منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   من قصص السلف (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=21537)

B-happy 16 - 1 - 2012 12:57 AM

لولا بلاغتهم لضُربت أعناقهم

لما تولى الحجاج شؤون العراق، أمر العسس أن يطوفوا بالليل، فمن وجدوه ضربوا عنقه.
فطاف العسس ذات ليلة فوجد ثلاثة صبيان، فقبض عليهم وسألهم: من أنتم حتى خالفتم أمر الأمير؟!

فقال الأول:

أنا ابن من تخضع الرقابُ له
ما بين مخزومِها وهاشمِها
تأتيه بالذل وهي صاغرةٌ
يأخذ من مالِها ومن دمِها

فأمسك عن قتله وقال: لعله من أقارب الأمير.
,
وقال الثاني:

أنا ابن الذي لا ينزل الدهرَ قدرُه
وإن نزلت يوماً فسوف تعودُ
ترى الناسَ أفواجاً إلى ضوء نارِه
فمنهم قيامٌ حولها وقعودُ

فتأخر عن قتله وقال: لعله من أشراف العرب.
,
وقال الثالث:

انا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه
وقوَّمَها بالسيف حتى استقامتِ
ركاباه لا تنفك رجلاه عنهما
إذا الخيل في يوم الكريهة ولّتِ

فترك قتله وقال: لعله من شجعان العرب.

فلما أصبح رفع أمرهم إلى الحجاج، فأحضرهم وكشف عن حالهم..
فإذا بالأول ابن حجام؛ والثاني ابن فوال؛ والثالث ابن حائك .
فتعجب الحجاج من فصاحتهم وقال لجلسائه:
"عَلِّمُوا أَولَادَكُم الأَدَبَ، فَلَولَا فَصَاحَتُهُمْ لَضُرِبَتْ أَعْنَاْقُـهُم"
ثم أمر بإطلاقهم .

B-happy 16 - 1 - 2012 12:58 AM

ليس بلبيبٍ من لم يصف ما به لطبيبٍ


قال أنو شروان لبزرجمهر متى يكون العييُّ بليغاً فقال إذا وصف هوًى أو حبيباً
وقيل لبعض أهل هذا العصر متى يكون البليغ عييّاً فقال إذا سأل عمَّا يتمنَّاه أو شكا ما به إلى من يهواه وقال:

ما يعلمُ الله أنِّي مذْ هويتكمُ ... أطيقُ إظهارَ ما ألقاهُ باللَّفظِ
كمْ قدْ تحفَّظتهُ حتَّى إذا نظرتْ ... عينِي إليكِ أزالتْ هَيْبتي حِفظِي

وقال بعض الأدباء في مثل ذلك:
أُفكِّرُ ما أقولُ إذا الْتقينا ... وأُحكمُ دائباً حُججَ المقالِ
فترتعدُ الفرائصُ حينَ تبدُو ... وأنطقُ حينَ أنطقُ بالمحالِ

وقال آخر:
أتيتُ معَ الحدَّاثِ ليلَى فلمْ أقلْ ... وأخليتُ فاستعجمتُ عندَ خلائِي
وجئتُ فلمْ أنطقْ وعدتُ فلمْ أحِرْ ... جواباً كلاَ اليومينِ يومُ عنائِي
فيا عجباً ما أشبهَ اليأْسَ بالغِنَى ... وإنْ لمْ يكونا عندنا بسواءِ

وهذا المعنى الَّذي ذكره ليس بمستنكر قد تمنع المحبّ هيبة المحبوب من النيل الَّذي هو اللُّطف من الشَّكوى محلاً في القلوب ألم تسمع الَّذي يقول:
محبٌّ قالَ مُكتتماً مُناهُ ... وأسعدهُ الحبيبُ علَى هواهُ
أضاعَ الخوفُ أنفسَ ما يُعانِي ... وما عذرَ المُضيعَ لما عَناهُ
فأصبحَ لا يلومُ بما جناهُ ... منَ التَّفريطِ إنساناً سواهُ
أسرَّ ندامةَ الكُسَعيِّ لمَّا ... رأتْ عيناهُ ما صنعتْ يداهُ

وأنشد أبو العباس أحمد بن يحيى:
وإنِّي لأخشَى أنْ أموتَ فُجاءةً ... وفي النَّفسِ حاجاتٌ إليكِ كمَا هيَا
وإنِّي ليُنْسيني لقاؤكِ كلَّما ... لقيتكِ يوماً أنِي أبثَّكِ ما بيَا
وقالُوا بهِ داءٌ عياءٌ أصابهُ ... وقدْ علمتْ نفسِي مكانَ دوائيَا

فهذا يخبرُ أنَّ لقاءها هو الَّذي يمنعهُ من شكوى ما يجده إلاَّ أنَّه يشفق من ضرره على نفسه ولا يُبقي بكتمانه على غيره على أنَّه قد قصَّر عنه كثير من أهل هذا العلم في قوله: إنَّ لقاءها يحدث في قلبه حالاً لم تكن قبل ذلك ظاهرة من نفسه إذ لو كان الهوَى قد استوفى منه حقَّه وتناهى به إلى غاية بعده لما كان اللقاء يزيد شيئاً ولا ينقصه.

كما قال يزيد بن الطثرية:
ولمَّا تناهَى الحبُّ في القلبِ وارداً ... أقامَ وسُدَّتْ بعدُ عنهُ مصادرهْ
فأيُّ طبيبٍ يُبرئُ الحبَّ بعدَما ... يسرُّ بهِ بطنُ الفؤادِ وظاهرهْ

وكما قال ذو الرمة:
ومَا زلتُ أطوي الشَّوقَ عنْ أمِّ خالدٍ ... وجاراتِها حتَّى كأنْ لا أُريدُها
فما زالَ يَنمِي حبُّ ميَّة عندنا ... ويزدادُ حتَّى لمْ نجدْ ما نزيدُها

ولقد أحسن حبيب بن أوس الطائي حيث يقول:
إذا أزهدَتْني في الهوَى خِيفةُ الرَّدى ... جلتْ ليَ عنْ وجهٍ يُزهِّدُ في الزُّهدِ
فلا دمعَ ما لمْ يبدُ في إثرهِ دمٌ ... ولا وجدَ ما لمْ تعيَ عنْ صفةِ الوجدِ

وأحسن علي بن محمد العلوي الكوفي حيث يقول:
قالتْ عَييتَ عنِ الشَّكوى فقلتُ لها ... جهدُ الشَّكايةِ أنْ أعيَا عنِ الكلمِ
أشكُو إلى اللهِ قلباً لو كَحلتُ بهِ ... عينيكِ لاختضبتْ منْ حرِّهِ بدمِ
لا تُبرِمي فاقدَ الدُّنيا وبهجتَها ... وما يسرُّ بهِ منها بلا ولَمِ

على أنَّه من طلب لآدميٍّ مثله بما لم يطالب الله عباده فأخلق بأن يكون ظالماً وقد مدح الله تبارك وتعالى قوماً فقال: )الذين إذا ذُكر اللهُ وجلتْ قلوبهمْ وإذا تُليتْ عليهمْ آياتهُ زادتهمْ إيماناً( فلم يعبهم تعالى بأن كان ذكره بحضرتهم وظهراً عليهم ما لم يمكن قبل موجوداً منهم ومن أحسن ما قيل و من الشِّعر في هذا المعنى:

تفديكِ نفسِي لستُ أدرِي أيُّما ... أيَّامكمْ مِن أيِّها أشجاهَا
في حبِّكمْ شغلٌ لقلبِي شاغلٌ ... عن كلِّ نائبةٍ يخافَ رَداها

ومن جيد ما قيل في نحو الفصل الأول:
جعلتُكَ دنيائِي فإنْ أنتَ لم تجُدْ ... عليَّ بوصلٍ فالسَّلامُ علَى الدُّنيا
كتمتُكَ ما ألقَى لأنَّكَ مُهجتي ... أخافُ عليها أنْ تذوبَ منَ الشَّكوَى

ولبعض أهل هذا الزَّمان في هذا المعنى:
بحُرمةِ هذا الشَّهرِ لما نعَّشتَني ... بعفوكَ إنِّي قدْ عجزتُ عنِ العذرِ
فلوْ كنتَ تدرِي ما أُلاقِي منَ الهوَى ... لساءَكَ ما ألقَى فليتكَ لا تدرِي
لأشقَى بما ألقَى وتبقَى منعَّماً ... خليّاً ونارُ الشَّوقِ تُسعرُ في صدرِي

وأنشد أبو العباس أحمد بن يحيى عن الزبير بن بكار عن ثابت بن الزبير عن أبي العتاهية:
مَنْ لعبدٍ أذلَّهُ مولاهُ ... ما لهُ شافعٍ إليهِ سواهُ
يشتكي ما بهِ إليهِ ويخشَا ... هُ ويرجوهُ مثلَ ما يخشاهُ
وهذه حال منقوضة لأنَّ من منعه من شكوى ما يلقاه إشفاقه من موجدة من يهواه فإنما أبقى على نفسه ومن امتنع من ذلك إشفاقاً على قلب صاحبه فقد اعترض على وجده التَّصنُّع إذ فعل ما يقدر على تركه.

وقال آخر:
الجسمُ ينقصُ والسَّقامُ يزيدُ ... والدَّارُ دانيةٌ وأنتَ بعيدُ
أشكوكَ أمْ أشكُو إليكَ فإنَّهُ ... لا يستطيعُ سواهُما المجهودُ

وقال الحسن بن هانئ:
لا والَّذي لا إلهَ إلاَّ هوَ ... ما خانَ أحبابُنا وما تاهُوا
ما علمُوا بالَّذي يجنُّ لهمْ ... منْ طولِ شوقٍ ولا درَوْا ما هوَ

وللفتح بن خاقان:
قدرتُ علَى نفسِي فأزمعتَ قتلَها ... علَى غيرِ جدٍّ منكَ والنَّفسُ تذهبُ
كعصفورةٍ في كفِّ طفلٍ يسومُها ... ورودَ حياضِ الموتِ والطِّفلُ يلعبُ

وقال الحسين بن الضحاك:
أيَا مَنْ طرفهُ سحرُ ويَا مَن ريقهُ خمرُ ... تجاسرتُ فكاشفتُكَ لمَّا غلبَ الصَّبرُ
وما أحسنَ في مثلكَ إنْ ينهتكَ السِّترُ ... فإنْ عنَّفنِي النَّاسُ ففي وجهكَ لي عُذرُ

وقال أيضاً:
إنَّ منْ أطولِ ليلٍ أمداً ... ليلَ مشتاقٍ تَصابَى فكتمْ
ربَّ فظِّ القلبِ لا لِينَ لهُ ... لوْ رأَى ما بكَ منهُ لرحمْ

وقال أيضاً:
أُكاتمُ وجدِي وما ينكتمْ ... فمنْ لوْ شُكيتُ إليهِ رحِمْ
وإنِّي علَى حسنِ ظنِّي بهِ ... لأحذرُ إنْ بُحتُ أنْ يحتشمْ
وقدْ علمَ النَّاسُ أنِّي لهُ ... محبٌّ وأحسبهُ قدْ علمْ
ولِي عندَ رؤيتهِ نظرةٌ ... تُحقِّقُ ما ظنَّهُ المتَّهمْ

وقال المجنون:
فأنتَ الَّذي إنْ شئتَ أشقيتَ عيشِي ... وإنْ شئتَ بعدَ اللهِ أنعمتَ لياليَا
وأنتَ الَّذي ما مِنْ صديقٍ ولا عِدا ... رأَى نِضوَ ما أبقيتَ إلاَّ رثَا ليَا

وقال أبو نواس:
قالتْ ظَلومُ سَميَّةُ الظُّلمِ ... ما لِي رأيتكَ ناحلَ الجسمِ
يا مَنْ رمَى قلبِي فأقصدَهُ ... أنتَ الخبيرُ بموقعِ السَّهمِ

وقال أبو تمام:
واللهِ لوْ تلقَى الَّذي ألقَى ... لحرجتَ أنْ تتجاوزَ الحقَّا
بي فوقَ ما تلقَى بواحِدِها ... أمٌّ تراهُ لجنبهِ مُلقَى

وقال أبو صخر الهذلي:
بيدِ الَّذي شغفَ الفؤادَ بكمْ ... تفريجُ ما ألقَى منَ الهمِّ
ما في الحياةِ إذا هيبت لنا ... خيرٌ ولا للعيشِ مِن طعمِ
ولمَا بقيتِ لَتُبقينَّ جوًى ... بينَ الجوانحِ مُضرِعاً جسمي
فتيقَّنِي أنْ قدْ كلفتُ بكمْ ... ثمَّ اصنَعِي ما شئتِ عن علمِ

وقال خليفة بن روح الأسدي:
قِفي يا أُميمَ القلبِ نقرأ تحيَّةً ... ونشكو الهوَى ثمَّ اصنعي ما بدَا لكِ
فلوْ قلتِ طَأْ في النَّارِ أعلمُ أنَّه ... هوًى لكِ أو مُدنٍ لنا مِن وصالكِ
لقدَّمتُ رِجلي نحوَها فوطئْتُها ... هُدًى منكِ لي أو هفوةً مِن ضلالكِ
فلا تجْعَلِيني كامرئٍ إنْ وصلتهِ ... أشاعَ وإنْ صرَّمتهِ لمْ يُبالكِ

وأنشد ابن أبي طاهر:
قالتْ لقيتَ الَّذي لمْ يلقهُ أحدٌ ... قلتُ الدَّليلُ علَى ذاكَ الَّذي أجدُ
أودَعْتِني سقماً لا أستقلُّ بهِ ... فليسَ ينفدُ حتَّى ينفدَ الأبدُ

وقال مضرس بن بطر الهلالي:
وكادتْ بلادُ اللهِ يا أمَّ مالكٍ ... بما رحُبتْ يوماً عليَّ تضيقُ
أذودُ سوادَ الطَّرفِ عنكِ وما لهُ ... إلى أحدٍ إلاَّ إليكِ طريقُ
ولوْ تعلَمينَ العلمَ أيقنتِ أنَّني ... وربِّ الهدايا المُشعَراتِ صديقُ
سلِي هلْ قلانِي مِن عشيرٍ صحِبتهُ ... وهلْ ذمَّ رَحْلي في الرِّفاقِ رفيقُ

وأنشد آخر:
أمسيتُ لَعَّاباً وأمسَى الهوَى ... يلعبُ في رُوحي وجثمانِي
أُشفقُ إنْ بُحنا وإنْ لمْ أبحْ ... فالموتُ في سرِّي وإعلانِي

وأنشدني أبو الضياء لنفسه:
أُنظرْ إلى ناظرٍ قدْ شفَّهُ السّهدُ ... واعطفْ علَى مهجةٍ أودَى بها الكمدُ
لا ذقتَ ما ذاقهُ مَن أنتَ مالكهُ ... ولا وجدتَ بهِ مثلَ الَّذي يجدُ
أخفَى هواكَ فنمَّتهُ مدامعهُ ... والعينُ تُعربُ عمَّا ضمَّتِ الكبدُ
فإنْ جحدتَ الَّذي قاساهُ بينهما ... فشاهداهُ عليكَ الخدُّ والجسدُ

وقال أبو المنهال الأشجعي:
يا أُمَّ عمروٍ وخيرُ القولِ أصدقهُ ... أوْفي وأنتِ منَ المُوفينَ بالذِّممِ
أوْفِي وفاءَ كريمٍ ذِي محافظةٍ ... وإنْ أبَيتِ تقاضيْنَا إلى حكمِ
عدلٍ منَ النَّاسِ يُرضِي حينَ يبلغهُ ... أنْ كانَ حبلكِ أمسَى واهيَ الرِّممِ
فأعرَضَتْ ثمَّ قالتْ وهيَ لاهيةٌ ... بعدَ التَّغضُّبِ قولَ المؤسفِ الأطِمِ
إنْ تدعُ لي حكَماً عدلاً أُحكِّمهُ ... أنطِقْ لديهِ بلا عيٍّ ولا بكَمِ
منِّي بأرضكِ شجوٌ لستُ ناسيهِ ... لوْ بالحجازِ هوَى أيَّامكِ القدُمِ

وكتب عبد الله بن الدمينة إلى أمامة:
وأنتِ الَّتي كلَّفتِني دلَجَ السُّرَى ... وجونُ القطَا بالجَلْهتينِ جثومُ
وأنتِ الَّتي قطَّعتِ قلبِي حزازةً ... وفرَّقتِ قرحَ القلبِ فهوَ كليمُ
وأنتِ الَّتي أحفظتِ قومِي فكلُّهمْ ... بعيدُ الرِّضا دانِي الصُّدودِ كتومُ

وكتبت إليه:
وأنتَ الَّذي أخلفْتَني ما وعدْتَنِي ... وأشمتَّ بِي مَن كانَ فيكَ يلومُ
وأبرزْتَنِي للنَّاسِ ثمَّ تركْتَنِي ... لهمْ غرَضاً أُرمَى وأنتَ سليمُ
فلوْ أنَّ قولاً يكلِمُ الجسمَ قدْ بدا ... بجسميَ مِنْ قولِ الوُشاةِ كلومُ
وكتب بعض أهل الأدب إلى أخ له من أهل هذا العصر:
سيِّدي أنتَ قدْ أسأْتَ بقولِي ... سيِّدي أنتَ فارضَ عبدَكَ عبْدا
لا تلقَّى الدُّعاءَ منِّي بنكرٍ ... فتُرى قاتلاً لنفسيَ عمدَا

فأجابه:
أنا بالرِّقِّ في الهوَى منكَ أولَى ... وأرَى ذاكَ يشهدُ اللهُ مجدَا
علمَ اللهُ أنَّني منكَ راضٍ ... أنْ ترانِي لعيدِ عبدِكَ عبدَا

وقال آخر:
يا مُوقدَ النَّارِ إلهاباً علَى كبدِي ... إليكَ أشكُو الَّذي بِي لا إلى أحدِ
إليكَ أشكُو الَّذي بِي مِن هواكَ فقدْ ... طلبتُ غيركَ للشَّكوَى فلم أجِدِ

وقال بعض الأعراب:
إذا لمتَها قالتْ عديمٌ وإنَّما ... صمتَّ فما جرَّبتَ جُوداً ولا بخلا
بلَى قلتُ هلْ ثمَّ انصرفتْ ولمْ تعدْ ... فتستنكِرَ الإعراضَ أوْ تعرفَ البذْلا

B-happy 16 - 1 - 2012 12:58 AM

من أين تصيح إذاً



سأل رجل (عمر بن قيس ) عن الحصاة من حصى المسجد يجدها الانسان في ثوبه او خفه او جبهته
فقال له :ارم بها
فقال الرجل : زعموا انها تصيح حتى ترد الى المسجد
قال : دعها تصيح حتى ينشق حلقها
قال الرجل : اولها حلق
قال عمر: فمن اين تصيح اذا

B-happy 16 - 1 - 2012 12:59 AM

من تداوى بدائه لم يصل لشفائه !

إن أصل الهوَى يتولَّد من النَّظر والسَّماع ثمَّ ينمي حالاً بعد حالٍ

وفي مثل ذلك يقول حبيب بن أوس الطائي:
بَعثْنَ الهوَى في قلبِ من ليسَ هائماً ... فقلْ في فؤادٍ رُعنهُ وهو هائمُ

وقال غيلان بن عقبة في نحو ذلك:
خليليَّ لمَّا خفتُ أنْ تستفزَّني ... أحاديثُ نفسي بالهوى واهتمامُها
تداويتُ من ميٍّ بتكليمةٍ لها ... فما زاد إلاَّ ضعفَ شوقي كلامُها

وقال أيضاً:
وكنتُ أرى من وجهِ ميَّةَ لمحةً ... فأبرقُ مغشياً عليَّ مكانيا
وأسمعُ منها لفظةً فكأنَّما ... يُصيبُ بها سهمٌ طريقَ فُؤاديا
تُطيلينَ ليَّاني وأنتِ مليَّةٌ ... وأُحسنُ يا ذاتَ الوشاحِ التَّقاضيا
هيَ السِّحرُ إلاَّ أنَّ للسِّحرِ رُقيةً ... وأنِّيَ لا ألقى منَ الحبِّ راقيا

وقال أيضاً:
تحنُّ إلى ميٍّ وقدْ شطَّتِ النَّوى ... وما كلُّ هذا الحبِّ غيرُ غرامِ
لياليَ ميٌّ موتةٌ ثمَّ نشرةٌ ... لما ألمحتْ من نظرةٍ وكلامِ

وقال آخر:
يقولون ليلى بالعراقِ مريضةٌ ... فأقبلتُ من مصرٍ إليها أعودُها
فوالله ما أدري إذا أنا جئتُها ... أَأُبرئُها من دائها أمْ أزيدها

ولقد أحسن الطائي حيث يقول:
أمْتعتُ طرفي يومَ ذاكَ بنظرةٍ ... لا تُمتعُ الأرواحَ بالأجسادِ

وأنشد أبو طاهر الدمشقي:
دوائيَ مكروهي ودائي محبَّتي ... فقدْ عيلَ صبري كيفَ بي أتقلَّبُ
فلا كمدٌ يبلى ولا لكِ رحمةٌ ... ولا عنكِ إقصارٌ ولا عنكِ مذهبُ

وقال علي بن محمد العلوي:
كمْ نظرةٍ منها شجيتُ لها ... قامتْ مقامَ الفقدِ للنَّظرِ
ولَّى بأوطاري ولستُ أرى ... عيشاً يُهشُّ لهُ بلا وطرِ

وأنشد أحمد بن أبي طاهر:
نازعني من طرفهِ الوَحْيا ... وهَمَّ أن ينطقَ فاستحْيا
جرَّدَ لي سيفيْنِ من لحظهِ ... أماتَ عن ذا وبِذا أحيى
وقال الحسين بن الضحاك المعروف بالخليع:
وأتاني مُفحمٌ بغرَّتهِ ... قلتُ لهُ إذ خلوْتُ مُحتشما
تحبُّ بالله من يخصُّكَ بالحبِّ ... فما قالَ لا ولا نعما
ثمَّ تولَّى بمُقلتيْ خجلٍ ... أراد ردَّ الجوابِ فاحتشما
فكنتُ كالمُبتغي بحيلتهِ بُرءاً ... من السُّقمِ فابتدا سقما

وقال آخر:
تأمَّلتُها مُغترَّةً فكأنَّما ... رأيتُ بها من سُنَّةِ البدرِ مَطلعا
إذا ما ملأتُ العينَ منها ملأتُها ... من الدَّمعِ حتَّى أنزفَ الدَّمعَ أجمعا

وقال آخر:
تمنَّيتُ من أهوى فلمَّا لقيتُهُ ... بَهتُّ فلمْ أُعملْ لِساناً ولا طرفا
فأغضيتُ إجلالاً لهُ ومهابةً ... وحاولتُ أن يخفى الَّذي بي فلمْ يخفى

وأنشد أحمد بن أبي طاهر لعلي بن الجهم لنفسه:
ولمَّا بدتْ بينَ الوُشاةِ كأنَّها ... عناقُ وداعٍ يُشتهى وهو يقتلُ
أيِسْتُ من الدُّنيا فقلتُ لصاحبي ... لئنْ عجلتْ للموتِ أوحى وأعجلُ

وقال آخر:
أيُّها النَّائمون حولي هنيئاً ... هكذا كنتُ حينَ كنتُ خليّاً
منْ رآني فلا يُديمنَّ لحظاً ... وليكنْ من جليسه سامريّاً

وقال مسلم بن الوليد:
أديرا عليَّ الكأسَ لا تشربا قبلي ... ولا تطلُبا من عندِ قاتلي ذحْلي
فما حزَني أنِّي أموتُ صبابةً ... ولكن علَى من لا يحلُّ لها قتلي
أُحبُّ الَّتي صدَّتْ وقالتْ لِترْبها ... دعيهِ الثُّريَّا منهُ أقربُ من وصلي
أماتتْ وأحيتْ مُهجتي فهيَ عندها ... مُعلَّقةٌ بينَ المواعيدِ والمطْلِ
وما نلتُ منها طائلاً غيرَ أنَّني ... بشجوِ المُعنَّيْنَ الأولى سلفوا قبلي
بلى ربَّما وكَّلتُ عيني بنظرةٍ ... إليها تزيدُ القلبَ خبلاً علَى خبْلِ

وقال أيضاً:
عرفتُ بها الأشجانَ وهيَ خليَّةٌ ... من الحبِّ لا وصلٌ لديها ولا هجرُ
أراها فأطوي للنَّصيحِ عداوةً ... وأحمدُ عُقبى ما جنى النَّظرُ الشَّزْرُ
فلا سيَّما العُذَّالَ فيها ملامهُمْ ... ألستُ إذا لاموا أبيتُ ولي عذرُ
شكوتُ فقالوا ضقتَ ذَرعاً بحبِّها ... متى تُملكُ الشَّكوى إذا غُلبَ الصَّبرُ
ألمَّتْ بنا في العائداتِ من أهلها ... فأذْكتْ غليلاً ما لديها بهِ خُبرُ

ولبعض أهل هذا العصر:
إذا كان اللِّقاءُ يزيدُ شوقاً ... وكان فراقُ من أهوى يشوقُ
فليسَ إلى السُّلوِّ وإنْ تمادى ... عتابُكَ في الهوَى أبداً طريقُ
ومنْ يكُ ذا سقامٍ إنْ تداوى ... تزايدَ سُقمهُ فمتى يُفيقُ

وله أيضاً:
إذا زارَ الحبيبُ أثارَ شوقاً ... تفتَّتُ من حرارتهِ العِظامُ
وروَّاني بعينيهِ مُداماً ... تدينُ بسُكرِ شاربها المُدامُ
فوصلٌ يُكسبُ المُشتاقَ سُقماً ... ونأيٌ لا يقومُ لهُ قِوامُ
فهلْ يصلُ السَّقيمُ إلى شفاءٍ ... إذا كانَ الدَّواءُ هوَ السَّقامُ

وله أيضاً:
أغريْتَني بحياتي إذ غريتَ بها ... فصارَ طولُ بقائي بعضَ أعدائي
فكيفَ يُنعشُ من أرداهُ ناعشهُ ... ومن يرى جسمهُ رأيَ الأطبَّاءِ
أمْ كيفَ يبرأُ قلبي من صبابتهِ ... بطبِّكمْ ودوائي عندكمْ دائي

وله أيضاً:
متى يا شفاءَ السُّقمِ سُقميَ مُنقضي ... إذا ما دواءٌ كانَ للدَّاءِ مُمرضي
فهيهاتَ ما هذا علَى ذا يقلع ... أجلْ لا ولكن مدَّةُ العمرِ تنقضي

وقال آخر:
ومُختلسٍ باللَّحظِ ما لا ينالهُ ... قريبٍ بحالِ النَّازحِ المُتباعدِ
وفي نظرِ الصَّادي إلى الماء حسرةٌ ... إذا كانَ ممنوعاً سبيلَ المواردِ

وقال آخر:
خليليَّ أضحتْ حاجةٌ لأخيكُما ... بتوضحَ والحاجاتُ يُرجى بعيدُها
فكيفَ طِلابي حاجةً لا ينالُها ... بريدي ولا يجري إليَّ بريدُها
فهل ينفعُ الحرَّانةَ الكبدِ أن ترى ... حياضَ القِرى من دونها من يذودها
وهلْ ينفعُ العينَ الشَّقيَّةَ بالبُكا ... ذُرى طامسِ الأعلامِ لا بلْ يزيدها

وقال مجنون بني عامر:
تداويتُ من ليلى بليلى من الهوَى ... كما يتداوى شاربُ الخمرِ بالخمرِ
ألا زعمَتْ ليلى بأنْ لا أُحبُّها ... بلى واللَّيالي العشرِ والشَّفعِ والوترِ
إذا ذُكرتْ يرتاحُ قلبي لِذكرها ... كما انتفضَ العُصفورُ من بللِ القطرِ

وقال البحتري:
سقى الله أخلاقاً من الدَّهر رطبةً ... سقتْنا الجوى إذ أبرقُ الحزنِ أبرقُ
ليالٍ سرقناها من اللَّهوِ بعدما ... أضاءَ بإصباحٍ من الشَّيبِ مفرقُ
تداويتُ من ليلى بليلى فما اشتفى ... بماءِ الرُّبى من باتَ بالماءِ يشرَقُ

وقال جميل:
فيا حُسنها إذ يغسلُ الدَّمعُ كُحلها ... وإذ هيَ تُذري الدَّمعَ منها الأناملُ
عشيَّةَ قالتْ في العتابِ قتلْتني ... وقتلي بما قالت هناكَ تُحاولُ
فقلتُ لها جودي فقالتْ مُجيبةً ... ألِلْجدِّ هذا منكَ أمْ أنتَ هازلُ
لقدْ جعلُ اللَّيلُ القصيرُ لنا بكمْ ... عليَّ لِروعاتِ الهوَى يتطاولُ

والأصل في هذا كله هو لامرئ القيس:
وما ذرفتْ عيناكِ إلاَّ لتضْربي ... بسهميكِ في أعشارِ قلبٍ مُقتَّل

وقال بشار بن برد:
مريضةُ ما بينَ الجوانحِ بالضَّنى ... وفيها دواءٌ للعُيونِ وداءُ
عتابُ الفتَى في كلِّ يومٍ وليلةٍ ... وتقويمُ أضغانِ النِّساءِ عناءُ

وقال عبيد بني حسحاس:
تجمَّعنَ من شتَّى ثلاثاً وأربعا ... وواحدةً حتَّى كمُلنَ ثمانيا
يعُدنَ مريضاً هنَّ هيَّجنَ داءهُ ... ألا إنَّما بعضُ العوائدِ دائيا

وقال آخر:
كما تيقَّنتَ أنَّ الحيَّ قدْ رقدوا ... خطاكَ فوقَ رُقابِ النَّاسِ ما تجدُ
فلا بلغتَ الَّذي تشفي الغليلَ بهِ ... ولا ظفرتَ ولا نالتْ يديكَ يدُ

وقال آخر:
إنَّ الذينَ بخيرٍ كنتَ تذكُرهمْ ... همْ أهلَكوكَ وعنهمْ كنتُ أنهاكا
لا تطلُبنَّ حياةً عند غيرهم ... فليسَ يُحييكَ إلاَّ من توفَّاكا

فهذا البائس مع من قدَّمنا ذِكره مع نُظرائه قد صبر على مضاضة دائه مع علمه بأنه زائد في دائه ولم ير أن ينعطف إلى سواه ولا طلب الراحة إلاَّ من عند من ابتلاه وهذا ضدُّ الَّذي يقول:
ولمَّا أبى إلاَّ جِماحاً فُؤادهُ ... ولم يسلُ عن ليلى بمالٍ ولا أهل
تسلَّى بأخرى غيرها فإذا الَّتي ... تسلَّى بها تُغري بليلى ولا تُسلي

وضد الَّذي يقول:
تسلَّيتُ عن ذكرِ الحبيبِ بغيرهِ ... ومِلتُ إليهِ بالمودَّةِ والذِّكرِ
فما زادني إلاَّ اشتياقاً وحُرقةً ... إليهِ ولم أملكْ سُلوِّي ولا صبري
وما الحبُّ إلاَّ فرحةٌ إن نكلْتها ... بأخرى قرنتَ الضُّرَّ منكَ إلى الضُّرِّ
فلا تُطفِ نارَ الحبِّ بالحبِّ طالباً ... سُلوّاً فإنَّ الجمرَ يُسعرُ بالجمرِ

وهذا وإن كان مخالفاً لذلك في أنَّه جرب الأدوية على نفسه والتمس الراحة في إلفٍ غير إلفه فإنه موافق للذي يقدمه في التماسه من نحو الجهة الَّتي حدث عنها الدَّاء في رجوع نفسه إلى وطنها وإقبالها بعد الانحراف على سكنها.

وقال عبيد الراعي:
بني ولو نسى قدْ سئمنا جواركمْ ... وما جمعتنا نيَّةٌ قبلها معا
خليلانِ منْ شعبينِ شتَّى تجاورا ... قليلاً وكُنَّا بالتَّفرُّقِ أمتعا
أرى آلَ هندٍ لا يُبالي أميرهمْ ... علَى كبدِ المحزونِ أنْ تقطَّعا

وقال علي بن الجهم:
عيونُ المها بينَ الرّصافةِ والجسرِ ... جلبنَ الهوَى من حيثُ أدري ولا أدري
أعدْنَ لي الشَّوقَ القديمَ ولم أكنْ ... سلوتُ ولكن زِدْنَ جمراً علَى جمرِ
وقُلنَ لنا نحنُ الأهلَّةُ إنَّما ... تُضيءُ لمنْ يسري بليلٍ ولا تقري
فلا نيلَ إلاَّ ما تزوَّدَ ناظرٌ ... ولا وصلَ إلاَّ بالخيالِ الَّذي يسري

وقال آخر:
وقالُوا لها هذا حبيبكِ مُعرضاً ... فقالتْ ألا إعراضهُ أيسرُ الخطبِ
فما هوَ إلاَّ نظرةٌ بتبسمٍ ... فتصطكُّ رِجلاهُ ويسقطَ للجنبِ

وقال أبو صخر الهذلي:
وإنِّي لآتيها وفي النَّفسِ هجرُها ... بَياتاً لأُخرَى الدَّهرَ ما طلعَ الفجرُ
فما هو إلاَّ أنْ أراها فُجاءةً ... فأبهتَ لا عُرفٌ لديَّ ولا نُكرُ
وأنسَى الَّذي قدْ جئتُ كيْما أقولهُ ... كما قدْ تُنسِّي لبَّ شاربِها الخمرُ

وقال آخر:
وكيفَ يحبُّ القلبُ منْ لا يحبُّهُ ... بلَى قدْ تُريدُ النَّفسُ مَنْ لا يُريدُها
وكنتُ إذا ما زرتُ ليلَى بأرضِها ... أرى الأرضَ تُطوَى لي ويدنُو بعيدُها
تحلَّلُ أحقادِي إذا ما لقيتُها ... وتنْمِي بلا جرمٍ عليَّ حقودُها

أما قول تحلَّل أحقادي إذا ما لقيتها فهو كلام صحيح ولو أبدل اسم الحقد بغيرها كان أحسن لأنَّ الحقد لا يتولَّد إلاَّ عن موجدة فتخفى في النفس ويظهر غيرها ويرصد صاحبها بالمكافأة عنها وهذا كلُّه محال بين المتحابين بين باب الجد والهزل جميعاً وقد ذكر الله تعالى جلَّ ثناؤه في باب محبَّته للمؤمنين دليلاً على ما قلناه وذلك قوله عزَّ وجل: )وقالتِ اليهودُ والنَّصارى نحنُ أبناءُ اللهِ وأحبَّاؤهُ قلْ فلمَ يعذِّبكمْ بذنوبكمْ بلْ أنتمْ بشرٌ ممَّن خلقَ يغفرُ لمنْ يشاء ويعذِّبُ مَنْ يشاء( فجعل جلَّ ثناؤه مكافأتهم بالمعاقبة على ذنوبهم دليلاً على تكذيب دعواهم ونحو ذلك قوله تعالى: )قلْ إنْ كنتمْ تحبُّونَ اللهَ فاتَّبعوني يُجيبُكمُ اللهُ ويغفرْ لكمْ ذنوبكمْ( فضمَّ جلَّ وعزَّ الذُّنوب إلى المحبَّة غير أن من أحسن في بيتين وقصَّر في بيت كان محسناً معفيّاً على إساءته وأما قوله وتنمي بلا جرمٍ عليَّ حقودها فتعتورُه معانٍ أحدها أن يكون ضنُّه بودِّها دعاه إلى سوء الظنّ بها فنسبها أنَّها تضمر له حقداً ويمكن أن يكون عرف من خلائقها ما هو مغيَّب عنَّا.

B-happy 16 - 1 - 2012 01:00 AM

نبيذ


حكى الأصمعي أنَّ عجوزًا من الأعراب جلست في طريق مكة إلى فتيان يشربون نبيذًا
فسقوها قدحًا فطابت نفسها فتبسّمت،
فسقوها قدحًا آخر، فاحمرَّ وجهها وضحكت،
فسقوها ثالثًا فقالت: خبروني عن نسائكم بالعراق أيشربون النبيذ؟
قالوا : نعم .
قالت : زَنَيْنَ ورب الكعبة، والله إن صدقتُم ما فيكم من يعرف أباه.

B-happy 16 - 1 - 2012 01:04 AM

بلاغة الأجوبة المسكتة

من قديم والعرب يرون بلاغتهم في الإيجاز وروعة تعبيرهم في الكلام القليل العدد العامر بالمعاني والدلالات، وهي نظرة ترى في الإطناب -
أي كثرة الكلام والإطالة فيه من غير أن يتطلب المعنى ذلك -
عجزا عن الإبداع في القول
والإتيان فيه بكل ما يستوقف النظر المتأمل، من عبارة موجزة، لكنها - على قصرها - تجمع في ثناياها فيضا من الفكر والحكمة والبصر بالحياة والناس

ومن هنا كان قولهم المعروف: خير الكلام ما قل ودل.

ويتجلى جمال العربية أروع ما يتجلى من خلال ردودهم البليغة المسكتة
وهي مسكتة لأن سامعها يرمى بها فلا يحير جوابا ولا يملك نطقا
لأن إحكامها وصياغتها وطريقة صكها بهرته فأخرسته
ولأنها عادة تجئ على غير توقع من متقبلها فكأنه أصيب في مقتل
فابتلع دهشته وصمت.

ولعلنا لو اقتربنا من بعض نماذج هذه الردود المسكتة أو المفحمة كما يحلو للبعض أن يسميها - وكأنما وضع قائلها في فم من يسمعها فحما فلم يستطع النطق - لعلنا لو اقتربنا منها لتعرفنا على فن من فنون العرب البليغة في القول والمبارزة اللسانية، ولأدركنا كيف كانت صياغة العبارة العربية كصياغة الذهب، معيارا بمعيار، قيمة وجمالا وروعة أداء.
من أجمل هذه الأجوبة والردود المسكتة ما يروى عن الرسول الكريم، وقد سألته السيدة عائشة: متى يعرف الإنسان ربه؟

فأجابها الرسول الكريم: إذا عرف نفسه!

وقال له رجل: يا رسوله الله إني أكره الموت.

فقال الرسول الكريم: ألك مال؟

قال الرجل: نعم.

فقال الرسول الكريم: قدم مالك، فإن قلب كل امرئ عند ماله.

ومعنى قوله: "قدم مالك" أنفقه في سبيل الخير وعمل الصالحات حتى إذا لم يبق لك إلا القليل لم تحرص علي الحياة.

ويروون أن الأحنف بن قيس- أحد حكماء العرب وحلمائهم في الجاهلية - سئل ذات يوم: ممن تعلمت الحلم؟

فقال: تعلمته من قيس بن عاصم المنقري، حضرته يوما وهو محتب - أي جالس على مؤخرته وقد ضم فخذيه وساقيه إلى بطنه بذراعه ليتكئ - يحدثنا إذ جاءوا بابن له قتيل وابن عم له كتيف - أي مقيد - فقالوا: هذا قتل ابنك هذا، فلم ينقطع قيس عن حديثه، ولا حل حبوته - أي فك جلسته - حتى فرغ من الحديث، فالتفت إليهم وقال
: أرعبتم الفتى - أي أخفتموه.

ثم أقبل عليه فقال: يا بني، نقصت عددك، وأوهنت ركنك، وفتت في عضدك، وأشمت عدوك، وأسأت إلى قومك.
ثم التفت إلى قومه وقال: أين ابني فلان؟ فوقف بين يديه، فقال له: يا بني، قم إلى ابن عمك فأطلقه، وإلى أخيك فادفنه، وإلى أم القتيل فأعطها مائة ناقة لأنها غريبة فلعلها تسلو عنه.

ويروون أن يحيى بن خال قال لشريك: علمنا مما علمك الله يا أبا عبدالله.

فقال له شريك: إذا عملتم بما تعلمون، علمناكم ما تجهلون.

وقالت زوجة يحيى بن طلحة لزوجها: ما رأيت ألأم من أصحابك إذا استغنيت لزموك، وإذا أعسرت تركوك.

فقال: هذا من كرم أخلاقهم، يأتوننا في حال القوة منا عليهم، ويفارقوننا في حال الضعف منا عنهم.

ويروون أنه قيل لابن السماك الأسدي - أيام معاوية -: كيف تركت الناس؟

قال: تركتهم بين مظلوم لا ينتصف له، وظالم لا ينتهي.

ولقي الإمام الحسين بن علي الشاعر الفرزدق وهو في مسيرة إلى العراق، فسأله الحسين عن الناس، فقال الفرزدق: القلوب معك، والسيوف عليك والنصر في السماء.

وقيل للخليل بن أحمد - واضع علم العروض والقوافي-: مالك تروي الشعر ولا تقوله؟

فقال: لأني كالمسن، أشحذ ولا أقطع. وسئل مثل هذا السؤال مرة أخرى فقال: يأباني جيده وأبي رديئه.

ويروون أن الخليفة العباسى المنصور كتب إلى عبدالله جعفر الصادق يقول له: لم لا تغشانا كما يغشانا الناس؟ فقال له عبدالله: ليس لنا من الدنيا ما نخافك عليه، ولا عندك من الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنئك بها ولا نعدها نقمة فنعزيك لها.

فأجابه المنصور: يا عبدالله، تصحبنا لتنصحنا، فقال عبد الله: من يطلب الدنيا لا ينصحك، ومن يطلب الآخرة لا يصحبك.

ويروون أن رجلا استمع إلى الشاعر العباسي أبي تمام وهو ينشد قوله: لا تسقني ماء الملام، فإنني صب قد استعذبت ماء بكائي.

فأعد له كأسا وهو يقول - على سبيل التهكم والسخرية-: ابعث إلي في هذه الكأس بقليل من ماء الملام، فأجابه أبو تمام من فوره: لا أبعث إليك حتى تبعث إلي بريشة من جناح الذل أكتب بها - وأبوتمام يشير إلى قوله تعالى: واخفض لهما جناح الذل من الرحمة.

B-happy 16 - 1 - 2012 01:05 AM

العقل عند الهوى أسير


وفي ذلك يقول محمد الوراق:
تعصِي الإلهَ وأنتَ تُظهرُ حبَّهُ ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ
لو كانَ حبُّكَ صادقاً لأَطعتَهُ ... إنَّ المحبَّ لمنْ أحبَّ مُطيعُ

ثمَّ تقوى المحبَّة فتصير خُلَّة والخلَّة بين الآدميين أن تكون محبَّة أحدهما قد تمكَّنت من صاحبه حتَّى أسقطت السرائر بينه وبينه فصار متخلِّلاً لسرائره ومطَّلعاً على ضمائره.
وفي هذا النحو يقول بعض أهل هذا العصر:
فلا تهجرْ أخاكَ بغيرِ ذنبٍ ... فإنَّ الهجرَ مفتاحُ السُّلوِّ
إذا كتمَ الخليلُ أخاهُ سرّاً ... فما فضلُ الصَّديقِ علَى العدوِّ

ويقال إنَّ الخلَّة بين الآدميين مأخوذة من تخلُّل المودَّة بين اللَّحم والعظم واختلاطهما بالمخ والدم وهذا المعنى غير مخالف للأول بل هو أوضح سبب له لأن من حلَّ من النفس هذا المحل لم يستبدَّ عنه بأمر ولم يستظهر عليه بسرّ.

وقد أنشد بيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود في هذا النحو:
تغلغلَ حبُّ عَثمةَ في فؤادِي ... فباديهِ معَ الخافِي يسيرُ
تغلغلَ حيثُ لمْ يبلغْ شرابٌ ... ولا حزنٌ ولمْ يبلغْ سرورُ

ثمَّ تقوى الخلَّة فتوجب الهوَى والهوَى اسم لانحطاط المحب في مَحابِّ المحبوب وفي التوصُّل إليه بغير تمالك ولا ترتيب.

أنشد أبو العباس أحمد بن يحيى:
وإنَّ امرءاً يهوِي إليكِ ودونهُ ... منَ الأرضِ مَوْماةٌ وبيداءُ خَيْفقُ
لمحقوقةٌ أنْ تستجيبي لصوتهِ ... وإنْ تعلَمِي إنَّ المعينَ موفَّقُ

ثمَّ تقوى الحال فيصير عشقاً والعاشق يمنعه من سرعة الانحطاط في هوى معشوقه إشفاقه عليه وضنُّه به حتَّى أنَّ إبقاءه عليه ليدعوه إلى مخالفته وترك الإقبال عليه فمن النَّاس من يتوهَّم لهذه العلَّة أنَّ الهوَى أتمُّ من العشق وليس الأمر كذلك ثمَّ يزداد العشق فيصير تتْيِيماً وهو أن تصير حال المعشوق مستوفية للعاشق فلا يكون فيه معها فضل لغيرها ولا يزيد بقياسه شيئاً إلاَّ وجدته متكاملاً فيها.
وفي مثل هذا المعنى يقول أبو الشيص:
وقفَ الهوَى بِي حيثُ أنتِ فليسَ لِي ... مُتأخَّرٌ عنهُ ولا مُتقدَّمُ
أجدُ الملامةَ في هواكِ لذيذةً ... حبّاً لذكركِ فليلُمْنِي اللُّوَّمُ
أشبهتِ أعدائِي فصرتُ أُحبُّهمْ ... إذ كانَ حظِّي منكِ حظِّي منهمُ
وأَهنتِنِي فأهنتُ نفسِي جاهداً ... ما مَنْ يهونُ عليكِ ممَّنْ أُكرمُ
ولو لم يقل أبو الشيص في عمره بل لو لم يقل أحد من أهل عصره غير هذه الأربعةِ الأبيات لكانوا مقصرين وإذا كانت كل خواطر العشَّاق فيما يتمنَّاه واقعة ممَّن يهواه على الأمر الَّذي يرضاه فهذه في المشاكلة الطبيعية الَّتي لا يفنيها مرُّ الزَّمان ولا تزول إلاَّ بزوال الإنسان وإذا صحَّ هذا المذهب لم يعجب من أن يميل الإنسان إلى الإنسان بخلَّة أوْ خلَّتين فإذا زالت العلَّة زال الهوَى فلا يزال المرابط متنقِّلاً إلى أن يصادف من يجتمع فيه هواه فحينئذ يرضاه فلا ينعطف عنه إلى أحد سواه.

ولبعض أهل هذا العصر في هذا المعنى:
أيا زاعماً أنِّي لهُ غيرُ خالصِ ... وأنِّي موقوفٌ علَى كلِّ قانصِ
كمَا أنتَ فانظرْ في وفائكَ خالصاً ... تراهُ لمنْ يهواكَ أمْ غيرَ خالصِ
فحينئذٍ فارجعْ بما تستحقُّهُ ... عليَّ وطالبني إذاً بالنَّقائصِ
سأعرضُ نفسِي يمنةً وشآمةٌ ... علَى كلِّ ثاوٍ في البلادِ شاخصِ
إلى أن أرَى شكلاً يصونُ مودَّتِي ... فحينئذٍ أغلُو علَى كلِّ غائصِ
أمثلِي يخونُ العهدَ عنْ غيرِ حادثٍ ... رمانِي إذاً ربي بحتفٍ مُغافصِ

ثمَّ يزداد التَّتييم فيصير ولهاً والوله هو الخروج عن حدود الترتيب والتَّعطُّل عن أحوال التَّمييز حتَّى تراه يطلب ما لا يرضاه ويتمنَّى ما لا يهواه ثمَّ لا يحتذي مع ذلك مثالاً ولا يستوطن حالاً.

وقد قال حبيب بن أوس الطائي في نحو هذا:
ولَّهَتهُ العُلى فليسَ يعدُّ ال ... بؤسَ بؤساً ولا النَّعيمَ نعيماً
والشَّوق تابع لكلِّ واحدة من هذه الأحوال والمستحسن يشتاق إلى ما يستحسنه على قدر محلِّه من نفسه ثمَّ كلَّما قويت الحال قوي معها الاشتياق فالحبّ وما أشبهه يتهيَّأ كتمانه فإذا بلغت الاشتياق بطل الكتمان.

وفي مثل ذلك يقول يزيد بن الطثرية:
أعِيبُ الَّذي أهوَى وأُطرِي جوارياً ... يرينَ لها فضلاً عليهنَّ بيِّنا
برغمِي أُطيلُ الصَّدَّ عنها إذا بدتْ ... أُحاذرُ أسماعاً عليها وأعيُنا
فدْ غضبتْ أنْ قلتُ أنْ ليس حاجتِي ... إليها وقالتْ لمْ يُردْ أنْ يحبَّنا
وهلْ كنتُ إلاَّ مُعمَداً قانطَ الهوَى ... أسرَّ فلمَّا قادهُ الشَّوقُ أعلَنا
أتانِي هواها قبلَ أنْ أعرفَ الهوَى ... فصادفَ قلبِي خالياً فتمكَّنا

ولعمري إنَّ هذا لمن نفيس الكلام غير أنَّ في البيت ضعفاً وذلك أنَّه جعل سبب تمكُّن الهوَى من قلبه أنَّه صادفه خالياً لم يسبقه إليه غيره وليست هذه من أحوال أهل التَّمام إذ كلُّ من صادف محلا لا يدافع عنه لم يتعذر عليه طريق التَّمكُّن منه.

وقد قال بعض أهل هذا العصر:
وقدْ كانَ يسبِي القلبَ في كلِّ ليلةٍ ... ثمانونَ بلْ تسعونَ نفساً وأرجحُ
يهيمُ بهذا ثمَّ يعشقُ غيرهُ ... ويسلاهمُ مِنْ فورهِ حينَ يصبحُ
وكانَ فؤادِي صاحياً قبلَ حبِّكمُ ... وكانَ بحبِّ الخلقِ يلهُو ويمزحُ
فلمَّا دعَا قلبِي هواكَ أجابهُ ... فلستُ أراهُ عنْ ودادكَ يبرحُ
رُميتُ بهجرٍ منكَ إنْ كنتُ كاذباً ... وإنْ كنتُ في الدُّنيا بغيركَ أفرحُ
وإنْ كانَ شيءٌ في البلادِ بأسرِها ... إذا غبتَ عنْ عينيَّ عندِي يملحُ
فإنْ شئتَ واصِلْنِي وإنْ شئتَ لمْ تصلْ ... فلستُ أرَى قلبِي لغيركَ يصلحُ

فالمحبَّة ما دامت لهواً ونظراً فهي عذبة المبتدأ سريعة الانقضاء فإذا وقعت مرتَّبة على التَّمام في المصافاة تعذَّرت قدرة القلب على هواه فحينئذ تضلُّ أفهام المتميزين وتبطل حيل المتفلسفين.

وفي نحو ذلك يقول بعض الظرفاء:
طوَى شَجَنا في الصَّدرِ فالدَّمعُ ناشرُهْ ... فإنْ أنتَ لمْ تعذرهُ فالشَّوقُ عاذرُهْ
هوًى عذبتْ منهُ مواردُ بدرهِ ... فلمَّا نمَى أعيتْ عليهِ مصادرُهْ

وأنشد أبو العباس أحمد بن يحيى لامرأة من قيس:
وما كيِّسٌ في النَّاسِ يُحمدُ رأيهُ ... فيوجدُ إلاَّ وهوَ في الحبِّ أحمقُ
وما مِنْ فتًى ما ذاقَ بؤسَ معيشةٍ ... فيعشقُ إلاَّ ذاقَها حينَ يعشقُ

وقال عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير:
ورمَى الهوَى منَّا القلوبَ بأسهمٍ ... رميَ الكُماةِ مَقاتلَ الأعداءِ
ومنَ العجائبِ قتلهُ لكرامِنَا ... وشِدادِنا بمكائدِ الضُّعفاءِ

وقال أبو دلف:
الحربُ تضحكُ عنْ كرِّي وإقدامِي ... والخيلُ تعرفُ آثارِي وأقدامِي
سيفِي مدامِي ورَيْحانِي مُثقفةٌ ... وهمَّتي مِقَةُ التَّقصيمِ للهامِ
وقدْ تجرَّدَ لي بالحسنِ مُنفرداً ... أمضَى وأشجعُ منِّي يومَ إقدامِي
سلَّتْ لواحظهُ سيفَ السَّقامِ علَى ... جسمِي فأصبحَ جسمِي رَبعَ أسقامِ

وقال آخر:
ألا قاتلَ اللهُ الهوَى كيفَ يقتلُ ... وكيفَ بأكبادِ المحبِّينَ يفعلُ
فلا تعذُلنِّي في هوايَ فإنَّني ... أرَى سَورةَ الأبطالِ في الحبِّ تبطلُ

وقال آخر:
الحبُّ يتركُ مَنْ أحبَّ مدَلَّهاً ... حيرانَ أوْ يقضِي عليهِ فيسرعُ
الحبُّ أهونهُ شديدٌ فادحٌ ... يهنُ القويَّ منَ الرِّجالِ فيصرعُ
مَنْ كانَ ذا حزمٍ وعزمٍ في الهوَى ... وشجاعةٍ فالحبُّ منهُ أشجعُ

وقال النابغة الذبياني:
لوْ أنَّها عرضتْ لأشمطَ راهبٍ ... يدعُو الإلهَ صرورةٍ مُتعبِّدِ
لرَنَا لبهجتِها وحسنِ حديثِها ... ولخالَهُ رشَداً وإنْ لمْ يرشدِ
أسعُ البلادَ إذا أتيتكِ زائراً ... وإذا هجرتكِ ضاقَ عنِّي مَقعدِي

وأنشدت أعرابية بالبادية:
تبصَّرْ خليلِي هلْ ترَى بينَ وائشٍ ... وبينَ أحَيٍّ مِنْ ظعائنَ كالأثْلِ
ظعائنُ يَسلبنَ الفتَى الغرَّ عقلهُ ... وذا الأهلِ حتَّى لا يُبالِيَ بالأهلِ

وقال آخر:
أروحُ ولمْ أُحدثْ لليلى زيارةً ... لبئسَ إذاً راعِي المودَّةِ والوصلِ
ترابٌ لأهلِي لا ولا نعمةٌ لهمْ ... لشدَّ إذنْ ما قدْ تعبَّدنِي أهلِي

وقال ماني:
مُكتئبٌ ذُو كبدٍ حرَّى ... تبكِي عليهِ مقلةٌ عبرَى
يرفعُ يمناهُ إلى ربِّهِ ... يدعُو وفوقَ الكبدِ اليسرَى
يبقَى إذا كلَّمتهُ باهتاً ... ونفسهُ ممَّا بهِ سكرَى
تحسبهُ مُستمعاً ناصتاً ... وقلبهُ في أُمَّةٍ أُخرَى

وقال غيره وهو مجنون بني عامر:
وشُغلتُ عنْ فهمِ الحديثِ سوَى ... ما كانَ فيكِ وحبُّكمْ شُغلِي
وأديمُ نحوَ مُحدِّثي نظَرِي ... أنْ قدْ فهمتُ وعندكمْ عقلِي

وقال آخر:
مَنْ كانَ لمْ يدرِ ما حبٌّ وصفتُ لهُ ... إنْ كانَ في غفلةٍ أوْ كانَ لمْ يجدِ
الحبُّ أوَّلهُ روعٌ وآخرهُ ... مثلُ الحرارةِ بينَ القلبِ والكبدِ

وقال الحسين بن مطير الأسدي وهو من جيد ما قيل في معناه:
قضَى اللهُ يا أسماءُ أنْ لستُ زائلاً ... أُحبُّكِ حتَّى يغمضَ العينَ مُغمضُ
فحبُّكِ بلوَى غيرَ أنْ لا يسرُّني ... وإنْ كانَ بلوَى أنَّني لكِ مُبغضُ
إذا ما صرفتُ القلبَ في حبِّ غيرِها ... إذاً حبُّها مِنْ دونهِ يتعرَّضُ
فيا ليتَني أقرضتُ جَلداً صبابَتي ... وأقرَضَني صبراً علَى الشَّوقِ مُقرضُ

أما قوله فحبُّك بلوَى فكلام قبيح المعنى وذلك أنَّه كان صادقاً في هواها مختاراً لها على ما سواها فقد أتى على نفسه إذ جعل اختياره مضرّاً بقلبه وإن كان لم يدخل في الهوَى مختاراً وإنَّما وقع به اضطراراً فقد أخطأ إذ سمَّى ما هو موجودٌ في طبعه مفارقٌ لنفسه باسم البلوى الَّتي تعرض له وتنصرف عنه وأمَّا إخباره بأنَّه لا يسرُّ بأن يكون مبغضاً لها فكلامٌ لو سكت عنه كان أولى أو أن يكفّه أنَّه مُبتلًى عند نفسه بهواها حتَّى يريد مع ذلك أن يكون مبغضاً مائلاً إلى سواها غير أنِّي أرجع إلى من ملكه الإشفاق وغلب على قلبه الاشتياق عذراً بأن يُظهر ما يضمر سواه ويتمنَّى لنفسه غير ما يهواه ألم يسمع الَّذي يقول:
مِنْ حبِّها أتمنَّى أنْ يُلاقينِي ... مِنْ نحوِ بلدتِها ناعٍ فينْعَاها
كيْما أقولَ فراقٌ لا التقاءَ لهُ ... وتُضمرُ النَّفسُ يأساً ثمَّ تسلاها

وهذا لعمري سرفٌ شديد وطريق الاعتذار لقائله بعيد وأقرب منه قول أبي الوليد بن عبيد الطائي:
مُقيمٌ بأكنافِ المصلَّى تصيدُني ... لأهلِ المصلَّى ظبيةٌ لا أصيدُها
أُريدُ لنفسِي غيرَها حينَ لا أرَى ... مُقاربةً منها ونفسي تريدُها

وهذا الكلام أيضاً حسن الظَّاهر قبيح الباطن وذلك أنَّه يعبِّر عن صاحبته أنَّه إنَّما يريدها ما دامت تواصله فإذا هجرته انصرف عنها قلبه إلاَّ أنَّه وإن كان مقصِّراً في هذا البيت فما قصَّر في قوله:
يهواكَ لا أنَّ الغرامَ أطاعهُ ... حتماً ولا أنَّ السُّلوَّ عصاهُ
مُتخيِّرٌ ألفاكَ خيرةَ نفسهِ ... ممَّن نآهُ الودُّ أوْ أدناهُ

وهذا ضد قول أبي علي البصير:
لوْ تخيَّرتُ ما عشقتُ ولوْ مُلِّ ... كتُ أمرِي عرفتُ وجهَ الصَّوابِ

وأقبح من هذا القول الَّذي يقول:
إنَّ الَّذي بعذابِي ظلَّ مُفتخراً ... هلْ كنتَ إلاَّ مليكاً جارَ إذ قدرَا
لولا الهوَى لتَحَاربْنا علَى قدرٍ ... وإن أُفقْ يوماً ما فسوفَ ترَى

هذا يتوعد محبوبه بالعقاب وهو أسير في يده يجري عليه حكمه وينفذ فيه فكيف لو قد ملك نفسه وقدر على الإنصاف من خصمه هذه حالٌ لا يُخبر بها عن نفسه إلاَّ من قد غُلب على عقله أو تحيَّر في أمره وقد قال جميل في قريبٍ من هذا المعنى قولاً مليحاً وإن لم يكن معناه عندنا صحيحاً وهو:
فيا ربِّ حبَّبْني إليها وأعطِنِي المو ... دَّةَ منها أنتَ تُعطي وتمنعُ
وإلاّ فصبِّرني وإنْ كنتُ كارهاً ... فإنِّي بها يا ذا المعارجِ مولعُ

وللمجنون ما هو أقبح منه:
فيا ربِّ سوِّ الحبَّ بيني وبينها ... كَفافاً فلا يرجحْ لليلَى ولا ليَا
وإلاّ فبغِّضْها إليَّ وأهلَها ... تكنْ نعمةً ذا العرشِ أهديتَها ليَا

وأنشد أبو العباس محمد بن يزيد النحوي ليزيد بن الطثرية في ضد هذا المعنى:
يقولونَ صبراً يا زيدُ إذا نأتْ ... ويا ربِّ لا ترزقْ علَى حبِّها صبرَا
فهذا يختار لنفسه البلاء ضنّاً بمحلِّها من الهوَى ولعمري إنَّ هذه لحالٌ وكيدةٌ وإنَّها لو فارقته حتَّى يرى نفسه بعين الحريَّة من ملكها لانتقل عن رأيه وندم على وفائه وقد حدَّثت مريم الأسدية قالت سمعت امرأة عقيليَّة تقول وهي على بعير لها تسير:
سُقينا سُلوةً فَسَلا كِلانا ... أراكَ اللهُ نعمةَ مَنْ سقانا

قالت مريم فسألتها عن خَبالها فقالت كنت أهوى ابن عمٍ لي ففطن بي بعض أهلي فسقوني وإيَّاه شيئاً فسلا كل واحد منا عن صاحبه وهذه حالٌ قلَّ ما يقع مثلها وهي ألطف محلاًّ من كل ما ذكرناه وما نذكره بعدها لأنّا إنَّما نصف من آثر المقام مع من يهواه على السلوّ عنه والرَّاحة من أذاه وهو بعد مقيمٌ في هواه وصاحبة هذا البيت قد سلت عن محبوبها وإنَّما تأسَّى على العشق لا على المعشوق وفي مثل هذا المعنى يقول بعض الهذليين:

إذا ما سألتُكَ وعْداً تُريحُ ... بهِ مُهجتي فأنا المُستريحُ
فلا تُعطني الوعدَ خوفَ السُّلوِّ ... فإنِّي علَى حسراتي شحيحُ
أحَبُّ إليَّ من الصَّبرِ عنكَ ... فُؤادٌ قريحٌ وقلبٌ جريحُ

ولقد أحسن الوليد بن عبيد حيث يقول:
ويُعجبني فَقري إليكَ ولمْ يكنْ ... لِيُعجبني لولا محبَّتكَ الفَقرُ
وما ليَ عذرٌ في جُحودكَ نعمةً ... ولو كان لي عذرٌ لما حسُنَ العذرُ

وأحسن الَّذي يقول:
وما سرَّني أنِّي خليٌّ مِنَ الهوَى ... علَى أنَّ لي ما بينَ شرقٍ إلى غربِ
فإنْ كانَ هذا الحبُّ ذنبي إليكُمُ ... فلا غفرَ الرَّحمانُ ذلكَ من ذنبِ

وأحسن أيضاً الَّذي يقول:
أحببتُ قلبي لمَّا أحبَّكمُ ... وصارَ رأيي لِرأيهِ تبعا
ورُبَّ قلبٍ يقولُ صاحبهُ ... تَعْساً لقلبي فبئسَ ما صنعا

وأنشد أحمد بن يحيى عن الزبير بن بكار لجميل بن معمر:
خليليَّ فيما عِشتما هلْ رأيتُما ... قتيلاً بكى من حبِّ قاتلهِ قبلي
فلوْ تركتْ عقلي معي ما تبعتُها ... ولكنْ طِلابيها لما فاتَ من عقلي

وهذا المعنى الَّذي في البيت الثاني داخل فيما عينَّاه من أنَّ من أقبل على من يهواه ما دام مفتقراً إليه فليست له في ذلك منَّةٌ عليه وحدثني أبو العباس أحمد بن يحيى النَّحويّ عن أبي سعيد عن القرويّ قال حدثني أخي عمران بن موسى قال أخبرني بعض أصحابنا أنَّ المجنون لما تغوَّل كان لا يؤخذ منه الشعر إلاَّ أن يجلس الرجل قريباً منه فينشد النَّسيب فيرتاح إليه فإذا سمع ذلك أنشد قال فجلس إلى جنبه رجلٌ فأنشده بيتاً من النَّسيب فقال ما أحسن هذا ثمَّ أنشده:
عجبتُ لِذاكَ عُروةَ كيفَ أضحى ... أحاديثاً لقومٍ بعدَ قومِ
وعروةُ ماتَ موتاً مُستريحاً ... وها أنذا أموَّتُ كُلَّ يومِ

وأنشد بعض الأدباء للمجنون أيضاً:
أراني إذا صلَّيتُ يمَّمْتُ نحوها ... أمامي وإنْ كانَ المصلَّى ورائيا
وما بيَ إشراكٌ ولكنَّ حبَّها ... مكانَ الشَّجى أعْيا الطَّبيبَ المُداويا
أُصلِّي فما أدري إذا ما ذكرتها ... أثنْتَيْنِ صلَّيتُ الضُّحى أمْ ثمانيا
وما جئْتها أبغي شفائي بنظرةٍ ... فأبصرتُها إلاَّ انصرفتُ بدائيا

وأنشد بعض الكتاب لنفسه:
ولي فؤادٌ إذا طالَ السَّقامُ بهِ ... هامَ اشتياقاً إلى لُقيا مُعذِّبهِ
يفديكَ بالنَّفس صبٌّ لو يكونُ لهُ ... أعزُّ من نفسهِ شيءٌ فداكَ بهِ

B-happy 16 - 1 - 2012 01:06 AM

من كثرت لحظاته دامت حسراته


قال بعض الحكماء ربَّ حربٍ جُنيت من لفظة وربَّ عشق غُرس من لحظة
وقال العتبي أبو الغصن الأعرابي قال: خرجت حاجّاً فلما مررت بقباء تداعى النَّاس ألماً وقالوا قد أقبلت الصقيل فنظرت وإذا جارية كأن وجهها سيف صقيل فلما رميناها بالحدق ألقت البرقع على وجهها فقلت يرحمكِ الله إنا سفرٌ وفينا أجرٌ فأمتعينا بوجهكِ فانصاعت وأنا أرى الضحك في عينيها وهي تقول:

وكنتَ متى أرسلتَ طرفكَ رائداً ... لقلبكَ يوماً أتبعتكَ المناظرُ
رأيتَ الذي لا تأكلهُ أنتَ قادرٌ ... عليه ولا عنْ بعضهِ أنتَ صابرُ

وأنشد أبو العباس أحمد بن يحيى النحوي لامرأةٍ من الأعراب:

أرَى الحرَّ لا يفنَى ولمْ يفنهِ الأُلى ... أُحينوا وقدْ كانوا علَى سالفِ الدَّهرِ
وكلهمُ قدْ خالهُ في فؤادهِ ... بأجمعهِ يحكونَ ذلكَ في الشِّعرِ
وما الحبُّ إلاَّ سمعُ أُذنٍ ونظرةٌ ... ووجبةُ قلبٍ عن حديثٍ وعنْ ذكرِ
ولوْ كانَ شيءٌ غيرهُ فنيَ الهوَى ... وأبلاهُ مَن يهوى ولوْ كانَ مِن صخرِ

وقال آخر:
تعرَّضنَ مرمى الصَّيدِ ثمَّ رَمينا ... منَ النَّبلِ لا بالطَّائشاتِ الخواطفِ
ضعائفٌ يقتلنَ الرِّجالَ بلا دمٍ ... فيا عجباً للقاتلاتِ الضَّعائفِ
وللعينِ ملهًى في التلادِ ولمْ يقدْ ... هوَى النَّفس شيئاً كاقتيادِ الطَّرائفِ

وقال آخر:
وكمْ منْ فتًى جَلدٍ يقادُ لحينهِ ... بطرفٍ مريضِ النَّاظرَينِ كحيلِ
إذا ما الهوى منهُ تعزَّزَ جانبٌ ... فما شئتَ مِن مقتولةٍ وقتيلِ

وقال جرير بن عطية:
إنَّ العيونَ التي في طرفِها مرضٌ ... قتلننا ثمَّ لمْ يحيينَ قتلانا
يصرعنَ ذا اللُّبِّ حتَّى لا حراكَ بهِ ... وهنَّ أضعفُ خلقِ اللهِ أركانا

وقال جميل بن معمر العذري:
رمى اللهُ في عينيْ بثينةَ بالقذَى ... وفي الغرّ مِن أنيابِها بالقوادحِ
رمتْني بسهمٍ ريشهُ الكحلُ لمْ يضرْ ... ظواهرَ جلدي فهوَ في القلبِ جارِحي

أما معنى البيت الأول فقبيح أن يجعل في الغزل إن كان قصد في باطنه ما يتبين في ظاهره وقد زعم بعض أهل الأدب أن قوله رمى الله في عيني بثينة بالقذى إنَّما عنى به الرَّفيبَ وقوله. وفي الغرّ من أنيابها إنَّما عنى به سروات قومها والقوادح الحجارة وقد عرضتُ هذا القول على أبي العباس أحمد بن يحيى فأنكره وقال لم يعن ولم يرَ به بأساً العرب تقول قاتله الله فما أشجعه ولا تريد بذلك سوءاً.

وقال العديل بن الفرج العجلي:
يأخذنَ زينتهنَّ أحسنَ ما ترَى ... فإذا عطِلنَ فهنَّ غيرُ عواطلِ
وإذا جلينَ خدودهنَّ أرَيْننا ... حدقَ المها وأخذنَ نبلَ القاتلِ
فرَمَيْنا لا يستترنَ بجُنَّةٍ ... إلاَّ الصِّبى وعلمنَ أينَ مَقاتلي
يلبسنَ أرديةَ الوقارِ لأهلِها ... ويجرُّ باطلهنَّ حبلَ الباطلِ

وقال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي:
سَمْعي وطرفي حليفَا أعلَى جسدي ... فكيفَ أصبرُ عنْ سمعي وعنْ بصري
لوْ طاوَعاني علَى أنْ لا أُطاوعَها ... إذاً لقضَّيتُ مِن أوطارِها وطَري

وقال يزيد بن سويد الضبعي:
بيضٌ أوانسُ يلتاطُ العبيرُ بها ... كفَّ الفواحشَ عنها الأُنسُ والخفرُ
ميلُ السَّوالفِ غيدٌ لا يزالُ لها ... منَ القلوبِ إذا لاقينَها جزرُ

وأنشد بعض الكلابيين:
يا مَن بدائعُ حسنِ صورتهِ ... تَثني إليهِ أعنَّةَ الحدقِ
لي منكَ ما للنَّاسِ كلّهمِ ... نظرٌ وتسليمٌ علَى الطُّرقِ
لكنَّهمْ سعدُوا بأمنهمِ ... وشقيتُ حينَ أراكَ بالفرقِ

وقال آخر:
دعا قلبهُ يوماً هوًى فأجابهُ ... فؤادٌ إذا يلقَى المِراضَ مريضُ
بمُستأنِساتٍ بالحديثِ كأنَّها ... تهلُّلُ مزنٍ برقهنَّ وميضُ

وأنشدني أحمد بن أبي طاهر:
طربتُ إلى حوراءَ آلفةِ الخِدرِ ... هيَ البدرُ أوْ إنْ قلتَ أكملُ مِنْ بدرِ
تُراسلُني باللَّحظِ عندَ لقائها ... فتخلسُ قلبي عندَ ذلكَ مِنْ صدري

وقال عمرو بن الأيهم:
ويومَ ارتحالِ الحيِّ راعتكَ روعةً ... فلمْ تنسَها مِنْ ذاكَ إلاَّ علَى ذكرِ
رمتكَ بعينيْ فرقدٍ ظلَّ يتَّقي ... شآبيبَ قطرٍ بينَ غُصنينِ مِنْ سدرِ

وقال آخر:
قلبي إلى ما ضرَّني داعِي ... يُكثرُ أسقامي وأوْجاعي
لقلَّ ما أبقَى علَى ما أَرى ... أُشكُ أنْ ينعانِيَ النَّاعِي
كيفَ احْتراسِي من عدوِّي إذا ... كانَ عدوِّي بينَ أضلاعِي
ما أقتلَ اليأْسَ لأهلِ الهوَى ... لا سيَّما مِنْ بعدِ إطماعِ

وقال الطرماح:
فلمَّا ادَّركناهنَّ أبدينَ للهوَى ... محاسنَ واسْتولينَ دونَ محاسنِ
ظعائنُ يستحدثنَ في كلِّ بلدةٍ ... رَهيناً ولا يُحسنَّ فكَّ الرَّهائنِ

وقال العجيف العقيلي:
خليليَّ ما صبرِي علَى الزَّفراتِ ... وما طاقَتي بالشَّوقِ والعبراتِ
تقطَّعُ نفسِي كلَّ يومٍ وليلةٍ ... علَى إثرِ مَنْ قدْ فاتَها حسراتِ
سقَى ورعَى اللهُ الأوانسَ كالدُّمى ... إذا قمنَ جنحَ اللَّيلِ مُنبهراتِ
دعونَ بحبَّاتِ القلوبِ فأقبلتْ ... إليهنَّ بالأهواءِ مُبتدراتِ

وأنشد أحمد بن يحيى الشيباني أبو العباس النحوي:
إذا هنَّ ساقطنَ الأحاديثَ للفتَى ... سقوطَ حصَى المرجانِ مِنْ سلكِ ناظمِ
رمينَ فأنفذنَ القلوبَ ولا ترَى ... دماً مائراً إلاَّ جوًى في الحيازمِ
وخبَّركِ الواشونَ ألاّ أُحبّكمْ ... بلَى وستورِ البيتِ ذاتِ المحارمِ
أصدُّ وما الصَّدُّ الذي تعلمينهُ ... بنا وبكمْ إلاَّ جزع العلاقمِ
حياءً وبُقيا أنْ تشيعَ نميمةٌ ... بنا وبكمْ أُفٍّ لأهلِ النَّمائمِ
أمَا إنَّه لوْ كانَ غيركِ أرقلتْ ... صعادُ القنا بالرَّاعفاتِ اللَّهاذمِ
ولكنْ وبيتِ اللهِ ما طلَّ مسلماً ... كغرِّ الثَّنايا واضحاتِ الملاغمِ
وإنَّ دماً لوْ تعلمينَ جنيتهِ ... علَى الحيِّ جانِي مثلهِ غيرُ نائمِ

وقال عمر بن أبي ربيعة:
فلمَّا تواقَفْنا وسلَّمتُ أقبلتْ ... وجوهٌ زهاها الحسنُ أنْ تتقنَّعا
تبالَهْنَ بالعرفانِ لمَّا عرفنني ... وقلنَ امرؤٌ باغٍ أضلَّ وأوضعا
وقرَّبنَ أسبابَ الهوَى لمتيَّمٍ ... يقيسُ ذراعاً كلَّما قسنَ إصبعا
فقلتُ لمُطريهنَّ بالحسنِ إنَّما ... ضررتَ فهلْ تسطيعُ نفعاً فتنفعَا

وقال أيضاً:
وكمْ مِنْ قتيلٍ ما يُباءُ بهِ دمٌ ... ومِنْ غلقٍ رهناً إذا لفَّهُ مِنَى
ومن مالئٍ عينيهِ مِنْ شيءِ غيرهِ ... إذا راحَ نحوَ الجمرةِ البيضُ كالدُّمى
أوانسُ يسلبنَ الحليمَ فؤادهُ ... فيا طولَ ما شوقٍ ويا حسنَ مُجتلَى
مع اللَّيلِ قصراً قدْ أضرَّ بكفِّها ... ثلاثَ أسابيعٍ تعدُّ منَ الحصَى
فلمْ أرَى كالتَّجميرِ منظرَ ناظرٍ ... ولا كليالِي الحجِّ أفتنَّ ذا هوَى

وقال آخر:
بوارحُ رحنَ من برحٍ إلينا ... بأفئدةِ الرِّجالِ مبرِّحاتِ
رمينَ حصَى الجمارِ بخاضباتٍ ... وأفئدةَ الرِّجالِ بصائباتِ

وقال ذو الرمة:
فما ظبيةٌ ترعَى مساقطَ رملةٍ ... كسَا الواكفُ الغادي لها ورقاً خُضرا
بأحسنَ مِنْ ميٍّ عشيَّةَ حاولتْ ... لتجعلَ صدعاً في فؤادكَ أوْ عَقرا
بوجهٍ كقرنِ الشَّمسِ حرٍّ كأنَّما ... تهيجُ بهذا القلبِ لمحتهُ وقْرا
وعينٍ كأنَّ البابليَّيْنِ لبَّسا ... بقلبكَ منها يومَ لاقيتَها سِحرا

وقال كثير بن عبد الرحمن:
أصابكَ نبلُ الحاجبيَّةِ إنَّها ... إذا ما رمتْ لا يستبلُّ كليمُها
لقدْ غادرتْ في القلبِ منِّي أمانةً ... وللعينِ عبراتٌ سريعٌ سجومُها
فذُوقي بما أجنيتِ عيناً مشومةً ... عليَّ وقدْ يأتِي علَى العينِ شومُها

وقال آخر:
وتنالُ إذا نظرتْ إليكَ بطرفِها ... ما لا ينالُ بحدِّهِ النَّصلُ
وإذا نظرتَ إلى محاسنِ وجهِها ... فلكلِّ موضعِ نظرةٍ قتلُ
ولقلبِها حلمٌ تصدُّ بهِ ... عنْ ذي الهوَى ولطرفِها جهلُ

وقال حبيب بن أوس الطائي:
يا جفوناً سواهِداً أعدمتْها ... لذَّةَ النَّومِ والرُّقادِ جفونُ
إنَّ للهِ في العبادِ منايَا ... سلَّطتْها علَى القلوبِ عيونُ

وأنشدت أم حمادة الهمدانية:
دارَ الهوَى بعبادِ اللهِ كلّهمِ ... حتَّى إذا مرَّ بي مِنْ بينهمْ وقفَا
إنِّي لأعجبُ مِنْ قلبٍ يكلِّفكمْ ... ومَا يرَى منكمُ برّاً ولا لَطَفا
لولا شقاوةُ جدِّي ما عرفتكمُ ... إنَّ الشَّقيَّ الذي يشقَى بمنْ عرَفا

وأنشد أبو طاهر أحمد بن بشر الدمشقي:
رمتْني وسِترُ اللهِ بيني وبينها ... عشيَّةَ أحجارِ الكَنَاسِ رميمُ
رميمُ الَّتي قالتْ لجاراتِ بيتها ... ضمنتُ لكمْ أنْ لا يزالَ يهيمُ
ألا ربَّ يومٍ لوْ رمتْني رَمَيْتها ... ولكنَّ عهدي بالنِّضالِ قديمُ

وبلغ أنَّ بثينة وعزَّة كانتا خاليتين تتحدثان إذ أقبل كثيِّر فقالت بثينة لعزَّة أتحبين أن أُبين لك إن كان كثيِّر فيما يظهره لك من المحبة غير صادق قالت نعم قالت: أدخلي الخباء فتوارت عزَّة ودنا كثيِّر حتَّى وقف على بثينة فسلم عليها فقالت له ما تركت فيك عزَّة مستمتَعاً لأحدٍ فقال كثيِّر والله لو أن عزَّة أمَة لوهبتها لكِ قالت له بثينة إن كنت صادقاً فاصنع في ذلك شعراً فأنشأ يقول:
رمتْني علَى فوتِ بثينةُ بعدَ ما ... تولَّى شبابِي وارْجحنَّ شبابُها
بعينينِ نجلاوينِ لوْ رقرقتْهُما ... لنوءِ الثُّريَّا لاستهلَّ سحابُها
فبادرت عزَّة فكشفت الحجاب وقالت يا فاسق قد سمعت البيتين قال لها فاسمعي الثالث قالت وما هو فأنشأ يقول:
ولكنَّما ترمينَ نفساً شقيَّةً ... لعزَّةَ منها صفوُها ولبابُها

وهذا الشعر وإن كان قبيحاً لمناسبته الخيانة والغدر فهو حسن من ثبات حدَّة الخاطر وسرعة الفكر.

وقال أبو عبادة البحتري:
نظرتْ قادرةً أنْ ينكفِي ... كلُّ قلبٍ في هواهَا بعلَقْ
قالَ بُطلاً وأفالَ الرَّأيَ مَنْ ... لمْ يقلْ إنَّ المنايا في الحدَقْ
كانَ يكفِي ميِّتاً مِنْ ظمإٍ ... فضلُ ما أوبقَ ميْتاً مِنْ غرَقْ
إنْ تكنْ محتسباً مَنْ قدْ ثوَى ... لحمامٍ فاحتسبْ مَنْ قدْ عشِقْ

وقال القطامي وهو أحسن ما قيل في معناه:
وفي الخدورِ غماماتٌ برقنَ لنا ... حتَّى تصيَّدننَا مِنْ كلِّ مُصطادِ
يقتُلْننا بحديثٍ ليسَ يعلمهُ ... مَنْ يتَّقينَ ولا مكتومهُ بادِ
فهنَّ يُبدينَ مِنْ قولٍ يُصبنَ بهِ ... مواقعَ الماءِ من ذِي الغلَّةِ الصَّادي

قد ذكرنا من أقاويل الشعراء في الهوَى أنَّه يقع ابتداؤه من النظر والسَّماع ما في بعضه بلاغٌ ثمَّ نحن إن شاء الله ذاكرون ما في ذلك الأمر الَّذي أوقعه السماع والنظر ولمَ وقع وكيف وقع إذ قد صحَّ كونه عند العامَّة وخفيَ سببه على الخاصَّة أخبرنا أبو بكر محمد بن إسحاق الصاغاني قال حدثنا ابن أبي مريم قال أخبرنا يحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنَّه قال: الأرواح جنود مجنَّدة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

وفي مثل ذلك يقول طرفة بن العبد:
تعارفُ أرواحُ الرِّجالِ إذا التقَوْا ... فمنهمْ عدوٌّ يُتَّقى وخليلُ
وإنَّ امرءاً لمْ يعفُ يوماً فكاهةً ... لمنْ لمْ يردْ سوءاً بها لجهولُ

وزعم بعضُ المتفلسفين أن الله جلَّ ثناؤه خلقَ كلَّ روحٍ مدوَّرة الشكل على هيئة الكرة ثمَّ قطعها أيضاً فجعل في كل جسد نصفاً وكل جسد لقي الجسد الَّذي فيه النصف الَّذي قطع من النصف الَّذي معه كان بينهما عشقٌ للمناسبة القديمة وتتفاوت أحوال النَّاس في ذلك على حسب رقَّة طبائعهم.
وقد قال جميل في ذلك:
تعلَّقُ رُوحي روحَها قبلَ خلقِنا ... ومِنْ بعدِ ما كنَّا نِطافاً وفي المهدِ
فزادَ كمَا زِدنا فأصبحَ نامِياً ... وليسَ إذا مُتنا بمُنتقضِ العهدِ
ولكنَّهُ باقٍ علَى كلِّ حالةٍ ... وزائرُنا في ظُلمةِ القبرِ واللَّحدِ

وفي نحوه يقول بعض أهل هذا العصر:
مَنْ كانَ يشجَى بحبٍّ ما لهُ سببٌ ... فإنَّ عندي لِما أشجَى بهِ سببُ
حُبِّيهِ طبعٌ لنفسِي لا يغيِّرهُ ... كرُّ اللَّيالِي ولا تُودي بهِ الحقبُ
إن كانَ لا بدَّ للعشَّاقِ من عطبٍ ... ففي هوَى مثلهِ يُستغنمُ العطبُ

وكتب بعض الظرفاء إلى أخ له إنِّي صادقت منك جوهر نفسي فأنا غير محمود على الانقياد إليك بغير زمام لأن النفس يتبع بعضها بعضاً وحُكي عن أفلاطون أنَّه قال ما أدري ما الهوَى غير أنِّي أعلم أنَّه جنون إلاهي لا محمود ولا مذموم.

وقد قال بعض الشعراء في مثله:
إنَّ المحبَّةَ أمرُها عجبٌ ... تُلقَى عليكَ وما لها سببُ

ولقد أحسن الحسين بن مطير في قوله:
قضَى اللهُ يا سمراءُ منِّي لكِ الهوَى ... بعزمٍ فلمْ أمنعْ ولمْ أُعطِهِ عمدا
وكلُّ أسيرٍ غيرُ مَنْ قدْ ملكتهِ ... مُرجًّى لقتلٍ أوْ لنعماءُ أوْ مُفدَى

B-happy 16 - 1 - 2012 01:06 AM

كيف الحجاج

انفرد الحجاج يوما ً عن عسكره فلقي أعرابيا ً فقال : ياوجه العرب كيف الحجاج ؟

فقال : الظالم الغاشم فقال : فهل شكوته لي عبد الملك فقال : لعنه الله أظلم منه وأغشم ,

وأحاط به العسكر فقال أركبوا البدوي فسأل عنه فقالوا : هو الحجاج فركض من الفرس خلفه

وقال ياحجاج قال : مالك ! قال : السر الذي بيني وبينك لايطلع عليه أحد فضحك وخلاه

B-happy 16 - 1 - 2012 01:08 AM

ميراث

يحكى أن امرأة جاءت إلى أحد الفقهاء، فقالت له: لقد مات أخي، وترك ستمائة درهم، ولما قسموا المال لم يعطوني إلا درهما واحدا!

فكر الفقيه لحظات، ثم قال لها: ربما كان لأخيك زوجة وأم وابنتان واثنا عشر أخا. فتعجبت المرأة، وقالت: نعم، هو كذلك.

فقال: إن هذا الدرهم حقك، وهم لم يظلموك: فلزوجته ثمن ما ترك، وهو يساوي (75 درهما)، ولابنتيه الثلثين، وهو يساوى (400 درهم)، ولأمه سدس المبلغ، وهو يساوي (100 درهم)، ويتبقى (25 درهما) توزع على إخوته الإثنى عشر وعلى أخته، ويأخذ الرجل ضعف ما تأخذه المرأة، فلكل أخ درهمان، ويتبقى للأخت- التي هي أنت- درهم واحد


الساعة الآن 03:16 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى