منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   القرآن الكريم والأحاديث وسيرة الأنبياء والصحابة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=95)
-   -   الغاز شعريه وحلول (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=9198)

أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:38 PM

اللغز الثامن عشر


لقد أتتنا أربعه
في قالب ما أروعه
في سورة سمت بنا
إلى السماء ماتعه
عشقت جرسها الذي
يطوف سمعنا معه
وصحبة تجردوا
لله وسط معمعه
وصاحبٍ محاورٍ
صديقه ليُسمعه
نصيحةً وإن تكن
بليغةً وموجعه
وعالمٍ وربُه
على الغيوب أطلعه
ليُبتلى نبيه
في صحبة له معه
ومالكٍ لعدله
ترى الشعوب خاشعه
وفي الختام خوفت
بآية مروعه
من ضل سعيه وما
يدري بدنيا خادعه
يظن أن نفسه
للمكرمات صانعه


اسم السورة: سورة الكهف
مقصودها:
مقصودها وصف الكتاب بأنه قيم ، لكونه زاجراً عن الشريك الذي هو خلاف ما قام عليه الدليل في ) سبحان ( من أنه لا وكيل دونه ، ولا إله إلا هو ، وقاصّاً بالحق أخبار قوم قد فضلوا في أزمانهم وفق ما وقع الخبر به في ) سبحان ( من أنه يفضل من يشاء ، ويفعل ما يشاء ، وأدل ما فيها على هذا المقصد قصة أهل الكهف لأن خبرهم أخفى ما فيها من القصص مع أن سبب فراقهم لقومهم الشرك ، وكان أمرهم موجباً - بعد طول رقادهم - للتوحيد وإبطال الشرك

فضلها:
عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من الدجال وفي رواية ـ من آخر سورة الكهف ـ ) [ رواه مسلم ] ..

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عُصم من " فتنة " الدَّجال ) [ صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة / 582 ] ..


وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ سورة الكهف ) [ كما أنزلت ] كانت له نورا يوم القيامة ، من مقامه إلى مكة ، و من قرأ عشر آيات من آخرها ثم خرج الدجال لم يضره ، و من توضأ فقال : سبحانك اللهم و بحمدك [ أشهد أن ] لا إله إلا أنت ، أستغفرك و أتوب إليك ، كتب في رق ، ثم جعل في طابع ، فلم يكسر إلى يوم القيامة ) [ صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة / 2651 ] ..

وقال عليه الصلاة والسلام : ( من قرأ سورة ( الكهف ) ليلة الجمعة، أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق ) [ صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب / 736 ] ..

وقال صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ سورة ( الكهف ) في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين ) [ صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب / 736 ] ..

http://i128.photobucket.com/albums/p...lowers/df7.gif




أسباب النزول
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (وَاِصبِر نَفسَكَ) الآية.
حدثنا القاضي أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري إملاء في دار السنة يوم الجمعة بعد الصلاة في شهور سنة عشر وأربعمائة قال: أخبرنا أبو الحسن بن عيسى بن عبد ربه الحيري قال: حدثنا محمد بن إبراهيم البوشنجي قال: حدثنا الوليد بن عبد الملك بن مسرح الحراني قال: حدثنا سليمان بن عطاء الحراني عن مسلمة بن عبد الله الجهني عن عمه ابن مشجعة بن ربعي الجهني عن سلمان الفارسي قال: جاءت المؤلفة القلوب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عيينة بن حصن والأقرع بن حابس وذووهم فقالوا: يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك فأنزل الله تعالى (وَاِتلُ ما أَوحِيَ إِلَيكَ مِن كِتابِ رَبِّكَ لامُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلتَحَداً. وَاِصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَداةِ وَالعَشِيِّ يُريدونَ وَجهَهُ) حَتّى بلغ (إِنّا أَعتَدنا لِلظّالِمينَ ناراً) يتهددهم بالنار فقام النبي صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى قال: الحمد الله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم المحيا ومعكم الممات.
قوله تعالى (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا) الآية.
أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا أبو مالك عن جوهر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن ذِكرِنا) قال: نزلت في أمية بن خلف الجمحي وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه من تحرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة فأنزل الله تعالى (وَلا تُطِع مَن أَغفَلنا قَلبَهُ عَن قوله تعالى (وَيَسئَلُونَكَ عَن ذي القَرنَينِ) الآية. قال قتادة: إن اليهود سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم عن ذي القرنين فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (قُل لَّو كانَ البَحرُ مِداداً لِّكَلِماتِ رَبّي) الآية.
قال ابن عباس: قالت اليهود لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً كيف وقد أوتينا التوراة ومن أوتي التوراة فقد أوتي خيراً كثيراً فنزلت (قُل لَّو كانَ البَحرُ مِداداً لِّكَلِماتِ رَبّي) الآية.
قوله تعالى (فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ) الآية.
قال ابن عباس: نزلت في جندب بن زهير الغامدي
وذلك أنه قال: إني أعمل العمل لله فإذا اطلع عليه سرني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ولا يقبل ما روئي فيه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال طاوس: قال رجل: يا نبي الله إني أحب الجهاد في سبيل الله وأحب أن يرى مكاني فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مجاهد: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله سبحانه وتعالى فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً صالحاً فأنزل الله تعالى (فَمَن كانَ يَرجو لِقاءَ رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلاً صالِحاً وَلا يُشرِك بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)
الآيات التي تشير إليها الأبيات
لقد أتتنا أربعه
في قالب ما أروعه
في سورة سمت بنا
إلى السماء ماتعه
عشقت جرسها الذي
يطوف سمعنا معه
السورة كلها
وإشارة أول بيت
سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاء ظَاهِرًا وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا
(ملحوظة: غاب عني فهم مقصود الأربعة فسألت دكتور بجامعة الأزهر ما هذه الأربعة المقصودة في أول الأبيات فأخبرني بارك الله فيه)


وصحبة تجردوا
لله وسط معمعه
أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا
إلى نهاية القصة

وصاحبٍ محاورٍ
صديقه ليُسمعه
نصيحةً وإن تكن
بليغةً وموجعه

وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا
وعالمٍ وربُه
على الغيوب أطلعه
ليبتلي نبيه
في صحبة له معه
قصة موسى والخضر- عليهما السلام -

ومالكٍ لعدله
ترى الشعوب خاشعه

وفي الختام خوفت
بآية مروعه
من ضل سعيه وما
يدري بدنيا خادعه
يظن أن نفسه
للمكرمات صانعه
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا
سورة الكهف
تفسير قصة موسى والخضر من تفسير السعدي
أولا تذكير بالآيات:
‏60 ـ 82‏]‏ ‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا * فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا * فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا * قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا * قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا‏}‏ إلى قوله ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا‏}‏ يخبر تعالى عن نبيه موسى عليه السلام، وشدة رغبته في الخير وطلب العلم، أنه قال لفتاه ـ أي‏:‏ خادمه الذي يلازمه في حضره وسفره، وهو ‏"‏ يوشع بن نون ‏"‏ الذي نبأه الله بعد ذلك‏:‏ ـ ‏{‏لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ‏}‏ أي‏:‏ لا أزال مسافرا وإن طالت علي الشقة، ولحقتني المشقة، حتى أصل إلى مجمع البحرين، وهو المكان الذي أوحي إليه أنك ستجد فيه عبدا من عباد الله العالمين، عنده من العلم، ما ليس عندك، ‏{‏أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا‏}‏ أي‏:‏ مسافة طويلة، المعنى‏:‏ أن الشوق والرغبة، حمل موسى أن قال لفتاه هذه المقالة، وهذا عزم منه جازم، فلذلك أمضاه‏.‏

‏{‏فَلَمَّا بَلَغَا‏}‏ أي‏:‏ هو وفتاه ‏{‏مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا‏}‏ وكان معهما حوت يتزودان منه ويأكلان، وقد وعد أنه متى فقد الحوت فثم ذلك العبد الذي قصدته، فاتخذ ذلك الحوت سبيله، أي‏:‏ طريقه في البحر سربا وهذا من الآيات‏.‏

قال المفسرون إن ذلك الحوت الذي كانا يتزودان منه، لما وصلا إلى ذلك المكان، أصابه بلل البحر، فانسرب بإذن الله في البحر، وصار مع حيواناته حيا‏.‏

فلما جاوز موسى وفتاه مجمع البحرين، قال موسى لفتاه‏:‏ ‏{‏آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا‏}‏ أي‏:‏ لقد تعبنا من هذا السفر المجاوز فقط، وإلا فالسفر الطويل الذي وصلا به إلى مجمع البحرين لم يجدا مس التعب فيه، وهذا من الآيات والعلامات الدالة لموسى، على وجود مطلبه، وأيضًا فإن الشوق المتعلق بالوصول إلى ذلك المكان، سهل لهما الطريق، فلما تجاوزا غايتهما وجدا مس التعب، فلما قال موسى لفتاه هذه المقالة، قال له فتاه‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ‏}‏
أي‏:‏ ألم تعلم حين آوانا الليل إلى تلك الصخرة المعروفة بينهما ‏{‏فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان‏}‏ لأنه السبب في ذلك ‏{‏وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا‏}‏ أي‏:‏ لما انسرب في البحر ودخل فيه، كان ذلك من العجائب‏.‏

قال المفسرون‏:‏ كان ذلك المسلك للحوت سربا، ولموسى وفتاه عجبا، فلما قال له الفتى هذا القول، وكان عند موسى وعد من الله أنه إذا فقد الحوت، وجد الخضر، فقال موسى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ‏}‏ أي‏:‏ نطلب ‏{‏فَارْتَدَّا‏}‏ أي‏:‏ رجعا ‏{‏عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا‏}‏ أي رجعا يقصان أثرهما إلى المكان الذي نسيا فيه الحوت فلما وصلا إليه، وجدا عبدا من عبادنا، وهو الخضر، وكان عبدا صالحا، لا نبيا على الصحيح‏.‏

آتيناه ‏[‏رحمة من عندنا أي‏:‏ أعطاه الله رحمة خاصة بها زاد علمه وحسن عمله ‏{‏وَعَلَّمْنَاهُ‏}‏‏]‏ ‏{‏مِنْ لَدُنَّا‏}‏ ‏[‏أي‏:‏ من عندنا‏]‏ عِلْمًا، وكان قد أعطي من العلم ما لم يعط موسى، وإن كان موسى عليه السلام أعلم منه بأكثر الأشياء، وخصوصا في العلوم الإيمانية، والأصولية، لأنه من أولي العزم من المرسلين، الذين فضلهم الله على سائر الخلق، بالعلم، والعمل، وغير ذلك، فلما اجتمع به موسى قال له على وجه الأدب والمشاورة، والإخبار عن مطلبه‏.‏

‏{‏هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا‏}‏ أي‏:‏ هل أتبعك على أن تعلمني مما علمك الله، ما به أسترشد وأهتدي، وأعرف به الحق في تلك القضايا‏؟‏ وكان الخضر، قد أعطاه الله من الإلهام والكرامة، ما به يحصل له الاطلاع على بواطن كثير من الأشياء التي خفيت، حتى على موسى عليه السلام، فقال الخضر لموسى‏:‏ لا أمتنع من ذلك، ولكنك ‏{‏لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا‏}‏ أي‏:‏ لا تقدر على اتباعي وملازمتي، لأنك ترى ما لا تقدر على الصبر عليه من الأمور التي ظاهرها المنكر، وباطنها غير ذلك، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا‏}‏ أي‏:‏ كيف تصبر على أمر،ما أحطت بباطنه وظاهره ولا علمت المقصود منه ومآله‏؟‏

فقال موسى‏:‏ ‏{‏سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا‏}‏ وهذا عزم منه، قبل أن يوجد الشيء الممتحن به، والعزم شيء، ووجود الصبر شيء آخر، فلذلك ما صبر موسى عليه السلام حين وقع الأمر‏.‏

فحينئذ قال له الخضر‏:‏ ‏{‏فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا‏}‏ أي‏:‏ لا تبتدئني بسؤال منك وإنكار، حتى أكون أنا الذي أخبرك بحاله، في الوقت الذي ينبغي إخبارك به، فنهاه عن سؤاله، ووعده أن يوقفه على حقيقة الأمر‏.‏

‏{‏فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا‏}‏ أي‏:‏ اقتلع الخضر منها لوحا، وكان له مقصود في ذلك، سيبينه، فلم يصبر موسى عليه السلام، لأن ظاهره أنه منكر، لأنه عيب للسفينة، وسبب لغرق أهلها، ولهذا قال موسى‏:‏ ‏{‏أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا‏}‏ أي‏:‏ عظيما شنيعا، وهذا من عدم صبره عليه السلام، فقال له الخضر‏:‏ ‏{‏أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا‏}‏ أي‏:‏ فوقع كما أخبرتك، وكان هذا من موسى نسيانا فقال‏:‏ ‏{‏لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا‏}‏ أي‏:‏ لا تعسر علي الأمر، واسمح لي، فإن ذلك وقع على وجه النسيان، فلا تؤاخذني في أول مرة‏.‏ فجمع بين الإقرار به والعذر منه، وأنه ما ينبغي لك أيها الخضر الشدة على صاحبك، فسمح عنه الخضر‏.‏

‏{‏فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا‏}‏ أي‏:‏ صغيرا ‏{‏فَقَتَلَهُ‏}‏ الخضر، فاشتد بموسى الغضب، وأخذته الحمية الدينية، حين قتل غلاما صغيرا لم يذنب‏.‏ ‏{‏قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا‏}‏ وأي‏:‏ نكر مثل قتل الصغير، الذي ليس عليه ذنب، ولم يقتل أحد‏؟‏‏!‏ وكانت الأولى من موسى نسيانا، وهذه غير نسيان، ولكن عدم صبر، فقال له الخضر معاتبا ومذكرا‏:‏ ‏{‏أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا‏}

فقال ‏[‏له‏]‏ موسى‏:‏ ‏{‏إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ‏}‏ بعد هذه المرة ‏{‏فَلَا تُصَاحِبْنِي‏}‏ أي‏:‏ فأنت معذور بذلك، وبترك صحبتي ‏{‏قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا‏}‏ أي‏:‏ أعذرت مني، ولم تقصر‏.‏

‏{‏فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا‏}‏ أي‏:‏ استضافاهم، فلم يضيفوهما ‏{‏فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ‏}‏ أي‏:‏ قد عاب واستهدم ‏{‏فَأَقَامَهُ‏}‏ الخضر أي‏:‏ بناه وأعاده جديدا‏.‏ فقال له موسى‏:‏ ‏{‏لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا‏}‏ أي‏:‏ أهل هذه القرية، لم يضيفونا مع وجوب ذلك عليهم، وأنت تبنيه من دون أجرة، وأنت تقدر عليها‏؟‏‏.‏ فحينئذ لم يف موسى عليه السلام بما قال، واستعذر الخضر منه، فقال له‏:‏ ‏{‏هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ‏}‏ فإنك شرطت ذلك على نفسك، فلم يبق الآن عذر، ولا موضع للصحبة، ‏{‏سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا‏}‏ أي‏:‏ سأخبرك بما أنكرت عليَّ، وأنبئك بما لي في ذلك من المآرب، وما يئول إليه الأمر‏.‏

‏{‏أَمَّا السَّفِينَةُ‏}‏ التي خرقتها ‏{‏فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ‏}‏ يقتضي ذلك الرقة عليهم، والرأفة بهم‏.‏ ‏{‏فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا‏}‏ أي‏:‏ كان مرورهم على ذلك الملك الظالم، فكل سفينة صالحة تمر عليه ما فيها عيب غصبها وأخذها ظلما، فأردت أن أخرقها ليكون فيها عيب، فتسلم من ذلك الظالم‏.‏

‏{‏وَأَمَّا الْغُلَامُ‏}‏ الذي قتلته ‏{‏فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا‏}‏ وكان ذلك الغلام قد قدر عليه أنه لو بلغ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا، أي‏:‏ لحملهما على الطغيان والكفر، إما لأجل محبتهما إياه، أو للحاجة إليه أو يحدهما على ذلك، أي‏:‏ فقتلته، لاطلاعي على ذلك، سلامة لدين أبويه المؤمنين، وأي فائدة أعظم من هذه الفائدة الجليلة‏؟‏‏"‏ وهو وإن كان فيه إساءة إليهما، وقطع لذريتهما، فإن الله تعالى سيعطيهما من الذرية، ما هو خير منه، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا‏}‏ أي‏:‏ ولدا صالحا، زكيا، واصلا لرحمه، فإن الغلام الذي قتل لو بلغ لعقهما أشد العقوق بحملهما على الكفر والطغيان‏.‏

‏{‏وَأَمَّا الْجِدَارُ‏}‏ الذي أقمته ‏{‏فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا‏}‏ أي‏:‏ حالهما تقتضي الرأفة بهما ورحمتهما، لكونهما صغيرين عدما أباهما، وحفظهما الله أيضًا بصلاح والدهما‏.‏

‏{‏فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا‏}‏ أي‏:‏ فلهذا هدمت الجدار، واستخرجت ما تحته من كنزهما، وأعدته مجانا‏.‏

{‏رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ‏}‏ أي‏:‏ هذا الذي فعلته رحمة من الله، آتاها الله عبده الخضر ‏{‏وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي‏}‏ أي‏:‏ أتيت شيئا من قبل نفسي، ومجرد إرادتي، وإنما ذلك من رحمة الله وأمره‏.‏

‏{‏ذَلِكَ‏}‏ الذي فسرته لك ‏{‏تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا‏}‏ وفي هذه القصة العجيبة الجليلة، من الفوائد والأحكام والقواعد شيء كثير، ننبه على بعضه بعون الله‏.‏
فمنها :فضيلة العلم، والرحلة في طلبه، وأنه أهم الأمور، فإن موسى عليه السلام رحل مسافة طويلة، ولقي النصب في طلبه، وترك القعود عند بني إسرائيل، لتعليمهم وإرشادهم، واختار السفر لزيادة العلم على ذلك‏.‏

ومنها‏:‏ البداءة بالأهم فالأهم، فإن زيادة العلم وعلم الإنسان أهم من ترك ذلك، والاشتغال بالتعليم من دون تزود من العلم، والجمع بين الأمرين أكمل‏.‏

ومنها‏:‏ جواز أخذ الخادم في الحضر والسفر لكفاية المؤن، وطلب الراحة، كما فعل موسى‏.‏

ومنها‏:‏ أن المسافر لطلب علم أو جهاد أو نحوه، إذا اقتضت المصلحة الإخبار بمطلبه، وأين يريده، فإنه أكمل من كتمه، فإن في إظهاره فوائد من الاستعداد له عدته، وإتيان الأمر على بصيرة، وإظهارًا لشرف هذه العبادة الجليلة، كما قال موسى‏:‏ ‏{‏لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا‏}‏ وكما أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه حين غزا تبوك بوجهه، مع أن عادته التورية، وذلك تبع للمصلحة‏.‏

ومنها‏:‏ إضافة الشر وأسبابه إلى الشيطان، على وجه التسويل والتزيين، وإن كان الكل بقضاء الله وقدره، لقول فتى موسى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ‏}‏

ومنها‏:‏ جواز إخبار الإنسان عما هو من مقتضى طبيعة النفس، من نصب أو جوع، أو عطش، إذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا، لقول موسى‏:‏ ‏{‏لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا‏}‏
ومنها‏:‏ استحباب كون خادم الإنسان، ذكيا فطنا كيسا، ليتم له أمره الذي يريده‏.‏

ومنها‏:‏ استحباب إطعام الإنسان خادمه من مأكله، وأكلهما جميعا، لأن ظاهر قوله‏:‏ ‏{‏آتِنَا غَدَاءَنَا‏}‏ إضافة إلى الجميع، أنه أكل هو وهو جميعا‏.‏

ومنها‏:‏ أن المعونة تنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به، وأن الموافق لأمر الله، يعان ما لا يعان غيره لقوله‏:‏ ‏{‏لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا‏}‏ والإشارة إلى السفر المجاوز، لمجمع البحرين، وأما الأول، فلم يشتك منه التعب، مع طوله، لأنه هو السفرعلى الحقيقة‏.‏ وأما الأخير، فالظاهر أنه بعض يوم، لأنهم فقدوا الحوت حين أووا إلى الصخرة، فالظاهر أنهم باتوا عندها، ثم ساروا من الغد، حتى إذا جاء وقت الغداء قال موسى لفتاه ‏{‏آتِنَا غَدَاءَنَا‏}‏ فحينئذ تذكر أنه نسيه في الموضع الذي إليه منتهى قصده‏.‏

ومنها‏:‏ أن ذلك العبد الذي لقياه، ليس نبيا، بل عبدا صالحا، لأنه وصفه بالعبودية، وذكر منة الله عليه بالرحمة والعلم، ولم يذكر رسالته ولا نبوته، ولو كان نبيا، لذكر ذلك كما ذكره غيره‏.‏

وأما قوله في آخر القصة‏:‏ ‏{‏وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي‏}‏ فإنه لا يدل على أنه نبي وإنما يدل على الإلهام والتحديث، كما يكون لغير الأنبياء، كما قال تعالى ‏{‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ‏}‏ ‏{‏وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا‏}‏

ومنها‏:‏ أن العلم الذي يعلمه الله ‏[‏لعباده‏]‏ نوعان‏:‏

علم مكتسب يدركه العبد بجده واجتهاده‏.‏ ونوع علم لدني، يهبه الله لمن يمن عليه من عباده لقوله ‏{‏وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا‏}‏

ومنها‏:‏ التأدب مع المعلم، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب، لقول موسى عليه السلام‏:‏

‏{‏هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا‏}‏ فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة، وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا، وإقراره بأنه يتعلم منه، بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر، الذي لا يظهر للمعلم افتقارهم إلى علمه، بل يدعي أنه يتعاون هم وإياه، بل ربما ظن أنه يعلم معلمه، وهو جاهل جدا، فالذل للمعلم، وإظهار الحاجة إلى تعليمه، من أنفع شيء للمتعلم‏.‏

ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه، فإن موسى ـ بلا شك ـ أفضل من الخضر‏.‏

ومنها‏:‏ تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه، ممن مهر فيه، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة‏.‏

فإن موسى عليه السلام من أولي العزم من المرسلين، الذين منحهم الله وأعطاهم من العلم ما لم يعط سواهم، ولكن في هذا العلم الخاص كان عند الخضر، ما ليس عنده، فلهذا حرص على التعلم منه‏.‏

فعلى هذا، لا ينبغي للفقيه المحدث، إذا كان قاصرا في علم النحو، أو الصرف، أو نحوه من العلوم، أن لا يتعلمه ممن مهر فيه، وإن لم يكن محدثا ولا فقيها‏.‏

ومنها‏:‏ إضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى، والإقرار بذلك، وشكر الله عليها لقوله‏:‏ ‏{‏تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ‏}‏ أي‏:‏ مما علمك الله تعالى‏.‏

ومنها‏:‏ أن العلم النافع، هو العلم المرشد إلى الخير، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك، فإما أن يكون ضارا، أو ليس فيه فائدة لقوله‏:‏ ‏{‏أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا‏}‏

ومنها‏:‏ أن من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم، وحسن الثبات على ذلك، أنه يفوته بحسب عدم صبره كثير من العلم فمن لا صبر له لا يدرك العلم، ومن استعمل الصبر ولازمه، أدرك به كل أمر سعى فيه، لقول الخضر ـ يعتذر من موسى بذكر المانع لموسى في الأخذ عنه ـ إنه لا يصبر معه‏.‏

ومنها‏:‏ أن السبب الكبير لحصول الصبر، إحاطة الإنسان علما وخبرة، بذلك الأمر، الذي أمر بالصبر عليه، وإلا فالذي لا يدريه، أو لا يدري غايته ولا نتيجته، ولا فائدته وثمرته ليس عنده سبب الصبر لقوله‏:‏ ‏{‏وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا‏}‏ فجعل الموجب لعدم صبره، وعدم إحاطته خبرا بالأمر‏.‏

ومنها‏:‏ الأمر بالتأني والتثبت، وعدم المبادرة إلى الحكم على الشيء، حتى يعرف ما يراد منه وما هو المقصود‏.‏

ومنها‏:‏ تعليق الأمور المستقبلية التي من أفعال العباد بالمشيئة، وأن لا يقول الإنسان للشيء‏:‏ إني فاعل ذلك في المستقبل، إلا أن يقول ‏{‏إِنْ شَاءَ اللَّهُ‏}‏

ومنها‏:‏ أن العزم على فعل الشيء، ليس بمنزلة فعله، فإن موسى قال‏:‏ ‏{‏سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا‏}‏ فوطن نفسه على الصبر ولم يفعل‏.‏

ومنها‏:‏ أن المعلم إذا رأى المصلحة في إيزاعه للمتعلم أن يترك الابتداء في السؤال عن بعض الأشياء، حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها، فإن المصلحة تتبع، كما إذا كان فهمه قاصرا، أو نهاه عن الدقيق في سؤال الأشياء التي غيرها أهم منها، أو لا يدركها ذهنه، أو يسأل سؤالا، لا يتعلق في موضع البحث‏.‏

ومنها‏:‏ جواز ركوب البحر، في غير الحالة التي يخاف منها‏.‏

ومنها‏:‏ أن الناسي غير مؤاخذ بنسيانه لا في حق الله، ولا في حقوق العباد لقوله‏:‏ ‏{‏لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ‏}‏

ومنها‏:‏ أنه ينبغي للإنسان أن يأخذ من أخلاق الناس ومعاملاتهم، العفو منها، وما سمحت به أنفسهم، ولا ينبغي له أن يكلفهم ما لا يطيقون، أو يشق عليهم ويرهقهم، فإن هذا مدعاة إلى النفور منه والسآمة، بل يأخذ المتيسر ليتيسر له الأمر‏.‏

ومنها‏:‏ أن الأمور تجري أحكامها على ظاهرها، وتعلق بها الأحكام الدنيوية، في الأموال، والدماء وغيرها، فإن موسى عليه السلام، أنكر على الخضر خرقه السفينة، وقتل الغلام، وأن هذه الأمور ظاهرها، أنها من المنكر، وموسى عليه السلام لا يسعه السكوت عنها، في غير هذه الحال، التي صحب عليها الخضر، فاستعجل عليه السلام، وبادر إلى الحكم في حالتها العامة، ولم يلتفت إلى هذا العارض، الذي يوجب عليه الصبر، وعدم المبادرة إلى الإنكار‏.‏

ومنها‏:‏ القاعدة الكبيرة الجليلة وهو أنه ‏"‏ يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير ‏"‏ ويراعي أكبر المصلحتين، بتفويت أدناهما، فإن قتل الغلام شر، ولكن بقاءه حتى يفتن أبويه عن دينهما، أعظم شرا منه، وبقاء الغلام من دون قتل وعصمته، وإن كان يظن أنه خير، فالخير ببقاء دين أبويه، وإيمانهما خير من ذلك، فلذلك قتله الخضر، وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد، ما لا يدخل تحت الحصر، فتزاحم المصالح والمفاسد كلها، داخل في هذا‏.‏

ومنها‏:‏ القاعدة الكبيرة أيضًا وهي أن ‏"‏ عمل الإنسان في مال غيره، إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة، أنه يجوز، ولو بلا إذن حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير ‏"‏ كما خرق الخضر السفينة لتعيب، فتسلم من غصب الملك الظالم‏.‏ فعلى هذا لو وقع حرق، أو غرق، أو نحوهما، في دار إنسان أو ماله، وكان إتلاف بعض المال، أو هدم بعض الدار، فيه سلامة للباقي، جاز للإنسان بل شرع له ذلك، حفظا لمال الغير، وكذلك لو أراد ظالم أخذ مال الغير، ودفع إليه إنسان بعض المال افتداء للباقي جاز، ولو من غير إذن‏.‏

ومنها‏:‏ أن العمل يجوز في البحر، كما يجوز في البر لقوله‏:‏ ‏{‏يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ‏}‏ ولم ينكر عليهم عملهم‏.‏

ومنها‏:‏ أن المسكين قد يكون له مال لا يبلغ كفايته، ولا يخرج بذلك عن اسم المسكنة، لأن الله أخبر أن هؤلاء المساكين، لهم سفينة‏.‏

ومنها‏:‏ أن القتل من أكبر الذنوب لقوله في قتل الغلام ‏{‏لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا‏}‏

ومنها‏:‏ أن القتل قصاصا غير منكر لقوله ‏{‏بِغَيْرِ نَفْسٍ‏}‏

ومنها‏:‏ أن العبد الصالح يحفظه الله في نفسه، وفي ذريته‏.‏

ومنها‏:‏ أن خدمة الصالحين، أو من يتعلق بهم، أفضل من غيرها، لأنه علل استخراج كنزهما، وإقامة جدارهما، أن أباهما صالح‏.‏

ومنها‏:‏ استعمال الأدب مع الله تعالى في الألفاظ، فإن الخضر أضاف عيب السفينة إلى نفسه بقوله ‏{‏فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا‏}‏ وأما الخير، فأضافه إلى الله تعالى لقوله‏:‏ ‏{‏فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ‏}‏ كما قال إبراهيم عليه السلام ‏{‏وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ‏}‏ وقالت الجن‏:‏ ‏{‏وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا‏}‏ مع أن الكل بقضاء الله وقدره‏.‏

ومنها‏:‏ أنه ينبغي للصاحب أن لا يفارق صاحبه في حالة من الأحوال، ويترك صحبته، حتى يعتبه، ويعذر منه، كما فعل الخضر مع موسى‏.‏

ومنها‏:‏ أن موافقة الصاحب لصاحبه، في غير الأمور المحذورة، مدعاة وسبب لبقاء الصحبة وتأكدها، كما أن عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة‏.‏

ومنها‏:‏ أن هذه القضايا التي أجراها الخضر هي قدر محض أجراها الله وجعلها على يد هذا العبد الصالح، ليستدل العباد بذلك على ألطافه في أقضيته، وأنه يقدر على العبد أمورا يكرهها جدا، وهي صلاح دينه، كما في قضية الغلام، أو وهي صلاح دنياه كما في قضية السفينة، فأراهم نموذجا من لطفه وكرمه، ليعرفوا ويرضوا غاية الرضا بأقداره المكروهة‏.‏
سورة الكهف هي مكية في قول جميع المفسرين
عن أبي سعيد الخدري قال : من قرأ سورة الكهف ليلة الجمعة
أضاء له من النور فيما بينه وبين البيت العتيق .
وفي صحيح مسلم عن أبي الدرداء أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال :
( من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال ) .
وذكره الثعلبي . قال : سمرة بن جندب قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( من قرأ عشر آيات من سورة الكهف حفظا لم تضره فتنة الدجال ) . ومن قرأ السورة كلها دخل الجنة .
اللهم أجعلها لنا ياأرحم الراحمين
عن عكرمة , عن ابن عباس - فيما يروي أبو جعفر الطبري - قال :
بعثت قريش النضر بن الحارث , وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة
فقالوا لهم : سلوهم عن محمد , وصفوا لهم صفته , وأخبروهم بقوله , فإنهم أهل الكتاب الأول
وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء . فخرجا حتى قدما المدينة
فسألوا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ووصفوا لهم أمره وبعض قوله
وقالا : إنكم أهل التوراة , وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا , قال : فقالت لهم أحبار يهود :
سلوه عن ثلاث نأمركم بهن , فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل , وإن لم يفعل فالرجل متقول
فروا فيه رأيكم : سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول , ما كان من أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب .
وسلوه عن رجل طواف , بلغ مشارق الأرض ومغاربها , ما كان نبؤه ؟ وسلوه عن الروح ما هو ؟
فإن أخبركم بذلك , فإنه نبي فاتبعوه , وإن هو لم يخبركم , فهو رجل متقول
فاصنعوا في أمره ما بدا لكم . فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش , فقالا :
يا معشر قريش : قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد , قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله
عن أمور , فأخبروهم بها , فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقالوا :
يا محمد أخبرنا , فسألوه عما أمروهم به , فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أخبركم غدا بما سألتم عنه " , ولم يستثن فانصرفوا عنه
فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة , لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا
ولا يأتيه جبرائيل عليه السلام , حتى أرجف أهل مكة وقالوا : وعدنا محمد غدا
واليوم خمس عشرة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيء مما سألناه عنه .
حتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه , وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة .
ثم جاءه جبرائيل عليه السلام , من الله عز وجل , بسورة أصحاب الكهف
فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف
وقول الله عز وجل
{ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا }
قال ابن إسحاق : فبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح السورة فقال
{ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب }
يعني محمدا إنك رسولي في تحقيق ما سألوا عنه من نبوته { ولم يجعل له عوجا قيما } :
أي معتدلا , لا اختلاف فيه .
لينذر بأسا شديدا من لدنه " أي عاجل عقوبته في الدنيا , وعذابا أليما في الآخرة
أي من عند ربك الذي بعثك رسولا . " ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات
أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا " أي دار الخلد لا يموتون فيها
الذين صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم , وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال .
" وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا " [ 4] يعني قريشا في قولهم : إنا نعبد الملائكة وهي بنات الله .
" ما لهم به من علم ولا لآبائهم " [ 5 ] الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم .
" كبرت كلمة تخرج من أفواههم " [ 5 ] أي لقولهم إن الملائكة بنات الله .
" إن يقولون إلا كذبا . فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا " [ 6 ]
لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجوه منهم , أي لا تفعل . قال ابن هشام :
" باخع نفسك " مهلك نفسك وجمعها باخعون وبخعة .
إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا " [ 7 ]
قال ابن إسحاق : أي أيهم أتبع لأمري وأعمل بطاعتي :
" وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا " [ 8 ] أي الأرض , وإن ما عليها لفان وزائل
وإن المرجع إلي فأجزي كلا بعمله ; فلا تأس ولا يحزنك ما ترى وتسمع فيها .
والصعيد : الطريق , وقد جاء في الحديث :
( إياكم والقعود على الصعدات ) يريد الطرق . والجرز : الأرض التي لا تنبت شيئا
وجمعها أجراز . ويقال : سنة جرز وسنون أجراز ; وهي التي لا يكون فيها مطر .
وتكون فيها جدوبة ويبس وشدة .
قال ذو الرمة يصف إبلا : طوى النحز والأجراز ما في بطونها
فما بقيت إلا الضلوع الجراشع قال ابن إسحاق :
ثم استقبل قصة الخبر فيما سألوه عنه من شأن الفتية فقال :
" أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا " [ 9 ]
أي قد كان من آياتي فيما وضعت على العباد من حجتي ما هو أعجب من ذلك .
قال ابن هشام : والرقيم الكتاب الذي رقم بخبرهم , وجمعه رقم .
قال ابن إسحاق : ثم قال " إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة
وهيئ لنا من أمرنا رشدا . فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا .
ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا " [ 12 ] .
ثم قال : " نحن نقص عليك نبأهم بالحق " [ 13 ] أي بصدق الخبر
" إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى .
وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض
لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا " [ 14 ]
أي لم يشركوا بي كما أشركتم بي ما ليس لكم به علم . قال ابن هشام :
والشطط الغلو ومجاوزة الحق .
سؤال :ما اللمسة البيانية في استخدام (فأردت) (فأردنا) (فأراد ربك) في سورة الكهف في قصة موسى والخضر؟
الملاحظ في القرآن كله أن الله تعالى لا ينسب السوء إلى نفسه ؛ أما الخير والنِعم فكلها منسوبة إليه تعالى كما في قوله (وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسّه الشر كان يؤوسا) ولا نجد في القرآن فهل زيّن لهم سوء أعمالهم أبدا إنما نجد (زُيّن لهم سوء أعمالهم) وكذلك في قول الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام (الذي يميتني ثم يحيين) وقوله (وإذا مرضت هو يشفين) ولم يقل يمرضني تأدباً مع الله تعالى.

(أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً {79}) في هذه الآية الله تعالى لا ينسب العيب إلى نفسه أبداً فكان الخضر هو الذي عاب السفينة فجاء الفعل مفرداً.

(فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً {81}) في هذه الآية فيها اشتراك في العمل قتل الغلام والإبدال بخير منه حسن فجاء بالضمير الدالّ على الإشتراك. في الآية إذن جانب قتل وجانب إبدال فجاء جانب القتل من الخضر وجاء الإبدال من الله تعالى لذا جاء الفعل مثنّى.

(وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً {82}) في هذه الآية الجدار كلّه خير فنسب الفعل لله وحده وأنه يدلّ على أن الله تعالى هو علاّم الغيوب وسبق في علمه أن هذا الجدار تحته كنز لهما وأنه لو سقط سيأخذ أهل القرية المال من الأولاد اليتامى وهذا ظلم لهم والله تعالى ينسب الخير لنفسه عزّ وجلّ.وهذا الفعل في الآية ليس فيه اشتراك وإنما هو خير محض للغلامين وأبوهما الصالح والله تعالى هو الذي يسوق الخير المحض. وجاء بكلمة رب في الآيات بدل لفظ الجلالة (الله) للدلالة على أن الرب هو المربي والمعلِّم والراعي والرازق والآيات كلها في معنى الرعاية والتعهد والتربية لذا ناسب بين الأمر المطلوب واسمه الكريم سبحانه.

http://www.alfrasha.com/up/16199633201582971184.gif

سؤال - ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (شيئاً إمرا) و(شيئاً نُكرا) في سورة الكهف؟

قال تعالى على لسان موسى للرجل الصالح عندما خرق السفينة (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (71)) وقال تعالى عندما قتل الرجل الصالح الغلام (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا (74)).
فوصف خرق السفينة بأنه شيء إمر ووصف قتل الغلام بأنه شيء نُكر وذلك أن خرق السفينة ونزع لوح خشب منها دون قتل الغلام شناعة فإنه إنما خرق السفينة لتبقى لمالكيها وهذا لا يبلغ مبلغ قتل الغلام بغير سبب ظاهر. والإمر دون النُكر فوضع التعبير في كل موضع بما يناسب كل فعل. وعن قتادة: النُكر أشدّ من الإمر. فجاء كل على ما يلائم ولم يكن ليحسن مجيء أحد الوصفين في موضع الآخر.
وهذا الاختلاف يدخل في فواصل الآي في القرآن الكريم.
ما السبب في تنكير الغلام وتعريف السفينة في سورة الكهف في قوله تعالى (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً {74}) و (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً {71})؟

حسب التفاسير أن الخضر وموسى لم يجدا سفينة لما جاءا إلى الساحل ثم جاءت سفينة مارّة فنادوهما فعرفا الخضر فحملوهما بدون أجر ولهذا جاءت السفينة معرّفة لأنها لم تكن أية سفينة. أما الغلام فهما لقياه في طريقهم وليس غلاماً محدداً معرّفاً.

http://home.no.net/anyas/anyaflower497.gif
أحسن الله إليكم أ. محمد وبارك الله بحضرتك على الإضافة القيّمة تعلمت من الناحية اللغوية منها الشيء الكثير وفيها ما هو جديد كالبيت الذي قاله ذو الرمة ، وهذا تلخيص لمحاور القصص الخمس فى السورة كنت قد كتبته العام الماضي بعد قراءة تفسيرها من الظلال:


1-قصة اصحاب الكهف ويظهر من خلالها العقيدة الصحيحة وكيفية رسوخ الإيمان فى القلب وأن ذلك سبيل النجاة والفلاح ونيل رحمة رب الأرض والسماوات

ثم يعقبها تذكير باللجوء الى الله فى كل وقت وذكره ومجالسة الصالحين فإن هذا أدعى لزيادة الايمان ورسوخه فى القلوب

2-قصة صاحب البستان
وفيها تذكير بمتاع الدنيا الزائل الفانى وأن العاقل هو من يشكر الله على النعم ولا يتبع نفسه هواها ويتمنى على الله الامانى

3-قصة آدم وابليس
وهى لفتة تذكير بحال العاصين الغافلين ممن اتخذوا من إبليس وجنوده أولياء من دون الله ثم ذكر مآلهم وعقابهم فى النار ---نسأل الله السلامة من النيران

4-قصة موسى والخضر
وفيها العديد من الدروس والعبر
فهى تذكر بقصور العلم البشرى وأن مطلق القدرة والكمال لله وحده-سبحانه-وهو يعلم غيب السماوات والارض
كما ان فيها حث على السعى فى طلب العلم والاصرار على تحقيق الهدف وأنه بالصلاح ينل الانسان العلم

5-قصة ذى القرنين
هو نموذج للجد والإخلاص
عاون الناس وأحسن إليهم وبذل من قوته وعمله لمساعدتهم ونسب الفضل لله -عز وجل- لا إلى نفسه

هذه هى القصص الخمس فى السورة والتى تركز كثيرا على العقيدة ورسوخ الايمان فى القلب نسأل الله لنا ولكم العلم النافع




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:43 PM

اللغز التاسع عشر


منها تناثرت درر
تضيء عالم البشر
آدابها كثيرة
يرومها من ادكر
كالإذن في بيوتنا
وغض شعلة البصر
وحفظ فرجٍ اتخذ
نهجاً فتنجو من سقر
تعهدت بيوتنا
بخيرها ولم تذر
وبالحدود طهرت
فكان أجمل الأثر
فحُق أن نحبها
فتلك جنة الأسر

اسم السورة: سورة النور

مقصودها:
مقصودها مدلول اسمها المودع قلبها المراد منه أنه تعالى شامل العلم ، اللازم منه تمام القدرة ، اللازم منه إثبات الأمور على غاية الحكمة ، اللازم منه تأكيد الشرف للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، اللازم منه شرف من اختاره لصحبته على منازل قربهم منه واختصاصهم به ، اللازم منه غاية النزاهة والشرف والطهارة لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها التي مات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وهو عنها راض ، وماتت هي رضي الله عنها صالحة محسنة ، وهذا هو المقصود بالذات ولكن إثباته محتاج إلى تلك المقدمات

أسباب النزول:( للواحدي)
الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
أخبرنا أبو صالح منصور بن عبد الوهاب البزاز قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا ابن الحسن بن عبد الجبار قال: أخبرنا إبراهيم بن عروة بن معتم عن أبيه عن الحضرمي عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر أن امرأة يقال لها أم مهدون كانت تسافح وكانت تشترط للذي يتزوجها أن تكفيه النفقة وأن رجلاً من المسلمين أراد أن يتزوجها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية (الزَانيةُ لا يَنكِحُها إِلّا زانً).

قوله تعالى (وَالَّذينَ يَرمونَ أَزواجَهُم) الآية.
أخبرنا محمد بن عبد الرحمن بن محمد الفقيه قال: أخبرنا محمد بن محمد بن سنان المقري قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: أخبرنا أبو خيثمة قال: أخبرنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال: أنا ليلة الجمعة في المسجد إذ دخل رجل من الأنصار فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فإن تكلم جلدتموه وإن قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ والله لأسألن عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان من الغد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جلدتموه أو قتل قتلتموه أو سكت سكت على غيظ فقال: اللهم افتح وجعل يدعو فنزلت آية اللعان (وَالَّذينَ يَرمونَ أَزواجَهُم وَلَم يَكُن لَّهُم شُهَداءَ إِلّا أَنفُسُهُم) الآية. فابتلي به الرجل من بين الناس فجاَء هو وامرأته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ثم لعن الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فذهبت لتلتعن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مه فلعنت فلما أدبرت قال: لعلها أن تجيء به أسوداً جعداً فجاءت به أسود جعداً رواه مسلم عن أبي خيثمة.

قوله تعالى (إِنَّ الَّذينَ جاءُوا بِالإِفكِ عُصبَةٌ مِنكُم) الآيات.
أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد المقري قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن علي المقري قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أبو الوسيع الزهراني قال: أخبرنا فليح بن سليمان المدني عن الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة زوج النبي عليه الصلاة والسلام حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا فبرأها الله تعالى منه. قال الزهري: وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأتيت اقتصاصاً ووعيت عن كل واحد الحديث الذي حدثني. وبعض حديثهم يصدق بعضاً. ذكروا أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه قالت عائشة رضي الله عنها: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك بعد ما نزلت آية الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته وقفل ودنونا من المدينة أذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل ومشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب وهم يحسبون أني فيه قالت عائشة: وكانت النساء إذ ذاك خفافاً لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت فيه وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعوا إلي فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي الذكواني قد عرس من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني.
فخمرت وجهي بجلبابي والله ما كلمني بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته فوطيء على يدها فركبتها فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة وهلك من هلك في وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي بن سلول فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمتها شهراً والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول: كيف تيكم فذلك يحزنني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج إلا ليلاً إلى ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريباً من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن عبد المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبد المطلب فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت:
تعس مسطح فقلت لها: بئسما قلت أتسبين رجلاً قد شهد بدراً قالت: أي هنتاه أولم تسمعي ما قال قلت: وماذا قال فأخبرتني بقول أهل الإفك فازددت مرضاً إلى مرضي فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: كيف تيكم قلت: تأذن لي أن آتي أبوي قالت: وأنا أريد حينئذ أن أتيقن الخبر من قبلهما فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أبوي فقلت: يا أماه ما يتحدث الناس قالت: يا بنية هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل ولها ضرائر إلا أكثرن عليها قالت: فقلت سبحان الله وقد تحدث الناس بهذا قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ثم أصبحت أبكي ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يستشيرهما في فراق أهله فأما أسامة بن زيد فأَشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود فقال: يا رسول الله هم أهلك وما نعلم إلا خيراً وأما علي بن أبي طالب فقال: لم يضيق الله تعالى عليك والنساء سواها كثير وإن تسأل الجارية تصدقك قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال: يا بريرة هل رأيت شيئاً يريبك من عائشة قالت بريرة: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً قط أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقالت: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول فقال وهو على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً وما كان يدخل على أهلي إلا معي فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك قال: فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية.
فقال لسعد بن معاذ: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر قتله فقام أسيد بن الحضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه إنك منافق تجادل عن المنافقين فثار الحيان من الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت قالت: وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي قالت: فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها وجلست تبكي معي قالت: فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل وقد لبث شهراً لا يوحى إليه في شأني شيء قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال: أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة فقلت لأبي أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال قال والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت لأمي: أجيبي رسول الله فقالت: والله ما أدري ما أقول لرسول الله فقلت: وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيراً من القرآن: والله لقد عرفت أنكم سمعتم هذا وقد استقر في نفوسكم فصدقتم به ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني بذلك ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلاً إلا ما قال أبو يوسف (فَصَبرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُستَعانُ عَلى ما تَصِفونَ) قالت: ثم تحولت واضطجعت على فراشي قالت: وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله تعالى في بأمر يتلى ولكني كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤية يبرئني الله تعالى بها قالت: فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام وأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه قالت: فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سري عنه وهو يضحك وكان أول كلمة تكلم بها أن قال: البشرى يا عائشة أما والله لقد برأك الله فقالت لي أمي: قومي إليه فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله سبحانه تعالى هو الذي برأني قالت: فأنزل الله سبحانه وتعالى (إِنَّ الَّذينَ جاءُوا بِالِإفكِ عُصبَةٌ مِنكُم) العشر آيات. فلما أنزل الله تعالى هذه الآية في براءتي قال الصديق وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره: والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله تعالى (وَلا يَأَتَلِ أُولُوا الفَضلِ مِنكُم وَالسِعَةِ أَن يُؤتوا أُولي القُربى) إلى قوله (أَلا تُحِبّونَ أَن يَغفِرَ اللهُ لَكُم) فقال أبو بكر: والله إني أحب أن يغفر الله لي فرجع إلى مسطح النفقة التي كانت عليه وقال: لا أنزعها منه أبداً رواه البخاري ومسلم كلاهما عن أبي الربيع الزهراني.

قوله تعالى (وَلَولا إِذ سَمِعتُمُوهُ قُلتُم مّا يَكونُ لَنا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذا) الآية.
أخبرنا أبو عبد الرحمن بن أبي حامد العدل قال: أخبرنا أبو بكر بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: أخبرنا أبو بكر بن أبي خيثمة قال: أخبرنا الهيثم بن خارجة قال: أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: سمعت عطاء الخراساني عن الزهري عن عروة أن عائشة رضي الله عنها حدثته بحديث الإفك وقالت له: وكان أبو أيوب الأنصاري حين أخبرته امرأته وقالت: يا أبا أيوب ألم تسمع بما تحدث الناس قال: وما يتحدثون فأخبرته بقول أهل الإفك فقال: ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم قالت: فأنزل الله عز وجل (وَلَولا إِذ سَمِعتُموهُ قُلتُم مّا يَكونُ لَنا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذا سُبحانَكَ هَذا بُهتانٌ عَظيمٌ).

أخبرنا أبو سعيد عبد الرحمن بن حمدان قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن مالك قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال: أخبرنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن أبي مليكة عن ذكوان مولى عائشة أنه استأذن لابن عباس على عائشة وهي تموت وعندها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن فقال: هذا ابن عباس يستأذن عليك وهو من خير بنيك فقالت: دعني من ابن عباس ومن تزكيته فقال لها عبد الله بن عبد الرحمن: إنه قاريء لكتاب الله عز وجل فقيه في دين الله سبحانه فأذني له فليسلم عليك وليودعك فقالت: فأذن له إن شئت فأذن له فدخل ابن عباس ثم سلم وجلس فقال: البشرى يا أم المؤمنين ما بينك وبين أن يذهب عنك كل أذى ونصب أو قال وصب فتلقي الأحبة محمداً عليه الصلاة والسلام وحزبه أو قال وأصحابه إلا أن يفارق الروح جسده كنت أحب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه ولم يكن يحب إلا طيباً فأنزل الله تعالى براءتك من فوق سبع سموات فليس في الأرض مسجد إلا وهو يتلى فيه آناء الليل والنهار وسقطت قلادتك ليلة الأبواء فاحتبس النبي صلى الله عليه وسلم في المنزل والناس معه في ابتغائها أو قال طلبها حتى أصبح الناس على غير ماء فأنزل الله تعالى (فَتَيَمَموا صَعيداً) الآية. فكان في ذلك رخصة للناس عامة في سببك فوالله إنك لمباركة فقالت: دعني يا ابن عباس من هذا فوالله لوددت أني كنت نسياً منسياً.

قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ بُيوتِكُم) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا الحسين بن محمد الدينوري قال: أخبرنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال: أخبرنا الحسين بن سحتويه قال: أخبرنا عمرة بن ثور وإبراهيم بن سفيان قالا: حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال: حدثنا قيس عن أشعث بن سوار عن ابن ثابت قال: جاءت امرأة من الأنصار فقالت: يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد لا والد ولا ولد فيأتي الأب فيدخل علي وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال فكيف أصنع فنزلت هذه الآية (لا تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ بُيوتِكُم حَتّى تَستَأنِسوا وَتُسَلِموا عَلى أَهلِها) الآية.
قال المفسرون: فلما نزلت هذه الآية قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله أفرأيت الخانات والمساكن في طرق الشام ليس فيها ساكن فأنزل الله تعالى (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَدخُلوا بُيوتاً غَيرَ مَسكونَةٍ) الآية.

قوله تعالى (وَالَّذينَ يَبتَغونَ الكِتابِ مِمّا مَلَكَت أَيمانُكُم فَكاتِبوهُم) الآية.
نزلت في غلام لحويطب بن عبد العزى يقال له صبيح سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية وكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها ديناراً فأداها وقتل يوم حنين في الحرب.

قوله تعالى (وَلا تُكرِهوا فَتَياتِكُم عَلى البِغاءِ) الآية.
أخبرنا أحمد بن الحسن القاضي قال: أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي قال: أخبرنا محمد بن حمدان قال: أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: كان عبد الله بن أبي يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئاً فأنزل الله عز وجل (وَلا تُكرِهوا فَتياتِكُم عَلى البِغاءِ) إلى قوله (غَفورٌ رَّحيمٌ) رواه مسلم عن أبي كريب عن أبي معاوية.

قوله تعالى (وَإِذا دُعُوا إِلى اللهِ وَرَسولِهِ) الآية.
قال المفسرون: هذه الآية والتي بعدها في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض فجعل اليهودي يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما وجعل المنافق يجره إلى كعب بن الأشرف ويقول: إن محمداً يحيف علينا وقد مضت هذه القصة عند قوله (يُريدونَ أَن يَتَحاكَموا إِلى الطّاغوتِ) في سورة النساء
.
قوله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ) الآية.
روى الربيع بن أنس عن أبي العالية في هذه الآية قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعد ما أوحى الله إليه خائفاً هو وأصحابه يدعون إلى الله سبحانه سراً وعلانية ثم أمر بالهجرة إلى المدينة
وكانوا بها خائفين يصبحون في السلاح ويمسون في السلاح فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله ما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن تلبثوا إلا يسيراً حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محبياً ليست فيهم حديدة وأنزل الله تعالى (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ) إلى آخر الآية فأظهر الله تعالى نبيه على جزيرة العرب فوضعوا السلاح وأمنوا ثم قبض الله تعالى نبيه فكانوا آمنين كذلك في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم حتى وقعوا فيما وقعوا فيه وكفروا النعمة فأدخل الله عليهم الخوف وغيروا فغير الله بهم.
أخبرنا إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن الحسن النصراباذي قال: أخبرنا أحمد بن سعيد الدارمي قال: أخبرنا علي بن الحسين بن واقد قال: أخبرنا أبي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب قال: لما قدم النبي عليه الصلاة والسلام وأصحابه المدينة وآوتهم الأنصار رمتهم العرب عن قوس واحد فكانوا لا يبيتون إلا في السلاح ولا يصبحون إلا في لأمتهم فقالوا: ترون أنا نعيش حتى نبيت آمنين مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل فأنزل الله تعالى لنبيه (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنوا مِنكُم وَعَمِلوا الصالِحاتِ) إلى قوله (وَمَن كَفَرَ بَعدَ ذَلِكَ فَأُلَئِكَ هُمُ الفاسِقونَ) يعني بالنعمة. رواه الحاكم في صحيحه عن قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لِيَستَأذِنَكُمُ الَّذينَ مَلَكَت أَيمانُكُم) الآية. قال ابن عباس: وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً من الأنصار يقال له مدلج بن عمرو إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقت الظهيرة ليدعوه فدخل فرأى عمر بحالة كره عمر رؤيته ذلك فقال: يا رسول الله وددت لو أن الله تعالى أمرنا ونهانا في حال الاستئذان فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال مقاتل: نزلت في أسماء بنت مرثد كان لها غلام كبير فدخل عليها في وقت كرهته فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.

قوله تعالى (لَيسَ عَلى الأَعمى حَرَجٌ) الآية.
قال ابن عباس: لما أنزل الله تبارك وتعالى (لا تَأَكُلوا أَموالَكُم بَينَكُم بِالباطِلِ) تحرج المسلمون عن مؤاكلة المرضى والزمنى والعرج وقالوا: الطعام أفضل الأموال وقد نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل والأعمى لا يبصر موضع الطعام الطيب والمريض لا يستوفي الطعام فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قوله تعالى (لَيسَ عَلَيكُم جُناحٌ أَن تَأكُلوا جَميعاً أَو أَشتاتاً) الآية.
قال قتادة والضحاك: نزلت في حي من كنانة يقال لهم بنو ليث بن عمرو وكانوا يتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده فربما قعد الرجل والطعام بين يديه من الصباح إلى الرواح والشول حفل والأحوال منتظمة تحرجاً من أن وقال عكرمة: نزلت في قوم من الأنصار كانوا لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم فرخص لهم أن يأكلوا كيف شاءوا جميعاً متحلقين أو أشتاتاً متفرقين.


* الآيات التي أشارت إليها الأبيات:
منها تناثرت درر
تضيء عالم البشر
آدابها كثيرة
يرومها من ادكر
كالإذن في بيوتنا
وغض شعلة البصر
وحفظ فرجك اتخذ
نهجاً لتنجو من سقر
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ

تعهدت بيوتنا
بخيرها ولم تذر
وبالحدود طهرت
فكان أجمل الأثر
فحُق أن نحبها

فتلك جنة الأسر
* حد الزنا
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

* حد القذف
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
سُورَةٌ أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ

مقصود هذه السورة ذكر أحكام العفاف والستر .
وكتب عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة : ( علموا نساءكم سورة النور ) .
وقالت عائشة رضي الله عنها :
( لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن سورة النور والغزل ) .
وفرضناها " قرئ بتخفيف الراء ; أي فرضنا عليكم وعلى من بعدكم ما فيها من الأحكام .
وبالتشديد : أي أنزلنا فيها فرائض مختلفة .
وقرأ أبو عمرو : " وفرضناها " بالتشديد أي قطعناها في الإنزال نجما نجما .
والفرض القطع , ومنه فرضة القوس . وفرائض الميراث وفرض النفقة .
وعنه أيضا " فرضناها " فصلناها وبيناها . وقيل : لكثرة ما فيها من الفرائض .
والسورة في اللغة اسم للمنزلة الشريفة ; ولذلك سميت السورة من القرآن سورة .
قال زهير : ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل ملك دونها يتذبذب .
وقرئ " سورة " بالرفع على أنها مبتدأ وخبرها " أنزلناها " ; قاله أبو عبيدة والأخفش .
وقال الزجاج والفراء والمبرد : " سورة " بالرفع لأنها خبر الابتداء
لأنها نكرة ولا يبتدأ بالنكرة في كل موضع
أي هذه سورة . ويحتمل أن يكون قوله " سورة " ابتداء وما بعدها صفة لها
أخرجتها عن حد النكرة المحضة فحسن الابتداء لذلك , ويكون الخبر في قوله "
الزانية والزاني " . وقرئ " سورة " بالنصب , على تقدير أنزلنا سورة أنزلناها.
وقال الشاعر : والذئب أخشاه إن مررت به وحدي وأخشى الرياح والمطر
أو تكون منصوبة بإضمار فعل أي اتل سورة. وقال الفراء : هي حال من الهاء والألف
والحال من المكنى يجوز أن يتقدم عليه .

تفسير حادثة الإفك من تفسير السعدي:
[‏11 - 26‏]‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُم‏}‏ إلى آخر الآيات

وهو قوله‏:‏ ‏{‏لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ‏}‏ لما ذكر فيما تقدم، تعظيم الرمي بالزنا عموما، صار ذلك كأنه مقدمة لهذه القصة، التي وقعت على أشرف النساء، أم المؤمنين رضي الله عنها، وهذه الآيات، نزلت في قصة الإفك المشهورة، الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد‏.‏

وحاصلها أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بعض غزواته، ومعه زوجته عائشة الصديقة بنت الصديق، فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها، فلم يفقدوها، ثم استقل الجيش راحلا، وجاءت مكانهم، وعلمت أنهم إذا فقدوها، رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم، وكان صفوان بن المعطل السلمي، من أفاضل الصحابة رضي الله عنه، قد عرس في أخريات القوم ونام، فرأى عائشة رضي الله عنها فعرفها، فأناخ راحلته، فركبتها من دون أن يكلمها أو تكلمه، ثم جاء يقود بها بعد ما نزل الجيش في الظهيرة، فلما رأى بعض المنافقين الذين في صحبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ذلك السفر مجيء صفوان بها في هذه الحال، أشاع ما أشاع، ووشى الحديث، وتلقفته الألسن، حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين، وصاروا يتناقلون هذا الكلام، وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏.‏ وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة، فحزنت حزنا شديدا، فأنزل الله تعالى براءتها في هذه الآيات، ووعظ الله المؤمنين، وأعظم ذلك، ووصاهم بالوصايا النافعة‏.‏ فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ‏}‏ أي‏:‏ الكذب الشنيع، وهو رمي أم المؤمنين ‏{‏عُصْبَةٌ مِنْكُمْ‏}‏ أي‏:‏ جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين، منهم المؤمن الصادق ‏[‏في إيمانه ولكنه اغتر بترويج المنافقين‏}‏ ومنهم المنافق‏.‏

‏{‏لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏ لما تضمن ذلك تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها، والتنويه بذكرها، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد، التي ما زال العمل بها إلى يوم القيامة، فكل هذا خير عظيم، لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك، وإذا أراد الله أمرا جعل له سببا، ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم، وأخبر أن قدح بعضهم ببعض كقدح في أنفسهم، ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، واجتماعهم على مصالحهم، كالجسد الواحد، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه، فليكره من كل أحد، أن يقدح في أخيه المؤمن، الذي بمنزلة نفسه، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة، فإنه من نقص إيمانه وعدم نصحه‏.‏

‏{‏لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ‏}‏ وهذا وعيد للذين جاءوا بالإفك، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك، وقد حد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهم جماعة، ‏{‏وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ‏}‏ أي‏:‏ معظم الإفك، وهو المنافق الخبيث، عبد الله بن أبي بن سلول ـ لعنه الله ـ ‏{‏لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار‏.‏

ثم أرشد الله عباده عند سماع مثل هذا الكلام فقال‏:‏ ‏{‏لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا‏}‏ أي‏:‏ ظن المؤمنون بعضهم ببعض خيرًا، وهو السلامة مما رموا به، وأن ما معهم من الإيمان المعلوم، يدفع ما قيل فيهم من الإفك الباطل، ‏{‏وَقَالُوا‏}‏ بسبب ذلك الظن ‏{‏سُبْحَانَكَ‏}‏ أي‏:‏ تنزيها لك من كل سوء، وعن أن تبتلي أصفياءك بالأمور الشنيعة، ‏{‏هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ‏}‏ أي‏:‏ كذب وبهت، من أعظم الأشياء، وأبينها‏.‏ فهذا من الظن الواجب، حين سماع المؤمن عن أخيه المؤمن، مثل هذا الكلام، أن يبرئه بلسانه، ويكذب القائل لذلك‏.‏

‏{‏لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ‏}‏ أي‏:‏ هلا جاء الرامون على ما رموا به، بأربعة شهداء أي‏:‏ عدول مرضيين‏.‏ ‏{‏فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ‏}‏ وإن كانوا في أنفسهم قد تيقنوا ذلك، فإنهم كاذبون في حكم الله، لأن الله حرم عليهم التكلم بذلك، من دون أربعة شهود، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ‏}‏ ولم يقل ‏"‏ فأولئك هم الكاذبون ‏"‏ وهذا كله، من تعظيم حرمة عرض المسلم، بحيث لا يجوز الإقدام على رميه، من دون نصاب الشهادة بالصدق‏.‏

‏{‏وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‏}‏ بحيث شملكم إحسانه فيهما، في أمر دينكم ودنياكم، ‏{‏لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَفَضْتُمْ‏}‏ أي‏:‏ خضتم ‏{‏فِيهِ‏}‏ من شأن الإفك ‏{‏عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ لاستحقاقكم ذلك بما قلتم، ولكن من فضل الله عليكم ورحمته، أن شرع لكم التوبة، وجعل العقوبة مطهرة للذنوب‏.‏

‏{‏إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ‏}‏ أي‏:‏ تلقفونه، ويلقيه بعضكم إلى بعض، وتستوشون حديثه، وهو قول باطل‏.‏ ‏{‏وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ‏}‏ والأمران محظوران، التكلم بالباطل، والقول بلا علم، ‏{‏وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا‏}‏ فلذلك أقدم عليه من أقدم من المؤمنين الذين تابوا منه، وتطهروا بعد ذلك، ‏{‏وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ‏}‏ وهذا فيه الزجر البليغ، عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها، فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئا، ولا يخفف من عقوبة الذنب، بل يضاعف الذنب، ويسهل عليه مواقعته مرة أخرى‏.‏

‏{‏ولَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ‏}‏ أي‏:‏ وهلا إذ سمعتم ـأيها المؤمنونـ كلام أهل الإفك ‏{‏قُلْتُمْ‏}‏ منكرين لذلك، معظمين لأمره‏:‏ ‏{‏مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا‏}‏ أي‏:‏ ما ينبغي لنا، وما يليق بنا الكلام، بهذا الإفك المبين، لأن المؤمن يمنعه إيمانه من ارتكاب القبائح ‏{‏هَذَا بُهْتَانٌ‏}‏ أي‏:‏ كذب عظيم‏.‏ ‏{‏يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ‏}‏ أي‏:‏ لنظيره، من رمي المؤمنين بالفجور، فالله يعظكم وينصحكم عن ذلك، ونعم المواعظ والنصائح من ربنا فيجب علينا مقابلتها بالقبول والإذعان، والتسليم والشكر له، على ما بين لنا ‏{‏إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ‏}‏ ‏{‏إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ دل ذلك على أن الإيمان الصادق، يمنع صاحبه من الإقدام على المحرمات‏.‏ ‏{‏وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ‏}‏ المشتملة على بيان الأحكام، والوعظ، والزجر، والترغيب، والترهيب، يوضحها لكم توضيحا جليا‏.‏ ‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ كامل العلم عام الحكمة، فمن علمه وحكمته، أن علمكم من علمه، وإن كان ذلك راجعا لمصالحكم في كل وقت‏.‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ‏}‏ أي‏:‏ الأمور الشنيعة المستقبحة المستعظمة، فيحبون أن تشتهر الفاحشة ‏{‏فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ أي‏:‏ موجع للقلب والبدن، وذلك لغشه لإخوانه المسلمين، ومحبة الشر لهم، وجراءته على أعراضهم، فإذا كان هذا الوعيد، لمجرد محبة أن تشيع الفاحشة، واستحلاء ذلك بالقلب، فكيف بما هو أعظم من ذلك، من إظهاره، ونقله‏؟‏‏"‏ وسواء كانت الفاحشة، صادرة أو غير صادرة‏.‏

وكل هذا من رحمة الله بعباده المؤمنين، وصيانة أعراضهم، كما صان دماءهم وأموالهم، وأمرهم بما يقتضي المصافاة، وأن يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه‏.‏ ‏{‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ‏}‏ فلذلك علمكم، وبين لكم ما تجهلونه‏.‏

‏{‏وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ‏}‏ قد أحاط بكم من كل جانب ‏{‏وَرَحْمَتُهُ‏}‏ عليكم ‏{‏وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ‏}‏ لما بين لكم هذه الأحكام والمواعظ، والحكم الجليلة، ولما أمهل من خالف أمره، ولكن فضله ورحمته، وأن ذلك وصفه اللازم آثر لكم من الخير الدنيوي والأخروي، ما لن تحصوه، أو تعدوه‏.‏

ولما نهى عن هذا الذنب بخصوصه، نهى عن الذنوب عموما فقال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ‏}‏ أي‏:‏ طرقه ووساوسه‏.‏

وخطوات الشيطان، يدخل فيها سائر المعاصي المتعلقة بالقلب، واللسان والبدن‏.‏ ومن حكمته تعالى، أن بين الحكم، وهو‏:‏ النهي عن اتباع خطوات الشيطان‏.‏ والحكمة وهو بيان ما في المنهي عنه، من الشر المقتضي، والداعي لتركه فقال‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ‏}‏ أي‏:‏ الشيطان ‏{‏يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ‏}‏ أي‏:‏ ما تستفحشه العقول والشرائع، من الذنوب العظيمة، مع ميل بعض النفوس إليه‏.‏ ‏{‏وَالْمُنْكَرِ‏}‏ وهو ما تنكره العقول ولا تعرفه‏.‏ فالمعاصي التي هي خطوات الشيطان، لا تخرج عن ذلك، فنهي الله عنها للعباد، نعمة منه عليهم أن يشكروه ويذكروه، لأن ذلك صيانة لهم عن التدنس بالرذائل والقبائح، فمن إحسانه عليهم، أن نهاهم عنها، كما نهاهم عن أكل السموم القاتلة ونحوها، ‏{‏وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا‏}‏ أي‏:‏ ما تطهر من اتباع خطوات الشيطان، لأن الشيطان يسعى، هو وجنده، في الدعوة إليها وتحسينها، والنفس ميالة إلى السوء أمارة به، والنقص مستول على العبد من جميع جهاته، والإيمان غير قوي، فلو خلي وهذه الدواعي، ما زكى أحد بالتطهر من الذنوب والسيئات والنماء بفعل الحسنات، فإن الزكاء يتضمن الطهارة والنماء، ولكن فضله ورحمته أوجبا أن يتزكى منكم من تزكى‏.‏

وكان من دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏"‏ اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها ‏"‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ‏}‏ من يعلم منه أن يزكى بالتزكية، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

‏{‏وَلَا يَأْتَلِ‏}‏ أي‏:‏ لا يحلف ‏{‏أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا‏}‏ كان من جملة الخائضين في الإفك ‏"‏مسطح بن أثاثة‏"‏ وهو قريب لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان مسطح فقيرا من المهاجرين في سبيل الله، فحلف أبو بكر أن لا ينفق عليه، لقوله الذي قال‏.‏

فنزلت هذه الآية، ينهاهم عن هذا الحلف المتضمن لقطع النفقة عنه، ويحثه على العفو والصفح، ويعده بمغفرة الله إن غفر له، فقال‏:‏ ‏{‏أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ‏}‏ إذا عاملتم عبيده، بالعفو والصفح، عاملكم بذلك، فقال أبو بكر ـ لما سمع هذه الآيةـ‏:‏ بلى، والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع النفقة إلى مسطح، وفي هذه الآية دليل على النفقة على القريب، وأنه لا تترك النفقة والإحسان بمعصية الإنسان، والحث على العفو والصفح، ولو جرى عليه ما جرى من أهل الجرائم‏.‏

ثم ذكر الوعيد الشديد على رمي المحصنات فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ‏}‏ أي‏:‏ العفائف عن الفجور ‏{‏الْغَافِلَاتِ‏}‏ التي لم يخطر ذلك بقلوبهن ‏{‏الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‏}‏ واللعنة لا تكون إلا على ذنب كبير‏.‏

وأكد اللعنة بأنها متواصلة عليهم في الدارين ‏{‏وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ‏}‏ وهذا زيادة على اللعنة، أبعدهم عن رحمته، وأحل بهم شدة نقمته‏.‏

وذلك العذاب يوم القيامة ‏{‏يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏ فكل جارحة تشهد عليهم بما عملته، ينطقها الذي أنطق كل شيء، فلا يمكنه الإنكار، ولقد عدل في العباد، من جعل شهودهم من أنفسهم، ‏{‏يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ‏}‏ أي‏:‏ جزاءهم على أعمالهم، الجزاء الحق، الذي بالعدل والقسط، يجدون جزاءها موفرا، لم يفقدوا منها شيئا، ‏{‏وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا‏}‏ ويعلمون في ذلك الموقف العظيم، أن الله هو الحق المبين، فيعلمون انحصار الحق المبين في الله تعالى‏.‏

فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، وعبادته هي الحق، ولقاؤه حق، ووعده ووعيده، وحكمه الديني والجزائي حق، ورسله حق، فلا ثم حق، إلا في الله وما من الله‏.‏

‏{‏الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ‏}‏ أي‏:‏ كل خبيث من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للخبيث، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، وكل طيب من الرجال والنساء، والكلمات والأفعال، مناسب للطيب، وموافق له، ومقترن به، ومشاكل له، فهذه كلمة عامة وحصر، لا يخرج منه شيء، من أعظم مفرداته، أن الأنبياء ـخصوصا أولي العزم منهم، خصوصا سيدهم محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي هو أفضل الطيبين من الخلق على الإطلاق لا يناسبهم إلا كل طيب من النساء، فالقدح في عائشة رضي الله عنها بهذا الأمر قدح في النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو المقصود بهذا الإفك، من قصد المنافقين، فمجرد كونها زوجة للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم أنها لا تكون إلا طيبة طاهرة من هذا الأمر القبيح‏.‏

فكيف وهي هي‏؟‏‏"‏ صديقة النساء وأفضلهن وأعلمهن وأطيبهن، حبيبة رسول رب العالمين، التي لم ينزل الوحي عليه وهو في لحاف زوجة من زوجاته غيرها، ثم صرح بذلك، بحيث لا يبقى لمبطل مقالا، ولا لشك وشبهة مجالا، فقال‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ‏}‏ والإشارة إلى عائشة رضي الله عنها أصلا، وللمؤمنات المحصنات الغافلات تبعا ‏{‏لَهُمْ مَغْفِرَةٌ‏}‏ تستغرق الذنوب ‏{‏وَرِزْقٌ كَرِيمٌ‏}‏ في الجنة صادر من الرب الكريم‏.‏

تفسير آيات الإستئذان من سورة النور:

‏[‏27 - 29‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ‏}‏

يرشد الباري عباده المؤمنين، أن لا يدخلوا بيوتا غير بيوتهم بغير استئذان، فإن في ذلك عدة مفاسد‏:‏ منها ما ذكره الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال ‏"‏ إنما جعل الاستئذان من أجل البصر ‏"‏ فبسبب الإخلال به، يقع البصر على العورات التي داخل البيوت، فإن البيت للإنسان في ستر عورة ما وراءه، بمنزلة الثوب في ستر عورة جسده‏.‏

ومنها‏:‏ أن ذلك يوجب الريبة من الداخل، ويتهم بالشر سرقة أو غيرها، لأن الدخول خفية، يدل على الشر، ومنع الله المؤمنين من دخول غير بيوتهم حَتَّى يَسْتَأْنِسُوا أي‏:‏ يستأذنوا‏.‏ سمي الاستئذان استئناسا، لأن به يحصل الاستئناس، وبعدمه تحصل الوحشة، ‏{‏وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا‏}‏ وصفة ذلك، ما جاء في الحديث‏:‏ ‏"‏ السلام عليكم، أأدخل ‏"‏‏؟‏

{‏ذَلِكُمْ‏}‏ أي‏:‏ الاستئذان المذكور ‏{‏خَيْرٌلَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏ لاشتماله على عدة مصالح، وهو من مكارم الأخلاق الواجبة، فإن أذن، دخل المستأذن‏.‏

‏{‏فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا‏}‏ أي‏:‏ فلا تمتنعوا من الرجوع، ولا تغضبوا منه، فإن صاحب المنزل، لم يمنعكم حقا واجبا لكم، وإنما هو متبرع، فإن شاء أذن أو منع، فأنتم لا يأخذ أحدكم الكبر والاشمئزاز من هذه الحال، ‏{‏هُوَ أَزْكَى لَكُمْ‏}‏ أي‏:‏ أشد لتطهيركم من السيئات، وتنميتكم بالحسنات‏.‏ ‏{‏وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ‏}‏ فيجازي كل عامل بعمله، من كثرة وقلة، وحسن وعدمه، هذا الحكم في البيوت المسكونة، سواء كان فيها متاع للإنسان أم لا، وفي البيوت غير المسكونة، التي لا متاع فيها للإنسان، وأما البيوت التي ليس فيها أهلها، وفيها متاع الإنسان المحتاج للدخول إليه، وليس فيها أحد يتمكن من استئذانه، وذلك كبيوت الكراء وغيرها، فقد ذكرها بقوله‏:‏

‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ‏}‏ أي‏:‏ حرج وإثم، دل على أن الدخول من غير استئذان في البيوت السابقة، أنه محرم، وفيه حرج ‏{‏أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ‏}‏ وهذا من احترازات القرآن العجيبة، فإن قوله‏:‏ ‏{‏لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ‏}‏ لفظ عام في كل بيت ليس ملكا للإنسان، أخرج منه تعالى البيوت التي ليست ملكه، وفيها متاعه، وليس فيها ساكن، فأسقط الحرج في الدخول إليها، ‏{‏وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ‏}‏ أحوالكم الظاهرة والخفية، وعلم مصالحكم، فلذلك شرع لكم ما تحتاجون إليه وتضطرون، من الأحكام الشرعية‏.‏

‏[‏58‏]‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏

أمر المؤمنين أن يستأذنهم مماليكهم، والذين لم يبلغوا الحلم منهم‏.‏ قد ذكر الله حكمته وأنه ثلاث عورات للمستأذن عليهم، وقت نومهم بالليل بعد العشاء، وعند انتباههم قبل صلاة الفجر، فهذا ـ في الغالب ـ أن النائم يستعمل للنوم في الليل ثوبا غير ثوبه المعتاد، وأما نوم النهار، فلما كان في الغالب قليلا، قد ينام فيه العبد بثيابه المعتادة، قيده بقوله‏:‏ ‏{‏وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ‏}‏ أي‏:‏ للقائلة، وسط النهار‏.‏

ففي ثلاثة هذه الأحوال، يكون المماليك والأولاد الصغار كغيرهم، لا يمكنون من الدخول إلا بإذن، وأما ما عدا هذه الأحوال الثلاثة فقال‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ‏}‏ أي‏:‏ ليسوا كغيرهم، فإنهم يحتاج إليهم دائما، فيشق الاستئذان منهم في كل وقت، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ‏}‏ أي‏:‏ يترددون عليكم في قضاء أشغالكم وحوائجكم‏.‏

‏{‏كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ‏}‏ بيانا مقرونا بحكمته، ليتأكد ويتقوى ويعرف به رحمة شارعه وحكمته، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏ له العلم المحيط بالواجبات والمستحيلات والممكنات، والحكمة التي وضعت كل شيء موضعه، فأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، وأعطى كل حكم شرعي حكمه اللائق به، ومنه هذه الأحكام التي بينها وبين مآخذها وحسنها‏.‏

‏[‏59‏]‏ ‏{‏وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ‏}‏

وهو إنزال المني يقظة أو مناما، ‏{‏فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏}‏ أي‏:‏ في سائر الأوقات، والذين من قبلهم، هم الذين ذكرهم الله بقوله‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا‏}‏ الآية‏.‏

‏{‏كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ‏}‏ ويوضحها، ويفصل أحكامها ‏{‏وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏

وفي هاتين الآيتين فوائد، منها‏:‏
أن السيد وولي الصغير، مخاطبان بتعليم عبيدهم ومن تحت ولايتهم من الأولاد، العلم والآداب الشرعية، لأن الله وجه الخطاب إليهم بقوله‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ‏}‏ الآية، ولا يمكن ذلك، إلا بالتعليم والتأديب، ولقوله‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ‏}‏
ومنها‏:‏ الأمر بحفظ العورات، والاحتياط لذلك من كل وجه، وأن المحل والمكان، الذي هو مظنة لرؤية عورة الإنسان فيه، أنه منهي عن الاغتسال فيه والاستنجاء، ونحو ذلك‏.‏

ومنها‏:‏ جواز كشف العورة لحاجة، كالحاجة عند النوم، وعند البول والغائط، ونحو ذلك‏.‏

ومنها‏:‏ أن المسلمين كانوا معتادين للقيلولة وسط النهار، كما اعتادوا نوم الليل، لأن الله خاطبهم ببيان حالهم الموجودة‏.‏

ومنها‏:‏ أن الصغير الذي دون البلوغ، لا يجوز أن يمكن من رؤية العورة، ولا يجوز أن ترى عورته، لأن الله لم يأمر باستئذانهم، إلا عن أمر ما يجوز‏.‏

ومنها‏:‏ أن المملوك أيضا، لا يجوز أن يرى عورة سيده، كما أن سيده لا يجوز أن يرى عورته، كما ذكرنا في الصغير‏.‏

ومنها‏:‏ أنه ينبغي للواعظ والمعلم ونحوهم، ممن يتكلم في مسائل العلم الشرعي، أن يقرن بالحكم، بيان مأخذه ووجهه، ولا يلقيه مجردا عن الدليل والتعليل، لأن الله ـ لما بين الحكم المذكورـ علله بقوله‏:‏ ‏{‏ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ‏}‏

ومنها‏:‏ أن الصغير والعبد، مخاطبان، كما أن وليهما مخاطب لقوله‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ‏}‏

ومنها‏:‏ أن ريق الصبي طاهر، ولو كان بعد نجاسة، كالقيء، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ‏}‏ مع قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين سئل عن الهرة‏:‏ ‏(‏إنها ليست بنجس، إنها من الطوافين عليكم والطوافات‏]‏‏.‏

ومنها‏:‏ جواز استخدام الإنسان من تحت يده، من الأطفال على وجه معتاد، لا يشق على الطفل لقوله‏:‏ ‏{‏طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ‏}‏

ومنها‏:‏ أن الحكم المذكور المفصل، إنما هو لما دون البلوغ، فأما ما بعد البلوغ، فليس إلا الاستئذان‏.‏

ومنها‏:‏ أن البلوغ يحصل بالإنزال فكل حكم شرعي رتب على البلوغ، حصل بالإنزال، وهذا مجمع عليه، وإنما الخلاف، هل يحصل البلوغ بالسن، أو الإنبات للعانة، والله أعلم‏.‏
تفسير آية الله نور السموات والأرض:


‏[‏35‏]‏ ‏{‏اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ ‏{‏اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه ـالذي لولا لطفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقهـ نور، وبه استنار العرش، والكرسي، والشمس، والقمر، والنور، وبه استنارت الجنة‏.‏ وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور‏.‏ فلولا نوره تعالى، لتراكمت الظلمات، ولهذا‏:‏ كل محل، يفقد نوره فثم الظلمة والحصر، ‏{‏مَثَلُ نُورِهِ‏}‏ الذي يهدي إليه، وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين، ‏{‏كَمِشْكَاةٍ‏}‏ أي‏:‏ كوة ‏{‏فِيهَا مِصْبَاحٌ‏}‏ لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق ذلك ‏{‏الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ‏}‏ من صفائها وبهائها ‏{‏كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ‏}‏ أي‏:‏ مضيء إضاءة الدر‏.‏ ‏{‏يُوقَدُ‏}‏ ذلك المصباح، الذي في تلك الزجاجة الدرية ‏{‏مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ‏}‏ أي‏:‏ يوقد من زيت الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون، ‏{‏لَا شَرْقِيَّةٍ‏}‏ فقط، فلا تصيبها الشمس آخر النهار، ‏{‏وَلَا غَرْبِيَّةٍ‏}‏ فقط، فلا تصيبها الشمس ‏[‏أول‏}‏ النهار، وإذا انتفى عنها الأمران، كانت متوسطة من الأرض، كزيتون الشام، تصيبها الشمس أول النهار وآخره، فتحسن وتطيب، ويكون أصفى لزيتها، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏يَكَادُ زَيْتُهَا‏}‏ من صفائه ‏{‏يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ‏}‏ فإذا مسته النار، أضاء إضاءة بليغة ‏{‏نُورٌ عَلَى نُورٍ‏}‏ أي‏:‏ نور النار، ونور الزيت‏.‏

ووجه هذا المثل الذي ضربه الله، وتطبيقه على حالة المؤمن، ونور الله في قلبه، أن فطرته التي فطر عليها، بمنزلة الزيت الصافي، ففطرته صافية، مستعدة للتعاليم الإلهية، والعمل المشروع، فإذا وصل إليه العلم والإيمان، اشتعل ذلك النور في قلبه، بمنزلة اشتعال النار في فتيلة ذلك المصباح، وهو صافي القلب من سوء القصد، وسوء الفهم عن الله، إذا وصل إليه الإيمان، أضاء إضاءة عظيمة، لصفائه من الكدورات، وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية، فيجتمع له نور الفطرة، ونور الإيمان، ونور العلم، وصفاء المعرفة، نور على نوره‏.‏

ولما كان هذا من نور الله تعالى، وليس كل أحد يصلح له ذلك، قال‏:‏ ‏{‏يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ‏}‏ ممن يعلم زكاءه وطهارته، وأنه يزكي معه وينمو‏.‏ ‏{‏وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ‏}‏ ليعقلوا عنه ويفهموا، لطفا منه بهم، وإحسانا إليهم، وليتضح الحق من الباطل، فإن الأمثال تقرب المعاني المعقولة من المحسوسة، فيعلمها العباد علما واضحا، ‏{‏وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏ فعلمه محيط بجميع الأشياء، فلتعلموا أن ضربه الأمثال، ضرب من يعلم حقائق الأشياء وتفاصيلها، وأنها مصلحة للعباد، فليكن اشتغالكم بتدبرها وتعقلها، لا بالاعتراض عليها، ولا بمعارضتها، فإنه يعلم وأنتم لا تعلمون‏.‏





أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:49 PM

اللغز العشرون


دفاعٌ عن حمى الدين الجليل
تحلى بالحقائق والدليل
وتكذيبٌ لكفارٍ وقطعٌ
لحجتهم بتفنيدٍ جميلِ
ووعد بالعذابِ لمن تولى
وقد حاز الضلال من الخليلِ
وذكر الأنبياء ومن تولوا
عن الإيمان بالقلب العليلِ
وآيات التدبر مرشداتٌ
لذي قلبٍ وذي فكرٍ نبيل
وقد ذكرت بآياتٍ طوالٍ
وإسهابٍ وتفصيلٍ جميلِ
عباد الله في وصفٍ جليٍ
علاماتٍ أنير بها سبيلي

سورة الفرقان

مقصودها:
مقصودها إنذار عامة المكلفين بما له سبحانه من القدرة الشاملة ، المستلزم للعلم التام ، المدلول عليه بهذا القرآن المبين ، المستلزم لأنه لا موجد على الحقيقة سواه ، فهو الحق ، وما سواه باطل ؛ وتسميتها بالقرقان واضح الدلالة على ذلك ، فإن الكتاب ما نزل إلا للتفرقة بين الملتبسات ، وتمييز الحق منالباطل ) ) ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيّ عن بينة ( ) [ الأنفال : 42 ] فلا يكون لأحد على الله حجة

أسباب النزول:
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (تَبارَكَ الَّذي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيراً مِّن ذَلِكَ) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرئ قال: أخبرنا أحمد بن أبي الفرات قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن يعقوب البخاري قال: أخبرنا محمد بن حميد بن فرقد قال: أخبرنا إسحاق بن بشر قال: أخبرنا جوهر عن الضحاك عن ابن عباس قال: لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفاقة قالوا: ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل جبريل عليه السلام من عند ربه معزياً له فقال: السلام عليك يا رسول الله رب العزة يقرئك السلام ويقول لك (وَما أَرسَلنا قَبلَكَ مِنَ المُرسَلينَ إِلا إِنَّهُم لَيَأكُلونَ الطَعامَ وَيَمشونَ في الأَسواقِ) أي يبتغون المعاش في الدنيا. قال: فبينا جبريل عليه السلام والنبي صلى الله عليه وسلم يتحدثان إذ ذاب جبريل عليه السلام حتى صار مثل الهدرة قيل: يا رسول الله وما الهدرة قال: العدسة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لك ذبت حتى صرت مثل الهدرة قال: يا محمد فتح باب من أبواب السماء ولم يكن فتح قبل ذلك اليوم وإني أخاف أن يعذب قومك عند تعييرهم إياك بالفاقة وأقبل النبي وجبريل عليهما السلام يبكيان إذ عاد جبريل عليه السلام إلى حاله فقال: أبشر يا محمد هذا رضوان خازن الجنة قد أتاك بالرضا من ربك فأقبل رضوان حتى سلم ثم قال: يا محمد رب العزة يقرئك السلام ومعه سفط من نور يتلألأ ويقول لك ربك: هذه مفاتيح خزائن الدنيا مع مالا ينتقص لك مما عنده في الآخرة مثل جناح بعوضة فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل عليه السلام كالمستشير به فضرب جبريل بيده إلى الأرض فقال: تواضع لله فقال: يا رضوان لا حاجة لي فيها الفقر أحب إلي وأن أكون عبداً صابراً شكوراً فقال رضوان عليه السلام: أصبت أصاب الله بك وجاء نداء من السماء فرفع جبريل عليه السلام رأسه فإذا السموات قد فتحت أبوابها إلى العرش وأوحى الله تعالى إلى جنة عدن أن تدلي غصناً من أغصانها عليه عذق عليه غرفة من زبرجدة خضراء لها سبعون ألف باب من ياقوتة حمراء فقال جبريل عليه السلام: يا محمد ارفع بصرك فرفع فرأى منازل الأنبياء وغرفهم فإذا منازله فوق منازل الأنبياء فضلاً له خاصة ومناد ينادي: أرضيت يا محمد فقال النبي صلى الله عليه وسلم: رضيت فاجعل ما أردت أن تعطيني في الدنيا ذخيرة عندك في الشفاعة يوم القيامة. ويرون أن هذه الآية أنزلها رضوان (تَبارَكَ الَّذي إِن شاءَ)

قوله تعالى (وَيومَ يَعَضُّ الظالِمُ عَلى يَدَيهِ) الآية.
قال ابن عباس في رواية عطاء الخراساني: كان أبي بن خلف يحضر النبي صلى الله عليه وسلم ويجالسه ويستمع إلى كلامه من غير أن يؤمن به فزجره عقبة بن أبي معيط عن ذلك فنزلت هذه الآية. وقال الشعبي: وكان عقبة خليلاً لأمية بن خلف فأسلم عقبة فقال أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمداً عليه الصلاة والسلام وكفر وارتد لرضا أمية فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية.
وقال آخرون: إن أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط كانا متحالفين وكان عقبة لا يقدم من سفر إلا صنع طعاماً فدعا إليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسة النبي صلى الله عليه وسلم فقدم من سفره ذات يوم فصنع طعاماً فدعا الناس ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طعامه فلما قرب الطعام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بآكل من طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من طعامه وكان أبي بن خلف غائباً فلما أخبر بقصته قال: صبأت يا عقبة فقال: والله ما صبأت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يطعم من طعامي إلا أن أشهد له فاستحيت أن يخرج من بيتي ولم يطعم فشهدت فطعم فقال أبي: ما أنا بالذي رضي منك أبداً إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه وتطأ عنقه ففعل ذلك عقبة فأخذ رحم دابة فألقاها بين كتفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ألقاك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف فقتل عقبة يوم بدر صبراً وأما أبي بن خلف فقتله النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد في المبارزة فأنزل الله تعالى فيهما هذه الآية. وقال الضحاك: لما بزق عقبة في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد بزاقه في وجهه فتشعب شعبتين فأحرق خديه وكان أثر ذلك فيه حتى الموت.

قوله تعالى (وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ) إلى آخر الآيات.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد المخلدي قال: أخبرنا المؤمل بن الحسن بن عيسى قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال: أخبرنا حجاج عن ابن جريج قال: أخبرني يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير سمعه يحدث عن ابن عباس أن ناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا محمداً عليه الصلاة والسلام فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أنا لما عملنا كفارة فنزلت (وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ) الآيات إلى قوله (غَفوراً رَّحيماً) رواه مسلم عن إبراهيم بن دينار عن حجاج.
أخبرنا محمد بن إبراهيم بن حجي قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا إبراهيم الحنظلي ومحمد بن صباح قالا: حدثنا جرير عن منصور والأعمش عن أبي وائل عن عمرو بن شرحبيل عن أبي ميسرة عن عبد الله بن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك قال: قلت ثم أي قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال: قلت ثم أي قال: أن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تعالى تصديقاً لذلك (وَالَّذينَ لا يَدعونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آَخَرَ وَلا يَقتُلونَ النَفسَ الَّتي حَرَّمَ اللهُ إِلّا بِالحَقِّ وَلا يَزنونَ) رواه البخاري ومسلم عن عثمان بن أبي شيبة عن جرير.

السورة المتشابهة معها في البداية سورة الملك" تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير"

* الآيات التي تشير إليها الابيات

دفاعٌ عن حمى الدين الجليل
تحلى بالحقائق والدليل
وتكذيبٌ لكفارٍ وقطعٌ
لحجتهم بتفنيدٍ جميلِ

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا
إلى آخر القصة

ووعد بالعذابِ لمن تولى
وقد حاز الضلال من الخليلِ

وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا

وذكر الأنبياء ومن تولوا
عن الإيمان بالقلب العليلِ

‏35 ـ 40‏]‏ ‏{‏وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا * فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا * وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا * وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا * وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا * وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا‏}‏

وآيات التدبر مرشداتٌ
لذي قلبٍ وذي فكرٍ نبيل

[‏45 ـ 46‏]‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا‏}‏ ‏47‏]‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا‏}‏48 ـ 50‏]‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا‏}‏ ‏51 ـ 52‏]‏ ‏{‏وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا‏}‏ ‏53‏]‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا‏}‏ ‏54‏]‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا‏}‏
وقد ذكرت بآياتٍ طوالٍ
وإسهابٍ وتفصيلٍ جميلِ
عباد الله في وصفٍ جليٍ
علاماتٍ أنير بها سبيلي

[‏61 ـ 62‏]‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا‏}‏ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً* إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَراًّ وَمُقَاماً * وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً* وَالَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً *وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً * وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُماًّ وَعُمْيَاناً* وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً * أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَراًّ وَمُقَاماً *قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً (77)

ما دلالة استخدام كلمة (أناسيّ) في آية سورة الفرقان (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49))؟
هي الآية (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا) لماذا لم يقل ناس؟ لو نظرنا في الآية تتحدث عن إجبار بلدة ميتاً يعني بلدة ميتاً نباتها ليس فيها نبات هي ميت لا نبات فيها. لما كانت هذه قرية كلمة أناسيّ هي جمع إنس مثل إزميل أزاميل، إنجيل: أناجيل، يقولون إنسي أناسين وهي في الأصل أناسيي البعض قال أصلها أناسين وحذفت وقلبت النون إلى ياء وأنا لا أميل لهذا وإنما أميل إلى منهج العلماء الآخرين أنها أناسيّ على وزن أفاعيل: ياء الأخيرة لام وليس هناك نون محذوفة. فالإنسي ضد الوحشي وعندنا في الحديث الذي رواه الإمام علي كرّم الله وجهه: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر عن متعة النساء وأكل لحوم الحمر الإنسية وفي رواية الأهلية. الحمار الإنسي يعني الذي يعيش مع الناس الذي يعيش في البلدة. الإنسي هو إذن ضد الوحشي والوحشي الذي يعيش في البرية. نجد الترتيب هنا: هي بلدة فالبلدة فيها هؤلاء الأناسي كثير يعني مجموعات من البشر لو قال ناس مطلقة تشمل كل من على الأرض وهو يريد أن يتحدث عن إحياء بلدة. فلما كان يتحدث عن إحياء بلدة ذكر إحياء نباتها ثم إحياء أنعامها بهذا الغيث (فإذا أنزلنا عليها الماء إهتزت وربت) بينما نباتها لاحظ التدرج: يحيا النبات وتحيا الأنعام ويحيا الأناسي هؤلاء الناس القليلون الذين هم مجموعات فصاروا كثيراً ولو قال الناس كانت صارت عامة وخرجت من إطار البلدة بينما الغيث الذي جاء هو غيث على بلدة معينة والله أعلم.
**********

ما تفسير قوله تعالى في سورة الفرقان (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا (45) وكيف يمد الظل؟
الظل موجود ويحرك وكأنه يشير إلى قدرة الله تعالى عبى تحريك الكون لكن يمكن أن نقف عند قوله تعالى (ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيرا) تحرّك الظل ليس تحركاً سريعاً. تحرّك الظل معناه تحرك الأرض حول نفسها، هذا الدوران حول نفسها بحيث يكون الظل يتحول بشكل يسير يعمي هي تدور بإنضباط ولو قبضه قبضاً سريعاً لما بقي حيٌّ على وجه الأرض. هذه حقيقة علمية يمكن أن نقول أشار إليها القرآن بهذه الآية بكلمة القبض اليسير. يقول لهم أنظروا كيف يقبض الظل قبضاً يسيراً كيف يسير بشكل هادئ من صورة إلى صورة يطول ويقصر وهم يشاهدونه إشارة إلى عظمة الخلق. نحن الآن عرفنا ما هو شأن الأرض وكيف تدور حول نفسها وحول الشمس الآن نقول هذه حقيقة علمية ولو كان القبض ليس يسيراً ما كانت تكون حياة على الأرض.


***********
لماذا جاءت كلمة الرسل بالجمع في سورة الفرقان (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ) مع أن نوح وباقي الرسل جاءوا منفردين في سورة الشعراء(كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105))(كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141)) ((كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) ((كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176)) ؟

هذه تتكرر في عموم القرآن (وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُواالرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ) . هنا شيء أحب أن أنبّه عليه أن هذا القرآن نزل بين عرب فصحاء ولو كان فيه ما يخالف لغة العرب لكان فرصة للتشنيع عليه. أما أن يأتي الآن في آخر الزمان من يحاول أن يتلمس شيئاً مما يظنه من المخالفات فهذا قصور في فهمه لكن نحن نسأل لأن هناك من يريد أن يرمي القرآن بحجر وبيته من الزجاج ولو أردنا أن نناقش ما في مُقدّسه لفضحناه على الهواء ولكن ليس هذا من شأننا.
هو رسول واحد لكن في مواطن كثيرة ترد (كذبوا المرسلين) وهو رسول واحد. ولذلك علماؤنا يقولون من كذّب رسولاً فقد كذّب جميع الرسل الذين من قبله. هم كذّبوا نوحاً ومن قبله لأنهم أنكروا مبدأ الرسالة. الرسل من حيث المعنى لأنه هو رسول مبلّغ عن ربه منبّه على وجود رسل من قبله فإذا كذّبوه فقد كذّبوه بذاته وكذّبوا من نسب إليهم الرسالة لأنه ينسب االرسالة إليهم فإذا قيل هو كاذب فهو كاذب بكل قوله ومن ضمن قوله أنه هناك رسل من قبلي فكذبوا بهم جميعاً، وإشارة إلى إرتباط الرسل كأنهم جميعاً قافلة واحدة من كذّب واحداً منهم فقد كذّب الجميع.
أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ

يجوز أن تكون هذه الرؤية من رؤية العين , ويجوز أن تكون من العلم . وقال الحسن وقتادة وغيرهما :
مد الظل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس . وقيل :
هو من غيوبة الشمس إلى طلوعها . والأول أصح ; والدليل على ذلك أنه ليس من ساعة
أطيب من تلك الساعة ; فإن فيها يجد المريض راحة والمسافر وكل ذي علة :
وفيها ترد نفوس الأموات والأرواح منهم إلى الأجساد , وتطيب نفوس الأحياء فيها .
وهذه الصفة مفقودة بعد المغرب .
وقال أبو العالية : نهار الجنة هكذا ; وأشار إلى ساعة المصلين صلاة الفجر .

وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا

أي دائما مستقرا لا تنسخه الشمس . ابن عباس : يريد إلى يوم القيامة
وقيل : المعنى لو شاء لمنع الشمس الطلوع .

ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا

أي جعلنا الشمس ينسخها الظل عند مجيئها دالة على أن الظل شيء ومعنى
لأن الأشياء تعرف بأضدادها ولولا الشمس ما عرف الظل , ولولا النور ما عرفت الظلمة . فالدليل فعيل بمعنى الفاعل . وقيل : بمعنى المفعول كالقتيل والدهين والخضيب . أي دللنا الشمس على الظل حتى ذهبت به
أي أتبعناها إياه . فالشمس دليل أي حجة وبرهان , وهو الذي يكشف المشكل ويوضحه .
ولم يؤنث الدليل وهو صفة الشمس لأنه في معنى الاسم ; كما يقال : الشمس برهان والشمس حق .
ثُمَّ قَبَضْنَاهُ

يريد ذلك الظل الممدود .

إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا

أي يسيرا قبضه علينا . وكل أمر ربنا عليه يسير .
فالظل مكثه في هذا الجو بمقدار طلوع الفجر إلى طلوع الشمس , فإذا طلعت الشمس صار الظل مقبوضا
وخلفه في هذا الجو شعاع الشمس فأشرق على الأرض وعلى الأشياء إلى وقت غروبها
فإذا غربت فليس هناك ظل , إنما ذلك بقية نور النهار .
وقال قوم : قبضه بغروب الشمس ; لأنها ما لم تغرب فالظل فيه بقية
وإنما يتم زواله بمجيء الليل ودخول الظلمة عليه .
وقيل : إن هذا القبض وقع بالشمس ; لأنها إذا طلعت أخذ الظل في الذهاب شيئا فشيئا
وقيل : " ثم قبضناه " أي قبضنا ضياء الشمس بالفيء " قبضا يسيرا " . وقيل : " يسيرا " أي سريعا , قاله الضحاك . قتادة : خفيا ; أي إذا غابت الشمس قبض الظل قبضا خفيا
كلما قبض جزء منه جعل مكانه جزء من الظلمة , وليس يزول دفعة واحدة .
فهذا معنى قول قتادة ; وهو قول مجاهد .

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا

يعني سترا للخلق يقوم مقام اللباس في ستر البدن . قال الطبري :
وصف الليل باللباس تشبيها من حيث يستر الأشياء ويغشاها .
قال ابن العربي : ظن بعض الغفلة أن من صلى عريانا في الظلام أنه يجزئه
لأن الليل لباس . وهذا يوجب أن يصلي في بيته عريانا إذا أغلق عليه بابه .
والستر في الصلاة عبادة تختص بها ليست لأجل نظر الناس . ولا حاجة إلى الإطناب في هذا .

وَالنَّوْمَ سُبَاتًا

أي راحة لأبدانكم بانقطاعكم عن الأشغال . وأصل السبات من التمدد .
يقال : سبتت المرأة شعرها أي نقضته وأرسلته . ورجل مسبوت أي ممدود الخلقة .
وقيل : للنوم سبات لأنه بالتمدد يكون , وفي التمدد معنى الراحة .
وقيل : السبت القطع ; فالنوم انقطاع عن الاشتغال ; ومنه سبت اليهود لانقطاعهم عن الأعمال فيه .
وقيل : السبت الإقامة في المكان ; فكأن السبات سكون ما وثبوت عليه ; فالنوم سبات على معنى أنه سكون عن الاضطراب والحركة . وقال الخليل : السبات نوم ثقيل ; أي جعلنا نومكم ثقيلا ليكمل الإجمام والراحة .

وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا

من الانتشار للمعاش ; أي النهار سبب الإحياء للانتشار . شبه اليقظة فيه بتطابق الإحياء مع الإماتة .
وكان عليه السلام إذا أصبح قال : ( الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور ) .

وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ

عطف على قوله : " يغشي الليل النهار " [ الرعد : 3 ] . ذكر شيئا آخر من نعمه
ودل على وحدانيته وثبوت إلهيته .

ورياح جمع كثرة وأرواح جمع قلة . وأصل ريح روح . وقد خطئ من قال في جمع القلة أرياح .

" بشرا " فيه سبع قراءات : قرأ أهل الحرمين وأبو عمرو
" نشرا " بضم النون والشين جمع ناشر على معنى النسب
أي ذات نشر ; فهو مثل شاهد وشهد . ويجوز أن يكون جمع نشور كرسول ورسل .
يقال : ريح النشور إذا أتت من هاهنا وهاهنا . والنشور بمعنى المنشور ; كالركوب بمعنى المركوب .
أي وهو الذي يرسل الرياح منشرة . وقرأ الحسن وقتادة " نشرا " بضم النون وإسكان الشين مخففا من نشر
كما يقال : كتب ورسل . وقرأ الأعمش وحمزة " نشرا " بفتح النون وإسكان الشين على المصدر
أعمل فيه معنى ما قبله ; كأنه قال : وهو الذي ينشر الرياح نشرا .
نشرت الشيء فانتشر , فكأنها كانت مطوية فنشرت عند الهبوب .
ويجوز أن يكون مصدرا في موضع الحال من الرياح ; كأنه قال يرسل الرياح منشرة
أي محيية ; من أنشر الله الميت فنشر , كما تقول أتانا ركضا , أي راكضا .
وقد قيل : إن نشرا ( بالفتح ) من النشر الذي هو خلاف الطي على ما ذكرنا .
كأن الريح في سكونها كالمطوية ثم ترسل من طيها ذلك فتصير كالمنفتحة .
وقد فسره أبو عبيد بمعنى متفرقة في وجوهها , على معنى ينشرها هاهنا وهاهنا .
وقرأ عاصم : " بشرا " بالباء وإسكان الشين والتنوين جمع بشير , أي الرياح تبشر بالمطر .
فالطهور ( بفتح الطاء ) الاسم . وكذلك الوضوء والوقود . وبالضم المصدر
وهذا هو المعروف في اللغة ; قاله ابن الأنباري .
فبين أن الماء المنزل من السماء طاهر في نفسه مطهر لغيره
فإن الطهور بناء مبالغة في طاهر وهذه المبالغة اقتضت أن يكون طاهرا مطهرا .
وإلى هذا مذهب الجمهور . وقيل : إن " طهورا " بمعنى طاهر ; وهو قول أبي حنيفة
وتعلق بقوله تعالى : " وسقاهم ربهم شرابا طهورا " [ الإنسان : 21 ] يعني طاهرا .
ويقول الشاعر : خليلي هل في نظرة بعد توبة أداوي بها قلبي علي فجور
إلى رجح الأكفال غيد من الظبا عذاب الثنايا ريقهن طهور
فوصف الريق بأنه طهور وليس بمطهر .
وتقول العرب : رجل نئوم وليس ذلك بمعنى أنه منيم لغيره , وإنما يرجع ذلك إلى فعل نفسه .
ولقد أجاب علماؤنا عن هذا فقالوا : وصف شراب الجنة بأنه طهور يفيد التطهير عن أوضار الذنوب
وعن خسائس الصفات كالغل والحسد , فإذا شربوا هذا الشراب
يطهرهم الله من رحض الذنوب وأوضار الاعتقادات الذميمة , فجاءوا الله بقلب سليم
ودخلوا الجنة بصفات التسليم , وقيل لهم حينئذ : " سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين " [ الزمر : 73 ] .
ولما كان حكمه في الدنيا بزوال حكم الحدث بجريان الماء على الأعضاء كانت تلك حكمته في الآخرة .
وأما قول الشاعر : ريقهن طهور فإنه قصد بذلك المبالغة في وصف الريق بالطهورية لعذوبته وتعلقه بالقلوب
وطيبه في النفوس , وسكون غليل المحب برشفه حتى كأنه الماء الطهور
وأجمعت الأمة لغة وشريعة على أن وصف طهور يختص بالماء فلا يتعدى إلى سائر المائعات
وهي طاهرة ; فكان اقتصارهم بذلك على الماء أدل دليل على أن الطهور هو المطهر
وقد يأتي فعول لوجه آخر ليس من هذا كله وهو العبارة به عن الآلة للفعل لا عن الفعل
كقولنا : وقود وسحور بفتح الفاء , فإنها عبارة عن الحطب والطعام المتسحر به
فوصف الماء بأنه طهور ( بفتح الطاء ) أيضا يكون خبرا عن الآلة التي يتطهر بها .
فإذا ضمت الفاء في الوقود والسحور والطهور عاد إلى الفعل وكان خبرا عنه .
فثبت بهذا أن اسم الفعول ( بفتح الفاء ) يكون بناء للمبالغة ويكون خبرا عن الآلة
وهو الذي خطر ببال الحنفية , ولكن قصرت أشداقها عن لوكه , وبعد هذا يقف البيان عن المبالغة
وعن الآلة على الدليل بقوله تعالى : " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " .
وقوله عليه السلام : ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) يحتمل المبالغة ويحتمل العبارة به عن الآلة
فلا حجة فيه لعلمائنا , لكن يبقى قول " ليطهركم به " [ الأنفال : 11 ] نص في أن فعله يتعدى إلى غيره .
تفسير السعدي :
‏[‏30 ـ 31‏]‏ ‏{‏وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا‏}‏

‏{‏وَقَالَ الرَّسُولُ‏}‏ مناديا لربه وشاكيا له إعراض قومه عما جاء به، ومتأسفا على ذلك منهم‏:‏ ‏{‏يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي‏}‏ الذي أرسلتني لهدايتهم وتبليغهم، ‏{‏اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا‏}‏ أي‏:‏ قد أعرضوا عنه وهجروه وتركوه مع أن الواجب عليهم الانقياد لحكمه والإقبال على أحكامه، والمشي خلفه، قال الله مسليا لرسوله ومخبرا أن هؤلاء الخلق لهم سلف صنعوا كصنيعهم فقال‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ‏}‏ أي‏:‏ من الذين لا يصلحون للخير ولا يزكون عليه يعارضونهم ويردون عليهم ويجادلونهم بالباطل‏.‏

من بعض فوائد ذلك أن يعلو الحق على الباطل وأن يتبين الحق ويتضح اتضاحا عظيما لأن معارضة الباطل للحق مما تزيده وضوحا وبيانا وكمال استدلال وأن يتبين ما يفعل الله بأهل الحق من الكرامة وبأهل الباطل من العقوبة، فلا تحزن عليهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات ‏{‏وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا‏}‏ يهديك فيحصل لك المطلوب ومصالح دينك ودنياك‏.‏ ‏{‏وَنَصِيرًا‏}‏ ينصرك على أعدائك ويدفع عنك كل مكروه في أمر الدين والدنيا فاكتف به وتوكل عليه‏
(32- ـ 33‏]‏ ‏{‏وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا‏}‏

هذا من جملة مقترحات الكفار الذي توحيه إليهم أنفسهم فقالوا‏:‏ ‏{‏لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً‏}‏ أي‏:‏ كما أنزلت الكتب قبله، وأي محذور من نزوله على هذا الوجه‏؟‏ بل نزوله على هذا الوجه أكمل وأحسن، ولهذا قال‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ‏}‏ أنزلناه متفرقا ‏{‏لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ‏}‏ لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن ازداد طمأنينة وثباتا وخصوصا عند ورود أسباب القلق فإن نزول القرآن عند حدوث السبب يكون له موقع عظيم وتثبيت كثير أبلغ مما لو كان نازلا قبل ذلك ثم تذكره عند حلول سببه‏.‏

‏{‏وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا‏}‏ أي‏:‏ مهلناه ودرجناك فيه تدريجا‏.‏ وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن وبرسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث جعل إنزال كتابه جاريا على أحوال الرسول ومصالحه الدينية‏.‏

ولهذا قال‏:‏ ‏{‏وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ‏}‏ يعارضون به الحق ويدفعون به رسالتك، ‏{‏إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا‏}‏ أي‏:‏ أنزلنا عليك قرآنا جامعا للحق في معانيه والوضوح والبيان التام في ألفاظه، فمعانيه كلها حق وصدق لا يشوبها باطل ولا شبهة بوجه من الوجوه، وألفاظه وحدوده للأشياء أوضح ألفاظا وأحسن تفسيرا مبين للمعاني بيانا كاملا‏.‏

وفي هذه الآية دليل على أنه ينبغي للمتكلم في العلم من محدث ومعلم، وواعظ أن يقتدي بربه في تدبيره حال رسوله، كذلك العالم يدبر أمر الخلق فكلما حدث موجب أو حصل موسم، أتى بما يناسب ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والمواعظ الموافقة لذلك‏.‏

وفيه رد على المتكلفين من الجهمية ونحوهم ممن يرى أن كثيرا من نصوص القرآن محمولة على غير ظاهرها ولها معان غير ما يفهم منها، فإذا ـ على قولهم ـ لا يكون القرآن أحسن تفسيرا من غيره، وإنما التفسير الأحسن ـ على زعمهم ـ تفسيرهم الذي حرفوا له المعاني تحريفا‏.‏

‏[‏34‏]‏ ‏{‏الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا‏}‏

يخبر تعالى عن حال المشركين الذين كذبوا رسوله وسوء مآلهم، وأنهم ‏{‏يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ‏}‏ أشنع مرأى، وأفظع منظر تسحبهم ملائكة العذاب ويجرونهم ‏{‏إِلَى جَهَنَّمَ‏}‏ الجامعة لكل عذاب وعقوبة‏.‏ ‏{‏أُولَئِكَ‏}‏ الذين بهذه الحالة ‏{‏شَرٌّ مَكَانًا‏}‏ ممن آمن بالله وصدق رسله، ‏{‏وَأَضَلُّ سَبِيلًا‏}‏ وهذا من باب استعمال أفضل التفضيل فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء فإن المؤمنين حسن مكانهم ومستقرهم، واهتدوا في الدنيا إلى الصراط المستقيم وفي الآخرة إلى الوصول إلى جنات النعيم‏.‏

-------------------------------
‏[‏45 ـ 46‏]‏ ‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا * ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا‏}‏

أي‏:‏ ألم تشاهد ببصرك وبصيرتك كمال قدرة ربك وسعة رحمته، أنه مد على العباد الظل وذلك قبل طلوع الشمس ‏{‏ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ‏}‏ أي‏:‏ على الظل ‏{‏دَلِيلًا‏}‏ فلولا وجود الشمس لما عرف الظل فإن الضد يعرف بضده‏.‏

‏{‏ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا‏}‏ فكلما ارتفعت الشمس تقلص الظل شيئا فشيئا، حتى يذهب بالكلية فتوالي الظل والشمس على الخلق الذي يشاهدونه عيانا وما يترتب على ذلك من اختلاف الليل والنهار وتعاقبهما وتعاقب الفصول، وحصول المصالح الكثيرة بسبب ذلك ـ من أدل دليل على قدرة الله وعظمته وكمال رحمته وعنايته بعباده وأنه وحده المعبود المحمود المحبوب المعظم، ذو الجلال والإكرام‏.‏

‏[‏47‏]‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا‏}‏

أي‏:‏ من رحمته بكم ولطفه أن جعل الليل لكم بمنزلة اللباس الذي يغشاكم، حتى تستقروا فيه وتهدؤوا بالنوم وتسبت حركاتكم أي‏:‏ تنقطع عند النوم، فلولا الليل لما سكن العباد ولا استمروا في تصرفهم فضرهم ذلك غاية الضرر، ولو استمر أيضا الظلام لتعطلت عليهم معايشهم ومصالحهم، ولكنه جعل النهار نشورا ينتشرون فيه لتجاراتهم وأسفارهم وأعمالهم فيقوم بذلك ما يقوم من المصالح‏.‏

‏[‏48 ـ 50‏]‏ ‏{‏وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا‏}‏

أي‏:‏ هو وحده الذي رحم عباده وأدر عليهم رزقه بأن أرسل الرياح مبشرات بين يدي رحمته وهو المطر فثار بها السحاب وتألف وصار كسفا وألقحته وأدرته بإذن آمرها والمتصرف فيها ليقع استبشار العباد بالمطر قبل نزوله وليستعدوا له قبل أن يفاجئهم دفعة واحدة‏.‏

{‏وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا‏}‏ يطهر من الحدث والخبث ويطهر من الغش والأدناس، وفيه بركة من بركته أنه أنزله ليحيي به بلدة ميتا فتختلف أصناف النوابت والأشجار فيها مما يأ كل الناس والأنعام‏.‏ ‏{‏وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا‏}‏ أي‏:‏ نسقيكموه أنتم وأنعامكم، أليس الذي أرسل الرياح المبشرات وجعلها في عملها متنوعات، وأنزل من السماء ماء طهورا مباركا فيه رزق العباد ورزق بهائمهم، هو الذي يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك معه غيره‏؟‏

ولما ذكر تعالى هذه الآيات العيانية المشاهدة وصرفها للعباد ليعرفوه ويشكروه ويذكروه مع ذلك أبي أكثر الخلق إلا كفورا، لفساد أخلاقهم وطبائعهم‏

‏61 ـ 62‏]‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا‏}‏

كرر تعالى في هذه السورة الكريمة قوله‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ‏}‏ ثلاث مرات لأن معناها كما تقدم أنها تدل على عظمة الباري وكثرة أوصافه، وكثرة خيراته وإحسانه‏.‏ وهذه السورة فيها من الاستدلال على عظمته وسعة سلطانه ونفوذ مشيئته وعموم علمه وقدرته وإحاطة ملكه في الأحكام الأمرية والأحكام الجزائية وكمال حكمته‏.‏ وفيها ما يدل على سعة رحمته وواسع جوده وكثرة خيراته الدينية والدنيوية ما هو مقتض لتكرار هذا الوصف الحسن فقال‏:‏ ‏{‏تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا‏}‏ وهي النجوم عمومها أو منازل الشمس والقمر التي تنزل منزلة منزلة وهي بمنزلة البروج والقلاع للمدن في حفظها، كذلك النجوم بمنزلة البروج المجعولة للحراسة فإنها رجوم للشياطين‏.‏

‏{‏وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا‏}‏ فيه النور والحرارة وهو الشمس‏.‏ ‏{‏وَقَمَرًا مُنِيرًا‏}‏ فيه النور لا الحرارة وهذا من أدلة عظمته، وكثرة إحسانه، فإن ما فيها من الخلق الباهر والتدبير المنتظم والجمال العظيم دال على عظمة خالقها في أوصافه كلها، وما فيها من المصالح للخلق والمنافع دليل على كثرة خيراته‏.‏

‏{‏وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً‏}‏ أي‏:‏ يذهب أحدهما فيخلفه الآخر، هكذا أبدا لا يجتمعان ولا يرتفعان، ‏{‏لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا‏}‏ أي‏:‏ لمن أراد أن يتذكر بهما ويعتبر ويستدل بهما على كثير من المطالب الإلهية ويشكر الله على ذلك، ولمن أراد أن يذكر الله ويشكره وله ورد من الليل أو النهار، فمن فاته ورده من أحدهما أدركه في الآخر، وأيضا فإن القلوب تتقلب وتنتقل في ساعات الليل والنهار فيحدث لها النشاط والكسل والذكر والغفلة والقبض والبسط والإقبال والإعراض، فجعل الله الليل والنهار يتوالى على العباد ويتكرران ليحدث لهم الذكر والنشاط والشكر لله في وقت آخر، ولأن أوراد العبادات تتكرر بتكرر الليل والنهار، فكما تكررت الأوقات أحدث للعبد همة غير همته التي كسلت في الوقت المتقدم فزاد في تذكرها وشكرها، فوظائف الطاعات بمنزلة سقي الإيمان الذي يمده فلولا ذلك لذوى غرس الإيمان ويبس‏.‏ فلله أتم حمد وأكمله على ذلك‏.‏

ثم ذكر من جملة كثرة خيره منته على عباده الصالحين وتوفيقهم للأعمال الصالحات التي أكسبتهم المنازل العاليات في غرف الجنات فقال‏:‏

‏[‏63 ـ 77‏]‏ ‏{‏وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا‏}‏ إلى آخر السورة الكريمة‏.‏

العبودية لله نوعان‏:‏ عبودية لربوبيته فهذه يشترك فيها سائر الخلق مسلمهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، فكلهم عبيد لله مربوبون مدبرون ‏{‏إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا‏}‏ وعبودية لألوهيته وعبادته ورحمته وهي عبودية أنبيائه وأوليائه وهي المراد هنا ولهذا أضافها إلى اسمه ‏"‏ الرحمن ‏"‏ إشارة إلى أنهم إنما وصلوا إلى هذه الحال بسبب رحمته، فذكر أن صفاتهم أكمل الصفات ونعوتهم أفضل النعوت، فوصفهم بأنهم ‏{‏يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا‏}‏ أي‏:‏ ساكنين متواضعين لله والخلق فهذا وصف لهم بالوقار والسكينة والتواضع لله ولعباده‏.‏ ‏{‏وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ‏}‏ أي‏:‏ خطاب جهل بدليل إضافة الفعل وإسناده لهذا الوصف، ‏{‏قَالُوا سَلَامًا‏}‏ أي‏:‏ خاطبوهم خطابا يسلمون فيه من الإثم ويسلمون من مقابلة الجاهل بجهله‏.‏ وهذا مدح لهم، بالحلم الكثير ومقابلة المسيء بالإحسان والعفو عن الجاهل ورزانة العقل الذي أوصلهم إلى هذه الحال‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا‏}‏ أي‏:‏ يكثرون من صلاة الليل مخلصين فيها لربهم متذللين له كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ‏}‏

‏{‏وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ‏}‏ أي‏:‏ ادفعه عنا بالعصمة من أسبابه ومغفرة ما وقع منا مما هو مقتض للعذاب‏.‏ ‏{‏إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا‏}‏ أي‏:‏ ملازما لأهلها بمنزلة ملازمة الغريم لغريمه‏.‏

‏{‏إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا‏}‏ وهذا منهم على وجه التضرع لربهم، وبيان شدة حاجتهم إليه وأنهم ليس في طاقتهم احتمال هذا العذاب، وليتذكروا منة الله عليهم، فإن صرف الشدة بحسب شدتها وفظاعتها يعظم وقعها ويشتد الفرح بصرفها‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا‏}‏ النفقات الواجبة والمستحبة ‏{‏لَمْ يُسْرِفُوا‏}‏ بأن يزيدوا على الحد فيدخلوا في قسم التبذير وإهمال الحقوق الواجبة، ‏{‏وَلَمْ يَقْتُرُوا‏}‏ فيدخلوا في باب البخل والشح ‏{‏وَكَانَ‏}‏ إنفاقهم ‏{‏بَيْنَ ذَلِكَ‏}‏ بين الإسراف والتقتير ‏{‏قَوَامًا‏}‏ يبذلون في الواجبات من الزكوات والكفارات والنفقات الواجبة، وفيما ينبغي على الوجه الذي ينبغي من غير ضرر ولا ضرار وهذا من عدلهم واقتصادهم‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ‏}‏ بل يعبدونه وحده مخلصين له الدين حنفاء مقبلين عليه معرضين عما سواه‏.‏

‏{‏وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ‏}‏ وهي نفس المسلم والكافر المعاهد، ‏{‏إِلَّا بِالْحَقِّ‏}‏ كقتل النفس بالنفس وقتل الزاني المحصن والكافر الذي يحل قتله‏.‏

‏{‏وَلَا يَزْنُونَ‏}‏ بل يحفظون فروجهم ‏{‏إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ‏}‏ ‏{‏وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ‏}‏ أي‏:‏ الشرك بالله أو قتل النفس التي حرم الله بغير حق أو الزنا فسوف ‏{‏يَلْقَ أَثَامًا‏}‏ ثم فسره بقوله‏:‏ ‏{‏يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ‏}‏ أي‏:‏ في العذاب ‏{‏مُهَانًا‏}‏ فالوعيد بالخلود لمن فعلها كلها ثابت لا شك فيه وكذا لمن أشرك بالله، وكذلك الوعيد بالعذاب الشديد على كل واحد من هذه الثلاثة لكونها إما شرك وإما من أكبر الكبائر‏.‏

وأما خلود القاتل والزاني في العذاب فإنه لا يتناوله الخلود لأنه قد دلت النصوص القرآنية والسنة النبوية أن جميع المؤمنين سيخرجون من النار ولا يخلد فيها مؤمن ولو فعل من المعاصي ما فعل، ونص تعالى على هذه الثلاثة لأنها من أكبر الكبائر‏:‏ فالشرك فيه فساد الأديان، والقتل فيه فساد الأبدان والزنا فيه فساد الأعراض‏.‏

‏{‏إِلَّا مَنْ تَابَ‏}‏ عن هذه المعاصي وغيرها بأن أقلع عنها في الحال وندم على ما مضى له من فعلها وعزم عزما جازما أن لا يعود، ‏{‏وَآمَنَ‏}‏ بالله إيمانا صحيحا يقتضي ترك المعاصي وفعل الطاعات ‏{‏وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا‏}‏ مما أمر به الشارع إذا قصد به وجه الله‏.‏

‏{‏فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ‏}‏ أي‏:‏ تتبدل أفعالهم وأقوالهم التي كانت مستعدة لعمل السيئات تتبدل حسنات، فيتبدل شركهم إيمانا ومعصيتهم طاعة وتتبدل نفس السيئات التي عملوها ثم أحدثوا عن كل ذنب منها توبة وإنابة وطاعة تبدل حسنات كما هو ظاهر الآية‏.‏

وورد في ذلك حديث الرجل الذي حاسبه الله ببعض ذنوبه فعددها عليه ثم أبدل مكان كل سيئة حسنة فقال‏:‏ ‏:‏ يا رب إن لي سيئات لا أراها هاهنا ‏"‏ والله أعلم‏.‏

‏{‏وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا‏}‏ لمن تاب يغفر الذنوب العظيمة ‏{‏رَحِيمًا‏}‏ بعباده حيث دعاهم إلى التوبة بعد مبارزته بالعظائم ثم وفقهم لها ثم قبلها منهم‏.‏

‏{‏وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا‏}‏ أي‏:‏ فليعلم أن توبته في غاية الكمال لأنها رجوع إلى الطريق الموصل إلى الله الذي هو عين سعادة العبد وفلاحه فليخلص فيها وليخلصها من شوائب الأغراض الفاسدة، فالمقصود من هذا الحث على تكميل التوبة وإيقاعها على أفضل الوجوه وأجلها ليقدم على من تاب إليه فيوفيه أجره بحسب كمالها‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ‏}‏ أي‏:‏ لا يحضرون الزور أي‏:‏ القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس المشتملة على الأقوال المحرمة أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله والجدال الباطل والغيبة والنميمة والسب والقذف والاستهزاء والغناء المحرم وشرب الخمر وفرش الحرير، والصور ونحو ذلك، وإذا كانوا لا يشهدون الزور فمن باب أولى وأحرى أن لا يقولوه ويفعلوه‏.‏

وشهادة الزور داخلة في قول الزور تدخل في هذه الآية بالأولوية، ‏{‏وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ‏}‏ وهو الكلام الذي لا خير فيه ولا فيه فائدة دينية ولا دنيوية ككلام السفهاء ونحوهم ‏{‏مَرُّوا كِرَامًا‏}‏ أي‏:‏ نزهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه ورأوا أن الخوض فيه وإن كان لا إثم فيه فإنه سفه ونقص للإنسانية والمروءة فربأوا بأنفسهم عنه‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏{‏وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ‏}‏ إشارة إلى أنهم لا يقصدون حضوره ولا سماعه، ولكن عند المصادفة التي من غير قصد يكرمون أنفسهم عنه‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ‏}‏ التي أمرهم باستماعها والاهتداء بها، ‏{‏لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا‏}‏ أي لم يقابلوها بالإعراض عنها والصمم عن سماعها وصرف النظر والقلوب عنها كما يفعله من لم يؤمن بها ولم يصدق، وإنما حالهم فيها وعند سماعها كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ‏}‏ يقابلونها بالقبول والافتقار إليها والانقياد والتسليم لها، وتجد عندهم آذانا سامعة وقلوبا واعية فيزداد بها إيمانهم ويتم بها إيقانهم وتحدث لهم نشاطا ويفرحون بها سرورا واغتباطا‏.‏

‏{‏وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا‏}‏ أي‏:‏ قرنائنا من أصحاب وأقران وزوجات، ‏{‏وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ‏}‏ أي‏:‏ تقر بهم أعيننا‏.‏

وإذا استقرأنا حالهم وصفاتهم عرفنا من هممهم وعلو مرتبتهم أنهم لا تقر أعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم عالمين عاملين وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم فإنه دعاء لأنفسهم لأن نفعه يعود عليهم ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم فقالوا‏:‏ ‏{‏هَبْ لَنَا‏}‏ بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين لأن بصلاح من ذكر يكون سببا لصلاح كثير ممن يتعلق بهم وينتفع بهم‏.‏

{‏وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا‏}‏ أي‏:‏ أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين والكمل من عباد الله الصالحين وهي درجة الإمامة في الدين وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم يقتدى بأفعالهم، ويطمئن لأقوالهم ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون‏.‏

ومن المعلوم أن الدعاء ببلوغ شيء دعاء بما لا يتم إلا به، وهذه الدرجة ـ درجة الإمامة في الدين ـ لا تتم إلا بالصبر واليقين كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَعَلْنَاهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ‏}‏ فهذا الدعاء يستلزم من الأعمال والصبر على طاعة الله وعن معصيته وأقداره المؤلمة ومن العلم التام الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين، خيرًا كثيرًا وعطاء جزيلا وأن يكونوا في أعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل‏.‏

ولهذا، لما كانت هممهم ومطالبهم عالية كان الجزاء من جنس العمل فجازاهم بالمنازل العاليات فقال‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا‏}‏ أي‏:‏ المنازل الرفيعة والمساكن الأنيقة الجامعة لكل ما يشتهى وتلذه الأعين وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ‏}‏ ولهذا قال هنا ‏{‏وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا‏}‏ من ربهم ومن ملائكته الكرام ومن بعض على بعض ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات‏.‏

والحاصل‏:‏ أن الله وصفهم بالوقار والسكينة والتواضع له ولعباده وحسن الأدب والحلم وسعة الخلق والعفو عن الجاهلين والإعراض عنهم ومقابلة إساءتهم بالإحسان وقيام الليل والإخلاص فيه، والخوف من النار والتضرع لربهم أن ينجيهم منها وإخراج الواجب والمستحب في النفقات والاقتصاد في ذلك ـ وإذا كانوا مقتصدين في الإنفاق الذي جرت العادة بالتفريط فيه أو الإفراط، فاقتصادهم وتوسطهم في غيره من باب أولى ـ والسلامة من كبائر الذنوب والاتصاف بالإخلاص لله في عبادته والعفة عن الدماء والأعراض والتوبة عند صدور شيء من ذلك، وأنهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية ولا يفعلونها بأنفسهم وأنهم يتنزهون من اللغو والأفعال الردية التي لا خير فيها، وذلك يستلزم مروءتهم وإنسانيتهم وكمالهم ورفعة أنفسهم عن كل خسيس قولي وفعلي، وأنهم يقابلون آيات الله بالقبول لها والتفهم لمعانيها والعمل بها، والاجتهاد في تنفيذ أحكامها، وأنهم يدعون الله تعالى بأكمل الدعاء، في الدعاء الذي ينتفعون به، وينتفع به من يتعلق بهم وينتفع به المسلمون من صلاح أزواجهم وذريتهم، ومن لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم لأن من حرص على شيء ودعا الله فيه لا بد أن يكون متسببا فيه، وأنهم دعوا الله ببلوغ أعلى الدرجات الممكنة لهم وهي درجة الإمامة والصديقية‏.‏

فلله ما أعلى هذه الصفات وأرفع هذه الهمم وأجل هذه المطالب، وأزكى تلك النفوس وأطهر تلك القلوب وأصفى هؤلاء الصفوة وأتقى هؤلاء السادة‏"‏

ولله، فضل الله عليهم ونعمته ورحمته التي جللتهم، ولطفه الذي أوصلهم إلى هذه المنازل‏.‏

ولله، منة الله على عباده أن بين لهم أوصافهم، ونعت لهم هيئاتهم وبين لهم هممهم، وأوضح لهم أجورهم، ليشتاقوا إلى الاتصاف بأوصافهم، ويبذلوا جهدهم في ذلك، ويسألوا الذي من عليهم وأكرمهم الذي فضله في كل زمان ومكان، وفي كل وقت وأوان، أن يهديهم كما هداهم ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم‏.‏

فاللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بك، لا نملك لأنفسنا نفعا ولا ضرا ولا نقدر على مثقال ذرة من الخير إن لم تيسر ذلك لنا، فإنا ضعفاء عاجزون من كل وجه‏.‏

نشهد أنك إن وكلتنا إلى أنفسنا طرفة عين وكلتنا إلى ضعف وعجز وخطيئة، فلا نثق يا ربنا إلا برحمتك التي بها خلقتنا ورزقتنا وأنعمت علينا بما أنعمت من النعم الظاهرة والباطنة وصرفت عنا من النقم، فارحمنا رحمة تغنينا بها عن رحمة من سواك فلا خاب من سألك ورجاك‏.‏

ولما كان الله تعالى قد أضاف هؤلاء العباد إلى رحمته واختصهم بعبوديته لشرفهم وفضلهم ربما توهم متوهم أنه وأيضا غيرهم فلم لا يدخل في العبودية‏؟‏

فأخبر تعالى أنه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء وأنه لولا دعاؤكم إياه دعاء العبادة ودعاء المسألة ما عبأ بكم ولا أحبكم فقال‏:‏ ‏{‏قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا‏}‏ أي‏:‏ عذابا يلزمكم لزوم الغريم لغريمه وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين‏.‏




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:54 PM

اللغز الحادي والعشرون

هي سورة للتحليه
بل عمدة في التزكيه
لعقيدتي هي منبعٌ
وبها يهون حسابيه
ما دمت أرفع راية التوحيد فوقي عاليه
هو واحد ربي ولا
ولد له أو جاريه
أو والد أو زوجة
هذي ظنون واهيه
فرد وليس كمثله شيء
عليم مابيه
خرت له في مجده
كل النفوس الراضيه

اسم السورة: سورة الإخلاص

مقصودها:
مقصودها بيان الحقيقة الذات الأقدس ببيان اختصاصه بالاتصاف بأقصى الكمال للدلالة على صحيح الإعتقاد للإخلاص في التوحيد بإثبات الكمال ، ونفي الشوائب النقص والاختلال ، المثمر لحسن الأقوال والأفعال ، وثبات اللجاء والاعتماد في جميع الأحوال ، وعلى ذلك دل اسمها الإخلاص الموجب للخلاص ، وكذا الأساس والمقشقشة ، قال في القاموس : المقشقشتان الكافرون والإخلاص أي المبرئتان من النفاق والشرك كما يقشقش الهناء الجرب ، الهناء : القطران ، وقال الإمام عبد الحق في كتابه الواعي : كما يبرئ المريض من علته إذا برئ منها - انتهى. وهو مأخوذ من القش بمعنى الجمع ، فسميتا بذلك لأنها تتبعنا النفاق بجميع أنواعه ، وكذا الشرك والكفر فجمعتاله ونفتاه بذلك لأنها تتبعنا النفاق بجميع أنواعه ، وكذا الشرك والكفر فجمعناه ونفتاه عن قارئهما حق القراءة ، وقد تقدم الكلام على هذا الاسم مبسوطا في براءة وكذا اسمها " قل هو الله أحد " دال على مقصوزدها بتأمل جميع السورة وما دعت إليه من معاني التبرئة اليسيرة الكثيرة ، وهذه السورة أعظم مفيد للتوحيد في القرآن ، قال الرازي : والتوحيد مقام يضيق عنه نطاق النطق لأنك إذا أخبرت عن الحق فهنالك مخبر عنه ومخبر به مجموعهما ، وذلك ثلاث ، فالعقل يعرفه ولكن النطق لا يصل إليه سئل الجنيد عن التوحيد فقال : معنى تضمحل فيه الرسوم وتتشوش فيه العلوم ويكون الله كما لم يزل وقال الجنيد أيضا : أشرف كلمة في التوحيد ما قاله الصديق رضي الله عنه : سبحانه من لم يجعل لخلقه سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته

أسباب النزول: ورد في تفسيرها للشيخ الفاضل عبدالعزيز السعيد:
هذه السورة يسميها بعض العلماء: نسبَ الله -جل وعلا-، وقد جاء في حديث، حسنه بعض العلماء بمجموع طرقه، أن المشركين قالوا للنبي -صلى الله عليه وسلم-: انسب لنا ربك وفي رواية: صف لنا ربك فأنزل الله -جل وعلا- هذه السورة.

فضلها:
عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن ؟ . قالوا : وكيف يقرأ ثلث القرآن ؟ قال : ( قل هو الله أحد ) تعدل ثلث القرآن ) [ رواه مسلم ] [ وصحح الألباني في صحيح الترغيب والترهيب / 1480 ] .

‏- عن ‏ ‏أنس ‏ ‏أن رجلا قال : يا رسول الله إني أحب هذه السورة (‏ ‏قل هو الله أحد ) ‏ ‏فقال : ( إن حبك إياها يدخلك الجنة ‏ ) [ رواه الترمذي وصححه الألباني / 2323 ..


- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ " قل هو الله أحد " حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة ) [ سلسلة الأحاديث الصحيحة / 589 ] ..

- عن معاذ بن عبد الله بن خبيب بن أبية قال : خرجنا في ليلة مطيرة وظلمة شديدة نطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا ، قال : فأدركته فقال : قل فلم أقل شيئا ثم قال : قل فلم أقل شيئا قال : قل فقلت ما أقول ، قال : ( قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وتصبح ثلاث مرات تكفيك من كل شيء ) [ رواه الترمذي وصححه الألباني / 2829
..

- ‏أبي هريرة ‏ ‏قال ‏‏أقبلت مع النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏فسمع رجلا يقرأ ‏( ‏قل هو الله أحد الله الصمد ) ‏ ‏فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏: ( وجبت ) قلت وما وجبت ؟ قال الجنة ) [ رواه الترمذي وصحح الألباني / 2320 ] ..

- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عقبة ألا أعلمك سورا ما أنزلت في التوراة و لا في الزبور و لا في الإنجيل و لا في الفرقان مثلهن ، لا يأتين عليك إلا قرأتهن فيها ، قل { هوالله أحد } و { قل أعوذ برب الفلق } و { قل أعوذ برب الناس } ) [ سلسلة الأحاديث الصحيحة / 2861 ] ..

السور التي بدأت بما بدأت به:
سورة الجن " قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن"

الكافرون" قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون"

الناس" قل أعوذ برب الناس"

الفلق " قل أعوذ برب الفلق"
السورة هي( الإخلاص)
مقصدها
وتسمى الأساس والمقشقشة وقل هو الله أحد .
مقصودها بيان الحقيقة الذات الأقدس ببيان اختصاصه بالاتصاف بأقصى الكمال للدلالة على صحيح الإعتقاد للإخلاص في التوحيد بإثبات الكمال ، ونفي الشوائب النقص والاختلال ، المثمر لحسن الأقوال والأفعال ، وثبات اللجاء والاعتماد في جميع الأحوال ، وعلى ذلك دل اسمها الإخلاص الموجب للخلاص ، وكذا الأساس والمقشقشة ، قال في القاموس : المقشقشتان الكافرون والإخلاص أي المبرئتان من النفاق والشرك كما يقشقش الهناء الجرب ، الهناء : القطران ، وقال الإمام عبد الحق في كتابه الواعي : كما يبرئ المريض من علته إذا برئ منها - انتهى. وهو مأخوذ من القش بمعنى الجمع ، فسميتا بذلك لأنها تتبعنا النفاق بجميع أنواعه ، وكذا الشرك والكفر فجمعتاله ونفتاه بذلك لأنها تتبعنا النفاق بجميع أنواعه ، وكذا الشرك والكفر فجمعناه ونفتاه عن قارئهما حق القراءة ، وقد تقدم الكلام على هذا الاسم مبسوطا في براءة وكذا اسمها " قل هو الله أحد " دال على مقصوزدها بتأمل جميع السورة وما دعت إليه من معاني التبرئة اليسيرة الكثيرة ، وهذه السورة أعظم مفيد للتوحيد في القرآن ، قال الرازي : والتوحيد مقام يضيق عنه نطاق النطق لأنك إذا أخبرت عن الحق فهنالك مخبر عنه ومخبر به مجموعهما ، وذلك ثلاث ، فالعقل يعرفه ولكن النطق لا يصل إليه سئل الجنيد عن التوحيد فقال : معنى تضمحل فيه الرسوم وتتشوش فيه العلوم ويكون الله كما لم يزل وقال الجنيد أيضا : أشرف كلمة في التوحيد ما قاله الصديق رضي الله عنه : سبحانه من لم يجعل لخلقه سبيلا إلى معرفته إلا بالعجز عن معرفته )

أسباب النزول للنيسابوري

قال قتادة والضحاك ومقاتل‏:‏ جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ صف لنا ربك فإن الله أنزل نعته في التوراة فأخبرنا من أي شيء هو ومن أي جنس هو أذهب هو أم نحاس أم فضة وهل يأكل ويشرب وممن ورث الدنيا ومن يورثها فأنزل الله تبارك وتعالى هذه السورة وهي نسبة الله خاصة‏.‏

أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المهرجاني أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد أخبرنا أبو القاسم ابن بنت منيع أخبرنا جدي أحمد بن منيع أخبرنا أبو سعد الصغاني أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ انسب لنا ربك فأنزل الله تعالى ‏{‏قُل هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَمَدُ‏}‏ قال‏:‏ فالصمد الذي لم يلد ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت وليس شيء يموت إلا سيورث وإن الله تعالى لا يموت ولا يورث ‏{‏وَلَم يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَد‏}‏ قال‏:‏ لم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء‏.‏

السور التي تبدأ بما بدأت به
(الكافرون_ الفلق _ الناس)
فضلها
فضل قراءة سورة الإخلاص

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رجلًا يقرأ }قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ{ يرددها، فلما أصبح جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالُّها (أي يراها شيئًا قليلاً)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، إنها لتعدل ثلث القرءان".



ـ وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه: "حُبُّك إياها ـ أي سورة الإخلاص ـ أدخلك الجنة" رواه البخاري.

وكان سبب نزولها أن اليهود قالت للرسول صلى الله عليه وسلم: "يا محمد صف لنا ربك الذي تعبده" وكان سؤالهم تعنتًا لا حبًا للعلم واسترشادًا به.

فنزلت: }قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ{ أي الذي لا شريك له في الذات أو الصفات أو الأفعال، وليس لأحد صفة كصفاته. }اللهُ الصَّمَدُ{ أي الذي تفتقر إليه جميع المخلوقات مع استغنائه عن كل موجود.

}لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ{ نفيٌ للمادية والانحلال، فالله عز وجل لا يحل في شىء ولا ينحل منه شىء، }وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ{ أي لا نظير له بوجه من الوجوه.

فلما انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من قراءتها. قال: "هذه صفة ربي"، رواه البيهقي في الأسماء والصفات.
تفسير سورة الإخلاص

‏[‏وهي‏]‏ مكية

‏[‏1 ـ 4‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏

أي ‏{‏قُل‏}‏ قولًا جازمًا به، معتقدًا له، عارفًا بمعناه، ‏{‏هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ أي‏:‏ قد انحصرت فيه الأحدية، فهو الأحد المنفرد بالكمال، الذي له الأسماء الحسنى، والصفات الكاملة العليا، والأفعال المقدسة، الذي لا نظير له ولا مثيل‏.‏

‏{‏اللَّهُ الصَّمَدُ‏}‏ أي‏:‏ المقصود في جميع الحوائج‏.‏ فأهل العالم العلوي والسفلي مفتقرون إليه غاية الافتقار، يسألونه حوائجهم، ويرغبون إليه في مهماتهم، لأنه الكامل في أوصافه، العليم الذي قد كمل في علمه، الحليم الذي قد كمل في حلمه، الرحيم الذي ‏[‏كمل في رحمته الذي‏]‏ وسعت رحمته كل شيء، وهكذا سائر أوصافه، ومن كماله أنه ‏{‏لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد‏}‏ لكمال غناه ‏{‏وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ‏}‏ لا في أسمائه ولا في أوصافه، ولا في أفعاله، تبارك وتعالى‏.‏

فهذه السورة مشتملة على توحيد الأسماء والصفات‏.‏

أسباب النـزول


سورة الإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم

قال قتادة والضحاك ومقاتل: جاء ناس من اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: صف لنا ربك
فإن الله أنـزل نعته في التوراة، فأخبرنا من أيّ شيء هو؟ ومن أي جنس هو؟
من ذهب هو أم نحاس أم فضة؟ وهل يأكل ويشرب؟ وممن ورث الدنيا ومن يورثها؟
فأنـزل الله تبارك وتعالى هذه السورة وهي نسبة الله خاصة.

أخبرنا أبو نصر أحمد بن إبراهيم المهرجاني، أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد
أخبرنا أبو القاسم ابنُ بنت منيع أخبرنا جدي أحمد بن منيع، أخبرنا أبو سعد الصغاني
أخبرنا أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أُبيّ بن كعب:
أن المشركين قالوا لرسول الله صلي اله عليه وسلم انسب لنا ربك، فأنـزل الله تعالى:
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ قال: فالصمد الذي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت
وليس شيء يموت إلا سيورث، وإن الله تعالى لا يموت ولا يورث، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ
قال: لم يكن له شبيه ولا عدل و لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ .

أخبرنا أبو منصور البغدادي، أخبرنا أبو الحسن السراج، أخبرنا محمد بن عبد الله الحضرمي
أخبرنا سريج بن يونس، أخبرنا إسماعيل بن مجالد، عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر
قال: قالوا يا رسول الله، انسب لنا ربك، فنـزلت: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ إلى آخرها.



قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ

أي الواحد الوتر , الذي لا شبيه له , ولا نظير ولا صاحبة , ولا ولد ولا شريك .
وأصل " أحد " : وحد ; قلبت الواو همزة . ومنه قول النابغة :
بذي الجليل على مستأنس وحد
و " أحد " مرفوع , على معنى : هو أحد . وقيل : المعنى : قل : الأمر
والشأن : الله أحد . وقيل : " أحد " بدل من قوله : " الله " .

اللَّهُ الصَّمَدُ

أي الذي يصمد إليه في الحاجات . كذا روى الضحاك عن ابن عباس , قال : الذي يصمد إليه في الحاجات
كما قال عز وجل : " ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون " [ النحل : 53 ] .
قال أهل اللغة : الصمد : السيد الذي يصمد إليه في النوازل والحوائج .
وقال قوم : الصمد : الدائم الباقي , الذي لم يزل ولا يزال .
وقيل : تفسيره ما بعده " لم يلد ولم يولد " .قال أبي بن كعب : الصمد : الذي لا يلد ولا يولد
لأنه ليس شيء إلا سيموت , وليس شيء يموت إلا يورث .
وقال علي وابن عباس أيضا وأبو وائل شقيق بن سلمة وسفيان :
الصمد : هو السيد الذي قد انتهى سؤدده في أنواع الشرف والسؤدد
ومنه قول الشاعر : علوته بحسام ثم قلت له خذها حذيف فأنت السيد الصمد
وقال أبو هريرة : إنه المستغني عن كل أحد , والمحتاج إليه كل أحد .
وقال السدي : إنه : المقصود في الرغائب , والمستعان به في المصائب .
وقال الحسين بن الفضل : إنه : الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .
وقال مقاتل : إنه : الكامل الذي لا عيب فيه
وقال الحسن وعكرمة والضحاك وابن جبير : الصمد : المصمت الذي لا جوف له
الصمد , في ( كتاب الأسنى ) وأن الصحيح منها . ما شهد له الاشتقاق ; وهو القول الأول , ذكره الخطابي .
وقد أسقط من هذه السورة من أبعده الله وأخزاه , وجعل النار مقامه ومثواه
وقرأ " الله الواحد الصمد " في الصلاة , والناس يستمعون
فأسقط : " قل هو " , وزعم أنه ليس من القرآن . وغير لفظ " أحد " , وادعى أن هذا هو الصواب
والذي عليه الناس هو الباطل والمحال , فأبطل معنى الآية ; لأن أهل التفسير قالوا :
نزلت الآية جوابا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : صف لنا ربك
أمن ذهب هو أم من نحاس أم من صفر ؟ فقال الله عز وجل ردا عليهم :
" قل هو والله أحد " ففي " هو " دلالة على موضع الرد , ومكان الجواب ; فإذا سقط بطل معنى الآية
وصح الافتراء على الله عز وجل , والتكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم .


لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ

روى الترمذي عن أبي بن كعب : أن المشركين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
انسب لنا ربك ; فأنزل الله عز وجل : " قل هو الله أحد . الله الصمد "
.والصمد : الذي لم يلد ولم يولد ; لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت , وليس شيء يموت إلا سيورث
وأن الله تعالى لا يموت ولا يورث . " ولم يكن له كفوا أحد " قال : لم يكن له شبيه ولا عدل
وليس كمثله شيء . وروي عن أبي العالية : إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم
فقالوا : انسب لنا ربك . قال : فأتاه جبريل بهذه السورة " قل هو الله أحد " , فذكر نحوه , ولم يذكر فيه عن أبي بن كعب , وهذا صحيح ; قاله الترمذي .

قلت : ففي هذا الحديث إثبات لفظ " قل هو الله أحد " وتفسير الصمد , وقد تقدم .
وعن عكرمة نحوه . وقال ابن عباس : " لم يلد " كما ولدت مريم , ولم يولد كما ولد عيسى وعزير .
وهو رد على النصارى , وعلى من قال : عزير ابن الله .



فضل سورة الأخلاص

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليله ثلث القرآن قالوا :
وكيف يقرأ ثلث القرآن قال : قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن
في شرح العقيدة الواسطية:

سورة الإخلاص هي سورة ﴿قُلْ هُوَاللَّهُ أَحَدٌ(1) اللَّهُ الصَّمَدُ(2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4)
وتسمية سور القرآن :
- تارة يكون باعتبار ذكر كلمة في السورة ليست في غيرها .
- أو باعتبار ذكر قصة في السورة مفصلة أكثر من غيرها من السور .
- أو باعتبار المعنى الذي في السورة وهذا ـ أو غير ذلك ـ
وهذه التسمية (سورة الإخلاص) بهذا الاعتبار الثالث ، وهي أنها سميت سورة الإخلاص مع أنها ليست فيها كلمة الإخلاص وذلك لأنها اشتملت على الإخلاص ، واشتمالها على الإخلاص من جهتين :
q الأولى أنها تورث صاحبها أعني المتدبر لها القارئ لها الإخلاص العلمي الاعتقادي لأنها صفة الله جل وعلا وقد جاء في الصحيح أن الصحابي قال للنبي صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ لما ذُكِرَ له أنه يقرأ سورة الإخلاص في مفتتح كل ركعة من الجهرية قال إنها صفة الرحمن وإني أحبها. فهي إذن فيها وصف الله جل وعلا ، ولهذا من تدبر هذا الوصف صار عنده الإخلاص في العلم والاعتقاد ونتبرأ من الشرك في العلم والاعتقاد ، والشرك في العلم والاعتقاد بكونه لا يُوَحِدُ الله في الأسماء والصفات ، والإخلاص في العلم والاعتقاد بكونه يوحد الله جل وعلا في الأسماء والصفات .
q ومن جهة أخرى فإنها ـ أعني سورة الإخلاص ـ أُخلِصَت لذكر صفة الله جل وعلا ، فهي مشتملة على صفة الله جل وعلا وحده ليس فيها وصف لغيره ، وليس فيها خبر عن غيره وليس فيها قصة وليس فيها حكم بل هي وصف لله جل وعلا ، فقد أخلصت لهذا .
فبالمعنى الأول ظاهر الاعتبار ـ أعني أنها من جهة أن من تدبرها يخلص لله جل وعلا - وبالاعتبار الثاني بالجهة الثانية أيضا المعنى صحيح لأنه يقال أخلص الشيء يخلصه إخلاصا وتخليصا بمعنى جعله متجردا لشيء دون غيره .


* تعدل ثلث القرآن
وكونها تعدل ثلث القرآن وجهها أبو العباس ابن سريج أحد أئمة الشافعية وتبعه العلماء على هذا التوجيه من أن القرآن منقسم إلى ثلاثة أقسام :
- فهو إما خبر عن الله جل وعلا وصفاته
- وإما خبر عن الأولين
- وإما أحكام
وقال غيرهم قالوا إنه منقسم إلى ثلاثة أقسام : أحكام وعقائد ووعد ووعيد .
وهذه السورة بهذا الاعتبار هي ثلث القرآن ، فإنها تعدل من هذه الجهة ثلث القرآن ، وكونها تعدل ثلث القرآن هذا يدل على أنها أفضل من بعض القرآن وذلك لأنها تعدل ثلثه ، يعني من الجهة التي ذكرت أي أنها في وصف الله جل وعلا ، وكونها تعدل ثلث القرآن يعني أن فيها فضيلة على غيرها من سور القرآن أو على غيرها من بعض سور القرآن .

وهذا المعنى مما تنازع الناس فيه ، يعني كون سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن ما وجهه ؟
اختلف الناس في ذلك والذي عليه أئمة أهل السنة والجماعة بل والسلف بعامة وهو شبه إجماع بينهم أن كونها تعدل ثلث القرآن يدل على أنها أفضل من بعض القرآن ، والقرآن بعضه أفضل من بعض كما أن صفات الله جل وعلا بعضها يفضل بعضا .

قال عليه الصلاة والسلام داعيا الله جل وعلا (أعوذ برضاك من سخطك) قال أيضا مخبرا عن ربه جل وعلا (إن رحمتي سبقت غضبي) وهذا يدل على أن بعض الصفات أفضل من بعض وأيضا بعض الصفة قد يكون أفضل من بعضها الأخر وهذا يترتب عليه أن يكون بعض القرآن أفضل من بعضه الآخر ، ولهذا صارت الفاتحة هي أعظم سورة في القرآن وآية الكرسي هذه أعظم آية في القرآن وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن .
هذا مذهب أهل السنة والجماعة في تفضيل بعض صفات الله على بعض وتفضيل بعض القرآن على بعض .

الشرح:

(قل هو) الذي سألتم عنه (الله أحد) و(أحد) بمعنى الواحد الذي لم يَشرَكهُ شيء في وحدانيته .

وأحدية الله جل وعلا يعني وحدانيته في ربوبيته وفي إلهيته وفي أسمائه وصفاته ، فهو جل وعلا واحد في ربوبيته لا شريك له ، أو نقول واحد في ربوبيته لا شريك له أي لا مشارك لا وزير له لا معاون له وهذه كلها ادعاها المشركون ، وهو واحد جل وعلا في إلهيته لا شريك له فيها أي استحقاق العبادة وهو واحد جل وعلا في أسمائه وصفاته لا مثيل له ولا نظير ولا كفو ولا سمي له في أسمائه وصفاته .

فإذن قوله ﴿هُوَ اللَّهُ أَحَدْ﴾ هذا يشمل أنواع التوحيد الثلاثة ، توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات .

هنا بعدها بين جل وعلا بعض التفصيل لكلمة (أحد) فقال سبحانه :
﴿اللَّهُالصَّمَدُ﴾ هذا مبتدأ الله ، خبره الصمد ، ويقول علماء البلاغة إن الخبر إذا جاء معرفا بالألف واللام فإنه يقتضي الحصر ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ يعني الذي ليس صَمَد إلا هو ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ يعني الله الذي لا يستحق الصمدية إلا هو ، ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ يعني هو الذي قـُصِـرت عليه وحُصِـرت فيه معاني الصمدية على وجه الكمال ، وأما البشر فإنهم يقال عنهم فلان صمد ، فلان صمد إذا كان يُصمَد إليه ـ ويأتي معنى ذلك إن شاء الله تعالى .

إذن فقوله ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ فيها حصر الصمدية ، حصر الصمْد في الله جل وعلا ، فالله من أسمائه (الصمد) فما معنى (الصمد) ؟

المفسرون من السلف اختلفوا في تفسيرها على قولين مشهورين وكل قول فيه تفاصيل وأيضا القول منهما يدل على الآخر بنوع من الدلالة .

- أما القول الأول فهو أن (الصمد) هو الذي لا جوف له ، (الصمد) كما فسرها ابن مسعود ورويت عنه موقوفة ومرفوعة أيضا لكن لا يصح المرفوع وأيضا رويت عن ابن عباس وعن جماعة من مفسري السلف بأن (الصمد) الذي لا جوف له ، وهذا بمعنى أنه لا يتخلل ذاته جل وعلا شيء بل هو جل وعلا واحد بالذات .

والمخلوقات غير الملائكة لها جوف يدخل فيها ما يدخل ويخرج منها ما يخرج ويلدون ويحمل منهم من يحمل ويلد من يلد ويأكلون ويشربون ويتغوطون وهذه كلها من صفات النقص ، ولهذا فسرها بعضهم بأن (الصمد) الذي لا يأكل ولا يشرب .

- وقال بعضهم (الصمد) تفسيره ما بعده وهو قوله ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وهذه كلها في المعنى واحدة وهو أن (الصمد) الذي لا جوف له لأن الأكل والشرب يحتاج إلى جوف يمر فيه ، وكذلك الولادة يحتاج أن تخرج من جوف والله جل وعلا (صمد) ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ هذا هو المعنى الأول، وهذا قال ابن قتيبة وابن الأنباري هذا مأخوذ من (الصَمَت) بالتاء ، فكأن الدال هنا في قوله (الصمد) مبدلة من التاء ، من الصمْت أو المُصمَت من الشيء المصمت وهو الذي لا شيء في داخله ، قالوا الدال مبدلة من التاء ، وهذا رده شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله وقال ليس هذا بوجيه بل الأولى أن يحمل هذا على الاشتقاق الأكبر وهذا صحيح ، لأن (الصمد) والصَمَت يعني المُصمَت و (الصمد) بينهما اشتقاق أكبر ، فبينهما اتصال في المعنى .

- أما القول الثاني وهو أيضا مروي عن ابن عباس وجماعة كثير من المفسرين من السلف فمن بعدهم أن (الصمد) هو الذي كَمُلَ في صفات الكمال وهو الذي يستحق أن يُصمَد إليه في الحوائج يعني يُسأل ويُطلب ويرغب فيما عنده وهو الذي يأتي بالخيرات وهو الذي يدفع الشرور عن من يَصمِد إليه ، وهذا مروي من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس في صحيفة التفسير الصحيحة المعروفة حيث قال (الصمد) هو السيد الذي كمل في سؤدده ، الشريف الذي كمل في شرفه ، العظيم الذي كمل في عظمته ، الحليم الذي كمل في حلمه ، العليم الذي كمل في علمه .

يعني أن (الصمد) هو الذي اجتمعت له صفات الكمال .
وعلى هذا هو الذي يُصمَد إليه يعني يُتوجه إليه بطلب الحوائج إما بجلب المسرات أو دفع الشرور والمضرات ، وهذا معروف من جهة الاشتقاق ، من جهة الصَّمْد ، صَمَدَ إلى الشيء بمعنى توجه إليه وقد جاء في السنن (أن النبي صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ كان إذا صلى إلى عمود أو إلى سارية لم يَصْمُدْ إليه صَمْدا وإنما جعله عن يمينه أو عن يساره) وهذا الحديث استدل به شيخ الاسلام في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم في موضع وفي إسناده ضعف لكن المقصود هنا من الشاهد اللغوي ، كان لا يصمد له بمعنى لا يتوجه إليه صمدا ، يتوجه إليه دون غيره بمعنى يكون مقابلا له متوجها له دون ما سواه .

وهذا إنما هو لله جل وعلا ، أما المخلوق فإنه وإن صُمِدَ إليه بمعنى إن تُوُجِّه إليه في الحاجات فهو أيضا يحتاج إلى أن يصْمُد وأن يَصْمِد إلى غيره ، أما الله جل وعلا فهو الذي كملت له أنواع الصمود وهو أنه الذي لا يستغني شيء عن أن يتوجه إليه وعن أن يصمِد إليه ، وهو جل وعلا مستغنٍ عن أن يَصْمِد إلى شيء ، ولهذا فسرها من فسرها من السلف قال (الصمد) هو المستغني عما سواه الذي يحتاج إليه كل ما عداه ، فسرت (الصمد) بذلك وهذا يعني أن الصمدية راجعة إلى صفة الله أولا ثم إلى فعل العبد ، يعني العباد هم الذين يصمدون إليه .

فإذن على هذين التفسيرين يكون قوله ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ فيها صفة الله جل وعلا ـ القول الأول - والثاني فيها أنواع صفات الله جل وعلا لأن معنى (الصمد) السيد الذي قد كمل في سؤدده الشريف الذي كمل في شرفه يعني (الصمد) من كملت له صفات الكمال ، وهذا ثابت في حق الله وأيضا على هذا يكون (الصمد) الذي يُصمَد إليه في الحوائج ، فيكون على هذا التفسير يكون قد جمعت كلمة (الصمد) بين توحيد الأسماء والصفات وبين توحيد الألهية ، لأن الذي يُصْمَد إليه وحده في الحوائج يُرغب إليه وحده يُطلب منه السؤال وحده يُحتاج إليه وحده ، هو (الصمد) وهو الله جل وعلا ، وفي هذا رد على المشركين الذين ألهوا غير الله أو وصفوا الله جل وعلا بصفات النقص من اليهود والنصارى والمشركين ومن شابههم .

قال هنا ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ، ما قبلها وهي كلمة (الصمد) ذكرت لكم أن منهم من فسرها بما بعدها وهي قول ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ
......

نعم كلا المعنيين صحيح ورجح شيخ الاسلام أن المعنى الأول والثاني متلازم ، متلازم ، هذا وهذا ، هذا يلزم هذا وهذا يلزم هذا .

قال هنا ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْوهذا نفي ، وقوله ﴿لَمْ يَلِدْ يعني لم يخرج منه ولد فيرثه في ملكه ، وقوله ﴿لَمْ يَلِدْ﴾ يعني لم يخرج من شيء فيكون هو وارثا له ، بل هو جل وعلا المستحق للملك بذاته ، هو جل وعلا ذو الملكوت هو صاحب ذلك المستحق له لم يحتج جل وعلا إلى غيره سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً .

وهذا النفي قوله ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ كما قررت لك فيما سلف في الدرس الماضي أن النفي في الكتاب والسنة إذا كان في صفات الله فإنه لا يكون مدحا إلا إذا اقتضى إثباتَ الصفة ، وهذه الصفة التي تثبت هي ضد الصفة المذكور نفيها ، وهنا نفيت عن الله جل وعلا صفتان ، صفة أنه يلد وصفة أنه يولد ، وهاتان الصفتان هي في المخلوق من صفات النقص لا من صفات الكمال لأن المخلوق يحتاج في إيجاده إلى أن يُحمَلَ به ويحتاج هو إلى أن يلد حتى يبقى ، فإذن كونه ولد وكونه يولد هذا من صفات النقص فيه لأنها دليل على عدم استغنائه ، دليل على حاجته دليل على فقره دليل على ضعفه وهذا منتفٍ عن الله جل وعلا .

فإذن ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ هذا نفي وهذا النفي يراد به إثبات كمال ضده ، وكمال ضد هذا النفي هو كمال (غنى ) الله جل وعلا ، ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ لِم ؟

لكمال غناه ولكمال صمديته ـ الذي هو بالمعنى الأول ـ ولكمال جبروته ولكمال قهره جل وعلا ولكمال صفاته ، فإذن ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ فيها إثبات لكمال صفة مضادة لهذا وهي صفة (الغنى) لله جل وعلا وعدم الاحتياج بخلاف المخلوقين الذين يحتاجون إلى أن يولدوا ويحتاجون إلى أن يلدوا وهم محتاجون إلى كلتا الجهتين في كل مخلوق يلد ويولد .

قال بعدها ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ هذا النفي مجمل ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ وما قبله إثبات مفصل ، وهذا أحد الأدلة على أن القرآن فيه النفي المجمل وفيه الإثبات المفصل :
أما الإثبات المفصل في هذه السورة فهو قوله ﴿اللَّهُ أَحَدٌ و (أحد) فيها إجمال لكنها باعتبار أفرادها بأنواع التوحيد الثلاثة يكون ذلك مفصلا ، وقوله ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ ما يشمله من الصفات كذلك باعتبار أفرادها يكون مفصلا .
قوله ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ هذا نفي مجمل ، أما قوله ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ فهل يعد من النفي المفصل ؟
هذا الجواب عنه أن هذا النفي من جنس ما في القرآن من النفي وهو أنه لا يراد به تفصيل النفي وإنما يراد به إثبات كمال الضد .
ومعنى ذلك أن النفي إذا ورد في القرآن مفصلا فهو محمول على الإثبات المفصل لأن المراد منه إثبات كمال الضد ، وكمال الضد في قوله ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ هي صفة (الغنى) التام وأنواع الكمال في الأوصاف وهذا من الإثبات المفصل .
قال هنا ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ ، أحد هذه اسم يكن ، لم يكن كفوا له أحدٌ ، هذا السياق ، هنا قال ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ فقدم خبر يكن على اسمها لأنه هو المقصود ، فالمقصود نفي المماثلة ، نفي أن يكون ثم كفؤ وليس المقصود الإخبار ، ليس المقصود أن يثبـِت لغيره المشابهة وإنما المقصود أنه ليس له كفوا أحد وهذا من أسرار التقديم ، فإنه إذا كان الخبر أهم فإنه يقدَّم ، إذا كان هو المقصود يكون مقدما لأن المقصود بالإخبار تارة يكون المبتدأ وتارة في النفي يكون الخبر .
قال هنا سبحانه ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ يعني لهذا الذي وصف لله جل وعلا (كفوا) و (كفوا) فيها قراءتان ، قراءة هذه قراءتنا بضمتين الكاف مضمومة والفاء مضمومة ﴿لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ .
وأما قراءة غير حفص فإنه يقرؤها ـ مثل نافع وغيره ـ يقرؤنها بالإسكان ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًافمن الغلط أن تُقرأ ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ لمن يقرأ بقراءة حفص عن عاصم يعني برواية حفص عن عاصم .
(الكفو) المنفي هنا ذكرنا لكم معناه فيما سبق وهو أن (الكفو) المثيل والنظير والشبيه قال تعالى ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً﴾ و (الأنداد) جمع ند وهو الكفؤ والنظير والمثيل ، وذكرت لكم قول الشاعر :
أتهجوه ولست له بكفؤ - حسان في مدح النبي صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ - يعني ولست له بند ، فالكفو والكفؤ من المكافأة وهي المسواة ، ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا يعني لم يكن له ندا ، لم يكن له نظيرا ، لم يكن له مثيلا ، لم يكن له سميا (أحد) .
و (أحد) هنا نكرة في سياق النفي فهي تعم كل من صدق عليه اسم أحد في النفي ، تعم كل أحد ﴿لَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌيعني من خلقه ، فلا أحد يكافئه ولا يماثله لا في ذاته جل وعلا ولا في صفاته ولا في أسمائه فإنه لا مثيل له ولا نظير ولا مكافئ ولا عِدْل ، تبارك ربنا وتقدس وتعاظم.
هذه السورة فيها إذن إثبات الصفات .





أرب جمـال 13 - 8 - 2010 09:57 PM

اللغز الثاني والعشرون


في يوم ميلاد النبي
في فرحةٍ قام الشقي
بعتق جاريةٍ له
جاءته بالخبر البهي
لكنه لما أتى
بالوحي في أمرٍ جلي
كانت عداوته له
ضرب المثال لكل حي
قام الشقي مكذبا
خير الأنام معذبا
تبت يداه وزوجه
عن كل خير قد نبا
تبت يداه فما له
ظن المخاسر مكسبا
يا مؤمنون تدبروا
شر التحاسد فاحذروا
إن الذي لم يرضه
قسم القضاء لخاسرُ

سورة المسد

مقصودها:
مقصودها البت والقطع الحتم بخسران الكافر ولو كان أقرب الخلق إلى أعظم الفائزين ، اللازم عنه أن شارع الدين له من العظمة ما يقصر عنه الوصف ، فهو يفعل ما يشاء لأنه لا كفو - له أصلا ، حثا على التوحيد من سائر العبيد ولذلك بين سورة الإخلاص المقرون بضمان النصر وكثرة الأنصار ، واسمها تبت واضح الدلالة على ذلك بتأمل السورة على هذه الصورة


أسباب النزول:
بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري أخبرنا حاجب بن أحمد أخبرنا محمد بن حماد أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم الصفا فقال: يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا له: ما لك قال: أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقون قالوا: بلى قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب: تباً لك ألهذا دعوتنا جميعاً فأنزل الله عز وجل (تَبَّت يَدا أَبي لَهَبٍ وَتَبَّ) إلى آخرها. رواه البخاري عن محمد بن سلام عن أبي معاوية إلى آخرها.

الرجل هو أبو لهب مات كمدا على ما حدث لقريش في بدر وقد أصيب بمرض جلديّ
******************

تفسيرها للشيخ عبدالعزيز السعيد:
تفسير سورة المسد


بسم الله الرحمن الرحيم: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ

هذه السورة بيّن الله -جل وعلا- فيها خسارة عدو من أعداء الله -جل وعلا-، وإن كان قريبا من النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولكن وحي الله -جل وعلا- الذي أنزله على عبده ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لا يكتمه نبينا -صلى الله عليه وسلم- أبدا، ولو كتم شيئا لكتم مثل هذه السورة، لأنها نازلة في عمه -أخي أبيه-.

فأبو لهب هذا هو عبد العزى بن عبد المطلب، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، ثم إن هذه السورة تبين أن الهداية بيد الله -جل وعلا-، والإنسان دائما يكون حريصا على أن يهتدي الأقربون منه، ومع ذلك الله -جل وعلا- لم يهد عمّ نبينا -صلى الله عليه وسلم-، بل هو من أهل النار.

قال الله -جل وعلا-: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ في أول السورة دعا الله -جل وعلا- عليه بالخسارة والهلاك، ثم أخبر -جل وعلا- أنه خسر وهلك؛ فالأولى وهي قوله: " تَبَّتْ" هذه دعاء عليه، وقوله -جل وعلا- "وَتَبَّ" هذا خبر عن حاله ومصيره، وأنه تحقق له الهلاك.

وورودها جاء على سبب، وهو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كان في مكة خرج إلى البطحاء، وصعد الجبل وقال: ( يا صباحاه ) فاجتمعت إليه قريش، وكان منهم أبو لهب -قبحه الله-، فقال لهم -صلى الله عليه وسلم( لو حدثتكم أن عدوا مصبحكم أو مُمسيكم، أكنتم مُصدقيّ؟ قالوا: نعم. فقال -صلى الله عليه وسلم-: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد. فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا، تبا لك ) فأنزل الله -جل وعلا- على نبيه هذه السورة التي تضمنت أن أبا لهب هذا وامرأته لن تنفع فيهما الدعوة، وأنهم يموتون على الكفر والضلال بما سبق في علم الله -جل وعلا- أنهم لن يهتدوا.

ولهذا كان هناك جمع من المشركين يعادون نبينا -صلى الله عليه وسلم- ويؤذونه، ومع ذلك ما أنزل الله فيهم مثل هذه السورة؛ لأن الله -جل وعلا- قد علم من حال بعضهم أنه يموت على الإسلام.

قال الله -جل وعلا-: "مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ" أي: أن أبا لهب هذا ما أغنى عنه ماله الذي كان يملكه، وما أغنى عنه ما كسبه من الجاه والرئاسة والولد وغيرها من متاع الدنيا؛ لأنه لا يغني عن عذاب الله -جل وعلا- شيئا إلا ما جعله الله -جل وعلا- يقي الإنسان عذابه، وهو العمل الصالح بعد فضل الله ورحمته، وهذا كما قال الله -جل وعلا-: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ .
وقال الله -جل وعلا-: وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وذكر الله -جل وعلا- عن أهل النار أن أحدهم يقول: " مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ " فماله وما كسبه لا يدفع عنه من عذاب الله شيئا.
ثم قال الله -جل وعلا-: سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ أي: أن أبا لهب سيصليه الله -جل وعلا- نارا تضطرم وتتأجج، وهذا الصلي قد تقدم لنا أنه يكون في حق الكافرين، وذلك دليل على أنه يموت على الكفر -أعاذنا الله منه-.
قال الله -جل وعلا-: وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ أي: وامرأة أبي لهب، وهي أم جميل بنت حرب، أخت أبي سفيان بن حرب، ستصلى نارا ذات لهب مع زوجها. ويوم القيامة تحمل الحطب في نار جهنم؛ ليوقد به عليها وعلى زوجها جزاء ما كانت تصنعه إعانة لزوجها في عداوة النبي -صلى الله عليه وسلم- في الدنيا؛ إذ كانت تلقي في طريقه -صلى الله عليه وسلم- الأذى؛ لأنه دعا الناس إلى عبادة الله وحده.
وأخبر -جل وعلا- أنه يكون في عنقها يوم القيامة حبل مفتول من مسد، تُعذب به في نار جهنم، كما يُعذب أهل النار بالسلاسل والأغلال هي -كذلك- تُعذب بهذا الحبل، ولعله يكون سيما لها في نار جهنم؛ لأنها وزوجها كانا يَتَّبِعَان النبي -صلى الله عليه وسلم- ويؤذيانه.
كان أبو لهب إذا جاء النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى نوادي المشركين ومواسيمهم، يدعوهم إلى دين الله -جل وعلا- وقال لهم: ( قولوا: لا إله إلا لله تفلحوا قال: هذا صابئ كذاب )وامرأته كانت تعينه على ذلك بالقول والفعل، فعاقبهم الله -جل وعلا- في نار جهنم بعقاب يشهده أهل النار -أعاذنا الله منها-.

تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ

فيه ثلاث مسائل : الأولى : قوله تعالى : " تبت يدا أبي لهب "
في الصحيحين عن ابن عباس قال : لما نزلت " وأنذر عشيرتك الأقربين " [ الشعراء : 214 ]
ورهطك منهم المخلصين , خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا
فهتف : يا صباحاه ! فقالوا : من هذا الذي يهتف ؟ قالوا محمد . فاجتمعوا إليه . فقال :
[ يا بني فلان , يا بني فلان , يا بني فلان , يا بني عبد مناف , يا بني عبد المطلب ]
فاجتمعوا إليه . فقال : [ أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي ] ؟
قالوا : ما جربنا عليك كذبا . قال : [ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ] .
فقال أبو لهب : تبا لك , أما جمعتنا إلا لهذا ! ثم قام
فنزلت هذه السورة : " تبت يدا أبي لهب وقد تب "
كذا قرأ الأعمش إلى آخر السورة . زاد الحميدي وغيره : فلما سمعت امرأته
ما نزل في زوجها وفيها من القرآن , أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو جالس في المسجد عند الكعبة , ومعه أبو بكر رضي الله عنه
وفي يدها فهر من حجارة , فلما وقفت عليه أخذ الله بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلا ترى إلا أبا بكر . فقالت : يا أبا بكر , إن صاحبك قد بلغني أنه يهجوني
والله لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه
والله إني لشاعرة : مذمما عصينا وأمره أبينا ودينه قلينا ثم انصرفت .
فقال أبو بكر : يا رسول الله , أما تراها رأتك ؟
قال : [ ما رأتني , لقد أخذ الله بصرها عني ] .
وكانت قريش إنما تسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم مذمما ; يسبونه
وكان يقول : [ ألا تعجبون لما صرف الله عني من أذى قريش , يسبون ويهجون مذمما وأنا محمد ] .
وقيل : إن سبب نزولها ما حكاه عبد الرحمن بن زيد أن أبا لهب أتى النبي صلى الله عليه وسلم
فقال : ماذا أعطى إن آمنت بك يا محمد ؟ فقال : [ كما يعطى المسلمون ]
قال ما لي عليهم فضل ؟ . قال : [ وأي شيء تبغي ] ؟
قال : تبا لهذا من دين , أن أكون أنا وهؤلاء سواء ; فأنزل الله تعالى فيه .
" تبت يدا أبي لهب وتب " . وقول ثالث حكاه عبد الرحمن بن كيسان قال :
كان إذا وفد على النبي صلى الله عليه وسلم وقد انطلق إليهم أبو لهب
فيسألونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون له : أنت أعلم به منا .
فيقول لهم أبو لهب : إنه كذاب ساحر . فيرجعون عنه ولا يلقونه .
فأتى وفد , ففعل معهم مثل ذلك , فقالوا : لا ننصرف حتى نراه , ونسمع كلامه .
فقال لهم أبو لهب : إنا لم نزل نعالجه فتبا له وتعسا . فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاكتأب لذلك ; فأنزل الله تعالى : " تبت يدا أبي لهب " ... السورة .
وقيل : إن أبا لهب أراد أن يرمي النبي صلى الله عليه وسلم بحجر , فمنعه الله من ذلك
وأنزل الله تعالى : " تبت يدا أبي لهب وتب " للمنع الذي وقع به .
ومعنى " تبت " : خسرت ; قال قتادة . وقيل : خابت ; قال ابن عباس .
وقيل : ضلت ; قاله عطاء . وقيل : هلكت ; قاله ابن جبير .
وقال يمان بن رئاب : صفرت من كل خبر .
حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه لما قتل عثمان رحمه الله سمع الناس هاتفا يقول :
لقد خلوك وانصرفوا فما أبوا ولا رجعوا ولم يوفوا بنذرهم فيا تبا لما صنعوا وخص اليدين بالتباب
لأن العمل أكثر ما يكون بهما ; أي خسرتا وخسر هو . وقيل : المراد باليدين نفسه .
وقد يعبر عن النفس باليد , كما قال الله تعالى : " بما قدمت يداك " [ الحج : 10 ] .
أي نفسك . وهذا مهيع كلام العرب ; تعبر ببعض الشيء عن كله ; تقول :
أصابته يد الدهر , ويد الرزايا والمنايا ; أي أصابه كل ذلك .
قال الشاعر : لما أكبت يد الرزايا عليه نادى ألا مجير " وتب "
قال الفراء : التب الأول : دعاء والثاني خبر ; كما يقال : أهلكه الله وقد هلك .
وفي قراءة عبد الله وأبي " وقد تب "
وأبو لهب اسمه عبد العزى , وهو ابن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم .
وامرأته العوراء أم جميل , أخت أبي سفيان بن حرب , وكلاهما
كان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم .
قال طارق بن عبد الله المحاربي : إني بسوق ذي المجاز , إذ أنا بإنسان يقول :
[ يأيها الناس , قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ] , وإذا رجل خلفه يرميه , قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول :
يأيها الناس , إنه كذاب فلا تصدقوه . فقلت من هذا ؟ فقالوا : محمد , زعم أنه نبي .
وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب . وروى عطاء عن ابن عباس قال :
قال أبو لهب : سحركم محمد إن أحدنا ليأكل الجذعة , ويشرب العس من اللبن فلا يشبع
وإن محمدا قد أشبعكم من فخذ شاة , وأرواكم من عس لبن .

الثانية : قوله تعالى : " أبي لهب " قيل : سمي باللهب لحسنه , وإشراق وجهه .
وقد ظن قوم أن في هذا دليلا على تكنية المشرك ; وهو باطل
وإنما كناه الله بأبي لهب - عند العلماء - لمعان أربعة : الأول : أنه كان اسمه عبد العزى
والعزى : صنم , ولم يضف الله في كتابه العبودية إلى صنم .
الثاني : أنه كان بكنيته أشهر منه باسمه ; فصرح بها . الثالث : أن الاسم أشرف من الكنية
فحطه الله عز وجل عن الأشرف إلى الأنقص ; إذا لم يكن بد من الإخبار عنه
ولذلك دعا الله تعالى الأنبياء بأسمائهم , ولم يكن عن أحد منهم .
ويدلك على شرف الاسم على الكنية : أن الله تعالى يسمى ولا يكنى
وإن كان ذلك لظهوره وبيانه ; واستحالة نسبة الكنية إليه , لتقدسه عنها .
الرابع - أن الله تعالى أراد أن يحقق نسبته , بأن يدخله النار , فيكون أبا لها , تحقيقا للنسب
وإمضاء للفأل والطيرة التي اختارها لنفسه . وقد قيل : اسمه كنيته .
فكان أهله يسمونه أبا لهب , لتلهب وجهه وحسنه ; فصرفهم الله عن أن يقولوا : أبو النور
وأبو الضياء , الذي هو المشترك بين المحبوب والمكروه
وأجرى على ألسنتهم أن يضيفوه إلى لهب الذي هو مخصوص بالمكروه المذموم , وهو النار .
ثم حقق ذلك بأن يجعلها مقره . وقرأ مجاهد وحميد وابن كثير وابن محيصن . " أبي لهب " بإسكان الهاء . ولم يختلفوا في " ذات لهب " إنها مفتوحة ; لأنهم راعوا فيها رءوس الآي .


الثالثة : قال ابن عباس : لما خلق الله عز وجل القلم قال له : اكتب ما هو كائن
وكان فيما كتب " تبت يدا أبي لهب " . وقال منصور : سئل الحسن عن قوله تعالى : " تبت يدا أبي لهب " .
هل كان في أم الكتاب ؟ وهل كان أبو لهب يستطيع ألا يصلى النار ؟
فقال : والله ما كان يستطيع ألا يصلاها
وإنها لفي كتاب الله من قبل أن يخلق أبو لهب وأبواه .
ويؤيده قول موسى لآدم : ( أنت الذي خلقك الله بيده , ونفخ فيك من روحه
وأسكنك جنته , وأسجد لك ملائكته , خيبت الناس , وأخرجتهم من الجنة .
قال آدم : وأنت موسى الذي اصطفاك بكلامه , وأعطاك التوراة
تلومني على أمر كتبه الله علي قبل أن يخلق الله السموات والأرض .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فحج آدم موسى ) . وقد تقدم هذا .
وفي حديث همام عن أبي هريرة أن آدم قال لموسى : ( بكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن يخلقني ) ؟
قال : بألفي عام قال : فهل وجدت فيها : " وعصى آدم ربه فغوى " قال : نعم قال :
أفتلومني على أمر وكتب الله علي أن أفعله من قبل أن أخلق بألفي عام . فحج آدم موسى ) .
وفي حديث طاوس وابن هرمز والأعرج عن أبي هريرة : [ بأربعين عاما ] .

تفسير الشيخ ابن عثيمين لجزء عم:
تفسير سورة المسد
‏{‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ‏}‏‏.‏

البسملة تقدم الكلام عليها‏.‏ هذا القرآن فيه من الدلالات الكثيرة ما يدل دلالة واضحة على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلّم - حق، ليس يدعو لملك ولا لجاه، ولا لرئاسة قومه، وأعمام الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - انقسموا في معاملته ومعاملة ربه عز وجل إلى ثلاثة أقسام‏:‏ قسم آمن به وجاهد معه، وأسلم لله رب العالمين‏.‏ وقسم ساند وساعد، لكنه باق على الكفر‏.‏ وقسم عاند وعارض، وهو كافر‏.‏ فأما الأول‏:‏ فالعباس بن عبدالمطلب، وحمزة بن عبدالمطلب‏.‏ والثاني‏:‏ أفضل من الأول؛ لأن الثاني من أفضل الشهداء عند الله عز وجل، ووصفه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بأنه أسد الله، وأسد رسوله، واستشهد رضي الله عنه في أحد في السنة الثانية من الهجرة‏.‏ أما الذي ساند وساعد مع بقائه على الكفر فهو أبو طالب، فأبو طالب قام مع النبي - صلى الله عليه وسلّم - خير قيام في الدفاع عنه ومساندته ولكنه - والعياذ بالله - قد سبقت له كلمة العذاب، لم يُسلم حتى في آخر حياته في آخر لحظة من الدنيا عرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلّم - أن يسلم لكنه أبى بل ومات على قوله‏:‏ إنه على ملة عبدالمطلب، فشفع له النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - حتى كان في ضحضاح من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه‏.‏ أما الثالث‏:‏ الذي عاند وعارض فهو أبو لهب‏.‏ أنزل الله فيه سورة كاملة تُتلى في الصلوات فرضها ونفلها، في السر والعلن، يُثاب المرء على تلاوتها، على كل حرف عشر حسنات‏.‏ يقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ‏}‏ وهذا رد على أبي لهب حين جمعهم النبي - صلى الله عليه وسلّم - ليدعوهم إلى الله فبشر وأنذر، قال أبو لهب‏:‏ تبًّا لك ألهذا جمعتنا، قوله‏:‏ ‏"‏ألهذا جمعتنا‏"‏ إشارة للتحقير، يعني هذا أمر حقير ما يحتاج أن يُجمع له زعماء قريش وهذا كقوله‏:‏ ‏{‏أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 36‏]‏‏.‏ والمعنى تحقيره، فليس بشيء ولا يهتم به كما قالوا‏:‏ ‏{‏وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ‏}‏ ‏[‏الزخرف‏:‏ 31‏]‏‏.‏ فالحاصل أن أبا لهب قال‏:‏ تبًّا لك ألهذا جمعتنا، فرد الله عليه بهذه السورة‏:‏ ‏{‏تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ‏}‏ والتباب الخسار‏.‏ كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبَابٍ‏}‏ ‏[‏غافر‏:‏ 37‏]‏‏.‏ أي‏:‏ خسار‏.‏ وبدأ بيديه قبل ذاته؛ لأن اليدين هما آلتا العمل والحركة، والأخذ والعطاء وما أشبه ذلك‏.‏ وهذا اللقب أبو لهب، لقب مناسب تمامًا لحاله ومآله، وجه المناسبة أن هذا الرجل سوف يكون في نار تلظى، تتلظى لهبًا عظيمًا مطابقة لحاله ومآله‏.‏ يقول الشاعر‏:‏ قل إن أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه ولما أقبل سهيل بن عمرو في قصة غزوة الحديبية قال الرسول - صلى الله عليه وسلّم - ‏:‏ ‏(‏هذا سهيل بن عمرو، وما أراه إلا سهل لكم من أمركم‏)‏، لأن الاسم مطابق للفعل‏.‏ يقول الله عز وجل‏:‏ ‏{‏مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ‏}‏ ‏"‏ما‏"‏ هذه يحتمل أن تكون استفهامية والمعنى‏:‏ أي شيء أغنى عنه ماله وما كسب‏؟‏ والجواب‏:‏ لا شيء، ويحتمل أن تكون ‏(‏ما‏)‏ نافية‏.‏ أي ما أغنى عنه، أي لم يغنِ عنه ماله وما كسب شيئًا، وكلا المعنيين متلازمان، ومعناهما‏:‏ أن ماله وما كسب لم يغنِ عنه شيئًا، مع أن العادة أن المال ينفع، فالمال يفدي به الإنسان نفسه لو تسلط عليه عدو وقال‏:‏ أنا أعطيك كذا وكذا من المال وأطلقني، يطلقه، لكن قد يطلب مالًا كثيرًا أو قليلًا، ولو مرض انتفع بماله، ولو جاع انتفع بماله، فالمال ينفع، لكن النفع الذي لا ينجي صاحبه من النار، ليس بنفع‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏{‏مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ‏}‏‏.‏ يعني من الله شيئًا قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كَسَبَ‏}‏ قيل المعنى‏:‏ وما كسب من الولد‏.‏ كأنه قال‏:‏ ما أغنى عنه ماله وولده‏.‏ كقول نوح‏:‏ ‏{‏وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَارًا‏}‏ ‏[‏نوح‏:‏ 21‏]‏‏.‏ فجعلوا قوله‏:‏ ‏{‏وَمَا كَسَبَ‏}‏ يعني بذلك الولد‏.‏ وأيدوا هذا القول بقول النبي - صلى الله عليه وسلّم - ‏:‏ ‏(‏إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم‏)‏‏.‏ والصواب أن الآية أعم من هذا، وأن الآية تشمل الأولاد، وتشمل المال المكتسب الذي ليس في يده الان، وتشمل ما كسبه من شرف وجاه‏.‏ كل ما كسبه مما يزيده شرفًا وعزًّا فإنه لا يُغني عنه شيئًا ‏{‏مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ‏}‏‏.‏ ‏{‏سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ‏}‏ السين في قوله‏:‏ ‏{‏سَيَصْلَى‏}‏ للتنفيس المفيد للحقيقة والقرب‏.‏ يعني أن الله تعالى توعده بأنه سيصلى نارًا ذات لهب عن قريب؛ لأن متاع الدنيا والبقاء في الدنيا مهما طال فإن الاخرة قريبة، حتى الناس في البرزخ وإن مرت عليهم السنين الطوال فكأنها ساعة ‏{‏كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِّن نَّهَارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ‏}‏ ‏[‏الأحقاف‏:‏ 35‏]‏‏.‏ وشيء مقدر بساعة من نهار فإنه قريب‏.‏ ‏{‏وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ‏}‏ يعني كذلك امرأته معه، وهي امـرأة من أشراف قريش لكن لم يغنِ عنها شرفها شيئًا لكونها شاركت زوجها في العداء والإثم، والبقاء على الكفر‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏حَمَّالَةَ الْحَطَبِ‏}‏ قُـرأت بالنصب والرفع، أما النصب فإنها تكون حالًا لامرأة، يعني وامرأته حال كونها حمالة الحطب‏.‏ أو تكون منصوبة على الذم لأن النعت المقطوع يجوز نصبه على الذم‏.‏ أي أذم حمالة الحطب‏.‏ وأما على قراءة الرفع فهي صفة لامرأة ‏{‏حَمَّالَةَ الْحَطَبِ‏}‏ ‏{‏حَمَّالَةَ‏}‏ صيغة مبالغة أي تحمله بكثرة، وذكروا أنها تحمل الحطب الذي فيه الشوك وتضعه في طريق النبي - صلى الله عليه وسلّم - من أجل أذى الرسول - صلى الله عليه وسلّم ـ‏.‏ ‏{‏فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ‏}‏ الجيد‏:‏ العنق، والحبل معروف، والمسد‏:‏ الليف‏.‏ يعني أنها متقلدة حبلًا من الليف تخرج به إلى الصحراء لتربط به الحطب الذي تأتي به لتضعه في طريق النبي - صلى الله عليه وسلّم - نعوذ بالله من ذلك، وهو إشارة إلى دنو نظرتها، وأنها أهانت نفسها، امرأة من قريش من أكابر قبائل قريش تخرج إلى الصحراء وتضع هذا الحبل في عنقها، وهو من الليف مع ما فيـه من المهانة، لكن من أجل أذية الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم ـ‏.‏ نسأل الله العافية‏.‏ وبهذا ينتهي الكلام بما يسر الله عز وجل على هذه السورة‏.‏




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:02 PM

اللغز الثالث والعشرون



أكرم بها من سورةٍ غراءِ
قد أشرقت في مهجتي بضياءِ
فيها مواساة الرسول لحرصه
أن يهتدي الماضون في الظلماءِ
ضربت له مثلاً بفرعون الذي
عم العباد برهبةٍ وشقاءِ
وبصبر موسى حين عانى كيده
وبصبر سحارٍ على الإيذاءِ
وبها خليل الله ينهى قومه
عن غيهم بالحجة البيضاءِ
وبها نجاة المتقين وسعدهم
وهلاك من سلكوا طريق شقاءِ
وبها حوار الأنبياء ومن عصى
كي نتقي ما كان من أدواءِ
وبها ختام خصنا وأرادنا
فتنبهوا يا معشر الشعراءِ

سورة الشعراء

مقصودها:
أن هذا الكتاب بين في نفسه بإعجازه أنه من عند الله ، مبين لكل ملتبس ، ومن ذلك بيان آخر التي قبلها بتفصيلهن وتنزيله على أحوال الأمم وتمثيله ، وتسكين أسفه ( صلى الله عليه وسلم ) خوفاً من أن يعم أمته الهوان بعدم الإيمان ، وأن يشتد قصدهم لأتباعه بالأذى والعدوان بما تفهمه ) سوف ( من طول الزمان ، بالإشارة غلى إهلاك من علم منه دوام العصيان ، ورحمة من أراده للهداية والإحسان ، وتسميتها بالشعراء أدل دليل على ذلك بما يفارق به القرآن الشعر من علو مقامه ، واستقامة مناهجه وعز مرامه ، وصدق وعده ووعيده وعدل تبشيره وتهديده ، وكذا تسميتها بالظلة إشارة إلى أنه أعدل في بيانه ، أو أدل في جميع شأنه ، من المقادير التي دلت عليها قصة شعيب عليه السلام بالمكيال والميزان ، وأحرق من الظلة لمن يبارزه بالعصيان


الآيات التي اشارت إليها الابيات
أكرم بها من سورةٍ غراءِ
قد أشرقت في مهجتي بضياءِ
فيها مواساة الرسول لحرصه
أن يهتدي الماضون في الظلماءِ
طسم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ

ضربت له مثلاً بفرعون الذي
عم العباد برهبةٍ وشقاءِ
وبصبر موسى حين عانى كيده
وبصبر سحارٍ على الإيذاءِ
وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إن كُنتُم مُّوقِنِينَ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ
إلى آخر القصة

وبها خليل الله ينهى قومه
عن غيهم بالحجة البيضاءِ
وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ

وبها نجاة المتقين وسعدهم
وهلاك من سلكوا طريق شقاءِ
وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ
وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ

وبها حوار الأنبياء ومن عصى
كي نتقي ما كان من أدواءِ
الآيات كثيرة

وبها ختام خصنا وأرادنا

فتنبهوا يا معشر الشعراءِ
وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ

سبب النزول ورد في تفسير ابن كثير:
روى ابن أبي حاتم أيضا عن أبي سعيد الأشج عن أبي أسامة عن الوليد بن أبي كثير عن زيد بن عبد الله عن أبي الحسن مولى بني نوفل أن حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت هذه الآية" والشعراء يتبعهم الغاوون " يبكيان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرؤها عليهما" والشعراء يتبعهم الغاوون - حتى بلغ - إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " قال " أنتم " وقال أيضا حدثنا أبي حدثنا أبو مسلم حدثنا حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن عروة قال : لما نزلت" والشعراء يتبعهم الغاوون " إلى قوله " وأنهم يقولون ما لا يفعلون " قال عبد الله بن رواحة يا رسول الله قد علم الله أني منهم فأنزل الله تعالى " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " الآية وهكذا قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وزيد بن أسلم وغير واحد أن هذا استثناء مما تقدم. ولا شك أنه استثناء ولكن هذه السورة مكية فكيف يكون سبب نزول هذه الآيات شعراء الأنصار ؟ وفي ذلك نظر ولم يتقدم إلا مرسلات لا يعتمد عليها والله أعلم ولكن هذا الاستثناء يدخل فيه شعراء الأنصار وغيرهم حتى يدخل فيه من كان متلبسا من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله ثم تاب وأناب ورجع وأقلع وعمل صالحا وذكر الله كثيرا في مقابلة ما تقدم من الكلام السيئ فإن الحسنات يذهبن السيئات وامتدح الإسلام وأهله مقابلة ما كان يذمه كما قال عبد الله بن الزبعرى حين أسلم : يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور إذ أباري الشيطان في سنن الغ ي ومن مال ميله مثبور وكذلك أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب كان من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمه وأكثرهم له هجوا فلما أسلم لم يكن أحد أحب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما كان يهجوه ويتولاه بعدما كان قد عاداه وهكذا روى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أن أبا سفيان صخر بن حرب لما أسلم قال يا رسول الله ثلاث أعطنيهن قال " نعم " قال : معاوية تجعله كاتبا بين يديك قال " نعم " قال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال " نعم " وذكر الثالثة ولهذا قال تعالى : " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا " قيل معناه ذكروا الله كثيرا في كلامهم وقيل في شعرهم وكلاهما صحيح مكفر لما سبق وقوله تعالى : " وانتصروا من بعد ما ظلموا" قال ابن عباس يردون على الكفار الذين كانوا يهجون به المؤمنين وكذا قال مجاهد وقتادة وغير واحد وهذا كما ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان " اهجهم - أو قال - هاجهم وجبريل معك " وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل قد أنزل في الشعراء ما أنزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأن ما ترمونهم به نضح النبل " وقوله تعالى : " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " كقوله تعالى : " يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم " الآية وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " قال قتادة بن دعامة في قوله تعالى : " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " يعني من الشعراء وغيرهم وقال أبو داود الطيالسي حدثنا إياس بن أبي تميمة قال حضرت الحسن ومر عليه بجنازة نصراني فقال : " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " قال عبد الله بن أبي رباح عن صفوان بن محرز أنه كان إذا قرأ هذه الآية بكى حتى أقول قد اندق قضيب زوره " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " وقال ابن وهب أخبرنا شريح الإسكندراني عن بعض المشيخة أنهم كانوا بأرض الروم فبينما هم ليلة على نار يشتوون عليها أو يصطلون إذا بركبان قد أقبلوا فقاموا إليهم فإذا فضالة بن عبيد فيهم فأنزلوه فجلس معهم - قال - وصاحب لنا قائم يصلي حتى مر بهذه الآية " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " قال فضالة بن عبيد هؤلاء الذين يخربون البيت . وقيل المراد بهم أهل مكة وقيل الذين ظلموا من المشركين . والصحيح أن هذه الآية عامة في كل ظالم كما قال ابن أبي حاتم : ذكر عن يحيى بن زكريا بن يحيى الواسطي حدثني الهيثم بن محفوظ أبو سعد النهدي حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن المحبر حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : كتب أبي في وصيته سطرين : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به أبو بكر بن أبي قحافة عند خروجه من الدنيا حين يؤمن الكافر وينتهي الفاجر ويصدق الكاذب إني استخلفت عليكم عمر بن الخطاب فإن يعدل فذاك ظني به ورجائي فيه وإن يجر ويبدل فلا أعلم الغيب " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " .
سورة الشعراء

سورة الشعراء : هي مكية في قول الجمهور . وقال مقاتل : منها مدني
الآية التي يذكر فيها الشعراء
وقوله : " أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل " .
وقال ابن عباس وقتادة : مكية إلا أربع آيات منها نزلت بالمدينة
من قوله : " والشعراء يتبعهم الغاوون " إلى آخرها .
وهي مائتان وسبع وعشرون آية .
وعن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة وأعطاني المبين مكان الإنجيل
وأعطاني الطواسين مكان الزبور وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي ) .
وقال أبو حاتم : قرأ خالد : " طسين ميم " .
ابن عباس : " طسم " قسم وهو اسم من أسماء الله تعالى
والمقسم عليه : " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية " .
وقال قتادة : اسم من أسماء القرآن أقسم الله به .
مجاهد : هو اسم السورة ; ويحسن افتتاح السورة . الربيع : حساب مدة قوم .
وقيل : قارعة تحل بقوم . " طسم " و " طس " واحد .
قال : وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه بأن تسعدا والدمع أشفاه ساجمه
وقال القرظي : أقسم الله بطوله وسنائه وملكه .
وقال عبد الله بن محمد بن عقيل : الطاء طور سيناء والسين إسكندرية والميم مكة .
وقال جعفر بن محمد بن علي : الطاء شجرة طوبى , والسين سدرة المنتهى , والميم محمد صلى الله عليه وسلم . وقيل : الطاء من الطاهر والسين من القدوس
وقيل : من السميع وقيل : من السلام - والميم من المجيد . وقيل : من الرحيم .
وقيل : من الملك . وقد مضى هذا المعنى في أول سورة " البقرة " .
والطواسيم والطواسين سور في القرآن جمعت على غير قياس .
وأنشد أبو عبيدة : وبالطواسيم التي قد ثلثت وبالحواميم التي قد سبعت
قال الجوهري : والصواب أن تجمع بذوات وتضاف إلى واحد , فيقال : ذوات طسم وذوات حم .

وهى سورة النمل
وسورة الشعراء
وسورة القصص
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ

قوله تعالى : " والشعراء " جمع شاعر مثل جاهل وجهلاء
قال ابن عباس : هم الكفار " يتبعهم " ضلال الجن والإنس .
وقيل " الغاوون " الزائلون عن الحق , ودل بهذا أن الشعراء أيضا غاوون
لأنهم لو لم يكونوا غاوين ما كان أتباعهم كذلك . ومن الشعر ما يجوز إنشاده , ويكره , ويحرم .
روى مسلم من حديث عمرو بن الشريد عن أبيه قال : ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما
فقال : " هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء ) قلت : نعم . قال ( هيه ) فأنشدته بيتا .
فقال ( هيه ) ثم أنشدته بيتا . فقال ( هيه ) حتى أنشدته مائة بيت .
هكذا صواب هذا السند وصحيح روايته . وقد وقع لبعض رواة كتاب مسلم : عن عمرو بن الشريد عن الشريد أبيه وهو وهم ; لأن الشريد هو الذي أردفه رسول الله صلى الله عليه وسلم . واسم أبي الشريد سويد .
وفي هذا دليل على حفظ الأشعار والاعتناء بها إذا تضمنت الحكم والمعاني المستحسنة شرعا وطبعا
وإنما استكثر النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أمية ; لأنه كان حكيما
ألا ترى قوله عليه السلام : ( وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم )
فأما ما تضمن ذكر الله وحمده والثناء عليه فذلك مندوب إليه
كقول القائل : الحمد لله العلي المنان صار الثريد في رءوس العيدان
أو ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مدحه
كقول العباس : من قبلها طبت في الظلال وفي
مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر
أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين وقد
أل جم نسرا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم
إذا مضى عالم بدا طبق
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يفضض الله فاك ) .
أو الذب عنه كقول حسان : هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
وهي أبيات ذكرها مسلم في صحيحه وهي في السير أتم .
أو الصلاة عليه ; كما روى زيد بن أسلم ; خرج عمر ليلة يحرس فرأى مصباحا في بيت
وإذا عجوز تنفش صوفا وتقول : على محمد صلاة الأبرار صلى عليه الطيبون الأخيار
قد كنت قواما بكا بالأسحار يا ليت شعري والمنايا أطوار
هل يجمعني وحبيبي الدار
تعني النبي صلى الله عليه وسلم ; فجلس عمر يبكي .
وكذلك ذكر أصحابه ومدحهم رضي الله عنهم ; ولقد أحسن محمد بن سابق
حيث قال : إني رضيت عليا للهدى علما كما رضيت عتيقا صاحب الغار
وقد رضيت أبا حفص وشيعته وما رضيت بقتل الشيخ في الدار
كل الصحابة عندي قدوة علم فهل علي بهذا القول من عار
إن كنت تعلم أني لا أحبهم إلا من أجلك فاعتقني من النار
وقال آخر فأحسن : حب النبي رسول الله مفترض وحب أصحابه نور ببرهان
من كان يعلم أن الله خالقه لا يرمين أبا بكر ببهتان
ولا أبا حفص الفاروق صاحبه ولا الخليفة عثمان بن عفان
أما علي فمشهور فضائله والبيت لا يستوي إلا بأركان
قال ابن العربي : أما الاستعارات في التشبيهات فمأذون فيها وإن استغرقت الحد وتجاوزت المعتاد
فبذلك يضرب الملك الموكل بالرؤيا المثل , وقد أنشد كعب بن زهير النبي صلى الله عليه وسلم :
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت كأنه منهل بالراح معلول
فجاء في هذه القصيدة من الاستعارات والتشبيهات بكل بديع
والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع ولا ينكر في تشبيهه ريقها بالراح .
وأنشد أبو بكر رضي الله عنه :
فقدنا الوحى إذ وليت عنا وودعنا من الله الكلام
سوى ما قد تركت لنا رهينا توارثه القراطيس الكرام
فقد أورثتنا ميراث صدق عليك به التحية والسلام
فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمعه وأبو بكر ينشده , فهل للتقليد والاقتداء موضع أرفع من هذا .
قال أبو عمر : ولا ينكر الحسن من الشعر أحد من أهل العلم ولا من أولي النهى
وليس أحد من كبار الصحابة وأهل العلم وموضع القدوة إلا وقد قال الشعر
أو تمثل به أو سمعه فرضيه ما كان حكمة أو مباحا , ولم يكن فيه فحش ولا خنا ولا لمسلم أذى
فإذا كان كذلك فهو والمنثور من القول سواء لا يحل سماعه ولا قوله
وروى أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول :
( أصدق كلمة - أو أشعر كلمة - قالتها العرب قول لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل أخرجه مسلم وزاد ( وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم )
وروي عن ابن سيرين أنه أنشد شعرا فقال له بعض جلسائه : مثلك ينشد الشعر يا أبا بكر .
فقال : ويلك يا لكع ! وهل الشعر إلا كلام لا يخالف سائر الكلام إلا في القوافي
فحسنه حسن وقبيحه قبيح

وأما الشعر المذموم الذي لا يحل سماعه وصاحبه ملوم
فهو المتكلم بالباطل حتى يفضلوا أجبن الناس على عنترة , وأشحهم على حاتم
وإن يبهتوا البريء ويفسقوا التقي , وأن يفرطوا في القول بما لم يفعله المرء
رغبة في تسلية النفس وتحسين القول ; كما روي عن الفرزدق
أن سليمان بن عبد الملك سمع قوله :
فبتن بجانبي مصرعات وبت أفض أغلاق الختام فقال : قد وجب عليك الحد .
فقال : يا أمير المؤمنين قد درأ الله عني الحد بقوله : " وأنهم يقولون ما لا يفعلون " .
وروي أن النعمان بن عدي بن نضلة كان عاملا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه
فقال : من مبلغ الحسناء أن حليلها بميسان يسقى في زجاج
وحنتم إذا شئت غنتني دهاقين قرية ورقاصة تجذو على كل منسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم
فبلغ ذلك عمر فأرسل إليه بالقدوم عليه . وقال : إي والله إني ليسوءني ذلك .
فقال : يا أمير المؤمنين ما فعلت شيئا مما قلت ; وإنما كانت فضلة من القول , وقد قال الله تعالى : " والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون .
وأنهم يقولون ما لا يفعلون " فقال له عمر : أما عذرك فقد درأ عنك الحد
ولكن لا تعمل لي عملا أبدا وقد قلت ما قلت .
وذكر الزبير بن بكار قال :
حدثني مصعب بن عثمان أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة
لم يكن له هم إلا عمر بن أبي ربيعة والأحوص فكتب إلى عامله على المدينة :
إني قد عرفت عمر والأحوص بالشر والخبث فإذا أتاك كتابي هذا فاشدد عليهما واحملهما إلي .
فلما أتاه الكتاب حملهما إليه , فأقبل على عمر , فقال :
هيه ! فلم أر كالتجمير منظر ناظر ولا كليالي الحج أفلتن ذا هوى
وكم مالئ عينيه من شيء غيره إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى
أما والله لو اهتممت بحجك لم تنظر إلى شيء غيرك ; فإذا لم يفلت الناس منك في هذه الأيام فمتى يفلتون ! ثم أمر بنفيه . فقال : يا أمير المؤمنين ! أوخير من ذلك ؟ فقال : ما هو ؟
قال : أعاهد الله أني لا أعود إلى مثل هذا الشعر , ولا أذكر النساء في شعر أبدا
وأجدد توبة , فقال : أوتفعل ؟ قال : نعم , فعاهد الله على توبته وخلاه ; ثم دعا بالأحوص
فقال هيه ! الله بيني وبين قيمها يفر مني بها وأتبع بل الله بين قيمها وبينك
ثم أمر بنفيه ; فكلمه فيه رجال من الأنصار فأبى , وقال : والله لا أرده ما كان لي سلطان
فإنه فاسق مجاهر . فهذا حكم الشعر المذموم وحكم صاحبه
فلا يحل سماعه ولا إنشاده في مسجد ولا غيره , كمنثور الكلام القبيح ونحوه .
وروى إسماعيل بن عياش عن عبد الله بن عون عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حسن الشعر كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام )
رواه إسماعيل عن عبد الله الشامي وحديثه عن أهل الشام صحيح فيما قال يحيى بن معين وغيره . وروى عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام وقبيحه كقبيح الكلام ) .

سورة الشعراء

‏{‏طسم‏}‏ ‏[‏1‏]‏ سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة‏.‏

‏{‏تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ‏}‏ ‏[‏2‏]‏

هذه آيات القرآن الموضِّح لكل شيء الفاصل بين الهدى والضلال‏.‏
‏{‏لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏3‏]‏
لعلك ـ أيها الرسول ـ من شدة حرصك على هدايتهم مُهْلِك نفسك ؛ لأنهم لم يصدِّقوا بك ولم يعملوا بهديك ، فلا تفعل ذلك‏.‏
{‏إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ‏}‏ ‏[‏4‏]‏
إن نشأ ننزل على المكذبين من قومك من الماء معجزة مخوِّفة لهم تلجئهم إلى الإيمان ، فتصير أعناقهم خاضعة ذليلة ، ولكننا لم نشأ ذلك‏;‏ فإن الإيمان النافع هو الإيمان بالغيب اختيارًا‏.‏
{‏وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ‏}‏ ‏[‏5‏]‏
وما يجيء هؤلاء المشركين المكذبين مِن ذِكْرٍ من الرحمن مُحْدَث إنزاله ، شيئًا بعد شيء ، يأمرهم وينهاهم ، ويذكرهم بالدين الحق إلا أعرضوا عنه‏,‏ ولم يقبلوه‏.‏
{‏فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ‏}‏ ‏[‏6‏]‏‏.‏
فقد كذَّبوا بالقرآن واستهزؤوا به‏,‏ فسيأتيهم أخبار الأمر الذي كانوا يستهزئون به ويسخرون منه‏,‏ وسيحلُّ بهم العذاب جزاء تمردهم على ربهم‏.‏
{‏أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ‏}‏ ‏[‏7‏]‏
{‏إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏8‏]‏
{‏وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ‏}‏ ‏[‏9‏]‏
أكذبوا ولم ينظروا إلى الأرض التي أنبتنا فيها من كل نوع حسن نافع من النبات‏,‏ لا يقدر على إنباته إلا رب العالمين‏؟‏ إن في إخراج النبات من الأرض لَدلالة واضحة على كمال قدرة الله‏,‏ وما كان أكثر القوم مؤمنين‏.‏ وإن ربك لهو العزيز على كل مخلوق‏,‏ الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء‏.‏
{‏وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ‏}‏ ‏[‏10‏]‏
{‏قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ‏}‏ ‏[‏11‏]‏
واذكر ـ أيها الرسول ـ لقومك إذ نادى ربك موسى‏:‏ أن ائت القوم الظالمين‏,‏ قوم فرعون، وقل لهم‏:‏ ألا يخافون عقاب الله تعالى، ويتركون ما هم عليه من الكفر والضلال‏؟‏
{‏قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ‏}‏ ‏[‏12‏]‏
{‏وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ‏}‏ ‏[‏13‏]‏‏.‏
{‏وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ‏}‏ ‏[‏14‏]‏ قال موسى‏:‏ رب إني أخاف أن يكذبوني في الرسالة‏,‏ ويملأ صدري الغمُّ لتكذيبهم إياي، ولا ينطلق لساني بالدعوة فأرسِلْ جبريل بالوحي إلى أخي هارون ؛ ليعاونني‏.‏ ولهم علي ذنب في قتل رجل منهم‏,‏ وهو القبطي‏,‏ فأخاف أن يقتلوني به‏.‏
{‏قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ‏}‏ ‏[‏15‏]‏
{‏فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏16‏]‏
{‏أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏17‏]‏
قال الله لموسى‏:‏ كلَّا لن يقتلوك‏,‏ وقد أجبت طلبك في هارون‏,‏ فاذهبا بالمعجزات الدالة على صدقكما‏,‏ إنا معكم بالعلم والحفظ والنصرة مستمعون‏.‏ فأتِيَا فرعون فقولا له‏:‏ إنا مرسَلان إليك وإلى قومك من رب العالمين‏:‏ أن اترك بني إسرائيل ؛ ليذهبوا معنا‏.‏
{‏قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ‏}‏ ‏[‏18‏]‏
{‏وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ‏}‏ ‏[‏19‏]‏
قال فرعون لموسى ممتنًا عليه‏:‏ ألم نُرَبِّك في منازلنا صغيرًا، ومكثت في رعايتنا سنين من عُمُرك وارتكبت جنايةً بقتلك رجلًا من قومي حين ضربته ودفعته‏,‏ وأنت من الجاحدين نعمتي المنكرين ربوبيتي‏؟‏
{‏قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ‏}‏ ‏[‏20‏]‏
{‏فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ‏}‏ ‏[‏21‏]‏ ‏{‏وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏22‏]‏
قال موسى مجيبًا لفرعون‏:‏ فعلتُ ما ذكرتَ قبل أن يوحي الله إلي‏,‏ ويبعثني رسولًا، فخرجت من بينكم فارًّا إلى ‏"‏مدين‏"‏، لمَّا خفت أن تقتلوني بما فعلتُ من غير عَمْد‏,‏ فوهب لي ربي تفضلًا منه النبوة والعلم‏,‏ وجعلني من المرسلين‏.‏ وتلك التربية في بيتك تَعُدُّها نعمة منك عليَّ، وقد جعلت بني إسرائيل عبيدًا تذبح أبناءهم وتستحيي نساءهم‏؟‏
‏{‏قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏23‏]‏
قال فرعون لموسى‏:‏ وما رب العالمين الذي تدَّعي أنك رسوله‏؟‏
{‏قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ‏}‏ ‏[‏24‏]‏
قال موسى‏:‏ هو مالك ومدبر السموات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين بذلك، فآمِنوا‏.‏
{‏قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ‏}‏ ‏[‏25‏]‏
قال فرعون لمن حوله مِن أشراف قومه‏:‏ ألا تسمعون مقالة موسى العجيبة بوجود رب سواي‏؟‏
{‏قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ‏}‏ ‏[‏26‏]‏
قال موسى‏:‏ الرب الذي أدعوكم إليه هو الذي خلقكم وخلق أباءكم الأولين‏,‏ فكيف تعبدون مَن هو مخلوق مثلكم‏,‏ وله آباء قد فنوا كآبائكم‏؟‏
‏{‏قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ‏}‏ ‏[‏27‏]‏
قال فرعون لخاصته يستثير غضبهم ؛ لتكذيب موسى إياه‏:‏ إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون‏,‏ يتكلم كلامًا لا يُعْقَل‏!‏
{‏قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ ‏[‏28‏]‏
قال موسى‏:‏ رب المشرق والمغرب وما بينهما وما يكون فيهما من نور وظلمة‏,‏ وهذا يستوجب الإيمان به وحده إن كنتم من أهل العقل والتدبر‏!‏
‏{‏قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ‏}‏ ‏[‏29‏]‏
قال فرعون لموسى مهددًا له‏:‏ لئن اتخذت إلهًا غيري لأسجننك مع مَن سجنت‏.‏
{‏قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ‏}‏ ‏[‏30‏]‏
قال موسى‏:‏ أتجعلني من المسجونين‏,‏ ولو جئتك ببرهان قاطع يتبين منه صدقي‏؟‏
{‏قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏ ‏[‏31‏]‏
قال فرعون‏:‏ فأت به إن كنت من الصادقين في دعواك‏.‏
{‏فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ‏}‏ ‏[‏32‏]‏
{‏وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ‏}‏ ‏[‏33‏]‏
فألقى موسى عصاه فتحولت ثعبانًا حقيقيًا‏,‏ ليس تمويهًا كما يفعل السحرة‏,‏ وأخرج يده مِن جيبه فإذا هي بيضاء كالثلج من غير برص، تَبْهَر الناظرين‏.‏
{‏قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ‏}‏ ‏[‏34‏]‏
{‏يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ‏}‏ ‏[‏35‏]‏
قال فرعون لأشراف قومه خشية أن يؤمنوا‏:‏ إن موسى لَساحر ماهر، يريد أن يخرجكم بسحره من أرضكم، فأي شيء تشيرون به في شأنه أتبع رأيكم فيه‏؟‏
{‏قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ‏}‏ ‏[‏36‏]‏
{‏يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ‏}‏ ‏[‏37‏]‏
قال له قومه‏:‏ أخِّر أمر موسى وهارون‏,‏ وأرسِلْ في المدائن جندًا جامعين للسحرة‏,‏ يأتوك بكلِّ مَن أجاد السحر، وتفوَّق في معرفته‏.‏
{‏فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ‏}‏ ‏[‏38‏]‏
{‏وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ‏}‏ ‏[‏39‏]‏
فَجُمع السحرة، وحُدِّد لهم وقت معلوم، هو وقت الضحى من يوم الزينة الذي يتفرغون فيه من أشغالهم، ويجتمعون ويتزيَّنون؛ وذلك للاجتماع بموسى‏.‏ وحُثَّ الناس على الاجتماع‏;‏ أملًا في أن تكون الغلبة للسحرة‏.‏
{‏لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ‏}‏ ‏[‏40‏]‏
إننا نطمع أن تكون الغلبة للسحرة، فنثبت على ديننا‏.‏
‏{‏فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ‏}‏ ‏[‏41‏]‏
فلما جاء السحرة فرعون قالوا له‏:‏ أإن لنا لأجرًا مِن مال أو جاه، إنْ كنا نحن الغالبين لموسى‏؟‏
‏{‏قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ‏}‏ ‏[‏42‏]‏
قال فرعون‏:‏ نعم لكم عندي ما طلبتم مِن أجر‏,‏ وإنكم حينئذ لمن المقربين لديَّ‏.‏
{‏قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ‏}‏ ‏[‏43‏]‏
قال موسى للسحرة مريدًا إبطال سحرهم وإظهار أن ما جاء به ليس سحرًا‏:‏ ألقوا ما تريدون إلقاءه من السحر‏.‏
"‏ فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ ‏"‏‏[‏44‏]‏

فألقَوا حبالهم وعصيَّهم‏,‏ وخُيِّل للناس أنها حيَّات تسعى‏,‏ وأقسموا بعزة فرعون قائلين‏:‏ إننا لنحن الغالبون‏.‏

‏{‏فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ‏}‏ ‏[‏45‏]‏

فألقى موسى عصاه‏,‏ فإذا هي حية عظيمة‏,‏ تبتلع ما صدر منهم من إفك وتزوير‏.‏

‏{‏فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ‏}‏ ‏[‏46‏]‏

‏{‏قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ‏}‏ ‏[‏47‏]‏

‏{‏رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ‏}‏ ‏[‏48‏]‏

فلما شاهدوا ذلك، وعلموا أنه ليس من تمويه السحرة‏,‏ آمنوا بالله وسجدوا له، وقالوا‏:‏ آمنَّا برب العالمين رب موسى وهارون‏.‏

‏{‏قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ‏}‏ ‏[‏49‏]‏

قال فرعون للسحرة مستنكرًا‏:‏ آمنتم لموسى بغير إذن مني، وقال موهمًا أنَّ فِعْل موسى سحر‏:‏ إنه لكبيركم الذي علَّمكم السحر، فلسوف تعلمون ما ينزل بكم من عقاب‏:‏ لأقطعنَّ أيديكم وأرجلكم من خلاف‏:‏ بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى أو عكس ذلك، ولأصلبنَّكم أجمعين‏.‏

‏{‏قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ‏}‏ ‏[‏50‏]‏

‏{‏إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ‏}‏ ‏[‏51‏]‏

قال السحرة لفرعون‏:‏ لا ضرر علينا فيما يلحقنا من عقاب الدنيا‏,‏ إنا راجعون إلى ربنا فيعطينا النعيم المقيم‏.‏ إنا نرجو أن يغفر لنا ربنا خطايانا من الشرك وغيره‏;‏ لكوننا أول المؤمنين في قومك‏.‏

‏{‏وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ‏}‏ ‏[‏52‏]‏

وأوحى الله إلى موسى عليه السلام‏:‏ أَنْ سِرْ ليلًا بمن آمن من بني إسرائيل؛ لأن فرعون وجنوده متبعوكم حتى لا يدركوكم قبل وصولكم إلى البحر‏.‏

‏{‏فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ‏}‏ ‏[‏53‏]‏

فأرسل فرعون جنده ـ حين بلغه مسير بني إسرائيل ـ يجمعون جيشه من مدائن مملكته‏.‏


‏{‏إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ‏}‏ ‏[‏54‏]‏

‏{‏وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ‏}‏ ‏[‏55‏]‏

‏{‏وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ‏}‏ ‏[‏56‏]‏

قال فرعون‏:‏ إن بني اسرائيل الذين فرُّوا مع موسى لَطائفة حقيرة قليلة العدد، وإنهم لمالئون صدورنا غيظًا؛ حيث خالفوا ديننا‏,‏ وخرجوا بغير إذننا‏,‏ وإنا لجميع متيقظون مستعدون لهم‏.‏

‏{‏فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ‏}‏ ‏[‏57‏]‏

‏{‏وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ‏}‏ ‏[‏58‏]‏

‏{‏كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ‏}‏ ‏[‏59‏]‏

فأخرج الله فرعون وقومه من أرض ‏"‏مصر‏"‏ ذات البساتين وعيون الماء وخزائن المال والمنازل الحسان‏.‏ وكما أخرجناهم، جعلنا هذه الديار من بعدهم لبني إسرائيل‏.‏

‏{‏فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ‏}‏ ‏[‏60‏]‏

فلحق فرعون وجنده موسى ومَن معه وقت شروق الشمس‏.‏

‏{‏فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ‏}‏ ‏[‏61‏]‏

فلما رأى كل واحد من الفريقين الآخر قال أصحاب موسى‏:‏ إنَّ جَمْعَ فرعون مُدْرِكنا ومهلكنا‏.‏


‏{‏قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ‏}‏ ‏[‏62‏]‏

قال موسى لهم‏:‏ كلَّا ليس الأمر كما ذكرتم فلن تُدْرَكوا‏;‏ إن معي ربي بالنصر، سيهديني لما فيه نجاتي ونجاتكم‏.‏

‏{‏فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ‏}‏ ‏[‏63‏]‏

فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فضرب، فانفلق البحر إلى اثني عشر طريقًا بعدد قبائل بني إسرائيل، فكانت كل قطعة انفصلت من البحر كالجبل العظيم‏.‏




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:07 PM

اللغز الرابع والعشرون


بخمسٍ أقسم الله
لذي عقلٍ وفحواه
سيفني الله من ظلموا
وإن أعلى بهم جاه
وطبع المرءِ إن يُعطى
ويجري رزقه الله
يقول الرب أكرمني
ويرضيه ويرضاه
وإن يبلوه في رزقٍ
وتغضي عنه دنياه
يقول أهانني ربي
ويمسي السخط مولاه
وليس الحق ما زعموا
فعن درب الهدى تاهوا
فعال المرء قيمته
ويعلي الشأنَ تقواه
ويوم الحشر في ندمٍ
يرى في النار مثواه
ونفس المؤمن اشتاقت
فقد ناداه مولاه

سورة الفجر

بخمسٍ أقسم الله
لذي عقلٍ وفحواه

أَقْسَمَ بِالْفَجْرِ . " وَلَيَالٍ عَشْرٍ .
وَالشَّفْع وَالْوَتْر . وَاللَّيْل إِذَا يَسْرِ "
هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ

سيفني الله من ظلموا
وإن أعلى بهم جاه

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ
وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ

وطبع المرءِ إن يُعطى
ويجري رزقه الله
يقول الرب أكرمني
ويرضيه ويرضاه

فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي

وإن يبلوه في رزقٍ
وتغضي عنه دنياه
يقول أهانني ربي
ويمسي السخط مولاه

وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي

ويوم الحشر في ندمٍ
يرى في النار مثواه

كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ
فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ

ونفس المؤمن اشتاقت
فقد ناداه مولاه

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّة ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي
وَادْخُلِي جَنَّتِي

وآيات القسم أتت فى سور كثيرة منها والعصر- والضحى- والليل - والنجم
والشمس وضحاها والقمر اذا تلاها - والتين والزيتون
وهذا هو المشابه هنا
وأقسم الله جل وعلى أيضا بالحاقة - وبالقارعة - واليوم الموعود - والقلم
سبحانه له أن يقسم بما شاء فكل شىء من صنعته وخلقه ويعلم سره وجهره

والْفَجْرِ
روى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : " والفجر " : يريد صبيحة يوم النحر
لأن الله تعالى جل ثناؤه جعل لكل يوم ليلة قبله إلا يوم النحر لم يجعل له ليلة قبله ولا ليلة بعده
لأن يوم عرفة له ليلتان : ليلة قبله وليلة بعده , فمن أدرك الموقف ليلة بعد عرفة
فقد أدرك الحج إلى طلوع الفجر , فجر يوم النحر . وهذا قول مجاهد .
وقال عكرمة : " والفجر " قال : انشقاق الفجر من يوم جمع .
وعن محمد بن كعب القرظي : " والفجر " آخر أيام العشر , إذا دفعت من جمع .


وَلَيَالٍ عَشْرٍ

قال الضحاك : فجر ذي الحجة ; لأن الله تعالى قرن الأيام به فقال : " وليال عشر "
أي ليال عشر من ذي الحجة . وكذا قال مجاهد والسدي والكلبي في قوله :
" وليال عشر " هو عشر ذي الحجة , وقال ابن عباس .
وقال مسروق هي العشر التي ذكرها الله في قصة موسى عليه السلام "
وأتممناها بعشر " [ الأعراف : 142 ] , وهي أفضل أيام السنة .
وروى أبو الزبير عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : ( " والفجر وليال عشر " - قال : عشر الأضحى ) فهي ليال عشر على هذا القول
لأن ليلة يوم النحر داخلة فيه , إذ قد خصها الله بأن جعلها موقفا لمن لم يدرك الوقوف يوم عرفة . وإنما نكرت ولم تعرف لفضيلتها على غيرها
فلو عرفت لم تستقبل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير , فنكرت من بين ما أقسم به
للفضيلة التي ليست لغيرها . والله أعلم .
وعن ابن عباس أيضا : هي العشر الأواخر من رمضان وقاله الضحاك .
وقال ابن عباس أيضا ويمان والطبري : هي العشر الأول من المحرم
التي عاشرها يوم عاشوراء .
وعن ابن عباس " وليال عشر " ( بالإضافة ) يريد : وليالي أيام عشر .

وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ

الشفع : الاثنان , والوتر : الفرد .
واختلف في ذلك فروي مرفوعا عن عمران بن الحصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم
أنه قال ( الشفع والوتر : الصلاة , منها شفع , ومنها وتر ) .
وقال جابر بن عبد الله : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( " والفجر وليال عشر "
- قال : هو الصبح , وعشر النحر , والوتر يوم عرفة , والشفع : يوم النحر ) .
وهو قول ابن عباس وعكرمة . واختاره النحاس
وقال : حديث أبي الزبير عن جابر هو الذي صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم
وهو أصح إسنادا من حديث عمران بن حصين .
فيوم عرفة وتر ; لأنه تاسعها , ويوم النحر شفع ; لأنه عاشرها . قال الله تعالى : " وخلقناكم أزواجا " [ النبأ : 8 ] والوتر هو الله عز وجل .
وفي رواية : الشفع : آدم وحواء , والوتر هو الله تعالى .
وقيل : الشفع والوتر : الخلق ; لأنهم شفع ووتر , فكأنه أقسم بالخلق .
وقد يقسم الله تعالى بأسمائه وصفاته لعلمه , ويقسم بأفعاله لقدرته , كما قال تعالى : "
وما خلق الذكر والأنثى " [ الليل : 3 ] . ويقسم بمفعولاته
لعجائب صنعه كما قال : " والشمس وضحاها " , " والسماء وما بناها " [ الشمس : 5 ]
, " والسماء والطارق " [ الطارق : 1 ] . وقيل : الشفع : درجات الجنة , وهي ثمان .
والوتر , دركات النار ; لأنها سبعة . وهذا قول الحسين بن الفضل كأنه أقسم بالجنة والنار .
وقيل : الشفع : الصفا والمروة , والوتر : الكعبة .
وقال سفيان بن عيينة : الوتر : هو الله , وهو الشفع أيضا لقوله تعالى : "
ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم " [ المجادلة : 7 ] .
وقال أبو بكر الوراق :
الشفع : تضاد أوصاف المخلوقين : العز والذل , والقدرة والعجز , والقوة والضعف ,
والعلم والجهل , والحياة والموت , والبصر والعمى , والسمع والصمم , والكلام والخرس .
والوتر : انفراد صفات الله تعالى : عز بلا ذل , وقدرة بلا عجز , وقوة بلا ضعف ,
وعلم بلا جهل , وحياة بلا موت , وبصر بلا عمى , وكلام بلا خرس ,
وسمع بلا صمم , وما وازاها .
وقال الحسن : المراد بالشفع والوتر : العدد كله ; لأن العدد لا يخلو عنهما ,
وهو إقسام بالحساب .
وقيل : الشفع : مسجدي مكة والمدينة , وهما الحرمان . والوتر : مسجد بيت المقدس .
وقيل : الشفع : القرن بين الحج والعمرة , أو التمتع بالعمرة إلى الحج . والوتر : الإفراد فيه .
وقيل : الشفع : الحيوان ; لأنه ذكر وأنثى . والوتر : الجماد .
وقيل : الشفع : ما ينمى , والوتر : ما لا ينمى . وقيل غير هذا .
وقرأ ابن مسعود وأصحابه والكسائي وحمزة وخلف " والوتر " بكسر الواو .
والباقون ( بفتح الواو ) , وهما لغتان بمعنى واحد .
وفي الصحاح : الوتر ( بالكسر ) : الفرد , والوتر ( بفتح الواو ) : الذحل .

وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي

وهذا قسم خامس . وبعدما أقسم بالليالي العشر على الخصوص , أقسم بالليل على العموم .
ومعنى " يسري " أي يسرى فيه كما يقال : ليل نائم , ونهار صائم .
ومنه قوله تعالى : " بل مكر الليل والنهار " [ سبأ : 33 ] . وهذا قول أكثر أهل المعاني
وهو قول القتبي والأخفش . وقال أكثر المفسرين : معنى " يسري " : سار فذهب .
وقال قتادة وأبو العالية : جاء وأقبل . وروي عن إبراهيم : " والليل إذا يسر "
قال : إذا استوى . وقال عكرمة والكلبي ومجاهد ومحمد بن كعب في قوله : " والليل "
: هي ليلة المزدلفة خاصة لاختصاصها باجتماع الناس فيها لطاعة الله .
وقيل : ليلة القدر لسراية الرحمة فيها , واختصاصها بزيادة الثواب فيها .
وقيل : إنه أراد عموم الليل كله .
قال الخليل : تسقط الياء منها اتفاقا لرءوس الآي .
قال الفراء : قد تحذف العرب الياء , وتكتفي بكسر ما قبلها .
وأنشد بعضهم : كفاك كف ما تليق درهما جودا وأخرى تعط بالسيف الدما
يقال : فلان ما يليق درهما من جوده أي ما يمسكه , ولا يلصق به .
وقال المؤرج : سألت الأخفش عن العلة في إسقاط الياء من " يسر "
فقال : لا أجيبك حتى تبيت على باب داري سنة , فبت على باب داره سنة
فقال : الليل لا يسري وإنما يسرى فيه فهو مصروف ,
وكل ما صرفته عن جهته بخسته من إعرابه ألا ترى إلى قوله تعالى : "
وما كانت أمك بغيا " [ مريم : 28 ] , لم يقل بغية ; لأنه صرفها عن باغية .
سورة الفجر
مقصودها الاستدلال على آخر الغاشية الإياب والحساب ، وأدل ما فيها على هذا المقصود الفجر بانفجار الصبح عن النهار الماضي بالأمس من غير فرق في شيء من الذات وانبعاث النيام من الموت الأصغر وهو النوم بالانتشار يفي ضياء النهار لطلب المعايش للمجازاة في الحساب

أسباب النزول
أخرج ابن أبي حاتم عن بريدة في قوله (يا أيتها النفس المطمئنة) قال نزلت في حمزة وأخرج من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال من يشتري بئر رومة يستعذب بها غفر الله له فاشتراها عثمان فقال هل لك أن تجعلها سقاية للناس قال نعم فأنزل الله في عثمان( يا أيتها النفس المطمئنة)
السور التي اشتركت فيما بدأت به( العصر -الليل- الشمس- الضحى-النازعات-البروج-الطارق-التين-المرسلات-القلم-النجم-الطور-الذاريات
الصافات) حاولت جمع السور التي بدأت بالقسم وأرجوا ان اكون وفقت
بخمسٍ أقسم الله
لذي عقلٍ وفحواه
سيفني الله من ظلموا
وإن أعلى بهم جاه


‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏{وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ‏}{‏أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ‏}
وطبع المرءِ إن يُعطى
ويجري رزقه الله
يقول الرب أكرمني
ويرضيه ويرضاه
وإن يبلوه في رزقٍ
وتغضي عنه دنياه
يقول أهانني ربي
ويمسي السخط مولاه

وليس الحق ما زعموا
فعن درب الهدى تاهوا

[‏15 - 20‏]‏ ‏{‏فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي * كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا * وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا‏}
فعال المرء قيمته
ويعلي الشأنَ تقواه
ويوم الحشر في ندمٍ
يرى في النار مثواه
ونفس المؤمن اشتاقت
فقد ناداه مولاه

‏21 - 30‏]‏ ‏{‏كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي * فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ * يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي‏}

السور المشابهة لها في بدايتها :
التين والشمس والليل والضحى والعصر والعاديات والطارق والبروج والنازعات والمرسلات والذاريات والطور والنجم والصافات

بخمسٍ أقسم الله
لذي عقلٍ وفحواه
وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ
سيفني الله من ظلموا
وإن أعلى بهم جاه
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ
وطبع المرءِ إن يُعطى
ويجري رزقه الله
يقول الرب أكرمني
ويرضيه ويرضاه
فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ
وإن يبلوه في رزقٍ
وتغضي عنه دنياه
يقول أهانني ربي
ويمسي السخط مولاه
وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ
وليس الحق ما زعموا
فعن درب الهدى تاهوا
فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ
فعال المرء قيمته
ويعلي الشأنَ تقواه
ويوم الحشر في ندمٍ
يرى في النار مثواه
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ
ونفس المؤمن اشتاقت
فقد ناداه مولاه
يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي






أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:21 PM

اللغز الخامس والعشرون


وإليك أُهدي قدوة في سورةِ
يا كل من ضحى لخير عقيدةِ
الله أقسم بالسما متوعدا
وبأنبياءِ الله أقطاب الهدى
وبمن عليه سيشهدون من الأمم
لعن الذين تجبروا سحقاً لهم
أخدود غلٍ أشعلوه بحقدهم
ليعاقبوا خلقاً على إيمانهم
فاستجلبوا سوء العذاب بفعلهم
وأثاب ربي الصابرين بصبرهم
الله ذو بطشٍ شديدٍ فاحذروا
لا تتبعوا نهج الذين تجبروا
يا من يكذبُ إن ربي مقتدر
فهو المحيط بكل أفعال البشر
لله قرآن مجيد فادّكر
قد صانه الرحمن من كل الغير

سورة البروج

مقصودها:
لما ختم تلك بثواب المؤمن وعقاب الكافر والاستهزاء به بعد أن ذكر أنه سبحانه أعلم بما يضمر الأعداء من المكر وما يرومون من الأنكاد للأولياء وتوعدهم بما لا يطيقون ، وكانوا قد عذبوا المؤمنين بأنواع العذاب واجتهدوا في فتنة من قدروا عليه منهم ، وبالغوا في التضييق عليهم حتى ألجؤوهم إلى شعب أبي طالب وغيره من البروج في البلاد ، ومفارقة الأهل والأولاد ، ابتدأ هذه بما أوقع بأهل الجبروت ممن تقدمهم على وجه معلم أن ذلك الإيقاع منه سبحانه قطعاً ، ومعلم أن الماضين تجاوزوا ما فعل على وجه معلم أن الماضين تجاوزوا ما فعل هؤلاء إلى القذف في النار ، وأن أهل الإيمان ثبتوا ، وذلك لتسلية المؤمنين وتثبيتهم ، وتوعيد الكافرين وتوهيتهم وتفتيتهم ، فقال مقسماً لأجل إنكارهم وفعلهم في التمادي في عداوة حزب الله فعل المنكر أن الله ينتقم لهم بما يدل على تمام القدرة على القيامة


السور المشابهة لها في بدايتها:
هل يقصد بها ما أقسم الله به في الكون أم فقط السماء؟
إذا السماء فهناك سورة الطارق
وإذا في الكون هناك الشمس واليل


الآيات التي تتحدث عنها الأبيات
وإليك أُهدي قدوة في سورةِ
يا كل من ضحى لخير عقيدةِ
الله أقسم بالسما متوعدا
وبأنبياءِ الله أقطاب الهدى

وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ

وبمن عليه سيشهدون من الأمم
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ
لعن الذين تجبروا سحقاً لهم
أخدود غلٍ أشعلوه بحقدهم
ليعاقبوا خلقاً على إيمانهم
فاستجلبوا سوء العذاب بفعلهم
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ

وأثاب ربي الصابرين بصبرهم
الله ذو بطشٍ شديدٍ فاحذروا
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ

لا تتبعوا نهج الذين تجبروا
يا من يكذبُ إن ربي مقتدر
إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ

فهو المحيط بكل أفعال البشر
بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ

لله قرآن مجيد فادّكر

قد صانه الرحمن من كل الغير
بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ

قسم أقسم الله به جل وعز وفي " البروج " أقوال أربعة : أحدها : ذات النجوم
قاله الحسن وقتادة ومجاهد والضحاك . الثاني : القصور , قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد أيضا .
قال عكرمة : هي قصور في السماء . مجاهد : البروج فيها الحرس .
الثالث : ذات الخلق الحسن ; قاله المنهال بن عمرو . الرابع : ذات المنازل ; قاله أبو عبيدة ويحيى بن سلام .
وهي اثنا عشر برجا , وهي منازل الكواكب والشمس والقمر .
يسير القمر في كل برج منها يومين وثلث يوم ; فذلك ثمانية وعشرون يوما , ثم يستسر ليلتين
وتسير الشمس في كل برج منها شهرا . وهي : الحمل , والثور , والجوزاء , والسرطان , والأسد , والسنبلة , والميزان , والعقرب , والقوس والجدي , والدلو , والحوت . والبروج في كلام العرب : القصور
قال الله تعالى ; " ولو كنتم في بروج مشيدة " [ النساء : 78 ] .

وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ

أي الموعود به . وهو قسم آخر , وهو يوم القيامة ; من غير اختلاف بين أهل التأويل .
قال ابن عباس : وعد أهل السماء وأهل الأرض أن يجتمعوا فيه .
وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ

اختلف فيهما ; فقال علي وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم : الشاهد يوم الجمعة , والمشهود يوم عرفة .
وهو قول الحسن . ورواه أبو هريرة مرفوعا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( اليوم الموعود يوم القيامة واليوم المشهود يوم عرفة والشاهد يوم الجمعة ... )
خرجه أبو عيسى الترمذي في جامعه , وقال : هذا حديث [ حسن ] غريب ,
لا نعرفه إلا من حديث موسى بن عبيدة , وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث ,
ضعفه يحيى بن سعيد وغيره .
وقد روى شعبة وسفيان الثوري وغير واحد من الأئمة عنه .
قال القشيري فيوم الجمعة يشهد على كل عامل بما عمل فيه .
ونقول : وكذلك سائر الأيام والليالي ; فكل يوم شاهد , وكذا كل ليلة ;
ودليله ما رواه أبو نعيم الحافظ عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس من يوم يأتي على العبد إلا ينادى فيه :
يا ابن آدم , أنا خلق جديد , وأنا فيما تعمل عليك شهيد ,
فاعمل في خيرا أشهد لك به غدا , فإني لو قد مضيت لم ترني أبدا , ويقول الليل مثل ذلك ) .
حديث غريب من حديث معاوية , تفرد به عنه زيد العمي ,
ولا أعلمه مرفوعا . عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بهذا الإسناد .
وحكى القشيري عن ابن عمر وابن الزبير أن الشاهد يوم الأضحى .
وقال سعيد بن المسيب : الشاهد : التروية , والمشهود : يوم عرفة .
وروى إسرائيل عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه :
الشاهد يوم عرفة , والمشهود يوم النحر . وقاله النخعي .
وعن علي أيضا : المشهود يوم عرفة .
وقال ابن عباس والحسين بن علي رضي الله عنهما : المشهود يوم القيامة ; لقوله تعالى :
" ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود " [ هود : 103 ] .
وعلى هذا اختلفت أقوال العلماء في الشاهد , فقيل : الله تعالى ;
عن ابن عباس والحسن وسعيد - بن جبير ; بيانه : " وكفى بالله شهيدا " [ النساء : 79 ]
" قل أي شيء أكبر شهادة ؟ قل الله شهيد بيني وبينكم " [ الأنعام : 19 ] .
وقيل : محمد صلى الله عليه وسلم ; عن ابن عباس أيضا والحسين بن علي ;
وقرأ ابن عباس " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " [ النساء : 41 ] , وقرأ الحسين " يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا " [ الأحزاب : 45 ] .
وقيل : الأنبياء يشهدون على أممهم ; لقوله تعالى :
" فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد " [ النساء : 41 ] .
وقيل : عيسى بن مريم ; لقوله : " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم " [ المائدة : 117 ] .
والمشهود : أمته . وعن ابن عباس أيضا ومحمد بن كعب :
الشاهد الإنسان ; دليله : " كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " [ الإسراء : 14 ] .
وقيل : الشاهد : الحفظة , والمشهود : بنو آدم . وقيل : الليالي والأيام .
قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ

أي لعن . قال ابن عباس : كل شيء في القرآن " قتل " فهو لعن .
وهذا جواب القسم في قول الفراء - واللام فيه مضمرة ;
كقوله : " والشمس وضحاها " ثم قال " قد أفلح من زكاها " : أي لقد أفلح .
وقيل : فيه تقديم وتأخير ;
وقال قوم : جواب القسم " إن بطش ربك لشديد " وهذا قبيح ; لأن الكلام قد طال بينهما .
وقيل : " إن الذين فتنوا " . وقيل : جواب القسم محذوف , أي والسماء ذات البروج لتبعثن .
وهذا اختيار ابن الأنباري .
والأخدود : الشق العظيم المستطيل في الأرض كالخندق , وجمعه أخاديد .
ومنه الخد لمجاري الدموع , والمخدة ; لأن الخد يوضع عليها .
ويقال : تخدد وجه الرجل : إذا صارت فيه أخاديد من جراح .
قال طرفة : ووجه كأن الشمس حلت رداءها عليه نقي اللون لم يتخدد
وما تتحدث عنه السورة هو حادث أصحاب الأخدود ... والموضوع هو أن فئة من المؤمنين
السابقين على الإسلام – قيل إنهم من النصارى الموحدين – ابتلوا بأعداء لهم طغاة قساة ،
أرادوهم على ترك عقيدتهم والارتداد عن دينهم ، فأبوا وتمسكوا بعقيدتهم .
قشق الطغاة لهم شقاً في الأرض . وأوقدوا فيه النار وكبوا فيه جماعة المؤمنين فماتوا حرقاً ،
على مرأى من الجموع التي حشدها المتسلطون لتشهد مصرع الفئة المؤمنة .
ولكي يتلهى الطغاة بمشهد الحريق ، حريق الآدميين المؤمنين .
( وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد ) ...
والله تعال أعلى وأعلم
أما السور التى تتضمن آيات القسم المشابهه لبداية السورة فقد تقدم ذكرها
فىالردود السابقة ومنها
سورة الطارق والشمس والنجم
تفسير سورة البروج من تفسير السعدي:

{‏وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ‏}‏ أي‏:‏ ‏[‏ذات‏]‏ المنازل المشتملة على منازل الشمس والقمر، والكواكب المنتظمة في سيرها، على أكمل ترتيب ونظام دال على كمال قدرة الله تعالى ورحمته، وسعة علمه وحكمته‏.‏
‏{‏وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ‏}‏ وهو يوم القيامة، الذي وعد الله الخلق أن يجمعهم فيه، ويضم فيه أولهم وآخرهم، وقاصيهم ودانيهم، الذي لا يمكن أن يتغير، ولا يخلف الله الميعاد‏.‏
‏{‏وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ‏}‏ وشمل هذا كل من اتصف بهذا الوصف أي‏:‏ مبصر ومبصر، وحاضر ومحضور، وراء ومرئي‏.‏
والمقسم عليه، ما تضمنه هذا القسم من آيات الله الباهرة، وحكمه الظاهرة، ورحمته الواسعة‏.‏
وقيل‏:‏ إن المقسم عليه قوله ‏{‏قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ‏}‏ وهذا دعاء عليهم بالهلاك‏.‏
و‏{‏الأخدود‏}‏ الحفر التي تحفر في الأرض‏.‏
وكان أصحاب الأخدود هؤلاء قومًا كافرين، ولديهم قوم مؤمنون، فراودوهم للدخول في دينهم، فامتنع المؤمنون من ذلك، فشق الكافرون أخدودًا ‏[‏في الأرض‏]‏، وقذفوا فيها النار، وقعدوا حولها، وفتنوا المؤمنين، وعرضوهم عليها، فمن استجاب لهم أطلقوه، ومن استمر على الإيمان قذفوه في النار، وهذا في غاية المحاربة لله ولحزبه المؤمنين، ولهذا لعنهم الله وأهلكهم وتوعدهم فقال‏:‏ ‏{‏قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ‏}‏ ثم فسر الأخدود بقوله‏:‏ ‏{‏النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ‏}‏ وهذا من أعظم ما يكون من التجبر وقساوة القلب، لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات الله ومعاندتها، ومحاربة أهلها وتعذيبهم بهذا العذاب، الذي تنفطر منه القلوب، وحضورهم إياهم عند إلقائهم فيها، والحال أنهم ما نقموا من المؤمنين إلا خصلة يمدحون عليها، وبها سعادتهم، وهي أنهم كانوا يؤمنون بالله العزيز الحميد أي‏:‏ الذي له العزة التي قهر بها كل شيء، وهو حميد في أقواله وأوصافه وأفعاله‏.‏
{‏الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ‏}‏ خلقًا وعبيدًا، يتصرف فيهم تصرف المالك بملكه ، ‏{‏وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ‏}‏ علمًا وسمعًا وبصرًا، أفلا خاف هؤلاء المتمردون على الله، أن يبطش بهم العزيز المقتدر، أو ما علموا أنهم جميعهم مماليك لله ، ليس لأحد على أحد سلطة، من دون إذن المالك‏؟‏ أو خفي عليهم أن الله محيط بأعمالهم، مجاز لهم على فعالهم ‏؟‏ كلا إن الكافر في غرور، والظالم في جهل وعمى عن سواء السبيل‏.‏
ثم وعدهم، وأوعدهم، وعرض عليهم التوبة، فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ‏}‏ أي‏:‏ العذاب الشديد المحرق‏.‏
قال الحسن رحمه الله‏:‏ انظروا إلى هذا الكرم والجود، هم قتلوا أولياءه وأهل طاعته، وهو يدعوهم إلى التوبة‏.‏
ولما ذكر عقوبة الظالمين، ذكر ثواب المؤمنين، فقال‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏ بقلوبهم ‏{‏وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ‏}‏ بجوارحهم ‏{‏لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ‏}‏ الذي حصل به الفوز برضا الله ودار كرامته‏.‏
{‏إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ‏}‏ أي‏:‏ إن عقوبته لأهل الجرائم والذنوب العظام ‏[‏لقوية‏]‏ شديدة، وهو بالمرصاد للظالمين كما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ‏}
{‏إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ‏}‏ أي‏:‏ هو المنفرد بإبداء الخلق وإعادته، فلا مشارك له في ذلك ، ‏{‏وَهُوَ الْغَفُورُ‏}‏ الذي يغفر الذنوب جميعها لمن تاب، ويعفو عن السيئات لمن استغفره وأناب‏.‏
‏{‏الْوَدُودُ‏}‏ الذي يحبه أحبابه محبة لا يشبهها شيء فكما أنه لا يشابهه شيء في صفات الجلال والجمال، والمعاني والأفعال، فمحبته في قلوب خواص خلقه، التابعة لذلك، لا يشبهها شيء من أنواع المحاب، ولهذا كانت محبته أصل العبودية، وهي المحبة التي تتقدم جميع المحاب وتغلبها، وإن لم يكن غيرها تبعًا لها، كانت عذابًا على أهلها، وهو تعالى الودود، الواد لأحبابه، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ‏}‏ والمودة هي المحبة الصافية، وفي هذا سر لطيف، حيث قرن ‏{‏الودود‏}‏ بالغفور، ليدل ذلك على أن أهل الذنوب إذا تابوا إلى الله وأنابوا، غفر لهم ذنوبهم وأحبهم، فلا يقال‏:‏ بل تغفر ذنوبهم، ولا يرجع إليهم الود، كما قاله بعض الغالطين‏.‏
بل الله أفرح بتوبة عبده حين يتوب، من رجل له راحلة، عليها طعامه وشرابه وما يصلحه، فأضلها في أرض فلاة مهلكة، فأيس منها، فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت، فبينما هو على تلك الحال، إذا راحلته على رأسه، فأخذ بخطامها، فالله أعظم فرحًا بتوبة العبد من هذا براحلته، وهذا أعظم فرح يقدر‏.‏
فلله الحمد والثناء، وصفو الوداد، ما أعظم بره، وأكثر خيره، وأغزر إحسانه، وأوسع امتنانه‏"‏
{‏ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ‏}‏ أي‏:‏ صاحب العرش العظيم، الذي من عظمته، أنه وسع السماوات والأرض والكرسي، فهي بالنسبة إلى العرش كحلقة ملقاة في فلاة، بالنسبة لسائر الأرض، وخص الله العرش بالذكر، لعظمته، ولأنه أخص المخلوقات بالقرب منه تعالى، وهذا على قراءة الجر، يكون ‏{‏المجيد‏}‏ نعتا للعرش، وأما على قراءة الرفع، فإن المجيد نعت لله ، والمجد سعة الأوصاف وعظمتها‏.‏
{‏فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ‏}‏ أي‏:‏ مهما أراد شيئًا فعله، إذا أراد شيئًا قال له كن فيكون، وليس أحد فعالًا لما يريد إلا الله‏.‏
فإن المخلوقات، ولو أرادت شيئًا، فإنه لا بد لإرادتها من معاون وممانع، والله لا معاون لإرادته، ولا ممانع له مما أراد‏.‏
ثم ذكر من أفعاله الدالة على صدق ما جاءت به رسله، فقال‏:‏ ‏{‏هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُود‏}‏ وكيف كذبوا المرسلين، فجعلهم الله من المهلكين‏.‏
{‏بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ‏}‏ أي‏:‏ لا يزالون مستمرين على التكذيب والعناد، لا تنفع فيهم الآيات، ولا تجدي لديهم العظات‏.‏
{‏وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ‏}‏ أي‏:‏ قد أحاط بهم علمًا وقدرة، كقوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ‏}‏ ففيه الوعيد الشديد للكافرين، من عقوبة من هم في قبضته، وتحت تدبيره‏.‏
{‏بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ‏} أي‏:‏ وسيع المعاني عظيمها، كثير الخير والعلم‏.‏
{‏فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ‏}‏ من التغيير والزيادة والنقص، ومحفوظ من الشياطين، وهو‏:‏ اللوح المحفوظ الذي قد أثبت الله فيه كل شيء‏.‏
وهذا يدل على جلالة القرآن وجزالته، ورفعة قدره عند الله تعالى، والله أعلم‏.‏
تم تفسير السورة‏.‏





أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:25 PM

اللغز السادس والعشرون


وسورتنا بها خير العتابِ
لخير الناس يهدي للصوابِ
فما بالمال يعلو المرء يوماً
ولا بالجاه من بين الصحابِ
ولكن بالتزكي ليس إلا
فيعلو قدره فوق السحابِ
من الرحمن تذكرةٌ أتتنا
لمن شاء التذكر بالكتابِ
فيا إنسانُ إن تكفر بربٍ
له نعم عليك بلا حسابِ
فقد سواك من ماءٍ مهينٍ
وأنزل خيره من كل بابِ
ويوم الدين سوف تفر ممن
تحب . تذوب من هول المصابِ
فإن تك من ذوي قلبٍ سليمٍ
تضيءُ تهللاً عند الإيابِ
وإن تك غير هذا ساء عوداً
فعجل بالإنابة والمتابِ

سورة عبس

وسورتنا بها خير العتابِ
لخير الناس يهدي للصوابِ
فما بالمال يعلو المرء يوماً
ولا بالجاه من بين الصحابِ

عَبَسَ وَتَوَلَّى(1) أَن جَاءهُ الْأَعْمَى(2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى(3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى(4)
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى(5) فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى(6) وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى(7) وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى(8)
وَهُوَ يَخْشَى(9) فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى

ولكن بالتزكي ليس إلا
فيعلو قدره فوق السحابِ
من الرحمن تذكرةٌ أتتنا
لمن شاء التذكر بالكتابِ

كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ(11) فَمَن شَاء ذَكَرَهُ(12) فِي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ(13) مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ(14)
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ(15) كِرَامٍ بَرَرَةٍ(16)

فيا إنسانُ إن تكفر بربٍ
له نعم عليك بلا حسابِ
فقد سواك من ماءٍ مهينٍ

قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ(17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(18)
مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ(19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ(20)


وأنزل خيره من كل بابِ


فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ(24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً(25) ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً(26)
فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً(27) وَعِنَباً وَقَضْباً(28) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً(29) وَحَدَائِقَ غُلْباً(30)
وَفَاكِهَةً وَأَبّاً(31) مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ(32)


ويوم الدين سوف تفر ممن
تحب . تذوب من هول المصابِ
فإن تك من ذوي قلبٍ سليمٍ
تضيءُ تهللاً عند الإيابِ
وإن تك غير هذا ساء عوداً
فعجل بالإنابة والمتابِ

فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ(33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36)
لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ(37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ(38) ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ(39)
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ(40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ(41) أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ(42)


من أسباب النزول

سورة عبس

بسم الله الرحمن الرحيم. قوله تعالى (عَبَسَ وَتَوَلَّى أَن جاءَهُ الَأعمى)
وهو ابن أم مكتوم وذلك أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يناجي عتبة
بن ربيعة وأبا جهل بن هشام وعباس بن عبد المطلب وأبياً وأمية ابني خلف
ويدعوهم إلى الله تعالى ويرجو إسلامهم فقام ابن أم مكتوم
وقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله وجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري
أنه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم
لقطعه كلامه قال في نفسه: يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد
فعبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم
فأنزل الله تعالى هذه الآيات فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك
يكرمه وإذا رآه يقول: مرحباً بمن عاتبني فيه ربي.

أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المصاحفي أخبرنا أبو نجم ومحمد بن أحمد بن حمدان
أخبرنا أبو يعلى حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد حدثنا أبي قال: هذا ما قرأنا على هشام بن عروة
عن عائشة قالت: أنزلت عبس وتولى في ابن أم مكتوم الأعمى
أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول:
يا رسول الله أرشدني وعند رسول الله رجال من عظماء المشركين
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعرض عنه ويقبل على الآخرين ففي هذا نزلت عبس وتولى رواه الحاكم في صحيحه عن علي بن عيسى الحيري عن العتابي عن سعد بن يحيى.

قوله تعالى (لِكُلِّ اِمرِيءٍ مِنهُم يَومَئِذٍ شَأنٌ يُغنيِهِ).
أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو أخبرنا الحسن بن أحمد الشيباني
حدثنا عبد الله بن محمد بن مسلم حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سنان حدثنا إبراهيم بن هراسة
حدثنا عائذ بن شريح الكندي قال: سمعت أنس بن مالك
قال: قالت عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: أنحشر عراة قال: نعم
قالت: واسوأتاه فأنزل الله تعالى (لِكُلِّ اِمرِيءٍ مِنهُم يَومَئِذٍ شَأنٌ يُغنيهِ).

فى رحاب الآيتين :

بسم الله الرحمن الرحيم

يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35)


أي يهرب , أي تجيء الصاخة في هذا اليوم الذي يهرب فيه من أخيه ;
أي من موالاة أخيه ومكالمته ;
لأنه لا يتفرغ لذلك , لاشتغاله بنفسه ; كما قال بعده : " لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه "
أي يشغله عن غيره . وقيل : إنما يفر حذرا من مطالبتهم إياه , لما بينهم من التبعات .
وقيل : لئلا يروا ما هو فيه من الشدة . وقيل : لعلمه أنهم لا ينفعونه ولا يغنون عنه شيئا ;
كما قال : " يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا " [ الدخان : 41 ] .
وقال عبد الله بن طاهر الأبهري : يفر منهم لما تبين له من عجزهم وقلة حيلتهم ,
إلى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنه ,
ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد شيئا سوى ربه تعالى .
وذكر الضحاك عن ابن عباس قال :
يفر قابيل من أخيه هابيل , ويفر النبي صلى الله عليه وسلم من أمه ,
وإبراهيم عليه السلام من أبيه , ونوح عليه السلام من ابنه , ولوط من امرأته ,
وآدم من سوأة بنيه . وقال الحسن : أول من يفر يوم القيامة من أبيه :
إبراهيم , وأول من يفر من ابنه نوح ; وأول من يفر من امرأته لوط .
قال : فيرون أن هذه الآية نزلت فيهم وهذا فرار التبرؤ .
وقيل : إنما يفر حذرا من مطالبتهم إياه , لما بينهم من التبعات .
وقيل : لئلا يروا ما هو فيه من الشدة .
وقيل : لعلمه أنهم لا ينفعونه ولا يغنون عنه شيئا ; كما قال :
" يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا " [ الدخان : 41 ] .
وقال عبد الله بن طاهر الأبهري : يفر منهم لما تبين له من عجزهم وقلة حيلتهم ,
إلى من يملك كشف تلك الكروب والهموم عنه ,
ولو ظهر له ذلك في الدنيا لما اعتمد شيئا سوى ربه تعالى .

ما ورد باللمسات في سورة عبس

(عبس وتولى) ما دلالة استخدام صيغة الغائب في الآية؟
يسأل السائل لم قال (عبس وتولى) ولم يقل (عبست وتوليت)؟ أولاً تفسير القرآن الكريم يكون من اللغة ويكون من المأثور مما ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم. نحن عندنا في الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم- كان يقول لإبن أم مكتوم: أهلاً بمن عاتبني فيه ربي ويفرش له حتى يجلس. لكن هناك فرق بين أن يقال للإنسان عبست وتوليت ومحمد صلى الله عليه وسلمحبيبٌ إلى الله عز وجل هو حبيب الله فلا يواجهه ولا يفاجئه هكذا يقول له فعلت كذا. وإنما كأنه جعله غائباً (هو عبس وتولى) فقال (عبس وتولى) كأنه غائب ثم إلتفت إليه مرة أخرى فقال (وما يدريك لعلّه يزكى). والحادثة مشهورة في السيرة أن الرسول صلى الله عليه وسلمكان يدعو رؤوس القوم وكان يرجو بإسلامهم إسلام سائر الناس وأحسّ أنه كأنما صار قريباً منهم وجاء ابن أم مكتوم وسمع صوت الرسول صلى الله عليه وسلمفقال له يا رسول الله علّمني مما علمك الله، علّمني مما علّمك الله، وهوصلى الله عليه وسلم يريد أن ينتهي من أمر هؤلاء بإسلامهم يسلم سائر قومهم فتغيّر وجهه صلى الله عليه وسلم قليلاً وإلتفت جانباً وأكمل حديثه معهم فجاء القرآن معاتباً له. وهذه الآيات من دلائل النبوة لأن إبن أم مكتوم كان أعمى ولم ير الرسول صلى الله عليه وسلم في البداية لم يواجه الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما تحدّث عن غائب لأنه حبيبٌ إلى الله عز وجل. ولاحظ كلمة عبست والعبوس فلا يفاجأ بها الرسول صلى الله عليه وسلم فقال تعالى (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) ثم إلتفت إليه فقال (وما يدريك لعلّه يزكى) رقة المعاتبة الأخيرة غير عنف المعاتبة الأولى. فالعنيفة جعلها للغائب ثم لما جاء للرّقة (لعلّه يزّكى) ولاحظ (لعلّ).

ما سبب إختلاف ترتيب الأقارب في الآيتين (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) المعارج) (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) عبس)؟
(يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاء كَالْمُهْلِ (8) المعارج) الكلام على يوم القيامة (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ (9) وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا (10) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ (13) وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ (14) المعارج)

نتوقف عند كلمة (يفتدي). إذن الكلام هنا عن الفدية، أن يفدي نفسه، لما كان الكلام على فداء النفس، أن يقدِّم فداء لنفسه بدأ ببنيه، وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه. يقولون الواو لا تقتضي الترتيب لكن الإيراد بهذه الصورة له دلالته.
(فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) عبس) إذن الكلام هنا على فرار، هناك كان الكلام عن فدية. (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)) نحن نكاد نكون قد أجبنا نصف الجواب الآن لما قلنا هناك على الفدية وهنا على الفرار.

لو تخيلنا الأمر على شكل دوائر محيطة بالإنسان: الدائرة الضيقة أقرب دائرة له هو الإبن الذي هو مظنّة أن يطيع أباه، الدائرة التي بعدها الزوجة المرتبطة بالأولاد، ثم الدائرة الأخرى دائرة الفصيل. والفصيلة هي العشيرة أو الأقارب الأدنون من القبيلة. الإنسان لما يكون من قبيلة يكون عنده أقارب أدنون يعني أبناء العمومة وأبناء الخال التي ينتسب إليها في كثير من الأحيان. مثلاً عندنا نحن في العشائر أحياناً تكون العشيرة كبيرة مثل (شمّر) عشيرة كبيرة في العراق، زوبع جزء من شمر، النعيم يقولون باللهجة العامية هؤلاء البوبندر من النعيم أي آل بندر، أي فصيلة بندر، أبناء بندر. كما قال هو من تميم "أنف الناقة"، تميمي تزوج كما تزوج من قبله قبل الإسلام في مدة قصيرة وأنف الناقة طفل صغير أبوه ذبح الناقة ركض إخوته نحو الناقة يأخذون اللحم فوجد رأس الناقة كبيراً فوضع يده في أنف الناقة وبدأ يجرها فصار أنف الناقة يسخرون منه، صار كبيراً، تزوج وصار له ذرية وله أكثر من عشر زوجات في الجاهلية فصاروا بنو أنف الناقة ما كانوا يقولون التميمي وإنما يقولون بنو أنف الناقة. هؤلاء هم الفصيل أقرب شيء إليه ثم (من في الأرض جميعاً) وراء ذلك.

فالإفتداء، الإنسان لما يرى حاله يريد أن يفدي نفسه، يقدم شيئاً: خذوا هذا بدلي، أقرب شيء له هو ولده، أقرب الناس إليه الإبن. فلهول المشهد في ذلك الوقت يتناول الأقرب خذوا هذا، لا ينفع يأخذ الذي بعده – الزوجة -، ثم الفصيل ثم ما في الأرض جميعاً بدلي، لاحظ الترتيب لأن فيه نوع من الفداء.

لما نأتي إلى سورة عبس، نوع من الفرار يعني الهزيمة، الإنسان لما يهرب يهرب من البُعداء أولاً، يتخلى عن من هو بعيد ثم يبدأ يتساقط شيئاً فشيئاً، لنقل كأنهم مرتبطون به فلما يركض أول من يخفف من ثقله: أخيه ثم أمه وأبيه، أيضاً يتخفف منهم. ونلاحظ هناك كان فداء لم يذكر الأم والأب لأنه لا يليق أن يفتدي الإنسان نفسه بأمه وأبيه، فلا يليق أن يذكر مع أنهم داخلون ضمن (ومن في الأرض جميعاً) لكن ما ذكر اسمهم لأن ذكر الأم والأب في الفداء مسألة كبيرة عند الناس أن يفدي نفسه بأمه وأبيه. لكن في الهرب ممكن أن يقول هم يحارون بأنفسهم، يدبرون حالهم. (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36)) التساقط صار شيئاً فشيئاً، (وبنيه) آخر شيء لاصق به كأنه شيء مرتبط بهذا الإنسان وهو يركض هارباً يتساقط البعيد ثم القريب ثم الأقرب حتى تعطى الصورة لهذا المشهد في يوم القيامة. فلما نتخيل هذه الصورة ونرى الفارق في الفداء وفي الفرار عند ذلك تتضح لماذا إختلف الترتيب .
(وصاحبته) هي زوجته والزوجة الإنسان ينام في حجرته معه زوجة وأولاده في السابق فهم أقرب إليه من غيرهم، فقد لا يكون في بيته الأم والأب. الترتيب اختلف لأن الصورة اختلفت: هناك صورة فداء من يعطي وينجو بنفسه فيبدأ بأقرب شيء إليه، بينما الهارب كأنها سلسلة تتساقط يسقط البعيد منها ثم الذي يليه ثم الذي يليه ثم آخر شيء اللاصق به.
هذه الآية في سورة في مكان وهذه الآية في سورة في مكان ومحمد r كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب ولا يرتب هذه الأمور، ألا يكفي هذا في الدلالة على نبوة محمد r؟ ألا يفكر الإنسان أن هذا الرجل الأمي لا يصدر منه مثل هذا التنظيم في مكانين مختلفين تنظر هنا تجد شيئاً وتنظر هنا تجد شيئاً والذي قال الشيئين كان مدركاً لما يقول هنا ولما يقول هنا في آن والمدة متباعدة بين نزول هذه السورة ونزول هذه السورة، هذا كلام ربنا سبحانه وتعالى
دأبنا أن نذكر قراءة نافع لإخواننا في المغرب العربي: (لو يفتدي من عذاب يومِئذٍ) عذاب مضاف ويومِ مضاف إليه، نافع قرأ (من عذاب يومَئذٍ) بالفتح. توجيه علماء العربية لذلك أن (يوم) ظرف والمفروض أن يكون مُعرباً لكن أضيف إلى مبني وهو (إذ) فإذا أضيف إلى مبني كثير من قبائل العرب تبنيه بسبب إضافته إلى المبني فيبنى على الفتح يقال (مبني على الفتح في محل جرّ)، تبنيه على الفتح (يومَئذ). وأكثر القراء قرأوها بالكسر (يومِئذ). نافع والكسائي فقط قرأوا بالبناء على الفتح (يومَئذ). يومِئذ مضاف إليه مجرور بالكسر فإذا فُتِح فالسرّ أنه أضيف إلى مبني. هي أصلها (يومِئذْ) والتنوين عوض عن جملة محذوفة. لأن عندنا التنوين أنواع: تنوين التمكين وتنوين العِوض. تنوين العِوض يمكن أن يكون عوضاً عن مفرد وهو اللاحق لكل عوضاً عما تضاف إليه (كلٌ يعمل على شاكلته) يعني كل إنسان فحذف كلمة إنسان وعوّض بالتنوين، هذا التنوين عوضاً عن مفرد. ويكون عوضاً عن حرف وهو اللاحق بنحو جوار وغواش وهذا فيه كلام طويل، عوض عن الياء المحذوفة لأن جوار وغواش ممنوع من الصرف لا ينوّن لأنه على صيغة منتهى الجموع فلما نوّن قالوا حذفت الياء ونون عوضاً عن الياء المحذوفة وهذا فيه كلام كثير.
وعوض عن جملة وهو اللاحق لـ (إذ) في قوله تعالى (وأنتم حينئذ تنظرون) يعني حينئذ بلغت الروح الحلقوم. نقول قال زيد كذا وكذا وحينئذٍ رد عليه فلان بكذا يعني وحينئذ قال كذا وكذا رد عليه فلان، فهنا (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) المعارج) يبصرونهم يعني يُرى الأحمّاء أحماءهم يعني: يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذْ يبصرونهم ببنيه.
******

ورد في القرآن جمع الأبرار والبررة ونلاحظ أن القرآن الكريم يستعمل الأبرار للناس المكلّفين ويستعمل البررة للملائكة ولم يستعملها للناس أبداً (بِأَيْدِي سَفَرَةٍ {15} كِرَامٍ بَرَرَةٍ {16}عبس) لماذا؟ الأبرار هي من الصيغ المستخدمة لجموع القَلّة والناس قليل منهم الأبرار (قلة نسبية) مصداقاً لقوله تعالى (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ {103}يوسف) فاستعمل القَلّة النسبية بينما الملائكة كلهم أبرار فاستعمل معهم الجمع الذي يدل على الكثرة (بررة).




أرب جمـال 13 - 8 - 2010 10:33 PM

اللغزالسابع والعشرون


ياسائلي عن سورتي سأقولُ
إن الفؤاد بحبها مشغولُ
من حسنها ضمت أمور عزائمٍ
إن نأتها ففلاحنا مأمولُ
إيماننا مستسلمين لربنا
والصالحاتُ طريقها موصولُ
أمر بمعروفٍ ودفع للذي
لم يرضه في حقنا التنزيلُ
والصبر إن عرضت لنا كف الأذى
فالصبر في حق الدعاة سبيلُ

سورة لقمان
بسم الله الرحمن الرحيم
يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور (17)

هذه الأبيات جميعها تشيرالى الآية السابقة من سورة لقمان رقم (17)
وهي مكية , غير آيتين قال قتادة : أولهما " ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام "
إلى آخر الآيتين . وقال ابن عباس : ثلاث آيات , أولهن " ولو أن ما في الأرض "
. وهي أربع وثلاثون آية .

*********


وصى لقمان عليه السلام ابنه بعظم الطاعات وهي الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
وهذا إنما يريد به بعد أن يمتثل ذلك هو في نفسه ويزدجر عن المنكر ,
وهنا هي الطاعات والفضائل أجمع .
ولقد أحسن من قال : وابدأ بنفسك فانهها عن غيها فإذا انتهت عنه فأنت حكيم .
يقتضي حضا على تغيير المنكر وإن نالك ضرر ; فهو إشعار بأن المغير يؤذى أحيانا ;
وهذا القدر على جهة الندب والقوة في ذات الله ; وأما على اللزوم فلا ,
وقيل : أمره بالصبر على شدائد الدنيا كالأمراض وغيرها ,
وألا يخرج من الجزع إلى معصية الله عز وجل ; وهذا قول حسن لأنه يعم .

قال ابن عباس : من حقيقة الإيمان الصبر على المكاره .
وقيل : إن إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من عزم الأمور ;
أي مما عزمه الله وأمر به ; قاله ابن جريج .
ويحتمل أن يريد أن ذلك من مكارم الأخلاق وعزائم أهل الحزم السالكين طريق النجاة .
وقول ابن جريج أصوب

مقاصدها من نظم الدرر
مقصودها إثبات الحكمة للكتاب اللازم منه حكمة منولة سبحانه في أقواله وأفعاله ، وقصة لقمان المسمى به السورة دليل واضح على ذلك كأنه سبحانه لما أكمل ما أ ) اد من أول القرآن إلى آخره براءة الني هي سورة عزو الروم ، وكان سبحانه قد ابتدأ القرآن أم القرآن بنفي الريب عن هذا الكتاب ، وأنه هدى للمتقين ، واستدل على ذلك فيما تبعها من السور ، ثم ابتدأ سورة يونس بعد سورة عزو الروم بإثبات حكمته ، وأتبع ذلك دليله إلى أن ختم سورة الروم ، ابتدأ دورا جديدا على وجه أضخم من الأول ، فوصفه في أول هذه التالية للروم بما وصفه به في يونس التالية لغزو الروم ، وذلك الوصف هو الحكمة وزاد أنه هدى وهداية للمحسنين ، فهؤلاء أصحاب النهايات ، والمتقون أصحاب البدايات .

أسباب النزول ( للواحدي)
قوله تعالى (وَوَصَّينا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ حُسناً) الآية.
قال المفسرون: نزلت في سعد بن أبي وقاص. وذلك أنه لما أسلم قالت له أمه جميلة: يا سعد بلغني أنك صبوت فوالله لا يظلني سقف بيت من الضح والريح ولا آكل ولا أشرب حتى تكفر بمحمد عليه الصلاة والسلام وترجع إلى ما كنت عليه وكان أحب ولدها إليها فأبى سعد فصبرت هي ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب ولم تستظل بظل حتى خشي عليها فأتى سعد النبي صلى الله عليه وسلم وشكا ذلك إليه فأنزل الله تعالى هذه الآية والتي في لقمان والأحقاف.

أخبرنا أبو سعد بن أبي بكر الغازي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أبو خيثمة قال: أخبرنا الحسن بن موسى قال: أخبرنا زهير قال: أخبرنا سماك بن حرب قال: حدثني مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال: نزلت هذه الآية في قال: حلفت أم سعد لا تكلم أبداً حتى يكفر بدينه ولا تأكل ولا تشرب ومكثت ثلاثة أيام حتى غشي عليها من الجهد فأنزل الله تعالى (وَوَصَّينا الإِنسانَ بِوَالِدَيهِ حُسناً) رواه مسلم عن أبي خيثمة.

قوله تعالى (وَإِن جاهَداكَ لِتُشرِكَ بي) الآية.
أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحافظ قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو يعلى قال: أخبرنا أحمد بن أيوب بن راشد الضبي قال: أخبرنا مسلمة بن علقمة قال: أخبرنا داود بن أبي هند عن أبي عثمان النهدي أن سعد بن مالك قال: أنزلت في هذه الآية (وَإِن جاهَداكَ لِتُشرِكَ بي ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تُطِعهُما) قال: كنت رجلاً براً بأمي فلما أسلمت قالت: يا سعد ما هذا الدين الذي قد أحدثت لتدعن عن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال يا قاتل أمه قلت: لا تفعلي يا أمه فإني لا أدع ديني هذا لشيء قال: فمكثت يوماً لا تأكل فأصبحت قد جهدت قال فمكثت يوماً آخر وليلة لا تأكل فأصبحت وقد اشتد جهدها قال: فلما رأيت ذلك قلت تعلمين والله يا أمه لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني هذا لشيء إن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي فلما رأت ذلك أكلت فأنزلت هذه الآية (وَإِن جاهَداكَ) الآية.

قوله تعالى (وَمِن الناسِ مَن يَشتَري لَهوَ الحَديثِ)
قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث. وذلك أنه كان يخرج تاجراً إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ويحدث بها قريشاً ويقول لهم: إن محمداً عليه الصلاة والسلام يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن فنزلت فيه هذه الآية.
وقال مجاهد: نزلت في شراء القيان والمغنيات.
أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المقرئ قال: أخبرنا محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: أخبرنا جدي قال: أخبرنا علي بن حجر قال: أخبرنا مشمعل بن ملحان الطائي عن مطرح بن يزيد عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل تعليم المغنيات ولا بيعهن وأثمانهن حرام وفي مثل هذا نزلت هذه الآية (وَمِنَ الناسِ مَن يَشتَري لَهوَ الحَديثِ لِيُضِلَّ عَن سَبيلِ اللهِ) إلى آخر الآية. وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلا بعث الله تعالى عليه شيطانين أحدهما على هذا المنكب والآخر على هذا المنكب فلا يزالان يضربان بأرجلهما حتى يكون هو الذي يسكت.

وقال ثور بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية تغنيه قوله تعالى (وَإِن جاهَداكَ عَلى أَن تُشرِكَ بي) نزلت في سعد بن أبي وقاص على ما ذكرناه في سورة العنكبوت.

قوله تعالى (وَاِتَّبِع سَبيلَ مَن أَنابَ إِلَيَّ).
نزلت في أبي بكر رضي الله عنه قال عطاء عن ابن عباس: يريد أبا بكر وذلك أنه حين أسلم أتاه عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد وعثمان وطلحة والزبير فقالوا: لأبي بكر رضي الله عنه: آمنت وصدقت محمداً عليه الصلاة والسلام فقال أبو بكر: نعم فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فآمنوا وصدقوا فأنزل الله تعالى يقول لسعد (وَاِتَّبِع سَبيلَ مَن أَنابَ إِلَيَّ) يعني أبا بكر رضي الله عنه.

قوله تعالى (وَلَو أَنَّما في الأَرضِ مِن شَجَرَةٍ أَقلامٌ)
قال المفسرون: سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الروح فأنزل الله (وَيَسئَلونَكَ عَنِ الرُوحِ قُلِ الرُوح ُمِن أَمرِ رَبّي وَما أُوتيتُم مِّنَ العِلمِ إِلّا قَليلاً) فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه أحبار اليهود فقالوا: يا محمد بلغنا عنك أنك تقول (وَما أُوتيتُم مِّنَ العِلمِ إِلاّ قَليلاً) أفتعنينا أم قومك فقال: كلاً قد عنيت قالوا: ألست تتلو فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي في علم الله سبحانه قليل ولقد آتاكم الله تعالى ما إن عملتم به انتفعتم به فقالوا: يا محمد كيف تزعم هذا أنت تقول (وَمَن يُؤتَ الحِكمَةَ فَقَد أُوتِيَ خَيراً كَثيراً) وكيف يجتمع هذا علم قليل وخير كثير فأنزل الله تعالى (وَلَو أَنَّما في الأَرضِ مِن شَجَرَةٍ أَقلامٌ) الآية.
قوله تعالى (إِنَّ اللهَ عِندَهُ عِلمُ الساعَةِ) نزلت في الحارث بن عمرو بن حارثة بن محارب بن حفصة من أهل البادية أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الساعة ووقتها وقال: إن أرضنا أجدبت فمتى ينزل الغيث وتركت امرأتي حبلى فماذا تلد وقد علمت أين ولدت فبأي أرض أموت فأنزل الله تعالى هذه الآية. أخبرنا أبو عثمان سعيد بن محمد المؤذن قال: أخبرنا محمد بن حمدون بن الفضل قال: أخبرنا أحمد بن الحسين الحافظ قال: أخبرنا حمدان السلمي قال: حدثنا النضر بن محمد قال: حدثنا عكرمة قال: حدثنا إياس بن سلمة قال: حدثني أبي أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل بفرس له يقودها عقوق ومعها مهرة له يبيعها فقال له: من أنت قال: أنا نبي الله قال: ومن نبي الله قال: رسول الله قال متى تقوم الساعة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غيب ولا يعلم الغيب إلا الله قال: ما في بطن فرسي هذه قال: غيب ولا يعلم الغيب إلا الله قال: أرني سيفك فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سيفه فهزه الرجل ثم رده إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنك لم تكن تستطيع الذي أردت قال: وقد كان الرجل قال: أذهب إليه فأسأله عن هذه الخصال ثم أخبرنا أبو عبد الله بن إسحاق قال: أخبرنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر قال: أخبرنا محمد بن عثمان بن أبي سويد قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمهم إلا الله تعالى لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله ولا يعلم: ما تغيض الأرحام إلا الله ولا يعلم ما في غد إلا الله ولا يعلم بأي أرض تموت إلا الله ولا يعلم متى ينزل الغيث إلا الله. رواه البخاري عن محمد بن يوسف عن سفيان.
ورد قول الله تعال (عزم الأمور) فى أكثر من آيه

(1 ) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (آل عمران 186)

ونزلت بسبب أن أبا بكر رضي الله عنه سمع يهوديا يقول : إن الله فقير ونحن أغنياء .
ردا على القرآن واستخفافا به حين أنزل الله " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " [ البقرة : 245 ]
فلطمه ; فشكاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت . قيل : إن قائلها فنحاص اليهودي ; عن عكرمة .
الزهري : هو كعب بن الأشرف نزلت بسببه ; وكان شاعرا ,
وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه , ويؤلب عليه كفار قريش ,
ويشبب بنساء المسلمين حتى بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة وأصحابه
فقتله القتلة المشهورة في السير وصحيح الخبر . وقيل غير هذا .
وكان صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة كان بها اليهود والمشركون , فكان هو وأصحابه يسمعون أذى كثيرا .
, وفي الصحيحين أنه عليه السلام مر بابن أبي وهو عليه السلام على حمار فدعاه إلى الله تعالى
فقال ابن أبي : إن كان ما تقول حقا فلا تؤذنا به في مجالسنا ! ارجع إلى رحلك ,
فمن جاءك فاقصص عليه . وقبض على أنفه لئلا يصيبه غبار الحمار ,
فقال ابن رواحة : نعم يا رسول الله , فاغشنا في مجالسنا فإنا نحب ذلك .
واستب المشركون الذين كانوا حول ابن أبي والمسلمون ,
وما زال النبي صلى الله عليه وسلم يسكنهم حتى سكنوا .
ثم دخل على سعد بن عبادة يعوده وهو مريض , فقال : ( ألم تسمع ما قال فلان )
فقال سعد : اعف عنه واصفح , فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاءك الله بالحق الذي نزل ,
وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة ;
فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاكه شرق به , فذلك فعل به ما رأيت .
فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم , ونزلت هذه الآية . قيل : هذا كان قبل نزول القتال ,
وندب الله عباده إلى الصبر والتقوى وأخبر أنه من عزم الأمور .
وكذا في البخاري في سياق الحديث , إن ذلك كان قبل نزول القتال .
والأظهر أنه ليس بمنسوخ ; فإن الجدال بالأحسن والمداراة أبدا مندوب إليها ,
وكان عليه السلام مع الأمر بالقتال يوادع اليهود ويداريهم , ويصفح عن المنافقين , وهذا بين .
ومعنى " عزم الأمور " شدها وصلابتها .

2 يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (لقمان 17 )

وقد تقدم شرحها فى اجابة اللغز

(3) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (الشورى 43 )

أي من عزائم الله التي أمر بها . وقيل : من عزائم الصواب التي وفق لها .
وذكر الكلبي والفراء أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه مع ثلاث آيات قبلها ,
وقد شتمه بعض الأنصار فرد عليه ثم أمسك . وهي المدنيات من هذه السورة .
وقيل : هذه الآيات في المشركين , وكان هذا في ابتداء الإسلام قبل الأمر بالقتال ثم نسختها آية القتال ;
وفي تفسير ابن عباس " ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل "
يريد حمزة بن عبد المطلب وعبيدة وعليا رضوان الله عليهم أجمعين .
" إنما السبيل على الذين يظلمون الناس"
" يريد عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأبا جهل والأسود ,
وكل من قاتل من المشركين يوم بدر . " ويبغون في الأرض " يريد بالظلم والكفر .
" أولئك لهم عذاب أليم " يريد وجيع . " ولمن صبر وغفر
" يريد أبا بكر وعمر وأبا عبيدة بن الجراح ومصعب بن عمير وجميع أهل بدر رضوان الله عليهم أجمعين .
" إن ذلك من عزم الأمور " حيث قبلوا الفداء وصبروا على الأذى .
والمنقب فى آيات الله ومآثر قوله التى لا تعد ولا تحصى يستمتع بدقة الحرف وحكمة مجيئه كما
أنزله المولى عز وجل سبحاته وتعال فكل شىء عنده بمقدار
فقد جائت اللام فى هذه الآية وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ
للتأكد فقد قرن الله فيها صبر الأنسان على الأذى بصفحه أيضا عمن أذاه وهذا لا يتأتى الا
لذوى العزم الأشد فكان التأكيد
والله أعلى وأعلم

ياسائلي عن سورتي سأقولُ
إن الفؤاد بحبها مشغولُ
من حسنها ضمت أمور عزائمٍ
إن نأتها ففلاحنا مأمولُ
إيماننا مستسلمين لربنا
والصالحاتُ طريقها موصولُ
أمر بمعروفٍ ودفع للذي
لم يرضه في حقنا التنزيلُ
والصبر إن عرضت لنا كف الأذى

فالصبر في حق الدعاة سبيلُ




سورة آل عمران

أسباب النزول( للواحدي)
قال المفسرون: قدم وفد نجران وكانوا ستين راكباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم وفي الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يئول أمرهم فالعاقب أمير القوم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه واسمه عبد المسيح والسيد إمامهم وصاحب رحلهم واسمه الأيهم وأبو حارثة بن علقمة أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم وكان قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم وكانت ملوك الروم قد شرفوه ومولوه وبنوا له الكنائس لعلمه واجتهاده فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحبرات جبات وأردية في جمال رجال الحارث بن كعب يقول بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأينا وفداً مثلهم وقد حانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوهم فصلوا إلى المشرق فكلم السيد والعاقب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسلما فقالا: قد أسلمنا قبلك قال: كذبتما منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير قالا: إن لم يكن عيسى ولد الله فمن أبوه وخاصموه جميعاً في عيسى فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه قالوا: بلى قال: ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت وأن عيسى أتى عليه الفناء قالوا: بلى قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء يحفظه ويرزقه قالوا: بلى قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً قالوا: لا قال: فإن ربنا صور عيسى في الرحم كيف شاء وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث قالوا: بلى قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ثم غذي كما يغذى الصبي ثم كان يطعم ويشرب ويحدث قالوا: بلى قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم فسكتوا فأنزل الله عز وجل فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانين آية منها.

قوله (قُل للَّذينَ كَفَروا سَتُغلَبونَ) الآية
قال الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: إن يهود أهل المدينة قالوا لما هزم الله المشركين يوم بدر: هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى ونجده في كتابنا بنعته وصفته وإنه لا ترد له راية فأرادوا تصديقه واتباعه ثم قال بعضهم لبعض: لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة له أخرى فلما كان يوم أحد ونكب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا وقالوا: لا والله ما هو به وغلب عليهم الشقاء فلم يسلموا وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة فنقضوا ذلك العهد وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكباً إلى أهل مكة أبي سفيان وأصحابه فوافقوهم وأجمعوا أمرهم وقالوا: لتكونن كلمتنا واحدة ثم رجعوا إلى المدينة فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.

وقال محمد بن إسحاق بن يسار: لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً ببدر فقدم المدينة جمع اليهود وقال: يا معشر اليهود احذروا من الله مثل ما نزل بقريش يوم بدر وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم فقالوا: يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوماً أغماراً لا علم لهم بالحرب فأصبت فيهم فرصة أما والله لو قاتلناك لعرفت أنا نحن الناس فأنزل الله تعالى (قُل لِلَّذينَ كَفَروا) يعني اليهود (سَتُغلَبونَ) تهزمون (وَتُحشَرونَ إِلى جَهَنَّمَ) في الآخرة هذه رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس.

قوله (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ)
قال الكلبي: لما ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قدم عليه حبران من أحبار أهل الشام فلما أبصرا المدينة قال أحدهما لصاحبه: ما أشبه هذه المدينة بصفة مدينة النبي الذي يخرج في آخر الزمان فلما دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم عرفاه بالصفة والنعت فقالا له: أنت محمد قال: نعم قالا: وأنت أحمد قال: نعم قالا إنا نسألك عن شهادة فإن أنت أخبرتنا بها آمنا بك وصدقناك فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: سلاني فقالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله فأنزل الله تعالى على نبيه (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلّا هُوَ وَالمَلائِكَةُ وَأُولوا العِلمِ) فأسلم الرجلان وصدقا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله (أَلَم تَرَ إِلى الَّذينَ أُوتوا نَصيباً مِّنَ الكِتابِ) الآية
اختلفوا في سبب نزولها فقال السدي: دعا النبي صلى الله عليه وسلم اليهود إلى الإسلام فقال له النعمان بن أدفى: هلم يا محمد نخاصمك إلى الأحبار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل إلى كتاب الله فقال: بل إلى الأحبار فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وروى سعيد بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدارس على جماعة من اليهود فدعاهم إلى الله فقال له نعيم بن عمرو والحرث بن زيد: على أي دين أنت يا محمد فقال: على ملة إبراهيم قالا: إن إبراهيم كان يهودياً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلموا إلى التوراة فهي بيننا وبينكم فأبيا عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال الكلبي نزلت في قصة اللذين زنيا من خيبر وسؤال اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم عن حد الزانيين وسيأتي بيان ذلك في سورة المائدة إن شاء الله تعالى قوله (قُل اَللَّهُمَّ مالِكَ المُلكِ) الآية قال ابن عباس وأنس بن مالك: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ووعد أمته ملك فارس والروم قالت المنافقون واليهود: هيهات هيهات من أين لمحمد ملك فارس والروم هم أعز وأمنع من ذلك ألم يكف محمداً مكة والمدينة حتى طمع في ملك فارس والروم فأنزل الله تعالى هذه الآية.

أخبرني محمد بن عبد العزيز المروزي في كتابه أخبرنا أبو الفضل محمد بن الحسين أخبرنا محمد بن يحيى أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا روح بن عبادة حدثنا سعيد عن قتادة قال: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته فأنزل الله تعالى (قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ المُلكِ تُؤتي المُلكَ مَن تَشاءُ) الآية.

حدثنا الأستاذ أبو الحسن الثعالبي أخبرنا عبد الله بن حامد الوزان أخبرنا محمد بن جعفر الميطري قال: قال حماد بن الحسن: حدثنا محمد بن خالد بن عتمة حدثنا كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف قال: حدثني أبي عن أبيه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخندق يوم الأحزاب ثم قطع لكل عشرة أربعين ذراعاً. قال عمرو بن عوف: كنت أنا وسلمان وحذيفة والنعمان بن مقرن المزني وستة من الأنصار في أربعين ذراعاً فحفرنا حتى إذا كنا تحت ذي ناب أخرج الله من بطن الخندق صخرة مروة كسرت حديدنا وشقت علينا فقلنا: يا سلمان ارق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره خبر هذه الصخرة فإما أن نعدل عنها وإما أن يأمرنا فيها بأمره فإنا لا نحب أن نجاوز خطه قال: فرقى سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ضارب عليه قبة تركية فقال: يا رسول الله خرجت صخرة بيضاء مروة من بطن الخندق فكسرت حديدنا وشقته علينا حتى ما يحيك فيها قليل ولا كثير فمرنا فيها عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس جمعهم يتحدثون فيه فغاظه ما رأى من جماعتهم وألفتهم وصلاح ذات بينهم في الإسلام بعد الذي كان بينهم في الجاهلية من العداوة فقال: قد اجتمع ملأ بني قيلة بهذه البلاد لا والله مالنا معهم إذا اجتمعوا بها من قرار فأمر شاباً من اليهود كان معه فقال: اعمد إليهم فاجلس معهم ثم ذكرهم بعاث وما كان فيه وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار وكان بعاث يوماً اقتتلت فيه الأوس والخزرج وكان الظفر فيه للأوس على الخزرج ففعل فتكلم القوم عند ذلك فتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين أوس بن قيظي أحد بني حارثة من الأوس وجابر بن صخر أحد بني سلمة من الخزرج فتقاولا وقال أحدهما لصاحبه إن شئت رددتها جذعاً وغضب الفريقان جميعاً وقالا: ارجعا السلاح السلاح موعدكم الظاهرة وهي حرة فخرجوا إليها فانضمت الأوس والخزرج بعضها إلى بعض على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم فيمن معه من المهاجرين حتى جاءهم فقال: يا معشر المسلمين أتدعون الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن أكرمكم الله بالإسلام وقطع به عنكم أمر الجاهلية وألف بينكم فترجعون إلى ما كنتم عليه كفاراً الله الله فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان وكيد من عدوهم فألقوا السلاح من أيديهم وبكوا وعانق بعضهم بعضاً ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين فأنزل الله عز وجل (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا) يعني الأوس والخزرج (إِن تُطيعوا فَريقاً مِّن الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ) يعني شاساً وأصحابه (يَرُدّوكُم بَعدَ إِيمانِكُم كافِرينَ) قال جابر بن عبد الله: ما كان طالع أكره إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأومأ إلينا بيده فكففنا وأصلح الله تعالى ما بيننا فما كان شخص أحب إلينا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت يوماً أقبح ولا أوحش أولاً وأحسن آخراً من ذلك اليوم.

قوله (وَكَيفَ تَكفُرونَ) الآية.
أخبرنا أحمد بن الحسين الحيري قال: حدثنا محمد بن يعقوب حدثنا العباس الدوري حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين حدثنا قيس بن الربيع عن الأغر عن خليفة بن حصين عن أبي نصر عن ابن عباس قال: كان بين الأوس والخزرج شر في الجاهلية فذكروا ما بينهم فثار بعضهم إلى بعض بالسيوف فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فذهب إليهم فنزلت هذه الآية (وَكَيفَ تَكفُرونَ وَأَنتُم تُتلى عَلَيكُم آَياتُ اللهِ وَفيكُم رَسولُهُ) (وَاِعتَصِموا بِحَبلِ اللهِ جَميعاً وَلا تَفَرَقوا).
أخبرنا الشريف إسماعيل بن الحسن بن محمد بن الحسين النقيب قال: أخبرنا جدي محمد بن الحسين قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الحسين الحافظ قال: حدثنا حاتم بن يونس الجرجاني قال: حدثنا إبراهيم بن أبي الليث قال: حدثنا الأشجعي عن سفيان عن خليفة بن حصين عن أبي نصر عن ابن عباس قال: كان الأوس والخزرج يتحدثون فغضبوا حتى كان بينهم الحرب فأخذوا السلاح بعضهم إلى بعض فنزلت (وَكَيفَ تَكفُرونَ وَأَنتُم تُتلى عَلَيكُم آَياتُ اللهِ) إلى قوله تعالى (فَأَنقَذَكُم مِّنها).

قوله (كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ) الآية.
قال عكرمة ومقاتل: نزلت في ابن مسعود وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة وذلك أن مالك بن الصيف ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لهم: إن ديننا خير مما تدعونا إليه ونحن خير وأفضل منكم فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قوله (لَن يَضُرّوكُم إِلّا أَذىً)
قال مقاتل: إن رءوس اليهود كعب ويحرى والنعمان وأبو رافع وأبو ياسر وابن صوريا عمدوا إلى مؤمنهم عبد الله بن سلام وأصحابه فآذوهم لإسلامهم فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قوله (لَيسوا سَواءً) الآية.
قال ابن عباس ومقاتل: لما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة بن سعنة وأسيد بن سعنة وأسد بن عبيد ومن أسلم من اليهود قالت أحبار اليهود: ما آمن لمحمد إلا شرارنا ولو كانوا من خيارنا لما تركوا دين آبائهم وقالوا لهم: لقد خنتم حين استبدلتم بدينكم ديناً غيره فأنزل الله تعالى (لَيسوا سَواءً) الآية. وقال ابن مسعود: نزلت الآية في صلاة العتمة يصليها المسلمون ومن سواهم من أهل الكتاب لا يصليها.

أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن الرازي قال: أخبرنا أبو عمر محمد بن أحمد الحيري قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا أبو خيثمة قال: حدثنا هاشم بن القاسم قال: حدثنا شيبان عن عاصم عن زر عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال: إنه ليس من أهل الأديان أحد يذكر الله في هذه الساعة غيركم قال: فأنزلت هذه الآيات (لَيسوا سَواءً مِّن أَهلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتلونَ) إلى قوله (وَاللهُ عَليمٌ بِالمُتَّقينَ).

أخبرنا سعيد بن محمد بن أحمد بن نوح قال: أخبرنا أبو علي بن أحمد الفقيه قال: أخبرنا محمد بن المسيب قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال: حدثنا عبد الله بن وهب قال: أخبرني يحيى بن أيوب عن ابن زجر عن سليمان عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود قال: احتبس علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وكان عند بعض أهله أو نسائه فلم يأتنا لصلاة العشاء حتى ذهب ثلث الليل فجاء ومنا المصلي ومنا المضطجع فبشرنا فقال: إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب وأنزلت (لَيسوا سَواءً مِّن أَهلِ الكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتلونَ آَياتِ اللهِ آَناءَ اللَّيلِ وَهُم يَسجُدونَ).

قوله (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَتَّخِذوا بِطانَةً مِّن دونِكُم) الآية.
قال ابن عباس ومجاهد: نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين ويواصلون رجلاً من اليهود لما كان بينهم من القرابة والصداقة والحلف والجوار والرضاع فأنزل الله تعالى هذه الآية ينهاهم عن مباطنتهم خوف الفتنة منهم عليهم.

قوله (إِذ غَدَوتَ مِّن أَهلِكَ) الآية.
نزلت هذه الآية ف ي غزوة أحد أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا عبد الله بن جعفر المخرمي عن ابن عون عن المسعر بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أي خالي أخبرني عن قصتكم يوم أحد فقال: اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجد (وَإِذ غَدَوتَ مِّن أَهلِكَ تُبَوِّيءُ المُؤمِنينَ) إلى قوله تعالى (ثُمَّ أَنزَلَ عَليكُم مِّن بَعدِ الغَمِ أَمَنَةً نُّعاسًا).

قوله تعالى (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ)
أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان العسكري قال: حدثنا عبيدة بن حميد عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: كسرت رباعية رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ودمى وجهه فجعل الدم يسيل على وجهه ويقول: كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم قال: فأنزل الله تعالى (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتوبَ عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمونَ).

أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الرازي قال: أخبرنا أبو عمرو بن حمدان قال: أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى قال: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد قال: حدثنا معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فلاناً وفلاناً فأنزل الله عز وجل (لَيسَ لَكَ مِّنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتوبَ عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظالِمونَ) رواه البخاري عن حيان عن ابن المبارك عن معمر ورواه مسلم من طريق ثابت عن أنس.

قوله تعالى (وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً) الآية.
قال ابن عباس في رواية عطاء: نزلت الآية في نبهان الثمار أتته امرأة حسناء باع منها تمراً فضمها إلى نفسه وقبلها ثم ندم على ذلك فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر ذلك له فنزلت هذه الآية.

وقال في رواية الكلبي: إن رجلين أنصارياً وثقفياً آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما فكانا لا يفترقان فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض مغازيه وخرج معه الثقفي وخلف الأنصاري في أهله وحاجته وكان يتعاهد أهل الثقفي فأقبل ذات يوم فأبصر امرأة صاحبه قد اغتسلت وهي ناشرة شعرها فوقعت في نفسه فدخل ولم يستأذن حتى انتهى إليها فذهب ليقبلها فوضعت كفها على وجهها فقبل ظاهر كفها ثم ندم واستحيا فأدبر راجعاً فقالت: سبحان الله خنت أمانتك وعصيت ربك ولم تصب حاجتك قال: فندم على صنيعه فخرج يسيح في الجبال ويتوب إلى الله تعالى من ذنبه حتى وافى الثقفي فأخبرته أهله بفعله فخرج يطلبه حتى دل عليه فوافقه ساجداً وهو يقول: رب ذنبي قد خنت أخي فقال له: يا فلان قم فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسله عن ذنبك لعل الله أن يجعل لك فرجاً وتوبة فأقبل معه حتى رجع إلى المدينة وكان ذات يوم عند صلاة العصر نزل جبريل عليه السلام بتوبته فتلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً) إلى قوله (وَنِعمَ أَجرُ العامِلينَ) فقال عمر: يا رسول الله أخاص هذا لهذا الرجل أم للناس عامة قال: بل للناس عامة. أخبرني أبو عمرو محمد بن عبد العزيز المروزي إجازة قال: أخبرنا محمد بن الحسن الحدادي قال: أخبرنا محمد يحيى قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال: أخبرنا روح قال: حدثنا محمد عن أبيه عن عطاء: أن المسلمين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أبنو إسرائيل أكرم على الله منا كانوا إذا أذنب أحدهم أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة في عتبة بابه اجذع أذنك اجذع أنفك افعل كذا فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت (وَالَّذينَ إِذا فَعَلوا فاحِشَةً) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم بخير من ذلك فقرأ هذه الآيات.

قوله تعالى (وَلا تَهِنوا وَلا تَحزَنوا) الآية.
قال ابن عباس: انهزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فبينما هم كذلك إذ أقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد أن يعلو عليهم الجبل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم لا يعلون علينا اللهم لا قوة لنا إلا بك اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر فأنزل الله تعالى هذه الآيات وثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل ورموا خيل المشركين حتى هزموهم فذلك قوله (وَأَنتُم الأَعلونَ).

قوله (إِن يَمسَسكُم قَرحٌ) الآية.
قال راشد بن سعد: لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم كئيباً حزيناً يوم أحد جعلت المرأة تجيء بزوجها وابنها مقتولين وهي تلدم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أهكذا يفعل برسولك فأنزل الله تعالى (إِن يَمسَسكُم قَرحٌ) الآية.
قوله (وَما مُحمَّدٌ إِلّا رَسولٌ) الآيات.
قال عطية العوفي: لما كان يوم أحد انهزم الناس فقال بعض الناس: قد أصيب محمد فأعطوهم بأيديكم فإنما هم إخوانكم وقال بعضهم: إن كان محمد قد أصيب ألا ما تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به فأنزل الله تعالى في ذلك (وما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسولٌ قَد خَلَت مِن قَبلِهِ الرُسُلُ) إلى (وَكأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيّونَ كَثيرٌ فَما وَهَنوا لِما أَصابَهُم في سَبيلِ الله ِوَما ضَعُفوا) - لقتل نبيهم - إلى قوله (فَآتاهُمُ الله ُثَوابَ الدُنيا).

قوله (سَنُلقي في قُلوبِ الَّذينَ كَفَروا الرُعبَ) الآية.
قال السدي: لما ارتحل أبو سفيان والمشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ثم إنهم ندموا وقالوا: بئس ما صنعنا قتلناهم حتى إذا لم يبق منهم إلا الشرذمة تركناهم ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا على ذلك ألقى الله تعالى في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما هموا به وأنزل الله تعالى هذه الآية.

قوله تعالى (وَلَقد صَدَقَكُمُ اللهُ وَعدَهُ) الآية.
قال محمد بن كعب القرظي: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقد أصيبوا بما أصيبوا يوم أحد قال ناس من أصحابه: من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر فأنزل الله تعالى (وَلَقَد صَدَقَكُمُ اللهُ وَعدَهُ) الآية إلى قوله (مِنكُم مَّن يُريدُ الدُنيا) يعني الرماة الذين فعلوا ما فعلوا يوم أحد.

قوله تعالى (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) الآية
. أخبرنا محمد بن عبد الرحمن المطوعي قال: أخبرنا أبو عمرو بن محمد بن أحمد الحيري قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أبو عبد الله بن أبان قال: حدثنا ابن المبارك قال: حدثنا شريك عن حصيف عن عكرمة عن ابن عباس قال: فقدت قطيفة حمراء يوم بدر مما أصيب من المشركين فقال أناس: لعل النبي صلى الله عليه وسلم أخذها فأنزل الله تعالى (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) قال حصيف: قلت لسعيد بن جبير: ما كان لنبي أن يغل فقال: بل يغل ويقتل.

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن إبراهيم النجار قال: حدثنا أبو القاسم سليمان بن أيوب الطبراني قال: حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد النرسي قال: حدثنا أبو عمرو بن العلاء عن مجاهد عن ابن عباس أنه كان ينكر على من يقرأ وما كان لنبي أن يُغَلَّ ويقول: كيف لا يكون له أن يغل وقد كان يقتل قال الله تعالى (وَيَقتُلونَ الأَنبِياءَ) ولكن المنافقين اتهموا النبي صلى الله عليه وسلم في شيء من الغنيمة فأنزل الله عز وجل (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ).

أخبرنا أحمد بن محمد بن أحمد الأصفهاني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأصفهاني قال: حدثنا أبو يحيى الرازي قال: حدثنا سهل بن عثمان قال: حدثنا وكيع عن سلمة عن الضحاك.
قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلائع فغنم النبي صلى الله عليه وسلم غنيمة وقسمها بين الناس ولم يقسم للطلائع شيئاً فلما قدمت الطلائع قالوا: قسم الفيء ولم يقسم لنا فنزلت (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ) قال سلمة: قرأها الضحاك يغل. وقال ابن عباس في رواية الضحاك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وقع في يده غنائم هوازن يوم حنين غله رجل بمخيط فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال قتادة: نزلت وقد غل طوائف من أصحابه وقال الكلبي ومقاتل: نزلت حين ترك الرماة المركز يوم أحد طلباً للغنيمة وقالوا: نخشى أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أخذ شيئاً فهو له وأن لا يقسم الغنائم كما لم يقسم يوم بدر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ظننتم أنا نغل ولا نقسم لكم فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وروى عن ابن عباس أن أشراف الناس استدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخصصهم بشيء من الغنائم فنزلت هذه الآية.

قوله (أَولَمّا أَصابَتكُم مُّصيبَةٌ) الآية.
قال ابن عباس: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم أحد من العام المقبل عوقبوا بما صنعوا يوم بدر من أخذهم الفداء فقتل منهم سبعون وفر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة من رأسه وسال الدم على وجهه فأنزل الله تعالى (أَوَلَمّا أَصابَتكُم مُصيبَةٌ) إلى قوله (قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم) قال بأخذكم الفداء.
قوله (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً) أخبرنا محمد بن محمد بن يحيى قال: أخبرنا أبو سعيد إسماعيل بن أحمد الجلالي قال: أخبرنا عبد الله بن زيدان البجلي قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن إسماعيل بن أبي أمية عن أبي الزبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ إخواننا أنا في الجنة نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا في الحرب فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقونَ). رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه من طريق عثمان بن أبي شيبة.

أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الغازي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال: أخبرنا حامد بن محمد بن شعيب البلخي قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا ابن إدريس فذكره رواه الحاكم عن علي بن عيسى الحيري عن مسدد عن عثمان بن أبي شيبة.

أخبرنا أبو بكر الحارثي حدثنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أحمد بن الحسين الحذاء قال علي بن المديني قال: حدثنا موسى بن إبراهيم بن بشير بن الفاكه الأنصاري أنه سمع طلحة بن حراش قال: سمعت جابر بن عبد الله قال: نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مالي أراك مهتماً قلت: يا رسول الله قتل أبي وترك ديناً وعيالاً فقال: ألا أخبرك ما كلم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كفاحاً فقال: يا عبدي سلني أعطك قال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية فقال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون قال: يا رب فأبلغ من ورائي فأنزل الله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ) الآية.

أخبرني أبو عمرو القنطري فيما كتب إلي قال: أخبرنا محمد بن الحسين قال: أخبرنا محمد بن يحيى قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ) قال: لما أصيب حمزة بن عبد المطلب ومصعب بن عمير يوم أحد ورأوا ما رزقوا من الخير قالوا: ليت إخواننا يعلمون ما أصابنا من الخير كي يزدادوا في الجهاد رغبة فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتاً بَل أَحياءٌ) إلى قوله (لا يُضيعُ أَجرَ المُؤمِنينَ).

وقال أبو الضحى نزلت هذه الآية في أهل أحد خاصة. وقال جماعة من أهل التفسير: نزلت الآية في شهداء بئر معونة وقصتهم مشهورة ذكرها محمد بن إسحاق بن يسار في المغازي.

وقال آخرون: إن أولياء الشهداء كانوا إذا أصابتهم نعمة أو سرور تحسروا وقالوا: نحن في النعمة والسرور وآباؤنا وأبناؤنا وإخواننا في القبور فأنزل الله تعالى هذه الآية تنفيساً عنهم وإخباراً عن حال قتلاهم.

قوله (الَّذينَ اِستَجابوا للهِ وَالرَسولِ) الآية.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المقري قال: أخبرنا شعيب بن محمد قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا روح قال: حدثنا أبو يونس القشيري عن عمرو بن دينار أن رسول الله صلى الله عله وسلم استنفر الناس بعد أحد حين انصرف المشركون فاستجاب له سبعون رجلاً فطلبهم فلقي أبو سفيان عيراً من خزاعة فقال لهم: إن لقيتم محمداً يطلبني فأخبروه أني في جمع كثير فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم فسألهم عن أبي سفيان فقالوا: لقيناه في جمع كثير ونراك في قلة ولا نأمنه عليك فأبى رسول الله إلا أن يطلبه. فسبقه أبو سفيان فدخل مكة فأنزل الله تعالى فيهم (الَّذينَ اِستَجابوا للهِ وَالرَسولِ) حتى بلغ (فَلا تَخافوهُم وَخافونِ إِن كُنتُم مُؤمِنينَ).

أخبرنا عمر بن عمرو قال: أخبرنا محمد بن مكي قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: أخبرنا محمد قال: أخبرنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى (الَّذينَ اِستَجابوا للهِ وَالرَسولِ) إلى آخرها قال: قالت لعروة: يا ابن أختي كان أبواك منهم الزبير وأبو بكر لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ما أصاب وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال: من يذهب في أثرهم فانتدب منهم سبعون رجلاً كان فيهم أبو بكر والزبير.

قوله (الَّذينَ قالَ لَهُمُ الناسُ) الآية.
أخبرنا أبو إسحاق الثعالبي قال: أخبرنا أبو صالح شعيب بن محمد قال: أخبرنا أبو حاتم التميمي قال: أخبرنا أحمد بن الأزهر قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا سعيد عن قتادة قال: ذاك يوم أحد بعد القتل والجراحة وبعد ما انصرف المشركون أبو سفيان وأصحابه قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ألا عصابة تشدد لأمر الله فتطلب عدوها فإنه أنكى للعدو وأبعد للسمع فانطلق عصابة على ما يعلم الله من الجهد حتى إذا كانوا بذي الحليفة جعل الأعراب والناس يأتون عليهم فيقولون هذا أبو سفيان مائل عليكم بالناس فقالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل فأنزل الله تعالى فيهم (الَّذينَ قالَ لَهُمُ الناسُ إِنَّ الناسَ قَد جَمَعوا لَكُم فاِخشُوهُم) إلى قوله (وَالله ُذو فَضلٍ عَظيمٍ).

قوله (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ المُؤمِنينَ عَلى ما أَنتُم عَليهِ)
قال السدي: قال رسول الله صلى الله عليهم وسلم: عرضت علي أمتي في صورها كما عرضت على آدم وأعلمت من يؤمن لي ومن يكفر فبلغ ذلك المنافقين فاستهزءوا وقالوا: يزعم محمد أنه يعلم من يؤمن به ومن يكفر ونحن معه ولا يعرفنا فأنزل الله تعالى هذه الآية.

وقال الكلبي: قالت قريش: تزعم يا محمد أن من خالفك فهو في النار والله عليه غضبان وأن من اتبعك على دينك فهو من أهل الجنة والله عنه راض فأخبرنا بمن يؤمن بك ومن لا يؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال أبو العالية: سأل المؤمنون أن يعطوا علامة يفرق بها بين المؤمن والمنافق فأنزل الله تعالى هذه الآية.

قوله (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَبخَلونَ بِما آَتاهُمُ اللهُ) الآية.
جمهور المفسرين على أنها في مانعي الزكاة. وروى عطية عن ابن عباس أن الآية نزلت في أحبار اليهود الذين كتموا صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته وأراد بالبخل: كتمان العلم الذي آتاهم الله تعالى.

قوله (لَقَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّذينَ قالوا) الآية.
قال عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه ذات يوم بيت مدارس اليهود فوجد ناساً من اليهود قد اجتمعوا إلى رجل منهم يقال له فنحاص بن عازوراء وكان من علمائهم فقال أبو بكر لفنحاص: اتق الله وأسلم فوالله إنك لتعلم أن محمداً رسول الله قد جاءكم بالحق من عند الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة فآمن وصدق وأقرض الله قرضاً حسناً يدخلك الجنة ويضاعف لك الثواب فقال فنحاص: يا أبا بكر تزعم أن ربنا يستقرضنا أموالنا وما يستقرض إلا الفقير من الغني فإن كان ما تقول حقاً فإن الله إذا لفقير ونحن أغنياء ولو كان غنياً ما استقرضنا أموالنا فغضب أبو بكر رضي الله عنه وضرب وجه فنحاص ضربة شديدة وقال: والذي نفسي بيده لولا العهد الذي بيننا وبينك لضربت عنقك يا عدو الله فذهب فنحاص إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد انظر إلى ما صنع بي صاحبك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: ما الذي حملك على ما صنعت فقال: يا رسول الله إن عدو الله قال قولاً عظيماً زعم أن الله فقير وأنهم أغنياء فغضبت لله وضربت وجهه فجحد ذلك فنحاص فأنزل الله عز وجل رداً على فنحاص وتصديقاً لأبي بكر (لَقَد سَمِعَ اللهُ قَولَ الَّذينَ قالُوا) الآية.

أخبرنا عبد القاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر بن الليث الروذباري قال: حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: نزلت في اليهود صك أبو بكر رضي الله عنه وجه رجل منهم وهو الذي قال: إن الله فقير ونحن أغنياء قال شبل: بلغني أنه فنحاص اليهودي وهو الذي قال (يَدُ اللهِ مَغلولَة).

قوله تعالى (الَّذينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلينا) الآية.
قال الكلبي: نزلت في كعب بن الأشرف ومالك بن الصيف ووهب بن يهوذا وزيد بن تابوه وفي فنحاص بن عازوراء وحيي بن أخطب أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: تزعم أن الله بعثك إلينا رسولاً وأنزل عليك كتاباً وإن الله قد عهد إلينا في التوراة أن لا نؤمن لرسول يزعم أنه من عند الله حتى يأتينا بقربان تأكله النار فإن جئتنا به صدقناك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى (وَلتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا أذىً كَثيراً) الآية.
أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو اليمان قال: حدثنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه وكان من أحد الثلاثة الذين تيب عليهم أن كعب بن الأشرف اليهودي كان شاعراً وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ويحرض عليه كفار قريش في شعره وكان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وأهلها أخلاط منهم المسلمون ومنهم المشركون ومنهم اليهود فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يستصلحهم فكان المشركون واليهود يؤذونه ويؤذون أصحابه أشد الأذى فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ذلك وفيهم أنزل الله (وَلتَسمَعُنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ) الآية.

أخبرنا عمرو بن عمرو المزكي قال: أخبرنا محمد بن مكي قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل قال: أخبرنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن أسامة بن زيد أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب على حمار على قطيفة فدكية وأردف أسامة بن زيد وسار يعود سعد بن عبادة في بني الحرث بن الخزرج قبل وقعة بدر حتى مر بمجلس فيه عبد الله بن أبي وذلك قبل أن يسلم عبد الله بن أبي فإذا في المجلس أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود وفي المجلس عبد الله بن رواحة فلما غشى المجلس عجاجة الدابة خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا فسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل ودعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء إنه لا أحسن مما تقول إن كان حقاً فلم تؤذينا به في مجالسنا ارجع إلى رحلك فمن جاءك فاقصص عليه فقال عبد الله بن رواحة: بلى يا رسول الله فاغشنا به في مجالسنا فإنا نحب ذلك واستب المسلمون والمشركون واليهود حتى كادوا يتساورون فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا ثم ركب النبي صلى الله عليه وسلم دابته وسار حتى دخل على سعد بن عبادة فقال له: يا سعد ألم تسمع ما قال أبو حباب يريد عبد الله بن أبي قال: كذا وكذا فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله اعف عنه واصفح فوالذي أنزل عليك الكتاب لقد جاء الله بالحق الذي نزل عليك وقد اصطلح أهل هذه البحيرة على أن يتوجوه ويعصبوه بالعصابة فلما رد الله ذلك بالحق الذي أعطاك شرق بذلك فذلك فعل به ما رأيت فعفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى (وَلتَسمَعَنَّ مِنَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ مِن قَبلِكُم وَمِنَ الَّذينَ أَشرَكوا أَذىً كَثيراً) الآية.

قوله (لا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَفرَحونَ بِما أَتَوا) الآية
. أخبرنا أبو عبد الرحمن محمد بن أحمد بن جعفر قال: أخبرنا أبو الهيثم المروزي قال: أخبرنا محمد بن يوسف قال: أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: أخبرنا سعيد بن أبي مريم قال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أن رجالاً من المنافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغزو تخلفوا عنه فإذا قدم اعتذروا إليه وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت (لا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَفرَحونَ بِما أَتَوا) الآية. ورواه مسلم عن الحسن بن علي الحلواني على ابن أبي مريم.

أخبرنا أبو عبد الرحمن الشاذياخي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد بن زكريا قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: أخبرنا محمد بن جهل قال: أخبرنا جعفر بن عوف قال: حدثنا هشام بن سعد قال: حدثنا يزيد بن أسلم أن مروان بن الحكم كان يوماً وهو أمير على المدينة عنده أبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت ورافع بن خديج فقال مروان: يا أبا سعيد أرأيت قوله تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ يَفرَحونَ بِما أَتَوا وَّيُحِبّونَ أَن يُحمَدوا بِما لَم يَفعَلوا) والله إنا لنفرح بما أتينا ونحب أن نحمد بما لم نفعل فقال أبو سعيد: ليس هذا في هذا وإنما كان رجال في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلفون عنه وعن أصحابه في المغازي فإذا كانت فيهم النكبة وما يكره فرحوا بتخلفهم فإذا كان فيهم ما يحبون حلفوا لهم وأحبوا أن أخبرنا سعيد بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو سعيد بن حمدون قال: أخبرنا أبو حامد بن الشرقي قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا ابن جريج قال: أخبرني ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لرافع بوابه: اذهب إلى ابن عباس وقل له: لئن كان امرؤ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل عذب لنعذبن أجمعين فقال ابن عباس: مالكم ولهذا إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ثم قرأ ابن عباس (وإِذ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذينَ أُوتوا الكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلناسِ) رواه البخاري عن إبراهيم بن موسى عن هشام. ورواه مسلم عن زهير بن حرب عن حجاج كلاهما عن ابن جريج.

وقال الضحاك: كتب يهود المدينة إلى يهود العراق واليمن ومن بلغهم كتابهم من اليهود في الأرض كلها: إن محمداً ليس نبي الله فاثبتوا على دينكم واجمعوا كلمتكم على ذلك فأجمعت كلمتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن ففرحوا بذلك وقالوا: الحمد لله الذي جمع كلمتنا ولم نتفرق ولم نترك ديننا وقالوا: نحن أهل الصوم والصلاة ونحن أولياء الله فذلك قول الله تعالى (يَفرَحونَ بِما أَتَوا) بما فعلوا (وَيُحِبّونَ أَن يُحمَدوا بِما لَم يَفعَلوا) يعني بما ذكروا من الصوم قوله (إِنَّ في خَلقِِ السَمَواتِ وَالأَرضِ) الآية. أخبرنا أبو إسحاق المقري قال: أخبرنا عبد الله بن حامد قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن يحيى العبيدي قال: حدثنا أحمد بن نجدة قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتت قريش اليهود فقالوا ما جاءكم به موسى من الآيات قالوا: عصاه ويده بيضاء للناظرين وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى فيكم فقالوا: يبريء الأكمه والأبرص ويحي الموتى فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم. فقالوا: ادع لنا ربك يجعل الصفا ذهباً فأنزل الله (إِنَّ في خَلقِ السَمَواتِ وَالأَرضِ وَاِختِلافِ اللَّيلِ وَالنَهارِ لآياتٍ لأُولي الأَلبابِ).

قوله تعالى (فَاِستَجابَ لَهُم رَبُّهُم) الآية.
أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم النصراباذي قال: أخبرنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد قال: حدثنا جعفر بن محمد بن سوار قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار عن سلمة بن عمرو بن أبي سلمة رجل من ولد أم سلمة قال: قالت أم سلمة: يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء فأنزل الله تعالى (فَاِستَجابَ لَهُم رَبُّهُم أَنّي لا أُضيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِّنكُم مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى) الآية. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن ابن عون محمد بن أحمد بن ماهان عن محمد بن علي بن زيد عن قوله تعالى (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبَ الَّذينَ كَفَروا في البِلادِ) نزلت في مشركي مكة وذلك أنهم كانوا في رخاء ولين من العيش وكانوا يتجرون ويتنعمون فقال بعض المؤمنين: إن أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع والجهد فنزلت هذه الآية.

قوله (وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ لَمَن يُؤمِنُ بِاللهِ) الآية.
قال جابر بن عبد الله وأنس وابن عباس وقتادة: نزلت في النجاشي وذلك لما مات نعاه جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم فقالوا: ومن هو فقال: النجاشي فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه وكبر أربع تكبيرات واستغفر له وقال لأصحابه: استغفروا له فقال المنافقون: انظروا إلى هذا يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط وليس على دينه فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر بن مطر إملاء قال: أخبرني جعفر بن محمد بن سنان الواسطي قال: أخبرنا أبو هاني محمد بن بكار الباهلي قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن حميد عن أنس قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: قوموا فصلوا على أخيكم النجاشي فقال بعضهم لبعض: يأمرنا أن نصلي على علج من الحبشة فأنزل الله تعالى (وَإِنَّ مِن أَهلِ الكِتابِ لَمَن يُؤمِنُ بِاللهِ وَما أُنزِلَ إِليكُم) الآية. وقال مجاهد وابن جريج وابن زيد: نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم.

قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا اِصبِروا وَصابِروا) الآية.
أخبرنا سعيد بن أبي عمرو الحافظ قال: أخبرنا أبو علي الفقيه قال: حدثنا محمد بن معاذ الباليني قال: حدثنا الحسين بن الحسن بن حرب المروزي قال: حدثنا ابن المبارك قال: أخبرنا مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير قال: حدثني داود بن صالح قال: قال أبو سلمة بن عبد الرحمن: يا ابن أخي هل تدري في أي شيء نزلت هذه الآية (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا اِصبِروا وَصابِروا وَرابِطوا) قال: قلت لا قال: إنه يا ابن أخي لم يكن في زمان النبي صلى الله عليه وسلم ثغر يرابط فيه ولكن انتظار الصلاة خلف الصلاة. رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه عن أبي محمد المزني عن أحمد بن نجدة عن سعيد بن منصور عن ابن المبارك.

الأصح في الوصف الشعري هي

سورة العصر
قال الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه : إنها سورة لو لم ينزل إلى الناس إلا هي لكفتهم ، وهو معنى قول غيره : " إنها شملت جميع علوم القرآن

مقصودها تفضيل نوع الإنسان المخلوق من علق ، وبيان خلاصته وعصارته وهم الحزب الناجي يوم السؤال عن زكاء الأعمال بعد الإشارة إلى أضدادهم ، والإعلام بما ينجي من الأعمال والأحوال بترك الفاني والإقبال على الباقي لأنه خلاصة اتلكون ولباب الوجود ، واسمها العصر واضح في ذلك فإن العصر يخلص روح المعصور ويميز صفاوته ، ولذلك كان وقت هذا النبي الخاتم الذي هو خلاصة الخلق وقت العصر ، وكانت صلاة العصر أفضل الصلوات ، وبيان اشتمالها على علوم القرآن تنزيل جملتها على ما قال الغزالي : إن القرآن كالبحر الذي فيه جزائر بها معادن ستة ، منها أربعة مهمة : مهمان منها هما ياقوت أفخر فأحمره للعلم بالله ، وأخضره لصفاته ، وأزرقه لأفعاله ، وزمرد أخضر هو العلم باليوم الآخر وما فيه ، ومهمان أولهما در أنضر وهو العلم بالعبادات المقربة إليه سبحانه وتعالى ، وثانيهما مسك أذفر ، وهو العلم بالعبادات التي بها تهيأ العبادات ، ومتمان وهما درياق أكبر وهو العلم بإزاحة الشكوك ، والشبه والأوهام لأنها سموم ومهلكة للدين ، وعنبر أشهب وهو الاعتبار بمن هلك باجتناب ما كان سبب هلاكه ، والاقتفاء بمن نجا باتباع ما كان سبب نجاته ، فالجملة الأولى للعنبر لأن فيها شم روائح الهالك وضده الناجي ، وبدئ بها لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، والجملة الثانية للياقوت بصفاته الثلاث والزمرد ، والثالثة للدر والمسك ، وهخما عبادات مقصودة ، وعادات وسيلة إليها ممدودة ، والرابعة للدرياق لأن الشبه والشكوك إنما هي من أوهام عاطلة وخيالات باطلة ، والخامسة وسيلة إليها ومتمة لها لأن معرفة ذلك واجتنابه لا يكون إلا ببذل الجهد في الصبر

فضلها:

عَنْ أَبِي مَدِينَةَ الدَّارِمِيِّ قَالَ: كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَإِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ: وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، ثُمَّ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ. أخرجه الطبراني في الأوسط ( 2 / 11 / 2 / 5256 ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (6 / 307).


قال الإمام محمد ناصر الدين الألباني في السلسلة الصحيحة: وفي هذا الحديث فائدتان مما جرى عليه عمل سلفنا رضي الله عنهم جميعا: إحداهما: التسليم عند الافتراق والأخرى: نستفيدها من التزام الصحابة لها. وهي قراءة سورة (العصر) لأننا نعتقد أنهم أبعد الناس عن أن يُحْدِثُوا في الدين عبادة يتقربون بها إلى الله, إلا أن يكون ذلك بتوقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا أو فعلا أو تقريرا, ولم لا و قد أثنى الله تبارك و تعالى عليهم أحسن الثناء , فقال :

(وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) .

وقال ابن مسعود و الحسن البصري : من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, فإنهم كانوا أَبَرَّ هذه الأمّة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكَلُّفا و أقومها هديا و أحسنها حالا, قوما اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه, فاعرفوا لهم فضلهم, و اتبعوهم في آثارهم, فإنهم كانوا على الهدي المستقيم






الساعة الآن 08:30 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى