منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   التوبة والاستغفار (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8743)

ميارى 27 - 7 - 2010 11:26 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 21

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿27﴾ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴿28﴾ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴿29﴾الأنفال)
كيف نُشعِر الناس أن بعض تصرفاتهم التي يرونها بسيطة فيها خيانة لله تعالى؟ لن ننال هذا الفضل العظيم في الدنيا والآخرة إلا إذا كانت تصرفاتنا حتى البسيطة منها بعيدة عن خيانة الله سبحانه وتعالى. كيف يتصرف الإنسان إذا عمل عملاً بسيطاً فيه خيانة للناس وهو في جوهره خيانة لله تعالى؟
قوله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) خيانة الرسول صلى الله عليه وسلم خيانة لله تعالى لأنه صلى الله عليه وسلم مبلّغ عن الله تعالى وخيانة الناس خيانة لله وللرسول لأنه خيانة للمنهج الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلموفي قلب المنهج الذي أمر به الله تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) النساء) فساعة تخون أهلها فأنت تخون الله والرسول لأن الذي جاء لك بالآية هو الرسول صلى الله عليه وسلم نقلاً عن الله تبارك وتعالى. هي سلسلة تبدأ الخيانة أن يخون الإنسان أحد الناس هذه مبدئياً خيانة للرسول صلى الله عليه وسلمولله تبارك وتعالى أو خيانة لله وللرسول لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أتى بالمنهج من الله تبارك وتعالى الذي شرّع المنهج وأمر به وفي المنهج يقول لنا تعالى (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، وقلنا أن هذه الأمانة لا صك فيها ولا ورقة. المؤتَمَن يجب أن يؤدي وإلا يكون قد خان الله تعالى وخان رسوله وخان الأمانة وخان نفسه أنه ضيّعها ودخل النار. الذي يطلق نفسه في الخيانة فلا مردّ له. والبعض قد يكون عليه إيصال وتوقيع ومع ذلك يخون الأمانة. في القانون الوضعي يحاسب المجرم على الجريمة الظاهرة لكن نسينا أن هذه الجريمة الظاهرة وراءها جرائم صغيرة لا يعاقب عليها القانون وإنما يعاقب عليها الله تعالى. القتل بعيار ناري مثلاً جريمة يحاسبه القانون على الجريمة الظاهرة وهي القتل ولكن يكون تحتها جرائم أخرى لا ينظر إليها القانون ولا يعاقب عليها مثل من أين اشترى القاتل المسدس؟ وهل إشتراه أم سرقه؟ إن سرقه فخي جريمة وإن اشتراه بدون ترخيص فهي جريمة، وهل اشتراه بترخيص أو بدون ترخيص؟ وهل المال الذي اشترى به مسروق أصلاً؟ لكن يوم القيامة الله تعالى يحاسبه لا على جريمة القتل العام فقط على كل الجرائم لأن الذي يحاسبك الذي لا يغفل ولا ينام. والقانون الوضعي قاصر لأنه لا يحساب إلا على الجرائم الظاهرة وأقصى الحالات أن يعاقب القانون على جريمة القتل وجريمة حوزة سلاح بدون ترخيص. الدنيا كلها قصور أما في الآخرة فلا قصور فيها ومهما كان القانون الوضعي فهو لم ولن يكون كقانون رب السماء ساعة يحكم.
كيف تكون خيانة الناس خيانة لله تعالى؟ لأن الله تعالى هو الذي أنزل المنهج (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) إن الله يأمركم فهذا أمر فلما تخونها أي أنك خنت صاحب الأمر قبل صاحب الحق وتكون قد خنت نفسك أيضاً لأن الخيانة ليست جزئية واحدة ولكنها جزئيات كثيرة تتفرع لكنها في النهاية تكون قد خنت الله تعالى وهذه أكبر كلمة نعرفها وخنت الرسول صلى الله عليه وسلم وخيانة الرسول صلى الله عليه وسلم كبيرة لكنها تبقى أقل من خيانة الله تعالى وخنت الرجل والرجل يقول حسبي الله ونعم الوكيل فوّض أمره إلى الله. قد تخون شخصاً فلا يستمر في القضاء ويقول لك حسبي الله ونعم الوكيل فالذي يخاف الله عليه أن يخاف من هذا المظلوم الذي خانه ويعود إلى ربه ويتوب لأن هذا المظلوم فوّض الأمر إلى الله والثاني خاف من الله فعاد لذا من عرف الله خافه. ونحن بحاجة لأصناف البشر الذي يعتقدون فعلاً أن يلجأوا إلى الله تعالى ويفوضوا أمرهم له ونحتاج لصنف البشر الذي يخاف عندما يُذكَّر بالله تعالى فيتوب ويعود إلى الله تعالى. فإذا خانك أحدهم أو ظلمك فقل: وأفوّض أمري إلى الله ولا تعبأ بما في الدنيا فالدنيا ممر بالنسبة للمسلم المؤمن المفوض أمره إلى الله تعالى والناس للأسف تستبعد يوم القيامة مع أنه ومنذ أربعة عشر قرناً والرسول صلى الله عليه وسلمويقول أن الساعة اقتربت ويقول تعالى (إنهم يرونه بعيداً ونراه قريبا) لذا نجح وربح من فوّض أمره إلى الله تعالى. الخيانة ظلمة على الظالم ونور على المظلوم ويوم الحساب تأخذ حسنات الذي خانك وظلمك وإن لم تبق لديه حسنات تطرح عليه من سيئاتك لذا علينا أن نصلح ما بيننا وبين الله تعالى حتى يصلح ما بيننا وبين الناس. نحن في حالة توبة وليس في عملية توبة لأن عملية التوبة لحظية أقول تبت إلى الله وسرعان ما يعود إلى المعصية أما حالة التوبة فهي أدوم (منيبين إليه واتقوه) منيبين لا تعني فقط رجعت وإنما رجعت وعدت ووصلت وحالة الإنابة تحتاج للتقوى. وقد جاء في مطلع الكتاب (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) فشرط هداية الكتاب التقوى بدليل أنه تعالى وصّف لنا حال المتقين حتى نلزمه لأنه لو لم يوصّفه ما كنا سنعرف كيف نكون من المتقين. وتوصيفهم مرتب بشكل متميز، قال تعالى (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة) ولم يقل يؤدّونها، (ومما رزقناهم ينفقون)، (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وأنزل من قبلك) إيمانهم سابق ولاحق (وبالآخرة هم يوقنون) إنتبه ولا تخون، (أولئك على هدى من ربهم) على هدى فيها إستعلاء للهدى كأن الهدى مطيّة للمتقين تذهب بها للجنة كما أن الشيطان والضلال مطيّة للعاصين ليكونوا على ضلال فيدخلوا النار. (وأولئك هم المفلحون) الفلاح ضد الضلال.
سؤال: (لا تخونوا الله وأنت تعلمون، واعلموا إنما أموالكم وأولادكم فتنة) لماذا بدأت الآية الثانية بـ (إعلموا) بعدما قيل في الأولى وأنتم تعلمون؟ ولماذا جاء ذكر الأموال قبل الأولاد؟ وكيف أن الأموال والأولاد يتحولون إلى فتنة؟
وأنت تعلمون لأنه لا توجد خيانة بجهل وإنما قد توجد خيانة بجهالة وهناك فرق كبير بين الجهل والجهالة. الجهل هو عدم العلم لا أعرف أن هذا حرام وهذا مستحيل لأنه كون الخائن أو العاصي يختبئ عند خيانته أو معصيته فهو يعلم أنها خيانة. أما الجهالة فهي السفه والحمق الذي مع العلم يأتي الجريمة التي عليها عقوبة. لو أن أحدهم سرق فمعروف أن السرقة حرام لكن البعض لا يفرق بين السرقة والرشوة والعمولة والإكرامية ويلتبس عليه الأمر ويقول أنا آخذ لأنهي العمل وهي إكرامية أو عملوة فهل لو كانت ملتبسة تدخل في الجهالة؟ وهؤلاء نقول لهم إذا كانت الرشوة ملتبسة عليك تدخل في بند الجهل لا تحت بند الجهالة قد يلتبس عليه تسويفاً أو تزييناً. لكن الرشوة ليست ملتبسة عليه لكنه يريد أن يلبّسها عليك أنه ساعة عملها لم تكن رشوة. الرسول صلى الله عليه وسلم قال جملة لو لم يكن لها وقع ما قالها وهي: "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات" وإذا إلتبس عليك الأمرٌ في المتشابه فاسمع قوله صلى الله عليه وسلم: " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" هذا منهج ومبدأ. هناك رأيين فقهيان لا تأخذ بالسهل وإنما خذ بالأحوط وقد نفتي لشخص بأمر وأعمل أنا بالأحوط وقد تفتي لشخص بأمر ويأخذ هو بالأحوط لييسر على نفسه يوم القيامة. الرسول صلى الله عليه وسلم كان ما خُيّر بين أمرين إلا إختار أيسرهما، الناس فهمت أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الأيسر له والأيسر هنا هو الأيسر إلى الجنة وهو ميسر على الأمة ولا تعني أنه كان يختار الأسهل هو ييسر على الأمة وإلا لما تورمت قدماه صلى الله عليه وسلممن قيام الليل فمن منا تورمت قدماه من القيام؟ ومعلوم أن تورم القدمين لا يتأتى من قيام ليلة واحدة أو شهر وإنما قيام مستمر ليالي متواصلة قيام بجهد وبحب ورضى وتعبد ومشقة. وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم واضح لما يقول "الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات" البعض يأخذ بالأمور المتشابهات لكن الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه قال في الحديث الآخر " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". فإذا كنت تشك أنها رشوة أو إكرامية إحتاط واعتبرها رشوة وارفضها لأن المال فتنة لأنه عندما تسأل المرتشي لماذا إرتشى يقول لك من أين أحضر المال والمعيشة صعبة؟ ولكن هذا كله لا يجيز الغش والرشوة والسرقة لكن إبحث عن عمل آخر والله تعالى ييسر على من يشاء فقد ترى موظفاً بسيطاً لكن الله تعالى يبارك له في ماله ورزقه وييسر له عملاً آخر إضافياً. البعض يشتكي ويعترض على مسألة المدرسين الخصوصيين وأنا لا أدافع عنهم وإنما أقول لم تضيقون على الناس فهو يقوم بمهنته ليحصل على مزيد من المال فهل تريدونه أن يعمل عملاً آخر في غير مهنته؟ المدرس كالطبيب والمهندس، مسألة المال هي مسألة بني عليها فساد الأمة وهذه قضية كبيرة وعملية الإصلاح يجب أن تبدأ من الأسفل، من القاعدة. مدير المدرسة مثلاً عليه أن يحسن إختار المدرسين لأنه لم يفعل تكون خيانة لله والرسول ولولي الأمر ولو أن المدرس شرح بطريقة غير صحيحة لكي يجبر الطلاب الذين لا يفهمون الدرس أن يأخذوا لديه دروساً خصوصية فهذه خيانة أيضاً. الأفضل أن يعطي المدرس دروساً خصوصية بدل أن يفعل شيئاً آخر ليحصل على المال أو يعمل عملاً لآخر غير مهنته. الخيانة خيانة في كل أمر وفي كل فعل والخائن سيحاسب إن لم يكن في الدنيا ففي الآخرة ولا يمكن ضبط العقاب على الدروس الخصوصية لأن العلاج غير صحيح.
عليك أن تتحرى الحلال بقدر إمكانك ولذلك قال تعالى (فاتقوا الله ما استطعتم) المولى تعالى هو وحده القادر على تحديد مدى استطاعتك وصدقك. البعض يقول أن هذه الآية تخفيف لقوله تعالى (واتقوا الله حق تقاته) لكني شخصياً لا أعتقد أن هذه الآية تخفيف كما قال بعض العلماء. من يعلم (حق تقاته) كيف أعرفه وكيف أعلم أني بذلت حق تقاته؟ الآية الثانية في ظاهرها تخفيف للآية الأولى لكنها في الحقيقة توريط لي فقوله تعالى (ما استطعتم) لا تعني على قدر استطاعتك وإنما تعني كلما استطعت. (ما استطعت) تفتح أبواباً أكثر ولا يمكن أن تقول لله تعالى عملت ما استطعت لأنه تعالى وحده يعلم صدقك وقدر استطاعتك. هناك شهود علينا يوم القيامة فلا يمكن أن نقول كاذبين عملنا قدر استطاعتنا. قضية البشر أن تحتج بالآيات في غير مواضعها. الذي يخرج قبل الدوام خيانة والموظف الذي يوقّع عن غيره خيانة والكاذب خائن وقلنا أن الخيانة من خون مبنية على النقض والأمانة ضدها الخيانة لذا بدأ تعالى الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لأنه مستحيل أن الخيانة غير معروفة. أما قوله تعالى (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) قد تكون غير معروفة لذا نحتاج إلى لفت نظر للعلم. واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وإن كنت استشعرت غير ذلك أو بدا لك غير ذلك أو غرتك الدنيا أو أنستك الأحداث لذا قال تعالى (واعلموا).
سؤال: ينبه الله تبارك وتعالى أن الرزق المفروض أنه حلال ويكون في ظاهره نعيم لكن لو أسأت استعماله يتحول الأموال والأولاد إلى فتنة وإلى سبب يجعلنا نخون الله أو الرسول أو الأمانة بسبب شهوة الأموال والأولاد. فلماذا الأولاد فتنة؟
لأنها تدفع للخيانة. البعض يسرق ويقول أنا سرقت لأترك مالاً لأولادي لما أموت وأساس المال فتنة لك ولهم. لكن نسأله: هل تترك لأولادك وأسرتك مالاً حراماً؟ الأفضل أن لا تترك لهم شيئاً لأنك ستأثم والله تعالى لا يقبل حراماً ولا يمكن للحرام أن يُصرف في حلال ولا الحلال يصرف في حرام "إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً". إذا تركت لأولادك مالاً حراماً لن يستفيدوا منه معرفتهم أنه حرام وعدم معرفتهم تؤثر في حق استخدامه، وإذا عرفوا أنه حرام لا يجب عليهم استخدامه. يذكر في الأثر أن الميت وهو خارج من بيته ينادي بأعلى صوته من عالم البرزخ : يا أهل بيتي، يا أولادي، لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي، جمعت لكم المال من حلِّه وحرامه تركته لكم تستمتعون به بعدي وسأُسأل عنه وحدي أمام الله يوم القيامة. جمع المال على أنه يسعد أولاده لكنه في الحقيقة يتعبهم ويتعب نفسه لأنه خان الأمانة وخان الله والرسول ليأتي بمال لأولاده. القرآن يقول (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) ذكرنا سابقاً أن معنى الفتنة هو عرض بعض المعادن على النار ليظهر الخبيث من الطيب فصاحب المعدن الطيب يدخل الفتنة ويخرج طيّباً ناجحاً بالمال والأولاد لأن الفتنة عاقبتها سيئة على المعدن الرخيص أما المعدن الثمين فيخرج من النار ثميناً فالذهب ذهب والفضة فضة. لذا يجب أن يتحرى الإنسان المال الحلال وكل إنسان يحاسب عن نفسه (إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا) (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل ولا تزر وازرة وزر أخرى) (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) حتى تعلموا ولذا قال تعالى (لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون). فإذا شك أحدنا في نص من النصوص عندما نحقق نصاً يشك في نفسه أنه لم يفهم النص قبل أن تشك في النص حتى لا تشوهه، فما بالنا بالقرآن الكريم فإيانا أن يتسرب لأنفسنا أن هناك شيء غير منضبط في القرآن لأن القرآن كله ككتاب متنسج متوافق منضبط مترابط متناسق فإن بدا لك شيء فهو من سوء فهمنا له. لكن عندما يقول (وأنتم تعلمون) يقول أحدهم هناك خيانة تتم ونحن لا نعلم لكن الذي يدّعي عدم العلم يعلم والذي يدّعي العلم يعلم. لا أحد يذنب على الملأ فلا يسرق أحدهم جهاراً وإنما يسرق خفية لأنه يعلم أنها خيانة والذي يقتل يخون الله تعالى لأن الله تعالى قال (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) هذه خيانة لله والرسول وخيانة للأمانة. حتى إذا سلّم القاتل نفسه يبقى خائناً لأنه خان الله تعالى الذي أمرك بعد قتل النفس بغير حق. (إلا بالحق) البعض يفهمها أنه يمكن لشخص أن يقتل القاتل لكنها تعني أن الذي يقتص هو ولي الأمر وليس كل إنسان يأخذ حقه بيده وإلا نكون في غابة. قد يقتل شخص ما قريبي هذه حقيقة أنه قاتل وليس حقاً أن أقتله هناك فرق بين الحقيقة والحق هو قاتل وله عقاب والمشكلة أن البعض لا يبلّغ عن الجريمة إلا بعد أن يثأر بنفسه للمقتول. (إلا بالحق) هو الحق بعينه فالذي يأخذ الحق هو ولي الأمر والبعض يتهم الشرطة والقضاء بالتقصير فيخرج القاتل براءة أو يأخذ حكماً مخففاً لا يعجب أهل القتيل فيدخل أهل المقتول أحداً للسجن فيقتل القاتل وهذا خطأ فالقاضي يحكم بما لديه من أدلة وقد تعرض نفس القضية على أكثر من قاضي وكل منهم يقضي بعقوبة تختلف عن الآخر والمشكلة لا تكون في القاضي وإنما في القوانين الوضعية فكل منهم حكم بما أراه الله تعالى وبما لديه من أدلة حكم الدنيا ليس عليه شيء لكن يجب أن نتقي الله تعالى في حكم الآخرة. ليس لي الحق أن آخذ حقي من القاتل وإنما علي أن آخذ حقي كما أمر الله تبارك وتعالى بالعودة لولي الأمر ولو لم آخذ حقي في الدنيا سآخذه في الآخرة. والقانون الوضعي قاصر والقضاة يحكمون ببشريتهم لكن في الآخرة الله تعالى هو الرقيب (لا ظلم اليوم).
تقديم الأموال على الأولاد في الآية لأنه لا يمكن أن يأتي الأولاد بدون أموال لكنك بدون أموال لن تتزوج وقد يكون عندك أموال ولكنك لا تنجب. المال مقدم لأنه واقع تحت بند الضرورة والباءة التي يقام بها الزواج الذي منه يأتي الأولاد.
في آية أخرى قال تعالى (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14) آل عمران) هذا اعتراض بعض المفسرين على تقديم الأولاد في الآية السابقة لكن نقول لهم أن الله تعالى هنا لا يتكلم عن المال وإنما يتكلم عن التزيين بالمال. وتقدم ذكر النساء لأنه لولا النساء ما كان البنين، والقناطير المقنطرة لا تعني مالاً فالمال موجود وإنما تزوّد من المال وهو لا يريد مالاً فقط وإنما يريد قناطير مقنطرة من المال ويزيد. الرسول r قال: " من استطاع منكم الباءة فليتزوج" كل واحد على قدر استطاعته. فآية سورة آل عمران تتحدث عن التزيين حب الزيادة في المال فالمال موجود قبل النساء والذي عنده مال وأولاد يحذرهم. أما في آية الأنفال فالأموال مقدمة على الأولاد ويجب أن أحذره والقرآن الكريم ليس فيه تعارض لكن بعض المفسرين اعتبر أن القناطير المقنطرة مالاً ولكن الآية تتكلم عن القناطير المقنطرة من المال، يريد الملايين تصل إلى مليارات فهو يتزيد من داخل المال لكن المال ضرورة للنساء ليفتح بيتاً ولو على الأقل صغيراً. المال مقدم بدليل أنه قال النساء وهنا يتكلم على شهوة المال موجود افتراضاً. المال والأولاد أخص فتنة تؤدي إلى الخيانة لأن بسببهما تتم الخيانة. والخيانة إذا وقعت تحتاج إلى توبة وإنابة وتقوى ولذا نحن نتكلم عن كل الآيات الدافعة إلى المعاصي التي يجب أن نتوب منها وإذا تبنا يجب أن نبقى على حالة الإنابة وقلنا أن الذي ينيب يتقي فأعطانا نتيجة التوبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا).
بُثّت الحلقة بتاريخ 14/11/2008م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:32 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 22
تقديم علاء بسيوني
علاقة التقوى بالتوبة:
ما هي أهمية التقوى في قوله تعالى (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ)؟ ولماذا التقوى مهمة بعد عملية التوبة والإنابة؟ وكيف نصل إلى التقوى؟
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) الأنفال)
أسلوب الشرط في الآية (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) ما معنى الفرقان هنا؟ وإذا كان الفرقان بمعنى القرآن فلماذا استخدم الفعل (ويجعل) ولم يقل (وينزّل)؟
الفرقان كلمة تستخدم في أكثر من معنى وعلى رأس هذه المعاني القرآن. (سُميت التوراة والقرآن فرقاناً) الفرقان معناه بإطلاق هو التفريق بين أمرين، التفريق العادي تقول فرّق لكن إذا كان التفريق لا يحصل بعده أي إتصال بين الأمرين يسمى فرقان. في قوله تعالى (يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) بعض المفسرين قالوا يوم الفرقان أي يوم بدر لكن أهل اللغة قالوا لا لأنه لو كان كذلك لما انهزم المسلمون بعده لأنه لا يحصل بعد الفرقان إنتكاسة. يوم الفرقان هو يوم القرآن يوم التقى الجمعان اليوم واحد وإن اختلفت السنون. الفرقان لما يتم لا يحصل إتصال في التفريق بين الأمرين. فهو الكتاب سواء كان التوراة أو القرآن (أطلق القرآن على التوراة والقرآن إسم الفرقان ولم يطلق على الإنجيل لأنه ليس كتاباً مستقلاً وإنما جاء ليتمم التوراة). أخصّ الفرقان هو القرآن يليه التوراة ثم بعض إطلاقات التفريق.
لم يقل (ينزّل) مع كلمة الفرقان لأنه نزل وانتهى. استخدم الفعل (يجعل) كأن الفرقان يحتاج إلى فرقان إستخدام. قلنا أن القرآن لما نزل إتبعه أناس ولم يتبعه آخرون. فالفرقان بحاجة إلى فرقان يهدي إلى الفرقان. الآية تقول (إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) الشيء المعلّق عليه الشرط فيه ظن أو شك وهذا يستحيل في حق الله تعالى. ليس المعنى لو إتقيتم سيجعل الله لكم فرقاناً وإنما العفل المضارع في حق الله تعالى من حيث المتلقي وليس من حيث الوقوع لأنه سبحانه جعل وانتهى، ليس هناك شيء في حق الله حادث وإنما أزلي، هو حادث بالنسبة لنا نحن البشر. الآية في منتهى الإبداع: إستخدم فعل (جعل) لأن الفرقان في هذه الآية لا يعني الكتاب فالكتاب نزل من قبل. (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) يا أيها الذين آمنوا بالفرقان الأول إتقوا الله، الفرقان هنا في الآية هو الهداية التي تفرق في قلبك بين الحق والباطل فتأخذ الفرقان. النداء بـ يا أيها الذين آمنوا أي أن الله تعالى أثبت لهم الإيمان ومع ذلك يقول لهم يمكن أن يحصل إنتكاسة فإلزم المعيّة إذا تبت وأنبت إبقَ في حالة إنابة بشرط الوقاية. البعض يقول أُذنبت وتبت ولكني عدت إلى الذنب فنقول له أنت ما تبت، وأكبر دليل على أنه لم يتب أنه يرجع للذنوب. كلمة التوبة وردت في القرآن من غير إضافة ووردت (توبة نصوحا) كأنها هي التوبة التي يجب أن نفعلها وهي التي عليها الأجر. يمكن أن يكون هناك مؤمنين غير متّقين. أن تتقي أي أن تطلب الوقاية وتسعى أنت إليها فالهداية لا تأتي إليك وأنت جالس وإنما أنت تبحث عنها والله تعالى يوفقك ويعينك وطالما أنك فكرت بالتوبة يتوب الله تعالى عليك (ثم تاب عليهم ليتوبوا) طالما تاب الله تعالى عليهم سيتوبوا.
نفكر في الآية من حيث معنى الفرقان. لماذا كلمة الفرقان؟ لأن الآية قبلها فيها أمور متشابهة، فتنة، مسائل إختلطت علينا، أمور غير معلومة لذا قال (واعلموا). إذن هناك أمران يحتاجان إلى هداية وتفريق فقال فرقان. وفرقان على وزن فعلان وهي صيغة إمتلاء. وطالما سيفرق إذا تبت بالتقوى لن تعود ثانية وإذا إستجبت للأمر تضيع. في الحديث الشريف يضع الرسول r لنا مذكرة إيضاحية للآية في سورة الأنفال: " الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لعرضه ودينه. ومن وقع في الشبهات، وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يرتع فيه. ألا، وإن لكل ملك حمى. ألا، وإن حمى الله محارمه. ألا، وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله. وإذا فسدت فسد الجسد كله. ألا، وهي القلب " على الإنسان أن لا يجازف ويتقي الله في كل شيء وكلما عرض عليه أمرين لا يجازف وإنما يتقي الله ويأخذ بـ (دع ما يريبك لما لا يريبك). الشيطان يوسوس لك أن تعمل الذنب ومن ثم تتوب وكثير ما يسمع الإنسان كلام الشيطان ثم يموت على الذنب قبل أن يتوب. فمن اتقى الشبهات أي الأعراض والأموال والأولاد كما وردت في الآية في سورة الأنفال والحديث الشريف كأنه مذكرة إيضاحية للآيتين من سورة الأنفال، حتى لو جاءه أولاد يدفعهم للحرام. "فمن اتقى الشبهات" كأنه r يوصينا أن لا نذهب للشبهات وأن نبعد عنها ونبقى في الحلال المضمون وكلما أسرعت في التوبة كلما كان أفضل.
(إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) الشرط معلّق على ثلاثة أمور: يجعل لكم فرقاناً، يكفر عنكم سيئاتكم، يغفر لكم. تكفير ومغفرة، فعلان يجب أن نفهم استخدامهما وكلام الرسول r في الحديث واضح. "ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام" لا تقترب من الشبهات. هناك صنوف من الناس صنف لا يريد أن يسمع الموضوع الذي فيه إختلاف وصنف يريد أن يسمع فإذا إستحب الأمر وقع في الحرام. الرسول r يخبرنا من يقع في الشبهات وأول من يقع فيها يقع في الحرام "كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه" إذا اقتربت سترتع. "ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه" كل ملك من الملوك المملَّكة من البشر له حمى فمن بالك بالملك المملِّك سبحانه وتعالى. "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" الذي يقترب من الشبهات يرتع فيها. يذهب مرة للمعصية فيصبح من أهلها. "من إتقى الشبهات إستبرأ لدينه وعرضه" لذا قال الرسول rإبق في الحلال لأنك لو اقتربت من الحمى ستقع. القلب مناط العملية كلها كما قال r "التقوى هاهنا، التقوى هاهنا". الفرقان كتبه الله تعالى على قلبك حتى إذا عرضت عليك قضية تقول أعوذ بالله لن أفعل هذا وتترقى إلى "إن الحلال بيّن" و "من اتقى الشبهات" أي هناك عملية تعرض عليك فالتقوى هي السلاح والوقاية هي سبيل البعد عن طريق الذنوب. (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله) النداء في الآية للذين آمنوا كأنه من المؤمنين من لم يتقي الله مع أنه يصلي ويصوم.
منطقة الثبات الوحيدة هي الموت أما درجات العبودية (الإسلام، الإيمان، الإحسان، التقوى، إسلام الوجه لله) هي درجات إرتحال يترقى فيها الإنسان. إتقوا الله في كل فكرة وكل عمل وكل خطوة. (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله) أنظر للنتائج: (يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) الله تعالى هو الذي يجعل وانظر إلى عبدٍ جعل الله تعالى له فرقاناً في الدنيا فإنه سيجعل له في الآخرة فرقاناً أعلى. (ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) الفضل العظيم هو الخلود في الجنة هذا هو الفضل الذي ليس أعظم منه. لما تسمع قوله تعالى (يجعل لكم فرقاناً) الكتاب موجود والجميع يقرأونه لكن من يعمل بالكتاب؟ لن يعمل بالكتاب إلا من تدبّر الكتاب لكن للأسف قد يتدبر الكتاب ولا يعمل به لذلك أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالمٌ لم ينفعه علمه. إستخدمت كلمة فرقان ليبقى الفرقان ينقلك من مرحلة إلى مرحلة إلى أن يوصلك إلى مرتبة (والله ذو الفضل العظيم) ومرتبة إسلام الوجه لله الذي جاء من مرتبة الإحسان الذي جاء من مرتبة التقوى الذي جاء من مرتبة الإيمان الذي جاء من مرتبة إسلام العقيدة، كل مرحلة تترقى. الرجل الذي يصلي الفرائض فقط ولا يصلي النوافل انظروا إلى حاله إن بقي على صلاة الفرض دون النوافل ستجده يترك الفرض والذي صلّى وبدأ بالنوافل فإذا ترك يترك النوافل ويبقى على الفرائض فالنوافل كأنها عملت له وقاية. إذا أراد أن يداوم على النوافل نقول له زوّدها كيفاً وليس كمّاً. بعض الناس تقيم الفروض وتؤدي النوافل وهذا في منتهى الخطورة لأنه إن أساء في النوافل سيتركها. ويجب تجويد الكل الفرض والنافلة لأن السُنّة أنت تعملها تقرباً إلى الله تعالى فإياك أن تؤديها بشكل منقوص والسُنّة هي السياج حول الفرض حتى لا تتركه ولذلك الرسول r عندما سنّ سنّ قبل وبعد الفرض فوجود هذه السنن هي وقاية حول الفرض. الذي يصلي الفروض والنوافل لا يترك أبداً وإذا ترك يترك السُنّة لا الفرض.
الآية فيها شرط: إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً وإن لم تتقوا تذهبوا للشبهات وتقعوا فيها وفي الحرام. إن لم تتقي ليس هناك فرقان وتكون في المتشابه فيكون في الحرام ولو استخدمت روح التقوى لن تقع في المتشابه.
ما الفرق بين السيئات والذنوب؟ وما معنى تكفير؟ ولماذا أطلق المغفرة؟
يكفّر ويغفر المادتين بمعنى واحد، كفر وغفر بمعنى الستر ولهذا في فعل كفر، الفلاح يسمى الكافر هذا المعنى اللغوي والقرآن الكريم ذكرها يبين إستخدام العرب للكلمة وأنه ينزل يعجزهم بما عندهم (ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ (29) الفتح) الكفار هنا بمعتى الزُرّاع أعجبهم أن هذا عملهم. الكفار في هذه الآية فقط جاءت بمعنى الزُرّاع. كل مادة في القرآن لها معنى ولازم معنى. كفر جاءت بمعنى ستر والفلاح يكفر البذرة تحت الأرض. هذا أصل الكلمة أُخِذ منها مفر العقيدة (ستر الإله). الكافر أول من يثبت وجود الله لأنك لا تستر إلا شيئاً موجوداً فأول جنود الإيمان الكفر، يقول أنا كافر بالله يعني الإله موجود بدليل أنه كفره.
غفر لها نفس المعنى يعني ستر لكن كفر أي جعل البذرة تحت الأرض، خبّأها أما غفر فسترها على وجه الأرض وهي ظاهرة. الكفر تغطيه وتستره وغفر ستر ظاهراً أما الكفر لا تبيّن الذي ستره. والمغفرة من غفر تطلبها من الله تعالى. نقول استغفر ولا نقول استكفر لأنه لما يكون السيئة من حيث التكفير يجب أن يدفع كفارة أما المغفرة فأنت تطلبها من الله تعالى أن يعملها لك. الألف والسين والتاء لما تدخل على الفعل الثلاثي تعني الطلب، غفر لأنه ذنب ليس بإمكاني أن أكفّره. يكفّر عنك سيئات محتاجة لتكفير وأنت لك دخل فيها يكون فيها كفارة من صيام أو إعتاق رقبة أو إطعام مساكين. والذي لا يمكنه دفع الكفارة فرحمة الله تعالى أوسع من كل شيء بدليل حديث الذي وقع على امرأته في رمضان وجاء إلى النبي r فقال له: أعتق رقبة فقال لا أستطيع، فقال له r صم شهرين فقال لا أستطيع فقال أطعم ستين مسكيناً فقال لا أستطيع فأعطاه الرسول r طبقاً فيه تمر فقال له تصدق بها على الفقراء فقال له ليس هناك أفقر مني فضحك النبي r حتى بدت نواجذه وقال أطعمه لأهلك. ضحك الرسول r تدل على أن رحمة الله واسعة وكأنه r يقول له: عفا الله عنك. والعفو مرحلة أعلى من التكفير والمغفرة.
يكفّر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم: ساعة أتقي الله تعالى بعد أن كان لدي ذنوب كثيرة كالذي كان كافراً وأسلم وسمع الآية (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً) عنده ذنوب قبلية فإذا قال أتقي منذ اليوم فذنوبه السابقة تحتاج إلى تكفير فيما مضى والمغفرة تكون لما في المستقبل ولم تقل الآية يغفر الذنوب لأنه قد يكون ذنباً وقد يكون لمماً لذا أطلقها تعالى وقال (ويغفر لكم). هذا معنى والمعنى الآخر يكفّر عنك في الدنيا ويغفر لك في الآخرة. في الآيات في ختام سورة الفرقان لم يقل بعد التوبة يغفر وإنما قال (يبدّل الله سيئاتهم حسنات) وليس من قبيل الصدفة أن إستعراض التوبة جاءت في سورة الفرقان والفرقان ذكر في سورة التوبة. في آيات سورة الفرقان ذكر تعالى أكبر ثلاث كبائر وقال بعدها (يبدل الله سيئاتهم حسنات) لن يقل يغفر لهم، أين مرحلة الغفران هنا؟ البديع أنه تعالى قال (وكان الله غفوراً رحيماً) هذه تحقق المعنى الذي نقوله كأن الغفران تم قبل أن يتوبوا أي أن الغفران هو الذي دفعهم للتوبة. الغفور هو الذي جعل الفرقان الذي جعلهم تابوا ولما تابوا بدّل سيئاتهم حسنات. آدم u لما عصى الله تعالى لم يتب من تلقاء نفسه وإنما الله تعالى شرّع التوبة وإلا لما تاب عبدٌ إلى الله. (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم) هو التواب من قبل آدم لذا كان آدم يجب أن يُخطئ حتى تعمل صفة التواب. إذن التكفير تأتي مع السيئات والمغفرة مع الذنوب.
بُثّت الحلقة بتاريخ 21/11/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:34 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 23
تقديم علاء بسيوني
هل الأفضل للإنسان أن يمحو الله تبارك وتعالى الخطايا والسيئات أو أن يغفرها ويسترها؟
المعنى ولازم المعنى متقارب لكن في سورة الفرقان وجدنا ما يرد على هذا السؤال. ساعة يرضى الله تبارك وتعالى عن العبد ويوجهه للتوبة ويكون دليلاً على التوبة والنتائج تختلف بإختلاف المتلقّي. لما نسمع قوله تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) الفرقان) نجد أنه من الأفضل أن تستر الذنوب لكي تُبدّل حسنات. لو عندي مليون سيئة وتبت إلى الله تبارك وتعالى بقلب واعٍ وبلسان صادق وبالجوارح وكنت في حالة توبة وإنابة (أتوب بعد كل صلاة وبعد كل فعل) في هذه الحالة وأنا أتوب وعندي مليون سيئة في هذه اللحظة التي يقبل الله تبارك وتعالى فيها التوبة يصبح عندي عشرة مليون حسنة على الأقل. عملية التوبة ليست كلمة (أستغفر الله) وإنما عملية متكاملة لذا يقول تعالى (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)) منطقة المتاب هذه يبكي عليها العارفون وكأنها مكان آمن محاصر بالتقوى والوقاية ومخافة الله تعالى وأنا منطلق في حياتي بما أحلّ الله تبارك وتعالى.
هل العمل الصالح بعد التوبة دليل على قبولها كما تدل الآية (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا)؟
أحد آراء المفسرين للآية أن الله تعالى يخرجهم من نطاق أهل السيئات إلى نطاق أهل الحسنات (يبدل الله سيئاتهم حسنات) إذا تاب فلان من السرقة أو الزنا أو الكذب كانت أعماله كلها سيئة فلما تاب وخرج إلى الأعمال الصالحة صارت أعماله حسنات، هو توقف عند مرحلة التوبة وذهب مع أهل الصالحات. غيّر طبيعة حياته بقبوله التوبة فلم يعد يعمل السيئات. كان في السابق يستيقظ مثلاً ويذهب للحرام والآن أصبح يستيقظ ليصلي الفجر في المسجد وفي السابق كان معه شلة سوء والآن أصبحت معه شلة صالحة وجلسات علم، هو ينطلق ويعمل في إطار العمل الصالح فيما أحلّ الله تبارك وتعالى. إذا كان الإنسان من أهل التقوى والصلاح لن يكون له سيئات والتقوى تمنعه من الذنوب لكن وارد أن يزِلّ والله تبارك وتعالى يطمئنه بأن الله تعالى غفور رحيم (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا). (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) الطلاق) هو يتقي لكنه قد يقع في أمر محتاج فيه للمخرج.
الفرقان هو الهداية التي تقينا السيئات والنور الذي يوضح الحق من الباطل والمخرج الذي يخرجنا من الظلمات إلى النور قد تأتي فتنة للمتّقي حتى يمحّص الله تبارك وتعالى إيمانه، والابتلاء يخبر المؤمن. بعض العلماء يقول أنه ليس للعاجر توبة وهذا أمر لا نوافق عليه ونرد على هؤلاء أنهم يتعاملون مع ضيق الفكر فالعاجز عاجز بالنسبة لهم لكن بالنسبة للإله الحق بعلمه الواسع يعلم أن هذا العاجز لو كان غير عاجز ماذا سيعمل؟ علم الله تعالى لو نظرنا إليه بوعي أنه علم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون، لذا لا نستطيع أن نقول ليس للعاجز توبة لأنه يتوب إلى العليم العلاّم الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. التوبة قائمة وواجبة حتى على العاجز والتوبة آكد على فراش الموت وأن تحسن الظن بالله تبارك وتعالى وتتقرب إليه. والذي يمنع من التوبة هو الكِبر. وأنت على التقوى قد تحدث لك أمور تحتاج إلى من يعينك (يجعل له مخرجا)، (ويرزقه) الناس تحصر الرزق بالمال فقط ولكن الرزق قد يكون صحة أو علماً وليس متوقفاً على المال فقط وقد يكون الرزق فكرة تحتاجها وأنت في ورطة أو في وقف معين يخرجك من هذه الضائقة، فكل شيء يستعان به في الدنيا على الدنيا للآخرة فهو رزق.
التقوى مرتبطة بالتوبة، كيف نستخدم المنهج في حياتنا؟
الله تبارك وتعالى لا يترك من أراد التوبة والعمل الصالح (من يتق الله يجعل له مخرجا) يجعل فعل مضارع بالنسبة لنا لكن بالنسبة لله تبارك وتعالى ما أراده الله قبل خلق آدم لأنه سبحانه كتب مقادير الخلق قبل خلق آدم بخمسين ألف سنة. يجعل أي جعله الله تبارك وتعالى. المخرج مقدّر أزلياً لكن على الإنسان أن يخطو الخطوة ولا ينفع أن تجرّب مع الله تعالى وتقول إتقيت ولم يجعل الله لي مخرجاً لأنه من يفعل ذلك لا يكون إتقى ولكن نوى فقط. والإيمان ليس كلمة وهذا الشخص الذي يجرّب مع الله تعالى لم يتّقِ الله.
الرسول r أخبرنا أنه من وقع في الشبهات وقع في الحرام والرسول r قالها بيقين وهو r الذي قال " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" فلو كان عندك مجرد شك في أمر ما - والشك قلنا سابقاً هو تساوي طرفي القضية – بمجرد الشك في أمر إبتعد عنه. الجنة غالية فيجب أن يكون الطريق لها صعب، انظروا إلى مواطن الذدة: صيام في يوم حار أو صلاة في يوم شتاء، وفي توقيع القرآن الكريم (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) الحشر) لا يستوون لا في الدنيا والآخرة. لو بدت الشدة في الدنيا فهي بسيطة لأنها تكون في فترة زمنية بسيطة مقارنة بالآخرة. قبل دخول النار يُسأل الناس (ألم يأتكم نذير) ليس لديهم حجة أن المنهج كان معهم. ثم يقول تعالى (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) الحشر) لو نزل هذا القرآن على جبل بكل قوته كما في قصة موسى u(وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) الأعراف) لمجرد تجلّي الله تعالى للجبل خرّ، لرأيت الجبل خاشعاً من خشية الله وأنت لم تتصدع ولم تخشع! كلمة النار عندما كان يسمعها بعض الصجابة كان يغمى عليه ونحن للأسف لا نفهم معناها. أسأله تبارك وتعالى أن يبصّرنا بعيوبنا الآن قبل فوات الأوان لأنه سيأتي يوم لا ينفع فيه شيء (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ (31) إبراهيم) فلو طرق الموت باب أحدنا لن ينفع أن يفعل ساعتها شيئاً. وحتى ونحن على قيد الحياة علينا أن نحمد الله تبارك وتعالى أن هدانا إلى التوبة وقد تكون هذه الحلقات التي نقدمها هي الفرقان فيبصّرنا بعيوبنا فنتوب إلى الله تعالى ونصلي ولو كان عندي مليون سيئة سيكون لي على الأقل عشرة مليون حسنة وقد يضاعفها الله تعالى إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء لكن هذه المضاعفات تعتمد على كيفية التوبة. فالدرجات من عشرة أضعاف إلى سبعمائة والله يضاعف لمن يشاء حسب نوع التوبة. وفي حديث رسول الله r "الندم توبة" فالبعض ممن تاب يحاول أن يطيع الله تعالى في أماكن عصاه فيها أو أن يذهب إلى هذه الأماكن ليأخذ بيد عاصٍ آخر ولكني أنصح هؤلاء الذين تابوا أن لا يعودوا إلى هذه الأماكن حتى لا يقعوا من جديد وإنما عليهم بالنصح للعاصين بعيداً عن أماكن المعصية والله تعالى يعلم صدق توبته والحديث يخبرنا أنه "من حام حول الحمى يوشك أن يرتع فيها".
الآية في سورة الحديد (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)) هذه الآية ضربت النفاق في مقابل الإيمان لأن المنافق أخطر على نفسه وعلى المجتمع من الكافر لذا النفاق مرفوض تماماً وفي مطلع سورة البقرة إستعرض الله تعالى صفات المؤمنين في ثلاث آيات وصفات الكفار في آيتين وصفات المنافقين في ثلاث عشرة آية لبيان خطورته. الإيمان ما جاء قولاً إلا في مرحلة النفاق (قالوا آمنا) (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) البقرة) (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا (76) البقرة) (وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ (119) آل عمران) (مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ (41) المائدة)، النفاق مرحلة في منتهى الخطورة عن الكفر على نفس المنافق والمجتمع كله وهو في الدرك الأسفل من النار ونتيجته أسوأ من الكافر. آيات سورة البقرة التي تصف المنافقين تحذر من النفاق لأنه موجود في معظم الأفعال فهناك مؤمن يرائي وينافق بفعلٍ أو عملٍ وعليه أن يُخلِص العمل لأن أشد الآثار يوم القيامة آثار النفاق.
هل التقوى عملية أم هي متلازمة بحياة الإنسان وأفعاله؟
في آية سورة المائدة (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)) تكرر ذكر التقوى. هذه الآية تتكلم فيما مضى فقوله تعالى (طعموا) دليل على أنهم كانوا يأكلون ويشربون الحرام قبل التحريم واستخدام كلمة (طعموا) تشمل الأكل والشرب فهم كانوا قبل الإسلام طعِموا هذا الذي حُرِّم فيما بعد فليس عليهم إثم لكن لما إنتهوا هناك مراحل ثانية مطلوبة منهم. هناك من لا يشرب الخمر ولا يأكل لحم الخنزير لكنه لا يصلي ولا يصوم لكن الإيمان كلٌ لا يتجزأ. والحلال بيّن والحرام بيّن وللأسف نحن نقع في المشتبهات ويجب أن نخرج لدائرة التقوى التي ستعمل وقاية. تقوى وإيمان وعمل صالح ثم تقوى وإيمان ثم تقوى وإحسان وفي ختام الآية قال تعالى (والله يحب المحسنين) ولو جاء ذكر التقوى وحدها كانت الآية تختم بالمتقين لمن ورود التقوى والإحسان تختم بالمحسنين.الإحسان هو المرحلة الأخيرة قبل مرحلة إسلام الوجه التي هي أعلى الدرجات (بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (112) البقرة) من إسلام العقيدة إلى الإيمان إلى التقوى إلى الإحسان إلى إسلام الوجه لله وهذا أعلى من الإيمان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) آل عمران) أي مسلمين الوجه لله تعالى. جاء في مرحلة الإحسان إتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم إتقوا وآمنوا ثم إتقوا وأحسنوا، درجة واحدة هي التي تتكرر (التقوى) كأنها هي التي ترقّي الإنسان من درجة إلى درجة. التقوى الأولى هي الحالة والثانية مرحلة تكون فيها وتأخذك للإحسان ثم لإسلام الوجه لله.
وجود (ثم) للتراخي لأنه سيكون هناك مدة للترقي من مرحلة إلى مرحلة ولو أخذت وقتاً (ثم) للتراخي لبقائك داخل كل مرحلة. التقوى هي التي تنقل الإنسان بين درجات العبودية وهي الإسلام الأبدي والسلاح الأقوى للتخلص من الشيطان ومن النفس الأمارة ومن شياطين الإنس والجن.
فيجب أن تدرب النفس على حجة العبادة لأن العبادة شاقة على النفس والحبّ وتذكّر المقابل وإرضاء الله تبارك وتعالى ومحبة الرسول r والطمع بالجنة (والطمع بالجنة طمع مشروع) هو الذي يجعل العبادة محببة إلى النفس. في صفات عباد الرحمن يقول تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) الغرفة هي أحسن مكان في الجنة يجزونها بما صبروا لأنهم صبّروا أنفسهم على ما قدّموا وكأن كل ما فات في الآية كان عليهم مشقة لكن الحب لله تبارك وتعالى والجنة ينسيهم (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) في المقابل (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)) الجزاء ينسيك التعب داخل العمل نفسه والجزاء ليس متساوياً لذا الجنة درجات. الرسول r يخبرنا " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" وكأني بالرسول r يقول لم يكتب له الصيام من أمسك عن الطعام والشراب فقط ولم يمسك عن قول الزور والعمل به وهذا لن يدخل الجنة من باب الريان لأنه صام وما صام. وهذا يحدث في مجتمعاتنا بيقين ونحن الآن مقبلون على الحج وكلنا يعلم ماذا يحدث في الحج وكيف يتصرف البعض هناك. يجب علينا أن نخلص العبادات من الشرك والنفاق نعمل العمل ونشرك مع الله أحداً ولا نبتغي به وجه الله تعالى كما يقول تعالى في آيات سورة يوسف (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)).
من أخص الصفات في القرآن الكريم صفات عباد الرحمن وهي السبيل للإنابة والتقوى من قوله (يمشون على الأرض هونا) إلى الجنة (حسنت مستقراً ومقاما) والمشوار كله مشوار يدلك على الطريق. ومن ضمن هذه الصفات ضرب الله تبارك وتعالى لنا فيها أروع آيات عن التوبة واستعرض ثلاث أكبر كبائر حتى لا يقال يوجد ذنب لا توبة منه وهي الشرك والقتل والزنا لكن الله تعالى تقبل منهم وعرض أن يبدل سيئاتهم حسنات حتى لا يتقاعس أحد.
بُثّت الحلقة بتاريخ 28/11/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:35 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 24

"التائب حبيب الرحمن" من أين جاء هذا الحب؟ المفترض أنني كبشر خطّاء قصّر في العبادة ما عبدنا الله تعالى حق عبادته ولا عرفناه حق قدره، المفروض أن أكون أنا الفرحان بمغفرة الله تعالى لي لكن العجب أنه رغم هذا التقصير إلا أن فرحة الله تبارك وتعالى برجوع العبد العاصي إليه أكبر مما نتصور.
الله تعالى يفرح بتوبة العبد وكثيراً ما سألنا كيف يفرح الله تبارك وتعالى؟ وهل المولى محتاج – حاشاه – لهذه التوبة؟ إذا بحثنا في كُنه الإله الحق نجد أنه هو سبحانه يحب العبد الطائع، العبد الذي يعود إليه وسرّ هذا الحب في إعمال صفتين لله تعالى، فهو سبخانه ما خلق الإنسان ليكون كالملائكة التي لا تستطيع أن تعصي، عظمة الأمر أنك كبشر تستطيع المعصية لكنك إما لا تعملها وإما تعملها وتذوق لذتها وتعود عنها إلى الله تعالى. ساعة يقول تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) الفرقان) هذه مكافأة فوق المكافأة لأن الذي لم يسرق لم يذق لذة وطعم المال الحرام السهل لأن للمعصية لذة لا ينكرها أحد. في صفات عباد الرحمن جزئية الإنفاق والإسراف والتقتير وعباد الرحمن هم في الوسط (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) الفرقان) يعيشون على المنهج الوسط إذا أخطأوا يرجعوا وهذا مفهوم لم يكن متصوراً عند التلقّي: عندما نسمع عباد الرحمن نتصورهم ملائكة لكن المولى تعالى يخبرنا أنهم يخطئون لأنه مستحيل أن لا يخطئوا فهم بشر.
البشر التائب العائد المنيب المتقي أفضل عند الله تعالى من الملك. أنت كبشر لا تقبل كل معصية تعرض عليك فإذا لم تقع فيها يكون لك درجة وإذا وقعت فيها ورجعت فلك درجتان لأنك تعرضت لفتنة. والفتنة ليست في المعصية وإنما في الرجوع والإصرار على التوبة والبقاء في حالة الإنابة والذي حماك من الوقوع ثانية هي التقوى (وعمل عملاً صالحاً) وأخصّ العمل الصالح أن لا تعود للذنب نفسه. وسنقف في هذه الحلقة عند حقائق تلقي القرآن عندما نعمل على صفات عباد الرحمن فالقرآن لا يمكن أن يكون سورة أفضل من سورة أو أن أقرأ سورة مخصصة كل يوم وأترك الباقي فالقرآن كلٌ لا يتجزأ ويجب أن تقرأه كله من الفاتحة إلى الفاتحة وبداية البقرة ولو بخمس آيات (خيركم الحالّ المرتحل).
سؤال: آيات وصفات عباد الرحمن موجودة في سورة إسمها الفرقان وقلنا أن الفرقان سيجعل الله تعالى لنا فرقاناً يفرق بين الحق والباطل أليس لهذا دلالة؟
قبل أن نعمل في صفات عباد الرحمن علينا أن نتدبر أن هذه الصفات جاءت في سورة الفرقان وهذا أول ملمح، والملمح الثاني ما هي (وعباد الرحمن)؟ ما هذه الواو؟ ولماذا إستأنف الكلام؟ يجب أن نعود إلى الوراء بضع آيات. ولماذا لم يقل الله تعالى (عباد الله) بدل عباد الرحمن؟ إذن رجعنا قبلها بآيات نجد قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (61)) في هذه الآية جائت صفات غير عباد الرحمن واعتراضهم على كلمة الرحمن. ومن كلمة الفرقان يجب أن نذهب لأول السورة (تبارك الذي نزّل) لم يقل أنزل. وفي حلقة سابقة ذكرنا لماذا قال تعالى (يجعل لكم) ولم يقل (أنزل لكم). هناك ما يسمى بالإشتراك اللفظي فمثلاً كلمة الروح ذكرنا سابقاً أن لها ستة معاني في القرآن الكريم وهذا دأب القرآن.
نجد إعجازاً في فعل البداية في سورة الفرقان ورسمه في كلمة (تبارك) كلمة تشذ عن أصل اللغة في أن مسألة كل فعل يأتي منه الماضي والأمر والمضارع وإشتقاق إسم الفاعل لكن كلمة تبارك لا تأتي إلا بهذه الصيغة، هذا من حيث الكنه اللغوي ومن حيث الرسم جاءت في القرآن الكريم 9 مرات سبع مرات رسمت بالألف (تبارك) ومرتين بغير الألف (تبـرك) لأن القرآن الكريم توقيفي في قراءته وفي رسمه. في سورتي الرحمن والملك وردت كلمة تبارك بغير الألف فالرسم توقيفي والقراءة توقيفية. لما نقول (تبارك الذي نزل الفرقان) في سورة الفرقان قبلها سورة النور وقبلها المؤمنون وهكذا حتى نصل إلى الفاتحة.
(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان): تبارك أي نتزّه وهي مثل سبحان (يسبّح، سبّح) لكن سبحان تقال لما يعجز أحد عن تسبيح الله تعالى مثل قصة الإسراء قال (يسبح لله ) ولم يقل سبِّح الله لأنه لا يوجد أحد يمكن أن ينزهه حق تنزيهه. في قصة الإسراء هناك أناس ناقشوا ورفضوا وأناس ناقشوا وصدّقوا أما أبو بكر فصدّق دون مناقشة لأن الرسول r قد قالها وكلامه r فوق المناقشة.
لماذا (تبارك)؟ لو جاءت مرسومة بالألف ثمان مرات ومرة واحدة بدون الألف لكان يظن أنها قد تكون وردت خطأ لكن ورودها مرتين تعني أنها مقصودة وليست خطأ وإنما هذا رسم توقيفي لله تبارك وتعالى. والقراءتان بالألف وبدون الألف نفس القراءة فهي أيضاً توقيفية. القراءة واحدة والرسم مختلف وهي تقرأ بالمدّ في الحالتين. هذا يؤكد على أن الذي جمع القرآن هو الله تعالى والذي رسم هو الله تعالى والذي علّم هو الله تعالى وليس من اجتهاد الرسول r(إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) القيامة) و قوله تعالى (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الرحمن) نحن لا نرد أي تفسير ونسمع لكل العلماء ونأخذ جزئية من كل واحد ونسمع جميع الآراء والله تعالى يفتح برأي تسنده اللغة والبلاغة وقواعد العربية التي استنبطت من القرآن الكريم.
لم يقل تعالى أنزل وإنما قال (نزّل الفرقان) الفرقان إما متفرّق وإما أنه يفرق بين الحق والباطل وفي الآية شملت كلمة الفرقان المعنيين لذا قال تعالى نزّل ولو كان المقصود الفرق بين الحق والباطل فقط لقال أنزل وتكون أقوى. وفي سورة الأنفال قوله تعالى (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41)) الفرقان هنا ليس التفريق لذا استعمل أنزل. في سورة الفرقان يقول تعالى أنه سينزل مرات عديدة لكل حادثة فجاء بالفعل (نزّل).
(تبارك) أي لما تقرأ القرآن تنزّه الذي أنزله أولاً هناك إنزال ثم هناك تنزيل ولذا قلنا أن هناك فرق بين القرآن والكتاب. (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) الإسراء) بالحق أنزلناه كتاباً وبالحق نزل قرآناً يتعلم منه الرسول r والمسلمون. لما نزل الكتاب نزل بهذا الجمع الذي بين أيدينا ولما نأخذ القرآن نأخذه من جمع مجموع (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) القيامة) ولا توجد صدفة عند الله تعالى فكلّه عنده قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر). ساعة أنزل تعالى القرآن أنزله على هذا الجمع وكلما نزّل آية يوحى إلى الرسول r أين يضعها وكان r يراجع القرآن مع جبريل مرة في كل عام على مدى 22 عاماً وفي السنة 23 راجعه معه مرتين مرة عن السنة 23 ومرة كأنها مراجعة عامة شاملة قبل أن يقبض r, كلما نتذكر قرآن، كتاب، تنزيل نقول تباكر الله.
لماذا لم يقل (سبحان) لأن سبحان للتنزيه وتبارك للتنزيه مع إثبات عجزي عن أن يكون أحد من البشر يمكنه أن يعمل هذا. (تبارك الذي بيده الملك) كلما وجدت شيئاً خارجاً عن قدرة البشر، العلماء الذين تلقوا القرآن بوعي يقولون: سبحانك ولا تقال إلا لك. فرعون وجبروته لم يقل لقومه قولوا سبحانك أو تبارك أو الله، وكذلك النمرود لم يجرؤ ولم يفكر أن يقول هذا مع أنهم أحبوا التعظيم والتفخيم لكن لم يقل أحدهم الله أو سبحانك أو تبارك عن نفسه. ولما نسمع رسول الله r في الحمد يقول: "اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهد ولعظيك سلطانك سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، جلّ وجهك وعزّ جاهك وتقدّست أسماؤك ولا إله غيرك" لا يستطيع مخلوق لله أن يقول في الله الحق كلّ الحق حتى إن صادف قوله الحق لا يدري هو إنه صدق الحق.
(تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده) عبده وعباد الرحمن كأنه في مطلع السورة يخبرنا تعالى أن العبودية أمر عالٍ جداً. لو قال تعالى نزّل الفرقان على نبيّه أو رسوله لاعترض أحدهم لكن إذا كانت الرسالة شرف في محمد أو غيره فالعبودية أشرف ما يتصف به العبد الواعي الفاهم لأنها لله تبارك وتعالى (تبارك الذي نزّل على عبده) وفي سورة الإسراء قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) وإذا خيّرت النبي بين النبوءة والرسالة يختار الرسالة وإذا خيرته بين النبوءة والرسالة والعبودية يختار العبودية لأنه شرف كبير لأي مخلوق.
لا يمكن لمخلوق أن يحيط بعلم الله تعالى وقدره (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) الزمر) لكن كثيراً من الناس لا يفهمون معني العبودية، فما هو مفهوم العبودية؟
الناس لا تفهم معنى العبودية لأنهم ما زال منهم من لا يقوم لصلاة الفجر ومن لا يصلي أو من يقطع الصلاة. ولكمة العبادات مأخوذة من العبودية وإن كان المسلم الذي يدخل للصلاة يعلم أنه يقف بين يدي الله تعالى وأنه داخلٌ على الإله الحق سيخاف ولا يعرف أن يدخل ولو فهم العبودية لا يريد أن ينهي الصلاة أنه في معيّة الله تعالى، تخيل ملكٌ يسمح لك أن تدخل عليه خمس مرات في اليوم الليلة وتنهي الزيارة متى شئت أنت ثم يمكنك أن تعود للزيارة أي وقت تشاء، عندها لن تحب أن تنهي الصلاة بل تدعو وتطيل الدعاء وتدعو قبل السلام اتباعاً لسنة الرسول r (الإستعاذة من فتنة القبر وفتنة النار وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال) وبعد أن تسلّم تدعو أيضاً لأنها فرصة أنك في معيّة الله تبارك وتعالى.
قول الحق في بداية سورة الفرقان التي فيها صفات عباد الرحمن أنه قال (عبده) كأن الرسول r يأخذ الرسالة ولا يناقش فيها ولا يمكن له إلا أن ينشرها على الناس فهو نبي رسول سُمي من قبل البعثة الصادق الأمين فحقق تعالى قولهم أنه لا يوجد مخلوق فيه هذه الصفة (الصادق الأمين) إلا للرسول r ولا يوجد مثله في هذه الصفة. الله تعالى ليس كمثله شيء وفي البشر لا يمكن لنا أن نقول في الرسول قول الحق فهو ليس كالبشر (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ (110) الكهف) طالما يوحى إليه فهو ليس كالبشر. في قصة يوسف u الصياغة في قصة الهمّ كثير من الناس من يقول لماذا لم يقل القرآن أن يوسف لم يهم بها؟ ولماذا صاغها بهذا الأسلوب (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) يوسف)؟ فنقول أنه لو كان هناك أحد غير يوسف لفعلها لكن يوسف لا يفعلها لأنه من المخلَصين برّاه القرآن وبرّأته امرأة العزيز وبرّأه الشاهد. لولا أن يوسف رسول الله كان همّ لكنه لم يهمّ ولـ (لولا) سابقة على الواقعة (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)) هذا التمكين ليس فقط الملك والجاه وإنما هو تمليك الصدق والإخلاص والعمل الصالح.
لماذا قال (الذي) ولم يقل (من)؟ الذي تعطي التعظيم والتوقير على غير ما هو شائع عندنا في استعمال الذي. مثل الإستعمال الشائع لـ (قد) في قوله تعالى (قد يعلم) التي يقولون أنها تفيد الإحتمال أي أنه سبحانه وحاشاه قد يعلم وقد لا يعلم لكنها في الحقيقة تفيد التحقيق (قد يعلم) أي يعلم بيقين فهي من مؤكدات الفعل المضارع، قد يعلم الله أي أن الله تعالى يعلم بيقين. (قد سمع) مع الفعل الماضي هنا أيضاُ (قد) للتحقيق لكنها مع الفعل المضارع أقوى واحتمالها في شأن الله تعالى واحد لأن الماضي يستعمل للتعبير عما حصل كما في حديث الرسول r (جاء رجل يوم القيامة) جاء فعل ماضي ويوم القيامة مستقبل لم يأت بعد، توقيع إستخدام القرآن للفعل الماضي أنه سيأتي سيأتي كما في قوله تعالى (إقتربت الساعة) كله إستخدام لغوي يبيّن أن ما قال الله تعالى أنه سيحدث إعتبره أنه وقع وحدث.
(ليكون للعالمين نذيرا) لماذا لم يستعمل بشيرا؟ أصل النبوة والرسالة الإنذار والتبشير أمر فرعي منه. الإنذار أصل إرسال الرسل ولذلك في القرآن (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) ثم يوم القيامة تسأل الملائكة الذين يدخلون النار (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك) الرسول ينذر وكونه مبشراً فهذا فضل من الله تعالى.
في العصر الجاهلي كانت قريش تعبد الأوثان التي يصنعونها بأيديهم وفي بعض الأحيات يأكلونها ويئدون البنات لذا قال تعالى (وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ (9) التكوير) ليس بأي دين. هذا قبل الدين لأن المنطق البشري بعيداً عن الدين والديانة يحرّم هذا القتل فلما يأتي الرسول rيقول لهم أنا رسول رب العالمين فهذا فيه إنذار لهم وقال (إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) سبأ). في أول خطبة لرسول الله r في قومه كانت كلها إنذار "إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبتُ الناس جميعاً ما كذبتكم، ولو غررتُ الناس جميعاً ما غررتكم، والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس كافة، والله لتموتُنَّ كما تنامون، ولتُبعثُنَّ كما تستيقظون، ولتُحَاسبنّ بما تعملون، ولتجزوُنّ بالإحسان إحساناً، وبالسوء سوءاً، وإنّها لجنّة أبداً أو لنار أبداً " توقيع القرآن أن الله تعالى لا يعذب قوماً إلا إذا كان فيهم نبي والملائكة لا تسأل أهل النار ألم يأتكم رسول؟ وإنما تسأل: ألم يأتكم نذير؟ فأصل إرسال الرسل الإنذار والبشارة أمر فرعي والإنذار فيه مصلحة للإنسان حين يخرج عن إلف المعتاد كما يحصل في مباراة كرة القدم هناك إنذار لأي لاعب يخالف ثم بعد تكرر الإنذار يأتي الطرد. فأول عمل للرسول الإنذار وكونه يبشركم بعذ ذلك فهذا فضل من الله تعالى والإنذار هو ليخبركم أنكم خرجتم عن إلف المعتاد. وجاءت كلمة النذير باستعمال لفظ عبده لأن العبودية أساس العلاقة بينك وبين الله تعالى ولا تنصرف عن كونك عبداً لله فإذا كان الرسول r عبد لله وهذا شرف له ودائماً تأتي كلمة عبد في مواطن الإعجاز (سبحان الذي أسرى بعبده، تبارك الذي نزل الفرقان على عبده).
(هَذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) النجم) هذه أصل الحكاية، من المسائل البديهية أن يكون لك إله. وفي العودية إلى إبراهيم u حينما خرج يبحث عن الإله الحق ورفض عبادة الأصنام فلما فشل قال أعبد خالق كل هذا (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام).
كأن الذي نزل الفرقان على عبده هو الرحمن الذي علم القرآن خلق الإنسان علّمه البيان ليكون فرقاناً له في الحياة وفرقاناً على الصراط.
بُثّت الحلقة بتاريخ 5/12/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:37 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 25
تقديم علاء بسيوني
ليس من قبيل الصدف أن تأتي صفات عباد الرحمن في سورة إسمها الفرقان الذي فرق الله تعالى به بين الحق والباطل. فما هي صفات عباد الرحمن التي وردت في أواخر سورة الفرقان؟ وكيف نكون من عباد الرحمن؟ ولماذا لم يقل عباد الله أو إسم آخر من أسماء الله تعالى؟
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا {س}(60) تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64))
الآية قبل صفات عباد الرحمن هي سرُ إختيار إسم الله الرحمن لإضافته لكلمة عباد (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا).
الفعل (قيل) مبني للمجهول، لما لم يسمى فاعله فهل المقصود هو الرسول r أو كل الرسل؟
المقصود هنا بالذات رسول الله r ولم يحدد القرآن إسمه حتى عندما يأتي الردّ بهذا الشكل (أنسجد لما تأمرنا) لا يكون رداً له مباشرة إحتراماً له. الربط بين الآيتين هو كلمة الرحمن وفي الربط بينها وبين بداية السورة (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن) هذا إنذار، ربط في إبداع كلمة الفرقان. القرآن فرقان في أن القرآن يعمل في إتجاهات ثلاثة بالنسبة لمسألة العبودية. العبودية عبارة عن عبدٍ وإله ولا تنفع هذه العبودية بدون رسول يأتي بالمنهج حتى يعرِّف عباد الله بالمنهج. الفرقان كلمة عملت في الإتجاهات الثلاثة: في الإله، في الرسول وفي الخلق. بالنسبة للإله القرآن كان فرقاناً لأن كلمة الله بمعنى الخالق الأعظم إنقسم فيها الناس ثلاث فرق: أناس قالوا لا يوجد إله، وفريق قال هناك آلهة، فجاء القرآن فرقاناً ليجعل فريقاً وسطاً بين الإفراط والتفريط أنه إله واحد، بين الإله والآلهة. القرآن كله جاء فارقاً ليس تفريقاً وإنما فارق فرقان وضح هذه القضية بما لا يدع مجالاً لأدنى شك أنه لا آلهة وأنه إنكار على المنكرين بأنه إله واحد. فرق قالت لا إله وآخرون قالوا آلهة.
في إستطراد للمقدم سأل: أتكلم على الفترة قبل الرسل من الناحية المنطقية أيهما أقرب للصواب من قال لا إله أو من قال آلهة؟ هذا إفتراض جدلي من المقدم والأقرب إلى الصواب قمة الخطأ فما بالك بالأبعد؟ الأقرب للصواب أن تكون آلهة لأن الكون لا بد أن يكون له خالق لكن قمة الخطأ في أن تعدد الآلهة يعطي تنازعاً ولا يعطي إستقراراً والكون مستقر (لوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22) الأنبياء) الله تعالى يعمل هذه القضية فرقاناً في محكم التنزيل يكلِّم أمة التوحيد (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (12) الشورى) أن أقيموا الدين على أن الدين واحد فلا تتفرقوا فيه، كبُر على المشركين ما تدعوهم إليه، عقولهم لأنهم أشركوا لم تستوعب مسألة التوحيد فتعاملوا معهم برفق فالمسألة غصباً عنهم وبدل أن تهاجموهم خذوهم بالرفق واحمدوا ربكم أن هداكم للتوحيد وإياكم أن تتكبروا على من أشرك بالتوحيد لأنه لولا أن هداكم الله تعالى لوحدانيته ما وحّدتم ونذكر قول أهل الجنة بعد أن دخلوها قالوا (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ (43) الأعراف).
الفرقان جاء بأن الذين قالوا لا آلهة والذين قالوا لا إله جاء فريق بين الإثنين بالفرقان على أن المسألة لا إنكار لله ولا تعدد للآلهة وإنما إله واحد (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (91) المؤمنون). لو كان هناك آلهة يحصل تنازع والكون مستقر لا البحر يعترض ولا الشمس ولا القمر ولا غيرهم بتسخير إله واحد، لو كان هناك عدة آلهة لكان أحدهم أمر الشمس أن تشرق والآخر أمرها أن لا تشرق فما استقر الكون ولهذا نكرر هنا ما أوردناه سابقاً عندما أنكرنا كلمة خليفة الله في الأرض لأنه لو كان ذلك صحيحاً سيكون هناك خليفة في الأرض وخليفة في السماء لأن الله تبارك وتعالى لا يخلفه أحد وإنما نتعامل على أساس ليس كمثله شيء، القرآن قال (إني جاعل في الأرض خليفة) لم يقل خليفة لي وقلنا لو الملائكة فهمت أنه خليفة عن الله لم تقل الملائكة أتجعل فيها من يفسد لأن خليفة الله لا يفسد.
الله، الرسول، الخلق، الفرقان إشتغل في الرسول فهناك أناس قالوا نريد أن يكون الرسول ملكاً فردّ عليهم القرآن أنكم لن تعرفوا أن تتعاملوا معه والمسألة ليست على مزاجكم وإنما يجب أن تنصاعوا لأوامر الله تعالى (الحق عند أهل المنطق واحد لذا سمى الله تعالى نفسه الحق والحق دينه واحد) الدين لا أديان وسبق أن قلنا يجب أن نقول ديانات سماوية وليس أديان لأن الدين واحد لذا في سورة الكافرون قال تعالى (لكم دينكم ولي دين) يتوقع السامع أن يكون لديهم عدة آلهة لكن القرآن لم يقل أديانكم، جمع الله تعالى الكفر والشرك والنفاق على دين واحد وإن تعددوا ليضعه في مواجهة الدين الحق. الدين الحق هو العلاقة بين الخالق والمخلوقات. أهل هذا الفريق يريدون رسولاً على مزاجهم ودين على مزاجهم والذي ضيّع الأمة أن كل واحد يريد ديناً على هواه وعلى مزاجه (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) الفرقان). سبق وذكرت عندما حصلت مسألة الاستهزاء برسول الله r وقلت أن هذا الأمر لن يتوقف ولذا أقول أن المسلمين عليهم أن يكونوا أقوياء حتى لا يتجرأ عليهم أحد.
وهناك أناس آخرون قالوا يريدون الرسول بشراً لكن غير محمد r(لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم) يريدون رجلاً على هواهم لكن الرسول بُعِث على مراد الله تعالى أنه محمد r.
وفي مسألة الخلق، الخلق بعضهم يقول آلهة وبعضهم يقول لا إله وبعضهم يريد الرسول ملكاً أو بشراً غير الرسول r. الكتاب والقرآن والرسالة على مراد الله تعالى فالقرآن كان فرقاناً في هذه النقاط الثلاث: التوحيد واختيار الرسول وانصياع البشر لما أراده الله سبحانه وتعالى.
سؤال: هناك أناس ما زالوا يقولون لو كان الرسول ملكاً لأمكننا أن نرى المعجزات وكنا صدّقنا به، فما معنى قوله تعالى (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ (8) الأنعام) فلماذا وردت قضي الأمر؟
يقول تعالى (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ (8) الأنعام) أنتم طلبتم رسولاً ملكاً، لو أنزلناه ملكاً ولم تؤمنوا لقضي الأمر في وقتها ولا يُنظَرون لأنه ساعة ما يأتي ملك سينقسم الناس أيضاً إلى فريقين فريق يقول لا نفهمه لأنه ملك وآخرون يقولون لو كان بشراً لتفاهمنا معه أكثر. لو نزل على مرادكم وطلبكم يقضى الأمر فوراً فلا تُنظَرون وإنما نزل على مراد الله بشر لأنه يمكن أن يعودوا أو يتوبوا ومن البشر الذين آمنوا به كرسول ورسالة يخطئوا لذا جاء الإنظار لأنهم قد يرجعوا. أُنزل على مراد الله تعالى ولهذا هناك إنظار وإنما تعطيهم فرصة لعلهم يرجعون. في القواعد الإلهية لا ينفع أن نرى الملائكة أو الجن (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ (9) الأنعام) رجلاً لتعرف أن تتفاهم معه. ساعة جاء جبريل u يعلّم المسلمين أمور دينهم جاء على صورة بشر ولو رآه الصحابة على هيئة الملائكة لخافوا وهربوا. اترك الأمر لله تعالى على مراده ترتاح. والله تعالى أرسل لنا رسولاً منا يعرفون صفاته وقالوا عليه الصادق الأمين، عندما جاء جبريل u يعلّم الصحابة أمور دينهم تعجّب عمر بن الخطاب من الرجل يسأله ويصدِّقه فهذا إختبار، وسألهم الرسول r أتعلمون من الرجل؟ قالوا لا، قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم أمور دينكم. هذه دليل على أن جبريل كان يصدّق على إجابات الرسول rوتثبت أنه r أجاب بشكل صادق ولم يخطيء فكان جبريل يقول له: صدقت. وهذه الكلمة (صدقت) مرتبطة بالصدق لأن محمد r لا يقول من عنده وإنما يقوله وحي (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) الزمر).
ولو كنتم ملائكة كنا أرسلنا لكم ملكاً رسولاً حتى تفهموهم وأرسلنا لكم بشراً لأنكم بشر (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (4) إبراهيم) ليس من جنسهم فقط وإنما بلسانهم لأنهم اتهموا الرسول r أنه كان يعلمه ولد رومي والولد الرومي أعجمي والقرآن عربياً (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103) النحل) والله تعالى يقول (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) يوسف). أنا أعتقد باجتهادي أن أشد الناس حساباً يوم القيامة هم العرب لأن القرآن نزل بلغتهم فالذي تعلم اللغات الأجنبية للدراسة كان أولى به أن يتعلم العربية التي نزل بها القرآن الكريم فهذه حجة على العرب يوم القيامة (وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا (113) طه) (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) الشورى) أول من يتقبل الإنذار هي أم القرى مكة لأنها عربية تتكلم العربية والرسول عربي فالرسول لم يأتي فقط من جنسهم بل بلسانهم. (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) الشعراء) واضح لم يكن يحتاج إلى شرح. نحن في نعمة وامتحان، الله تعالى يقول لرسوله (نحن نقص عليك أحسن القصص) ثم قص عليه قصة يوسف فلو كان الرسول علّمه الولد الرومي من أين لهذا الرومي أن يعرف قصص الأنبياء؟ إنما نزل القرآن عربياً بوحي من الله تبارك وتعالى لنبيه r.
(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا) عدنا إلى قضية الرحمن وقضية الرسول وهذا الأمر بهذه الطريقة وذلك الغباء زادهم كفوراً. هم قضيتهم ليست مع الرسول rأو مع القرآن إنما قضيتهم في أنفسهم فلو أحضرنا لهم رسولاً ملكاً لطلبوا غيره ولو جاءهم فقير لقالوا نريده عظيماً (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا). لو قال لهم اسجدوا لله لخافوا لكنه استعمل صفة الرحمن، منتهى الرحمة لتقرّبهم ويطمئنهم فالمفروض أن يسجدوا لكنهم قالوا أنسجد للرحمن، لم يقل لهم اسجدوا للقدير، للعزيز، للمتكبر، للبارئ، لله، للقوي، للمتين لخافوا. لكنهم أجابوا: وما الرحمن؟ هم يعرفون رحمان اليمامة، يقولون الرحمن الذي نعرفه أم الرحمن الذي تعنيه، هم يعرفون رحمان اليمامة الذي إدّعى الألوهية، والرحمن صفة لا تطلق إلا على الله سبحانه وتعالى قولهم وما الرحمن إستهزاء بصفة هي أحب الصفات لذا عندما تكلم عن الكفر والشرك والنفاق تركهم ووصف لهم عباد الرحمن الذين عبدوا الرحمن لأنهم حتى لو أخطأوا أرحمهم ولهذا في الآيات قال (إلا من تاب). وهو يصف عباد الرحمن قال لأنه رحمن أرحم عبادي وإن أخطأوا في مسألة القتل وإن أخطأوا في مسألة الزنا وإن أخطأوا في مسألة الشرك يقبل الله تعالى توبتهم لأنه رحمن.
(تبارك الذي جعل في السماء بروجاً) تبارك هنا تذكرنا بـ تبارك التي في بداية السورة والتي جاءت بنفس الرسم بالألف. الحوار الذي دار بين الرسول r وبين الكافرين قال لهم اسجدوا للرحمن قالوا أنسجد لما تأمرنا، الأمر يأتي منك يا محمد. عدم تلقيهم للأمر التلقي الحق جعلهم يبتعدون عن الأمر وهم لا يطيقونه. النفور هو أن تبتعد عن الأمر وأنت لا تطيقه ولا تحبه.
ما السبب للإنتقال من آية السجود إلى التي بعدها (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً)؟
هذه آيات الملكوت والسورة من بدايتها تعطينا آيات إنذار وآيات ملكوت، فالذي أنذرك أن تعبده ولا تكفره يعطيك صفاته سبحانه الذي خلق السموات والأرض والبروج كأن الرحمن الذي تسألون عنه هو الذي خلق السموات والأرض والبروج (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً) العرب كانت تعرف الأبراج الـ 12 ووصفهم الشاعر وكل برج يبدأ من اليوم 21 من شهر ويمتد إلى 20 يوم من الشهر التالي، وصفهم في شعره قائلاً:
حمل الثور جوزة السرطان ورعى الليث سنبلة الميزان
عقرب القوس جدي دلو وحوتٍ ما عرفنا من أمة السريان
هذه الأبراج في اعتقاد أمة السريان وهم يعرفونها وأنت أخذتموهم منهم لذا قال (بروجاً).
سؤال: الناس تقول القرآن يتحدث عن البروج وهذا أمر خطير في مجتمعاتنا.
الآية تقول (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً) أي تنزّه، ما هي وظيفة كل واحد منها؟. لو كانت البروج وظيفتها كما يفعلون الآن لكن الرسول r أولى بأن يعلمها لو كان لها علم وما تكلم r في هذا المدار إلا أن هذه البروج مواقع. والشمس والقمر لكل واحد وظيفته (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا) كل ما سبق لمن أراد أن يذكِّر (البروج والشمس والقمر). (أو أراد شكوراً) يذكِّر، الآيات الكونية تذكِّر بقوة الله سبحانه وتعالى والشكور على تسخير كل هذا لخدمة الإنسان، على وظيفتهم. فالذي شغله النوم عن العبادة في الليل يعبد في النهار والذي شغله العمل عن العبادة في النهار يعبد بالليل هذا معنى (خِلفة) خلفة لها وقع في القرآن والليل والنهار وراء بعض، هناك من يعمل بالليل ومن يعمل بالنهار. لو انتبهنا إلى صفات عباد الرحمن قال تعالى بعد ما وصفهم قال (الذين يبيتون لربهم سجداً وقياما) لما وصفهم قال: (كانوا قليلاً ما يهجعون) الناس كلها تنام وهم يبيتون لربهم سجداً وقياماً ولم يذكر يبيتون إلا بعدما ذكر الليل والنهار أولاً فلو انشغلت في الليل إعبد في النهار ولو انشغلت في النهار اعبد في الليل. ذكاء الرسول r ووقوفه على معاني الآيات يظهر لما قال في الحديث: " إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل" الليل يأتي وراء النهار (لمن أراد أن يذّكر أو أراد شكورا) الله تعالى باسط يديه آناء الليل وأطراف النهار فلو أخطأت الصبح تب الصبح وإن نسيت أن تتوب تُب في الليل وإذا إنشغلت في الليل تعبد في النهار المهم أن تجعل في الأربع وعشرين ساعة وقت للعبادة. حديث الرسول r وحي من الله تبارك وتعالى يصيغه بتوقيعه بذكائه وما أوتيه من جوامع الكلم. ومن ذكائهr أنه كان r يصلي الليل حتى تتورم قدماه ولما تسأله السيدة عائشة رضي الله عنها يقول: أفلا أحب أن أكون عبداً شكورا؟، هو تأكد أن الله تبارك وتعالى قد غفر له لكنه r حوّل الطاعة من عبادة إلى طاعة وشكر. العشرة المبشرون بالجنة زادوا عملهم ولم يركنوا لأن إن كانت الأولى عبادة وطاعة فالثانية عبادة وطاعة وشكر.
شكورا: دليل الزيادة وساعة يفعلها يفعلها طمعاً والعبادة الأولى كانت خوفاً والثانية طمعاً في الجنة وطمعاً في الثواب لذا جمع الله تعالى بين الطمه والخوف. ونحن نتعامل مع اللطيف الخبير الذي يعلم دقائق الأمور وقد يجزيني بأكثر مما توقعت.
(وعباد الرحمن) الواو تدل على إستئناف أي أما عباد الرحمن فهذه أوصافهم حتى تسيروا عليها وتعملوها إلى أن تصلوا يوم القيامة إلى (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا). المشوار في رحلة حياتك يبدأ من مشيك وينتهي بالجنة. الأب الناصح يوجه ولده كما فعل لقمان (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) وعندما يصل إلى سن التكليف يسأله أن يعلن الشهادة لأنه أصبح مكلفاً (يمشون على الأرض هوناً) لا يصف مشيتهم وإنما يصف لازم معنى المشية. هوناً لا تعني أنهم يشمون على مهل وإنما لما يمشوا يمشوا بأدب وسكينة ووقار بعيداً عن الكِبر وبعيداً عن احتقار الناس والرسول r يقول في الحديث: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر" لأن إبليس تكبّر ورفض السجود. وفي الحديث القدسي يقول الله تبارك وتعالى: "الكبرياء ردائي والعزة إزاري فمن نازعني فيهما عذّبته"، فقال الصحابة لرسول الله r بعد أن سمع حديث الكِبر: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً فقال r إن الله جميل يحب الجمال، إذن هذا ليس من الكِبر لأن الله تعالى يحب أن يراك جميلاً وثوبك حسن ونعلك حسن. لازم معنى إن الله جميل يحب الجمال يعني أن الذي ذكره الصحابة من الملبس والنعال ليس كبراً والله تعالى يوصينا (خذوا زينتكم عند كل مسجد) ثم قال r: الكِبر بطر الحق وغمط الناس" غمط الناس أي أن تحتقرهم ولا تعتذر إن أخطأت لا لشيء إلا للكِبر ولا يمكن أن تقبل نصيحة أو تنبيه من أحد لأنك تعتبر نفسك أفضل منه من باب الكِبر، المسلم الحق ليس عنده مسألة الكِبر ولا شيء يمنعه من الخطأ لأن المعصوم هو الرسول r فقط. فاحتقار الناس كِبر وغمط الناس كِبر.
يجب أن ننظر في حياتنا وفي تصرفاتنا وأن نحترم بعضنا وخاصة موظفي المرور الذين يتعامل الناس معهم بكِبر لأن رتبته متواضعة ويتعاملون مع الأعلى مرتبة منه بشكل آخر. حتى الضابط يجب أن يتعامل مع الناس بشكل حضاري محترم ويحترم بشرية الناس ويجب أن يكون رسول الله r قدوة وأسوة لنا في حياتنا. لو فهمنا معنى قوله تعالى (الذين يمشون على الأرض هونا) لحّلُت الكثير من مشاكلنا الاجتماعية.
بُثّت الحلقة بتاريخ 12/12/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:39 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 26

التوصيف الحقيقي لعباد الرحمن وكيف نكون منهم؟
(وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66))
صفات عباد الرحمن كثيرة لكن الآيات ذكرت في البداية المشي (يمشون على الأرض هوناً) فما دلالة البدء بصفة المشي ثم جاء بعدها التطبيقات في الآداب والسلوكيات والإيمان والاسلام؟
هذه وقفة المتدبر بحق في آيات القرآن، لكن ما ذكرته من حيث الوقع الإيماني أو الإسلام أو التقوى أو الإحسان بكل الدرجات كلها جاءت ضمنياً في كلمة (عباد) التي أنهت القضية كلها وجمعت حقيقة التلقي للقرآن وحقيقة العلاقة مع الله سبحانه وتعالى الخالق الأعظم. عندما نسمع القرآن يحصل حالة من حالات التلقي وهذا التلقي له مراحل من حيث الإدراك والوجدان والنزوع، وهذه قضية مهمة جداً أن نعرف كيف تحصل مع العباد والعبيد وحتى العباد مختلفين فيها. تخيل أن عشرة أشخاص جالسين في مكان وقُريء عليهم القرآن هل يمكن أن يقول أحد أن العشرة مثل بعضهم في التلقي؟ بالطبع لا لأن منهم من يسمع نصف سماع لأنه مشغول بقضية ما وآخر يتفرّغ كلياً ليسمع آيات الله ومنهم من يتفرغ لتطبيقها ومنهم من يتفرغ ليفهمها فكل واحد يتلقى بشكل مختلف عن الآخر، فالعباد مختلفين في التلقي عن العبيد لذا قلنا كلمة (وعباد الرحمن) وهاتين الكلمتين تحتاجان إلى شغل طويل لو اشتغلناهم على وقع التدبر. الكل عبيد والعباد خرجوا من مسألة العبودية إضطرارياً أو إجبارياً إلى العبودية بفهم صافٍ لله تعالى وإخلاص ورضى وقناعة لله تعالى لم يجبرهم أحد على الإسلام كاليهود والنصارى مثلاً لأنهم مجبرين وإنما نحن والحمد لله جئنا طائعين. قلنا أن مراحل العبادة: الإسلام، الإيمان، التقوى، الإحسان وإسلام الوجه لله تعالى كل مرحلة من هذه المراحل مختلفة عند الناس والذي يرضى الله تعالى عنه كلما يرقى في درجة أو في مرحلة لا يثبت عندها وإنما يحاول الصعود إلى الدرجة التالية فكل درجة فيها إرتحال، فيها بداية ونهاية كما ذكر rفي مسألة القرآن "خيركم الحالّ المرتحل" لأن القرآن ليس فيه كلمة تفسّر لوحدها خارج سياقها وإنما هي مرتبطة بالآيات قبلها وبعدها وبالمفاهيم في السور المختلفة وهذه من عظمة هذا الكتاب.
لماذا كلمة عباد الرحمن؟ بحثت في القرآن فوجدت أن العبودية تمشي على الدرجات التي تكلمنا عنها: الإسلام، الإيمان، التقوى، الإحسان وإسلام الوجه لله، نسأل سؤالاً: عباد الرحمن أليس من التدبر أن أعرف أيُّ درجة هم؟ هل هم مؤمنين؟ متقين؟ أم محسنين؟ هل هم المؤمنون الذين وصفهم القرآن الكريم في آيات مختلفة وأفرد لهم سورة سماها سورة المؤمنون بدأها بـداية في منتهى الإبداع (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)). عباد الرحمن في سورة الفرقان بدأت صفاتهم بالمشي على الأرض هوناً والمؤمنون بدأت صفاتهم بالخشوع في الصلاة، وعند المؤمنين صفات قريبة من صفات عباد الرحمن فوصفهم الله تعالى في سورة المؤمنون (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3)) ووصف عباد الرحمن في سورة الفرقان (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)) لأنه في سورة المؤمنون يوصّف المؤمن غير العبد الذي يمشي في حياته، هذا توصيف أدائي وهذا توصيف توقيعي. عباد الرحمن ليسوا منفصلين عن الدنيا عندما ترتقي في مراحل العبودية تتوقع أن هؤلاء لا يخطئوا لكنهم فقد يمروا باللغو لكن يمرون كراماً أما في سورة المؤمنون فهم يبعدون عن اللغو ويعرضون عنه لذا عليك أن تحاول أن لا تتعرض للغو في حياتك كلها سواء كنت لوحدك أو مع الناس ولكن أصبحت الحياة الآن مليئة باللغو والمؤمنون للأسف لا يُعرضون عنه. معرِضين أي أنهم يحاولون عدم الذهاب لأماكن الشبهات ويبدأون بإعراض العين وينتهون بإعراض القلب، لو رأيت وردة مجرد ما وقعت عينك عليها صار عندك إدراك ثم انتقلت من عينك إلى إدراكك إلى الوجدان وتمنيت لو كانت الوردة لك ثم تبدأ مرحلة النزوع تريد أن تمد يدك لتقطفها، بين الوجدان والنزوع العملية الإيمانية إذا كانت الوردة في حديقة غيري لا تكون من حقي وإذا أخذتها أكون سارقاً، في هذه المرحلة قد يحدث النزوع والذي يمنع النزوع العملية الإيمانية. الرؤية تنتقل من الإدراك إلى الوجدان إلى النزوع وبينهما العملية الإيمانية فإذا كانت حراماً يخرج عن حقيقة الإيمان وقد يحدث النزع ويمنعه من ذلك المسألة الإيمانية لذا قال تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) لأنهم بدأوا يطبقون لو قلت لهم يغضوا من أبصارهم وغضوا أبصارهم يكونوا متقين ساعة ما غضوا أبصارهم أولاً ثم يرتقون إلى مرتبة الإحسان. يجب أن نصل إلى وقع بديع في القرآن، الآيات مترابطة وليس صدفة أن قال تعالى (وعباد الرحمن).
بحثت بعد العبودية عن كلمة الرحمن فوجدت أنها وردت في القرآن 57 مرة، خمسة منها وردت في سورة الفرقان واختلف عدد ورودها في سور القرآن لكن ما نلاحظه أنها وردت في سورة مريم وحدها 16 مرة وهذا رقم يلفت النظر فبحثت في سورة مريم عن صفات مشابهة لصفات عباد الرحمن لأنه طالما ورد ذكر الرحمن كثيراً في سورة مريم فلا بد أن لهذا دلالة.
قال تعالى في سورة مريم (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)) بعد أن ذكر الله تعالى في السورة معظم الأنبياء: زكريا وعيسى ونوح وابراهيم وموسى وهارون وادريس واسرائيل أي يعقوب قال أولئك أي كل الذين ذُكِروا ويجب على المسلم الحق أن يدخل تحت هذا التوصيف لأنه فتح لنا الخط ولم يقل تعالى (اولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين) فقط وحصرها بالأنبياء فقط وإنما قال (مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ) لو وقفت الآية هنا لقفلت الطريق في وجههنا لأنهم كلهم أنبياء الذين أنعم الله تعالى عليهم في الاصطفاء ولكنه تعالى قال سبحانه وتعالى (وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا) نكون نحن دخلنا معهم هذه فرصة لنا نحن أن ندخل في هذا التوصيف. وعلى المؤمن الحق أن يسمع هذه الآيات بملء السمع والبصر وأن يتدبر هذه الآيات التدبر اللائق كمسلم لله أسلم طواعية دون إجبار وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يجب أن يعلم ما هو المطلوب منه. الذي يأخذ هذه الصفات لما يسمع آيات الله عز وجل فيأتي له بصفة من أعلى صفات الله تعالى (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن) الرحمن تعمل مع العبودية بطريقة أنه لا يأتي بك على صفة من صفات الجلال فتخاف وإنما يأتي بأخص صفة من صفات الجمال وهي (الرحمن).
(خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا) لم يقل تعالى (سجدوا) هم خروا سجدوا وكان يمكن أن تكون سجدوا أحسن توصيف لو أن العملية تسير في مراحل الإدراك المختلفة: إدراك، وجدان، نزوع لكن لأنهم عبادٌ حق ينزعون فوراً للسجود. عندما نسمع (خروا سجداً) في سورة مريم نجد في سورة الإسراء نفس الكلمة (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107)) كلمة خرّوا تعطي سرعة في الحركة وفي الأداء، فعل نزوعي دون مرحلة الإدراك. السجود هو مطلق الخضوع والخشوع والبكاء دليل على أن القرآن يتغلغل داخل أعضائهم وقلبهم.البعض يقولون نقرأ القرآن ولا نبكي (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً) الإنسان اليهودي مثلاً إذا أسمعته القرآن أولاً ليُسلِم ثم يسمعه ثانية وثالثة فيحصل البكاء لكن البكاء لا يحصل في غير إدراك ووجدان ولا يدخل الكلام في القلب الذي لا يبكي لا يُدرك ولا يدخل الكلام إلى قلبه. البكاء ليس هدفاً بذاته وإنما – إذا جاز لي التعبير بهذا اللفظ - هو وسيلة من وسائل إستعطاف المولى عز وجلّ أني أصبحت ممن هدينا واجتبينا، عندما سمعوا خروا سجداً وبكياً والآخرون في سورة الفرقان يمضون الليل ساجدين. عباد الرحمن يستحقون العطف من المولى سبحانه وتعالى ويستحقون الجزاء (أولئك يجزون الغرفة) بما صبروا لأن الذي لا يبكي لا يصبر على القرآن.
حديث الرسول r عن التباكي عند قراءة القرآن " إن هذا القرآن نزل بحزن. فإذا قرأتموه فابكوا. فإن لم تبكوا فتباكوا." البعض يحتجون أنه كيف نتباكى؟ يعني كيف نمثّل البكاء؟ المقصود بالتباكي هنا ليس التظاهر بالبكاء لكن أن تدخل نفسك في الخشوع وللأسف في بعض الأحيان نسمع الشيخ يقرأ القرآن فنبكي لصوت الشيخ وليس لكلام الله تعالى. قلنا أن الإدراك والوجدان والنزوع مختلفين بحسب الأشخاص وهذا الاختلاف يجعل الأقل درجة يُقلِّد ويتأسى فلما نسمع قوله تعالى (خروا سجداً وبكيا) يجب أن أذهب لسورة الإسراء لأنه نفهم من الآية في سورة مريم أنهم سجدوا أي وضعوا الأنف والجبهة على الأرض، وفي سورة الإسراء (إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) الإسراء) أي يسجدون بالوجه كله وليس بمقدمة الوجه فقط بحيث أصبحت أذقانهم ملامسة للأرض وهذه تحتاج لوقفة. وفي سورة الفرقان (يبيتون لربهم سجداً وقياما) توصيف عباد الرحمن جاءت بعد مراحل خمسة: إسلام، إيمان، تقوى، إحسان، إسلام الوجه لله تبارك وتعالى.
وقبل أن نكمل سورة مريم يجب أن نأخذ جزئية تقوى ونذهب لأول سورة البقرة وليس من قبيل الصدفة أن ترتيبها في النزول 87 أول سورة في المدينة تكون على رأس الكتاب بعد الفاتحة لنسمع أول توصيف على وجه الإطلاق الذي لولاه ما وصلنا لتوصيف عباد الرحمن (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) فقط. إن لم تكن على التقوى فلا هداية لك عن طريق هذا الكتاب وهذا دليل أن البعض يسمع القرآن ولا يبكي. أول توصيف للمتقين (الذين يؤمنون بالغيب) هنا الترتيب حسب العملية المنطقية أن التقوى أولها إيمان لكن لما جاء بالإيمان جاء بالإيمان في القمة وهو الإيمان بالغيب كلّه وهذا توصيف عظيم ولم يقل يؤمنون بالله أو ملائكته لأن القيامة غيب والجنة غيب والملائكة غيب. ثم ذكر القيمة (ويقيمون الصلاة) لأنه إن لم تكن مؤمناً بالغيب لا تصلي ولو لم يقف عند هذه الآية يصلي ويتوقف لأنه ليس لديه مرحلة كاملة وإنما سقطت المرحلة منه. (ومما رزقناهم ينفقون) لا يسرق ولا يغش ولا يكذب والبعض يقول ما دخل الكذب هنا؟ نقول أنه للأسف مفهوم الرزق عند الناس غير واضح فهم يحصرونه فقط بالأموال ولكن الذي يكذب لماذا يكذب؟ يكذب لأنه يريد أن يغطي شيئاً ليس من حقه (ومما رزقناهم ينفقون) وملخص هذه الآية هو القناعة، يجب أن يُفهم الرزق أنه إذا قل المال فعندك صحة وإذا قلت الصحة عندك مال أو علم أو فكر أو إيمان أو نزوع للآخرة يعني هناك رزق والرزق قد يكون هداية من رب العالمين ليكون من المحسنين.
ما الفرق بين علم الله تبارك وتعالى وبين القضاء والقدر؟
الذي يسرق يحتج بأن الله تعالى حاشاه كتب عليه هذا ولكن نسأل هذا السارق الذي يقول هذا قضاء الله هل الناس كلها سرقت؟ وهل كل الناس التي سرقت لم تتوب أم أن منهم من تاب؟ وهل جاء ملكٌ وأجبرك على السرقة تحقيقاً لقضاء الله كما يقول؟ أنت سرقت وأخطأت وأنت بشر والمولى عز وجل يحبك إذا تبت. فهل فكرنا يوماً ما معنى أن الله تعالى يحبك؟ ولو فكرنا فيها لن نتركها حتى ندخل تحتها (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) فما هو الحب؟
إذا بحثنا في المعاجم وكتب اللغة عن كلمة الحب نجدها نقيض البغض ثم نبحث عن كلمة البغض فنجدها نقيض الحب. الله تعالى يحب هذه كلمة عظيمة جداً يجب أن نعرفها لندخل تحتها، لكن ما معنى الحب؟ قبل أن نعرف المعنى نوصف لما الله تعالى يحب شخصاً ماذا يحصل؟ جاءت القضية في حديث قدسي صحيح عند الإمام البخاري في منهتى الإبداع في العرض " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته)" وقد بدأ الحديث بطريقة في منتهى الإبداع " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب" فلو كان الذي يسمع واعياً يجب أن يكون من أولياء الله وفي معية الله. سبق أن قلنا أن الولاية تكون إما ولاية الله تبارك وتعالى أو ولاية الشيطان ولا ثالث لهما لذا الآيات تحث على عدم الشرك هل يمكن لأحد أن يقول عندما يصف عباد الرحمن (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر) هم لم يصبحوا عباداً إلا لأنهم أسلموا ولم يشركوا لكن هذه قضية مهمة جداً يجب أن يعرضها القرآن لأنه لو أحد من عباد الرحمن أشرك يضيّع نفسه لو مات عليه، فإياك أن لا تكون في ولاية الله تعالى.
نثبت عدم تلقينا بوعي: في السابق كانوا يقولون "توكلت على الله وعليك" ثم لما حسّنوها وعدّلوها لم يضبطوها فقالوا "توكلت على الله ثم عليك" تعني أني متوكل على الله وعلى أحد آخر لأن (ثم) تفيد التراخي، لكن الأصل أن تقول توكلت على الله وأقصدك لتقوم لي بخدمة ولا تقول (ثم) لأنه لو كان لدينا تلقي بوعي نفهم الكلام. مع صفات عباد الرحمن ومع صفات المتقين يدخل قصة عدم الشرك (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر) أي أنهم يدعون إلهاً واحداً يتوكلوا عليه لوحده ليس معه أحد.
(من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحربً) لو أنت إنسان واعي ادخل في ولاية الله وكله سيكون مسخراً لك. ثم يلتفت المولى ليصحح لنا مفاهيم العبودية، أنت تريد أن تتقرب إلى الله فتصلي مثلاً عشر ركعات لكن نسألك هل صلّيت الفرض في وقته مثلاً؟ " وما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه" يعني تقربك إلى الله تعالى يكون تلقائياً من حيث الفرائض، تقرّب صح في الفرائض وليس في الصلاة فقط وإنما في الصلاة والصوم والزكاة والحج كلها فرائض تتقرب بها إلى الله عز وجل فأفضل ما تتقرب إلى الله تعالى به هو الفرائض. لكن أنا أريد أن أحب أكثر وأريد أن أكون محبوباً من الله تعالى " وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها " إستخدام كلمة (عبدي) تكرر في الحديث وتتناسب مع كلمة عباد. واستعمال الفعل المضارع في (وما يزال) يدل على الحال والاستقبال أي أن هذا الرجل دائماً هكذا، هنا يحصل الحب ولما يحبك المولى تعالى؟. الصحابة قالوا للرسول r إننا نحب الله عز وجل حباً عظيماً إلى درجة التشبع، فنزل القرآن أنه لا يهم أن تحبوا الله لكن القضية أن يحببكم الله تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) آل عمران) القضية إذن أن الله تعالى يحبك وهو يحبك بأن تسمع كلام محمد r سماع تطبيق واتّباع. البعض يقول هناك نصارى ويهود يعملون أعمالاً جيدة فهل يدخل النار؟ نقول لهم أن رأس القضية وسبيلها إتّباع محمد rوالذي يعمل خيراً من غير المسلمين يأخذ أجره في الدنيا ولا يظلم الله تعالى أحداً (وما ربك بظلام للعبيد) والله تعالى يعطيهم الشهرة والمال في الدنيا، لكن هل هذا يجيز للمسلمين أن يتراخوا ويتركوا الدنيا ويقولوا لنا الآخرة والدنيا لغير المسلمين؟ كلا لأن الله تعالى تبارك وتعالى قال (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) التوبة) هناك آيات كثيرة تدعو إلى العمل في القرآن وليس هناك تراخي في العمل في القرآن والإيمان مقترن بالعمل الذي ينفع العباد يجب أن تشتغل إلى درجة أن ينتفع غيرك بعملك.
والحديث القدسي يوضح مرحلة الحب ماذا يحصل بعدها؟ " فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذني لأعيذنَّه ". هل هناك أجمل من هذا الحديث في درجة العبودية لله تبارك وتعالى؟ تخيل عندما يكون الله تبارك وتعالى سمعك وبصرك ويدك ستستحي أن تعمل السيئات بعد أن فهمت الحديث أن الله تبارك وتعالى سمعي وبصري ويدي. والتوقيع في الحديث جميل جداً " كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها " عندما يكون الله تعالى سمعي سأسمع بتدبر وسأتوقف عن سماع ما لا يجب سماعه طالما تيقنت أن الله تعالى سماعي وإذا خاف الناس إستقر المجتمع ولكن الناس بعيدين عن التدبر وهناك إستهتار لحالة التدبر. عندنا غفلة حدثت بيقين الآية بدأت (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) مريم) الذين أنعم عليهم ربنا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ثم يأتي بعدها قوله تعالى: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)) وفي سورة الفرقان (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) ولخّص (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) لخصها بـ (إتبعوا الشهوات) والخَلْف أي خلف سيء طالح والخَلَف الصالح. ثم جاءت (إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً) كما جاء في سورة الفرقان. هل نريد أن تكون خَلْفاً أو من الذين أنعم الله عليهم؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 19/12/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:41 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 27

إضاعة الصلاة وإتّباع الشهوات يُخرِجان من عباد الرحمن.
إذا تأملنا في ترتيب الآيات في سورة مريم (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60)) نجده مشابهاً للترتيب في سورة الفرقان في صفات عباد الرحمن (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)) بعد أن يذكر الشهوات يذكر إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً، فكيف الربط بينهما؟
الخطورة بدأت من الخَلْف (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) وقفة مع توقيع الفعل (فخَلَف) أي جاء بعدهم ذرية سُوُّوا بالخَلْف وذكرنا في الحلقة السابقة الفرق بين الخَلْف (الطالح) والخَلَف (الصالح). الصلاة هنا في الآية مجاز أو كناية عن أركان الإسلام كلها، فلما أضاعوا الصلاة أضاعوا بقية الأركان. فالصلاة إذن كناية عن أركان الإسلام والرسول r يقول في الحديث الشريف: "بُني الإسلام على خمس شهادة إن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاء وحج البيت وصوم رمضان" وسبق أن قلنا أن الإسلام بُني على هذه الأركان وليس محصوراً فيها فقط وكلما قوّيت هذه الأركان يقوى البناء. وعندنا حديث آخر "الصلاة عماد الدين" فإذن عندما نضيّع الصلاة نضيّع بقية الأركان ونضيّع الدين. (أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) جاءا في الترتيب وراء بعض لأنهم لما أضاعوا الصلاة لم يعد عندهم دين ولم يعد عندهم عبادة ولم يعد عندهم عبودية وللأسف لم يعد عندهم إله والعياذ بالله. (وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ) هنا وقفة أن إتباع الشهوات قد يكون في ذات وفي صُلب الدين فبعض الناس تعمل أشياء على أنها تتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى وظنّاُ منها أن هذا تديّن أو زيادة في الدين. نضرب مثالاً على ذلك: المرأة الحائض تريد أن تقرأ القرآن وهي حائض والبعض للأسف أفتى لها أن تلبس قفازاً لتقرأ القرآن لكن نسأل هل يدها وسخة حتى تغطيها وتقرأ القرآن؟ هناك آداب فرضها ربُّ الناس. المرأة الحائض في تركها للقرآن في هذه الفترة عبادة وطاعة لله تبارك وتعالى لأن الله تعالى أمرها بأن تقطع الصلاة في فترة الحيض فعليها أن تقطع. المرأة الحائض التي سيتركها الركب في الحج في مكة نقول لها تحفّظي وطوفي وإسعي عند الضرورة لكن لا تصلّي ولا تدخلي المسجد، هي لا تصلي وهي حائض. الجُنُب الذي إنقطعت الماء عنه نقول له تيمم وصلِّ. لكن المرأة الحائض لا نقول لها تيممي وصلّي. والمرأة الحائض قيل لها توقفي عن الصلاة فترة الحيض لأن الصلاة كلها قرآن: الفاتحة وما تيسر، وسبحان الله العظيم وسبحان ربي الأعلى توقيع لما في القرآن (فسبح باسم ربك العظيم، سبح اسم ربك الأعلى) فالتسبيح توقيع القرآن. فمن تعظيم القرآن إذن أن لا تقرأ الحائض القرآن وهذا الحرمان هو طاعة لله تبارك وتعالى وعبادة لأنها تسير على مراد الله تبارك وتعالى لا على مرادها هي.
إتباع الشهوات والهوى في مسألة دينية وإياكم إتباعها لأن الله تعالى يرفضها وفي صفات عباد الرحمن يقول تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) الفرقان). البعض سألنا في إحدى المحاضرات هل هناك قتل بالحق؟ نعم هناك قتلٌ بالحق مثل رجم الزاني وقتل المرتد والقصاص كلها قتلٌ بالحق. في صفات عباد الرحمن قال تعالى (ولا يزنون) وفي صفات المؤمنين (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7)) يوضح القرآن لنا الحرام (فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) هذه آية واضحة.
(أضاعوا الصلاة) نقطة خطيرة، البعض يسأل كيف نضيع الصلاة؟ يمكن أن يكون صلّى ولم يعمل بها فيكون أضاعها لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر فلو صلّى وأتى الفحشاء والمنكر يكزون أضاع الصلاة كالذي يأخذ دواءً منتهي الصلاحية فهو لا ينفعه ولا يضره فهو كأنه أخذ ولم يأخذ وصلّى ولم يصلِّ. الرجل المسيئ صلاته صلّى ورآه المسلمون في المسجد يصلي لكن الرسول r لما رآه قال له: إرجع فصلِّ فإنك لم تصلي. فإذا أخذنا هذا الكلام بمفهوم الآية في الكناية والمجاز يكون أضاع الصلاة والزكاة والصيام والحج. حجّ على هواه وزكّى من حرام وصام صيام قال فيه r:" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". صلى ولم يصلي وزكى ولم يزكي وحج ولم يحج. كلمة أضاعوا الصلاة تُبيّن أنهم عملوها لكن ضيّعوها ولم يستفيدوا منها ولم تنههم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر.
سؤال: "ضيّعك الله كما ضيّعتني" هذا ما تقوله الصلاة يوم القيامة لمن صلّى ولم يصلي؟ أو لمن صلّى ولم يستشعر عظمة الله تبارك وتعالى؟ أو الذي لم يصلِّها في وقتها؟ أو غير المنتظم فيها؟
هذا ينطبق عليها بيقين لأنه عندنا حديث لا ننتبه له في الصلاة " صلّوا كما رأيتموني أصلّي" وحديث آخر في الحج " خذوا عني مناسككم" لكن للأسف نحن لا نصلي مثله r ولا نحج مثله. والنتيجة يستوي عندنا إن صلينا في موعد الصلاة أو بعده، إن قرأت بسرعة أو أسرعت في الحركات. المفروض أن أقوم بالشيء على مراد الله تبارك وتعالى ورسوله r. في الآية قال تعالى (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59) مريم) الغيّ هو الشِرك والضلال، أي يلقون جزاء الغيّ مثل قوله تعالى (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) الفرقان) جزاء الإثم واستثنى أي أنه يمكن أن يكون أحدهم قد أضاع الصلاة واتّبع الشهوات لكنه تاب وصلى لكنه عليه أن يؤدي (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) لما نسمع هذه الآية كأن الإيمان حصل له شيء وكأن الذي أضاع الصلاة خُدِش إيمانه ولم يعد الإيمان كما يجب. (وَعَمِلَ صَالِحًا) الذي فعل هذا رغم أنه كان أضاع الصلاة واتبع الشهوات هناك قال (فسوف يلقون غيّا) لكن في هؤلاء التائبين قال (فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) مريم) هنا أيضاً تكررت لفطة (الرحمن) ولفظة (عباد) أي عباد الرحمن وُعِدوا بجنات عدن التي هي الغُرفة التي هي أعلى مكان في الجنة. الغُرفة يطلقها العرب على أحسن مكان في البيت ويجب أن يكون عالياً، الغرف تكون عالية. (جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا (61) مريم) يقابلها في سورة الفرقان (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) ويقابلها (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) الفرقان) يؤكد الله تبارك وتعالى (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) الفرقان).
سؤال: هل مسألة إتباع الهوى نوع من إتباع الشهوات؟
الشهوة تتضمن الهوى، إرضاءً للهوى وكلها على مراد غير مراد الله تبارك وتعالى. لو عدنا إلى سورة الإسراء نجد قوله تعالى (وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106)) (على مكث) تعني أن هذا القرآن إذا قُريء بسرعة لن يدخل إلى مراحل تلقي القرآن: مرحلة الإدراك والوجدان والنزوع التي تحدثنا عنها في الحلقة السابقة والذي يقرأ القرآن بسرعة لن يُطبِّق. قال تعالى (نزلناه تنزيلا) أي متفرقاً على عكس الإنزال (وبالحق أنزلناه).
(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا {س}(109) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111))
الناس تقول نقرأ القرآن ولا نبكي فنسألهم متى بكى هؤلاء؟ الآيات ذكرت (إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا) في البداية لم يكن هناك بكاء لكنهم لما سبّحوا ربهم خرّوا يبكون (وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) إذن لما حصلت عملية التسبيح والتنزيه لله تعالى وأدخلوا القرآن ضمن نطاق الإدراك والوجدان والنزوع خروا للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا. لكن طالما أنت جاعل القرآن خارج الإدراك والوجدان والنزوع لن تبكي. أما في سورة مريم فهؤلاء خروا سجداً وبكياً لأن الله تعالى أنعم عليهم (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) مريم).
(قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ) ذكر لفظة الرحمن وهي الصفة الوحيدة التي جاءت مقابل إسم الجلالة الله لأنه بالرحمن يرحم المؤمن والكافر والمتفي والعاصي أما لفظة الرحيم فلا تكون إلا للمؤمنين فقط ولفظة الرحمن جاءت هنا في الآية لأن الكافر الذي قد يأتي إلى الإيمان يأتي بهذه الرحمة الواسعة.
بعض الناس لا يتمالك نفسه أو يضبطها فيزني ويتبع هواه والبعض يتبع الهوى في الدين فيختار الدين على مراده هو وليس على مراد الله سبحانه وتعالى فيرفض مثلاً كل ما لا يفهم الحكمة منه والبعض يسأل فهمنا سبب تحريم الخمر لكن لما حُرِّم الخنزير؟ هذا بمجرد إبداء رأيه في مسألة هو يوافق عليها يكون قد إتبع هواه. نقول لهذا الإنسان أن جرعة الخمر الواحدة لا تُسكِر لكنها حرام على مراد الله تبارك وتعالى وليس على مرادي أنا، ما أسكر كثيره فقليله حرام.. أنا لا أترك الحرام لأني اقتنعت بحرمته لكن أتركه دون أن أناقش لأن الله تبارك وتعالى حرّمه. أمتنع عن الذي حرّمه الله تعالى لأنه هو سبحانه حرّمها. فالميسر مثلاً حتى لو لم تخسر فيه فهو حرام سواء خسرت أو ربحت إذا خسرت تكون ضيعت المال وإن ربحت يكون كسباً حراماً وتكون قد خسّرت مسلماً آخر وأنت تمتنع عنه لأن الله تبارك وتعالى أمر بالابتعاد عنه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91) المائدة) القضية هي أمر طاعة مجرّد، أنت عبد لله تعالى فهمته أو لم تفهمه. الأمور الدينية في الحلال والحرام لا فلسفة فيها ولا إختيار بشري. المولى عز وجل ضرب لنا أخصّ موضع العبودية في أشرف المواقف فقال تعالى في الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) وقال في الفرقان (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) تنزيل القرآن أعظم ما يحدث ومع هذا قال (على عبده). القصة قصة طاعة مجردة فإذا إعترفت أنك عبدٌ لله تعالى لا تناقش تكاليف الله تبارك وتعالى وإلا صرت ممن اتبع هواه وتخرج من طاعة الله تعالى وتخرج عن نطاق العبودية وهذا يحدث كثيراً للأسف في مجتمعاتنا الذين يرون في بعض التكاليف رجعية ولا تصلح لزماننا لكن غاب عن هؤلاء قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36) الأحزاب) إذا قال الله وقال الرسول r علينا الإتّباع وإلا خرجنا من نطاق العبودية.
(وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) الإسراء) المكث أي الهدوء والروية والتؤدة والاستعداد للتلقي. نحن للأسف نقرأ القرآن ونسابق لنقول إنتهيت من كذا جزء ولا نقرأه على أساس أنه منهج. فالمطلوب أن أقرأ القرآن لأنه منهج وليس مجرد قراءة صفحاته. وللأسف نحن نضيع أبناءنا لأننا نهتم بدراستهم للمواد العلمية وندعهم يتركون القرآن فنتابع معه الدراسة في كل المواد العلمية وعندما يصل إلى مادة القرآن نقول له ادخل نم فهذا غير مهم لأننا للأسف لا نملك نزعة التلقي الحق للقرآن ولو علّمنا أولادنا كيف يتلقى بشكل صحيح تنتظم حياته ولو علّمناه كيف ينتظم في صلاته فسوف ينتظم في حياته وفي مواعيده. سعيد بن المسيب عندما سمع الحديث الضعيف أنه لو صلّى الإنسان في المسجد أربعين صلاة يُشهد له بالإيمان ويدخل الجنة وغيره فبقي 40 سنة يؤذّن المؤذن وهو على وضوء داخل المسجد ينتظر الصلاة ومن ينتظر الصلاة كأنه يصلي، كأنه في صلاة، هذا الإلتزام بحد ذاته هو بداية إقامة الصلاة فالذي يفعل هذا لا يمكن أن يقرأ الفاتحة بسرعة أو يصلي بسرعة. يجب أن نصحح أنفسنا وصلاتنا، نحن علّمونا منذ الصغر في المدارس أن نقرأ الفاتحة وسورة قصيرة في الصلاة وهذا خطأ فالمطلوب أن نقرأ الفاتحة وما تيسر من القرآن لا سورة قصيرة ونحن للأسف كبرنا وما زلنا نصلي بالفاتحة وسورة قصيرة فما المانع أن نقرأ ما تيسر من آيات من سورة البقرة أو غيرها؟ ولكن الحمد لله تعالى أنه توجد مدارس الآن إسلامية تهتم بالمنهج العلمي وتهتم بالمنهج الديني من قرآن وفهم وتفسير وتطبيق.
الآيات التي نتدبرها في هذه الحلقة هي مجموعة آيات لها معنى واحد (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً (106) الإسراء) فرقناه أي نزلناه على مدى 23 سنة ونحن للأسف نريد أن نقرأه في أسبوع وهذا لن يؤدي إلى فهمه، صحيح أنه نحتاج لقراءته كل أسبوع لكن لمراجعة الحفظ وتداخل الآيات لكن علينا أن نتدبر. والتدبر لا يكون في أسبوع أو شهر أو سنة. التدبر يكون كما نزل على مدى 23 سنة. لما قال تعالى (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ ) الآيات بعدها توضح معناها (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً) أي نزلناه تنزيلاً متفرقاً يناسب الأحداث والظروف والتشريع. فمن قراءة الإنسان للقرآن يبدأ العمل. الذي يقرأ (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) يبدأ يأخذ كل كلمة في الآية ويتدبر لم نزلت ولم قال يمشون ولم قال عباد ولم قال الرحمن ويأخذ كل كلمة ويطبقها في حياته لكن المشكلة أن كثيرين يقرأون القرآن وهم على الكِبر وعليه أن يستغفر الله ويطلب منه أن يخلّصه من الكِبر لأن الرسول r قال " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر" وقال r" الكِبر بطَر الحق وغمط الناس". المسألة ليست مسألة كم قرأت من القرآن؟ وإنما ماذا فهمت؟ وماذا طبّقت؟
نحن بدأنا في صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان وتدبرنا للفظة (الرحمن) جعلتنا نذهب لبداية سورة الفرقان (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده) ثم إنتقلنا إلى سورة مريم ووقفنا عندها ثم انتقلنا إلى سورة الإسراء (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ) الرحمن صفة وحيدة تأتي بمقابل إسم الجلالة الجامع (الله). كل هذا تدبّر لنصل في النهاية أن نخرج من صفات عباد الرحمن بهذه الصفات التي يجب أن نكون عليها في الدنيا حتى نسمع قول الحق تبارك وتعالى (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا). آخر آيات سورة الفرقان آية (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) لو وقعت في قلب مؤمن حق يسجد لله تعالى ويطلب من الله تعالى أن يحفظه ويعافيه من هذه الصفة ومن هذا التوصيف، يجب أن نسأل أنفسنا لمن هذا الكلام في الآية؟ للمشرك؟ أو للمنافق؟ أو لأي شخص دون عبد الرحمن؟ الخطاب لكل من ليس من عباد الرحمن. (فسوف يكون لزاما) ما معنى لزاما؟ ولو كنت من أهل هذا التوصيف في الآية ماذا أفعل وكيف أخرج منه؟ الله تعالى لا يُلزمه شيء سبحانه ولكنه ألزم نفسه تبارك وتعالى باشياء (وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ). كم من المسلمين هم غير مسلمين؟ وكم تائب يتوب كل لحظة؟ هذا كله من فضل الله تبارك وتعالى ورحمته التي وسعت كل شيء. هذه الرحمة الواسعة من الله تبارك وتعالى تُدخِل في الإسلام كل يوم عدداً من المنافقين والمشركين والمسلمين الذين كانوا مسلمين بالإسم فقط. كل آيات التوبة (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) الفرقان) (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا (60) مريم) تدل على أن التوبة عملية متكاملة فيها توبة وأوبة وإنابة واستغفار ورد حقوق ومظالم فهي إذن عملية وليست مجرد كلمة. فالمسألة ليست صعبة وليست سهلة ورحمة الله تبارك وتعالى أوسع مما نظن وأن الله تعالى لا يغلق بابه أبدأ لأي طارق أو لأي من يلجأ إليه. هناك قال (أولئك يدخلون الجنة) وهنا يقول (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) هذه مكافأة لعباد الرحمن أن الذي تاب صح وآمن صح وعمل صالحاً صح يبدل الله سيئاتهم حسنات كأن هذا ضمان أنه لن يعمل سيئات مرة ثانية. عند كثير من المفسرين أنه إستبدال لما كان متوقعاً منهم على الضلال سيكون على الهدى. ثم قال تعالى (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان) تأكيد. (متابا) كأنه ذهب إلى مكان لا يريد أن يخرج منه من جمالها (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وأقيموا الصلاة (31) الروم) المكان متاب، عمل سياج تقوى فيه وجلس يصلي ويصوم ويتعامل مع الناس بصدق وبحق وبأمانة وبتقوى وبإحسان، يمهل المُعسِر ويسرع في أداء ما عليه، هذا جلس في (متاب). ماذا يحصل له؟ (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) الغرفة هي أعلى مكان في الجنة وهي متميزة داخل الفردوس. بعد التحقيق وجدنا أن الغرفة هي التميز داخل التميز, الغرفة تظهر مع هول المطلع عند أول سكرات الموت كما ذكرنا في حديث خروج الروح حينما يعلم الميت مكانه في الجنة وتأتيه الملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس بحنوط وكفن من الجنة لا علاقة له بكفن الدنيا وحنوطها وبعد أن يجيب على الأسئلة الأربعة في القبر ينادي الله عز وجل أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة فيقول العبد حينها: اللهم أقِم الساعة لأنه أمِن والعكس في حال أهل النار الذي يرى مقعده في النار يقول رب لا تقم الساعة والعياذ بالله.
بُثّت الحلقة بتاريخ 26/12/2006م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:43 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 28

نبدأ من أول توصيف عباد الرحمن للتثبيت: الكلام بدأ بحرف الواو كأن الكلام مسترسل والمفروض لو أنه موضوع جديد يبدأ بجملة جديدة لكن الواو الناس تفهم أنها حرف عطف في أغلب الأحيان فهل هي هنا حرف عطف أو إسترسال؟
في الحقيقة الواو هي واو إستئناف لكلام مبني على ما قبله من الآيات. ولقد اتفقنا أن قوله تعالى (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا (60)) بدأت تصف كل من أنكر أو كفر بالله تبارك وتعالى. فكأننا بالله تبارك وتعالى أما عباد الرحمن. عندما نأخذ عباد الرحمن يجب أن نفكر في شيء: نحن كمسلمين ماذا ننوي فعله في المستقبل وقد تردّى الوضع العام للأمة بنا وهذا شيء يقلق الإنسان؟ لكن الإنسان الواعي يجب أن يفهم أنه لن يحاسب على ما حوله من الأحداث ولكن سيحاسب عن عقيدته وعن إيمانه ويستطيع من هو في قلب هذه الأحداث المتردية أن يكون من عباد الرحمن وهذا سر وصف المولى عز وجل لهؤلاء العباد في هذه الآية بالذات بهذا الترتيب. نحن اتفقنا أن كلمة الله هي الإسم الجامع لكل صفات الجمال والجلال، قد يسأل أحدهم كان يمكن أن يقول وعباد الله (الإسم الجامع) ويقول قد تكون أولى، لكن نقول له هذا توصيفك أنت والقرآن كلام الله على مراد الله ولو تدبرنا لوجدنا أن عباد الرحمن أفضل من عباد الله هنا في الآيات.
سؤال: لماذا جاء الأمر بالسجود بإسم الله تعالى الرحمن (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ (60)) وليس الله؟
كأني بالله تبارك وتعالى يهوّن عليك المسألة. لو قال اسجد لله، الله فيها الرحمن وفيها المتكبر وفيها المقتدر وفيها صفات ترهبك وهي صفات الجلال كلها صفات مرهبة ترهب العبد فاختار تعالى أخص صفة. لو قال مثلاً اسجدوا للرحيم لا تكون كالرحمن لأن الرحيم - بعد دراسات كثيرة - ثبت أنها تكون للمؤمنين فقط لا يرحم الله برحمته من الرحيم إلا من آمن به بدليل يوم القيامة لن تجد كلمة الرحمن ولكن تجد كلمة الرحيم. لأن الرحمن صفة من صفات الإمتلاء والكمال التي تعمل في الدنيا حتى يطعم الكافر. لو أن الله تعالى ليس رحماناً لم يطعم الكافر " لو أن الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء" إلا أنه رحمن لأن الصفة ممتلئة فحتى الكافر يطعم ويعيش في نعيم لعله يفيق ويرجع. لما قيل لهم اسجدوا للرحمن لأنه رحمن فتكون استجابتهم أسرع ومع ذلك لم يستجيبوا. ولما جاء إلى التوصيف (يجب أن نعيش السجود لأن المفسرين اختلفوا في معنى السجود هنا). السجود في الآية ليس بمعنى الصلاة وليس سجود الصلاة وإنما السجود بمعناه اللغوي الذي هو شامل للصلاة أي أن الصلاة تكون مرتبة فيه، لأن كلمة سجد معناها خضع وخشع، فاسجدوا للرحمن أي اخضعوا للرحمن وانصاعوا لأوامره واجتنبوا نواهيه، هذه هنا عملية العبادة التسليم لله وتستسلم لأوامره وتصدق رسله بدليل أن إسلامنا بمحمد r لا يصح بكفرنا بعيسى u والقضية ليست في عيسى u ولكن في رب عيسى لأن رب محمد r هو رب عيسى uفإنكارك لعيسى إنكار لمن أرسله سبحانه وتعالى لذا العبودية لا تتجزأ ومن أصل العبودية عندنا ومن صحيح الإسلام عندنا أن تؤمن بحميع الملائكة وبجميع الرسل وبجميع الكتب الصحيحة التي أنزلها الله تبارك وتعالى قبل تحريفها، إيماننا بالتوراة قبل التحريف وبالإنجيل قبل التأليف، هذه هي عقيدتنا. لذا صفات عباد الرحمن هي الصفات الفارقة بين العبادات السليمة والعبادات غير السليمة.
الحق لا يتعدد والآيات هذه مبنية على هذه الفكرة، قوله تعالى (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) الفرقان) الجاهل هذا بماذا سيتكلم؟ بمنطق مجافي للحق. لأن الحق لا يتعدد فعباد الرحمن عندهم الحق والجاهل ليس عنده فسيكون هناك مشكلة في الحوار فالمولى عز وجل يعلمك وأنت عبدٌ له عليك أن تتعامل بطريقة أعطاها الله لك وأمرك بها حتى تكون أنت في حد ذاتك كعبدٍ لله رسول. هذه الآيات يجب أن نتوقف عندها كلمة كلمة بالمعنى ولازم المعنى والمراد منها. فكلمة (سلاماً) في حد ذاتها كلمة، لوسألنا ما معنى سلاماً ستقول معناها قولاً هيناً وهذا ليس المعنى ولكن لازم المعنى، ما المراد منها؟ المراد هنا أن يكون الحوار بينك أنت كعبد للرحمن وبين الجاهل (الجاهل ليس الأمي)، فرق كبير بين الجاهل والأمي. الأمي لا يتعبني، وقد سبق وذكرنا معنى الأمية وقلنا أن الأمي هو الذي يكتب ولا يحسب إنما يقرأ لأن القراءة تكون عن سماع وليس عن كتابة. وأنت تكلم الأمي ليس عنده خلفية ولا عوامل تعليم فسيسمع كلامك ويأخذه أما الجاهل فهو يحتاج لمسح ما عنده ثم تدخِل ما عندك، لذا اختار تعالى كلمة (الجاهلون) في لغة الحوار، الذي يخاطب هو الجاهل ويعطيك عكس كل كلمة تقولها ويستهزئ بها، تقول له الحج يقول لك وثنية ولماذا تلفّ سبع مرات حول الكعبة ولماذا سبعة ولماذا تصلي ركعتين بعدها؟ ويسفّه كل ما تفعله، الصلاة، يقول لك أن المولى لا يحتاج لصلاتك.
واضح أن هذا الكلام يقع تحت بند الضلال أنه طالما هذا الجاهل جهل الحق المبين فهو واقع تحت الضلال المبين لذا يقول تعالى (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ (32) يونس) لأن الحق لا يتعدد إما حقٌ وإما باطل ومن عين اللغة البيان العربي أن من أسماء الله تبارك وتعالى الواحد ومن أسمائه الحق لأن الحق واحد لا يتعدد ومن أسمائه الأحد لأن الواحد قد يكون بعده ثاني أما الأحد فليس معه ثاني (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) يونس).
سؤال: أول توصيف لعباد الرحمن هو المشي، فهل هناك دلالة خاصة للبدء بصفة المشي في توصيف عباد الرحمن (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63) الفرقان)؟ كأن مشوارهم في الحياة يبتدئ بالمشي؟
الآيات ليست بالمعنى أو بلازم المعنى وإنما بالمعنى ولازم المعنى والمراد من المعنى. لو تكبر الإنسان لن يكون من عباد الرحمن. بدأ الله تعالى بوصف المشي (يمشون) ولم ننتبه إلى أن كلمة عباد الرحمن فيها وصف لذواتهم هم اختاروا أن يكونوا عباداً وليس عبيداً. كلمة (وعباد الرحمن) فيها وصف بدون أن نشعر، كلمة (يمشون) واضح أن فيها وصف لكننا لم ننتبه إلى الوصف الضمني في (عباد الرحمن). هل الكافر من عباد الرحمن؟ لا هو من العبيد وليس من العباد فيجب أن نفهم أولاً نحن كمسلمين ونحدد منهجاً لنا كمسلمين وإلا سنصطدم بواقع مؤلم جداً طلب عباد الرحمن من الله تعالى أن لا يقعوا فيه (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) الفرقان) فالذي لن يفيق ويضع نفسه في مصاف عباد الرحمن سيصطدم بواقع لا تبديل له ولا فرار منه. ومن هنا هذه الآية يجب أن تبدأ بحمد الله أن أبقانا على قيد الحياة حتى نفيق إلى توصيف أنفسنا، فكلمة عباد الرحمن فيها توصيف هم اختاروا وتنازلوا عن اختيار أعطاهم الله تعالى إياه، هذا الاختيار هو: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (29) الكهف) ما أعظم هذا الإله؟ وما أعدله! هل يوجد حاكم في الدنيا يضع قانوناً أو منهجاً ثم يقول للناس هذا القانون ولكم حرية الإختيار؟ الذي اختار المولى أعطاه صفة الرحمن وأعطاه صفة العباد وليس العبيد.
سؤال: يصدر قانون من قوانين الحياة كقانون حزام الأمان في السيارة فتجد المجتمع من اليوم التالي يتقيد بهذا القانون ويلتزم به حتى لا يدفع الغرامة المالية مهما كانت بسيطة، نفس الشخص يعرف أن الرشوة حرام وخطأ ويعرف أن عليه غرامة ورب العالمين سيحاسبه عليها يوم القيامة ومع هذا لا يتقيد بالقوانين الإلهية فهل السبب في هذا أنه لم ير أحد الله تعالى ولأن العقاب مؤجل إلى يوم القيامة وهل لأن الناس تقول إن الله غفور رحيم ويغفلون عن أنه سبحانه شديد العذاب؟
هذه تجعل الشخص يسوّف ويماري لكن لا تجعله يفلت من العذاب. هي تجعله يؤجل ويسوف ويماري لكنه لا يفلت من العذاب. عندنا قاعدة في منتهى الإبداع: الرجل في أوروبا وأميركا والذي وصل لدرجة عالية من العلوم وتجده كافراً تقول له عرفت أن تبحث في كل هذه العلوم الصعبة ولم تعرف أن هناك إله واحد؟ هذا غير ممكن هذه حجة مدحوضة يوم القيامة لأن الإيمان فطرة أزلية أنت بفطرتك السليمة قبل الخلق في عالم الذر شهدت بأن الله واحد وأنه هو الحق (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) أشهدهم ولم يسألهم وهم قالوا كلمة لغوية بحتة (قالوا بلى) لم يقولوا نعم إذن نحن علماء بالفطرة السليمة. الفطرة السليمة هي التي تجعل بعض العلماء يؤمنوا. هذا السبب والحيثية هي نظرة رضى من الله تبارك وتعالى، قطرة من فيض جود الله تملأ الأرض ريّاً ونظرة بعين رضى الله تجعل الكافر وليّاً لذا علينا أن نتمسك بهذا الإله الحق ونعتصم به ونلجأ إليه بالعبودية.
(وعباد الرحمن) يجب كمسلمين أن نفهم معنى العبودية والعبادية والعبيدية. نضرب مثالاً بأي مسلم وأي مشرك أو يهودي أو منافق كل هؤلاء زمرة واحدة التي هي تحت بند الجهل. تعريف الجاهل عند أهل اللغة هو السفيه والسفيه هو الذي يقلب المستحيل ممكناً ويكلمك فيه، ولذلك وصفهم تعالى (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) الفرقان) لأن السفه أقل مرتبة من الجهل. (عباد) فيها توصيف تعني أنهم تنازلوا عن إختيار فرضه الله تعالى على الخلق جميعاً (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (29) الكهف)، رفضوا اختيارهم وألجأوه إلى اختيار الله تعالى لتكون عبادتهم على مراد الله عز وجل لأن الذي لن يفعل هذا من مشرك أو كافر أو منافق لن يمكنه أن يستيقظ صباحاً ويفعل شيئاً لم يرده الله تعالى ولم يكتبه عليه لذا فهو عبد. أنت عبد من العباد الذين تحرروا من عبودية الناس إلى عبودية رب الناس لكنه هو من العبيد الذين ارهقوا أنفسهم بالعبودية لغير الله تبارك وتعالى، اليهودي مثلاً أقل ما يقال أنه عبدٌ لهواه وضيّع نفسه واتخذ إلهه هواه هذا أقل شيء. كلمة (وعباد الرحمن) تبين أنهم تحرروا من عبودية القهر إلى عبودية العِزّ ولتأكيد الفكرة في أدق المواقف في القرآن الكريم مثل موقف الإسراء والمعراج قال تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ (1) الإسراء) ليبيّن أن العبودية عز وشرف ولو أنك خيّرت الرسول r أن يكون في هذه الآية نبياً أو رسولاً أو عبداً لاختار أن يكون عبداً لأنه على مراد الله والقرآن كلام الله تعالى. فلما يقول: (سبحان الذي أسرى بعبده) يجب أن نفهم ما هي أسباب الإسراء؟ لنريه من آياتنا كما جاء في الآية. لكن ما هي حيثياتها؟ فرق كبير بين الحيثية والسبب، الحيثية يعني ما الذي جعل محمداً r يكرّم هذا التكريم؟ ما هي حيثية اختيار محمد r لهذه الرحلة؟ لأنه أحسن من عَبَد الله تعالى في العبودية بالعبادية بدليل أن المولى عز وجل اختارها (بعبده) فالتكريم للرسول r لأنه عَبَد صح. لو نظرنا إلى الخلق من عهد آدم إلى يوم القيامة سنجد 124 ألف نبي من عهد آدم منهم 314 رسول منهم 5 أولي العزم أصحاب الرسالات الكبيرة على رأسهم وأفضلهم محمد r. الكون من عهد آدم إلى يوم القيامة فيه إصطفاءات تضيق شيئاً فشيئاً إلى أن وصلت إلى محمد r. 124 ألف نبي منهم 314 رسول منهم 5 أولي العزم على رأس أولي العزم الخمسة محمد r، إيماني برسول الله r على قدم المساواة مع إيماني بعيسى u وبموسى ونوح وابراهيم وهود ولوط وجميع الأنبياء والمرسلين عليهم السلام لا نفرق بين أحد من رسله. لكن عندما يفضل المولى تعالى هذا موضوع آخر. كل نبي جاء بنبوءة فالرسول أفضل لأنه جاء برسالة وأولي العزم أفضل من الباقي ومحمد r الذي جاء ليكون خاتم الأنبياء وليس المرسلين، خاتم النبيين أي ليس بعده نبي لا بهائي ولا غيره (هذا من أنواع الكفر الغبي) هناك كفر واعي وكفر أهبل عبيط، هذا الكفر أن تقول أنه من 100 سنة كان هناك نبي وتقول أنت مؤمن بالقرآن، هذا كلام يتناقض كيف ذلك وفي القرآن قوله تعالى (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) هذه أقفلت على الناس أن يكون بعده نبي أو رسول، لو قال خاتم المرسلين كان يمكن أن يأتي نبي بعده، كل رسول نبي وليس كل نبي رسول، لو قال (وخاتم المرسلين) لكان يمكن أن يأتي بعده نبي ومحمد r رسول نبي لا يأتي بعده نبي وبالتالي لا يأتي بعده رسول لأنه هو رسول.
سؤال: تثار قضايا في المجتمع الإسلامي وكثير من المسلمين إلا من رحم ربي ليس عندهم أدوات الحوار والخطاب والنقاش فكيف أعرف أن أناقش هؤلاء لأن ترك هذه الأفكار الأمور التي تستجد دون حوار واضح وحسم للقضية يثير البلبلة والبعض ليس لديهم ثقافة دينية تجعله ينجو من هذه الأفخاخ التي يزينها الشيطان للإنسان تحت مسميات مثل حرية الإعتقاد وحقوق الإنسان وكلمات حق يراد بها باطل ويقال (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (29) الكهف) ليس من حق أي إنسان أن يفرض على المجتمع ما يشاء من معتقدات. قضية البهائية يقولون أن هناك رسول اسمه البهاء دخل السجن من مائة عام ثم جاءه وحي وأصبح نبياً وسينزل عليه كتاب وهناك عدة أسئلة: أولاً مسألة هل تؤمن بالرسالات أو لا؟ إذا كان الجواب نعم فماذا تفعل بقوله تعالى (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (40) الأحزاب)؟ إذا كذبت بها فأنت كافر، ثانياً: البهاء رجل يدعو لإله جديد أو لإله واحد الذي تعبده الناس؟ فإذا كان يدعو لإله جديد فما موقفه من الإله الواحد؟ وإذا كان هو الإله الواحد فماذا يقول في (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)؟ ثالثاً: أين كان البهاء؟
لأنا لن أجيب على الأسئلة لأنهم هم المفروض أن يجيبوا عليها. هذا الموضوع لم يعالج على مفهوم الآية (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) وأنا أعجبت ببعض علمائنا الذين تكلموا في الموضوع لكن للأسف لم يأخذوا وقتهم ولا الوقت الكافي ولا فرصة الكلام حول الموضوع بشكل كافٍ ومنهم الدكتور عبد الله بركات والدكتور عبد الله سمك والشيخ خالد الجندي وغيرهم تكلموا في الموضع بشكل ممتاز لكنهم لم يأخذوا وقتهم في الكلام على هذا الموضوع ولذا يجب عمل مناظرة بيننا وبينهم على الهواء لنسألهم أسئلة كثيرة وقد دعوناهم إلى مناظرة فلم يلبي أحد. الآية (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) غير مفهومة، (سلاماً) ليست استسلاماً وليس سلام ترك أو سلام وداع، سلاماً أي إظهاراً للحق بطريقة هيّنة، على تؤدة، بطريقة طبقوا في شرح الآية ما قاله تعالى لنبيه r(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل) لما تفعل هذا يتحقق (سلاماً) (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت)، حتى مع عدوك أو مع الجاهل أنت تريد أن تحقق سلاماً. والإمام الشافعي يقول مخالفاً لهذه القاعدة لكنها صحيحة من وجهة نظره:
إني لهجري الصديق تجنياً فأريه أن لهجره أسبابا
وأخاف إن عاتبته أغريته فأرى له ترك العتاب عتابا
وإذا ابتُليت بجاهلٍ متغافل يدعو المحال من الأمور صوابا
ولّيته مني السكوت وربما كان السكوت عن السكوت جوابا
الأولى أره الحق لكن إذا جهل لا تكلّمه، السكوت قد يكون أبلغ من الكلام، هذه وجهة لكن في الحقيقة المولى تبارك وتعالى يقول (قالوا سلاما) قالوا، تكلموا وأظهروا الحق لكن بلين وبتؤدة وهوادة. وحتى نحسم هذه القضية يجب أن نطبق في (سلاما) ما أمر الله تعالى رسوله r(ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل)، (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت) قبلها قال تعالى (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ (34) فصلت) وبعدها قال (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) فصلت) الصبر في الجدال مهم جداً. بعدما شرح كل صفات عباد الرحمن قال تعالى (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا) ساعة ما قالوا سلاماً كان يعني هناك صبر وكلمة (عباد الرحمن) فيها صبر، صبروا على اسنهزاء وإيذاء الكفار لهم والصبر ممتد في كل زمان ولكل زمان له عباد الرحمن، فالقرآن يُصلِح كل زمان ومكان وليس كما يقولون صالح لكل زمان ومكان. فلما يقول تعالى (وعباد الرحمن) هم اختاروا العبادية عن العبيدية، تنازلوا لمشيئة الله تبارك وتعالى واختياره عن مشئيتهم في قوله لهم (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (29) الكهف) هم صبروا من أول الموضوع وليكونوا عباد الرحمن هذا فيه صبر. مخاطبتهم الجاهلين فيه صبر، خطاب الجاهلين يختلف عند الناس ونحن نسمع من خلال بعض اللقاءات أنهم يحضرون مسلماً ونصرانياً يقولون دخلوا في البهائية لكن نقول الإسلام لا يُجبر أحداً على الإسلام ولا يصح إسلام من جاء مجبراً إلينا ولا نقبله، هذا إسلام مرفوض. الإسلام ظاهر فوق الجميع ولا يستطيع مخلوق أن يجبر مخلوقاً على الإسلام أما الذي جاء طواعية فلن ينفع أن يخرج منه وهنا الردة فإذا إرتد يحاسبه المسلمون وحسابه عند الله تعالى أكبر. كل المجتمعات لها قوانين ومن يخرج عنها يعاقب. هناك بعض الأسئلة لو سئلت هؤلاء البهائيين ينتهي الموضوع بلسان هؤلاء أنفسهم. اعلماء الذين ذكرتهم تكلموا وأجادوا في هذا الموضوع لأنهم متخصصون في مقارنة الديانات لكنهم لم يأخذوا الوقت الكافي للكلام. الموضوع (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) سلاماً ليست معنى ولا لازم معنى وإنما يجب أن تتحقق بشرح المراد: سلاماً أي لا تجرحهم ولا تحقّرهم وإنما توضح الحجة بالحُجة والحق بالحق بهوادة ولين ودون هجوم ولا خطأ لأن هذا هو المسلم وهذا هو منهجه وأدواته. يجب أن لا نستغرب عندما تصدر هذه الأصوات وعلى رغم من الحرية لكن لكل شيء ضوابطه وليس من حق أي إنسان أن يؤذي مجتمعه. المولى تعالى أخبر أن هذا الكلام سيحصل وأننا سنسمع هذا الكلام كثيراً (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) آل عمران) تصبروا على الجدال والنقاش لأني أنا كمسلم أنا داعية في حد ذاتي. وأنت تحاور هذا البهائي لا أحاوره لأظهر شطارتي وإنما أحاوره لمصلحته ولإظهار الحق فإن عاد فالحمد لله وإن لم يعد فالمناقشة ستجعل غيره على الأقل يتوقف ولا يذهب إليه أو يفكر في الموضوع. نتيجة حوارك إما أن ترجعه وإما على الأقل أن تمنع غيره من الناس من التفلّت. المسلمون ليس كلهم يصلوا أو يصوموا فالمسألة مسألة فعل، البهائي الذي لم يعلن أنه بهائي ماذا نفعل معه؟ هذا لم يظهر بجهالته على المجتمع وفي مقابل هذا عندنا عباد الرحمن لا يعلنون أنهم عباد الرحمن فالعبودية والعبادية مسألة بين الإنسان والمولى عز وجل.
بُثّت الحلقة بتاريخ 16/1/2007م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:44 PM

عنوان الحلقة: التوبة والاستغفار 29

موضوع المشي في صفات عباد الرحمن والهَوْن وخطاب الجاهلين وسلاما:
قول الحق تبارك وتعالى (وعباد الرحمن) استئناف واختيار من الله تبارك وتعالى لصفوة من عبيده – إن صح التعبير – بكونهم عباد تنازلوا عن اختيارهم إلى اختيار الله تعالى ومراده وتفننوا في إرضاء الله تبارك وتعالى آناء الليل وأطراف النهار. وهم لما فعلوا هذا أخذوا ملمحاً من التكليف والأمانة التي عرضها على السماء والأرض (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فصلت). أنا كمسلم يجب علي أن أسأل نفسي: ما هو ديني؟ ما هي عقيدتي؟ من ربي؟ من إلهي؟ من نبيّ؟ من رسولي؟ ما علاقتي بالله تعالى؟ الإنسان قد يكذب على كل الناس لكنه لا يمكنه أن يكذب على نفسه فإذا حصل وكذب على نفسه تكون نهايته لأنه يكذب ويصدق نفسه. علينا أن نرى أنه ساعة يؤذن المؤذن هناك أناس يدخلون المسجد وأناس لم يتحركوا من مكانهم ونحن عندنا تعليمات من الرسول r " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا عليّ" كم واحد في الأمة يفعل هذا؟ وكم واحد يتوقف عما يفعله ويردد مع المؤذن؟ غرض الرسول r ليس مجرد الترديد مع المؤذن وإنما أن توقّع الأذان في نفسك، المؤذن يقول لا إله إلا الله وأنت تقولها بدليل لما يقول حيّ على الصلاة لا نردد خلفه حي على الصلاة وإنما نقول لا حول ولا قوة إلا بالله. إذا كنا ممن دخل المسجد فبفضل من الله تعالى وإن كنا ممن لم يدخل المسجد فبأمر من الله تعالى وأسأل الله المغفرة في حالات الاستثناء كأن يكون طبيباً يجري عملية ولا يمكنه أن يتركه ليصلي. وأنا أتحدى أن كل من يردد مع المؤذن لا بد أنه يقوم للصلاة. وللأسف نشهد في عصرنا أموراً غريبة فمثلاً في وقت المباريات الرياضية ظهر ما يسمى بالأذان السريع الذي ينتهي بسرعة وبدون توقف بين جمل الأذان حتى يعودوا للمباراة بسرعة ومنهم على القنوات الفضائية من يضع شريطاً يظهر فيه أنه حان وقت الأذان بدون أن يضعوا الأذان ومنهم من لا يذكره نهائياً. كم واحد سمع الأذان وردد معه؟ هذا أمر من الرسول r والله تعالى يأمرنا بذلك في قوله (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) الحشر) قد يقول البعض ما كنا نعلم هذا من قبل فنقول لهم الآن تعلمتم فقولوا الحمد لله الذي أحياني حتى تعلمت هذا الأمر أو غيره.
(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب) البعض يقول هل تريدون أن تردونا إلى عصر الرسول r؟ ومنهم من يقول هل يمكننا أن نكون مثل الرسول؟ الله تعالى لم يقل كونوا مثله ولكن قلّدوه واجتهدوا في ذلك قدر الإمكان ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ولكن الله سبحانه وتعالى ما هو وسعك فلا تأخذ الآية بمفهومك أنت ولكن خذها على نطاق علم الله تعالى فيك. وجهادنا في هذا العصر الحاضر له أجره أيضاً وكنا نتمنى لو عشنا في عصر الرسول r.
لو سألنا أنفسنا هذه الأسئلة التي ذكرناها ولو مرة في العمر سنضع أساساً تمشي عليه وهي تشبه أسئلة القبر. أنا كوني جئت من أبوين مسلمين فضل من الله تبارك وتعالى لا أعرف أن أشكر الله تعالى عليه ولو شكرت ليل نهار لا أوفّيه. وهذه النعمة لا نعرفها إلا عندما نرى معاناة من يُسلم من غير المسلمين والصراع الذي يعيشه فكرياً وعقائدياً وعقلياً وقلبياً وصراعه مع أهله ونحن وُلِدنا ونحن نقول لا إله إلا الله محمد رسول الله ونحن لا نشعر بهذه النعمة. وهذه الأسئلة التس ذكرناها والتي يجب علينا أن نسألها لأنفسنا ولو مرة واحدة في العمر هذه التي تجعل بعض الغربيين وغير المسلمين يستفيقون ويدخلون الإسلام والبعض من غير المسلمين ينتحر لأنه عجز أن يجيب على أسئلة ألحّت عليه، وإذا ضاع الشخص بين الواقع المؤلم والمفروض ينتحر إما من كِبر وإما لأنه لا يمكن أن يواجه الواقع. وأول صفة من صفات عباد الرحمن أنهم يمشون على الأرض هوناً وهذه ضد الكِبر والمشي هوناً يشمل كل أعمالهم حتى لو كانوا في طائرة وليس المشي هو المشي المعروف فقط. جاء بـ (يمشون) لأن حالة الإنسان إما أن يكون واقفاً أو قاعداً ـو ماشياً، الواقف والقاعد لا يظهر عنده الكبر لكن المشي له لازم معنى وهو كيف يتعامل مع الناس. المشي في توصيفه عند بعض المفسرين يضايقك لأنهم يصلون بالمعنى إلى معنى الإختيال وهذا لا ينفع. ننظر في مشية الرسول r لأن مشيته r قضية كبيرة ولما ننظر إلى الرسول r وهو يمشي " كان يمشي هوناً" مثل (يمشون على الأرض هونا) لكنه r كانت خطوته واسعة وهذه تنفي التبختر والاختيال. كلمة هوناً لا تعني على مهل وإنما خطوة واسعة ولكن فيها هِمّة وهي ضد التبختر. كان r وهو يمشي كأنه لا يريد أن يؤذي الساكن تحت ولا يتبختر حتى لا يضايق الذي تحت لكن مشيته فيها هِمّة. والمشي في الآية ليس مقصوداً به المشي فقط وإنما التعامل والتصرفات.
الرسول r ذكر في الحديث " لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذكرة من كِبر" لأنه لا ينفع أن يكون هناك متكبر على الله تعالى لأننا نكون بذلك قد قلّدنا إبليس فتكون العقوبة اللعن والطرد من رحمة الله والنار والعياذ بالله. كيف نصلح المشية؟ ننظر إلى الرسول r كيف كلن يتعامل مع الناس: إبن عباس رضي الله عنهما وهو يشرح صفات عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا، لخّصها فقال: علماء حُلماء لا يتكبرون، يمشون بسكينة ووقار يتعاملون مع الناس في بِرٍ وتؤدة على مهل. هذا الشخص لو فيه هذه الصفات يعيش هو في راحة قبل أن يريح الناس. الرسول r كان إذا اشتد عليه جهل الجاهل ازداد حِلماً فكان أحلم ما يكون مع أجهل شخص بدليل الشاب الذي جاءه يستأذنه في الزنا ماذا قال له r؟ وكيف تصرف معه؟ لم يعنّفه وإنما قال له: أرتضاه لأمك؟ فقال الشاب لا، أترضاه لأختك فقال الشاب لا وكرر عليه السؤال عن كل النسوة في رقبته فقال الشاب لا فقال له r الناس أيضاً لا ترضاه لنسائها فقال الشاب: دخلت عليه وهو أبغض الناس إليّ وخرجت من عنده وهو أحبّ الناس إليّ. لماذا؟ لأنه فهّمه مع أنه لم يورد له لا آية ولا حديثاً. وأعجب لمن يذهب لنصراني أو يهودي يريد أن يُسلم ويكلّمه في القرآن وهو غير مؤمن به! علينا أن نأخذ الرسول r أسوة فهو لم يتكلم مع الشاب بقرآن ولا بحديث لكن حدثه بمنطق العرب الذي استثار الشهامة والرجولة فيه. هذا كلام منطق حليم ثم أجلسه r وناقشه فخرج الشاب من عند رسول الله r وهو أحب الناس إليه بعد كان أبغضهم عليه لأن كان يتوقع أن الرسول r الذي جاء بالتكليف سينهره ليمنعه من الزنا. نحن للأسق نحي الرسول r بالحناجر فقط وإلا لما وصلت الأمة إلى ما وصلت إليه الآن. لكن وسط كل هذه الأهواء ما زال بإمكاني مفرد في هذه الأمة أن أكون من عباد الرحمن الذين جاء في وصفهم آية في منتهى الإبداع (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما) لم يذكر أنهم يؤدون الفروض الخمسة وإنما قال أنهم يبيتون لربهم سجداً وقياما. الناس كلها تبيت إما لفكرٍ عندهم أو لمشكلة لكن هؤلاء يبيتون لربهم علماً أن لهم مشاكل لكنهم يأتون لربهم لأنهم شعروا بتقصير في النهار. وصف حالهم في النهار (يمشون في الأرض هونا) وفي الليل حالهم (يبيتون لربهم سجداً وقياما) يجب أن نبيت لربنا مرة واحدة ولو جربناها مرة واحدة ما تركناها ونحن لا نقول للناس قوموا في الليل بـ 16 ركعة أو عشرين ولكن نقول صلّي ولو ركعتين بعد العشاء تدخل في هذه الآية.
(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما): عباد الرحمن في توصيفهم لا يذهبوا هم ليخاطبوا الجاهل لأنهم بطبيعتهم يعرضون عن الجاهلين ويتفادونهم كما قال تعالى (وأعرض عن الجاهلين) وهذه توجيهات للرسول r في منتهى الإبداع (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل) (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت) هو عدوك ولكن من طريقتك معه سيكون كأنه ولي حميم والذي جعله يتحول من العداوة إلى الحميمية هي طريقة تعاملك. عباد الرحمن بطريقتهم حولوه من عدو إلى ولي حميم. لكن ننتبه إلى استعمال (إذا) أي أن عباد الرحمن بطبيعتهم لا يتكلمون مع الجاهلين.
(سلاما): سبق أن قلنا أنها لا تعني أن تتركه وتمشي لكن لا تقف وتناقش وتجادل. يمكنك أن تجادله لكن بالتي هي أحسن لكن هذا إذا خاطبك الجاهلون. الجاهل بطبيعته أنت لا تحب أن تكلمه كما أمر الله تعالى رسوله (وأعرض عن الجاهلين) والقرآن لا يمكن أن تتعارض آياته. (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) هناك إعراض (وأعرض عن الجاهلين) لكن إذا خاطبهم الجاهل قالوا سلاما. وللأسف بعض الناس إذا ترك الجدال مع الجاهل يقولون تركه لأنه ليس لديه حجة. لا، هي سلاماً وليست استسلاماً لكن سلاماً بمعناها والمراد منها.
البعض يقول لِمَ أُعرِض عنه والمفروض أن الساكت عن الحق شيطان أخرس والمفروض أن أنصح الجاهل؟ هذا لو بدأ هو بالكلام لكن لو لم يبدو منه كلام فلا أبدأ وإنما أُعرِض عنه فإذا كنت في مجلس وتعرف أن فيه جاهل أو سفيه لا يتكلم بمنطق الأمور لا تتكلم معه بل حتى لو لمّح بعض الكلام عليك أن لا ترد لأن الآية تقول (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). لكن نقول لا بأس أن تتكلم بشكل دعوة عامة حتى يسمع الجاهلون. الأداء القرآني في (وأعرض عن الجاهلين) توقيعها في عباد الرحمن (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما). (إذا) يجب أن نرد على الذين يخاطِب لكن بمنتهى الإحترام والإسلام. والإسلام دين وديانة من أعظم الأمور التي حدثت في الكون منذ عهد آدم إلى يوم القيامة لأن الإسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين ودين كل من خلقه الله تبارك وتعالى.
الإسلام كدين وديانة دين كل البشر والمخلوقات وهناك بعض المخلوقات تسبح وتعبد الله أكثر من بعض البشر. اليهودية والنصرانية ديانات فاليهودية ليست ديناً وإنما ديانة والنصرانية هي ديانة وليست ديناً. وقد صدق الشخص الذي كتب في بطاقات الأحوال الشخصية (الديانة) ولم يكتب الدين لأنها كانت ستكون كارثة. الدين أساس كل الديانات وعقيدتها. موسى u يقال عنه مسلم جاء باليهودية كرسالة لكنه هو مسلم لله تعالى وكل الأنبياء والمرسلين مسلمين وكذلك أممهم. أمة موسى u مسلمة الدين يهودية الديانة وأمة عيسى u مسلمة الدين نصرانية الديانة وأمة محمد r مسلمة الدين مسلمة الديانة ومن عظمة هذا الدين أن الله تعالى لما أراد أن يختم الديانات سماها بإسم الشرع العام (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) آل عمران) أي أن الشرع عند الله الإسلام. الله تعالى هو الذي أرسل موسى u باليهودية أي أنه موافق عليها كديانة وليست كدين، عيسى جاء بالنصرانية كديانة ودينه الإسلام. الإسلام إذن هو شرع الله تعالى من عهد آدم ونوح وابراهيم وهود ولوط كلهم مسلمون وأولي العزم مسلمين لكنهم جاءوا بديانات ويجب أن لا نقول كلمة أديان سماوية ولكن ديانات سماوية. أرسل الله تعالى 124 ألف نبي منهم 314 رسول ومنهم 5 من أولي العزم وعندما كلم الله تعالى أمة محمد r قال له (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ (13) الشورى) وذكر أولي العزم الخمس (مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) إذن أنت مكلف كمسلم أن تكون مؤمناً بالأنبياء والمرسلين من عهد آدم. أولي العزم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين، هؤلاء الرسالات الكبيرة التي ظهرت بين الأمم. يوم القيامة سنتفاجأ بأمم لم تذكر في القرآن (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ (78) غافر) وسنشهد بعقيدتنا وإسلامنا الحق وديننا الصحيح على جميع الأمم حتى التي لم نعرفها.
(لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا (48) المائدة) الشِرعة غير الشرع. الشريعة الإسلامية كديانة غير شريعة النصارى. في حياتنا إذا جاء رئيس بعد رئيس يحاول أن يظهر أن الأول قد ترك له إرثاً من المشاكل والأزمات ويحمّله المسؤولية لكن في شرع السماء لما يأتي رسول بعد رسول فإنه يصدق ما جاء به من قبله كما قال عيسى u(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ (6) الصف) فعيسى u وافق على كل ما جاء به موسى u قبله وليس هذا فقط وإنما بشر بمن سيأتي بعده بمئات السنين (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) جاء (أحمد) بمعنى أحمد مني لرب العالمين وليس هذا اسمه. الإسم في العربية يمكن أن يكون إسماً أو صفة. (أحمد) أي أحمد مني لرب الناس والرسول الذي يأتي بعد رسول يكون فيه نقطة تفضيل على من قبله. وصفه عيسى u أنه أحمد المرسلين لرب الناس وهذه مسألة طبيعية. البعض من الذين لم يؤمنوا قالوا نحن ننتظر رسولاً اسمه أحمد والذي جاء اسمه محمد لذا لم يؤمنوا بمحمد r. في التوراة موجود ذكر لمحمد r وقد نجد في بعض الأناجيل الموجودة مواقف مصدقة لما ورد في القرآن لكنهم غيروا وحرفوا في بعض الصفات ونقول أن الأناجيل الموجودة ليست كلام الله وإنما هي صياغة البشر فهناك إنجيل لوقا وانجيل متى وغيرها. لو جاء في القرآن على لسان عيسى u: ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه محمد لكان خطأ لأنه محمد لا يُطلق إلا على موجود. ومن عظمة هذا الرسول r الذس كان أحمد قبل ولادته أن اسمه مشتق من صفة الحمد التي لا تكون إلا لله تعالى وأول آية في القرآن بعد البسملة (الحمد لله رب العالمين) فاشتق من هذا الحمد الذي هو لله إسماً للرسول r ليناسب زمن المتكلم في كل زمان ومكان فهو قبل مجيئه بأكثر من 600 عام أحمد وبعد ولادته محمد وإن قام بالحمد وقد قام فهو في الأداء التوقيعي هو حامد ويوم القيامة محمود المنقلب والمرجع أمام الله تعالى. الإسم من الحمد أنه يُحمد قبل ولادته بكلام عيسى u (اسمه أحمد) وبعد ولادته بتوقيع القرآن (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم) وبالأداء حامد ويوم القيامة سيُبعث في المقام المحمود. فكلها أسماء للرسول r وتختلف باختلاف زمن المتكلم. فلو قال عيسى u محمد لتوقفوا عند الإسم لكن عيسى من أدبه في الأداء القرآني تكلم عنه في زمن لم يولد فيه فاشتق له إسم ينفع في كل زمان ومكان. قبل ولادته أحمد، بعد ولادته محمد، في الأداء حامد ويوم القيامة محمود المنقلب أمام الله تبارك وتعالى.
العقيدة لا تتغير فالذي عاش في زمن موسى u وأسلم وعندما جاء عيسى أسلم إذا مات دخل الجنة والذي أسلم في زمن موسى u ومات دخل الجنة والذي أسلم في زمن موسى u وكفر بعيسى فهو في النار وهذا كلام لا يقبل المناقشة ومن يناقش به فهو مكابر. لذا أكرر أنه على كل واحد منا أن يسأل نفسه الأسئلة التي ذكرناها سابقاً: من ربك؟ من رسولك؟ ممن أخذت الرسالة؟ لذا نقول هذا البهاء الذي يدعي أنه رسول أين كان؟ هل تُرِك الكون سنوات بلا نبي حتى يأتي هذا البهاء؟ هذا لا يكون منطق دين أو ديانة.
الله تعالى في صفات عباد الرحمن تدرج في الوصف من مسألة العقيدة من ساعة قوله (وعباد الرحمن) هذه العقيدة السليمة التي يجب أن نطبقها. أنت عبد لله الذي هو الرحمن. سورة الفرقان ترتيبها في النزول قبل سورة الإسراء وفي ترتيب المصحف بعد الإسراء. نجد في سورة الإسراء أمراً بديعاً: يقول تعالى (قل الله أو ادعو الرحمن) فنسأل هل هذا تعقيب أو توضيح؟ لما نزلت سورة الفرقان قبل سورة الإسراء وقال تعالى (وعباد الرحمن) فكأني بالناس يتساءلون أليس الرحمن هو الله؟ لِمَ لم يقل وعباد الله؟ فوضّح لهم في سورة الإسراء أن الرحمن صفة تساوي الإسم الجامع لكل صفات الجلال فقال تعالى (قل الله أو ادعو الرحمن) بعد آية الفرقان لكن في ترتيب المصحف نقرأ الإسراء قبل الفرقان فتقول في نفسك في عصرنا الحديث الآن: الرحمن تساوي الله؟ أي لما نقول عبد الرحمن كما لو قلنا عبد الله؟ فيقول تعالى في الفرقان (وعباد الرحمن) لذا جاءت واو الإستئناف.
(والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما): هل هو صاحي أو نائم؟ وإذا كان صاحياً كيف يبيت ساجداً؟ وإذا كان نائماً فهل ينفع أن يكون ساجداً وهو نائم؟ وهل يستطيع الذي يطبق عباد الرحمن أن يتحكم في قلبه وهل المقصود بالقلب هذه العضلة التي تضخ الدم أو الوعي والعقيدة؟ وكيف أكون نائماً وقلبي ساجد لله تبارك وتعالى؟
بُثّت الحلقة بتاريخ 23/1/2007م

ميارى 27 - 7 - 2010 11:45 PM

عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 30

سؤال: تعليقاً على ما ذكرناه في الحلقة الماضية عن الجدال قوله تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) النحل) هذا الكلام مأمور به الرسول r إذا تعرض لأي إيذاء من أهل الكتاب يكون هناك ضوابط للحوار وليس كما يحدث الآن في الإعلام والصحف وحتى في المجالس الخاصة في مناقشة أي أمر في العقيدة أو الرياضة أو غيرها، فالكل الآن يصرخ ويهاجم الطرف الآخر وكأنه يريد أن ينتصر عليه وليس لأحد القدرة على سماع الطرف الآخر. فما الذي جعل مجتمعاتنا تصل إلى هذا مع أن الرسول r مأمور بطريقة مختلفة في الجدال ونحن يجب أن يكون الرسول r قدوة لنا؟
نحن للأسف لم نتعود أن نوقِّع القرآن وبعض آيات القرآن تأتي توقيعاً لبعضها البعض. ولا يفرّق بين التوصيف والتوقيع إلا من قرأ القرآن كله ففهم توقيع كل آية. (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) نجدهم موقّعين في فصلت بتوجيهات للرسول r ولكل الدعاة لكن لا نغفل في وسط هذا التوقيع ما قاله لقمان لابنه (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19) لقمان) واقصد في مشيك تقابل الذين يمشون على الأرض هونا، واغضض من صوتك تقابل وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما. نحن لم نتعود أن نقيم حواراً وأن نوقّع القرآن. كيف أكون مسلماً وأصرخ بصوت عالي والله تعالى يقول في القرآن (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير)؟ لا يجب أن يكون صوت المسلم المؤمن الموحد العارف الواعي قارئ القرآن أن يعلو صوته في كل مناقشة لأنه يخرج الحق عن مضمونه. المثل يقول صاحب صوت الحق صوته عالي لكن هنا صوته لا تعني الصوت بمعناه المعروف وإنما نتكلم عن المراد من لازم المعنى أي حجته أقوى، لذا نقول أن القرآن لا يمكن أن يُفهم بغير لغة فقوله تعالى (واقصد في مشيك واغضض من صوتك) هل تتنافى هذه الآية مع قولنا " صاحب الحق صوته عالي" ؟ كلا لأن صوته هنا بالمراد من لازم المعنى أي حجته بالغة، صاحب الحق يتكلم بمنتهى الهدوء لكن كل كلمة يقولها تكون على درجة من الإقناع والهدوء لا يستطيع المجادل أمامه أن يصل إلى جزء منها. لما يقول تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة) إن كان سيكون هناك جدال وقد لا تصل إلى جدال. في سورة الفرقان قال تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون) أي أن المسلم الواعي لا يبدأ بتوجيه الخطاب للجاهلين، إلى السفهاء. لذا يجب أن نركز على (إذا) في (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) ولذلك قال تعالى (وجادلهم بالتي هي أحسن) لما فسر هذه الآية بهذه فلا يمكن أن يجادل الرسول r إلا إذا عُرض عليه الجدال أو سأل أحدهم عن قضية طرحها الرسول r، ليس هناك تناقض. المسلم العادي حتى لو لم يكن داعية يجب أن يطبق الأمر الإلهي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، (وإذا خاطبهم الجاهلون) الجاهل هو الذي يبدأ المناقشة. الناس أصناف تجد بعضهم يسمع لك وهو ساكت ولا تعلم هل سكوته عدم فهم أو أنه مقتنع بما تقول؟ فإذا وجدته سفيهاً لا تجادله لكن لو حاورك في الموضوع تحاوره بكل راحة. توقيع (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة) توقيعها عندنا (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) فصلت). هناك للرسول r(وجادلهم بالتي هي أحسن) وهنا قال (إدفع بالتي هي أحسن) إدفع تعني كأن المجادِل سيعرض عليك كمّاً من القضايا قد لا تستطيع أنت أن تناقشه فيها فإدفع تعني كأن حتى حدّ المجادلة منه ثقيل لذا في الفرقان قال تعالى (وإذا خاطبهم الجاهلون) يعني لما تفهمها جيداً تعني أن عباد الرحمن لا يبدأون بمخاطبة الجاهلين لكن إذا خاطبوهم نوقع القرآن (جادلهم بالتي هي أحسن) و(إدفع بالتي هي أحسن) ووصل في النهاية وهذه نتيجة تطمئنك (كأنه ولي حميم) إذا جادلت بالتي هي أحسن وإذا دفعت بالتي هي أحسن سيكون الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. ننتبه إلى (كأنه) والشطارة أن (كأنه) تنتهي إلى أن يكون ولي حميم. لا يجب أن نقف هنا فقط وإنما نحن نريد أن نستمر معه لأنها فرصة للنقاش وأنا أريد أو أصل به إلى أن يكون ولي حميم وسيكون صديقاً من الأصدقاء المقربين. لذا يجب أن نفهم أن (جادلهم بالتي هي أحسن) أو (إدفع بالتي هي أحسن) نتيجتها (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) سلاماً تتضمن جادلهم أو ادفع بالتي هي أحسن. ويجب أن ننتبه لأن البعض يقول أول ما يكلمني الجاهل أقول له سلاماً سلاماً سلاماً، هذا لا يصح لأن سلاماً ليست قولاً وإنما توقيع وإذا قلت لأحد سلاماً فأنت تصنّفه من الجاهلين وتتسبب بمشكلة أكبر فسلاماً ليست قولاً يقال وإنما نتيجة وتوقيع أو كلمة المراد منها إدفع أو جادلهم بالتي هي أحسن. ولمعالجة الكِبر في بعض النفوس التي لا تتقبل النصيحة بأن لا تشدد عليه. لا يصح أن يقول أحدهم إذا رأى فتاة بملابس غير محتشمة أن يصرخ في وجهها ويعنفها ويصفها بالفاجرة والفاسقة. البعض يغضب إذا قلت له إتق الله ويعتقد أنك تحقره وغاب عن باله أن (يا أيها النبي إتق الله) قالها تعالى للرسول rأي دُم على تقواك لأن كلمة النبي تدل على أنه نبي يختلف عن البشر وإتق الله أي إستمر على مراد الأمر أو دُم على التقوى. وكذلك البعض يغضب إذا قلت له ربنا يهدينا ويهديك.
الإمام الشافعي يقول:
إني لهجري الصديق تجنياً فأريه أن لهجره أسبابا
وأخاف إن عاتبته أغريته فأرى له ترك العتاب عتابا
وإذا ابتُليت بجاهلٍ متغافل يدعو المحال من الأمور صوابا
ولّيته مني السكوت وربما كان السكوت عن السكوت جوابا
العتاب هو أن لا تعاتبه، في البداية يوضح له أسباب الخلاف فإذا وجده سفيهاً يصمت لأن في بعض الحالات الكلام لا يجدي. أعرض عن الجاهلين تخدمنا في (وإذا خاطبهم الجاهلون) فإذن أنت معرض عنهم ولو خاطبوك توح القضية في حدود وقد يكون في هذا التوضيح حظ له أن يهديه الله تعالى وإلا فالتزم الصمت.
سؤال: ذكر تعالى أولى صفات عباد الرحمن (الذين يمشون على الأرض هونا) وهناك صفات أخرى وردت لكنها جاءت متأخرة مثل (والذين لا يشهدون الزور) فالإنسان لو صاغ الصفات لوضع بمنطق الصياغة هذه الصفة بعد صفة المشي لكن المولى تعالى في ترتيب الآيات جاء بصفة (يبيتون لربهم سجداً وقياماً) بعد ذكر صفة المشي، فكأنما المولى عز وجل ذكر صفات عباد الرحمن أول النهار وهم يخرجون من بيوتهم (يمشون على الأرض هونا) ثم جاء بصفاتهم عندما يعودون إلى بيوتهم (يبيتون لربهم سجداً وقياما) فكأنما اختصر الرحلة ما بين أول النهار وآخره فلماذا اختصر المرحلة؟
عندنا 13 صفة في صفات عباد الرحمن منها (والذين لا يشهدون الزور) وهذا يعتبر من المشي لأننا قلنا أنه لما قال تعالى (واقصد في مشيك) المشي لا يقصد به الخطوات وإنما التعامل وطريقة الكلام وغيره فقد يكون أحدهم جالساً وليس ماشياً وإنما هو في منتهى الكِبر. المشي مقصود به كل ما يحدث في الليل والنهار من تعاملات لكن ننتبه إلى أن النص القرآني يختلف عن الإنشاء فلو أنت تكتب ستكون حريصاً على وضع التعاملات أولاً مع بعض ثم العبادات لكن النص القرآني يختلف لأن الله تعالى أراد أن يبين لنا طريقة العرض القرآني الذي يتكلم عن مجموعة من الناس- من هم عباد الرحمن؟ هل هم المتقين، المحسنين، المسلمين، عباد الله؟ هذه سنشرحها لاحقاً بعد أن نشرح كل الصفات -. نحن نتكلم عن فئة ومن جميل العرض البياني القرآني أنه يتكلم عن ذواتهم تظهر في كلمة (وعباد الرحمن) هذه تتكلم عن ذواتهم ثم يبدأ يتكلم عن صفاتهم الشخصية في التعامل مع الناس ثم أراد أن يبين لنا صفات تعاملهم مع الله تعالى الذي سيدفعهم إلى عدم شهادتهم الزور لأن شهادة الزور من الخطورة بمكان أن يبدأ بها قبل توصيف تعاملهم مع الله لأن الذي سيمنعهم من شهادة الزور عبادتهم لله ولما جاء يستعرض العبادة في صفاتهم مع الله لم يتحدث عن صلواتهم في النهار وإنما قال (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً) فالعاقل يسأل: هؤلاء إذا كانت يبيتون لله سجداً وقياماً فكيف هي صلاتهم وحالهم في النهار؟ هم يصلون لكن كيف هي صلاتهم؟ لا يمكن أن يكونوا يبيتون لربهم سجداً وقياماً وهم يصلون الظهر الساعة 2 والعصر الساعة 4.30 ولوحده ولا يصلي الجماعة هذا التوصيف لن تجده إلا في رجل يصلي الفروض في الجماعات ويحرص على جني الثمرات من الحسنات بشتى السبل وكل عمل يقرّبه. أتعجب من رجل وامرأة يصلي كل واحد منهم لوحده في البيت كيف لا يصلون جماعة فإذا كان الرجل لم يصلي في المسجد مع الجماعة فعلى الأقل يصلي مع أهله جماعة في البيت وفي القرآن قوله تعالى (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين). إذن أخّر (والذين لا يشهدون الزور) لأن عدم شهادة الزور تأتي من بيبتون لربهم سجداً وقياماً ولا يدعون مع الله إلهاً آخر، لا يزنون. عدم شهادتهم الزور تأتي بداية من (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما) ثم قال تعالى (يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم) هذه سبب في لا يشهدون الزور لأنهم يخافون من النار فلو جعل (لا يشهدون الزور) قبل (يبيتون لربهم) فلا يمكن أن تكون هذه سبباً في الأولى. خوفهم من النار يجعلهم لا يشهدون الزور ودعاؤهم لله وحده هو الذي يجعلهم إذا مروا باللغو مروا كراماً ونجد كل توصيف مبني على توصيف سابق فلولا هذا التوصيف ما كان هذا التوصيف.
ما معنى يبيتون؟
يبيتون أي أدركهم الليل ناموا أو لم يناموا. وجاءت من البيتوتة التي لا تأتي إلا من بيت يتاح فيه النوم. لو قلنا بات فلان قلقاً مضطرباً خائفاً لأن النوم لا يأتي إلا مع الإطمئنان يشرح المعنى يعني أنه لم ينام وشرحت أن البيات لا يعني النوم وإنما يعني أدركهم الليل ناموا أو لم يناموا. من عظمة اللغة أن الوقت من المغرب إلى قبل الفجر يقال له بات، الوقت من العصر إلى المغرب يقال له أمسى ومن بعد الفجر أصبح ومن الساعة 11 نقول أضحى، بات (أدركه الليل نام أو لم ينام)، أمسى (أدركه المساء) ، أضحى (أدركه الضحى)، أصبح (أدركه الصبح) كلها من أخوات إن وكلها أفعال ناقصة لا تدخل على الجملة الفعلية وإنما تدخل على الجملة الإسمية تجعل المبتدأ إسمها والخبر خبرها. (والذين يبيتون) يبيتون تعني أنهم تتجتفى جنوبهم عن المضاجع، تتجافى يعني لا يأتيه نوم، لا يريد أن يرتاح يخاف أن يمر الوقت وهو لا يذكر الله تعالى لذا (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً) بعض الناس أعربوا (سجداً) حال ولكنها هي خبر بات، ولا تنفع أن تكون مفعولاً لأجله لأن المفعول لأجله يجيب على سؤال لم؟ إذا قلنا قمت إحتراماً لوالدي، نسأل لمَ قمت؟ إحتراماً لوالدي تكون عندها إحتراماً مفعول لأجله. سجداً حالهم سجداً لكن فعل يبيت خبره (سجداً) وإسمه (واو الجماعة) هي الفاعل والنون علامة إعراب لأن الأفعال الخمسة (أحدهم أرسل لي أنه يجب أن نقول ناموا أو لم ينموا فأقول له أن الأفعال الخمسة إذا دخل عليها ألف الإثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة تشذ عن القاعدة الأصلية فتُرفع بثبوت النون وتنصب وتجزم بحذف النون، لذا فالجزم هنا بحذف النون وليس بحذف الألف). خبر بات سجداً وقياماً أي هذه أي حالهم. فالذي تعوّد أن يقوم الليل كل يوم فإذا مرت ليلة لم يقم يبقى حاله سجداً وقياماً وإن نام. وفي بحث علمي نشرته مجلة ألمانية أوضح أن الوقت التي تعوّد نفسك عليه لفترة طويلة القلب يعملها حتى لو أنت غيّرت. لو تعودت أن تصلي من الساعة 1 إلى 3 كل يوم ثم في يوم جاءته ظروف لم يتمكن من ذلك فالقلب يفعلها ويذكر الله من نفسه لأنك تعودت على هذا الفعل.
سؤال: في القرآن حوار عن سدس الليل وثلثه ونصفه والناس لا تعرف أن تقسّم الليل فهل يبيتون تعني كلّ الليل أو جزء من الليل وهل قيام الليل في الثلث الأخير الذي له ميزة كبيرة أو يمكن أن نصلي بعد العشاء وتعتبر قيام ليل؟
الأفضل هو ما يناسبك، عمر بن الخطاب قال: من صلى العشاء وبعده ركعتين فهذا قيام ليل، أقل القيام ركعتين وأكثره مفتوح. يمكن أن تصلي العشاء والسنة ثم تصلي ركعتين بعدهما ثم الوتر فهذا قيام ليل. إذا صليت العشاء وأتبعته بالسنة والشفع والوتر ثم قمت في الثلث الأخير لتصلي فصلي مثنى مثنى لأنه لا وتران في ليلة واحدة، وأنت عندما تصلي مثنى مثنى حتى لو جمعتها على الوتر سيبقى العدد وتراً. الرسول r أجاز لعمر وأبو بكر فقال لأبي بكر أصبت الحزم وقال لعمر أصبت القوة لكني أخشى أن ننام عن القيام في آخر الليل ونضيّع الوتر. في عهد الرسول r كان عندهم أذان الفجر الأول والفجر الثاني فالفجر الأول كان يقوم المسلمون ليصلوا القيام وينتظروا الفجر الثاني. من الناحية السيكولوجية الطالب الذي عنده إمتحان في اليوم التالي لا يأتيه النوم وفي الإجازة ينام. نحن نقول صلوا العشاء والسنة والشفع والوتر فإذا استيقظت في الليل يكون تهجداً وإذا لم أستيقظ أكون على الأقل صليت القيام بعد العشاء ويجب أن نقلل الخسارة وعلينا أن نعلم أولادنا على صلاة الفجر في المساجد ولا نتهاون فيها.
سؤال: البعض يقول هل صلاة الفجر في المسجد هي التي ستجعل الأمة متقدمة؟ أليس الدين يسر؟
اليسر في إقامة الشعائر أنك لو كنت متعباً تخفف ما تيسر لأنه لا يُسر مع قوله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا) ولو لم يشأ الله تبارك وتعالى أن يجعلنا نستيقظ لصلاة الفجر لما جعل الصلاة في هذا الوقت. أقول للناس لو استدعاك رئيس الجمهورية في الساعة 4 صباحاً ستستيقظ ولو كان لديك موعد طائرة ستضبط عدة منبهات وتطلب من الجميع إيقاظك. الصلاة كتاب موقوت والتزامك بالصلاة في مواعيدها يجعلك تضبط مواعيدك على مواعيد الصلاة فلا يمكن أن تواعد أحد في وقت صلاة الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء وعند بعض العلماء أنك لو أخذت موعداً في وقت صلاة تكون آثماً لأنك فضلت الدنيا على الآخرة إلا إذا كان بإمكانك أن تصلي في المكان الذي أنت فيه. (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) ما دام كلّفك الله تعالى إذن ما كلفك به هو في وسعك. ونقترح على إتحاد كرة القدم أن يجعل مواعيد المباريات ما بين مواعيد الصلوات وهذا هو المفروض وليي في الكرة فقط وإنما في كل التجمعات. حديث الرسول "الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشبهات" وأنا أرى أن هذه ليست من الأمور المشتبهات ولا نقول هذه من الشيطان لأن الشيطان لا يقوى على نفس واعية بدليل أنه بنفسه استثنى (إلا عبادك منهم المخلَصين) إذن هناك عباد مخلَصين. علينا أن ننتبه إلى كلمة يبيتون لربهم سجداً وقياماً هؤلاء نموذج للعباد الحقّ.
سؤال: القيام لصلاة الفجر فيه قهر للنفس فهل هو تدريب نفسي لتكون رجلاً بحق حتى نتقدم ونبحث ونكون قوة علمية واقتصادية وسياسية؟
من أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله تبارك وتعالى له ما بينه وبين الناس. ما تقوله الرسول r فعلها لأنه شجعنا على الجماعة فقال r: من صلى العشاء في جماعة فكأنه قام نصف الليل ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله" وفي حديث آخر " من صلى البردين دخل الجنة" ذكر لنا صلاة الليل وصلاة العصر والصبح يبقى المغرب والظهر فهذه أوقات الناس مستيقظة فيها وليس فيها تقصير وإنما جاء الحديث بأوقات تكشف المنافق فالفجر وقت كاشف للنفاق، كيف تصليه؟ في جماعة؟ وكيف تصلي الظهر أمام الناس؟ نحن سنحاسب على كل شيء.
(يبيتون لربهم) هل الناس تبيت لربهم أو لنفسهم؟ هناك من يبيت لربه ويتعامل مع الناس لربه (لربهم) تبين أنه يوجد غير لربهم مثلاً لشهواتهم. لو قضيت الليل في خدمة أحد الناس هذه ضمن (لربهم). (لربهم) لا تعني فقط أنك تصلي فيمكن أن تقوم على خدمة أحد وتكون أيضاً (لربهم) وما أجمل أن نأخذ كل عمل نعمله بنية (لله) لأنه لو عشنا لفظة (لربهم) وقارن بين أخوين أحدهما صلى العشاء والسنة والشفع والوتر ونام ثم قام يصلي التهجد وأخوه في غرفة ثانية قضى الليل على الإنترنت والأفلام وغيرها فهل يمكن أن نقول عن هذا الأخير أنه بات لربه؟ هذا بات لشيطانه ولهواه ولنفسه العاصية وبات لغير الله. لذا (والذي يبيتون لربهم) الصفة التالية (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم) هم باتوا لربهم سجداً وقياما فلم يدعون بهذا الدعاء؟ عباد الرحمن لهم صفات تختلف عن الصفات النمطية لأن الذي يبيت لربه ساجداً قائماً لماذا يدعو ربنا اصرف عنا عذاب جهنم؟ هؤلاء لأنهم عباد الرحمن (لم يقل عباد الله) كأنما يستقلّون عبادتهم ويتصورون أن النار تزحف إليهم لأن كلمة (إصرف) تبين أن النار زاحفة باتجاههم. البديع في توقيع الآية أن هناك آية (فمن زحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز) كأن الإنسان مهما عمل هو قريب إلى النار عن الجنة بتقصيره. عباد الرحمن رغم كل الصفات أنهم بعد بياتهم لربهم يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم فهم فهموا العبادة بحق وهم خائفون مع كثرة أعمالهم وهذه هي العبادة والعبودية الحقة. سبحانك ما عبدناك حق عبادته هذا ما يجب أن يكون في قلب كل مسلم واعي.
في الترتيب المنطقي البيات ساجد وقائم والسجود عادة بعد القيام فلماذا قدّم السجود على القيام؟ وكيف بيت الإنسان لربه ساجداً وقائماً؟
بثّت الحلقة بتاريخ 30/1/2007م


الساعة الآن 10:37 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى