ بَيْحرة بن فراس ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ فراس بن عبدالله بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة - ‏‏:‏‏ والله ، لو أني أخذت هذا الفتى من قريش ، لأكلت به العرب ، ثم قال ‏‏:‏‏ أرأيت إن نحن بايعناك على أمرك ، ثم أظهرك الله على من خالفك ، أيكون لنا الأمر من بعدك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء ؛ قال ‏‏:‏‏ فقال له ‏‏:‏‏ أفتُهدف نحورنا للعرب دونك ، فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا ‏‏!‏‏ لا حاجة لنا بأمرك ؛ فأبوا عليه ‏‏.‏‏
فلما صدر الناس رجعت بنو عامر إلى شيخ لهم ، قد كانت أدركته السن ، حتى لا يقدر أن يُوافي معهم المواسم ، فكانوا إذا رجعوا اليه حدثوه بما يكون في ذلك الموسم ؛ فلما قدموا عليه ذلك العام سألهم عما كان في موسمهم ، فقالوا ‏‏:‏‏ جاءنا فتى من قريش ، ثم أحد بني عبدالمطلب ، يزعم أنه نبي ، يدعونا إلى أن نمنعه ونقوم معه ، ونخرج به إلى بلادنا ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فوضع الشيخ يديه على رأسه ثم قال ‏‏:‏‏ يا بني عامر ، هل لها من تلاف ، هل لذُناباها من مطلب ، والذي نفس فلان بيده ، ما تقولها إسماعيلي قط ، وإنها لحق ، فأين رأيكم كان عنكم ‏‏.‏‏ ‏
عرضه الرسول نفسه على العرب في المواسم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من أمره ، كلما اجتمع له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام ، ويعرض عليهم نفسه ، وما جاء به من الله من الهدى والرحمة ، وهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب ، له اسم وشرف ، إلا تصدى له ، فدعا إلى الله ، وعرض عليه ما عنده ‏‏.‏‏
عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على سويد بن صامت
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، ثم الظفري عن أشياخ من قومه ، قالوا ‏‏:‏‏
قدم سويد بن صامت ، أخو بني عمرو بن عوف ، مكة حاجا أو معتمرا ، وكان سويد إنما يسميه قومه فيهم ‏‏:‏‏ الكامل ، لجلده وشعره وشرفه ونسبه ، وهو الذي يقول ‏‏:‏‏
ألا رب من تدعو صديقا ولو ترى * مقالته بالغيب ساءك ما يفري
مقالته كالشهد ما كان شاهدا * وبالغيب مأثور على ثُغْرة النحر
يسرك باديه وتحت أديمه * نميمة غش تبتري عقب الظهر
تُبين لك العينان ما هو كاتم * من الغل والبغضاء بالنظر الشزر
فَرِشْني بخير طالما قد بريتني * فخير الموالي من يريش ولا يبري
وهو الذي يقول ‏‏:‏‏ ونافر رجلا من بني سليم ، ثم أحد بني زِعب بن مالك على مائة ناقة ، إلى كاهنة من كهان العرب ، فقضت له ‏‏.‏‏ فانصرف عنها هو والسلمي ، ليس معهما غيرها ، فلما فرقت بينهما الطريق ، قال ‏‏:‏‏ مالي ، يا أخا بني سليم ، قال ‏‏:‏‏ أبعث إليك به ؛ قال ‏‏:‏‏ فمن لي بذلك إذا فُتَّني به ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ كلا ، والذي نفس سويد بيده ، لا تفارقنـِّي حتى أُوتَى بمالي ، فاتخذا فضرب به الأرض ، ثم أوثقه رباطا ، ثم انطلق به إلى دار بني عمرو بن عوف ، فلم يزل عنده حتى بعثت إليه سليم بالذي له ، فقال في ذلك ‏‏:‏‏
لا تحسبنـِّي يا ابن زغب بن مالك * كمن كنت تُردي بالغيوب وتختلُ
تحولت قِرنا إذ صُرعت بعزة * كذلك إن الحازم المتحول
ضربت به إبط الشمال فلم يزل * على كل حال خده هو أسفل
في أشعار كثيرة كان يقولها ‏‏.‏‏
فتصدى له رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به ، فدعاه إلى الله وإلى الإسلام ، فقال له سويد ‏‏:‏‏ فلعل الذي معك مثل الذي معي ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ وما الذي معك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ مجلة لقمان - يعني حكمة لقمان - فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ اعرضها علي ، فعرضها عليه ؛ فقال له ‏‏:‏‏ إن هذا لكلام حسن ، والذي معي أفضل من هذا ، قرآن أنزله الله تعالى علي ، هو هدى ونور ‏‏.‏‏
فتلا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن ، ودعاه إلى الإسلام ، فلم يبعد منه ، وقال ‏‏:‏‏ إن هذا لقول حسن ‏‏.‏‏ ‏ثم انصرف عنه ، فقدم المدينة على قومه ، فلم يلبث أن قتلته الخزرج ، فإن كان رجال من قومه ليقولون ‏‏:‏‏ إنا لنراه قد قُتل وهو مسلم ‏‏.‏‏ وكان قتله قبل يوم بعاث ‏‏.‏‏
إسلام إياس بن معاذ وقصة أبي الحيسر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني الحصين بن عبدالرحمن بن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن محمود بن لبيد ، قال ‏‏:‏‏ لما قدم أبو الحَيْسر ، أنس بن رافع ، مكة ومعه فتية من بني عبدالأشهل ، فيهم إياس بن معاذ ، يلتمسون الحلف من قريش على قومهم من الخزرج ، سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاهم فجلس إليهم ، فقال لهم ‏‏:‏‏ هل لكم في خير مما جئتم له ‏‏؟‏‏ فقالوا له ‏‏:‏‏ وما ذاك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أنا رسول الله بعثني إلى العباد ، أدعوهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ، وأنزل علي الكتاب ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ ثم ذكر لهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال إياس بن معاذ ، وكان غلاما حدثا ‏‏:‏‏ أي قوم ، وهذا والله خير مما جئتم له ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فيأخذ أبو الحيسر ، أنس بن رافع ، حفنة من تراب البطحاء ، فضرب بها وجه إياس بن معاذ ، وقال ‏‏:‏‏ دعنا منك ، فلعمري لقد جئنا لغير هذا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فصمت إياس ، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ، وانصرفوا إلى المدينة ، وكانت وقعة بُعاث بين الأوس والخزرج ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ ثم لم يلبث إياس بن معاذ أن هلك ‏‏.‏‏ قال محمود بن لبيد ‏‏:‏‏ فأخبرني من حضره من قومه عند موته ‏‏:‏‏ أنهم لم يزالوا يسمعونه يهلل ‏الله تعالى ويكبره ويحمده ويسبحه حتى مات ، فما كانوا يشكون أن قد مات مسلما ، لقد كان استشعر الإسلام في ذلك المجلس ، حين سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سمع ‏‏.‏‏
بدء إسلام الأنصار
اجتماعه صلى الله عليه وسلم بوفد من الخزرج عند العقبة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما أراد الله عز وجل إظهار دينه ، وإعزاز نبيه صلى الله عليه وسلم ، وإنجاز موعده له ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار ، فعرض نفسه على قبائل العرب ، كما كان يصنع في كل موسم ‏‏.‏‏ فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج أراد الله بهم خيرا ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أشياخ من قومه ، قالوا ‏‏:‏‏ لما لقيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لهم ‏‏:‏‏ من أنتم ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نفر من الخزرج ، قال ‏‏:‏‏ أمن موالي يهود ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ أفلا‏ تجلسون أكلمكم ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ بلى ‏‏.‏‏
فجلسوا معه ، فدعاهم إلى الله عز وجل ، وعرض عليهم الإسلام ، وتلا عليهم القرآن ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وكان مما صنع الله لهم به في الإسلام ، أن يهود كانوا معهم في بلادهم ، وكانوا أهل كتاب وعلم ، وكانوا هم أهل شرك وأصحاب أوثان ، وكانوا قد غزوهم ببلادهم ، فكانوا إذا كان بينهم شيء قالوا لهم ‏‏:‏‏ إن نبيا مبعوث الآن ، قد أظل زمانه ، نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ‏‏.‏‏
فلما كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك النفر ، ودعاهم إلى الله ، قال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ يا قوم ، تعلموا والله إنه للنبي توعدكم به يهود ، فلا تسبقنكم إليه ‏‏.‏‏ فأجابوه فيما دعاهم إليه ، بأن صدقوه وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام ، وقالوا ‏‏:‏‏ إنا قد تركنا قومنا ، ولا قوم بينهم من العداوة والشر ما بينهم ، فعسى أن يجمعهم الله بك ، فسنقدم عليهم ، فندعوهم إلى أمرك ، وتعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين ، فإن يجمعهم الله عليك فلا رجل أعز منك ‏‏.‏‏
ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى بلادهم ، وقد آمنوا وصدقوا ‏‏.‏‏
أسماء من التقوا به صلى الله عليه وسلم من الخزرج عند العقبة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وهم - فيما ذكر لي - ‏‏:‏‏ ستة نفر من الخزرج ، منهم من بني النجار - وهو تيم الله - ثم من بني مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج بن حارثة بن عمرو بن عامر ‏‏:‏‏ أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو أبو أمامة ؛ وعوف بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو ابن عفراء ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وعفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ‏‏:‏‏ رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ عامر بن الأزرق ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني سَلِمة بن سعد بن علي بن ساردة بن تزيد ابن جشم بن الخزرج ، ثم من بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ قطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم بن سواد ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عمرو بن سواد ، وليس لسواد ابن يقال له ‏‏:‏‏ غنم ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام ‏‏.‏‏
ومن بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ جابر بن عبدالله ابن رئاب بن النعمان بن سنان بن عبيد ‏‏.‏‏
فلما قدموا المدينة إلى قومهم ذكروا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوهم إلى الإسلام حتى فشا فيهم ، فلم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها ذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏

ميارى 26 - 8 - 2010 06:24 PM

بيعة العقبة الأولى ، و مصعب بن عمير
حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا ، فلقوه بالعقبة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وهي العقبة الأولى ، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء ، وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب ‏‏.‏‏
رجال البيعة الأولى من بني النجار
منهم من بني النجار ، ثم من بني مالك بن النجار ‏‏:‏‏ أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو أبو أمامة ؛ وعوف ، ومعاذ ، ابنا الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار ، وهما ابنا عفراء ‏‏.‏‏
رجال العقبة الأولى من بني زريق
ومن بني زريق بن عامر ‏‏:‏‏ رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق ؛ وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلد ابن عامر بن زريق ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ذكوان ، مهاجري أنصاري ‏‏.‏‏
رجال العقبة الأولى من بني عوف
ومن بني عوف بن الخزرج ، ثم من بني غنم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ، وهم القواقل ‏‏:‏‏ عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم ؛ وأبو عبدالرحمن ، وهو يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمارة ، من بني غُصينة ، من بلي ، حليف لهم ‏‏.‏‏
مقالة ابن هشام في اسم القواقل
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وإنما قيل لهم القواقل ، لأنهم كانوا إذا استجار بهم الرجل دفعوا له سهما ، وقالوا له ‏‏:‏‏ قوقل به بيثرب حيث شئت ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ القوقلة ‏‏:‏‏ ضرب من المشي ‏‏.‏‏
رجال العقبة من بني سالم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني سالم بن عوف بن عمرو بن الخزرج ، ثم من بني العجلان بن زيد بن غنم بن سالم ‏‏:‏‏ العباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان ‏‏.‏‏
رجال العقبة من بني سَلِمة ، بلام مكسورة
ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ، ثم من بني حرام بن كعب بن غنم بن سلمة ‏‏:‏‏ عقبة بن عامر بن نابي بن زيد بن حرام ‏‏.‏‏
رجال العقبة من بني سواد
ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ قطبة بن عامر بن حديدة ابن عمرو بن غنم بن سواد ‏‏.‏‏
رجال العقبة من الأوس
وشهدها من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، ثم من بني عبدالأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ‏‏:‏‏ أبو الهيثم بن التَّيَّهان ، واسمه مالك ‏‏.‏‏ ‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ التَّيهان ‏‏:‏‏ يخفف ويثقل ، كقوله مَيْت وميِّت ‏‏.‏‏
رجال العقبة من بني عمرو
ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ‏‏:‏‏ عويم بن ساعدة ‏‏.‏‏
عهد رسول الله على مبايعي العقبة ، و نص البيعة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرثد بن عبدالله اليزني ، عن عبدالرحمن بن عسيلة الصنابحي ، عن عبادة بن الصامت ، قال ‏‏:‏‏ كنت فيمن حضر العقبة الأولى ، وكنا اثنى عشر رجلا ، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء ، وذلك قبل أن تفترض الحرب ، على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ‏‏.‏‏ فإن وفَّيتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأمركم إلى الله عز وجل إن شاء عذب وإن شاء غفر ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وذكر ابن شهاب الزهري ، عن عائذ الله بن عبدالله الخولاني أبي إدريس أن عبادة بن الصامت حدثه أنه قال ‏‏:‏‏ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة الأولى على أن لا نشرك بالله شيئا ، ولا نسرق ، ولا نزني ، ولا نقتل أولادنا ، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ، ولا نعصيه في معروف ؛ فإن وفيتم فلكم الجنة ، وإن غشيتم من ذلك شيئا فأُخذتم بحده في الدنيا ، فهو كفارة له ، وإن سُترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله عز وجل ، إن شاء عذب ، وإن شاء غفر ‏‏.‏‏
إرسال الرسول مصعب بن عمير مع وفد العقبة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما انصرف عنه القوم ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي ، وأمره أن يُقرئهم القرآن ، ويعلمهم الإسلام ، ويفقههم في الدين ، فكان يُسمَّى المقرِىء ‏بالمدينة ‏‏:‏‏ مصعب ‏‏.‏‏ وكان منزله على أسعد بن زرارة بن عدس ، أبي أمامة ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‏‏:‏‏ أنه كان يصلي بهم ، وذلك أن الأوس والخزرج كره بعضُهم أن يؤمه بعض ‏‏.‏‏
أول جمعة أقيمت بالمدينة
أسعد بن زرارة و إقامة أول جمعة بالمدينة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن أبيه أبي أمامة ، عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك ، قال ‏‏:‏‏ كنت قائد أبي ، كعب بن مالك ، حين ذهب بصره ، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة ، فسمع الأذان بها صلى على أبي أمامة ، أسعد بن زرارة ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فمكث حينا على ذلك ‏‏:‏‏ لا يسمع الأذان للجمعة إلا‏ صلى عليه واستغفر له ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت في نفسي ‏‏:‏‏ والله إن هذا بي لعجز ، ألا أسأله ما له إذا سمع الأذان للجمعة صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فخرجت به في يوم جمعة كما كنت أخرج ؛ فلما سمع الأذان للجمعة صلى عليه واستغفر له ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت له ‏‏:‏‏ يا أبت ، ما لك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي أمامة ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال ‏‏:‏‏ أي بني ، كان أول من جـمَّع بنا بالمدينة في هزم النبيت ، من حرة بني بياضة ، يقال له ‏‏:‏‏ نقيع الخضمات ، قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ وكم أنتم يومئذ ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أربعون رجلا ‏‏.‏‏
أسعد بن زرارة ، و مصعب بن عمير ، و إسلام سعد بن معاذ وأسيد بن حضير وبني عبدالأشهل
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقب ، وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ‏‏:‏‏ أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير يريد به دار بني عبدالأشهل ، ودار بني ظفر ، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرىء القيس بن زيد بن عبدالأشهل ابن خالة أسعد بن زرارة ، فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر ‏‏.‏‏
- قال ابن هشام ‏‏:‏‏ واسم ظفر ‏‏:‏‏ كعب بن الحارث بن الخزرج بن عمرو ابن مالك بن الأوس - قالا ‏‏:‏‏ على بئر يقال لها ‏‏:‏‏ بئر مرق ، فجلسا في الحائط ، واجتمع إليهما رجال ممن أسلم ، وسعد بن معاذ ، وأسيد بن حضير ، يومئذ سيدا قومهما من بني عبدالأشهل ، وكلاهما مشرك على دين قومه ، فلما سمعا به ، قال سعد بن معاذ لأسيد بن ‏حضير ‏‏:‏‏ لا أبا لك ، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارينا ليسفها ضعفاءنا ، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارينا ، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة مني حيث قد علمت كفيتك ذلك ، هو ابن خالتي ، ولا أجد عليه مقدما ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فأخذ أسيد بن حضير حربته ثم أقبل إليهما ؛ فلما رآه أسعد بن زرارة ، قال لمصعب بن عمير ‏‏:‏‏ هذا سيد قومه قد جاءك ، فاصدق الله فيه ؛ قال مصعب ‏‏:‏‏ إن يجلس أكلمه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فوقف عليهما متشتِّما فقال ‏‏:‏‏ ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا ‏‏؟‏‏ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة ‏‏.‏‏
فقال له مصعب ‏‏:‏‏ أوتجلس فتسمع ، فإن رضيت أمرا قبلته ، وإن كرهته كف عنك ما تكره ‏‏؟‏‏
قال ‏‏:‏‏ أنصفت ، ثم ركز حربته وجلس إليهما ، فكلمه مصعب بالإسلام ، وقرأ عليه القرآن ؛ فقالا ‏‏:‏‏ فيما يذكر عنهما ‏‏:‏‏ والله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم في إشراقه وتسهله ، ثم قال ‏‏:‏‏ ما أحسن هذا الكلام وأجمله ‏‏!‏‏ كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين ‏‏؟‏‏ قالا له ‏‏:‏‏ تغتسل فتطهَّر وتُطهِّر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ‏‏.‏‏ ‏فقام فاغتسل وطهر ثوبيه ، وتشهد شهادة الحق ، ثم قام فركع ركعتين ، ثم قال لهما ‏‏:‏‏ إن ورائي رجلا إن اتبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه ، وسأرسله إليكما الآن ، سعد بن معاذ ، ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد وقومه وهم جلوس في ناديهم ؛ فلما نظر إليه سعد بن معاذ مقبلا ، قال ‏‏:‏‏ أحلف بالله لقد جاءكم أسيد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ؛ فلما وقف على النادي قال له سعد ‏‏:‏‏ ما فعلت ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ كلمت الرجلين ، فوالله ما رأيت بهما بأسا ، وقد نهيتهما ، فقالا ‏‏:‏‏ نفعل ما أحببت ، وقد حُدثت أن بني حارثة قد خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه ، وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك ، ليخفروك ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فقام سعد مغضبا مبادرا ، تخوفا للذي ذكر له من بني حارثة ، فأخذ الحربة من يده ، ثم قال ‏‏:‏‏ والله ما أراك أغنيت شيئا ، ثم خرج إليهما ؛ فلما رآهما سعد مطمئنين ، عرف سعد أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما ، فوقف عليهما متشتما ، ثم قال لأسعد بن زرارة ‏‏:‏‏ يا أبا أمامة ، أما والله ، لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رمت هذا مني ، أتغشانا في دارينا بما نكره - وقد قال أسعد بن زرارة لمصعب بن عمير ‏‏:‏‏ أي مصعب ، جاءك والله سيد من وراءه من قومه ، إن يتبعك لا يتخلف عنك منهم اثنان - قال ‏‏:‏‏ فقال له مصعب ‏‏:‏‏ أوتقعد فتسمع ، فإن رضيت أمرا ورغبت فيه قبلته ، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره ‏‏؟‏‏ قال سعد ‏‏:‏‏ أنصفت ‏‏.‏‏ ثم ركز الحربة وجلس ، فعرض عليه الإسلام ، وقرأ عليه القرآن ، قالا ‏‏:‏‏ فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم ، لإشراقه وتسهله ؛ ثم قال لهما ‏‏:‏‏ كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم ودخلتم في هذا الدين ‏‏؟‏‏ قالا ‏‏:‏‏ تغتسل فتطهَّر و تطهر ثوبيك ، ثم تشهد شهادة الحق ، ثم تصلي ركعتين ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فقام فاغتسل وطهر ثوبيه ، وشهد شهادة الحق ، ثم ركع ركعتين ، ثم أخذ حربته ، فأقبل عامدا إلى نادي قومه ومعه أسيد بن حضير ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فلما رآه قومه مقبلا ، قالوا ‏‏:‏‏ نحلف بالله لقد رجع إليكم سعد بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم ؛ فلما وقف عليهم قال ‏‏:‏‏ يا بني عبدالأشهل ، كيف تعلمون أمري فيكم ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ سيدنا و أوصلنا وأفضلنا رأيا ، وأيمننا نقيبة ؛ قال ‏‏:‏‏ فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله وبرسوله ‏‏.‏‏
قالا ‏‏:‏‏ فوالله ما أمسى في دار بني عبدالأشهل رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة ، ورجع أسعد ومصعب إلى منزل أسعد بن زرارة ، فأقام عنده يدعو الناس إلى الإسلام ، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون ، إلا ما كان من دار بني أمية بن زيد ، وخطمة ووائل وواقف ، وتلك أوس الله ، وهم من الأوس بن حارثة ؛ وذلك أنه كان فيهم أبو قيس بن الأسلت ، وهو صيفي ، وكان شاعرا لهم قائدا يستمعون منه ويطيعونه ، فوقف بهم عن الإسلام ، فلم يزل على ذلك حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضى بدر وأحد والخندق ، وقال فيما رأى من الإسلام ، وما اختلف الناس فيه من أمره ‏‏:‏‏
أربَّ الناس أشياء ألمت * يُلف الصعب منها بالذَّلولِ
أرب الناس أما إذ ضللنا * فيسرنا لمعروف السبيل
فلولا ربنا كنا يهودا * وما دين اليهود بذي شُكول
ولولا ربنا كنا نصارى * مع الرهبان في جبل الجليل
ولكنا خلقنا إذ خلقنا * حنيفا دينُنا عن كل جيل
نسوق الهَدْي ترسف مذعنات * مكشفة المناكب في الجلول
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أنشدني قوله ‏‏:‏‏ فلولا ربنا ، وقوله ‏‏:‏‏ لولا ربنا ، وقوله ‏‏:‏‏ مكشفة المناكب في الجلول ، رجل من الأنصار ، أو من خزاعة ‏‏.‏‏
أمر العقبة الثانية
مصعب بن عمير و العقبة الثانية
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم إن مصعب بن عمير رجع إلى مكة ، وخرج من خرج الأنصار من المسلمين إلى الموسم مع حجاج قومهم من أهل الشرك ، حتى قدموا مكة ، فواعدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ، من أوسط أيام التشريق ، حين أراد الله بهم ما أراد من كرامته ، والنصر لنبيه ، وإعزاز الإسلام وأهله ، وإذلال الشرك وأهله ‏‏.‏‏
البراء بن معرور يصلي إلى الكعبة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني معبد بن كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين ، أخو بني سلمة ، أن أخاه عبدالله بن كعب ، وكان من أعلم الأنصار ، حدثه أن أباه كعبا حدثه ، وكان كعب ممن شهد العقبة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، قال ‏‏:‏‏ خرجنا في حجاج قومنا من المشركين ، وقد صلينا وفقهنا ، ‏‏ ومعنا البراء بن معرور ، سيدنا وكبيرنا ‏‏.‏‏
فلما وجهنا لسفرنا ، وخرجنا من المدينة ، قال البراء لنا ‏‏:‏‏ يا هؤلاء ، إني قد رأيت رأيا ، فوالله ما أدري ، أتوافقونني عليه ، أم لا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلنا ‏‏:‏‏ وما ذاك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قد رأيت أن لا أدع هذه البَنيِّة مني بظهر ، يعني الكعبة ، وأن أصلي إليها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلنا ‏‏:‏‏ والله ما بلغنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم يصلي إلا إلى الشام ، وما نريد أن نخالفه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال ‏‏:‏‏ إني لمصل إليها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلنا له ‏‏:‏‏ لكنا لا نفعل ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فكنا إذا حضرت الصلاة صلينا إلى الشام ، وصلى إلى الكعبة ، حتى قدمنا مكة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وقد كنا عبنا عليه ما صنع ، وأبى إلا الإقامة على ذلك ‏‏.‏‏ فلما قدمنا مكة قال لي ‏‏:‏‏ يا ابن أخي ، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نسأله عما صنعت في سفري هذا ، فإنه والله لقد وقع في نفسي منه شيء ، لما رأيت من خلافكم إياي فيه ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فخرجنا نسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكنا لا نعرفه ، ولم نره قبل ذلك ، فلقينا رجلا من أهل مكة ، فسألناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ هل تعرفانه ‏‏؟‏‏ فقلنا ‏‏:‏‏ لا ؛ قال ‏‏:‏‏ فهل تعرفان العباس بن عبدالمطلب عمه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلنا ‏‏:‏‏ نعم - قال ‏‏:‏‏ و قد كنا نعرف العباس ، وكان لا يزال يقدم علينا تاجرا - قال ‏‏:‏‏ فإذا دخلتما المسجد فهو الرجل الجالس مع العباس ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فدخلنا المسجد فإذا العباس جالس ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس معه ، فسلمنا ثم جلسنا إليه ‏‏.‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس ‏‏:‏‏ هل تعرف هذين الرجلين يا أبا الفضل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ، هذا البراء بن معرور ، سيد قومه ؛ وهذا كعب بن مالك ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فوالله ما أنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ الشاعر ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال له البراء بن معرور ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، إني خرجت في سفري هذا ، وقد هداني الله للإسلام ، فرأيت أن لا‏ أجعل هذه البَنِيَّة مني بظهر ، فصليت إليها ، وقد خالفني أصحابي في ذلك ، حتى وقع في نفسي من ذلك شيء ، فماذا ترى يا رسول الله ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قد كنت على قبلة لو صبرت عليها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فرجع البراء إلى قبلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلى معنا إلى الشام ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وأهله يزعمون أنه صلى إلى الكعبة حتى مات ، وليس ذلك كما قالوا ، نحن أعلم به منهم ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وقال عون بن أيوب الأنصاري ‏‏:‏‏
ومنا المُصلي أول الناس مُقبلا * على كعبة الرحمن بين المشاعر
يعني البراء بن معرور ‏‏.‏‏ وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏
إسلام عبدالله بن عمرو بن حرام
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني معبد بن كعب ، أن أخاه عبدالله بن كعب حدثه أن أباه كعب بن مالك حدثه ، قال كعب ‏‏:‏‏ ثم خرجنا إلى الحج ، وواعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة من أوسط أيام التشريق ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فلما فرغنا من الحج ، وكانت الليلة التي واعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، ومعنا عبدالله بن عمرو بن حرام أبو جابر ، سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، أخذناه معنا ، وكنا نكتم من معنا من قومنا من المشركين أمرنا ، فكلمناه وقلنا له ‏‏:‏‏ يا أبا جابر ، إنك سيد من ساداتنا ، وشريف من أشرافنا ، وإنا نرغب بك عما أنت فيه أن تكون حطبا للنار غدا ؛ ثم دعوناه إلى الإسلام ، وأخبرناه بميعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إيانا العقبة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأسلم وشهد معنا العقبة ، وكان نقيبا ‏‏.‏‏
امرأتان في البيعة
قال ‏‏:‏‏ فنمنا تلك الليلة مع قومنا في رحالنا ، حتى إذا مضى ثلث الليل خرجنا من رحالنا لمعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نتسلل تسلل القطا مستخفين ، حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ، ونحن ثلاثة وسبعون رجلا ، ومعنا امرأتان من نسائنا ‏‏:‏‏ نُسيبة بنت كعب ، أم عمارة ، إحدى نساء بني مازن بن النجار ؛ وأسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي ، إحدى نساء بني سلمة ، وهي أم منيع ‏‏.‏‏
العباس يستوثق من الأنصار
قال ‏‏:‏‏ فاجتمعنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى جاءنا ومعه عمه العباس بن عبدالمطلب ، وهو يومئذ على دين قومه ، إلا أنه أحب أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثق له ‏‏.‏‏ فلما جلس كان أول متكلم العباس بن عبدالمطلب ، فقال ‏‏:‏‏ يا معشر الخزرج - قال ‏‏:‏‏ وكانت العرب إنما يسمون هذا الحي من الأنصار ‏‏:‏‏ الخزرج ، خزرجها وأوسها - ‏‏:‏‏ إن محمدا منا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ، ممن هو على مثل رأينا فيه ، فهو في عز من قومه ومنعة في بلده ، وإنه قد أبى إلا الانحياز إليكم ، واللحوق بكم ، فإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه ، ومانعوه ممن خالفه ، فأنتم وما تحملتم من ذلك ؛ وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذلوه بعد الخروج به إليكم ، فمن الآن فدعوه ، فإنه في عز ومنعة من قومه وبلده ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلنا له ‏‏:‏‏ قد سمعنا ما قلت ، فتكلم يا رسول الله ، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت ‏‏.‏‏
عهد الرسول عليه الصلاة والسلام على الأنصار
قال ‏‏:‏‏ فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتلا القرآن ، ودعا إلى الله ، ورغب في الإسلام ، ثم قال ‏‏:‏‏ أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأخذ البراء بن معرور بيده ، ثم قال ‏‏:‏‏ نعم ، والذي بعثك بالحق نبيا ، لنمنعنك مما نمنع منه أُزُرنا ، فبايِعْنا يا رسول الله ، فنحن والله أبناء الحروب ، وأهل الحلقة ، ورثناها كابرا عن كابر ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فاعترض القول ، والبراء يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو الهيثم بن التيهان ، فقال ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، إن بيننا وبين الرجال حبالا ، وإنا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال ‏‏:‏‏ بل الدم الدم ، والهدم الهدم ، أنا منكم وأنتم مني ، أحارب من حاربتم ، وأسالم من سالمتم ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ الهدم الهدم ‏‏:‏‏ يعني الحرمة ‏‏.‏‏ أي ذمتي ذمتكم ، وحرمتي حرمتكم ‏‏.‏‏
قال كعب بن مالك ‏‏:‏‏ وقد كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أخرجوا إلي منكم اثنى عشر نقيبا ، ليكونوا على قومهم بما فيهم ‏‏.‏‏ فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا ، تسعة من الخزرج ، وثلاثة من الأوس ‏‏.‏‏

ميارى 26 - 8 - 2010 06:28 PM

أسماء النقباء الاثني عشر و تمام خبر العقبة
نقباء الخزرج
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ من الخزرج - فيما حدثنا زياد ابن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي - ‏‏:‏‏ أبو أمامة أسعد بن زرارة بن عُدَس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ؛ وسعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج ؛ وعبدالله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج ؛ ورافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ؛ والبراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة ابن تزيد بن جشم بن الخزرج ؛ وعبدالله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة ابن حرام بن كعب بن سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ؛ وعبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ هو غنم بن عوف ، أخو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وسعد بن عبادة بن دُليم بن حارثة بن أبي حزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج ؛ والمنذر بن عمرو بن خنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ ابن خنيس - ‏‏.‏‏
نقباء الأوس
ومن الأوس ‏‏:‏‏ أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبدالأشهل ؛ وسعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك ابن كعب بن النحَّاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس ؛ ورفاعة بن عبدالمنذر بن زبير بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ‏‏.‏‏
شعر كعب بن مالك في حصر النقباء
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وأهل العلم يعدون فيهم أبا الهيثم بن التيهان ، ولا يعدون رفاعة ‏‏.‏‏ وقال كعب بن مالك يذكرهم ، فيما أنشدني أبو زيد الأنصاري ‏‏:‏‏
أبلغ أُبيا أنه فال رأيه * وحان غداة الشعب والحين واقعُ
أبى الله ما منتك نفسك إنه * بمرصاد أمر الناس راءٍ وسامع
وأبلغ أبا سفيان أن قد بدا لنا * بأحمد نور من هدى الله ساطع
فلا ترغبنْ في حشد أمر تريده * وألِّب وجمِّع كل ما أنت جامع
ودونك فاعلم أن نقض عهودنا * أباه عليك الرهط حين تبايعوا
أباه البراء وابن عمرو كلاهما * وأسعد يأباه عليك ورافع
وسعد أباه الساعدي ومنذر * لأنفك إن حاولت ذلك جادع
وما ابن ربيع إن تناولت عهده * بمسلمه لا يطمعنْ ثم طامع
وأيضا فلا يُعطيكه ابن رواحة * وإخفاره من دونه السم ناقع
وفاء به والقوقلي بن صامت * بمندوحة عما تحاول يافع
أبو هيثم أيضا وفيّ بمثلها * وفاء بما أعطى من العهد خانع
وما ابن حضير إن أردت بمطمع * فهل أنت عن أُحموقة الغي نازع
وسعد أخو عمرو بن عوف فإنه * ضَروح لما حاولت مِـْلأمر مانع
أولاك نجوم لا يغبك منهمُ * عليك بنحس في دجى الليل طالع
فذكر كعب فيهم ‏‏(‏‏ أبا الهيثم بن التيهان ‏‏)‏‏ ولم يذكر ‏‏(‏‏ رفاعة ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني عبدالله بن أبي بكر ‏‏:‏‏ أن رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم قال للنقباء ‏‏:‏‏ أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ، ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم ، وأنا كفيل على قومي - يعني المسلمين - قالوا ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏
ما قاله العباس بن عبادة للخزرج قبل المبايعة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‏‏:‏‏ أن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري ، أخو بني سالم بن عوف ‏‏:‏‏ يا معشر الخزرج ، هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نعم ؛ قال ‏‏:‏‏ إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس ، فإن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة ، وأشرافكم قتلا أسلمتموه ، فمن الآن ، فهو والله إن فعلتم خزي الدنيا والآخرة ، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأمول ، وقتل الأشراف ، فخذوه ، فهو والله خير الدنيا والآخرة ؛ قالوا ‏‏:‏‏ فإنا نأخذه على مصيبة الأموال ، وقتل الأشراف ؛ فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفَّينا بذلك ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ الجنة ‏‏.‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ ابسط يدك ؛ فبسط يده فبايعوه ‏‏.‏‏
وأما عاصم بن عمر بن قتادة فقال ‏‏:‏‏ والله ما قال ذلك العباس إلا ليشد لعقد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أعناقهم ‏‏.‏‏
وأما عبدالله بن أبي بكر فقال ‏‏:‏‏ ما قال ذلك العباس إلا ليؤخر القوم تلك الليلة ، رجاء أن يحضرها عبدالله بن أبي ابن سلول ، فيكون أقوى لأمر القوم ‏‏.‏‏ فالله أعلم أي ذلك كان ‏‏.‏‏
نسب سلول
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ سلول ‏‏:‏‏ امرأة من خزاعة ، وهي أم أبيّ بن مالك بن الحارث ‏‏.‏‏
أول من ضرب على يد الرسول في بيعة العقبة الثانية
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فبنو النجار يزعمون أن أبا أمامة ، أسعد بن زرارة ، كان أول من ضرب على يده ؛ وبنو عبدالأشهل يقولون ‏‏:‏‏ بل أبو الهيثم بن التيهان ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأما معبد بن كعب بن مالك فحدثني في حديثه ، عن أخيه عبدالله بن كعب ، عن أبيه كعب بن مالك ، قال ‏‏:‏‏ كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم البراء بن معرور ، ثم بايع بعدُ القوم ‏‏.‏‏
الشيطان يصرخ بعد بيعة العقبة الثانية
فلما بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط ‏‏:‏‏ يا أهل الجباجب - والجباجب ‏‏:‏‏ المنازل - هل لكم في مذمَّم والصُّباة معه ، قد اجتمعوا على حربكم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ هذا أزبّ العقبة ، هذا ابن أزيب - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ابن أُزيب - أتسمع أي عدو الله ، أما والله لأفرغنّ لك ‏‏.‏‏
الأنصار تستعجل الإذن بالحرب
قال ‏‏:‏‏ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ ارفضُّوا إلى رحالكم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال له العباس بن عبادة بن نضلة ‏‏:‏‏ والله الذي بعثك بالحق ‏‏:‏‏ إن شئت لنميلن على أهل منى غدا بأسيافنا ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لم نؤمر بذلك ، ولكن ارجعوا إلى رحالكم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فرجعنا إلى مضاجعنا ، فنمنا عليها حتى أصبحنا ‏‏.‏‏
قريش تجادل الأنصار في شأن البيعة
قال ‏‏:‏‏ فلما أصبحنا غدت علينا جِلَّة قريش ، حتى جاءونا في منازلنا ، فقالوا ‏‏:‏‏ يا معشر الخزرج ، إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا ، وتبايعونه على حربنا ، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا ، أن تنشب الحرب بيننا وبينهم ، منكم ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فانبعث مَنْ هناك مِنْ مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شيء ، وما علمناه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وقد صدقوا ، لم يعلموه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ وبعضنا ينظر إلى بعض ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم قام القوم ، وفيهم الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومي ، وعليه نعلان له جديدان ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت له كلمة - كأني أريد أن أشرك القوم بها فيما قالوا - ‏‏:‏‏ يا أبا جابر ، أما تستيطع أن تتخذ ، وأنت سيد من ساداتنا ، مثل نعلَيْ هذا الفتى من قريش ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فسمعها الحارث ، فخلعهما من رجليه ثم رمي بهما إلي ، وقال ‏‏:‏‏ والله لتنتعلنَّهما ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ يقول أبو جابر ‏‏:‏‏ مه ، أحفظت والله الفتى ، فاردد إليه نعليه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ والله لا أردهما ، فأل والله صالح ، لئن صدق الفأل لأسلُبنَّه ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ‏‏:‏‏ أنهم أتوا عبدالله بن أبي ابن سلول ، فقالوا له مثل ما قال كعب من القول ؛ فقال لهم ‏‏:‏‏ و الله إن هذا الأمر جسيم ، ما كان قومي ليتفوَّتوا علي بمثل هذا ، وما علمته كان ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فانصرفوا عنه ‏‏.‏‏
قريش تأسر سعد بن عبادة
قال ‏‏:‏‏ ونفر الناس من منى ، فتنطَّس القوم الخبر ، فوجوده قد كان ، وخرجوا في طلب القوم ، فأدركوا سعد بن عبادة بأذاخر ، والمنذر بن عمرو ، أخا بني ساعدة بن كعب بن الخزرج ، وكلاهما كان نقيبا ‏‏.‏‏ فأما المنذر فأعجز القوم ؛ وأما سعد فأخذوه ، فربطوا يديه إلى عنقه بِنِسْع رحله ، ثم أقبلوا به حتى أدخلوه مكة يضربونه ، ويجذبونه بجُمَّته ، وكان ذا شعر كثير ‏‏.‏‏
خلاص سعد بن عبادة من أسر قريش
قال سعد ‏‏:‏‏ فوالله إني لفي أيديهم إذ طلع علي نفر من قريش ، فيهم رجل وضيء أبيض ، شعشاع ، حلو من الرجال ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الشعشاع ‏‏:‏‏ الطويل الحسن ‏‏.‏‏ قال رؤبة ‏‏:‏‏
يمطوه من شعشاع غير مودن *
يعني عنق البعير غير قصير ‏‏.‏‏ يقول ‏‏:‏‏ مودن اليد ‏‏:‏‏ أي ناقص اليد ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فقلت في نفسي ‏‏:‏‏ إن يك عند أحد من القوم خير ، فعند هذا ؛ قال ‏‏:‏‏ فلما دنا مني رفع يده فلكمني لكمة شديدة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت في نفسي ‏‏:‏‏ لا والله ما عندهم بعد هذا من خير ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فوالله إني لفي أيديهم يسحبونني إذ أوى لي رجل ممن كان معهم ، فقال ‏‏:‏‏ ويحك ‏‏!‏‏ أما بينك وبين أحد من قريش جوار ولا عهد ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ بلى والله ، لقد كنت أُجير لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف تجارة ، وأمنعهم ممن أراد ظلمهم ببلادي ، وللحارث بن حرب ابن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ؛ قال ‏‏:‏‏ ويحك ‏‏!‏‏ فاهتف باسم الرجلين ، واذكر ما بينك وبينهما ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ ففعلت ، وخرج ذلك الرجل إليهما ، فوجدهما في المسجد عند الكعبة ، فقال لهما ‏‏:‏‏ إن رجلا من الخزرج الآن يضرب بالأبطح ويهتف بكما ، ويذكر أن بينه وبينكما جوارا ؛ قالا ‏‏:‏‏ ومن هو ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ سعد بن عبادة ؛ قالا ‏‏:‏‏ صدق والله ، إن كان ليجير لنا تجارنا ، ويمنعهم أن يُظلموا ببلده ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فجاءا فخلَّصا سعدا من أيديهم ، فانطلق ‏‏.‏‏ وكان الذي لكم سعدا ، سهيل بن عمرو ، أخو بني عامر بن لؤي ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وكان الرجل الذي أوى إليه ، أبا البختري بن هشام ‏‏.‏‏
أول ما قيل في الهجرة من الشعر
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان أول شعر قيل في الهجرة بيتين ، قالهما ضرار بن الخطاب بن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر فقال ‏‏:‏‏
تداركتَ سعدا عنوة فأخذته * وكان شفاء لو تداركت منذرا
لو نلتُه طُلَّت هناك جراحه * وكانت حريَّا أن يُهان ويُهدرا
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويروى ‏‏:‏‏
وكان حقيقا أن يهان ويهدرا
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأجابه حسان بن ثابت فيهما فقال ‏‏:‏‏
لست إلى سعد ولا المرء منذر * إذا ما مطايا القوم أصبحن ضُمَّرا
فلولا أبو وهب لمرت قصائد * على شرف البرقاء يهوين حُسَّرا
أتفخر بالكتان لما لبسته * وقد تلبس الأنباط ريطا مقصرا
فلا تك كالوسنان يحلم أنه * بقرية كسرى أو بقرية قيصرا
ولاتك كالثكلى وكانت بمعزل * عن الثكل لو كان الفؤاد تفكرا
ولا تك كالشاة التي كان حتفها * بحفر ذراعيها فلم ترض محفرا
ولا تك كالعاوي فأقبل نحره * ولم يخشه ، سهما من النبل مضمرا
فإنا ومن يُهدي القصائد نحونا * كمستبضع تمرا إلى أهل خيبرا
قصة صنم عمرو بن الجموح
عدوان قوم عمرو على صنمه
فلما قدموا المدينة أظهروا الإسلام بها ، وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من الشرك ، منهم عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ، وكان ابنه معاذ بن عمرو شهد العقبة ، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ، وكان عمرو بن الجموح سيدا من سادات بني سلمة ، وشريفا من أشرافهم ، وكان قد اتخذ في داره صنما من خشب ، يقال له ‏‏:‏‏ مناة ، كما كانت الأشراف يصنعون ، تتخذه إلها تعظمه وتطهره ، فلما أسلم فتيان بني سلمة ‏‏:‏‏ معاذ بن جبل ، وابنه معاذ بن عمرو بن الجموح ، في فتيان منهم ممن أسلم وشهد العقبة ، كانوا يدلجون بالليل على صنم عمرو ذلك ، فيحملونه فيطرحونه في بعض حفر بني سلمة ، وفيها عِذَر الناس ، مُنكَّسا على رأسه ؛ فإذا أصبح عمرو ، قال ‏‏:‏‏ ويلكم ‏‏!‏‏ من عدا على آلهتنا هذه الليلة ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ ثم يغدو يلتمسه ، حتى إذا وجده غسله وطهره وطيبه ، ثم قال ‏‏:‏‏ أما والله لو أعلم من فعل هذا بك لأُخزينَّه ‏‏.‏‏ فإذا أمسى ونام عمرو ، عدوا عليه ، ففعلوا به مثل ذلك ؛ فيغدو فيجده في مثل ما كان فيه من الأذى ، فيغسله ويطهره ويطيبه ؛ ثم يعدون عليه إذا أمسى ، فيفعلون به مثل ذلك ‏‏.‏‏
فلما أكثروا عليه ، استخرجه من حيث ألقوه يوما ، فغسله وطهره وطيبه ، ثم جاء بسيفه فعلقه عليه ، ثم قال ‏‏:‏‏ إني والله ما أعلم من يصنع بك ما ترى ، فإن كان فيك خير فامتنع ، فهذا السيف معك ‏‏.‏‏ فلما أمسى ونام عمرو ، عدوا عليه ، فأخذوا السيف من عنقه ، ثم أخذوا كلبا ميتا فقرنوه به بحبل ، ثم ألقوه في بئر من آبار بني سلمة ، فيها عذر من عذر الناس ، ثم غدا عمرو بن الجموح فلم يجده في مكانه الذي كان به ‏‏.‏‏
إسلام عمرو ، وما قاله من الشعر
فخرج يتبعه حتى وجده في تلك البئر منكسا مقرونا بكلب ميت ، فلما رآه وأبصر شأنه ، وكلمه من أسلم من رجال قومه ، فأسلم برحمة الله ، وحسن إسلامه ‏‏.‏‏ فقال حين أسلم وعرف من الله ما عرف ، وهو يذكر صنمه ذلك وما أبصر من أمره ، ويشكر الله تعالى الذي أنقذه مما كان فيه من العمى والضلالة ‏‏:‏‏
والله لو كنتَ إلها لم تكن * أنت وكلب وسط بئر في قَرَنْ
أُفٍّ لملقاك إلها مستدن * الآن فتشناك عن سوء الغبن
الحمد لله العلي ذي المنن * الواهب الرزاق ديان الدين
هو الذي أنقذني من قبل أن * أكون في ظلمة قبر مرتهن
بأحمد المهدي النبي المرتهن *
شروط البيعة في العقبة الأخيرة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكانت بيعة الحرب ، حين أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال شروطا سوى شرطه عليهم في العقبة الأولى ، كانت الأولى على بيعة النساء ، وذلك أن الله تعالى لم يكن أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم في الحرب ، فلما أذن الله له فيها ، وبايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة الأخيرة على حرب الأحمر والأسود ، أخذ لنفسه واشترط على القوم لربه ، وجعل لهم على الوفاء بذلك الجنة ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه الوليد ، عن جده عبادة بن الصامت ، وكان أحد النقباء ، قال ‏‏:‏‏
بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعه الحرب - وكان عبادة من الاثني عشر الذين بايعوه في العقبة الأولى على بيعة النساء - على السمع والطاعة ، في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا ، وأثرة علينا ، وأن لا ننازع الأمر أهله ، وأن نقول بالحق أينما كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم ‏‏.‏‏
أسماء من شهد العقبة الأخيرة

عدد من شهدها
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وهذا تسمية من شهد العقبة ، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها من الأوس والخزرج ، وكانوا ثلاثة وسبعين رجلا وامرأتين ‏‏.‏‏
من شهدها من الأوس بن حارثة و بني عبدالأشهل
شهدها من الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ؛ ثم من بني عبدالأشهل بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن الأوس ‏‏:‏‏ أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن رافع بن امرئ القيس بن زيد بن عبدالأشهل ، نقيب لم يشهد بدرا ‏‏.‏‏ وأبو الهيثم بن التيهان ، واسمه مالك ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وسلمة بن سلامة بن وقش بن زغبة بن زعُوراء بن عبدالأشهل ، شهد بدرا ، ثلاثة نفر ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ ابن زعَوراء ‏‏(‏‏ بفتح العين ‏‏)‏‏

من شهدها من بني حارثة بن الحارث
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بنى حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ‏‏:‏‏ ظُهير بن رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة ‏‏.‏‏ وأبو بردة بن نيار ، واسمه هانئ بن نيار بن عمرو بن عبيد بن كلاب بن دهمان بن غنم بن ذيبان بن هميم بن كامل بن ذهل بن هني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة ، حليف لهم ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ ونهُير بن الهيثم ، من بني نابي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج ابن عمرو بن مالك بن الأوس ؛ ثم من آل السوّاف بن قيس بن عامر بن نابي بن مجدعة بن حارثة ‏‏.‏‏ ثلاثة نفر ‏‏.‏‏

من شهدها من بني عمرو بن عوف
ومن بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ‏‏:‏‏ سعد بن خيثمة بن الحارث بن مالك بن كعب بن النحَّاط بن كعب بن حارثة بن غنم بن السلم بن امرىء القيس بن مالك بن الأوس ، نقيب ، شهد بدرا ، فقُتل به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيدا ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ونسبه ابنُ إسحاق في بني عمرو بن عوف ؛ وهو من بني غنم بن السلم ، لأنه ربما كانت دعوة الرجل في القوم ، ويكون فيهم فيُنسب إليهم ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ورفاعة بن عبدالمنذر بن زنبر بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو ، نقيب ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وعبدالله بن جبير بن النعمان بن أمية بن البُـرَك - واسم البرك ‏‏:‏‏ امرؤ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس - شهدا بدرا ، وقتل يوم أحد شهيدا أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة ؛ ويقال ‏‏:‏‏ أمية بن البَـرْك ، فيما قال ابن هشام ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومعن بن عدي بن الجد بن العجلان بن حارثة بن ضبيعة ، حليف لهم من بلي ، شهد بدرا وأحدا والخندق ، ومشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها ، قتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ‏‏.‏‏ وعُويم بن ساعدة ، شهد بدرا وأحدا والخندق ‏‏.‏‏ خمسة نفر ‏‏.‏‏ فجميع من شهد العقبة من الأوس أحد عشر رجلا ‏‏.‏‏

من شهدها من الخزرج بن حارثة
وشهدها من الخزرج بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو بن عامر ، ثم من بني النجار ، وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج ‏‏:‏‏ أبو أيوب ، وهو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد بن عوف بن غنم بن مالك بن النجار شهد بدرا وأحدا والخندق ، والمشاهد كلها ؛ مات بأرض الروم غازيا في زمن معاوية بن أبي سفيان ‏‏.‏‏ ومعاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد بن مالك بن غنم بن مالك بن النجار ، شهد بدرا وأحدا والخندق ، والمشاهد كلها ، وهو ابن عفراء ‏‏.‏‏ وأخوه عوف بن الحارث ، شهد بدرا وقتل به شهيدا ، وهو لعفراء ‏‏.‏‏ وأخوه معوّذ بن الحارث ، شهد بدرا وقتل به شهيدا ، وهو الذي قتل أبا جهل بن هشام بن المغيرة ، وهو لعفراء - ويقال ‏‏:‏‏ رفاعة بن الحارث بن سواد ، فيما قال ابن هشام - وعمارة بن حزم بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار ، شهد بدرا وأحدا والخندق ، والمشاهد كلها ، قتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ‏‏.‏‏ وأسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، نقيب ، مات قبل بدر ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبنى ، وهو أبو أمامة ‏‏.‏‏ ستة نفر ‏‏.‏‏

من شهدها من بني عمرو بن مبذول
ومن بني عمرو بن مبذول - ومبذول ‏‏:‏‏ عامر بن مالك بن النجار - ‏‏:‏‏ سهل بن عتيك بن نعمان بن عمرو بن عتيك بن عمرو ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ رجل ‏‏.‏‏

من شهدها من بني عمرو بن مالك
ومن بني عمرو بن مالك بن النجار ، وهم بنو حديلة - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ حديلة ‏‏:‏‏ بنت مالك بن زيد مناة بن حبيب بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج - ‏أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وأبو طلحة ، وهو زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، شهدا بدرا ‏‏.‏‏ رجلان ‏‏.‏‏

من شهدها من بني مازن بن النجار
ومن بني مازن بن النجار ، قيس بن أبي صعصعة ، واسم أبي صعصعة ‏‏:‏‏ عمرو بن زيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن ، شهد بدرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعله على الساقة يومئذ ‏‏.‏‏ وعمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن ‏‏.‏‏ رجلان ‏‏.‏‏
فجميع من شهد العقبة من بني النجار أحد عشر رجلا ‏‏.‏‏
تصويب نسب عمرو بن غزية
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عمرو بن غزية بن عمرو بن ثعلبة بن خنساء ، هذا الذي ذكره ابن إسحاق ، إنما هو غزية بن عمرو بن عطية بن خنساء ‏‏.‏‏

من شهدها من بلحارث بن الخزرج
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بَلْحارث بن الخزرج ‏‏:‏‏ سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير بن مالك بن امرىء القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة ابن كعب بن الخزرج بن الحارث ، نقيب ، شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا ‏‏.‏‏ وخارجة بن زيد بن أبي زهير بن مالك بن امرىء القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث ، شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا ‏‏.‏‏ وعبدالله بن رواحة بن ثعلبة بن امرىء القيس بن عمرو بن امرىء القيس الأكبر بن مالك الأغر بن ثعلبة ين كعب بن الخزرج بن الحارث ، نقيب ، شهد بدرا وأحدا والخندق ومشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها ، إلا الفتح وما بعده ، وقتل يوم مؤتة شهيدا أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏ وبشير بن سعد بن ثعلبة بن خلاس بن زيد بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث ، أبو النعمان بن بشير ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وعبدالله بن زيد بن ثعلبة ابن عبدالله بن زيد مناة بن الحارث بن الخزرج ، شهد بدرا ، وهو الذي أُري النداء للصلاة ، فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر به ‏‏.‏‏ وخلاّد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو بن حارثة بن امرىء القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج ، شهد بدرا وأحدا والخندق ، وقتل يوم بني قريظة شهيدا ، طُرحت عليه رحى من أُطم من أطامها فشدخته شدخا شديدا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - ‏‏:‏‏ إن له لأجر شهيدين ‏‏.‏‏ وعقبة بن عمرو ابن ثعلبة بن أُسيرة بن عُسيرة بن جِدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج ، وهو أبو مسعود ، وكان أحدث من شهد العقبة سنا ، مات في أيام معاوية ، لم يشهد بدرا ‏‏.‏‏ سبعة نفر ‏‏.‏‏

من شهدها من بني بياضة بن عامر
ومن بني بياضة بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ‏‏:‏‏ زياد بن لبيد بن ثعلبة بن سنان بن عامر بن عدي ابن أمية بن بياضة ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وفروة بن عمرو بن وذفة بن عبيد بن عامر بن بياضة ، شهد بدرا‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ وُدْفة ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وخالد بن قيس بن مالك بن العجلان بن عامر بن بياضة ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ ثلاثة نفر ‏‏.‏‏

من شهدها من بني زريق
ومن بنى زريق بن عامر بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غضب بن جشم بن الخزرج ‏‏:‏‏ رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق ، نقيب ‏‏.‏‏ وذكوان بن عبد قيس بن خلدة بن مخلَّد بن عامر بن زريق ، وكان خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان معه بمكة وهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة ، فكان يقال له ‏‏:‏‏ مهاجري أنصاري ؛ شهد بدرا وقتل يوم أحد شهيدا ‏‏.‏‏ وعباد بن قيس بن عامر بن خلدة بن مخلد بن عامر بن زريق ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ والحارث بن قيس بن خالد بن مخلد بن عامر بن زريق ، وهو أبو خالد ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ أربعة نفر ‏‏.‏‏

من شهدها من بني سلمة بن سعد
ومن بني سلمة بن سعد بن علي بن أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم ابن الخزرج ؛ ثم من بني عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ البراء بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم ، نقيب ، وهو الذي تزعم بنو سلمة أنه كان أول من ضرب على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط له ، واشترط عليه ، ثم توفي قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ‏‏.‏‏ وابنه بشر بن البراء بن معرور ، شهد بدرا وأحدا والخندق ومات بخيبر من أكله أكلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من الشاة التي سُمّ فيها - وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين سأل بني سلمة ‏‏:‏‏ من سيدكم يا بني سلمة ‏‏؟‏‏ فقالوا ‏‏:‏‏ الجدُّ بن قيس ، على بخله ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ وأي داء أكبر من البخل ‏‏!‏‏ سيد بني سلمة الأبيض الجعد بشر بن البراء بن معرور - وسنان بن صيفي بن صخر ابن خنساء بن سنان بن عبيد ، شهد بدرا ، وقتل يوم الخندق شهيدا ‏‏.‏‏ والطفيل بن النعمان بن خنساء بن سنان بن عبيد ، شهد بدرا ، وقتل يوم الخندق شهيدا ‏‏.‏‏ ومعقل بن المنذر بن سرح بن خناس بن سنان بن عبيد ، شهدا بدرا ‏‏.‏‏ و أخوه يزيد بن المنذر ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ ومسعود بن يزيد بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد ‏‏.‏‏ والضحاك بن حارثة بن زيد بن ثعلبة بن عبيد ، شهد ‏بدرا ‏‏.‏‏ ويزيد بن حرام بن سبيع بن خنساء بن سنان بن عبيد ‏‏.‏‏ وجُبار بن صخر بن أمية بن خنساء ابن سنان بن عبيد ، شهد بدرا ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ جَبَّار بن صخر بن أمية بن خناس ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ والطفيل بن مالك بن خنساء بن سنان بن عبيد ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ أحد عشر رجلا ‏‏.‏‏

من شهدها من بني سواد بن غنم
ومن بني سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ، ثم من بني كعب بن سواد ‏‏:‏‏ كعب بن مالك بن أبي كعب بن القين بن كعب ‏‏.‏‏ رجل ‏‏.‏‏

من شهدها من بني غنم بن سواد
ومن بني غنم بن سواد بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ سليم بن عمرو بن حديدة بن عمرو بن غنم ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وقطبة بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وأخوه يزيد بن عامر بن حديدة بن عمرو بن غنم ، وهو أبو المنذر ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وأبو اليسر ، واسمه كعب بن عمرو بن عباد بن عمرو بن غنم ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وصيفي بن سواد بن عباد بن عمرو بن غنم ‏‏.‏‏ خمسة نفر ‏‏.‏‏
تصويب اسم صيفي
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ صيفي بن أسود بن عباد بن عمرو بن غنم بن سواد ، وليس لسواد ابن يقال له ‏‏:‏‏ غنم ‏‏.‏‏

من شهدها من بني نابي بن عمرو
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني نابي بن عمرو بن سواد بن غنم بن كعب ابن سلمة ‏‏:‏‏ ثعلبة بن غنمة بن عدي بن نابي ، شهد بدرا ، وقتل بالخندق شهيدا ‏‏.‏‏ وعمرو بن غنمة بن عدي بن نابي ، وعبس بن عامر بن عدي بن نابي ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وعبدالله بن أُنيس ، حليف لهم من قضاعة ‏‏.‏‏ وخالد بن عمرو بن عدي بن نابي ‏‏.‏‏ خمسة نفر ‏‏.‏‏

من شهدها من بني حرام بن كعب
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بني حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏:‏‏ عبدالله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن حرام ، نقيب ، شهد بدرا ، وقتل يوم أحد شهيدا ، وابنه جابر بن عبدالله ‏‏.‏‏ ومعاذ بن عمرو بن الجموح بن يزيد بن حرام ، شهد بدرا ‏‏.‏‏ وثابت بن الجذع - والجِذع ‏‏:‏‏ ثعلبة بن زيد بن الحارث بن حرام - شهد بدرا ، وقتل بالطائف شهيدا ‏‏.‏‏ وعمير بن الحارث بن ثعلبة بن الحارث بن حرام ، شهد بدرا ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عمير بن الحارث بن لبدة بن ثعلبة ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وخَديج بن سلامة بن أوس بن عمرو بن الفرافر ، حليف لهم من بلي ‏‏.‏‏ ومعاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ بن كعب بن عمرو بن أدي بن سعد بن علي بن أسد ؛ ويقال ‏‏:‏‏ أسد بن ساردة بن تزيد بن جشم بن الخزرج ؛ وكان في بني سلمة ، شهد بدرا ، والمشاهد كلها ومات بعمواس ، عام الطاعون بالشام ، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وإنما ادعته بنو سلمة أنه كان أخا سهل بن محمد بن الجد بن قيس بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي ابن غنم بن كعب بن سلمة لأمه ‏‏.‏‏ سبعة نفر ‏‏.‏‏
تصويب نسب خديج بن سلامة
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أوس ‏‏:‏‏ ابن عباد بن عدي بن كعب بن عمرو بن أُذَن ابن سعد ‏‏.‏‏

من شهدها من بنى عوف بن الخزرج
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بنى عوف بن الخزرج ؛ ثم من بنى سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ‏‏:‏‏ عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف ، نقيب ، شهد بدرا والمشاهد كلها ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ هو غنم بن عوف ، أخو سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ والعباس بن عبادة بن نضلة بن مالك بن العجلان بن زيد بن غنم بن سالم بن عوف ، وكان ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة ، فأقام معه بها ، فكان يقال له ‏‏:‏‏ مهاجري أنصاري ، وقتل يوم أحد شهيدا ‏‏.‏‏ وأبو عبدالرحمن يزيد بن ثعلبة بن خزمة بن أصرم بن عمرو بن عمّارة ، حليف لهم من بني غصينة من بلي ‏‏.‏‏ وعمرو بن الحارث بن لبدة بن عمرو بن ثعلبة ‏‏.‏‏ أربعة نفر ، وهم القواقل ‏‏.‏‏

من شهدها من بنى سالم بن غنم
ومن بني سالم بن غنم بن عوف بن الخزرج ، وهم بنو الحُبُلِيّ - قال ابن هشام ‏‏:‏‏ الحُبُلِيّ ‏‏:‏‏ سالم بن غنم بن عوف ، وإنما سُـمِّي ‏‏(‏‏ الحبلي ‏‏)‏‏ لعظم بطنه - ‏‏:‏‏ رفاعة بن عمرو بن زيد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك بن سالم بن غنم ، شهد بدرا ، وهو أبو الوليد ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ رفاعة ‏‏:‏‏ ابن مالك ، ومالك ‏‏:‏‏ ابن الوليد بن عبدالله بن مالك بن ثعلبة بن جشم بن مالك بن سالم ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وعقبة بن وهب بن كلَّدة بن الجعد بن هلال بن الحارث بن عمرو بن عدي بن جشم بن عوف بن بهثة بن عبدالله بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان ، حليف لهم ، شهد بدرا ، وكان ممن خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا من المدينة إلى مكة ، فكان يقال له ‏‏:‏‏ مهاجري أنصاري ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ رجلان ‏‏.‏
من شهدها من بني ساعدة بن كعب
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومن بنى ساعدة بن كعب بن الخزرج ‏‏:‏‏ سعد بن عبادة بن دُليم بن حارثة بن أبي خزيمة بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة ، نقيب ‏‏.‏‏ والمنذر بن عمرو بن خَنيس بن حارثة بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن جشم بن الخزرج بن ساعدة ، نقيب ، شهد بدرا وأحدا ، وقتل يوم بئر معونة أميرا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي كان يقال له ‏‏:‏‏ أعنق ليموت ‏‏.‏‏ رجلان ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ المنذر ‏‏:‏‏ ابن عمرو بن خنش ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فجميع من شهد العقبة من الأوس والخزرج ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان منهم ، يزعمون أنهما قد بايعتا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصافح النساء ، إنما كان يأخذ عليهن ، فإذا أقررن ، قال ‏‏:‏‏ اذهبن فقد بايعتكن ‏‏.‏‏

من شهدها من بني مازن بن النجار
ومن بنى مازن بن النجار ‏‏:‏‏ نُسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن ، وهي أم عمارة ، كانت شهدت الحرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وشهدت معها أختها ‏‏.‏‏ وزوجها زيد بن عاصم بن كعب ‏‏.‏‏ وابناها ‏‏:‏‏ حبيب بن زيد ، وعبدالله بن زيد ، وابنها حبيب الذي أخذه مسيلمة الكذاب الحنفي ، صاحب اليمامة ، فجعل يقول له ‏‏:‏‏ أتشهد أن محمدا رسول الله ‏‏؟‏‏ فيقول ‏‏:‏‏ نعم ؛ فيقول ‏‏:‏‏ أفتشهد أني رسول الله ‏‏؟‏‏ فيقول ‏‏:‏‏ لا أسمع ، فجعل يقطعه عضوا عضوا حتى مات في يده ، لا يزيده على ذلك ، إذا ذُكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم آمن به وصلى عليه ، وإذا ذكر له مسيلمة قال ‏‏:‏‏ لا أسمع ، فخرجت إلى اليمامة مع المسلمين ، فباشرت الحرب بنفسها ‏‏.‏‏ حتى قتل الله مسيلمة ، ورجعت وبها اثنا عشر جرحا ، من بين طعنة وضربة ‏‏.‏‏ ‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حدثني هذ الحديث عنها محمد بن يحيى بن حبان ، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي صعصعة ‏‏.‏‏

من شهدها من بني سلمة
ومن بني سلمة ‏‏:‏‏ أم منيع ؛ واسمها ‏‏:‏‏ أسماء بنت عمرو بن عدي بن نابي بن عمرو بن غنم بن كعب بن سلمة ‏‏.‏‏

ميارى 26 - 8 - 2010 06:30 PM

نزول الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القتال
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ‏‏:‏‏ حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال ‏‏:‏‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ‏‏:‏‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحلل له الدماء ، إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى ، والصفح عن الجاهل ، وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم من بلادهم ، فهم من بين مفتون في دينه ، ومن بين معذب في أيديهم ، ومن بين هارب في البلاد فرارا منهم ، منهم من بأرض الحبشة ، ومنهم من بالمدينة ، وفي كل وجه ؛ فلما عتت قريش على الله عز وجل ، وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة ، وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم ، وعذبوا ونفوا من عبده ووحَّده وصدق نبيه ، واعتصم بدينه ، أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم ‏‏.‏‏
فكانت أول آية أنزلت في إذنه له في الحرب ، وإحلاله له الدماء والقتال ، لمن بغى عليهم ، فيما بلغني عن عروة بن الزبير وغيره من العلماء ، قول الله تبارك وتعالى ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أذن للذين يُقاتَلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ‏‏.‏‏ الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهُدِّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيرا ، ولينصرن اللهُ من ينصره ، إن الله لقوي عزيز ‏‏.‏‏ الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، ولله عاقبة الأمور ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ أي ‏‏:‏‏ أني إنما أحللت لهم القتال لأنهم ظُلموا ، ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس ، إلا أن يعبدوا الله ، وأنهم إذا ظهروا أقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، وأمروا بالمعروف ، ونهوا عن المنكر ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أجميعن ، ثم أنزل الله تبارك وتعالى عليه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ أي ‏‏:‏‏ حتى لا يُفتن مؤمن عن دينه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ويكون الدين لله ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ أي ‏‏:‏‏ حتى يُعبدالله ، لا يعبد معه غيره ‏‏.‏‏
إذنه صلى الله عليه و سلم لمسلمي مكة بالهجرة إلى المدينة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما أذن الله تعالى له صلى الله عليه وسلم في الحرب ، وبايعه هذا الحي من الأنصار على الإسلام والنصرة له ولمن اتبعه ، وأوى إليهم من المسلمين ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين من قومه ، ومن معه بمكة من المسلمين ، بالخروج إلى المدينة والهجرة إليها ، واللحوق بإخوانهم من الأنصار ، وقال ‏‏:‏‏ إن الله عز وجل قد جعل لكم إخوانا ودارا تأمنون بها ‏‏.‏‏
فخرجوا أرسالا ، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ينتظر أن يأذن له ربه في الخروج من مكة ، والهجرة إلى المدينة ‏‏.‏‏

ذكر المهاجرين إلى المدينة

هجرة أبي سلمة وامرأته ، و حديثه عما لقياه
فكان أول من هاجر إلى المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهاجرين من قريش ، من بني مخزوم ‏‏:‏‏ أبو سلمة بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، واسمه ‏‏:‏‏ عبدالله ، هاجر إلى المدينة قبل بيعة أصحاب العقبة بسنة ، وكان قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة من أرض الحبشة ، فلما آذته قريش وبلغه إسلام من أسلم من الأنصار ، خرج إلى المدينة مهاجرا ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن سلمة بن عبدالله ابن عمر بن أبي سلمة ، عن جدته أم سلمة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت ‏‏:‏‏ لما أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه ، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري ، ثم خرج بي يقود بي بعيره ، فلما رأته رجال بنى المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه ، فقالوا ‏‏:‏‏ هذه نفسك غلبتنا عليها ، أرأيت صاحبتك هذه ‏‏؟‏‏ علام نتركك تسير بها في البلاد ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فنـزعوا خطام البعير من يده ، فأخذوني منه ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ وغضب عند ذلك بنو عبدالأسد ، رهط أبي سلمة ، فقالوا ‏‏:‏‏ لا والله ، لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فتجاذبوا بُنيَّ سلمة بينهم حتى خلعوا يده ، وانطلق به بنو عبدالأسد ، وحبسني بنو المغيرة عندهم ، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ ففرق بيني وبين زوجي وبين ابني ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح ، فما أزال أبكي ، حتى أمسى سنة أو قريبا منها حتى مر بي رجل من بني عمي ، أحد بني المغيرة ، فرأى ما بي فرحمنى فقال لبني المغيرة ‏‏:‏‏ ألا تخُرجون هذه المسكينة ، فرّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها ‏‏!‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقالوا لي ‏‏:‏‏ الحقي بزوجك إن شئت ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ و ردَّ بنو عبدالأسد إلي عند ذلك ابني ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ وما معي أحد من خلق الله ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ أتبلَّغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي ؛ حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، أخا بني عبدالدار ، فقال لي ‏‏:‏‏ إلى أين يا بنت أبي أمية ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ أريد زوجي بالمدينة ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ أوما معك أحد ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ لا والله ، إلا الله وبُني هذا ، قال ‏‏:‏‏ والله ما لك من مترك ، فأخذ بخطام البعير ، فانطلق معي يهوي بي ، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط ، أرى أنه كان أكرم منه ، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ، ثم استأخر عني ، حتى إذا نزلت استأخر ببعيري ، فحط عنه ، ثم قيده في الشجرة ، ثم تنحى عني إلى شجرة ، فاضطجع تحتها ، فإذا دنا الرواح ، قام إلى بعيري فقدمه فرحله ، ثم استأخر عني ، وقال ‏‏:‏‏ اركبي ‏‏.‏‏ فإذا ركبت واستويت على بعيري أتى فأخذه بخطامه ، فقاده ، حتى ينزل بي ‏‏.‏‏ فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة ، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء ، قال ‏‏:‏‏ زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلا - فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف راجعا إلى مكة ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فكانت تقول ‏‏:‏‏ والله ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة ، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة ‏‏.‏‏

هجرة عامر بن ربيعة و زوجه ، وهجرة بني جحش
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم كان أول من قدمها من المهاجرين بعد أبي سلمة ‏‏:‏‏ عامر بن ربيعة ، حليف بني عدي بن كعب ، معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم بن عبدالله بن عوف بن عبيد بن عدي بن كعب ‏‏.‏‏ ثم عبدالله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كثير بن غنم ابن دودان بن أسد بن خزيمة ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، احتمل بأهله وبأخيه عبد بن جحش ، وهو أبو أحمد - وكان أبو أحمد رجلا ضرير البصر ، وكان يطوف مكة ، أعلاها وأسفلها ، بغير قائد ، وكان شاعرا ، وكانت عنده الفرعة بنت أبي سفيان بن حرب ، وكانت أمه أميمة بنت عبدالمطلب بن هاشم - فغُلِّقت دار بني جحش ‏هجرة ، فمر بها عتبة بن ربيعة ، والعباس بن عبدالمطلب ، وأبو جهل ابن هشام بن المغيرة ، وهي دار أبان بن عثمان اليوم التي بالردم ، وهم مصعدون إلى أعلى مكة ، فنظر إليها عتبة بن ربيعة تخفق أبوابها يبابا ، ليس فيها ساكن ، فلما رآها كذلك تنفس الصعداء ، ثم قال ‏‏:‏‏
وكل دار وإن طالت سلامتها * يوما ستدركها النكباء والحُوب
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وهذا البيت لأبي دؤاد الإيادي في قصيدة له ‏‏.‏‏ والحوب ‏‏:‏‏ التوجع ، و هو في موضع آخر ‏‏:‏‏ الحاجة ؛ و يقال ‏‏:‏‏ الحوب ‏‏:‏‏ الإثم ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم قال عتبة بن ربيعة ‏‏:‏‏ أصبحت دار بني جحش خلاء من أهلها ‏‏!‏‏ فقال أبو جهل ‏‏:‏‏ وما تبكي عليه من قُلّ بن قُلّ ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ القل ‏‏:‏‏ الواحد ‏‏.‏‏ قال لبيد بن ربيعة ‏‏:‏‏
كل بني حرة مصيرهم * قُلّ وإن أكثرت من العددِ
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم قال ‏‏:‏‏ هذا عمل ابن أخي هذا ، فرق جماعتنا ، وشتت أمرنا ، وقطع بيننا ‏‏.‏‏ فكان منزل أبي سلمة بن عبدالأسد ، وعامر بن ربيعة ، وعبدالله بن جحش ، وأخيه أبي أحمد بن جحش ، على مبشر بن عبدالمنذر بن زنبر بقباء ، في بني عمرو بن عوف ، ثم قدم المهاجرون أرسالا ، وكان بنو غنم بن دوادن أهل إسلام ، قد أوعبوا إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرة رجالهم ونساؤهم ‏‏:‏‏ عبدالله بن جحش ، وأخوه أبو أحمد بن جحش ، وعُكَّاشة بن محصن ، وشجاع ، وعقبة ، ابنا وهب ، وأربد بن حُمَيِّرة ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ ابن حُمَيْرَة ‏‏.‏‏

هجرة بعض الرجال ونسائهم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ومنقذ بن نباتة ، وسعيد بن رقيش ، ومحرز بن نضلة ، ويزيد بن رقيش ، وقيس بن جابر ، وعمرو بن محصن ، ومالك بن عمرو ، وصفوان بن عمرو ، وثقف بن عمرو ، وربيعة بن أكثم ، والزبير بن عبيد ، وتمام بن عبيدة ، وسخبرة بن عبيدة ، ومحمد بن عبدالله بن جحش ‏‏.‏‏
هجرة نسائهم
ومن نسائهم ‏‏:‏‏ زينب بنت جحش ، وأم حبيب بنت جحش ، وجذامة بنت جندل ، وأم قيس بنت محصن ، وأم حبيب بنت ثمامة ، وآمنة بنت رقيش ، وسخبرة بنت تميم ، وحمنة بنت جحش ‏‏.‏‏

شعر أبي أحمد بن جحش في هجرة بني أسد
وقال أبو أحمد بن جحش بن رئاب ، وهو يذكر هجرة بني أسد بن خزيمة من قومه إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإيعابهم في ذلك حين دُعوا إلى الهجرة ‏‏:‏‏
ولو حلفت بين الصفا أم أحمد * ومروتها بالله برت يمينها
لنحن الأُلى كنا بها ثم لم نزل * بمكة حتى عاد غثا سمينها
بها خيمت غنم بن دودان وابتنت * وما إن غدت غنم وخفّ قطينها
إلى الله تغدو بين مثنى وواحد * ودين رسول الله بالحق دينها
وقال أبو أحمد بن جحش أيضا ‏‏:‏‏
لما رأتني أم أحمد غاديا بذمة * من أخشى بغيب وأرهبُ
تقول ‏‏:‏‏ فإما كنت لا بد فاعلا * فيمم بنا البلدان ولتنأ يثرب
فقلت لها ‏‏:‏‏ بل يثرب اليوم وجهنا * وما يشإِ الرحمن فالعبد يركب
إلى الله وجهي والرسول ومن يُقم * إلى الله يوما وجهه لا يخُيَّب
فكم قد تركنا من حميم مناصح * وناصحة تبكي بدمع وتندب
ترى أن وترا نأينا عن بلادنا * ونحن نرى أن الرغائب تطلب
دعوت بني غنم لحقن دمائهم * وللحق لما لاح للناس ملحب
أجابوا بحمد لله لما دعاهم * إلى الحق داع والنجاح فأوعبوا
وكنا وأصحابا لنا فارقوا الهدى * أعانوا علينا بالسلاح وأجلبوا
كَفوجَيْن ‏‏:‏‏ أما منهما فموفَّق * على الحق مهدي ، وفوج معذب
طغوا وتمنوا كذبة وأزلهَّم * عن الحق إبليس فخابوا وخُيِّبوا
ورِعْنا إلى قول النبي محمد * فطاب ولاة الحق منا وطُيبوا
نَمُتُّ بأرحام إليهم قريبة * ولا قرب بالأرحام إذ لا نُقرَّب
فأي ابن أخت بعدنا يأمنَّنكم * وأية صهر بعد صهريَ تُرقبُ
ستعلم يوما أينا إذ تزايلوا * وزُيِّل أمر الناس للحق أصوب
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ولتنأ يثرب ‏‏)‏‏ ، وقوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إذ لا نقرب ‏‏)‏‏ ، عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ يريد بقوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إذ ‏‏)‏‏ إذا ، كقول الله عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ إذ الظالمون موقوفون عند ربهم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ قال أبو النجم العجلي ‏‏:‏‏
ثم جزاه الله عنا إذ جزى * جنات عدن في العلاليِّ والعُلا

هجرة عمر وقصة عياش وهشام معه
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم خرج عمر بن الخطاب ، وعياش بن أبي ربيعة المخزومي ، حتى قدما المدينة ‏‏.‏‏ فحدثني نافع مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن عمر ، عن أبيه عمر بن الخطاب ، قال ‏‏:‏‏ اتعدت ، لما أردنا الهجرة إلى المدينة ، أنا وعياش بن أبي ربيعة ، وهشام ‏بن العاصي بن وائل السهمي التَّناضِبَ من أضاة بني غفار ، فوق سَرِف ، وقلنا ‏‏:‏‏ أينا لم يصبح عندها فقد حُبس فليمض صاحباه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب ، وحبس عنا هشام ، وفُتن فافتتن ‏‏.‏‏

أبو جهل و الحارث يغرران بعياش بن أبي ربيعة
فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء ، وخرج أبو جهل ابن هشام والحارث بن هشام إلى عياش بن أبي ربيعة ، وكان ابنَ عمهما وأخاهما لأمهما ، حتى قدما علينا المدينة ، ورسول الله صلى عليه وسلم بمكة ، فكلماه وقالا ‏‏:‏‏ إن أمك قد نذرت أن لا يمس رأسها مشط حتى تراك ، ولا تستظل من شمس حتى تراك ، فرق لها ، فقلت له ‏‏:‏‏ يا عياش ، إنه والله إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم ، فوالله لو قد آذى أمك القمل لامتشطت ، ولو قد اشتد عليها حر مكة لاستظلت ، قال ‏‏:‏‏ فقال ‏‏:‏‏ أبر قسم أمي ، و لي هنالك مال فآخذه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فقلت ‏‏:‏‏ والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالا ، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأبى علي إلا أن يخرج معهما ؛ فلما أبى إلا ذلك ؛ قال ‏‏:‏‏ قلت له ‏‏:‏‏ أما إذ قد فعلت ما فعلت ، فخذ ناقتي هذه ، فإنها ناقة نجيبة ذلول ، فالزم ظهرها ، فإن رابك من القوم ريب ، فانج عليها ‏‏.‏‏
فخرج عليه معهما ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق ، قال له أبو جهل ‏‏:‏‏ يا ابن أخي ، والله لقد استغلظت بعيري هذا ، أفلا تُعْقبني على ناقتك هذه ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ بلى ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فأناخ ، وأناخا ليتحول عليها ، فلما استووا بالأرض عدوا عليه ، فأوثقاه وربطاه ، ثم دخلا به مكة ، وفتناه فافتتن ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني به بعض آل عياش بن أبي ربيعة ‏‏:‏‏ أنهما حين دخلا به مكة دخلا به نهارا موثقا ، ثم قالا ‏‏:‏‏ يا أهل مكة ، هكذا فافعلوا بسفهائكم ، كما فعلنا بسفيهنا هذا ‏‏.‏‏

كتاب عمر إلى هشام بن العاصي
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وحدثني نافع ، عن عبدالله بن عمر ، عن عمر في حديثه ، قال ‏‏:‏‏ فكنا نقول ‏‏:‏‏ ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة ، قوم عرفوا الله ، ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم ‏‏!‏‏ قال ‏‏:‏‏ وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم ‏‏.‏‏
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، أنزل الله تعالى فيهم ، وفي قولنا وقولهم لأنفسهم ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، إن الله يغفر الذنوب جميعا ، إنه هو الغفور الرحيم ‏‏.‏‏ وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ‏‏.‏‏ واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال عمر بن الخطاب ‏‏:‏‏ فكتبتها بيدي في صحيفة ، وبعثت بها إلى هشام بن العاصي ، قال ‏‏:‏‏ فقال هشام بن العاصي ‏‏:‏‏ فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طُوى ، أُصعِّد بها فيه وأصوب ولا أفهمها ، حتى قلت ‏‏:‏‏ اللهم فهمنيها ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فألقى الله تعالى في قلبي إنما أنزلت فينا ، وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فرجعت إلى بعيري ، فجلست عليه ، فلحقت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة ‏‏.‏‏

خروج الوليد بن الوليد إلى مكة في أمر عياش وهشام
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ فحدثني من أثق به ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، وهو بالمدينة ‏‏:‏‏ من لي بعياش بن أبي ربيعة ، وهشام بن العاصي ‏‏؟‏‏ فقال الوليد بن الوليد بن المغيرة ‏‏:‏‏ أنا لك يا رسول الله بهما ، فخرج إلى مكة ، فقدمها مستخفيا ، فلقي امرأة تحمل طعاما ، فقال لها ‏‏:‏‏ أين تريدين يا أمة الله ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ أريد هذين المحبوسين - تعنيهما - فتبعها حتى عرف موضعهما ، وكانا محبوسين في بيت لا سقف له ؛ فلما أمسى تسور عليهما ، ثم أخذ مروة فوضعها تحت قيديهما ، ثم ضربهما بسيفه فقطعهما ، فكان يقال لسيفه ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ ذو المروة ‏‏)‏‏ لذلك ، ثم حملهما على بعيره ، وساق بهما ، فعثر فدميت أصبعه ، فقال ‏‏:‏‏
هل أنت إلا أصبع دميتِ * وفي سبيل الله ما لقيتِ
ثم قدم بهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ‏‏.‏‏ ‏

منازل المهاجرين بالمدينة
منزل عمر وأخيه ، وعمرو وعبدالله ابني سراقة ، وخنيس بن حذافة ، وبني البكير
قال ابن اسحاق ‏‏:‏‏ ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة ومن لحق به من أهله وقومه ، وأخوه زيد بن الخطاب ؛ وعمرو وعبدالله ابنا سراقة ابن المعتمر وخنيس بن حذافة السهمي - وكان صهره على ابنته حفصة بنت عمر ، فخلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده - وسعيد بن زيد عمرو بن نفيل ؛ وواقد بن عبدالله التميمي ، حليف لهم ؛ وخولي بن أبي خولي ؛ ومالك بن أبي خولي ، حليفان لهم ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أبو خولي ‏‏:‏‏ من بني عجل بن لجيم بن صعب بن علي ابن بكر بن وائل ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وبنو البكير أربعتهم ‏‏:‏‏ إياس بن البكير ، وعاقل بن البكير ، وعامر بن البكير ، وخالد بن البكير ، وحلفاؤهم من بني سعد ابن ليث ، على رفاعة بن عبدالمنذر بن زنبر ، في بني عمرو بن عوف بقباء ، وقد كان منزل عياش بن أبي ربيعة معه عليه حين قدما المدينة ‏‏.‏‏

منزل طلحة وصهيب
ثم تتابع المهاجرون ، فنزل طلحة بن عبيد الله بن عثمان ، وصهيب بن سنان ، على خبيب بن إساف ، أخي بلحارث‏ بن الخزرج بالسُّنْح ‏‏.‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ بل نزل طلحة بن عبيد الله على أسعد بن زرارة ، أخي بني النجار ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وذُكر لي عن أبي عثمان النهدي ، أنه قال ‏‏:‏‏ بلغني أن صهيبا حين أراد الهجرة قال له كفار قريش ‏‏:‏‏ أتيتنا صعلوكا حقيرا ، فكثر مالك عندنا ، وبلغت الذي بلغت ، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك ، والله لا يكون ذلك ؛ فقال لهم صهيب ‏‏:‏‏ أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ نعم ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فإني جعلت لكم مالي ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ ربح صهيب ، ربح صهيب ‏‏.‏‏

منزل حمزة وزيد وأبي مرثد وابنه وأنسة وأبي كبشة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ونزل حمزة بن عبدالمطلب ، وزيد بن حارثة ، وأبو مرثد كنَّاز بن حصن ‏‏.‏‏
- قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ ابن حصين - وابنه مرثد الغنويان ، حليفا حمزة بن عبدالمطلب ، وأنسة ، وأبو كبشة ، موليا رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم ، على كلثوم بن هدم ، أخي بني عمرو بن عوف بقباء ، ويقال ‏‏:‏‏ بل نزلوا على سعد بن خيثمة ؛ ويقال ‏‏:‏‏ بل نزل حمزة بن عبدالمطلب على أسعد بن زرارة ، أخي بني النجار ‏‏.‏‏ كل ذلك يقال ‏‏.‏‏

منزل عبيدة وأخيه الطفيل والحصين وغيرهم
ونزل عبيدة بن الحارث بن المطلب ، وأخوه الطفيل بن الحارث ، والحصين بن الحارث ، ومسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ، وسويبط بن سعد بن حريملة ، أخو بني عبدالدار ، وطليب بن عمير ، أخو بني عبد بن قصي ، وخباب ، مولى عتبة بن غزوان ، على عبدالله بن سلمة ، أخي بَلْعجلان بقباء ‏‏.‏‏

منزل عبدالرحمن بن عوف
ونزل عبدالرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع أخي بلحارث بن الخزرج ، في دار بلحارث بن الخزرج ‏‏.‏‏

منزل الزبير وأبي سبرة
ونزل الزبير بن العوام ، وأبو سبرة بن أبي رهم بن عبدالعزى ، على منذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح بالعصبة ، دار بني جحجبى ‏‏.‏‏

ميارى 28 - 8 - 2010 03:33 PM

السيرة النبوية / المجلد الثالث
 
المجلد الثالث ( تابع منازل المهاجرين بالمدينة )

منزل مصعب بن عمير
ونزل مصعب بن عمير بن هاشم ، أخو بني عبدالدار على سعد بن معاذ بن النعمان ، أخي بني عبدالأشهل ، في دار بني عبدالأشهل ‏‏.‏‏
منزل أبي حذيفة
ونزل أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وسالم مولى أبي حذيفة -
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ سالم مولى أبي حذيفة سائبة ، لِثُبَيتَة بنت يعار بن زيد بن عبيد بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، سَيَّبَتْه فانقطع إلى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة فتبناه ، فقيل ‏‏:‏‏ سالم مولى أبي حذيفة ‏‏.‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ كانت ثُبيتة بنت يعار تحت أبي حذيفة بن عتبة ، فأعتقت سالما سائبة ‏‏.‏‏ فقيل ‏‏:‏‏ سالم مولى أبي حذيفة -
منزل عتبة بن غزوان
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ونزل عتبة بن غزوان بن جابر على عباد بن بشر بن وقش أخي بني عبدالأشهل ، في دار عبدالأشهل ‏‏.‏‏
منزل عثمان بن عفان
ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت بن المنذر ، أخي حسان بن ثابت في دار بني النجار ، فلذلك كان حسان يحب عثمان ويبكيه حين قتل ‏‏.‏‏
وكان يقال ‏‏:‏‏ نزل الأعزاب من المهاجرين على سعد بن خيثمة ، وذلك أنه كان عزبا ، فالله أعلم أي ذلك كان ‏‏.‏‏
هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
سبب تأخر أبي بكر وعلي في الهجرة
وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يُؤذن له في الهجرة ، ولم يتخلف معه بمكة أحد من المهاحرين إلا من حُبس أو فتن ، إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر بن أبي قحافة الصديق رضي الله عنهما ، وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحبا ، فيطمع أبو بكر أن يكونه ‏‏.‏‏
قريش تتشاور في أمره عليه الصلاة و السلام
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صارت له شيعة وأصحاب من غيرهم بغير بلدهم ، ورأوا خروج أصحابه من المهاجرين إليهم ، عرفوا أنهم قد نزلوا دارا ، وأصابوا منهم منعة ، فحذروا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ، وعرفوا أنهم قد أجمع لحربهم ‏‏.‏‏ فاجتمعوا له في دار الندوة - وهي دار قصي بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمرا إلا فيها - يتشاورون فيها ما يصنعون في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين خافوه ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني من لا أتهم من أصحابنا ، عن عبدالله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبير أبي الحجاج ، وغيره ممن لا أتهم ، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال ‏‏:‏‏ لما أجمعوا لذلك ، واتعدوا أن يدخلوا في دار الندوة ليتشاوروا فيها في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، غدوا في اليوم الذي اتعدوا له ، وكان ذلك اليوم يسمى يوم الزحمة ، فاعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل ، عليه بتلة ، فوقف على باب الدار ، فلما رأوه واقفا على بابها ، قالوا ‏‏:‏‏ من الشيخ ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ شيخ من أهل نجد سمع بالذي اتعدتم له ، فحضر معكم ليسمع ما تقولون ، وعسى أن لا يُعدمكم منه رأيا ونصحا ، قالوا ‏‏:‏‏ أجل ، فادخل ، فدخل معهم ، وقد اجتمع فيها أشراف قريش ؛ من بني عبد شمس ‏‏:‏‏ عتبة بن ربيعة ، وشيبة بن ربيعة ، وأبو سفيان بن حرب ‏‏.‏‏ ومن بني نوفل بن عبد مناف ‏‏:‏‏ طعيمة بن عدي ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن عامر بن نوفل ‏‏.‏‏ ومن بني عبدالدار بن قصي ‏‏:‏‏ النضر بن الحارث بن كلدة ‏‏.‏‏ ومن بني أسد بن عبدالعزى ‏‏:‏‏ أبو البختري بن هشام ، وزمعة بن الأسود بن المطلب ، وحكيم بن حزام ‏‏.‏‏ ومن بني مخزوم ‏‏:‏‏ أبو جهل بن هشام ‏‏.‏‏ ومن بني سهم ‏‏:‏‏ نُبيه ومنبَّه ابنا الحجاج ، ومن بني جمح ‏‏:‏‏ أمية بن ‏خلف ، ومن كان معهم وغيرهم ممن لا يعد من قريش ‏‏.‏‏
فقال بعضهم لبعض ‏‏:‏‏ إن هذا الرجل قد كان من أمره ما قد رأيتم ، فإنا والله ما نأمنه على الوثوب علينا فيمن قد اتبعه من غيرنا ، فأجمعوا فيه رأيا ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فتشاوروا ، ثم قال قائل منهم ‏‏:‏‏ احبسوه في الحديد ، وأغلقوا عليه بابا ، ثم تربصوا به ما أصاب أشباهه من الشعراء الذين كانوا قبله ، زهيرا والنابغة ، ومن مضى منهم ، من هذا الموت ، حتى يصيبه ما أصابهم ‏‏.‏‏
فقال الشيخ النجدي ‏‏:‏‏ لا والله ، ما هذا لكم برأي ‏‏.‏‏ والله لئن حبستموه كما تقولون ليخرجن أمره من وراء الباب الذي أغلقتم دونه إلى أصحابه ، فلأوشكوا أن يثبوا عليكم ، فينزعوه من أيديكم ، ثم يكاثروكم به ، حتى يغلبوكم على أمركم ، ما هذا لكم برأي ، فانظروا في غيره ‏‏.‏‏
فتشاوروا ‏‏.‏‏ ثم قال قائل منهم ‏‏:‏‏ نخرجه من بين أظهرنا ، فننفيه من بلادنا ، فإذا أُخرج عنا ، فوالله ما نبالي أين ذهب ، ولا حيث وقع ، إذا غاب عنا وفرغنا منه ، فأصلحنا أمرنا وأُلْفتنا كما كانت ‏‏.‏‏
فقال الشيخ النجدي ‏‏:‏‏ لا والله ، ما هذا لكم برأي ، ألم تروا حُسْن حديثه ، وحلاوة منطقه ، وغلبته على قلوب الرجال بما يأتي به ، والله لو فعلتم ذلك ما أمنتم أن يحل على حي من العرب ، فيغلب عليهم بذلك من قوله وحديثه حتى يتابعوه عليه ، ثم يسير بهم إليكم حتى يطأكم بهم في بلادكم ، فيأخذ أمركم من أيديكم ، ثم يفعل بكم ما أراد ، دبروا فيه رأيا غير هذا ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فقال أبو جهل بن هشام ‏‏:‏‏ والله إن لي فيه لرأيا ما أراكم وقعتم عليه بعد ؛ قالوا ‏‏:‏‏ وما هو يا أبا الحكم ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أرى أن نأخذ من كل قبيلة فتى شابا جليدا نسيبا وسيطا فينا ، ثم نعطي كل فتى منهم سيفا صارما ، ثم يعمدوا إليه ، فيضربوه بها ضربة رجل واحد ، فيقتلوه ، فنستريح منه ‏‏.‏‏ فإنهم إذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل جميعا ، فلم يقدر بنو عبد مناف على حرب قومهم جميعا ، فرضوا منا بالعَقْل ، فعقلناه لهم ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ فقال الشيخ النجدي ‏‏:‏‏ القول ما قال الرجل ، هذا الرأي الذي لا رأي غيره ، فتفرق القوم على ذلك وهم مجمعون له ‏‏.‏‏
خروج النبي صلى الله عليه وسلم و استخلافه عليا على فراشه
فأتى جبريل عليه السلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏‏:‏‏ لا تَبِتْ هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ فلما كانت عتمة من الليل اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام ، فيثبون عليه ؛ فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانهم ، قال لعلي بن أبي طالب ‏‏:‏‏ نم على فراشي وتسجّ بِبُردي هذا الحضرمي الأخضر ، فنم فيه ، فإنه لن يخلص إليك شيء تكرهه منهم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام في برده ذلك إذا نام ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني يزيد بن زياد ، عن محمد بن كعب القرظي قال ‏‏:‏‏ لما اجتمعوا له ، وفيهم أبو جهل بن هشام ، فقال وهم على بابه ‏‏:‏‏ إن محمدا يزعم أنكم إن تابعتموه على أمره ، كنتم ملوك العرب والعجم ، ثم بُعثتم من بعد موتكم ، فجُعلت لكم جنان كجنان الأردن ، وإن لم تفعلوا كان له فيكم ذبح ، ثم بُعثتم من بعد موتكم ، ثم جعلت لكم نار تحُرقون فيها ‏‏.‏‏
قال ‏‏:‏‏ وخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذ حفنة من تراب في يده ، ثم قال ‏‏:‏‏ أنا أقول ذلك ، أنت أحدهم ‏‏.‏‏ وأخذ الله تعالى على أبصارهم عنه ، فلا يرونه ، فجعل ينثر ذلك التراب على رؤوسهم وهو يتلو هؤلاء الآيات من يس ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ يس والقرآن الحكيم ‏‏.‏‏ إنك لمن المرسلين ‏‏.‏‏ على ‏ صراط مستقيم ‏‏.‏‏ تنزيل العزيز الرحيم ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏‏‏.‏‏‏‏.‏‏ إلى قوله ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ فأغشيناهم فهم لا يبصرون ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات ، ولم يبق منهم رجل إلا و قد وضع على رأسه ترابا ، ثم انصرف إلى حيث أراد أن يذهب ، فأتاهم آت ممن لم يكن معهم ، فقال ‏‏:‏‏ ما تنتظرون ها هنا ‏‏؟‏‏ قالوا ‏‏:‏‏ محمدا ؛ قال ‏‏:‏‏ خيبكم الله ‏‏!‏‏ قد والله خرج عليكم محمد ، ثم ما ترك منكم رجلا إلا وقد وضع على رأسه ترابا ، وانطلق لحاجته ، أفما ترون ما بكم ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ فوضع كل رجل منهم يده على رأسه ، فإذا عليه تراب ، ثم جعلوا يتطلعون فيرون عليا على الفراش متسجيا بِبُرْد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولون ‏‏:‏‏ والله إن هذا لمحمد نائما ، عليه برده ‏‏.‏‏ فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا فقام علي رضي الله عنه عن الفراش ، فقالوا ‏‏:‏‏ والله لقد كان صدقنا الذي حدثنا ‏‏.‏‏
ما نزل من القرآن في تربص المشركين بالنبي صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان مما أنزل الله عز وجل من القرآن في ذلك اليوم ، وما كانوا أجمعوا له ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ وإذ يمكر بك الذين كفروا لِيُثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله ، والله خير الماكرين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏ وقول الله ‏عز وجل ‏‏:‏‏ ‏‏(‏‏ أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ‏‏.‏‏ قل تربصوا فإني معكم من المتربصين ‏‏)‏‏ ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ المنون ‏‏:‏‏ الموت ‏‏.‏‏ وريب المنون ‏‏:‏‏ ما يريب ويعرض منها ‏‏.‏‏ قال أبو ذؤيب الهذلي ‏‏:‏‏
أمن المنون وريبها تتوجَّع * والدهر ليس بمعتب من يجزع
وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وأذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عند ذلك في الهجرة ‏‏.‏‏
أبو بكر يطمع في مصاحبة النبي في الهجرة ، و ما أعد لذلك
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وكان أبو بكر رضي الله عنه رجلا ذا مال ، فكان حين استأذن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لا تعجل ، لعل الله يجد لك صاحبا ، قد طمع بأن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما يعني نفسه ، حين قال له ذلك ، فابتاع راحلتين ، فاحتبسهما في داره ، يعلفهما إعدادا لذلك ‏‏.‏‏
حديث الهجرة إلى المدينة
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني من لا أتهم ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت ‏‏:‏‏ كان لا يخطئ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار ، إما بكرة ، وإما عشية ، حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، والخروج من مكة من بين ظهري قومه ، أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة ، في ساعة كان لا يأتي فيها ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فلما رآه أبوبكر ، قال ‏‏:‏‏ ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الساعة إلا لأمر حدث ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فلما دخل ، تأخر له أبو بكر عن سريره ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ أخرج عني من عندك ؛ فقال ‏‏:‏‏ يا رسول الله ، إنما هما ابنتاي ، وما ذاك ‏‏؟‏‏ فداك أبي وأمي ‏‏!‏‏ فقال ‏‏:‏‏ إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة ‏‏.‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فقال أبو بكر ‏‏:‏‏ الصحبة يا رسول الله ؛ قال ‏‏:‏‏ الصحبة ‏‏.‏‏
قالت ‏‏:‏‏ فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح ، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ ، ثم قال ‏‏:‏‏ يا نبي الله ، إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا ‏‏.‏‏
فاستأجرا عبدالله بن أرقط - رجلا من بني الدئل بن بكر ، وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو ، وكان مشركا - يدلهما على الطريق ، فدفعا إليه راحلتيهما ، فكانتا عنده يرعاهم لميعادهما ‏‏.‏‏
من علم بأمر هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ولم يعلم فيما بلغني ، بخروج رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ، حين خرج ، إلا علي بن أبي طالب ، وأبو بكر الصديق ، وآل أبي بكر ‏‏.‏‏
أما علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - أخبره بخروجه ، وأمره أن يتخلف بعده بمكة ، حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع ، التي كانت عنده للناس ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده ، لما يُعلم من صدقه وأمانته صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏
قصة الرسول صلى الله عليه و سلم مع أبي بكر في الغار
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج ، أتى أبا بكر بن أبي قحافة ، فخرجا من خوخة لأبي بكر في ظهر بيته ، ثم عمدا إلى غار بثور - جبل بأسفل مكة - فدخلاه ، وأمر أبو بكر ابنه عبدالله بن أبي بكر أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما نهاره ، ثم يأتيهما إذا أمسى بما يكون في ذلك اليوم من الخبر ؛ وأمر عامر بن فُهيرة مولاه أن يرعى غنمه نهاره ، ثم يُريحها عليهما ، يأتيهما إذا أمسى في الغار ‏‏.‏‏ وكانت أسماء بنت أبي بكر تأتيهما من الطعام إذا أمست بما يُصلحهما ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وحدثني بعض أهل العلم ، أن الحسن بن أبي الحسن البصري قال ‏‏:‏‏ انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر إلى الغار ليلا ، فدخل أبو بكر رضي الله عنه قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلمس الغار ، لينظر أفيه سبع أو حية ، يقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ‏‏.‏‏
من قام بشأن الرسول صلى الله عليه وسلم في الغار
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثا ومعه أبو بكر ، وجعلت قريش فيه حين فقدوه مائة ناقة ، لمن يرده عليهم ‏‏.‏‏ وكان عبدالله بن أبي بكر يكون في قريش نهاره معهم ، يسمع ما يأتمرون به ، وما يقولون في شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر ، ثم يأتيهما إذا أمسى فيخبرهما الخبر ‏‏.‏‏
وكان عامر بن فهيرة ، مولى أبي بكر رضي الله عنه ، يرعى في رُعْيان أهل مكة ، فإذا أمسى أراح عليهما غنم أبي بكر ، فاحتلبا وذبحا ، فإذا عبدالله بن أبي بكر غدا من عندهما إلى مكة ، اتبع عامر ‏ بن فهيرة أثره بالغنم حتى يعفِّي عليه ، حتى إذا مضت الثلاث ، وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه ببعيرَيْهما وبعير له ، وأتتهما أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها بسفرتهما ، ونسيت أن تجعل لها عصاما ، فلما ارتحلا ذهبت لتعلق السفرة ، فإذا ليس لها عصام ، فتحلّ نطاقها فتجعله عصاما ، ثم علقتها به ‏‏.‏‏

سبب تسمية أسماء بذات النطاق
فكان يقال لاسماء بنت أبي بكر ‏‏:‏‏ ذات النطاق ، لذلك ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وسمعت غير واحد من أهل العلم يقول ‏‏:‏‏ ذات النطاقين ‏‏.‏‏ وتفسيره ‏‏:‏‏ أنها لما أرادت أن تعلق السفرة شقت نطاقها باثنين ، فعلقت السفرة بواحد ، وانتطقت بالآخر ‏‏.‏‏

أبو بكر يقدم راحلة للرسول صلى الله عليه و سلم
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلما قرب أبو بكر ، رضي الله عنه ، الراحلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قدم له أفضلهما ، ثم قال ‏‏:‏‏ اركب ، فداك أبي وأمي ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إني لا أركب بعيرا ليس لي ؛ قال ‏‏:‏‏ فهي لك يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ؛ قال ‏‏:‏‏ لا ، ولكن ما الثمن الذي ابتعتها به ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ كذا وكذا ؛ قال ‏‏:‏‏ قد أخذتها به ؛ قال ‏‏:‏‏ هي لك يا رسول الله ‏‏.‏‏ فركبا وانطلقا وأردف أبو بكر الصديق رضي الله عنه عامر بن فهيرة مولاه خلفه ، ليخدمهما في الطريق ‏‏.‏‏

أبو جهل يضرب أسماء
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحُدثت عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت ‏‏:‏‏ لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه ، أتانا نفر من قريش ، فيهم أبو جهل بن هشام ، فوقفوا على باب أبي بكر ، فخرجت إليهم ؛ فقالوا ‏‏:‏‏ أين أبوك يا بنت أبي بكر ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ قلت ‏‏:‏‏ لا أدري والله أين أبي ‏‏؟‏‏ قالت ‏‏:‏‏ فرفع أبو جهل يده ، وكان فاحشا خبيثا ، فلطم خدي لطمة طرح منها قرطي ‏‏.‏‏

خبر الهاتف من الجني الذي تغنى بمقدمه صلى الله عليه وسلم
قالت ‏‏:‏‏ ثم انصرفوا ‏‏.‏‏ فمكثنا ثلاث ليال ‏‏.‏‏ وما ندري أين وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أقبل رجل من الجن من أسفل مكة ، يتغنى بأبيات من شعر غناء العرب ، وإن الناس ليتبعونه ، يسمعون صوته وما يرونه ، حتى خرج من أعلى مكة وهو يقول ‏‏:‏‏
جزى الله ربُّ الناس خير جزائه * رفيقين حلا خيمتَيْ أم معبدِ
هما نزلا بالبر ثم تروَّحا * فأفلح من أمسى رفيق محمد
ليهنِ بنو كعب مكانُ فتاتهم * ومقعدها للمؤمنين بمرصد

نسب أم معبد
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أم معبد بنت كعب ، امرأة من بني كعب ، من خزاعة ‏‏.‏‏ وقوله ‏‏(‏‏ حلا خيمتي ‏‏)‏‏ و ‏‏(‏‏ هما نزلا بالبر ثم تروحا ‏‏)‏‏ عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏
قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ قالت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ‏‏:‏‏ فلما سمعنا قوله ، عرفنا حيث وَجْه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن وجهه إلى المدينة وكانوا أربعة ‏‏:‏‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه ، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر ، وعبدالله بن أرقط دليلهما ‏‏.‏‏
قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ويقال ‏‏:‏‏ عبدالله بن أُرَيْقط ‏‏.‏‏



الساعة الآن 03:56 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى