منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   آثار البلاد وأخبار العباد - زكريا بن محمد بن محمود القزويني (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=1711)

أرب جمـال 23 - 11 - 2009 02:48 AM

واسط
مدينة بين الكوفة والبصرة من الجانب الغربي كثيرة الخيرات وافرة الغلات‏.‏
تشقها دجلة‏.‏
وإنها في فضاء من الأرض صحيحة الهواء عذبة الماء وكثيراً ما يفسد هواؤها باختلاف هواء البطائح بها فيفسده‏.‏
وأما نفس المدينة فلا يرى أحسن منها صورة فإن كلها قصور وبساتين ومياه وعيبها أن حاصلها يحمل إلى غيرها فلو كان حاصلها يبقى في يد أهلها لفاقت جميع البلاد‏.‏
بناها الحجاج سنة أربع وثمانين وفرغ منها سنة ست وثمانين وسكنها إلى سنة خمس وتسعين وتوفي في هذه السنة‏.‏
وحكي عن سماك بن حرب انه قال‏:‏ استعملني الحجاج على ناحية نادوربا فبينا أنا يوماً على شاطيء دجلة إذا أنا برجل على فرس من الجانب الآخر فصاح باسمي واسم أبي فأجبت فقال‏:‏ الويل لأهل مدينة تبنى ههنا‏!‏ ليقتلن فيها ظلماً سبعون ألفاً‏!‏ كرر ذلك ثلاث مرات ثم أقحم فرسه في دجلة وغاب في الماء‏.‏
فلما كان العام القابل ساقني القضاء إلى ذلك الموضع فإذا أنا برجل صاح بي كما صاح وقال كما قال وزاد‏:‏ سيقتل ما حولها ما يستقل الحصى لعددهم‏!‏ ثم أقحم فرسه في الماء وغاب‏.‏
فلما بنى الحجاج واسطاً أحصي في حبسه ثلاثة وثلاثون ألف إنسان لم يحبسوا في دم ولا دين ولا تبعة وأحصي من قتله صبراً فبلغوا مائة وعشرين ألف إنسان‏!‏ وحكي انه كان يقرأ القرآن فانتهى إلى قوله تعالى‏:‏ انه عمل غير صالح‏.‏
فاشتبه عليه انه قرأ اسماً أو فعلاً فبعث إلى بعض المقرئين وأمر بإحضاره ليسأل عنه فلما حضر المقريء قام الحجاج من مجلسه فقال الأعوان‏:‏ كيف نعمل به وقد طلبه الحجاج فأوقفوه حتى يتبين أمره فبقي في الحبس ستة أشهر إلى أن فرغ الحجاج في النظر إلى المحبوسين فلما انتهى إلى اسمه سأل عن ذنبه فقالوا‏:‏ لا نعرف‏!‏ فأمر بإحضاره وقال له‏:‏ على أي شيء حبست قال‏:‏ على ذنب ابن نوح‏!‏ فضحك الحجاج وخلى سبيله‏.‏
ينسب إليها جماعات من القراء يعرفون علم القراءة السبعة والعشرة والشواذ منهم أبو العز القلانسي حكي انه جاءه رجل وقال له‏:‏ أنت القلانسي المقريء قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ إني أريد أن أقرأ عليك قراءة القرآن‏.‏
قلت له‏:‏ كيف اخترت هذه القراءة قال‏:‏ إني سمعتها في بعض أسفاري عن رجل فأعجبتني‏.‏
فقلت له‏:‏ على من قرأتها قال‏:‏ على القلانسي‏.‏
فكان يأتيني كل يوم آخر النهار‏.‏قلت‏:‏ ائتني أول النهار‏.‏فقال‏:‏ أرضي شاسعة‏.‏
فكنت أدخل داري وأغلق الباب وأصعد السطح فأراه داخل الدار فأقول له‏:‏ كيف دخلت والباب مغلق فيقول‏:‏ ما كان مغلقاً‏.‏
فلما ختم قال لي‏:‏ اكتب خطك اني قرأت عليك‏.‏
فقلت‏:‏ ما لي عادة أكتب خطي إلا بخمسة عشر ديناراً‏.‏
فجاءني بجدع من العود وقال‏:‏ خذ هذا واكتب لي خطك‏.‏
فأخذت وكتبت والجدع كان يسوى حمله‏.‏
وكان زمن الناصر لدين الله فأشهر هذا الحديث واشترى الجدع مني‏.‏
وينسب إليها أبو الحسين بنان بن محمد بن حمدان الحمال‏.‏
ذهب إلى مصر فأمر ابن طولون صاحب مصر بالمعروف فغضب عليه وأمر بإلقائه بين يدي السبع فكان السبع يشمه ولا يضره‏.‏
فلما أخرج من بين يدي السبع قالوا له‏:‏ ما الذي كان في قلبك وقت يشمك السبع قال‏:‏ كنت أتفكر في سؤر السبع ولعابه أطاهر أم لا وحكى عمر بن محمد بن عراك انه كان لرجل على رجل مائة دينار بوثيقة فكان يطلب الوثيقة ولم يجدها فجاء إلى بنان الحمال أن يدعو له فقال له بنان‏:‏ إني رجل شيخ أحب الحلاوى فاشتر لي رطل حلواء حتى أدعو لك‏!‏ فذهب الرجل واشترى الحلواء وجعله في وسط القرطاس فجاء به فقال له بنان‏:‏ افتح القرطاس‏.‏
ففتحه فإذا القرطاس في وسطه الوثيقة‏.‏
فقال‏:‏ هذه وثيقتي‏!‏ فقال له بنان‏:‏ خذ وثيقتك واطعم الحلاوى صبيانك‏.‏
توفي بمصر سنة ست عشرة وثلاثمائة‏.‏
وحكي انه احتاج إلى جارية تخدمه فانبسط مع إخوانه فجعلوا له ثمن جارية وقالوا‏:‏ إذا جاء السفر تكون معه جوار نشتري لك منهم جارية‏.‏
فلما جاء السفر ومعه جوار اجتمعوا على واحدة وقالوا‏:‏ انها صالحة له‏.‏
فقالوا لصاحبها‏:‏ بكم تبيعها فقال‏:‏ انها ليست للبيع‏.‏
فألحوا عليه فقال‏:‏ إنها لبنان الحمال بعثتها له امرأة من سمرقند فحملت إلى بنان وذكرت له القصة‏.‏
وينسب إليها يزيد بن هارون‏.‏
كان عالماً عابداً مقرئاً محدثاً‏.‏
قال‏:‏ سافرت عن أهلي في طلب الحديث سنين كثيرة فلما عدت إلى بغداد سمعت أن بعسكر أحد التابعين فمشيت إليه فقال‏:‏ حدثني أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من ابتلاه الله ببلاء فليصبر ثم ليصبر ثم ليصبر‏!‏ وقال‏:‏ ما أحدثك غير هذا‏.‏
قال‏:‏ فعدت إلى واسط ووصلت ليلاً ووقفت على بابي كرهت دق الباب كراهة انزعاج القوم فعالجت فتح الباب ودخلتها‏.‏
وكان أهلي على السطح فصعدت السطح فوجدت زوجتي نائمة وبجنبها شاب فأخذت حجراً وقصدت أضرب به فتذكرت الحديث الذي سمعت من العسكري ثم قصدت ثانياً وثالثاً فتذكرت الحديث ثانياً وثالثاً فانتبهت زوجتي فلما رأتني أيقظت الشاب وقالت‏:‏ قم إلى أبيك‏!‏ إني تركتها املاً فعلمت أن ذلك من بركة حديث العسكري‏.‏
وحكي أنه رئي في النوم بعد موته فقيل له‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي قيل‏:‏ بأي شيء قال‏:‏ بالقرآن والحديث ودعاء السحر‏.‏
فقيل له‏:‏ هل أخذ عليك شيئاً قال‏:‏ نعم قال لي تروي الحديث عن حريز بن عثمان وهو يبغض علي بن أبي طالب‏.‏
وأتاني الملكان وقالا‏:‏ من ربك قلت‏:‏ أنا يزيد بن هارون أما تريان هذه اللحية البيضاء تسألاني عن الذي كنت أدعو الناس إليه سبعين سنة‏!‏ فقالا‏:‏ نم نومة العروس لا يوقظها إلا من هو أحب إليها‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif ورجند
قرية من أعمال همذان‏.‏من عجائبها أن من به علة البواسير والأطباء عجزوا عن معالجتها يمشي إلى ورجند يعالجه أهلها فيبرأ بأيام قلائل‏.‏
قالوا‏:‏ إن لأهلها في ذلك يداً باسطة من مشى إليها عالجوه وذلك برقية عندهم وحشيش يدخنونه بالحشيشة ويقرأون عليه الرقية فينتفع في أيام قلائل‏.‏
وهو مشهور عندهم‏.‏مدينة عظيمة من مدن خراسان‏.‏
ما كان بخراسان مدينة أجل ولا أعمر ولا أحصن ولا أكثر خيراً منها‏.‏
بها بساتين كثيرة ومياه غزيرة‏.‏
بناها الاسكندر ولما دخل بلاد الشرق ذاهباً إلى بلاد الصين أمر كل قوم ببناء سور يحصنهم عن الأعداء‏.‏
وعلم أن أهل هراء قوم شماس عندهم قلة القبول فعين لهم مدينة بطولها وعرضها وسمك حيطانها وعدد أبوابها ليوفيهم أجورهم عند عوده‏.‏
فلما رجع قال‏:‏ ما أمرت على هذه الهيئة وأظهر الكراهية وما أعطاهم شيئاً‏.‏
ومن عجيب ما ذكر أن هراة كانت في يد سلاطين الغور بني سام فجاءها خوارزمشاه محمد نزل عليها يحاصرها وكانت العجلة تمشي على سورها لفرط عرضه‏.‏
فأمر خوارزمشاه بنصب المنجنيق عليها وأشار بمقرعته إلى برج من أبراجها فكما أشار إليه انهار ذلك البرج فاستخلصها من ذلك الموضع وعد ذلك من عجيب آثار دولته‏.‏
ومن عجائبها أرحية مبنية على الريح تديرها الريح بنفسها كما يديرها الماء ويحمل منها إلى سائر البلدان كل ظريف سيما الأواني الصفرية المطعمة بالفضة وأنواع الدبابيج والحواصل ومن المأكول الزبيب والمشمش قال الأديب الزوزني‏:‏ هراة أردت مقامي بها لشتّى فضائلها الوافره‏:‏ ولم تزل هراة من أحسن بلاد الله حتى أتاها عين الزمان عند ورود التتر فخربوها حتى أدخلوها في خبر كان‏.‏
وحكى من كان بها أن التتر لما نزلوا عليها راسلهم أحد أعيان المدينة أن يفتح لهم باباً من أبوابها على شرط أن يأمن هو وأهله فأجابوه إليه فلما فتح لهم دفعوا إليه رجلاً ليقف على باب داره ويمنع التتر من دخولها‏.‏
وكان لصاحب الدار نسيب بعث إليه أن عجل إلى داري بأهلك فإنها مأمن‏.‏
فقال النسيب‏:‏ ان حالوا بيننا وبينكم فأرسل الرجل التتري إلينا ليحملنا إليكم‏.‏
فأرسله إليهم فلما غاب عن باب داره نزل عليها قوم من التتر وقتلوا كلهم‏.‏
فلما جاء الرجل التتري بالنسيب وجد القوم قتلوا عن آخرهم فتركهم ومر على وجهه وقتل النسيب أيضاً ولم ينج منهم أحد‏.‏
وينسب إليها إبراهيم ستنبه من البراهمة الأربعة الذين يشفع بهم إلى الله تعالى وهم‏:‏ إبراهيم بن أدهم بمكة وإبراهيم الخواص بالري وإبراهيم شيبان بقرميسين وإبراهيم ستنبه بقزوين‏.‏
حكى إبراهيم بن دوحة قال‏:‏ دخلت مع إبراهيم ستنبه بادية مكة وكان معي دينار ذهب فقال لي‏:‏ اطرح ما معك فطرحته‏.‏
ثم قال لي‏:‏ اطرح ما معك فما كان معي إلا شسع نعل فطرحته‏.‏
فما احتجت في الطريق إلى شسع إلا وجدته بين يدي فقال‏:‏ هكذا من يعامل الله صدقاً‏!‏ وحكى بعضهم قال‏:‏ كنا عند مسجد أبي يزيد البسطامي فقال لنا‏:‏ قوموا نستقبل ولياً من أولياء الله تعالى‏.‏
فمشينا فإذا هو إبراهيم ستنبه الهروي فقال له أبو يزيد‏:‏ وقع في خاطري أن أستقبلك وأشفع لك إلى ربي‏!‏ فقال له إبراهيم‏:‏ لو شفعت لجميع الخلق ما كان كثيراً فإنهم كلهم قطعة من طين‏.‏
فتحير أبو يزيد من حسن جواب إبراهيم وقال‏:‏ اللهم ارفع درجاتهم وانفعنا بمحبتهم ومحبة أمثالهم‏!‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif همذان
مدينة مشهورة من مدن الجبال‏.‏
قيل‏:‏ بناها همذان بن فلوج بن سام بن نوح عليه السلام‏.‏
ذكر علماء الفرس أنها كانت أكبر مدينة بأرض الجبال وكانت أربعة فراسخ في مثلها فالآن لم تبق على تلك الهيئة لكنها مدينة عظيمة لها رقعة واسعة وهواء لطيف وماء عذب وتربة طيبة ولم تزل محل سرير الملوك ولا حد لرخصها وكثرة الأشجار والفواكه بها‏.‏
أهلها أعذب الناس كلاماً وأحسنهم خلقاً وألطفهم طبعاً‏.‏
ومن خصائصها ألا يكون الإنسان بها حزيناً ولو كان ذا مصائب‏.‏
والغالب على أهلها اللهو والطرب لأن طالعها الثور وهو بيت الزهرة والغالب على أكثرهم البلاهة ولهذا قال قائلهم‏:‏ وحكي أن دارا لما تأهب لمحاربة الإسكندر أحكم عمارة همذان وجعل في وسطها حصناً لحرمه وخزانته ووكل بها اثني عشر ألف رجل من ثقاته لحفظها متى قصدها قاصد وذهب إلى قتال الإسكندر‏.‏
فلما قتل دارا في القتال بعث الإسكندر إلى همذان قائداً اسمه صقلاب في جيش كثيف فحاصرها فلما عجز عنها أخبر الإسكندر بحصانة الموضع وعجزه عنه فكتب إليه الإسكندر أن صور المدينة بجبالها ومياهها وعيونها وابعث بالصورة إلي وأقم هناك حتى يأتيك أمري‏.‏
ففعل صقلاب ذلك فأرسلها الإسكندر إلى أستاذه أرسطاطاليس وقال له‏:‏ دبر لي فتح هذه المدينة‏.‏
فأمره أرسطاطاليس أن يحبس مياهها حتى يجتمع منها شيء كثير ثم يرسلها إلى المدينة‏.‏
ففعل صقلاب ذلك كما قال فهدم سورها وحيطانها فدخلها صقلاب وسبى ونهب وبقيت المدينة تلاً وأما المدينة الموجودة في زماننا هذا فلا شك في أنها أحسن البلاد وأنزهها وأطيبها ولهذا لم تزل محل الملوك ولكل ملك من ملوك الجبال بها قصر يأتيه فصل الربيع والصيف‏.‏
فإنها في هذين الفصلين تشبه الجنة في طيب هوائها وبرودة مائها وكثرة فواكهها وأنواع رياحينها قال محمد ابن بشار‏:‏ ولقد أقول تيامني وتشامي وتواصلي ديماً على همذان فإذا تبجّست الثّلوج تبجّست عن كوثرٍ شبمٍ وعن حيوان فكسا الرّبيع بلادها من روضةٍ يفترّ عن نفلٍ وعن حوذان حتى تعانق من خزاماه الّذي بالجلهتين شقائق النّعمان بها ناحية ماوشان وهي كورة بقرب همذان‏.‏
فراسخ في فراسخ يمشي إليها أهل همذان أوان الصيف وقت إدراك المشمش‏.‏
وحكي أن أعرابياً أقام بهمذان سنين فسئل عن همذان فقال‏:‏ أقمت بها سبعاً كانوا يقولون الصيف يجيء وما جاء وذلك لأن الأعرابي رأى صيف الحجاز وصيف همذان يكون مثل شتاء الحجاز‏.‏
وحكى عبد القاهر بن حمزة الواسطي صفة همذان في الشتاء فقال‏:‏ خص الله همذان في الشتاء من اللعن بأوفره ومن الطرد بأكثره فما أكدر هواءها وأشد بردها وأذاها وأكثر مؤونتها وأقل منفعتها‏!‏ سلط الله تعالى عليها الزمهرير الذي أعده للكفار والعتاة من أهل النار‏.‏
إذا هاجت الرياح العواصف وحدثت البروق والرعود القواصف وقعت الثلوج والدمق وعم الاضطراب والقلق وانقطعت السبل وعم طرقاتها الوحل فترى وجوه أهلهم متشققة وشعورهم من البرد متفتقة وأنوفهم سائلة وحواسهم زائلة وأطرافهم خضرة وروائحهم قذرة ولحاهم دخانية وألوانهم باذنجانية‏.‏
وهم في شتائهم في الأليم من العذاب والوجيع من الحظ والعقاب‏.‏
وأي عذاب أشد من مقاساة العدو الحاصر والكلب الكلب الحاضر قال أحمد بن بشار يصف همذان‏:‏ لقد أتى همذان البرد فانطلق وارحل على شعب شملٍ غير متّفق أرضٌ يعذّب أهلوها ثمانيةً من الشّهور بأنواعٍ من الوهق فإن رضيت بثلث العمر فارض بها وقد تعدّ إذاً من أجهل الحمق إذا ذوى البقل هاجت في بلادهم من جربيائهم مشّاقة الورق فالبرد يرمي سهاماً ليس يمنعها من المروق بلبس الدّرع والدّرق حتّى تفاجئهم شهباء معضلةٌ تستوعب النّاس في سربالها اليقق أمّا الغنيّ فمحصورٌ يكابدها طول الشّتاء مع اليربوع في نفق والمملقون بها سبحان ربّهم ممّا يقاسون من بردٍ ومن أرق فكلّ غادٍ بها أو رائحٍ تعبٌ ممّا يكابد من بردٍ ومن دمق فالماء كالصخر والأنهار جامدةٌ والأرض عضّاضةٌ بالضرس في الطّرق فإذا انتقلت الشمس إلى برج الحمل وقد امتلأت دروبهم من الثلج حتى سد عليهم الطرق فيه من الثلج ويذهب به ويكون ذلك اليوم عيداً عظيماً عندهم يسمونه حمل بندان فصعدوا سطوحهم بالغناء والرقص في كل محلة واتخذوا من الثلوج شبه قلاع يرقصون عليها والماء يدخل عليهم ويرميهم وهم على تل الثلج فيقعون في وسط الماء والثلج فيدخل الماء درباً درباً حتى تنقى المدينة كلها من الثلج‏.‏
ومن عجائبها أسد من صخر على باب المدينة عظيم جداً‏.‏
حكى الكيا شيرويه أن سليمان بن داود عليه السلام اجتاز بموضع همذان قال‏:‏ ما بال هذا الموضع مع كثرة مائه وسعة ساحته لا تبنى به مدينة قالوا‏:‏ يا نبي الله إن ههنا لا يكون مقام الناس لأن البرد به شديد والثلج به يقع قدر قامة رمح‏.‏
فقال عليه السلام لصخر الجني‏:‏ هل من حيلة فقال‏:‏ نعم يا نبي الله فاتخذ أسداً من صخر ونصبه طلسماً للبرد وبنى مدينة همذان‏.‏
وقال غيره‏:‏ إنه من علم بليناس صاحب الطلسمات حين طلبه قباذ ليطلسم بلاده وكان الفارس يغرق في الثلج بهمذان فلما عمل هذا الأسد قل ثلجها‏.‏
وقالوا‏:‏ عمل على يمين الأسد طلسماً للحيات فقلت وآخر للعقارب فنقصت وآخر للبراغيث فهي قليلة بها جداً قال ابن حاجب يذكر الأسد‏:‏ ألا أيّها اللّيث الطّويل مقامه على نوب الأيّام والحدثان أراك على الأيّام تزداد جدّةً كأنّك منها آخذٌ بأمان أقبلك كان الدّهر أم كنت قبله فنعلم أم ربّيتما بلبان بقيت فما تفنى وآمنت عالماً سطا بهم موتٌ بكلّ مكان فلو كنت ذا نطقٍ جلست محدّثاً تحدّثنا عن أهل كلّ زمان ولو كنت ذا روحٍ تطالب مأكلاً لأفنيت أكلاً سائر الحيوان أحبّبت شرّ الموت أم أنت منظرٌ وإبليس حتى يبعث الثّقلان فلا هرماً تخشى ولا الموت تتّقي بمضرب سيفٍ أو شباة سنان وحكي انه لما كان سنة تسع عشرة وثلاثمائة عصى أهل همذان على مرداويج الديلمي وكان صاحب الجبال فدخل همذان ونهبها وسأل عن الأسد فقيل‏:‏ انه طلسم لدفع الآفات عن المدينة‏.‏
فأراد حمله إلى الري فلم يتمكن من ذلك فأمر بكسر ديه بالفطيس‏.‏
قيل‏:‏ إنما كسر يديه لأن الدواب كانت تنفر منه‏.‏
وحكي أن المكتفي بالله نظر إليه فاستحسنه فأمر بنقله على عجلة تجرها الفيلة إلى بغداد فهم عامل البلد بذلك فاجتمع وجوه تلك البلاد وقالوا‏:‏ هذا طلسم لبلدنا من آفات كثيرة‏.‏
فكتب العامل بذلك إلى الخليفة وصعب عليه بعثه فعفا عنهم‏.‏وحكي أن في زماننا عدا رجل في وسط همذان ويقول‏:‏ يا قوم ادركوا الأسد فإني رأيته يهرب‏.‏
فخرج من المدينة خلق كثير فرأوا الأسد بحاله فيقول بعضهم‏:‏ عدا من ثم إلى ههنا‏.‏
وهذا دليل على بلاهة القوم‏.‏
وينسب إليها أبو الفضل بديع الزمان‏.‏
كان أديباً فاضلاً ظريفاً والمقامات التي جمعها دلت على غزارة فضله وفصاحة كلامه ولطافة طبعه‏.‏
ولهذا قال أبو القاسم الحريري‏:‏ إن البديع سباق غايات وصاحب آيات‏.‏
وحكي أن صديقاً له كتب إليه يشكو ويقول‏:‏ إن الزمان قد فسد‏!‏ فأجابه البديع‏:‏ أتزعم أن الزمان قد فسد ما تقول لي متى كان صالحاً‏:‏ أفي الدولة العباسية وقد رأينا آخرها وقد سمعنا أولها أم في الأيام المروانية وفي أخبارها ما يكسع الشول بأغبارها أم في الأيام الحربية والسيف يغمد في الطلى والرمح يركز في الكلى أم في الأيام الهاشمية وعلي عليه السلام يقول‏:‏ ليت لي بعشرة منكم واحداً من بني فراس بن غنم أم في أيام عثمان وقد قام النفير بالحجاز وشخصت العيون من الإعجاز أم في الخلافة العدوية وصاحبها يقول‏:‏ بعد النزول إلى النزول أم في الخلافة التيمية وأبو بكر يقول‏:‏ طوبى لمن مات في نأنأة الإسلام أم في عهد الرسالة وقد قيل فيه‏:‏ اسكتي يا فلانة فقد ذهبت الأمانة أم في الجاهلية ولبيد يقول‏:‏ أم قبل الجاهلية وأخو عاد يقول‏:‏ بلادٌ بها كنّا وكنّا نحبّها إذ النّاس ناسٌ والبلاد بلاد أم قبل ذلك وقد روي عن أبينا آدم عليه السلام أنه قال‏:‏ تغيّرت البلاد ومن عليها ووجه الأرض مغبرٌّ قبيح أم قبل خلق أبينا آدم وقد قالت الملائكة‏:‏ أتجعل فيها من يفسد فيها فاعلم أن الزمان ما فسد لكن القياس قد اطرد‏.‏
وقال البديع‏:‏ همذان لي بلدٌ أقول بفضله لكنّه من أقبح البلدان‏!‏ صبيانه في القبح مثل شيوخه وشيوخه في العقل كالصّبيان‏!‏ توفي البديع سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة‏.‏
وأنشد عبد الله بن محمد بن زنجويه لنفسه في بعض الصور المطلسمة وقد ذكرنا كل واحدة منها في موضعها بشرحها‏:‏ أأرقت للبرق اللّموع‏.‏
اللاّئح وحمائمٍ فوق الغصون صوادح بل قد ذهلت بليث غابٍ دائباً مذ كان عن همذان ليس بنازح موفٍ على صمّ الصّخور كأنّه يبغي الوثوب على الغزال السّائح شبديز إذ هو واقفٌ في طاقه يعلوه برويزٌ بحسنٍ واضح برويز عن شبديز ليس برائحٍ واللّيث عن همذان ليس بنازح وكذا بتدمر صورتان تناهتا في الحسن شبّهتا ببدرٍ لائح لا يسأمان عن القيام وطالما صبرا على صرف الزّمان الكالح وبأرض عادٍ فارسٌ يسقيهم بالعين عذباً كالفرات السّائح في الأشهر الحرم العظيمة حقّها يغنون عن شرب الزّعاق المالح فإذا انقضى الشّهر الحرام تطفّحت تلك الحياض بماء عين الدّافح وبأرض وادي الرّمل بين مهامهٍ يلقاك قبل الحتف نصح النّاصح طرفٌ هنالك باسطٌ بيمينه أن ليس بعدي مسلكٌ للسّائح خذها إليك مقالةً من صادقٍ فيها عجائب من صحيح قرائح يل ضيعة من ضياع قزوين على ثلاثة فراسخ منها‏.‏
بها جبل يقال له يله بشم حدثني من صعد هذا الجبل قال‏:‏ رأيت عليها صور حيوانات مسخها الله تعالى حجراً صلداً‏:‏ منها راع متكيء على عصاه يرعى غنمه وامرأة تحلب بقرة ويغر ذلك من صور الإنسان والبهائم مسخ الله تعالى كلها حجراً وهذا شيء يعرفه جميع أهل قزوين‏.‏
وبها عين تخرج من شعب جبل وماؤها غزير حار جداً يجتمع في حوض هناك يقصدها الزمنى والجربى وغيرهم من أصحاب العاهات ينفعهم نفعاً بيناً‏.‏
وأهل تلك البلاد يسمونها يله كرماب‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif يمكان
مدينة حصينة في وسط الجبال بقرب بذخشان لا قدرة لأحد عليها قهرت الصعوبة مسلكها‏.‏
بها معادن الفضة والبلخش الذي يشبه اللعل حكى الأمير حسام الدين أبو المؤيد بن النعمان أن الحكيم الناصر خسرو تحصن بها وكان ملكاً لبلخ فخرج عليه أهل بلخ فانتقل إلى يمكان لحصانتها واتخذ بها عمارات عجيبة من القصور والبساتين والحمامات‏.‏
وذكر انه نزل في بعض تلك القصور فرأى في إيوان عظيم صوراً وتماثيل تتحرك فمنعه أهل القصر أن ينظر إليها‏.‏
وذكروا أن من ينظر إليها يصاب في عقله أو بدنه‏.‏
وقال‏:‏ كان صغار مماليك ينظرون إليها يخبرون بأشياء تأباها العقول‏!‏ وقال‏:‏ رأيت خلف ذلك القصر بستاناً كنت طول الليل أسمع منه أصواتاً عجيبة لا تشبه أصوات الحيوانات المعهودة منها ما كان طيباً ومنها ما كان كريهاً‏.‏
وحكي أن بها حماماً من عجائب الدنيا من بناء ناصر خسرو لا يدرى كيف بناؤه ولا يصدق السامع وصفها حتى يراها‏.‏
وهي باقية في زماننا وصفتها أن من دخل مسلخها رأى بيتاً مربعاً منقشاً بصور حيوانات لا يرى باب الحمام لكن يرى على حيطانها أربعاً وعشرين حلقة مغلقة فيسأل الحمامي عن باب الحمام فيقول‏:‏ أي حلقة جذبتها ينفتح لك باب الحمام‏.‏
فيجذب إحداها فينفتح باب وتنكسر صورة الحيوان التي على الباب لأن بعضها على الباب وبعضها على الجدار فلهذا لا يعرف الغريب باب الحمام فإذا دخل من باب من تلك الأبواب أيها كان ينتهي إلى قبة على مثال المسلخ إلا أن حلقها سبع عشرة فأي حلقة يجذب يفتح له باب فإذا دخله يفضي به إلى قبة أخرى على مثال ما قبلها إلا أن حلقها اثنتا عشرة فأي حلقة منها يجذب يفضي إلى قبة على مثال ما تقدم إلا أن فيها تسع حلق فأي حلقة منها يجذب يفضي إلى قبة إلى مثال ما قبلها إلا أن حلقها سبع حلق وهي القبة الأخيرة أحد أبوابها يفضي إلى الحمام وذلك يعرفه الحمامي‏:‏ فإن فتح غيره يرى نفسه في المسلخ وهو البيت الأول المربع‏.‏وذكر الأمير أبو المؤيد أنه شاهد هذا الحمام مراراً على هذه الهيئة وأنه أشهر شيء بخراسان وهو باق إلى زماننا‏.‏
وإنما صار أمر هذا الحمام مشهوراً بخراسان لأنه عام لا يمنع ان يدخله أحد ويستحم به فيدخله كل أحد للاستحمام ومشاهدة العجب ولا يؤخذ ممن دخله أجرة الحمام‏.‏
وله آلات من السطول والطامات والمآزر والطين والأمشاط والمناشف وجميع ما يحتاج إليه المستحم‏.‏
فإذا استحم وخرج يؤتى له بجلاب ومأكول على قدره ولا يقبلون من المستحم شيئاً وإن أصر على ذلك بل له أوقاف كثيرة وانها بيد أحفاد الناصر خسرو‏.‏
ومن عجائبها أمر آخر وهو أن ثلاثين بيتاً منها يضيء بجام واحد ولا يمكنون أحداً أن يرى سطحها البتة ولا يهتدي أحد إلى كيفية بنائها إلا من عرف ذلك بحقيقة‏.‏
والله المستعان وعليه التكلان‏.‏


أرب جمـال 23 - 11 - 2009 02:49 AM

الاقليم الخامس
أوله حيث يكون الظل نصف النهار إذا استوى الليل والنهار خمسة أقدام وثلاثة أخماس قدم وسدس خمس قدم وآخره حيث يكون الظل نصف النهار شرقاً أو غرباً ستة أقدام ونصف عشر وسد عشر قدم‏.‏
ويبتديء من أرض الترك المشرقين ويمر على أجناس الترك المعروفين إلى كاشغر وفرغانة وسمرقند وخوارزم وبحر الخزر إلى باب الأبواب وبرذعة وإلى ميافارقين وارمينية وبلاد الروم‏.‏
وأطول نهار هؤلاء في أول الإقليم أربع عشرة ساعة ونصف وربع وفي أوسطه خمس عشرة ساعة وفي آخره خمس عشرة ساعة وربع‏.‏
وطول وسطه من المشرق إلى المغرب سبعة آلاف ميل وستمائة وسبعون ميلاً وبضع عشرة دقيقة وعرضه مائتان وأربعة وخمسون ميلاً وثلاثون دقيقة ومساحتها مكسر ألف ألف وثمانية وأربعون ألفاً وخمسمائة وأربعة وثمانون ميلاً واثنتا عشرة دقيقة ولنذكر أحوال بعض المدن الواقعة فيه مرتبة على حروف المعجم‏:‏ آمد مدينة حصينة مبنية بالحجارة من بلاد الجزيرة على نشز من الأرض ودجلة محيطة بها من جوانبها إلا من جهة واحدة على شكل الهلال‏.‏
وفي وسطها عيون وآبار عمقها ذراعان‏.‏
وإنها كثيرة الأشجار والبساتين والثمار والزروع‏.‏
من عجائبها ما ذكره ابن الفقيه أن بأرض آمد جبلاً من بعض شعابه صدع فيه سيف من أدخل يده في ذلك الصدع وقبض على قائم ذلك السيف اضطرب السيف في يده وارتعد هو وان كان من أشد الناس‏.‏
وذكر أن هذا السيف يجذب الحديد أكثر من جذب المغناطيس فإذا حك به سيف أو سكين جذبه وحجارة ذلك الصدع ما يجذب هذا ما ذكره ابن الفقيه ولست أعرف انه باق إلى الآن أم لا‏.‏
ومن العجب أن في سنة سبع وعشرين وستمائة انهزم جلال الدين خوارزمشاه عن التتر فانتهى إلى آمد فجاءه من أخبره بأن التتر خلفك قريب منك‏.‏
فقال‏:‏ إن هذا المخبر من عند صاحب آمد يريد إبعادنا من أرضه‏.‏
فما أصبح إلا والتتر محيط بهم فانصبوا إلى آمد هاربين من التتر فقتلهم أهل آمد من السور وفي تلك الواقعة قتل جلال الدين خوارزمشاه‏.‏
فلما رجع التتر جاء الملك الكامل بعساكره وحاصرها وأخذها من صاحبها وزال ملك صاحبها بشؤم ما عمل بالهاربين من التتر اللائذين به‏.‏موضع ببلاد الروم يزار من الآفاق قال الهروي‏:‏ بلغني أمره فقصدته فوجدته في لحف جبل يدخل إليه من باب ويمشي الداخل تحت الأرض إلى أن ينتهي إلى موضع مكشوف واسع تبين فيه السماء من فوقه وفي وسطه بحيرة حولها بيوت الفلاحين ومزروعهم خارج الموضع‏.‏
وهناك مسجد وبيعة فإن جاءهم مسلم يمشي إلى المسجد وإن جاءهم نصراني يمشي إلى البيعة‏.‏
والزوار يأتون إلى هذا الموضع كثيراً ويدخلون إلى بهو فيه جماعة مقتولون فيهم آثار طعن الأسنة وضرب السيوف ومنهم من فقدت بعض أعضائه وعليهم ثياب من القطن لم تتغير‏!‏ وهناك أيضاً امرأة على صدرها طفل حلمة ثديها في فيه وخمسة أنفس قيام ظهورهم على حائط الموضع وهناك أيضاً موضع عال عليه سرير وعلى السرير اثنا عشر رجلاً فيهم صبي مخضوب اليدين والرجلين بالحناء فالروم يزعمون أنهم منهم والمسلمون يقولون انهم من الغزاة استشهدوا في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif أران
ناحية بين آذربيجان وأرمينية وبلاد ابخاز‏.‏
بها مدن كثيرة وقرى‏.‏
قصبتها جنزة وشروان وبيلقان‏.‏
بها نهر الكر وهو نهر بين أرمينية وأران يبدأ من بلاد خزران ثم يمر ببلاد الأبخاز من ناحية اللان فيمر بمدينة تفليس يشقها ثم بجنزة وشمكور ويجري على باب برذعة ثم يختلط بالرس والرس أصغر منه وينصب في بحر الخزر على ثلاثة فراسخ من برذعة موضع الشورماهيج الذي يحمل إلى الآفاق مملحاً‏.‏
وهو نوع من السمك طيب مختص بذلك الموضع‏.‏
وزعموا أن الكر نهر سليم أكثر ما يقع فيه من الحيوان يسلم‏.‏
ومن ذلك ما حكى بعض فقهاء نقجوان قال‏:‏ وجدنا غريقاً من الكر يجري به الماء فبادر القوم إلى إمساكه فأدركوه وقد بقي فيه رمق فحملوه إلى اليبس فاستقر نفسه وسكن جاشه‏.‏
قال لنا‏:‏ أي موضع هذا قالوا‏:‏ نقجوان‏.‏
قال‏:‏ إني وقعت في الماء في موضع كذا وكان بينه وبين نقجوان مسيرة خمسة أيام أو ستة وطلب طعاماً فذهبوا لإحضار الطعام فانقض عليه الجدار الذي كان قاعداً تحته فتعجب القوم من مسامحة النهر وتعدي الجدار‏!‏ أرزنجان بلدة من بلاد أرمينية آهلة طيبة كثيرة الخيرات أهلها مسلمون ونصارى‏.‏
وبها جبل فيه غار ينزل الماء من سقفه ويصير ذلك الماء حجراً صلداً‏.‏

أرزن الروم
مدينة مشهورة من مدن ارمينية بقرب خلاط قديمة البناء‏.‏
بينها وبين خلاط موضع يسمى ياسي جمن به عين يفور الماء منها فوراناً شديداً يسمع صوته من بعيد فإذا دنا الحيوان منها يموت في الحال‏.‏
وحولها من الحيوانات الموتى ما شاء الله وقد وكلوا بها من يمنع الغريب من الدنو منها‏.‏
بها عين الفرات وهي عين مباركة مشهورة‏.‏
زعموا أن من اغتسل بمائها في الربيع يأمن من أمراض تلك السنة‏.‏
ارطانة من قرى بلنسية‏.‏
بها عين ارطانة وهي عين ينبع ماؤها من غار على فمه حوض يظهر في ذلك الحوض أنه يكثر تارة ويقل أخرى كالمد والجزر وذلك يرى في كل يوم مراراً‏.‏
أرمية بلدة كبيرة من بلاد آذربيجان كثيرة الخيرات وافرة الغلات‏.‏
بقربها بحيرة تعرف ببحيرة أرمية وإنها كريهة الرائحة لا نبات عليها ولا سمك فيها‏.‏
استدارتها خمسون فرسخاً مادتها من أودية من جبال تلك البلاد وفي وسط البحيرة جزيرة وعلى تلك الجزيرة قلعة حصينة وحواليها قرى ورساتيق ومزارع‏.‏
وفي أكثر الأوقات كان صاحب تلك القلعة عاصياً على ولاة آذربيجان إذ لا سبيل إليها قهراً‏.‏
ويخرج من هذه البحيرة ملح بحلو شبه التوتيا وعلى ساحلها مما يلي الشرق عيون ينبع ماؤها ويستحجر إذا أصابها الهواء وفيها حيوان يقال له كلب الماء‏.‏
وينسب إليها الشيخ أبو أحمد الملقب بتاج الدين الأرموي كان عديم المثل في زمانه بالأصول والفقه والحكمة والأدب ذا عبارة فصيحة وتقرير حسن وطبع لطيف وكلام ظريف كان الاجتماع به سبباً للذات النفس من كثرة حكاياته الطيبة والأمثال اللطيفة والتشبيهات الغريبة والمبالغات العجيبة وكثيراً ما كان يقول‏:‏ ان دفع التتر عن هذه البلاد لكثرة صدقات الخليفة المستنصر بالله فإن الصدقة تدفع البلاء ولولا ذلك لكان من دفع العساكر الخوارزمشاهية كيف يقف له عسكر العراق وكان الأمر كما قال‏.‏
فلما مضى المستنصر وقلت الصدقة جاؤوا وظفروا‏.‏
وحكي أن الشيخ دخل يوماً على ابن الوزير القمي وكان ابن الوزير دقيق النظر كثير المآخذ قال للشيخ‏:‏ أراك تقتني المماليك المرد وليس هذا طريقة المشايخ‏!‏ قال الشيخ‏:‏ لا‏.‏
قعودي بين يديك من طريقة المشايخ وإنما هذا لذلك لولا ميلي إلى شيء من زينة الدنيا ما قعدت بين يديك‏.‏ناحية بين آذربيجان والروم ذات مدن وقلاع وقرى كثيرة‏.‏
أكثر أهلها نصارى‏.‏
بها عجائب كثيرة ذكر أكثرها عند مدنها وقراها‏.‏
والذي نزيده ههنا‏:‏ بها جبل الحارث والحويرث لا يقدر أحد على ارتقائهما قالوا‏:‏ إنهما مقبرة ملوك أرمينية ومعهم أموالهم وذخائرهم‏.‏
بليناس الحكيم طلسمها لئلا يظفر بها أحد‏.‏
وحكى ابن الفقيه انه كان على نهر الرس بأرمينية ألف مدينة فعث الله تعالى إليهم نبياً اسمه موسى وليس بموسى بن عمران فدعاهم إلى الله تعالى فكذبوه وعصوا أمره فدعا عليهم فحول الله تعالى الحارث والحويرث من الطائف وأرسلهما عليهم فيقال إن أهل الرس تحت هذين الجبلين‏.‏
وبها البحيرة قال مسعر بن مهلهل‏:‏ هذه البحيرة منتنة قليلة المنافع عليها قلاع حصينة وجانب من هذه البحيرة يأخذ إلى موضع يقال له وادي الكرد‏.‏
فيه طرائف من الأحجار وعليه مما يلي سيماس جمة يقال لها عين زراوند وهي جمة شريفة جليلة القدر كثيرة المنفعة وذلك لأن الإنسان أو الدابة إذا ألقي فيها وبه كلوم وقروح يندمل ويلتحم وإن كان فيها عظام موهنة مرضضة كامنة وشظايا غامضة تتفجر أفواهها وينقيها عن كل وسخ ويلحمها‏.‏
قال مسعر ابن مهلهل‏:‏ عهدي بمن توليت حمله إليها وبه علل من جرب وسلع وقولنج وحزاز وضربان في الساقين واسترخاء في العصب وفيه سهم قد نبت اللحم على نصله كنا نتوقع موته ساعة فساعة فأقام بها ثلاثاً فخرج النصل من خاصرته وعوفي من بقية العلل‏.‏
قال‏:‏ ومن شرف هذه الجمة أن الإنسان إذا شرب منها أمن الخوانيق وأسهل السوداء من غير مشقة‏.‏
وحكى صاحب تحفة الغرائب أن بأرض أرمينية بيت نار له سطح من الصاروج وميزاب من النحاس وتحت الميزاب حوض كبير من الرخام وفي البيت مجاورون كلما قل المطر بتلك الناحية أوقدوا نارهم وغسلوا سطح البيت بماء نجس حتى ينصب من الميزاب إلى الحوض ثم يرشون البيت بذلك الماء النجس فعند ذلك تستر السماء بالغمام وتمطر حتى يغسل السطح والميزاب والحوض ويمتليء من الماء الطاهر‏.‏

الأشبونة
مدينة بالأندلس بقرب باجة طيبة‏.‏
بها أنواع الثمرات وضروب صيد البر والبحر‏.‏
وهي على ضفة البحر تضرب أمواج البحر حائط سورها قال أحمد ابن عمر العذري وهو صاحب الممالك والمسالك الأندلسية‏:‏ على أحد أبواب الأشبونة المعروف بباب الجمة جمة قريبة من البحر يجري بماء حار وماء بارد فإذا فار البحر واراها‏.‏
وقال أيضاً‏:‏ بقرب الأشبونة غار عظيم تدخل أمواج البحر فيه وعلى فم الغار جبل عال فإذا ترادفت أمواج البحر في الغار ترى الجبل يتحرك بتحرك الموج فمن نظر إليه رآه مرة يرتفع ومرة ينخفض‏.‏
وبقربها جبل يوجد فيه حجر البرادي وهو حجر يضيء بالليل كالمصباح‏.‏
قال‏:‏ أخبر من صعد هذا الجبل ليلاً قال كان هذا الحجر فيه يضيء كالمصباح‏.‏
قال‏:‏ وهذا الجبل معدن الجزع‏.‏

اشبيلية
مدينة بالأندلس بقرب لبة كبيرة‏.‏
تباينت بلاد الأندلس بكل فضيلة وامتازت عنها بكل مزية من طيب الهواء وعذوبة الماء وصحة التربة والزرع والضرع وكثرة الثمرات من كل نوع وصيد البر والبحر بها زيتون أخضر يبقى مدة لا يتغير به حال ولا يعروه اختلال وقد أخذ في الأرض طولاً وعرضاً فراسخ في فراسخ ويبقى زيته بعذوبته أعواماً‏.‏
وكذلك بها عسل كثير جداً وتين يابس‏.‏
ينسب إليها الشيخ الفاضل محمد بن العربي الملقب بمحيي الدين‏.‏
رأيته بدمشق سنة ثلاثين وستمائة‏.‏
وكان شيخاً فاضلاً أديباً حكيماً شاعراً عارفاً زاهداً‏.‏
سمعت أنه يكتب كراريس فيها أشياء عجيبة‏.‏
سمعت أنه كتب كتاباً في خواص قوارع القرآن‏.‏ومن حكاياته العجيبة ما حكى انه كان بمدينة اشبيلية نخلة في بعض طرقاتها فمالت إلى نحو الطريق حتى سدت الطريق على المارين فتحدث الناس في قطعها حتى عزموا أن يقطعوها من الغد قال‏:‏ فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الليلة في نومي عند النخلة وهي تشكو إليه وتقول‏:‏ يا رسول الله ان القوم يريدون قطعي لأني منعتهم المرور‏!‏ فمسح رسول الله عليه السلام بيده المباركة النخلة فاستقامت فلما أصبحت ذهبت إلى النخلة فوجدتها مستقيمة فذكرت أمرها للناس فتعجبوا منها واتخذوها مزاراً متبركاً به‏!‏ أفرنجة بلدة عظيمة ومملكة عريضة في بلاد النصارى بردها شديد جداً وهواؤها غليظ لفرط البرد‏.‏
وإنها كثيرة الخيرات والفواكه والغلات غزيرة الأنهار كثيرة الثمار ذات زرع وضرع وشجر وعسل صيودها كثيرة الانواع‏.‏
بها معادن الفضة وتضرب بها سيوف قطاعة جداً وسيوف افرنجة أمضى من سيوف الهند‏.‏
وأهلها نصارى‏.‏
ولهم ملك ذو بأس وعدد كثير وقوة ملك له مدينتان أو ثلاث على ساحل البحر من هذا الجانب في وسط بلاد الإسلام وهو يحميها من ذلك الجانب كلما بعث المسلمون إليها من يفتحها يبعث هو من ذلك الجانب من يحميها‏.‏
وعساكره ذوو بأس شديد لا يرون الفرار أصلاً عند اللقاء ويرون الموت دون ذلك‏.‏
لا ترى أقذر منهم وهم أهل غدر ودناءة أخلاق لا يتنظفون ولا يغتسلون في العام إلا مرة أو مرتين بالماء البارد ولا يغسلون ثيابهم منذ لبسوها إلى أن تتقطع‏.‏
ويحلقون لحاهم وإنما تنبت بعد الحلق خشنة مستكرهة‏.‏
سئل واحد عن حلق اللحى فقال‏:‏ الشعر فضلة أنتم تزيلونها عن سوءاتكم فكيف نتركها نحن على وجوهنا أفسوس مدينة مشهورة بأرض الروم وهي مدينة دقيانوس الجبار الذي هرب منه أصحاب الكهف وبين الكهف والمدينة مقدار فرسخين والكهف مستقبل بنات نعش لا تدخله الشمس فيه رجال موتى لم يتغيروا وعددهم سبعة‏:‏ ستة منهم نيام على ظهورهم وواحد منهم في آخر الكهف مضطجع على يمينه وظهره إلى جدار الكهف وعند أرجلهم كلب ميت لم يسقط من أعضائه شيء وهو باسط ذراعيه بالوصيد كافتراش السباع وعلى الكهف مسجد يستجاب فيه الدعاء يقصده الناس وأهل المدينة يرون بالليل على الكهف نوراً عظيماً ويعرفون أن ذلك وكان من بداية أمرهم ما حكى وهب بن منبه أن سليمان بن داود عليه السلام لما قبض ارتد ملك الروم إلى عبادة الأصنام ودقيانوس أحد قواده رجع أيضاً معه ومن خالفه عذبه بالقتل والحرق والصلب‏.‏
فاتفق أن بعض الفتيان من أولاد البطارقة خرجوا ذات يوم لينظروا إلى المعذبين من الموحدين فقدر الله هدايتهم وفتح أبصارهم فكانوا يرون الرجل الموحد إذا قتل هبطت إليه الملائكة من السماء وعرجوا بروحه فآمنوا ومكثوا على ذلك حتى ظهر أمر إسلامهم‏.‏
فأرسل الملك إلى آبائهم وعتب عليهم بسبب إسلام أولادهم فقالوا‏:‏ أيها الملك نحن تبرأنا منهم شأنك وشأنهم‏!‏ فأحضرهم الملك وقال لهم‏:‏ لكم المهل ثلاثة أيام وإني شاخص في هذه الأيام من البلد فإن وجدتكم في اليوم الرابع عند رجوعي مخالفين لطاعتي عذبتكم عذاب من خالفني فلما كان اليوم الثالث اجتمع الفتية وقالوا‏:‏ إنما يومنا هذا هو وليلته وعزموا على الهرب في تلك الليلة فلما جنهم الليل حمل كل واحد شيئاً من مال أبيه وخرجوا من المدينة يمشون فمروا براعي غنم لبعض آبائهم فعرفهم فقال‏:‏ ما شأنكم يا سادتي فأظهروا أمرهم للراعي ودعوه إلى التوحيد فأجابهم فأخذوه معهم‏.‏
وتبع الراعي كلبه فساروا ليلتهم وأصبحوا على باب كهف دخلوا فيه وقالوا للراعي‏:‏ خذ شيئاً من الورق وانطلق إلى المدينة واشتر لنا طعاماً فإن القوم لا علم لهم بخروجك معنا‏.‏
فأخذ الدراهم ومضى نحو المدينة وتبعه كلبه وكان على باب المدينة صنم لا يدخل أحد المدينة إلا بدأ بالسجود لذلك الصنم قبل دخوله فبقي الراعي متفكراً في السجود للصنم فألهم الله الكلب ان عدا بين يديه حتى دخل المدينة وجعل الراعي يعدو خلفه ويقول‏:‏ خذوه خذوه‏!‏ حتى جاوز الصنم ولم يسجد‏.‏
فلما انتهى إلى السوق واشترى بعض حوائجه سمع قائلاً يقول‏:‏ ان راعي فلان أيضاً تبعهم‏.‏
فلما سمع ذلك فزع وترك استتمام ما أراد شراءه وخرج من المدينة مبادراً حتى وافى أصحابه فأخبرهم بما كان من أمره‏.‏
فأكلوا طعامهم وأخذوا مضاجعهم فضرب الله على آذانهم‏.‏
فلما رجع الملك أخبروه بهربهم فخرج يقفو آثارهم حتى انتهى إلى باب الكهف ووقف على أمرهم فقال‏:‏ يكفيهم من العذاب أن ماتوا جوعاً‏!‏ فأهلك الله دقيانوس وأنزل على باب الكهف صخرة وبعث إلى أهل ذلك العصر ثلاثة عشر نبياً فدعوا الناس إلى التوحيد فأجابهم إلى ذلك خلق كثير وكان الملك الذي أحيا الله الفتية في أيامه موحداً‏.‏
فلما كانت السنة التي أراد الله فيها احياء الفتية انطلق رجل من أهل المدينة وأقام بذلك المكان يرعى غنمه فأراد أن يتخذ لغنمه حظيرة فأمر أعوانه بتنحية الصخرة التي كانت على باب الكهف فعند ذلك قام الفتية كمن يبيت ليلة صافية الألوان نقية الثياب ورأوا كلبهم باسطاً ذراعيه بالوصيد وكان ذلك بعد ثلاثمائة سنة بحساب الروم وزيادة تسع بحساب العرب لأن حساب الروم شمسية وحساب العرب قمرية يتفاوت في كل مائة سنة ثلاث سنين‏.‏
وكان انتباههم آخر النهار ودخولهم أول النهار فقال بعضهم لبعض‏:‏ كم لبثتم قالوا‏:‏ لبثنا يوماً أو بعض يوم‏!‏ لأنهم رأوا الشمس غير غاربة فقالوا بعض يوم فلما نظروا إلى طول شعورهم وأظافيرهم قالوا‏:‏ ربكم اعلم بما لبثتم‏.‏
فقالوا للراعي‏:‏ إنك أتيت البارحة بطعام قليل لم يكفنا فخذ شيئاً من هذا الورق وانطلق إلى المدينة واشتر لنا طعاماً‏!‏ فانطلق خائفاً حتى أتى باب المدينة وقد أزيل عنه الصنم ثم دخل المدينة وجعل يتصفح وجوه الناس فما كان يعرف أحداً‏.‏
فانتهى إلى سوق الطعام ودفع إليه الورق فرده عليه وقال‏:‏ هذا عتيق لا يروح اليوم‏!‏ فناوله ما كان معه وقال‏:‏ خذ حاجتك منها‏.‏
فلما رأى صاحب الطعام ذلك همس إلى جاره وقال‏:‏ احسب ان هذا قد وجد كنزاً‏!‏ فلما رآهما يتهامسان ظن أنهما عرفاه فترك الدراهم وولى هارباً فصاح به الناس أن خذوه فإنه وجد كنزاً فأخذوه وانطلقوا به إلى الملك فأخبروا الملك بأمره والدراهم فتركه الملك حتى سكنت روعته ثم قال‏:‏ ما شأنك يا فتى أخبرني بأمرك ولا بأس عليك‏!‏ فقال الفتى‏:‏ ما اسم هذه المدينة قالوا‏:‏ افسوس‏.‏
قال‏:‏ وما فعل دقيانوس قالوا‏:‏ أهلكه الله منذ ثلاثمائة سنة‏!‏ فأخبرهم بقصته وقصة أصحابه‏.‏
فقال الملك‏:‏ أرى في عقل هذا الرجل نقصاناً قال الراعي‏:‏ إن أردت تحقيق ما أقول انطلق معي إلى أصحابي لتراهم في الكهف‏!‏ فركب الملك وعامة أهل المدينة فقال الراعي‏:‏ إن أصحابي إذا سمعوا جلبة الناس خافوا فأذن لي أيها الملك حتى أتقدم وأبشرهم‏.‏
فأذن له فتقدم حتى انتهى إلى باب الكهف فدخل عليهم وأخبرهم بهلاك دقيانوس وظهور الإسلام وأن القوم في ولاية ملك صالح وها هو قد أقبل إليكم ومعه عامة أهل المدينة‏.‏
فلما سمعوا ذلك كبروا وحمدوا الله ووافاهم الملك وأهل المدينة‏.‏
والملك سلم عليهم وسألهم عن حالهم وعانقهم‏.‏
وعامة الناس سلموا عليهم فبادروا بذكر قصتهم حتى إذا فرغوا من ذلك خروا موتى‏.‏
فبنوا على الكهف مسجداً واتخذوا ذلك اليوم عيداً وانهم على حالهم إلى زماننا هذا‏.‏
أفلوغونيا مدينة كبيرة من نواحي أرمينية أهلها نصارى‏.‏
من خواصها إسراع الجذام إلى أهلها لأن أكثر أكلهم الكرنب والغدد فيهم طبع وفيهم خدمة للضيف وقرى وحسن الطاعة لرهبانهم والرهابين يلعبون بعقولهم حكي انه إذا مرض أحدهم أحضر الراهب ودفع مالاً إليه ليستغفر له ويحضر القس وانه يبسط كساء ويعترف المريض بذنب ذنب مما عمله والقس قاعد يضم كفيه كلما فرغ المذنب ينفض كفيه في الكساء إلى أن فرغ من تمام ذنوبه‏.‏
وبعد فراغه يضم القس أطراف الكساء ويخرج بها وينفض في الصحراء فيظنون أن الذنوب قد انمحت بالصدقة ودعاء القس‏.‏
وحكي أن فيهم من إذا تزوج ببكر يريد أن يفترعها الراهب لتكون مباركة على زوجها ببركة الراهب‏.‏

إلبيرة
مدينة بالأندلس بقرب قرطبة من أكرم المدن وأطيبها شديدة الشبه بغوطة دمشق في غزارة الأنهار والتفاف الأشجار وكثرة الثمار‏.‏
في ساحلها شجر الموز ويحسن بها نبت قصب السكر وبها معادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص والصفر ومعدن التوتيا ومقطع الرخام وتحمل هذه الأشياء منها إلى سائر بلاد الأندلس‏.‏
وحكى أحمد بن عمر العذري‏:‏ من أعمال البيرة موضع يسمى لوشة فيه غار يصعد إليه أربعة أذرع ثم ينزل في غار نحو قامتين يرى أربعة رجال موتى لا يعرف الناس حالهم ألفوهم كذلك قديماً والملوك يتبركون بهم ويبعثون إليهم الأكفان ولا ريب أنهم من الصلحاء لأن بقاءهم على حالهم مدة طويلة بخلاف سائر الموتى لا يكون إلا لأمر قال العذري‏:‏ حدثني من دخل عليهم وكشف عن وجه أحدهم فرأى دراعة على وجهه وقال‏:‏ نقرت بإصبعي على بطنه فصوت كالجلد اليابس‏.‏

ألش
مدينة بالأندلس بقرب تدمير من خواصها أن النخل لا ينجح بجميع بلاد الأندلس إلا بها‏.‏
ويوجد بها زبيب ليس في جميع البلاد مثله يحمل منها إلى سائر بلاد الأندلس‏.‏
وبها صناع البسط الفاخرة وليس مثلهم في شيء من بلاد الأندلس‏.‏
الأندلس جزيرة كبيرة بالمغرب فيها عامر وغامر‏.‏
طولها دون الشهر في عرض نيف وعشرين مرحلة ودورها أكثر من ثلاثة أشهر‏.‏
ليس فيها ما يتصل بالبر إلا مسيرة يومين والحاجز بين بلاد الأندلس وافرنجة جبل‏.‏قال أحمد بن عمر العذري صاحب المسالك والممالك الأندلسية‏:‏ إن الأندلس وقعت متوسطة بين الأرض كما هي متوسطة بين الأقاليم فبعضها في الإقليم الرابع وبعضها في الإقليم الخامس‏.‏
وبها مدن كثيرة وقرى وأنهار وأشجار وبها الرخص والسعة‏.‏
وبها معادن الذهب والفضة والرصاص والحديد في كل ناحية ومعدن الزئبق والكبريت الأحمر والأصفر والزنجفر الجيد والتوتيا والشبوب على أجناسها والكحل المشبه بالأصفهاني‏.‏
وبها من الأحجار الياقوت والبلور والجزع واللازورد والمغناطيس والشادنج والحجر الذي يقطع الدم والحجر اليهودي والمرقشيثا وحجر الطلق‏.‏
وبها أصناف الرياحين حتى سنبل الطيب والقسط والاشقاقل وبها الانبرباريس والعود‏.‏
حكى العذري أن بعض الولاة ولى ناحية بشرة فشم رائحة العود فوجدوا من دار رجل ضعيف ووجدوا عنده عوداً كثيراً يتقد به فرأوه فإذا هو ذكي من عود الهند فسئل عن موضع احتطابه فحملهم إلى جبل من جبال وفر فحفروا وأخرجوا بقيته واشتهر بين الناس‏.‏
وأهل الأندلس زهاد وعباد والغالب عليهم علم الحديث ويقع في بلاد الأندلس من الخدم والجواري المثمنات على غير صناعة بل على حسنهم بألف دينار‏.‏
ولأهلها إتقان في جميع ما يصنعونه إلا أن الغالب عليهم سوء الخلق‏.‏ومن عجائب الدنيا أمران‏:‏ أحدهما المملكة الإسلامية بالأندلس مع إحاطة الفرنج من جميع الجوانب والبحر بينهما وبين المدد من المسلمين والآخر المملكة النصرانية بساحل الشام مع إحاطة المسلمين من جميع الجوانب والبحر بينهما وبين المدد من الإفرنج‏.‏
قال العذري في وصف الأندلس‏:‏ إنها شامية في طيبها وهوائها يمانية في اعتدالها واستوائها هندية في أفاويهها وذكائها اهوازية في عظم اجتنائها صنفية في جواهرها عدنية في سواحلها‏.‏
بها آثار عجيبة وخواص غريبة تذكر في مواضعها‏.‏
وبها البحر الأسود الذي يقال له بحر الظلمات محيط بغربي الأندلس وشماليه وفي آخر الأندلس مجمع البحرين الذي ذكره الله في القرآن‏.‏
وعرض مجمع البحرين ثلاثة فراسخ وطوله خمسة وعشرون فرسخاً وفيه يظهر المد والجزر في كل يوم وليلة مدان وجزران وذلك ان البحر الأسود عند طلوع الشمس يعلو ويفيض في مجمع البحرين ويدخل في بحر الروم وهو قبلى الأندلس وشرقيها ولونها أخضر ولون البحر أسود كالحبر‏.‏
وإذا أخذته في الإناء لا ترى فيه السواد فلا يزال البحر الأسود يصب في البحر الأخضر إلى الزوال فإذا زالت الشمس عاد الأمر معكوساً فيصب البحر الأخضر في البحر الأسود إلى مغيب الشمس ثم يعلو البحر الأسود ويفيض في البحر الأخضر إلى نصف الليل ثم ينعكس الأمر فيعلو البحر الأخضر ويصب في البحر الأسود إلى طلوع الشمس وهكذا على التواتر ذلك تقدير العزيز العليم وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال‏:‏ ملك على قاموس البحر إذا وضع رجله فيه فاض وإذا رفعها غاض‏.‏
وبها جبل فيه غار لا يرى أحد فيه النار وإذا أخذت فتيلة مدهونة وشدت على رأس خشبة طويلة وأدخلت الغار اشتعلت الفتيلة وتخرج مشتعلة‏.‏
وبها جبل بقرب الجبل الذي سبق ذكره ترى على قلته النار مشتعلة بالليل وبالنهار يصعد منه دخان عظيم‏.‏
وبها جبل عليه عينان بينهما مقدار شبرين ينبع من إحداهما ماء حار ومن الأخرى ماء بارد‏.‏
ذكرهما صاحب تحفة الغرائب وقال‏:‏ أما الحارث فلو رميت فيه اللحم ينطبخ وأما البارد فيصعب شربه لغاية برودته‏.‏
وبها جبل شلير لا يفارقه الثلج صيفاً ولا شتاء وهو يرى من اكثر بلاد الأندلس لارتفاعه وشموخه وفيه أصناف الفواكه من التفاح والعنب والتوت والجوز والبندق وغير ذلك والبرد به شديد جداً قال بعض المغاربة وقد اجتاز بشلير فوجد ألم البرد‏:‏ يحلّ لنا ترك الصّلاة بأرضكم وشرب الحميّا وهي شيءٌ محرّم إذا هبّت الرّيح الشّمال بأرضكم فطوبى لعبدٍ في اللّظى يتنعّم أقول ولا ألحى على ما أقوله كما قال قبلي شاعرٌ متقدّم‏:‏ فإن كنت يوماً في جهنّم مدخلي ففي مثل ذاك اليوم طاب جهنّم‏!‏ وبها جبل الكحل‏.‏
إنه بقرب مدينة بسطة قالوا‏:‏ إذا كان أول الشهر أخذ الكحل يخرج من نفس الجبل وهو كحل أسود لا يزال كذلك إلى نصف الشهر فإذا زاد على النصف نقص الكحل ولا يزال الذي خرج يرجع إلى تمام الشهر‏.‏
وبها نهر ابره قال أحمد بن عمر العذري صاحب المسالك والممالك الأندلسية‏:‏ مخرج هذا النهر من عين يقال لها فونت ايبرهي ومصبه في البحر الشامي بناحية طرطوشة وامتداده مائتا ميل وعشرة أميال يوجد فيه صنف من السمك عجيب يقال له الترحته لا يوجد في غيره البنة وهو سمك أبيض ليس له إلا شوكة واحدة كل ذلك عن العذري صاحب الممالك والمسالك الأندلسية‏.‏
وبها نهر أنه‏.‏
مخرجه من موضع يعرف بفج العروس ثم يغيض بحيث لا يبقى له أثر على وجه الأرض ويحرج بقرية من قرى قلعة رباح يقال لها أنه ثم يغيض ويجري تحت الأرض ثم يبدو هكذا مراراً في مواضع شتى إلى أن يغيض بين ماردة وبطليوس ثم يبدو وينصب في البحر أنقرة مدينة مشهورة بأرض الروم تقول العجم انكورية غزاها الرشيد وفتحها قال بسيل الترجمان‏:‏ كنت مع الرشيد لما فتحها‏.‏
رأيت على باب الحصن كتابة باليونانية فجعلت أنقلها والرشيد ينظر إلي فإذا هي‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم الملك الحق المبين‏.‏
يا ابن آدم غافص الفرصة عند إمكانها وكل الأمور إلى واليها ولا يحملنك إفراط السرور على ما تم ولا تحملن على نفسك هم يوم لم يأتك فإنه إن لم يأت من أجلك يأت الله برزقك فيه ولا تكن أسوة للمغرورين في جمع المال فكم قد رأينا من جمع لبعل حليلته على أن يعتبر المرء على نفسه توفير الخوان غيرة‏.‏
وحكي أن في زمن المعتصم تعدوا على رجل من أهل العراق بأرض أنقرة ينادي يا معتصماه‏!‏ فقالوا‏:‏ اصبر حتى يأتي المعتصم على الابلق ينصرك‏!‏ فوصل هذا القول إلى المعتصم فأمر بشري كل فرس أبلق في مملكته وذهب إلى الروم ونهب أنقرة وكان على باب مدينتها مصراعان من الحديد مفرطا الطول والعرض حملهما إلى بغداد وهما الآن على باب العامة باب من أبواب حرم الخلافة‏.‏مدينة عجيبة على ضفة بحر الخزر مبنية بالصخور وهي مستطيلة يصيب ماء البحر حائطها‏.‏
طولها مقدار ثلثي فرسخ وعرضها غلوة سهم عليها أبواب من الحديد ولها أبراج كثيرة على كل برج مسجد للمجاورين والمشتغلين بالعلوم الدينية وعلى السور حراس تحرس من العدو‏.‏
بناها أنوشروان كسرى الخير وهي أحد الثغور العظيمة لأنها كثيرة الأعداء من الذين حفوا بها من أمم شتى وإلى جانب المدينة جبل أرعن يعرف بالذنب يجمع على قلته كل سنة حطب كثيرة ليشعلوا فيه النار إذا احتاجوا إلى إنذار أهل اران وآذربيجان وأرمينية بمجيء العدو‏.‏
وكانت الأكاسرة شديدة الاهتمام بهذا المكان لعظم خطره وشدة خوفه‏.‏
وحكى أبو العباس الطوسي أن الخزر كانت تعبر على ملك فارس حتى وصلوا إلى همذان والموصل‏.‏
فلما ملك أنوشروان بعث إلى ملك الخزر وخطب إليه ابنته على أني زوجه ابنته ويتفرغا لأعدائهما‏.‏
فأجابه إلى ذلك فعمد أنوشروان إلى جارية من جواريه نفيسة فوجه بها إلى ملك الخزر على أنها ابنته وحمل معها ما يحمل مع بنات الملوك‏.‏
وأهدى خاقان ملك الخزر إلى أنوشروان ابنته فلما وصلت إليه كتب إلى خاقان‏:‏ لو التقينا أوجبنا المودة بيننا‏!‏ فأجابه إلى ذلك فالتقيا وأقاما أياماً‏.‏
وأنوشروان أمر قائداً من قواده يختار ثلاثمائة رجل من أشداء فلما أصبح بعث خاقان إلى أنوشروان أن أتيت عسكري البارحة‏.‏
فبعث إليه أنوشروان انه لم يأت من قبلنا فابحث وانظر‏.‏
ففعل ولم يقف على شيء ثم أمهله أياماً وعاد لمثلها حتى فعل ثلاث مرات وفي كلها يعتذر فدعا خاقان قائداً من قواده وأمره بمثل ما أمر به أنوشروان‏.‏
فلما فعل أرسل أنوشروان‏:‏ ما هذا استبيح عسكري الليلة‏!‏ فأرسل إليه خاقان يقول‏:‏ ما أسرع ما ضجرت‏!‏ فقد عمل مثل هذا بعسكري ثلاث مرات وإنما فعل بك مرة واحدة‏.‏
فبعث إليه أنوشروان يقول‏:‏ إن هذا عمل قوم يريدون إفساد ما بيننا‏!‏ وعندي رأي ان قبلته وهو أن تدعني أبني بيني وبينك حائطاً وأجعل عليه أبواباً فلا يدخل بلادك إلا من تريد ولا يدخل بلادي إلا من أريد‏.‏
فأجابه إلى ذلك وانصرف خاقان إلى مملكته‏.‏
وأقام أنوشروان وشرع في بناء حائط من الصخر والرصاص وجعل عرضه ثلاثمائة ذراع وعلاه حتى ألحقه برؤوس الجبال ثم قاده في البحر‏.‏
فيقال‏:‏ انه نفخ في الزقاق وبنى عليها حتى استقرت على الأرض ثم رفع البناء حتى استوى مع الذي على الأرض في عرضه وارتفاعه فجعل أحد طرفيه في البحر وأحكمه وقد مده سبعة فراسخ إلى موضع أشب وهو جبل وعر لا يتهيأ سلوكه وبنى بالحجارة المهندمة نقل أصغرها خمسون رجلاً وأحكمها بالرصاص والمسامير وجعل في هذه السبعة فراسخ سبعة مسالك على كل مسلك مدينة ورتب فيها قوماً من مقاتلة الفرس على كل مدينة مائة رجل يحرسونها بعد أن كان محتاجاً إلى مائة ألف رجل‏.‏
ثم نصب سريره على القيد الذي صنعه على البحر وسجد شكراً لله على ما تم على يده وكفاه شر الترك وهجومهم واستلقى على ظهره وقال‏:‏ الآن استرحت‏.‏
ومدينة باب الأبواب من تلك المدن‏.‏
والعجم يسمونه دربند‏.‏
وبها صور مطلسمة لدفع الترك وكانت عساكر الترك لا تزال تأتي من تلك الجهة وتنهب بلاد إيران فلما بنى أنوشروان ذلك السد وطلسمه لم يذكر أن دخل الترك من تلك الجهة بلاد إيران منها صورة أسدين على حائط باب الجهاد فوق أسطوانتين من حجر وأسفل منهما حجران على كل حجر تمثال لبوءتين وبقرب الباب صورة رجل بين رجليه صورة ثعلب في فمه عنقود عنب لعله لدفع الثعلب عن أعنابهم‏!‏ وإلى جانب المدينة صهريج له درجات ينزل بها إلى الصهريج إذا قل ماؤه وعلى جنبي الدرجة صورتا أسدين من حجارة يقولون‏:‏ إنهما طلسم اتخذ للسور ما دام باقياً لا يصيب المدينة من الترك آفة‏.‏
وخارج المدينة تل عليه مسجد في محرابه سيف يقولون‏:‏ إنه سيف مسلمة ابن عبد الملك بن مروان‏.‏
يزوره الناس لا يزار إلا في ثياب بيض فمن قصده في ثياب مصبوغة جاءت الأمطار والرياح وكاد يهلك ما حول التل‏.‏
وعليه حفاظ يمنعون من يذهب إليه بالثياب المصبوغة‏.‏
وبقرب هذا التل عين يخرج الناس إليها كل ليلة جمعة فيرون في بعض ناشئة الليل في تلك العين ضياء ونوراً حتى يتبين لهم الحصى والحجر ويسمون تلك العين الثواب‏.‏


أرب جمـال 23 - 11 - 2009 02:50 AM

بتم
حصن منيع بناحية فرغانة‏.‏به معدن الذهب والفضة والنوشاذر الذي يحمل إلى سائر البلاد‏.‏
وهو في جبل شبه غار قد بني عليه بيت يستوثق من بابه وكواه يرتفع منه بخار شبيه بالدخان في النهار وبالنار في الليل فإذا تلبد هذا البخار يكون منه النوشاذر ولا يتهيأ لأحد أن يدخل هذا البيت من شدة حره إلا أن يلبس لبوداً يرطبها بالماء ثم يدخله كالمختلس فيأخذ ما يقدر عليه ويسرع الخروج‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif بجانة
مدينة بالأندلس بقرب المرية‏.‏بها جمة غزيرة الماء يقصدها الزمنى ويسكنون بها وأكثر من يواظب عليها يبرأ من زمانته‏.‏
وبها فنادق مبنية بالحجارة لسكان قاصدي تلك الجمة وربما لم يوجد بها المسكن لكثرة قاصديها‏.‏
وعلى الجمة بيتان‏:‏ أحدهما للرجال وهو على الجمة نفسها والآخر للنساء يدخله الماء من بيت الرجال‏.‏
وقد بني بيت ثالث مفروش بالرخام الأبيض يأتيه الماء من قناة ويختلط بماء الجمة حتى يصير فاتراً ويدخله من لا يستطيع دخول ماء الجمة وتخرج فضلتها تسقي الزروع والأشجار‏.‏
بخارى مدينة عظيمة مشهورة بما وراء النهر قديمة طيبة‏.‏
قال صاحب كتاب الصور‏:‏ لم أر ولا بلغني أن في جميع بلاد الإسلام مدينة أحسن خارجاً من بخارى‏.‏
بينها وبين سمرقند سبعة أيام وسبعة وثلاثون فرسخاً هي بلاد الصغد أحد متنزهات الدنيا‏.‏
ويحيط ببناء المدينة والقصور والبساتين والقرى المتصلة بها سور يكون اثني عشر فرسخاً في مثلها بجميع الأبنية والقصور والقرى والقصبة فلا يرى في خلال ذلك قفار ولا خراب ومن دون ذلك السور على خاص القصبة وما يتصل بها من القصور والمحال والبساتين التي تعد من القصبة ويسكنها أهل القصبة شتاء وصيفاً سور آخر نحو فرسخ في مثله ولها مدينة داخل هذا السور يحيط بها سور حصين‏.‏
روى حذيفة بن اليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ستفتح مدينة خلف نهر يقال له جيحون يقال له بخارى محفوفة بالرة ملفوفة بالملائكة منصور أهلها النائم فيها على الفراش كالشاهر سيفه في سبيل الله‏.‏
وخلفها مدينة يقال لها سمرقند فيها عين من عيون الجنة وقبر من قبور الأنبياء وروضة من رياض الجنة يحشر موتاها يوم القيامة مع الشهداء‏.‏
وفي الحديث‏:‏ أن جبريل عليه السلام ذكر مدينة يقال لها فاخرة وهي بخارى فقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ لم سميت فاخرة فقال‏:‏ لأنها تفخر يوم القيامة على المدن بكثرة شهدائها‏.‏
ثم قال‏:‏ اللهم بارك في فاخرة وطهر قلوبهم بالتقوى واجعلهم رحماء على أمتي‏!‏ فلهذا يقال‏:‏ ليس على وجه الأرض أرحم للغرباء منهم‏.‏
ولم تزل بخارى مجمع الفقهاء ومعدن الفضلاء ومنشأ علوم النظر‏.‏
وكانت الرئاسة في بيت مبارك يقال لرئيسها خواجه إمام أجل‏.‏
وإلى الآن نسلهم باق ونسبهم ينتهي إلى عمر بن عبد العزيز بن مروان وتوارثوا تربية العلم والعلماء كابراً عن كابر يرتبون وظيفة أربعة آلاف فقيه ولم تر مدينة كان أهلها أشد احتراماً لأهل العلم من بخارى‏.‏
ينسب إليها الشيخ الإمام قدوة المشايخ محمد بن إسماعيل البخاري صاحب الصحيح الذي هو أقدم كتب الأحاديث‏.‏
كان وحيد عصره وفريد دهره‏.‏
حكي انه لما جمع هذا الكتاب بحسنه وصحته أراد أن يسمع منه أحد حتى يروي عنه بعد موته فما كان أحد يوافقه أن يسمع منه ذلك حتى ذهب إلى شخص يعمل طول نهاره على بقر فقال له‏:‏ أنا أقرأ هذا الكتاب وأنت تسمعه مني فلعله ينفعك بعد ذلك‏!‏ وكان الشيخ يقرأ كتاب الصحيح والبقر يعمل والفربري يسمع منه حتى أسمعه جميع الكتاب‏.‏
فلهذا ترى كل من يروي صحيح البخاري تكون روايته عن الفربري‏.‏
وينسب إليها أبو خالد يزيد بن هارون‏.‏
كان أصله من بخارى ومقامه بواسط العراق‏.‏
حكى عاصم بن علي أن يزيد بن هارون كان إذا صلى العشاء لا يزال قائماً حتى يصلي الغداة بذلك الوضوء وداوم على ذلك نيفاً وأربعين سنة‏.‏
وحكى أبو نافع ابن بنت يزيد بن هارون قال‏:‏ كنت عند أحمد بن حنبل وكان عنده رجل قال‏:‏ رأيت يزيد بن هارون فقلت‏:‏ يا أبا خالد ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي وشفعني وعاتبني‏!‏ فقلت له‏:‏ فيم عاتبك قال‏:‏ قال لي يا يزيد أتحدث عن جرير بن عثمان فقلت‏:‏ يا رب ما علمت منه إلا خيراً‏!‏ فقال‏:‏ إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏
وحكى آخر قال‏:‏ رأيت ابن هارون في المنام فقلت له‏:‏ هل أتاك منكر ونكير قال‏:‏ إي والله ‏!‏ وسألاني‏:‏ من ربك وما دينك ومن نبيك فقلت‏:‏ ألمثلي يقال هذا وأنا يزيد بن هارون اعلم الناس هذا سبعين سنة فقال‏:‏ صدقت نم نومة العروس‏!‏ توفي يزيد بن هارون بواسط سنة ست ومائتين عن سبع وثمانين سنة‏.‏كورة بين أران وآذربيجان كثيرة الضباب قلما تصحو السماء بها منها كان مخرج بابك الخرمي في أيام المعتصم بالله‏.‏
بها موقف رجل لا يقوم أحد فيه يدعو الله تعالى إلا استجيب له‏.‏
ومنها يتوقعون خروج المهدي وذكر أن تحتها نهراً عظيماً إن اغتسل فيه صاحب الحمى العتيقة ذهبت حماه‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif برذعة
مدينة كبيرة بأران أكثر من فرسخ في فرسخ‏.‏أنشأها قباذ الملك وهي خصبة نزهة كثيرة الثمار‏.‏
وبها القرنفل والبندق والشاهبلوط وبها صنف من الفواكه يقال له الدرقال على قدر الغبيراء حلو الطعم لا يوجد في شيء من غير هذا الموضع‏.‏
وبقربها نهر الكر يصاد منه الشورماهيج ويحمل منها إلى سائر البلاد‏.‏
وبها بغال فاقت بغال جميع النواحي في حسنها وصحة قوائمها‏.‏
وبها سوق الكركي يقام كل يوم أحد على باب الأكراد مقدار فرسخ في فرسخ يجتمع الناس إليه من كل وجه وأوب للتجارة وهذه كانت صفتها القديمة وأما الآن فاستولى عليها الخراب إلا أن آثار الخير بها كثيرة‏.‏
وبأهلها صعلكة ظاهرة ومثل هذا يذكر للاعتبار‏.‏
فسبحان من يحيل ولا يحال ويزيل ولا يزال‏.‏مدينة بالأندلس بقرب جيان كثيرة الخيرات‏.‏
بها بركة تعرف بالهوتة فيها ما بين وجه الماء إلى الأرض نحو قامة لا يعرف لهذه البركة قعر أصلاً‏.‏
قال أحمد بن عمر العذري‏:‏ بين بسطة وبياسة غار يسمى بالشيمة لا يوجد قعره‏.‏
وبناحية بسطة جبل يعرف بجبل الكحل إذا كان أول الشهر برز من نفس الجبل كحل أسود ولا يزال كذلك إلى منتصف الشهر فإذا زاد على النصف نقص الكحل ولا يزال يرجع إلى آخر الشهر‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif بلقوار
قرية من قرى تدمير بأرض الأندلس‏.‏بها حمة شريفة حسنة عليها ديماس للرجال وآخر للنساء وأصل العين في ديماس الرجال يخرج منها ماء غزير يفضل عن حاجة الديماسين ويسقي زرع القرية‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif بلنسية
مدينة قديمة بأرض الأندلس ذات خطة فسيحة جمعت خيرات البر والبحر والزرع والضرع طيبة التربة ينبت بها الزعفران ويزكو بها ولا ينبت في جميع أرض الأندلس إلا بها كأرض روذراور بأرض الجبال‏.‏مدينة بالأندلس متقنة البناء بالحجر الأبيض المهندم قالوا‏:‏ إنها من بناء الجن بنوها لسليمان بن داود عليه السلام من عجائبها أن لا يرى بها حية ولا عقرب ولا شيء من الهوام المؤذية‏.‏
حكى محمد بن عبد الرحمن الغرناطي أن برستاقها صنفاً من العنب وزن الحبة منه عشرة مثاقيل‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif بيلقان
مدينة كبيرة مشهورة ببلاد أران حصينة ذات سور عال بناها قباذ الملك قالوا‏:‏ ليس بها ولا في حواليها حجر واحد‏.‏
ولما قصدها التتر ورأوا حصانة سورها أرادوا خرابه بالمنجنيق فما وجدوا حجراً يرمى به الحائط‏.‏
ورأوا أشجاراً من الدلب عظاماً قطعوها بالمناشير وتركوا قطاعها في المنجنيق ورموا بها السور حتى خربوا سورها ونهبوا وقتلوا والآن عادت إلى عمارتها‏.‏
ينسب إليها مجير البيلقاني‏.‏
كان رجلاً فاضلاً شاعراً وصل إلى أصفهان وذكر في شعر له أن أهل أصفهان عمي فسمع رئيس أصفهان ذلك وأمر لكل شاعر في أصفهان أن يقول فيه شيئاً ففعلوا فجمعها في مجلد وبعثه إليه‏.‏اسم جامع لجميع بلاد الترك وحدها من الإقليم الأول ضارباً في المشرق عرضاً إلى الإقليم السابع وأكثرهم أهل الخيام ومنهم أهل القرى وسنذكر بلادهم وقبائلهم في الإقليم السادس إن شاء الله تعالى وإنهم سكان شرقي الأقاليم كلها من الجنوب إلى الشمال ممتازة عن جميع الأمم بكثرة العدد وزيادة الشجاعة والجلادة وصورة السباع عراض الوجوه فطس الأنوف عبل السواعد ضيقو الأخلاق والغالب عليهم الغضب والظلم والقهر وأكل لحوم الحيوانات لا يريدون لها بدلاً ولا يراعون فيها نضجاً ولا يرون إلا ما كان اغتصاباً كما هي عادة السباع‏.‏
وليس عيشهم إلا شن غارة أو طلب ظبي نافر أو طير طائر حتى إذا ظن بهم الكلال رأيتهم على نشاطهم الأول في ركض الخيل وتسلم الجبال‏.‏
وحسبك ما ترى من كبر همتهم أن أحدهم إذا سبى لا يرضى أن يكون زعيماً أو متقدماً لعسكر سيده بل يريد انتزاع الملك من سيده والقيام مقامه‏.‏
حكى بعض التجار قال‏:‏ خرج من خوارزم قفل عظيم فلما ذهبوا أياماً وبعدوا عن خوارزم ساروا ذات يوم فلما نزل القوم رأوا مماليكهم الترك خرجوا عن وسط القوم وكان عددهم أكثر من عدد التجار يرمون القوم بالنشاب‏.‏
قالوا‏:‏ ما شأنكم قالوا‏:‏ نريد نقتلكم ونأخذ هذه الأموال نشتري منها الخيل والسلاح ونمشي إلى خدمة السلطان‏!‏ فقال القوم لهم‏:‏ أنتم لا تحسنون بيع هذا القماش فاتركوه معنا حتى نحسن نشتري لكم منها الخيل والسلاح ونجعل أحدكم أميراً وتمشون إلى خدمة السلطان‏!‏ فخدعوهم وبعثوا إلى خوارزم من يخبر شحنة خوارزم بالحال فما كان إلا أيام قلائل حتى وصل الشحنة‏.‏
قبض على المماليك ورد القفل إلى خوارزم وصلب المماليك ونادى في خوارزم أن لا يشتري من التجار أحد مملوكاً رجلاً‏!‏ وحسبك من غلبتهم في الأمور وصعوبة جانبهم قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ اتركوا الترك ما تركوكم‏!‏ والترك ليسوا من الديانات في شيء فمنهم عبدة الكواكب ومنهم عبدة النيران ومنهم من على مذهب النصارى ومنهم مانوية ومنهم ثنوية ومنهم سحرة وصنعتهم الحرب والطعن والضرب الذي هو صنعة المريخ فإنه صاحبهم‏.‏
وحكي أن هشام بن عبد الملك بعث رسولاً إلى ملك الترك يدعوه إلى الإسلام قال الرسول‏:‏ دخلت عليه وهو يتخذ بيده سرجاً‏.‏
قال للترجمان‏:‏ من هذا فقال‏:‏ إنه رسول ملك العرب‏.‏
فأمرني إلى بيت كثير اللحم قليل الخبز ثم بعد أيام استدعاني وقال‏:‏ ما بغيتك فتلطفت له وقلت‏:‏ إن صاحبي يريد نصيحتك ويرى أنك في ضلال يريد أن تدخل في دين الإسلام‏!‏ فقال‏:‏ ما الإسلام فأخبرته بأركانه وشرائطه وحلاله وحرامه فتركني أياماً ثم ركب ذات يوم مع عشرة أنفس ومع كل واحد لواء وحملني معه فمضينا حتى صعدنا تلاً وحول التل غيضة‏.‏فلما طلعت الشمس أمر واحداً من أولئك أن ينشر لواءه ففعل فوافى عشرة آلاف فارس متسلحين ثم أمر غيره فما زال واحد بعد واحد ينشر لواءه ويأتي عشرة آلاف حتى صار تحت التل مائة ألف مدجج‏.‏
ثم قال للترجمان‏:‏ قل لهذا الرسول ارجع إلى صاحبك وأخبره أن هؤلاء ليس فيهم إسكاف ولا حجام ولا خياط فإذا أسلموا والتزموا الشرائط للإسلام فمن أين مأكلهم وحكى داود بن منصور الباذغيسي وكان رجلاً صالحاً قال‏:‏ اجتمعت بابن ملك الغز فوجدته رجلاً ذا فهم وعقل وذكاء واسمه لقيق بن جثومة وقلت له‏:‏ بلغنا أن الترك يجلبون المطر والثلج متى شاءوا كيف سبيلهم إلى ذلك فقال‏:‏ الترك أحقر وأذل عند الله تعالى من أن يستطيعوا هذا الأمر والذي بلغك حق وأنا أحدثك به‏:‏ بلغني أن بعض أجدادي راغم أباه وكان أبوه ملكاً فاتخذ لنفسه أصحاباً وموالي وغلماناً وسار نحو المشرق يغير على الناس ويصيد ما ظهر له فانتهى به المسير إلى موضع ذكر أهله أن لا مسير له بعده وكان عندهم جبل تطلع الشمس من ورائه وتحرق كل شيء وقعت عليه وكان سكانها في الأسراب تحت الأرض والغيران في الجبال بالنهار‏.‏
وأما الوحش فتلتقط حصى هناك قد ألهمها الله تعالى معرفتها فتأخذ كل وحشية حصاة في فيها وترفع رأسها إلى السماء فتظلها غمامة عند ذلك تحجب بينها وبين الشمس قال‏:‏ فقصد أصحاب جدي حتى عرفوا ذلك الحجر فحملوا من معهم ما قدروا إلى بلادنا فهو معهم إلى الآن‏.‏
فإذا أرادوا المطر حركوا منه شيئاً فينشأ الغيم ويوافي المطر وإن أرادوا الثلج زادوا في تحريكها فيوافيهم الثلج والبرد فهذه قصة المطر والحجر وليس ذلك من حيلة الترك بل من قدرة الله تعالى‏!‏ وحكى إسماعيل بن أحمد الساماني وكان ملكاً عادلاً غازياً قال‏:‏ غزوت الترك ذات مرة في عشرين ألف فارس من المسلمين فخرج علي منهم ستون ألفاً في السلاح الشاك فواقعتهم أياماً وإني ليوماً في قتالهم إذ جاءني قوم من مماليكي الأتراك وقالوا‏:‏ إن لنا في معسكر الكفار قرابات وقد أنذرونا بموافاة فلان وأنه ينشيء السحاب والمطر والثلج والبرد وقد عزم أن يمطر علينا غداً برداً عظيماً لا يصيب الإنسان ألا يقتله فانتهرتهم وقلت‏:‏ هل يستطيع هذا أحد من البشر فلما كان الغد وارتفع النهار نشأت سحابة عظيمة من جبل كنت مستنداً إليه بعسكري ولم تزل تتنشر حتى أظلت عسكري فهالني سوادها وما رأيت فيها من الهول وما سمعت من الأصوات المزعجة فعلمت أنها فتنة فنزلت عن دابتي وصليت ركعتين والعسكر يموج بعضهم في بعض ثم دعوت الله تعالى معفراً وجهي بالتراب وقلت‏:‏ اللهم أغثنا فإن عبادك يضعفون عن محنتك‏!‏ وإني أعلم أن القدرة لك وان النفع والضر لا يملكهما إلا أنت‏!‏ اللهم إن هذه السحابة إن أمطرت علينا كانت فتنة للمؤمنين وسطوة للمشركين‏.‏
فاصرف عنا شرها بحولك وقوتك يا ذا الحول والقوة‏!‏ قال‏:‏ وأكثرت من الدعاء رغبة ورهبة إلى الله تعالى ووجهي على التراب‏.‏
فبينا أنا كلك إذ بادر إلي الغلمان يبشروني بالسلامة وأخذوا بعضدي ينهضوني‏.‏
وكنت ثقيلاً من عدة الحديد فرفعت رأسي فإذا السحابة قد زالت عن عسكري‏.‏
وقصدت عسكر الترك وأمطرت برداً عظيماً فإذا هم يموجون وتنفر دوابهم وما وقعت بردة على أحد إلا أوهنته أو قتلته‏.‏
فقال أصحابي‏:‏ نحمل عليهم فقلت‏:‏ لا فإن عذاب الله أدهى وأمر‏!‏ فمات منهم خلق كثير ولم يفلت إلا القليل‏.‏
فلما كان من الغد دخلنا معسكرهم فوجدنا من الغنائم ما شاء الله فحملناها وحمدنا الله تعالى على السلامة‏.‏
بها جبل زانك قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ بأرض تركستان جبل به جمع من أهل بيت يقال لهم زانك وهم أناس ليس لهم زرع ولا ضرع وفي جبالهم معدن الذهب والفضة فربما توجد قطعة كرأس شاة فمن أخذ القطاع الصغار تمتع بها ومن أخذ من الكبار يفشو الموت في كل بيت فيه تلك القطعة‏.‏
فإن ردها إلى مكانها ينقطع عنهم الموت ولو أخذها الغريب لا يضره وبها جبل النار هذا الجبل بأرض تركستان فيه غار شبه بيت كبير كل دابة تدخله تموت في الحال لشدة وهج النار في ذلك البيت‏.‏
وبها جبل كيلسيان ذكر صاحب تحفة الغرائب أن بهذا الجبل موضعاً كل طير طار مسامتاً له يقع في الحال ميتاً فيرى حوله من الحيوانات الميتة ما شاء الله‏.‏
وبها جبل ذكره أبو الريحان الخوارزمي في كتابه المسمى بالآثار الباقية‏:‏ إن بأرض الترك جبلاً إذا اجتاز عليه الغنم شدت أرجلها بالصوف لئلا تصطك حجارة فيعقبها المطر‏.‏
وبها معدن البلحش ومعدن اللازورد والبيجاذق من خصائصها المسك الذكي الرائحة والسنجاب والسمور والقاقم والفنك والثعالب السود والأرانب البيض والبزاة الشهب والحجر اليشب والخيل الهماليج والرقيق الروقة‏.‏
وحكى بعض التجار أن بأرض الترك موضعاً يزرع فيه نوع من الحب فيأتي بثمرة كالبطيخ فإذا ظهرت ثمرته يزرع حولها شيء من الحشيش اللين حتى يكون عند إدراك الثمرة الحشيش موجوداً فعند ذلك تنشق الثمرة ويخرج منها رأس حمل ويجعل يرعى من ذلك الحشيش الذي بقربه أياماً حتى يقوى ويخرج من ذلك القشر وقد حدث من رأى من هذا الغنم وقال‏:‏ انه لا يخالف الغنم إلا بطول القوائم وفقد الألية فإن عند أليتها شبه ذنب وتحدث به كثير من تفليس مدينة حصينة لا إسلام وراءها‏.‏
بناها كسرى أنوشروان وحصنها إسحق ابن إسماعيل مولى بني أمية‏.‏
يشقها نهر الكر‏.‏
أهلها مسلمون ونصارى‏:‏ من أحد جانبي الكر يؤذنون ومن الجانب الآخر يضربون بالناقوس وذكروا أن المدينة كانت مسقفة بالصنوبر فلما أرسل المتوكل إليها بغا لقتال إسحق بن إسماعيل خرج إسحق لمحاربة بغا فأمر بغا النفاطين فرموا المدينة بالنار وأحرقوها فاحترقت المدينة كلها لأنها كانت من خشب الصنوبر وهلك خمسون ألف إنسان‏.‏
ومن عجائبها حمام شديد الحرارة لا يوقد ولا يستقى له ماء لأنه بني على عين حارة‏.‏
وذكر بعض التجار أن هذا الحمام يختص بالمسلمين لا يدخله كافر البتة‏.‏
والملة النصرانية بها ظاهرة والمدينة في إيالتهم وبها من الصوامع والبيع والدينار الذي يسمونه بربره وهو دينار حسن مفروغ مقعر عليه كتابة سريانية وصورة الأصنام كل دينار مثقال ذهب جيد لا يقدر أحد على التلبيس به وإنه نقد بلاد الابخاز وضرب ملوكهم‏.‏
ويجلب من تفليس الزئبق والخلنج والعبيد والدواب الفره وأنواع اللبود والأكسية والبسط الرقيقة والفرش والصوف الرفيع والخز وما شابه ذلك‏.‏قصبة ناحية خوارزم‏.‏
مدينة عظيمة مشهورة على شاطيء جيحون من أمهات المدن جامعة لأشتات الخيرات وأنواع المسرات‏.‏
جاء في فضائلها ما ذكره الزمخشري في كتابه ربيع الأبرار عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ليلة أسري بي رأيت على السماء الرابعة قصراً مزخرفاً حواليه قناديل من نور‏.‏
قلت‏:‏ يا جبريل ما هذا القصر المزخرف قال‏:‏ هذا رباط ستفتحه أمتك بأرض خراسان من مات حول ذلك النهر على فراشه قام يوم القيامة شهيداً‏.‏
قلت‏:‏ يا جبريل ولم ذاك قال‏:‏ لهم عدو يقال له الترك شديد كلبهم قليل سلبهم من وقع في قلبه فزعة منهم قام شهيداً يوم القيامة من قبره مع الشهداء‏.‏
وعن الحسن‏:‏ مدينة بالمشرق يقال لها خوارزم على شاطيء نهر يقال له جيحون ملعون الجانبين ألا وإن تلك المدينة محفوفة مكفوفة بالملائكة تهدى إلى الجنة كما تهدى العروس إلى بيت زوجها يبعث الله تعالى منها مائة شهيد كل شهيد منهم يعدل شهيد بدر‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif وجرجانية
مدينة عظيمة كثيرة الأهل‏.‏وأهلها كلهم أجناد حتى البقال والقصاب والخباز والحائك‏.‏
وحكي أن السلطان محمد بن تكش أوقع به الخطأ في بعض وقائعه وقتلوا من المسلمين مقتلة عظيمة وما أفلت منهم إلا السلطان في نفر يسير فدخل البلد ليلاً لئلا يرى الناس قلة عدده وأهل جرجانية كلهم معتزلة والغالب عليهم ممارسة علم الكلام حتى في الأسواق والدروب يناظرون من غير تعصب بارد في علم الكلام‏.‏
وإذا رأوا من أحد التعصب أنكروا عليه كلهم وقالوا‏:‏ ليس لك إلا الغلبة بالحجة وإياك وفعل الجهال‏!‏ وأهلها أهل الصناعات الدقيقة كالحداد والنجار وغيرهما فإنهم يبالغون في التدقيق في صناعاتهم والسكاكون يعملون الآلات من العاج والآبنوس لا يعمل في غير خوارزم إلا بقرية يقال لها طرق من أعمال أصفهان‏.‏
ونساؤها يعملون بالإبرة صناعات مليحة كالخياطة والتطريز والأعمال الدقيقة‏.‏
وحكي أن السبب في بناء هذه المدينة أن بعض الملوك غضب على جمع من أصحاب مملكته فأمر بنفيهم إلى موضع بعيد عن العمارات فنفوهم إلى هذا المكان وتركوهم وكان موضعاً منقطعاً عن البلاد لا زرع به ولا ضرع‏.‏
فلما كان بعد مدة جرى ذكرهم عند الملك فأمر بكشف خبرهم فجاؤوا إليهم فوجدوهم قد بنوا أكواخاً ويتقوتون بصيد السمك وكان عندهم حطب كثير فقالوا لهم‏:‏ كيف حالكم قالوا‏:‏ لنا هذا السمك وهذا الحطب‏.‏
فسمي الموضع خوارزم لأن بلغتهم خوار اللحم ورزم الحطب فبعث الملك إليهم أربعمائة جارية من سبي الترك على عدد الرجال المنفيين فتوالدوا وتناسلوا فلهذا ترى صورهم صور الأتراك وطباعهم طباع الترك‏.‏
وفيهم جلادة وقوة فعمروا ذلك الموضع حتى صار من أحسن بلاد الله تعالى وأكثرها عمارة حتى لم ير بها خراب فإنها معما هي عليه من سباخة أرضها وكثرة برودها متصلة العمارة متقاربة القرى كثيرة القصور والبيوت وقلما يقع النظر في رستاقها على أرض لا عمارة فيها هذا مع كثرة الأشجار‏.‏
والغالب عليها التوت والخلاف لأجل دود القز فإن لهم يداً باسطة في تربيتها والخلاف لأجل العمارات فإن عماراتهم من الاخصاص والخلاف لأن أرضها كثيرة النزور لا تحتمل البناء الثقيل فإن الماء ينبع إذا حفرت ذراعين‏.‏
وبها زحمة وغلبة شديدة من كثرة الناس حتى لا فرق بين أسواقها ورستاقها على المارين‏.‏
وأما البرد فإنه شديد عندهم جداً حتى ان الإنسان إذا أراد إكرام غيره يقول‏:‏ بت عندنا فإن عندنا ناراً طيبة‏!‏ وقد لطف الله تعالى بهم برخص الحطب يكون حمل عجلة بدرهمين‏.‏
والغريب إذا خرج من بيته أول النهار مكشوف الوجه يضرب البرد وجهه فيسقط أنفه‏!‏ وأما أهل المدينة فقد عرفوا ذلك فلا يخرجون إلا مستوري الوجه‏.‏
ومن عجائبها زراعة البطيخ فإن المدينة تحيط بها رمال سائلة ثمانون فرسخاً في ثمانين فرسخاً شبه الرمال التي دون ديار مصر تنبت شوكاً طويل الإبر يقال له بالعجمية اشترغاز وهو الشوك الذي يقع عليه الترنجبين بأرض خراسان فإذا كان أوان زرع البطيخ يذهب أهل خوارزم إليها ويحجر كل أحد قطعة من الأرض أي مقدار شاء لا ملك لأحد فيها ويشق أصول هذا الشوك وقضبانه ويدع فيها بزر البطيخ ويتركها فإن البزر ينبت فيها بنداوة الشوك ولا يحتاج أصحابها إلى السقي ولا إلى شيء من أعمال الزراعة‏.‏
فإذا كان أوان البطيخ ذهبوا إليها ورأوا وجه الأرض ممتلئاً من البطيخ الذي لا يوجد مثله في شيء من البلاد حلاوة وطيباً ويكون رخيصاً جداً لكثرته وقلة مؤونته وقد يقدد ويحمل إلى البلاد للهدايا‏.‏
جنبذق قرية من أعمال المراغة بينها وبين قلعة روين دز فرسخ‏.‏
بها بئر عجيبة يخرج منها حمام كثير فنصب على رأس البئر شبكة يقع فيها من الحمام ما شاء الله وهي بئر لا يدرى قعرها حكى بعض فقهاء المراغة أنهم أرسلوا فيها رجلاً ليعرف حال الحمام فنزل حتى زادت الحبال على خمسمائة ذراع ثم خرج فأخبر أنه لم ير شيئاً وأحس بهواء قوي ورأى في آخرها ضوءاً وشيئاً كثيراً من الحيوانات الموتى‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif جنزة
بلدة حصينة قديمة من بلاد أران من ثغور المسلمين لقربها من الكرج وهي مدينة كثيرة الخيرات وافرة الغلات‏.‏
أهلها أهل السنة والجماعة أهل الصلاح والخير والديانة ولا يتركون أحداً يسكن بلدهم إذا لم يكن على مذهبهم واعتقادهم حتى لا يشوش عليهم مذهبهم واعتقادهم‏.‏
والغالب عليهم ممارسة السلاح واستعمال آلات الحرب لكونهم في الثغر بقرب أرض الكفار‏.‏
بها نهر قردقاس جيئه من حاجين ولاية الكرج يجري ستة أشهر وينقطع ستة أشهر ومجيئه وقت معلوم وانقطاعه كذلك‏.‏
ولأهلها يد باسطة في تربية دود القز وعمل الابريسم وابريسم جنزة يفوق ما لغيرها من البلاد حسناً‏.‏
وفي نفس المدينة قناة ينزل إليها من طريقين‏:‏ أحدهما موضع يعرف بباب المقبرة والآخر بباب البردعة‏.‏
يؤخذ الماء من باب المقبرة ويجذب به الابريسم تزيد قيمته على الابريسم الذي يجذب بماء باب البردعة وإن حملوا ماء باب المقبرة إلى باب البردعة لا يفيد شيئاً وإن حملوا ماء باب البردعة إلى باب المقبرة يفيد ويخرج ابريسمه جيداً‏.‏
وبها قلعة هرك على مرحلة منها‏.‏
حولها رياض ومياه وأشجار‏.‏
هواؤها في الصيف طيب يقصدها أهل جنزة في الصيف‏.‏
لكل أهل بيت فيها موضع يقيم فيه حتى تنكسر سورة الحر ولأعيان جنزة بها دور حسنة‏.‏وإنها على نهر يقال له دروران والنهر ينزل من جبل يسمى مرا ولا يزال عليه الضباب وهو شامخ جداً‏.‏
وذكروا أن كل من علا القلعة يرى الجبل ومن علا الجبل لا يرى القلعة وعلى هذا الجبل شجرة لها ثمرة يقال لها الموز ليس في جميع الدنيا إلا بها وهي شبيهة بالتوت الشامي إلا أنها مدورة تنفع من أمراض الكبد‏.‏
وعلى طرف دروران صخرة عظيمة مدورة شبه قلعة تسمى سنك نيم دانك تصيبها نداوة مثل الصدإ تخضب بها الأطراف تفعل فعل الحناء ومن العجب أن هذه النداوة لا تعلم هذا العمل إلا إذا كان المختضب جالساً عليها فإن حمل إلى موضع آخر لم يفد شيئاً‏.‏
وذكر أن الناس يحملون العرائس إليها إذا أرادوا أن يخضبوا أطرافهن‏.‏
ويجلب من جنزة إلى سائر البلاد الابريسم الجيد والأطلس والثياب التي يقال لها الكنجي والعجم يسمونها القطني والعمائم الخز ونحوها‏.‏
ينسب إليها أبو ممد النظامي‏.‏
كان شاعراً مفلقاً عارفاً حكيماً‏.‏
له ديوان حسن وأكثر شعره إلهيات ومواعظ وحكم ورموز العارفين وكناياتهم‏.‏
وله داستان خسرو وشيرين وله داستان ليلى ومجنون وله مخزن الأسرار وهفت بيكر‏.‏
ولما نظم فخري الجرجاني داستان ويس ورامين للسلطان طغرلبك السلجوقي وإنه في غاية الحسن شعره كالماء الجاري كأنه يتكلم بلا تعسف وتكلف أراد النظامي داستان خسرو وشيرين على ذلك المنوال وأكثر فيها من الإلهيات والحكم والمواعظ والأمثال والحكايات الطيبة وجعله للسلطان طغرل ابن أرسلان السلجقوي وكان السلطان مائلاً إلى الشعر والشعراء فوقع عنده موقعاً عظيماً واشتهر بين الناس وكثرت نسخه‏.‏
وأما داستان ليلى ومجنون فطلب منه صاحب شروان فقد نظمها له وكان في فنه عديم النظير‏.‏
توفي بقرب تسعين وخمسمائة‏.‏


أرب جمـال 23 - 11 - 2009 02:51 AM

ختلان
مدينة بأرض الترك مشهورة‏.‏حكي أن بها شعباً بين جبلين قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ يأتي في كل سنة ثلاثة أيام من ذلك الشعب في وقت معلوم صيد كثير فإذا كانت تلك الأيام تمتليء دورهم وسطوحهم من الصيد ثم ينقطع إلى سنة أخرى هكذا ذكره‏.‏
ويجلب منها خيل هماليج ليس في شيء من النواحي مثلها‏.‏

خلاط
مدينة كبيرة مشهورة قصبة بلاد أرمينية ذات خيرات واسعة وثمرات يانعة بها المياه الغزيرة والأشجار الكثيرة‏.‏
وأهلها مسلمون ونصارى‏.‏
وكلام أهلها العجمية والأرمنية والتركية‏.‏
ذات سور حصين قصدها الكرج في زمن الملك الكامل الأوحد ونزلوا عليها يحاصرونها وكان خارج المدينة نهر عليه قنطرة فأهل خلاط نقضوها وستروها بشيء من الحشيش ليقع فيها من يجتاز عليها من الكرج وجلسوا تحت القنطرة منتظرين لمن يقع فيها حتى يأخذوه‏.‏
وكان لملك الكرج ويقال له الإيواني منجم فاضل جربه مراراً كان ذا حكم صحيح قال للإيواني‏:‏ اركب الآن وحارب فإنك في آخر النهار تكون جالساً على سرير خلاط‏.‏
فقام وركب وهو سكران فأول من اجتاز في القنطرة كان الإيواني وقع في القنطرة‏.‏
اجتمعوا عليه وأخذوه قال‏:‏ لا تقتلوني فإني أنا الإيواني فحملوه إلى خلاط وأجلسوه على السرير فقال لهم‏:‏ إن كنتم تخلصونني فافعلوا سريعاً قبل أن يمشي الخبر إلى الكرج ويقيموا مقامي أحداً ولكم كل ما سألتم‏.‏
فطلبوا منه فك أسارى المسلمين كلهم ومالاً عظيماً عمروا به سور خلاط وعاهدوا بالمهادنة سنين كثيرة وخلصوه‏.‏
ومن عجائبها بحيرتها التي يجلب منها السمك الطريخ إلى جميع البلاد قال ابن الكلبي‏:‏ بحيرة خلاط من عجائب الدنيا فإنها عشرة أشهر لا ترى فيها سمكة ولا ضفدعة وشهران في السنة تكثر بها حتى تقبض باليد وتحمل إلى سائر البلاد حتى إلى بلاد الهند قيل‏:‏ إنه لطلسم عمله بليناس الحكيم لقباذ الملك وأما أهل خلاط فالفسق عندهم ظاهر وصناعها يعملون أقفالاً ما في شيء من البلاد مثلها‏.‏ناحية مشهورة ذات مدن وقرى كثيرة وسيعة الرقعة فسيحة البقعة جامعة لأشتات الخيرات وأنواع المسرات قال جار الله الزمخشري‏:‏ بخوارزم فضائل لا توجد في غيرها من سائر الأقطار وخصال محمودة لا تتفق في غيرها من الأمصار قد اكتنفها أهل الشرك وأطافت بها قبائل الترك فغزو أهلها معهم دائم والقتال فيما بينهم قائم وقد أخلصوا في ذلك نياتهم وأمحضوا فيه طوياتهم وقد تكفل الله بنصرهم في عامة الأوقات ومنحهم الغلبة في جميع الوقعات وقد خصها بجيحون واد عسر المعبر بعيد المسالك غزير الماء كثير المهالك‏.‏
وأهلها أصحاب قلوب جرية ونفوس أبية ولهم السداد والديانة والوفاء والأمانة ودينهم محبة الأخيار ومقت الأشرار والإحسان إلى الغرباء والتعطف على الضعفاء‏.‏
ومما اختصت به خوارزم أنواع الرقيق الروقة والخيل الهماليج الفرهة وضروب الضواري من البزاة والصقور وأجناس الوبر وألوان الثياب وثمارها أطيب الثمار وأشهاها وألذها وأحلاها وأنماها وأمراها وهواؤها أصح هواء وماؤها أعذب ماء وناهيك ببطيخها الذي لا يوجد مثله‏.‏
انتهى كلام الزمخشري‏.‏
بها نهر جيحون قال الأعمود‏:‏ نهر جيحون يعرف بجريان يخرج من حدود بذخشان وينضم إليها أنهار في حدود الختل ووحش فتصير نهراً عظيماً وترتفع إليها أنهار البتم وأنهار صغانيان وماء وحشاب الذي يخرج من بلاد الترك ويصير في أرض وحش في جبل هناك يعبر قنطرة ولا يعلم في الدنيا ماء في كثرته يضيق مثل ضيقه في هذا الموضع وهذه القنطرة هي الحد بين الختل وواشجرد ثم يمر على مدن كثيرة حتى يصل إلى خوارزم ولا ينتفع شيء من البلاد إلا خوارزم فإنها تستقل عنه ثم ينحدر عن خوارزم وينصب في بحيرة تسمى بحيرة خوارزم بينها وبين خوارزم ستة أيام‏.‏
وحكي أن جيحون مع كثرة مائه يجمد في الشتاء وكيفية جموده أنه إذا اشتد البرد وقوي كلبه جمد أولاً قطعاً ثم تسري تلك القطع على وجه الماء وكلما ماست قطعة من تلك القطاع أخرى التصقت بها ولا تزال تنضم حتى صار جيحون كله سطحاً واحداً ثم يثخن ويصير ثخنه في أكثر الأوقات خمسة أشبار قال ابن فضلان في رسالته‏:‏ رأيت جيحون وقد جمد سبعة عشر شبراً‏.‏
والله أعلم بصحته‏.‏
ثم يبقى باقي الماء تحته جارياً فيحفر أهل خوارزم فيه آباراً بالمعاول حتى يخرقوه إلى الماء ثم يسقون منها كما يسقى من البئر لشربهم ويحملونه في الجرار وإذا استحكم جمود هذا النهر عبرت عليه القوافل والعجل الموقرة بالبقر ولا يبقى بينه وبين الأرض فرق ويتظاهر عليه الغبار كما يكون في البوادي ويبقى على ذلك نحو شهرين‏.‏
فإذا انكسرت سورة البرد عاد ينقطع قطعاً كما بدا في أول أمره إلى أن يعود إلى حاله الأولى‏.‏وبها جبل على ثمانية فراسخ من المدينة قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ هذا الجبل فيه شعب كبير وفي الشعب تل عال وعلى التل شبه مسجد عليه قبة له أربعة أبواب آزاج كبار ويتراءى للناظر كأن بنيان ذلك المسجد من الذهب ظاهره وباطنه وحوله ماء محيط بالتل راكه لا مادة له إلا من ماء المطر والثلج زمان الشتاء‏.‏
وإن ذلك الماء ينقص ويزيد ذراعاً في الصيف والشتاء في رؤية العين‏.‏
والماء ماء عفن نتن عليه طحلب لا يستطيع أحد أن يخوضه ومن دخل في ذلك استلبه الماء ولا يظهر أثره البتة ولا يدرى أين ذهب‏.‏
وعرض الماء مقدار مائة ذراع‏.‏
وحكي أن السلطان محمود بن سبكتكين وصل إلى هذا الموضع وأقام به زماناً وألقى يه الزوارق فغاصت فيه فأمر السلطان جميع عساكره بحمل التراب والخشب ونفضها في ذلك الماء فكل شيء ألقي فيه غاص ولم يظهر له أثر‏.‏
وقالوا‏:‏ إن ذلك الماء إذا وقع فيه حيوان لم يقدر أحد على إخراجه البتة وان كان مشدوداً بالجبال وجره الرجال‏.‏
وكل من سافر من خوارزم في طريق سخسين يرى ذلك الماء في طريقه ولا حيلة في ذلك إلا ما شاء الله وانه من عجائب الدنيا‏.‏
وبقرب خوارزم على ست مراحل منها بحيرة تستمد من جيحون‏.‏
يخرج منها حجر على صورة البطيخ يعرف بالحجر اليهودي‏.‏
لهذا الحجر فوائد كثيرة ذكرت في كتاب الخواص وأشهرها ما يستعمله الأطباء لوجع الحصاة في المثانة نعوذ بالله منه وهو نوعان‏:‏ ذكر وأنثى فالذكر للرجال والأنثى للنساء‏.‏

خوي
مدينة معمورة من مدن آذربيجان ذات سور حصين ومياه وأشجار كثيرة الخيرات وافرة الغلات كثيرة الأهل‏.‏
وأهلها أهل السنة والجماعات على مذهب واحد ليس بينهم اختلاف المذاهب‏.‏
يعمل بها الديباج الذي يسمونه الجولخ‏.‏
بها عين كنكلة حدثني بعض فقهاء خوي أن هذه العين ينبع منها ماء كثير جداً بارد في الصيف حار في الشتاء‏.‏
ينسب إليها القاضي شمس الدين الخوي‏.‏
كان عالماً فاضلاً ذا فنون من العلم شرعياته وعقلياته ذا تصانيف حسنة‏.‏
فلما كان هجوم التتر هرب من خراسان وذهب إلى الشام وما عرفوا قدره رتبوه معيداً في مدرسة دمشق‏.‏
حكي أن ابن الجوزي بعث رسولاً إلى الملك المعظم من دار الخلافة فلما وصل إلى دمشق التمس أن يستدل بين يدي الملك المعظم وكان الملك فقيهاً حنفياً فجمع له أعيان دمشق وكان ابن الجوزي واعظاً فصيحاً قادراً على الكلام وما كان في القوم من يناقش بالمنوع الدقيقة‏.‏
فلما قام قال‏:‏ هذه مدينة حسنة ليس فيها فقيه‏!‏ فتأذى الملك المعظم من ذلك وقال‏:‏ ان هذا يعتقد انه قال شيئاً‏!‏ فقالوا له‏:‏ ههنا فقيه عجمي جمع بينهما وتفرج عليهما‏.‏
فلما حضر ابن الجوزي طلبوا شمس الدين فأراد تمشية مقدمة معه فما قدر ثم ان شمس الدين أخذ مقدماته وقلبها عليه ثم عارضه في المقدمات وفي الحكم حتى جعله مبهوتاً‏.‏
فقال ابن الجوزي‏:‏ هذا الفقيه في أي شيء شغل قالوا‏:‏ ما هو في شيء من الأشغال‏.‏
فقال‏:‏ مثل هذا يترك عاطلاً فولاه قضاء دمشق وتدريس العادلية‏.‏
توفي قريباً من أربعين وستمائة شاباً رحمة الله عليه‏.‏

خيوق
قرية من قرى خوارزم‏.‏ينسب إليها الشيخ الإمام قدوة المشايخ أبو الجناب أحمد بن عمر بن محمد الخيوقي المعروف بكبرى‏.‏
كان أستاذ الوقت وشيخ الطائفة وفريد العصر‏.‏
له رسالة الهائم من لومة اللائم من حقها أن تكتب بالذهب ما صنف مثلها في الطريقة‏.‏
ومن عجائبها ما ذكر أن للشيطان لطائف عجيبة في اضلال الناس فيضل كل واحد حسبما يليق بحاله‏:‏ أما الجهال فيضلهم بجهلهم وأما العلماء فيقول اشتغل بتحصيل العلوم أما عرفت قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد فاصرف عمرك في تحصيل العلوم فإذا كان آخر عمرك اشتغل بالعمل فيأتيه الموت يعبه فجأة فيكون له علم بلا عمل‏.‏
وحكى رحمه الله أنه كان يجاهد نفسه فجاء الشيطان ليوسوس عليه الحال فقال‏:‏ إنك رجل عالم تتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم فاشتغل بسمع أحاديث النبي وآثار المشايخ الكبار الحفاظ فإنك إن اشتغلت بمجاهدة النفس فإن عليك إدراك المشايخ الكبار والأستاذ العالي وأما المجاهدة فلا تفوتك فيما بعد‏!‏ فكدت أعمل بوسوسته فهتف بي هاتف‏:‏ ومن يسمع الأخبار من غير واسطٍ حرامٌ عليه سمعها بوسائط‏!‏ فعرفت أن ذلك الخاطر من وساوسه فتركته‏.‏
توفي الشيخ قريباً من سنة عشر وستمائة‏.‏
وينسب إليها الشيخ الفاضل العالم شهاب الدين الخيوقي‏.‏
كان نائب السلطان خوارزمشاه في جميع مملكته والقضاة والمدرسون والمفتون في جميع مملكة السلطان نوابه فإذا دخل مدينة كان المدرسون والقضاة والعلماء يحضرون درسه وكان شافعي المذهب متعصباً لأصحابه وكان من عادته انه إذا دخل مدينة ذهب إليه الفقهاء وقرأوا عليه محفوظهم وكان الشيخ يوليهم الأشغال من كان صالحاً لها‏.‏على قلة جبل ببلاد الروم بقرب ملطية‏.‏
وهذا دير معتبر عند النصارى فإنهم يقولون ان برصوما كان من الحواريين وهو الدير الذي ينادى بطلب نذره في بلاد الروم وديار بكر وربيعة والشام‏.‏
فيه رهبان كثير يؤدون كل عام إلى صاحب الروم عشرة آلاف دينار من نذره‏.‏
حكى العفيف مرجى التاجر الواسطي قال‏:‏ اجتزت بهذا الدير قاصداً بلاد الروم فسمعت كثرة ما ينذرون له وان النذر له لا يخطيء فألقى الله على لساني ان قلت‏:‏ هذا القماش الذي معي مشتراه خمسة آلاف درهم فإن بعته بسبعة آلاف درهم فلبرصوما من خالص مالي خمسون درهماً‏!‏ فدخلت ملطية وبعته بسبعة آلاف درهم فلما رجعت سلمت إلى رهبانه خمسين درهماً وسألته عن برصوما فذكر أنه مسجى على سرير وأن أظافيره تطول كل عام وانهم يقلمونها ويحملونها إلى صاحب الروم مع ما له عليهم من القطيعة‏.‏
الروم بلاد واسعة من أنزه النواحي وأخصبها وأكثرها خيراً وعجائب ذكرت في مواضعها‏.‏
مياهها أعذب المياه وأخفها وهواؤها أصح الأهوية وأطيبها وترابها أطيب الأتربة وأصحها‏.‏
ومن خواصها نتاج الدواب والنعم‏.‏
وليس في شيء من البلاد مثل مائها يحمل منها إلى سائر الآفاق وأهلها مسلمون ونصارى‏.‏
وشتاؤها يضرب المثل به حتى وصفه بعضهم فقال‏:‏ الشتاء بالروم بلاء وعذاب وعناء‏!‏ يغلظ فيها الهواء ويستحجر الماء تذوي الوجوه وتعمش العيون وتسيل الأنوف وتغير الألوان وتقشف الأبدان وتميت كثيراً من الحيوان‏.‏
أرضها كالقوارير اللامعة وهواؤها كالزنابير اللاسعة وليلها يحول بين الكلب وهريره والأسد وزئيره والطير وصفيره والماء وخريره ويتمنى أهلها من البرد الأليم دخول حر الجحيم‏!‏ وبلاد الروم بلاد واسعة ومملكة عظيمة ولبعدها عن بلاد الإسلام وقوة ملكها بقيت على كفرها كما كانت وانه أحد معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال‏:‏ أما فارس فلا نطحة أو نطحتان ثم لا فارس بعدها‏!‏ وأما الروم فإنها ذات قرون كلما مر قرن يخلفه قرن آخر ‏!‏ وأهل الروم سكان غربي الإقليم الخامس والسادس ولبرد بلادهم ودخولها في الشمال ترى الغالب على ألوانهم البياض وعلى شعورهم الشقرة وعلى أبدانهم الصلابة‏.‏
والغالب على طبعهم مباشرة اللهو والطرب لأن المنجمين زعموا ان الروم تتعلق بالزهرة‏.‏
وحكي أن أهل الروم كانوا لا يملكون إلا من كان أكثرهم عقلاً وأوفرهم علماً وأصحهم بدناً وإذا اختل منه شيء من هذه ملكوا غيره وعزلوه وكانوا على هذا إلى أن أصاب ملكهم آفة فهموا بعزله فقال الملك‏:‏ اصبروا علي زماناً فإن داويت مرضي فأنا أولى من غيري وإلا فافعلوا ما شئتم‏!‏ فذهب إلى بلاد الشام ليتداوى بحمة كانت بها فرأى الملة النصرانية قد ظهرت بها فأخذ جمعاً من القسوس والرهابين ورجع بهم إلى الروم ودعا الناس إلى الملة النصرانية ولم يزل يجيب قوم بعد قوم حتى صاروا أمة واحدة‏.‏
وحكي عن أهل الروم أنهم يتخذون صور الملوك والحكماء والرهابين يستأنسون بها بعد موتهم‏.‏
ولهم في التصوير يد باسطة حتى يصورون صورة الإنسان ضاحكاً وباكياً وصورته مسروراً حزيناً‏.‏
وحكي أن مصوراً دخل بلداً ليلاً ونزل بقوم فضيفوه فلما سكر قال‏:‏ إني صاحب مال ومعي كذا وكذا ديناراً فسقوه حتى طلح وأخذوا ما كان معه وحملوه إلى موضع بعيد منهم‏.‏
فلما أصبح وكان غريباً لم يعرف القوم ولا المكان ذهب إلى والي المدينة وشكا فقال له الوالي‏:‏ هل تعرف القوم قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ هل تعرف المكان قال‏:‏ لا‏.‏
قال‏:‏ فكيف السبيل إلى ذلك فقال الرجل‏:‏ إني أصور صورة الرجل وصورة أهله فاعرضها على الناس لعل أحداً يعرفهم‏!‏ ففعل ذلك وعرض الوالي على الناس فقالوا‏:‏ انها صورة فلان الحمامي وأهله‏.‏
فأمر بإحضاره فإذا هو صاحبه فاسترد منه المال‏.‏ويقام بالروم سوق كل سنة أول الربيع أربعين يوماً يقال لذلك السوق بيله يأتيها الناس من الأطراف البعيدة من الشرق والغرب والجنوب والشمال‏.‏
والتجار يجهدون غاية جهدهم حتى يدركوا ذلك السوق فمتاع أهل الشرق يشتريه أهل المغرب وبالعكس ومتاع أهل الشمال يشتريه أهل الجنوب وبالعكس‏.‏
ويقع فيه من المماليك والجواري التركية والرومية ومن الخيل والبغال الحسنة ومن الثياب الأطلس ومن السقلاط ومن الفراء الفندر وكلب الماء والبرطاس ويدلسون تدليسات عجيبة‏.‏
ومن عادة هذا السوق ان من اشترى شيئاً فلا يرده البتة وحكي أن بعض التجار اشترى مملوكاً حسن الصورة بثمن بالغ فلما غاب عنه بائعه وجده جارية مستحسنة‏!‏ وبها الخانات على طرق القوافل على كل فرسخ خان بنتها بنات السلاطين للثواب فإن البرد بالروم ثمانية أشهر والثلج كثير والقفل لا ينقطع في الثلج فيمشون كل يوم فرسخاً وينزلون في خان من الخانات ويكون فيه من الطعام والشعير والتبن والحطب والبزر والاكاف والنعال والمنقل وانها خير عظيم لم يبن مثلها في شيء من البلاد‏.‏
ومن خواص الروم أن الإبل لا تتولد بها وإذا حملت إليها تسوء حالها وتتلف‏.‏
بها جبل أولستان‏.‏
في وسط هذا الجبل شبه درب فيه دوران من اجتاز فيه وفي حال اجتيازه يأكل الخبز بالجبن ويدخل من أوله ويخرج من آخره لا يضره عضة الكلب الكلب وإن عض إنساناً غيره فعبر من بين رجلي المجتاز يأمن أيضاً غائلته‏.‏
وهذا حديث مشهور بالروم‏.‏
وبها عين النار بين أقشهر وانطاكية إذا غمست فيه قصبة احترقت‏.‏
حدثني من شاهدها أنه قد ذكر للسلطان علاء الدين كيخسرو عند اجتيازه بها فوقف عليها وأمر بتجربتها فكان الأمر كما قالوا‏.‏

رندة
مدينة حصينة بأرض الأندلس من أعمال تاكرنا قديماً‏.‏استجلب إليها المياه من ناحية المشرق وناحية المغرب فتوافي المياه داخلها‏.‏
بها نهر رندة وهو نهر يتوارى في غار لا يرى جريه أميالاً ثم يخرج إلى وجه الأرض ويجري‏.‏
وبها نهر البرادة وهو نهر يجري في أول الربيع إلى آخر الصيف فإذا دخل الخريف يبس إلى أول الربيع من القابل وهو على فرسخين من رندة‏.‏

روين دز
قلعة في غاية الحصانة على ثلاثة فراسخ من المراغة في فضاء من الأرض‏.‏ضرب بحصانتها وإحكامها المثل‏.‏
وهي بين رياض على يمينها نهر وعلى يسارها نهر‏.‏
وعلى القلعة بستان يسمى عميداباذ ومصنع بئر الماء من تحتها‏.‏
وفيها عين في صخرة صماء ينبع منها ماء يسير‏.‏
وبحذاء القلعة جبل وفي ذلك الجبل عين غزيرة الماء ينزل عن الجبل ويصعد القلعة بطريق الفوارات بصنعة عجيبة ومنها شرب أهل القلعة والقلعة لغاية حصانتها في أكثر الأوقات لا يعطي صاحبها الطاعة لصاحب المراغة‏.‏

زمخشر
قرية من قرى خوارزم‏.‏ينسب إليها العالم الفاضل أبو القاسم محمود بن عمر جار الله الزمخشري‏.‏
كان بالغاً في علم العربية وعلم البيان وله تصانيف حسنة ليس لأحد مثلها في فصاحة الألفاظ وبلاغة المعاني مع إيجاز اللفظ حتى لو أن أحداً أراد أن ينقص من كلامه حرفاً أو يزيد فيه بان الخلل‏.‏
ذهب إلى مكة وجاور بها مدة فسمي جار الله وصنف بمكة كتاب الكشاف في الحرم الشريف حتى وقع التأويل حيث وجد التنزيل وإنه كتاب في غاية الحسن لولا التعصبات الباردة على وقف الاعتزال وانه كان من أهل العلم والفضل‏.‏
هذا منه عجيب‏.‏مدينة من بلاد الأندلس على شاطيء مجمع البحرين قال محمد بن عبد الرحيم الغرناطي‏:‏ مدينة سبتة مدينة عظيمة كثيرة الأهل حصينة مبنية بالحجر وفيها خلق كثير من أهل العلم وعندها كانت الصخرة التي قال يوشع لموسى عليه السلام‏:‏ أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت واتخذ سبيله في البحر عجباً‏.‏
وهو الحوت الذي أكلا نصفه والنصف الآخر أحياه الله تعالى فوثب في البحر وارتفعت المياه كالقنطرة والحوت يمشي تحتها فلهذا قال‏:‏ واتخذ سبيله في البحر عجباً‏.‏
ولها نسل في ذلك الموضع إلى الآن وهي سمكة أطول من ذراع وعرضها شبر نصفها عظام وشوك عليها غطاء رقيق يحفظ أحشاءها‏.‏
ومن رآها من ذلك الجانب يحسب انها ميتة مأكولة والنصف الآخر صحيح كما يكون السمك الصحيح والناس يتبركون بها ويهدونها إلى المحتشمين‏.‏
وأما اليهود فإنهم يشترونها ويقددونها ويهدونها إلى البلاد البعيدة‏.‏
سبرى حصار قلعة حصينة بالروم مشهورة على مرحلتين من قونية بها بيعة كمنانوس‏.‏
حدثني بعض الفقهاء من أهلها أن الدابة إذا احتبس ماؤها يطاف بها حول هذه البيعة سبعاً فينفتح ماؤها وذلك سرقسطة مدينة كبيرة من أطيب بلاد الأنلدس بقعة وأحسنها بنياناً وأكثرها ثماراً وأغزرها مياهاً‏.‏
حكى أحمد بن عمر العذري أنها لا يدخلها حنش ولا يعيش بها‏.‏
ومن أعمالها قرية يقال لها بلطش قال العذري‏:‏ بها عين يابسة العام كله فإذا كان أول ليلة من شهر اغشت انبعثت بالماء تلك الليلة ومن الغد إلى وقت الزوال فعند ذلك يبدو فيها النقصان وإلى أول الليل يجف ويبقى كذلك إلى تلك الليلة من العام القابل‏.‏
وسرقسطة بيد الإفرنج ملكوها سنة اثنتي عشرة وخمسمائة‏.‏

سمرقند
مدينة مشهورة بما وراء النهر قصبة الصغد قالوا‏:‏ أول من أسسها كيكاوس ابن كيقباذ وليس على وجه الأرض مدينة أطيب ولا أنزه ولا أحسن من سمرقند‏.‏
عن أنس بن مالك أنه قال‏:‏ مدينة خلف نهر جيحون تدعى بسمرقند لا تقولوا لها سمرقند ولكن قولوا المدينة المحفوظة‏.‏
فقالوا‏:‏ يا أبا حمزة وما حفظها قال‏:‏ أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مدينة خلف النهر تسمى المحفوظة لها أبواب على كل باب خمسة آلاف ملك يحفظونها وخلف المدينة روضة من رياض الجنة وخارج المدينة ماء حلو عذب من شرب منه شرب من ماء الجنة ومن اغتسل به خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه ومن تعبد فيها ليلة يقبل منه عبادة ستين سنة ومن صام فيها يوماً فكأنما صام الدهر ومن أطعم فيها مسكيناً لا يدخل الفقر منزله أبداً‏.‏
حكي أن شمر بن افريقيش بن أبرهة جمع جنوده خمسمائة ألف رجل وسار نحو بلاد الصين فلما وصل إلى الصغد عصى عليه أهل تلك البلاد وتحصنوا بسمرقند فأحاط بها من جميع الجهات وحاصرها فلم يظفر بها‏.‏
وسمع أن ملكها أحمق وله ابنة تدبر أمر الملك فأرسل إليها هدية عظيمة وقال‏:‏ إني إنما قدمت هذه البلاد لأتزوج بك ومعي أربعة آلاف صندوق ذهباً وفضة أدفعها إليك وأمضي إلى الصين فإن ملكت كنت امرأتي وإن هلكت فالمال لك‏!‏ فأجابته إلى ذلك فأرسل إليها أربعة آلاف صندوق فيها أربعة آلاف رجل ولسمرقند أربعة أبواب إلى كل باب ألف صندوق وجعل العلامة بينهم ضرب الجرس‏.‏
فلما دخلوا باب المدينة ضربوا الجرس فخرج الرجال وملكوا الأبواب حتى اتصل بهم جنود شمر وملكوا المدينة ونهبوها وقتلوا وهدموا فسميت شمركند فعربته العرب وقالوا‏:‏ سمرقند‏.‏
ثم سار شمر نحو الصين فمات في الطريق هو وأصحابه عطشاً‏.‏فلما هلك تبع بن أبي مالك أراد أن يأخذ بثأر جده فسار نحو الصين فلما وصل إلى سمرقند وجدها خراباً فأمر بعمارتها وردها إلى ما كانت وأحسن منها‏.‏
فلما كان زمن الإسكندر وجدها موضعاً شريفاً فبالغ في عمارتها وبنى لها سوراً محيطاً بها استدارته اثنا عشر فرسخاً فيها بساتين ومزارع وارحاء ولها اثنا عشر باباً من الباب إلى الباب فرسخ وعلى أعلى السور آزاج وأبرجة للحرب‏.‏
وإذا جزت المزارع جزت إلى الربض وفيه أبنية وأسواق‏.‏
وبها الجامع والقهندز ومسكن السلطان‏.‏
وفي المدينة الداخلة نهر من رصاص يجري على مسناة عالية من حجر ويدخل المدينة من باب كش وأكثر دروبها ودورها فيها الماء الجاري ولا تخلو دار من بستان حتى لو صعدت قهندزها لا ترى أبنية المدينة لاستتارها بالبساتين والأشجار‏.‏
وأما داخل سور المدينة الكبيرة ففيه أودية وأنهار وعيون وجبال‏.‏
وبسمرقند أشياء ظريفة تنقل إلى سائر البلاد‏:‏ منها الكاغد السمرقندي الذي لا يوجد مثله إلا بالصين وحكى صاحب الممالك والمسالك انه دفع من الصين إلى سمرقند سبي وكان فيهم من يعرف صنعة الكاغد فاتخذها ثم كثرت حتى صارت متجراً لأهل سمرقند فمنها تحمل إلى سائر البلاد‏.‏
بها جبل قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ في هذا الجبل غار يتقاطر منه الماء في الصيف ينعقد من ينسب إليها الإمام الفاضل البارع ركن الدين العميدي أعجوبة الزمان انتشر صيته في الآفاق وفاق كل مناظر بالطبع السليم والذهن المستقيم‏.‏
قال أستاذنا أثير الدين المفضل بن عمر الأبهري‏:‏ ما رأيت مناظراً مثل العميدي في فصاحة الكلام وبلاغة المعاني وحسن التقرير وتنقيح البيان‏!‏ وحكي أن زين الدين عبد الرحمن الكشي وكان من فحول العلماء استدل في محفل وكان العميدي حاضراً فصب عليه من الملازمات حتى بهره فقال الكشي‏:‏ قل واحداً واحداً واسمع جوابه‏!‏ فلما شرع الكشي في الجواب كان العميدي يزيد على الجواب أيضاً‏.‏
فلما أظهر القدرة خلاه حتى تممه‏.‏
وإذا حضر العميدي مدينة حضر جميع الفقهاء عنده واغتنموا حضوره وقرأوا تصانيفه وعزم الذهاب إلى بلاد العراق فقالوا للسلطان‏:‏ إن هذا رجل عديم المثل زينة لهذه البلاد فمنعه من مفارقة تلك البلاد‏.‏
فلما وصل إلى نيسابور قالوا له‏:‏ إن كان لك التماس من السلطان فالتمس ولا تخرج عن مملكته‏.‏
وحكي أنه كان يباحث أحداً فنقل نقلاً فأنكر المباحث ذلك النقل فقام ودخل البيت حتى يأتي بالكتاب الذي فيه النقل فأبطأ الخروج فدخلوا عليه فإذا هو مفارق‏.‏
وكان ذلك قريباً من سنة عشر وستمائة‏.‏مدينة بأرض الروم مشهورة خصينة كثيرة الأهل والخيرات والثمرات‏.‏
أهلها مسلمون ونصارى والمسلمون تركمان وعوام طلاب الدنيا وأصحاب التجارات وعلى مذهب الإمام أبي حنيفة وأسباب الفسق والبطالة عندهم ظاهرة‏.‏
وحكى بعض الغرباء قال‏:‏ دخلت سيواس فسألت عن مسجد آوي إليه فدلوني على بعضها فدخلته فإذا فيه دنان فيها خمور فحولقت وأردت أن أريقها فقلت‏:‏ أنا رجل غريب هذا على يد المحتسب أولى‏.‏
فسألت عن دار المحتسب وسألت عنه قالوا‏:‏ إنه سكران نائم‏!‏ فعجبت من هذا أيضاً أن المحتسب يكون سكران فصبرت حتى استيقظ وقلت له ما رأيت في المسجد فقال‏:‏ هذا مسجد لا وقف له وأثر فيه الخراب فأكريناه من بعض الخمارين وأخذنا الأجرة سلفاً وعمرنا المسجد بها‏!‏ فقلت‏:‏ ما أنت رجل مسلم قال‏:‏ بلى‏.‏
قلت له‏:‏ اراقة الخمر واجب عليك فكيف تركت الواجب فقال‏:‏ يا هذا أريق خمور النصارى حتى يضمنوني قيمتها قلت‏:‏ قالوا لي انك سكران نائم فكيف يكون المحتسب سكران فقال‏:‏ إن القوم لقلة ديانتهم يمزجون الماء بالنبيذ ويبيعونه وأنا أذوق منه وأزجر من يفعل ذلك‏.‏
وحكي أن بسيواس وقفاً على علف الطيور شتاء وذلك عند وقوع الثلج عم جميع وجه الأرض فعند ذلك ينتقل صغار الطيور من الصحراء إلى العمران فتشترى الحبوب بحاصل شاش ناحية من وراء نهر سيحون متاخمة لبلاد الترك‏.‏
كانت أكبر ثغر في وجه الترك وكانت من أنزه بلاد الله وأكثرها خيراً‏.‏
وكانت عامة دورهم يجري فيها الماء وكلها مستترة بالضرة فخربت في زمن السلطان محمد خوارزمشاه بسبب اختلاف عساكره وعساكر خطا فقتل ملوكها وجلا أهلها عنها لعجزه عن ضبطها فبقيت تلك الديار والأنهار والأشجار والأزهار خاوية على عروشها وذلك قبل ورود التتر‏.‏
ينسب إليها أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي‏.‏
كان عالماً فقيهاً ذا تصانيف كثيرة‏.‏
درس على أبي العباس بن سريج وهو الذي أنشأ علم المناظرة وأظهر مذهب الشافعي ببلاد ما وراء النهر‏.‏
وكان أول أمره قفالاً عمل قفلاً وزنه دانق مع الفراشة والمفتاح فتعجب الناس من حذقه‏.‏
واختار مذهب الشافعي وعاد إلى ما وراء النهر وانتشر فقه الشافعي بما وراء النهر مع غلبة الحنفية هناك‏.‏
وكان علامة في التفسير والفقه والأدب والجدل والأصول‏.‏
وبها جبل اسبرة قال الاصطخري‏:‏ هي جبال يخرج منها النفط وانها معدن الفيروزج والحديد والصفر والانك والذهب‏.‏
ومنها جبل حجارته سود يحترق مثل الفحم يباع منه وقر أو وقران بدرهم فإذا احترق اشتد بياض رماده فيستعمل في تبييض الثياب ولا يعرف مثله في شيء من البلاد وفي الطبيعة عجائب لا يعلم سرها إلا الله‏.‏


أرب جمـال 23 - 11 - 2009 02:52 AM

شاطبة
مدينة كبيرة قديمة في شرقي الأندلس يذكر أهلها بالشر والظلم والتعدي قال صفوان بن ادريس المرسي في وصف شاطبة‏:‏ شاطبة الشّرق شرّ دارٍ ليس بسكّانها فلاح الظّلم عند الورى حرامٌ وإنّه عندهم مباح‏!‏ ينسب إليها المقريء الشاطبي عمل قصيدة طويلة لأمية وذكر القراءات فيها وأسماء القراء بالحروف المرموزة ولم يقصر في جميع ذلك ونظمه‏.‏
شاشين جزيرة توازي حد الأندلس طولها مسيرة عشرين يوماً‏.‏
وهي كثيرة الخيرات آهلة كثيرة المواشي جداً وغنمها بيض كلها لا يكاد يوجد بها شاة سوداء‏.‏
وأهلها أكثر الناس تحلياً بالذهب فيكون الوضيع والشريف يطوق بالذهب‏.‏
ولأشرافهم أسورة الذهب في زنودهم وملوكهم بها نوع من الصوف في غاية الحسن لا يوجد مثلها في شيء من البلاد قالوا سبب ذلك أن نساءها يدهن الصوف بشحم الخنزير فيجود عملها ولونها أبيض أو فيروزجي وانها في غاية الحسن‏.‏
وبها عجب ليس في جميع الدنيا وهو أن على شاطيء بحرهم شجراً فربما انهارت الأجراف ووقعت الشجرة في البحر فيضطرب من الأمواج حتى يصير عليه طخاء أبيض فلا يزال كذلك ويصير الطخاء زائداً حتى يصير في خلقه بيضة ثم تخطط البيضة على خلقة طائر فلا يحتبس إلا رجلاه ومنقاره فإذا أراد الله نفخ الروح فيه يخلق ريشه وينفصل الرجلان والمنقار من العود فيصير طائراً يسعى في البحر على سطح الماء ولا يوجد حياً أبداً فإذا مد البحر حمله الماء إلى السواحل فيوجد ميتاً‏.‏
وهو طائر أسود يشبه الطائر الذي يقال له الغطاسة‏.‏
وحكى أحمد بن عمر العذري أن بعض الناس أتى بعود وقد تخلق فيه حمل من البيض إلى بعض الملوك فأمر الملك أن يبنى عليه قبة شبه قفص ويترك في الماء فلم يزل على الضفة حتى تبرأت الطيور من العود داخل القبة‏.‏
شبلية قرية من كور أسروشنة بما وراء النهر من أعمال بخارى ينسب إليها أبو بكر دلف بن جعفر الشبلي الزاهد العارف أعجوبة الدهر وصاحب الحالات العجيبة كان أبوه حاجب الموفق فورث منه ستين ألف دينار فحضر مجلس جبر النساج وأنفق ذلك المال على الفقراء وذهب إلى ناحية دماوند وقال لأهلها‏:‏ اجعلوني في حل فإني كنت والي بلدكم وقد فرطت مني فرطات‏.‏
وحكى أبو علي الدقاق انه كان للشبلي في بدء أمره مجاهدات شديدة حتى انه كان يكتحل بالثلج والملح حتى لا ينام وكان في آخره يقول‏:‏ وكم من موضعٍ لوّمت فيه لكنت به نكالاً في العشيره وحكي أن الشبلي سئل عن العارف والمحب فقال‏:‏ العارف إن تكلم هلك والمحب إن سكت هلك‏.‏
ثم أنشد‏:‏
يا أيّها السّيّد الكريم ** حبّك بين الحشا مقيم
يا دافع النّوم عن جفوني ** أنت بما حلّ بي عليم‏!‏
وكان بين يديه مرآة ينظر فيها كل ساعة ويقول‏:‏ بيني وبين الله عهد ان ملت عنه عاقبني وأنا أنظر كل ساعة في المرآة لأعرف هل اسود وجهي أم لا‏.‏
وكان إذا اشتد به الوجد يقول‏:‏ قد تعشّقت وافتضح ت وقامت قيامتي‏!‏ محنتي فيك أنّني لا أبالي بمحنتي يا شفائي من السّقام وإن كنت علّتي تعبي فيك دائمٌ فمتى وقت راحتي وحكي انه كان محبوساً في المارستان فدخل عليه جماعة فقال‏:‏ من أنتم فقالوا‏:‏ أحبابك جئناك زائرين‏!‏ فأخذ يرميهم بالحجارة فأخذوا يهربون فقال‏:‏ لو كنتم أحبابي لصبرتم على بلائي ‏!‏ توفي الشبلي سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة عن سبع وثمانين سنة‏.‏

شغنسة
مدينة بالأندلس بقرب وادي الحجارة قال العذري‏:‏ من عجائبها الجبل الذي هو مطل عليها إذا كسر حجره يخرج من كسره زفت أسود شبه القار ومن أراد يجمع منه ما شاء‏.‏
وليس للهوام بها كثير فعل‏.‏

شلب
مدينة بالأندل بقرب باجة قال العذري‏:‏ لها بسيط يتسع وبطائح تنفسح وبها جبل عظيم من عجائبها ما ذكره خلق لا يحصى عددهم أنه قل أن يرى من أهل شلب من لا يقول شعراً ولا يتعانى الأدب ولو مررت بالحراث خلف فدانه وسألته الشعر لقرض في ساعته أي معنى اقترحت عليه وأي معنى طلبت منه صحيحاً‏!‏ شنترة مدينة بالأندلس بقرب الأشبونة على ساحل البحر وعليها ضبابة دائمة لا تنقشع‏.‏
من عجائبها تفاحها فإن بها تفاحاً دورة واحدة منها ثلاثة أشبار‏.‏
وهي الآن بيد الفرنج‏.‏
ملكوها سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة‏.‏

شنترين
مدينة بالأندلس بقرب باجة على ساحل البحر‏.‏
أرضها في غاية الكرم‏.‏
مبنية على نهر باجة وللنهر فيض في بطائحها كفيض النيل بمصر‏.‏
زرع أهلها على نداوته في مواضع فيضه بعد فوات أوان الزرع في غيرها من البلاد فيدرك بالعاجل‏.‏
وبها يوجد العنبر الجيد الذي يقذفه البحر إلى ساحله في بعض الأوقات يحمل منها إلى سائر البلاد‏.‏ومن عجائبها ما ذكر أن دابة تخرج من البحر هناك وتحتك بحجارة على ساحل البحر فيسقط منها وبرة على لون الذهب ولين الخز وهي قليلة عزيزة جداً فيجمعها الناس وينسج منها الثياب فيحجر عليها ملوكهم ولا تنقل من بلادهم إلا باخفية وتزيد قيمة الثوب منها على ألف دينار لحسنه وعزته‏.‏

شنت مرية
مدينة قديمة بالأندلس‏.‏ومعنى شنت مرية بلغة الفرنج مدينة مريم‏.‏
وبها كنيسة قال أحمد بن عمر العذري‏:‏ انها بناء رفيع وسوار عظيمة من فضة لم ير الراؤون مثلها في طول مفرط وعرض لم يحزم الإنسان بذراعه واحدة منها‏.‏
وبها عين ماء إذا رآها الناظر من البعد لا يشك في أنها جارية فإذا قرب منها ووقع البصر على منبعها لم يرها جارية أصلاً فإذا تباعد عنها رآها جارية‏!‏ وهذا أمر مشهور عنها لا يكاد يخفى على أحد من تلك البلاد أو على من دخلها قال عبد الله البطليوسي النحوي يهجوها‏:‏ أناخت بنا في أرض شنت مريّةٍ هواجس ظنّ خان والظّنّ خوّان شنقنيرة أرض بالأندلس من أعمال لورقة‏.‏
خصها الله تعالى بالبركة وقوة لم توجد في غيرها من الأراضي‏.‏
وهي ما ذكره الغرناطي الأنصاري أنها حسنة المنظر والمخبر كثيرة الريع طيبة المرتع الحبة من زرعها تتفرع إلى ثلاثمائة قصبة ومسافة هذه الأرض أربعون ميلاً من قرطاجنة إلى لورقة يرتفع من المكوك من بذره مائة مكوك‏.‏
ليست هذه الخاصية لشيء من أراضي غيرها‏.‏

صغد
كورة بين بخارى وسمرقند إحدى جنان الدنيا قالوا‏:‏ جنان الدنيا أربع‏:‏ صغد سمرقند وغوطة دمشق وشعب بوان وأبلة البصرة‏.‏
أما صغد سمرقند فإنها قرى متصلة خلال الأشجار والبساتين من سمرقند إلى قريب من بخارى لا يتبين القرية حتى يأتيها لالتحاف الأشجار بها‏.‏
وهي أطيب أرض الله كثيرة الأشجار متجاوبة الأطيار غزيرة الأنهار وزادت على غيرها من الجنان بلطافة الهواء وعذوبة الماء‏.‏
وليس بصغد سمرقند مكان إذا علاه الناظر يقع بصره على صحراء غبراء أو جبال خالية غير شجراء‏.‏
وإنها على واد يميناً وشمالاً ومقدارها في المسافة خمسة أيام تشتبك الخضرة والبساتين والرياض وقد حفت بالأنهار الدائم جريها والحياض في صدور رياضها وخضرة الأشجار والزروع ممتدة على حافتي واديها من وراء الخضرة من الجوانب المزارع تكتنفها ومن وراء المزارع مراعي سوائمها‏.‏
وفي كل مدينة قرية قصورها وقهندزها تلوح في أوساطها كالثوب الديباج الأخضر وقد طرز بمجاري مياهها وزينت بتبييض قصورها‏.‏
وهي أزكى بلاد الله وأحسنها أشجاراً وأثماراً وفي عامة مساكن أهلها البساتين والمياه الجارية‏.‏
ومساحة الصغد ستة وثلاثون فرسخاً في ستة وأربعين فرسخاً‏.‏
قصبتها سمرقند‏.‏

طراز
مدينة في أقصى بلاد الشاش مما يلي تركستان‏.‏وهي حد بلاد الإسلام لأنك إذا جزتها دخلت في خرقاهات الخرلخية‏.‏
وطراز مدينة طيبة التربة عذبة الماء لطيفة الهواء كثيرة الخيرات أشبه شيء بالجنة لأن أهلها في غاية حسن الصورة ليس في تلك النواحي أحسن منهم صورة رجالهم ونساؤهم إلى حد يضرب بحسن صورتهم المثل قال أبو الحسن بن زيد البيهقي‏:‏ ظبيٌ أباح دمي وأسهر ناظري من نسل تركٍ من ظباء طراز للحسن ديباجٌ على وجناته وعذاره المسكيّ مثل طراز طرطوشة مدينة قديمة بالأندلس بقرب مدينة بلنسية مشتركة على نهر ابره‏.‏
وهي برية وبحرية وهي مدينة داخلة في مدينة من عجائب المدينة الداخلة ما حكاه العذري أنها لا يدخلها جيش أصلاً‏.‏
وذكر ايضاً أن البعوض ما كان يدخلها فيما مضى من الزمان حتى ان الواقع على سورها إذا أخرج يده عن السور وقع عليها البعوض وإذا ضمها سقط البعوض عنها‏.‏
وبها موضع يعرف بمغراوة به نار مستكنة في الأرض غير بادية للعيون لكنه يبدو على الموضع اواد فمن أراد أن يحققه أدخل في الموضع عوداً فإنه يحترق في ساعة ويصير جمرة‏.‏
وبها جبل كثير الخير والبركة وهو جبل منيف به جميع أنواع الثمار وفي أعلاه مروج كثيرة المياه والمراعي وبه شجر يشبه خشبه خشب الساج تتخذ منه الآلات والظروف‏.‏
وبها معدن الكحل الطيب الذي هو غاية ومعدن الزجاج‏.‏
وفي واديها الحوت الطيب من البوري والشوري الذي يكون في الواحد قنطار ويخرج منه السمور وفيه أرحاء في الغوارب يكون بيت الرحا في الغارب والدولاب يدور خارج الغارب بالماء فإن شاء صاحبها ينقل الغارب من موضع إلى موضع‏.‏
ومثل هذا بالموصل كثير في دجلة وهم يسمونه الغربة‏.‏مدينة عظيمة قديمة بالأندلس على شاطيء البحر الشامي بقرب طرطوشة قال العذري‏:‏ تحت مدينة طركونة سراديب واسعة وفيها بنيان كثيرة قال‏:‏ حدثني شيخ مسن يقال له ابن زيدان انه نزل في هذه البنيان فضل فيها هو وأصحابه ثلاثة أيام فوجد فيها بيوتاً مملوءة قمحاً وشعيراً من الزمان الأول وقد تغير لونها ولولا ضوء رأوه في اليوم الثالث ما خرجوا أبداً والمدينة الآن مع الافرنج‏.‏
طلبيرة مدينة قديمة بقرب طليطلة مبنية على قلة جبل عظيم من عجائبها عين ينبع منها ماء كثير يدور عليه عشرون رحاً‏.‏

طليطلة
مدينة كبيرة بالأندلس من أجل مدنها قدراً وأكثرها خيراً تسمى مدينة الملوك‏.‏
ومن طيب تربتها ولطافة هوائها تبقى الغلات في مطاميرها سبعين سنة لا تتغير‏.‏
وبها القنطرة العجيبة التي وصفها الواصفون أنها قوس واحد من أحد طرفي الوادي إلى الطرف الآخر لم ير على وجه الأرض قوس قنطرة أعظم منها إلا قنطرة صور قال محمد بن عبد الرحيم الغرناطي‏:‏ بقرب طليطلة نهر عظيم بنت الجن على ذلك قنطرة من الصخر عالية من الجبل إلى الجبل كأنها قوس قزح كل صخرة منها مثل بيت كبير وقد شدت تلك الحجارة بجذوع من حديد وأذيب عليه الرصاص الأسود وهي أزج واحد يتعجب الناظرون منها لجودة بنائها وماء ذلك النهر لا ينقطع أبداً‏.‏
وبها حجر المطر وهو ما أخبر به بعض المغاربة أن بقرب طليطلة حجراً إذا أراد القوم المطر أقاموه فلا يزال يأتي المطر إلى أن يلقوه‏.‏
وكلما أرادوا المطر فعلوا ذلك‏.‏
وبها صورة ثورين من حجر صلد قال العذري‏:‏ ان طارقاً لما غزا طليطلة ركب على الثيران وكان ذلك الموضع معسكره فلعل ذلك شيء من الطلسمات‏.‏
وكان بها بيت الملوك كل من مات من ملوكها ترك تاجه في ذلك البيت وكتب عليه عمر صاحبه ومدة ولايته وكان بها بيت آخر من ملك من ملوكها قفل عليه قفلاً ووصى لمن يكون بعده أن لا يفتح ذلك البيت حتى انتهى الملك إلى رجل اسمه لذريق دخل البيت الأول فوجد فيه أربعة وعشرين تاجاً على عدد ملوكهم ووجد على باب البيت الآخر أربعة وعشرين قفلاً ظن أن فيه مالاً فأراد فتحه فاجتمعت الأساقفة والشمامسة وعظموا ذلك وسالوه أن يسلك مسلك الملوك الذين كانوا قبله فأبى إلا فتحه فقالوا له‏:‏ أيها الملك انظر فيما يخطر ببالك من مال تراه فيه لندفعه إليك ولا تفتحه‏.‏فأبى إلا فتحه‏.‏فلما فتحه إذا في البيت صور العرب على خيولهم بعمائمهم ونعالهم وإذا فيه مكتوب‏:‏ الملك فينا ما دام هذا البيت مقفلاً فإذا فتح فقد ذهب الملك‏!‏ فندم لذريق على فتح الباب فدخلت العرب بلدهم في السنة التي فتح فيها الباب في أيام الوليد بن عبد الملك‏.‏
ولما فتحوها وجدوا بها مائدة سليمان بن داود عليه السلام من ذهب فلم يمكن نقلها لعظمها‏.‏
فأمر الوليد أن يضرب منها حلي الكعبة وميزابها ففعل وما زالت بيد المسلمين إلى أن استولى عليها الفرنج في شهور سنة سبع وسبعين وأربعمائة وإلى الآن بيدهم‏.‏
غرناطة مدينة بالأندلس قديمة بقرب البيرة من أحسن مدن بلاد الأندلس وأحصنها ومعناها الرمانة بلغة الأندلسيين يشقها نهر يعرف بنهر قلوم وهو النهر المشهور الذي يلفظ من مجراه برادة الذهب الخالص‏.‏
بها جبل الثلج مطل عليها على ذروته توجد أيام الصيف صنوف الرياحين والرياض المونقة وأجناس الأفاويه وضروب العقاقير‏.‏
وبها شجرة الزيتون التي هي من عجائب الدنيا قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ بقرب غرناطة بالأندلس كنيسة عندها عين ماء وشجرة زيتون والناس يقصدونها في يوم معلوم من السنة فإذا طلعت الشمس ذلك اليوم أخذت تلك العين بإفاضة الماء ففاضت ماء كثيراً ويظهر على الشجرة زهر الزيتون ثم ينعقد زيتوناً ويكبر ويسود في يومه ذلك اليوم فيأخذ من ذلك الزيتون من قدر على أخذه ومن ذلك الماء للتداوي‏.‏
وقال محمد بن عبد الرحيم الغرناطي إنها بغرناطة‏.‏
وحدثني الفقيه سعيد بن عبد الرحمن الأندلسي انها بسقورة‏.‏
وقال العذري‏:‏ انها بلورقة‏.‏
والقائلون كلهم أندلسيون والمواضع المذكورة كلها من أرض الأندلس فجاز ان كل واحد منهم اضافه إلى موضع قريب منه‏.‏

غنجرة
مدينة في داخل الروم‏.‏بها نهر يسمى المقلوب لأنه آخذ من الجنوب إلى الشمال بخلاف سائر الأنهار‏.‏
حكي عنها انه وقعت بها في سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة ليلة الاثنين الخامس من آب زلزلة هائلة وتتابعت إلى اليوم‏.‏
سقط منها أبنية كثيرة وخسف هناك حصن وكنيسة حتى لم يبق لهما أثر وتبع من ذلك الخسف ماء حار كثير شديد الحرارة حتى غرق منه سبعون ضيعة وهرب خلق كثير من أهل تلك الضياع إلى رؤوس الجبال وبقي ذلك الماء على وجه فاراب مدينة من بلاد ما وراء النهر‏.‏
ينسب إليها الحكيم الأفضل أبو نصر بن طرخان الفارابي وهو أول حكيم نشأ في الإسلام‏.‏
فهم كلام أرسطاطاليس ونقله إلى اللغة العربية وقد خصه الله تعالى بمزيد فطانة حتى أحكم أنواع الحكمة حتى علم الموسيقى والكيمياء فكان يمشي في البلاد متنكراً من خوف الملوك فإنهم كانوا يطلبونهن فإذا وصل إلى مدينة وأعجبته تلك المدينة سكنها مدة ويشتري بها داراً وبستاناً وجواري وعبيداً فإذا مل عنها زوج الجواري من العبيد ووهب الأملاك لهم وفارقها ولا يرجع إليها أبداً‏.‏
وكان معاصراً للصاحب بن عباد وزير مجد الدولة بن بويه وكان الصاحب شديد الطلب له حكي أن الصاحب أو غيره ظفر به ذات مرة وقد عرفوه واحترموا جانبه وأبو نصر انبسط معهم وكان حاذقاً بعلم الموسيقى فأخذ في بعض مجالسهم شيئاً من الملاهي وضرب ضرباً فضحك القوم كلهم ثم ضرب ضرباً فبكى القوم كلهم ثم ضرب ضرباً فنام القوم كلهم ثم قام وفارقهم وهرب‏.‏
وقيل‏:‏ ان الصاحب بن عباد كان بالري فدخل عليه أبو نصر متنكراً فما عرفه‏.‏
وحكي أن أبا نصر‏.‏
كان في قفل يمشي في بلاد الشام فوقع عليهم اللصوص فسلم إليهم ماله وخيله فأبوا إلا قتله فنزل عن الدابة وتستر بالمجن وكان حاذقاً في الرمي فقاتل حتى قتل في سنة أربعين وثلاثمائة‏.‏
فبرة مدينة قديمة بأرض الأندلس بقرب قرطبة قال العذري‏:‏ بها مغارة عجيبة لا يعرف قدرها البتة يقال لها باب الرياح إذا وقفت عليه وعلقت فيه ثوباً رفعته الريح في الجو‏.‏
وقال أيضاً‏:‏ إن بعض ملوك بني أمية أمر أن يردم ذلك الغار بالتبن فحشدوا أهل الناحية وأمروهم بذلك حتى استوى الردم إلى أعلى الغار وقعد الناس على فم الغار فتحرك بهم الردم وساخ من ساعته ونجا الناس‏.‏
ولم يعلم أين ذهب ذلك التبن إلا أنهم رأوا بعض منابع ذلك الجبل أخرج منه بعض ذلك التبن‏.‏

فراغة
مدينة بالأندلس بقرب لاردة‏.‏وهي مدينة حسنة البنيان ذات مياه وبساتين كثيرة‏.‏
وإنها حسنة المنظر طيبة المخبر‏.‏
بها سراديب تحت الأرض كثيرة وهي عندهم ملجأ من العدو إذا طرقهم‏.‏وصفتها أنها بئر ضيقة الرأس واسعة الأسفل وفي أسفلها أزقة كثيرة مختلفة كنافقاء اليربوع فلا يوصل إليها من أعلى الأرض ولا يجسر الطالب على دخولها وإن انتشر فيها الدخان دخوا في الأزقة وسدوا أبوابها حتى يرجع الدخان عنهم وإن طموها يكون لها باب آخر خرجوا منه وتسمى هذه السراديب عندهم الفجوج ويخرج في عملها الأموال بالوصية وغيرها‏.‏
وإن ذلك عندهم من أبواب البر‏.‏

فرمنتيرة
جزيرة في البحر المحيط طولها عشرون ميلاً وعرضها ثلاثة أميال وانها في وسط البحر‏.‏
وهواؤها طيب وتربتها كريمة ومياه آبارها عذبة‏.‏
وبها عمارات ومزارع‏.‏
ولطيب هوائها وتربتها لا يوجد فيها شيء من الهوام أصلاً لأن الهوام والحشرات تولدها من العفونات ولا عفونة بها وحكي أن بها منبت الزعفران الجيد الغاية الذي لا يوجد في موضع خير منه‏.‏

فهمين
قلعة بأرض الأندلس بقرب طليطلة حصينة جداً‏.‏بها بئر شرب أهل القلعة منها ولم يعرف فيها علق أصلاً فكثر فيها الطين بطول زمان‏.‏
فاحتاجوا إلى كسحها فأخرجوا منها طيناً كثيراً فكثر ماؤها إلا انه تولد فيها علق كثير تعذر معه شرب مائها لأن العلق كان ينشب بحلق شارب الماء فوجدوا في وسط الطين المخرج منها علقاً من النحاس فرموه في البئر فانقطع العلق منها‏.‏

قادس
جزيرة بقرب الأندلس طولها اثنا عشر ميلاً‏.‏بها آبار مياهها عذبة وفيها آثار قديمة غيرها الزمان‏:‏ منها الطلسم المشهور الذي عمل لدفع البربر عن جزيرة الأندلس وهو ما حكي أن صاحب هذه الجزيرة كان من ملوك الروم قبل الإسلام وكانت له بنت ذات جمال فخطبها ملوك تلك النواحي فقالت البنت‏:‏ لا أتزوج إلا بمن يعمل في جزيرتي طلسماً يمنع البربر من دخولها أو يسوق الماء إليها من البر بحيث يدور الرحا عليها‏!‏ فشرع ملكان أحدهما في عمل الطلسم والآخر في سوق الماء إليها من البر فقيل لها‏:‏ بمن تتزوجين فقالت‏:‏ أتزوج بالسابق منهما‏!‏ أما صاحب الماء فقد اتخذ في وسط البحر بناء محكماً وثقه بالحجارة والرصاص بحيث لا يشرب شيئاً من ماء البحر وسرح الماء إليه من نهر من البر حتى وصل إلى جزيرة قادس وأثره في البحر إلى الآن ظاهر لكنه مهدوم بطول المدة‏.‏وأما صاحب الطلسم فقد اتخذ تمثالاً من الحديد مخلوطاً بالصفر على صورة رجل بربري له لحية متلحف بوشاح ورداء مذهب قد تعلق من منكبه إلى أنصاف ساقيه وقد جمع فضلتيه بيده اليسرى منضمة إلى صدره ويده اليمنى ممدودة بمفتاح قفل في يده قابض عليه مشيراً إلى البحر كأنه يقول‏:‏ لا عبور‏!‏ وهو قائم على رأس بناء عال طوله نيف وستون ذراعاً وطول الصورة قدر ستة أذرع وذكر أن البحر الذي تجاه الصورة ويسمى الابلاية لم ير ساكناً ولا تجري فيه السفن بعد ذلك‏.‏
وحكي أن صاحب سوق الماء سبق صاحب الطلسم فقال صاحب الجزيرة‏:‏ لا تظهروا سبقه حتى لا يبطل علينا عمل الطلسم‏.‏
فلما فرغ الصانع من الطلسم قيل له‏:‏ قد سبقت‏!‏ فالقى نفسه من أعلى الموضع الذي عليه الطلسم فمات‏.‏
فحصل لصاحب الجزيرة الماء والطلسم فما زال الأمر على ذلك‏.‏
كان البحر مضطرباً والجزيرة محفوظة إلى سنة أربعمائة فوقع المفتاح من يد الصورة فحمل إلى صاحب مدينة سبتة فوزنه فكان فيه ثلاثة أرطال فسكن البحر حينئذ وعبرت السفن فيه‏.‏
وذكر أيضاً أن الطلسم هدم في سنة أربعين وخمسمائة هدموه رجاء أن يوجد تحته شيء من المال فلم يوجد شيء فيه‏.‏مدينة بأرمينية تنسب إلى امرأة اسمها قالي فكأنه قال قالي بنت كما يقال دارابجرد وصورت صورة نفسها على باب المدينة‏.‏
يجلب منها البسط والزلالي التي يقال لها قالي‏.‏
ولأهلها يد باسطة في صنعتها ومنها تحمل إلى سائر البلاد‏.‏
بها بيعة الشعانين قال ابن الفقيه‏:‏ انها بيعة للنصارى فيها بيت كبير مخزن مصاحفهم وصلبانهم فإذا كانت ليلة الشعانين يفتح باب في ذلك الموضع معروف يخرج منه تراب أبيض فلا يزال يخرج ليلته إلى الصباح فينقطع حينئذ فيأخذه الراهب ويدفعه إلى الناس‏.‏
وخاصيته دفع السموم ولدغ العقارب والحيات يداف منه وزن دانق في ماء فيشربه الملسوع فيسكن في الوقت ألمه‏.‏
وفيه أعجوبة أخرى وذلك انه ان بيع منه شيء لم ينتفع به صاحبه ويبطل عمله‏.‏

قرطبة
مدينة عظيمة في وسط بلاد الأندلس‏.‏كانت سرير ملك بني أمية دورتها أربعة عشر ميلاً وعرضها ميلان على النهر الأكبر الذي يعرف بوادي الكبير وعليه جسران‏.‏ومسجدها الجامع من أكبر مساجد الإسلام وأجمعها لمحاسن العمد والبنيان طوله أربعمائة ذراع وعرضه ثلاثمائة وعمده ورخام بنيانه بفسيفساء وذهب وبحذائه سقايات وحياض فيها من الماء الرضراض‏.‏
وبها كنيسة الأسرى وهي مقصودة معتبرة عند النصارى قال العذري‏:‏ إن المسلمين هموا بفتح قرطبة فأسروا راعياً من رعاتها وسألوه عنها فذكر أنها حصينة جداً إلا أن فيها ثغرة فوق باب القنطرة‏.‏
فلما جنهم الليل ذهبوا إلى تلك الثغرة ودخلوا منها وجاؤوا إلى باب المدينة الذي يقال له باب القنطرة وقتلوا الحراس وفتحوا الباب ودخلوا المدينة‏.‏
فلما علم صاحب قرطبة أن المسلمين دخلوا خرج مع وجوه المدينة وتحصن بهذه الكنيسة فحاصرهم المسلمون ثلاثة أيام‏.‏
فبينا هم كذلك إذ خرج العلج على فرس أصفر هارباً حتى أتى خندق المدينة فتبعه أمير المسلمين واسمه مغيث‏.‏
فلما رأى مغيثاً حرك فرسه فسقط واندقت رقبته فأسره مغيث ورجع إلى بقية العلوج فأسرهم وقتلهم فسميت الكنيسة كنيسة الأسرى‏.‏
وبها جبال معدن الفضة ومعدن الشادنج وهو حجر يقطع الدم ومعدن حجر التوتيا ومعدن الشبوب وتجلب من قرطبة بغال قيمة واحد منها تبلغ خمسمائة دينار لحسن شكلها وألوانها وعلوها وصحة قوائمها‏.‏مدينة قديمة بالأندلس بقرب بسطة‏.‏
بها جبل فيه غار يتقاطر الماء من أعلاه في حفيرة تحته لطيفة نقطة نقطة ويجتمع في تلك الحفيرة بذوبانها ولا يغيض فإن شرب من ماء تلك الحفيرة عدد كثير لم ينقص قال العذري‏:‏ أخبرني بهذا جماعة شاهدوها وهذا أمر شائع مستفيض في ذلك الموضع قال‏:‏ وفي هذا الغار ميت لا يغيره طول الأزمنة ولم يعرف له خبر‏.‏

قلعة اللان
إنها قلعة في غاية الحصانة بأرض اللان على قلة جبل‏.‏
وهي من القلاع الموصوفة بالحصانة تسمى باب اللان قالوا‏:‏ لو أن رجلاً واحداً يمنع جميع ملوك الأرض عنها يصح له ذلك لتعلقها بالجو وعسر الطريق‏.‏
ولها قنطرة عجيبة البناء عظيمة وعجبها مما يبصر لا مما يذكر فإن اللفظ لا يعطي معنى‏.‏
عجبها بناها سندباذ بن كشتاسف بن لهراسف والقلعة على صخرة صماء بها عين ينبع الماء العذب من الصخرة الصماء‏.‏
بها عجيبان‏:‏ القنطرة والعين في وسط القلعة من الصخرة الصماء‏.‏
قيصرية مدينة عظيمة في بلاد الروم بناها ملك الروم من الحجارة وهي كثيرة الأهل عظيمة العمارة والآن هي كرسي ملك بني سلجوق وهم ملوك مسلمون‏.‏
بها آثار قديمة يزورها الناس‏.‏
وبها موضع يقولون انه حبيس محمد بن الحنفية‏.‏
وبها جامع أبي محمد البطال وكان بها حمام بناه بليناس الحكيم لقيصر ملك الروم من عجائب الدنيا‏.‏
كان يحمى بسراج‏.‏
وبها موضع بين قيصرية واقصرا يشبه بيدراً مسخ حجراً فصبرة الحنطة انقلبت حجراً أحمر وصبرة التبن انقلبت حجراً أبيض اللون‏.‏
وحولها تماثيل حجرية تشبه تماثيل الحيوانات من الإنسان والبهائم لكنها تغيرت وفنيت بطول الوقت وبقرب قيصرية جبل فيه من الحيات ما لا يحصى إلا أنها لا تخرج منه لطلسم عمله الحكماء فلا يخرج منه شيء البتة‏.‏

كش
مدينة بقرب سمرقند حصينة‏.‏لها قهندز وربض قال الاصطخري‏:‏ مدينة كش ثلاثة فراسخ في مثلها جرومية تدرك بها الثمار أسرع من سائر بلاد ما وراء النهر غير أنها وبيئة وعماراتها حسنة جداً‏.‏
وفي عامة دورها الماء الجاري والبستان‏.‏
بها شوك الترنجبين يحمل منها إلى البلاد كلها‏.‏
وفي جبالها العقاقير الكثيرة‏.‏
ومنها يرتفع الملح المستحجر‏.‏ومن مفاخرها أبو إسحق الكشي المشهور بالجود والكرم‏.‏
ومن العجائب ما حكي عنه أن بعض أصدقائه شكا إليه سوء حاله وكثرة ديونه فسأله أبو إسحق عن مقدار دينه ووزن في الحال وقال‏:‏ اصرف هذا في دينك‏!‏ ثم وزن مثلها وقال‏:‏ اصرف هذا في مصالحة شأنك‏!‏ وجعل يعتذر إليه اعتذار المذنب‏.‏
فلما ذهب الرجل بكى بكاء شديداً فسئل عن بكائه فقال‏:‏ بكائي على غفلتي عن حال صديقي حتى افتقر إلى رفع الحال إلي والوقوف موقف السؤال‏.‏
كند من قرى خجند بما وراء النهر يقال لها كند باذام وباذام هو اللوز لأن بها لوزاً كثيراً‏.‏
بها اللوز الفريك وهو لوز عجيب ينقشر إذا فرك باليد‏.‏

لبلة
مدينة بالأندلس قديمة بقرب اشبيلية كثيرة الحيرات فائضة البركات بها آثار قديمة بها نهر لهشر وبهذا النهر ثلاث عيون‏:‏ إحداها عين لهشر وهي أغزرها ماء وأعذبها والثانية عين الشب فإنها تنبعث بالشب والثالثة عين الزاج فإنها تنبعث بالزاج فإذا غلبت عين ماء لهشر قال العذري‏:‏ سور المدينة قد عقد بناؤه على تصاوير أربعة‏:‏ صنم يسمى درديا وعليه صنم آخر وصنم يسمى مكيخا وعليه صنم آخر‏.‏
والمدينة مبنية على هذه الأصنام وما علا من البناء موضوع على أعناقها‏.‏
ومدينة لبلة انفردت بهذه البنية على سائر المدن‏.‏
وبها صيد البر والبحر جميعاً‏.‏
ويجلب منها العصفر الجيد والعناب الذي لا نظير له في الآفاق ويعمل بها الأديم الجيد الذي يحاكي الطائفي‏.‏

لشبونة
مدينة بالأندلس قديمة في غربي قرطبة قريبة إلى البحر‏.‏
بها جبال فيها أوكار البزاة الخلص ولا تكون في غيرها‏.‏
ولعسلها فضل على كل عسل بالأندلس يشبه السكر إذا لف في خرقة لا يلوثها‏.‏
وبها معدن التبر الخالص ويوجد بساحلها العنبر الفائق ملكها الفرنج سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة وهي إلى الآن بيدهم‏.‏

لورقة
مدينة كبيرة بالأندلس قاعدة كورة تدمير‏.‏
هي أكرم بقاع الأندلس وأكثرها خيراً سيما الفواكه فإن بها من أصناف الفواكه ما لا يوجد في غيرها حسناً وكثرة سيما الكمثرى والرمان والسفرجل‏.‏
ومن قوة أرضها ما ذكره العذري أن بها عنباً وزن العنقود منه خمسون رطلاً بالبغدادي وان الحبة من الحنطة تصيب هناك مائة حبة‏.‏
وبأرض لورقة يسقي نهر كنيل مصر يبسط على الأرض فإذا غاض يزرع عليه ويبقى طعامها في المطامير خمسين سنة وأكثر ولا يتغير وكثيراً ما تصيبها آفة الجراد‏.‏
وحكي انه كانت في بعض كنائسها جرادة من ذهب وكانت لورقة آمنة من جائحة الجراد فسرقت تلك الجرادة فظهر الجراد في ذلك العام ولم يفقد بعد ذلك‏.‏
وأيضاً لم توجد بها علة البقر التي تسمى اللقيس إلى أن وجد في بعض الأساس ثوران من صفر أحدهما قدام الآخر يلتفت إليه‏.‏
فلما أخذ من ذلك الموضع وقعت اللقيس في ذلك العام‏.‏
ومن عجائبها شجرة زيتونة في كنيسة في حومة جبل في كل سنة في وقت معلوم تنور وتعقد وتسود وتطيب في يوم آخر وهي مشهورة عرفها الناس حكى العذري أن هذه الشجرة قطعها أصحابها وهم نصارى وإنما فعلوا ذلك لكثرة الواردة عليهم بسببها وتزاحم الناس فبقيت مقطوعة زماناً ثم لقحت بعد ذلك وهي الآن باقية كذا ذكره العذري في شهور سنة خمسين وأربعمائة‏.‏
وقال أيضاً‏:‏ أخبرني إبراهيم بن أحمد الطرطوشي قال‏:‏ سمعت ملك الروم يقول إني أريد أن أرسل إلى أمير المؤمنين بالأندلس هدية فإن من أعظم حوائجي عنده انه صح عندي أن في الفاتحة الكريمة كنيسة وفي الدار منها زيتونة إذا كانت ليلة الميلاد تورقت وعقدت وأطعمت من نهارها‏.‏
اعلم أن لشهيدها محلاً عظيماً عند الله فأتضرع إلى معاليه في تسلية أهل تلك الكنيسة ومداراتهم حتى يسمحوا بعظام ذلك الشهيد فإن حصل لي هذا كان أجل من كل نعمة‏.‏
وبها وادي الثمرات ذكر العذري أن هناك أرضاً تعرف بوادي الثمرات يرد إليه ماء واد هناك يسقيه فينبت التفاح والكمثرى والتين والزيتون ونحوها سوى شجر التوت من غير غرس أصل لقد حدث بذلك جماعة من ثقات الناس‏.‏


أرب جمـال 23 - 11 - 2009 02:53 AM

مالطة
جزيرة بقرب جزيرة الأندلس عظيمة الخيرات كثيرة البركات طولها نحو ثلاثين ميلاً وهي آهلة وبها مدن وقرى وأشجار وأثمار غزاها الروم بعد الأربعين والأربعمائة‏.‏
حاربوهم وطلبوا منهم الأموال والنساء فاجتمع المسلمون وعدوا أنفسهم وكان عدد عبيدهم أكثر من عدد الأحرار فقالوا لعبيدهم‏:‏ حاربوا معنا فإن ظفرتم فأنتم أحرار وما لنا لكم وإن توانيتم قتلنا وقتلتم‏!‏ فلما وافى الروم حملوا عليهم حملة رجل واحد ونصرهم الله فهزموهم وقتلوا من الروم خلقاً كثيراً ولحق العبيد بالأحرار واشتدت شوكتهم فلم تغزهم الروم بعد ذلك أبداً‏.‏
ينسب إليها ابن السمنطي الشاعر المالطي‏.‏
كان آية في نظم الشعر على البديهة قال أبو القاسم بن رمضان المالطي‏:‏ اتخذ بعض المهندسين بمالطة لملكها صورة تعرف بها أوقات ساعات النهار وكانت ترمي بنادق على الصناج فقلت لعبد الله ابن السمنطي‏:‏ اجز هذا المصراع‏:‏ جارية ترمي الضنج فقال‏:‏ بها القلوب تبتهج كأن من أحكمها إلى السّماء قد عرج وطالع الأفلاك عن سرّ البروج والدّرج كأنه يقرأها من حفظه‏.‏
ما وراء النهر يراد به ما وراء نهر جيحون‏.‏
من أنزه النواحي وأخصبها وأكثرها خيراً‏.‏
وليس بها موضع خال عن العمارة من مدينة أو قرى أو مزارع أو مراع‏.‏
هواؤها أصح الأهوية ومياهها أعذب المياه وأخفها والمياه العذبة عمت جميع جبالها وضواحيها وترابها أطيب الأتربة وبلادها بخارى وسمرقند وجند وخجند‏.‏
وأهلها أهل الخير والصلاح في الدين والعلم والسماحة فإن الناس في أكثر ما وراء النهر كأنهم في دار واحدة وما ينزل أحد بأحد إلا كأنه نزل بدار نفسه من غريب وبلدي‏.‏
وهمة كل امريء منهم على الجود والسماح فيما ملكت يده من غير سابقة معرفة أو توقع مكافأة‏.‏
حكى الاصطخري انه نزل منزلاً بالصغد فرأى داراً ضربت الأوتاد على بابها فقالوا‏:‏ إن ذلك الباب لم يغلق منذ زيادة على مائة سنة ولم يمنع من دخوله واصل ليلاً ولا نهاراً‏!‏ والغالب عليهم بناء الرباطات وعمارة الطرق والوقف على سبيل الجهاد وأهل العلم وليس بها قرية ولا منهل ولا مفازة إلا وبها من الرباطات ما يفضل عن نزول من طرقه‏.‏
وقال‏:‏ بلغني أن بما وراء النهر أكثر من عشرة آلاف رباط في أكثرها إذا نزل الناس به طعام لهم وعلف لدوابهم إن احتاجوا‏.‏
وجميع ما وراء النهر ثغر من حدود خوارزم إلى اسبيجاب وهناك الترك الغزية من اسبيجاب إلى فرغانة الترك الخلخية ولم يزل ما وراء النهر على هذه الصفة إلى أن ملكها خوارزم شاه محمد بن تكش سنة ستمائة وطرد الخطاة عنها وقتل ملوك ما وراء النهر المعروفين بالخانية وكان في كل قطر ملك يحفظ جانبه فلما استولى على جميع النواحي عجز عن ضبطها فسلط عليها عساكره حتى نهبوها وأجلى الناس عنها فبقيت تلك الديار التي وصفت بالجنان لحسنها خاوية على عروشها ومياهها مندفقة معطلة وقد ورد عقيب ذلك عساكر التتر في سنة سبع عشرة وستمائة وخربوا بقاياها‏.‏
والآن بقي بعض ما كان عليها‏.‏
فسبحان من لا يعتريه التغير والزوال وكل شيء سواه يتغير من حال إلى حال‏!‏ مدينة النحاس ويقال لها أيضاً مدينة الصفر‏.‏
لها قصة عجيبة مخالفة للعادة جداً ولكني رأيت جماعة كتبوها في كتب معدودة كتبتها أيضاً ومع ذلك فإنها مدينة مشهورة الذكر‏.‏
قال ابن الفقيه‏:‏ ذهب العلماء الأقدمون إلى أن مدينة النحاس بناها ذو القرنين وأودعها كنوزه وطلسمها فلا يقف عليها أحد وجعل في داخلها حجر البهتة وهو مغناطيس الناس فإن الإنسان إذا وقف حذاءه جذبه كما يجذب المغناطيس الحديد ولا ينفصل عنه حتى يموت وانه في مفاوز الأندلس‏.‏
ولما بلغ عبد الملك بن مروان خبر مدينة النحاس وخبر ما فيها من الكنوز وان إلى جانبها بحيرة فيها كنوز كثيرة وأموال عظيمة كتب إلى موسى بن نصير عامل المغرب وأمره بالمصير إليه والحرص على دخولها وان يعرفه حالها ودفع الكتاب إلى طالب بن مدرك فحمله إلى موسى وهو بالقيروان فلما قرأه تجهز وسار في ألف فارس نحوها فلما رجع كتب إلى عبد الملك‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏
أصلح الله الأمير صلاحاً يبلغ به خير الدنيا والآخرة‏.‏
أخبرك يا أمير المؤمنين أني تجهزت لأربعة أشهر وسرت في مفاوز الأندلس ومعي ألف رجل حتى أوغلت في طرق قد انطمست ومناهل قد اندرست وعفت فيها الآثار وانقطعت عنها الأخبار فسرت ثلاثة وأربعين يوماً أحاول مدينة لم ير الراؤون مثلها ولم يسمع السامعون بنظيرها‏.‏
فلاح لنا بريق شرفها من مسيرة ثلاثة أيام فأفزعنا منظرها الهائل وامتلأت قلوبنا رعباً من عظمها وبعد أقطارها‏.‏
فلما قربنا منها إذا أمرها عجيب ومنظرها هائل فنزلنا عند ركنها الشرقي ثم وجهت رجلاً من أصحابي في مائة فارس وأمرته أن يدور حول سورها ليعرف بابها فغاب عنا يومين ثم وافى اليوم الثالث فأخبرني انه ما وجد لها باباً ولا أرى إليها مسلكاً فجمعت أمتعة أصحابي إلى جانب سورها وجعلت بعضها على بعض لأنظر من يصعد إليها فيأتيني بخبر ما فيها فلم تبلغ أمتعتنا ربع الحائط لارتفاعه فأمرت عند ذلك باتخاذ السلالم وشد بعضها إلى بعض بالحبال ونصبتها إلى الحائط وجعلت لمن يصعد إليها ويأتيني بخبر ما فيها عشرة آلاف درهم فانتدب لذلك رجل من أصحابي يتسنم ويقرأ ويتعوذ‏.‏
فلما صار على سورها وأشرف على ما فيها قهقه ضاحكاً ونزل إليها فناديناه أن أخبرنا بما فيها وبما رأيته فلم يجبنا‏.‏
فجعلت لمن يصعد ويأتيني بخبر ما فيها وخبر الرجل ألف دينار فانتدب رجل من حمير وأخذ الدنانير ثم صعد‏.‏
فلما استوى على السور قهقه ضاحكاً ثم نزل إليها فناديناه أن أخبرنا بما ترى فلم يجبنا‏.‏
فصعد ثالث وكان حاله مثل حال الرجلين فامتنع أصحابي بعد ذلك من الصعود فلما أيست عنها رحلت نحو البحيرة وسرت مع سور المدينة فانتهيت إلى مكان من السور فيه كتابة بالحميرية فأمرت بانتساخها فكانت‏:‏ ليعلم المرء ذو العزّ المنيع ومن يرجو الخلود وما حيٌّ بمخلود‏!‏ لو انّ حيّاً ينال الخلد في مهلٍ لنال ذاك سليمان بن داود سالت له العين عين القطر فائضةً فيه عطاءٌ جزيلٌ غير مصرود وقال للجنّ أنشوا فيه لي أثراً يبقى إلى الحشر لا يبلى ولا يودي فصيّروه صفاحاً ثمّ ميل به إلى البناء بإحكامٍ وتجويد وأفرغوا القطر فوق السّور منحدراً فصار صلباً شديداً مثل صيخود وصبّ فيه كنوز الأرض قاطبةً وسوف تظهر يوماً غير محدود لم يبق من بعدها في الأرض سابغةً حتى تضمّن رمساً بطن أخدود هذا ليعلم أنّ الملك منقطعٌ إلاّ من الله ذي التقوى وذي الجود قال‏:‏ ثم سرت حتى وافيت البحيرة عند غروب الشمس فإذا هي مقدار ميل في ميل كثيرة الأموج فإذا رجل قائم فوق الماء فناديناه‏:‏ من أنت فقال‏:‏ أنا رجل من الجن‏!‏ كان سليمان بن داود حبسه والذي في هذه البحيرة‏.‏
فأتيته لأنظر ما حاله قلنا له‏:‏ فما بالك قائماً فوق الماء قال‏:‏ سمعت صوتاً فظننته صوت رجل يأتي هذه البحيرة في كل عام مرةً وهذا أوان مجيئه فيصلي على شاطئها أياماً ويهلل الله ويمجده‏.‏
قلنا‏:‏ من تظنه قال‏:‏ أظنه الخضر عليه السلام‏.‏
فغاب عنا فلم ندر كيف أخذ‏.‏
قال‏:‏ وكنت أخرجت معي عدة من الغواصين فغاصوا في الماء فرأوا حباً من صفر مطبقاً رأسه مختوماً برصاص فأمرت به ففتح فخرج منه رحل من صفر على فرس بيده رمح مطرد من صفر فطار في الهواء وهو يقول‏:‏ يا نبي الله لا أعود‏!‏ ثم غاصوا ثانية وثالثة فأخرجوا مثل هذا فضجوا خوفاً من قطع الزاد‏.‏
فأخذت الطريق التي سلكتها أولاً حتى عدت إلى قيروان والحمد لله الذي حفظ لأمير المؤمنين أموره وسلم له جنوده والسلام‏.‏
قال‏:‏ فلما قرأ عبد الملك كتاب موسى وكان عنده الزهري قال له‏:‏ ما تظن بأولئك الذين صعدوا السور قال الزهري‏:‏ يا أمير المؤمنين لأن لتلك المدينة جناً قد وكلوا بها‏!‏ قال‏:‏ فمن أولئك الذين يخرجون من الحباب ويطيرون قال‏:‏ أولئك مردة الجن الذين حبسهم سليمان بن داود عليه السلام في البحار هذا ما رواه ابن الفقيه‏.‏
وقال أبو حامد الأندلسي‏:‏ دور مدينة النحاس أربعون فرسخاً وعلو سورها خمسمائة ذراع فيما يقال‏.‏
ولها كتاب مشهور في كتابها أن ذا القرنين بناها والصحيح أن سليمان بن داود عليه السلام بناها‏.‏
وليس لها باب ظاهر وأساسها راسخ وان موسى بن نصير وصل إليها في جنوده وبنى إلى جانب السور بناء عالياً متصلاً به وجعل عليه سلماً من الخشب متصلاً بأعلى السور وندب إليه من أعطاه مالاً كثيراً‏.‏
وأن ذلك الرجل لما رأى داخل المدينة ضحك وألقى نفسه في داخل المدينة وسمعوا من داخل المدينة أصواتاً هائلة ثم ندب إليه آخر وأعطاه مالاً كثيراً وأخذ عليه العهد أن لا يدخل المدينة ويخبرهم بما يرى فلما صعد وعاين المدينة ضحك وألقى نفسه فيها وسمعوا من داخلها أصواتاً هائلة أيضاً ثم ندب إليه رجلاً شجاعاً وشد في وسطه حبلاً قويا فلما عاين المدينة ألقى نفسه فيها فجذبوه حتى انقطع الرجل من وسطه‏.‏
فعلم أن في المدينة جناً يجرون من علا على السور فأيسوا منها وتركوها‏.‏
وذكر أبو حامد الأندلسي في وصف مدينة النحاس قصيدة منها‏:‏ وتقبّل الملكوت ربعي حيث ما فلك البروج يجرّ في سجداته والرّيح يحمله الرّخاء فإنّما شهرين مطلعها إلى روحاته كالطّود مبهمةً بأسٍّ راسخٍ أعيا البريّة من جميع جهاته والقطر سال بها فصاغ مدينةً عجباً يحار الوهم دون صفاته حصن النّحاس أحاط من جنباتها وعلى غلوّ السّهم في غلواته فيها ذخائره وجلّ كنوزه والله يكلأها إلى ميقاته في الأرض آياتٌ فلا تك منكراً فعجائب الأشياء من آياته مراغة مدينة كبيرة مشهورة من بلاد آذربيجان قصبتها‏.‏
وهي كثيرة الأهل عظيمة القدر غزيرة الأنهار كثيرة الأشجار وافرة الثمار‏.‏
بها آثار قديمة للمجوس ومدارس وخانقاهات حسنة‏.‏
حدثني بعض أهلها أن بها بستاناً يسمى قيامتاباذ فرسخ في فرسخ وأن أربابه لا يقدرون على تحصيل ثمرتها من الكثرة فتتناثر من الأشجار‏.‏
وبقرب قيامتاباذ جمة يفور الماء الحار عنها يأتيها أصحاب العاهات يستحمون بها وتنفعهم‏.‏
وهي عيون عدة أكثر ما يأتيها الزمنى والجربى‏.‏
فإذا انفصل هذا الماء عن الجمة ويجري على وجه الأرض يصير حجراً صلداً‏.‏وخارج المدينة غار يدخله الإنسان يرى فيه شبه البيوت والغرف فإذا أمعن يرى فيه شيئاً صليباً لا يقرب منه أحد إلا هلك يزعمون أنه طلسم على كنز والله أعلم‏.‏
وبها جبل زنجقان وهو جبل بقرب مراغة به عين ماء عذب يعجن به الدقيق فيربو كثيراً ويحسن خبزه والخبازون يخمرون أدقتهم به ويصير هذا الماء حجراً ينعقد منه صخور ضخام يستعملها الناس في أبنيتهم‏.‏
ومن مفاخرها القاضي صدر الدين المعروف بالجود والكرم وفنون الخيرات وصنوف المبرات من خيراته سور مدينة قزوين الذي عجز عن مثله أعظم ملوك زماننا فإنه بنى أبواب المدينة بالآجر في غاية العلو وبقية السور بالطين وشرفاتها بالآجر والمدينة في غاية السعة‏.‏
وحكي أنه أراد أن يتخذ لنفسه قبراً بقرب حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إلى أمير المدينة وأعلمه ذلك فشرط أن يبعث إليه ملء جراب ذهباً‏.‏
فقال القاضي‏:‏ ابعث إلي الجراب حتى أملأه ذهباً‏!‏ فلما رأى أمير المدينة كبر همته وسماحة نفسه بعث إليه اذن عناق ومكنه من ذلك‏.‏
فلما توفي دفن في المدينة وموضع رأسه قريب من قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وحكى الشيخ نور الدين محمد بن خالد الجيلي وكان من الابدال في كتاب صنفه في كراماته وعجائب حالاته قال‏:‏ رأيت فوجاً من الملائكة لا يدرك عددهم ومعهم تحف وهدايا فسألت‏:‏ إلى من هذه الهدايا قالوا‏:‏ إلى قاضي مراغة‏.‏
قلت‏:‏ ما هو إلا عبد مكرم‏!‏ قالوا‏:‏ ان هذه له لكرامته رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

مربيطر
مدينة بالأندلس بقرب بلنسية قال صاحب معجم البلدان‏:‏ إن فيها الملعب ذا العجائب لست أعرف كيف يكون ذلك وذاك أن الإنسان إذا نزل فيه صعد وإذا صعد عليه نزل إن صح ذلك فإنه ذو العجائب جداً‏.‏
المستطيلة قال أبو القاسم الجهاني‏:‏ إنها بلاد بأرض الروم على ساحل البحر‏.‏
المطر بها دائم صيفاً وشتاء بحيث أهلها لا يقدرون على دياس بيادرهم وإنما يجمعونها في السنابل ويفركونها في بيوتهم‏.‏
بها بزاة كثيرة عدد الغربان عند غيرهم لكنها ضعيفة رخوة لا تقدر على أخذ الدجاج وأمثالها‏.‏
المصيصة مدينة بأرض الروم على ساحل جيحان‏.‏
كانت من ثغور الإسلام وهي الآن بيد أولاد ليون سميت بالمصيصة بن الروم بن اليقن بن سام بن نوح عليه السلام قال المهلبي‏:‏ من خاصية هذه المدينة الفراء المصيصية التي لا يتولد فيها القمل وإذا غسلتها لم تتغير عن حالها وتحمل إلى سائر البلدان وربما بلغت قيمة الفروة منها ثلاثين ديناراً‏.‏

ملطية
مدينة بأرض الروم مشهورة‏.‏بها جبل فيه عين حدثني بعض التجار أن هذه العين يخرج منها ماء عذب ضارب إلى البياض يشربه الإنسان لا يضره شيئاً فإذا جرى مسافة يسيرة يصير حجراً صلداً‏.‏

موغان
ولاية واسعة بها قرى ومروج بآذربيجان على يمين القاصد من اردبيل إلى تبريز وهي جروم وآذربيجان كلها صرود كانت منازل التركمان لسعة رفغها وكثرة عشبها والآن اتخذها التتر مشتاة وجلا عنها تركمانها قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ رأيت بها قلعة عظيمة لها رساتيق كثيرة وقد هرب عنها أهلها لكثرة ما بها من الثعابين والحيات وقال‏:‏ رأيت عند اجتيازي بها شجاعاً عظيماً ففزعت منه‏.‏مدينة مشهورة بديار بكر كانت بها بيعة من عهد المسيح عليه السلام وبقي حائطها إلى وقتنا هذا‏.‏
حكي أن ولاية هذه البلاد كانت لرجل حكيم اسمه مروثا من قبل قسطنطين الملك صاحب رومية الكبرى فمرضت لشابور ذي الأكتاف بنت وعجز أطباء الفرس عن علاجها فأشار بعض أصحابه باستدعاء مروثا لعلاجها‏.‏
فبعث إلى قسطنطين يسأله فبعثه إليه فعالجها مروثا ففرح بذلك شابور وقال له‏:‏ سل حاجتك‏!‏ فسأل مروثا الهدنة بينه وبين قسطنطين فأجابه إلى لك وكان يجري بينهما محاربات شديدة ولما أراد الانصراف قال له شابور‏:‏ سل حاجة أخرى‏!‏ فقال‏:‏ إنك قتلت خلقاً كثيراً من النصارى فأسألك أن تأمر بجمع عظامهم لي‏!‏ فأمر له بذلك فجمعوا من عظام النصارى شيئاً كثيراً فأخذها معه إلى بلاده وأخبر قسطنطين بالهدنة وجمع العظام فسر بذلك وقال له‏:‏ سل حاجتك‏!‏ فقال‏:‏ أريد أن يساعدني الملك على بناء موضع في بلادي‏.‏
فكتب قسطنطين إلى كل من يجاوره المساعدة بالمال والرجال فعاد إلى مكانه وبنى مدينة عظيمة وجعل في وسط حائط سورها عظام شهداء النصارى التي جمعها من بلاد الفرس وسمى المدينة مدور صالا معناه مدينة الشهداء واختار لبنائها وقتاً صالحاً لا تؤخذ عنوة وجعل لها ثمانية أبواب‏:‏ منها باب يسمى باب الشهوة له خاصية في هيجان الشهوة أو إزالتها لم يتحقق عند الناقل ولا ان هذه الخاصية للدخول أو الخروج‏.‏
وباب آخر يسمى باب الفرح والغم بصورتين منقوشتين على الحجر‏.‏
أما صورة الفرح فرجل يلعب بيده وأما صورة الغم فرجل قائم على رأسه صخرة فلا يرى بميافارقين مغموم إلا نادراً‏.‏
وفي برج يعرف ببرج علي بن وهب في الركن الغربي القبلي في أعلاه صليب منقور كبير يقال إنه يقابل البيت المقدس وعلى بيعة قمامة بالبيت المقدس صليب مثله قيل إن صانعهما واحد وبنى بيعة في وسط البلد على اسم بطرس وبولس وهي باقية إلى زماننا في المحلة المعروفة بزقاق اليهود فيها جرن من رخام أسود فيه منطقة الزجاج فيها دم يوشع بن نون عليه السلام وهو شفاء من كل داء وإذا طلي به البرص أزاله قيل‏:‏ ان مروثا جاء به من رومية الكبرى أعطاه إياه قسطنطين عند عوده‏.‏

هرقلة
مدينة عظيمة بالروم كرسي ملك القياصرة بناها هرقل أحد القياصرة‏.‏
غزاها الرشيد سنة إحدى وتسعين ومائة‏.‏
نزل عليها يحاصرها فإذا رجل خرج من أهلها شاكي السلاح ونادى‏:‏ يا معشر العرب ليخرج منكم العشرة والعشرون مبارزة‏!‏ فلم يخرج إليه أحد لأنهم انتظروا إذن الرشيد وكان الرشيد نائماً فعاد الرومي إلى حصنه فلما أخبر الرشيد بذلك تأسف ولام فلما كان الغد خرج الفارس وأعاد القول فقال الرشيد‏:‏ من له فابتدر جلة القواد وكان عند الرشيد مخلد بن الحسين وإبراهيم الفزاري قالا‏:‏ يا أمير المؤمنين إن قوادك مشهورون بالبأس والنجدة ومن قتل منهم هذا العلج لم يكن فعلاً كبيراً وإن قتله العلج كانت وصمة على العسكر كبيرة فإن رأى الأمير أن يأذن لنا حتى نختار له رجلاً فعل‏.‏
فاستصوب الرشيد ذلك فأشاروا إلى رجل يعرف بابن الجزري وكان من المتطوعة معروف بالتجارب مشهور في الثغور بالنجدة فقال له الرشيد‏:‏ أتخرج إليه فقال‏:‏ نعم وأستعين بالله عليه‏.‏
فأدناه الرشيد وودعه واتبه وخرج معه عشرون من المتطوعة‏.‏
فقال لهم العلج وهو يعدهم واحداً واحداً‏:‏ كان الشرط عشرين وقد ازددتم رجلاً ولكن لا بأس‏!‏ فنادوه‏:‏ ليس يخرج إليك إلا واحد‏.‏
فلما فصل منهم ابن الجزري تأمله العلج وقال له‏:‏ أتصدقني فيما أسألك قال‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ بالله أنت ابن الجزري قال‏:‏ نعم‏.‏
فقال‏:‏ ملأ كفؤ‏!‏ ثم أخذا في شأنهما حتى طال الأمر بينهما وكاد الفرسان ينفقان تحتهما وزجا برمحيهما وانتضيا بسيفيهما وقد اشتد الحر فلما أيس كل واحد منهما عن الظفر بصاحبه ولى ابن الجزري فدخل المسلمين كآبة وغطغط الكفار فاتبعه العلج فتمكن ابن الجزري منه فرماه بوهق واستلبه عن ظهر فرسه ثم عطف عليه فما وصل إلى الأرض حتى فارقه رأسه فكبر المسلمون تكبيراً وانخذل المشركون وبادروا إلى الحصن وأغلقوا الأبواب فصبت الأموال على ابن الجزري فلم يقبل منها شيئاً وسأل أن يعفى ويترك بمكانه‏.‏
وأقام الرشيد عليها حتى استخلصها وسبى أهلها وخربها وبعث فيسقوس الجزية عن رأسه أربعة دنانير وعن كل واحد من البطارقة دينارين‏.‏


أرب جمـال 23 - 11 - 2009 02:54 AM

هزاراسب
مدينة كبيرة وقلعة حصينة بأرض خوارزم‏.‏الماء محيط بها وهي كالجزيرة ليس إليها إلا طريق واحد‏.‏
تنسب إليها رحمة بنت إبراهيم الهزاراسبية المشهورة بأنها ما تناولت ثلاثين سنة طعاماً‏.‏
وحكى أبو العباس عيسى المروزي أنها إذا شمت رائحة الطعام تأذت وذكرت أن بطنها لاصق بظهرها فأخذت كيساً فيه حب القطن وشدته على بطنها لئلا يقصف ظهرها‏.‏
وبقيت إلى سنة ثمان وستين ومائتين‏.‏
وادي الحجارة ناحية بقرب طليطلة قال العذري‏:‏ لا يدخلها أحد من غير أهلها بصبي ابناً له ويعيش فيها هذا قول العذري‏.‏
وجاز أن يكون مراده أن الصبي لا يعيش وجاز أن يكون مراده أن الأب لا وشلة قرية بآذربيجان من قرى خوي‏.‏
بها عين من شرب من مائها يسهل في الحال جميع ما في بطنه حتى لو تناول شيئاً من الحبوب وشرب من ذلك الماء عليه يخرج في الحال‏.‏

والوطة
مدينة بجزيرة ميورقة كبيرة حصينة طيبة الأرض رخيصة الأسعار‏.‏
بها مياه غزيرة وأشجار كثيرة قال العذري‏:‏ بها أرحية عجيبة وذاك أن المياه إذا قلت لا تدير الرحا فعمدوا إلى عود غلظ دورته نحو عشرة أشبار وطوله سبعة أذرع وشقوه بنصفين ويحفرون وسط الشقين إلا نصف ذراع من آخره ويضمون أحدهما إلى الآخر ويفتحون في آخره كوة مقدار حافر حمار ثم ينصبونه على الساقية ويقومونه على الدولاب فيخرج الماء من الثقبة التي في العود بالقوة ويضرب أمشاط الدولاب ويدور الرحا‏.‏
وبقرب والوطة فتق كأنه بئر ينزل الناس فيه بالمصابيح إلى أسفله فيجدون فيه ساقية ماء وبعدها ظلمة تأخذ بالنفس ولا يبقى فيها المصباح وإذا ألي في تلك الساقية شيء يخرج إلى البحر ويوجد فيه‏.‏موضع بين خلاط وارزن الروم‏.‏
به عين يفور منها الماء فوراناً شديداً يسمع صوته من بعيد وإذا دنا منه شيء من الحيوان يموت في الحال فيرى حولها من الطيور والوحوش الموتى ما شاء الله‏.‏
وقد وكلوا بها من يمنع الغريب من الدنو منها‏.‏

http://www.a-almadenah.com/forums/images/up.gif يونان
موضع كان بأرض الروم‏.‏به مدن وقرى كثيرة وإنها منشأ الحكماء اليونانيين والآن استولى عليها الماء‏.‏
من عجائبها أن من حفظ شيئاً في تلك الأرض لا ينساه أو يبقى معه زماناً طويلاً‏.‏
وحكى التجار أنهم إذا ركبوا البحر ووصلوا إلى ذلك الموضع يذكرون ما غاب عنهم‏.‏
ولهذا نشأ بهذه الأرض الحكماء الفضلاء الذين لم يوجد أمثالهم في أرض أخرى إلا نادراً‏.‏
ينسب إليها سقراط أستاذ أفلاطون وكان حكيماً زاهداً في الدنيا ونعيمها راغباً في الآخرة وسعادتها‏.‏
دعا الناس إلى ذلك فأجابه جمع من أولاد الملوك وأكابر الناس فاجتمعوا عليه يأخذون منه غرائب حكمته ونوادر كلامه‏.‏
فحسده جمع فاتهموه بمحبة الصبيان وذكروا أنه يتهاون بعبادة الأصنام ويدعو الناس إلى ذلك وسعوا به إلى الملك وشهد عليه جمع بالزور عند قاضيهم وحكم قاضيهم عليه بالقتل فحبس وعنده في الحبس سبعون فيلسوفاً من موافق ومخالف يناظرونه في بقاء النفس بعد مفارقة البدن فصحح رأيه في بقاء النفس‏.‏
فقالوا له‏:‏ هل لك أن نخلصك عن القتل بفداء أو هرب فقال‏:‏ أخاف أن يقال لي لم هربت من حكمنا يا سقراط فقالوا‏:‏ تقول لأني كنت مظلوماً‏!‏ فقال‏:‏ أرأيتم أن يقال ان ظلمك القاضي والعدول فكان من الواجب أن تظلمنا وتفر من حكمنا فماذا يكون جوابي وذاك أن القوم كان في شريعتهم أنه إذا حكم عدلان على واحد يجب عليه الانقياد وان كان مظلوماً فلذلك انقاد سقراط للقتل فازمعوا على قتله بالسم‏.‏
فلما تناول السم ليشربه بكى من حوله من الحكماء حزناً على مفارقته‏.‏
قال‏:‏ إني وإن كنت أفارقكم إخواناً فضلاء فها أنا ذاهب إلى إخوان كرام حكماء فضلاء‏!‏ وشرب السم وقضى نحبه‏.‏
وينسب إليها أفلاطون أستاذ أرسطاطاليس فكان حكيماً زاهداً في الدنيا ويقول بالتناسخ‏.‏
فوقع في زمانه وباء أهلك من الناس خلقاً كثيراً فتضرعوا إلى الله تعالى من كثرة الموت وسألوا نبيهم وكان من أنبياء بني إسرائيل عن سبب ذلك فأوحى الله تعالى إليه أنهم متى ضعفوا مذبحاً لهم على شكل المكعب ارتفع عنهم الوباء فأظهروا مذبحاً آخر بجنبه وأضافوه إلى المذبح الأول فزاد الوباء‏.‏
فعادوا إلى النبي عليه السلام فأوحى الله تعالى إليه أنهم ما ضعفوا بل قرنوا به مثله وليس هذا تضعيف المكعب‏.‏
فاستعانوا بأفلاطون فقال‏:‏ إنكم كنتم تردون الحكمة وتمتنعون عن الحكمة والهندسة فأبلاكم الله تعالى بالوباء عقوبة لتعلموا أن العلوم الحكمية والهندسية عند الله بمكانة‏.‏
ثم لقن أصحابه انكم متى أمكنكم استخراج خطين من خطين على نسبة متوالية توصلتم إلى تضعيف المذبح فإنه لا حيلة فيه دون استخراج ذلك فتعلموا استخراج ذلك فارتفع الوباء عنهم‏.‏
فلما تبين للناس من أمر الحكمة هذه الأعجوبة تلمذ لأفلاطون خلق كثير منهم أرسطاطاليس واستخلفه على كرسي الحكمة بعده وكان أفلاطون تاركاً للدنيا لا يحتمل منه أحد ولا يعلم الحكمة إلا من كان ذا فطانة ونفس خيرة والتلميذ يأخذ منه الحكمة قائماً لاحترام الحكمة‏.‏
وحكي أن الإسكندر ذهب إليه وكان أفلاطون أستاذ أستاذه فوقف إليه وهو في مشرقة قد أسند ظهره إلى جدار يأوي إليه فقال له الإسكندر‏:‏ هل من حاجة فقال‏:‏ حاجتي أن تزيل عني ظلك فقد منعتني الوقوف في الشمس‏!‏ فدعا له بذهب وكسوة فاخرة من الديباج والقصب فقال‏:‏ ليس بأفلاطون حاجة إلى حجارة الأرض وهشيم النبات ولعاب الدود وإنما حاجته إلى شيء يكون معه أينما توجه‏.‏
وينسب إليها أرسطاطاليس ويقال له المعلم الأول لأنه نقح علم الحكمة وأسقط سخيفها وقرر إثبات المدعى وطريق التوجيه وكانوا قبله يأخذون الحكمة تقليداً‏.‏
ووضع علم المنطق وخالف أستاذه أفلاطون وأبطل التناسخ قيل له‏:‏ كيف خالفت الأستاذ فقال‏:‏ الأستاذ صديقي والحق أيضاً صديقي لكن الحق أحب إلي من الأستاذ‏.‏
وكان أستاذ الإسكندر ووزيره فأخذ الإسكندر برأيه الأرض كلها‏.‏
حكي أن أرسطاطاليس سئل‏:‏ لم حركة الإقبال بطيئة وحركة الإدبار سريعة فقال‏:‏ لأن المقبل مصعد والصعود يكون من مرقاة إلى مرقاة والمدبر كالمقذوف من علو إلى أسفل‏.‏
وحكى الحكيم الفاضل أبو الفتح يحيى السهروردي الملقب بشهاب الدين في بعض تصانيفه‏:‏ بينا أنا بين النائم واليقظان رأيت في نور شعشعاني بمثل إنساني فإذا هو المعلم فسألته عن فلان وفلان من الحكماء فأعرض عني فسألته عن سهل بن عبد الله التستري وأمثاله فقال‏:‏ أولئك هم الفلاسفة حقاً نطقوا بما نطقنا فلهم زلفى وحسن مآب‏!‏ وحكي أن الإسكندر قال لأرسطاطاليس‏:‏ قد ورد الخبر بفتح المدينة التي أنت منها فماذا ترى قال أرسطاطاليس‏:‏ أرى أن لا يبقى على واحد منهم كيلا يرجع أحد يخالفك‏!‏ فقال الإسكندر‏:‏ أمرت أن لا يؤذى أحد فيها احتراماً لجانبك‏.‏
فكلام الوزير عجب وكلام الملك أعجب منه‏.‏
وينسب إليها ديوجانس وكان حكيماً تاركاً للدنيا مفارقاً لشهواتها ولذاتها مختاراً للعزلة ولا يرضى باحتمال منه من أحد حكي أنه كان نائماً في بستان في ظل شجرة فدخل عليه بعض الملوك فركله برجله وقال له‏:‏ قد ورد الخبر بفتح بلدتك‏!‏ فقال‏:‏ أيها الملك فتح البلاد عادة الملوك لكن الركل من طباع الدواب‏!‏ وحكي أنه رأى صياداً يكلم امرأة حسناء فقال له‏:‏ أيها الصياد احذر أن تصاد‏!‏ وحكي أنه رأى امرأة حسناء خرجت للنظارة يوم عيد فقال‏:‏ هذه ما خرجت لترى إنما خرجت لترى‏!‏ وحكي انه رأى رجلاً مع ابنه والابن شديد الشبه بأبيه فقال للصبي‏:‏ نعم الشاهد أنت لأمك‏!‏ وحكي انه نظر إلى شاب حسن الصورة قبيح السيرة فقال‏:‏ يت حسن فيه ساكن قبيح‏!‏ وينسب إليها بطليموس صاحب العلم المجسطي الذي عرف حركات الأفلاك وسير الكواكب بالبراهين الهندسية فذكر أن بعض الأفلاك يتحرك من المغرب إلى المشرق وبعضها من المشرق إلى المغرب وبعضها سريع الحركة وبعضها بطيء الحركة وبعضها يدور رحوية وبعضها يدو دولابية وبعضها يدور حمائلية‏.‏
وان حركات الكواكب تابعة لحركات أفلاكها ومن الأفلاك بعضها محيطة بكرة الأرض وبعضها غير ميطة وبعضها مركزها مركز الأرض وبعضها مركز خارج من مركز الأرض‏.‏
وأقام على ذلك كله البراهين الهندسية ومسح الأفلاك برجاً برجاً ودرجة درجة وثانية ثانية حتى يقول‏:‏ في يوم كذا وفي ساعة كذا يكون الكسوف أو الخسوف ويقع كما قال‏.‏
وأعجب من هذا أنه يبين بالبراهين الهندسية أن ما بين المساء والأرض من المسافة كم يكون ميلاً وأن كل فلك من الأفلاك تحتها كم يكون ميلاً ودورتها كم تكون ميلاً وقطرها كم يكون ميلاً‏.‏
ومن أعجب الأشياء وضع الاصطرلاب والتقويم‏.‏
فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم‏!‏ وينسب إليها بطلميوس صاحب الأحكام النجومية‏.‏
يزعم أنه حصل له بالتجربة مرة بعد أخرى وقوع الحوادث بحركات الأفلاك وسير الكواكب وليس على ذلك برهان كما في المجسطي لكن هو يزعم غلبة الظن وأنه موقوف على مقدمات وشرائط كثيرة قلما تحصل لأحد في زماننا‏.‏
ومن أراد شيئاً من ذلك فلينظر في أحكام جاماسب وزير كشتاسف ملك الفرس فإنه كان قبل مبعث موسى عليه السلام وحكم بمبعث موسى وعيسى ونبينا عليه السلام وبإزالة الملة المجوسية وخروج الترك وأمثال ذلك من الحوادث الكثيرة‏.‏
وينسب إليها بليناس صاحب الطلسمات‏.‏
وإنها مأخوذة من أجرام سماوية وأجرام أرضية في أوقات مخصوصة وكتابنا هذا كثير فيه من ذكر الطلسمات‏.‏
وينسب إليها فيثاغورس صاحب علم الموسيقى‏.‏
زعموا أنه وضع الألحان على أصوات حركات الفلك بذكائه وصفاء جوهر نفسه‏.‏
استخرج أصول النغمات وهو أول من تكلم في هذا العلم وفائدته أن المريض الذي عدم نومه أو قراره يلهى بهذه الأصوات فربما يأتيه النوم أو يخف عنه بعض ما به بسبب اشتغاله بسماع تلك الأصوات وكذلك الحزين الذي يغلب عليه الحزن يشغل بشيء من هذه الألحان فيخف عليه بعض ما به‏.‏
وينسب إليها اقليمون وهو صاحب الفراسة والفراسة هي الاستدلال بالأمور الظاهرة على الأمور الخفية‏.‏
وإنها كثيرة تظهر للإنسان على قدر ذكائه كما قال تعالى‏:‏ إن في ذلك لآيات للمتوسمين‏.‏
فإنك إذا رأيت إنساناً مصفر اللون ترى أنه مريض فإن لم تجد آثار المرض تعلم انه خائف‏.‏
وإذا رأيت رجلاً كبير الرأس تعلم انه بليد تشبيهاً بالحمار وإذا رأيت رجلاً عريض الصدر دقيق الخصر تعلم أنه شجاع لأنه شبيه بالأسد‏.‏
ومن هذا الطريق وهذا علم منسوب إلى الحكيم اقليمون‏.‏
وينسب إليها أوقليدس واضع الأشكال الهندسية والبراهين اليقينية والمقالات العجيبة والأشكال الموقوفة‏.‏
بعضها على بعض على وجه لا يفهم الثاني ما لم يفهم الأول ولا الثالث ما لم يفهم الثاني وعلى هذا الترتيب فلا يستعد لهذا الفن من العلوم إلا كل ذي فطانة وذكاء فإنه من العلوم الدقيقة‏.‏
وينسب إليها أرشميدس واضع علم أعداد الوفق على وجه عجيب وهو أن يخرج شكلاً جميع أضلاعه متساوية طولاً وعرضاً وأقطاره كذلك ويكون جميع سطوره متساوية بالعدد‏.‏
زعموا أن لهذه الأشكال خواص إذا ضربت في أوقات معينة‏.‏
وأما شكل ثلاثة في ثلاثة فمجرب لسهولة الولادة وهو أول الأشكال وآخرها ألف في ألف‏.‏
قال أيضاً مجرب لظفر العسكر إذا كان ذلك على رايتهم‏.‏
وينسب إليها بقراط صاحب الأقوال الكلية في قوانين الطب لأن تجربته دلت على ذلك والذي اختاره من القواعد في غاية الحسن قلما ينتقض شيء منه‏.‏
وكان خبيراً بعلم الطب بكلياته وجزئياته‏.‏
وينسب إليها جالينوس صاحب علم الطب والمعالجات العجيبة بذكاء نفسه وألقي إليه في نومه‏.‏
حكي أنه رأى طيراً سقط من الجو يضرب بجناحيه ثم أخذ شيئاً من الماء في منقاره وصب لك في منف ذرقه فانفصل منه ذرقه وطار فوضع الحقنة على ذلك عندما يكون الاحتباس في الامعاء‏.‏
وحكي انه كان على إصبعه جرح بقي مدة لم يقبل المعالجة فرأى في نومه أن علاجه فصد عرق تحت كتفه من الجانب المخالف ففعل ذلك فعوفي‏.‏
وحكي أنه قيل لجالينوس‏:‏ كيف خرجت على أقرانك بوفور العلم فقال‏:‏ لأن ما أنفق أولئك في الخمر أنا أنفقت في الزيت‏.‏وحكي أنه أصابه في آخر عمره إسهال شديد فقيل له‏:‏ كيف عجزت عن حبس هذه وأنت أنت فدعا طشت ملأه ماء فرمى فيه دواء انعقد الماء فيه فقال‏:‏ أقدر على حبس الماء في الطشت وما أقدر على حبس بطني لتعلموا أن العلم والتجربة لا ينفعان مع قضاء الله تعالى ‏!‏ قال الشاعر‏:‏ أرسطو مات مدفوقاً ضئيلاً وأفلاطون مفلوجاً ضعيفا مضى بقراط مسلولاً ضعيفا وجالينوس مبطوناً نحيفا هؤلاء فضلاء الناس ماتوا أسوأ ميتة لتعلموا أنه هو القاهر فوق عباده‏.‏
والله الموفق‏.‏


أرب جمـال 23 - 11 - 2009 02:56 AM

بلاد جكل
هم قوم من الترك مسيرة بلادهم أربعون يوماً وبلادهم آمنة ساكنة وفيهم نصارى‏.‏
وهم صباح الوجوه يتزوج الرجل منهم بابنته وأخته وسائر محارمه وليسوا مجوساً لكن هذا مذهبهم ويعبدون سهيلاً والجوزاء وبنات نعش ويسمون الشعرى اليمانية رب الأرباب‏.‏
وعندهم دعة لا يرون الشر وجميع قبائل الترك يطمع فيهم للينهم ودعتهم‏.‏
ومأكولهم الشعير والجلبان ولحوم الغنم وليس في بلادهم الإبل ولا البقر ولباسهم الصوف والفراء لا يلبسون غيرها‏.‏
وبها حجر الفادزهر ولا ملك لهم وبيوتهم من الخشب والعظام‏.‏

بلاد الختيان
هم قوم من الترك بلادهم مسيرة عشرين يوماً وهم قوم أصحاب عقول وآراء صحيحة بخلاف سائر الترك‏.‏
يتزوجون تزويجاً صحيحاً ولا ملك لهم بل كل جمع لهم شيخ ذو عقل ورأي يتحاكمون إليه‏.‏
وليس لهم جور على من يجتاز بهم ولا اغتيال عندهم‏.‏
ولهم بيت عبادة يعتكفون فيه الشهر والأكثر والأقل‏.‏
ومأكولهم الشعير والجلبان ولا يأكلون اللحم إلا مذكى ولا يلبسون مصبوغاً‏.‏
وبها مسك ذكي الرائحة جداً ما دام ي أرضهم فإذا حمل عنها تغير واستحال‏.‏
وبها جبل فيه حيات من نظر إليها مات إلا أنها في ذلك الجبل لا تخرج عنه البتة‏.‏
وبها حجر يسكن الحمى لكنه لا يعمل إلا في أرضهم وعندهم فادزهر جيد وعلامته أن فيه عروقاً خضراء وعندهم بقول كثيرة لها منافع‏.‏
بلاد خرخيز هم قوم من الترك بلادهم مسيرة شهر‏.‏
لهم ملك مطاع عالم بمصالحهم لا يجلس بين يديه إلا من جاوز الأربعين‏.‏
ولهم كلام موزون يتكلمون به في صلاتهم ويصلون إلى جانب الجنوب‏.‏
ولهم في السنة ثلاثة أعياد‏.‏
ولهم أعلام خضر ينشرونها في الأعياد‏.‏
ويعظمون زحل والزهرة ومأكولهم الدخن والأرز ولحوم البقر والغنم وغيرها إلا لحم الجمال‏.‏
ولهم بيت عبادة وقلم يكتبون به‏.‏
ولهم رأي ونظر في الأمور ولا يطفئون السراج بل يخلونه حتى ينطفيء بنفسه‏.‏
بها حجر يسرج بالليل يستغنون به عن المصابيح‏.‏

بلاد الخرلخ
قوم من الترك بلادهم مسيرة خمسة وعشرين يوماً‏.‏
وهم أهل البغي والظلم يغير بعضهم على بعض والزنا عندهم ظاهر‏.‏
وهم أصحاب قمار يقامر أحدهم صاحبه في زوجته وأخته وأمه وابنته فما داموا في مجلس القمار فللمقمور أن يفادي فإذا انفصلا عن مجلس القمار فقد حصل له ما قمر يبيعها من التجار كما يريد‏.‏
ونساؤهم ذوات الجمال والفساد ورجالهم قليلو الغيرة‏:‏ تأتي امرأة الرئيس وأخته إلى القوافل وتختار أحداً منهم وتمشي به إلى بيتها وتنزله عندها وتحسن إليه وزوجها وأقاربها يساعدونها ويتحركون في حوائجها وما دام الضيف عندها فان الزوج لا يدخل عليها‏.‏
ومأكولهم الحمص والعدس ويتخذون من الدخن الخمر ولا يأكلون اللحم إلا مغمساً بالملح ولباسهم الصوف‏.‏
ولهم بيت عبادة في حيطانه صور متقدمي ملوكهم والبيت من خشب لا تأكله النار ومن هذا الخشب في بلادهم كثير‏.‏
بها معدن الفضة يستخرجونها بالزئبق وعندهم شجر يقوم مقام الاهليلج قائم الساق إذا طليت عصارته على الاورام الحارة أبرأها لوقتها‏.‏
ولهم حجر أخضر يعظمونه ويذبحون له الذبائح تقرباً إليه‏.‏
بها نهر فيه حيات إذا وقع عليها عين شيء من الحيوان غشي عليه‏.‏

بلاد الخزر
هم جيل عظيم من الترك بلادهم خلف باب الأبواب الذي يقال له الدربند وهم صنفان‏:‏ صنف بيض أصحاب الجمال الفائق وصنف سمر يقال لهم قرا خزر‏.‏
وأبنيتهم خرقاهات إلا شيء يسير من الطين‏.‏
ولهم أسواق وحمامات‏.‏
ونزولهم على شط نهر آتل ولهم ملك عظيم يسمى بلك‏.‏
وفيهم خلق كثير من المسلمين والنصارى واليهود وعبدة الأوثان‏.‏
وإذا عرض لقوم منهم حكومة يبعثهم إلى حاكمهم والملك لا يدخل بينهم‏.‏
ولكل قوم من الأقوام حاكم‏.‏
ولملكهم قصر من الآجر بعيد من نهر آتل وليس لأحد بناء من الآجر إلا له‏.‏
وحكي أن ملكهم لا يركب إلا في أربعة أشهر مرة وإذا ركب يكون بينه وبين الأجناد قدر ميل وإذا رآه أحد يخر ساجداً ولا يزال كذلك حتى يعبر الملك‏.‏
وإذا بعث سرية فانهزمت قتل الهاربين كلهم ويحضر نساءهم وأولادهم وقماشهم يهبها لغيرهم ويقتلهم‏.‏
وحكي ان ملكهم إذا جاوز الأربعين عزله أو قتله خاصته وقالوا‏:‏ هذا قد نقص عقله لا يصلح لتدبير الملك‏!‏ بلاد خطلخ هم قوم من الترك مسيرة بلادهم عشرة أيام وهم أشد شوكة من جميع قبائل الترك يغيرون على من حولهم ولهم رأى وتدبير في الأمور وينكحون الأخوات‏.‏
والمرأة لا تتزوج إلا زوجاً واحداً فإن مات عنها لا تتزوج باقي عمرها‏.‏
ومن زنى عندهم أحرقوا الزاني والمزني بها ولا طلاق لهم ومهر المرأة جميع ما يملكه الزوج ويأكلون الشعير والجلبان والبر وسائر اللحوم غير المذكاة‏.‏
وإذا تزوج رجل امرأة لا مال لها فمهرها خدمة الولي سنة‏.‏
والقصاص عندهم مشروع والجروح مضمونة بالارش فإن أخذ الارش ومات بالجراحة هدر دمه‏.‏
وملكهم ينكر الشر أشد الانكار ولا يرضى به ومن شرط ملكهم أن لا يتزوج فإن تزوج قتل‏!‏ هم أمة عظيمة من الترك بلادهم متاخمة لبلاد الصقالبة حكى المقدسي أنهم في جزيرة وبيئة تحيط بها بحيرة هي حصنهم وتمنع عنهم عدوهم‏.‏
قال أحمد بن فضلان في رسالته‏:‏ رأيت الروسية وقد وافوا بتجاراتهم على نهر آتل فلم أر أتم بدناً منهم كأنهم النخل شقر بيض لهم شريعة ولغة مخالفة لسائر الترك لكنهم أندر خلق الله لا يتنظفون ولا يحترزون عن النجاسات‏.‏
ومن عادة ملكهم أن يكون في قصر رفيع كبير ومعه أربعمائة رجل من خواصه أهل الثقة عنده يجلسون تحت سريره‏.‏
وله سري عظيم مرصع بالجواهر يجلس معه عليه أربعون جارية لفراشه وربما يطأ واحدة بحضور أصحابه ولا ينزل عن سريره البتة‏.‏
فإن أراد قضاء الحاجة يقرب إليه الطشت وإن أراد الركوب تقرب الدابة إلى جنب السرير وله خليفة يسوس الجيوش ويدبر أمر الرعية ويواقع الأعداء‏.‏
ومن عاداتهم أن من ملك عشرة آلاف درهم اتخذ لزوجته طوقاً من ذهب وإن ملك عشرين ألفاً اتخذ طوقين وعلى هذا فربما كان في رقبة واحدة أطواق كثيرة وإذا وجدوا سارقاً علقوه في شجرة طويلة وتركوه حتى يتفتت‏!‏ بلاد الروم هم أمة عظيمة وهم سكان غربي الإقليم الخامس والسادس قالوا‏:‏ هم من نسل عيصو بن إسحق بن إبراهيم عليه السلام‏.‏
بلادهم واسعة ومملكتهم عظيمة منها الرومية والقسطنطينية‏.‏
بلادهم بلاد برد لدخولها في الشمال وهي كثيرة الخيرات وافرة الثمرات كيرة البهائم من الدواب والمواشي‏.‏
وكانوا في قديم الزمان على دين الفلاسفة إلى أن ظهر فيهم دين النصارى‏.‏
ومن عاداتهم الخروج في أعيادهم بالشعانين والسباسب والدنح بالزينة للهو والطرب والمأكول والمشروب صغيرهم وكبيرهم وفقيرهم وغنيهم على قدر مكنته وقدرته‏.‏
ومن عاداتهم إخصاء أولادهم ليكونوا من سدنة بيوت عبادتهم لكنهم لا يتعرضون للقضيب ويحدثون الخصي بالأنثيين لأنهم كرهوا لرهبانهم احبال نسائهم‏.‏
وأما قضاء الوطر فلا يكرهونه وقيل‏:‏ ان الخصي يبلغ في ذلك مبلغاً لا يبلغه الفحول لأنه يستحلب لفرط المداومة جميع ما عند المرأة ولا يفتر فإذا تزوج أحدهم وأراد الزفاف تحمل المرأة إلى القس حتى يكون القس مفترعها وينالها بركته والزوج أيضاً يمشي معها ليعلم أن الاقتضاض حصل بفعل القس‏!‏ وملوك الروم وهم القياصرة كانوا من أوفر الملوك علماً وعقلاً وأتمهم رأياً وأكثرهم عدداً وعدداً وأوسعهم مملكة وأكثرهم مالاً ومن عاداتهم أن لا يأخذوا عدوهم مغافصة بل إذا أرادوا غزو بلاد كتبوا إلى صاحبها‏:‏ نحن قاصدون بلادك في السنة الآتية فاستعد وتأهب لالتقائنا‏!‏ أمة عظيمة من الترك وهم نصارى كانوا في طاعة سلاطين بني سلجوق إلى زمن سنجر بن ملكشاه فبعث إليهم من يستوفي الخراج منهم فتجاوز الجابي للخراج في الرسم والعادة فضربه ملكهم وكان اسمه طوطى بك فمات الجابي فبعث إلى السلطان يتعذر والسلطان وافق على قبول عذره لكن الحواشي أرادوا النهب والسبي وتحصيل المال قالوا‏:‏ هؤلاء لا يقبل عذرهم فإنه إهانة بالسلطان وجرأة عليه فلنوقع بهم حتى لا يقدم غيرهم على مثل هذا الفعل القبيح‏!‏ فذهب السلطان بعساكره إليهم فتضرعوا وتذللوا وقالوا للسلطان‏:‏ ارحم عوراتنا وذرياتنا وخذ منا دية المقتول أضعافاً مضاعفة وضاعف علينا الخراج فلان السلطان وأبى أصحابه‏.‏
فلما أيسوا من أمنهم تأهبوا للقتال وقالوا‏:‏ نحن كلنا مقتولون فلا نقتل إلا في المعركة بعدما قتل كل منا بدله‏!‏ فركبوا برجالهم ونسائهم وحملوا على المسلمين حملة رجل واحد وكشفوهم كشفاً قبيحاً وهزموهم وأخذوا السلطان ودخلوا بلاد خراسان وخربوها ونهبوا وسبوا‏.‏
وكان ذلك سنة ثمان وأربعين وخمسمائة والسلطان بقي في أسرهم سنة ثم هرب‏.‏
وحكى مسعر بن مهلهل أن لهم مدينة من الحجارة والخشب والقصب ولهم بيت عبادة ولهم تجارات إلى الهند والصين‏.‏
ومأكولهم البر ولحم الغنم وملبوسهم الكتان والفراء‏.‏
بها حجر أبيض ينفع من القولنج وحجر أحمر إذا أمر على النصل لم يقطع شيئاً‏.‏
وبلادهم بلاد كيماك هم قوم من الترك بلادهم مسيرة خمسة وثلاثين يوماً وبيوتهم من جلود الحيوان‏.‏
مأكولهم الحمص والباقلى ولحم الذكران من الضأن والمعز ولا يأكلون الاناث‏.‏
بها عنب نصف الحبة أبيض ونصفها أسود وبها حجارة يستمطر بها متى شاؤوا‏.‏
وعندهم معادن الذهب في سهل من الأرض يجدونه قطاعاً‏.‏
وعندهم الماس يكشف عنه السيل‏.‏
وعندهم نبات ينوم ويخدر‏.‏
وليس لهم ملك ولا بيت عبادة‏.‏
ولهم قلم يكتبون به‏.‏
ومن يجاوز منهم ثمانين سنة عبدوه إلا أن يكون به عاهة‏.‏
بها جبل يسمى منكور به عين في حفرة قال أبو الريحان الخوارزمي في كتابه الآثار الباقية‏:‏ إن هذه الحفرة مقدار ترس كبير وقد استوى الماء على حافاتها فربما يشرب منه عسكر كثير لا ينقص مقدار إصبع وعند هذه العين صخرة عليها أثر رجل إنسان وأثر كفيه بأصابعهما وأثر ركبتيه كأنه كان ساجداً وأثر قدم صبي وحوافر حمار‏.‏
والأتراك الغزية يسجدون لها إذا رأوها لأنهم نصارى ينسبونه إلى عيسى عليه السلام‏.‏

بلدة بهى
هي بلدة من بلاد الترك آهلة غناء أهلها مسلمون ونصارى ويهود ومجوس وعبدة الأصنام ولهم أعياد كثيرة لأن لكل قوم عيداً مخالفاً للآخرين‏.‏
ومسيرة مملكة بهى أربعون يوماً‏.‏
ولهم ملك عظيم ذو قوة وسياسة يسمى بهى‏.‏
بها حجارة تنفع من الرمد وحجارة تنفع من الطحال وعندهم نيل جيد أخبر بهذه كلها أعني بلاد الترك وقبائلها مسعر بن مهلهل فإنه كان سياحاً رآها كلها‏.‏
بيقر قلعة حصينة من أعمال شروان‏.‏
على هذه القلعة صور وتماثيل من الحجر لم تعرف فائدتها لتقادم عهدها‏.‏
وبها دار الإمارة مكتوب على بابها‏:‏ في هذه الدار أحد عشر بيتاً والداخل لا يرى إلا عشرة بيوت وإن بذل جهده والحادي عشر وضع على وجه لا يعرفه أحد لأن فيه خزانة الملك‏.‏
تركستان قد ذكرنا أن كل إقليم من الأقاليم السبعة شرقية مساكن الترك وبلادهم ممتدة من الإقليم الأول إلى السابع عرضاً في شرقي الأقاليم وقد بينا أنهم أمة عظيمة ممتازة عن سائر الأمم بالجلادة والشجاعة وقساوة القلب ومشابهة السباع والغالب على طباعهم الظلم والعسف والقهر ولا يرون إلا ما كان غصباً لطبع السباع وهمهم شن غارة أو طلب ظبي أو صيد طير‏.‏
وعندهم من كبر انه لو سبي أحدهم وتربى في العبودية فإذا بلغ أشده يريد أن يكون زعيم عسكر سيده بل يريد أن يخالفه ويقوم مقامه وينسى حق التربية والانعام السابق‏.‏
ونفوس الترك نفوس مائلة إلى الشر والفساد الذي هو طاعة الشيطان فترى أكثرهم عبدة الأصنام أو الكواكب أو النيران أو نصارى وما فيهم عجيب يذكر إلا سحرهم واستمطارهم المطر بالحجر الذي يرمونه في الماء وذكر انه من خاصية الحجر وقد مر ذكره مبسوطاً‏.‏
حكى صاحب تحفة الغرائب أن بأرض الترك جبلاً لقوم يقال لهم زانك وهم ناس ليس لهم زرع ولا ضرع وفي جبالهم ذهب وفضة كثيرة وربما توجد قطعة كرأس شاة فمن أخذ القطاع الصغار ينتفع بها ومن أخذ القطاع الكبار يموت الآخذ وأهل كل بيت تلك القطعة فيه فإن ردها إلى مكانها انقطع الموت عنهم ولو أخذه الغريب لا يضره شيء‏.‏
وحكي أن بتركستان جبلاً يقال له جبل النار فيه غار مثل بيت كبير كل دابة تدخله تموت في الحال‏.‏مدينة بأرض الفرنج مبنية بالحجارة المهندمة على نهر شعنة‏.‏
لا تفلح بها الكروم والشجر أصلاً لكن يكثر بها القمح والسلت يخرج من نهرها حوت يسمونه سلمون وحوت آخر صغير طعمه ورائحته كطعم القثاء وذكر أن هذا الحوت يوجد في نيل مصر أيضاً ويسمى العير‏.‏
وحكى الطرطوشي أنه رأى برذوم حدثاً بلغت لحيته ركبتيه فمشطها فهبطت عن ركبتيه بأربع أصابع وكان خفيف العارضين فحلف انه لم يكن على وجهه شعر قبل ذلك بستة أعوام ‏!‏ وحكي انه يخرج في الشتاء برذوم عند البرد الشديد نوع من الاوز أبيض أحمر الأرجل والمناقير يسمى عايش وهذا النوع لا يتفرخ إلا في جزيرة عاهق وهي غير مسكونة فربما انكسرت المراكب في البحر فمن تعلق بهذه الجزيرة يقتات ببيض هذا الطير وفراخه الشهر والشهرين‏.‏

رومية
مدينة رئاسة الروم وعلمهم‏.‏
وهي في شمالي غربي القسطنطينية وبينهما مسيرة خمسين يوماً وهي في يد الفرنج ويقال لملكهم ملك المان‏.‏
وبها يسكن البابا الذي تطيعه الفرنج وهو عندهم ومدينة رومية من عجائب الدنيا لعظم عمارتها وكثرة خلقها خارج عن العادة إلى حد لا يصدقه السامع ذكر الوليد بن مسلم الدمشقي أن استدارة رومية أربعون ميلاً في كل ميل منها باب مفتوح فمن دخل من الباب الأول يرى سوق البياطرة ثم يصعد درجاً فيرى سوق الصيارفة والبزازين ثم يدخل المدينة فيرى في وسطها برجاً عظيماً واسعاً في أحد جانبيه كنيسة قد استقبل بمحرابها المغرب وببابها المشرق وفي وسط البرج بركة مبطنة بالنحاس يخرج منها ماء المدينة كله‏.‏
حكي أن في وسطها عموداً من حجارة عليه صورة راكب على بعير يقول أهل المدينة‏:‏ إن الذي بنى هذه المدينة يقول لا تخافوا على مدينتكم حتى يأتيكم قوم على هذه الصفة فهم الذين يفتحونها‏!‏ وثلاثة جوانب المدينة في البحر والرابع في البر ولها سوران من رخام وبين السورين فضاء طوله مائتا ذراع وعرض السور ثمانية عشر ذراعاً وارتفاعه اثنان وستون ذراعاً‏.‏
بها نهر بين السورين يدور ماؤه في جميع المدينة وهو ماء عذب يدور على بيوتهم ويدخلها وعلى النهر قنطرة بدفوف النحاس كل دفة منها ستة وأربعون ذراعاً‏.‏
إذا قصدهم عدو رفعوا تلك الدفوف فيصير بين السورين بحر لا يرام وعمود النهر ثلاثة وتسعون ذراعاً في عرض ثلاثة وأربعين ذراعاً وبين باب الملك إلى باب الذهب اثنا عشر ميلاً وسوق ممتد من شرقيها إلى غربيها بأساطين النحاس وسقفه أيضاً نحاس وفوقه سوق آخر في الجميع التجار وأصحاب الأمتعة‏.‏
وذكر أن بين يدي هذا السوق سوقاً آخر على أعمدة نحاس كل عمود منها ثلاثون ذراعاً‏.‏
وبين هذه الأعمدة نقير من نحاس في طول السوق من أوله إلى آخره فيه لسان من البحر تجري فيه السفن فتجيء السفينة في هذه النقرة وفيه الأمتعة حتى تجتاز على السوق بين يدي التجار فتقف على تاجر تاجر فيختار منها ما يريد ثم ترجع إلى البحر‏.‏
وبها كنيسة داخل المدينة بنيت على اسم مار بطرس ومار بولس وهما مدفونان فيها يقصدهما الروم ولهم فيهما اعتقاد عظيم ويذكرون عنهما أشياء عجيبة‏.‏
وطول هذه الكنيسة ألف ذراع في خمسمائة ذراع في سمك مائتي ذراع‏.‏
وبها كنيسة أخرى بنيت باسم اصطافنوس رأس الشهداء‏.‏
طولها ستمائة ذراع في عرض ثلاثمائة ذراع في سمك مائة وخمسين ذراعاً‏.‏
وسقوف هذه الكنيسة وحيطانها وأرضها وبيوتها وكواها كلها حجر واحد‏.‏
وفي المدينة كنائس كثيرة‏.‏
وفيها عشرة آلاف دير للرجال والنساء وحول سورها ثلاثون ألف عمود للرهبان‏.‏
وفيها اثنا عشر ألف زقاق يجري في كل زقاق منها نهران‏:‏ أحدهما للشرب والآخر للحشوش‏.‏
وفيها اثنا عشر ألف سوق في كل سوق قبانان وأسواقها كلها مفروشة بالرخام الأبيض منصوبة على أعمدة النحاس مطبقة بدفوف النحاس‏.‏
وفيها ستمائة وستون ألف حمام‏.‏
وإذا كان وقت الزوال يوم السبت ترك جميع الناس أشغالهم في جميع الأسواق إلى غروب الشمس يوم الأحد وهو عيد النصارى‏.‏
وبها مجامع لمن يلتمس صنوف العلم من الطب والنجوم والحكمة والهندسة وغير ذلك قالوا‏:‏ انها مائة وعشرون موضعاً‏.‏
وبها كنيسة صهيون‏.‏
شبهت بصهيون بيت المقدس طولها فرسخ في عرض فرسخ في سمك مائتي ذراع ومساحة هيكلها ستة أجربة‏.‏
والمذبح الذي يقدس عليه القربان من زبرجد أخضر طوله عشرون ذراعاً في عرض عشرة أذرع يحمله عشرون تمثالاً من ذهب طول كل تمثال ثلاثة أذرع أعينها يواقيت حمر وفي الكنيسة ألف ومائتا أطسوانة من المرمر الملمع ومثلها من النحاس المذهب طول كل أسطوانة خمسون ذراعاً لكل أسطوانة رجل معروف من الأساقفة‏.‏
ولها ألف ومائتا باب كبار من النحاس الأصفر المفرغ وأربعون باباً من الذهب وأما الأبواب من الآبنوس والعاج فكثيرة‏.‏
وفيها مائتا ألف وثلاثون ألف سلسلة من ذهب معلق من السقف ببكر تعلق منها القناديل سوى القناديل التي تسرج يوم الأحد‏.‏
وبها من الأساقفة والشمامسة وغيرهم ممن يجري عليه الرزق من الكنيسة خمسون ألفاً كلما مات واحد قام مقامه آخر‏.‏
وفيها عشرة آلاف جرة وعشرة آلاف خوان من ذهب وعشرة آلاف كاس وعشرة آلاف مسرجة من ذهب‏.‏
والمنائر التي تدار حول المذبح سبعمائة منارة كلها ذهب وفيها من الصلبان التي تقوم يوم الشعانين ثلاثون ألف صليب وأما صلبان الحديد والنحاس المنقوشة والمموهة فمما لا يحصى ومن المصاحف الذهبية والفضية عشرة آلاف مصحف‏.‏
وقد مثل في هذه الكنيسة صورة كل نبي بعث من وقت آدم إلى عيسى عليه السلام وصورة مريم عليها السلام كان الناظر إذا نظر إليهم يحسبهم أحياء‏.‏
وفيها مجلس الملك حوله مائة عمود على كل عمود صنم في يد كل صنم جرس عليه اسم أمة من الأمم جميعاً‏.‏
زعموا أنها طلسمات إذا تحرك صنم عرفوا ان ملك تلك الأمة يريدهم فيأخذون حذرهم‏.‏
وبها طلسم الزيتون بين يدي هذه الكنيسة صحن يكون خمسة أميال في مثلها في وسطه عمود من نحاس ارتفاعه خمسون ذراعاً وهو كله قطعة واحدة وفوقه تمثال طائر يقال له السوداني من ذهب على صدره نقش وفي منقاره شبه زيتونة وفي كل واحدة من رجليه مثل ذلك‏.‏
فإذا كان أوان الزيتون لم يبق طائر في تلك الأرض إلا أتى وفي منقاره زيتونة وفي رجليه زيتونتان يلقيها على ذلك الطلسم فزيت أهل رومية وزيتونهم من ذلك قالوا‏:‏ هذا من عمل بليناس صاحب الطلسمات‏.‏
وعلى هذا الطلسم أمناء وحفظة من قبل الملك وأبواب مختومة فإذا ذهب أوان الزيتون وامتلأ الصحن من الزيتون يجتمع الأمناء ويعطي الملك البطارقة منه ومن يجري مجراهم على قدرهم ويجعل الباقي لقناديل الكنيسة‏.‏
وهذه القصة أعني طلسم الزيتون رأيتها في كتب كثيرة قلما تترك في شيء من عجائب البلاد‏.‏
وقد روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال‏:‏ من عجائب الدنيا شجرة برومية من نحاس عليها صورة سودانية في منقارها زيتونة فإذا كان أوان الزيتون صفرت فوق الشجرة فيوافي كل طير في تلك الأرض من جنسها ثلاث زيتونات في منقاره ورجليه ويلقيها على تلك الشجرة فيعصرها أهل رومية فتكفيهم لقناديل بيعهم وأكلهم جميع الحول‏.‏
وبها طلسم آخر وهو أنه في بعض كنائسهم نهر يدخل من خارج المدينة وفيه من الضفادع والسلاحف والسرطانات شيء كثير وعلى الموضع الذي يدخله الماء من الكنيسة صورة صنم من حجارة في يده حديدة معتقة كأنه يريد أن يتناول بها شيئاً من الماء فإذا انتهت إليه هذه الحيوانات المؤذية رجعت ولم يدخل الكنيسة شيء منها البتة‏.‏
وهذه كلها منقولة من كتاب ابن الفقيه وهو محمد بن أحمد الهمذاني وأعجب من هذه كلها أن مدينة هذه صفتها من العظم ينبغي أن تكون مزارعها وضياعها إلى مسيرة أشهر وإلا لا يقوم بميرة أهلها‏.‏
وذكر قوم من بغداد أنهم شاهدوا هذه المدينة قالوا‏:‏ انها في العظم والسعة وكثرة الخلق مما يقارب هذا والذي لم يرها يشكل عليه‏.‏
وحكي أن أهل رومية يحلقون لحاهم ووسط هاماتهم فسئلوا عن ذلك فقالوا‏:‏ لما جاءهم شمعون الصفا والحواريون دعوهم إلى النصرانية فكذبوهم وحلقوا لحاهم ورؤوسهم فلما ظهر لهم صدق قولهم ندموا على ما فعلوا وحلقوا لحى أنفسهم ورؤوسهم كفارة لذلك‏.‏
زره كران معناه صناع الدرع‏:‏ قريتان فوق باب الأبواب على تل عال وحواليه قرى ومزارع ورساتيق وجبال وآجام‏.‏
أهلها طوال القدود شقر الوجوه خزر العيون ليس لهم صنعة سوى عمل الدروع والجواشن‏.‏
وهم أغنياء أسخياء يحبون الغرباء لا سيما من يعرف شيئاً من العلوم أو الخط أو يعرف شيئاً من الصناعات ولا يقبلون الخراج لأحد لحصانة موضعهم‏.‏
وليس لهم ملة ولا مذهب‏.‏
وفي كل قرية من تلك القرى بيتان كبيران تحت الأرض مثل السراديب‏:‏ أحدهما للرجال والآخر للنساء‏.‏وفي كل بيت عدة رجال معهم سكاكين فإذا مات أحدهم فإن كان رجلاً حملوه إلى بيت الرجال وإن كانت امرأة إلى بيت النساء فيأخذه أولئك الرجال ويقطعون أعضاءه ويعرقون ما عليها من اللحم ويخرجون ما فيها من النقي ثم يجمعون تلك العظام وما فيها من بلل ولا درن في كيس إن كان من الأغنياء في كيس ديباج وإن كان من الفقراء في كيس خام ويكتبون على الكيس اسم صاحب العظام واسم أبويه وتاريخ ولادته ووقت موته ويعلقون الكيس في تلك البيوت ويأخذون لحم الرجال إلى تل خارج القرية وعليه الغربان السود فيطعمونها ذلك اللحم ولا يخلون طيراً آخر يأكله فإن جاء طير آخر ليأكله رموه بالنشاب ويأخذون لحم النساء إلى مكان آخر ويطعمون الحدأة ويمنعون غيرها من الطيور‏.‏
وحكى أبو حامد الأندلسي أنه سمع أهل دربند أنهم جهزوا ذات مرة العساكر وذهبوا إلى زره كران فذهبوا حتى دخلوا القرية فخرج من تحت الأرض رجال دخلوا تلك البيوت فهبت ريح عاصف وجاء ثلج كثير حتى لم يعرف أحد من تلك العساكر صاحبه فجعل بعضهم يقتل بعضاً وضلوا عن الطريق وهلك منهم خلق كثير ونجا بعضهم بعدما عاينوا الهلاك‏.‏
وذكروا أن صاحب شروان وكان ملكاً جباراً صاحب شوكة وقوة قصدهم ذات يوم طمعاً فيهم فأصابه مثل ما أصاب أصحاب دربند فامتنع الملوك عن غزوهم‏.‏قيل‏:‏ يأجوج ومأجوج ابنا يافث بن نوح عليه السلام‏.‏
وهما ولدا خلقاً كثيراً فصاروا قبيلتين لا يعلم عددهم إلا الله‏.‏
روى الشعبي أن ذا القرنين سار إلى ناحية يأجوج ومأجوج فاجتمع إليه خلق كثير وقالوا‏:‏ أيها الملك المظفر إن خلف هذا الجبل خلقاً لا يعلم عددهم إلا الله يخربون علينا بلادنا وياكلون ثمارنا وزروعنا‏!‏ قال‏:‏ وما صفتهم قالوا‏:‏ قصار ضلع عراض الوجوه‏.‏
قال‏:‏ وكم صنفاً قالوا‏:‏ أمم كثيرة لا يحصيهم إلا الله‏!‏ ثم قالوا‏:‏ هل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً معناه تجمع من عندنا مالاً تصرفه في حاجز بيننا وبينهم ليندفع عنا أذاهم‏.‏
فقال الملك‏:‏ لا حاجة إلى مالكم فإن الله أعطاني من المكنة ما لا حاجة معها إلى مالكم لكن ساعدوني بالآلة والرجال وأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً‏.‏
فأمر بالحديد فأذيب واتخذ منه لبناً عظاماً وأذاب النحاس واتخذه ملاطاً لذلك اللبن وبنى به الفج الذي كانوا يدخلون منه فسواه مع قلتي الجبل فصار شبيهاً بالمصمت‏.‏
وروي أن ذا القرنين إنما عمر السد بعد رجوعه عنهم فتوسط أرضهم ثم انصرف إلى ما بين الصدفين فقاس ما بينهما وهو مقطع أرض الترك فوجد ما بينهما مائة فرسخ فحفر له أساساً بلغ به الماء وجعل عرضه خمسين فرسخاً وجعل حشوه الصخور وطينه بالنحاس المذاب فصب عليه وصار عرقاً من جبل تحت الأرض ثم علاه وشرفه بزبر الحديد والنحاس المذاب وجعل خلاله عرقاً من نحاس ومن الأخبار المشهورة حديث سلام الترجمان قال‏:‏ إن الواثق بالله رأى في المنام أن السد الذي بناه ذو القرنين بيننا وبين يأجوج ومأجوج مفتوح فأرعبه هذا المنام فأحضرني وأمرني بالمشي إلى السد والنظر إليه والرجوع إليه بالخبر وضم إلي خمسين رجلاً ووصلني بخمسة آلاف درهم وأعطاني ديتي عشرة آلاف درهم ومائتي بغل تحمل الزاد والماء‏.‏
قال‏:‏ فخرجنا من سر من رأى بكتاب إلى صاحب أرمينية إسحق بن إسماعيل وكان إسحق بمدينة تفليس فأمره بإنفاذنا وقضاء حوائجنا فكتب إسحق إلى صاحب السرير وصاحب السرير كتب إلى طرخان صاحب اللان وصاحب اللان إلى فيلانشاه وفيلانشاه كتب إلى ملك الخزر وملك الخزر بعث معنا خمسة نفر من الأدلاء‏.‏
فسرنا ستة وعشرين يوماً فوصلنا إلى أرض سوداء منتنة الرائحة وكنا حملنا معنا خلاً لنشمه لدفع غائلة رائحتها بإشارة الادلاء وسرنا في تلك الأرض عشرة ايام ثم صرنا في بلاد خراب مدنها‏.‏
فسرنا فيها سبعة وعشرين يوماً فسألنا الادلاء سبب خرابها فقالوا‏:‏ خربها يأجوج ومأجوج‏.‏
ثم صرنا إلى حصن قريب من الجبل الذي يقوم السد في بعض شعابه ومنه جزنا إلى حصن آخر وبلاد ومدن فيها قوم مسلمون يتكلمون بالعربية والفارسية ويقرأون القرآن ولهم مساجد فسألونا‏:‏ من أين أقبلتم وأين تريدون فأخبرناهم أنا رسل الأمير‏.‏
فأقبلوا يتعجبون ويقولون‏:‏ أشيخ أم شاب قلنا‏:‏ شاب‏.‏
فقالوا‏:‏ أين يسكن قلنا‏:‏ بأرض العراق في مدينة يقال لها سر من رأى‏.‏
فقالوا‏:‏ ما سمعنا بهذا قط‏.‏
ثم ساروا معنا إلى جبل أملس ليس عليه شيء من النبات وإذا هو مقطوع بواد عرضه مائة وخمسون ذراعاً فإذا عضادتان مبنيتان مما يلي الجبل من جنبتي الوادي عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعاً الظاهر من ثخنها عشرة أذرع خارج الباب كله مبني بلبن حديد مغيب في نحاس في سمك خمسين ذراعاً وإذا دروند حديد طرفاه في العضادتين طوله مائة وعشرون ذراعاً قد ركب على العضادتين على كل واحد مقدار عشرة أذرع في عرض خمسة أذرع‏.‏
وفوق الدربند بناء باللبن الحديد والنحاس إلى رأس الجبل‏.‏
وارتفاعه مد البصر وفوق ذلك شرف حديد في طرف كل شرف قرنان ينثني كل واحد منهما إلى صاحبه وإذا باب حديد مصراعان مغلقان عرض كل مصراع ستون ذراعاً في ارتفاع سبعين ذراعاً في ثخن خمسة أذرع وقائمتان في دوارة على قدر الدربند وعلى الباب قفل طوله سبعة أذرع في غلظ باع وارتفاع القفل من الأرض خمسة وعشرون ذراعاً وفوق القفل نحو خمسة أذرع غلق طوله أكثر من طول القفل وعلى الغلق مفتاح مغلق طوله سبعة أذرع له أربعة عشر دندانكاً كل دندانك أكبر من دستج الهاون مغلق في سلسلة طولها ثمانية أذرع في استدارة أربعة أشبار والحلقة التي فيها السلسلة مثل حلقة المنجنيق وارتفاع عتبة الباب عشرة أذرع في بسط مائة ذراع سوى ما تحت العضادتين والظاهر منها خمسة أذرع وهذا الذرع كله ذراع السواد‏.‏
ورئيس تلك الحصون يركب كل يوم جمعة في عشرة فوارس مع كل فارس مرزبة حديد يدقون الباب ويضرب كل واحد منهم القفل والباب ضرباً قوياً مراراً ليسمع من وراء الباب ذلك فيعلمون أن هناك حفظة ويعلم هؤلاء أن أولئك لم يحدثوا في الباب حدثاً‏.‏
وإذا ضربوا الباب وضعوا آذانهم فيسمعون وراء الباب دوياً عظيماً‏.‏
وبالقرب من السد حصن كبير يكون فرسخاً في مثله يقال انه كان يأوي إليه الصناع زمان العمل‏.‏
ومع الباب حصنان يكون كل واحد منهما مائتي ذراع في مثلها وعلى باب هذين الحصنين شجر كبير لا يدرى ما هو وبين الحصنين عين عذبة وفي أحد الحصنين آلة البناء الذي بني به السد من قدر الحديد والمغارف وهناك بقية اللبن الحديد وقد التصق بعضه ببعض من الصدإ واللبنة ذراع ونصف في سمك شبر‏.‏
قال‏:‏ فسألنا أهل تلك البلاد هل رأيتم أحداً من يأجوج ومأجوج فذكروا أنهم رأوا منهم عدداً فوق الشرف ذات مرة فهبت ريح سوداء فألقتهم إلينا فكان مقدار الواحد منهم في رأي العين شبراً ونصفاً‏.‏
فهممنا بالانصراف فأخذنا الادلاء نحو جهة خراسان فسرنا حتى خرجنا خلف سمرقند بسبعة فراسخ وأخذنا طريق العراق حتى وصلنا‏.‏
وكان من خروجنا سقسين بلدة من بلاد الخزر عظيمة آهلة ذات أنهار وأشجار وخيرات كثيرة‏.‏
ذكروا أن أهلها أربعون قبيلة من الغز‏.‏
وفي المدينة من الغرباء والتجار ما لا يحصى عددهم والبرد عندهم شديد جداً ولكل واحد دار فيحاء كبيرة وفي الدار خرقاه مغطاة باللبود من البرد‏.‏
وأهلها مسلمون أكثرهم على مذهب الإمام أبي حنيفة ومنهم من هو على مذهب الإمام الشافعي‏.‏
وفيها جوامع لكل قوم جامع يصلون فيه ويوم العيد تخرج منابر لكل قوم منبر يخطبون عليه ويصلون مع إمامهم‏.‏
والشتاء عندهم شديد جداً‏.‏
وسقوف أبنيتهم كلها من خشب الصنوبر‏.‏
بها نهر عظيم أكبر من دجلة وفيه من أنواع السمك ما لم يشاهده أحد في غيره يكون السمك حمل جمل وفيها صغار لا شوك فيها كأنها الية الحمل محشوة بلحم الدجاج بل أطيب ويشترى من هذا السمك مائة من بنصف دانق يخرج من بطنها دهن يكفي للسراج شهراً ويحصل منها الغراء نصف من وأكثر‏.‏
وإن قدد يكون من أحسن قديد‏.‏
ومعاملات أهل سقسين على الرصاص كل ثلاثة أمنان بالبغدادي بدينار ويشترون بها ما شاؤوا كالفضة في بلادنا‏.‏
والخبز واللحم عندهم رخيص تباع الشاة بنصف دانق والحمل حكى الغرناطي أن نهرهم قد جمد عند الشتاء وأنا مشيت عليه فكان عرضه ألف خطوة وثمانمائة ونيفاً وأربعين‏.‏

شابر
بليدة بناحية باب الأبواب‏.‏بها جب بيجن وإنها جب عميقة‏.‏
لما ظفر افراسياب ملك الترك ببيجن مقدم الفرس كره أن يقتله لكثرة ما نال منه في الوقائع وأراد تعذيبه فكبله وحبسه في هذه الجب وألقى على رأسها صخرة عظيمة فذهب رستم الشديد إليها خفية وسرقه ورفع الصخرة من رأس الجب ورمى بها وأتى به إلى بلاد الفرس وعاد بيجن إلى ما كان يأخذ العساكر ويوقع بالترك ويبليهم بالبلاء‏.‏
والصخرة التي كانت على رأس الجب ملقاة هناك يتعجب الناس من كبرها ورفع رستم إياها‏.‏
وبها دجلة الخنازير التي جرى ذكرها في كتاب شاه نامه في قصة بيجن‏.‏

شروان
ناحية قرب باب الأبواب قالوا‏:‏ عمرها أنوشروان كسرى الخير فسميت باسمه وأسقط شطرها تخفيفاً‏.‏
وهي ناحية مستقلة بنفسها يقال لملكها اخستان‏.‏
ذهب بعضهم إلى أن قصة موسى والخضر عليهما السلام كانت بها وان الصخرة التي نسي يوشع عليه السلام الحوت عندها بشروان والبحر بحر الخزر والقرية التي لقيا فيها غلاماً فقتله قرية جيران والقرية التي استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض فأقامه باجروان وهذه كلها من نواحي أرمينية قرب الدربند ومن الناس من يقول انها كانت بأرض افريقية‏.‏
وبها أرض مقدار شوط فرس يخرج منها بالنهار دخان وبالليل نار إذا غرزت في هذه الأرض خشبة احترقت والناس يحفرون فيها حفراً ويتركون قدورهم فيها باللحم والأبازير فيستوي نضجها حدثني بهذا بعض فقهاء شروان‏.‏
وبها نبات عجيب يسمى خصى الثعلب حكى الشيخ الرئيس أنه رآه بها وهو يشبه خصيتين إحداهما ذابلة والأخرى طرية ذكر أن من عرضه عليه قال‏:‏ الذابلة تضعف قوة الباه والطرية تعين عليها‏.‏
ينسب إليها الحكيم الفاضل أفضل الدين الخاقاني كان رجلاً حكيماً شاعراً‏.‏
اخترع صنفاً من الكلام انفرد به وكان قادراً على نظم القريض جداً محترزاً عن الرذائل التي تركبها الشعراء محافظاً على المروءة والديانة حتى ان صاحب شروان أراد رجلاً يستعمله في بعض أشغاله فقال له وزيره‏:‏ ما لهذا الشغل مثل الخاقاني‏!‏ فطلبه وعرضه عليه فأبى وقال‏:‏ إني لست من رجال هذا الشغل‏!‏ فقال الوزير‏:‏ الزمه به إلزاماً‏!‏ فحبسه على ذلك فبقي في الحبس أياماً لم يقبل فقال الملك للوزير‏:‏ حبسته وما جاء منه شيء‏!‏ فقال الوزير‏:‏ ما عملت شيئاً حبسته في دار خالية وحده وهو ما يريد إلا هذا احبسه في حبس الجناة‏!‏ فحبسه مع السراق والعيارين فيأتيه أحدهم يقول‏:‏ على أي ذنب حبست ويأتيه الآخر يقول‏:‏ انشدني قصيدة‏!‏ فلما رأى شدة الحال ومقاساة الأغيار يوماً واحداً بعث إلى الملك‏:‏ إني رضيت بكل ما أردت كل شيء ولا هذا‏!‏ فأخرجه وولاه ذلك الشغل‏.‏

شلشويق
مدينة عظيمة جداً على طرف البحر المحيط‏.‏وفي داخلها عيون ماء عذب‏.‏
أهلها عبدة الشعرى إلا قليلاً وهم نصارى لهم بها كنيسة‏.‏
حكى الطرطوشي‏:‏ لهم عيد اجتمعوا فيه كلهم لتعظيم المعبود والأكل والشرب ومن ذبح شيئاً من القرابين ينصب على باب داره خشباً ويجعل القربان عليه بقراً كان أو كبشاً أو تيساً أو خنزيراً حتى يعلم الناس انه يقرب به تعظيماً لمعبوده‏.‏
والمدينة قليلة الخير والبركة‏.‏
أكثر مأكولهم السمك فإنه كثير بها‏.‏
وإذا ولد لأحدهم أولاد يلقيهم في البحر ليخف عليه نفقتهم‏.‏وبها كحل مصنوع إذا اكتحلوا به لا يزول أبداً ويزيد الحسن في الرجال والنساء وقال‏:‏ لم أسمع غناء أقبح من غناء أهل شلشويق‏.‏
وهي دندنة تخرج من حلوقهم كنباح الكلاب وأوحش منه‏.‏

شناس
بليدة من بلاد لكزان على طرف جبل شاهق جداً لا طريق إليها إلا من أعلى الجبل فمن أراد أن يأتيها أخذ بيده عصا وينزل يسيراً يسيراً من شدة هبوب الريح لئلا تسفره الريح‏.‏
والبرد عندهم في غاية الشدة سبعة أشهر‏.‏
فيها كلبة وينبت عندهم نوع من الحب يقال له السلت وشيء من التفاح الجبلي‏.‏
وأهلها أهل الخير والصلاح والضيافة للفقراء والإحسان إلى الغرباء وصنعتهم عمل الأسلحة كالدروع والجواشن وغيرها من أنواع الأسلحة‏.‏
ظاخر مدينة كبيرة آهلة على ست مراحل من جنزة وهي قصبة بلاد لكزان‏.‏
البرد بها شديد جداً‏.‏
حدثني الفقيه يوسف بن محمد الجنزي أن ماءها من نهر يسمى ثمور يكون جامداً في الشتاء والصيف يكسرون الجمد ويسقون الماء من تحته فإذا اسقوا وجعلوه في جرة تركوها في غطاء من جلد الغنم لئلا يجمد في الحال‏.‏
وقوتهم من حب يقال له السلت يشبه الشعير في صورته وطبعه طبع الحنطة ولا تجارة عندهم ولا معاملة بل كل واحد يزرع من هذا الحب قدر كفايته ويتقوت به وبدر غنيمات له ورسلها ويلبس من صوفها‏.‏
ولا رئيس بل عندهم خطيب يصلي بهم وقاض يفصل الخصومات بينهم على مذهب الإمام الشافعي وأهل المدينة كلهم شافعية بها مدرسة بناها الوزير نظام الملك الحسن بن علي بن إسحق وفيها مدرس وفقهاء وشرط لكل فقيه فيها كل شهر رأس غنم وقدر من السلت وذكر أنهم نقلوا مختصر المزني إلى لغة اللكزية وكذلك كتاب الإمام الشافعي ويشتغلون بهما‏.‏
فاراب ولاية في تخوم الترك بقرب بلاد ساغو مقدارها في الطول والعرض أقل من يوم إلا أن بها منعة وبأساً‏.‏
وهي أرض سبخة ذات غياض‏.‏
ينسب إليها الأديب الفاضل إسماعيل بن حماد الجوهري صاحب كتاب صحاح اللغة وكذلك خاله إسحق بن إبراهيم صاحب ديوان الأدب ومن العجب أنهما كانا من أقصى بلاد الترك وصارا من أئمة العربية‏!‏ فرغانة ناحية بما وراء النهر متاخمة لبلاد الترك كثيرة الخيرات وافرة الغلات قال ابن الفقيه‏:‏ بناها أنوشروان كسرى الخير‏.‏
نقل إليها من كل أهل بيت وسماها هرخانه بها جبال ممتدة إلى بلاد الترك وفيها من الأعناب والتفاح والجوز وسائر الفواكه ومن الرياحين الورد والبنفسج وغيرهما كلها مباح لا مالك لها وفيها وفي أكثر جبال ما وراء النهر الفستق المباح‏.‏
وبها من المعادن معدن الذهب والفضة والزئبق والحديد والنحاس والفيروزج والزاج والنوشاذر والنفط والقير والزفت وبها جبل تحترق حجارته مثل الفحم يباع وإذا احترق يستعمل رماده في تبييض الثياب قال الاصطخري‏:‏ لا أعرف مثل هذا الحجر في جميع الأرض‏.‏
وبها عيون ماؤها يجمد في الصيف عند شدة الحر وفي الشتاء يكون حاراً جداً حتى يأوي إليها السوام لدفء موضعها‏.‏


أرب جمـال 23 - 11 - 2009 02:58 AM

قسطنطينية
دار ملك الروم بينها وبين بلاد المسلمين البحر الملح بناها قسطنطين بن سويروس صاحب رومية وكان في زمن شابور ذي الأكتاف وجرى بينهما محاربات استخرج الحكماء وضعها‏.‏
لم يبن مثلها قبلها ولا بعدها والحكاية عن عظمها وحسنها كثيرة وهذه صورتها‏:‏ والآن لم تبق على تلك الصورة لكنها مدينة عظيمة‏.‏
بها قصر الملك يحيط به سور دورته فرسخ له ثلثمائة باب من حديد فيه كنيسة الملك وقبتها من ذهب لها عشرة أبواب‏:‏ ستة من ذهب وأربعة من فضة‏.‏
والموضع الذي يقف فيه الملك أربعة أذرع في أربعة أذرع مرصع بالدر والياقوت والموضع الذي يقف فيه القس ستة أشبار من قطعة عود قماري‏.‏
وجميع حيطان الكنيسة بالذهب والفضة وبين يديه اثنا عشر عموداً كل عمود أربعة أذرع وعلى رأس كل عمود تمثال إما صورة آدمي أو ملك أو فرس أو أسد أو طاووس أو فيل أو جمل‏.‏
وبالقرب منه صهريج فإذا أرسل فيه الماء امتلأ يصعد الماء إلى تلك التماثيل التي على رؤوس الأساطين فإذا كان يوم الشعانين وهو عيدهم في الصهريج حياض ملؤها حوض زيتاً وحوض خمراً وحوض عسلاً وحوض ماءً ورداً وحوض خلاً وطيبوها بالمسك والقرنفل وحوض ماء صافياً‏.‏
ويغطى الصهريج بحيث لا يراه أحد فيخرج الماء والشراب والمائعات من أفواه تلك الصور فيتناول الملك وأصحابه وجميع من خرج معه إلى العيد‏.‏
وبقرب الكنيسة عمود طوله ثلاثمائة ذراع وعرضه عشرة أذرع وفوق العمود قبر قسطنطين الملك الذي بنى الكنيسة وفوق القبر تمثال فرس من صفر وعلى الفرس صنم على صورة قسطنطين على رأسه تاج مرصع بالجواهر ذكروا أنه كان تاج هذا الملك وقوائم الفرس محكمة بالرصاص على الصخرة ما عدا يده اليمنى فإنها سائبة في الهواء ويد الصنم اليمنى فإنها في الجو كأنه يدعو الناس إلى قسطنطينية وفي يده اليسرى كرة وهذا العمود يظهر في البحر من مسيرة بعض يوم للراكب في البحر واختلفت أقاويل الناس فيها‏:‏ فمنهم مني قول في يد الصنم طلسم يمنع العدو عن البلد ومنهم من يقول‏:‏ على الكرة التي بيده مكتوب‏:‏ ملكت الدنيا حتى صارت بيدي هكذا يعني كهذه الكرة وخرجت منها مبسوط اليد هكذا‏.‏
والله أعلم‏.‏
ومن عجائب الدنيا ما ذكره الهروي وهو منارة قسطنطينية وهي منارة موثقة بالرصاص والحديد وهي في الميدان إذا هبت رياح أمالتها جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً من أصل كرسيها‏.‏
ويدخل الناس الخزف والجوز في خلل بنائها فتطحنها‏.‏
وبها فنجان الساعات‏:‏ اتخذ فيه اثنا عشر باباً لكل باب مصراع طوله شبر على عدد الساعات كلما مرت ساعة من ساعات الليل أو النهار انفتح باب وخرج منه شخص ولم يزل قائماً حتى تتم الساعة فإذا تمت الساعة دخل ذلك الشخص ورد الباب وانفتح باب آخر وخرج منه شخص آخر على هذا المثال‏.‏
وذكر الروم انه من عمل بليناس الحكيم وعلى باب قصر الملك طلسم وهو ثلاثة تماثيل من صفر على صورة الخيل عملها بليناس للدواب لئلا تشغب ولا تصهل على باب الملك‏.‏قال صاحب تحفة الغرائب‏:‏ في حد خليج قسطنطينية قرية فيها بيت من الحجر وفي البيت صورة الرجال والنساء والخيل والبغال والحمير وغيرها من الحيوانات فمن أصابه وجع في عضو من أعضائه يدخل ذلك البيت ويقرب من مثل صورته ويمسح بيده مثل العضو الوجع من الصورة ثم يمسح العضو الوجع فإن وجعه يزول في الحال‏.‏
وبها قبر أبي أيوب الأنصاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
حكي أنه لما غزا يزيد بن معاوية بلاد الروم أخذ معه أبا أيوب الأنصاري وكان شيخاً هماً أخذه للبركة فتوفي عند قسطنطينية فأمر يزيد أن يدفن هناك ويتخذ له مشهد‏.‏
فقال صاحب الروم‏:‏ ما أقل عقل هذا الصبي‏!‏ دفن صاحبه ههنا وبنى له مشهداً ما تفكر في أنه إذا مشى نبشناه ورميناه إلى الكلاب‏!‏ فبلغ هذا القول يزيد بن معاوية قال‏:‏ ما رأيت أحمق من هذا ما تفكر في أنه إن فعل ذلك ما نترك قبراً من قبور النصارى في بلادنا إلا نبشناه ولا كنيسة إلا خربناها‏!‏ فعند ذلك قال صاحب الروم‏:‏ ما رأينا أعقل منه ولا ممن أرسله‏!‏ وهذه التربة عندهم اليوم معظمة يستصحبون فيها ويكشفون سقفها عند الاستسقاء إذا قحطوا فيغاثون‏.‏
القليب أرض قريبة من بلاد الصين‏.‏
ذكروا أن بعض التبابعة أراد غزو الصين فمات في طريقه فتخلف عنه أصحابه وأقاموا بهذه الأرض فوجدوها أرضاً طيبة كثيرة المياه والأشجار‏.‏
لهم بها مصايف ومشات يتكلمون بالعربية القديمة لا يعرفون غيرها ويكتبون بالقلم الحميري ولا يعرفون قلمنا ويعبدون الأصنام وملكهم من أهل بيت قديم لا يخرجون الملك عن أهل ذلك البيت وملكهم يهادي ملك الصين‏.‏
ولهم أحكام وحظر الزنا والفسق ومملكتهم مسيرة شهر واحد أخبر بذلك كله مسعر بن مهلهل عن مشاهدتها‏.‏
كرتنة قال العذري‏:‏ إنها مدينة كبيرة بأرض الفرنج يسكنها قوم نصف وجه كل واحد منهم أبيض في بياض مثل الثلج والنصف الآخر معتدل اللون‏.‏
كرمالة حصن بأرض الفرنج قال العذري‏:‏ حكى نصارى تلك الناحية أنه مر بهذا الحصن شيث مرتين فخرجت عليه امرأة كانت زوجة سلاب على الطريق هي وزوجها يسلبان ثياب المارين‏.‏
فخرجت المرأة على شيث مرتين وكان مستجاب الدعوة فجردته عن ثيابه وهو مطاوع لها وأعطاها حتى بلغت به نزع السراويل فعند ذلك دعا عليها فمسخت حجراً صلداً من ساعتها فأدخل في فمها زرجونة فصارت الزرجونة مطعمة‏.‏
وكل من أكل من أصل تلك الزرجونة لم يولد له ولد‏.‏

مدينة النساء
مدينة كبيرة واسعة الرقعة في جزيرة في بحر المغرب قال الطرطوشي‏:‏ أهلها نساء لا حكم للرجال عليهن يركبن الخيول ويباشرن الحرب بأنفسهن ولهن بأس شديد عند اللقاء ولهن مماليك يختلف كل مملوك بالليل إلى سيدته ويكون معها طول ليلته ويقوم بالسحر ويخرج مستتراً عند انبلاج الفجر فإذا وضعت إحداهن ذكراً قتلته في الحال وإن وضعت أنثى تركتها وقال الطرطوشي‏:‏ مدينة النساء يقين لا شك فيها‏.‏

مغانجة
مدينة عظيمة جداً بعضها مسكون والباقي مزروع‏.‏وهي بأرض الفرنج على نهر يسمى رين‏.‏
وهي كثيرة القمح والشعير والسلت والكروم والفواكه‏.‏
بها دراهم من ضرب سمرقند في سنة إحدى واثنتين وثلاث مائة عليها اسم صاحب السكة وتاريخ الضرب قال الطرطوشي‏:‏ ومن العجائب أن بها العقاقير التي لا توجد إلا بأقصى الشرق وانها من أقصى الغرب كالفلفل والزنجبيل والقرنفل والسنبل والقسط والخاولنجان فإنها تجلب من بلاد الهند وإنها موجودة بها مع الكثرة‏.‏
نيقية قال ابن الهروي‏:‏ إنها من أعمال استنبول‏.‏
وهي المدينة التي اجتمع بها آباء الملة المسيحية فكانوا ثلاثمائة وثمانية عشر‏.‏
آباء يزعمون أن المسيح كان معهم في هذا المجمع وهو أول المجامع لهذه الملة وبه أظهروا الأمانة التي هي أصل دينهم‏.‏
وفي بيعتها صور هؤلاء وصورة المسيح على كراسيهم‏.‏
وفي طريق هذه المدينة تل على رأسه قبر أبي محمد البطال‏.‏
والله الموفق‏.‏

الاقليم السابع
أوله حيث يكون النهار في الاستواء سبعة أقدام ونصف وعشر وسدس قدم كما هو في الإقليم السادس لأن آخره أول هذا وآخره حيث يكون الظل نصف النهار في الاستواء ثمانية أقدام ونصفاً ونصف عشر قدم‏.‏
وليس فيه كثير عمارة إنما هو من المشرق غياض وجبال يأوي إليها فرق من الأتراك كالمستوحشين يمر على جبال باشغرت وحدود التحماكية وبلدي سوار وبلغار وينتهي إلى البحر المحيط‏.‏
وقليل من وراء هذا الاقليم من الأمم مثل ويسو وورنك ويورة وأمثالهم‏.‏
ووقع في طرفه الأدنى الذي يلي الجنوب حيث وقع الطرف الشمالي في الإقليم السادس‏.‏
وأطول نهار هؤلاء في أول الإقليم خمس عشرة ساعة ونصف وربع ساعة وأوسطه ست عشرة وآخره ست عشرة وربع وطوله من المشرق إلى المغرب ستة آلاف ميل وسبعمائة وثمانون ميلاً وأربع وخمسون دقيقة وعرضه مائة وخمسة وثمانون ميلاً وعشرون دقيقة وتكسيره ألف ألف ميل ومائتا ألف ميل وأربعة وعشرون ألف ميل وثمانمائة وأربعة وعشرون ميلاً وتسع وأربعون دقيقة‏.‏
وآخر هذا الإقليم هو آخر العمارة ليس وراءه إلا قوم لا يعبأ بهم وهم بالوحش أشبه‏.‏
ولنذكر شيئاً مما في هذا الإقليم من العمارات‏.‏
والله الموفق‏.‏جيل عظيم من الترك بين قسطنطينية وبلغار‏.‏
حكى أحمد بن فضلان رسول المقتدر بالله إلى ملك الصقالبة لما أسلم فقال‏:‏ عند ذكر باشغرت وقعنا في بلاد قوم من الترك وجدناهم شر الأتراك وأقدرهم وأشدهم إقداماً على القتل فوجدتهم يقولون‏:‏ للصيف رب وللشتاء رب وللمطر رب وللريح رب وللشجر رب وللناس رب وللدواب رب وللماء رب ولليل رب وللنهار رب وللموت رب وللحياة رب وللأرض رب وللسماء رب وهو أكبرهم إلا أنه يجتمع مع هؤلاء بالاتفاق ويرضى كل واحد بعمل شريكه‏.‏
وحكي أنه رأى قوماً يعبدون الكراكي فقلت‏:‏ إن هذا من أعجب الأشياء‏!‏ وسألت عن سبب عبادتهم الكراكي فقالوا‏:‏ كنا نحارب قوماً من أعدائنا فهزمونا فصاحت الكراكي وراءهم فحسبوها كميناً منا فانهزموا ورجعت الكرة لنا عليهم فنعبدها لأنها هزمت أعداءنا‏.‏
وحكى فيه من باشغرت أن أهل باشغرت أمة عظيمة والغالب عليهم النصارى وفيهم جمع من المسلمين على مذهب الإمام أبي حنيفة ويؤدون الجزية إلى النصارى كما تؤدي النصارى ههنا إلى المسلمين‏.‏
ولهم ملك في عسكر كثير‏.‏
وأهل باشغرت في خرقاهات ليس عندهم حصون وكانت كل حلة من الحلل اقطاعاً لمتقدم صاحب شوكة‏.‏
وكان كثيراً ما يقع بينهم خصومات بسبب الإقطاعات فرأى ملك باشغرت أن يسترد منهم الإقطاعات ويجري لهم الجامكيات من الخزانة دفعاً لخصوماتهم ففعل‏.‏
فلما قصدهم التتر تجهز ملك باشغرت لالتقائهم قال المتقدمون‏:‏ لسنا نقاتل حتى ترد إلينا إقطاعاتنا‏!‏ فقال الملك‏:‏ لست أرد إليكم على هذا الوجه وأنتم إن قاتلتم فلأنفسكم وأولادكم ‏!‏ فتفرق ذلك الجمع الكثير ودهمهم سيف التتر بلا مانع وتركوهم حصيداً خامدين‏.‏
باطن الروم بها جيل كثيرون على ملة النصارى‏.‏
وهم كبني أم واحدة بينهم محبة شديدة يقال لهم الطرشلية ذكر العذري أن لهم عادات عجيبة منها أن أحدهم إذا شهد على الآخر بالنفاق يمتحنان بالسيف وذلك بأن يخرج الرجلان الشاهد والمشهود عليه بإخوتهما وعشيرتهما فيعطى كل واحد سيفين يشد أحدهما في وسطه ويأخذ الآخر بيده ويحلف الذي نسب إلى النفاق أنه بريء مما رمي به بالأيمان المعتبرة عندهم ويحلف الآخر أن الذي قال فيه حق ثم يسجد كل واحد على بعد من صاحبه نحو المشرق ثم يبرز كل واحد إلى صاحبه ويتقاتلان حتى يقتل أحدهما أو ينقاد‏.‏ومنها محنة النار فإذا اتهم أحد بالمال أو الدم تؤخذ حديدة تحمى بالنار ويقرأ عليها شيء من التوراة وشيء من الإنجيل ويثبت في الأرض عودان قائمان وتؤخذ الحديدة بالكلبتين من النار وتنزل على طرفي العودين فيأتي المتهم ويغسل يديه ويأخذ الحديدة ويمشي بها ثلاث خطوات ثم يلقيها ويربط يده برباط ويختم عليه ويوكل به يوماً وليلة فإن وجد به في اليوم الثالث نفاطة يخرج منها الما فهو مجرم وإلا فهو بريء‏.‏
ومنها محنة الماء وهي أن المتهم تربط يداه ورجلاه ويشد في حبل والقسيس يمشي به إلى ماء كثير يلقيه فيه وهو يمسك الحبل فإن طفا فهو مجرم وإن رسب فهو بريء بزعمهم أن الماء قبله‏!‏ ولا يمتحنون بالماء والنار إلا العبيد وأما الأحرار فإن اتهموا بمال أقل من خمسة دنانير يبرز الرجلان بالعصا والترس فيتضاربان حتى ينقاد أحدهما فإن كان أحد الخصمين امرأة أو اشل أو يهودياً يقيم عن نفسه بخمسة دنانير فإن وقع المتهم فلا بد من صلته وأخذ جميع ماله ويعطى المبارز من ماله عشرة دنانير‏.‏
بجنة موضع ببلاد الترك بها جبل على قلته شبه خرقاه من الحجر وداخل الخرقاه عين ينبع الماء منها وعلى ظهر الخرقاه شبه كوة يخرج الماء منها وينصب من الخرقاه إلى الجبل ومن الجبل إلى الأرض وتفوح من ذلك الماء رائحة طيبة‏.‏
برجان بلاد غائطة في جهة الشمال ينتهي قصر النهار فيها إلى أربع ساعات والليل إلى عشرين ساعة وبالعكس‏.‏
أهلها على الملة المجوسية والجاهلية يحاربون الصقالبة‏.‏
وهم مثل الإفرنج في أكثر أمورهم ولهم حذق بالصناعات ومراكب البحر‏.‏
بلغار مدينة على ساحل بحر مانيطس قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ هي مدينة عظيمة مبنية من خشب الصنوبر وسورها من خشب البلوط وحولها من أمم الترك ما لا يعد ولا يحصى‏.‏
وبين بلغار وقسطنطينية مسيرة شهرين وبين ملوكهم قتال‏.‏
يأتي ملك بلغار بجنود كثيرة ويشن الغارات على بلاد قسطنطينية والمدينة لا تمتنع منهم إلا بالأسوار‏.‏
قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ طول النهار ببلغار يبلغ عشرين ساعة وليلهم يبقى أربع ساعات وإذا قصر نهارهم يعكس ذلك‏.‏
والبرد عندهم شديد جداً لا يكاد الثلج ينقطع عن أرضهم صيفاً حكى أبو حامد الأندلسي أن رجلاً صالحاً دخل بلغار وكان ملكها وزوجته مريضين مأيوسين من الحياة فقال لهما‏:‏ إن عالجتكما تدخلان في ديني قالا‏:‏ نعم‏!‏ فعالجهما فدخلا في دين الإسلام وأسلم أهل تلك البلاد معهما فسمع بذلك ملك الخزر فغزاهم بجنود عظيمة فقال ذلك الرجل الصالح‏:‏ لا تخافوا واحملوا عليهم وقولوا الله أكبر الله أكبر‏!‏ ففعلوا ذلك وهزموا ملك الخزر ثم بعد ذلك صالحهم ملك الخزر وقال‏:‏ إني رأيت في عسكركم رجالاً كباراً على خيل شهب يقتلون أصحابي‏!‏ فقال الرجل الصالح‏:‏ أولئك جند الله‏!‏ وكان اسم ذلك الرجل بلار فعربوه فقالوا بلغار هكذا ذكر القاضي البلغاري في تاريخ بلغار وكان من أصحاب إمام الحرمين وملك بلغار في ذلك البرد الشديد يغزو الكفار ويسبي نساءهم وذراريهم‏.‏
وأهل بلغار أصبر الناس على البرد وسببه أن أكثر طعامهم العسل ولحم القندر والسنجاب‏.‏
وحكى أبو حامد الأندلسي أنه رأى بأرض بلغار شخصاً من نسل العاديين الذين آمنوا بهود عليه السلام وهربوا إلى جانب الشمال كان طوله أكثر من سبعة أذرع كان الرجل الطويل إلى حقوه وكان قوياً يأخذ ساق الفرس فيكسرها ولا يقدر غيره أن يكسرها بالفأس‏.‏
وكان في خدمة ملك بلغار وهو قربه واتخذ له درعاً على قدره وبيضة كأنها مرجل كبير ويأخذه معه في الحروب على عجلة لأن الجمل ما كان يحمله ويمشي إلى الحرب على عجلة كيلا يتعب من المشي ويقاتل راجلاً بخشبة في يده طويلة لا يقدر الرجل الواحد على حملها وكانت في يده كالعصا في يد أحدنا والأتراك يهابونه إذا رأوه مقبلاً إليهم انهزموا ومع ذلك كان لطيفاً مصلحاً عفيفاً‏.‏
وفي كتاب سير الملوك أن القوم الذين آمنوا بهود عليه السلام وهربوا إلى بلاد الشمال وأمعنوا فيها توجد بأرض بلغار عظامهم قال أبو حامد‏:‏ رأيت سناً واحدة عرضها شبران وطولها أربعة أشبار وجمجمة رأسه كالقبة وتوجد تحت الأرض أسنان مثل أنياب الفيلة بيض كالثلج ثقيلة في الواحدة منها مائتا من لا يدرى لأي حيوان هي فلعلها سن دوابهم تحمل إلى خوارزم‏.‏
والقفل متصلة من بلاد بلغار إلى خوارزم إلا أن طريقهم في واد من الترك ويشترى من تلك الأسنان في خوارزم بثمن جيد تتخذ منها الأمشاط والحقاق وغيرهما كما تتخذ من العاج بل هي أقوى من العاج لا تنكسر البتة‏.‏
وحكي من الأمور العجيبة أن أهل ويسو ويورا إذا دخلوا بلاد بلغار ولو في وسط الصيف برد الهواء ويصير كالشتاء يفسد زروعهم وهذا مشهور عندهم لا يخلون أحداً يدخل بلغار من أهل تلك البلاد‏.‏وبها نوع من الطير لم يوجد في غيرها من البلاد قال أبو حامد‏:‏ هو طير ذو منقار طويل يكون منقاره الأعلى مائلاً إلى اليمين ستة أشبار وإلى اليسار ستة أشبار مثل لام ألف وعند الأكل ينطبق‏.‏
ذكر أن لحمه نافع لحصاة الكلى والمثانة وإذا وقعت بيضته في الثلج أو الجمد أذابته كالنار‏.‏

شوشيط
حصن بأرض الصقالبة فيه عين ماء ملح ولا ملح بتلك الناحية أصلاً‏.‏
فإذا احتاجوا إلى الملح أخذوا من ماء هذه العين وملأوا منه القدور وتركوها في فرن من حجارة وأوقدوا تحتها ناراً عظيمة فيخثر ويتعكر ثم يترك حتى يبرد فيصير ملحاً جامداً أبيض وبهذه الطريقة يعمل الملح الأبيض في جميع بلاد الصقالبة‏.‏

صقلاب
أرض صقلاب في غربي الإقليم السادس والسابع‏.‏وهي أرض متاخمة لأرض الخزر في أعالي جبال الروم قال ابن الكلبي‏:‏ روم وصقلاب وأرمن وفرنج كانوا اخوة وهم بنو ليطى بن كلوخيم بن يونان بن يافث بن نوح عليه السلام سكن كل واحد بقعة من الأرض فسميت البقعة به‏.‏قال المسعودي‏:‏ الصقالبة أقوام مختلفة بينهم حروب لولا اختلاف كلمتهم لما قاومتهم أمة في الشدة والجرأة ولكل قوم منهم ملك لا ينقاد لغيره‏:‏ فمنهم من يكون على دين النصرانية اليعقوبية ومنهم من يكون على دين النسطورية ومنهم من لا دين له ويكون معطلاً ومنهم من يكون من عبدة النيران‏.‏
ولهم بيت في جبل ذكرت الفلاسفة أنه من الجبال العالية ولهذا البيت أخبار عجيبة في كيفية بنائه وترتيب أحجاره واختلاف ألوانها وما أودع فيه من الجواهر وما بني من مطالع الشمس في الكوي التي تحدث فيه والآثار المرسومة التي زعموا أنها دالة على الكائنات المستقبلة وما تنذر به تلك الجواهر من الآثار والحوادث قبل كونها وظهور أصوات من أعاليه وما كان يلحقهم عند سماع ذلك‏!‏ حكى أحمد بن فضلان لما أرسله المقتدر بالله إلى ملك الصقالبة وقد أسلم حمل إليه الخلع‏.‏
وذكر من الصقالبة عادات عجيبة منها ما قال‏:‏ دخلنا عليه وهو جالس على سرير مغشى بالديباج وزوجته جالسة إلى جانبه والأمراء والملوك على يمينه وأولاده بين يديه فدعا بالمائدة فقدمت إليه وعليها لحم مشوي فابتدأ الملك‏:‏ أخذ سكيناً فقطع لقمة أكلها ثم ثانية ثم ثالثة ثم قطع قطعة دفعها إلي فلما تناولتها جاؤوا بمائدة صغيرة ووضعت بين يدي وهكذا ما كان أحد يمد يده إلى الأكل حتى أعطاه الملك فإذا أعطاه الملك جاؤوا له بمائدة صغيرة وضعت بين يديه حتى قدم إلى كل واحد مائدة لا يشاركه فيها أحد‏.‏
فإذا فرغوا من الأكل حمل كل واحد مائدته معه إلى بيته‏.‏
ومنها أن كل من دخل على الملك من كبير أو صغير حتى أولاده وإخوته فساعة وقوع نظرهم عيه أخذ قلنسوته وجعلها تحت إبطه فإذا خرج من عنده لبسها وإذا خرج الملك لم يبق أحد في الأسواق والطرقات إلا قام وأخذ قلنسوته من رأسه وجعلها تحت إبطه حتى إذا جاوزهم تقلنسوا بها‏.‏
ومنها أنه إن رأوا أحداً عليه سلاحه وهو يبول أخذوا سلاحه وثيابه وجميع ما معه وحملوا ذلك على جهله وقلة درايته ومن جعل سلاحه ناحية حملوا ذلك على درايته ومعرفته ولم يتعرضوا له‏.‏
ومنها ما ذكر أنه قال‏:‏ رأيت الرجال والنساء ينزلون في النهر ويغتسلون عراة لا يستتر بعضهم من بعض ولا يزنون البتة‏.‏
والزنا عندهم من أعظم الجرائم ومن زنى منهم كائناً من كان ضربوا له أربع سكك وشدوا يديه ورجليه إليها وقطعوا بالفأس من رقبته إلى فخذيه وكذلك بالمرأة ويفعلون مثل ذلك بالسارق أيضاً‏.‏
ومنها ما ذكره أبو حامد الأندلسي أن أحدهم إذا تعرض لجارية الغير أو ولده أخذ منه جميع ما يملكه فإن كان فقيراً يباع عليه أولاده فإن لم يكن له أولاد يباع عليه نفسه فلا يال يخدم لمولاه حتى يفدي أحد عنه‏.‏
وإذا عامل أحد منهم غريباً وأفلس يباع عليه أهله وولده ومسكنه ونفسه ويقضى دين الغريب وهؤلاء نصارى نسطورية‏.‏
ومنها أنه يظهر في كل عشرين سنة عندهم السحر من العجائز فيقع بسبب ذلك فساد كثير بين الناس فيأخذون كل عجوز وجدوها في بلادهم ويشدون أيديهن وأرجلهن وفهم نهر عظيم يلقونهن في ذلك النهر فالتي طفت على الماء علموا أنها ساحرة فأحرقوها والتي رسبت علموا أنها ليست بساحرة فسيبوها‏.‏
ومنها أن الرجل إذا صار صاحب ولد قام بأمره حتى يحتلم فإذا احتلم دفع إليه قوساً ونشاشيب ويقول‏:‏ مر احتل لنفسك‏!‏ ويخرجه من عنده ويجعله بمنزلة الغريب الأجنبي‏.‏
ومنها أن بناتهم الأبكار يخرجن مكشوفات الرأس ويراهن كل أحد فمن رغب في واحدة منهن ألقى على رأسها خماراً فصارت زوجة له فلا يمنعه عنها أحد فيتزوج عشرين أو أكثر ولهذا عددهم كثير لا يحصى‏.‏
بها نهر ماؤه أسود مثل ماء بحر الظلمات إلا أنه عذب وليس فيه شيء من السمك‏.‏
وبه الحيات الكبار السود وليس فيها أذية‏.‏
وفي هذا النهر السمور وهو حيوان أصغر من السنور شعره في غاية النعومة يقال له سنور الماء وفي هذا النهر منه كثير جداً يحمل جلده إلى سقسين وبلغار يتعاملون عليه وإنه فروة ناعمة جداً‏.‏
مشقة مدينة واسعة في بلاد الصقالبة على طرف البحر بين آجام لا يمكن مرور العساكر فيها‏.‏
اسم ملكها مشقة سميت باسمه وهي مدينة كثيرة الطعام والعسل واللحم والسمك ولملكها أجناد رجالة لأن الخيل لا تمشي في بلادهم‏.‏
وله جبايات في مملكته يعطي لأجناده كل شهر أرزاقهم وعند الحاجة يعطيهم الخيل والسرج واللجم والسلاح وجميع ما يحتاجون إليه فمن ولد أجرى الملك عليه رزقه ذكراً كان أو أنثى فإذا بلغ المولود فإن كان ذكراً زوجه وأخذ من والده المهر وسلمه إلى والد المرأة‏.‏
والمهر عندهم ثقيل فإذا ولد للرجل ابنتان أو ثلاث صار غنياً وإن ولد له ابنان أو ثلاثة صار فقيراً‏.‏
والتزويج برأي ملكهم لا باختيارهم والملك يتكفل بجميع مؤوناتهم ومؤونة العرس عليه وهو مثل الوالد المشفق على رعيته وهؤلاء غيرتهم على نسائهم شديدة بخلاف سائر الأتراك‏.‏
واطر بورونة حصن حصين بأرض الصقالبة قريب من حصن شوشيط بها عين ماء عجيبة تسمى عين العسل وهي في جبل بقرب شعرا مذاق مائها في المبدإ مذاق العسل وعند مقطعه فيه عفوصة اكتسبت ذلك الطعم من الأشجار النابتة حولها‏.‏
ورنك موضع على طرف البحر الشمالي‏.‏
وذلك أن البحر المحيط من جانب الشمال خرج منه خليج إلى نحو الجنوب فالموضع الذي على طرف ذلك الخليج يسمى به الخليج يقال له بحر ورنك‏.‏
وهو أقصى موضع في الشمال البرد به عظيم جداً والهواء غليظ والثلج دائم‏.‏
لا يصلح للنبات ولا للحيوان‏.‏
قلما يصل إليه أحد من شدة البرد والظلمة والثلج‏.‏
والله أعلم‏.‏
ويسو بلاد وراء بلاد بلغار بينهما مسيرة ثلاثة أشهر‏.‏
ذكروا أن النهار يقصر عندهم حتى لا يرون شيئاً من الظلمة ثم يطول الليل حتى لا يرون شيئاً من الضوء‏.‏
وأهل بلغار يحملون بضائعهم إليها للتجارة وكل واحد يجعل متاعه في ناحية ويعلم عليه ويتركه ثم يرجع إليه فيجد إلى جنبه متاعاً يصلح لبلاده فإن رضي بها أخذ العوض وترك متاعه وإن لم يرض أخذ متاعه وترك العوض ولا يرى البائع المشتري ولا المشتري البائع كما ذكرنا في بلاد الجنوب بأرض السودان‏.‏
وأهل ويسو لا يدخلون بلاد بلغار لأنهم إذا دخلوها تغير الهواء وظهر البرد وإن كان في وقت الصيف فيهلك حيوانهم ويفسد نباتهم‏.‏
وأهل بلغار يعرفون ذلك فلا يمكنونهم من دخول بلادهم‏.‏
يأجوج ومأجوج قبيلتان عظيمتان من الترك من ولد يافث بن نوح عليه السلام‏.‏
مسكنهم شرقي الإقليم السابع‏.‏
روى الشعبي أن ذا القرنين لما وصل إلى أرض يأجوج ومأجوج اجتمع إليه خلق كثير واستغاثوا من يأجوج ومأجوج وقالوا‏:‏ أيها الملك المظفر إن وراء هذا الجبل أمماً لا يحصيهم إلا الله يخربون ديارنا ويأكلون زروعنا وثمارنا ويأكلون كل شيء حتى العشب ويفترسون الدواب افتراس السباع ويأكلون حشرات الأرض كلها ولا ينمو خلق مثل نمائهم لا يموت أحدهم حتى يولد له ألف من الولد‏!‏ قال ذو القرنين‏:‏ كم صنفهم قالوا‏:‏ هم أمم لا يحصيهم إلا الله‏.‏
وأما من قربت منازلهم فست قبائل‏:‏ يأجوج ومأجوج وتأويل وتاريس ومنسك وكمادى‏.‏
وكل قبيلة من هؤلاء مثل جميع أهل الأرض وأما من كان منا بعيداً فإنا لا نعرفهم‏.‏
قال ذو القرنين‏:‏ وما طعامهم قالوا‏:‏ يقذف البحر إليهم في كل عام سمكتين ويكون بين رأس كل سمكة وذنبها أكثر من مسيرة عشرة أيام ويرزقون من التماسيح والثعابين والتنانين في أيام الربيع وهم يستمطرونها كما يستمطر الغيث فإذا مطروا بذلك أخصبوا وسمنوا وإذا لم يمطروا بذلك أجدبوا وهزلوا‏.‏
قال ذو القرنين‏:‏ وما صفتهم قالوا‏:‏ قصار ضلع عراض الوجوه مقدار طولهم نصف قامة رجل مربوع ولهم أنياب كأنياب السباع ومخالب مواضع الأظفار ولهم صلب عليه شعر ولهم أذنان عظيمتان‏:‏ إحداهما على ظاهرها وبر كثير وباطنها أجرد والأخرى على باطنها وبر كثير وظاهرها أجرد تلتحف إحداهما وتفترش الأخرى‏.‏
وعلى بدنهم من الشعر مقدار ما يواريه وهم يتداعون تداعي الحمام ويعوون عواء الكلب ويتسافدون حيث التقوا تسافد البهائم‏.‏
جاء في بعض الأخبار أن يأجوج ومأجوج ينحتون السد كل يوم حتى يكادون يرون الشمس من ورائه فيقول قائلهم‏:‏ ارجعوا سوف ننقبه غداً فيرجعون فيعيده الله تعالى ليلتهم كما كان ثم يحفرونه وينحتونه من الغد كذلك كل يوم وليلة إلى أن يأتي وقت خروجهم فيقول قائلهم‏:‏ ارجعوا سننقبه غداً إن شاء الله تعالى‏!‏ فيبقى رقيقاً إلى أن يعودوا إليه من غدهم فيرونه كذلك فينقبونه ويخرجون على الناس فيشربون مياه الأرض حتى ينشفوها ويتحصن الناس بحصونهم فيظهرون على الأرض ويقهرون من وجدوه فإذا لم يبق أحد لهم رموا بالنشاب إلى السماء فيرجع إليهم وفيها كهيئة الدم فيقولون‏:‏ قد غلبنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء‏!‏ ثم إن الله تعالى يبعث إليهم دوداً يقال له النغف يدخل في آذانهم ومناخرهم فيقتلهم قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ والذي نفسي بيده إن دواب الأرض لتسمن من لحومهم‏!‏ روى أبو سعيد الخدري قال‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ يفتح سد يأجوج ومأجوج فيخرجون على الناس كما قال تعالى‏:‏ وهم من كل حدب ينسلون‏.‏
فيغشون الأرض كلها فينحاز المسلمون إلى حصونهم ويضمون إليهم مواشيهم فيشرب يأجوج ومأجوج مياه الأرض فيمر أوائلهم بالنهر فيشربون ما فيه ويتركونه يابساً فيمر به من بعدهم ويقولون‏:‏ لقد كان ههنا مرة ماء‏!‏ ولا يبقى أحد من الناس إلا من كان في حصن أو جبل شامخ أو وزر فيقول قائلهم‏:‏ قد فرغنا من أهل الأرض بقي من في السماء‏.‏
ثم يهز حربته فيرمي نحو السماء فترجع إليهم مخضوبة بالدم للبلاء والفتنة فيقولون‏:‏ قد قتلنا أهل السماء‏!‏ فبينا هم كذلك إذ سلط الله تعالى عليهم دوداً مثل النغف يدخل آذانهم وقيل ينقب آذانهم أو أعناقهم فيصبحون موتى لا يسمع لهم حس ولا حركة البتة‏!‏ فيقول المسلمون‏:‏ ألا رجل يشري لنا نفسه فينظر ما فعل هؤلاء فيتجرد رجل منهم موطن نفسه من القتل فينزل إلى الأرض فيجدهم موتى بعضهم فوق بعض فينادي‏:‏ يا معشر المسلمين ابشروا فقد كفاكم الله عدوكم‏!‏ فيخرجون من حصونهم ومعاقلهم‏.‏
وروي أن الأرض تنتن من جيفهم فيرسل الله مطراً يسيل منه السيول فيحمل جيفهم إلى البحار‏.‏
وروي أن مدتهم أربعون يوماً وقبل سبعون يوماً وقيل أربعة أشهر‏.‏
وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ هؤلاء الذين لا يقوم لهم جبل ولا حديد ولا يمرون بفيل ولا خنزير ولا جمل ولا وحشي ولا دابة إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه أيضاً مقدمتهم بالشام وساقيهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية‏.‏

يورا
بلاد بقرب بحر الظلمات‏.‏قال أبو حامد الأندلسي‏:‏ قال بعض التجار‏:‏ النهار عندهم في الصيف طويل جداً حتى ان الشمس لا تغيب عنهم مقدار أربعين يوماً‏.‏
في الشتاء ليلهم طويل جداً حتى تغيب الشمس عنهم مقدار أربعين يوماً والظلمات قريبة منهم‏.‏
وحكي أن أهل يورا يدخلون تلك الظلمة بالضوء فيجدون شجرة عظيمة مثل قرية كبيرة وعليها حيوان يقولون انه طير وأهل يورا ليس لهم زرع ولا ضرع بل عندهم غياض كثيرة وأكلهم منها ومن السمك والطريق إليهم في أرض لا يفارقها الثلج أبداً‏.‏
وحكي أن أهل بلغار يحملون السيوف من بلاد الإسلام إلى ويسو وهي سيوف لم يتخذ لها نصاب ولا حلي بل تصل كما تخرج من النار وتسقى فإن علق السيف بخيط ونقر بإصبع سمع له طنين فذلك السيف يصلح أن يحمل إلى بلاد يورا ويشتريه أهل يورا بثمن بالغ ويرمونه في البحر المظلم‏.‏
فإذا فعلوا ذلك أخرج الله لهم من البحر سمكة مثل الجمل العظيم تطردها سمكة أخرى أكبر منها تريد أكلها فتهرب منها حتى تقرب من الساحل فتصير في موضع لا يمكنها الحركة فيه فتتشبث بالرمل فيعرف أهل يورا فيذهبون إليها في المراكب فكل من ألقى السيف يجتمع عليها ويقطع من لحمها‏.‏
وربما يكثر ماء البحر بالمد فترجع السمكة إلى البحر بعدما قطع منها من اللحم ما يملأ ألف بيت وربما تبقى عندهم زماناً طويلاً مؤونتهم فيقطعون منها وإذا لم يبق في البحر من تلك السيوف لم تخرج لهم السمكة فيكون عندهم الجدب والقحط‏.‏
وحكي أن في بعض السنين خرجت عليهم هذه السمكة فاجتمع القوم عليها ونقبوا أذنها وجعلوا فيها حبلاً ومدوها إلى الساحل فانفتحت أذن السمكة وخرجت من داخلها جارية طير وأهل يورا ليس لهم زرع ولا ضرع بل عندهم غياض كثيرة وأكلهم منها ومن السمك والطريق إليهم في أرض لا يفارقها الثلج أبداً‏.‏
وحكي أن أهل بلغار يحملون السيوف من بلاد الإسلام إلى ويسو وهي سيوف لم يتخذ لها نصاب ولا حلي بل تصل كما تخرج من النار وتسقى فإن علق السيف بخيط ونقر بإصبع سمع له طنين فذلك السيف يصلح أن يحمل إلى بلاد يورا ويشتريه أهل يورا بثمن بالغ ويرمونه في البحر المظلم‏.‏
فإذا فعلوا ذلك أخرج الله لهم من البحر سمكة مثل الجمل العظيم تطردها سمكة أخرى أكبر منها تريد أكلها فتهرب منها حتى تقرب من الساحل فتصير في موضع لا يمكنها الحركة فيه فتتشبث بالرمل فيعرف أهل يورا فيذهبون إليها في المراكب فكل من ألقى السيف يجتمع عليها ويقطع من لحمها‏.‏
وربما يكثر ماء البحر بالمد فترجع السمكة إلى البحر بعدما قطع منها من اللحم ما يملأ ألف بيت وربما تبقى عندهم زماناً طويلاً مؤونتهم فيقطعون منها وإذا لم يبق في البحر من تلك السيوف لم تخرج لهم السمكة فيكون عندهم الجدب والقحط‏.‏
وحكي أن في بعض السنين خرجت عليهم هذه السمكة فاجتمع القوم عليها ونقبوا أذنها وجعلوا فيها حبلاً ومدوها إلى الساحل فانفتحت أذن السمكة وخرجت من داخلها جارية طير وأهل يورا ليس لهم زرع ولا ضرع بل عندهم غياض كثيرة وأكلهم منها ومن السمك والطريق إليهم في أرض لا يفارقها الثلج أبداً‏.‏
وحكي أن أهل بلغار يحملون السيوف من بلاد الإسلام إلى ويسو وهي سيوف لم يتخذ لها نصاب ولا حلي بل تصل كما تخرج من النار وتسقى فإن علق السيف بخيط ونقر بإصبع سمع له طنين فذلك السيف يصلح أن يحمل إلى بلاد يورا ويشتريه أهل يورا بثمن بالغ ويرمونه في البحر المظلم‏.‏
فإذا فعلوا ذلك أخرج الله لهم من البحر سمكة مثل الجمل العظيم تطردها سمكة أخرى أكبر منها تريد أكلها فتهرب منها حتى تقرب من الساحل فتصير في موضع لا يمكنها الحركة فيه فتتشبث بالرمل فيعرف أهل يورا فيذهبون إليها في المراكب فكل من ألقى السيف يجتمع عليها ويقطع من لحمها‏.‏
وربما يكثر ماء البحر بالمد فترجع السمكة إلى البحر بعدما قطع منها من اللحم ما يملأ ألف بيت وربما تبقى عندهم زماناً طويلاً مؤونتهم فيقطعون منها وإذا لم يبق في البحر من تلك السيوف لم تخرج لهم السمكة فيكون عندهم الجدب والقحط‏.‏
وحكي أن في بعض السنين خرجت عليهم هذه السمكة فاجتمع القوم عليها ونقبوا أذنها وجعلوا فيها حبلاً ومدوها إلى الساحل فانفتحت أذن السمكة وخرجت من داخلها جارية تشبه الآدميين بيضاء حمراء سوداء الشعر عجزاء من أحسن النساء وجهاً فأخذها أهل يورا وأخرجوها إلى البر وهي تضرب وجهها وتنتف شعرها وتصيح وقد خلق الله تعالى في وسطها جلداً ضعيفاً كالثوب من سرتها إلى ركبتها لستر عورتها فبقيت عندهم مدة‏.‏
وأهل يورا إن لم يلقوا السيف في البحر لا تخرج السمكة فيجوعون لأن قوتهم من هذا‏.‏
إلى ههنا انتهى علم أهل بلادنا والله أعلم بما وراء ذلك من البلاد والبحار‏.‏
وليكن هذا آخر الكلام‏.‏


أبو جمال 17 - 4 - 2010 01:30 PM

بارك الله فيكي على النقل المتميز
كتاب قيم ومفيد وأنصح بقراءته
مشكورة


الساعة الآن 10:02 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى