![]() |
أبو حذيفة
السيد الكبير الشهيد أبو حذيفة ابن شيخ الجاهلية عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب القرشي العبشمي البدري . [ ص: 165 ] أحد السابقين واسمه مهشم فيما قيل . أسلم قبل دخولهم دار الأرقم ، وهاجر إلى الحبشة مرتين . وولد له بها محمد بن أبي حذيفة ، ذاك الثائر على عثمان بن عفان ، ولدته له سهلة بنت سهيل بن عمرو ، وهي المستحاضة . وقد تزوج بها عبد الرحمن بن عوف ، وهي التي أرضعت سالما ، وهو كبير ، لتظهر عليه . وخصا بذاك الحكم عند جمهور العلماء . وعن أبي الزناد أن أبا حذيفة بن عتبة دعا يوم بدر أباه إلى البراز ، فقالت أخته أم معاوية هند بنت عتبة : [ ص: 166 ] الأحول الأثعل المذموم طائره أبو حذيفة شر الناس في الدين أما شكرت أبا رباك من صغر قال : وكان أبو حذيفة طويلا ، حسن الوجه ، مرادف الأسنان ، وهو الأثعل . حتى شببت شبابا غير محجون استشهد أبو حذيفة - رضي الله عنه - يوم اليمامة سنة اثنتي عشرة هو ومولاه سالم . وتأخر إسلام أخيه أبي هاشم بن عتبة ، فأسلم يوم الفتح وحسن إسلامه ، وجاهد ، وسكن الشام . وكان صالحا ، دينا ، له رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه . مات في خلافة عثمان ، وهو أخو الشهيد مصعب بن عمير لأمه ، وخال الخليفة معاوية . روى منصور بن المعتمر ، عن أبي وائل ، حدثنا سمرة بن سهم ، قال : قدمت على أبي هاشم بن عتبة ، وهو طعين ، فدخل عليه معاوية يعوده ، فبكى ، فقال : ما يبكيك يا خال ؟ أوجع أو حرص على الدنيا ؟ قال : كلا لا ، ولكن عهد إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهدا لم آخذ به . قال لي : " يا أبا هاشم ! لعلك أن تدرك أموالا تقسم بين أقوام ، وإنما يكفيك من جمع الدنيا خادم ، ومركب في سبيل الله " . وقد وجدت وجمعت . [ ص: 167 ] وفي رواية مرسلة : فيا ليتها بعرا محيلا . قيل : عاش أبو حذيفة ثلاثا وخمسين سنة . سالم مولى أبي حذيفة من السابقين الأولين البدريين المقربين العالمين . قال موسى بن عقبة : هو سالم بن معقل . أصله من إصطخر ، والى أبا حذيفة ، وإنما الذي أعتقه هي ثبيتة بنت يعار الأنصارية ، زوجة أبي حذيفة بن عتبة وتبناه أبو حذيفة ، كذا قال . ابن أبي مليكة ، عن القاسم بن محمد : أن سهلة بنت سهيل أتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي امرأة أبي حذيفة ، فقالت : يا رسول الله ، إن سالما معي ، وقد أدرك ما يدرك الرجال . فقال : " أرضعيه ، فإذا أرضعته فقد حرم عليك ما يحرم من ذي المحرم " . قالتأم سلمة : أبى أزواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدخل أحد عليهن بهذا الرضاع ، وقلن : إنما هي رخصة لسالم خاصة . [ ص: 168 ] وعن ابن عمر ، قال : كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الذين قدموا من مكة حتى قدم المدينة ; لأنه كان أقرأهم . الواقدي : حدثنا أفلح بن سعيد ، عن محمد بن كعب القرظي قال : كان سالم يؤم المهاجرين بقباء ، فيهم عمر قبل أن يقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . حنظلة بن أبي سفيان : عن عبد الرحمن بن سابط ، عن عائشة قالت : استبطأني رسول الله ذات ليلة ، فقال : " ما حبسك ؟ قلت : إن في المسجد لأحسن من سمعت صوتا بالقرآن ، فأخذ رداءه ، وخرج يسمعه ، فإذا هو سالم مولى أبي حذيفة ، فقال : الحمد لله الذي جعل في أمتي مثلك " إسناده جيد . عبد الله بن نمير : عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر أن المهاجرين نزلوا بالعصبة إلى جنب قباء ، فأمهم سالم مولى أبي حذيفة ؛ لأنه كان [ ص: 169 ] أكثرهم قرآنا ، فيهم عمر ، وأبو سلمة بن عبد الأسد . ورواه أسامة بن حفص ، عن عبيد الله . ولفظه : لما قدم المهاجرون الأولون العصبة قبل مقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كان سالم يؤمهم . وروي عن محمد بن إبراهيم التيمي قال : وآخى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، بين سالم مولى أبي حذيفة ، وبين أبي عبيدة بن الجراح . هذا منقطع . وجاء من رواية الواقدي أن محمد بن ثابت بن قيس قال : لما انكشف المسلمون يوم اليمامة ، قال سالم مولى أبي حذيفة : ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحفر لنفسه حفرة ، فقام فيها ، ومعه راية المهاجرين يومئذ ، ثم قاتل حتى قتل . وروى عبيد بن أبي الجعد ، عن عبد الله بن الهاد أن سالما باع ميراثه عمر بن الخطاب فبلغ مائتي درهم ، فأعطاها أمه ، فقال : كليها . وقيل : إن سالما وجد هو ومولاه أبو حذيفة ، رأس أحدهما عند رجلي الآخر صريعين رضي الله عنهما . ومن مناقب سالم : [ ص: 170 ] أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن محمد في كتابه ، وجماعة ، قالوا : أخبرنا حنبل بن عبد الله ، أنبأنا هبة الله بن محمد ، أنبأنا أبو علي بن المذهب ، أنبأنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثني أبي ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد ، عن علي بن زيد ، عن أبي رافع أن عمر بن الخطاب قال : من أدرك وفاتي من سبي العرب فهو من مال الله . فقال سعيد بن زيد : أما إنك لو أشرت برجل من المسلمين ، لائتمنك الناس ، وقد فعل ذلك أبو بكر الصديق ، وائتمنه الناس ، فقال : قد رأيت من أصحابي حرصا سيئا ، وإني جاعل هذا الأمر إلى هؤلاء النفر الستة . ثم قال : لو أدركني أحد رجلين ، ثم جعلت إليه الأمر لوثقت به : سالم مولى أبي حذيفة ، وأبو عبيدة بن الجراح . علي بن زيد لين فإن صح هذا ، فهو دال على جلالة هذين في نفس عمر ، وذلك على أنه يجوز الإمامة في غير القرشي ، والله أعلم . |
شهداء بدر
عبيدة بن الحارث المطلبي ، وعمير بن أبي وقاص الزهري ، أخو سعد ، وصفوان بن بيضاء ، واسم أبيه : وهب بن ربيعة الفهري ، وذو الشمالين عمير بن عبد عمرو الخزاعي ، وعمير بن الحمام بن الجموح الأنصاري ، الذي رمى التمرات ، وقاتل حتى قتل ، ومعاذ بن عمرو بن الجموح السلمي ، ومعاذ بن عفراء ، وأخوه عوف ، واسم أبيهما الحارث بن رفاعة من بني غنم بن عوف ، وحارثة بن سراقة بن الحارث بن عدي الأنصاري ، جاءه سهم غرب وهو غلام حدث ، [ ص: 171 ] وهو الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا أم حارثة ! إن ابنك أصاب الفردوس الأعلى " ويزيد بن الحارث بن قيس الخزرجي ، وأمه هي فسحم ، ويقال له هو فسحم ، ورافع بن المعلى الزرقي ، وسعد بن خيثمة الأوسي ، ومبشر بن عبد المنذر أخو أبي لبابة ، وعاقل بن البكير بن عبد ياليل الكناني الليثي ، أحد الإخوة الأربعة البدريين ، فعدتهم أربعة عشر شهيدا . وقتل من المشركين : عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف ، وأخوه شيبة ، ولهما مائة وأربعون سنة ، وأبو جهل عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي ، وأمية بن خلف الجمحي ، وابنه علي ، وعقبة بن أبي معيط ، ذبح صبرا ، وأبو البختري العاص بن هشام الأسدي ، والعاص أخو أبي جهل ، وحنظلة بن أبي سفيان ، أخو معاوية ، وعبيد ، والعاص ، ابنا أبي أحيحة ، والحارث بن عامر النوفلي ، وطعيمة عم جبير بن مطعم ، وحارث بن زمعة بن الأسود ، وأبوه ، وعمه عقيل ، ونوفل بن خويلد الأسدي ، أخو خديجة ، والنضر بن الحارث ، قتل صبرا ، وعمير بن عثمان ، عم طلحة بن عبيد الله ، ومسعود المخزومي أخو أم سلمة ، وأبو قيس أخو خالد بن الوليد ، وقيس بن العاد بن المغيرة المخزومي ، ونبيه ، ومنبه ابنا الحجاج بن عامر السهمي ، وولدا منبه : حارثة والعاص . حمزة بن عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب . [ ص: 172 ] الإمام البطل الضرغام أسد الله أبو عمارة ، وأبو يعلى القرشي الهاشمي المكي ثم المدني البدري الشهيد ، عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأخوه من الرضاعة . قال ابن إسحاق لما أسلم حمزة ، علمت قريش أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد امتنع ، وأن حمزة سيمنعه ، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه . قال أبو إسحاق : عن حارثة بن مضرب ، عن علي : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ناد حمزة " ، فقلت : من هو صاحب الجمل الأحمر ؟ فقال حمزة : هو عتبة بن ربيعة . فبارز يومئذ حمزة عتبة فقتله . وروى أسامة بن زيد ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، نساء الأنصار يبكين على هلكاهن ، فقال : " لكن حمزة لا بواكي له " . فجئن فبكين على حمزة عنده ، إلى أن قال : " مروهن لا يبكين على هالك بعد اليوم " [ ص: 173 ] . وفي كتاب " المستدرك " للحاكم : عن جابر مرفوعا : " سيد الشهداء حمزة ، ورجل قام إلى إمام جائر ، فأمره ونهاه ، فقتله " . قلت : سنده ضعيف . الدغولي حدثنا أحمد بن سيار ، حدثنا رافع بن أشرس ، حدثنا خليد الصفار ، عن إبراهيم الصائغ ، عن عطاء ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال : " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب " هذا غريب . [ ص: 174 ] أسامة بن زيد : عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يوم أحد ، فسمع نساء بني عبد الأشهل يبكين على هلكاهن ، فقال : " لكن حمزة لا بواكي له " . فجئن نساء الأنصار ، فبكين على حمزة عنده ، فرقد ، فاستيقظ وهن يبكين ، فقال : " يا ويحهن ! أهن هاهنا حتى الآن ، مروهن فليرجعن ، ولا يبكين على هالك بعد اليوم " . ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن الفضل بن العباس بن ربيعة ، عن سليمان بن يسار ، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ، قال : خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار في زمن معاوية غازيين ، فمررنا بحمص - وكان وحشي بها - فقال ابن عدي : هل لك أن نسأل وحشيا كيف قتل حمزة . فخرجنا نريده ، فسألنا عنه ، فقيل لنا : إنكما ستجدانه بفناء داره على طنفسة له ، وهو رجل قد غلب عليه الخمر ، فإن تجداه صاحيا ، تجدا رجلا عربيا ، فأتيناه فإذا نحن بشيخ كبير أسود مثل البغاث على طنفسة له ، وهو صاح ، فسلمنا عليه ، فرفع رأسه إلى عبيد الله بن عدي ، فقال : ابن لعدي والله ابن الخيار أنت ؟ قال : نعم . فقال : والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك السعدية التي أرضعتك بذي طوى ، وهي على بعيرها ، فلمعت لي قدماك . قلنا : إنا أتينا لتحدثنا كيف قتلت حمزة . قال : سأحدثكما بما حدثت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنت عبد جبير بن مطعم ، وكان عمه طعيمة بن عدي قتل يوم بدر ، فقال لي : إن قتلت حمزة ، [ ص: 175 ] فأنت حر ، وكنت صاحب حربة أرمي قلما أخطئ بها ، فخرجت مع الناس ، فلما التقوا ، أخذت حربتي ، وخرجت أنظر حمزة ، حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ما يليق شيئا ، فوالله إني لأتهيأ له إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى الخزاعي ، فلما رآه حمزة ، قال : هلم إلي يا ابن مقطعة البظور . ثم ضربه حمزة ، فوالله لكأن ما أخطأ رأسه ، ما رأيت شيئا قط كان أسرع من سقوط رأسه . فهززت حربتي ، حتى إذا رضيت عنها ، دفعتها عليه ، فوقعت في ثنته حتى خرجت بين رجليه فوقع ، فذهب لينوء فغلب ، فتركته وإياها ، حتى إذا مات قمت إليه ، فأخذت حربتي ، ثم رجعت إلى العسكر فقعدت فيه ، ولم يكن لي حاجة بغيره . فلما افتتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة ، هربت إلى الطائف . فلما خرج وفد الطائف ليسلموا ، ضاقت علي الأرض بما رحبت ، وقلت : ألحق بالشام ، أو اليمن ، أو بعض البلاد . فوالله إني لفي ذلك من همي ، إذ قال رجل : والله إن يقتل محمد أحدا دخل في دينه . فخرجت حتى [ ص: 176 ] قدمت المدينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فقال : " وحشي " ؟ قلت : نعم . قال : " اجلس ، فحدثني كيف قتلت حمزة " . فحدثته كما أحدثكما ، فقال : " ويحك ! غيب عني وجهك ، فلا أرينك " . فكنت أتنكب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث كان ، حتى قبض . فلما خرج المسلمون إلى مسيلمة خرجت معهم بحربتي التي قتلت بها حمزة ، فلما التقى الناس ، نظرت إلى مسيلمة وفي يده السيف ، فوالله ما أعرفه ، وإذا رجل من الأنصار يريده من ناحية أخرى ، فكلانا يتهيأ له ، حتى إذا أمكنني ، دفعت عليه حربتي ، فوقعت فيه ، وشد الأنصاري عليه ، فضربه بالسيف ، فربك أعلم أينا قتله ، فإن أنا قتلته ، فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقتلت شر الناس . وبه عن سليمان بن يسار : عن عبد الله بن عمر ، قال : سمعت رجلا يقول : قتله العبد الأسود يعني مسيلمة . [ ص: 177 ] أسامة بن زيد ، عن الزهري ، عن أنس ، قال : لما كان يوم أحد وقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، على حمزة وقد جدع ومثل به ، فقال : " لولا أن تجد صفية في نفسها ، لتركته حتى يحشره الله من بطون السباع والطير " . وكفن في نمرة إذا خمر رأسه ، بدت رجلاه ، وإذا خمرت رجلاه بدا رأسه ، ولم يصل على أحد من الشهداء ، وقال : أنا شهيد عليكم ، وكان يجمع الثلاثة في قبر ، والاثنين فيسأل : " أيهما أكثر قرآنا; فيقدمه في اللحد ، وكفن الرجلين والثلاثة في ثوب " . ابن عون : عن عمير بن إسحاق ، عن سعد بن أبي وقاص ، قال : كان حمزة يقاتل يوم أحد بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسيفين ويقول : أنا أسد الله . رواه يونس بن بكير ، عن ابن عون ، عن عمير ، مرسلا ، وزاد : فعثر فصرع مستلقيا ، وانكشفت الدرع عن بطنه ، فزرقه العبد الحبشي ، فبقره . عبد العزيز بن الماجشون : عن عبد الله بن الفضل ، عن سليمان بن يسار ، [ ص: 178 ] عن جعفر بن عمرو الضمري ، قال : خرجت مع ابن الخيار إلى الشام ، فسألنا عن وحشي ، فقيل : هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت . فجئنا ، فسلمنا ووقفنا يسيرا . وكان ابن الخيار معتجرا بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه ، فقال : يا وحشي ، تعرفني ؟ قال : لا والله ، إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة يقال لها أم قتال بنت أبي العيص ، فولدت غلاما بمكة ، فاسترضعته ، فحملته مع أمه ، فناولتها إياه ، لكأني أنظر إلى قدميك . قال : فكشف عبيد الله عن وجهه ، ثم قال : ألا تخبرنا عن قتل حمزة . قال : نعم ، إنه قتل طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر ، فقال لي مولاي جبير : إن قتلت حمزة بعمي فأنت حر . فلما خرج الناس عن عينين - وعينون ، جبل تحت أحد ، بينه وبين أحد واد - قال سباع : هل من مبارز ؟ فقال حمزة : يا ابن مقطعة البظور ، تحاد الله ورسوله ؟ ثم شد عليه ، فكان كأمس الذاهب . فكمنت لحمزة تحت صخرة حتى مر علي فرميته في ثنته حتى خرجت الحربة من وركه . إلى أن قال : فكنت بالطائف ، فبعثوا رسلا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقيل : إنه لا يهيج الرسل . فخرجت معهم ، فلما رآني ، قال : " أنت وحشي ؟ قلت : نعم . قال : الذي قتل حمزة ؟ قلت : نعم . قد كان الأمر الذي بلغك . قال : ما [ ص: 179 ] تستطيع أن تغيب عني وجهك ؟ " قال : فرجعت . فلما توفي وخرج مسيلمة قلت : لأخرجن إليه لعلي أقتله ، فأكافي به حمزة . فخرجت مع الناس ، وكان من أمرهم ما كان ، فإذا رجل قائم في ثلمة جدار كأنه جمل أورق ، ثائر رأسه ، فأرميه بحربتي ، فأضعها بين ثدييه حتى خرجت من بين كتفيه ، ووثب إليه رجل من الأنصار ، فضربه بالسيف على هامته . قال سليمان بن يسار : فسمعت ابن عمر يقول : قالت جارية على ظهر بيت أمير المؤمنين : قتله العبد الأسود . قال موسى بن عقبة : ثم انتشر المسلمون يبتغون قتلاهم فلم يجدوا قتيلا إلا وقد مثلوا به ، إلا حنظلة بن أبي عامر ، وكان أبوه أبو عامر مع المشركين ، فترك لأجله . وزعموا أن أباه وقف عليه قتيلا ، فدفع صدره برجله ثم قال : دينان قد أصبتهما ، قد تقدمت إليك في مصرعك هذا يا دنيس ، ولعمر الله إن كنت لواصلا للرحم برا بالوالد . ووجدوا حمزة قد بقر بطنه ، واحتمل وحشي كبده إلى هند في نذر نذرته حين قتل أباها يوم بدر . فدفن في نمرة كانت عليه ، إذا رفعت إلى رأسه ، بدت قدماه ، فغطوا قدميه بشيء من الشجر . ابن إسحاق : حدثني بريدة ، عن محمد بن كعب القرظي ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لإن ظفرت بقريش لأمثلن بثلاثين منهم " . فلما رأى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 180 ] ما به من الجزع قالوا : لإن ظفرنا بهم ، لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد ، فأنزل الله وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به إلى آخر السورة . فعفا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . أبو بكر بن عياش : عن يزيد بن أبي زياد ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال : لما قتل حمزة أقبلت صفية أخته ، فلقيت عليا والزبير ، فأرياها أنهما لا يدريان ، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " فإني أخاف على عقلها " ، فوضع يده على صدرها ودعا لها ، فاسترجعت وبكت . ثم جاء فقام عليه ، وقد مثل به ، فقال : " لولا جزع النساء لتركته حتى يحشر من حواصل الطير وبطون السباع " ، ثم أمر بالقتلى ، فجعل يصلي عليهم بسبع تكبيرات ويرفعون ، ويترك حمزة ، ثم يجاء بسبعة ، فيكبر عليهم سبعا حتى فرغ منهم [ ص: 181 ] . يزيد ليس بحجة ، وقول جابر : لم يصل عليهم أصح . وفي " الصحيحين " من حديث عقبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، صلى على قتلى أحد صلاته على الميت ، فهذا كان قبل موته بأيام [ ص: 182 ] ويروى من حديث ابن عباس وأبي هريرة قوله عليه السلام : " لإن ظفرت بقريش ، لأمثلن بسبعين منهم فنزلت وإن عاقبتم الآية . عبدان : أخبرنا عيسى بن عبيد الكندي ، حدثني ربيع بن أنس ، حدثني أبو العالية ، عن أبي بن كعب أنه أصيب من الأنصار يوم أحد سبعون . قال : فمثلوا بقتلاهم ، فقالت الأنصار : لإن أصبنا منهم يوما من الدهر ، لنربين عليهم . فلما كان يوم فتح مكة ، نادى رجل لا يعرف : لا قريش بعد اليوم . مرتين . فأنزل الله على نبيه وإن عاقبتم الآية . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كفوا عن القوم " . [ ص: 183 ] يونس بن بكير : عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : جاءت صفية يوم أحد معها ثوبان لحمزة ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كره أن ترى حمزة على حاله . فبعث إليها الزبير يحبسها ، وأخذ الثوبين . وكان إلى جنب حمزة قتيل من الأنصار ، فكرهوا أن يتخيروا لحمزة فقال : " أسهموا بينهما فأيهما طار له أجود الثوبين فهو له " . فأسهموا بينهما ، فكفن حمزة في ثوب ، والأنصاري في ثوب . ابن إسحاق : عن إسماعيل بن أمية ، عن أبي الزبير ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم ، قالوا : من يبلغ إخواننا عنا أننا أحياء في الجنة نرزق لئلا ينكلوا عند الحرب ولا يزهدوا في الجهاد ، قال الله : أنا أبلغهم عنكم " ، [ ص: 184 ] فأنزلت ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا [ آل عمران : 169 ] . ابن إسحاق : حدثني عاصم بن عمر ، عن عبد الرحمن بن جابر بن عبد الله ، عن أبيه ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا ذكر أصحاب أحد : " أما والله لوددت أني غودرت مع أصحاب فحص الجبل " يقول : قتلت معهم . وجاء بإسناد فيه ضعف عن جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى حمزة قتيلا بكى ، فلما رأى ما مثل به شهق . |
عاقل بن البكير
وقيل : عاقل بن أبي البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكير بن عبد مناة بن كنانة الليثي . نسبه محمد بن سعد ، وقال : كان اسمه غافلا ، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاقلا . وكان أبو البكير حالف نفيل بن عبد العزى جد عمر ، وكان أبو معشر ، والواقدي يقولان : ابن أبي البكير . قال : وكان موسى بن عقبة ، وابن إسحاق ، وابن الكلبي يقولون : ابن البكير . أنبأنا محمد بن عمر ، حدثنا محمد بن صالح ، عن يزيد بن رومان قال : أسلم غافل ، وعامر ، وإياس ، وخالد ، بنو أبي البكير جميعا ، وهم أول من بايع في دار الأرقم . وأنبأنا محمد بن عمر ، حدثنا عبد الجبار بن عمارة ، عن عبد الله بن أبي بكر قال : خرج بنو أبي البكير مهاجرين فأوعبوا ، رجالهم ونساؤهم ، حتى غلقت أبوابهم . فنزلوا على رفاعة بن عبد المنذر بالمدينة . ثم قال : وقالوا : وآخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين عاقل وبين مبشر بن عبد المنذر ، فقتلا معا ببدر . [ ص: 186 ] وقيل : آخى بين عاقل وبين مجذر بن زياد . استشهد عاقل يوم بدر شهيدا ، وهو ابن أربع وثلاثين سنة . قتله مالك بن زهير الجشمي . خالد بن البكير أو ابن أبي البكير قال ابن سعد : آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين زيد بن الدثنة . شهد خالد بدرا ، وأحدا ، وقتل يوم الرجيع في صفر سنة أربع ، وله أربع وثلاثون سنة . إياس بن أبي البكير قال ابن سعد آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بينه وبين الحارث بن خزمة ، وشهد بدرا والمشاهد كلها . وشهد فتح مصر . توفي سنة أربع وثلاثين . عامر بن أبي البكير قال ابن سعد : آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، بينه وبين ثابت بن قيس بن شماس . شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قلت : ما شهد بدرا إخوة أربعة سواهم . واستشهد عامر يوم اليمامة . مسطح بن أثاثة ابن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي ، المطلبي المهاجري البدري ، المذكور في قصة الإفك . [ ص: 188 ] كان فقيرا ينفق عليه أبو بكر . ذكره ابن سعد فقال : كان قصيرا ، غائر العينين ، شثن الأصابع ، عاش ستا وخمسين سنة . قال : وتوفي سنة أربع وثلاثين ، رضي الله عنه . إياك يا جري أن تنظر إلى هذا البدري شزرا لهفوة بدت منه ; فإنها قد غفرت ، وهو من أهل الجنة . وإياك يا رافضي أن تلوح بقذف أم المؤمنين بعد نزول النص في براءتها فتجب لك النار . |
أبو عبس ( خ ، ت ، س )
ابن جبر بن عمرو بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث الأوسي ، واسمه [ ص: 189 ] عبد الرحمن . بدري كبير له ذرية بالمدينة وببغداد ، وكان يكتب بالعربية ، وكان هو وأبو بردة بن نيار يكسران أصنام بني حارثة . آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين خنيس بن حذافة السهمي . شهد بدرا والمشاهد ، وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف وكان عمر وعثمان يبعثانه مصدقا . حدث عنه ابنه زيد ، وحفيده أبو عبس بن محمد بن أبي عبس ، وعباية بن رفاعة . مات بالمدينة سنة أربع وثلاثين ، وصلى عليه عثمان ، وعاش سبعين سنة ، وقبره بالبقيع . ابن التيهان أبو الهيثم ، مالك بن التيهان بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة الأنصاري حليف بني عبد الأشهل . قاله جماعة . [ ص: 190 ] وقال عبد الله بن محمد بن عمارة الأنصاري : هو من الأوس ، من أنفسهم . ثم قال : هو ابن التيهان بن مالك بن عمرو بن زيد بن عمرو بن جشم بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس . وأمه من بني جشم المذكور . قال الواقدي : كان أبو الهيثم يكره الأصنام في الجاهلية ويؤفف بها ، ويقول بالتوحيد هو وأسعد بن زرارة ، وكانا من أول من أسلم من الأنصار بمكة . ويجعل في الثمانية الذين لقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة ، ويجعل في الستة ، وفي أهل العقبة الأولى الاثني عشر ، وفي السبعين . آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين عثمان بن مظعون . شهد بدرا والمشاهد ، وبعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى خيبر خارصا بعد ابن رواحة . وعن محمد بن يحيى بن حبان أن أبا الهيثم بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خارصا ، ثم بعثه أبو بكر ، فأبى وقال : إني كنت إذا خرصت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرجعت ، دعا لي . وعن صالح بن كيسان قال : توفي أبو الهيثم في خلافة عمر [ ص: 191 ] وقال غيره : توفي سنة عشرين . قال الواقدي : هذا أثبت عندنا ممن روى أنه قتل بصفين مع علي . أخبرنا سنقر ، أخبرنا عبد اللطيف ، أنبأنا عبد الحق ، أنبأنا أبو الحسن الحاجب ، أنبأنا أبو الحسن الحمامي ، أنبأنا ابن قانع ، حدثنا محمد بن بشر ، حدثنا محمد بن جامع العطار ، حدثنا عبد الحكيم بن منصور ، حدثنا عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة عن أبي الهيثم بن التيهان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " المستشار مؤتمن " . [ ص: 192 ] أبو جندل ابن سهيل بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن حسل بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر العامري القرشي ، واسمه العاص . كان من خيار الصحابة ، وقد أسلم وحبسه أبوه وقيده ، فلما كان يوم صلح الحديبية هرب يحجل في قيوده ، وأبوه حاضر بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - لكتاب الصلح . فقال : هذا أول من أقاضيك عليه يا محمد . فقال : " هبه لي " . فأبى ، فرده وهو يصيح ويقول : يا مسلمون ، أرد إلى الكفر ؟ ثم إنه هرب . وله قصة مشهورة مذكورة في الصحيح وفي المغازي . ثم خلص وهاجر ، وجاهد ، [ ص: 193 ] ثم انتقل إلى جهاد الشام ، فتوفي شهيدا في طاعون عمواس بالأردن سنة ثماني عشرة . عبد الله بن سهيل خرج مع أبيه إلى بدر يكتم إيمانه ، فلما التقى الجمعان ، تحول إلى المسلمين وقاتل ، وعد بدريا - رضي الله عنه . وله غزوات ومواقف ، واستشهد يوم اليمامة وله ثمان وثلاثون سنة . وقيل : بل هو من السابقين الأولين ، وإنه هاجر إلى الحبشة الهجرة الأولى - رضي الله عنه . وذكر الواقدي قال : لما حج أبو بكر بالناس ، قبل حجة الوداع ، لقيه سهيل بن عمرو - رضي الله عنه - فقال : بلغني يا أبا بكر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " يشفع الشهيد لسبعين من أهله " فأرجو أن يبدأ عبد الله بي . [ ص: 194 ] فهذا لا يستقيم ، لكن قاله - إن كان قاله - لما استشهد سنة اثنتي عشرة باليمامة . |
سهيل بن عمرو أبوهما
يكنى أبا يزيد . وكان خطيب قريش وفصيحهم ، ومن أشرافهم . لما أقبل في شأن الصلح ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " سهل أمركم " . تأخر إسلامه إلى يوم الفتح ، ثم حسن إسلامه . وكان قد أسر يوم بدر وتخلص . قام بمكة وحض على النفير ، وقال : يال غالب ، أتاركون أنتم محمدا والصباة يأخذون عيركم ؟ من أراد مالا فهذا مال ، ومن أراد قوة فهذه قوة . وكان سمحا جوادا مفوها ، وقد قام بمكة خطيبا عند وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنحو من خطبة الصديق بالمدينة ، فسكنهم وعظم الإسلام . [ ص: 195 ] قال الزبير بن بكار : كان سهيل بعد كثير الصلاة والصوم والصدقة ، خرج بجماعته إلى الشام مجاهدا ، ويقال : إنه صام وتهجد حتى شحب لونه وتغير ، وكان كثير البكاء إذا سمع القرآن ، وكان أميرا على كردوس يوم اليرموك . قال المدائني وغيره : استشهد يوم اليرموك وقال الشافعي ، والواقدي : مات في طاعون عمواس . حدث عنه يزيد بن عميرة الزبيدي وغيره . البراء بن مالك ابن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ، الأنصاري النجاري المدني . البطل الكرار صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأخو خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنس بن مالك . شهد أحدا ، وبايع تحت الشجرة . [ ص: 196 ] قيل : كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الجيش : لا تستعملوا البراء على جيش ; فإنه مهلكة من المهالك يقدم بهم . وبلغنا أن البراء يوم حرب مسيلمة الكذاب أمر أصحابه أن يحتملوه على ترس على أسنة رماحهم ، ويلقوه في الحديقة ، فاقتحم إليهم ، وشد عليهم ، وقاتل حتى افتتح باب الحديقة ، فجرح يومئذ بضعة وثمانين جرحا ، ولذلك أقام خالد بن الوليد عليه شهرا يداوي جراحه . وقد اشتهر أن البراء قتل في حروبه مائة نفس من الشجعان مبارزة . معمر عن أيوب ، عن ابن سيرين ، قال : قال الأشعري - يعني في حصار تستر - للبراء بن مالك : إن قد دللنا على سرب يخرج إلى وسط المدينة ، فانظر نفرا يدخلون معك فيه . فقال البراء لمجزأة بن ثور : انظر رجلا من قومك طريفا جلدا ، فسمه لي . قال : ولم ؟ قال : لحاجة . قال : فإني أنا ذلك الرجل . [ ص: 197 ] قال : دللنا على سرب ، وأردنا أن ندخله . قال : فأنا معك . فدخل مجزأة أول من دخل ، فلما خرج من السرب شدخوه بصخرة ، ثم خرج الناس من السرب ، فخرج البراء ، فقاتلهم في جوف المدينة ، وقتل - رضي الله عنه - ، وفتح الله عليهم . سلامة ، عن عمه عقيل ، عن الزهري ، عن أنس مرفوعا قال : " كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره ، منهم البراء بن مالك " ، وإن البراء لقي المشركين وقد أوجع المشركون في المسلمين ، فقالوا له : يا براء ، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنك لو أقسمت على الله لأبرك " ، فأقسم على ربك . قال : أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وذكر الحديث . عبد السلام بن مطهر : حدثنا أبو سهل البصري عن محمد بن سيرين ، [ ص: 198 ] عن أنس أنه دخل على أخيه البراء وهو يتغنى فقال : تتغنى ؟ قال : أتخشى علي أن أموت على فراشي وقد قتلت تسعة وتسعين نفسا من المشركين مبارزة ، سوى ما شاركت فيه المسلمين ؟ . وفي رواية : يا أخي ، تتغنى بالشعر وقد أبدلك الله به القرآن ؟ وقال حماد بن سلمة : زعم ثابت ، عن أنس قال : دخلت على البراء وهو يتغنى ، ويرنم قوسه ، فقلت : إلى متى هذا ؟ قال : أتراني أموت على فراشي ؟ والله لقد قتلت بضعا وتسعين . ابن عون : عن محمد قال : بارز البراء مرزبان الزارة فطعنه ، فصرعه ، وأخذ سلبه . استشهد يوم فتح تستر سنة عشرين . |
[ ص: 199 ] نوفل
ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ، أبو الحارث أخو أبي سفيان بن الحارث . كان نوفل أسن من عمه العباس ، حضر بدرا مع المشركين فأسر ، ففداه عمه العباس ، ثم أسلم وهاجر عام الخندق . وقيل : آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينه وبين العباس ، وقد كانا شريكين في الجاهلية متصافيين . شهد نوفل بيعة الرضوان ، وأعان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين بثلاثة آلاف رمح ، وثبت معه يومئذ ، وما علمت له رواية ولا ذكرا بأكثر مما أوردت . قيل : مات سنة عشرين وقيل مات سنة خمس عشرة وكان أسن بني هاشم في زمانه . الحارث بن نوفل أسلم مع أبيه ، وولي مكة لعمر وعثمان ، وقد استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم - على بعض العمل ، وقيل : إنه نزل البصرة ، وبنى بها دارا . مات في خلافة عثمان عن نحو من سبعين سنة . [ ص: 200 ] عبد الله بن الحارث ( ع ) ابن نوفل الهاشمي ، ولقبه ببة . ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - اجتمع أهل البصرة عند موت يزيد على تأميره عليهم . قال الزبير بن بكار : هو ابن أخت معاوية بن أبي سفيان ، واسمها هند ، هي كانت تنقزه وتقول : يا ببة يا ببه لأنكحن ببه جارية خدبه اصطلح أهل البصرة ، فأمروه عند هروب عبيد الله بن زياد ، وكتبوا إلى ابن الزبير بالبيعة له ، قال : فأقره عليهم . تسود أهل الكعبه حدث عن عمر ، وعثمان ، وأبي بن كعب ، وعلي ، والعباس ، وكعب الأحبار ، وطائفة ، وأرسل حديثا . شهد الجابية مع عمر . حدث عنه ابناه إسحاق ، وعبد الله ، وأبو التياح يزيد بن حميد ، وابن شهاب ، [ ص: 201 ] وعبد الملك بن عمير ، ومولاه يزيد بن أبي زياد ، وأبو إسحاق السبيعي ، وعمر بن عبد العزيز ، وآخرون . قال ابن سعد : هو ثقة تابعي ، أتت به أمه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ دخل عليها فتفل في فيه ، ودعا له . قال : وخرج هاربا من البصرة إلى عمان خوفا من الحجاج عند فتنة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فمات بعمان في سنة أربع وثمانين . وقال أبو عبيد : مات سنة ثلاث وثمانين . قلت : كان من أبناء الثمانين ، وحديثه في الكتب الستة ، وكان كثير الحديث ، يحدث أيضا عن صفوان بن أمية ، وأم هانئ بنت أبي طالب ، وحكيم بن حزام . عبد الله بن عبد الله بن الحارث ( خ ، م ) ابن نوفل ، أبو يحيى الهاشمي ، أخو إسحاق ومحمد . حدث عن أبيه ، وابن عباس ، وعبد الله بن خباب بن الأرت ، وعبد الله بن شداد . [ ص: 202 ] حدث عنه أخوه عون ، والزهري ، وعاصم بن عبيد الله ، وعبد الحميد الخطابي . وكان من صحابة سليمان الخليفة . قال ابن سعد : ثقة ، قليل الحديث ، قتلته السموم بالأبواء في سنة سبع وتسعين وهو مع الخليفة سليمان ، فصلى عليه . |
سعيد بن الحارث
ابن عبد المطلب . ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم . له حديث واحد فيمن لقي الله مؤمنا دخل الجنة رواه عنه سلمان الأغر ; لكن في إسناده ابن لهيعة . ذكره الحاكم في الصحابة من " صحيحه " وما رأيت من ذكره غيره أبو سفيان بن الحارث هو ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمي ، أخو نوفل وربيعة . [ ص: 203 ] تلقى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطريق قبل أن يدخل مكة مسلما ، فانزعج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعرض عنه ; لأنه بدت منه أمور في أذية النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فتذلل للنبي - صلى الله عليه وسلم - حتى رق له ، ثم حسن إسلامه ، ولزم ، هو والعباس رسول الله يوم حنين إذ فر الناس ، وأخذ بلجام البغلة ، وثبت معه . وقد روى عنه ولده عبد الملك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يا بني هاشم ، إياكم والصدقة " . وكان أخا النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة ، أرضعتهما حليمة . سماه هشام بن الكلبي ، والزبير : مغيرة . وقال طائفة : اسمه كنيته ; وإنما المغيرة أخوهم . وقيل : كان الذين يشبهون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - جعفر ، والحسن بن علي ، وقثم بن العباس ، وأبو سفيان بن الحارث . وكان أبو سفيان من الشعراء ، وفيه يقول حسان : ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقد برح الخفاء هجوت محمدا فأجبت عنه ابن إسحاق : عن عاصم بن عمر ، عمن حدثه ، قال : تراجع الناس يوم حنين . [ ص: 204 ] ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - أحب أبا سفيان هذا ، وشهد له بالجنة ، وقال : " أرجو أن يكون خلفا من حمزة " . وعند الله في ذاك الجزاء قيل : إن أبا سفيان حج ، فحلقه الحلاق ، فقطع ثؤلولا في رأسه ، فمرض منه ومات بعد قدومه بالمدينة ، وصلى عليه عمر . ويقال : مات بعد أخيه نوفل بن الحارث بأربعة أشهر . قال أبو إسحاق السبيعي : لما احتضر أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قال : لا تبكوا علي ; فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت . قال ابن إسحاق : ولأبي سفيان يرثي النبي - صلى الله عليه وسلم - : أرقت فبات ليلي لا يزول وليل أخي المصيبة فيه طول . قاله ابن سعد . وأسعدني البكاء وذاك فيما أصيب المسلمون به قليل فقد عظمت مصيبتنا وجلت عشية قيل قد قبض الرسول فقدنا الوحي والتنزيل فينا يروح به ويغدو جبرئيل وذاك أحق ما سالت عليه نفوس الخلق أو كادت تسيل نبي كان يجلو الشك عنا بما يوحى إليه وما يقول ويهدينا فلا نخشى ضلالا علينا ، والرسول لنا دليل فلم نر مثله في الناس حيا وليس له من الموتى عديل [ ص: 205 ] أفاطم إن جزعت فذاك عذر وإن لم تجزعي فهو السبيل فعودي بالعزاء فإن فيه ثواب الله والفضل الجزيل وقولي في أبيك ولا تملي وهل يجزي بفضل أبيك قيل فقبر أبيك سيد كل قبر وفيه سيد الناس الرسول وقد انقرض نسل أبي سفيان حماد بن سلمة : عن علي بن زيد ، عن سعيد بن المسيب أن أبا سفيان بن الحارث كان يصلي في الصيف نصف النهار حتى تكره الصلاة ، ثم يصلي من الظهر إلى العصر . حماد بن سلمة : عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أبو سفيان بن الحارث سيد فتيان أهل الجنة فحج ، فحلقه الحلاق ، وفي رأسه ثؤلول فقطعه فمات . فيرونه شهيدا . ويقال مات سنة عشرين بالمدينة . ولجعفر بن أبي سفيان صحبة ، وثبت معه هو وأبوه يوم حنين ، وعاش إلى وسط خلافة معاوية قاله ابن سعد . جعفر بن أبي طالب السيد الشهيد ، الكبير الشأن ، علم المجاهدين أبو عبد الله ، ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الهاشمي ، أخو علي بن أبي طالب ، وهو أسن من علي بعشر سنين . هاجر الهجرتين ، وهاجر من الحبشة إلى المدينة ، فوافى المسلمين وهم على خيبر إثر أخذها ، فأقام بالمدينة أشهرا ، ثم أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جيش غزوة مؤتة بناحية الكرك ، فاستشهد . وقد سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثيرا بقدومه ، وحزن - والله - لوفاته . روى شيئا يسيرا ، وروى عنه ابن مسعود ، وعمرو بن العاص ، وأم سلمة ، وابنه عبد الله . حديج بن معاوية : عن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن عتبة ، عن ابن مسعود ، قال : بعثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى النجاشي ثمانين رجلا : أنا ، وجعفر ، وأبو موسى ، وعبد الله بن عرفطة ، وعثمان بن مظعون . وبعثت قريش عمرو بن العاص ، وعمارة بن الوليد بهدية . فقدما على النجاشي ، فلما دخلا سجدا [ ص: 207 ] له وابتدراه ، فقعد واحد عن يمينه ، والآخر عن شماله ، فقالا : إن نفرا من قومنا نزلوا بأرضك ، فرغبوا عن ملتنا . قال : وأين هم ؟ قالوا : بأرضك . فأرسل في طلبهم ، فقال جعفر : أنا خطيبكم . فاتبعوه ، فدخل فسلم ، فقالوا : ما لك لا تسجد للملك ؟ قال : إنا لا نسجد إلا لله . قالوا : ولم ذاك ؟ قال : إن الله أرسل فينا رسولا ، وأمرنا أن لا نسجد إلا لله ، وأمرنا بالصلاة والزكاة . فقال عمرو : إنهم يخالفونك في ابن مريم وأمه . قال : ما تقولون في ابن مريم وأمه ؟ قال جعفر : نقول كما قال الله : روح الله ، وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول التي لم يمسها بشر . قال : فرفع النجاشي عودا من الأرض وقال : يا معشر الحبشة والقسيسين والرهبان ، ما تريدون ، ما يسوءني هذا ، أشهد أنه رسول الله ، وأنه الذي بشر به عيسى في الإنجيل ، والله لولا ما أنا فيه من الملك لأتيته ، فأكون أنا الذي أحمل نعليه وأوضئه . وقال : انزلوا حيث شئتم . وأمر بهدية الآخرين فردت عليهما ، قال : وتعجل ابن مسعود ، فشهد بدرا . وروى نحوا منه مجالد ، عن الشعبي ، عن عبد الله بن جعفر ، عن أبيه . وروى نحوه ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، عن عمرو بن العاص . محمد بن إسحاق : عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم [ ص: 208 ] سلمة ، قالت : لما ضاقت علينا مكة وأوذي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفتنوا ، ورأوا ما يصيبهم من البلاء ، وأن رسول الله لا يستطيع دفع ذلك عنهم ، وكان هو في منعة من قومه وعمه ، لا يصل إليه شيء مما يكره مما ينال أصحابه ، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده ; فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا " . فخرجنا إليه أرسالا ، حتى اجتمعنا فنزلنا بخير دار إلى خير جار أمنا على ديننا . قال الشعبي : تزوج علي أسماء بنت عميس ، فتفاخر ابناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ، فقال كل منهما : أبي خير من أبيك . فقال علي : يا أسماء ، اقضي بينهما . فقالت : ما رأيت شابا كان خيرا من جعفر ، ولا كهلا خيرا من أبي بكر . فقال علي : ما تركت لنا شيئا ، ولو قلت غير هذا لمقتك . فقالت : والله إن ثلاثة أنت أخسهم لخيار . مجالد : عن الشعبي ، عن عبد الله بن جعفر ، قال : ما سألت عليا شيئا بحق جعفر إلا أعطانيه . ابن مهدي ، حدثنا الأسود بن شيبان ، عن خالد بن شمير ، قال : قدم علينا عبد الله بن رباح ، فاجتمع إليه ناس ، فقال : حدثنا أبو قتادة ، قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جيش الأمراء ، وقال : " عليكم زيد ، فإن أصيب فجعفر ، فإن أصيب جعفر ، فابن رواحة " . فوثب جعفر ، وقال : بأبي أنت وأمي ، ما كنت أرهب أن [ ص: 209 ] تستعمل زيدا علي . قال : امضوا ; فإنك لا تدري أي ذلك خير . فانطلق الجيش ، فلبثوا ما شاء الله ، ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صعد المنبر ، وأمر أن ينادى : " الصلاة جامعة " . قال - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أخبركم عن جيشكم ، إنهم لقوا العدو ، فأصيب زيد شهيدا ، فاستغفروا له ، ثم أخذ اللواء جعفر ، فشد على الناس حتى قتل ، ثم أخذه ابن رواحة ، فأثبت قدميه حتى أصيب شهيدا ، ثم أخذ اللواء خالد ، ولم يكن من الأمراء - هو أمر نفسه - فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصبعيه وقال : اللهم هو سيف من سيوفك فانصره - فيومئذ سمي سيف الله - . ثم قال : انفروا فامددوا إخوانكم ، ولا يتخلفن أحد " فنفر الناس في حر شديد . ابن إسحاق : حدثنا يحيى بن عباد ، عن أبيه ، قال : حدثني أبي الذي أرضعني - وكان من بني مرة بن عوف - قال : لكأني أنظر إلى جعفر يوم مؤتة حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل حتى قتل . قال ابن إسحاق : وهو أول من عقر في الإسلام ، وقال : [ ص: 210 ] يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها والروم روم قد دنا عذابها الواقدي : حدثنا عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ، عن أبيه ، قال : ضربه رومي فقطعه بنصفين . فوجد في نصفه بضعة وثلاثون جرحا . علي إن لاقيتها ضرابها أبو أويس عن عبد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : فقدنا جعفرا يوم مؤتة ، فوجدنا بين طعنة ورمية بضعا وتسعين ، وجدنا ذلك فيما أقبل من جسده . أسامة بن زيد الليثي ، عن نافع ، أن ابن عمر قال : جمعت جعفرا على صدري يوم مؤتة ، فوجدت في مقدم جسده بضعا وأربعين من بين ضربة وطعنة . [ ص: 211 ] أبو أحمد الزبيري ، عن عمرو بن ثابت ، عن أبيه : سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جعفر ، فقال رجل : رأيته حين طعنه رجل ، فمشى إليه في الرمح ، فضربه ، فماتا جميعا . سعدان بن الوليد : عن عطاء ، عن ابن عباس : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس وأسماء بنت عميس قريبة إذ قال : " يا أسماء ، هذا جعفر مع جبريل وميكائيل مر ، فأخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا فسلم ، فردي عليه السلام ، وقال : إنه لقي المشركين ، فأصابه في مقاديمه ثلاث وسبعون ، فأخذ اللواء بيده اليمنى فقطعت ، ثم أخذ باليسرى فقطعت . قال : فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل في الجنة آكل من ثمارها " . وعن أسماء ، قالت : دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدعا بني جعفر ، فرأيته شمهم ، وذرفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله ، أبلغك عن جعفر شيء ؟ قال : " نعم ، قتل اليوم . فقمنا نبكي ، ورجع ، فقال : اصنعوا لآل جعفر طعاما ; فقد شغلوا عن أنفسهم " . [ ص: 212 ] وعن عائشة ، قالت : لما جاءت وفاة جعفر ، عرفنا في وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - الحزن . أبو شيبة العبسي : حدثنا الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رأيت جعفر بن أبي طالب ملكا في الجنة ، مضرجة قوادمه بالدماء ، يطير في الجنة " . عبد الله بن جعفر المديني : عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعا : " رأيت جعفرا له جناحان في الجنة " . وجاء نحوه عن ابن عباس والبراء عن النبي - صلى الله عليه وسلم . ويقال عاش بضعا وثلاثين سنة - رضي الله عنه . [ ص: 213 ] عبد الله بن نمير : عن الأجلح ، عن الشعبي ، قال : لما رجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من خيبر تلقاه جعفر ، فالتزمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقبل بين عينيه ، وقال : " ما أدري بأيهما أنا أفرح : بقدوم جعفر ، أم بفتح خيبر " . وفي رواية محمد بن ربيعة ، عن أجلح : فقبل ما بين عينيه ، وضمه واعتنقه . |
قال ابن إسحاق : آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين جعفر بن أبي طالب ، ومعاذ بن جبل . فأنكر هذا الواقدي ، وقال : إنما كانت المؤاخاة قبل بدر ، فنزلت آية الميراث ، وانقطعت المؤاخاة ، وجعفر يومئذ بالحبشة .
حفص بن غياث : عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أن ابنة حمزة لتطوف بين الرجال إذ أخذ علي بيدها فألقاها إلى فاطمة في هودجها ، فاختصم فيها هو وجعفر ، وزيد ، فقال علي : ابنة عمي وأنا أخرجتها . وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي . فقضى بها لجعفر ، وقال : " الخالة والدة " . فقام جعفر ، فحجل حول النبي - صلى الله عليه وسلم - ، دار عليه ، فقال : ما هذا ؟ قال : شيء رأيت الحبشة يصنعونه بملوكهم . [ ص: 214 ] أمها سلمى بنت عميس ، وخالتها أسماء . ابن إسحاق : عن ابن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد ، عن أبيه : سمع النبي يقول لجعفر : " أشبه خلقك خلقي ، وأشبه خلقك خلقي ، فأنت مني ومن شجرتي " . إسرائيل : عن أبي إسحاق ، عن البراء ، وعن هبيرة بن مريم وهانئ بن هانئ ، عن علي ، قالا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لجعفر : " أشبهت خلقي وخلقي " [ ص: 215 ] حماد بن سلمة عن ثابت ( ح ) وعوف عن محمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك لجعفر . قال الشعبي : كان ابن عمر إذا سلم على عبد الله بن جعفر ، قال : السلام عليك يا ابن ذي الجناحين . ابن إسحاق : عن الزهري ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة في شأن هجرتهم إلى بلاد النجاشي وقد مر بعض ذلك ، قالت : فلما رأت قريش ذلك ، اجتمعوا على أن يرسلوا إليه ، فبعثوا عمرو بن العاص ، وعبد الله بن أبي ربيعة ، فجمعوا هدايا له ولبطارقته ، فقدموا على الملك ، وقالوا : إن فتية منا سفهاء ، فارقوا ديننا ، ولم يدخلوا في دينك ، وجاءوا بدين مبتدع لا نعرفه ، ولجأوا إلى بلادك ، فبعثنا إليك لتردهم . فقالت بطارقته : صدقوا أيها الملك . فغضب ، ثم قال : لا لعمر الله لا أردهم إليهم حتى أكلمهم ; قوم - لجأوا إلى بلادي ، واختاروا جواري . فلم يكن شيء أبغض إلى عمرو ، وابن أبي ربيعة من أن يسمع الملك كلامهم . فلما جاءهم رسول النجاشي ، اجتمع القوم ، وكان الذي يكلمه جعفر بن أبي طالب ، فقال النجاشي : ما هذا الدين ؟ قالوا : أيها الملك ، كنا قوما على الشرك نعبد الأوثان ، ونأكل الميتة ، ونسيء الجوار ، ونستحل المحارم والدماء ، فبعث الله إلينا نبيا من أنفسنا نعرف وفاءه وصدقه وأمانته ، فدعانا إلى أن نعبد الله وحده ، ونصل الرحم ، ونحسن الجوار ونصلي ، ونصوم . قال : فهل معكم شيء مما جاء به ؟ - وقد دعا أساقفته ، [ ص: 216 ] فأمرهم فنشروا المصاحف حوله - فقال لهم جعفر : نعم ، فقرأ عليهم صدرا من سورة كهيعص فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته ، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم ، ثم قال : إن هذا الكلام ليخرج من المشكاة التي جاء بها موسى ، انطلقوا راشدين ، لا والله ، لا أردهم عليكم ، ولا أنعمكم عينا . فخرجا من عنده ، فقال عمرو : لآتينه غدا بما أستأصل به خضراءهم ، فذكر له ما يقولون في عيسى . قال شباب : علي ، وجعفر ، وعقيل ، أمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف . قال الواقدي : هاجر جعفر إلى الحبشة بزوجته أسماء بنت عميس ، فولدت هناك عبد الله ، وعونا ، ومحمدا . وقال ابن إسحاق : أسلم جعفر بعد أحد وثلاثين نفسا . إسماعيل بن أويس : حدثنا أبي ، عن الحسن بن زيد أن عليا أول ذكر أسلم ، ثم أسلم زيد ، ثم جعفر . وكان أبو بكر الرابع ، أو الخامس . قال أبو جعفر الباقر : ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم بدر لجعفر بن أبي طالب بسهمه وأجره . وروي من وجوه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم جعفر قال : " لأنا بقدوم جعفر أسر مني بفتح خيبر " . [ ص: 217 ] في رواية : تلقاه واعتنقه وقبله . وفي " الصحيح " من حديث البراء وغيره : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لجعفر : " أشبهت خلقي وخلقي " . أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا وهيب ، حدثنا خالد ، عن عكرمة ، عن أبي هريرة ، قال : " ما احتذى النعال ولا ركب المطايا بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أفضل من جعفر بن أبي طالب " يعني في الجود والكرم . رواه جماعة عن خالد ، وله علة ، يرويه عبيد الله بن عمرو ، عن خالد ، عن أبي قلابة ، عن أبي هريرة . ابن عجلان : عن المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : كنا نسمي جعفرا أبا المساكين . كان يذهب بنا إلى بيته ، فإذا لم يجد لنا شيئا ، أخرج إلينا عكة أثرها عسل ، فنشقها ونلعقها . عقيل بن أبي طالب الهاشمي هو أكبر إخوته وآخرهم موتا ، وهو جد عبد الله بن محمد بن عقيل المحدث ، وله أولاد : مسلم ويزيد ، وبه كان يكنى ، وسعيد ، وجعفر ، وأبو سعيد الأحول ، ومحمد ، وعبد الرحمن ، وعبد الله . شهد بدرا مشركا ، وأخرج إليها مكرها ، فأسر ، ولم يكن له مال ، ففداه عمه العباس . وروي أن عقيلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أسر : من قتلت من أشرافهم ؟ قال : " قتل أبو جهل " . قال : الآن صفا لك الوادي . قال ابن سعد : خرج عقيل مهاجرا في أول سنة ثمان ، وشهد مؤتة ، ثم رجع فتمرض مدة ، فلم يسمع له بذكر في فتح مكة ولا حنين ولا الطائف ، وقد أطعمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر مائة وأربعين وسقا كل سنة . [ ص: 219 ] وعن عبد الله بن محمد بن عقيل أن جده أصاب يوم مؤتة خاتما فيه تماثيل فنفله أباه . معمر : عن زيد بن أسلم قال : جاء عقيل بمخيط ، فقال لامرأته : خيطي بهذا ثيابك . فسمع المنادي : ألا لا يغلن رجل إبرة فما فوقها ، فقال عقيل لها : ما أرى إبرتك إلا قد فاتتك . عيسى بن عبد الرحمن : عن أبي إسحاق أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعقيل : " يا أبا يزيد ، إني أحبك حبين : لقرابتك ، ولحب عمي لك " . ابن جريج : عن عطاء ، رأيت عقيل بن أبي طالب شيخا كبيرا يقل الغرب . قالوا : توفي زمن معاوية وسيأتي من أخباره بعد . |
زيد بن حارثة
ابن شراحيل - أو شرحبيل - بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان . الأمير الشهيد النبوي المسمى في سورة الأحزاب ، أبو أسامة الكلبي ، ثم المحمدي ، سيد الموالي ، وأسبقهم إلى الإسلام ، وحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو حبه ، وما أحب - صلى الله عليه وسلم - إلا طيبا ، ولم يسم الله - تعالى - في كتابه صحابيا باسمه إلا زيد بن حارثة وعيسى بن مريم - عليه السلام - الذي ينزل حكما مقسطا ويلتحق بهذه الأمة المرحومة في صلاته وصيامه وحجه ونكاحه وأحكام الدين الحنيف جميعها ، فكما أن أبا القاسم سيد الأنبياء وأفضلهم وخاتمهم ، فكذلك عيسى بعد نزوله أفضل هذه الأمة مطلقا ، ويكون ختامهم ، ولا يجيء بعده من فيه خير ; بل تطلع الشمس من مغربها ، ويأذن الله بدنو الساعة . أخبرنا أبو الفضل بن عساكر ، أنبأنا عبد المعز بن محمد ، أنبأنا تميم ، أنبأنا أبو سعد ، أنبأنا ابن حمدان ، أنبأنا أبو يعلى الموصلي ، حدثنا بندار ، حدثنا . [ ص: 221 ] عبد الوهاب الثقفي ، حدثنا محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن ، عن أسامة بن زيد ، عن أبيه قال : خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما حارا من أيام مكة وهو مردفي إلى نصب من الأنصاب وقد ذبحنا له شاة فأنضجناها ، فلقينا زيد بن عمرو بن نفيل ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " يا زيد ، ما لي أرى قومك قد شنفوا لك ؟ " قال : والله يا محمد إن ذلك لغير نائلة لي فيهم ، لكني خرجت أبتغي هذا الدين حتى قدمت على أحبار فدك ، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به . فقدمت على أحبار خيبر ، فوجدتهم كذلك ، فقدمت على أحبار الشام ، فوجدت كذلك فقلت : ما هذا بالدين الذي أبتغي . فقال شيخ منهم : إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحدا يعبد الله به إلا شيخ بالحيرة . فخرجت حتى أقدم عليه ، فلما رآني قال : ممن أنت ؟ قلت من أهل بيت الله . قال : إن الذي تطلب قد ظهر ببلادك ، قد بعث نبي طلع نجمه ، وجميع من رأيتهم في ضلال . قال : فلم أحس بشيء . قال : فقرب إليه السفرة ، فقال : ما هذا يا محمد ؟ قال : " شاة ذبحناها لنصب " . قال : فإني لا آكل مما لم يذكر اسم الله عليه . وتفرقنا ، فأتى رسول الله البيت ، فطاف به - وأنا معه - وبالصفا والمروة ، وكان عندهما صنمان من نحاس : إساف ونائلة ، وكان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما ، فقال النبي : " لا تمسحهما ; فإنهما رجس " . فقلت في نفسي : لأمسنهما حتى أنظر ما يقول . فمسستهما ، فقال : " يا زيد ، ألم تنه " . قال : ومات زيد بن عمرو وأنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لزيد : [ ص: 222 ] " إنه يبعث أمة وحده " . في إسناده محمد لا يحتج به ، وفي بعضه نكارة بينة . عن الحسن بن أسامة بن زيد قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكبر من زيد بعشر سنين . قال : وكان قصيرا ، شديد الأدمة ، أفطس . رواه ابن سعد ، عن الواقدي ، حدثنا محمد بن الحسن بن أسامة ، عن أبيه ، ثم قال ابن سعد : كذا صفته في هذه الرواية . وجاءت من وجه آخر أنه كان شديد البياض ، وكان ابنه أسامة أسود ، ولذلك أعجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول مجزز القائف حيث يقول : إن هذه الأقدام بعضها من بعض . [ ص: 223 ] لوين : حدثنا حديج ، عن أبي إسحاق قال : كان جبلة بن حارثة في الحي ، فقالوا له : أنت أكبر أم زيد ؟ قال : زيد أكبر مني ، وأنا ولدت قبله ، وسأخبركم : إن أمنا كانت من طيئ ، فماتت ، فبقينا في حجر جدنا ، فقال عماي لجدنا : نحن أحق بابني أخينا . فقال : خذا جبلة ، ودعا زيدا ، فأخذاني ، فانطلقا بي ، فجاءت خيل من تهامة ، فأخذت زيدا ، فوقع إلى خديجة ، فوهبته لرسول الله - صلى الله عليه وسلم . عبد الملك بن أبي سليمان حدثنا أبو فزارة قال : " أبصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة غلاما ذا ذؤابة قد أوقفه قومه بالبطحاء للبيع ، فأتى خديجة ، فقالت : كم ثمنه ؟ قال : سبع مائة : قالت : خذ سبع مائة . فاشتراه وجاء به إليها فقال : أما إنه لو كان لي لأعتقته . قالت : فهو لك . فأعتقه " . [ ص: 224 ] وعن سليمان بن يسار وغيره قالوا : أول من أسلم زيد بن حارثة . موسى بن عقبة عن سالم ، عن أبيه قال : ما كنا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد بن محمد . فنزلت ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله [ الأحزاب : 5 ] . إسماعيل بن أبي خالد : عن أبي عمرو الشيباني قال : أخبرني جبلة بن حارثة ، قال : قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : يا رسول الله ، ابعث معي أخي [ ص: 225 ] زيدا . قال : " هو ذا ، فإن انطلق ، لم أمنعه " فقال زيد : لا والله ، لا أختار عليك أحدا أبدا . قال : فرأيت رأي أخي أفضل من رأيي سمعه علي بن مسهر منه . ذكره ابن إسحاق وغيره فيمن شهد بدرا . وقال سلمة بن الأكوع : غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وغزوت مع زيد بن حارثة - كان يؤمره علينا . [ ص: 226 ] الواقدي : حدثنا محمد بن الحسن بن أسامة ، عن أبي الحويرث قال : خرج زيد بن حارثة أميرا سبع سرايا . الواقدي : حدثنا ابن أخي الزهري ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قالت : وقدم زيد بن حارثة من وجهه ذلك - تعني من سرية أم قرفة - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتي . فقرع زيد الباب ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجر ثوبه عريانا ، ما رأيته عريانا قبلها - صلى الله عليه وسلم - حتى اعتنقه وقبله ثم ساءله ، فأخبره بما ظفره الله . ابن إسحاق : عن يزيد بن عبد الله بن قسيط ، عن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد بن حارثة : " يا زيد ، أنت مولاي ، ومني وإلي ، وأحب القوم إلي " . رواه أحمد في " المسند " . [ ص: 227 ] إسماعيل بن جعفر وابن عيينة ، عن عبد الله بن دينار ، سمع ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر أسامة على قوم ، فطعن الناس في إمارته ، فقال : " إن تطعنوا في إمارته ، فقد طعنتم في إمارة أبيه ، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إلي ، وإن ابنه هذا لأحب الناس إلي بعده " . لفظ إسماعيل : " وإن ابنه لمن أحب " . إبراهيم بن طهمان ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم ، عن أبيه : فذكر نحوه . وفيه : " وإن كان أبوه لخليقا للإمارة ، وإن كان لأحب الناس كلهم إلي " . قال سالم : ما سمعت أبي يحدث بهذا الحديث قط إلا قال : والله ما حاشا فاطمة . إبراهيم بن يحيى بن هانئ الشجري حدثني أبي ، عن ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : أتانا زيد بن حارثة ، فقام إليه [ ص: 228 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجر ثوبه ، فقبل وجهه . وكانت أم قرفة جهزت أربعين راكبا من ولدها وولد ولدها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقاتلوه ، فأرسل إليهم زيدا فقتلهم وقتلها ، وأرسل بدرعها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنصبه بالمدينة بين رمحين . رواه المحاملي عن عبد الله بن شبيب عنه . وروى منه الترمذي عن البخاري ، عن إبراهيم هذا وحسنه . مجالد : عن الشعبي ، عن عائشة قالت : لو أن زيدا كان حيا ، لاستخلفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم . وائل بن داود ، عن البهي ، عن عائشة : ما بعث رسول الله زيدا في جيش قط إلا أمره عليهم ، ولو بقي بعده استخلفه أخرجه النسائي . قال ابن عمر : فرض عمر لأسامة بن زيد أكثر مما فرض لي ، فكلمته في [ ص: 229 ] ذلك ، فقال : إنه كان أحب إلى رسول الله منك ، وإن أباه كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبيك . قال الواقدي : عقد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لزيد على الناس في غزوة مؤتة ، وقدمه على الأمراء ، فلما التقى الجمعان كان الأمراء يقاتلون على أرجلهم ، فأخذ زيد اللواء فقاتل وقاتل معه الناس حتى قتل طعنا بالرماح رضي الله عنه . قال : فصلى عليه رسول الله ، أي دعا له ، وقال : " استغفروا لأخيكم ، قد دخل الجنة وهو يسعى " . وكانت مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة . جماعة : عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي إسحاق ، عن أبي ميسرة ، قال : لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل زيد ، وجعفر ، وابن رواحة ، قام - صلى الله عليه وسلم - فذكر شأنهم ، فبدأ بزيد ، فقال : " اللهم اغفر لزيد ، اللهم اغفر لزيد ، ثلاثا ، اللهم اغفر لجعفر وعبد الله بن رواحة " . حماد بن زيد : عن خالد بن سلمة المخزومي ، قال : لما جاء مصاب زيد وأصحابه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزله بعد ذلك ، فلقيته بنت زيد ، فأجهشت بالبكاء في وجهه ، فلما رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى حتى انتحب ، فقيل : ما [ ص: 230 ] هذا يا رسول الله ؟ قال : " شوق الحبيب إلى الحبيب " رواه مسدد وسليمان بن حرب عنه . حسين بن واقد : عن ابن بريدة ، عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " دخلت الجنة ، فاستقبلتني جارية شابة . فقلت : لمن أنت ؟ قالت : أنا لزيد بن حارثة " إسناده حسن . |
عبد الله بن رواحة
ابن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة ، الأمير السعيد الشهيد أبو عمرو الأنصاري الخزرجي البدري النقيب الشاعر . له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن بلال . حدث عنه أنس بن مالك ، والنعمان بن بشير ، وأرسل عنه قيس بن أبي حازم ، [ ص: 231 ] وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وعطاء بن يسار ، وعكرمة ، وغيرهم . شهد بدرا والعقبة . يكنى أبا محمد ، وأبا رواحة ، وليس له عقب ، وهو خال النعمان بن بشير ، وكان من كتاب الأنصار . استخلفه النبي - صلى الله عليه وسلم - على المدينة في غزوة بدر الموعد وبعثه النبي - عليه السلام - سرية في ثلاثين راكبا إلى أسير بن رزام اليهودي بخيبر فقتله . قال الواقدي : وبعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - خارصا على خيبر . قلت : جرى ذلك مرة واحدة ، ويحتمل على بعد مرتين . قال قتيبة : ابن رواحة وأبو الدرداء أخوان لأم . أحمد في " مسنده " : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا عمارة ، عن زياد النميري ، عن أنس قال : كان ابن رواحة إذا لقي الرجل من أصحابه يقول : تعال نؤمن ساعة . فقاله يوما لرجل ، فغضب ، فجاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله ، ألا ترى ابن رواحة يرغب عن إيمانك إلى إيمان ساعة ، فقال : " رحم الله ابن رواحة ; إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة " . [ ص: 232 ] حماد بن زيد : حدثنا ثابت ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن رواحة أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يخطب ، فسمعه وهو يقول : " اجلسوا " . فجلس مكانه خارج المسجد حتى فرغ من خطبته ، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : زادك الله حرصا على طواعية الله ورسوله . وروي بعضه عن عروة ، عن عائشة . حماد بن سلمة : أنبأنا أبو عمران الجوني ، أن عبد الله بن رواحة أغمي عليه ، فأتاه النبي ، فقال : " اللهم إن كان حضر أجله فيسر عليه ، وإلا فاشفه " . فوجد خفة ، فقال : يا رسول الله ، أمي قالت : واجبلاه ، واظهراه ! وملك رفع مرزبة من حديد يقول : أنت كذا ، فلو قلت : نعم لقمعني بها . قال أبو الدرداء : إن كنا لنكون مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر في اليوم الحار ما في القوم أحد صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعبد الله بن رواحة . [ ص: 233 ] رواه غير واحد عن أم الدرداء عنه . معمر : عن ثابت ، عن ابن أبي ليلى قال : تزوج رجل امرأة ابن رواحة ، فقال لها : تدرين لم تزوجتك ؟ لتخبريني عن صنيع عبد الله في بيته . فذكرت له شيئا لا أحفظه ، غير أنها قالت : كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلى ركعتين ، وإذا دخل صلى ركعتين ، لا يدع ذلك أبدا . قال عروة : لما نزلت والشعراء يتبعهم الغاوون قال ابن رواحة : أنا منهم ؟ . فأنزل الله إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات . قال ابن سيرين : كان شعراء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت ، وكعب بن مالك . قيل : لما جهز النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى مؤتة الأمراء الثلاثة ، فقال : " الأمير زيد ، [ ص: 234 ] فإن أصيب فجعفر ، فإن أصيب ، فابن رواحة " . فلما قتلا ، كره ابن رواحة الإقدام ، فقال : أقسمت يا نفس لتنزلنه طائعة أو لا لتكرهنه فطالما قد كنت مطمئنه فقاتل حتى قتل . ما لي أراك تكرهين الجنه قال مدرك بن عمارة : قال ابن رواحة : مررت بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجلست بين يديه ، فقال : " كيف تقول الشعر إذا أردت أن تقول ؟ " قلت : أنظر في ذاك ، ثم أقول . قال : فعليك بالمشركين ، ولم أكن هيأت شيئا . ثم قلت : فخبروني أثمان العباء متى كنتم بطارق أو دانت لكم مضر فرأيته قد كره هذا أن جعلت قومه أثمان العباء فقلت : يا هاشم الخير إن الله فضلكم على البرية فضلا ما له غير فأقبل - صلى الله عليه وسلم - بوجهه مستبشرا وقال : " وإياك فثبت الله " إني تفرست فيك الخير أعرفه فراسة خالفتهم في الذي نظروا ولو سألت إن استنصرت بعضهم في حل أمرك ما آووا ولا نصروا فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا [ ص: 235 ] وقال ابن سيرين : كان حسان وكعب يعارضان المشركين بمثل قولهم بالوقائع والأيام والمآثر ، وكان ابن رواحة يعيرهم بالكفر ، وينسبهم إليه ، فلما أسلموا وفقهوا ، كان أشد عليهم . ثابت : عن أنس قال : دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة في عمرة القضاء ، وابن رواحة بين يديه يقول : خلوا بني الكفار عن سبيله اليوم نضربكم على تنزيله فقال عمر : يا ابن رواحة ، في حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " خل يا عمر ; فهو أسرع فيهم من نضح النبل " وفي لفظ : " فوالذي نفسي بيده ، لكلامه عليهم أشد من وقع النبل " . ضربا يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله ورواه معمر ، عن الزهري ، عن أنس . قال الترمذي وجاء في غير هذا الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة في عمرة القضاء وكعب يقول ذلك . قال : وهذا أصح عند بعض أهل العلم ; لأن ابن رواحة قتل يوم مؤتة ، [ ص: 236 ] وإنما كانت عمرة القضاء بعد ذلك . قلت : كلا ، بل مؤتة بعدها بستة أشهر جزما . قال أبو زرعة الدمشقي : قلت لأحمد بن حنبل : فحديث أنس : دخل النبي - عليه السلام - مكة وابن رواحة آخذ بغرزه . فقال : ليس له أصل . وعن قيس بن أبي حازم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لابن رواحة : " انزل فحرك الركاب " . قال : يا رسول الله ، لقد تركت قولي . فقال له عمر : اسمع وأطع . فنزل وقال : تالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا . وساق باقيها . إسماعيل بن أبي خالد : عن قيس قال : بكى ابن رواحة ، وبكت امرأته ، فقال : ما لك ؟ قالت : بكيت لبكائك . فقال : إني قد علمت أني وارد النار ، [ ص: 237 ] وما أدري أناج منها أم لا . الزهري : عن سليمان بن يسار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث ابن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود ، فجمعوا حليا من نسائهم فقالوا : هذا لك وخفف عنا . قال : يا معشر يهود ، والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي ، وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم ، والرشوة سحت . فقالوا : بهذا قامت السماء والأرض . وحماد بن سلمة ، عن عبد الله - فيما نحسب - عن نافع ، عن ابن عمر ، نحوه . أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن ، أنبأنا محمد بن المسند ، بالمزة ، أنبأنا [ ص: 238 ] عبدان بن رزين ، حدثنا نصر بن إبراهيم الفقيه ، أنبأنا عبد الوهاب بن الحسين ، حدثنا الحسين بن محمد بن عبيد ، حدثنا محمد بن العباس الزيدي ، حدثنا محمد بن حرب ، حدثنا محمد بن عياذ ، حدثنا عبد العزيز ابن أخي الماجشون : بلغنا أنه كانت لعبد الله بن رواحة جارية يستسرها عن أهله ، فبصرت به امرأته يوما قد خلا بها ، فقالت : لقد اخترت أمتك على حرتك ؟ فجاحدها ذلك ، قالت : فإن كنت صادقا ، فاقرأ آية من القرآن . قال : شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا قالت : فزدني آية ، فقال : وأن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمينا فقالت : آمنت بالله ، وكذبت البصر ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فحدثه ، فضحك ولم يغير عليه . وتحمله ملائكة كرام ملائكة الإله مقربينا ابن وهب : حدثني أسامة بن زيد أن نافعا حدثه قال : كانت لابن رواحة امرأة ، وكان يتقيها ، وكانت له جارية ، فوقع عليها ، فقالت له ، فقال : سبحان الله ! قالت : اقرأ علي إذا ; فإنك جنب . فقال : شهدت بإذن الله أن محمدا رسول الذي فوق السموات من عل وقد رويا لحسان . [ ص: 239 ] وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما له عمل من ربه متقبل شريك : عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن عائشة : كان يتمثل النبي - صلى الله عليه وسلم - بشعر عبد الله بن رواحة ، وربما قال : . ابن إسحاق : حدثنا محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة قال : " ثم أخذ الراية - يعني بعد قتل صاحبه - قال : فالتوى بعض الالتواء ، ثم تقدم بها على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ، ويتردد بها بعض التردد " . قال : وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أنه قال عند ذلك : أقسمت بالله لتنزلنه طائعة أو لا لتكرهنه ثم نزل فقاتل حتى قتل . [ ص: 240 ] إن أجلب الناس وشدوا الرنه ما لي أراك تكرهين الجنه قد طال ما قد كنت مطمئنه هل أنت إلا نطفة في شنه وقال أيضا : يا نفس إن لا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد لقيت وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت وإن تأخرت فقد شقيت قال الوليد بن مسلم : فسمعت أنهم ساروا بناحية معان ، فأخبروا أن الروم قد جمعوا لهم جموعا كثيرة ، فاستشار زيد أصحابه فقالوا : قد وطئت البلاد وأخفت أهلها . فانصرف ، وابن رواحة ساكت ، فسأله فقال : إنا لم نسر لغنائم ، ولكنا خرجنا للقاء ، ولسنا نقاتلهم بعدد ولا عدة ، والرأي المسير إليهم . قال عروة بن الزبير : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " فإن أصيب ابن رواحة ، فليرتض المسلمون رجلا " ثم ساروا حتى نزلوا بمعان ، فبلغهم أن هرقل قد نزل بمآب في مائة ألف من الروم ، ومائة ألف من المستعربة ، فشجع الناس ابن رواحة ، وقال : يا قوم ، والله إن الذي تكرهون للتي خرجتم لها : الشهادة . وكانوا ثلاثة آلاف . |
الساعة الآن 09:22 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |