منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   صفحات من التاريخ وحضارات الأمم (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=201)
-   -   معارك وحروب (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=12267)

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:28 PM

21

الإمبريالية الأمريكية: تاريخ حافل بالجرائم
في عام 1833 قامت القوات الأمريكية بغزو نيكاراجوا .

وفي عام 1835 دخلت هذه القوات إلى بيرو .

وفي عام 1846 احتلت القوات الأمريكية أرضا طالبت به المكسيك وهي ما تعرف الآن بولاية تكساس .وبهذا أثيرت الحرب المكسيكية . وفي أعقاب انتصار سنة 1848 ضمت الولايات---- المتحدة تلك الأرض بالإضافة إلى كاليفورنيا ونيومكسيكو.

وفي عام 1854 دمرالمارينز الأمريكي ميناء جراي تاون في نيكاراجوا انتقاما من إبعاد الوزير الأمريكي الذي كان في تلك البلاد. وبعد ذلك بعام غزت القوات الأمريكية أوراجواي.ثم قامت بغزو قناة بنما .

وفي عام 1857 تدخلت القوات الأمريكية في نيكاراجوا لإفشال محاولات وليم روكز وهو مغامر من تنيسي حاول تولي السلطة في نيكارجوا .

قامت القوات الأمريكية بغزو كولومبيا عام 1873 بعدة إنزالات عسكرية تتابعت في الأعوام 1885 و1891 و1892 و1893 و1898 و1899 .

وفي عام 1888 تدخلت القوات الأمريكية في هايتي . وفي عام 1891 في تشيلي .

وفي عام 1894 تدخلت القوات الأمريكية مرة أخرى في نيكاراجوا .

وفي عام 1898 كانت الحرب الأمريكية الأسبانية حيث افتعلت الولايات المتحدة حادثة كوبا وقد حاصر على أثرها الأسطول الأمريكي الموانئ الكوبية بينما قام الجيش والمتطوعون بما فيهم تيودور روزفلت بسحق القوات الإسبانية عل الشواطئ.

وبعد ثلاثة أعوام جعلت الولايات المتحدة من كوبا وكرا أمريكيا للقمار كما ضمنت الحق في قاعدة بحرية في خليج جوانتانامو وما زالت تحتفظ بها حتى الوقت الحاضر.

وفي عام 1901 و1902 تدخلت القوات الأمريكية في كولومبيا . وفي 1902 تدخلت في هندوراس .

وفي 1906 خلال الحرب الأهلية في كوبا

انتظمت القوات الأمريكية في جيش التهدئة الكوبية لاستعادة النظام وإقامة حكومة مستقلة خلال ثلاث سنوات . وفي عام 1907 تدخلت القوات الأمريكية واستولت على ست مدن في هندوراس .

و في عام 1914 دخل المارينز الأمريكيون إلى هايتي في عملية إنزال حيث سرقوا البنك المركزي استردادا لأحد الديون.

وفي عام 1914 أمر الرئيس ولسون بحريته بقصف واحتلال فيركروز . وفي عام 1916 وبعد غارات مكسيكية على الأراضي الأمريكية أرسلت قوة بقيادة بير شنج حيث دخلت المكسيك لمطاردة زعيم الثوار بانكوفيلا .

وفي عام 1916 تدفقت القوات الأمريكية إلى الدومينكان لتهزم الثوار وتسيطر على البلاد بحكومة عسكرية حتى عام 1924 .

وفي عام 1932 تدخلت القوات الأمريكية في السلفادور بمساعدة السفن الكندية .

وفي عام 1954 أطاحت الولايات المتحدة الأمريكية بحكومة جواتيمالا.

وفي عام 1961 غزت أمريكا خليج الخنازير في كوبا بواسطة جيش من المبعدين الذين تبنتهم وانتهى هذا الغزو بالفشل .

وفي عام 1962 فرض الرئيس كيندي حصارا جويا وبحريا عل كوبا لإجبار السوفيات على إبعاد صواريخهم الذرية من الجزيرة.

وفي عام 1967 ساعدت المخابرات المركزية الأمريكية سي .آي .إيه عسكر بوليفيا على جيفارا في بوليفيا .

وفي هذه الأثناء كانت هناك تدخلات أمريكية في فيتنام وكوريا .

وفي عام 1967 أمدت الولايات المتحدة الأمريكية الكيان الصهيوني بالمال والعتاد والأسلحة ونتج عن ذلك هزيمة العرب في نكسة 1967 .

وفي عام 1973 زعزعت الولايات المتحدة الأمريكية الاستقرار في تشيلي مما هيأ الطريق أمام قيام دكتاتورية عسكرية. وفي نفس العام تدخلت الولايات المتحدة عن طريق وزير خارجيتها هنري كيسنجر وأوقفت مد النصر العربي في حرب العاشر من رمضان .

وفي أبريل 1980 قامت قوات كوماندوز أمريكية في مهمة لإنقاذ 53 أمريكيا محتجزين في السفارة الأمريكية بطهران تفقد في الصحراء، ومقتل ثمانية أمريكيين في حادث اصطدام طائرة هليكوبتر بطائرة حاملة للدبابات.

وفي عام 1981 و1982 بدأت امريكا بتعزيز أساطيلها العسكرية في الخليج ونشر الصواريخ في أوربا .

وفي أكتوبر 1983 تم انفجار سيارة ملغومة في ثكنات قوات المارينز الأمريكية التي أرسلها الرئيس رونالد ريجان إلى بيروت كجزء من قوات دولية لحفظ السلام. ومقتل 241 من المارينز والبحارة في الهجوم الأمر الذي أدى لانسحاب القوات الأمريكية من العملية.

وفي أبريل 1986: قامت القوات الأمريكية بمهاجمة قواعد ساحلية في ليبيا انتقاما مما يزعم أنها هجمات إرهابية دبرتها ليبيا ضد أهداف أمريكية. ومقتل طيارين أمريكيين بعد إسقاط البطاريات الليبية لطائرتهما من طراز اف 111 بي.

وفي ديسمبر 1989 أمر الرئيس جورج بوش يبشن ضربة أمريكية على بنما لمساندة القوات الأمريكية التي تتخذ من بنما
مقرا لها في محاولة للإطاحة بالزعيم البانامي الجنرال مانويل نورييجا واعتقاله. واعتقل نورييجا بالفعل في يناير كانون الثاني
1990 وسجن في الولايات المتحدة بتهم تتعلق بالمخدرات.

وفي أغسطس 1990أمر الرئيس جورج بوش الأب بحشد عسكري للقوات الأمريكية في السعودية بعد غزو العراق للكويت وضمه لها. وبوش يأمر القوات بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تطالب القوات العراقية بالانسحاب غير المشروط من الكويت.

في يناير 1991 حشدت الولايات المتحدة 527 ألفا من القوات في الخليج وبدأ الائتلاف الدولي بقيادة أمريكا حملة قصف
مكثف للعراق. ولا تزال الطائرات الأمريكية والبريطانية تشن طلعات جوية على شمال العراق وجنوبه للتأكد من تنفيذ
حظر الطيران الذي فرضته الدولتان على المناطق الكردية في شمال العراق والمناطق الشيعية في جنوبه. وتشن الطائرات
الغربية بعض الهجمات أحيانا على هذه المناطق.

وفي يوليو 1992: واشنطن توافق باعتبارها عضو في حلف شمال الأطلسي على استخدام قواتها البحرية في البحر الأدرياتيكي
أثناء حرب البوسنة لمراقبة تنفيذ العقوبات الدولية المفروضة على جمهوريتي الصرب والجبل الأسود. . وفي أبريل 1993 بدأ حلف شمال الأطلسي دوريات قتال لتنفيذ الحظر المفروض من الأمم المتحدة على الرحلات الجوية.

وفي عام 1992-1994: الولايات المتحدة ترسل ما يصل إلى ثمانية وعشرين ألفا من قواتها إلى الصومال في إطار مهمة
إنسانية في الصومال، ومقتل ثمانية عشر فردا من القوات الأمريكية في أكتوبر تشرين الأول 1993 يدفع أمريكا لسحب قواتها في أوائل عام 1994.

وفي سبتمبر 1994: قوات متعددة الجنسيات تقودها الولايات المتحدة تحتل هاييتي لاستعادة الديمقراطية والقادة الأمريكيون يسلمون قيادة البلاد للأمم المتحدة في يناير كانون الثاني 1995. وفي فبراير 1994-سبتمبر 1995: الولايات المتحدة، باعتبارها عضو في حلف شمال الأطلسي، تشارك في شن هجمات جوية على القوات الصربية.

وفي أغسطس 1998: الولايات المتحدة تشن هجمات بصواريخ كروز على أهداف في أفغانستان وعلى مصنع للدواء في السودان قائلة إن لها علاقة بهجمتين تفجيريتين استهدفتا سفارتي أمريكا في كينيا وتنزانيا وأسفرتا عن مقتل أكثر من مئتي شخص.

وفي الرابع والعشرين من مارس آ1999: الطائرات والسفن الأمريكية تقود قوات حلف شمال الأطلسي في شن هجمات جوية على جمهورية الصرب لإرغام بلجراد على الموافقة على خطة سلام دولية لإنهاء الحرب في كوسوفو.

والحملة تنتهي في العاشر من يونيو حزيران بعد بدء انسحاب القوات الصربية من كوسوفو والسماح لقوات حفظ السلام
التابعة لحلف شمال الأطلسي بدخول الإقليم.

وفي السـابع من أكتـوبر 2001: الولايات المتحدة وبريطانيا تشنان أول هجمات جوية ضد أفغانستان، والرئيس الأمريكي جورج بوش يقول إن العملية هي بداية لحملة مستمرة وشاملة ضد الإرهاب في أعقاب الهجمات الإرهابية على واشنطن ونيويورك في الحادي عشر من سبتمبر أيلول والتي أسفرت عن مقتل أكثر من خمسة آلاف شخص

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:28 PM

22

الحرب الأسبانية الأمريكية
الحرب الأسبانية الأمريكية أدت إلى ظهور الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها قوة عالمية. جرى هذا النزاع القصير بين الولايات المتحدة وأسبانيا ما بين شهري إبريل وأغسطس من عام 1898م حول قضية تحرير كوبا. وفي أثناء الحرب نالت الولايات المتحدة غوام وبورتوريكو وجزر الفلبين.


الخلفية التاريخية للحرب


سوء الحكم الأسباني. كان الأمريكيون يأملون ـ حتى نحو عام 1860م ـ في احتلال كوبا. وبعد الحرب الأهلية الأمريكية
(1861 - 1865م)، تضاءل الاهتمام بضمها، ولكن ظل الأمريكيون مستائين من سوء الحكم الأسباني. وحدثت انتفاضة منهكة وطويلة في السبعينيات من القرن التاسع عشر. وفي عام 1895م ـ أثناء كساد اقتصادي ـ زادت الأوضاع سوءًا باندلاع الثورة مرة ثانية مهددة بالاستمرار بلا نهاية. ولم تكن القوات الأسبانية بالقوة الكافية لقمع العصيان المسلح، كما أن الثوار لم يكونوا بالقوة الكافية لينتصروا.


التدخل الأمريكي. نشرت الصحف الأمريكية روايات مثيرة عن الاضطهاد الأسباني، وحاولت إثارة الشعور العام من أجل التدخل الأمريكي، وكان العديد من الأمريكيين يرون أن الأوضاع في كوبا تستوجب التدخل. وكانت القلة تشعر بأن الولايات المتحدة يجب أن تحصل على قواعد عسكرية وبحرية، وتصبح قوة إمبريالية.

في نوفمبر عام 1897م، ضغط رئيس الولايات المتحدة ماكينلي على أسبانيا لمنح كوبا حكمًا ذاتيًا محددًا في إطار الإمبراطورية الأسبانية، ولكن الثوار لم يكونوا يرغبون في أي شيء سوى الاستقلال، ولذلك استمروا في القتال. وفي تلك الأثناء، ثار المؤيدون للأسبان في هافانا، احتجاجًا على الحكم الذاتي. وتحت ذريعة حماية الأمريكيين من مثيري الشغب، وصلت السفينة الحربية ماين إلى ميناء هافانا في 25 يناير 1898م . وفي 15 فبراير نسف انفجار السفينة وقتل نحو 260 شخصًا كانوا على متنها. واعتبر الأمريكيون في الحال أسبانيا مسؤولة عن الانفجار.

أصبح شعار تذكروا الماين شعارًا محرضًا وحماسيًا. وقامت القوات التي كانت موجودة بعد العمليات العسكرية. وأرسل الرئيس ماكينلي ثلاث مذكرات في مارس لأسبانيا يطلب فيها الاستقلال الكامل لكوبا . ولكن أسبانيا وافقت على هدنة. وفي 19 إبريل أجاز الكونجرس بأغلبية ساحقة قرارًا مشتركًا يؤكّد أن كوبا مستقلة. ونفى القرار أي نوايا أمريكية لنيل الجزيرة وأجاز استخدام الجيش وسلاح البحرية لإجبار أسبانيا على الانسحاب وفي 25 أبريل، أعلنت الولايات المتحدة رسميًا أنها في حالة حرب مع أسبانيا اعتبارًا من 21 أبريل.


الأحداث الرئيسية


خليج مانيلا. جرت أول معركة مهمة في الحرب ، في الفلبين، بالأسطول الآسيوي ، حيث أبحر الأسطول المكوّن من ست سفن بقيادة جورج ديوي من هونج كونج إلى خليج مانيلا. وفي 1 مايو 1898م دُمِر الأسطول الأسباني المكون من عشر سفن دون خسارة لحياة أي أمريكي أو إتلاف أي سفينة أمريكية. ثم حاصر ديوي ميناء مانيلا في انتظار وصول قوات الولايات المتحدة.


حصار كوبا. في تلك الأثناء، كان ما يسمى أسطول شمالي الأطلسي بقيادة العميد بحري وليم سامسون قد بدأ حصارًا جزئيًا لكوبا، بينما كان يبحث في البحر الكاريبي عن أسطول كان قد غادر أسبانيا بقيادة الأميرال باسكوال سيرفيرا توبيت. وأخيرًا، حددت السفن الأمريكية، في 28 مايو موقع أسطول سيرفيرا الذي كان قد رسا في ميناء سانتياجو في كوبا في الجزء الجنوبي الشرقي من الجزيرة.

وبينما وضع الأسطول قوة محاصرة خارج الميناء استعد الجيش سريعًا لإرسال حملة للهجوم على سانتياجو برًا.


المعارك البرية. بدأ اللواء وليم آر شافتر في إنزال 15,000 جندي في دايكويري وسيبوني بالقرب من سانتياجو، وأبدى الأسبانيون مقاومة لاتذكر أثناء إنزال الجنود وانتشارهم. وشن اللواء شافتر في الأول من يوليو هجومًا كاملاً من شعبتين ضد سانتياجو؛ فقد أرسل ما يقارب نصف رجاله إلى قوة أسبانية صغيرة تدافع ببسالة عن قلعة حجرية في مكان اسمه الكاني، أما بقية الرجال فقد قاموا بهجوم مباشر على الدفاعات الأسبانية الرئيسية في كتل هيل وسان جوان هيل. وبحلول الليل، كان الأمريكيون قد استولوا على سلسلة التلال المطلة على سانتياجو، ولكنهم فقدوا 1,600 جندي.

وعندما أصبحت سانتياجو محاصرة، أمر حاكم كوبا الأميرال سيرفيرا بأن يخترق الحصار البحري ويحاول أن ينقذ سفنه. قاد سيرفيرا السفن خارج الحصار في الثالث من يوليو، متجهًا غربًا، وكل سفينة تلو الأخرى على طول الساحل الكوبي. ولكن السفن البحرية الأمريكية المطاردة، التي يقودها القائد البحري وينفليد شلي أغرقت كل واحدة منها أو سحبتها إلى الشاطئ. ومرة ثانية لم يحدث أي دمار خطير لأي من السفن الأمريكية. استسلمت سانتياجو في 17 يوليو بعد أيام من المفاوضات. وفي 25 يوليو بدأ اللواء نيلسون مايلز غزو بورتوريكو، ولم يجد أي مقاومة تذكر تقريبًا. وصلت عدة فرق من قوات الولايات المتحدة إلى الفلبين. وفي 13 أغسطس دخلت مانيلا واحتلتها، وبذلك حالت دون دخول الفلبينيين الوطنيين إليها. وكانت أسلاك البرق قد قطعت، ولذلك لم يعرف ديوي بأن هدنة كانت قد وقعت في اليوم السابق.


نتائج الحرب


معاهدة السلام. نما الشعور داخل الولايات المتحدة بأن تحتفظ بغنائم الحرب ماعدا كوبا. منحت أسبانيا كوبا حريتها في معاهدة باتريس التي وقعت في العاشر من ديسمبر 1898م. وتخلت أسبانيا عن غوام وبورتوريكو والفلبين للولايات المتحدة. ودفعت الولايات المتحدة 20 مليون دولار أمريكي مقابل جزر الفلبين.


مناهضة الاستعمار. لم يوافق كثير من الأمريكيين على وضع أمتهم الجديد كقوة استعمارية. ولذلك عارض هؤلاء المناهضون الاستعمار وضم هذه البلاد. ولم يكونوا راغبين في إبقاء رعايا أي دولة بالقوة، والمخاطرة بالتورط مستقبلاً في حروب أخرى، أو مواجهة منافسة منتجات المستعمرات أو العاملين. كانت القوى المناهضة للاستعمار قوية في مجلس الشيوخ لدرجة أنه أقر معاهدة السلام بصوت واحد فقط في السادس من فبراير 1899م.


نتائج أخرى. كان على الولايات المتحدة أن تقمع عصيانًا طويلاً وداميًا في الفلبين، وأن تقوي دفاعاتها، وأن تبني مزيدًا من السفن الحربية وتعيد تنظيم جيشها؛ لتعالج نقاط الضعف الخطرة التي كشفتها الحرب.

أظهرت الحرب الحاجة إلى شق قناة عبر برزخ بنما الذي يفصل البحر الكاريبي عن المحيط الهادئ وهكذا كان من نتائج الحرب الأسبانية الأمريكية شق قناة بنما.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:29 PM

23

فتح الاندلس
امتطى ابو عبدالله الصغير صهوة فرسه مولياً ظهره لقصر الحمراء الشهير في يوم بارد من ايام كانون الثاني 1492م. علت وجه أبي عبدالله سحابة كثيرة من الحزن وخيم على الركب الصغير صمت طويل ينبئ عما يكتنف قلوب هذا الركب من غم شديد. سار ابو عبدالله تتبعه امه وبعض من اهله وصحبه في ذلك الطريق الملتوي الطويل الذي يمر بين شعاب غرناطه وجبالها متجهاً إلى منفاه ليفارق غرناطة إلى الابد.

كانت الشمس قد آذنت بالغروب واخذت تعكس باشعتها الذهبية على جدران قصر الحمراء لتكسي حجارته بصبغة حمراء باهتة فتضفي عليه سحراً وجاذبية.

توقف أبو عبدالله قليلاً عند تلة صغيرة تُشرف على وادي غرناطة المكتظ ببيوته البيضاء ليلقي نظرة وداع اخيرة على مدينته الحزينة التي يتوسطها قصره الشهير.. تسارعت في ذهن أبي عبدالله ذكريات الصبا وأيامه الجميلة التي قضاها في صالات وأروقة هذا القصر وفي حدائقه الفناء الواسعة كان ابو عبدالله يعرف ان تلك الوقفة سوف تكون الاخيرة وان تلك النظرة ستكون النهائية اذ ليس يأمل ابداً بأن يرى مدينته المحبوبة ثانية، تمنى ابو عبدالله لو تطول تلك الوقفة لعله يستطيع ان يملأ عينيه بتلك المناظر الساحرة التي تثير في نفسه ذكريات الصبا، إلاّ ان الحزن الذي يعتصر قلبه سرعان ما استحوذ على عينيه وإذا بهما تنهمران دمعاً ساخناً حاول جاهداً ان يخفيه عن نظرات امه الحادة التي عاجلته بلسانها الذرب.

إبك مثل النساء ملكاً مضاعاً***لم تحافظ عليه مثل الرجال

نسيت عائشة الام انها كانت سبباً هاماً لسقوط غرناطة اخر معقل للاسلام في الديار الاندلسية بسبب غيرتها وتسلطها على ولدها أبي عبدالله واحابيل مكرها التي كانت تنسج شباكه في غرف القصر وصالاته.

وهكذا غادر ابو عبدالله آخر سلاطين بني الاحمر غرناطة تاركاً اهلها المسلمين لرحمة الاسبان الذين لم تعرف الرحمة يوماً إلى قلوبهم سبيلاً، ولتبدأ مرحلة بائسة طويلة مليئة بالاحزان والدموع، متسربلة بالدماء.. وليسدل الستار اخيراً على الاسلام في الاندلس بعد بضعة قرون من السنين.

كان رحيل أبي عبدالله آخر ملوك بني الاحمر بداية النهاية للحكم الاسلامي في تلك البقاع كما سنرى.

فتح الاندلس

كانت شبه الجزيرة الايبرية «اسبانيا» تحت حكم الملوك القوط الذين هاجروا اليها من داخل اوروبا وقد عانى الاسبان كثيرا من ظلمهم وسوء ادارتهم وقد كانوا يتحينون الفرص للتخلص منهم.

حانت الفرصة عندما جاء ملك القوط لذريق إلى الحكم بعد ان اغتصب الحكم من الملك الشرعي واغتياله. فقد طلب بعض الاسبان النجدة من موسى بن نصير الذي أرسل قائداً شاباً مع جيش صغير من المسلمين. كان هذا القائد هو طارق بن زياد الذي وطأت اقدامه هو وجيشه ارض الاندلس في شهر رجب 92 هـ «711م» عند المضيق المسمى باسمه لهذا اليوم «جبل طارق».

استطاع المسلمون من هزيمة لذريق وقتله وتشتيت جيشه بصورة تامة وبهذا بدأ الفتح الاسلامي لهذه البلاد وبدأ حقبة جديدة في تاريخ اسبانيا. لقد قابل الاسبان دخول الجيش الاسلامي بارتياح وترحيب ظاهرين اذ هم لاقوا الامرين من ظلم وتعسف ملوك القوط السابقين.. ولم تمض فترة قصيرة إلاّ وكان المسلمون يسيطرون على معظم البلاد الاسبانية واخترقوا جبال البايرينز إلى جنوب فرنسا إلاّ انهم خسروا معركة بلاط الشهداء مع شارل مارتل ملك الافرنج وبهذا توقف الزحف الاسلامي إلى قلب اوروبا بسبب فتنة عمياء لاقتسام الغنائم بين العرب والبربر حيث قتل في تلك المعركة القائد المسلم عبدالرحمن الغافقي عندما اضطرب الجيش الاسلامي وتقهقر امام ضربات الافرنج الذين استعادوا الهجوم واستغلوا الفرصة احسن استغلال.

لم تكن سيطرة المسلمين على اسبانيا كاملة تماماً اذ بقيت جيوب صغيرة للاسبان في الشمال والشمال الغربي في المناطق الجبلية الوعرة كانوا ينفذون منها للهجوم والتخريب. لم يدر في خلد المسلمين الفاتحين ان هذه الجيوب الصغيرة سوف تكون نواة لممالك الاسبان مستقبلاً لينطلقوا منها في التهام ممالك الاسلام في اسبانيا الواحدة تلو الاخرى عندما ضعف المسلمون ولم يكن طموح الاسبان لينتهي إلاّ بطرد المسلمين بصورة نهائية كما سوف نرى.

على مرّ السنين دخل الكثير من الاسبان في الاسلام وكثر التزاوج بين الفاتحين والاسبان بحيث نشأ جيل كبير من المولودين الذين يحملون في عروقهم دماء اسبانية اضافة إلى الدماء العربية والبربرية وقد ارتقى الكثير منهم في مناصب الدولة العالية مثل ابن حزم الاندلسي الذي اعتنق جده الاسلام.

لقد نشأت تركيبة اجتماعية وعرقية خاصة في الاندلس كانت سبباً في نشوء الفتن والاضطرابات التي كانت تؤججها سوء الادارة احيانا. فكان هناك العرب والبربر والاسبان، والعرب انقسموا بدورهم إلى قيسية ويمانية مع ما رافقها من فتن كبيرة وكان هناك البربر والتنافس التقليدين بينهم وبين العرب وكان الاسبان بقسميهم المسلم والمسيحي اضافة إلى المهجنين.

كانت هذه التركيبة العرقية والاجتماعية نواة فيما بعد لممالك الطوائف المتناصرة والتي انتهت بفنائها جميعاً كما سنرى خلال البحث.

الحكم الأموي المباشر في الأندلس

دخلت الاندلس المرحلة الثانية من تاريخها السياسي عندما فوّضت اركان الخلافة على بني امية في دمشق حيث هزم اخر خلفائهم مروان بن محمد امام جيوش العباسيين في معركة الزاب سنة 132 هـ.

وولى هائماً على وجهه وكأن الارض لا تسع لهربه بما وسعت ليلقى حتفه على يد العباسيين ولتبدأ مرحلة دموية كان الامويون وقودها حيث أذاق بنو العباس الامويين حر الحديد وبأس السيف وجرعوهم مرارة الذل والهوان وشردوهم وراء كل حجر ومدر.. نجا من تلك المذابح شاب اموي اسمه عبدالرحمن استطاع عبور الفرات وهرب إلى شمال افريقيا، وبمساعدة اخواله البربر استطاع العبور إلى الاندلس. استطاع عبدالرحمن الملقب «الداخل» من تأليف القبائل اليمانية التي كانت ناقمة على هيمنة القبائل القيسية وبمساعدة البربر استطاع ان يخضع الاندلس لسيطرته وان يبايعوه أهل الاندلس اميراً عليها سنة 138 هـ «755م». حاول الخليفة ابو جعفر المنصور عبثاً اخضاع عبدالرحمن الداخل حيث استطاع عبدالرحمن هذا (الذي لقبه المنصور بلقب صقر قريش، ان يهزم جيش المنصور وأن يبرد برؤوس قادة الجيش إلى المنصور لتصله إلى مكة اثناء موسم الحج).

اتخذ عبدالرحمن قرطبة عاصمة له وبدأ ببناء وتوسعة مسجدها الشهير فدخلت قرطبة مرحلة مزدهرة اصبحت معها فيما بعد محط الانظار ومهد الحضارة.

استمرت السلالة الاموية في حكم الاندلس حيث بلغت اوج حكمها في زمن عبدالرحمن الثالث الذي دام حكمه لأكثر من خمسين عاماً وامتد سلطانه إلى شمال افريقيا وليقهر الاسبان وليجعل من اسبانيا قبلة الامصار وعروس اوروبا. إليها تشدّ الرحال لطلب العلم والادب والفنون وحتى صارت اللغة العربية هي لغة العلم حتى في اوروبا.

بدأ حكم عبدالرحمن الثالث في سنة 300 هـ وانتهى عام 350 هـ واستطاع ان يخلع على نفسه لقب أمير المؤمنين وسمى نفسه الناصر لدين الله وبهذا اصبحت دار الاسلام يحكمها ثلاثة خلفاء «الاموي والعباسي والفاطمي» في آن واحد.

وقد توسعت قرطبة في عصره ليبلغ عدد سكانها النصف مليون تقريباً، وقد بدأ الناصر ببناء مدينة الزهراء التي استمر بناؤها 17 عاما ليجعلها مدينته المفضلة وهي تبعد عن قرطبة عدة اميال ولكن لم يمهل الزمن مدينة الزهراء هذه طويلا اذ قد دمرت بعد خمسين سنة تقريباً في فتنة البربر الشهيرة.

توفي الخليفة الناصر سنة 350 هـ فخلفه ولده الحكم الثاني الذي حكم لغاية سنة 366 هـ والذي اشتهر بحبه للعدل والعلم والحكمة. وقد بلغت جامعة قرطبة في عصره منزلة علمية عالية جعلتها في مصاف جامعة الازهر في القاهرة والمدرسة النظامية في بغداد.

لما حضرت الحكم الوفاة نظر وهو على فراش الموت إلى ولده الصغيرة نظرة اسى وحزن وكأنه علم بما سيكتنف ارض الاندلس من فتن مضطربة بعده، كان ولده لا يجاوز احد عشر عاماً فأوصى له بالخلافة ولقبه «هشام الثاني» وجعل عليه وصياً وزيره الحاجب محمد بن أبي عامر الملقب بالمنصور والذي لم يكن عند حسن ظن سيده، اذ سرعان ما استحوذ على كل مراكز القوى وتخلص من منافسيه الواحد تلو الاخر بالقتل والاغتيال وقلص من نفوذ هشام الثاني الذي جعله لا يغادر القصر وصيّره خليفة بغير سلطان.

جمع المنصور هذا قدرة ادارية كبيرة وكفائة عسكرية عالية يخالطها الكثير من الحنكة السياسية وميل إلى البطش والتنكيل.. خاض المنصور مع النصارى الاسبان عدة معارك اثبت فيها نفسه شبحاً مرعباً للاسبان تتحدث به كتبهم لحد الآن وفي احدى المعارك استولى على كنيسة سنتياغو وجعل الاسرى الاسبان يحملون الاجراس على ظهورهم لمسافة 400 ميلاً إلى قرطبة..

وبموت الحاجب المنصور سنة 1002م بدأ الهبوط السريع لحكم الاسلام في الاندلس فلم يمض إلاّ وقت قصير حتى اندلعت فتنة البربر الذين دمروا مدينة الزهراء رائعة المدن في الاندلس وتعاقب على الخلافة الاموية خلفاء ضعفاء لم يتركوا اثرا يذكر إلاّ شيئاً ادبيا خالداً ألا وهو غرام الشاعر ابن زيدون «بالولادة» بنت الخليفة المستكفي التي عافت حياة الحريم وكانت على درجة كبيرة من الادب والعلم فأغرم بها الشاعر ابن زيدون الذي انتهى امره معها بالفراق فخلدها بقصيدته الرائعة:

أضحى التنائي بديلاً من تدانينا***وناب عن طيب لقيانا تجافينا

بنتم وبنا فما ابتلت جَوانحُنا***شوقاً إليكم ولا جفت ماقينا

بالأمس كنا وما يخشى تفرقُنا***والآن نحن وما يرجى تلاقينا

يا جنّة الخلد بدلنا بَسلسلِها***والكوثر العذب زقوماً وغسلينا

ملوك الطوائف

بعد الغاء الخلافة الاموية في قرطبة انفرط عقد دولة الاندلس الاسلامية وعادت الصراعات والاطماع القديمة إلى الظهور وانقسمت الدولة إلى عدد كبير من الممالك الصغيرة التي قد لا يتجاوز الواحدة منها مساحة المدينة الواحدة وما حواليها، وانحسرت عظمة قرطبة وصارت تابعة فيما بعد لسلطان اشبيلية التي ملكها بنو عاد.. كانت دويلات الطوائف هذه متحاربة فيما بينها لا يجمعها جامع من دين أو عصبية أو مصلحة مشتركة فكان من المستحيل على مثل هذه الدويلات الاتحاد ضد خطر الاسبان الزاحف من الشمال ولكن على الرغم من التفكك الاداري والعسكري الذي اصاب الاندلس فان هذه الفترة كانت من اخصب فترات الحضارة الاسلامية في تلك الربوع فقد ازدهر الادب والفن وترعرت الفلسفة ونشطت حركة الترجمة فلابد ان نذكر ان ابن رشد وابن طفيل وعبدالله بن ميمون والمعتمد بن عباد كانوا ابناء عصر الطوائف.. كان الكثير من ملوكها على قدر كبير من الادب والعلم كالشاعر بن عباد صاب اشبيلية والمظفر بن افطاس الذي الف كتاباً في التاريخ بخمسين جزءاً سماه كتاب المظفرى!

على ان ازدهار ممالك الطوائف لم يمنع سقوطها تجاه زحف الاسبان فكانت تلك الممالك كزهور الربيع الطرية التي هبت عليها الحصباء فصارت كالهشيم.

لقد تناسى اولئك الحكام المتصارعون التحذير القرآني (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) وغاب عنهم ان من نام لم ينم عنه فكان املهم الوحيد تجاه قوة الاسبان في الشمال «مملكة قشتالة» هو الاستعانة باخوانهم في الشمال الافريقي.

كانت قد نشأت في المغرب العربي دولة قوية ناشئة من البربر الذين اسلموا حديثاً وسموا انفسهم بالمرابطين وكان ملكهم يوسف بن تاشفين الذي عبر المضيق المائي الفاصل لنجدة اخوانّه في الاندلس والحق بالاسبان هزيمة منكرة في معركة زلاقة الشهيرة حيث لم يعد من جيش الاسبان البالغ 60 الفاً سوى بضع مئات لاذوا بالفرار مع ملكهم الفرنسو السادس. وتنفست ممالك الطوائف الصعداء ولو لفترة قصيرة.. كانت اشبيلية يحكمها المعتمد بن عباد الشاعر المشهور والذي دبّ الخلاف بينه وبين يوسف بن تاشفين فنفاه يوسف هذا إلى المغرب في مدينة اغمات التي مات فيها فقيراً مأسوراً.

وقد رثى نفسه بقصيدة مؤثرة مطلعها..

فيما مضى كنتَ بالأيام مسرورا***فجاءك العيد في أغمات مأسورا

ترى بناتك في الاطمارِ عاريةً***يطأن في الدين ما يملكن قطميرا

رجع يوسف بن تاشفين إلى الشمال الافريقي وتوفي هناك فدب النزاع بين سلالته وسلالة اخرى انشأت لها دولة سميت بدولة الموحدين والذين كانت لهم الغلبة اخيراً واشتهر من ملوكهم السلطان يعقوب ابو يوسف الذي عبر إلى الاندلس بعد ان سمع بالتهديد الاسباني الجديد لنصارى قشتالة فاشتبك مع الاسبان في معركة دامية «معركة الاركوس» حيث خسر الاسبان معظم جيشهم وقد حاصر ابو يعقوب مدينة طليطلة حصاراً طويلاً فخرجت ملكة الاسبان وبناتها إلى السلطان ترجو منه فك الحصار وقد تحرك قلب ابي يعقوب لهذه الجرأة وملئت قلبه الاريحية فأرجعها معززة مكرمة ومحملة بالهدايا والنفائس.. وكان السلطان يعقوب هذا هو الذي بنى المأذنة وبرج المراقبة المسمى الجيرالدا «Giraldo» والذي مازال يطل شامخاً في سماء اشبيلية. كان هذا السلطان يحترم العلماء والمفكرين وقد ضم بلاطه ابن رشد وابن طفيل وغيرهم من الاطباء ابن زهر وابن باجة.

عزم السلطان يعقوب على الرحيل إلى الشمال الافريقي حيث قرر مغادرة الاندلس تاركا طوائفها لقسوة القدر وفتك الاسبان الذين سرعان ما اعادوا تنظيم جيوشهم وزادوا من عدتهم وعديدهم بينما زاد التناحر والتحارب ممالك الطوائف ضعفاً على ضعف.. ولم يكن هناك عبر الساحل الافريقي ابو يوسف يعقوب ليهب لنجدتهم فأصبحوا امام مصيرهم المحتوم. الذين هم سارعوا في تقريب ساعته اذ لا يعدم ان يرى المستطلع لتاريخ هذه الفترة استعانة المسلمين بالاسبان على اخوانهم المسلمين وبالتالي صار الاسبان يضربون بعض هذه الممالك ببعضها حتى إذا ابادوا احدها التفتوا إلى الاخرى فتساقطت هذه الدويلات تباعاً فسقطت قرطبة وبلقيسة ومرسية وحوصرت اشبيلية لمدة 15 شهراً من قبل الاسبان وكان ممن اشترك في الحصار ابن الاحمر مؤسس دولة بني الاحمر في غرناطة وسيأتي ذلك اليوم الذي يلتهم الاسبان مملكته ولو بعد حين (ولا يحيق المكر السيء إلاّ بأهله) واخيراً فتحت اشبيلية ابوابها للاسبان فبدأت المجازر التي يعجز القلم عن وصفها ولم يستثنوا حتى الاطفال الرضع أو النساء أو الشيوخ.. وقد رثى الشعراء سقوط اشبيلية رثاء مبكياً كما في هذه الابيات للشاعر موسى بن هارون:

فكم اسارى غدت في القيد موثقةً***تشكو من الذل اقداماً لها حُطما

وكم صريع رضيع ظل مختطفاً***عن امه فهو بالامواج قد فُطِما

يدعو الوليد اباه وهو في شغل***عن الجوابِ بدمع سال وانسجما

فكم ترى والهاً فيهم ووالهةً***لا يرجع الطرف ان حاولته الكلما

في كل حين ترى صرعى مجدّلةً***وآخرين اسارى خطبهم عظما

لابد ان نذكر هنا ان السقوط المتسارع لممالك الطوائف هو نتيجة لمعركة العقاب التي دارت رحاها في سنة 609 هـ «1212م» بين الاسبان ومن ساندهم من الصليبيين العائدين من ارض الشام بعد طردهم من قبل صلاح الدين، وبين جيش السلطان محمد بن يعقوب ابي يوسف الذي عبر إلى الاندلس لتأديب الاسبان إلاّ ان تعسفه وسوء ادارته ادت إلى انفضاض مسلمي الاندلس عنه عند اول هجوم للاسبان في تلك المعركة فمنهم من هرب ومنهم من انضم إلى الاسبان.

وكانت هزيمة ساحقة للمسلمين كما واصبحت بالتالي بداية النهاية لدويلات الطوائف كما ذكرناه آنفاً.. ومرة اخرى تناسى المسلمون تعليم قرآنهم فكانت النتيجة وبالاً عليهم.

(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفاً فلا تولوهم الادبار * ومن يولهم يومئذ دبره الا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنّم وبئس المصير)«الانفال».

مملكة غرناطة وسلالة بني الاحمر

في تلك المرحلة الدامية العصيبة التي مرت بها دويلات الطوائف ظهر متنافسان قويان رئيسيان هما محمد بن الأحمر وابن هود وكان قد بلغ العداء بينهما على اشده بحيث استعان ابن الاحمر على خصمه بالاسبان وتنازل ابن هود بدوره عن ثلاثين من قلاع المسلمين للاسبان رغبة في مساندة الاسبان له ضد ابن الاحمر. كان حظ ابن هود اقل من حظ خصمه اذ استطاع ان يهزمه الاسبان ويموت اخيراً بالسم بينما استطاع ابن الاحمر هذا الذي اشترك في حصار اشبيلية كما ذكرنا، من بسط سلطانه ودعمه في جنوب الاندلس فاستولى على غرناطة عاصمة لملكه، التي قد تضخم عدد سكانها فبلغوا 200 الفا بسبب نزح الهاربين اليها من مجازر الاسبان وكانت تقع في موقع حصين في واد فسيح تحيد به الجبال وتتوفر فيها المياه العذبة وبسبب جهود الغرناطيين وخبرتهم تحول ذلك الوادي إلى حدائق غنّاء تنتج الغذاء الوفير مما جعلها موضع حسد من قبل النصارى الاسبان يتحينون الفرص للايقاع بها وابتلاعها كما سنرى فيما بعد. كان اسلاف ابن الاحمر ينتمون إلى سلالة بني نصر وهم من الانصار من الخزرج بالذات وكان اسلافه ممن خدموا السلالة الاموية في غرناطة وابلوا بلاء حسناً في الحروب.. بدأ محمد بن الاحمر ببناء قصره الحمراء على قمة تل كان موقعاً لحامية عسكرية مسلمة «القصبة» فجلب إلى هذا الموقع المياه بواسطة قنوات عميقة داخل الارض من الجبال المحيطة واتسع البناء ليستطيع ضم 000/40 الفاً وقد تعاقب سلاطين بني الاحمر على عمارة قصر الحمراء وتوسعته والعناية بحدائقه البهيجة حتى صار اعجوبة في الفن المعماري لهذا اليوم اصبحت غرناطة اخر معقل للاسلام في الاندلس وازدهرت فيها العلوم والفنون والاداب والفلسفة وكان سلاطينها يشجعون هذه النهضة ويرعونها ويجودون عليها بالغالي والنفيس.. وازدهرت الزراعة عبر موانئها الجنوبية الواقعة على البحر الابيض المتوسط ففيها عاش لسان الدين بن الخطيب وقضى ابن خلدون بعض الوقت من عمره في بلاط بني الاحمر.. واستطاعت غرناطة ان تصمد لقرنين آخرين من الزمان حتى سقوطها سنة 1492م.

سقوط غرناطة

ان صمود غرناطة لهذا الزمن الطويل يرجع لعدة اسباب منها منعة غرناطة وحنكة سلاطين بني الاحمر السياسية وصراعات الاسبان الداخلية.

كانت ممالك الاسبان الرئيسية هي قشتالة والاراكون «وليون التي ضمت إلى الاراكون» انّه لمن سوء طالع غرناطة ان يتم التصالح بين قشتالة والاراكون بزواج ملكة قشتالة ايزابيلا من ملك الاراكون فرديناند وبهذا توحدت ممالك الاسبان وبرزت اسبانيا المسيحية كدولة فتية قوية كان هدفاً مشتركا بينهما ان يقضي فرديناند وايزابيلا على غرناطة بصورة نهائية.. كانت ايزابيلا متعصبة لمسيحيها إلى حد الهوس وكانت ترى ان رسالتها ان تطهر ارض اسبانيا من الكفرة في نظرها وكان يساعدها على ذلك صرامة شديدة وقلب قاسي لا يلين. اما زوجها فرديناند فهو ضب لا يرى ضيراً ان يكتب عهداً بيمنيه لتنقضها شماله.

وبينما كان البلاط الاسباني سائراً في طريق الوحدة كان بلاط بني الاحمر مسرحاً للفتن والدسائس والمؤامرات التي ادت إلى ان يقتل بعضهم البعض.

اقترتب نهاية غرناطة عندما اعتلى السلطان علي ابو الحسن ابن الاحمر عرش غرناطة ـ كان ابو الحسن شجاعاً مقداماً ولكن يخالط شجاعته مزاج حاد وطبيعة نارية تبلغ درجة التهور والطيش غير عابي للعواقب ـ كان ابوه قد شخص ضعف غرناطة امام الاسبان فآثر السلامة ورضي ان يدفع لملك الاسبان ضريبة سنوية لارضائهم.. اما ابو الحسن هذا فعندما طولب بالضريبة. اجاب الاسبان ان ليس عنده إلاّ السيف واعقب كلامه بالفعل فهجم على حامية اسبانية قريبة واحتلها وطرد منها الاسبان.

وجد فرديناند وايزابيلا فرصتهم الذهبية لتحقيق حلم اسلافهم بالقضاء على هذا المعقل الحصين للاسلام.

وقد ساعدهم على ذلك حصول فتنة كبيرة في البلاط الملكي في غرناطة اذ ان ابا الحسن كان قد تزوج من ابنة عمه عائشة أو «فاطمة» التي ولدت له ابنه ابو عبدالله المقلب «الصغير» وكان لأبي الحسن زوجة اسبانية جميلة كانت المفضلة عنده حيث ولدت له طفلين واراد ان يجعل الملك لهما من بعده.. حدثت الفتنة داخل القصر بين أبي عبدالله الصغير مدفوعاً من امه عائشة وبين ابيه كان للاسبان يد فيها.. ويلف الغموض احداث هذه الفترة إلاّ ان المعروف ان ابا الحسن ترك غرناطة متجهاً إلى المرية عند اخيه الملقب «الزغال» لشجاعته وبأسه وهناك توفي ابو الحسن فاندلعت الفتنة بين الزغال وابن اخيه ابي عبدالله الصغير انتهت بأن يقسم الاثنان المملكة بينهما فيكون للزغال مالقة والمرية وجنوب غرناطة يكون الباقي لأبي عبدالله.

قرر فرديناند تصفية الخصمين كلاً على حدة وكان ابو عبدالله قد ارتبط بمعاهدة صداقة مع فرديناند.. فبعث فرديناند جيشاً كبيراً لمحاصرة مالقة لعدة شهور اصابت المجاعة اهلها ببلاء عظيم واستبسل سكانها في الدفاع عن مدينتهم.. وقد ارسل الزغال جيشاً من المرية لنجدة مالقة ولكن قطع الطريق عليه قوة عسكرية ارسلها ابو عبدالله.. انتصاراً للاسبان!! ولم يجد هذا الخسيس ضيراً ان يرسل رسالة تهنئة إلى فرديناند بسقوط مالقة فيما بعد.

اخيرا استسلمت مالقة للاسبان وبدأت المجازر التي راح ضحيتها الطفل والشيخ والمرأة على حد سواء.. لقد سجل الاسبان صفحة سوداء اخرى في تاريخهم في مالقة حفظتها كتب التاريخ.

ابدى الزغال شجاعة نادرة في مناوراته مع الاسبان وحقق انتصارات لا باس بها عليهم ولكن الكفة رجحت اخيراً لصالحهم فلم يجد بُداً من الاستسلام فأعطي بعض المال ونفي إلى ارض وهبها له فرديناند.

ولكن بقاءه في الاندلس لم يعد مرغوباً فيه فأمر اخيرا بالرحيل فعبر إلى فاس في مراكش وهناك اتهم بالخيانة والجبن وصودرت امواله وفقأت عيناه وسجن ثم اخرج من السجن ليبدأ بالتسول في شوارع فاس وليموت البطل اخيراً كسير القلب مجروح الفؤاد على الرغم من استماتته في الدفاع عن معقل الاسلام الاخير في الاندلس.

ودارت الايام على أبي عبدالله.. فلم يمض إلاّ وقت قصير حتى طلب فرديناند من أبي عبدالله تسليم غرناطة فوراً.. اسقط في يد ابي عبدالله ولم يجد الغرناطيون بداً من الدفاع عن مدينتهم والاستماتة في سبيلها.

وهكذا فقد بدأ حصار غرناطة في خريف سنة 1491م بعد ان سبقه تدمير الحقول والمروج والبساتين في وديان غرناطة الخضراء استمر الحصار لبضعة شهور كانت تكثر خلاله المناوشات والمبارزات بين فرسان المسلمين والاسبان كانت الغلبة في معظمها لفرسان الإسلام حتى خشي فرديناند على فرسانه من الابادة فأمر بايقاف المبارزة بين الطرفين وضيّق بدلها الحصار حتى تفشت المجاعة في داخل غرناطة.

وهناك بدأ ابو عبدالله الصغير مفاوضاته سراً لتسليم غرناطة وفك الحصار عنها على شروط عديدة.

وفى صباح يوم الثالث من كانون الثاني 1492 استيقظ الاسبانيون على اطلاقات المدافع من قصر غرناطة وإذا بهم يرون الصليب منتصباً على قصبته فها قد تم الاستسلام واعطيت المفاتيح لفرديناند وايزابيلا وبهذا انهزم هلال التوحيد امام صليب الشرك ولا حول ولا قوة إلاّ بالله.

كانت شروط تسليم غرناطة للاسبان تقضي للمسلمين بحرية الدين واللغة.. كما ان للمسلمين الحق في المحافظة على اموالهم وتقاليدهم وان تحسم قضاياهم من قبل قضاة مسلمين وكذلك السماح للمؤذنين بالاذان في أوقات الصلاة. ويُمنع المسيحيون من دخول بيوت المسلمين من غير اذن.. الخ، لقد استنام الغرناطيون لهذه العهود والمواثيق التي قطعها الاسبان لهم والتي كانت مخدعة الصبي عن اللبن أو الفطام.. فلم يعرف الاسبان ابداً انهم حافظوا على عهد سابق ابداً. كان هناك صوت رافض لهذه الشروط لفارس من فرسان غرناطة الشجعان واسمه موسى الذي خطب في قومه قبل الاستسلام محذراً اياهم من مغبة الاستنامة لوعود الاسبان ولما لم يجد اذناً صاغية غادر قومه قائلاً: «انّه يفضل الموت بالسيف على ان يموت صبراً بيد لئام الاسبان أو يُجرع الذل والهوان على يد الشرك». وعندما خرج موسى من غرناطة اعترضته قوة من فرسان الاسبان فدارت معركة غير متكافئة قتل فيها عدة منهم وسقط اخيراً من على فرسه مثخناً بالجراح فقاتل بسيفه قائماً على ركبتيه ولما تكاثر الاسبان عليه ليفتكوا به رمى بنفسه من علو إلى النهر ولما كان مثقلاً بالدروع غاص موسى إلى قاع النهر ولم يعثر عليه على اثر فضرب هذا الفارس المثل الأعلى في الاباء والعزة والكرامة والشجاعة.

وقد صدق حدس موسى رحمه الله فلم يمض وقت قصير إلاّ والعهود تنكث الواحد تلو الآخر من قبل الاسبان حتى لم يبق منها شيء يذكر وإذا بالمرحلة العصيبة الاخرى تمر على مسلمي الاندلس لتسدل الخاتمة على هذا التاريخ إلى يومنا هذا.

مرحلة ما بعد السقوط

بدأ التعسف والاضطهاد مباشرة بعد سقوط غرناطة وبدأت حملات التنصير الاجباري للمسلمين. ولكن الاسبان لاحظوا ان هؤلاء غالباً ما كانوا يظهرون المسيحية ويبطنون الاسلام وبدأت محاكم التفتيش بمحاكمة وحرق من يشتبه فيه التنصير الظاهري فراح الكثير ضحايا هذه المحاكم التي أمرت بأنشائها الملكة ايزابيلا لتلتهم اليهود والمسلمين وفيما بعد حتى النصارى الذين يشك في ولائهم المطلق للكنيسة الكاثوليكية فاقترنت ايزابيلا بمحاكم التفتيش هذه في التاريخ فكانت سنّة سيئة عليها وزرها ووزر من عمل بها.. ايزابيلا هذه التي سمّاها شكسبير شاعر الانكليز «ملكة ملكات الارض» وهي نفسها التي يبحث الفاتكان الآن في شأن رفعها إلى مستوى القديسة.. هذه هي التي كانت سبباً في ابادة شعبين مسلمين، المسلم في الاندلس والهنود الحمر في اميركا التي عبر اليها كولمبس مبحراً من اشبيلية بأموال الغنائم التي غنمها الاسبان من غرناطة وبأمر من ايزابيلا وزوجها فرديناند..

في سنة 1502م صدر مرسوم ملكي يقضي بأن يُمنح المسلمون شهرين فقط لا غير لاعتناق المسيحية أو الطرد النهائي فشهدت ساحات غرناطة احراق 000/80 من الكتب العربية والتنصير الاجباري للمسلمين من نزلاء حي البيازين المقابل لقصر الحمراء.

وفي سنة 1566م صدر مرسوم ملكي آخر يقضي بمصادرة الكتب العربية ومنع التكلم بالعربية ومنع الحجاب بالنسبة للمسلمات وغلق الحمامات العامة ومنع الزي الاسلامي والاستعاضة عنه بالزي الاسباني وتغيير الاسماء العربية إلى الاسبانية.

كان هذا فوق طاقة تحمل المسلمين فاندلعت ثورة عارمة في غرناطة وفي منطقة جبال إلبشارات التي التجأ اليها الالوف من المسلمين استمرت هذه الثورة لثلاث سنوات متتالية.. ارتكب فيها الاسبان ابشع الجرائم فاحرقت الكهوف على ساكنيها في جبال إلبشارات وقتل فيها الاطفال والشيوخ والنساء.. كان مدبر هذه الحملة على هؤلاء المقهورين البائسين هو (الامير دون جون) الابن اللقيط للامبراطور كارلوس الخامس، فلم تهز قلب هذا اللقيط انات الاطفال والنساء وهم يقتلون ويحرقون امام ناظريه بالالوف، فنال هذا اللقيط مكانة بجدارة في التاريخ بين سفاحي ومجرمي البشرية الجديرين بلعنة الله ولعنة اللاعنين!

تبكي الحنيفية البيضاء من اسف***كما بكى لفراق الالف هيمانُ

على ديار من الاسلام خالية***قد اقفرت ولها بالكفر عمرانُ

حتى المحاريب تبكي وهي جامدة***حتى المنابر ترثي وهي عيدانُ

يا غافلاً وله في الدهر موعظة***ان كنت في سنة فالدهر يقظانُ

تلك المصيبة انست ما تقدمها***ومالها من طوال الدهر نسيانُ

يا راكبين عتاق الخيل ضامرةً***كأنها في مجال السبق عُقبانُ

وحاملين سيوف الهند مرهقةً***كأنها في ظلام النقع نيرانُ

وراتعين وراء البحر في دعة***لهم بأوطانهم عزٌ وسلطانُ

(ابو البقاء الرندي)

بالغ المسلمون في كتمان دينهم عن الاسبان، وقد اطلق عليهم الاسبان (المورسيكيون) في النصارى الذين ابطنوا الاسلام فكانت الوفود السرية تتوالى على المسلمين من شمال افريقيا ناقلة الفتاوى والتشريعات التي تعلمهم كيف يحافظون على دينهم في ظل هذا الكبت والكتمان.. إلاّ ان ذلك لم يكن ليستمر طويلاً.. ففي سنة 1612م كانت خاتمة الاسلام في الاندلس حيث اجبر المسلمون على الرحيل ومغادرة البلاد فغادر الكثير منهم ومات الكثير منهم في الطريق إلى شمال افريقيا وحمل بعضهم مفاتيح بيوتهم في غرناطة على امل العودة يوماً ما واستقر الكثير منهم في فاس والرباط وغيرها من مدن الشمال الافريقي.. كانت هذه الهجرة هي الاخيرة وقد قدر عدد النازحين بين نصف مليون والمليون وبعضهم يصل بالعدد إلى 3 ملايين وهكذا اسدل الستار على شعب مسلم عظيم عمّر ارض اسبانيا وارسى فيها حضارة عظيمة كان محط انظار العالم في القرون الوسطى.

(قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شيء قدير).

ولم تنج اسبانيا من العدالة الالهية فاذا امبراطوريتها التي امتدت في اوربا والامريكيتين تنهار سريعاً وتحولت اسبانيا إلى ارض جدباء وسارعت الخطى إلى عصور الظلام بينما دخلت مثيلاتها الاوربيات في عصور النهضة.. وبقيت اسبانيا تغط في نومها العميق إلى ان تململت اخيراً في اواخر القرن العشرين بعد ان دخلت واختها البرتغال السوق الاوربية المشتركة!!

خاتمة

لابد لنا ان نعرج ولو باختصار على الجانب الحضاري لمسلمي الاندلس. فقد ترعرت حضارة زاهية في ربوع الاندلس كان لسانها العربية ومادتها الاسلام.. وقد شملت هذه الحضارة مختلف الجوانب كالزراعة والصناعة والتجارة والادب والفن والمعمار والفلسفة وفن الحروب والفروسية.

فقد انشا المسلمون نظام ري متقن استطاع ان يحي الكثير من ارض الموات وتحولت بسببه ارض اسبانيا الى مروج خضراء وقد دخل العرب الفاتحون معهم المحاصيل الزراعية التي لم تكن معروفة في اسبانيا من قبل مثل النخيل والرز وقصب السكر.. كما برعوا في تربية دود القز وصناعة الانسجة الحريرية.

اما بالنسبة للفن المعماري فنظرة فاحصة إلى قصر الحمراء ومسجد قرطبة وقصر اشبيلية جديرة ان تثبت ما وصل إليه المسلمون من درجة عالية من الرقي في الفن المعماري والذي لا يزال محط انظار العالم إلى وقتنا الحاضر.

كما علينا ان لا ننسى التراث الفلسفي الكبير الذي خلفه لنا كبار الفلاسفة المسلمين مثل ابن رشد الذي كان له الاثر الكبير في نقل تراث الفلسفة اليوناني إلى اوربا عن طريق الاندلس وقد ذكر برتراند راسل انّه كانت مدرسة فلسفية في اوربا من اتباع ابن رشد.

وكذلك ابن الطفيل وكتابه الشهير في الفلسفة (قصة حي بن يقظان) وعبد الله بن ميمون والذي كان من يهود قرطبة الا انّه اثرى التراث الانساني بمؤلفاته التي الفها باللغة العربية، وابن عربي وفتوحاته المكية..

وقد برع الكثير من المسلمين في مجال الطب كابن زهر التي كانت مؤلفاته تدرس لفترة طويلة في حواضر اوربا وابن باجة..

ولا نريد ان نبخس النساء الاندلسيات حقهن فقد نبغت منهم الكثير من النساء في الادب والشعر والفنون كالولادة بنت المستكفي وحسانه التميمية وام العلا وغيرهن كثير.

ولابد ان نذكر هنا فن الفروسية التي برع فيه المسلمون وانتقلت تقاليده إلى داخل اوربا حتى اصبحت العصور الوسطى عصور الفروسية.. ان الفروسية هذه لم تكن نتاج غابات الماناي أو تربّت في صقيع دول اسنكندنافيا أو ضباب بريطانيا انها كانت وليدة ابناء الصحراء العرب المسلمين الذين جلبوا تقاليدها معهم اثناء الفتوحات، وقد تعلمها الاوربيون منهم عن طريق الاندلس والحروب الصليبية ولكن هيهات ان يكون الشبه بين الاصل والفرع وبين الابداع والتقليد..

ولا ننسى ايضاً في هذا المجال ما اثرى به الاندلسيون الشعر العربي من شعرهم الذي يتميز بالرقة والسهولة والعذوبة.

ولابد ان نذكر هنا ان اهل الاندلس اخترعوا الموشحات الاندلسية وهي الشعر المطبوع بطابع الاندلس ولعل بعض القراء يذكرون موشحات الوزير ابن الخيب المتميزة بشعره اللطيف..

جادك الغيثُ إذا الغيثُ همى***يا زمان الوصل بالاندلس

لم يكن وصلك إلاّ حُلُماً***في الكرى أو خلسة المختلس

اذ يقود الدهرُ اشتات المنى***ينقل الخطو على ما يرسمُ

زمراً بين فرادى وثنا***مثل ما يدعو الوفود الموسمُ

وروى النعمان عن ماء السما***كيف يروي مالك عن انس

فكساه الحسنُ ثوباً مُعلما***يزدهي منه بأبهى ملبس

اسباب السقوط

لابد واننا نستطلع تاريخ الاندلس ان ندرس عوامل سقوط هذه الدولة.. لانني اعتقد جازماً ان دراسة التاريخ ليست قصصاً مجرداً أو لترويج الفكر بقراءة دول الاقدمين وكأن حاضرنا مقطوع الجذور فان الدول تتشابه في نشوءها وهرمها وسقوطها فلو عرفنا العلل التي تصيب الدول فلعلنا نستطيع ان نصحح في حاضرنا ما اخطأ فيه الاقدمون في ماضيهم.

فاي دولة تقوم في التاريخ ولابد لها من عقيدة يؤمن بها افرادها لكي تخلق في نفوسهم حبها والاستماتة في الدفاع عنها ومن ثم قهر اعدائها وتوسعها.. هذا ما عبر عنه ابن خلدون في مقدمته بعنوان العصبية التي قد تكون ناشئة عن القبلية أو الدين وههذا ما نعبر عنه في الوقت الحاضر بالايدلوجية..

فلو اخذنا تاريخ العرب قبل الاسلام لرأينا مثلاً انهم كانوا قبائل مشتتة متحاربة يأكل قويها ضعيفها تفشت فيه العصبية ولكنها على مستوى القبيلة فكان الفكر القبلي قادراً ان يجمع القبيلة الواحدة أو حليفاتها ولكنه لم يستطع ان يخلق منها امة إلى ان جاء الاسلام وجمع العرب تحت راية التوحيد واستطاع ان يبعث في قلوبهم حب هذا الدين والذب عنه والجهاد في سبيله فخلق منهم امة متآلفة يجمعها هذا الدين.. اي بالتعبير الحديث.. خلق الاسلام لهم الايديولوجية التي استطاعت ان تجمعهم وتوحد جهودهم نحو الهدف وهو اعلاء كلمة الله ونشر كلمة التوحيد فكان ان فتح المسلمون البلاد وقضوا على امبراطورية فارس وشلوا امبراطورية الروم لزمن طويل وكانوا على ابواب فتح اوربا لولا الخلاف والفشل والتنازع الذي ادى بالتالي إلى اندحارهم وتلك سنن التاريخ التي تعم المجتمعات والدول والحضارات.

ولكن اصاب المسلمين ما اصاب غيرهم من الامم فضعفت الحمية الدينية في قلوبهم وركنوا إلى الدنيا وبالتدريج دب الوهن والخلاف والتنازع.

وهكذا نسي المسلمون احكام دينهم وتعاليم قرآنهم وتوصيات نبيهم الواحدة تلو الاخرى.. فتسلط حكام الجور عليهم.. وبالتدريج تحول الجهاد إلى صراع بين الدول والممالك لحفظ الملك فاختل نظام الدولة وبرزت الفتن في كل مكان وتقاتل المسلمون مع بعضهم البعض واستعانوا بالمشركين على المسلمين كما رأيناه في الاندلس مثلاً.

انهم بعبارة اخرى.. ذهبت من نفوسهم الحمية على الدين وركنوا إلى طموحاتهم الذاتية واهدافهم الصغيرة.. ولما لم يكن هناك عصبية اخرى غير الدين تجمعهم.. فقدوا الهدف وغامت عليهم السبل.

وبينما المسلمون في غفلتهم عن ضعفهم وما يكال لهم.. بدأت الامم الاخرى في الظهور والصعود وكانت عصبيتها من نوع اخرى (اي ايديولوجيتها بالتعبير الحديث) فالاسبان على سبيل المثال ظهرت فيهم الروحية القومية مدعومة بالحمية الدينية لتطهير اسبانيا من المسلمين الكفرة (بزعمهم) مضافاً اليها الطمع في الغنائم والاسلاب فاتفقت ممالك الاسبان رغم اختلافها.. جمعتهم عصبية الهدف المشترك والمصالح المشتركة فصاروا قوة كبيرة لم يستطع المسلمون الوقوف في وجهها لانهم فقدوا حيمتهم لدينهم الذي خلق منهم امة اولاً.. لم يكن كافياً انهم صاموا وصلوا وقرؤا القرآن.. اذ ان العقيدة وحدها عاجزة عن الصمود إذا لم يكن يساندها الحمية لهذا الدين ولهذا خسر معسكر الامام علي مثلاً بسبب فشل اهل العراق امام بغي معسكر معاوية.. وسقطت بغداد امام غزو المغول وخسر المسلمون الاندلس امام الاسبان وسقطت فلسطين بيد اليهود فى عصرنا الحالي.. كل ذلك لنفس السبب فالايمان والحمية لنصرة الدين هو الذي يخلق القوة لتذليل الصعاب ويبعث على تفجير الطاقات وتعثر على السبل لرفع الظلم والحيف ويجد الطريق للاخذ باسباب القوة والمنعة فالمسلمون باختلافاتهم العرقية والقومية والطائفية لا يمكن ان توحدهم عقيدة اخرى غير عقيدة الدين الذي يبعث في نفوسهم الايمان.. وانا اعني بالدين.. روح الدين التي تبث العقيدة في النفوس ولا اعني ديناً مؤطراً برأي المدارس الفقهية المختلفة.

لعل المسلمين بالرجوع إلى الايمان يستطيعون ان ينهضوا ويمنعوا ضياع اندلس اخرى واخرى بعد ان اضاعوا الكثير والله المستعان على لم الشعث وجمع الكلمة وتأليف القلوب وما النصر الا من عند الله.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:30 PM

24

الفتوح الإسلامية
الفتوح الإسلامية حركة نشر الإسلام عن طريق الدعوة والقدوة أو عن طريق القتال لمن صدَّ وأبى وأظهر العداوة. ويقصد بها أيضًا افتتاح دار الحرب، والانتصار على محاربيها. فطبيعة الإسلام تقتضي دخوله تلك الديار سلمًا عن طريق الدعوة والقدوة الحسنة. فإذا رفض أصحاب تلك البلاد الإسلام والتعايش مع النظام الإسلامي؛ أمر الخليفة المسلمين بفتحها. ولقد تكثفت هذه الفتوح في عصر صدر الإسلام. فقد جهّز أبو بكر الصديق الجيوش لفتح بلاد فارس والروم وأنفذ الحملة التي أعدّ لها الرسول ³ قبيل وفاته وعقد لواءها لأسامة بن زيد. وقد بدأت هذه الفتوحات بداية حقيقية على أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

كان من أهداف هذه الفتوحات حماية الدعوة من عدوان خصومها، سواء أكانوا من عرب الجزيرة نفسها، أم من خارجها، كالفرس والروم. كانت الفتوح الإسلامية في بدايتها حربًا دفاعية، حارب الرسول ³ فيها كفار قريش لأنهم رفضوا أن يتركوا له ولأصحابه حرية العبادة والدعوة، واعتدوا عليه وعلى أصحابه بشتى أنواع الاعتداء والتعذيب حتى استشهد عدد منهم تحت التعذيب، وتآمروا على قتل الرسول ³ ليلة الهجرة إلى المدينة. ثم كانت بعد ذلك حروب الردة في عهد الخليفة الأول، أبي بكر الصديق رضي الله عنه، والتي لم تكن إلا دفاعًا عن كيان الدولة الإسلامية الذي هدده المرتدون. ثم جاءت بعد ذلك حروب فارس والروم، التي ترجع أسبابها إلى مبادرة هؤلاء القوم بإيذاء المسلمين، وتمثل ذلك في عدة وقائع وأحداث تاريخية، ومثال ذلك تهديد كسرى للرسول ³ عندما مزَّق الرسالة التي بعث بها إليه الرسول ³ يدعوه فيها إلى الإسلام، وأعان المرتدين في شرقي الدولة الإسلامية الناشئة، وحمى الفارين منهم من وجه الجيوش الإسلامية إلى سواد العراق، وألَّب الفرس والروم القبائل العربية المتاخمة لحدودهم على إخوانهم من المسلمين. ولذا نرى هذه القبائل (المناذرة والغساسنة) تحارب جنبًا إلى جنب مع الفرس والروم ضد المسلمين العرب. وأمر هرقل ـ ملك الروم ـ بقتل كل من أسلم من أهل الشام، وافتتح هجومه على الإسلام بقتل فروة بن عمرو الجذامي، عامل الروم على مَعَان (في الأردن حاليًا) لاعتناقه الإسلام ومراسلته لرسول الله ³. ومضى يُعد عدته لمجابهة دولة الإسلام بالمدينة. وكانت موقعة ذات السلاسل نتيجة لاعتداء جماعة من الفرس على بعثة نبوية يرأسها عمرو بن العاص، رضي الله عنه. ولم تكن سرية مؤتة إلا بسبب ما علمه الرسولص من تجمعات العدو الرومي وعَزْمه على غزو المدينة عاصمة الدولة الإسلامية. وكذلك كان من أسباب غزوة تبوك أن هرقل جمع جموعًا من الروم وقبائل العرب الموالية له، فعزم على قتالهم. وجهَّز جيش أسامة قُبيل وفاة النبي ³ لرد عدوان الروم وتأمين الحدود الشمالية للجزيرة العربية. وأصر أبو بكر على إنفاذ هذا الجيش بعد وفاة الرسول ³. وشارك العرب الذين يقعون تحت نفوذ الروم في الاعتداء على المسلمين. فقد قتل الحارث بن عمرو الأزدي الغسَّاني ـ صاحب دمشق ـ رسولَ رسولِ الله ³ إليه ـ شجاع بن وهب الأسدي، علمًا بأن الرسل لا تُقتل. وعندما أرسل النبي ³ خمسة عشر داعية إلى ذات الطلح، على حدود الشام، قُتلوا جميعًا، ولم ينج منهم إلا رئيسهم.

توخَّت تلك الفتوحات أيضًا تخليص الشعوب من طغاتها الظالمين ومن أوضاعها الدينية والاجتماعية السيئة. وقضت على الحق الذي كان يزعمه الملوك والرؤساء لأنفسهم من أن مشيئتهم هي مشيئة الله وأن الخضوع لهم خضوع لله. فعندما سأل رستم ـ قائد الفرس في معركة القادسية ـ ربعي بن عامر مبعوث سعد بن أبي وقاص إليه عن سبب مجيء المسلمين إلى العراق، قال ربعي: ¸الله جاء بنا، وهو بعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسل رسوله بدينه إلى خلقه، فمن قبله قبلنا منه ورجعنا عنه، وتركناه وأرضه، ومن أبى قاتلناه حتى نُفضي إلى الجنة، أو الظفر

وعندما سأله رستم إن كان هو زعيم المسلمين، فردّ بقوله: ¸لا، ولكن المسلمين كالجسد الواحد، بعضهم من بعض، يجير أدناهم على أعلاهم·، وتعجب رستم من كلامه. وكرَّر حُذَيْفَةُ بن مُحْصِن مبعوث سعد إلى رستم في اليوم التالي ما قاله ربعي، وعندما سأله عن سبب تخلف ربعي هذه المرة قال له: ¸أميرنا يعدل بيننا في الشدة والرخاء، وهذه نوبتي·. وأرسل سعد المغيرة إلى رستم في اليوم الثالث، وجاءه فجلس معه على سريره، فاستنكر ذلك أعوان رستم، وأقبلوا عليه يجذبونه، فقال لهم: ¸قد كانت تبلغنا عنكم الأحلام، ولا أرى قومًا أسفه منكم، إنا معشر العرب لا يستعْبد بعضنا بعضًا، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم، وأني لم آتكم، ولكنكم دعوتموني، اليوم علمت أنكم مغلوبون، وأن مُلْكًا لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول زائل·. فقالت السوقة: ¸صدق والله العربي·، وقال الزعماء: ¸لقد رمى بكلام لا تزال عبيدنا تنزع إليه، قاتل الله سابقينا حيث كانوا يصغرون أمر هذه الأمة·.

أرادت الأمة الإسلامية أن تنقل مُثُلَها التحررية إلى الشعوب المضطهدة، تلك المثل التي نلمحها في قول واحد من عامة الناس لعمر بن الخطاب وعلى ملأ من الناس، ¸والله لو رأينا فيك اعوجاجًا لقَّومناه بسيوفنا·، وقيل مثل هذا لأبي بكر من قبل. وقال آخر لعمر: ¸لا نسمع ولا نطيع·، وذلك حين رأى عليه ثوبًا لم يعلم مصدره، بل ظن أنه من مال الدولة، ولم يترفع عمر عن بيان مصدر ثوبه الثاني. ولو كان حكام المسلمين مثل حكام الروم لما أمر عمر بأن يقتصّ ابن قبطي مصري من ولد واليه على مصر ـ عَمْرو بن العاص ـ وفي ملأ من الناس، وطلب من الغلام القبطي المظلوم أن يضرب عَمْرًا على صلعته، لأن ابنه تجرأ على الظلم لمكانة والده، وخاطب عمْرًا بكلمات خالدة: ¸متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟·. وكان الروم يسومون أهل مصر سوء العذاب، ولا يتجرأ أحد على رفع شكايته إلى رئيس الدولة.

ويعترف أحد المستشرقين وهو توماس آرنولد في كتابه الدعوة إلى الإسلام بأن القبائل النصرانية اعتنقت الإسلام عن اختيار وإرادة حرة، ويذكر أن النصارى كتبوا إلى المسلمين العرب يقولون لهم: ¸يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم، وإن كانوا على ديننا، أنتم أرأف بنا وآنف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا·.

لقد كانت الفتوحات الإسلامية حروبًا أخلاقية تقيدت بمبادئ الحق والعدالة والرحمة مع المغلوبين والمحاربين. وتمثل شيء من ذلك في عمر بن عبد العزيز فإنه حين وُلِّيَ الخلافة، وفد عليه قوم من أهل سمرقند فرفعوا إليه أن قتيبة ابن مسلم دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين بغير حق، فكتب عمر إلى عامله بأن ينصِّب لهم قاضيًا ينظر فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج المسلمين، أخرجوا، فنصَّب لهم جميع بن حاضر الباجي قاضيًا، فحكم بإخراج المسلمين، على أن ينذرهم قائد الجيش الإسلامي بعد ذلك، وينابذهم وفقًا لمبادئ الحرب في الإسلام. ولكن أهل سمرقند كرهوا الحرب، وأقروا المسلمين للإقامة بين أظهرهم.

ولم يستغل الفاتحون سلطانهم لقهر الأمم التي غلبوها. وعندما رأى أهل الذمة وفاء المسلمين بعهودهم معهم وحسن سيرتهم فيهم، أصبحوا عيونًا للمسلمين على أعدائهم. واعترفوا بالفارق بين الحضارتين الإسلامية والرومية، عندما أمر أبو عبيدة برد الجزية التي أخذها من أهل حمص حين أيقن بعجزه عن حمايتهم من الروم. ويقول المستشرق روبنسون: ¸إن أتباع محمد وحدهم هم الذين جمعوا بين معاملة الأجانب بالحسنى، وبين محبتهم لنشر دينهم، وكان من أثر هذه المعاملة الحسنة أن انتشر الإسلام بسرعة، وعلا قدر رجاله الفاتحين بين الأمم المغلوبة، وأدت هذه المعاملة إلى انحسار ظل النصرانية عن شمالي إفريقيا·. ويقول دوابر: ¸إن العرب عاملوا اليهود في الأندلس أحسن معاملة. وعندما طرد النصارى العرب من الأندلس لم يطيقوا إبقاء اليهود، فدبروا لهم تهمًا، وأحرقوا عشرة آلاف يهودي في مدى عشر سنوات، واعترف البطريرك النسطوري إبشوياف الثالث إلى سيمون أسقف آردشير، بأن العرب لم يهاجموا العقيدة النصرانية، وأنهم يعطفون على دينهم، ويكرمون قِدِّيسيهم، ويساعدون الكنائس والأديرة·.

كما كانت الفتوحات الإسلامية أيضًا حروبًا تهدف إلى نشر الدين الإسلامي بالحسنى، ومن منطلق سامٍ، بعيدًا عن الماديات، وذلك بدلالة ما وقع في أحداث الفتح الإسلامي من قضايا التّعفّف عند الغنيمة وأداء الأمانات والإخلاص لله ما يعجز التاريخ البشري عن إبراز نظائره. جاء في تاريخ الطبري أنه لما هبط المسلمون المدائن عاصمة الفرس وجمعوا الغنائم، أقبل رجل بحُقٍ معه، فدفعه إلى المسؤول عن حصر الغنائم. فقال الذين معه: ما رأينا مثل هذا قط، ما يعدله ما عندنا ولايقاربه، فسألوه إن كان قد أخذ منه شيئًا، فقال: أما والله لولا الله ما أتيتكم به، ورفض أن يفصح عن اسمه، حتى لا يُعرف فيُحمد، لأنه يريد حمد الله وثوابه، وليس حَمْد الناس. وأرسلوا وراءه رجلاً خِلْسةً ليعرفه، فعرفه من أصحابه، فإذا هو عامر بن عبد قيس رضي الله عنه.

ورفض ربعيّ بن عامر أن يجلس على بساط رستم قائد الفرس في معركة القادسية، بل جلس على الأرض، وقال: إناَّ لا نقعد على زينتكم. وقال المثنى بن حارثة الشيباني لخالد بن الوليد، عندما أراد الانفصال بنصف جيش العراق ليلحق بأبي عبيدة بالشام: ¸يا خالد، إنك لم تقسم بالسَّويَّة، هؤلاء أصحاب رسول الله ³ وكيف تعرِّيني منهم، والله ما أرجو النصر إلا بهم·.

ودخل عمر ذات يوم على أبي عبيدة ـ أبرز قواد فتح الشام ـ فلم ير في منزله إلا لبَدًا (حشايا من شعر أو صوف) وإناء وقربة ماء بالية، وسأله طعامًا، فأخرج له من سلة منشأة بالجلْد صغيرة كُسَيْرات، فبكى عمر وقال: ¸غيرتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة·. والذي يقف على سيرة عمر في الزهد يعرف دلالة عبارته لأبي عبيدة. وأرسل إليه عمر أربعمائة دينار، وسأل من أرسله أن يقف على ما يفعل بها، فجاءه الخبر بأنه وزعها كلها على المحتاجين، وأرسل مثلها إلى معاذ بن جبل، رضي الله عنه، فوزَّعها إلا القليل منها، أعطاه زوجته لحاجتها. فقال عمر لما أخبر بهذا: ¸الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا·.

وعندما أرسل المقوقس ـ حاكم مصر ـ بعض رجاله ليتعرفوا له على أحوال الجيش الإسلامي الذي يحاصر حصن بابليون، عادوا ليقولوا له: ¸رأينا قومًا الموت أحب إليهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرِّفْعة... ليس لأحد منهم في الدنيا رغبة ولا نهمة. جلوسهم على التراب، وأميرهم كواحد منهم، ما يُعرف كبيرهم من صغيرهم، ولا السيد فيهم من العبد·. بهرت مثل هذه المواقف والأحوال بعض المنصفين من المستشرقين، بل يقول بعض متعصّبيهم لغير الإسلام، وهو ستانلي في كتابه العرب في أسبانيا: ¸إنَّ تحمس العرب للفتوح كان يؤجِّجه عنصر قوي من الرغبة في نشر الدين·. وقد ذكرنا من قبل شهادة روبنسون من أن العرب كانوا يحبون نَشْر دينهم.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:31 PM

25

معركة القادسيه
القادسية، معركة. وقعت معركة القادسية في شهر المحرم سنة 14هـ الموافق 635م بين المسلمين والفرس في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. أدرك الفرس بعد معركة البويب المخاطرَ التي تهدّد دولتهم، فبدأوا بالإعداد لمعركة جديدة فاصلة، جنَّدوا لها من كان معهم من سكان المناطق التي أصبحت في ذمَّة المسلمين. وتجمعت قوات ضخمة من قبل الطرفين عند القادسية من بلاد العراق الفارسية. قاد الطرف الإسلامي سعد بن أبي وقاص. ودارت المفاوضات، ولكنها لم تصل إلى صلح، ووقعت الحرب الضَّروس، وانتهت بانتصار مؤزّر للمسلمين على الفرس، واستعادوا كل ما كانوا قد تخلوا عنه.

ولم يكن بالعراق وقعة أعجب من القادسية كما ذكر ابن كثير. وقد غنم المسلمون منها أموالاً وسلاحًا لا يحد ولا يوصف لكثرته؛ مما ساعد المسلمين في حربهم. وانهزم الفرس عن بكرة أبيهم ولحقهم المسلمون فقُتِل المقيدون بالسلاسل جميعًا، وكانوا ثلاثين ألفًا، وقتل في المعركة عشرة آلاف، وقُتِل قبل ذلك قريبًا من ذلك. وقتُلِ من المسلمين ألفان وخمسمائة، وقيل ثمانية آلاف. وفتح هذا الانتصار الباب أمام المسلمين للسير نحو القضاء على إمبراطورية الفرس، إذ خاض المسلمون في طريقهم إلى المدائن ـ عاصمة الفرس ـ عدة معارك، إلى أن وصلوا المدائن واحتلوها عام 16هـ الموافق 637م.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:31 PM

26

المعارك الحاسمة
المعارك الحاسمة تسمية تُطلق على المعارك التي تتسم بالقوة والتأثير والتي تُغيّر مجرى تاريخ العالم.

فهناك عديد من المعارك كان لها أثر بالغ في تغيير مجرى التاريخ العربي الإسلامي، على رأسها تلك المعارك التي خاضها الرسول ³ وخلفاؤه من بعده بجيوش المسلمين المجاهدين والتي أدت إلى انتشار الإسلام وتغيير تاريخ العالم.

من المعارك الإسلامية الحاسمة معركة بدر الكبرى؛ فهي أول انتصار للمسلمين وللإسلام. خاضتها قلة مؤمنة ضد كثرة مشركة في سنة 2هـ ، 624م.

ومن المعارك الحاسمة في تاريخ الإسلام أيضًا معركة اليرموك التي وقعت بين المسلمين والروم في خلافة عمر بن الخطاب سنة 15هـ، 636م وانتصر فيها المسلمون نصرًا حاسمًا. ومعركة ذات السلاسل التي انتصر فيها المسلمون على الفرس في سنة 12هـ. كذلك انتصر المسلمون على الفرس في معركة القادسية سنة 14هـ، 635م.

ومن المعارك الحاسمة التي سجلها التاريخ أيضًا معركة وادي لكة التي وقعت بين المسلمين بقيادة طارق بن زياد والقوط بقيادة لذريق عام 92هـ، 711م وانتصر فيها المسلمون انتصارًا باهرًا ونتج عنها فتح الأندلس.

وخاض المسلمون أيضًا معركة بلاط الشهداء وتعرف أيضًا بمعركة بواتييه، وقد دارت بين المسلمين بقيادة عبدالرحمن الغافقي والفرنجة بقيادة شارل مارتل قرب مدينة بواتييه في فرنسا عام 732م. وهي المعركة التي لم يحالف الحظُّ فيها المسلمين وهم على أبواب فرنسا، ولو انتصر فيها المسلمون، فربما غيرت تاريخ أوروبا كلها.

وفي تاريخ الأندلس أيضًا كانت موقعة الزلاقة بين ملوك الأندلس يقودهم يوسف بن تاشفين وبين ألفونسو ملك قشتالة وانتصر فيها المسلمون سنة 479هـ، 1086م بالزلاقة.

وقاد صلاح الدين الأيوبي جيش المسلمين في معركة حطين وهزم الصليبيين وطردهم من فلسطين والساحل الشامي سنة 583 هـ ، 1187م.

كما يشار إلى معركة عين جالوت بقيادة السلطان المملوكي سيف الدين قطز والظاهر بيبرس، والتي أوقف فيها المماليك الزحف المغولي الغاشم على الشرق كله 846هـ، 1442م، باعتبارها واحدة من المعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي، وقبلها كانت معركة المنصورة في مصر بين آخر سلاطين الدولة الأيوبية الملك الصالح وبين قوات لويس التاسع قائد الحملة الصليبية على مصر.

ومن المعارك الحاسمة معركة فتح القسطنطينية التي وقعت بين المسلمين والروم في عهد السلطان العثماني محمد الفاتح سنة 857هـ، 1453م وانتصر فيها المسلمون وكان فتحها نهاية الدولة الرومانية الشرقية. ولكل معركة من المعارك السالفة الذكر وقُوَّادها مقالة خاصة في هذه الموسوعة.

وفي الغرب يرى السير إدوارد كريسي (1812 ـ 1878م) وهو مؤرخ إنجليزي ـ أنه كانت هنالك 15 معركة ينطبق عليها وصف المعارك الحاسمة التي غيَّرت مجرى التاريخ حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. وقد وصفها وأوضحها في كتابه 15 معركة حاسمة في العالم الذي نُشِر في عام 1852م، وهي معارك:

أربلا (331ق.م) سيراقوسة (413ق.م)
الأرمادا الأسباني (1588م) غابة تويتوبورغ (9م)
أورلييان (1429م) فالمي (1792م)
بلنهيم (1704م) الماراثون (490ق.م)
بواتييه (بلاط الشهداء) (732م)
بولتافا (1709م) ميتاروس (207ق.م)
تشالونز ( 451م ) هيستنجز ( 1066م )
ساراتوجا (1777م) واترلو ( 1815م )

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:32 PM

27

الحرب الأهلية الإنجليزية
الحرب الأهلية الإنجليزية حرب نشبت بين قوات الملك تشارلز الأول والقوات الخاصة بالبرلمان الإنجليزي، ووقعت الحرب على مرحلتين. امتدت الأولى من عام 1642م حتى عام 1646م، والثانية من أبريل إلى نوفمبر عام 1648م. وأدت إلى إعدام الملك تشارلز الأول عام 1649م وإلى هزيمة ونفي ابنه، الذي سُمِّي فيما بعد الملك تشارلز الثاني، عام 1651م.


أسباب الحرب الأهلية
قبل الحرب الأهلية كان الملك يدير الحكومة القومية بمساعدة الوزراء بينما كان دور البرلمان في شؤون الدولة أقل مما هو عليه الآن. حكم جيمس الأول (أول ملك من عائلة ستيوارت) في الفترة مابين عام 1603م إلى 1625م. وقصد أن يكون حاكمًا مطلقًا، لكن البرلمان لم يشاركه الرأي. وجاء ابنه تشارلز الأول بثلاثة برلمانات بين عامي 1625م و 1628م، وكان له مع كل منها مشكلة. ثم حلّ البرلمان الثالث عام 1629م، وحكم دون وجود برلمان حتى عام 1640م.


الأسباب الاقتصادية. دفع التضخم المالي بالأسعار إلى الارتفاع في كل أنحاء أوروبا في الفترة ما بين عامي 1530م و 1640م. وتقلصت بشكل كبير مخصصات الملك المالية. وكان جيمس الأول ينفق المال ببذخ، مما دفع البرلمان إلى رفض منحه مالاً إضافيًا، وردّ الملك بفرض ضرائب جديدة على الواردات.

في عام 1625م رفض البرلمان منح الملك تشارلز الأول رسوم البرميل والجنيه.

(كانت عادة تمثل جزءًا كبيرًا من دخل الملك) وفرضت على كل برميل من النبيذ وكل جنيه من سعر أي سلعة مستوردة كما أجبر أصحاب الأملاك على إقراضه المال وسجن من رفض منهم ذلك.

في عام 1628م أجاز البرلمان قانون حق الالتماس، وبذلك حرم الملك من فرض أي ضرائب دون موافقة البرلمان. وقبل تشارلز القانون، لكنه أصر على أنه لا ينطبق على الرسوم الضريبية. وفي الثلاثينيات من القرن السابع عشر الميلادي تحاشى الملك هذا القانون وبدأ في جمع ضريبة السفن.


الأسباب الدينية. كانت هناك جماعة متطرفة داخل النصارى البروتستانت الإنجليز، عرفت بالبيوريتان (التطهيريون) ظلت لسنوات عديدة تعمل للتخلص من الأساقفة وتطالب بمراجعة كتاب الصلاة. وقد قاومهم جيمس الأول بينما شن الملك تشارلز الحرب عليهم متضامنًا مع مجموعة من رجال الكنيسة بقيادة وليم لود. وفي عام 1633م عين الملك تشارلز لود رئيسًا لأساقفة كانتربري. واتهم البيوريتان تشارلز ولود معًا بميلهما إلى الكاثوليكية الرومانية. وكانت هنريتا ماريا زوجة تشارلز شخصية غير مرغوبة لأنها كانت كاثوليكية، ولأنها كانت أخت لويس الثالث عشر ملك فرنسا. وكان لود غير محبوب أيضًا لأنه شجع تشارلز على التمسك بإيمانه بالحق المقدس للملوك (فكرة تزعم أن ولاية الملوك من عند الله سبحانه وأنهم إنما يحكمون باسمه).


الحرب مع الأسكتلنديين. في عام 1638م تمرد الأسكتلنديون ضد تشارلز عندما حاول أن يفرض كتاب صلاة الكنيسة الإنجليزية على الكنيسة المشيخية (البرسبيتيرية). وسيّر تشارلز حملة ضد الأسكتلنديين عام 1639م، كلفته الكثير وفشلت. ونصحه أقدر وزرائه إيرل ستراتفورد بدعوة البرلمان لجمع المال لحملة أخرى في أسكتلندا. واجتمع البرلمان في أبريل عام 1640م، لكنه رفض الموافقة على أي ضرائب إضافية حتى يقوم الملك بالنظر في شكاواه، وأشار ستراتفورد على تشارلز بحل البرلمان بعد ثلاثة أسابيع فقط، قام الأسكتلنديون بعدها بغزو شمالي إنجلترا وأجبروا تشارلز على القبول بهدنة. وكان عليه أن يدعو البرلمان للانعقاد لإقرارها، وامتدت الدورة الأولى للبرلمان الطويل من نوفمبر عام 1640م حتى سبتمبر 1641م. وتحت قيادة جون بيم أجاز البرلمان قوانين جعلت من ضريبة السفن أمرًا غير قانوني كما حل البرلمان أيضًا محكمة قاعة النجوم والمحكمة العليا، ووجه تهمة التقصير إلى ستراتفورد، فأُعدم عام 1641م. كما أُجبر تشارلز على الموافقة على دعوة البرلمان كل ثلاث سنوات مع شرط إضافي يمنع تشارلز من حل البرلمان إلا بموافقة البرلمان نفسه.


الأزمة الأخيرة. بدأت أزمة أخرى مع نشوب تمرد الرومان الكاثوليك في أيرلندا في نوفمبر عام 1641م. وأراد تشارلز أن يسيّر جيشًا جديدًا لإخضاع أيرلندا، لكن البرلمان لم يثق بقيادته له. وبدلاً من ذلك أجاز البرلمان ما عرف بالاحتجاج الأعظم مهاجمًا سياسات الملك خلال السنوات العشر التي خلت، وداعيًا إلى الإصلاح الجذري للأمور الدينية، ومطالبًا بحق السيطرة على تعيين الوزراء. وفي يناير عام 1642م أمر تشارلز بمحاكمة خمسة أعضاء برلمانيين، من ضمنهم جون بيم وجون هامدن. وعندما رفض البرلمان أن يسلّم الأعضاء الخمسة للمحاكمة غزا تشارلز قاعة مجلس العموم بنفسه ـ وهـو خرق للحصانة البرلمانية ـ ولكن الأعضاء الخمسة كانوا قد غادروا المكان قبل ذلك واحتموا في مدينة لندن.

غادر تشارلز العاصمة باحثًا عن الدعم في الأقاليم، وفي مارس، رفض أن يتنازل عن سيطرته على الجيش، وفي يونيو بدأ البرلمان في تكوين جيش خاص به. فأرسلوا إلى تشارلز العروض التسعة عشر، وهي وثيقة توشك بأن تكون شروطًا لاستسلامه.

ورفع تشارلز علمه في نوتنجهام في أغسطس، وكان الالتحام الأول قد حدث قبل ذلك في مانشستر في يوليو. وبحلول سبتمبر كان القتال قد اندلع بين الملكيين (المؤيدين للملك) ومؤيدي البرلمان في كل أنحاء البلاد.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:33 PM

28

حروب الردة


1- ردة أهل البحرين:

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى ملك البحرين المنذر بن ساوى فأسلم على يديه، وأقام العلاء فيهم الإسلام والعدل، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي المنذر بعده بقليل فارتد أهل البحرين، وملكوا عليهم المغرور، وهوالمنذر بن النعمان بن المنذر، وقال قائلهم: لوكان محمد نبياًمامات، ولم يبق في البحرين بلدة على الثبات سوى قرية:"جواثا"، وحاصر المرتدون مسلمي جواثا وضيقوا عليهم، حتى منعواعنهم الأقوات وجاع المسلمون جوعاً شديداً .

وكان قد قام في جواثا رجل من أشرافهم، وهو الجارود بن المعلى، خطيباً وقد جمعهم فقال: يامعشر عبدالقيس، إني سائلكم عن أمر فأخبروني إن علمتموه، ولا تُجيبوني إن لم تعلموه، فقالوا:سل، قال: أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد؟ قالوا:نعم، قال: تعلمونه أم ترونه؟ قالوا: نعلمه، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، قال: فإن محمد صلى الله عليه وسلم مات كما ماتوا، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فقالوا: ونحن أيضاً نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأنت أفضلنا وسيدنا، وثبتوا على إسلامهم، وتركوا بقية الناس فيما هم فيه.

وبعث أبو بكر الصديق رضي الله عنه العلاء بن الحضرمي لقتال أهل الردة في البحرين، فلما دنا منها جاء إليه ثمامة بن أثال في حشد كبير، وجاء بعض أُمراء تلك النواحي رفداً إلى جيش العلاء، ولما اقترب من المرتدين وحشودهم الضخمة نزل ونزلوا، وباتوا متجاورين في المنازل، فبينما المسلمون في الليل إذ سمع العلاء أصواتاً عالية في جيش المرتدين، فقال: من رجل يكشف لنا خبر هؤلاء؟ فقام عبد الله بن حذف، ودنا من خندقهم فأخذوه، وكانت أمه عجلية، فجعل ينادي: يا أبجراه، فجاء أبجر بن بجير فعرفه، فقال: ما شأنك؟ قال: علام أُقتل وحولي عسكر من عجل وتيم اللات وغيرها؟ فخلصه، فقال له: والله إني لأظنك بئس ابن أخت أتيت الليلة أخوالك، فقال: دعني من هذا وأطعمني، فقد مت جوعاً، فقرب له طعاماً فأكل، ثم قال:زودني واحملني،يقول هذا والرجل قد غلب عليه السُكُر، فحمله على بعير وزوده وجوزه. وجد عبد الله بن حذف المرتدين سكارى لا يعقلون من الشراب فرجع إلى العلاء فأخبره، فركب العلاء من فوره بجيشه، وانقض على المرتدين فقتلوهم،إلا قسم استطاع الفرار والهرب.
وغنم المسلمون جميع أموالهم وأثقالهم، فكانت غنيمة عظيمة.

2- ردة أهل عُمان:

ظهر في عُمان رجل يقال له: ذو التاج لقيط بن مالك الأزدي، وكان يُضاهي في الجاهلية الجُلندى، فادعى النبوة، وتابعه الجهلة من أهل عُمان، فقهر جيفراً وعبداً، وألجأهما إلى الجبال، فبعث جيفر إلى الصديق رضي الله عنه فأخبره الخبر، وطلب مدداً فبعث رضي الله عنه بأميرين: حذيفة بن محصن، وعرفجة البارقي الأزدي، حذيفة إلى عُمان، وعرفجة إلى مهرة، وأمرهما أن يجتمعا ويتفقا ويبتدئا بعُمان وحذيفة هو الأمير فإذا ساروا إلى بلاد مهرة فعرفجة الأمير.

ثم أمر الصديق رضي الله عنه - بعد قهر مسيلمة ومقتله - عكرمة بن أبي جهل أن يلحق بحذيفة وعرفجة إلى عُمان، ، ثم كتب الصديق إلى حذيفة وعرفجة أن ينتهيا إلى رأي عكرمة بعد الفراغ من المسير من عُمان أو المقام بها.فلحق عكرمة بحذيفة وعرفجة قبل أن يصلا إلى عُمان، فساروا جميعاً فلما اقتربوا من عُمان راسلوا جيفراً من مكان يُسمى "رجاماً"، وبلغ لقيط بن مالك مجيء الجيش فعسكر في جموعه بِدَبَا، وجعل الذراري والأموال وراء ظهورهم، واجتمع جيفر وعبد بمكان يقال له صُحار فعسكرا به، وبعثا إلى أُمراء الصديق فقدمواعلى المسلمين، قتقابل الجيشان هناك، وتقاتلوا قتالاً شديداً، وجاء المسلمين في الساعة المناسبة مَدَدٌ من بني ناجية وعبد القيس فقتل من المرتدين عشرة آلاف مقاتل، وتم النصر للمسلمين والقضاء على المرتدين في عُمان.

3- ردة أهل مَهْرَة:

سار عكرمة بالمسلمين إلى بلاد مهرة، فوجد أهلها جُندين، على أحدهما - وهم الكثرة - أمير يقال له: المصبح أحد بني محارب، وعلى الآخر الجند الآخرين أمير يقال له: شخريت، وهما مختلفان، وكان هذا الاختلاف رحمة على المؤمنين، فراسل عكرمة شخريتاً فأجابه، وانضاف بقواته إلى عكرمة، وتمادى المُصَبح على طغيانه، مغتراً بكثرة من معه ومخالفته لشخريت، فسار إليه عكرمة ومن معه، فاقتتلوا مع المصبَّح أشد من قتال دَبَا، وتم النصر للمسلمين، وقتل المصبح وفر من كان معه.

4- ردة أهل اليمامة :

قال مسيلمة لأتباعه وقومه قبيل المعركة الفاصلة بينه وبين المسلمين: اليوم يوم الغيرة، اليوم إن هزمتم تُستنكح النساء سبيات، وينكحن غير حظيات، فقاتلوا عن أحسابكم وأمنعوا نسائكم.

وتقدم خالد رضي الله عنه بالمسلمين حتى نزل بهم على كثيب يُشرف على اليمامة فضرب به عسكره، وقدم رايته مع زيد بن الخطاب، وراية المُهاجرين مع سالم مولى أبي حُذيفة، وهو على الميمنة، وعلى الميسرة شجاع بن وهب، وعلى الخيل البراء بن مالك ثم عزله واستعمل عليهاأسامة بن زيد ، وقاتل البراء راجلاً، ثم أعاده خالد على قيادة الخيل فصنع الأعاجيب.وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شماس، والعرب على راياتها.

وكانت الصدمة الأولى في المعركة عنيفة قاسية، انهزم الأعراب خلالها، حتى دخلت بنو حنيفة خيمة خالد، وهموا بقتل أم تميم زوجته. وتنادى كبار الصحابة وقال ثابت بن قيس بن شماس: بئس ما عودتم أقرانكم، و نادوا من كل جانب: أخلصنا يا خالد، فخلصت ثلة من المهاجرين والأنصار، وصار البراء بن معرور كالأسد الثائر، وقاتلت بنو حنيفة قتالاً لم يعهد مثله، وجعلت الصحابة يتواصون بينهم ويقولون: يا أصحاب سورة البقرة، بَطُلَ السحر اليوم، وحفر ثابت بن قيس لقدميه في الأرض إلى أنصاف ساقيه، وهو حامل لواء الأنصار بعد ما تحنط وتكفن فلم يزل ثابتاً حتى استشهد رضي الله عنه.

وقال المهاجرون لسالم مولى أبي حذيفة: أتخشى أن نُؤتي من قِبَلَك؟ فقال: بئس حامل القرآن أنا إذاً. وقال زيد بن الخطاب: أيها الناس، عضوا على أضراسكم واضربوا في عدوكم وامضوا قُدُماً،وقال: والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله أو ألقى الله فأُكلمه بحجتي، فقتل شهيداً رضي الله عنه.

وحمل خالد بن الوليد رضي الله عنه حتى اخترق صفوف المرتدين ووصل قُبالة مسيلمة، وجعل يترقب أن يصل إليه فيقتله ثم رجع، ثم وقف بين الصفين ودعا للمبارزة،ثم نادى بِشعار المسلمين، وكان شعارهم يومئذ: يا محَّمداه، وجعل لا يبرز إليه أحد من المرتدين إلا قتله، ولا يدنو منه شيء إلا صرعه،واقترب خالد رضي الله عنه من مسيلمة، وعرض عليه النصف والرجوع إلى الحق فأبى، فانصرف عنه خالد وعزل الأعراب عن المهاجرين والأنصار، وجعل كل قبيلة على رايتها يقاتلون تحتها، حتى يعرف الناس من أين يُؤتون، وصبرت الصحابة في هذا الموطن صبراً لم يعهد مثله، ولم يزالوا يتقدمون إلى نحور عدوهم حتى فتح الله عليهم وولى المرتدون الأدبار.

وتبع المسلمون المرتدين يقتلون منهم وهم مدبرون، ويضعون السيوف في رقابهم حيث شاؤوا، حتى ألجؤوهم إلى حديقة الموت، وقد أشار عليهم محكم بن الطفيل بدخلوها، فدخلوها وفيها مسيلمة، وأدرك عبد الرحمن بن أبي بكر محكم بن الطفيل فرماه بسهم في عنقه وهو يخطب فقتله، وقال قائل: يا أبا ثمامة، أين ما كنت وعدتنا؟ فقال أبو ثمامة - أي مسيلمة -: أما الدين فلا دين،ولكن قاتلواعن أحسابكم، فاستيقن القوم أنهم كانوا على غيرشيئ.وأغلقت بنو حنيفة الحديقة عليهم، وأحاط بهم الصحابة.

وقال البراء بن مالك:يامعشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة،فاحتملوه فوق التروس، ورفعوها بالرماح حتى ألقوه عليهم،فلم يزل يقاتلهم دون بابها حتى فتحه، ودخل المسلمون الحديقة من الباب الذي فتحه البراء، وفتح الذين دخلوا الأبواب الأخرى، وحوصر المرتدون وأدركوا أنها القاضية لا محالة.

ووصل المسلمون في الحديقة إلى مسيلمة، وإذا هو واقف في ثلمة جدار كأنه جمل أورق، يخرج الزبدُ من شدقيه من غيظه وحرج موقفه وانهيار بنيان زعامته، فتقدم وحشي بن حرب مولى جبير بن مطعم - قاتل حمزة رضي الله عنه - فرماه بحربته فأصابه، وخرجت من الجانب الآخر، وسارع إليه أبو دجانة سماك بن خرشة فضربه بالسيف فسقط فنادت امرأة من قصر مسيلمة: واأمير الوضاءة قتله العبد الأسود (أي وحشي).

يقول وحشي: فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة، خرجت معهم، وأخذت حربتي التي قتلت بها حمزة، فلما التقى الناس، رأيت مسيلمة الكذاب قائماً في يده السيف وما أعرفه، فتهيأت له، وتهيأ له رجل من الأنصار من الناحية الأخرى، كلانا يُريده، فهززت حربتي حتى إذا رضيت منها دفعتها عليه، فوقعت فيه، وشد عليه الأنصاري - عبد الله بن زيد - بالسيف فربُك أعلم أينا قتله، فإن كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قتلت شر الناس.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:33 PM

29

معركة اليرموك
بعد الانتهاء من حروب الردة وتسيير خالد من اليمامة إلى العراق في سنة 13هـ جهز الصديق الجيوش إلى الشام ، فبعث عمرو بن العاص إلى فلسطين ، وسير يزيد بن أبي سفيان وأبا عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ، رضي الله عنهم أجمعين ، آمراً إياهم أن يسلكوا تبوك على البلقاء ، وكان عدد كل لواء من هذه الألوية الأربعة ثلاثة آلاف ، ثم توالت النجدات فيما بعد .


وصل الأمراء إلى الشام ، فنزل أبو عبيدة الجابية على طريق دمشق ، ونزل يزيد البلقاء مهدداً بصرى ، ونزل شرحبيل الأردن بأعلى الغور فوق طبرية ونهر الأردن ، وقيل نزل في بصرى ، أما عمرو فقد وصل إلى وادي عربة .

عين الصديق لكل منهم الولاية التي يتولاها بعد الفتح ، فجعل لعمرو فلسطين ، وليزيد دمشق ، ولأبي عبيدة حمص ، ولشرحبيل الأردن .

سار الأمراء إلى أهدافهم ، وعكرمة ردء للناس ، فبلغ الروم ذلك فكتبوا إلى هرقل، فجاء من حمص ، وأعد الجند ، وجمع العساكر ، وأراد أن يشغل قواد المسلمين بعضهم عن بعض لكثرة جنوده ، أراد أن يحاربهم متفرقين ، لكن عمراً تنبه للأمر ، خاصة بعد أن أرسل هرقل تذارق في تسعين ألفاً ، وبعث جرجة نحو يزيد بن أبي سفيان فعسكر بإزائه ، وبعث الدراقص فاستقبل شرحبيل بن حسنة ، وبعث الفيقار في ستين ألفاً نحو أبي عبيدة ، فهابهم المسلمون وخاصة أن جميع ألويتهم تعد واحداً وعشرين ألفاً ، باستثناء عكرمة فهو في ستة آلاف أيضاً ، فالمجموع سبعة وعشرين ألفاً ، فسأل الجميع بكتب مستعجلة عمراً : ما الرأي ؟ فراسلهم أن الرأي الاجتماع ، كما كتب الأمراء إلى أبي بكر بمثل ما كاتبوا به عمراً فكتب إليهم : أن اجتمعوا فتكونوا عسكراً واحداً .


بلغ ذلك هرقل فكتب إلى بطارقته أن اجتمعوا لهم ، وانزلوا بالروم منزلاً فسيحاً فيه ماء ، ويكون ضيّق المهرب لجنوده ، وجعل على الناس التذارق ، وعلى المقدمة جرجة، وعلى مجنبتيه باهان والدراقص ، وعلى الحرب الفيقار ، ففعلوا فنزلوا الواقوصة - وهي على ضفة اليرموك - ، وصار الوادي خندقاً لهم ، وانتقل المسلمون من عسكرهم الذي اجتمعوا فيه فنزلوا عليهم بحذائهم على طريقهم ، فقال عمرو : أيها الناس أبشروا ، حصرت الروم وقلما جاء محصور بخير ، إذ أن الروم تتحرك في منبطح فسيح من الأرض تحيط به من ثلاث جهات الجبال المرتفعة ، فهم محصورون .

وبقي المسلمون أمامهم صفر من سنة ثلاث عشرة وشهري ربيع لا يقدرون من الروم على شيء ، ولا يخلصون إليهم ، الواقوصة من ورائهم ، والخندق من أمامهم ، ولا يخرجون خرجة إلا نصر المسلمون عليهم ، حتى إذا انقضى ربيع الأول كتب أبو بكر الصديق إلى خالد ليلحق بهم من العراق ، وقد قال في ذلك : خالد لها ، والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد .

وقطع خالد المسافة بجيشه في خمسة أيام ، وفرح المسلمون بخالد ، واشتد غضب الروم بمجيئه ، وقال هرقل لقواده : أرى من الرأي أن لا تقاتلوا هؤلاء القوم ، وأن تصالحوهم ، فوالله لأن تعطوهم نصف ما أخرجته الشام ، وتأخذوا نصفه ، وتقر لكم جبال الروم ، خير لكم من أن يغلبوكم على الشام ، ويشاركوكم في جبال الروم ، ولكنهم أبوا .

واتخذ الطرفان استعداداتهما ، الروم في أربعين ومائتي ألف ، منهم ثمانون ألفاً مقيدين بالسلاسل كي لا يفروا من المعركة ، والمسلمون سبعة وعشرون ألفاً ممن كان مقيماً ، إلى أن قدم إليهم خالد في تسعة آلاف فبلغوا ستة وثلاثين ألفاً ، ومرض الصديق في هذه الأثناء وتوفي للنصف من جمادى الآخرة قبل الفتح بعشر ليال .

وعرض خالد على الأمراء أن يكونوا جيشاً واحداً ويتداولوا الإمارة يوماً بعد يوم ، فوافقوا وأمّروه هو أولاً ، وعلم خالد أن القتال كل بفرقته سيطول ، وفيه إضعاف للجهود فعبأ الجيش وقسمه إلى أربعين كردوساً [ أي: كتائب كبيرة ] كل كردوس ينقسم إلى: قلب وميمنة وميسرة ، وجعل القاضي أبا الدرداء ، والقاص أبا سفيان ، وعلى الغنائم ابن مسعود ، وقارئ سورة الأنفال المقداد بن عمرو ، وشهد المعركة ألف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأمر خالد الكراديس كلها أن تنشب القتال ، وحينئذ وصل البريد إلى خالد بوفاة أبي بكر الصديق وتأمير أبي عبيدة فأخذ الكتاب وجعله في كنانته وخاف إن أظهر الأمر أن يضعف معنويات الجند .

ونشب القتال بجد في اليوم الأول ، وزحف الروم بأعدادهم الكثيرة فردهم المسلمون ، وفي هذا اليوم كثرت الجراح من كثرة السهام ، واعورّ من المسلمين سبعمائة فارس ، فسمي ذلك اليوم يوم التعوير ، وفي اليوم الثاني وقف عكرمة وقال: من يبايع على الموت ؟ فبايعه أربعمائة من الرجال ، فقاتلوا حتى أصيبوا جميعاً بجراحات ، ودامت المعركة يوماً وبعض اليوم ، وكان الهجوم الأخير عاماً على الروم ، واقتحم خالد وجيشه خندق الروم فتساقطوا في الوادي ، وتهافت منهم في الوادي ثمانون ألفاً .

وانتهت المعركة باستشهاد ثلاثة الآف من المسلمين ، وقتل من الروم مائة وعشرون ألفاً ، وارتحل هرقل من حمص مودعاً سورية وداعه الأخير ، وقال : سلام عليك ياسورية ، سلاماً لا لقاء بعده .

وبعد المعركة أعلن خالد مضمون الكتاب ، واعتزل الإمارة ، وولاها مكانه أبا عبيدة رضي الله عن الجميع .

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:34 PM

30

فتح دمشق
قال ابن جرير : سار أبو عبيدة إلى دمشق ، وخالد على مقدمة الناس ، و قد اجتمعت الروم على رجل يقال له باهان بدمشق ، و كان عمر عزل خالداً و استعمل أبا عبيدة على الجميع .

والتقى المسلمون و الروم فيما حول دمشق ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، ثم هزم الله الروم ، و دخلوا دمشق و غلقوا أبوابها ، و نازلها المسلمون حتى فتحت ، و أعطوا الجزية ، وكان قدم الكتاب على أبي عبيدة بإمارته وعزل خالد فاستحياأبوعبيدةأن يقرئ خالداً الكتاب حتى فتحت دمشق و جرى الصلح على يدي خالد ، و كتب الكتاب باسمه ، فلما صالحت دمشق لحق باهان صاحب الروم بهرقل .

وقيل : كان حصار دمشق أربعة أشهر .

وكان صاحب دمشق قد جاءه مولود فصنع طعاماً و اشتغل يومئذ، و خالد بن الوليد الذي لا ينام ولا يُنيم قد هيأ حبالاً كهيئة السلالم ، فلما أمسى هيأ أصحابه و تقدم هو و القعقاع بن عمرو ، و مذعور بن عدي و أمثالهم و قالوا : إذا سمعتم تكبيرنا على السور فارقوا إلينا و انهدوا الباب .

قال : فلما انتهى خالد و رفقاؤه إلى الخندق رموا بالحبال إلى الشُرف ، و تسلق القعقاع و مذعور فلم يدعاأُحبُولة حتى أثبتاها في الشُرف ، و كان ذلك المكان أحصن مكان بدمشق فاستوى على السور خلق من أصحابه ثم كبروا ، و انحدر خالد إلى الباب فقتل البوابين ، و ثار أهل البلد إلى مواقفهم لا يدرون ما الشأن ، فتشاغل أهل كل جهة بما يليهم ، و فتح خالد الباب و دخل أصحابه عنوة.

و قد كان المسلمون دعوهم إلى الصلح و المشاطرة فأبوا ، فلما رأوا البلاء بذلوا الصلح ، فأجابهم من يليهم ، و قبلوا فقالوا : ادخلوا و امنعونا من أهل ذاك الباب ، فدخل أهل كل باب بصلح مما يليهم ، فالتقى خالد و الأمراء في وسط البلد هذا استعراضاً و نهباً ، و هؤلاء صلحاً فأجروا ناحية خالد على الصلح بالمقاسمة، وكتب إلى عمر بالفتح ، وكان ذلك سنةأربعةعشرة للهجرة .


الساعة الآن 06:07 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى