منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   الإحاطة في أخبار غرناطة - لسان الدين ابن الخطيب (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=1959)

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:10 AM

وتخلف بوادي آش أبي وأعمامي تغمدهم الله وإياي برحمته وجمع شملنا في جنته‏.‏
وأما التعريف بهم فأنت أبقاك الله بمن سلف قديما منهم أعلم وسبيلك في معرفتهم أجدى وأقوم بما وهبكم الله من عوارف المعارف وجعل لكم من الإحاطة بالتالد منها والطارف‏.‏
وأما من يقع به تعريف ممن بعدهم فمن اقتفى رسمهم في الطريقة العلمية ولم يتجاوز جدهم وهو جدي أبو بكر عبد الله بن طلحة ورابع أجدادي‏.‏
كان رحمه الله ممن جرى على سنن آبايه وقام بالعلم أحسن قيام ونهض بأعبايه‏.‏
ألف كتابا في الرقايق ففات في شأوه سبق السابق وتصدر ببلده للفتيا وانتفع به الناس وكان شيخهم المقدم‏.‏
ولم أقف على تاريخ مولده ولا وفاته غير أنه توفي في حدود المائة الخامسة رحمه الله وأما من بيني وبينه من الآباء كجدي الأقرب وأبيه ومن خلفه من بنيه‏.‏
فما منهم من بلغ رتبة السابق ولا قصر أيضا عن درجة اللاحق وإنما أخذ في الطلب بنصيب ورمى فيه بسهم مصيب‏.‏
وأما مولدي فبوادي آش في أواخر عام تسعة وسبع ماية‏.‏
وفي عام ثلاثة وعشرين ابتدأت القراءة على الأستاذ أبي عبد الله الطرسوني وغيره ممن يأتي ذكره‏.‏
ثم كتبت بعد ستة أعوام على من وليها من القضاة أولى العدالة والسير المرتضاة ولم يطل العهد حتى تقدمت في جامعها الأعظم خطيبا وإماما وارتسمت في هذه الخطة التي ما زالت على من أحسن تماما وذلك في أواخر عام ثمانية وثلاثين‏.‏
ثم وليت القضاء بها وبما يرجع إليها من النظر في شهر ربيع الأول من عام ثلاثة وأربعين واستمرت الولاية إلى حين انتقالي للحضرة آخر رجب من عام ستة وخمسين أسأل الله الإقالة والصفح عما اقترفت من خطإ أو زلل أو ارتكبته من عمد وسهو في قول أو عمل بمنه‏.‏
وأما أشياخي فإني قرأت بالحضرة على الأستاذ الخطيب أبي الحسن القيجاطي‏.‏
والأستاذ الخطيب أبي القاسم بن جزى‏.‏
وبمالقة على الأستاذ القاضي أبي عمرو بن منظور‏.‏
وبألمرية على الأستاذ القاضي أبي الحسن بن أبي العيش وسيدي القاضي أبي البركات بن الحاج والأستاذ أبي عثمن بن ليون وبوادي آش على الأستاذ القاضي أبي عبد الله بن غالب والأستاذ أبي عامر بن عبد العظيم‏.‏
كل هؤلاء قرأت قراءة تفقه وعرضت على أكثرهم جملة كتب في النحو والفقه والأدب أكبرها كتاب المقامات للحريري‏.‏
وأما من لقيته من المشايخ واستفدت منهم أبو الحسن بن الجياب بالحضرة وبمالقة القاضي أبو عبد الله بن بكر والقاضي أبو عبد الله بن عياش والأستاذ أبو عبد الله بن حفيد الأمين‏.‏
ومن لقيته لقاء بترك سيدي أبو جعفر بن الزيات ببلش وبمالقة الخطيب أبو عبد الله الساحلي والصوفي أبو الطاهر بن صفوان والمقري أبو القاسم بن درهم‏.‏
وبألمرية الخطيب أبو القاسم بن شعيب والخطيب ابن فرحون‏.‏
ولقيت أيضا القاضي أبا جعفر بن فركون القرشي والقاضي الخطيب أبا محمد بن الصايغ‏.‏
وممن رأيته بوادي آش وأنا إذ ذاك في المكتب وأخذت بحظ من التبرك به سيدي أبو عبد الله الطنجالي نفع الله به‏.‏
والحمد لله رب العالمين‏.‏
من مطولاته قوله‏.‏
ومن خطه نقلت‏:‏ ألا أيها الليل البطي الكواكب متى ينجلي صبح بنيل المسارب وحتى متى أرعى النجوم مراقبا فمن طالع منها على إثر غارب وحتى متى أرعى النجوم مراقبا فمن طالع منها على إثر غارب أحدث نفسي أن أرى الركب سايرا وذنبي يقصيني بأقصى المغارب فلا فزت من نيل الأماني بطايل ولا قمت من حق الحبيب بواجب وكم حدثتني النفس أن أبلغ المنا وكم عللتني بالأماني الكواذب وما قصرت بي عن زيارة قبره معاهد أنس من وصال الكواعب ولا حب أوطان نبت بي ربوعها ولا ذكر خل فيها وصاحب ولكن ذنوب أثقلتني فهأنا من الوجد قد ضاقت على مذاهب إليك رسول الله شوقي مجدد فيا ليتني يممت صدر الركايب وأعملت في تلك الأباطح والربى سراى مجدًا بين تلك السباسب وقضيت من لثم البقيع لبانتي وجبت الفلى ما بين ماش وراكب ورويت من ماء زمزم غلتي فلله ما أشهاه يومًا لشارب محمد المختار والحاشر الذي بأحمد حاز الحمد من كل جانب محمد المختار والحاشر الذي بأحمد حاز الحمد من كل جانب رؤوف رحيم خصه الله باسمه وأعظم لاج في الثناء وعاقب رسول كريم رفع اله قدره وأعلى له قدرا رفيع الجوانب وشرفه أصلًا وفرعًا ومحتدًا يزاحم آفاق السهى بالمناكب سراج الهدى ذو الجاه والمجد والعلا وخير الورى الهادي الكريم المناسب هو المصطفى المختار من آل هاشم وذو الحسب العدل الرفيع المناصب هو الأمد الأقصى هو الملجأ الذي ينال به مرغوبه كل راغب إمام النبيين الكرام وإنه لكالبدر فيهم بين تلك المواكب بشير نذير مفضل متطول سراج منير بذ نور الكواكب عظيم المزايا ما له من مماثل كريم السجايا ماله من مناسب ملاد منيع ملجأ عاصم لمن يلوذ به من بين آت وذاهب حليم جميل الخلق والخلق ما له نظير وصف الله حجة غالب تهدي بهن الخلق شرقا ومغربا وما ذاك عمن حاد عنها بعايب فدونكها كلأنجم الزهر عدة ونور سنى لا تختفي للمراقب فإحصارها مهما تتبعت معوز وهل بعد نور الشمس نور لطالب لقد شرف الله الوجود بمرسل له في مقام الرسل أعلى المراتب وشرف شهرًا فيه مولده الذي جلا نوره الأسنى دياجي الغياهب فشهر ربيع في الشهور مقدم فلا غرو أن للفخر ضربة لازب فلله منه ليلة قد تلألأت بنور شهاب نير الأفق ثاقب ليهن أمير المسلمين بها المنا وإن نال من مولاه أسنى الرغايب على حين أحياها بذكر حبيبه وذكر الكرام الطاهرين الأطايب وألف شملًا للمحبين فيهم فسار على نهج من الرشد لاحب فسوف يجازي عن كريم صنيعه بتخليد سلطان وحسن عواقب وسوف يريه الله في لهم دينه غرايب صنع فوق كل الغرايب سوى زورة القبر الشريف وإنها لموهبة فاتت جميع المواهب عليه سلام الله مالح كوكب وما فارق الإظعان حادي الركايب وقال في غرض المدح والتهنئة بعرض الجيش وتضمن ذلك وصف حاله في انتقاله إلى الحضرة‏:‏ يا قاطع البيد يطوى السهل والجبلا ومنضيا في الفيافي الخيل والإبلا يبكي في آفاق أرض لا يونسه إلا تذكر عهد للحبيب خلا أو ظبية أذكرت عهد التواصل تحكي اللحاظ التي عاهدت والمقلا أستغفر الله في تلك اللحاظ فقد أربى بها الحسن عن ضرب المها مثلا أو هادل فوق غصن البان تحسبه صبا لفقد حبيب بان قد ثكلا أو لامع البرق إذ تحكى إنارته كفا خضيبًا مشيرا بالذي عذلا مإذا عسى أن يقضي من زمانك في قطع المهامه ترجو أن تنال علا وكم معالم أرض أو مجاهلها قطعتها لا تمل الريث والعجلا إن كنت تأمل عزًا لا نظير له وتبتغي السؤل فيما شيت والأملا وانس الديار التي منها نأى وطنيوعهد أنس به قلب المحب سلا وعد عن ذكر محبوب شغفت به ولا تلم به مدحا ولا غزلا واقصد إلى الحضرة العليا وحط بها رحلًا ولا تبغ عن أرجائها حولا غرناطة لا عفا رسم بها أبدًا ولا سلا قلب من يبغي بها بدلا فهي التي شرف الله الأنام بمن في مقعد الملك من حمرائها نزلا خليفة الله مولانا وموئلنا وخير من أمن الأرجاء والسبلا محمد بن أبي الحجاج أفضل من قد قام فينا بحق الله إذ عدلا من آل نصر أولى السلك الذي بهرت علاه كالشمس لما حلت الحملا هو الذي شرف الله البلاد ومن فيها بدولته إذ فاقت الدولا أقام عدلا ورفقا في رعيته وكان أرحم من آوى ومن كفلا فهو المجار به من لا مجير له لم يخش إحن الليالي فادحا جللا إن المدائح طرا لا تفي أبدا ببعض ما قد تحلا من نفيس علا من سائلي ع بني نصر فما أحد منهم بأبلغ منهم كلما فعلا يولي الجميل ويعطي عز نايله من قد رجاه ولا استجدى ولا سألا من سائلي عن بني نصر فما أحد منهم بأبلغ منهم كلما سئلا هم الذين إذا ما استمنحوا منحوا أسنى العطا وأبدوا بعده الخجلا هم الإلى مهدوا أرجاء أندلس إذ حكموا في الأعادي البيض والأملا فإن تسل عنهم يوم الرهان فلم يعدل بأحدثهم في سنه بطلا من ذا يجاريهم في كل مكرمة أيشبه البحر في تمثيله الوشلا مولاي يا خير من للنصر قد رفعت راياته ولواء الفخر قد حملا لله عيني لما أبصرتك وقد أعددت بين يديك الخيل والخولا وأنت في قبة يسمو بها عمد أقام منا دامر الدين فاعتدلا والجيش يعش عيون الخلق منظره لما اكتسى منك نور الحق مكتملا لا غرو أن شعاع الشمس يشمل ما أضحى عليه إذا ما لاح منسدلا فمن رماة قسي العرب عدتها تحكي الأهلة مهما نورها اكتملا ومن كماة شداد البأس شأنهم أن يعملوا البيض والخطية الذبلا بسعدك انتظمت تلك الجيوش لأن أسهمت في نظمها أسلافك الأولا وخلد الله ملكا أنت ناصره ما عاقبت بكر من دهرنا الأصلا لا زلت تزداد بها نعمى مضاعفة لتملأ الأرض منها السهل والجبلا ومن ذلك قوله‏:‏ يا عاذلي في الهوى أقصر عن العذل وعن حديثي مع المحبوب لا تسل فكيف أصغي إلى عذل العذول وقد تقلص القلب مني صايد المقل تملكته كما شاءت بنظرتها فتانة الطرف والألحاظ تنهدل معبرة عن نفيس الدر فاضحة بقدها الغض المياس في الميل من نور غرتها شمس تروق سنى تحتل منها محل الشمس في الحمل يا حبذا عهدنا والشمل منتظم بجانب الغور في أيامنا الأول سطى الغمام رباها كل منهمر وكم سطتها دموعي كل منهمل وجادها من سماء الجود صوب حيًا بالعارض الهطل ابن العارض الهطل خليفة الله والماحي بسيرته رسم الضلا ومحيي واضح السبل محمد بن أبي الحجاج أفضل من سارت أحاديث علياه سرى المثل والباعث الجيش في سهل وفي جبل حتى تغص نواحي السهل والجبل من آل نصر أولى الفخر الذين لهم مزية أورثت من خاتم الرسل مهما أردت غناء في الأمور به شاهدت منه جميع الخلق في رجل لن يستظل بعلياه أخو أمل إلا غدا تحت ظل منه منسدل ولا استجار به من لا مجير له إلا كفاه انتياب الحادث الجلل ينمى إلى معشر شاد الآله لهم ملكًا على سالف الأعصار لم يزل بملكهم قد تحلى الدهر فهو به والله واليه لا يخشى من العطل هم الإلى نصروا أرجاء أندلس بالمشرفيات والخطية الذبل إن الفضايل أضحت لاسمه تبعًا كالنعت والتأكيد والبدل مولاي خذها تروق السامعين لها بما أجادته من مدح ومن غزل لكنني باعتبار عظم ملكك لم أجد لعمري في مدحي ولم أطل فإن خبرت كذاك الخلق أجمعهم سيان محتفل أو غير محتفل لا زلت فخر ملوك الأرض كلهم تسمو بك الدولة العليا على الدول ودمت للدهر تطويه وتنثره مبلغا كلما تبغى من الأمل ومن ذلك ما نظمه لينقش في بعض المباني التي أنشأتها‏:‏ أنا مصنع قد فاق كل المصانع فما منزل زهى بمثل بدائع فرسمي إذا حققته واعترته لكل المعاني جامع أي جامع فقد جمع اله المحاسن كلها لدي فيا لله إبداع صانع ظل كما جمعت كل الفضائل في الذي بسكناي قد وافاه أيمن طالع وزير أمير المسلمين وحسبه مزية فخر ما لها من مدافع هو ابن الخطيب السيد المنتمى إلى كرام سموا ما بين كهل ويافع لقد كنت لولا عطفة من حنانه أعد زمانا في الرسوم البلاقع فصيرني مغني كريما ومربعا لشمل بأنس من حبيبي جامع فها أنا روض يروق نسيمه كما رق طبعًا ما له من منازع وقد جمعتنا نسبة الطبع عندما وقعت لمرآه بأسنى المواقع فأشبه إزهاري بطيب ثنايه وفضل هواي باعتدال الطبايع فلا زلت معمورًا به في مسرة معدًا لأفراح وسعد مطالع ولا زال من قد حلني أو يحلني موفي الأماني من جميل الصنايع ودام لمولانا المؤيد سعده فمن نوره لنا كل ساطع وفي التهنئة يإبلال من مرض‏:‏ الآن قد قامت الدنيا على قدم لما استقل رئيس السيف والقلم والآن قد عادت الدنيا لبهجتها مذ أنست برؤه من طارق الألم وصيرتني في أهلي وفي وطني وبين أهل النهى نارًا على علم وأحسبت أملي الأقصى لغايته إذ صرت من جاهه المأمول في حرم ومإذا عسى أن أوفي من ثناي أو أنهى إلى مجده من فاضل الشيم ولو ملكت زمام الفضل طوع يدي قصرت في ضمن منثور ومنتظم يهنيك بشرى قد استبشرت مذ وردت بها لعمرك وهو البر في الضيم ومذ دعت هذ البشرى بتهنية فنحن أولى ومحض العهد والكرم لا زلت للعزة القعساء لممتطيا لمستصحبا لعلاء عبر المنصرم دمت بدر سنى تهدى إنارته في حيث يعضل خطب أو يحار عم ولا عدمت بفضل الله عافية تستصحب النعم المنهلة الديم وليس لهذا العهد للرجل انتحال لغير الشعر والكتابة‏.‏
وغير هذا للشعر فراره‏.‏
فقل أن ينتهي الشعر والكتابة‏.‏
وغير هذا النمط فهو بعير ثان شعرًا وشكلًا وبلدًا لطف الله به‏.‏
وهو لهذا العهد على ما تقدم من النكبة واتصال السخط من الدولة تغمدنا الله وإياه بلطفه ولا نكص عنا ل عنايته وستره‏.‏
عبد الرزاق بن يوسف بن عبد الرزاق الأشعري من أهل قرية الأنجرون من إقليم غرناطة أبو محمد‏.‏
حاله فقيه أديب كاتب سري موصوف بكرم نفس وحسن خلق لقي أشياخا وأخذ عنهم شعره يا منعمًا ما زال من أمه يرفل في السابغ من أميته ويا حسامًا جردته العلا فربع صرف الدهر من سكوته عبدك قد ساءت هنا حاله شوقا لمن خلف من إخوته شوقها يبث الجمر في قلبه ويخلع للعهد على مقلته فسكن المؤلم من شوقه وانسى المقلق من وحشته وامنن عليه ببلوغ المنا في علمكم من مقتضى بغيته وها كها نفشة ذي خجلة تفهم ما يلقيه من نفثته وفاته‏:‏ سنة إحدى وسبعين وخمسماية عن سن عالية‏.‏
عبد الملك بن سعيد ين خلف العنسي من أهل قلعة يحصب من عمل إلبيرة‏.‏
حاله ونسبه هو عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد ابن الحسن بن عثمن بن محمد بن عبد الله بن سعد بن عمار بن ياسر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
وكان عينا من أعيان الأندلس مشارًا إليه في البيت والرأي والجزالة والفضل علقت به الآمال ورفعت إليه الممادح وحطت لديه الرحال وكان من أولى الجلالة والنباهة والطلب والكتابة الحسنة والخط البارع‏.‏
واشتمل على حظوة الأمير يحيى بن غانية اللمتوني وكتب عنه‏.‏
بلده قلعة بني سعيد فثقفها وجعل بها أكبر بنيه عبد الرحمن ضابطا لها وحارسا فحصنها أبو مروان ومهدها بالعمارة فكانت في الفتنة مثابة وأمنا‏.‏
وحرزا له ولبنيه فانجلت الناس إليها من كل مكان‏.‏
ولما قبض ابن غانية على القمط مرين وأصحابه النصارى عندما وصلوا لاستنجاز الوعد في الخروج عن جيان وتحصلوا بيده بإشارة عبد الملك ابن سعدي حسبما ثبت في اسم الأمير يحيى ثقفهم بالقلعة بيد ثقته المذكور وأمينه أبي مروان فتحصلوا في معقل حريز عند أمير وافر العقل سديد الرأي‏.‏
ومات ابن غانية بغرناطة لأيام قلائل واختلف قومه فنظر أبو مروان لنفسه وعاهد القمط مرين ومن معه من الزعماء على عهود أخذها عليهم وعلى سلطانهم أن يكون تحت أمن وحفظ طول مدته فأجريت القلعة في الأمن والحماية وكف أيدي التعدي مجرى ما لملك النصرى من البلاد فشمل أهلها الأمن واتسعت فيها العمارة وتنكبتها النكبات تحاشتها الغارات‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:12 AM

ولم يزل أبو مروان بها إلى أن دخل في أمر الموحدين‏.‏
ووصل هو وابنه إلى السيد أبي سعيد بغرناطة وحضر معه غزوة ألمرية ثم دخل بجملته فكمل له الأمن وأقر على القلعة وأمر بسكني غرناجة بولده‏.‏
ثم وصل ثانية إلى مراكش صحبة السيد أبي سعيد ولقي من إلبير ولطف المكانة عادته واستكتب ابنه أحمد بن أبي مروان الخليفة في هذه الوجهة وانتظم في جملة الكتاب والأصحاب‏.‏
محنته وعاد أبو مروان وبنوه إلى غرناطة صحبة واليها السيد أبي سعيد فبقى في جملة العسكر عند دخول ابن مردنيش وصهره غرناطة وقد اضطربت الفتنة وفسد ما بين السيد وبين أبي جعفر بن أبي مروان منهم بما تقدم في اسمه من حديث حفصة‏.‏
ولما ظهرت دلايل التغير وخافوا على أنفسهم أداروا الرأي في الانحياز إلى خدمة ابن مردنيش ونهاهم والدهم أبو مروان وأشار عليهم بمصابرة الأمر فلحق عبد الرحمن بالقلعة وفر أحمد لما انكشف الأمر وعثر عليه بجهة مالقة فقتل وانجرت بسبب ذلك النكبة على عبد الملك وابنه محمد فبقيا بغرناطة ومن يشار إليه من أهل بيتهما واستصفيت أموالهما واستخلصت ضياعهما إلى أن ورد كتاب الخليفة أبي يوسف يعقوب بن عبد المؤمن بن علي بإطلاقهم ورد أموالهم بما اقتضته السياسة من استمالة من نزع منهم عن الطاعة وأمر عبد الملك باستيلاف نافرهم‏.‏
ولما هلك ابن مردنيش ورد من اتصل به صحبة المستأمنين من أولاد الأمير الهالك فقدموا على رحب وسعة وثاب جاه أبي مروان واتصل عزه واتسعت حظوته إلى أن هلك بعد أن ولي بمراكش النظر في العدة والأسلحة والقيام على دار الصنعة‏.‏
وفاته‏:‏ بغرناطة سنة ستين وخمسماية‏.‏
عبد العزيز بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد العزيز بن يست حاله فاضل حيي حسن الصورة بادي الحشمة فاضل البيت سريه‏.‏
كتب في ديوان الأعمال وترقى إلى الكتب مع الجملة بالدار السلطانية وسفر في بعض الأغراض الغربية ولازم الشيخ أبا بكر بن عتيق بن مقدم من شيوخ الصوفية بالحضرة فظهرت عليه آثار ذلك في نظمه ومقاصده الأدبية‏.‏
شعره وشعره لا بأس به ومن أمثله قوله ما أنشد له في ليلة الميلاد الأعظم‏:‏ القلب يعشق والمدامع تنطق برح الخفاء فكل عضو منطق قلت قد ذكرها ابن الخطيب في جملة ما أنشد في الميلاد الأعظم في السفر الخامس فلا فائدة في تكرارها هنا‏.‏
ومما خاطبني به‏:‏ أطلت عبت زمان فل من أمل وسمته الذم في حل ومرتحل عاتبته ليلين للعتب جانبه فما تراجع عن مطل ولا بخل فالعتب عندي والعتبى فلست أرى أصغى لمدحك إذ لم أصغ للعذل فقلت للنفس كفى عن معاتبة لا تنقضي وجواب صيغ من وجل من يعتلق بالدنا بابن الخطيب فقد سما عن الذل واستوى على الجدل فقلت من لي بتقريبي لخدمته فقد أجاب قريبا من جوابك ل قد اشتغلت عن الدنيا بآخرتي وكان ما كان في أيامي الأول وقد رعيت وما أهملت من منح فكيف يختلط المرعى بالهمل ولست أرجع للدنيا وزخرفها بعد شيب غدا في الرأس مشتعل ألست تبصر أطماري وبعدي عن نيل الحظوظ وإعداد إلى أجل فقال ذلك قول صح مجمله لكن من شأنه التفصيل للجمل ما أنت طالب أمر تستعين به على المظالم في حال ومقتبل ولا تحل حرامًا أو تحرم ما أحل ربك في قول ولا عمل ولا تبغ آجل الدنيا بعاجلها كما الولاة تبيع السيم بالوشل وأين عنك الرشا إن كنت تطلبها هذا لعمري أمر غير منفعل هل أنت تطلب إلا أن تعود إلى كتب المقام الرفيع القدر في الدول لم يلتفت نحو ما تبغيه من وطر ولم يشد الذي قد بان من خلل لم يلتفت نحو ما تبغيه من وطر ولم يشد الذي قد بان من خلل إن لم تقع نظرة منه عليك فما يصبو لديك للذي أملت من أمل فدونك السيد الأعلى فمطلبكم قد نيط منه بفضل غير منفضل فقد خبرت بني الدنيا بأجمعهم من عالم وحكيم عارف دول فما رأيت له في الناس من شبه قل النظير له عندي فلا تسل فقد قصدتك يا أسمى الورى نسبًا وليس لي عن علياك من حول فما سواك لما أملت من أمل وليس لي عنك من زيغ ولا ميل فانظر لحالي فقد رق الحسود لها واحسم زمانة ما قد ساء من علل قدمك لنا ولدين الله ترفعه ما أعقبت بكر الإصباح بالأصل لا زلت معتليا عن كل حادثة كما علت ملة الإسلام في الملل

عبد البر بن فرسان بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الغساني كان من جلة الأدباء وفحول الشعراء وبرعة الكتاب كتب عن الأمير أبي زكريا يحيى بن إسحق بن محمد بن علي المسوفي الميورقي‏.‏
الثائر على المنصور بني عبد المؤمن ثم على من بعده من ذريته إلى أيام الرشيد منهم وانقطع إليه وصحبه في حركاته‏.‏
وكان آية في بعد الهمة والذهاب بنفسه والعنا ومواقف الحرب فإنه دهم في المثل‏.‏
أشبه امرءًا يعض بزه فقد كان أليق الناس بصحبة الميورقي وأنسبهم إلى خدمته‏.‏
مشيخته‏:‏ روى عن أبي زيد بن السهيلي‏.‏
بعض أخباره في البأو والصرامة‏.‏
حدثنا أبو الحسن بن الجياب عمن حدثه من أشياخه قال وجهه الميورقي في عشية يوم من أيام حروبه إلى المأزق‏.‏
وقد طال العراك وكاد يكل الناس عن الحرب‏.‏
إلى أن يباكروها من الغد فنفذ لما أمر به‏.‏
ولما بلغ الصدر اشتد على الناس وذعر أرباب الحفيظة وأنهى إليهم العزم من أميرهم في الحملة‏.‏
فانهزم عدوهم شر هزيمة ولم يعد أبو محمد إلا في آخر الليل بالأسلاب والغنيمة‏.‏
وقال له ما حملك على ما صنعت‏.‏
فقال له الذي عملت هو شأني‏.‏
وإذا أردت من يصرف الناس عن الحرب ويذهب ريحهم‏.‏
فانظر غيري‏.‏
وحدثني كذلك أن ولدا له صغيرا تشاجر مع ترب له من أولاد أميره أبي زكريا فنال منه ولد الأمير‏.‏
وقال وما قدر أبيك‏.‏
ولما بلغ ذلك أباه‏.‏
خرج مغضبا لحينه ولقي ولد الأمير المخاطب لولده فقال حفظك الله لست أشك في أني خديم أبيك‏.‏
ولكني أحب أن أعرفك بمقداري ومقداره إعلم أن أباك وجهني رسولا إلى الخليفة ببغداد بكتاب عن نفسه‏.‏
فلما بلغت بغداد نزلت في دار اكتريت لي بسبعة دراهم في الشهر وأجرى على سبعة دراهم في اليوم‏.‏
وطولع بكتابي وقيل من الميورقي الذي وجهه‏.‏
فقال بعض الحاضرين هو رجل مغربي ثائر على أستاذه‏.‏
وأقمت شهرا ثم استدعيت إلى الانصراف ولما دخلت دار الخلافة وتكلمت مع من بها من الفضلاء أرباب المعارف والآداب اعتذروا لي‏.‏
وقالوا اللخليفة هذا رجل جهل مقداره فأعدت إلى محل اكتريت بسبعين درهما وأجري على مثلها في اليوم ثم استدعيت فودعت الخليفة واقتضيت ما تيسر من جوابه‏.‏
وصدر لي شيء له خطر من صلته‏.‏
وانصرفت إلى أبيك‏.‏
والمعاملة الأولى كانت على قدر أبيك عند من يعرف الأقدار والثانية كانت على قدري والمنة لله‏.‏
وأخبار ابن فرسان كثيرة‏.‏
شعره فديتك بالنفس التي قد ملكتها بما أنت موليها من الكرم الغض توددت للحسن الحقيقي بهجة فصار بها الكلى في ذاك البعض ولما تلألأ نور غرتك التي تقسم في طول البلاد وفي العرض تلقفتها خضراء أحسن ناظر نبت عنك إجلالا وذاك من الفرض وأسدلت حمر الملابس فوقها بمفرق تاج المجد والشرف المحض وأصبحت بدرا طالعا في غمامة على شفق دان إلى خضرة الأرض ومن شعره ولا خفاء ببراعته‏:‏ ندى مخضلا ذاك الجناح المنمنما وسقيًا وإن لم تشك يأسا جعاضما أعدهن ألحانا على سمع معرب يطارح مرتاحا على القضب معجما وطر غير مقصوص الجناح مرفها مسوغ أشتات الحبوب منعما وقال أيضاُ رحمه الله‏:‏ كفى حزنا أن الرماح صقيلة وأن الشبا رهن الصدا بدمايه وأن بياذيق الجوانب فرزنت ولم يعد رخ الدست بيت بنايه بن عبد الله بن حسان الغساني جلياني من أهل وادي آش وترد إلى غرناطة يكنى أبا محمد وأبا الفضل‏.‏
حاله تجول ببلاد المشرق سائحا وحج ونزل القاهرة وكان أديبا بارعا حكيما ناظما ناثرا‏.‏
تواليفه وله مصنفات منها جامع أنماط السايل في العروض والخطب والرسايل أكثر كلامه فيه نظما ونثرا‏.‏
مشيخته ومن روى عنه‏.‏
روى عنه أبو الحسن علي بن عبد الله ابن عبد الرحيم الخطيب بضريح الخليل وأبو عبد الله بن يحيى المرسي‏.‏
شعره قال من شعره‏:‏ ألا إنما الدنيا بحار تلاطمت فما أكثر الغرقى على الجنبات وأكثر من لاقيت يغرق إلفه وقل فتى ينجو من الغمرات ومن الغرباء عبد المهيمن بن محمد الحضرمي بن عبد المهيمن بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن محمد الحضرمي يكنى أبا محمد شيخنا الرئيس صاحب القلم الأعلى بالمغرب‏.‏
حاله من عائد الصلة‏:‏ كان رحمه الله خاتمة الصدورن ذاتًا وسلفًا وتربية وجلالة‏.‏
له القدح المعلى في علم العربية والمشاركة الحسنة في الأصلين والإمامة في الحديث والتبريز في الأدب والتاريخ واللغة والعروض والمماسة في غير ذلك‏.‏
نشأ فارس الحلبة وعروس الوليمة وصدر المجلس ووفور الجاه والإغراق في النعمة كثير الاجتهاد والملازمة والتفنن والمطالعة مقصور الأوقات على الإفادة والاستفادة إلى أن دعته الدولة المرينية بالمغرب إلى كتابة الإنشاء فاشتملت عليه اشتمالًا لم يفضل عنه من أوقاته ما يلتمس فيه ما لديه واستمرت حاله موصوفًا بالنزاهة والصدق رفيع الرتبة مشيد الحظوة مشاركًا للضيف فاضلًا مختصر الطعمة والحلية يغلب عليه ضجر يكاد يخل به متصل الاجتهاد والتقييد لا يفتر له قلم إلى أن مضى بسبيله‏.‏
وجرى ذكره في الإكليل الزاهر من تأليفنا بما نصه‏:‏ تاج المفرق وفخر المغرب على المشرق أطلع منه نور أضاءت له الآفاق وأثرى منه بذخيرة حملت أحاديثها الرفاق‏.‏
ما شيت من مجد سامي المصاعد والمراقب عزيز عن لحاق المجد الثاقب وسلف زينت سماؤث بنجوم المناقب‏.‏
نشأ بسبتة بين علم يفيده وفخر يشيده وطهارة يلتحف مطارفها ورياسة يتفيأ وارفها وأبوه رحمه الله قطب مدارها ومقام حجها واعتمارها فسلك الوعوث من المعارف والسهول وبذل على حداثة سنه الكهول فلما تحلى من الفوايد العلمية بما تحلى واشتهر اشتهار الصباح إذا تجلى تنافست فيه همم الملوك الأخاير واستأثرت به الدول على عادتها في الاستئثار بالذخاير فاستقلت بالسياسة ذراعه وأخدم الذوابل والسيوف يراعه وكان عين الملك التي بها يبصر ولسانه الذي به يسهب أو يختصر‏.‏
وقد تقدمت له إلى هذه البلاد الوفادة وجلت به عليها الإفادة وكتب عن بعض ملوكهان وانتظم في عقودها الرفيعة وسلوكها وله في الأدب الراية الخافقة والعقود المتناسقة‏.‏
مشيخته قرأ ببلدة سبتة على الأستاذ الإمام أبي إسحق الغافقي المديوني وعلى الأستاذ المقري أبي القاسم محمد بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن الطيب والأستاذ النحوي أبي بكر بن عبيدة الإشبيلي وعلى الأستاذ العارف أبي عبد الله محمد بن عمر بن الدارج التلمساني وعلى ابن خال أبيه الأمير الصالح أبي حاتم العزفي والعدل الرضا أبي فارس عبد الرحمن ابن إبراهيم الجزيري‏.‏
وقرأ بغرناطة على الشيخ العلامة أبي جعفر بن الزبير وروى عن الوزير الراوية أبي محمد عبد الله المرادي ابن المؤذن وعلى الأستاذ أبي بكر القللوسي‏.‏
وأخذ عن الشيخ الوزير أبي الوليد الحضرمي القرطي‏.‏
وممالقة عن الإمام الولي أبي عبد الله الطناجلي‏.‏
وببلش عن الخطيب الصالح أبي جعفر بن الزيات وعن الخطيب أبي عبد الله بن شعيب المروي والعلامة أبي الحسين بن أبي الربيع وأبي الحكم بن منظور وابن الشاطج وابن رشيد وابن خميس وابن برطال وابن ربيع وابن البنا وسميه ابن البنا المالقي وابن خميس النحوي وأبي أمية بن سعد السعود بن عفير الأمدي‏.‏
هؤلاء كلهم لقيهم وسمع منهم وأجازوا له ما عندهم‏.‏
وممن أجاز له مشافهة أو مكاتبة من أهل المغرب الأستاذ أبو عبد الله محمد بن عمر الأنصاري التلمساني ابن الدارج والكاتب ابو علي الحسين بن عنيق وتناول تواليفه والأديب الشهير أبو الحكم مالك بن المرحل والشريف أبو عبد الله محمد بن يحيى بن أبي الشرف الحسيني وأبو بكر بن خليل السكوني وأبو العباس المطري والجزاري وشرف الدين بن معطي وابن الغماز وابن عبد الرفيع القاضي وأبو الشمل جماعة بن مهيب وأبو عبد الله محمد بن أحمد التجاني وأبناء عمه عمر وعلي وابن عجلان ومحمد بن إبراهيم القيسي السلولي ومحمد بن حماد اللبيدي وابن سيد الناس وابنه أبو الفتح وابن عبد النور والمومناني والخطيب ابن صالح الكتاني وابن عياش المالقي والمشدالي وابن هرون والخلاسي والدباغ وابن سماك وابن أبي السداد وابن رزين وابن مستقور وأبو الحسن بن فضيلة وأبو بكر بن محزز‏.‏
وكتب له من أهل المشرق جماعة منهم‏:‏ الأبرقيشي وابن أبي الفتح الشيباني وابن حمادة وابن الطاهري وابن الصابوني وابن تيمية وابن عبد المنعم المفسر وابن شيبان وابن عساكر والرضى الطبري وابن المخزومي وابن النحاس‏.‏
قلت من أراد استيفاءهم ينظر الأصل‏.‏
فقد طال على استيفاء ما ذكره الشيخ رحمه الله وقد ذكر جماعة من النساء ثم قال بعد تمام ذلك ولو قصدنا الاستقصاء لضاق عن مجاله المتبع‏.‏
شعره وشعره متخل عن محله من العلم والشهرة وإن كان داخلًا تحت طور الإجادة‏.‏
فمن ذلك قوله‏:‏ وللفجر بحر خاضه الليل فاعتلت شوى أدهم الظلماء منه خجول بريق بأعلى الرقمتين كأنه طلائع شهب في السواد تجول فمزق ساجي الليل منه شرارة خرق ستر الغيم منه نصول تبسم ثغر الروض عند ابتسامه وفاضت عيون للغمام همول ومالت غصون البان نشوى كأنها يدار عليها من صباه شمول وغنت على تلك الغصون حمايم لهن حفيف فوقها وهديل إذا سجعت في لحنها ثم قرقرت يطيح خفيف دونها وثقيل سقى الله ربعًا لا تزال تشوقني إليه رسوم دونه وطلول وجاد رياه كلما ذر شارق من الودق هتان أجش هطول ومالي استسقي الغمام ومدمعي سفوح على تلك العراص همول وعاذلة ظلت تلوم على السرى وتكثر من تعذالها وتطيل تقول إلى كم ذا فراق وغربة ونأي على ما خيلت ورحيل ذريني أسعى لنتى تكسب العلا سناء وتبقى الذكر وهو جميل فإما تريني من ممارسة الهوى نحيلًا فحد المشرفي نحيل ولولا السرى لم يجتل البدر كاملًا ولا بات منه للسعود نزيل ولولا اغتراب المرء في طلب العلا لما كان نحو المجد منه وصول ولولا نوال ابن الحكيم محمد لأصبح ربع المجد وهو محيل وزير سما فوق السماك جلالة وليس له إلا النجوم قبيل من القوم أما في الندى فإنهم هضاب وأما في الندى فسيول حووا شرف العلياء إرثًا ومكسبًا وطابت فروع منهم وأثول وماجونة هطالة ذات عيجب مرتها شمال مرجف وقبول لها زجل من رعدها ولوامع من البرق عنها للعيون كلول كما هدرت وسط القلاص وأرسلت شقاشقها عند الهياج فحول بأجود من كف الوزير محمد إذا ما توالت لسنين محول ولولا روضة بالحسن طيبة الشذا ينم عليها إذخر وجليل وقد أذكيت للزهر فيها مجامر تعطر منها للنسيم ذيول فغرناطة مصر وأنت خصيبها ونائل يمناك الكريمة نيل فذاك رجال حاولوا درك العلا ببخل وهل نال العلاء بخيل تخيرك المولى وزيرًا وناصحًا فكان له ما أراد حصول وألقى مقاليد الأمور مفوضًا إليك فلم يعدم يمينك سول وقام بحفظ الملك منك مؤيد نهوض بما أعيا سواك كفيل وساس الرعايا منك أروع باسل مبيد العدا للمعتفين منيل وأبلج وقاد الجبين كأنما على وجنتيه للنضار مسيل تهيم به العلياء حتى كأنها بثينته في الحب وهو جميل له عزمات لو أعير مضاءها حسام لما نالت ظباه فلول سرى ذكره في الخافقين فأصبحت إليه قلوب العالمين تميل وأعدى قريضي جوده وثناؤه فأصبح في أقصى البلاد يجول إليك أيا فخر الوزارة أرقلت برحلي هوجاء النجاء ذلول فقيدت أفراسي به وركائبي ولذ مقام لي به وحلول وقد كنت ذا نفس عزوف وهمة عليها لأحداث الزمان ذحول ويهوى العلا حظي ويغري بضد لذاك اعترته رقة ونحول وتأبى لي الأيام إلا إدالة فصونك لي إن الزمان مديل فكل خضوع في حمامك عزة وكل اعتزاز قد عداك خمول وهي طويلة ومن شعره في الحنين إلى وطنه سبتة‏.‏
سقى ثرى سبتة بين البلاد وعهدها المحبوب صوب العهاد وجاد منهل الحيا ربعها بوبله تلك الربى والوهاد وكم لنا في طورسينائها من رائح للأنس في إثر غاد وعينها البيضاء كم ليلة بيضاء فيها قد خلت لو تعاد وبالمنارة التي نورها لكل من ضل دليل وهاد نروح منها مثلما نغتدي للأنس والأفراح ذات ازدياد أدركت من لبنى بها كلما لبانة وساعدتني سعاد ونلت من لذات دهري الذي قد شيته وللأماني انقياد منازل ما إن على مبدل هاء مكان اللام فيها انتقاد سلوتها مذ ضمني بعدها نادي الوزير ابن الحكيم الجواد ومن المقطوعات قوله‏:‏ أبت همتي أن يراني امرؤعلى الدهر يومًا له ذا خضوع وما ذاك إلا لأني اتقيتبعز القناعة ذل القنوع ومن ذلك في المشط والنشفة من آلات الحمام‏:‏ إني حسدت المشط والنشفة الذيلهما مزايا القرب دوني مخلصه فأنامل من ذا تباشر صدغهومراشف من ذا تقبل أخمصه نثره وقع هنا بياض مقدار وجهة في أصل الشيخ‏.‏
مولده وتوفي بتونس في الثاني عشر لشوال من عام تسعة وأربعين وسبعماية في وقيعة الطاعون العام بعد أن أصابته نبوة في مخدومه السلطان أبي الحسن‏.‏
ثم استعتبه وتلطف له‏.‏
وكانت جنازته مشهورة ودفن بالزلاج من جبانات خارج تونس رحمه الله‏.‏
عبد المهيمن بن محمد الأشجعي البلذوذي نزيل مراكش حاله من كتاب المؤتمن قال كان شاعرًا مكثرًا سهل الشعر سريعه كثيرًا ما يستجدي به وكان يتقلد مذهب أبي محمد علي بن حزم الفقيه الظاهري ويصول بلسانه على من نافره‏.‏
دخل الأندلس وجال في بلادها‏.‏
بعد دخوله مراكش‏.‏
وكان أصله من بلذوذ‏.‏
ورد مالقة أيام قضاء أبي جعفر بن مسعدة وأ ‏"‏ ال بها لسانه فحمل عليه هنالك حملًا أذاه إلى أن كان مآل أمره ما أخبرني به شيوخ مالقة وانسيته الآن فتوصل إلى مآل أمره من جهة من بقي بها الآن من الشيوخ نقلت اسمه ونسبه من خطه‏.‏
أما على ذي شرك في صيدنا من درك تصيدنا لواحظ وما لها من حرك والبدر إن غاب فمن يجلو ظلام الحلك قد تاب القلب فما يدري إن لم تدرك عدا السقام أو عدا وعد الذي لم يأفك أو لن يكن حل دمي فلتبطي أو أترك حاربت من لا قدرة لديه في المعترك يفل غرب سيفه سيف لحاظ فتك يا لفتى يا قبلتي يا حجتي يا نسك إن عظم الحزن فما أرجل حسن فلك أو أهديت الحي فلإبن عبد الملك خطيب ومران للذي سلك على سلك ركن التقا محمد ذو النبل والطبع الزك منفرد في جوده بماله المشترك وأنت يا حادية قربت ما أسعدك وأنت يا حادية قربت ما أسعدك فبركي وكبري وابركي وبرك فقد أتينا بشرًا له صفات الملك كفك يهمى ملكت كأنها لم تملك قصيدتي لو لم تنل منك حلى لم تسبك أبكيت ديمة الندا فزهرها ذو ضحك لكنني يا سيدي من فاقتي في شرك وشعره على هذه الوتيرة‏.‏
حدثني أبي قال رايته رجلًا طوالًا شديد الأدمة حليق الرأس دمينه عاريه كثير الاستجداء والتهاتر مع المحابين من أدباء وقته يناضل عن مذهب الظاهرية بجهده‏.‏
وفاته من خط الشيخ أبي بكر بن شبرين وفي عام سبعة وتسعني وستماية توفي بفاس الأديب عبد المهيمن المكناسي المكتني بأبي الجيوش البلذوذي وكان ذا هذر وخرق طوافًا على البلاد من ذلك أرجوزة نظمها بالخضراء في شوال سنة أربع وثمانين وستماية ورفعها إلى السلطان أمير المسلمين أبي يوسف بن عبد الحق سماها‏:‏ بنظم السلوك في الأنبياء والخلفاء والملوك لم يقصر فيها عن إجادة‏.‏
ومن شعره‏:‏ قال مخبرًا عن الأمير أبي مالك عبد الواحد ابن أمير المسلمين أبي يوسف‏:‏ دعاني يومًا والسما قد ارتدت بالسحايب والغيث يبكي بالدموع السواكب كأنه عاشق صد عنه حبيبه ففاضت دموعه عليه وكثر نحيبه ولم يرق له مدمع كأنه لم يبق له فيه مطمع فكان الوعد حسرته والبرق لوعته وزفرته فقال لي ما أحسن هذا اليوم لو كان في غير شهر الصوم فاقترح غاية الاقتراح علي وقال قل فيه شعرًا بين يدي فأنشدته هذه الأبيات‏:‏ اليوم يوم نزهة وعقار وتقرب الآمال والأوطار أو ما ترى شمس النهار قد اختفت وتسترت عن أعين النظار والغيث سح غمامه فكأنه دنف بكى من شدة التذكار لا شيء أحسن فيه من نيل المنا بمدامته تبدو كشعلة نار لولا صيام عاقني عن شربها لخلعت في هذا النهار عذار لو كان يمكن أن يعار أعرته وأصوم شهرًا في مكان نهار لكن تركت سروره ومدامه حتى أكون لديه ذا أفكار ونديرها في الكأس بين نواهد تجلو الهموم بنغمة الأوتار فجفونها تغنيك عن أكواسها وخدودها تغنيك عن أزهار فشكره لما سمعه غاية الشكر وقال أسكرتنا بشعرك من غير سكر‏.‏
قال وأتيته بهذه الأبيات‏:‏ أعلمت بعدك زفرتي وأنيني وصبابتي يوم النوى وشجون أودعت إذ ودعت وجدًا في الحشا ما إن تزال سهامه تصمين ورقيب شوقك حاضر مترقب إن رمت صبرًا بالأسى يغرين من بعد بعدك ما ركنت لراحة يومًا ولا غاضت عليك شؤون قد كنت أبكي الدمع أبيض ناصعًا فاليوم تبكي بالدماء جفون يا ساكني أكناف رملة عالج ظفرت بظبيكم الغرير يمين كم بات في جنح الظلام معانقي ومجنت في صفروي إلى مجنون في روضة نم النسيم بعرفها وكذاك عرف الروض غير مصون والورق من فوق الغصون ترنمت فتريك بالألحان أي فنون تصغي الغصون لما تقول فتنثني طربًا لها فأعجب لميل غصون والأرض قد لبست فلايل سندس قد كللت باللؤلؤ المكنون تاهت على زهر السماء بزهرها وعلى البدور بوجهها الميمون قال أبو فارس وكان أمير المسلمين أبو يوسف سار إلى مدينة سلا فبويع بها ولده أبو يعقوب وذلك في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول عام أحد وسبعين وستماية يوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته يوم بيعته هذه القصيدة ورفعتها إليه‏:‏ يا ظبية الوعساء قد برح الخفا إني صبرت على غرامك ما كفى كم قد عصيت على هواك عواذلي وأناب بالتبعيد منك وبالجفا حملتني ما لا أطيق من الهوى وسقيتني من غنج لحظك فرقفا لهفي على زمن تقضى بالحما وعلى محل بالإجيرع قد عفا أترى يعود الشمل كيف عهدته ويصير بعد فراقه متألقا لله درك يا سلا من بلدة من لم يعاين مثل حسنك ما اشتفا قد حزت برًا ثم بحرًا طاميًا وبذاك زدت ملاحة وتزخرفا فإذا رأيت بها القطائع خلتها طيرًا يحوم على الورود مرفرفا والجاذفين على الركيم كأنهم قوم قد اتخذوا إمامًا مسرفا جعل الصلاة لهم ركوعًا كلها وأتى ليشرع في السجود مخففا والموج يأتي كالجبال عبابه فتظنه فوق المنازل مشرفا حتى إذا ما الموج أبصر حده غض العنان عن السرى وتوقفا فكأنه جيش تعاظم كثرة قد جاء مزدحمًا يبايع يوسفا ملك به ترضى الخلافة والعلا وبه تجدد في الرياسة ما عفا من لم يزل يسبي الفوارس في الوغى إن سل في يوم الكريهة مرهفا يهواه من دون البنين كأنما يعقوب يعقوب ويوسف يوسفا طوبى لمن في الناس قبل كفه والويل منه لمن غدا متوقفا أعطاك ربك وارتضاك لخلقه فاقتل بسيفك من أبا وتخلفا وامدد يمينك للوفود فكلهم لليوم عاد مؤملًا متشوفا فايوم لا تخشى النعاج ذيابها ويعود من يسطو بها متعطفا صلح الزمان فلا عدو يتقى لم يخش خلق في علاك تخوفا لم لا وعدلك للبرية شامل طبعًا وغيرك لا يزال تكلفا يا من سررت بملكه وعلايه اليوم أعلم أن دهري أنصفا فإذا ملكت فكن وفيًا حازمًا واعلم بأن الملك يصلح بالوفا وأفض بذلك للوجود وكن لهم كهفًا وكن ببعيدهم مستعطفا فالجود يصلح ما تعلم في العلا وسواه يفسد في الخلافة ما صفا إن البرية في يديك رمامها فاحذر فديتك إن تكون معنفا لا زالت الأمجاد تخدم مجدكم ما زارت الحجاج مروة والصفا ومن شعره في رثاء الأمير أبي مالك‏:‏ سهم المنية أين منه فرار من في البرية من رجاه يجار حكم الزمان على الخلايق بالفنا فادار لا يبقى بها ديار عش ما تشاء فإن غايتك الردى يبلى الزمان وتذهب الأعمار فاحذر مسالمة الزمان وأمه إن الزمان بأهله غدار وانظر إلى الأمراء قد سكنوا الثرى وعليهم كأس المنون تدار تركوا القصور لغيرهم تورحلوا ومن اللحود عليهم أستار قد وسدوا بعد الحرير جنادلًا ومن اللحود عليهم أستار منعوا السرى للقباب وأسكنوا بطن الثرى حكمت بذاك عليهم الأقدار لم تنفع الجرد الجياد ولا القنا يوم الردى والعسكر الجرار في موت عبد الواحد الملك الرضا لجميع أملاك الورى إنذار أين الذين عهدت صفو ودادهم هل فيهم بعد الردى لك جار تركوك في بطن الثرى وتشاغلوا بعلا سواك فهجرهم إنكار لما وقفت بقبره مترحمًا حان العزا وهاجني استعبار فبكيت دمعًا لو بكت بمثاله غر السحاب لم تكن أمطار يا زايريه استغفروا لمليككم ملك الملوك فإنه غفار وفاته توفي خنقًا بسجن فاس بسعاية سعيت به جناها تهوره في وسط عام سبعة وتسعين وستماية وقد كان جعل له النظر في أمور الحسبة ببلاد المغرب‏.‏
ومن العمال عبد العزيز بن عبد الله بن عبد العزيز الأسدي العراقي من أهل وادي آش نزل سلفه طرش من أحوازها وجده استوطنها وذكروا أنه كان له بها سبعون غلامًا‏.‏
وجده للأم أبو الحسن بن عمر شارح الموطأ ومسلم ومصنف غير ذلك‏.‏
كذا نقلته عن أبي عبد الله العراقي قريبه‏.‏
حاله كان طبيبًا شاعرًا مجيدًا حسن الخط ظريف العمل مشاركًا في معارف‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:13 AM

تولى أعمالًا نبيهة‏.‏
شعره نقلته من خطة ما نصه‏:‏ صرفت لخير صدر في الزمان عريق في أصالته عنان كريم المنتمي من خير بيت سليل مجادة ورفيع شان رحيب بنا فضل غير وان عن الأفضال في هذا الأوان أبو عبدلي إنه المنتمي من مساوئ الفضل في سوى العنان ذراني في مجادته محبًا فهش لما به يحوي جنان فأنس ثم بشر بالأماني ورفع بعد تأنيس مكان سر لله ما أولى لير وليس كمن رآني فازدران ويوجب ذو الفضايل كل فضل بما فيها ترشحت الأوان وكم زهر رآه وسط روض وكم هاذ يدي بين الدنان بمالقة وبالأقطار أضحت معاليكم مشيدة المبان فأيدوا الآلة لسوف يأتي لكم مني سوابق في الرهان قواف من الحكم قواف محامد للسماع وللعيان يفوق نظيمها من كل معنى سلوك الدر من حلي الحسان متى خف ازدحام من همومي ورجيت الأمان مع أمان شكرت الله ثم صفا فؤادي وأملي ما تحب على لسان وما تهب الأكف قراك فان وما تهب الطروس فغير فان هنيئًا بالنزاهة في سرور ومع من لا له في الفضل ثان فلا زالت مسرته توالي ولا زالت تزف لك التهان وفاته‏:‏ ببلدة وادي آش عام خمسة عشر وسبعماية‏.‏
عبد القادر بن عبد الله بن عبد الملك بن سوار المحاربي حاله هذا الرجل دمث الأخلاق سكون وقور‏.‏
خدم أبوه بغرناطة كاتبًا للغزاة منوهًا به مشهورًا بكرم وظرف‏.‏
وانتقل إلى العدوة ونشأ ابنه المذكور بها وارتسم بخدمة ولي العهد الأمير أبي زيان وورد على الأندلس في وسط عام سبعة وخمسين وسبعماية في بعض خدمه وأقام بغرناطة أيامًا يحاضر محاضرة يتأنس به من أجلها الطالب وينتظم بها مع أولى الخصوصية من أهل طريقه وينقل حكايات مستطرفة‏.‏
فمنم ذلك أن الشيخ عبد الرحمن بن حسن القروي الفاسي كان مع أبي القاسم الزياني بجامع القرويين ليلة سبع وعشرين من رمضان فدخل عليهم ابن عبدون المكناسي فتلقاه الزياني وتأيده وتوجهوا إلى الثريا بالقرويين وقد أوقدت وهي أنظر إلى نارية نورها يصدع بالألإ حجب الغسق‏.‏
فقال ابن عبدون‏:‏ كأنها في شكلها زهرة انتظم النور بها فاتسق وحكيت القصة للأديب الشهير أبي الحكم مالك بن المرحل فقال لو حضرت أنا لقلت‏:‏ أعيذها من شر ما يتقى من فجأة العين برب الفلق واستنشد من شعره في الثامن والعشرين لربيع الآخر من العام بقصر نجد فقال من حكايات إن السلطان أمير المسلمين وجد يومًا على رجل أمر بتنكيله ثم عطف عليه في الحال وأحسن إليه وكان حاضرًا مجلسه أبو الحسن المزدغى رحمه الله فأنشده بديهة‏:‏ لا تونسنك من عثمن سطوته وإن تطاير من أثوابه الشرر فإن سطوته والله يكلاه كالبرق والرعد يأتي بعده المطر قال المترجم به فحدثني بذلك والدي فتعقبتها عليه عام تسعة وعشرين وسبعماية لموجب جر ذلك بقولي‏:‏ لا تيأسن من رجا كهف الملوك أبي سعيد المرتجى للنفع والضرر وإن بدا منه سخط أو رأيت له من سطوة أقبلت ترميك بالشرر وأنشدني لبعض الأحداث من طلبة فاس يخاطب صاحبنا الفقيه الكاتب أبا عبد الله بن جزى وقد توعده على مطل باستنساخ كتاب كان يتناول له وهو بديع‏:‏ إذا ما أتت أبطال قيس وعامر وأقيال عبس من بغمام وقسور تصادمني وسط الفلا لا تهولني فكيف أبالي بابن جزء مصغر مولده‏:‏ بفاس في العشر الأول لذي حجة عام تسعة وسبعماية‏.‏
ومن الزهاد والصلحاء وأولا الأصليون عبد الأعلى بن معلا يكنى أبا المعلى الإلبيري من قرى القلعة ونشأ بالحاضرة وكان ينسب إلى خولان‏.‏
ويذكر أنه أسلم على يدي رجل من خولان فتولاه وانتسب إليه وخرج إلى البيرة ونشأ بها وشغف بكتب عبد الملك بن حبيب ولم يكن أحد في عصره يشبهه في فضله وزهده وورعه وتواضعه وانقباضه وتستره‏.‏
أرسل إليه حسين بن عبد العزيز أخو هاشم بن عبد العزيز وهو بإلبيرة يرغب إليه في أن يشهد جنازة ابنة توفيت له كان يشغف بها فتعذر عليه إذ خشي الشهرة‏.‏
وقال لبعض جلسائه ما علمت أن حسينًا يعرفني وعمل على الخروج من إلبيرة وتهيأ للخروج للحج فحج فلما كان منصرفه ونزل في بعض السواحل وجد هنالك مركبين يشحنان فرغب كل من أصحاب المركبين أن يركب عنده وتنافسا في ذلك حتى خشي أن تقع الفتنة بينهم فاهتم لذلك ثم اصطلح أرباب المركبين على أن يخرج كل واحد منهما قاربه إلى البر فمن سبق قاربه إليه دخل عنده‏.‏
ونزل في منصرفه ببجاية وسكنها إلى أن توفي سنة ثلاث وتسعين ومائتين‏.‏
عبد المنعم بن علي بن عبد المنعم بن إبراهيم بن سدراي بن طفيل يكنى أبا العرب ويشهر بالحاج ويدعى بكنيته حاله كان عالمًا فاضلًا صالحا منقطعًا متبتلًا بارع الخط مجتهدًا في العبادة صاحب مكاشفات وكرامات‏.‏
نبذ الدنيا وراء ظهره ولم يتلبس منها بشيء‏.‏
ولا اكتسب مالًا ولا زوجة وورث عن أبيه مالًا خرج عن جميعه وقطع زمن فتايه في السياحة وخدمة الصالحين وزمان شيخوخته في العزلة والمراقبة والتزام الخلوة‏.‏
ورحل إلى الحج وقرأ بالمشرق وخدم مشايخ من الصالحين منهم الفخر الفارسي وأبو عبد الله القرطبي وغيرهما وكان كثير الإقامة بالعدوة وفشا أمره عند ملوكها فكانوا يزورونه ويتبركون به فيعرض عنهم وهو أعظم الأسباب في جواز أهل المغرب لنصرة من بالأندلس في أول الدولة النصرية إذ كان الروم قد طمعوا في استخلاصها فكان يحرض على ذلك حتى عزم صاحب العدوة على الجواز وأخذ في الحركة بعد استدعاء سلطان الأندلس إياه‏.‏
وعندما تعرف يغمور بن زيان ملك تلمسان ذلك كله على بلاده بما منع من الحركة فخاطبه الحاج أبو العرب مخاطبته المشهورة التي كفت عدوانه واقتصرته عما ذهب إليه‏.‏
وكان حيًا في صفر عام ثلاثة وستين وستماية وهو تاريخ مخاطبته أبا يحيى يغمور بن زيان‏.‏
ومن الطارئين وغيرهم عبد الحق بن إبراهيم بن محمد بن نصر بن فتح بن سبعين العكي مرسي رقوطي الأصل سكن بآخرة مكة يكنى أبا محمد ويعرف بابن سبعين‏.‏
حاله قال ابن عبد الملك درس العربية والأدب بالأندلس عند جماعة من شيوخها‏.‏
ثم انتقل إلى سبتة وانتحل التصوف بإشارة بعض أصحابه وعكف برهة على مطالعة كتبه وتعرض بعد لإسماعها والتكلم على بعض معانيها فمالت إليه العامة وغشيت محله‏.‏
ثم فصل عن سبتة وتجول في بلاد المغرب منقطعًا إلى طريقة التصوف داعيًا إليها محرضًا عليها‏.‏
ثم رحل إلى المشرق وحج حججًا وشاع ذكره وعظم صيته هنالك وكثر أتباعه على مذهبه الذي يدعو إليه من التصوف نحلة‏.‏
ارتسموا بها من غير تحصيل لها وصنف في ذلك أوضاعًا كثيرة تلقوها منه وتقلدوها عنه وبثوها في البلاد شرقًا وغربًا ولا يخلو أحد منها بطايل وهي إلى وساوس المخبولين وهذيان الممروضين أقرب منها إلى منازع أهل العلم ولفظه غير ما بلد وصقع لما كان يرمى به من بلايا الله أعلم بحقيقتها وهو الملطع على سريرته فيها‏.‏
وكان حسن الأخلاق صبورًا على الأذى آية في الإيثار أبدع الناس خطًا‏.‏
وقال أبو العباس الغبريني في كتاب عنوان الدراية عند ذكره وله علم وحكمة ومعرفة ونباهة وبلاغة وفصاحة‏.‏
ورحل إلى العدوة وسكن بجاية مدة ولقيه من أصحابنا ناس كثير وأخذوا عنه وانتفعوا به في فنون خاصة له مشاركة في معقول العلوم ومنقولها ووجاهة لسان وطلاقة قلم وفهم جنان وهو آخر الفضلاء وله أتباع كثيرة من الفقراء ومن عامة الناس وله موضوعات كثيرة موجودة بأيدي الناس وله فيها ألغاز وإشارات بحروف أبي جاد وله تسميات مخصوصات في كتبه هي نوع من الرموز وله تسميات ظاهرة كالأسامي المعهودة وله شعر في التحقيق وفي مراقي أهل الطريق وكتابته مستحسنة في طريقة الأدباء‏.‏
وله من الفضل والمزية ملازمته لبيت الله الحرام والتزامه الاعتمار على الدوام وحجته مع الحجاج في كل عام وهذه مزية لا يعرف قدرها ولا يرام‏.‏
ولقد مشى به للمغاربة بحظ في الحرم الشريف لم يكن لهم في غير مدته‏.‏
وكان أصحاب مكة شرفها الله يهتدون بأفعاله ويعتمدون على مقاله‏.‏
قلت وأغراض الناس في هذا الرجل متباينة بعيدة عن الاعتدال فمنهم الموهن المكفر ومنهم المقلد المعظم وحصل لطرفي هذين الاعتقادين من الشهرة والذياع ما لم يقع لغيره‏.‏
والذي يقرب من الحق أنه كان من أبناء الأصالة ببلده وولى أبوه خطة المدينة وبيته نبيه ونشأ ترفًا مبجلًا في ظل جاه وعز نعمة لم تفارق معها نفسه البلد ثم قرأ وشدا‏.‏
ونظر في العلوم العقلية وأخذ التحقيق عن أبي إسحق ابن دهاق وبرع في طريقة الشوذية وتجرد واشتهر وعظم أتباعه وكان وسيمًا جميلًا ملوكي البزة عزيز النفس قليل التصنع يتولى خدمته الكثير من الفقراء السفارة أولى العبا والدقاقيس ويحفون به في السكك فلا يعدم ناقدًا ولا يفقد متحاملًا‏.‏
ولما توفرت دواعي النقد عليه من الفقهاء زيًا وانتباذًا ونحلة وصحبة واصطلاحًا كثر عليه التأويل ووجهت لألفاظه المعاريض وفليت موضوعاته وتعاورته الوحشة ولقيه فحول من منتابى تلك النحلة قصر أكثرهم عن مداه في الإدراك والاضطلاع والخوض في بحار تلك الأغراض وساءت منه لهم في الملاطفة السيرة فانصرفوا عنه مكظومين يندرون في الآفاق عليه من سوء القيلة ما لا شيء فوقه‏.‏
ورحل إلى المشرق وجرت بينه وبين الكثير من أعلامه خطوب‏.‏
ثم نزل مكة شرفها الله تعالى واختارها قرارًا وتلمذ له أميرها فبلغ من التعظيم الغاية وعاقه الخوف من أمير المدينة المعظمة النبوية عن القدوم عليها إلى أن توفي فعظم عليه الحمل لأجل ذلك وقبحت الأحدوثة‏.‏
شهرته ومحله من الإدراك أما اضطلاعه فمن وقف على البد من كتبه رأى سعة ذرعه وانفساح مدى نظره لما اضطلع به من الآراء والأوضاع والأسماء والوقوف على الأقوال والتعمق في الفلسفة والقيام على مذاهب المتكلمين بما يقضي منه العجب‏.‏
ولما وردت على سبتة المسائل الصقلية وكانت جملة من المسايل الحكمية وجهها علماء الروم تبكيتًا للمسلمين انتدب إلى الجواب عنها على فتى من سنه وبديهة من فكرته‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:14 AM

وحدثني شيخنا أبو البركات قال حدثني أشياخنا من أهل المشرق أن الأمير أبا عبد اللهبن هود سالم طاغية النصارى فنكث عهده ولم يف بشرطه فاضطره ذلك إلى مخاطبته إلى القومس الأعظم برومة فوكل أبا طالب بن سبعين أخا أبي محمد المتكلم عنه والاستظهار بالعقود بين يديه قال فلما بلغ باب ذلك الشخص المذكور برومة وهو بلد لا تصل إليه المسلمون ونظر إلى ما بيده وسئل عن نفسه كلم ذلك القس من دنا منه محله من علمايهم بكلام ترجم لأبي طالب بما معناه اعلموا أن أخا هذا ليس للمسلمين اليوم أعلم بالله منه‏.‏
دعواه وإزراؤه وقد شهر عنه في هذا الباب كثير والله أعلم باستحقاقه رتبة ما ادعاه أو غير ذلك‏.‏
فقد ذكروا أنه قال وقد مر ذكر الشيخ أبي مدين رحمه الله شعيب عبد عمل ونحن عبيد حضرة‏.‏
وقال لأبي الحسن الششتري عندما لقيه وقد سأله عن وجهته وأخبره بقصده الشيخ أبا أحمد إن كنت تريد الجنة فشأنك ومن قصدت وإن كنت تريد رب الجنة فهلم إلينا وفي كتاب البد ما يتشوف إليه من هذا الغرض عند ذكره حكماء الملة‏.‏
وأما ما ينسب إليه من آثار السيمياء والتصريف فكثير‏.‏
تواليفه وتواليفه كثيرة تشذ عن الإحصاء منها المسمى بالبد بد العارف وكتاب الدرج وكتاب الصفر والأجوبة اليمنية والكل والإحاطة‏.‏
وأما رسايله في الأذكار كالنورية في ترتيب السلوك وفي الوصايا والعقايد فكثير يشتمل على ما يشهد بتعظيم النبوة وإيثار الورع كقوله من رسالة‏:‏ سلام الله عليك ورحمته‏.‏
سلام الله عليك ثم سلام مناجاتك‏.‏
سلام الله ورحمته الممتدة على عوالمك كلها السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وصلى الله عليك كصلاة إبراهيم من حيث شريعتك وكصلاة أعز ملائكته من حيث حقيقتك وكصلاته من حيث حقه ورحمانيته‏.‏
السلام عليك يا حبيبه‏.‏
السلام عليك يا قياس الكمال ومقدمة السعد ونتيجة الحمد وبرهان المحمود ومن إذا نظر الذهن إليه قد أنعم العيد السلام عليك يا من هو الشرط في كمال الأولياء وأسرار مشروطات الأزكياء الأتقياء‏.‏
السلام عليك يا من جاوز في السماء مقام الرسل والأنبياء وزاد رفعة واستولى على ذوات الملأ الأعلى ولم يسعه في وجهته تلك إلا ملاحظة الرفيق الأعلى وذلك قوله سبح اسم ربك الأعلى إلى الأخرى والأولى لا إلى الآخرة والأولى وبلغ الغاية والمطلوب التي عجزت عنه قوة ماهية النهى وزاد بعد ذلك حتى نظر تحته من ينظر دونه سدرة المنتهى إلى استغراق كثير أفضى إلى حال من مقام‏.‏
ومن وصاياه يخاطب تلاميذه وأتباعه‏:‏ حفظكم الله حافظوا على الصلوات وجاهدوا النفس في اجتناب الشهوات وكونوا أوابين توابين واستعينوا على الخيرات بمكارم الأخلاق واعملوا على نيل الدرجات السنية ولا تغفلوا عن الأعمال السنية وحصلو مخصص الأعمال الإلهية ومهملها وذوقوا مفصل الذات الروحانية ومحملها ولازموا المودة في الله بينكم وعليكم بالاستقامة على الطريقة وقدموا فرص الشريعة على الحقيقة ولا تفرقوا بينهما لأنهما من الأسماء المترادفة واكفروا بالحقيقة التي في زمانكم هذا وقولوا عليها وعلى أهلها لعنة الله لأنها حقيقة كما سمى اللديغ سليما وأهلها مهملون حد الحلال والحرام مستخفون بشهر الصوم والحجج وعاشوراء والإحرام قاتلهم الله أنى يؤفكون‏.‏
ومنها‏:‏ واعلموا أن القريب إلي منكم من لا يخالف سنة أهل السنة ويوافق طاعة رب العزة والمنة ويؤمن بالحشر والنار والجنة ويفضل الرؤية على كل نعمة ويعلم أن الرضوان بعدها أجل كل رحمة ثم يطلب الذات بعد الأدب مع الصفات والأفعال ويغبط نفسه بالمشاهدة في النوم والبرزخ والأحوال وكل مخالف سخيف متهم منه الفساد وإن كان من إخوانكم فاهجروه في الله ولا تلتفتوا إليه ولا تسلموا له في شيء ولا تسلموا عليه حتى يستغفر الله العظيم بمحضر الكل منهم ويرضى عن نفسه وحاله وعنكم ويخرج من صفاته المذمومة ويترك نظام دعوته المحرومة‏.‏
وأنا مذ أشهدت الله العظيم أني قد خرجت من كل مخالف متخلف العقل واللسان ولا نسبة بيني وبينه في الدنيا والآخرة فمن زل قدمه يستغفر الله ولا يخدعه قدمه وأمثال هذا دخوله غرناطة أخبرني غير واحد من أصحابنا المعتنين بهذا أنه دخل غرناطة في رحلته وأظنه يجتاز إلى سبتة وأنه حل وسطه على اصطلاح الفقراء برابطة العقاب من خارجها في جملة من أتباعه‏.‏
شعره وشعره كثير مما حضرني منه الآن قوله‏:‏ كم ذا تموه بالشعبين والعلم والأمر أوضح من نار على علم وكم تعير عن سلع وكاظمة وعن زرود وجيرن بذي سلم ظللت تسئل عن نجد وأنت بها وعن تهامة هذا فعل متهم في الحي حتى ولا سوى ليلى وتسألها عنها سؤالك وهم جر للعدم وفاته توفي بمكة شرفها الله تعالى يوم الخميس التاسع لشوال من عام تسعة وستني وستماية‏.‏
فيما يسمى بإحدى عيون الإسلام من الأسماء العينية وهم ما بين طارئ وأصلي وغريب عمر بن حفصون بن عمر بن جعفر الإسلامي بن كسمسم بن دميان ابن فرغلوش بن أذفونش كبير الثوار وعظيم النتزين ومنازع الخلفاء بالأندلس‏.‏
أوليته وحاله قال صاحب التاريخ أصله من رندة من كورة تاكرنا وجده جعفر إسلامي وانتقل إلى رندة لأمر دار عليه بها في أيام الحكم بن هشام فسكن قرية طرجيلة من كورة ريه المجاورة لحصن أوطة فاستوطن بها وأنسل بها عمر ثم أنسل بها عمر حفصًا وفخم فقيل حفصون‏.‏
ثم أنسل عمر هذا الثاير مع أخوة له منهم أيوب وجعفر‏.‏
ولما ترعرع عمر ظهر له من شراسته وعتوه ما لم يعدم معه أبواه هربًا عن مواضعهما فزالا عن وطنهما فذكر أنه لم يمسك من حين كان عن أحد ممن ناظره ولا سكت عن أقبح ما يمكن من السب لمن عاتبه وأنه قتل أحد جيرانه على سبب يسير دافعه عنه فتغرب لذلك عن الموضع زمانًا‏.‏
وذكر ابن القوطية أن عامل ريه عاقبه في جناية وفر إلى العدوة وصار يتهرب عند خياط كان من أهل ريه فبينا هو جالس في حانوته يومًا إذ أتاه شخص بثوب يقطعه فقام إليه الخياط فسأل ذلك الشخص الخياط عن عمر فقال له هو رجل من جيراني فقال الشيخ متى عهدك بريه فقال له منذ أربعين يومًا فقال له أتعرف جبلًا يقال له ببشتر فقال أنا ساكن عند أهله فقال أله حركة قال لا قال الشيخ قد أذن ذلك‏.‏
ثم قال تعرف فيما يجاوره رجلًا يقال له عمر بن حفصون ففزع من قوله فأحد الشيخ النظر فيه وقال يا منحوس تحارب الفقر بالإبرة إرجع إلى بلدك فأنت صاحب بني أمية وستملك ملكًا عظيمًا فقام من فوره وأخذ خبزه في كمه ورجع إلى الأندلس‏.‏
فداخل الرجال حتى ضبط الجبل المذكور وانضوى إليه كل من يتوقع التهمة على نفسه أو تشهره إلى الانتزاء بطبعه وضم إلى القلعة كل من كان حولها من العجم والمولدين‏.‏
ثم تملك حصن أوطة وميجش ثم تلمك قمارش وأرجدونة‏.‏
ثم اتسع نظره حتى تملك كورة ريه والخضراء وإلبيرة إلى بسطة وأبدة وبياسة وقبرة إلى كل حصن بلى المطل على قرطبة وأشرق الخلافة بريقها وقطع الزمان من استكانة إلى عهد وكشف الوجه في ختر وتشمير الساعد عن حرب وحسر اللثام عن أيد وبسطة وشد الحزام على جهد وصبر ونازله الخلايف والقواد فلم يحل بطايل وأصابته جراحات مثخنة في الوقايع وأصبحت فتنته سمر الركاب وحديث الرفاق شدة أسر وثقل وطأة وسعة ذرع واتصال حبل وطول إملاء استغرق بها السنين وطوى الأعمار وأورث ذلك ولده بعده وعند الله جزاء وحساب وإن امتد المآب لا إله إلا هو‏.‏
دخوله غرناطة وإلبيرة قال ابن الفياض وغيره ودخل إلبيرة مرات عندما ثار بدعوته قاتل وانضوى إلى حصن منتشافر من إقليم برجيلة قيس في نحو ستة آلاف وتغلب على يحيى بن صقالة ثم نازله سوار بن حمدون أمير العرب بغرناطة حتى غلبه وأخذه أسيرًا ثم أوقع بجعد ومن معه من أهل إلبيرة وقايع مستأصلة وتملك بعدها بياسة وأبدة في أخبار تطول‏.‏
قال أبو مروان قصد ابن حفصون حاضرة إلبيرة وحصونها وناصب الحرب سوارًا وقد استمد سوار رجالات العرب من كورني جيان وريه وإلبيرة فوقعت الهزيمة على ابن حفصون وجرح جراحات مثخنة وأصيب جماعة من فرسانه وانقلب منهزمًا فغضب عند ذلك على أهل إلبيرة فأغرمهم مغرمًا فدحهم واستعمل عليهم حفص بن الرة فلم يزل لعمل الحيل على سوار حتى أوقع به وأتى بجثته إلى إلبيرة وحمل رأسه إلى ببشتر واستشرى داؤه وأعيا أمره فاتصل ملكه بالقواعد والأقطار وغلب أكثر المدن ما بين الموسطة والغرب وأحدق ملكه بقرطبة وحجر عليها الخيل من حصن بلى من حصون قبرة فجلت الكنبانية وامتد إلى بنيان المعاقل‏.‏
ولما رأى الأمير محمد ما أحاط به منه تأهب إلى غزوه ونزل حصن بلى وناهضه فأوقع به وهزمه وألجأه إلى أن سلم في حصنه فلما خرج منه بمن معه تطيرهم ريح الفرار والسيوف تأخذهم استولى الخليفة على الحصن‏.‏
وفي ذلك يقول أحمد بن عبد ربه شاعر دولتهم‏:‏ وله يوم بلى وقعة لم تدع للكفر رأسًا في ثبج لم يجد إبليس في حومتها نفعًا من رهبة حيث بلج دفعتهم حملة السيل إلى كافح الأمواج مخض اللجج فتح الله على الدين به وعلى الإسلام يا عام تتج وكان هذا الفتح سنة سبع وسبعين ومائتين‏.‏
ثم استخلص مدينة إستجة‏.‏
وفاته قال ومن هذا العهد أدبر أمر ابن حفصون وتوقف ظهوره بعد تخبط شديد ولجاج كبير وشر مبير وكانت وفاته ببشتر موضع انتزائه على عهد الخليفة عبد الرحمن في سنة ست وثلاثمائة بعد مرض شمل النفخ به جسده حتى تشقق جلده وانتقل أمره إلى ولده جعفر ثم إلى ولده سليمان ثم إلى ولده حفص‏.‏
وعلى حفص انقرض أمرهم‏.‏
عمر بن محمد التجيبي بن عبد الله بن محمد بن مسلمة التجيبي يطليوسي مكناسي الأصل من مكناسة الجوف الأمير بالثغر الغربي الملقب من ألقاب السلطنة بالمتوكل على الله المكنى بأبي محمد المنبز بابن الأفطس‏.‏
أوليته قال ابن حيان كان جدهم عبد الله بن مسلمة المعروف بابن الأفطس أصله من فحص البلوط من قوم لا يدعون نباهة غير أنه كان من أهل المعرفة التامة والعقل والدهاء والسياسة‏.‏
ثم كان هذا الصقع الغربي بطليوس وأعمالها وشنترين والأشبونة وجميع الثغر الجوفي في أمر الجماعة رجل من عبيد الحكم المستنصر يسمى سابور‏.‏
فلما وقعت الفتنة وانشقت العصا انتزى سابور على ما كان بيده وكان عبد الله يدبر أمره إلى أن هلك سابور وترك ولدين لم يبلغا الحلم فاشتمل عبد الله على الأمر واستأثر به على ولديه فحصل على ملك غرب الأندلس واستقام أمره إلى أن مضى بسبيله وأعقبه ابنه المظفر محمد بن عبد الله وكان ملكًا شهيرًا عالمًا شجاعًا أديبًا وهو مؤلف الكتاب الكبير المسمى بالمظفري فاستقامت أموره إلى حاله قال ابن عبد الملك كان أديبًا بارع الخط حافظًا للغة جوادًا راعيًا حقوق بلده مواخيًا لهم محببًا فيهم مرت لهم معه أيام هدنة وتفضل إلى حين القبض عليه‏.‏
وقال الفتح في قلائده‏:‏ ملك جند الكتائب والجنود وعقد الألوية والبنود وأمر الأيام فائتمرت وطافت بكعبته الآمال واعتمرت إلى لسن وفصاحة ورحب جناب للوافدين وساحة ونظم يزرى بالدر النظيم ونثر تسرى رقته سري النسيم وأيام كأنها من حسنها جمع وليال كان فيها على الأنس حضور ومجتمع راقت إشراقًا وتبلجًا وسالت مكارمه فيها أنهارًا وخلجًا إلى أن عادت الأيام عليه بمعهود العدوان ودبت إليه دبيبها لصاحب الإيوان وانبرت إليه انبراءها لابن زهير وراء عمان‏.‏
شعره بلغه أنه ذكر في مجلس المنصور يحيى أخيه بسوء فكتب إليه بما نصه فما بالهم لا أنعم الله بالهم ينيطون بي ذمًا وقد علموا فضلي يسيئون لي في القول جهلًا وضلة وإني لا أرجو أن يسيئهم فعلي ولم ألق أضيافي بوجه طلاقة ولم أمنح العافين في زمن المحل وكيف وراحي درس كل غريبة وورد التقى شمي وحرب العدى نقلي وإلى خلق في السخط كالشرى طعمه وعند الرضى أحلى جنى من جنى النحل فيا أيها الساقي أخاه على النوى كؤوس القلى مهلًا رويدك بالعل نلطفئ نارًا أضرمت في صدورنا فمثلي لا يقلي ومثلك لا يقلي وقد كنت تشكيني إذا جئت شاكيًا فقل لي لمن أشكو صنيعك بي قل لي فبادر إلى الأولى وإلا فإنني سأشكوك يوم الحشر للحكم العدل وكتب جوابًا لأبي محمد بن عبدون مع مركوب عن أبيات ثبتت في القلايد‏:‏ بعثت إليك جناحًا فطر على خفية من عيون البشر على ذلل من نتاج البروق في ظل من نسيج الشجر فحسبي ممن نأى ومن دنا فمن غاب كان كمن قد حضر قال الفتح أخبرني الوزير أبو أيوب بن أمية أنه مر في بعض أيامه بروض مفتر المباسم معطر الرياح النواسم فارتاح إلى الكون به بقية نهاره والتنعم ببنفسجه وبهاره‏.‏
فلما حصل من أنسه في وسط المدى عمد إلى ورقة كرنب قد بللها الندى وكتب فيها بطرف غصن يستدعي أقبل أبا طالب إلينا واسقط سقوط الندى علينا أقبل أبا طالب إلينا واسقط سقوط الندى علينا فنحن عقد بغير وسطى ما لم تكن حاضرًا لدينا نثره وهو أشف من شعره وإنه لطبقة تتاقصر عنها أفذاذ الكتاب ونهاية من نهاية الآداب قال كان ليلة مع خواصه للأنس معاطيًا ولمجلس كالشمس واطيًا قد تفرغ للسرور وتفرغ عيشًا كالأمل المزرور والمنى قد أفصحت ورقها وأومص برقها والسعد تطلع مخايله والملك يبدو زهوه وتخايله إذ ورد عليه كتاب بدخول أشبونة في طاعته وانتظامها في سلك جماعته فزاد في مسرته وبسط من أسرته وأقبل خدامه وأسبل نداه على جلسائه وندامه فقال له ابن خيرة وكان يدل بالشباب وينزل منه منزلة الأحباب لمن توليها ومن يكون واليها فقال له أنت فقال فاكتب الآن بذلك فاستدعى الدواة والرق وكتب وما جف له قلم ولا توقف له كلم‏:‏ لم يسوغ أولياء النعم مثل الذي سوغتموه من التزام الطاعة والدخول في نهج الجماعة وذلك لا آلوكم ونفسي فيكم نصحًا فيمن أتخيره للنيابة عني في تدبيركم والقيام بالدقيق والجليل من أموركم وقد وليت عليكم من لم أوثر والله فيه دواعي التقريب على بواعث التجريب ولا فوات ولما اشتد خوفه من أمير لمتونة ورأى أنه أسوة ابن عباد في الخلع عن ملكه وضيقت الخيل على أطرافه وانتزعتها داخل طاغية الروم وملكه من مدينة الأشبونة رغبة في دفاعه عنه فاستوحشت لذلك رعيته وراسلت اللمتونيين واقتحمت عليه مدينة بطليوس واعتصم بالقصبة وخانه المحاربة فدخلت عليه عنوة وتقبض عليه وعلى بنيه وعبيده وتحصلوا في ثقاف قائد الجيش اللمتوني‏.‏
وبادر إعلام الأمير سير بن أبي بكر فلحق بها‏.‏
واستخرج ما كان عند المتوكل من المال والذخيرة وأزعجه إلى إشبيلية مع ابنين له فلما تجاوز وبعد عن حضرته أنزل وقيل له تأهب للموت فسأل أن يقدم ابناه يحتسبهما عند الله فكان ذلك وقتلا صبرًا بين يديه ثم ضرب عنقه وذلك صدر سنة سبع وثنانين واربعمائة وانقرضت دولة بني الأفطس‏.‏
وممن رثاهم فبلغ الأمد وفاء وشهرة وإجادة أبو محمد عبد المجيد ابن عبدون بقصيدته الفريدة‏:‏ الدهر يفجع بعد العين بالأثر فما البكاء على الأشباح والصور أنهاك أنهاك لا آلوك موعظة عن نومة بين ناب الليث والظفر فالدهر حرب وإن أبدى مسالمة والبيض والسمر مثل البيض والسمر ولا هوادة بين الرأس تأخذه يد الضراب وبين الصارم الذكر فلا تغرنك من دنياك نومتها فما صناعة عينيها سوى السهر في كل حين لها في كل جارحة منا جراح وإن زاغت عن البصر تسر بالشيء لكن تغربه كالأيم ثار إلى الجاني من الزهر كم دولة وليت بالنصر خدمتها لم تبق منها وسل ذكراك من خبر هوت بدارًا وفلت غرب قاتله وكانت غصبًا على الأملاك ذا أثر واسترجعت من بني ساسان ما وهبت ولم تدع لبني يونان من أثر وأتبعت أختها طسمًا وعاد على عاد وجرهم منها ناقص المرر وما أقالت ذوي الهيئات من يمن ولا أجارت ذوي الغايات من مضر ومزقت سبأ في كل قاصية فما التقى رائح منهم بمبتكر وأنفذت في كليب حكمها ورمت مهلهلًا بين سمع الأرض والبصر ولم ترد على الضليل صحته ولا ثنت أسدًا عن ربها حجر ودوهت آل ذبيان وإخوتهم عبسًا وعضت بني بدر على النهر وألحقت بعدي بالعراق على يد ابنه أحمر العينين والشعر وبلغت يزدرجرد الصين واختزلت عنه سوى الفرس جمع الترك والخزر ولم ترد مواضي رستم وقنا ذي حاجب عنه سعدًا في ابنة الغير وخضبت شيب عثمان دمًا وخطت إلى الزبير ولم تستحي من عمر وما رعت لأبي اليقظان صحبته ولم تزوده إلا الضح في الغمر وأجزرت سيف أشقاها أبا حسن وأمكنت من حسين راحتي شمر وليتها إذ فدت عمرًا بخارجة فدت عليًا بمن شاءت من البشر وفي ابن هند وفي ابن المصطفى حسن أتت بمعضلة الألباب والفكر فبعضنا قائل ما اغتاله أحد وبعضنا ساكت لم يؤت من حصر وعمت بالردى فودى أبي أنس ولم ترد الردى عنه قنا زفر وأردت ابن زياد بالحسين فلم يبؤ بشسع له قد طاح أو ظفر وأنزلت مصعبًا من رأس شاهقة كانت بها مهجة المختار في وزر ولم تراقب مكان ابن الزبير ولا راعت عياذته بالبيت والحجر ولم تعد قضب السفاح نابية عن رأس مروان أو أشياعه الفجر وأسبلت دمعة الروح الأمين على دم يثج لآل المصطفى هدر وأشرقت جعفرًا والفضل ينظره والشيخ يحيى بريق الصارم الذكر وأخفرت في الأمين العهد وانتدبت لجعفر بابنه بالأعبد الغدر وروعت كل مأمون مؤتمن وأسلمت كل منصور ومنتصر وأعثرت آل عباس لعالهم بذل زباء من بيض ومن سمر ولا وفت بعهود المستعين ولا بما تأكد للمعتز من مرر وأوثقت في عراها كل معتمد وأشرقت بقذاها كل مقتدر بني المظفر والأيام ما برحت مراحل والورى منها على سفر سحقًا ليومكم يومًا وما حملت بمثله ليلة في سالف العمر من للأسرة أو من للأعنة أو من للأسنة يهديها إلى الثغر من لليراعة أو من للبراعة أو من للسماحة أو للنفع والضرر ويح السماح وويح الجود لو سلما وحسرة الدين والدنيا على عمر سقت ثرى الفضل والعباس هامية تعزى إليهم سماحًا لا إلى المطر ثلاثة ما ارتقى النسران حيث رقوا وكل ما طار من نسر ولم يطر ثلاثة كذوات الدهر منذ نأوا عني مضى الدهر لم يربع ولم يحر ومر من كل شيء فيه أطيبه حتى التمتع بالآصال والبكر من للجلال الذي عمت مهابته قلوبنا وعيون الأنجم الزهر أين الإباء الذي أرسوا قواعده على دعائم من عز ومن ظفر أين الوفاء الذي أصفوا شرائعه فلم يرد أحد منهم على كدر كانوا رواسي أرض الله مذ نأوا عنها استطارت بمن فيها ولم تقر كانوا مصابيحها دهرًا فمذ خبوا هذي الخليقة تالله في سدر كانوا شجى الدهر فاستهوتهم خدع منه بأحلام عاد في خطا الخضر من لي ولا من بهم إن أظلمت نوب ولم يكن ليلها يفضى إلى سحر على الفضائل إلا الصبر بعدهم تسليم مرتقب للأجر منتظر يرجو عسى وله في أختها طمع والدهر ذو عقب شتى وذو غير قرطت آذان من فيها بفاضحة على الحسان حصى الياقوت والدرر سيارة في أقاصي الأرض قاطعة شقاشقًا هذرت في البدو والحضر مطاعة الأمر في الباب قاضية من المسامع ما لم يقض من وطر ومن الغرباء عثمن بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن الدايل بتلمسان يكنى أبا سعيد‏.‏ حاله كان شيخًا مخيلًا بسمة الخير متظاهرًا بالنسف بقية آل زيان متقدمًا في باب الدهاء والذكر بالغًا أقصى المبالغ في ذلك‏.‏

سكن غرناطة ووادي آش وولد بغرناطة وكان أبوه ممن هلك في وقيعة فرتونة فارتزق مع الجند الغربي بديوانها في حجر أبيه وبعده ثم ثنى عنانه إلى وطنه وتخطته المتالف عند تغلب السلطان صاحب المغرب على بلده تلمسان وغاص في عرض من تهنأ الإبقاء من قبيله‏.‏
وكان ممن شمله حصار الجزيرة ووصل قبله ممدًا مع الجيش الغربي بجيش غرناطة عند منازلة القلعة‏.‏
ولما جرت على واترهم السلطان أبي الحسن الهزيمة بظاهر القيروان وبعد الطمع في انتشاله وجبره ولحق كل بوطنه حوم الفل من بني زيان على ضعفهم ومذ رحل عنه السلطان القايم بملك المغرب أبو عنان إلى محل الأمر ودار الملك وسد تلمسان بشيخ من قبيلتهم يعرف بابن حرار له شهرة وانتفاخ لتنسيق رياح الاختلاف فذ في إدارة الحيلة وإحالة قداح السياسة رأس الركب الحجازي غير ما مرة وحل من الملوك ألطف محلة‏.‏
ولما نهد القوم إلى تلمسان ناهضهم ابن الحرار بمن استركب من جنده وانضم إليه من قومه فدارت عليهم الهزيمة وأحيط به فتملك البلد وتحصل في الثقاف إلى أن هلك به مغتالًا واستولى عثمن بن يحيى على المدينة وانقاد إليه ما يرجع إليها من البلاد والقبايل فثاب لهم ملك لم تكد شعلته تقد حتى خبت وعلى ذلك فبلغوا في الزمان القريب من وفور العدة واستجادة الآلة وحسن السيرة ما يقضى منه العجب وانفرد عثمن بالأمر وعين أخاه أبا ثابت الزعيم إلى إمارة الجيش فاستقام الصف وانضم النشر وترتبت الألقاب واستأنفوا الدولة وتلقفوا الكرة‏.‏
وقل ما أدبر شيء فأقبل‏.‏
وبادر السلطان بالأندلس مفاتحته مهنيًا وللحلف مجددًا بكتاب من أنشائي من فصوله‏:‏ بعد الصدر والتحميد ولا وزايد بفضل الله المرجو في الشدايد لجميل العوايد إلا ما شرح الصدور وأكد السرور وبسط النفوس وأضحك الرسن العبوس من اتساق أمور ذلك الملك لديكم واجتماع كلمته عليكم وما تعرفنا أن الدولة الزيانية وصل الله لبدورها استيناف الكمال وأعلى أعلامها في هضاب اليمن والإقبال تذكرت الرسايل القديمة الأذمة وألقت إلى قومها بالأزمة وحنت إلى عهدهم على طول النوى وانشد لسان حالها نقل فؤادك حيث شئت من الهوى فأصبح شتيتك بأهلها مجموعًا وعلم عليائها بأيدي أوليائها مرفوعًا وملابس اعتزازها بعد ابتزازها جديدة وظلال سعودها على أغوارها ونجودها مديدة وقبيلها قد أنجح الله في ائتلافه أمل الآمل ومبتداها مرفوعًا مع وجود العوامل والكثير من أوطانها قد سلكت مسلكها في الطاعة وتبادرت إلى استباق فضيلة الوفاق بحسب الاستطاعة فعظم الاستبشار بأن كان لكم ما لها وفي إيالتكم انتيالها من غير ان يعلق باسبابها من ليس من أربابها ويطمع في اكتسابها من لم يكن في حسابها‏.‏
وقلنا موارث وجب وعاصب حجب وركب علج من بعد القفول وشمس طلعت من بعد الأفول وجيد حلى بعد ما اشتكى العطل وغريم قضى بعد ما مطل وطرف تنبه بعد ما سجع ودرى استقام سيره عقب ما رجع وقضية انصرف دليلها عن حدود القواطع وطرحت عليه أشعة السعود السواطع لا بل عبد أبق لقدر سبق حتى إذا راجع نهاه وعذله العقل ونهاه جنح بعد هجره إلى كنف من نشأ في حجره‏.‏
وعلمنا أن الدولة التي عرفنا مكارمها قد دالت والغمامة التي شكرنا مواقعها قد انثالت فجرينا في المسرة ملء الأعنة وشاركنا في شكر هذه المنة وأصدرنا إليكم هذا الخطاب مهنيًا وعن الود الكريم والولاء الصميم منبيا وفي تعزيز ما بين الأسلاف جدد الله عليهم ملابس الرضوان معيدًا مبديًا وإن تأخر منه الغرض وقضى بهذا العهد واجبه المفترض والأعذار واضحة وأدلتها راجحة وللضرار أحكام تمضى والفروض للفوات تقضى فكيف والاعتقاد الجميل مسير مسكن والوقت والحمد لله متمكن وما برحنا في مناط اجتهاد وترجيح استشهاد والأخبار يضطرد مفهومها والألفاظ لا يتخصص عمومها والأحاديث يجول في متعارضها النظر ولا يلزم العمل ما لم يصح الخبر‏.‏
فلما تحققنا الأمر من قصة وتعاضد قياسه بنصه لم نقدم على المبادرة عملًا وبينا لكم من حسن اعتقادنا ما كان مجملا فليهن تلك الإيالة ما استأنفته من شبابها وتسربلته من جديد أثوابها وليستقبل العيش خضرًا والدهر معتذرًا والسعد مسفرًا‏.‏
وتمادى ملكه من الثامن والعشرين لجمادى الآخرة من عام تسعة وأربعين وسبعماية إلى أن استوسق ملك المغرب للسلطان أبي عنان واستأثر إليه أبيه وتحرك إلى منازلة تلمسان في جمادى الآخرة عام ثلاثة وخمسين وسبعماية وكسر جمعهم واستولى على ملكهم حسبما يأتي وبرز إليه سلطانها المذكور مؤثرًا الإصحار على الاجتحار واللقاء على الانحصار وكانت بين الفريقين حرب ضروس ناشب الزيانيون محلات المغرب القتال بموضع يعرف بإنكاد على حين غفلة وبين يدي شروع في تنقل وسكون وتفرق من الحامية في ارتداد الخلا وابتغاء الماء فلم يرع إلا إطلال الرايات وطلوع نواصي الخيل فوقع الصراخ وعلا النداء وارتفع القتام وبادر السلطان بمن معه من الخالصة وروم الركاب الصدمة ومضى قدمًا وقد طاش الخبر بهزيمته و اثت العربان في محلته وكانوا على الأموال أعدى من عدوه وفر الكثير إلى جهة المغرب بسوء الأحدوثة‏.‏
ولما تقاربت الوجوه وصدق المصاع قذف الله في قلوب الزيانيين الرعب واستولى عليهم الإدبار فانهزموا أقبح هزيمة وتفرقوا شذر مذر واختفى سلطانهم عثمن المترجم به وذهب متنكرًا وقد ترجل فعثر عليه من الغد وأوتي به فشد وثاقه وأسرع السلطان اللحاق بتلمسان وقد تلقاه أهلها معلنين بطاعته‏.‏
ولائذين بجناب عفوه وتنكبها الجيش المفلول لنظر الأمير أبي ثابت فاستفر بأحواز جزاير بني مزغناي‏.‏
ودخل السلطان تلمسان في يوم الأحد الحادي عشر من ربيع الأول عام ثلاثة وخمسين وسبعماية وتدامر بنو مرين واستدركوا دحض الوصمة في اتباع أضدادهم المحروبين فكان اللقاء بينهم وبين الجيش المفلول وحكم الله باستيصالهم فمضى عليهم السيف وأوتي بزعيمهم الزعيم فاحتمل مع أخيه في لمة من أوليائهم ونفذ الأمر لأقتالهم من بني حرار بأخذ حقهم فقتل عثمن والزعيم رحمهما الله بخارج تلمسان ذبحًا وألحق بهما عميد الدولة يحيى بن داود بعد أن استحضر عثمن بين يدي السلطان واسمع تأنيبًا حسن عنه دوابه بما دل على ثبات وصبر‏.‏
وانقضى أمر كرتهم الثانية وخلت منهم الأوطان وخلصت لبني مرين الجهة وصفت العمالة‏.‏
والله يعطي ملكه من شاء سبحانه لا إله إلا هو وكان مقتل عثمن وأخيه في أوايل شهر ربيع الآخر عام ثلاثة وخمسين وسبعماية‏.‏
علي بن حمود بن ميمون بن حمود بن علي بن عبيد الله بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب‏.‏
أول ملوك بني هاشم بالأندلس يكنى أبا الحسن ويلقب من الألقاب السلطانية بالناصر لدين الله‏.‏
حاله كان شهمًا لبيبًا جريء اللقاء باطش السيف شديد السطوة أسمر أعين نحيف الجسم طويل القامة حاد الذهن من أولي الحزم والعزم‏.‏
خلافته ذكروا أن هشام بن الحكم لما ضيق به الحجر كتب إليه في السر بعهد ولايته وأهله للأخذ بثاره فكان كذلك وأجاز البحر من سبتة مظهرًا القيام بنصر هشام عندما خلع فانحاش غليه كثير من الناس وقصد قرطبة وبرز إليه الخليفة سليمن خالع هشام ومغتاله فظهر عليه علي بن حمود وهزمه ودخل قرطبة فقتل سليمن وبحث عن هشام وقد فات فيه الأمر وتسمى بأمير المؤمنين‏.‏
وأنس به أهل قرطبة لقهره من كان لنظره من البرارة وإمضاء الأحكام عليهم‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:15 AM

قال المؤرخ فبرقت للعدل يومئذ بارقة لم تكد تقد حتى خبت‏.‏
وكان الأغلب عليه السخاء والشجاعة‏.‏
ومدحه الكثير من الشعراء منهم أبو عمر بن دراج وفيه يقول‏:‏ لعلك يا شمس عند الأصيل تحن بشجو الغريب الذليل فكوني شفيعي إلى أين الشفيع وكوني رسولي إلى أين الرسول إلى الهاشمي إلى الطالبي إلى الفاطمي العطوف الوصول وصوله إلى إلبيرة قل ولما استوسق الأمر واضطرب عليه خيران صاحب ألمرية أغراه وأذن لحربه فخرج من قرطبة يوم الثلاثاء لثلاث عشرة خلت من جمادى الآخرة من سنة ثمان وأربع ماية وسار إلى أن بلغ وادي آش وتردفت عليه الأمطار والسيول وانصرف إلى إلبيرة ثم إلى قرطبة‏.‏
وفاته قال المؤرخ وفي سنة ثمان وأربعماية كان مقتل علي بن حمود وذلك أن صقالبته قتلوه بموضع أمنه‏.‏
في حمام قصره وكانوا ثلاثة من أغمار صبيان قصره منهم نجح وصاحباه وسدوا باب الحمام عليه وتسللوا ولم يحس أحد بهم واستطال نساؤه بقاءه فدخلوا عليه ودمه يسيل فصح خبر مقتله وبعثت زناتة إلى أخيه بإشبيلية فخاف أن يكون حيلة حتى كشف عن الأمر ولحق بقرطبة فأخرج جسده وصلى عليه وأنفذه إلى سبتة فدفن بها وبني عليه مسجد هو الآن بسوق الكتان وقبض من قاتليه على صبيين عذبا بأنواع العذاب ثم قتلا وصلبا‏.‏
بن تاشفين بن توحرت وينظر اتصال نسبه في اسم أبيه هو أمير المسلمين بالعدوة والأندلس بعد أبيه يكنى أبا الحسن تصير إليه الملك بالعهد من أبيه عام سبعة وتسعين وأربعمائة ثم ولى أمره يوم وفاته وهو يوم الإثنين مستهل محرم عام خمسماية‏.‏
حاله وكان ملكًا عظيمًا علي الهمة رفيع القدر فسيح المعرفة شهير الحلم عظيم السياسة أنفذ الحق واستظهر بالأزكياء ووالى الغزو وسد الثغور إلى أن دهمه من أمر الدولة الموحدية ما دهمه وكل شيء إلى مدى فأمهل السرح وحالف الإدبار وجاز إلى الأندلس وغزا فيها بنفسه ودخل غرناطة وباشرها‏.‏
قال ابن عذارى تقدم الأمير أبو الحسن لذلك فاستعان بالله واستنجده وسأله حسن الكفاية فيما قلده فوجده ملكًا مؤسسًا وجندًا مجندًا وسلطانًا قاهرًا ومالًا وافرًا فاقتفى إثر أبيه وسلك سبيله في عضد الحق وإنصاف المظلوم وأمن الخائف وقمع المظالم وسد الثغور ونكاية العدو فلم يعدم التوفيق في أعماله والتسديد في حسن أفعاله‏.‏
وفي سنة خمس وخمسماية جاز البحر إلى الجهاد‏.‏
قال المؤرخ قدم علي بن يوسف غرناطة مرات مع أبيه‏.‏
وفي سنة خمس وخمسماية تلوم بها ريثما تلاحقت حشوده وتأهبت مطوعته وجنوده فافتتح مدينة طلبيرة عنوة ثم عبر البحر عام أحد عشر وخمسماية فغزى قولمرية‏.‏
ظهور الموحدين في أيامه قال ابن عذارى في سنة أربع عشرة وخمسماية كان ابتداء أمر الثاير على الدولة الجالب للفتن الجمة الجار لها منذ ثلاثين سنة حتى أقفر المعمور وأصار الضياء كالديجور محمد بن ترمرت السوسي الملقب بالمهدي‏.‏
قلت وأخباره عجيبة وما زال أمره في ظهور وأمر هذه الدولة في ثبار وإدبار إلى أن محا رسومها وقطع دابرها والملك لله يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء سبحانه‏.‏
وفاته قال وفي سنة سبع وثلاثين وخمسماية توفي أمير المسلمين علي ابن يوسف لسبع خلون من رجب ولم يشهر موته إلا لخمس خلون من شوال فكانت مدته من حين قدمه أبوه تسعًا وثلاثين سنة واشهرًا‏.‏
وعمره إحدى وستون سنة قال ابن حماد ولما يئس من نفسه عهد أن الأعيان والوزراء والأماثل والكبرا عتيق بن زكريا بن مول التحبيبي قرطبي الأصل يمت إلى الإمارة النصرية بقربى صهر يكنى أبا بكر‏.‏
حاله كان شهمًا جريًا مقدامًا جهوريًا ذا أنفة وشارة مليح التجند ظاهر الرجولية معروف الحق نبيه الولاية فصيح اللسان مطبوعًا ذكيًا مؤثرًا للفكاهة‏.‏
ولى القيادة بمدينة وادي آش عقب الريس المنتزى بها ثم عزل عنها بسعاية رفعت فيه إلى ذي الوزارتين أبي عبد الله ابن الحكيم فساء ما بينهما لذلك وأعمل عليه التدبير بمداخلة الأمير نصر وإغرايه بالأمر‏.‏
فتم له التوثب على ملك أخيه وخلعه يوم عيد الفطر من عام ثمانية وسبعماية وقتل الوزير ابن الحكيم بين يديه وانتهبت منازله واستقل بعد بالتدبير والوزارة وحصل من صنايع الحاين ومتوقعي الضغط على مال عريض وقام بوظيف الوزارة محذور الشبا مرهوب المدية مسنو الفتكة فلم ينشب أن عين للرسالة إلى باب السلطان ملك المغرب وسد باب الإياب لوجهته وأقام بالعدوة تحت الحظوة مشارًا إليه في وجوه الدولة وزير المداخلة والرتبة‏.‏
وقد كان في ريان حداثته لحق بطاغية الروم وركب في جملته وعلقته جارية من بنات زعماء الروم لفضل جماله وزين شبيبته ففر بها تحت حماية سيفه ولحق ببلاد المسلمين وكانت من أهل الأصالة والجمال فاتصل بمحلة أمير المسلمين أبي يوسف بن عبد الحق وكان جاز إلى الأندلس غازيًا فاستخلصت منه لمزية الحسن واستقرت بقصر السلطان حظية لطيفة المحل وجد أثر رفدها وانتفع هو وبنوه بعايد جاهها وقد هلك السلطان‏.‏
وقامت لمن خلفه مقام الأمومة فنالوا بها دنيا عريضة وباشر بالمغرب أهوالًا وخاض في فتن إلى أن أسن وقيدته الكبرة واستولت على بصره الزمانة ولما ولي الوزارة ولده على عهد سادس الأمراء من بني نصر استقدمه في ربيع الثاني من عام تسعة وعشرين وسبعماية فقدم شيخًا قد استثن أديمه واحقوقب ومسحة الظرف واللوذعية تتعلق منه بطلل بايد‏.‏
ثم اقتضى تقلص ظل الولاية عن ولده انصرف جميعهم إلى العدوة فكان ذلك في رجب أو أول شعبان من العام وبها هلك‏.‏
وفاته نصحت فلم أفلح وخانوا فأفلحوا فأنزلني نصحي بدار هوان فإن عشت لم أنصح وإن مت فالعنوا دون النصح من بعدي بكل لسان أخبرني بذلك شيخنا أبو الحسن بن الجياب وغيره‏.‏
عمر بن يحيى بن محلى البطوي يكنى أبا علي حاله كان يمت إلى السلطان ملك المغرب رحمه الله بالخؤولة وله جرأة وجرم واضطلاع بالمهمة إلى نكراء وخفوف إلى الفتنة واستسهال العظيمة ولما تصيرت مالقة إلى إيالة السلطان أمير المسلمين أبي يوسف بن عبد الحق من قبل رؤسايها من بني إشقيلولة استظهر عليها من عمر هذا بحجاج رجاله وقدمه بقصبتها وجعل لنظره جيشًا أخشن يقوده رجل من كبار وصفانه‏.‏
وداخل السلطان ثاني الملوك من آل نصر عمر بن محلى هذا بوساطة أخيه طلحة السابق إلى إيالته فأحكم بينهما صرف مالقة إليه وانتقال عمر إلى خدمته معوضًا عن ذلك بمال له بال مسلمًا إليه حصن شلوبانية ولأخيه طلحة مدينة المنكب على أرزاق مقررة وأحوال مرتبة مقدرة‏.‏
فتم ذلك وتحمل ثقات السلطان بقصبة مالقة ليلًا مع عمر واستدعي للغداة قايد الجيش ومثله من الوجوه موريًا بمعارضتهم فسقط الغشاء بهم على سرحان وأخذهم اعتقاله رهينة استخلص بها من كان من عياله بالعدوة وجاء بها جلواة عارية أعربت عن لؤمه وخبث أمانته وانتقل له موفى له بعهده فحل بحصن شلوبانية منتصف عام سبعة وستني وسبعماية حسبما كتب لي بعض الشيوخ من مسني بقية أهله واحتل أخوه طلحة بمدينة المنكب ولم يلبث أن خرج عنها للسلطان معوضًا بالمال وأعمل الانصراف إلى الحج‏.‏
وأقام عمر بشلوبانية وما يليها من العمالة مظهرًا للطاعة تمام العام المذكور وفسد ما بينه وبين السلطان المذكور وظهر الخلاف وأخيفت الطرق وتحرك السلطان إلى منازلته لأشهر ثلاثة من خلافه وحاصره أياماص شد فيها منخقه فلما رأى عزمه خاطب سلطانه الذي نزع عنه أمير المسلمين أبا يوسف وعرض الحصن عليه فبادر إليه بالأسطول فلما احتل بمرسى حصنه واتصلت به يده ونشرت عنده بنوده أفرج عنه السلطان وأنبت طعمه فيه وصرف وجهه إلى حضرته وبدا لعمر في أمره فصرف الأسطول متعللًا ببعض الأعذار وأقام على سبيله واتصل ذلك بالسلطان فرتب عليه الحصن وضيق السبل وتحرك في صايفة العام إلى منازلته في عدة عظيمة وحاصره ورماه بالمجانيق وتتبع بها مجاثمه فأعياه الصبر وأعمل الحيلة بإظهار الإنابة وعرض على السلطان التخلي عن الحصن وطلب منه أن يوجه لقبضه وزيره وأحظى الرؤساء لديه وصاحب بنده فوجههم السلطان في طايفة من حاشيتهم وقد أكمن لهم عمر بمعرجات الطريق بين يدي باب القلعة‏.‏
فلما توسطوا الكمنا وبرز عمر ليسلم عليهم ثار بهم رجاله الأسودة وغيرهم وقبضوا عليهم بمرأى من السلطان وأدخلوهم الحصن وعاد السلطان إلى قتاله فتوعد بقتلهم وجعلهم بأعلى السور ورمى عليه بحجر فطرح أحدهم الحين وعلا صراخهم يسترحمون السلطان فكف عنه وانصرف مكظومًا‏.‏
ولأيام وقعت المهادنة على تخليه عن شلوبانية في جملة شروط صعبة منها العقد له على بنت السلطان المسماة بشمس وانتقاله إلى مدينة المنكب فتم ذلك في وسط ثمانية وستين بعده وتمادت المهادنة شهورًا أربعة ثم ثاب خلافه وضيقت عليه الحصص المرتبة وخرج للسلطان عن منكب على مال وعهد وصرف بعد وجهه إلى سلطانه وتطارح عليه وهو بجزيرة طريف بعد أن أخذ أمانه زعموا وقد كان أخوه طلحة سبق إليه فاعتقل يسيرًا‏.‏
ثم حل اعتقاله إيثارًا للعفة ورعيًا للمتات‏.‏
ولما توفي السلطان أبو يوسف اضطره حاله وآل أمره إلى العود إلى الأندلس وبها الأشياخ من بني عبد الله بن عبد الحق مطالبو أبيه بدم عمهم سبقوا مقدمه على السلطان بإيعاز منه وقد نزل بقرية أرملة على وادي أفلم واعتصم منهم ببرج فقاتلوه واستنزلوه فقتلوه فانقضى أمره على هذه عامر بن عثمن بن إدريس بن عبد الحق شيخ الغزاة بالأندلس وابن شيخها يكنى أبا ثابت أجري مجرى الأصليين لولادته بالأندلس أوليته‏.‏
تأتي في اسم أبيه‏.‏
حاله كان رييسًا جليلًا فذًا في الكفاية والإدراك نسيج وحده في الدهاء والنكراء مشارًا إليه في سعة الصدر ووفور العقل وانفساح الذرع‏.‏
وبعد الغور باسلًا مقدامًا صعب الشكيمة على الهمة لين الكلمة ريش جناح العز وافر أسباب الرياسة مجربًا محتنكًا عارفًا بلسان قومه وأغراضهم‏.‏
جاعلًا جفوات أخلاقهم دبر أذنه مهيبًا على دماثة وإلحاح سقام‏.‏
تولى الأمر بعد أبيه فقام به أحمد قيام مسلمًا لبقية من مسني القرابة وأكابر الإخوة اعترافًا بالفضل وإيثارًا لمزية العتاقة على الهجنة فحل أرفع المحال‏.‏
وتبنك على حال الضنا نعيمًا وغزا غزوات شهيرة إلى أن تناسى الأمر وكبا بهم الجد وحملهم قرب مخيفهم بالثارالمنيم ملك المغرب لما اقتحم فرضة المجاز إلى الجهاد على المبايتة ومراسلة الطاغية فساءت القالة وفسد ما بينهم وبين نكبته ثبت في الكتاب المسمى بطرفة العصر‏:‏ ولما تتصلت ليدي المسلمين وفصل أميرهم من ملك المغرب تنمر أضدادهم النماوؤون له المعاندون قدرة الله فيه المتهيئون إلى القاصمة بمشاحنته فأظهروا النفور والحذر وكانوو قد داخلوا ملك قشتالة وواعدوه اللحاق به إن راعهم رايع ووصلتهم مخاطبته بقبولهم‏.‏
فلما تخلف المسلمون عنا للحاق به نسب لهم الفشل والتكاسل فانطلقت الألسن ولمت القلوب وتشوف إلى الفتك بهم وهم عصابة بأسها شديد أشهروا فروسية ونجدة وأتباعًا فعظم الخطب وأعملت الشورى في أمرهم وصرفت الحيل إلى كف عاديتهم ومعالجة أمرهم فتم ذلك‏.‏
ولما كان يوم السبت التاسع والعشرون من ربيع الأول قعد لهم السلطان على عادته ووجه عنهم في غرض الاستشارة في حال السفر إلى إمداد ملك المغرب وقد عبر ونازل جزيرة طريف وفاوضهم فيما عليه الناس من إنكار التلوم ثم قام السلطان من مجلسه وثارت بهم الرجال فأحيط بهم ونزعت سيوفهم عن عواتقهم وطارت الخيل في ضم من شذ عنهم فتقبض على طايفة من أعلامهم كانوا بين غر يباشر قنصًا أو مفلت لم يجد مهربًا وطارت الكتب إلى مالقة في شأن من بها منهم فشملهم الاعتقال ثم نقلوا إلى مدينة المنكب فجعلوا في مطبق الأسرى بها إبلاغًا في النكال وتناهيًا في المثلة فلم تجر عليهم مصيبة أعظم منها لاضطرارهم إلى قضاء حاجة الإنسان برأي عين من أخيه خطة خسف سيموها مع العلم بنفور نفوسهم عن مثلها وفيهم صدور البيت وأعلامه كأبي ثابت المترجم به وأخيه كبيره إبراهيم وابن عمهم زين المواكب وقريع السيوف وعروس الخيل حمو بن عبد الله وسواهم وقانا الله شر الهلكات وأشرأب مخيفهم للسلطان صاحب المغرب وولى الثرة إلى صرفهم إليه وقد استوجب من ملك الأندلس الملاطفة لالتفاته لسيئ البرد واقتحامه باب القطر‏.‏
وأخفق السعي وضن بهم موقع النقمة عن إسلامهم إليه سيرة أحسنها في جنسهم من أولى الجهالف فأجلاهم عما قريب في البحر إلى إفريقية فاستقروا ببجاية ثم استقدموا إلى تونس تحت إرصاد ورقبة وأخفر فيهم ملكها الذمة وهم لديه فوجههم على بعد الدار ونزوح المزار إلى السلطان صاحب المغرب مصحبين بشفاعة فيهم كانت قصارى ما لديه فاستقروا في الجملة تحت فلاح وكفاية لا تلفت إليهم عين ولا يتشبث بذمل حظوتهم أمل‏.‏
ثم نكبوا بظاهر سبتة نكبة ثقيلة البرك مغارة البرك الحمل وأودعوا شر السجون بمدينة مكناسة فأصبحوا رهن قيود عديدة ومسلحة مرتبة جر ذلك عليهم ذرة من القول في باب طموحهم إلى الثورة وعملهم على الانتزاء بسبتة الله أعلم بحقه من مينه‏.‏
ولما صير الله ملك المغرب إلى السلطان أمير المؤمنين أبي عنان واضطره الحال إلى الاستظهار بمثلهم انتشلهم من النكبة وجبرهم بعد الصدعة وأعلق يد كبيرهم المترجم به بعروة العزة واستعان بآرائه على افتراع الهضبة فألفى منه نقابًا قد هذبته التجربة وأرهقته المحنة وأخلصته الصنيعة فسل منه سيفًا على أعدايه وزعموا أنه انقاد إلى هوى نفسه واستفزته قوة الثرة ولذة التشفي وذهب إلى أن يكل للسلطان ناكبه‏.‏
المجاراة صاعا بصاع فانتدب إلى ضبط ما بالأندلس من عمالة راجعة إلى ملك المغرب فانقلب يجر وراءه الجيش ويجنب القوة فقطع به عن أمله القاطع بالآمال وأحانه الله ببعض مراحل طريقه مطعونًا لطفًا من الله به وبمن استهدف إلى النصب بمجادته‏.‏
وهو سبحانه مليء بالمغفرة عن المسرفين سبحانه وفاته في الأخريات من عام تسعة وأربعين وسبعماية‏.‏
علي بن بدر الدين بن موسى بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق يكنى أبا الحسن‏.‏
هذا الرجل نسيج وحده في الفضل والتخلق والوفاء ونصح الجيب وسلامة الصدر وحسن الخلق راجح العقل سري الهمة جميل اللقاء رفيع البزة كريم الخصال يكتب ويشعر ويحفظ ويطالع غرايب الفنون صادق الموقف معروف البسالة ملوكي الصلات غزل كثير الفكاهة على تيقور وحشمة قدمه السلطان شيخ الغزاة بمدينة وادي آش فلما وقعت به المحنة وركب الليل مفلتًا إليها‏.‏
اتفق لقاؤه إياه صباحًا على أميال منها وجاء به وأدخله المدينة على حين غفلة من أهلها فاستقر بقصبتها وما كاد وأخذ له صفقة أهلها وشمر في الذب عنه تشميرًا نبا فيه سمعه عن المصانعة ودهيه عن الجملة وكفه عن قبول الأعواض فلم يلف فيه العدو مغمزًا ولا المكيدة معجمًا ولا استأثر عنه بشيء مما لديه إلى أن كان انتقال السلطان عنها إلى المغرب فتبعه مشيعًا إلى مأمنه فتركها غريبة في الوفاء شاع خبرها وتعوطي حديثها على حين نكر المعروف وجحدت الحقوق وأخوت بروق الأمل‏.‏
ثم قلق المتغلب على الدولة بمكانه فصرفه إلى العدوة الغربية فاستقرت به الدار هنالك في أوايل عام ثلاثة وستين أو أواخر العام قبله‏.‏
وخاطبته من مدينة سلا لمكان الود الذي بيني وبينه بما نصه‏:‏ يا جملة الفضل والوفا ما بمعاليك من خفاء عندي بالود فيك عقد صححه الدهر باكتفاء فأول وجه القبول عذري وجنب الشك في صفاء سيدي الذي هو فضل جنسه ومزية يومه على أمسه فإن افتخر الدين من الله ببدره أفتخر منه بشمسه رحلت عن المنشأ والقرارة ومحل الصبوة والغرارة فلم تتعلق نفسي بذخيرة ولا عهد حيرة خيرة كتعلقها بتلك الذات التي لطفت لطافة الراح واشتملت بالمجد الصراح شفقة أن تصيبها معرة والله يقيها ويحفظها ويبقيها إذ الفضايل في الأزمان الرذلة غوامل والضد عن ضده منحرف بالطبع ومايل‏.‏
فلما تعرفت خلاص سيدي من ذلك الوطن وإلقاه وراء الفرضة بالعطن لم تبق لي تعلة ولا أجرضتني علة ولا أتي جمعي من قلة‏.‏
فكتبت أهنئ نفسي الثانية بعد هناء نفسي الأولى وأعترف للزمن باليد الطولى بالحمد لله الذي جمع الشمل بعد شتاته وأحيا الأنس بعد مماته سبحانه لا مبدل لكلماته وإياه أسئل أن يجعل العصمة حظ سيدي ونصيبه فلا يستطيع حادث أن يصيبه وأنا أحدج عن بث كمين ونصح أنابه قمين بعد أن أسبر غوره وأخبر طوره وأرصد دوره فإن كان له في التفريق أمل وفي ركب الحجاز ناقة وجمل والرأي فيه قد نجحت منه نية وعمل فقد غني عن عوف والبقرات بأزكى الثمرات وأطفأ هذه الجمرات برمي الجمرات وتأنس بوصل السري ووصال السراه وأناله إن رضي أرضى مرافق ولو أغري به خافق وإن كان على السكون بناؤه وانصرف إلى الإقامة اعتناؤه فأمر له ما بعده والله يحفظ من الغير سعده‏.‏
والحق أن تحذف الأبهة وتختصر وتحفظ اللسان وبغيض البصر وينخرط في الغمار ويخلى عن المضمار ويجعل من المحظور مداخلة من لا خلاق له ممن لا يقبل الله قوله ولا عمله فلا يكتم سرًا ولا يتطرق من الرجولة زمرًا ورفض الصحبة زمام السلامة وترك النجاة علامة وأما حالي فما علمتم ملازم كن ومبهوظ تجربة وسن أزجي الأيام وأروم بعد التفرق الالتئام خالي اليد مالي القلب والخلد بفضل الواحد الصمد عامل على الرحلة الحجازية التي أختارها لكم ولنفسين وآمل في التماس الإعانة عليها يومي بأمسي أوجب ما قررته لكم ما أنتم أعلم به من ود قررته الأيام والشهور والخلوص المشهور وما أطلت في شيء عند قدومي على هذا الباب الكريم إطالتي فيما يختص بكم من موالاته‏.‏
وبذل مجهود القول والعمل في مرضاته‏.‏
وأما ذكركم في هذه الأوضاع فهو مما يقر عين المجادة والوظيفة التي تنافس فيها أولو السيادة‏.‏
والله يصل بقاءكم وييسر لقاءكم والسلام‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:16 AM

وهذا الفاضل ممن جال فيه لاختيار الإمارة أيام مقامه بالعدوة الغربية لذياع فضله وكرم خلاله‏.‏
وقفل إلى الأندلس عند رجوع الدولة فجنى ثمرة ما أسلفه وقدم شيخ الغزاة بمالقة‏.‏
ثم نقل إلى التي لا فوقها من تقديمه شيخ الغزاة بحضرته منة لا على ميادين حظوته مقطعًا جانب تجلته فبلى الناس على عهد ولايته الفتوح الهنية والنعم السنية‏.‏
ولما قفل السلطان أيده الله من فتح قاعدة جيان أصابه مرض توفي منه في ثالث صفر من عام تسعة وستين وسبعماية‏.‏
فتأثر الناس لفقده لما بلوه من يمن طائره وحسن موارده ومصادره‏.‏
وكان قد صدر ه المنشور الكريم من إملائي بما ينظر في اسم المؤلف في آخر هذا الديوان‏.‏
علي بن مسعود بن علي بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن مسعود المحاربي الوزير يكنى أبا الحسن‏.‏
حاله كان من أعيان أهل الحضرة وذوي الهيآت والنباهة من بيوتها أيدا حسن الشكل جهير الصوت فصيح اللسان ثرثاره جيد الخط حلو الدعابة طيب النفس لبقًا ذكيًا أديبًا فاضلًا لوذعيًا مدركًا‏.‏
وزر للسلطان أبي الوليد نزع إليه لما دعا إلى نفسه بمالقة من إيالة مخدوعه بعد اصطناعه وصرف وجهته إلى جهته فتغلب على هواه وأشركه في الوزارة مع القايد الوزير أبي عبد الله بن أبي الفتح الفهري وقد مر ذكره فأبر عليه بمزيد المعرفة بالأمور الاشتغالية وجماح عنان اللسان والجرأة في أبواب المداخلات الوزارية‏.‏
فلم يزل يضم أذيال الخطة ويقلصها عن قسيمه إلى أن لم يبق له منها إلا الاسم إلى حين وفاته‏.‏
وفاته واستمرت حاله على رسمه من القيام بالوزارة إلى أن فتك بسلطانه قرابته بباب داره كما تقدم في اسم السلطان أبي الوليد في حرف الألف فكر أدراجه وهاج بالباطشين وسل سيفه يدافع عنه فمالت إليه الأيدي وانصرفت إليه الوجوه وأصيبت بجراحات مثخنة أتى عليه مها جرح دماغي لأيام‏.‏
وعلى ذلك فلم يبرح من سدة السلطان حتى تعجل ثأره وشمل السيف قتلته‏.‏
وأخذ البيعة لولده‏.‏
وكانت وفاته في السابع والعشرين لشعبان من عام خمسة وعشرين وسبعماية‏.‏
ودفن بباب إلبيرة‏.‏
وكان الحفل في جنازته عظيمًا والثناء عليه كثيرًا والرحمة له مستفيضة‏.‏
ورثاه شيخنا أبو الحسن بن الجياب رحمه الله بقوله‏:‏ أيا زفرتي زيدي ويا عبرتي جودي على فاضل الدنيا على ابن مسعود على الشامخ الأبيات في المجد والعلا على السابق الغايات في البأس والجود على غرة العصر التي جمعت إلى مهابة مرغوب طلاقة مودود على من له في الملك غير منازع وزارة ميمون النقيبة محمود على من إذا عد الكرام فإنه بواجب حق الفضل أول معدود ومن كعلي ذي الشجاعة والرضا لإصراخ مذعور وإيواء مطرود ومن كعلي ذي السماحة والندالإسباغ إنعام وإنجاز موعود ومن كعلي للإدارة سالكًا لها نهج تليين مشوب بتشديد ومن كعلي للسياسة منفذًا أوامر تنفيذ وأحكام توطيد ومن كعلي في رضا الله حاكمًا بإنجاد معدوم وإعدام موجود ومن كعلي واصل الرحم التي تمت بتقريب له أو بتبعيد ومسدي الأيادي البيض بدأ وعودة مرددة تمحو دجا الثوب السود أيا كافي السلطان كل عظيمةبآراء تسديد وأعمال تمهيد ويا حامي الملك المشيد بناؤه بصولة محذورة وغرة مقصود ويا كافل الأيتام يجري عليهم جراية نعمى بابها غير مسدود ذكرتك في نادي الوزارة صادعًا بأمر مطاع حكمه غير مردود ذكرتك في صدر الكتيبة قائمًابخدمة مولى بعد طاعة معبود ذكرتك في المحراب والليل دامس تردد آي الذكر أطيب ترديد ودمعك مرفض وقلبك واجب لخشية يوم بين عينيك مشهود عفا على الدنيا ولا در درهمًا فما جمعها إلا رهين بتبديد وعهدي به مستبشرًا ومبشرًا بتفريج مكروب وراحة مجهود لأظلمت الدنيا علي لفقده فها أنا أرعاها بمقلة مرصود وقلص من ظل الرجا فراقه فظل رجائي بعده غير ممدود وكم سبحت فلك المنا في بحارها مواخر فاليوم استوت على الجود وهون عندي كل خطب مصابه فبعد علي لست أبكي لمفقود ولا أدعي أني وفيت بعهده فما بالردى عار فكل امرئ مود ولا سيما إذا مات ميتة عزة بعيدًا شهيدًا ماضيًا غير رعديد وفيًا لمولاه مطيعًا لربه وقد بطلت ذعرًا رقاب الصناديد فبشرى له أن فاز حيًا وميتًا بميتة مفقود وعيشة محسود عليه سلام الله ما ذر شارق وما صدعت ورقاء في فرع أملود وجادت ثرى اللحد الزكي سحايب مجددة الرحمى بأحسن تجديد علي بن لب حاله كان ظريفًا مليح الحظ حار التندير عينًا من عيون القطر ووزرائه شعره حدث أبو الحسن بن سعيد قال تمشينا معًا أيام استيلاء النهب والتهدم على معظم ديار مراكش بالفتنة المتصلة قال فانتهينا إلى قصر من قصور أحد كبرايهم وقد سجدت حيطانه وتداعت أركانه وبقايا النهب والأصبغة والمقربسات تثير الكمد ولا تبقي جلدًا لأحد فوجدنا على بعضها مكتوبًا بفحم‏:‏ ولقد مررت على رسوم ديارهم فبكيتها والربع قاع صفصف وذكرت مجرى الجور في عرصاتهم فعلمت أن الدهر منهم منصف فتناول أبو الحسن بياضًا من بقية جيار وكتب تحتها ما نصه‏:‏ لهفي عليهم بعدهم فمثالهم بالله قل لي في الورى هل يخلف من ذا يجيب مناديًا لوسيلة أم من يجير من الزمان ويعطف إن جار فيهم واحد من جملة كم كان فيهم من كريم ينصف علي بن يوسف بن محمد بن كماشة القايد والوزير بين القتادة والخرط يكنى أبا الحسن أوليته كان جده من المنتزين ببعض حصون الأندلس طلياطيه وخدم طاغية الروم ببعضها وانخرط في جملته يشهد بذلك مكتوبات تلقاها بشماله ووراء ظهره صانها حافده المترجم به في خرقة من السرق لا يزال يعرضها في سبيل الفخر على من يصل إلى باب السلطان من رسل الروم‏.‏
ولقد عرضها أيام سفارته إلى ملك قشتالة على وزيره شمويل اللبي اليهودي وطلب تجديدها فقال له هذا يتضمن خدمة جدك للسلطان مولاي جد مولاي السلطان بجملة من بلاد المسلمين وفيها الشكر له والرعاية على ذلك فاذهب أنت هذا المذهب الذي ذهبه جدك يتجدد لك ذلك إن شاء الله فلما هلك ووري بين مدافن الروم بعد أن علق زمانًا على سور الحصن في وعاء توفية لشرط لا أحققه الآن ولحق ولده بباب السلطان فتفيئوا ظل كفالته ونشئوا في عداد صبيته ولما صلحوا للاستعمال استخدم منهم كبيرهم في العمل فاستظهر به على حفزه بحمى ألمرية وما إليها فأثرى ورآه استغنى وطالت مدة ولايته واستعمل أخاه يوسف والد المترجم به في القيادة وكان رجلًا مضعوفًا فاستمرت حاله إلى أن فقد بصره وجنى عليه شؤم ولده الجلا شيخًا زمنًا‏.‏
ثم عاد إلى الأندلس فتوفي بها حسبما يذكر في إسميهما‏.‏
وكانوا يتبجحون بنسبة إلى معن بن زائدة‏.‏
طوق جدهم بتلك النسبة بعض أولي التنفق والكدية فتعللوا منها بنسيج العناكب وأكذبوها بالخلق الممقوت والبخل بفتات القوت والتعبد لعبدة الطاغوت إن أكرمكم عند الله أتقاكم‏.‏
حاله هذا الرجل حسن الشكل كثير الهشة جيد الرياش كثير التعلق والتوسل لصقت بشجرات الدول سمغته وثبت بأسبابها قراده شديد الملاطفة لحجبة الأبواب والمداخلة لأذيال الأمراء متصامم على أغراضهم مكذب لمحسوس جفوتهم متنفق بالسعاية متبذل في أسواق الخدمة يسبق في الطيالس ويلفظ الزبير ويصرخ بالإطراء ويولول بالدعاء مدل في الأخونة محكم في نفسه للنادرة التي تضحكهم بذي مهذار قليل التصنع بعيد عن التسمت أطمع خلق الله وأبخلهم بما لديه وابعدهم في مهاوي الخسة أما فلسه فمخزون وأما خوانه فمحجوب وأما زاده فممنوع محجور وأما رفده فمعدوم العين والأثر‏.‏
وأما ثوبه فحبيس التخت إلى يوم القيامة قد جعل لكل فصل من فصول معاشه ونفاضة مخاليه وسور دوابه مؤنة ما‏.‏
فالنخالة بينة المصرف وللسرجين معين الجهة وفتات المنديل وقفة على فطور الغد ودهن الاستصباح جار في التجلة والادخار مجرى دهن البلسان‏.‏
أخباره في هذا الباب مغربة ولزمت كعبة المنحسة وعلق في عنقه طاير الشؤم فلم تنجح له وجهة ولا سعدت له حركة واستقر عند الكاينة على الدولة بباب السلطان بالمغرب خاطبًا في حبل الغادر المتوثب على الملك ومعينًا للدهر على الأحب الحق وولي النعمة‏.‏
ثم بدا له في المقام بالمغرب أمنًا واضطرابًا‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:17 AM

ولما رحل السلطان أبو عبد الله بن نصر المذكور إلى طلب حقه وقد أعتبه سدد به رسم الوزارة في طريقه كما اضطر صياد إلى صحبة كلب مخابت آماله ولحقت به المشأمة وتبر الجد واشتهر ذلك فعلقت به الشفقة إلى أن خاطب السلطان بعض من يهمه أمره بهذه الأبيات‏:‏ كماشكم من أجله انكمش السعد إذا ما اطرحتم شومه نجز الوعد وتصريفه المشئوم فلتتذكروا وما قلت إلا بالتي علمت سعد واقتضى أمره تبرمًا به أن صرف من رندة وقد استقر أمره بها رسولًا إلى باب ملك المغرب لأمور منها استخلاص ولده وإيصاله إليه‏.‏
فتعذر القصد وسدت الأبواب وأزفت بدار المغرب عهد بذ الآزفة وترىخى مخنق مرسله لخلو دسته منه فثاب الرجاء وقرب الفتح وساعد السعد مما طال منه التعجب‏.‏
ولما بلغ خبر صنع الله وإفاقة الأيام وجبر السلطان بدخول مالقة في طاعته لحق به وقد قلقت به الجوانب وتنكرت الوجوه وساءت لطيرته الظنون فتوفر العزم على صرفه عن الأندلس في أوليات رمضان عام ثلاثة وستين وسبعماية فقبض عليه وصرف إلى البلاد الشرقية وقد شرع في إغراء سلطان قشتالة بالمسلمين وكان آخر العهد به وذكروا أنه حج وقفل والعودة تتبعه والنفوس لمتوقع شومه مكرهة ورجي أن يكون ماء زمزم وضوء النقع أو أن مشاهدته الآثار الكريمة تصلح ما فسد من حاله فآب شر إياب بما نبض له شريان من جده الذي تقدم في خدمة النصارى ذكره‏.‏
فأجاز البحر إلى ملك برجلونة فجعل تقبيل كفه لاستلام الحجر الأسود وسيلة ثانية وقربة مزلفة والقول بفضل وطنه حجة صادقة ثم قلق لخيبة قصده وخلو يده من الزقوم الذي كان قد احتجنة للمهم من أمره واستيلاء النحس على بيت سعده فصرف وجهه المشوم إلى المغرب فاحتل به وجعل يطوق كل من اسلف له بدا الذام ويشيع عنه سوء القيلة ويجهر في المجتمعات والدكاكين بكل شنيع من القول بالغًا في ألفاظ السغيلة أقصى مبالغ الفحش لطف الله بنا أجمعين‏.‏
عثمن بن إدريس بن عبد الله بن عبد الحق بن محيو من قبيل بني مرين يكنى أبا سعيد شيخ الغزاة بجزيرة الأندلس على عهده أوليته جدج هؤلاء الأقيال الكرام الذي يشترك فيه الملوك الغر من بني مرين بالعدوة مع هؤلاء القرابة المنتبين عنهم أضرار التراث ودواعي المنافسات عبد الحق بن محيو وكان له من الولد إدريس وعثمن وعبد الله ومحمد وأبو يحيى ويعقوب فكان الملوك بالمغرب من ولد يعقوب وهؤلاء من ولد عبد الله وإدريس ويعقوب ورحو‏.‏
ولما قتل جدهم يعقوب بيد ابن عمه عبد الحق بن يعقوب أجفل أخواه ومن معهم وانتبذوا واستقروا بتلمسان بعد أمور يطول شرحها‏.‏
ثم اجتاز الشيخ أبو سعيد في جملة من اجتاز منهم إلى الأندلس فنال بها العزة والشهرة‏.‏
حاله كان رجل وقته جلالة وأصالة ودهاء وشهرة وبسالة مرمى لاختيار عتاقة وفراهة واحد الزمن أبهة ورواء‏.‏
وخلقًا ورجاحة أيدًا عظيم الكراديس طوالًا عريض المنكب أقنى الأنف تقع العين منه على أسد عيص وفحل هجمة بعيد الصيت ذائع الشهرة منجب الولد يحمي السرح ويزين الدست‏.‏
لحق بتلمسان مع زوج أمه وعمهن موسى بن رحو عندما فروا من الجبل بأحواز ورغة شابًا كما اجتمع وأجاز البحر منها وخدم مرتزقًا بها‏.‏
ثم عاد إلى العدوة برضًا من عمه السلطان بها‏.‏
ثم فر عنه ولحق بالأندلس واستقر بها وولى خطة الشياخة العامة وهي ما هي من سمو الهضبة وورود الرزق وانفساح الإقطاع فشارك وتبنك النعيم وأقبل ما استظهر به على ما وراء مدينة سبتة عند انتظامها في الإيالة النصرية‏.‏
فشن الغارة ودعا إلى نفسه وخلا فطلب النزال فغلبت غارته أحواز وادي سبو‏.‏
ثم رجع أدراجه إلى الأندلس وذمر السلطان أبا الوليد منفق حظوته على طلب الملك ففازت به قداحه واستولى على الجم من ريق دنياه وسل الكثير من ماله وذخيرته في أبواب من العبادة والاسترضاء والاستهداء ولما توفي تضاعف لطف محله من ولده إلى أن ساء ما بينه وبين مدبر أمره ابن المحروق ونفر عنه مؤاخذًا بألقيات كانت سلمًا إلى تجنبه يحسب أن الافتقار إليه يعبد له كل وعث‏.‏
فاغتنم المذكور نفرته واستبصر في الانتباذ عنه مطيعًا دواعي الخور والرهبة من شؤوب حاله وأجلى الأمير عن رحيله وولده إلى ساحل ألمرية موادعًا مزمعًا الرحيل عن الأندلس وارتاد الجهات وراسل الملوك بالعدوة فكل صم عن ندايه وسد السبيل إليه فداخل قومًا من مشيخة حصن أندرش حاضرة وطن الجباية فاستولى عليه وانتقل إليه بجملته وراسل الطاغية فتحرك إلى منازلة حصن وبرة من الحصون التاكرونية‏.‏
ففازت به قداحه واستعدي عم السلطان وهو الرئيس أبو عبد الله بن فرج ابن نصر من تلمسان فدعا إليه وشملت الفتنة وكانت بنه وبين جيش الحضرة وقايع تناصف فيها القوم خطتي المساجلة إلى أن نفد فعوهد على التخلي عن الحصن وصرف أميره إلى متبوئه الأقصى وانتقاله إلى مدينة وادي آش ليكون سكنه بها تحت جرايات مقدرة وذلك في شهر رمضان ثمانية وعشرين وسبعماية وعلى تفية ذلك عدا على منايه أميره ففتك به واستقدم الشيخ أبا سعيد فأعاده إلى محله واستمرت على ذلك حياته إلى مدة حياته إلى أن توفي في أخريات أيامه‏.‏
وفاته ولما نزل العدو ثغر أطيبة ونهض جيش المسلمين إلى مضايقته أصابه المر ض‏.‏
ولما أشفي ونقل إلى مالقة فكانت بها وفاته يوم الأحد ثاني ذي حجة من عام ثلاثين وسبعماية عن سن عالة تنيف على الثمانين سنة ونقل إلى غرناطة فووري بها وبنيت عليه بنية ضخمة وصار أمره إلى ولده ونقش على قبره في الرخام‏:‏ هذا قبر شيخ الحماة وصدر الأبطال الكماة واحد الجلالة ليث الإقدام والبسالة علم الأعلام حامي ذمار الإسلام صاحب الكتايب المنصورة والأفعال المشهورة والمغازي المسطورة وإمام الصفوف القايم بباب الجنة تحت ظلال السيوف سيف الجهاد وقاصم الأعاد وأسد الآساد العالي الهمم الثابت القدم الإمام المجاهد الأرضي البطل الباسل الأمضى المقدم المرحوم أبي سعيد عثمن ابن الشيخ الجليل الإمام الكبير الأصيل الشهير المقدس المرحوم أبي العلاء إدريس ابن عبد الله بن عبد الحق‏.‏
كان عمره ثمانيًا وتسعين سنة أنفقه ما بين روحة في سبيل الله وغدوة حتى استوفى في المشهور‏.‏
سبع ماية واثنتين وثلاثين غزوة وقطع عمره جاهدًا مجاهدًا في طاعة الرب محتسبًا في إدارة الحرب ماضي العزايم في جهاد الكفار مصادمًا من تدفق التيار وصنع الله له فيهم من الصنايع الكبار ما صار ذكره في الأقطار أشهر من المثل السيار حتى توفي رحمه الله وغبار الجهاد طي أثوابه وهو مراقب لطافية الكفار وأحزابه فمات على ما عاش عليه وفي ملحمة الجهاد قبضه الله إليه واستأثر به سعيدًا مرتضًا وسيفه على رأس ملك الروم منتضًا مقدمة قبول وإسعاد ونتيجة جهاد وجلاد ودليلًا عن نيته الصالحة وتجارته الرابحة فارتجت الأندلس لفقده أتحفه الله رحمة من عنده توفي يوم الأحد الثاني لذي الحجة من عام ثلاثين وسبعماية‏.‏
القضاة الأصليون عتيق بن أحمد بن محمد بن يحيى الغساني غرناطي يكنى أبا بكر ويعرف بابن الفرا ويعرف عقبة ببني الوادي آشي وقد مر ذكر ولده أبي الفرج وينبز بقرنيات‏.‏
حاله حدثني أبي رضي الله عنه وكان صديقًا لأبيه أنه كان من أهل الجلالة والفضل حسن السمت عظيم الوقار جميل الرواء فاضلًا حسن العشرة وقال القاضي ابن عبد الملك كان جامعًا لفنون من المعارف من معروف الفضل في كل ما يناول من الأمور العلمية وقيد كثيرًا وعني بالعلم العناية التامة واستقضي بالمنكب وعرف في ذلك بالعدالة والنزاهة‏.‏
تواليفه صنف نزهة الأبصار في نسب الأنصار ونظم الحلي في أرجوزة أبي علي يعني ابن سينا‏.‏
قال ومما نظمته ووجهته به صحبة رسالتين‏:‏ يا راكبًا يبغي الجناب الأشرفا ومناه أن يلقى الكريم المسعفا عرج بطيبة مرة لترى بها علمي قبول رحمة وتعطفا وإذا حللت بها فقبل تربها وارغب جلالهم عسى أن يسعفا وأسل دموعك رغبة وتضرعًا وأطل بها عند التضرع موقفا واذكر ذنوبك واعترف بعظيمها فعسى الذي ترجو له أن يعطفا واجعل شفيعك إن قصدت عناية قبرًا تقدس تربة وتشرفا قبر حوى النور المبين ونوره يهدي به سبل السلام من اقتفا قبر به الهاشمي محمد أبهى الأنام سنًا وأوفى من وفا خير الورى علم التقى شمس الهدى المنتقى والمجتبا والمصطفا سلم عليه وخصه بتحية واقرأ عليه من السلام مضاعفا واذكر هديت أخا البطالة عمره كم نقض العهود وأخلفا ولكم تيقن بالدليل فماله ركب العناد لجاجة وتعسفا وعصى فأسلم للقطيعة والجوى حق على من خان أو لا يعرفا وأعد حديث مشوق قلب عنده من لم يذب شوقًا له ما أنصفا وأعد حديث مشوق قلب عنده من لم يذب شوقًا له ما أنصفا إخبره عن حبي وطول تشوقي تفديك عطفة نفسي مخبرًا ومعرفا وتشك من جاء إليه فإن لي نفسًا تسوفني المتاب تسوفا مولده‏:‏ بغرناطة في ذي حجة خمس وثلاثين وستماية‏.‏
وفاته ذكر أنه كان حيًا سنة خمس وثمانية وستماية‏.‏
علي بن محمد بن توبة يكنى أبا الحسن حاله كان من العلماء الجلة الفقهاء الفضلاء‏.‏
ولي قضاء غرناطة لباديس ابن حبوس وعلى يديه كان عمل منبر جامعها وكان عمله في شهر ربيع الأول سنة سبع وأربعين وأربعمائة‏.‏
وكان من قضاة العدل وإليه تنسب قنطرة القاضي بغرناطة والمسجد المتصل بها في قبلتها‏.‏
وكان كاتبه الزاهد أبا إسحق الإلبيري وفيه يقول‏:‏ علي بن عمر بن محمد بن مشرق بن محمد بن أضحى بن عبد اللطيف بن الغريب بن يزيد بن الشمر بن عبد شمس بن الغريب الهمداني والغريب بن يزيد هو أول مولود ولد للعرب اليمانيين بالأندلس يكنى أبا الحسن‏.‏
ولي غرناطة‏.‏
وكان من أهل العلم والفهم والمشاركة في الطب والكفاية الجيدة والشعر في ذروة همدان وذوايبهما حسن الحظ كريم النفس جواد بما يماري عطاياه جزلة ومواهبة سنية وخلقه سهلة كثير البشاشة مليح الدعابة موطأ الأكناف على خلق الأشراف والسادة‏.‏
مشيخته روي بألمرية عن القاضي أبي محمد بن سمحون وبه تفقه‏.‏
وقرأ الأدب على ابن بقنة وعلى الإمام الأستاذ أبي الحسن علي بن أحمد بن الباذش وسمع الحديث على الحافظ أبي بكر بن غالب بن عبد الرحمن ابن عطية وغيره‏.‏
من شعره يخاطب الوزير ابن أبي ويعتذر إليه وكان الفقيه أبو جعفر المذكور قد خاطبه شافعًا في بعض الأعيان فتلقى شفاعته بالقبول ثم اعتقد أنه قد جاء مقصرًا فكتب إليه‏:‏ ومستشفع عندي بخير الورى عندي وأولاهم بالشكر مني وبالحمد وصلت فلما لم أقم بجزايه لففت له رأسي حياء من المجد وكتب يخاطب أبا نصر بن عبد الله وقد كان أبو نصر خاطبه قبل ذلك‏:‏ أتتني أبا نصر نتيجة خاطر سريع كرجع الطرف في الخطرات فأعربت عن وجد كمين طويته بأهيف طاو فاتر اللحظات غزال أحم المقلتين عرفته نحيف مني للحسن أو عرفات رماك فأصمى والقلوب رمية لكل كحيل الطرف ذي فتكات وظن بأن القلب منك محصب فلباك من جنابه بالجمرات تقرب بالنساك في كل منسك وضحى غداة النحر بالمهجات وكانت له جيان مثوى فأصبحت ضلوعك مثواه بكل فلات يعز علينا أن تهيم فتنطوي كبيبًا على الأشجان والزفرات فلو قبلت للناس في الحب فدية فديناك بالأموال والبشرات وخاطب أحد أوليائه شافعًا في رجل طلق امرأته ثم علقت بها نفسه فلم تسعفه وكتب إليه‏:‏ وخاطب أحد أوليائه شافعًا في رجل طلق امرأته ثم علقت بها نفسه فلم تسعفه وكتب إليه‏:‏ ألا أيها السيد المجتبا ويا أيها الألمعي العلم أتتني أبياتك المعجزات بما قد حوت من بديع الحكم ولم أر من قبلها بابلًا وقد نفثت سحرها في الكلم ولكنه الدين لا يشترى بنثر ولا بنظام نظم وكيف أبيح حمًا مانعًا وكيف أحلل ما قد حرم ألست أخاف عقاب الإله ونارًا مؤججة تضطرم أأصرفها طالقة بتة على أنوك قد كعني واجترم ولو أن ذاك الغبي الخمول تثبت في أمري ما ندم ولكنه طاش مستعجلًا فكان أحق الورى بالندم ومن شعره أيضًا قوله رحمه الله‏:‏ يا عليمًا بمضمرات القلوب أنا عبد مثقل بالذنوب أنا ممن دعا قريب مجيب فأرح ما بمهجتي عن قريب تواليفه قال أبو القاسم بن خلف الغافقي حدثني عنه الفقيه أبو خالد ابن يزيد بن محمد وغيره بتواليف منها كتاب قوت النفوس وأنيس الجليس وهو كتاب حسن ضمن فيه كثيرًا من شمايل النبي عليه الصلاة والسلام‏.‏
توفي بغرناطة في سنة أربعين وخمسماية وهو يحاصر الملثمين بقصبة غرناطة حسبما ثبت في اسم ابن هود أحمد‏.‏
ومن الطاريين والغرباء عثمن بن يحيى بن محمد بن منظور القيسي من أهل مالقة يكنى أبا عمرو ويعرف بابن منظور الأستاذ القاضي من بيت بني منظور الإشبيليين أحد بيوت الأندلس المعمور بالنباهة‏.‏
حاله كان رحمه الله صدرًا في علماء بلده أستاذًا ممتعًا من أهل النظر والاجتهاد والتحقيق ثاقب الذهن أصيل البحث مضطلعًا بالمشكلات مشاركًا في فنون من فقه وعربية برز فيهما إلى أصول وقراءات وطب ومنطق‏.‏
قرأ كثيرًا ثم تلاحق بالشادين ثم غبر في وجوه السوابق‏.‏
قرأ على الأستاذ أبي عبد الله بن الفخار ولازم الأستاذ أبا محمد بن أبي السداد الباهلي وتزوج ابنة الفقيه أبي علي بن الحسن فاستقرت عنده كتب والدها فاستعان بها على العلم والتبحر في المسايل وقيد بخطه الكثير واجتهد وصنف وأقرأ ببلده متحرفًا بصناعة التوثيق فعظم به الانتفاع وقعد للتدريس خلفًا للراوية أبي عثمن بن عيسى في شوال عام تسعة وسبعماية وولي القضاء ببلش وقمارش وملتماس ثم ببلده مالقة وتوفي قاضيًا بها‏.‏
لقيته وانتفعت بلقايه وبلوت منه أحسن الناس خلقًا وأعذبهم فكاهة‏.‏
شعره وكان قليلًا ما يصدر عنه كتب على ظهر الكتاب الذي ألفه للوزير أبي بكر بن ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الحكيم مقتديًا بغيره من الأعلام في زمانه‏:‏ قد جمع الحكم وفصل الخطاب ما ضمه مجموع هذا الكتاب من أدب غض ومن علية تسابقوا للخير في كل باب فجاء فذًا في العلى والنهى ومنتقي صفو لباب اللباب ألفه الحبر الجليل الذي حاز العلا إرثًا وكسبًا فطاب تواليفه ألف كتاب اللمع الجدلية في كيفية التحدث في علم العربية‏.‏
وله تقييد في الفرايض حسن سماه بغية المباحث في معرفة مقدمات الموارث وآخر في المسح على الأنماق الأندلسي‏.‏
توفي يوم الثلاثاء الخامس والعشرين لذي حجة من عام خمسة وثلاثين وسبعماية ولم يخلف بعده مثله‏.‏

علي بن أحمد بن الحسن المذحجي من أهل حصن ملتماس وابن وزيره الفقيه الحافظ القاضي يكنى أبا الحسن ويعرف بجده‏.‏
حاله من أولي الأصالة والصيانة والتعفف والعكوف على الخير والآوين إلى طعمة متوارثة ونباهة قديمة صناع اليد متقن لكل ما يحاوله من تسعير ونجارة مبذول المودة مطعم للطعام بدار له معدة للضيفان من فضلاء من تطوه الطريق ويغشاه من أبناء السبيل‏.‏
ولي قضاء بلده في نحو عشرين سنة فحمدت سيرته ثم ولي قضاء مالقة فظهرت دربته ومعرفته بالأحكام‏.‏
فأعفي وعاد إلى ما كان بسبيله من القضاء بموضعه والخطابة‏.‏
مشيخته قرأ على الشيخين الصالحين أبي جعفر بن الزيات وأبي عبد الله بن الكماد ببلده بلش وأخذ تواليفه له أجوبة حسنة في الفقه‏.‏
وصنف على كتاب البراذعي تصنيفًا حسنًا بلغ فيه إلى آخر رزمة البيوع ثلاثة عشر سفرًا واستمرت على ذلك حاله‏.‏
توفي ببلده بلشن في‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
من عام ستة وأربعين وسبعماية‏.‏
علي بن عبد الله بن الحسن الجذامي النباهي المالقي صاحبنا أبو الحسن‏.‏
أوليته تنظر فيما تقدم من أهل بيته والمذكورين فيه من سلفه‏.‏
حاله هذا الرجل ولي قضاء الحضرة وخطابة جامع السلطان وعرض له تقزز فيما يقف عليه من منتخب وصفه وعدم رضًا بما يجتهد فيه من تحليته فوكلنا التعريف بخصايصه إلى ما اشتهر من حميدها تحرجًا مما يجر عتبه أو يثير عدم رضاه‏.‏
مشيخته ذكر أنه أخذ عن الشيخ الخطيب أبي بكر الطنجالي قريب أبيه والناظر عليه بعده بوصاته‏.‏
وكان من أهل الدراية والرواية وعن الشيخ الفقيه أبي القاسم محمد بن أحمد الغساني شهر بابن حفيد الأمين وقرأ عليه الفقه والقرآن وسمع عليه وتلا على الشيخ الأستاذ المقري أبي محمد بن أيوب وسمع عليه الكثير‏.‏
وهو آخر من حدث عن أبي بن أبي الأحوص‏.‏
وعلى الشيخ المقري أبي القاسم بن يحيى بن محمد بن درهم وأخذ عن قريبه القاضي نسيج وحده أبي بكر عبد الله بن بكر الأشعري‏.‏
ومن أشياخه صهره القاضي الأستاذ أبو عمرو بن منظور والأستاذ الحافظ المتكلم أبو عبد الله القطان والصوفي أبي الطاهر محمد ابن صفوان والقاضي الكاتب أبو القاسم محمد البناء‏.‏
وصحب الشيخ أبا بكر بن الحكيم ولازمه وروى عنه‏.‏
ولقي الخطيب المقري أبا القاسم ابن جزي وأخذ نسبته عن الشيخ أبي القاسم بن عمران‏.‏
وبرندة عن القاضي المحدث المقيد أبي الحجاج يوسف المنتشافري‏.‏
ورحل فلقي بتلمسان عمران أبا موسى المشدالي وحضر مجلسه والأخوين الإمامين أبا زيد وأبا موسى ابني الإمام‏.‏
وبباجة أبا العباس أحمد بن الرباعي وأبا عبد الله بن هرون‏.‏
وبتونس أعلامًا كقاضي الجماعة أبي عبد الله ابن عبد السلام‏.‏
قال ومن خطه نقلت وأجازني من أهل المشرق والمغرب عالم كثير‏.‏
شعره قال نظمت مقطوعتين موطئًا بهما على البيتين المشهورين‏.‏
الأولى منهما قولي‏:‏ تصيد بلحظ الطرف من رام صيدها ولو أنه النسر الذي هو طاير معطرة الأنفاس رائقة الحلى هواها بقلبي في المهامة ساير إذا رمت عنها سلوى قال شافع من الحب ميعاد السلو المقابر والأخرى تقول‏:‏ وقائلة لما رأت شيب لمتي لئن ملت عن سلمى قعذرك ظاهر زمان التصابي قد مضى لسبيله وهل لك بعد الشيب في الحب عاذر فقلت لها كلا وإن تلف الفتى فما لهواها عند مثلي آخر ستبقى لها في مضمر القلب والحشا سريرة ود يوم تبلى السراير وكتب مع شكل يحذو على النعل الكريم من شأنه أن يكتب ذلك لكل مزمع سفر‏:‏ فديتك لا يهدى إليك أجل من حديث نبي الله خاتم رسله ومن ذلك الباب المثال الذي أتى به الأثر المأثور في شأن نعله ومن فضله مهما يكن عند حامل له نال ما يهواه ساعة حمله ولا سيما إن كان ذا سفر به فقد ظفرت يمناه بالأمن كله فدونك منه أيها العلم الرضا مثالًا كريمًا لا نظير لمثله لا تلجأن لمخلوق من الناس من يافث كان أصلًا أو من الياس لا تلجأن لمخلوق من الناس من يافث كان أصلًا أو من الياس وثق بربك لا تيأس ترى عجبًا فلا أضر على عبد من الياس ومن قوله يمدح السلطان ويصف الإعذار‏:‏ أبدى لنا من ضروب الحسن أفنانا هذا الزمان لمولانا ابن مولانا يقول فيها لطف الله بنا وبه‏:‏ ولا تحرك لسانًا يا أخا ثقة بريم رامة إن وفى وإن خانا يظل ينشر ميت الوجد عن جدث من الجفون أو الأحشاء عريانا ثم قال فيها بعد كثير يرجى عفو الله فيه‏:‏ فما النسيب أولى من حديث علا عن الإمام ينيل المرء رضوانا يممه تحظ بما أملت من أمل يجنيك للسؤال أفنانًا فأفنانا ومنها في المدح‏:‏ ملك يخف لراجيه بنايله على وقار يرى كالعين ثملانا ملك ينص له الآلاء عزته على السعادة في الدارين فرقانا كسا الزمان ثياب الفضل حتى قضا عن منكبي صرفه ظلمًا وعدوانا وعظم الشرع حتى أن داعيه لا يستطيع له المدعو عصيانا ومنها في ذكر الإعذار‏:‏ لله درك يا مولاي من ملك شيدت بالحق للإسلام بنيانا ولم تبال ببذل المال في غرض يعم بالفضل ولدانًا وبلدانا وقمت في الولد الميمون طائره بسنة الدين إكمالًا وإتقانا بدا لنا قمرًا ترنو العيون له مقلدًا من نطاق المجد شعبانا وقام يسحب أذيال الجمال على على بساط ملكك بالإعذار جذلانا خجلان بالقصور عن بلوغ مدًا من العلى بل الحسن منه قد بانا فدته أنفسنا لو كان يقبلها منا وكانت على الإبلال قربانا فيا دمًا قد سال عن تقوى فعاد له بين الدماء طهورًا طيبًا زانا ولا دليل على الغفلة المعبر عنها بالسلامة والذهول كقوله‏:‏ وقمت في الولد الميمون طائره‏.‏
ومن ذلك قوله يخاطب صاح بالعلامة بالمغرب أبا القاسم بن رضوان‏:‏ فهب لي من نطقي بمقدار ما به يترجم سر في الفؤاد دفين فقد شملتنا من رضاك ملابس وسح لنا من نداك معين أعنت على الدهر الغشوم ولم تزل بدنياك في الأمر المهم تعين وقصر من لم تعلم النفس أنه خذول إذا خان الزمان يخون وإني بحمد الله عنه لفي غنى وحسبي صبر عن سواك يصون أبى لي مجد عن كرام ورثته وقوفًا بباب للكرام يهين ونفسي سمت فوق السماكين همة وما كل نفس بالهوان تدين ولما رأت عيني محياك أقسمت بأنك للفعل الجميل ضمين وعاد لها الأنس الذي كان قد مضى برية إذ شرخ الشباب خدين بحيث نشانا لابسين حلي التقى وكل بكل عند ذاك ضنين وفتيان صدق كالشموس وكالحيا حديثهم ما شئت عنه يكون لئن نزحت تلك الديار فوجدنا عليها له بين الضلوع أنين فقابلت بالفضل الذي أنت أهله ومالك في حسن الصنيع قرين وغبت وما غابت مكارمك التي على شكرها الرب العظيم يعين يمينًا لفد أوليتنا منك نعمة تلذ بها عند العيان عيون ويقصر عنها الوصف إذ هي كلها لها وجه حر بالحياء مصون ولما قدمت الآن زاد سرورنا ومقدمك الأسنى بذاك قمين لأنك أنت الروح منا وكلنا جسوم فعند البعد كيف تكون ولو كان قدر الحب فيك لقاؤنا إليك لكنا باللزوم ندين ولكن قصدنا راحة المجد دوننا فراحته شمل الجميع تصون هنيئًا هنيئًا أيها العلم الرضا بما لك في طي القلوب كمين لك الحسن والإحسان والعلم والتقى فحبك دنيا للمحب ودين وكم لك في دار الخلافة من يد أقرت لها بالصدق منك مرين وقامت عليها للملوك أدلة فأنت لديها ما حييت مكين أتتك ابن رضوان تمت بودها وما لسوى الإغضاء منك ركون فخل انتقاد البحث عن هفواتها ومهد لها بالسمح حيث تكون وخذها على علاتها فحديثها حديث غريب قد عراه سكون ومن شعره قوله في ليلة الميلاد الكريم سن قصيدة‏:‏ خليلي مرا على أرض مأرب ولا تعذلاني إنني غير آيب وهي طويلة أثبتت في الرحلة‏.‏
فلينظرها هنالك من أراد استيفاء غرضها‏.‏
نثره من أمثل ما صدر عنه في غرض غريب وهو وصف نخلة بإزاء باب الحمراء‏.‏
ونثره كثير ولكنا اخترنا له ما اختار لنفسه وأشاد بشفوفه على أبناء جنسه‏:‏ يا أيها الأخلاء الذين لهم الصنايع التي تحسدها الغمايم والبدايع التي تودها بدلًا من أزهارها الكمايم بقيتم وشملكم جميع وروض أملكم مريع والكل منكم للغريب الحسن من الحديث المحب سميع بأرض النخل قلبي مستهام فكيف يطيب لي عنها المقام ألا يا نخلة من ذات عرق عليك ورحمة الله السلام فسلمت يومًا تسليم المبرة على مدنها الحرة البرة جارة حايط الدار الواقفة للخدمة كالمنار على سدة الجدار بياض النهار وسواد الليل المتلفعة بشعار الوقار المكفولة الذيل أنيسة مشيخة الجماعة القاطنة من الحمراء العلية بباب ابن سماعة فحين عطفت عليها وصرفت فناءي وفنائها وقلت لها كيف حالك أيتها الجارة الساكنة بنجدة الحجارة الواعظة للقريب والبعيد بمقامها صامتة على الصعيد‏.‏
سقاك من الغر الغوادي مطيرها ولا زلت في خضراء خض نظيرها خلتها اهتزت عند النداء اهتزاز السرور وتمايلت أكمامها تمايل الثمل المسرور ثم قالت لسايلها بلسان وسايلها عند مشاهدة مثلي تقول العرب عينها فرارها واينو جدها للناظرين اصفرارها وجملة بخيتي بعد إتمام تحيتي أن الدهر عجم قناتي ومس الكبر كدر سناتي وما عسى أن أبث من ثكناتي وجل علاتي من تركيب ذاتي‏.‏
ولكني أجد مع ذلك أن وقاري حسن لدى الحي احتقاري وكثرة قناعتي أثمرت إضاعتي وكمال قدي أوجب قدي فما أنس من الأشياء لا أنس عدوان جعسوس من لعبوش اليهود أو المجوس يفحص يمديته عن وريدي ويحرص على مد جريدي ويجدع كل عام يخنجره أنفي وكلما رمت كف إذايته عني كشم كف فلو رايتم صعصعة أفناني وسمعتم عند جذم بناني قعقعة جناني والدمع لما جفاني يفيض من أجفاني والجعسوس الخبيث المنحوس قد شد ما حد بأمراسه ورفعه لبيعه كفره على راسه‏.‏
بعد الأمر بوضعه على أسنمة القبور حسبما ثبت في الحديث المشهور لحملتكم يا بني اسم وحام على الغيرة وشايج الأرحام فقد علمتم بنص الأثر أني عمتكم القديمة وإن لم أكن لذلك بأهل فإني لكم اليوم خديمة أو من ذرية الفريق الموجب المضروب به المثل يوم السقيفة لمن رام من أشراف الأندلس أن يكون إذ ذاك خليفة‏.‏
وخالة أبي كانت النخلة البرشا الكبيرة التي حادثها الأمير عبد الرحمن بالرصافة القريبة من كورة إلبيرة‏.‏
فكيف يسهل اليوم عليكم إهمالي ويجمل لديكم إخمالي وترك احتمالي والأيام والحمد لله مساعدة والملك ملك بني ساعدة‏.‏
فلما سمعت عتابها وعلمت أنها قد شدت للمناضلة أقتابها قلت لها أهلًا بك وسهلًا ومهلًا عليك أو بهلًا لقد دسع بعيرك وعادت بالخيبة عيرك‏.‏
فليست الحقيقة كالمجاز ولا دليقية في النيات كالحجاز‏.‏
هنا جنات من أعناب مرسلة الذيولن مكملة الأطناب قد طاب استيارها وحمد اختبارها واختيارها وعذبت عيون أنهارها وتفتحت كمايم أزهارها عن وردها ونرجسها وبهارها وسرت بطرف محاسنها الرفاق حتى قلقت منها الشام واليمن والعراق‏.‏
قد صرت من المنال عشبة وأصبحت تذلي خالفة ورذلي بالهم تالفة لا يجتنى بلحك ولا طلعك ولا يرتجى نفعك فالأولى قطعك أو قلعك وإلا فأين قنوك أو صنوك أو تمرك أو سبرك هلا أبقيت يا فسيلة على نفسك وراعيته صلحة جنسك‏.‏
ولقد انتهت بك المحارجة إلى ارتكاب ما لا يجوز وفي علمك أن من أمثال الحكماء كل هالك عجوز‏.‏
حسبك بحكم العجز ملامها‏.‏
وما كان إلا أن نقل مقالي‏.‏
فقال المتكلم بلسان القالي أنا أتطوع بالجواب وعلى الله جزيل الثواب ليعلم كل سايل أن تفضيل النخل على العنب من المسايل التي لا يسع فيها جحد جاحد وإن كانا أخوين سقيا بماء واحد‏.‏
وقد جرى مثل هذا الخطاب بين يدي عمر بن الخطاب فقيل يا بني حتمة أيهما أطيب الرطب أم العنب فقال ليس كالصقر في رؤوس الرقل الراسخات في العقل المطعمات في المحل تحفة الصايم ونقلة الصبي القادم ونزل مريم نت عمران‏.‏
والنخلة هي التي مثل بها المؤمن من الإنسان ليس كالزبيب الذي إن أكلته ضرست وإن تركته غربت وكفى بهذه الرواية حجة لمن أراد سلوك المحجة‏.‏
وعلى كل تقدير فقد لزم التفضيل للنخلة على الكرمة لزوم الصلة للموصول والنصب للمنادى الممطول والعجز لكتابي المحصل والمحصول‏.‏
وكم على ترجيح ذلك من قياس صحيح ونقل ثابت صريح‏.‏
قال واعتذاركم بالمهرمة عن فعل المكرمة لأمة في تلك الطباع كامنة وسامة للتلف لا للخلف ضامنة‏.‏
وذكرتم الثمرة والبسرة والوقت ليس بوقت عسرة فأذكرتم قول القايل في بعض المسايل دعنا من تمرتان وبسرتان أو تمرتين وبسرتين على الوجهين المتوجهين في المسلتين وفس ضمن ذكركم لذلك أدلة صدق على تطلع النفس الفقيرة للأعراض التافهة الحقيرة والإمامة العظمى أجل عندنا وأسمى من أن تلحظ بعينها تلك الملاحظ ولواصل لديها مراتبها وأفكارها ببيانه وتبيانه عمرو بن بحر الجاحظ إذ هي كافأ الله فضلها ولا قلص ظلها كالسحاب نجود بغيثها على الآكام والضراب ومنابت الشجر من التراب فضلًا عن الخدمة والأتراب فليس يضيع مع جميل نظرها ذو نسب ولا يجهل في أيامها السعيدة مقدار منتسب إلى حسب‏.‏
وإن وقعت هفوة صغيرة أعقبتها حسنة كبيرة ومنن أثيرة ونعم كثيرة‏.‏
ولم لا وروح أمرها ومذهب نصرة جمرها علم السادة للقادة الأكابر المغرم بجبر كل كسير وناهيك من به جابر الرازي ذكر مآثره بعرف أطيب الطيب‏.‏
الوزير أبو عبد الله بن الخطيب‏.‏
والمطلوب منه لهذه الشجرة الثرما الغريبة الشما التي أصلها ثابت وفرعها في السماء إنما هو يسير بنا وظهير اعتنا وخنجر يوما لعل عباسة أديم دوها أن تذهب‏.‏
وأكمام كباسة قنوها أن تفضض بنعيم النضارة ثم تذهب ويعود إليها شرخ شبابها وتستحكم صفرة ثيابها وخضرة جلبابها وذلك كله بمن اللطيف الخبير من أسهل العمل على مجد الأمير وفضل الوزير إذ هما دام عزهما على بينة من أن الإحسان ألقاح والشكر نتاجه والثناء إكليل وهو في الحقيقة تاجه‏.‏
قال المسلم ومن يا إخوتي لعلي بمعارضة الحافظ أبي علي ولو أني اشتملت شملة النضر بن شميل وأصبحت أفصح من عامل بن الطفيل وأخطب من شبيب وأشعر من حبيب وجزت من طرق الجدال منازل نقدة صدور الأبدال‏.‏
وعلى أنه ما قال إلا حقًا فبعدًا للمرء وسحقًا‏.‏
ولكني أقسم عليكم بمقدر الضيا والحلك ومسخر نجوم الفلك بإصابة الأعراب وأصحاب الإغراب وأرباب فنون الإعراب ألا ما تأملتم فصول هذه المقالة وأفتيتم بما يترجح فيها لديكم من نسخ أو فسخ أو إجادة أو إقالة فأنتم علماء الكلام وزعماء كتايب الأقلام والمراجعات بين شقاشق الرجال شنشنة معروفة وطريقة إليها الوجوه في كثير من المخاطبات مصروفة لا زلتم مذكورين في أهل البيان مشكورين على بذل الفضل مدى الأحيان‏.‏
والله سبحانه يجعل التوفيق حاديكم ونور العلم هاديكم ومنه نسل جل اسمه التطهير من كل معابة والسمح فيما تخلل هذه المقامة من دعابة والتحية الكريمة مع السلام الطيب المعاد يعتمد من يقف عليها من الآن إلى يوم المعاد والرحمات والمسرات والبركات والخيرات من كاتبها على بن عبد الله بن الحسن أرشده الله‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:19 AM

المقريون والعلماء علي بن أحمد بن خلف بن محمد بن الباذش الأنصاري من أهل غرناطة يكنى أبا الحسن الشيخ الأستاذ إمام الفريضة بجامع غرناطة‏.‏
حاله من الملاحي أوحد زمانه إتقانًا ومعرفة ومشاركة في العلوم وانفرادًا بعلم العربية‏.‏
وكان حسن الحظ كثير الكتب ترك منها بخطه كثيرًا جدًا مشاركًا في الحديث عالمًا بأسماء رجاله ونقلته مع الدين والفضل والزهد والانقباض عن أهل الدنيا وترك الملابسة لهم‏.‏
مشيخته قرأ علي المقري بغرناطة أبي القاسم نعم الخلف بن محمد بن يحيى الأنصاري وأبي علي الصدفي وغيرهم ممن يطول ذكرهم‏.‏
وحدث عنه القاضي أبو الفضل عياض بن موسى والقاضي أبو محمد بن عطية والقاضي أبو عبد الله بن عبد الرحيم والقاضي أبو بكر جابر بن تواليفه ألف في النحو كتبًا كثيرة منها على كتاب سيبويه وعلى كتاب المقتضب وعلى الأصول لابن السراج وشرح كتاب الإيضاح وكلامه على كتاب الجمل لأبي القاسم وكلامه على الكافي لابن النحاس مع التنبيه على وهمه في نحو مائة موضع إلى غير ذلك‏.‏
شعره قال أبو القاسم وله نظم ليس بالكثير‏.‏
فمن ذلك‏:‏ أصبحت تقعد بالهوى وتقوم وبه تقرظ معشرًا وتديم تعنيك نفسك فاشتغل بصلاحها إنني بغير السقام سقيم وفاته توفي بغرناطة سنة ثمان وعشرين وخمسماية وصلى عليه إثر صلاة العصر ابنه الأستاذ أبو جعفر ودفن بمقبرة باب إلبيرة وازدحم الناس على نعشه وكانت جنازته حافلة وتفجع الناس على قبره‏.‏
وقبره مشهور يتبرك به الناس‏.‏
علي بن محمد بن دري حاله كان من خيار الناس وفضلائهم وأهل المعرفة منهم عارفًا بإقراء كتاب الله عز وجل والرواية للحديث‏.‏
أخذ الناس عنه وكانت عنده مشاركة ومسارعة لقضاء الحوايج والمشي للإصلاح بين الناس والإشفاق على المساكين كثير الصدقة والسعي في فداء الأسرى والوسائط الجميلة في مهمات الأمور ومشكلاتها‏.‏
دخل رجل تاجر غريب الميضأة للوضوء فنسي بها وعاء فيه جملة مال فتذكر له فرجع ولم يجده فسقط مغشيًا عليه فاجتمع عليه الناس وهو يقول مالي ووافق خروج الأستاذ أبي الحسن المذكور من الجامع فسأل عنه فجالس أذنه فقال مالك عندي وديعة تركته أنت عندي وإذا كان بعد صلاة العصر تأخذه‏.‏
فقام الرجل فكأنما نشط من عقال ومشى الخطيب في حينه إلى مشرف غرناطة ابن مالك فقال له إني اشتريت لك قصرًا في الجنة بخمس ماية دنير وأنا الضامن لذلك فشكره وأخبره الخطيب بالقصة فدفع إليه المال فدفعه إلى الرجل‏.‏
وكان الناس لا يتوقفون له في أمر‏.‏
مشيخته روى بطليطلة عن أبي عبد الله المقامي وعن أبي مسلم الضرير المقري والقاضي أبي الوليد توفي بغرناطة في رممضان ستة عشرين وخمسماية وصلى عليه القاضي أبو القاسم بن ورد ودفن في مقبرة باب إلبيرة وكانت جنازته حافلة وتفجع الناس عليه وأخلصوا الدعاء له‏.‏
وممن رثاه أبو عبد الله بن أبي الخصال بقوله‏:‏ عتاب وما يغني العتاب على الزمن وشكوة كما تشكو الرياح إلى السفن وما رضيت بعد الغضارة أيكة نبحت ولكن عالم الكون ممتحن وماذا عليه والسلامة حظه بأن تتخطاه النوايب والمحن فليت كريمًا ينعش للناس خيره يعمر فيها عمرته الآن أو حضن ولكنه يمضي كظل غمامة ويبقى لسم سره غير مؤتمن يود الفتى طول البقاء وطوله يورثه ثكل الأحبة والبدن وأي اغتباط في حياة مرزًا يروح على بث ويغدو على شجن زيادته تغص وجدته بلى وراحته كرب وهدنته دهن إذا فوق السهم المصيب فقلبه ومن صار فيه من أحبته فنن فيا عجبًا للمرء يلتذ عيشه لزت مع الموت في قرن ولم أر مثل الموت حقًا كباطل وكل قبالي بالموت مرتهن أإخوتنا لم تبق إلا تحية أرقد بها تلك المعاهد والدمن أإخوتنا هل تسمعون تحيتي وذو كلم ما تحجب السر والعلن أبا الحسن خلد في الجنان منعمًا جزاءً بما أسلفت من سعيك الحسن يطير فؤادي روعة فإذا رأى محياك في دار الغنا والرضا سكن وقد كنت ترتاد المواطن إذ نبت فبوأك الرحمن فردوسه وطن وبت معنى بالجلاء فنلته وقد كان حاديه يغرد باظعن ولم ترض إلا الأرض هجرتك التي تخيرها الأولياء على القنن وفي مثلها أن الرسول لسعد وقد واراه أكرم مدفن على أنك المدعو من كل بلدة هلم فإنا دونك الحجب والجنن سيرضيك من أرضيته في عباده وجاهدت فيه بالفروض وبالسنن ويبقى كما بقيت بعدك أنه لهم فلما استهوتهم روعة سكن سقى الله والسقيا بكفيه تربة مباركة ضمتك أسرع ما هتن ولا برحتها ديمة مستهلة إذا ركضتها الريح قام بها جرن فلا زلت في روض وروح ورحمة ومقبرة تترى على ذلك الجنن علي بن عمر بن إبراهيم بن عبد الله الكناني القيجاطي يكنى أبا الحسن أصله من بسطة واستوطن غرناطة حتى عد من أهلها قراءة وإقراء ولزومًا حاله من العايد أوحد زمانه علمًا وتخلقًا وتواضعًا وتفننًا‏.‏
ورد على غرناطة مستدعى عام اثني عشر وسبعماية وقعد بمسجدها الأعظم يقرى فنونًا من العلم من قراءات وفقه وعربية وأدب‏.‏
وولى الخطابة وناب عن بعض القضاة بالحضرة مشكور المأخذ حسن السيرة عظيم النفع‏.‏
وقصده الناس وأخذ عنه البعيد والقريب‏.‏
وكان أديبًا لوذعيًا فكهًا حلوًا وهو أول أستاذ قرأت عليه القرآن والعربية والأدب إثر قراءة الكتب‏.‏
مشيخته قرأ على أبيه ببلده بسطة القرآن بالروايات السبع وجمعها في ختمة وعلى الأستاذ أبي عبد الله بن مساعد الغساني‏.‏
وقرأ بغرناطة القرآن على الأستاذ أبي عبد الله بن مستقور والأستاذ أبي جعفر الطباع والأستاذ الشهير أبي الحسن بن الضايع‏.‏
والأستاذ النحوي أبي الحسن الأبدي‏.‏
وعلى القاضي ابي عمرو بن الرندي والفقيه القاضي ابي علي بن الأحوص وعلى الفقيه النسابة أبي جعفر بن مسعدة والأستاذ العلامة أبي جعفر بن الزبير‏.‏
ولقي الشيخ الصالح ولي الله أبا إسحق بن عبيدس وحضر مجالسه العامة‏.‏
وذكر أنه كان يفتتح مجلسه الذي يتكلم فيه بقوله‏:‏ لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة رزقنا الله الأدب مع الله واستعملنا فيما يرضيه ويرضي رسوله وجعل حظنا في الدار الآخرة‏.‏
ولقي الإمام بجامع بسطة الخطيب الرواية أبا الحسن بن نافع وغيرهم وله تواليف في فنون وشعر ونثر فمن شعره قوله‏:‏ روض المشيب تفتحت أزهاره حتى استبان ثغامه وبهاره ودجى الشباب قد استبان صباحه وظلامه قد لاح فيه نهاره فأنى حمام لا يعاف وقوعه ومضى غروب لا نخاف مطاره والعمر مثل البدر يرمق حسنه حينًا ويعقب بعد ذاك سراره للإخاء تقلصت أفياؤه ما للصفاء تكدرت آثاره فتراه يدفع إن تمكن جاهه وتراه يرفع إن علا مقداره ولأنت تعلم أنني زمن الصبا ما زلت زندًا والحياء سواره والهجر ما بين الأحبة لم يزل ترك الكلام أو السلام مثاره ولكم تجافى عن خفاء خليله فطن وقد ظفرت به أظفاره ولكم أصر على التدابر مدبر أفضى إلى ندم به إصراره فأقام كالكسعي بان نهاره أو كالفرزدق فارقته نواره أنكرتم من حق معترف لكم بالحق ما لا ينبغي إنكاره والشرع قد منع التقاطع نصه قطعًا وقد رودت به أخباره والسن سن تورع وتبرع وتسرع لتشرح تختاره ما يومنا من أمسنا قطك اتبت ذهب الشباب فكيف يبقى عاره هلا حظرتم أو حذرتم منه ما حق عليكم حظره وحذاره عجبًا لمن يجري هواه لغاية محدودة أضماره مضماره والمرء من إخوانه في جنة بل جنة تجري بها أنهاره فاليمن قد مدت إليه يمينه واليسر قد شدت عليه يساره شعر به أشعرت بالنصح الذي يهديه من أشعاره إشعاره ولو اختبرتم نقده بمحكة لامتاز بهرجه ولاح نضاره هذا هدى فيه اقتده تنل المناأو أنت في هذا وما تختاره وعليكم مني سلام مثل ما أرجت بروض يانع أزهاره ومن شعره في الرثاء قوله من قصيدة حمام حمام فوق أيك الأسى تشدو ن يج من الأشجان ما أوجد الوجد وذلك شجو في حناجرنا جشى وذلك لهو في ضمايرنا جد أرى أرجل الأرزاء تشتد نحونا وأيديها تسعى إلينا فتمتد ونحن أولو سهو عن الأمر ما لنا سوى أمل إيجابنا عنده جحد فإن خطرت للمرء ذكرى بخاطر فتسبيحه الساهي إذا سمع الرعد مصاب به قدت قلوب وأنفس لدينا إذا في غيره قطعت برد وقد كان يبدو الصبر منا تجلدًا وهذا مصاب صبرنا فيه لا يبدو مولده عام خمسين وستماية‏.‏
وفاته توفي بغرناطة ضحى يوم السبت التاسع والعشرين من شهر ذي حجة من عام ثلاثين وسبعماية ودفن في عصر اليوم بعد بجبانة باب إلبيرة‏.‏
وكان الحفل في جنازته عظيمًا حضرها السلطان واحتمل الطلبة نعشه‏.‏
ومن الطارئين الرندي عمر بن عبد المجيد بن عمر الأزدي المعروف بالرندي من أهل رندة يكنى أبا علي‏.‏
حاله كان من جملة المقريين جهابذة الأستاذين مشاركًا في فنون نقادًا فاضلًا‏.‏


مشيخته روى عن أبي زيد السهيلي وعنه أخذ العربية والأدب وبه تفقه وإياه اعتمد‏.‏
وعن أبي محمد القاسم بن دحمان وأبي عبد الله بن أبان وتلا على هؤلاء القراءات بقراءات السبعة‏.‏
وعن أبي إسحق بن قرقول وأبي عبد الله بن الفخار وأبي الحسن صالح بن عبد الملك الأوسي وأبي محمد عبد الحق بن بونه‏.‏
وأبي عبد الله الحميري الإستجي وأبي العباس بن اليتيم وأبي عبد الله بن مدرك وأبي القاسم بن حبيش وأبي عبد الله بن حميد‏.‏
أخذ عن هؤلاء بمالقة من أهلها ومن الواردين عليها‏.‏
ورحل إلى غرناطة فأخذ بها عن يزيد بن رفاعة وابن كوثر وابن عروس وأبي محمد عبد المنعم بن عبد الرحيم بن الفرس وأبي جعفر بن حكم‏.‏
وإلى قرطبة فأخذ بها عن ابن بشكوال وابي القاسم المشراط‏.‏
وإلى إشبيلية فأخذ بها عن أبي بكر بن الجد وأبي عبد الله بن رزق وابن خير وابن صاف‏.‏
وأخذ بسبتة عن ابن عبيد الله‏.‏
وبالجزيرة الخضراء عن القاضي أبي جعفر بن عزرة‏.‏
هؤلاء جملة من أخذ عنهم باللقاء والمشافهة‏.‏
وأجازه جمغاعة من أهل المشرق كبيرة ذكرهم في برنامجه كالخشوعي والأرحي والحرشاني وحدث عن السلفي الحافظ بإجازته العامة‏.‏
تواليفه شرح جمل أبي القاسم الزجاجي ورد على ابن خروف منتصرًا بشيخه أبي زيد السهيلي في مسئلة نحوية رد فيها ابن خروف على السهيلي وقيد فيما جرى بينه وبين الأستاذ أبي محمد القرطبي جزءًا سماه بالحقبى في أغاليط القرطبي لم يخل فيه عم حمل وتعسف‏.‏
وألف برنامجًا جامعًا‏.‏
روي عنه أبو عبد الله بن تسكر القاضي والشيخ أبو عبد الله بن عبيد الأوسي وأبو عبد الله الطنجالي والخطيب ابن أبي ريحانة‏.‏
مولده وفاته توفي سحر يوم الجمعة الموفى عشرين لشهر ربيع الثاني سنة عشر وستماية‏.‏
عثمن بن سعيد بن عثمن بن سعيد الأموي المقري الحافظ المعروف بابن الصيرفي قرطبي الأصل يكنى أبا عمرو ويشتهر بالداني لاستيطانه دانية‏.‏
ودخل إلبيرة وقرأ على أبي عبد الله بن أبي زمنين فوجب ذكره لذلك‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:21 AM

حاله كان أحد الأيمة الأعلام في علم القرآن وآياته وتفسيره ومعانيه وإعرابه وجمع في ذلك كله التواليف العجيبة التي يكثر تعدادها ويطول إيرادها وله معرفة بالحديث وطرقه وأسماء رجاله ونقلته وكان حسن الخط جيد الضبط آية في الحفظ والعلم والذكاء والفهم دينًا عارفًا ورعا سنيًا قال المغلي وكان أبو عمرو مجاب الدعوة‏.‏
وذكره الحميدي فقال محدث مكثر مقرئ متقدم‏.‏
مشيخته روي عن أبي المطرف عبد الرحمن بن عثمن القشيري بقرطبة وعن أبي بكر حاتم بن عبد الله البزاز وأبي عبد الله محمد بن خليفة وأحمد ابن فتح بن الرهان وأبي بكر بن خليل ويونس بن عبد الله القاضي‏.‏
وخلف بن يحيى وغيرهم‏.‏
وبإلبيرة عن محمد بن أبي زمنين كثيرًا من رواياته وتواليفه‏.‏
وسمع بإستجة وبجانة وسرقسطة من بلاد الثغر‏.‏
ورحل إلى المشرق فلقي أبيا الحسن بن أحمد بن مراس العنقي‏.‏
وسمع بمصر من أبي محمد بن النحاس وأبي القاسم بن ميسر وخلف بن إبراهيم ابن خاقان وفارس بن أحمد وطاهر بن عبد المنعم وبالقيروان من أبي الحسن القانسي‏.‏
وقدم الأندلس فاستوطن دانية‏.‏
شعره قال أبو القاسم بن بشكوال‏.‏
ومما يذكر من شعره قوله‏:‏ قد قلت إذ ذكروا حال الزمان وما يجر على كل من يعزى إلى الأدب لا شيء أبلغ من ذل تجرعه أهل الخساسة أهل الدين والحسب القايمين بما جاء الرسول به والمبغضين لأهل الزيغ والريب مولده قال أبو عمرو سمعت والدي يقول إني ولدت سنة إحدى وسبعين وثلاثماية وابتدأ طلب العلم بعد خمس وثمانين‏.‏
وفاته من خط أبي الحسن المقري يوم الاثنين منتصف شوال سنة أربع وأربعين وأربعمائة بدانية ودفن عصر اليوم المذكور ببقيعها‏.‏
ومشى السلطان راجلًا أمام نعشه‏.‏
علي بن أحمد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معدان بن سفيان بن يزيد الإمام أبو محمد بن حزم‏.‏
أوليته أصله من الفرس وجده الأقصى في الإسلام اسمه يزيد مولى ليزيد بن أبي سفيان‏.‏
قال أبو مروان ابن حيان وقد كان من عجايبه انتماؤه في فارس وأتباع أهل بيته له في ذلك حقبة من الدهر تولى فيها الوزير المفضل في زمانه الراجح في ميزانه أحمد بن سعيد ابن حزم لبني أمية أولياء نعمته لا عن صحة ولاية لهم عليه فقد عهده الناس مولد الأرومة من عجم لبلة جده الأدنى حديث عهد بالإسلام لم يتقدم لسلفه نباهة‏.‏
فأبوه أحمد على الحقيقة هو الذي بنى بيت نفسه في آخر الدهر برأس رايته وعمره بالخلال الفاضلة من الرجاجة والدهاء والمعرفة والرجولة والرأي فأسدى جرثومة شرف لمن نماهم أغنتهم عن الرسوخ في أولى السابقة فما من شرف إلا مسبوق عن خارجته ولم يكن إلا كلا ولا حتى تخطى على هذا أوليته لبلة‏.‏
فارتقى قلعة إصطخر من أرض فارس‏.‏
فالله أعلم كيف ترقاها إذ لم يكن يؤتى من خطل ولا جهالة بل وصله بها وسع علم ووشجة رحم معقومة فلها يستأخر الصلة فتناهت حاله مع فقهاء عصره إلى ما وصف وحسابه وحسابهم على الله الذي لا يظلم الناس مثقال ذرة‏.‏
عزت قدرته‏.‏
حاله قال الحميدي كان حافظًا عالمًا بعلوم الحديث وفقهه مستنبطًا للأحكام من الكتاب والسنة متفننًا في علوم جمة عاملًا بعلمه زاهدًا في الدنيا بعد الرياسة التي كانت له ولأبيه من قبله في الإدارة وتدبير الممالك متواضعًا ذا فضايل جمة قال وما رأينا مثله فيما اجتمع له‏.‏
مع الذكاء وسرعة الحفظ وكرم النفس والتدين‏.‏
قال أبو مروان ابن حيان كان أبو محمد حامل فنون من حديث وفقه ونسب مع المشاركة في كثير من أنواع التعاليم القديمة‏.‏
وله في ذلك عدة تواليف‏.‏
وقد مال أولًا به النظر في الفقه إلى رأي أبي عبد الله الشافعي وناضل عن مذاهبه وانحرف عن مذهب غيره حتى وسم به واستهدف بذلك إلى كثير من الفقهاء وعيب بالشذوذ‏.‏
ثم عدل في الآخر إلى قول أصحاب الظاهر مذهب داود بن علي ومن تبعه من فقهاء الأمصار فنقحه ونهجه وجادل عنه ووضع الكتب في بسطه وثبت عليه إلى أن مضى بسبيله‏.‏
وكان يحمل علمه ويجادل عنه لمن خالفه فيه على استرسال في طباعه واستناد إلى العهد أخذه الله على العلماء من عباده ليبينه للناس ولا يكتمونه فآل أمره إلى ما عرف‏.‏
مشيخته قال سمع سماعًا جمًا وأول سماعه من أبي عمر أحمد بن محمد بن الجسور قبل الأربع ماية‏.‏
تواليفه قال بلغت تواليفه أربع مائة مجلد‏.‏
وقال حمل بعير‏.‏
فمنها في علم الحديث كتاب كبير سماه الإيصال في فهم الخصال الجامعة لجمل شرائع الإسلام في الواجب والحلال والحرام وساير الأحكام على ما أوجبه القرآن والسنة والإجماع‏.‏
أورد فيه أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أيمة المسلمين وبيان ذلك كله وتحقيق القول فيه‏.‏
وله كتاب الإحكام لأصول الأحكام في غاية التقصي وإيراد الحجاج‏.‏
وكتاب الفصل في الملل والأهواء والنحل‏.‏
وكتاب الإجماع ومسائله على أبواب الفقه‏.‏
وكتاب المجلى والمحلى وكتاب في مراتب العلوم وكيفية طلبها وتعلق بعضها ببعض‏.‏
وكتاب إظهار تبديل اليهود والنصارى للتوراة والإنجيل وبيان تناقض ما بأيديهم من ذلك مما لا يحتمل التأويل‏.‏
وهذا مما سبق إليه وكتاب التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية‏.‏
والأمثلة الفقهية‏.‏
فإنه سلك في بيانه وإزالة سوء الظن عنه وتكذيب المنحرفين به طريقة لم يسلكها أحد قبله فيما علمنا‏.‏
شعره قال وكان له في الأدب والشعر نفسٌ واسع وباع طويل‏.‏
وما رأيت من يقول الشعر على البديهة أسرع منه‏.‏
وشعره كثير وقد جمع على حروف المعجم‏.‏
ومنه قوله‏:‏ هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا فجائعه تبقى ولذاته تفنى إذا أمكنت فيه مسرة ساعة تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا حصلنا على هم وإثم وحسرة وفات الذي كنا نلذ به عنا حنين لما ولى وشغل لما أتى وغم لما يرجى فعيشك لا يهنا كان الذي كنا نسر بكونه إذا حققته النفس لفظٌ بلا معنى ومن ذلك قوله من قصيدة في الفخر‏:‏ أنا الشمس في جو العلوم منيرة ولكن عيبي أن مطلعي الغرب ولو أنني من جانب الشرق طالعٌ لجد على ما ضاع من ذكري النهب ولي نحو أكناف العراق صبابة ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم فحينئذ يبدو التأسف والكرب فكم قائل أغفلته وهو حاضر وأطلب ما عنه تجيء به الكتب هنالك يدري أن للبعد قصة وأنه كساد العلم آفته القرب ومنها في الاعتذار عن المدح لنفسه‏:‏ ولكن لي في يوسف خير أسوة وليس على من سار سيرته ذنب يقول وقال والصدق أنني حفيظٌ عليمٌ ما على صادق عتب ومن شعره قوله فيما كان يعتقده من المذهب الظاهري‏:‏ أفي حسن وجه لاح لم تر غيره ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل أفي حسن وجه لاح لم تر غيره ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل فقلت له أسرفت في اللوم ظالمًا وعندي ردٌ لو أردت طويل ألم تر ظاهري وأنني على ما بدا حتى يقوم دليل ومن ذلك قوله‏:‏ أين وحه قول الحق في نفس سامع ودعه فنور الحق يسري ويشرق سيؤنسه رفقًا فينسى نفاره كما نسي القيد الموثق مطلق ومن ذلك قوله‏:‏ لئن أصبحت مرتحلًا بشخصي فروحي عندكم أبدًا مقيم ولكن للعيان لطيف معن له طلبله طلب المعاينة الكليم وفي المعنى‏:‏ يقول أخي شجاك رحيل جسم وروحك ماله عنا رحيل فقلت له المعاين مطمئن لذا طلب المعاينة الخليل دخوله غرناطة وصل في جملة الإمام المرتضى‏.‏
ولما جرت عليه الهزيمة واستولى باديس الأمير بغرناطة على محلته كان أبو محمد من عداد أسراه مع مثله إلى أن أطلقه بعد لأي وخلصه الله منه‏.‏
محنته قال ابن حيان استهدف إلى فقهاء وقته فتألبوا على بغضه ورد قوله وأجمعوا على تضليله وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنته ونهوا أعوامهم عن الدنو إليه والأخذ عنه فطفق الملوك يقصونه على قربهم ويسيرونه عن بلادهم إلى أن انتهوا به منقطع أثره بتربة بلده من بادية لبلة وبها توفي غير راجع إلى ما أرادوا به يبث علمه فيمن ينتابه بباديته من عامة المقتبسين منه من أصاغر الطلبة الذين لا يحسون فيه الملامة بحداثتهم ويفقههم ويدرسهم ولا يدع المثابرة على العلم والمواظبة على التأليف والإكثار من التصنيف حتى كمل من مصنفاته في فنون العلم وقر بعير حتى لأحرق بعضها بإشبيلية وفي ذلك يقول‏:‏ فإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي تضمنه القرطاس بل هو في صدري يسير معي حيث استقلت ركايبي وينزل إن أنزل ويدفن في قبري مولده وفاته توفي سنة ست وخمسين وأربعماية علي بن إبراهيم بن علي الأنصاري المالقي يكنى أبا الحسن صاحبنا حفظه الله‏.‏
حاله آية الله في الحفظ وثقوب الذهن والنجابة في الفنون وفصاحة الإلقاء خريج طبعه وتلميذ نفسه ومبرز اجتهاده‏.‏
إمام في العربية لا يشق فيها غباره حفظًا وبحثًا وتوجيهًا واطلاعًا وعثورًا على سقطات الأعلام ذاكر للغات والآداب قايم على التفسير مقصود للفتيا عاقد للوثيقة مشارك في الفنون ينظم وينثر فلا يعدو الإجادة والسداد سليم الصدر أبي النفس كثير المشاركة مجدي الصحبة بعيد عن التسمت‏.‏
رحل عن بلده مالقة بعد التبريز في العدالة والشهرة بالطلب واستقر بالمغرب فاقرأ بمدينة أنفا منوهًا به ثم بسلا واستوطن بها رئيس المدرسة بها مجمهرًا بكرسيها فارعًا بمنبرها بالواردة السلطانية يفسر كتاب الله بين العشاءين شرحًا كثير العيون محذوف الفضول بالغًا أقصى مبالغ الفصاحة مسمعًا على المحال النابية ويدرس من الغدوات بالمدرسة دولًا في العربية والفقه أخذه بزمام النبل مترامية إلى أقصى حدود الاضطلاع‏.‏
وحضر المناظرة بين يدي السلطان فاستأثر بشقصٍ من رعيه وأعجب بقوة جأشه وأصالة حفظه فأنمى جراياته ونوه به‏.‏
مشيخته قرأ ببلده على الأستاذين علمي القطر القاضي العالم أبي عبد الله إبن تبر والقاضي النظار أبي عمرو بن منظور‏.‏
وتلا القرآن على المقري أبي محمد بن أيوب‏.‏
وذاكر بغرناطة إمام العربية أبا عبد الله بن الفخار وربيس الكتاب شيخنا أبا الحسن بن الجياب‏.‏
وبالمغرب كثيرًا من أعلامه كالرئيس أبي محمد الحضرمي والقاضي أبي عبد الله المقري وغيرهم‏.‏
وهو الآن بحاله الموصوفة قاضيًا بشرقي مالقة وأستاذًا بها متكلمًا معجزٌ من مفاخر قطره‏.‏
شعره مما يؤثر من شعره منقولًا من خط صاحبنا أبي الحسن بن الحسن‏:‏ رحماك رحماك في قلب يقلبه شوقٌ يكاد بلفح الوجد يذهبه ولاح منك لذي الإشراف جوهرة ألاحت الحسن عما كان يحجبه فلو هم الصحب أن الروح تيمها ماضي الجفون برود الثغر أشنبه ولاح منك لذي الإشراف جوهرة ألاحت الحسن عما كان يحجبه فلو هم الصحب أن الروح تيمها ماضي الجفون برود الثغر أشنبه يظل معتقلًا من خوط قامته بأسمر غالني منه مؤربه وذي فرند يدب الموت في شطب منه ويوحش في جنح تلهبه يخاله ذو الصدا ماء فيبصره يود في الحال أن لو كان يشربه بالهند وانى والذي ند توشجه وبالصبابة والأرواح ملعبه كساه سر الجمال المحض حلته إذ جاده من نكوب الجود صيبه وقام يرفل فيها وهي ضافية فأقبلت نحوه الأرواح تطلبه هيهات من دونه باب بظاهره يجر الفنا وجند الروح يرهبه فمرنا والموت فيه عين عيشته فأوج مرقي حياة الروح مرقبه نبدت لوايحه من بحر جوهره برقًا يغير على الغيران خلبه وتستعير له روحًا مظاهره سر الجمال بها يبدو تحجبه سر الغرام غريب ليس يعلمه إلا الذي قد غدا يرضيه مغضبه وللصبابة أقوام وموردهم بها من الأنس أحلاه وأعذبه وليس يعرف هذا حق معرفة إلا الذي قد تجلى عنه غيهبه وأبصر الحسن قد لاحت لاوايحه وغرٌّ مستبشر الأضواء كوكبه بذات أهيف من سر الحياة طرسٌ يغالبه طورًا فيغلبه وفي لجين الجمال المحض قد فعلت فعلًا يرد لها في الحكم مذهبه أروم إعجامه هونًا وتطمعني فيه النفاسة والأنفاس تعرفه فم لمثلي بكتمانٍ ومن نفسي أخو بيان مع الساعات يسهبه لبانة السر أن تحظى بمرقبة إلى سبيل من الزلفى تقربه تسمو على منكب الجوزاء ذروتها عن رقة بشهود الفرق تسلبه وفي مصافات سر القبض يبسطه لدى الوجود الذي قد عز مطلبه فيرتقي في مراقي الجمع مختطفًا إلى السقام الذي عند بغيته السحر مفتون بغنج لحاظه والشهد ممزوج بريقه فيه فسحره أضنى المتيم في الهوى حتى يكاد سقامه يخفيه ولو أنه بالشهد جاد ورشفه لصد لكان من الصدا يشفيه بصدوده قلبي يقطع في الهوى يا ليته بوصاله رافيه وصدر كتابًا بقوله يخاطبني‏:‏ أنسيانًا فديتك يا حياتي لمن لم ينبيك حبك للممات ورجمًا بالظنون أخا حنين إليك رهين شوق وانبتات يمينًا بالنهار إذا تجلى وبالقمر المنير وبالآيات لقد أحللت حبك من فؤادي محل الروح من بث الجهات وشعره بديع وإدراكه عجيب وعارضته قوية‏.‏
علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي يكنى أبا الحسن ويعرف بابن الضايع‏:‏ من أهل إشبيلية‏.‏
حاله قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير بلغ الغاية في الفن النحوي وفاق أصحاب الأستاذ أبي علي الشلوبين بأسرهم وله في مشكلات الكتاب العجايب‏.‏
وقرأ ببلده أيضًا علم الكلام وأصول الفقه وكان متقدمًا في هذه العلوم الثلاثة متصرفًا فيها‏.‏
وأما فن العربية وعلم الكلام فلم يكن في وقته من يقاربه في هذين العلمين‏.‏
وأما فهمه وتصرفه في كتاب سيبويه فما أراه يسبقه في ذلك أحد‏.‏
وله إملاءٌ على طايفة كبيرة من إيضاح الفارسي‏.‏
وكان له اعتناءٌ كبير بكلام الفارسي على الجملة وبحسب ذلك استقضى اعتراضات أبي الحسين بن الطراوة على أبي علي بالرد واستوفى ما وقع له في ذلك حتى لم يبق بيده شيء على طريقة من الإنصاف ودليل الهدى‏.‏
لم يسبق إليها‏.‏
وكذا فعل في رد أبي محمد بن السيد علي أبي القاسم الزجاجي‏.‏
وكذا فعل في اعتراضات أبي الحسين بن الطراوة على كتاب سيبويه‏.‏
وكان بالجملة إمامًا في هذا كله لا يجارى‏.‏
وأما اختيارات أبي الحسن بن عصفور في مغربه وغير ذلك من تعاليقه وما قيد في ذلك فرد عليه معظمها أو أكثرها‏.‏
ولم يلق بالأندلس والعدوة ولا سمعنا بأنبه منه ممن وقفنا على كلامه أو شاهدناه ولا رأيت مختلفًا عليه من أهل بلده من أترابه ومن فوقهم‏.‏
وكان إذا أخذ في فن أتى بعجايب‏.‏
قال الأستاذ لازمته وأخذت عليه كتاب سيبويه في عدة سنين وأكثر كتاب الإيضاح وجمل الزجاجي‏.‏
إلى غير ذلك وجميع التلقيحات للسهر وردي‏.‏
وطايفة كبيرة من إرشاد أبي المعالي ومن كتاب الأربعين لابن الخطيب وغير ذلك‏.‏
مشيخته أجاز له من أهل بلده الرواية المسن أبو الحسن بن السراج والقاضي أبو الخطاب بن خليل‏.‏
ومن غيرهم القاضي أبو بكر بن محرز والمقري المعمر أبو بكر الشماتي المعروف بالشريشي وأبو عبد الله الأزدي وأبو عبد الله بن جوبر وآخرين‏.‏
وقرأ ببلده‏.‏
ولازم الأستاذ أبا علي الشلوبين حتى كمل عليه إيضاح الفارسي وكتاب سيبويه‏.‏
وسمع جمل الزجاجي وغير ذلك من كتب العربية ممن كان يقرأ في المجلس وقرأ عليه طائفة كبيرة من تذكرة الفارسي مما يتعلق بمسائل الكتاب بعد أن جردها من التذكرة‏.‏
وبلغ الغاية في الفن النحوي وفاق أصحاب أبي وفاته توفي رحمه الله في شهر ربيع الآخر من سنة ثمانين وستماية وقد قارب التسعين‏.‏
قلت العجب من الشيخ الخطيب رحمه الله كيف لا يذكر للمترجم به رحمه الله شرحه لجمل الزجاجي بل شرحه الصغير والكبير‏.‏
ولم يكن اليوم على الزجاجي أجدى منها ولا أنفع ولا أقل فضولًا ولا أفصح عبارة ولا أوجز خطابة ولا أجمل إنصافًا ولا أجود نظرًا الكتاب والشعراء وأولا الأصليون منهم علي بن محمد بن عبد الحق بن الصباغ العقيلي يكنى أبا الحسن من أهل غرناطة‏.‏
حاله صاحبنا أبو الحسن من أهل الفضل والسراوة والرجولة والجزالة‏.‏
فذ في الكفاية ظاهر السذاجة والسلامة مصعب لأضدده شديد العصبة لأولي وده في أخلاقه حدة وفي لسانه نبلى أخلابه مشتملٌ على خلال من خط بارع وكتابة حسنة وشعر جيد ومشاركة في فقه وأدب ووثيقة ومحاضرة ممتعة‏.‏
ناب عن بعض القضاة وكتب الشروط وارتسم في ديوان الجند وكتب عن شيخ الغزاة أبي زكريا بن عمر على عهده‏.‏
ثم انصرف إلى العدوة سابع عشر جمادى الأولى من عام ثلاث وخمسين وسبعماية فارتسم في الكتابة السلطانية منوهًا به مستعملًا في وجرى ذكره في كتاب التاج بما نصه‏:‏ اللسن العارف والناقد لجواهر المعاني كما يفعل بالسكة الصيارف الأديب المجيد الذي تملى به العصر والنحر والجيد إن أجال جياد براعته فضح فرسان المهارق وأخجل بين بياض طرسه وسواد نفسه الطور تحت المفارق‏.‏
وإن جلى أبكار أفكاره وأثار طير البيازين أوكاره سلب الرحيق المفدم فضل أبكاره إلى نفس لا يفارقها ظرف وهمة لا يرتد إليها طرف وإباية لا يفل لها غرب ولا حرف‏.‏
وله أدب غض زهره عن مجتنيه مرفض‏.‏
كتبت إليه أنتجز وعده في الالتحاف برايقه والإمتاع بزهر هواتفه وهو قولي‏:‏ عندي لموعدك افتقارٌ مجوج وعهودك افتقرت إلى إنجازها والله يعلم فيك صدق مودتي وحقيقة الأشياء غير مجازها فأجابني بقوله‏:‏ يا مهدي الدر الثمين منظمًا كلما حلال السحر في إيجازها أدركت حلبات الأوايل وانيًا ورددت أولاها على أعجازها أحرزت في المضمار خصل سباقها ولأنت أسبقهم إلى إحرازها حليت بالسمطين مني عاطلًا وبعثت من فكري متات مفازها فلأنجزن مواعدي مستعطفًا فاسمح وبالإغضاء منك مجازها ليت شعري والهوى أمل وأماني الصب لا تقف هل لذاك الوصل مرتجع أو لهذا البحر منصرف ومن ذلك‏:‏ وظبي سبا بالطرف والعطف والجيد وما حاز من غنج ولين ومن غيد أتيت إليه بالدنو مداعبًا فقال أيدنو الظبي من غابة الأسد وقال من مبدإ قصيدة مطولة فيما يظهر منها‏:‏ حديث المغاني بعدهن شجون وأوجه أيام التباعد جون لحا الله أيام الفراق فكم شجت وغادرت الجذلان وهو حزين وحيا ديارًا في ربى إغرناطة وإني بذاك القرب فيه ضنين ليالي أنفقت الشباب مطاوعًا وعمري لدى البيض الحسان ثمين فأرخصت فيها من شبابي ما غلا وغرمي على مال العفاف أمين خليلي لا أمر بأربعها قفا فعندي إلى تلك الربوع حنين ألم ترياني كلما ذر شارق تضاعف عندي عبرة وأنين فلما تثغن من ذرى وفاء بعهده فقد أجن السلسال وهو معين أذلني عذر في فراق ضلوعه وللدمع في ترك الشئون شئون ومن ترك الحزم المعين فإنه لعانٍ بأيدي الحادثات رهين رعى الله أيامي الوثيق ذمامها فإن مكاني في الوفاء مكين ولم أر مثل الدهر أما عدوه فخب وأما خله فخئون ولولا أبو عمرو وجود يمينه لما كان في عهد الزمان معين ومن شعره قوله‏:‏ زار الخيال ويا لها من لذة لكن لذات الخيال منام ما زلت ألثم مبسمًا منظومه در ومورده الشهي مدام وأضم غصن البان من أعطافه فأشم مسكًا فض عنه ختام مولده عام ستة وسبعماية‏.‏
وفاته وتوفي بمدينة فاس وقد تخلفه السلطان كاتب ولده عند وجهته إلى إفريقية في شوال عام ثمانية وخمسين وسبعماية فتوفي في العشرين لرمضان منه‏.‏
ابن الجياب علي بن محمد بن سليمان بن علي بن سليمان بن حسن الأنصاري من أهل غرناطة يكنى أبا الحسن ويعرف بابن الجياب شيخنا ورئيسنا العلامة البليغ‏.‏
حاله من عايد الصلة‏:‏ كان رحمه الله على ما كان عليه من التفنن والإمامة في البلاغة والأخذ بأطراف الطلب والاستيلاء على غاية الأدب صاحب مجاهدة وملازمة عبادة على طريقة مثلى من الانقباض والنزاهة وإيثار التقشف محبًا في أهل الخير والصلاح منحاشًا إليهم منافرًا عن أضدادهم شيخ طلبة الأندلس رواية وتحقيقًا ومشاركة في كثير من العلوم قايمًا على العربية واللغة إمامًا في الفرايض والحساب عارفًا بالقراءات والحديث متبحرًا في الأدب والتاريخ مشاركًا في علم التصوف فذًا في المسايل الأدبية البيانية حامل راية المنظوم والمنثور والإكثار من ذلك والاقتدار عليه جلدًا على الخدمة مغتبطًا بالولاية محافظًا على الرتبة مراقبًا لوظايف الأبواب السلطانية متوقد الذهن ذلق الجوانب مشغوفًا بالأنس والمفاوضة في الأدب محسنًا للنادرة الظريفة مليح الدعابة غزير الحفظ غيورًا على الخطة كثير النشاط إلى المذاكرة مع استغراق الكلف وعلو السن‏.‏
طال به المرض حتى أذهب جواهر بدنه وعلى ذلك فما اختل تميزه ولا تغير إدراكه‏.‏
بعثت إليه باكور رمان فقال لي من الغد نعم بالهدنة زمانك يعني نعمت الهدية رمانك‏.‏
فعجب الناس من اجتماع نفسه وحضور فكره‏.‏
وهو شيخي الذي نشأت بين يديه وتأدبت به وورثت خطته عن رضى منه‏.‏
كتب عن الدول النصرية نحوًا من خمسين سنة أو ما ينيف عليها متين الجاه رفيع المكانة بعيد الصيت وسفر إلى الملوك واشتهر بالخير والحمل على أهل الظلم وجرى ذكره في التاج بما نصه‏:‏ صدر الصدور الجلة وعلم أعلام هذه الملة وشيخ الكتابة وبنيها وهاصر أفنان البدايع وجانيها اعتمدته الرياسة فنأى بها على حبل ذراعه واستعانت به السياسة فدارت أفلاكها على قطب من شباة يراعه‏.‏
فتفيأ للعناية ظلًا ظليلًا وتعاقبت الدول فلم تر به بديلًا من ندب على علوه متواضع وحبر لثدي المعارف راضع لا تمر مذاكرة في فن إلا وله فيه التبريز ولا تعرض جواهر الكلام على محاكاة الأفهام إلا وكلامه الإبريز حتى أصبح الدهر راويًا لإحسانه وناطقًا بلسانه وغرب ذكره وشرق فأشام وأعرق وتجاوز البحر الأخضر والخليج الأزرق إلى نفس هذبت الآداب شمايلها وجادت الرياض خمايلها ومراقبة لربه واستباق لروح الله من مهبه‏.‏
ودين لا يعجم عوده‏.‏
ولا تخلف وعوده‏.‏
وكل ما ظهر علينا بنيه من شارة تجلى بها العين أو إشارة كما سبك اللجين فهي إليه منسوبة وفي حسناته محسوبة فإنما هي أنفس راضها بآدابه وأعلقها بأهدابه وهذب طباعها كالشمس تلقي على النجوم شعاعها والصور الجميلة تترك في الأجسام الصقيلة انطباعها وما عسى أن أقول في إمام الأيمة ونور الدياجي المدلهمة والمثل الساير في بعد الصيت وعلو الهمة‏.‏

مشيخته نقلت من خطه في بعض ما كتب به إلى من الأشياخ الذين ليقتهم وأجازوني عامة‏.‏
الشيخ الفقيه الخطيب الصالح الصوفي المحقق صاحب الكرامات والمقامات نسيح وحده أبو الحسن فضل بن محمد بن علي ابن فضيلة المعافري‏.‏
قرأت عليه كذا‏.‏
ومنهم الشيخ الفقيه الأستاذ العالم العلم الكبير خاتمة المسندين بالمغرب أبو جعفر أحمد بن إبراهيم ابن الزبير الثقفي نشأت بين يديه وقرأت عليه كثيرًا وسمعت وأجازني‏.‏
ومنهم الشيخ الفقيه الخطيب الأستاذ أبو الحسن علي بن أحمد ابن محمد بن أحمد بن محمد الخشني البلوطي‏.‏
قرأت عليه القرآن العزيز بالقراءات السبع وغير ذلك‏.‏
ومنهم الشيخ الفقيه الصالح أبو عبد الله محمد بن عياش الخزرجي القرطبي لقيته بمالقة‏.‏
ومنهم الشيخ أبو محمد عبد الله بن علي الغساني السعدي الخطيب الصالح قرأت عليه وسمعت‏.‏
ومنهم الشيخ العدل أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن مستقور الطائي‏.‏
ومنهم قاضي الجماعة الشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سعيد العنسي ومنهم الشيخ الفقيه الخطيب المحدث الإمام أبو عبد الله محمد ابن عمر بن رشيد‏.‏
ومنهم الشيخ الخطيب أبو جعفر أحمد بن علي الأنصاري الكحيلي‏.‏
ومنهم الشيخ الخطيب الأستاذ الصالح أبو محمد عبد الواحد ابن محمد بن أبي السداد الأموي الباهلي‏.‏
ومنهم الشيخ الوزير الحسيب أبو عبد الله محمد بن يحيى بن ربيع الأشعري والشيخ الخطيب الأستاذ النظار أبو القاسم بن الشاط والشيخ الفقيه أبو عبد الله محمد بن مالك بن المرحل والشيخ المبارك أبو محمد عبد المولى بن عبد المولى الخولاني‏.‏
هؤلاء كلهم لقيتهم وأجازوني إجازة عامة وأما من أجازني ولم ألقه فعالم كثير من أهل المغرب والمشرق منهم أبو العباس بن الغماز قاضي الجماعة بتونس وأبو عبد الله بن صالح الكناني خليب بجاية والشريف أبو علي الحسن بن طاهر بن أبي الشرف بن رفيع الحسني وأبو فارس عبد العزيز الهواري وأبو محمد بن هرون القرطبي وأبو علي ناصر الدين المشدالي وغيرهم‏.‏
وشعره كثير مدون جمعته ودونته يشتمل على الأغراض المتعددة من المعشرات النبويات والقصائد السلطانيات والإخوانيات والمقطوعات الأدبيات والألغاز والأحجيات‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:22 AM

فمن ذلك من المعشرات في حرف الجيم على وجه التبرك‏:‏ جريئًا على الزلات غير مفكر جبانًا على الطاعات غير معرج جمعت لما يفنى اغترارًا بجمعه وضيعت ما يبقى سجية أهوج جنونًا بدار لا يدوم سرورها فدعها سدىً ليست بعشك فادرج جيادك في شأو الضلال سوابقٌ تفوت مدىً بين الوجيه وأعوج جهلت سبيل الرشد فاقصد دليله تجد دار سعد بابها غير مرتج جناب رسول ساد أولاد آدم وقرب في السبع الطباق بمعرج جمالٌ أنار الأرض شرقًا ومغربًا فكل سنىً من نوره المتبلج جلا صدأ المرتاب أن سبح الحصا لديه بنطق ليس بالمتلجلج جعلت امتداحي والصلاة عليه لي وسايل تخطيني بما أنا أرتج ومن الأغراض الصوفية السلطانية قوله‏:‏ فإذا الخليع أصاب منها شربةً حاجاه بالسر المصون محاج وإذا المريد أصاب منها جرعة ناجاه بالحق المبين مناج تاهت به في مهمهٍ لا يهتدى فيه لتأديب ولا إدلاج يرتاح من طرب بها فكأنها غنته بالأرمال والأهزاج هبت عليه نفحةٌ قدسية في فتح باب دائم الأرتاج فإذا انتشى يومًا وفيه بقية سارت به قصدًا على المنهاج وإذا تمكن منه سكر معربدٍ فليبصرن لمصرع الحلاج قصرت عبارة فيه عن وجدانه فغدا يفيض بمنطقٍ لجلاج أعشاه نور للحقيقة باهر فتراه يهبط في الظلام الداج رام الصعود بها لمركز أصله فرمت به في بحرها المواج فلئن أمد برحمة وسعادة فليخلصن من بعد طول هياج وليرجعن بغنيمة موفورة ما شيب عذب شرابها بأجاج واشدد يديك معًا على حبل التقى فإن اعتصمت به فانت الناج ولدى العزيز ابسط بساط تذلل وإلى الغنى امدد يد المحتاج هذا الطريق له مقدمتان صا دقتان انتجا أصح نتاج فاجمع إلى ترك الهوى حمل الأذى واقنع من الإسهاب بالإدماج حرفان قد جمعا الذي قد سطروا من بسط أقوال وطول حجاج والمشرب الأصفى الذي من ذاقه فقد اهتدى منه بنور سراج ألا ترى إلا الحقيقة وحدها والكل مضطر إليها لاج هذي بدائع حكمة أنشأتها بإشارة المولى أبي الحجاج وسع الأنام بفضله وبعدله وبحلمه وبجوده الثجاج من آل نصرٍ نخبة الملك الرضا أمن المروع هم وغيث اللاج من آل قبلة ناصري خير الورى والخلق بين تخاذل ولجاج ماذا أقول وكل قول قاصر في وصف بحر زاخر الأمواج لمن المطايا في السراب سوابحا تفلى الفلاة غواديًا وروايحا عوج كأمثال اللقيى ضوامر يرمين في الآفاق مرمى نازحا أو كالسحاب تسير مثقلة بما حملته من سقيا البطاح دوالحا ركبٌ ييمم غاية بل آية أبدت محيا الحق أبلح واضحا لما دعا داعي الرشاد مرددًا لبوه شوقًا والحمام هوادحا فلهم عجيج بالبسيطة صاعد يذكى بنار الشوق منك جوانحا وإذا حدا الحادي بذكر المصطفى أذروا في الأكوار دمعًا سابحا عيسٌ تهادى بالمحبين الألى ركبوا من العزم المصمم جامحا طارت بهم أشواقهم سباقةٌ فتركن أعلام المطى روازحا رفقًا بهن فهن خلق مثلكم أنضاء أسفار قطعن منادحا قد جين للهادي وهادا جمة وسلكن نحو الأبطحي أباطحا ناشدتك الرحمن وافد مكة ألا صرفت إلى صرفًا طامحا قسمًا بوفد يزخرون رواحلًا قطعت سباسبًا بلقعًا وضحاضحا حتى أناخوا بالمحصب من منى وتأملوا النور المبين اللايحا وتعرضوا لعوارض عرفية هبت بها تلك الرياح لوافحا وآووا إلى الحرم الشريف فطافعًا بالبيت أو بالركن منه ماسحا وسقوا به من ماء زمزم شربةً نالوا بها في الخلد حظًا رابحا ثم انثنوا قصدًا إلى دار الهدى يتسابقون عزايمًا وجوارحا فتبوؤا المغنى الذي بركاته فاضت على الآفاق بحرًا طافحا ختموا مناسكهم بزورة أحمد بختام مسك طاب عرفًا نافحا إن السماحة والشجاعة والندى والبأس والعقل الأصيل الراجحا وقفٌ على شمس المعالي يوسف أعلى الملوك خواتمًا وفواتحا فهو الذي ملأ البلاد فضايلًا صارت لمن بارى علاه فضايحا إن أجملت سير الكرام فخلقه ما زال للإجمال منها شارحا أو تلقه في يوم بأس قاهر تلق الأسود لدى العرين كوافحا أو تلقه في يوم فخر ظاهر تلق الكواكب في السماء لوايحا من أسرة النضر الألى هم ناصحوا بعزايم الصدق الأمين الناصحا هم أسسوا الملك المشيد بناؤه فكفوا به الإسلام خطبًا فادحا فاستفهم الأيام عن آثارهم تطلع عليك صحايفًا وصفايحا كان إذا ضن الغمام سحايبًا يهمى وإن جن الظلام مصابحا شادوا له مجدًا صميمًا راسخًا يبقى على الأعقاب ذكرًا صالحا وسما فخر فوق أمن جهادهم سمكوا له سماكًا رامحا الأعظمون مغانيًا ومناقبًا والأكرمون محامدًا وممادحا يا دولةً نصريةً قد جددت نصرًا لأبواب المعاقل فاتحا وأمامة سعدية قد أطلعت سعدًا ولكن للأعادي ذابحا فاضت جدًا فكأنما أيامها جعلت لأرزاق العباد مفاتحا جمع المواهب للمواهب مانحًا فوق المنى وعن الجرايم صافحا ابن الإمام أبي الوليد وحسبنا مدحًا تضمن في الفخار مدايحا يهنيك عيد النحر أسعد قادم وافاك من جدوى يمينك ماتحا وفيته قربانه وصلاته وأقمت فيه شعايرًا وذبايحا ورجعت في الجيش الذي أخباره تروى غرايبها الحسان صحائحا أسدٌ ضراغم فوق خيل ترتمي نحو العدو سوانحًا وبوارحا طيارةٌ بالدارعين تخالها تنقض في يوم القتال جوارحا من كل من تخذ القنا خيمًا له بلقى العدو مماسيًا ومصابحا والشمس أضرمت السبيكة عندما لقي الحديد شعاعها المطارحا فاهنأ به وانعم بدولتك التي ترضي الولي بها وتشجى الكاشحا دامت ودام الحق فيها ثابتًا يعلو يدًا والإفك فيها طالحا وقال يمدح ويصف مصنعًا سلطانيًا‏:‏ كم رمت كتم مزارها لكنه صحت دلايل لم تطق إعلالها تركت على الأرجاء عند مسيرها أرجًا كأن المسك فت خلالها ما واصلتك محبةً وتفضلًا لو كان ذاك لواصلت أفضالها لكن توقعت السلو فجددت لك لوعةً لا تتقي ترحالها فوحبها قسمًا بحق بروره لتجشمنك في الهوى أهوالها حسنت نظم الشعر في أوصافها إذ قبحت لك في الهوى أفعالها يا حسن ليلة وصلها ما ضرها لو أتبعت من بعدها أمثالها لما سكرت بريقها وجفونها أهملت كأسك لم ترد إعمالها هذا الربيع أتاك ينشر حسنه فافسح لنفسك في مداه مجالها واخلع عذارك في البطالة جامحًا واقرن بأسحار المنى آصالها في جنة تجلو محاسنها كما تجلو العروس لدى الزفاف جمالها شكرت أيادي للحيا شكر الورى شرف الملوك همامها مفضالها إن تلقه في يوم بذل هباته تلق الغمايم أرسلت هطالها أو تلقه في يوم حرب عداته تلق الضراغم فارقت أشبالها ملك إذا ما صال يومًا صولة خلت البسيطة زلزلت زلزالها فبسيفه وبسيفه نال المنا واستعجلت أعداؤه آجالها الواهب الآلاف قبل سؤالها فكفى العفاة سؤالها ومطالها القاتل الآلاف قبل قراعها فكفى العداة قراعها ونزالها إن قلت بحر كفه قصرت إذ شبهت بالملح الأجاج نوالها ملأ البسيطة عدله ونواله فالوحش لا تعدو على من غالها وسقى البرية فيض كفيه فقد عم البلاد سهولها وجبالها جمع العلوم عناية بفنونها آدابها وحسابها وجدالها منقولها معقولها وأصولها وفروعها تفصيلها إجمالها فإذا عفاتك عاينوك تهللوا لما رأوا من كفك استهلالها فتحت إمارتك السعيدة للورى أبواب بشرى واصلت إقبالها وبنت مصانع رايقات ذكرت دار النعيم جنانها وظلالها وأجلبها قدرًا وأرفعها مدىً هذا الذي سامى النجوم فطالها هو جنة فيها الأمير مخلد بلغت إمارته بها آمالها ولأرض أندلسٍ مفاخر أنتم أربابها أضفيتم سربالها فحميتم أرجاءها وكفيتم أعداءها وهديتم ضلالها فبآل نصر فاخرت لا غيرهم لم نعتمد من قبلهم أقيالها بمحمد ومحمد ومحمد قصرت على الخصم الألد نضالها فهم الألى ركبوا لكل عظيمة جردًا كسين من النجيع جلالها وهم الألى فتحوا لكل ملمة بابًا أراح بفتحه إشكالها متقلدون من السيوف عضابها متأبطون من الرماح طوالها الراكبون من الجياد عرابها والضاربون من العدا أبطالها ومن الرثاء قوله يرثي ولده أبا القاسم‏:‏ هو البين حتمًا لا لعل ولا عسى فما بال نفسي لم تفض عنده أسى وما لفؤادي لم يذب منه حسرة فتبًا لهذا القلب سرعان ما قسا ويا لجفوني لا تفيض موردًا من الدمع يهمى تارة ومورسا وما للساني مفصحًا بخطابه وما كان لو أوفى بعهد لينبسا أمن بعد ما أودعت روحي في الثرى ووسدت مني فلذة القلب مرمسا وبعد فراق ابني أبي القاسم الذي كساني ثوب الثكل لا كان ملبسا أؤمل في الدنيا حياة وارتضي مقيلًا لدى أبنائها ومعرسا فآهًا وللمفجوع فيها استراحة ولابد للمصدور أن يتنفسا على عمر أفنيت فيه بضاعتي فأسلمني للقبر حيران مفلسا ظللت به في غفلة وجهالة إلى أن رمى سهم الفراق فقرطسا إلى الله أشكو برح حزني فإنه تلبس منه القلب ما قد تلبسا وأطمع في أن يلقى برحمته الرضا وأجزع أن يشقى بذنب فينكسا أبا القاسم اسمع شجو والدك الذي حسا من كؤوس البين أفظع ما حسا وقفت فؤادي مذ رحلت على الأسى وأشهد لا ينفك وقفًا محبسا وقطعت آمالي من الناس كلهم فلست أبالي أحسن المرء أم أسا تواريت يا شمسي وبدري وناظري فصار وجودي مذ تواريت حندسا وخلفت لي عبئًا من الثكل فادحًا فما أتعب الثكلان نفسًا وأتعسا أحقًا ثوى ذاك الشباب فلا أرى له بعد هذا اليوم حولي مجلسا فيا غصنًا نضرًا ثوى عندما استوى فأوحشني أضعاف ما كان آنسا ويا نعمةً لما تبلغتها انقضت فأنعم أحوالي بها صار أبؤسا فودعته والدمع يهمي سحابه كما أسلم السلك الفريدا المجنسا وقبلت في ذاك الجبين مودعًا لأكرم من نفسي علي وأنفسا وخفف من وجدي به قرب رحلتي وماذا عسى أن ينظر الدهر ما عسا تغمدك الرحمن بالعفو والرضا وكرم مثواك الجديد وقدسا وألف منا الشمل في جنة العلا فنشرب تسنيمًا ونلبس سندسا وكتب إليه قصيدة أولها‏:‏ أمستخرجا كنز العقيق بآماقي أناشدك الرحمن في الرمق الباقي فقد ضعفت عن حمل صبري طاقتي عليك وضافت عن زفيري أطواق فأجابني رحمة الله عليه عن ذلك‏:‏ سقاني فأهلًا بالسقاية والعناق سلافًا بها قام السرور على ساق ولا نقل إلا من بدايع حكمة ولا كأس إلا من سطورٍ وأوراق فقد أنشأت لي نشوة بعد نشوة تمد بروحانية ذات أذواق فمن حظها الفاني متاعٌ لناظري وسمعي وحظ الروح من حظها الباقي أعادت شبابي بعد سبعين حجة فأثوابه قد جددت بعد إخلاق وما كنت يومًا للمدامة صاحبًا ولا قبلتها قط نشأة أخلاق وشتان ما بين المدامين فاعتبر فكم بين إنجاح لسعي وإخفاق فتلك تهادى بين ظلم وظلمة وهذي تهادي بين عدل وإشراق أيا علم الإحسان غير منازع شهادة إجماع عليها وإصفاق فضائلك الحسنى علي تواترت بمنهمر من سحب فكرك غيداق خزاين آداب بعثت بدرها إلى ولم تمنن بخشية إنفاق ولا مثل بكر حرة عربية زكية أخلاق كريمة أعراق فأقسم ما البيض الحسان تبرمت تناجيك سرًا بين وحي وإطراق بدورٌ بدت من أفق أطواقها على رياض شدت في قضبه ذات أطواق فناظر منها الأقحوان ثغورها وقابل منها نرجس سحر أحداق وناسب منها الورد خدًا موردًا سقاه الشباب النضر بورك من ساق وألبسن من صنعاء وشيًا منمنمًا وحلين من در نفايس أعلاق بأحلىً لأفواه وأبهىً لأعين وأحلىً لألباب وأشهىً لعشاق تقاضى ديون الشعر مني منبهًا رويدك لا تعجل علي بإرهاق فلو نشر الصادان من ملحديهما لإنصاف هذا الدين لاذا بإملاق فخذ زمام الرفق شيخًا تقاصرت خطاه وعاهده بمعهود وإشفاق فلا زلت تحيى للمكارم رسمها وقدرك في أهل العلا والنهى راق وكتبت إليه في غرض العتاب والاستعتاب‏:‏ أدرنا وضوء الأفق قد صدع الفضا مدامة عتب بيننا نقلها الرضا فلله عينًا من رآنا وللحيا حيى بآفاق البشاشة أومضا نفر إلى عدل الزمان الذي أتى ونبرأ من جور الزمان الذي مضى ونأسو كلوم اللفظ باللفظ عاجلًا كذا قدح الصهباء داوى وأمرضا فراجعني بقوله‏:‏ ألا حبذا ذاك العتاب الذي مضى وإن جره واش بزور تمضمضا أغارت له خيلٌ فما ذعرت حمى ولكنها كانت طلائع للرضا تألق منها بارق صاب مزنة على معهد الحب الصميم فروضا وما كان حب أحكم الصدق عهده ليرمى بوسواس الوشاة فيرفضا أعيذ ودادًا زاكي القصد وافيًا تخلص من أدرانه فتمحضا ونية صدق في رضى الله أخلصت سناها بآفاق البسيطة قد أضا من الآفك الساعي ليخفي نورها أيخفى شعاع الشمس قد ملأ الفضا وكيف يحل المبطلون بإفكهم معاقد حب أحكمتها يد القضا تعرض يبغي هدمها فكأنه لتشييد مبناها الوثيق تعرضا وحرض في تنفيره فكأنما على البر والتسكين والحب حرضا وأوقد نارًا فهو يصلى جحيمها يقلب منها القلب في موقد الغضا أيا واحدي المعدود بالألف وحده ويا ولدي البر الزكي إن ارتضا بعثت من الدر النفيس قلايدًا على ما ارتضى حكم المحبة واقتضا نتيجة آداب وطبعٍ مهذب أطال مداه في البيان وأعرضا ولا مثل بكر باكرتني آنفًا كزورة خلٍّ بعد ما كان أعرضا أو الشهب منها زينة وهداية ورجمٌ لشيطان إذا هو قيضا أتت ببديع الشعر طورًا مصرحًا بأبياتك الحسنى وطورًا معرضا ومهدت الأعذار دون جناية ولو أنك الجاني لكنت المغمضا لك الله من بر وفيٍّ وصاحبٍ محضت له صدق الضمير فأمحضا لسانك في شكري مفيض تفضلًا فيا حسن ما أهدى وأسدى وأقرضا وقلبك فاضت فيه أنوار خلتي فأبقى يدي تسليمه لي مفوضا وقصدك مشكور وعهدك ثابت وفضلك منشور وفعلك مرتضا فهل مع هذا ريبةٌ في مودة بحال وإن رأيت فما أنا معرضا فثق بولائي إنني لك مخلص هوىً ثابتًا يبقى فليس له انقضا عليك سلام الله ما هبت الصبا وما بارق جنح الدجنة أومضا وكتب إلى القاضي الشريف وهو بوادي آش‏:‏ أهزلًا وقد جدت بك اللمة الشمطاء وأمنًا وقد ساورتها حية رقطا تأهب فقد وافى مشيبك منذرًا وها هو في فوديك أحرفه خطا فرافقت منه كاتب السر واشيًا له القلم الأعلى يخط به وخطا معمى كتاب فكه احذر فهذه سفينة هذا العمر قاربت الشطا وإن طال ما خاضت بك اللجج التي خبطت بها في كل مهلكة خبطا وما زلت في أمواجها متقلبًا فآونة رفعًا وآونة حطا فقد أوشكت تلقيك في قعر حفرة تشد عليك الجانبين بها ضغطا ولست على علم بما أنت بعدها ملاقٍ أرضوانًا من الله أم سخطا وأعجب شيءٍ منك دعواك في النها وهذا الهوى المردي على العقل قد غطا قسطت عن الحق المبين جهالةً وقد غالطتك النفس فادعت القسطا وطاوعت شيطانًا تجيب إذا دعا وتقبل أن أغوى وتأخذ إن أعطا تناءى عن الأخرى وقد قربت مدىً تداني عن الدنيا وقد أزمعت شحطا وتمنحها حبًا وفرط صبابة وما منحت إلا القتادة والخرطا دليل إلى الرحمن فانهج سبيله فمن حاد عن نهج الدليل فقد أخطا محبته شرط القبول فمن خلت صحيفته منها فقد فقد الشرطا وما قبلت منه لدى الله قربة ولا زكت الأعمال بل حبطت حبطا به الحق وضاح به الإفك زاهق به الفوز مرجوٌّ به الذنب قد حطا هو الملجأ الأحمى هو الموئل الذي به في غد يستشفع المذنب الخطا إليك ابن خير الخلق بنت بديهة تقبل تبجيلًا أناملك السبطا وحيدة هذا العصر وافت وحيدة لتبسط من شتى بدايعها بسطا وتتلو آيات التشيع إنها لموثقة عهدًا ومحكمة ربطا لك الشرف المأثور يا ابن محمد وحسبك أن تنمي إلى سبطه سبطا إلى شرفي دينٍ وعلمٍ تظاهرا تبارك من أعطى وبورك في المعطا ورهطك أهل البيت بيت محمد فأعظم به بيتًا وأكرم بهم رهطا بعثت به عقدًا من الدر فاخرًا وذكر رسول الله درته الوسطا عليك سلام الله ما در شارق وما رددت ورقاء في غصنها لغطا ومن غريب ما خاطبني به قوله‏:‏ أقسم بالقيسين والنابغتين وشاعري طيىء المولدين وبابن حجر وزهير وابنه والأعشيين بعد ثم الأعميين ثم بعشاق الثريا والرقيات وعزة ومي وبثين وبأبي الشيص ودعبل ومن كشاعري خزاعة المخضرمين وولد المعتز والرضى والسرى ثم حسن وابن الحسين وأختم بقسٍّ وسحبان فإن أوجب حق أن يكونا أولين وحليتي نثرهم ونظمهم في مشرقي أقطارهم والمغربين أن الخطيب ابن الخطيب سابق بنثره ونظمه للحلبتين وافتني الصحيفة الحسنى التي شاهدت فيها المكرمات رأي عين تجمع من يراعة المعنى إلى يراعة الألفاظ كلتا الحسنيين يا أحوذيًا يا نسج وحده شهادة تنزهت عن قول مين بقيت في مواهب الله التي تقر عينيك وتملأ اليدين ومن المقطوعات الموطنات على المثال‏:‏ لله عصر الشباب عصرا فتح للخير كل باب حفظت ما شئت فيه حفظا كنت أراه بلا ذهاب حتى إذا ما المشيب وافى ند ولكن بلا إياب لا تعتنوا بعدها بحفظ وقيدوا العلم بالكتاب ومن ذلك قوله‏:‏ يا أيها الممسك البخيل إلهك المنفق الكفيل إنفق وثق بالإله تربح فإن إحسانه جزيل وقدم الأقربين واذكر ما روي ابدأ بمن تعول ومن ذلك قوله‏:‏ وقائلة لم عراك المشيب وما أن يعهد الصبا من قدم هي النفس إن أنت سامحتها رمت بك أقصى مهاوي الخديعة وإن أنت جشمتها خطة تنافى رضاها تجدها مطيعة فإن شئت فوزًا فناقض هواها وإن واصلتك أجزها بالقطيعة ولا تعبأن بميعادها فميعادها كسراب بقيعة ومن المقطوعات أيضًا‏:‏ من أنت يا مولى الورى مقصود طوبى له قد ساعدته سعوده فليشهدنك له فؤاد صادق وشهوده قامت عليه شهوده وليفنين عن نفسه ورسومه طرًا وفي ذاك الفناء وجوده وليخطفنه بارق يرقى به في أشرف المعراج ثم يعيده حتى يظل وليس يدري دهشة تقريبه المقصود أو تبعيده لكنه ألقى السلاح مسلمًا فمراده ما أنت منه تريده فلقد تساوى عنده إكرامه وهوانه ومفيده ومبيده حاجيت كل فطن لبيب ما اسم الأنثى من بني يعوب ذات كرامات فزرها قربة فزورها أحق بالتقريب تشركها في الإسم أنثى لم تزل حافظة لسرها المحجوب وقد جرى في خاتم الوحي الرضا لها حديث ليس بالمكذوب وهو إذا ما الفاء منه صحفت صبغ الحيا لا الحيا المسكوب فهاكها واضحةٌ أسرارها فأمرها أقرب من قريب وفي آب الشهر‏:‏ حاجيتكم ما اسم علم ذو نسبة إلى العجم يخبر بالرجعة وهو راجع كما زعم وصف الحميم هو بالتصحيف أو بدء قسم دونكه أوضح من نار على رأس علم ومن ذلك قوله في كانون‏:‏ وما اسم لسميين ولم يجمعهما جنس وهذا ما له سوم وذا قيمته فلس وهذا أصله الأرض وهذا أصله الشمس وهذا واحد من سبعة تحيا به النفس فمن محموله الجن ومن موضوعه الإنس فقد بان الذي ألغزت ما في أمره لبس ومن ذلك قوله في نمر‏:‏ ما حيوان ما له من حرمة إن اسمه صحف فابن العمة وقلبه من بعد تصحيف له يريك في الذكر الحكيم أمة ومن ذلك قوله في سلم‏:‏ ما اسم مركب مفيد الوضع مستعمل في الوصل لا في القطع ينصب لكن أكثر استعمال من يعنى به في الخفض أو في الرفع وهو إذا خففته مغيرًا تراه شملًا لم يزل ذا صدع فالاسم إن طلبته تجده في خامسة من الطوال السبع هما جميعًا من بني النجار والأفضل أصل في حنين الجذع فهاكه قد سطعت أنواره لاسيما لكل زاكي الطبع ومن ذلك قوله في فنار‏:‏ ما اسم إذا حذفت منه فاءه الممنوعة فإنه بنت الزنا مضافة لأربعة ومن ذلك قوله في حوت‏:‏ ما حيوان في اسمه إن اعتبرته فنون حروفه ثلاثة والكل منها نون تصحيفه قطع الفلا أو ما جناه المذنبون أو أبيض أو أسود أو صفة النفس الخؤون وقلبه مصحفًا عليه دارت السنون كانت به في مضى عبرة قوم يعقلون أودع فيها عنده سر من السر المصون فهاكه كالنار في الزند لها فيه كمون وفي كتاب الله جاء ذكرها فقل ما يغفل عنها القار في خبر المهدي فاطلبها تجد إن كنت من مطالعي الأخبار ما هي إلا العيد عيد رحمة ونعمة ساطعة الأنوار بشركها في الاسم وصف حسن من وصف قضب الروضة المعطار فهاكه كالشمس في وقت الضحى قد شف عنها حجب الأستار ومن ذلك قوله في زينب‏:‏ ما نقي العرض طاهر الجسد عندما خالطه ألمًا فسد خالط الماء القراح فغوى بعد ما كان من أهل الرشد عجمي الأصل تم حسنه عندما صاد الغزالة الأسد واسمه اسم امرأة مصحفًا ولقد يكون وصفًا لولد هاكه قد بهرت أنواره فارم بالفكر تصب قصد الرشد جميع هذه الأغراض المنسوبة إليه بحر لا ينفد مدده وقطر لا يبلغ عدده‏.‏
وأما نثره فسلطانيات مطولات عرضت بما تخللها من الأحوال متونها وقلت لمكان الاستعجال ولد بغرناطة في جمادى الآخرة عام ثلاثة وسبعين وستماية‏.‏
وفاته ليلة يوم الأربعاء الثالث والعشرين من شوال عام تسعة وأربعين وسبعماية‏.‏
ودفن بباب إلبيرة‏.‏
وكانت جنازته آخذة نهاية الاحتفال حضرها السلطان فمن دونه‏.‏
ومما رثي به‏:‏ رثيته بقصيدة أنشدتها على قبره خامس يوم دفنه ثبتت في غير ما موضع وهي‏:‏ ما لليراع خواضع الأعناق طرق النعي فهن في إطراق وكأنما صبغ الشحوب وجوهها والسقم من جزع ومن إشفاق ما للصحائف صوحت روضاتها أسفًا وكن نضيرة الأوراق ما للبيان كؤوسه مهجورة غفل المدير لها ونام الساق ما لي عدمت تجلدي وتصبري والصبر في الأزمات من أخلاق خطب أصاب بني البلاغة والحجا شب الزفير به عن الأطواق أما وقد أودى أبو الحسن الرضا فالفضل قد أودى على الإطلاق كنز المعارف لا تبيد نقوده يومًا ولا تفنى على الإنفاق من لليراع يجيل من خطبها سم العدا ومفاتح الأرزاق قضب ذوابل مثمرات بالمنى وأراقم ينفثن بالترياق من للرقاع الحمر يجمع حسنها خجل الخدود وصبغة الأحداق تغتال أحشاء العدو كأنها صفحات دامية الغرار رقاق وتهز أعطاف الولي كأنها راحٌ مشعشعة براحة ساق من للفنون يجيل في ميدانها خيل البيان كريمة الإعراق من للحقائق أبهمت أبوابها للناس يفتحها على استغلاق من للمساعي الغر تقصد جاهه حرمًا فينصرها على الإخفاق كم شد من عقد وثيق حكمه في الله أو أفتى بحل وثاق رحب الذراع بكل خطب فادح أعيت رياضته على الحذاق صعب المقادة في الهوادة والهوى سهل على العافين والطراق ركب الطريق إلى الجنان وحورها يلقينه بتصافح وعناق ما كنت أحسب قبل دفنك في الثرى أن اللحود خزائن الأعلاق يا كوكب الهدى الذي من بعده ركد الظلام بهذه الآفاق يا واحدًا مهما جرى في حلبة جلى بغرة سابق السباق يا ثاويًا بطن الضريح وذكره أبدًا رفيق ركائب ورفاق يا غوث من وصل الضريح فلم يجد في الأرض من وزر ولا من واق ما كنت إلا ديمةً منشورة من غير إرعاد ولا إبراق ما كنت إلا روضة ممطورة ما شئت بن ثمر ومن أوراق يا مزمعًا عنا العشي ركابه هلا لبثت ولو بقدر فواق رفقًا أبانا جل ما حملتنا لا تنس فينا عادة الإشفاق واسمح ولو بمزار لقيا في الكرى تبقى بها منا على الأرماق وإذا اللقاء تصرمت أسبابه كان الخيال تعلة المشتاق عجبًا لنفس ودعتك وأيقنت أن ليس بعد ثواك يوم تلاق ثق بالوفاء على المدى من فتية بك تقتدي في العهد والميثاق سجعت بما طوقتها من منةٍ حتى زرت بحمايم الأطواق تبكي فراقك خلوة عمرتها بالذكر في طفلٍ وفي إشراق أما الثناء على علاك فذائع قد صح بالإجماع والإصفاق والله قد قرن الثناء بأرضه بثنائه من فوق سبع طباق جادت ضريحك ديمةٌ هطالة تبكي عليه بواكفٍ رقراق وتغمدتك من الآله سعادة تسمو بروحك للمحل الراق صبرًا بني الجياب فقيدكم سيسر مقدمه بما هو لاق وإذا الأسى لفح القلوب أواره فالصبر والتسليم أي رواق وأنشد في هذا الغرض الفقيه أبو عبد الله بن جزي رحمه الله‏:‏ ألم تر أن المجد أقوت معالمه فأطنابه قد قوضت دعائمه هوى من سماء المعلوات شهابها وخانت جواد المكرمات قوائمه وإلا فما للنوم طار مطاره وما للزيم الحزن قصت قوادمه وما لصباح الأنس أظلم نوره وما لمحيا الدهر قطب باسمه وما لدموع العين فضت كأنها فواقع زهر والجفون كمائمه قضى الله في قطب الرياسة أن قضى فشتت ذاك الشمل من هو ناظمه ومن قارع الأيام سبعين حجة ستنبو عراره ويندق قائمه وفي مثلها أعيى النطاسي طبه وضل طريق الحزم في الرأي حازمه تساوي جواد في رداه وباخل فلا الجود واقيه ولا البخل عاصمه وما نفعت رب الجياد كرامه ولا منعت منه الغنى كرايمه وكل تلاق فالفراق أمامه وكل طلوع فالغروب ملازمه وكيف مجال العقل في غير منفذ إذا كان باني مصنع هو هادمه لبيك عليًا مستجير بعدله يصاخ لشكواه ويمنع ظالمه لبيك عليًا ماتح بحر علمه يروي بأنواع المعارف هائمه لبيك عليًا فضل كل بلاغة يخلده في صفحة الطرس راقمه وشخص ضئيل الجسم يرهب نفثه ليوث الشرى في خيسها وضراغمه تكفل بالرزق المقدر للورى إذا الله أعطى فهو للناس قاسمه يسدده سهمًا وينضوه صارمًا ويشرعه رمحًا فكل يلائمه إذا سال من شقيه سايل حبرة بما شاء منه سايل فهو عالمه لبيك عليه الآن من كان باكيًا فتلك مغانيه خلت ومعالمه تقلد منه الملك عضب بلاغة يقد السلوقي المضاعف صارمه وقلده مثنى الوزارة فاكتفى بها ألمعي حازم الرأي عازمه ففي يده وهو الزعيم بحقها يراعته والمشرفي وخاتمه سخيٌّ على العافين سهلٌ قياده أنى على العادين صعبٌ شكائمه إذا ضلت الآراء في ليل حادث رآها برأي يصدع الحق ناجمه وقام بأمر الملك للدين حاميًا فذل معاديه وضل مراغمه سقيت الغوادي أي علم وحكمة ودين متين ذلك القبر كاتمه وما زلت يستسقى بدعوتك الحيا وها هو يستسقي لقبرك ساجمه بكت فقدك الكتاب إذ كان شملهم يؤلفه من روح فضلك ناعمه وطوقتهم بالبر ثم سقيتهم نداك فكنت الروض ناحت حمايمه ويبكيك مني ذاهب الصبر موجع فوقد في جنبيه للحزن جاحمه فتى نال منه الدهر إلا وفاءه فما وهنت في حفظ عهدٍ عزايمه عليل الذي زرت عليه جيوبه قريح الذي شدت عليه حزايمه فقد كنت ألقى الخطب منه بجنة تعارض دوني بأسه وتصادمه سأصبر مضطرًا وإن عظم الأسى أحارب حزني مرة وأسالمه وأهديك إذ عز اللقاء تحية وطيب ثناءٍ كالعبير نواسمه وأنشد القاضي أبو بكر القرشي قوله من قصيدة في ذلك‏:‏ هي الآجال غايتها نفاد وفي الغايات تمتاز الجياد أبثكما والصبر للعهد ناكث حديثًا أملته على الحوادث قصائد مطولات يخرج استقصاؤها عن الغرض فكان هذا التأبين غريبًا لم يتقدم به عهد بالحضرة لكونها دار ملك والتجلة في مثل هذا مقصورة على أولي الأمر‏.‏
فمضى بسبيله رحمه الله‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:24 AM

ابن سعيد علي بن موسى بن عبد الملك بن سعيد بن خلف بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن الحسن بن عثمان بن عبد الله بن سعد بن عمار بن ياسر بن كنانة بن قيس بن الحصين بن لوذم ابن ثعلب بن عوف بن حارثة بن عامر الأكبر بن نام بن عبس واسمه زيد بن مالك بن أدد بن زيد العنسي المذحجي من أهل قلعة يحصب غرناطي قلعي سكن تونس يكنى أبا الحسن ويعرف بابن سعيد‏.‏
أوليته قد تقرر من كرم أوليته وذكر بيته ما ينظر في محله‏.‏
حاله هذا الرجل وسطي عقد بيته وعلم أهله ودرة قومه المصنف الأديب الرحال الطرفة الإخباري العجيب الشأن في التجول في الأوطان ومداخلة الأعيان والتمتع بالخزاين العلمية وتقييد الفوايد المشرقية والمغربية‏.‏
مشيخته أخذ عن أعلام إشبيلية كأبي علي الشلوبين وابي الحسن الدباج وأبي الحسن بن عصفور وغيرهم‏.‏
تواليفه وتواليفه كثيرة منها المرقصات والمطربات عزيز الوجود والمقتطف أغرب وأعجب والطالع السعيد في تاريخ بيته وبلده‏.‏
والموضوعان الغريبان المتعددا الأسفار وهما المغرب في حلى المغرب والمشرق في حلى المشرق وغير ذلك مما لم يتصل إلينا فلقد حدثني الوزير أبو بكر بن الحكيم أنه تخلف كتابًا يسمى المرزمة يشتمل على وقر بعير لا يعلم ما فيه من الفوايد الأدبية والإخبارية إلا الله شعره قال تعاطى نظم الشعر في حد زمن الشبيبة يعجب فيه من مثله فيذكر أنه خرج مع والده وقد مر في صحبته إلى إشبيلية وفي صحبته سهل بن مالك فجعل سهل يباحثه عن نظمه إلى أن أنشده في صفة النهر والنسيم يردده والغصون تميل عليه‏:‏ كأنما النهر صفحة كتبت أسطرها والنسيم ينشيها فطرب أبو الحسن وأثنى عليه ثم شدا وناب عن أبيه في أعمال الجزيرة ومازج الأدباء ودون كثيرًا من نظمه وحفظ له في المدح‏:‏ يا أيها الملك الذي هباته وهباته شدت عرى الإسلام لما أسال نداه سل حسامه فأراك برقًا في متون غمام لله شيعتك التي ترك العدا أقداحهم بمواطىء الأقدام طاروا بأجنحة السيوف إليهم مثل الحمام جلبن كل حمام فهم سهام والجياد قسيهم وعداهم هدف وسعدك رام وقال ومما نظمته بالحضرة في فرس كان لهم لوباني أغر أكحل بحلية‏:‏ وأجرد تبرى أثرت به الثرى والفجر في خصر الظلام وشاح عجبت له وهو الأصيل بعرفه ظلام وبين الناظرين صباح رحلته المشرقية وفيها الكثير من نظمه قال في الطالع لما قدم الديار المصرية واشتهر كان مما نظمه سلمًا لمعرفة الأدباء والظرفاء قوله وقد رأى بساحلها وجوهًا لا يعرفها وألسنًا غير ما عهد‏:‏ أصبحت أعترض الوجوه ولا أرى من بينها وجهًا لمن أدريه عودي على بدئي ضلالًا بينهم حتى كأني من بقايا التيه ودخل القاهرة فصنع له أدباؤها صنيعًا في ظاهرها وانتهت بهم الفرجة إلى روض نرجس وكان فيهم أبو الحسن الجزار فجعل يدوس النرجس برجله فقال أبو الحسن‏:‏ يا واطىء النرجس بالأرجل ما تستحي أن تطأ الأعين بالأرجل فتهافتوا بهذا البيت وراموا إجازته‏.‏
فقال ابن أبي الأصبغ‏:‏ فقال دعني لم أزل محرجًا على لحاظ الرشاد الأكحل وكان أمثل ما حضرهم ثم أبوا أن يجيزه غيره فقال‏:‏ قابل جفونًا بجفون ولا تبتذل الأرفع بالأسفل ثم استدعاه سيف الدين بن سابق صاحب الأشغال السلطانية إلى مجلس بضفة النيل مبسوط بالورد وقد قامت حوله شمامات نرجس فقال في ذلك‏:‏ من فضل النرجس فهو الذي يرضى بحكم الورد إذ يرأس أما ترى الورد غدًا قاعدًا وقام في خدمته النرجس ووافق ذلك مماليك الترك وقوفًا في الخدمة على عادة المشارقة فطرب الحاضرون من حسود ومنصف‏.‏
ولقي بمصر محيي الدين بن ندا واقد التركي الإمام زهير الحجاري بهاء الدين وبالقاهرة جمال الدين ابن مطروح وجمال الدين بن يغمور وتعرف بكمال الدين بن العديم رسول سلطان حلب فاستصحبه يتحف به الملك الناصر صاحب حلب فلقي بحمص وبيت المقدس وحماه أعلا ما جلة وله معهم أخبار يطول ذكرها ودخل على السلطان بحلب وأنشده قصيدة أولها‏:‏ جدلي بما ألقى الخيال من الكرى لابد للطيف الملم من الكرا فقال كمال الدين هذا رجل عارف مذ روى لمقصده من أول كلمة‏.‏
‏.‏
ثم قال بعد أبيات‏:‏ الناصر الملك الذي عزماته أبدًا تكون مع العساكر عسكرا ما كان أنبا الفتح يلزم لامه والجمع من أعدائه متكسرا فعظم استظراف السلطان لهذه المقاصد وأثنى عليه‏.‏
ثم وصل فقال‏:‏ الدين أصلحه وعم صلاحه الدنيا وأصبح ناصرًا ومظفرا فكأن كنيته غدت موضوعه من ربه والوصف منه مقررا وكأنما الأسماء قد عرضت على علياه قبل وجوده متخيرا فقال السلطان كيف ترون واستعاده‏.‏
فقال عون الدين العجمي عميد المجلس وكاتب الإنشاء من آل أيوب الذين هم هم ورثوا الندى والبأس أكبر أكبرا أهل الرياسة والسياسة والعلا بسيوفهم حلوا الذرى منحوا الذرا سم العداة على هيافيهم لا تعجبوا فكذاك آساد الشرى كادوا يقيلون العداة من الردى لو لم يمدوا كالحجاب العثيرا جعلوا خواتم سمرهم من قلب كل معاند عد المثقف خنصرا وببيضهم قد توجوا أعداءهم حتى لقد حلوا لكيما تشكرا لو لم يخافوا تيسار نحوهم وهبوا الكواكب والصباح المسفرا وهي طويلة‏.‏
ثم استجلسه السلطان وسأله عن بلاده ومقصده بالرحلة فأخبره أنه جمع كتابًا في الحلى البلادية والحلى العبادية المختصة بالمشرق وأخبره أنه سماه المشرق في حلى المشرق‏.‏
وجمع مثله فسماه المغرب في حلى المغرب‏.‏
فقال نعينك بما عندنا من الخزاين ونوصلك إلى ما لا عندنا‏.‏
مثل خزاين الموصل وبغداد وتضيف لنا المغرب‏.‏
فخدم على عادتهم وقال أمر مولاي بذلك إنعام وتأنيس ثم قال له السلطان مداعبًا إن شعراءنا ملقبون بأسماء الطيور‏.‏
وقد اخترت لك لقبًا يليق بحسن صوتك وإيرادك للشعر فإن كنت ترضى به وإلا لم يعلمه عندنا وهو البلبل فقال قد رضي المملوك بذلك يا خوند‏.‏
فتبسم السلطان وقال اختر واحدة من ثلاث أما الضيافة التي ذكرتها أول شعرك وأما جائزة القصيدة وإما حق الإسم‏.‏
فقال يا خوند المملوك ممن لا يختنق بعشر لقم فكيف بثلاث‏.‏
فطرب السلطان وقال هذا مغربي ظريف ثم أتبعه من الدنانير والخلع الملوكية والتواقيع بالأرزاق ما لا يوصف‏.‏
ولقي بحضرته عون الدين العجمي وهو بحر لا تنزفه الدلاء والشهاب التلعفري الشهير الذكر والتاج بن شقير وابن نجيم الموصلي والشرف بن سليمان الإربلي‏.‏
وطائفة من بني الصاحب‏.‏
ثم تحول إلى دمشق ودخل الموصل وبغداد ودخل مجلس السلطان المعظم ابن الملك الصالح بدمشق وحضر بمجلس خلوته‏.‏
وكان ارتحاله إلى بغداد في عقب سنة ثمان وأربعين وستمائة في رحلته الأولى إليها‏.‏
ثم رحل إلى البصرة ودخل أرجان وحج‏.‏
ثم عاد إلى المغرب‏.‏
وقد صنف في رحلته الأولى إليها مجموعًا سماه بالنفحة المسكية في الرحلة المكية‏.‏
وكان نزوله بساحل مدينة إقلنية من إفريقية في إحدى جمادين من عام اثنين وخمسين وستمائة واتصل بخدمة الأمير أبي عبد الله المستنصر فنال الدرجة الرفيعة من حظوته وقال عند اتصاله به لحين قدومه‏:‏ وما زلت أضرب في الخافقين أروم البلاد وأرعى الدول إلى أن رجعت إلى تونس محل الإمام وأقصى الأمل فقلت البلاد لهذي قرىً وقلت الأنام لهذا خول وحدثني شيخنا الوزير أبو بكر بن الحكيم أن المستنصر جفاه في آخر عمره وقد أسن لجراء خدمة مالية أسندها إليه وقد كان بلاءً منه قبل جفوة أعقبها انتشال وعناية‏.‏
فكتب إليه‏:‏ يا غزالًا في الحشا منزله وبعيني دائمًا منهله لا ترعبني بالجفا ثانية ما بقي في الجسم ما يحمله فرق له وعاد إلى حسن النظر فيه إلى أن توفي تحت بر وعناية‏.‏
رحمه الله مولده ولد بغرناطة ليلة الفطر في سنة عشر وستماية‏.‏
وفاته توفي بتونس حرسها الله في أحواز عام خمسة وثمانين وستماية‏.‏
علي بن عبد الرحمن بن موسى بن جودي القيسي الأديب الكاتب يكنى أبا الحسن من أهل المعرفة بالعلوم القديمة وأصله من عمل سرقسطة‏.‏
وكان صديقًا للوزير أبي الحسن بن هاني‏.‏
مشيخته قرأ على الحكيم أبي بكر بن الصايغ المعروف بابن باجة‏.‏
وكان خليع الرسن فيما ذكر عنه‏.‏
شعره من شعره‏:‏ خليلي من نعمان بالله عرجا على الأيك من وادي العقيق فسلما وقولا له ما حال لبني لعله إذا سمع النجوى بلبنى تكلما فعهدي به والظل ينفض دوحه وقد خضلت عيدانه فتنعما تباكره لبنى لإتيان موعد عزيز عليها أن يخان ويصرما نبث حديثها فنبكي بعبرة فترسلها ماءً ونرسلها دما ومن شعره قوله‏:‏ أدر كأس المدام فقد تغنى بفرع الأيك أورقها الصدوح وسال النهر يشكو من حصاه جراحات كما أن الجريم وقال‏:‏ سقى الله دهرًا ضم شمل مودة وجمع إخوان الصفاء بلا وعد بميناء تعلوها الرياح بليلةً وتنظر منها الشمس بالأعين الرمد وفاته‏:‏ توفي بغرناطة في حدود الثلاثين وخمسماية‏.‏
ومن الطاريين عمر بن خلاف بن سليمان بن سلمة من أهل شابش يكنى أبا علي‏.‏
حاله كان فقيهًا أديبًا مكثرًا شهير المكان بجهته مولعًا بمكاتبة الأدباء وتقييد ما يصدر عنهم مؤرخًا من أهل النباهة والعناية‏.‏
ألف كتابًا سماه نخبة الأعلاق ونزهة الأحداق في الأدباء وحلى من ذكر فما قصر من السداد‏.‏
وله نظم ونثر وخطب وبيعات ومراجعات تضمنها الكثير من كتبه‏.‏
شعره ما قاله يخاطب بعض إخوانه‏:‏ خذها إليك أبا إسحق تذكرة من ذاكر لك في قرب وفي شحط ولا يزال بحفظ العهد معتنيًا ولا يعامل في البحران بالشطط فأنت عندي أولى من أذمة ربحي ومن صفوتي في أرفع النمط قد طال شوقي للإعلام منك بما لديك إذ فيه لي تأنيس مغتبط وقد تيت بنكري في التغافل عن معهود ما كنت توليه لذي الشحط وقد عفا رسم عرفان الإخاء بما أوليت من كثرة الإهمال والغلط جبر أخي وهيه وارجع لصالح ما عودت في الكتب من مستحسن الخطط وجد ببسط انبساط أنت تبذله فإن أقبح شيء قبض منبسط خذ سلامًا كعرف المسك نفحته من ذي ولاءٍ بذاك المجد مغتبط وفي مفاتحة بعض الأدباء‏:‏ أبا جعفر وافتك في صفحة الطرس عقيلة ود لم تشنها يد اللمس لها حلل الإخلاص زيًا وحليها عطر ثنا عرف روض الربى ينبس وموجبها ما قد فشى من محامد حباك بها الرحمن ذو العرش والكرسي وغر علوم حزتها ومعارف غلوت بها فحيي علي البدر والشمس فإن رزقت منك القبول تشرفت وفازت بتحصيل المسرة والأنس إقتضبتها أعلى الله قدرك كما أسنى في سماء المعارف والأدب التالد والطارف بدرك عن إقتضبتها أعلى الله قدرك كما أسنى في سماء المعارف والأدب التالد والطارف بدرك عن ود ملك زمامي وفضل في سبيل المنافسة في خطبة ودادك غاية اهتمامي وقد تقرر لدي من محاسنك وإحسانك بالسماع ما أوجب علي مخاطبتك عند تعذر المشافهة بألسنة اليراع فانقدت بزمام ذلك الواجب وقصدت أداءه على أصح المذاهب راجيًا من تجاوزك وإغضايك ما يليق بباهر علايك وفي جوابك هو الشفاء ولدى خطابك يلقى الاعتناء والاحتفاء والله يطلع منك السار ويصل لك المبار‏.‏
وقال يخاطب السلطان‏:‏ إلى الحضرة العليا يستبق العبد وفي القرب سنها والدنو هو القصد إلى حضرة الولي الإمارية التي تبلح فيها العدل وابتسم السعد وفيها وجود للدين والدنا وقد خصها بالرحمة الصمد الفرد وفاته كان حيًا في سنة خمس وستماية علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن عمر الغساني عبدٌ له أسولة وليستحي أن يسلك أفواههم تسله ولم تحسن عملك فإن أنت خنته أمانة قد حملك ولم تكن تشكر ما من فضله قد خولك وكلما أهملته من حقه ما أهملك إنا كما قالوا سوى أنك أعلى من ملك تلك التي تؤنسني وترتجي بفضلك بشراي إن نال الرضا بها توسلك علي بن محمد علي بن هيضم الرعيني من أهل إشبيلية يكنى أبا الحسن‏.‏
حاله الكاتب البليغ المحدث الراوية‏.‏
قال الأستاذ كان من أهل العلم والمشاركة وغلبت عليه الكتابة السلطانية‏.‏
واعتمدها صناعة‏.‏
وكتب لجلة من ملوك الأندلس والعدوة‏.‏
وكان انفصاله من الأندلس قبل سنة أربعين وستماية‏.‏
قلت وكتب للسلطان المتوكل على الله أبي عبد الله بن هود ثم للسلطان المتوكل الغالب بالله أبي عبد الله بن نصر‏.‏
وسكن بغرناطة مدة مديدة‏.‏
ثم رحل إلى مراكش‏.‏
فكتب عن أمير سبتة وعن ملوك الموحدين بمراكش‏.‏
ونمت حاله ونبهت رتبته واستقل بالإنشاء بعد شيخة أبي زيد الفازازي وكان محدثًا عارفًا بارواية متعدد المشيخة‏.‏
فاضلًا دينًا‏.‏
مشاركًا في كثير من المعارف‏.‏
حسن الخط‏.‏
جيد الكتابة‏.‏
متوسط الشعر‏.‏
قلت هذا الرجل له مشيخة في أصل ابن الخطيب طويلة اختصرتها‏.‏
شعره ونثره من ذلك ما جمعفيه بين النظم والنثر‏:‏ وافى الكتاب وقد تقلد جيده ما أنت تحسن نظمه وتجيده من كل معنى ضمن لفظه في حلى خط يزيل طلى الطروس فريده أبا المطرف دعوة من خالص لعلاك غابت وده وشهيده فانثر أنت بديعه وعماده وانظم أنت حبيبه ووليده إيه أيها السيد الذي جلت سيادته وحلت صميم الفؤاد سعادته ودامت بها ينفع الناس عادته‏.‏
ألقى إلى كتاب كريم خطته تلك اليمنى التي اليمن فيها تخطه‏.‏
ونسقت جواهر بيانه التي راق بها سمطه فلا تسلوا عن ابتهاجي بأعاجيبه وانتهاجي لأساليبه وشدة كلفي بالتماح وسيمه وجدة شغفي باسترواح نسيمه‏.‏
فإنه قدم وأنس النفس راحل واستعاده وروض الفكر ماحل فجاده لا جرم أنه بما حوى من حدق النوى وروى من طرق الهوى وبكى الربيع المحيل وشكى من صابح الرحيل هيج لواعج الأشواق وأثارها وحرك للنفس حوارها فحنت واستوهبت العين مدارها فما ضنت‏.‏
فجاشت لوعة أسكنت وتلاشت سلوة عنت وكف دمع كف وثقل عذلٌ خف واشتد الحنين وامتد الأنين وعلا النحيب وعرا الوجيب والتقى الصب والحين وهدى المحب قدر ما جناه البين وطالما أعمل في احتمال المشاق عزيمه وشد لاجتياب الآفاق حيازيمه‏.‏
وادع مثوى المقام معتزما لا يرى الغرام ملتزما وأزمع الباين عن أحبته أشعل البين في الحشى ضرما وهل جرى ذاك في تصوره فربما أحدث الهوى لمما وعاذلٌ قال لي يعنتني لا تبد فيما فعلته ندما ما حيلة في يدي فأعملها عدلٌ من الله كل ما حكما أما أن القلب لو فهم حقيقة البين قبل وقوعه وعلم قدر ما يشب من الروع في روعه لبالغ في اجتنابه واعتقد المعفى عنه من قبيل المعتنى به‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:25 AM

ولحا الله الأطماع فإنها تستدرج المرء وتغره وتغريه بما يسره‏.‏
ما زالت تقتل في الغارب والذروة وتخيل بالترغيب والثروة حتى أنأت عن الأحباب والحبايب ورمت بالغريب أقصى المغارب‏.‏
فيا لوحشة ألوت بإيناسة وبالغربة أحلت في غير وطنه وناسه ويا عجبًا للأيام وإساءتها وقرب مسرتها من مساتها كأنها لم تتحف بوصال ولم تسعف باتصال ولم تمتع بشباب ولم تفتح لقضاء أوطار النفس كل باب‏.‏
عجبًا للزمان عق وعاقا وعدمنا مسرة ووفاقا أين أيامه وأين ليال كلآل تلألؤًا واتساقا كم نعمنا بظلها فكأنا مرقها للصبا علينا رماقا كم بغرناطة وحمص وصلنا باصطباح من السرور اغتباقا وفي ربى نجد تلك أو نهر هدى والأماني تجري إلينا استباقا في رياض راقت وراق ولكن حين ند الحيا لها فأراقا وثنا للغصون منها قدودًا تتلاقى تصافحًا واعتناقا كلما هب من صباه عليل وتداوى بها العليل أفاقا حكم السعد للأحبة فيه بكؤوس الوصال أن تنساقا ثم كرت للدهر عادة سوء شق فيها خطب النوى حين شاقا شتت الشمل بعد طول اجتماع وسقى الفراق كأسًا دهاقا وأعاد الأوطان قفرًا ولكن قد أعاد القطان فيها الرفاقا ليت شعري والعيش تطوي بالفيافي أشامًا تبوؤا أم عراقا يا حداة القلوب رفقًا بصبٍّ بلغت نفسه السياق اشتياقا فآه من شجوة وآه لبين ألزم النفس لوعة واحتراقا هذه يا سيدي استراحة من فؤاد وقدته الفرقة والقطيعة واستباحته لحمى الوقار بما لم تحظره الشريعة فقديمًا تشوكيت الأحزان وتبوكيت الأوطان وحن المشتاق وكن له من الوجد ما لا يطاق فاستوقف الركب يشكو البلابل واستوكف السحب لسقيا المنازل وفدى الربع وإن زاده كربًا ومن له إن يلم لائمًا له تربا‏.‏
حسبه دموع تفيض مجاريها ونجوم يسامرها ويسايرها‏.‏
واستعبدته صبابة وكذا الهوى في حكم أحراره عبدانه كم رام كتمان المحبة جهده ودموعه يبدو بها كتمانه وإذا المحب طوى حديث غرامه كبى الضلوع وشت به أجفانه وهي طويلة‏.‏
وفاته بمراكش سحر ليلة الأربعاء الرابعة والعشرين من رمضان سنة ستة وستين وستماية‏.‏
ودفن عقب ظهره بجبانة الشيوخ مقاربًا باب السادة أحد أبواب قصر مراكش‏.‏
وكان الحفل في جنازته عظيمًا‏.‏
لم يتخلف كبير أحد‏.‏
علي بن محمد بن علي بن البنا من أهل وادي آش يكنى أبا الحسن‏.‏
حاله من الإكليل الزاهر قال فيه فاضل يروقك وقاره وصقرٌ بعد مطاره‏.‏
قدم من بلده وادي آش يروم اللحاق بكتاب الإنشاء وتوسل بنظم أنيق وأدب في نسب الإجادة عريق تعرف براعته عن لسان ذليق وطبع طليق وذكاء بالأثرة خليق وبينا هو يلحم في ذلك الغرض ويسدي ويعيد ويبدي وقد كادت وسايله أن تنجح وليلة رجايه أن تصبح اغتاله الحمام وخانته الأيام والبقاء لله والدوام‏.‏
شعره من شعره يخاطبني لما تقلدت الكتابة العليا‏:‏ هو العلا جرى باليمن طايره فكان منك على الآمال ناصره ولو جرى بك ممتدًا إلى أمل لأعجز الشمس ما أمت عساكره لقد حباه منيع العز خالقه بفاضل منك لا تحصى مآثره فليزه فخرًا فما خلقٌ يعارضه ولا علًا مدى الدنيا يفاخره لله أوصافك الحسنى لقد عجزت من كل ذي لسن عنها خواطره هيهات ليس عجيبًا عجز ذيل سن عن وصف بحر رمى بالدر زاخره هل أنت إلا الخطيب ابن الخطيب ومن زانت حلى الدين والدنيا مفاخره فإن يقصر عن الأوصاف ذو أدب فما بدا منك في التقصير عاذره مهلًا عليك فما العلياء قافية ولا العلا بسجعٍ أنت ناثره ولا المكارم طرسًا أنت راقمه ولا المناقب طبًا أنت ماهره ماذا على سابق يسري على سنن إن كان من نفعه خل يسايره سر حيث شيت من العليا سيدًا فما أمامك سابقٌ تحاذره أنت الإمام لأهل الفخر إن فخروا أنت الجواد الذي عزت مفاخره ما بعد ما حزته من عزة وعلًا شأو يطارد فيه المجد كابره نادت بك الدولة الشعرى محتدها نداء مستجد أزرًا يوازره حلية لما برد البر مرتديًا وصج يمنك فجر السعد ساجره فالملك يرفل في أبراده مرحًا قد عمت الأرض إشراقًا بشايره فأضاء بها نعمة ما أن يقوم فيها من اللسان ببعض الحق شاكره وليهننا أنه ألقت مقالدها إلى سرى زكت منه عناصره فإنه بدر تم في مطالعها قد طبق الأرض بالأنوار نايره ذل الزمان له طورًا فبلغه من بعض آماله بعض الذي طلبا والآن أركبه من كل نابية صعب الأعنة لا يألو به نصبا فحملته دواعي حبكم وكفى بذاك شافع صدقٍ يبلغ الأربا فهل سرى نسمة من جاهكم فيها خليفة الله فينا يمطر الذهبا وأهدى إلي قباقب خشب برسمي ومعها من جنسها صغار للأولاد من مدينة وادي آش من خشب الجوز وكتب لي معها‏:‏ هاكها ضمرًا مطايا حسانًا نشأت في الرياض قضبًا لدانا وثوت بين روضة وغدير مرضعات من النمير ليانا ثم لما أراد إكرامها الله وسنى لها المنى والأمانا قصدت بابك العلى ابتدارًا ورجت في قبولك الإحسانا قد قبلنا جيادك الدهم لما لما أن بلونا منها العتاق الحسانا أقبلت خلف كل حجر ببيع خلعت وصفها عليه عيانا فقبلنا برعيها وفسحنا في ديار العلى لها ميدانا مثلما تجنب الجيوش المذاكى عدة للقاء مهما كانا لم ترق مقلتي ولا رق قلبي كحلاها براعة وبيانا من يكن مهديًا فمثلك يهدى لم أجد للثنا عليك لسانا وفاته توفي في الرابع لشعبان من عام خمسين وسبعماية معتبطًا في الطاعون لم يبلغ الثلاثين‏.‏
الوارد علي بن محمد بن علي العبدري سكن غرناطة يكنى أبا الحسن ويعرف بالوارد ويشهر أبوه باليربوني‏.‏
حاله بقية مسني أدباء الأندلس في فن الهزل والمعرب والهزل متولى شهرته وله القدح المعلى فيه والطريقة المثلى ظريف المأخذ نبيل الأغراض حافظ للعيون مال بآخرة إلى النسك وصحبة الصالحين‏.‏
ولم يزل بحاله الموصوفة إلى أن استولت عليه الكبرة وظرفه يتألق خلال النسك‏.‏
وجرى ذكره في الإكليل الزاهر بما نصه‏:‏ أديب نار ذكايه كأنه يتوقد وأريبٌ لا يعترض كلامه ولا ينقد‏.‏
أما الهزل فطريقته المثلى التي ركض في ميدانها وجلى وطلع في أفقها وتجلى فاصبح علم أعلامها وعابر أحلامها‏.‏
إن أخذ بها في وصف الكاس وذكر الورد والآس وألم بالربيع وفصله والحبيب ووصله والروض وطيبه والغمام وتقطيبه‏.‏
شق الجيوب طربًا وعل النفوس إربًا وضربًا‏.‏
وأن اشفق لاعتلال العشية في فرش الربيع الموشية ثم تعداها إلى وصف الصبوح وأجهز على الرق المجروح وأشار إلى نغمات الورق يرفلن في الحلل الزرق وقد اشتعلت الليل نار البرق وطلعت بنور الصباح في شرفات الشرق سلب الحليم وقاره وذكر الخليع كأسه وعقاره بلسان يتزاحم على مورده الخيال ويتدفق من حافاته الأدب السيال وبيان يقيم أود المعاني ويشيده صانع اللفظ محكمة المباني ويكسو حلل الإحسان جسوم المثالث والمثاني إلى نادرة لمثلها يشار ومحاضرة يجنى بها الشهد ويسار‏.‏
وقد أثبت من شعره المعرب‏.‏
وإن كان لا يتعاطاه إلا قليلًا ولا يجاوره إلا تعليلًا أبياتًا لا تخلو من مسحة جمال على صفحاتها وهبة طيبٍ ينم في نفحاتها‏.‏
فمن ذلك قوله‏:‏ يذكرني حسن الكواعب روضة لها خطر قيد النواظر مونق خدود من الورد النضير وأعين من النرجس السامي إليها تحدق ومن شعره قوله‏:‏ أسافرة النقاب سحرت لما أمطت الخز عن بدر التمام وتيمت الفؤاد بفنج طرفٍ كحيل ما يفيق من المنام لعمر أبيك ما بالنوم بعدٌ عن الجفن المكحل بالظلام ومن معانيه المخترعة وأغراضه المبتدعة‏.‏
وكلها كذلك‏:‏ مالي إذا غبتم تهمى لفرقتكم عيني بمنهمر كالغيث هتان أشبهت نيلوفرًا والشمس بهجتكم إن غبتم غبت في أمواه أجفان السقم يشهد لي والدمع برح بي متى استوى عندكم سرٌّ وإعلان وقال من المستحسن الذي رمى فاصاب واستمطر طبعه فصاب‏:‏ يقولون لاح الشيب فاله عن الصبا وعن قهوة تصبو لها وتنيب فقلت دعوني نصطحبها سلافة على صبح شيبي فالصبح عجيب وقال كذلك‏:‏ لا تعجبن من اليليد مخولًا ومن اللبيب يعد في الفقراء

ومن قصائده الغربية‏:‏
ومعذرٌ لحظ المشيب بعارضي ** فتصرمت دوني حبال وصاله
هلا ثنتهه نسبة لمحبه ** إن العذار لشيبة لجماله
وقال أيضًا‏:‏
تحر الصدق إن حدثت يومًا ** وإن حدثت لا تنقل حديثًا
وكن للسر صوانًا كتومًا ** وريما كان سرك أو حديثًا
قال مما يكتب في غمد سيف‏:‏
لئن راق مني منظر بان ** حسنه لقد سامني بالمهند باطن
كان أديمي رقعة من حديقة ** تلقفها صلٌّ لدى الروض كامن
وقال مما يكتب على قوس‏:‏
إن كان من وتر الألحان منبعثًا ** سرور قوم مدى الآصال والبكر
فإن حزن العدا ما نال منبعثًا ** مني وحينهم في النقر في وتر
وقال في غير هذا الغرض‏:‏
الخير كل الخير في ستة ** لم تلف إلا في كرام الرجال
ومما نختتم به محاسنه قوله‏:‏
ألا إن باب الله ليس بمغلق ** ولا دونه من مانع لموفق
ولكن بلينا في سلوك طريقه ** بكلبٍ من الشيطان ليس بمطرق
فمن يرم بالدنيا إليه كلقمة ** فذاك الذي من شره ليس يتق
فخل عن الدنيا ودع عنك حبها ** يدعك إلى أوج السعادة ترتق
وقوله‏:‏
أيقنت أن جميع الخلق ليس له ** شيء من الأمر في شيء فيصنعه
فلا أخاف ولا أرجو مدى عمري ** إلا الذي في يديه الخلق أجمعه
مولده بمدينة مالقة في اليوم الثالث والعشرين لذي حجة من عام أحد وثمانين وستماية‏.‏
وفاته في أحواز أحد وستين وسبعماية يكنى أبا الحسن سرقسطي الأصل غرناطي الاستيطان والاستعمال‏.‏
حاله كان وزيرًا جليلًا معظم القدر‏.‏
مبجلًا أثيرًا ذا معارف جمة أحد كتاب الزمن وأهل البلاغة والفصاحة والكرم‏.‏
وزر للأمير أبي الطاهر تميم بن يوسف بن تاشفين صاحب غرناطة فحمدت وزارته وكتب للأمير علي بن يوسف‏.‏
وروى عن شيوخ غرناطة‏.‏
أخباره في الجود والجلالة قال أبو القاسم شكى إليه بعض إخوانه من حادث طرقه وأن النفاق أخرجه من بلده وحال بينه وبين بلده فأنزله أكرم منزل وخرج إلى المسجد الجامع وأشهد على نفسه أنه وهبه الربع من أملاكه وكتب بذلك عقدًا ودفعه إليه وقال يا أخي إن ذلك سيصلح من حالك وحالي لا يتسع لأكثر من هذا فاعذر أخاك‏.‏
وكان الذي وهبه يساوي فوق الألف دنير مرابطية فرحم الله الوزير أبا الحسن‏:‏ فلقد كان نادرة الزمن‏.‏
شعره من ذلك قوله‏:‏ في كل يوم منزل لأحبة كالظل يلبس للقيل ويخلع ومن ذلك قوله‏:‏ تسموا بالمعارف والمعالي فليس المجد بالرحم البوال وإن فاتا فبالبيض المواضي وبالسمر المثقفة العوال وإذا المرء تنهضه هذي فليس بنا هض أخرى الليال ومن أسمته أسباب سواها فرفعتها تؤل إلى سفال ومن المحدثين والفقهاء والطلبة النجباء علي بن إبراهيم بن علي بن إبراهيم الجذامي القاضي المتفنن الحافظ من أهل غرناطة يكنى أبا الحسن‏.‏
حاله من الصلة كان عدلًا فاضلًا جليلًا ضابطًا لما رواة فقيهًا حافظًا حسن التقييد‏.‏
مشيخته روى عن أبي محمد عبد الحق بن بونه والقاضي ابي عبد الله بن زرقون وأبي القاسم بن حبيش وأبي خالد بن رفاعة وأبي محمد بن عبيد الله وأبي زيد السهيلي وابي عبد الله بن الفخار وأبي الوليد بن رشد‏.‏
مولده ضحوة يوم الأضحى من عام خمسة وخمسين وخمسماية‏.‏
وفاته وتوفي قريب الظهر من يوم الأربعاء التاسع عشر لذي حجة من عام اثنين وثلاثين وستماية‏.‏
من روى عنه‏.‏
روى عنه القاضي أبو علي بن أبي الأحوص‏.‏
ابن النفزي علي بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن الضحاك الفزاري من أهل غرناطة يكنى ابا الحسن ويعرف بابن النفزي‏.‏
حاله مشيخته أخذ عن أبي الحسن شريح وعن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد بن الباذش وعن أبي القاسم بن ورد وعن القاضي أبي الفضل عياض بن موسى وعن الإمام أبي عبد الله المازري وعن أبي الطاهر السلفي وعن أبي مروان بن مسرة وأبي محمد بن سماك القاضي وعلي بن عبد الرحمن ابن سمحون القاضي والقاضي أبي محمد بن عطية والمشاور أبي القاسم عبد الرحيم بن محمد والقاضي أبي القاسم بن أبي جمرة وجماعة يطول ذكرهم‏.‏
تواليفه وله تواليف في أنواع من العلم منها كتاب نزهة الأصفياء وسلوة الأولياء في فضل الصلاة على خاتم الرسل وصفوة الأنبياء غثنا عشر جزءًا وكتاب زواهر الأنوار وبواهر ذوي البصاير والاستبصار في شمايل النبي المختار سفران كبيران وكتاب منهج السداد في شرح الإرشاد ثلاثون جزءًا وكتاب مدارك الحقائق في أصول الفقه خمسة عشر جزءًا وكتاب تحقيق القصد السني في معرفة الصمد العلي سفر وكتاب نتايج الأفكار في إيضاح ما يتعلق بمسئلة الأقوال من الغوامض والأسرار سفر وكتاب تنبيه المتعلمين على المقدمات والفصول وشرح المهمات منها والأصول سفر وكتاب السباعيات وكتاب تبيين مسالك العلماء في مدارج الأسماء وكتاب رسائل الأبرار‏.‏
وذخائر أهل الحظوة والإيثار في انتخاب الأدعية المستخرجة من الأخبار والآثار سفران اثنان وكتاب الإعلام في استيعاب الرواية عن الأيمة الأعلام سفران‏.‏
وفاته توفي في الكاينة بغرناطة سنة سبع وخمسين وخمسماية‏.‏
خرج منها يريد وادي آش فلم يصل إليها وفقد فلم يوقع له على خبر‏.‏
ابن زكريا علي بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري يكنى أبا القاسم ويعرف بابن زكريا‏.‏
أوليته‏:‏ قد مر في ذكر أبيه وعمه‏.‏
حاله هذا الرجل فاضل سكون من أهل السذاجة والسلامة والعفاف والصيانة معم مخول في الخير‏.‏
طاهر النشأة‏.‏
جانح للعدالة‏.‏
قعد للعلاج وبرز في صناعة الطب على فتًا من سنه مشيخته قرأ العربية والفقه وغيرهما من المبادىء على مشيخة وقته والطب على الوزير أبي يزيد خالد بن خالد من أهل غرناطة وقعد معه‏.‏
شعره ينتحل من الشعر ما عينه في الشرود أو غير ذلك فراره كقوله‏:‏ صعدت نار فؤادي أدمعي فلذا ما جف قلبي فانفطر لو أباح الله لي وصلك الأنبل صدع القلب مني وانخبر أصل داني منك لحظٌ فاتر وأشد اللحظ ما ما فتر كيف أرجو منه برًا وغدت قهوة الحسن تسقيه درر فانظر قوله الأنبل من شعره‏:‏ ولي همة من دونها كل همة أموت بها عطشان أو يخلص الشرب يعز على الكريم ورود ماء يكدره شوب ويطرقه نهب وإني وأن أضحى لودك موضع من القلب أضحى دون موضعه الخلب غفر الله له على قشب وتجاوز عنه فلقد دفع منه ففضحها‏.‏
وهو بحاله الموصوفة ومن الطارئين والغرباء علي بن أحمد الخشني علي بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الخشني من أهل مالقة من قرية يعشيش من عمل ملتماس من شرقيها يكنى أبا الحسن‏.‏
ودخل غرناطة ومدح أمراءها وتردد إليها‏.‏
حاله من عايد الصلة‏:‏ من صدور أهل الدين والفضل والخير والصلاح والنزاهة والاقتصاد والانقباض تحرف بصناعة التوثيق بمالقة جاريًا على شاكلة مثله من الاقتصاد والتبلغ باليسير ومصابرة الحاجة مكبًا على المطعالة والنظر مجانبًا للناس بعيدًا عن الريب مؤثرًا للزهد في الدنيا‏.‏
ولي الخطابة بالمسجد الأعظم من قصبة مالقة في عام وفاته‏.‏
مشيخته قرأ على الأستاذ الصالح الخطيب أبي جعفر بن الزيات والأستاذ المقري رحلة الوقت أبي عبد الله بن الكماد‏.‏
وشعره آخذٌ بطرف من الإجادة في بعض المقاصد فمن ذلك قوله‏:‏ أرى لك في الهوى نظرًا مريبًا كأن عليك عاذلًا أو رقيبًا ولست بخائف في الحب شيئًا على نفسي مخافتي المشيبا يريني كل ما تهواه نفسي قبيحًا ماليًا عيني عنيبا أنا منه ابن قيس لا يراح فذق مر التأسف مستطيبا إذا ما كنت تبكي فقد حبٍّ فما مثل الشباب به حبيبا وقال في مذهب المدح من المطولات‏:‏ الآن تطلب ودها ووصالها من بعد ما شغلت بهجرك بالها وقد استحالت فيك سيما الصبا حالًا يروع مثلها أمثالها وأتيتها متلبسًا بروايع نكرٍ بفودك أصبحت عذالها بيضٌ تخيل للنفوس نصولها سمرًا تخول للنحور نصالها مثل الأفاعي الرقط تنفث في الحشا وأرى بفودك جثمًا أطالها نار تضرم في الفؤاد حريقها لكن تنير بمفرقيك ذبالها جزعت لهذا الشيب نفسي وهي ما زالت تهون كل صعب نالها صادمت من كرب الدنا أشتاتها ما خفت غربتها ولا إقلالها صادمت من كرب الدنا أشتاتها ما خفت غربتها ولا إقلالها ولئن تقلص عسرتي فيىء الغنا عني فلي نفسٌ تمد ظلالها ما مزقت ديباجتي غير امرىءٍ عرضت عليه النفس قط سؤالها ألقى الليالي غير هبٍّ صرفها والأسد غير مجنب أغيالها أمشي الهوينا والعداة تمر بي مرًا يطير عن الجياد نسالها علمت لي الخلق الجميل محققًا وتسيء في على عملي أقوالها تبغي انثناءً وهل سمعت بنسمة مرت على نجدٍ تهز جبالها ولربما عرضت لعيني نظرة يرضى الحكيم غرامها وخبالها من غادةٍ سرق الصباح بهاءها والبدر في ليل التمام كمالها تهوى المجرة أن تكون نجومها من حليها وهلالها خلخالها عرضت كما مرت بعينك مطفل ترعى بناظرك الكحيل غرامها ما نهنهت نفسي وإن ضمنت لها عبراتها يوم الوداع وصالها ومنها في المدح‏:‏ ألبست دين الله حلة أمن أضفت على اسرايه ذلذالها أنتم بني نصر نصرتم ملة الإسلام حين شكت لكم عذالها كنتم لها أهلًا ورحبتم بها في الغربتين ومنتم إنزالها نزلت على سعد ليسعد جدها وأوت إلى نصر لينصر أليها أحرزتم يوم السقيفة عودها دون الأنام وقودها وسكالها لكن حبوتم من أجرتم منة بخلافة الله التي يعنى لها إذ تؤثرون سواكم قالت بذا آي الكتاب فمن يرد مقالها حتى إذا عثرت ولم ينهض بها إلا كم بادرتم إنشالها أويتم خير البرية كلها ومغيثها ونجاتها وثمالها من ألبس الشرف الرفيع وضيعها وكسا معصفرة الحجا جهالها من أم في السبع العلى أملاكها جبريلها في الغرب أو ميكالها من لا يقاس بالرياح إذا سرت نشرًا تقل من السحاب ثقالها معنى وجود الكون علة كونه نفس الحياة منفسًا أهوالها دامت صلاة الله ديمة عارض يهمى عليه ندى الدنا هطالها لما تحققت النبوة أنها قد زلزلت منها الورى زلزالها وتقاعست عن منعها أعمامها أمت أيمة نصرها أحوالها فوثبتم مثل الليوث لنصرها والحرب تجنب خلفها أشبالها وأدرتم منها زبونًا أصبحت ترمي رؤوس الملحدين ثقالها بدرٌ وما بدرٌ وردم قلبها بجنادل الطاغوت تملأ جالها ولكم بأوطاس وقد حمي الوطيس على العدا يوم أطاح بحالها فنزعتم أزواجها وسبيتم أولادها وسلبتم أموالها وذهبتم بالمصطفى لدياركم وحيًا سواكم ساقها وجمالها فزتم به فوز المعلى منحة أحرزتم دون الأنام منالها تحمي الهدى تهمي الندى تولي الجدا وتقي الردى وترى العدا أوجالها قعدت شريعته بيمنك ليس من كدر يشين على العباد زلالها يا سيد السادات يا ملك الملوك وشمسها وصباحها وهلالها يا بدرها يا بحرها أو غيثها أو ليثها أو حسنها وجمالها خذها كما دارت بكأس سلافها حوراء تمزج باللما جريالها تثني على السحر المبين وشاحها وتدير من خمر الفتور جلالها لمياء تبرز للعيون كشاطر والعقل يوجب حكمه إجلالها وقفت وذو إحسانها من هاشم من سبط خير العالمين حيالها يرجو رضاك وطالما أرضيتم آل النبي وكنتم أرسالها كم من يد بيضا لدينا منكم شكرنا له وأولياه فعالها آويتم واسيتم واليتم أحللتمونا داركم وجلالها وهجرتم لوصالنا أعداءنا ووصلتم لصلاتنا أوصالها بالموضع الذي هي به وفضله على سواه وتكلم على حروف اسمها من جهة تناسب أعداد الحروف مما الناظر فيه مخير في نسبه إلى العرفان أو الهذيان‏.‏
وفاته توفي بمالقة في أخريات صفر من عام خمسين وسبعماية‏.‏
علي بن أحمد الغساني علي بن أحمد بن محمد بن يوسف بن مروان بن عمر الغساني من أهل وادي آش وروى وتردد إلى غرناطة يكنى أبا الحسن‏.‏
حاله كان فقيهًا حافظًا يقظًا حسن النظر أديبًا شاعرًا مجيدًا كاتبًا بليغًا فاضلًا‏.‏
مشيخته روى عن أبي إسحق بن عبد الرحيم القيسي وابي الحسن طاهر ابن يوسف وأبي العباس الخروبي‏.‏
وأبي القاسم بن حبيش وأبي محمد عبد المنعم بن الفرس الغرناطي ومحمد بن علي بن مسرة‏.‏
وروى عنه أبو بكر بن عبد النور وأبو جعفر بن الدلال وأبو عبد الله بن أحمد المذحجي وأبو سعيد الطراز وابن يوسف وابن طارق وأبو علي الحسن بن سمعان وأبو القاسم بن الطيلسان‏.‏
تواليفه صنف في شرح الموطأ مصفنًا سماه نهج المسالك للتفقه في مذهب مالك في عشرة مجلدات‏.‏
وشرح صحيح مسلم وسماه اقتباس السراج في شرح مسلم بن الحجاج‏.‏
وشرح تفريع ابن الجلاب وسماه الترصيع في شرح مسائل التفريع‏.‏
وصنف في الآداب منظوماته ورسايله وهي شهيرة شاهدة بتبريزه وتقدمه‏.‏
وله نظم شمايل رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة بديعة تشتمل على نظم ونثر بعث بها إلى القبر الشريف‏.‏
وله كتاب الوسيلة إلى إصابة المعنى في أسماء الله الحسنى‏.‏
شعره من شعره في الوسيلة وقد ضمن كل قطعة أو قصيدة إسمًا من أسماء الله تعالى فمنها قوله في اسم الله سبحانه‏:‏
هو الله فادع الله بالله تقترب ** لأقرب قربى من وريدك أو أدنى
ويمله مضطرًا وقف عند بابه ** وقوف عزيز لا يصد ولا يثنى
بباب إله أوسع الخلق رحمة ** فلله ما أولى أبر وما أحنى
وقدم من الإخلاص ثم وسيلة ** تنل رتبة العليا والمقصد الأسنى
أمولاي هل للخلق غيرك مفضل ** يصرح عن ذكراه في اللفظ أو يكنى
ببابك مضطر شكا منك فقره ** لأكرم من أغنى فقيرًا ومن أقنى
وللفضل والمعروف منك عوايد ** لها الحمد ما أدنى قطوفًا وما أهنى
فمنها لك الإنعام دأبًا خوالدًا ** تفانى بها الأيام طرًا ولا يفنى
وفاته توفي شهيدًا في ربيع الآخر سنة تسع وستماية‏.‏
ابن عز الناس علي بن صالح بن أبي الليث الأسعد بن الفرج بن يوسف طرطوشي سكن دانية يكنى أبا الحسن ويعرف بابن عز الناس‏.‏
كان عالمًا بالفقه حافظًا لمسايله متقدمًا في علم الأصول ثاقب الذهن ذكي الفؤاد بارع الاستنباط مسدد النظر متوقد الخاطر فصيح العبارة ذا خط مروض‏.‏
من روى عنه‏:‏ روى عنه أبو بكر أسامة بن سليمن وسليمن بن محمد ابن خلف ويحيى بن عمر بن الفصيح‏.‏
دخوله غرناطة قالوا واستخلصه الأمير أبو زكريا يحيى بن غانية أيام إمارته ببلنسية لمشهور معرفته ونباهته ثم سار معه إلى قرطبة ولازمه إلى أن توفي أبو زكريا بن غانية بغرناطة سنة ثلاث وأربعين‏.‏
فانتقل إلى شرق الأندلس واستقر بدانية‏.‏
تواليفه وله مصنفات منها كتاب العزلة ومنها شرح معاني التحية‏.‏
ولد بطرطوشة سنة ثمان وخمسماية وتوفي بدانية‏.‏
قتل مظلومًا بإذن ابن سعد الأمير في رمضان سنة ست وستين وخمسماية‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:26 AM

علي بن أبي جلا المكناسي حاله كان شيخًا ذكيًا طيب النفس مليح الحديث حافظًا للمسايل الفقهية عارفًا لها قايمًا على كتاب المدونة تفقه بالشيخ أبي يوسف الجزولي وعليه اجتهد في مسايل الكتاب‏.‏
وكان مضطلعًا بمشكلاته‏.‏
حسن المذاكرة مليح المجلس أنيسه كثير الحكايات إلا أنه كان يحكي غرايب شاهدها تملحًا وأنسًا فينمقها عليه الطلبة وربما تعدوا ذلك إلى الافتعال على وجه المزاح والمداعبة حتى لجمعوا من ذلك كثيرًا في جزءٍ سموه بالسلك المحلا في أخبار ابن أبي جلا‏.‏
فمن ذلك ما زعموا أنه حدث بأنه كانت له هرة فدخل البيت يومًا فوجدها قد بلت أحد كفيها وجعلته في الدقيق حتى علق به ونصبته بإزاء كوة فأر في الجدار ورفعت اليد الأخرى لصيده فناداها باسمها فردت رأسها وجعلت أصبعها في فمها على هيئة المشير بالصمت‏.‏
وأشباه ذلك كثير‏.‏
وفاته في حدود ستة وأربعين وسبعماية‏.‏
علي بن سمحون الهلالي يكنى أبا الحسن‏.‏
حاله كان شيخًا جليلًا فقيهًا عارفًا نبيلًا نبيهًا ذا مروءة كاملة وخلق حسن من بيت حسب وعلم ودين‏.‏
قال أبو القاسم الملاحي حدثني صاحبنا الفقيه الخطيب أبو جعفر بن حسان قال كنت أجاوره في بعض أملاكي وكان له ملك يلاصقني أتمنى أن أكتسبه فينتظم لي به ما هو مفترق فوافقته ذات يوم في القرية فسألته المعاوضة به وخيرته في مواضع في أرضي فضحك مني وقال لي أنظر في ذلك إن شاء الله‏.‏
ثم إنه وجه لي بعد ذلك بأيام يسيرة بعقد يتضمن البيع وقبض الثمن مني فخجلت منه وراودته في أخذ الثمن فأبى وقال لي هذا قليل في حقك وكان قد لقي شيوخًا أخذ عنهم وكانت له كتب كثيرة‏.‏
وفاته توفي بالمنكب صبح اليوم السادس من رمضان عام ستة وتسعين وخمسماية‏.‏
ولست أحقق أهو القريب أو سلفه وعلى كلا التقديرين فالفضل حاصل‏.‏
الصغير يكنى أبا الحسن ويعرف بالصغير بضم الصاد وفتح الغين والياء المشددة حاله من المؤتمن‏.‏
كان هذا الرجل قيمًا على التهذيب للبرادعي حفظًا وتفقهًا يشارك في شيءٍ من أصول الفقه يطرز بذلك مجالسه مغربًا به بين أقرانه من المدرسين في ذلك الوقت لخلوهم من تلك الطريقة بالجملة‏.‏
حضرت مجلس إقرايه وكان ربعةً آدم اللون خفيف العارضين يلبس أحسن زي صنعة وأحسن ما فيه ليس بحسن‏.‏
وكان يدرس بجامع الأصدع من داخل مدينة فاس ويحضر عليه نحو مائة نفس ويقعد على كرسي عال ليسمع البعيد والقريب على انخفاض كان في صوته حسن الإقراء وقورًا فيه سكونًا مثبتًا صابرًا على هجوم طلبة البربر وسوء طريقتهم في المناظرة والبحث وكان أحد الأقطاب الذين تدور عليهم الفتوى أيام حياته ترد عليه السؤالات من جميع بلاد المغرب فيحسن التوقيع على ذلك‏.‏
على طريقة من الاختصار وترك فضول القول‏.‏
ولي القضاء بفاس‏.‏
قدمه أبو الربيع سلطان المغرب وأقام أوده وعضده فانطلقت يده على أهل الجاه وأقام الحق على الكبير والصغير وجرى من العدل على صراط مستقيم‏.‏
ونقم عليه اتخاذ شمام يستنشق على الناس الخمر ويحق أن ينتقد ذلك‏.‏
أخذ عن الفقيه راشد بن أبي راشد الوليدي وانتفع به وعليه كان اعتماده‏.‏
وأخذ عن صهره أبي الحسن بن سليم وأبي عمران الجورماني وعن غيرهم‏.‏
وقيدت عنه بفاس على التهذيب وعلى رسالة أبي زيد قيدها عنه تلاميذه وأبرزوها تأليفًا كأبي سالم بن أبي يحيى‏.‏
وفاته وفاته يوم الثلاثاء السادس لرمضان عام تسعة عشر وسبعماية ودخل غرناطة لما وصل رسولًا على عهد مستقضية رحمهما الله‏.‏
علي بن محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن عبد الله بن يحيى بن عبد الله بن يحيى الغافقي سبتي ساري الأصل انتقل منها أبوه سنة اثنتين وستين وخمس ماية يكنى أبا الحسن ويشهر أهل بيته في سارة بني يحيى‏.‏
حاله من التكملة‏.‏
كان محدثًا راوية مكثرًا عدلًا ثقة ناقدًا ذاكرًا للتواريخ وأيام الناس وأحوالهم وطبقاتهم قديمًا وحديثًا شديد العناية بالعلم والرغبة فيه جاعلًا الخوض فيه مفيدًا ومستفيدًا وظيفة عمره جماعة للكتب منافسًا فيها مغاليًا في أثمانها وربما أعمل الرحلة في التماسها حتى اقتنى منها بالإبتياع والإنتساخ كل علق نفيس‏.‏
ثم انتقى منها جملة وافرة فحبسها في مدرسته التي أحدثها بقرب باب القصير أحد أبواب بحر سبتة وعين لها من خيار أملاكه وجيد رباعه وقفًا صالحًا‏.‏
سالكًا في ذلك طريقة أهل المشرق وقعد بها بعد إكمالها لتروية الحديث وإسماعه في رجب خمس وثلاثين وستماية وكثر الأخذ بها عنه واستمر على ذلك مدة‏.‏
وكاىن سري الهمة نزيه النفس كريم الطبع سمحًا مؤثرًا معانًا على ما يصدر عنه من المآثر الجليلية ونبل الأغراض السنية بالجدة المتمكنة واليسار الواسع‏.‏
وكان سنيًا منافرًا لأهل البدع محبًا في العلم وطلابه سمحًا لهم بأعلاق كتبه قوي الرجاء في ذلك‏.‏
ومما يؤثر عنه من النزاهة أنه لم يباشر قط دنيرًا ولا درهمًا إنما كان يباشر ذلك وكلاؤه اللايذون به‏.‏
مشيخته روى عن أبوي الحسن أبيه والتجيبي وأبي الحسن بن عطية بن غازي وأبي عبد الله محمد بن عيسى وابن عبد الكريم وابن علي الكتاني وابي إسحق الشقوري وابوي بكر بن الفصيح ويحيى بن محمد بن خلف البوريني وأبي الحسن بن خروف النحوي وابن عبيدس وابن جابر وابن جبير وابن زرقون وابن الصايغ وأبي بكر بن أبي ركب وأبي سليمان بن حوط الله وأبي العباس القوراني وأبي القاسم عبد الرحيم ابن الملجوم وأبي محمد الحجري وأكثر عنه وابن حوط الله وابن محمد بن عيسى التادلي وعبد العزيز بن زيدان ويشكر بن موسى ابن الغزلقي هؤلاء وأخذ عنهم بين سماع وقراءة وأكثرهم أجازه أو كتب إليه مجيزًا‏.‏
ولم يلقه أبو جعفر بن مضاء وأبو الحسن بن القطان ونجبه وأبو عبد الله بن حماد وابن عبد الحق التلمساني وابن الفخار وأبو القاسم السهيلي وابن حبيش وأبو محمد عبد المنعم ابن الفرس‏.‏
واستجاز بآخرة مكثرًا من الاستفادة أبا العباس بن الرومية فأجاز له من إشبيلية‏.‏
من روى عنه‏:‏ روى أبو بكر أحمد بن حميد القرطبي وأبو عبد الله الطنجالي وابن عياش وأبو العباس بن علي الماردي وأبو القاسم عبد الكريم بن عمران وأبو محمد عبد الحق بن حكيم‏.‏
وحدث بالإجازة عنه أبو عبد الله بن إبراهيم البكري العباسي‏.‏
محنته ودخوله غرناطة غربه أمير سبتة اليانشتي الملقب بالواثق بالله‏.‏
غاصًا به لجلالته وأهليته وكونه قد عرضت عليه فأباها فدخل الأندلس في شعبان عام أحد وأربعين وستماية فنزل ألمرية وأقام بها إلى المحرم من سنة ثمان وأربعين وأخذ عنه بها عالم كثير‏.‏
ثم انتقل إلى مالقة في صفر من هذه السنة قال الأستاذ أبو جعفر الزبير وقرأت إذ ذاك عليه وكان يروم من مالقة الرجوع إلى بلده ويحوم عليه فلم يقض له ذلك وأقام بها يؤخذ عنه العلم إلى أن أتته منيته‏.‏
مولده بسبتة يوم الخميس لخمس خلون من رمضان إحدى وسبعين وخمسماية‏.‏
وفاته توفي بمالقة ضحوة يوم الخميس لليلة بقيت من رمضان تسع وأربعين وستماية‏.‏
نفعه الله بشهادة الموت غريقًا‏.‏
ابن قطرال علي بن عبد الله بن محمد بن يوسف بن أحمد الأنصاري فاسي المولد أصله منها قديمًا ومن مراكش حديثًا يكنى أبا الحسن ويعرف بابن قطرال‏.‏
حاله كان ريان من الأدب كاتبًا بليغًا دمث الأخلاق لين الجانب فقيهًا حافظًا عاقدًا للشروط مقدمًا في النظر فيها كتب طويلًا عن قاضي الجماعة بمراكش أبي جعفر بن مضاء ثم عن أبي مشيخته روى عن أبوي بكر بن الجد وابن أبي زمنين وأبي جعفر بن يحيى ولازمه كثيرًا‏.‏
وأبي الحجاج بن الشيخ وأبوي الحسن بن كوثر ونجبه وأبي الحسن يحيى بن الصائغ وأبي خالد بن رفاعة وأبي عبد الله بن حفص وابن حميد وابن زرقون وابن سمادة الشاطبي وابن عروس وابن الفخار وأبي العباس وابن مضاء ويحيى المجريطي وأبي القاسم بن بقي وابن رشد الوراق وابن سمحون وابن غالب وابن جمهور وابن حوط الله وعبد الحق بن بونة وعبد الصمد‏.‏
وروى عنه إبناه أبو عبد الله وأبو محمد وأبو عبد الله بن الأبار وأبو محمد بن برطلة وأبو محمد بن هارون الطائي وأبو يعقوب بن عقاب‏.‏
قال ابن عبد الملك وحدثنا عنه من شيوخنا أبو الحجاج بن حكم وأبو الحسن الرعيني وأبو الطيب صالح بن شريف وأبو القاسم العزفي‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:27 AM

محنته وامتحن بالأسر وهو قاض بأبدة حين تغلب العدو الرومي عليها أثر وقيعة العقاب وذهب لأجل ذلك أصول سماعه وافتك بمشاركة الوزير أبي سعيد بن جامع ويسر الله عليه فثاب دخوله غرناطة قال دخل غرناطة وأقام بها وقرأ على أبي محمد عبد المنعم بن الفرس وأبي بكر بن أبي زمنين وأبي عبد الله بن عروس‏.‏
ولد بفاس سنة ثنتين وستين وخمسماية‏.‏
وتوفي عفا الله عنه يوم الإثنين لإحدى عشرة خلت من جمادى الأولى عام أحد وخمسين وستماية بمراكش‏.‏
إنتهى اختصار السفر العاشر بحمد الله تعالى يتلوه ومن السفر الحادي عشر ترجمة الطاريين في ترجمة العمال والأثرا‏.‏
والحمد لله رب العالمين ومن السفر الحادي عشر من ترجمة الطاريين في ترجمة العمال والأثرا عمر بن علي بن غفرون الكلبي من أهل منتفريد‏.‏
حاله كان شيخًا مخوشن الظاهر بدويه سريع الجواب جلدًا على العمل صليبًا وقاحًا‏.‏
له ببلده نباهة وخصل من طلب وخطٍّ وحساب‏.‏
أم ببلده وانتقل إلى الحضرة عند انتزاء ثغره وداخل السلطان في سبيل استرجاعه فنشأت له غمامة رزق ببابه وأقلته هضبة حظوة ناطت به ديوان الجيش مدة أيام السلطان وولي بعده خططًا نبيهة‏.‏
ثم التأثت حاله وأسن ومات تحت خمول‏.‏
وجرى ذكره في الإكليل بما نصه‏:‏ شيخ خدم قام له الدهر فيها على قدم وصاحب تعريض ودهاء عريض وفايزٌ من الدولة بأيادٍ بيض خدم الدولة النصرية ببلده عند انتزاء أهله وكان ممن استتزلهم من حزنه إلى سهله وحكم الأمر الغالبي في يافعه وكهله فاكتسب حظوة أرضته ووسيلة أرهفته وأمضته حتى عظم ماله واتسقت آماله‏.‏
ثم دالت الدول ونكرت أيامه الأول وتقلب من يجانسه وشقي بكل من كان ينافسه فجف عوده والتأثت سعوده وهلك والخمول يطلبه والدهر يقوته من صبابة حرث كان يستغله‏.‏
شعره وله شعر لم يثقفه النظر ولا وضحت منه الغرر‏.‏
كتب للسلطان أميرالمسلمين منفق سوق خدمته ومتغمده بنعمته يطلب منه تجديد بعض عنايته‏:‏ يا ملكًا ساد ملوك الورى في الحال أو في الأعصر الخالية العبد لا يطلب شيئًا سوى تجديد خط يدك العالية ومن شعره يخبر عن وداده ويعلن في جناب الملوك الغالبيين بحسن اعتقاده‏:‏ حب الملوك من آل نصر ديني ألقى به ربي بحسن يقيني حتى أبى الحشر لم أخدم سوى أبوابهم بوسيلة تكفين أرجو نفاد العمر في أيامهم من تحت ستر رعاية ترضين إن كان دهري في نافدى بعدهم فالله عز وجل لا يبقين وسلم في أيام خموله وانغلق على المتغلب على الدولة أبي عبد الله بن المحروق‏.‏
وقد احتقره ببابه وأعرض عن جوابه‏.‏
فكتب إليه ولم يرهب ما لديه‏:‏ يا من سول وغدا في كل يوم مرارا أردد على سلامي ولا تدعه احتقارا وفاته قال شيخنا الكاتب أبو بكر بن شبرين رحمه الله وفي ذي حجة من عام اربعة وأربعين وسبعمائة توفي الفقيه أبو علي بن غفرون من أهل منتفريد من حصون براجلة غرناطة‏.‏
قدم قديمًا بالباب السلطانية في تنفيذ واجب العسكر الأندلسي وإشراف الحضرة وحفازتها‏.‏
وكان ميمون النقيبة وجهًا في الناس فاضلًا رحمه الله‏.‏
من أهل مالقة بربري النسب فزاريه‏.‏
يكنى أبا الحسن ويعرف بابن البربري‏.‏
حاله كان من أماثل طريقته عدلًا وعفافًا وفضلًا لين العريكة دمث الأخلاق حسن الخط جيد الشعر تغلب عليه السلامة والغفلة تصرف في إشراف مالقة وسواها عمره محمود الطريقة حسن السيرة‏.‏
ومدح الملوك والكبراء‏.‏
شعره مما خاطبني به قوله‏:‏ لبابك أم الآملون ويمموا وفي ساحتي رحماك حطوا وخيم ومن راحتي كفيك جدًا تهمي فتروي عطاش من نداك وتنعم وأنت لما راموه كعبة حجهم إذا شاهدوا مرآك لبوا وأحرم يطوفون سبعًا حول بابك عندما يلوح لهم ذاك المقام المعظم فيمناك يمن الرعايا ومنةٌ ويسراك يسرًا للعفاة ومغنم ولقياك بشر للنفوس وجنة تزق بها ورق المنا وترنم ومن وجهه كالبدر يشرق نوره من جوده كالغيث بل هو أكرم ومن ذكره كالمسك فض ختامه وكالشمس نورًا بشره المتوسم لقد حزت خصل السبق غير معاند فأنت على أهل السباق مقدم حويت من العلياء كل كريمة بها الروض يندى والربى تتبسم وباهيت أقلام المقام براعة فلا قلمٌ ألا يراعك يخدم وإذا فاخر الأمجاد يومًا فإنما لمجدك في حال الفخار يسلم وإن سكتوا كنت البليغ لديهم يعبر عن سر العلى ويترجم ومنها‏:‏ فيا صاحبي نجواي عوجًا برامة على ربعه حيث الندى والتكرم وقولًا له ببابك يرتجي قضاء لبانات لديك تتمم وليس له إلا علاك وسيلة ولا شيىء أسمى من علاك وأعظم فجد بالذي يرجوه لمنك فما له كعقدٍ ثمين من ثنايك ينظم بقيت ونجم السعد عندك طالع يضيء له بدرٌ وتشرق أنجم وقال مراجعًا القاضي أبا عبد الله بن غالب رحمه الله‏:‏ فلما أتتني رقعة بلبلية شغلت بها عن منزلٍ وحبيب وقبلتها ألفًا وقلت لها أنعمي صباحًا وممسى بالقبول وطيب فيا حسن خطٍّ جاء من عند بارع ويا سحر لفظٍ من كلام أديب وإن قريضًا لم يحكه ابن غالب لخلو من الآداب غير عجيب وفاته بمالقة في الطاعون عام خمسين وسبعمائة‏.‏
الزهاد والصلحاء والصوفية والفقراء الزهاد والصلحاء والصوفية والفقراء عتيق بن مقدم اللخمي عتيق بن معاذ بن عتيق بن معاذ بن سعيد بن مقدم بن سعيد بن يوسف بن مقدم اللخمي من أهل غرناطة يكنى أبا بكر الشيخ الصوفي حاله هذا الرجل فذ الطريقة في الخصوصية والتخلي وإيثار الانقطاع والعزلة طرفة في الوقار والحشمة‏.‏
نشأ بغرناطة وطلب بها وكتب بألمرية عن بعض ولاة قصبتها وعني بمطالعة أقوال الصوفية فآثر طريقهم وعول عليه وتجرد وترك التسبب والتزم منزله بحيث لا يريمه إلا لصلاة الجمعة في أقرب محالها وإليه نظيف البزة حسن السمت مليح الترتيب والظرف طيب المجالسة طلعة متعة إخباري يصل ماضي الزمان بمستقبله جليس مصلى ومجيل سبحة كثير الزوار ممن يلتمس الخير وينقر عن أهله محظوظ المجلس خفي بالوارد ذاكر مأثرة من مآثر بلده‏.‏
مشيخته ناله امتحان من بعض القضاة ببلده حملًا عليه وإنكارًا لما امتاز به من مثلى الطريقة أداه إلى سجنه ومنع الناس عن لقايه‏.‏
وهو الآن بحاله الموصوفة قد ناهز السبعين تمر الناس تلتمس بركته وتغشى لطلب الدعاء خلوته‏.‏
القرشي علي بن علي بن عتيق بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز الهاشمي من أهل غرناطة ويعرف بالقرشي‏.‏
حاله كان رحمه الله على طريقة مثلى حياءً ووقارًا وصمتًا وانقباضًا وتخلقًا وفضلًا عاكفًا على الخير كثير الملازمة لكسر البيت مكبًا على المطالعة مؤثرًا للخلوة كلفًا بطريق الصوفية‏.‏
كتب الشروط لأول أمره فكان صدرًا في الإثبات وعلمًا في العدول إلى لين الجانب ودماثة الخلق وطهارة الثوب وحسن اللقاء ورجوح المذهب وسلامة الصدر‏.‏
قيد الكثير ولقي في تشريقه أعلامًا أخذ عنهم‏.‏
وتقدم خطيبًا وإمامًا بالمسجد الأعظم في غرناطة عام أحد عشر وسبعماية واستمرت حاله إلى حين وفاته على سنن أولياء الله الصالحين‏.‏
قرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير ولازمه وتأدب به وتلا عليه بالقراءات السبع وسمع كثيرًا من الحديث وعلى الخطيب الولي أبي الحسن بن فضيلة والشيخ الخطيب أبي عبد الله بن صالح الكناني‏.‏
سمع عليه الكثير‏.‏
قال أنشدني الخطيب أبو محمد بن برطلة‏:‏ أسلمني للبلاء وحيدًا من هو في ملكه وحيد قضا علي الفناء حتمًا فلم يكن عنه لي محيد وكيف يبقى غريق نزى فذاته أولًا صعيد يعيد أحواله إليه من نعته المبدي المعيد وأخذ عن الشيخ الراوية المحدث أبي محمد بن هرون الطايي والشيخ الراوية المعمر أبي محمد الخلاسي والشيخ الشريف تاج الدين أبي الحسن العرامي والشيخ المحدث الإمام شرف الدين أبي محمد عبد المؤمن الدمياطي والشيخ رضي الدين الطبري والمحدث الحافظ فخر الدين التودري الميكالي‏.‏
قال وأنشدني من لفظه بالحرم الشريف لشيخه الإمام أبي الحسن الخزرجي‏:‏ عن أهيل المنحنى لا أصبر فاعذلوني فيهم أو فاعذروا هم أحباب وإن هم عذبوا ومناي وصلوا أم هجروا والشيخ المحدث المفتي بالحرم الشريف رضي الدين محمد بن أبي بكر بن خليل‏.‏
قال وأنشدني أفي كل وادٍ شاعر ومطيب وفي كل ناد منبر وخطيب نعم كثر الأقوام قلة ناقد لهم فتساوى مخطئ ومصيب والشيخ المحدث الإمام أنس الدين بن الإمام قطب الدين القسطلاني والأديب الواعظ نفيس الدين بن إبراهيم اللمطي‏.‏
قال وأنشدني إجازة عن الشيخ الإمام شرف الدين أبي الفضل السلمي المرسي من قصيدة‏:‏ إذا جيت ألقي عند بابك حاجبًا محياه من فرط الجهامة حالك ومن عجيب مغناك جنة قاصد وحاجبها من دون رضوان مالك والشيخ الإمام تقي الدين بن دقيق العيد وأبي العباس بن الظاهري ومحيي الدين بن عبد المنعم ومحمد بن غالب بن سعيد الجياني والخطيب الجليل أبي عبد الله بن رشيد من أهل المغرب‏.‏
وكتب له الشريف أبو علي الحسن بن أبي الشرف والعدل أبو فارس الهواري وأبو القاسم بن الطيب وأبو بكر بن عبيدة وأبو إسحق الغافقي وأبو عبد الله الدراج وأبو الحكم مالك بن المرحل وأبو إسحق التلمساني وغيرهم‏.‏
تواليفه صنف في التصوف كتابًا سماه مطالع أنوار التحقيق والهداية وكتابًا في غرض الشفا العياضي‏.‏
ومن شعره ثبت بظهر الكتاب المسمى بالموارد المستعذبة من تأليف شيخنا أبي بكر بن الحكيم ما نصه‏:‏ كتابك ذا من هوته المفاخر سنا وسنًا راق منه زواهر لقد جاء كالعقد المنظم ناثرًا فرايد قسٍّ عنك في ذا قاصر بلاغته في القوم تشهد عندما تشكك فيه أنه عنك صادر فلله من روض أنيق غصونه بما تتمنا فزاه وزاهر فما شيته تجده فيه فإنه لناظره بحر بها هو زاخر فنهنيكم يابن الألى شاع مجدهم قيادكم مجد بذاتك آخر أتيت بما فيه انبت حياة من حوته على مر الدهور المقابر وأبديت فيه سحر لفظك رائقًا تلذ به الأجفان وهي سواهر ومتعت طرفي فيه لازلت باقيًا ونحا بك ربي يوم تبلى السراير وخصك مني بالسلام مرددًا عليك مدى الدنيا وما طار طاير في حدود سنة سبع وستين وستمايه‏:‏ وفاته في صفر في عام أربعة وأربعين وسبعماية‏.‏
وكانت جنازته بالغة أقصى مبالغ الاحتفال وتزاحم الناس على قبره بما بعد العهد به‏.‏
وممن رثاه شيخنا أبو الحسن بن الجياب فقال‏:‏ قضى الأمر يا نفس اصبري صبر تسليم لحكم القدر وعزاءً يا فؤادي إنه حكم ملك قاهر مقتدر حكمة أحكمت تدبيرها نحن منها في سبيل السفر أجل مقدر ليس بمستقدم ولا مستأخر أحسن الله عزاء كل ذي خشية لربه في عمر في إمامنا التقي الخاشع الطاهر الذات الزكي السبر قرشي سليمن مستقي من صميم الشرف المطهر يشهد الليل أنه دايم الذكر طويل السهر نايمًا وراكعًا وساجدًا لطلوع فجره المنفجر جمع الرحمن شملنا غدًا بحبيب الله خير البشر وتلقته وفود رحمة الله تأتي بالرضا والبشر ابن المحروق علي بن أحمد بن محمد بن عثمن الأشعري من أهل غرناطة يكنى أبا الحسن‏.‏
ويعرف بابن المحروق أوليته قد مر ذلك عند ذكر عمه وجده‏.‏
حاله هذا الرجل شيخ الفقراء السفارة والمتسببة بالرباط المنسوب إلى جده وهو مقيم الرسم حاجٌّ رحال عارف بالبلاد طواف على كثير من مشاهي ما عرف الإصطلاح‏.‏
وزار ترب الصالحين‏.‏
وصحب السفارة حسن الشكل أصيل البيت حافظ للترتيب غيور على الطريقة محظوظ العقد مجانبٌ للإغمار منافر لأهل البدع مكبوحٌ عن غلو الصافنة أنوف مترفع كلف بالتجلة يرى لنفسه الحق ولا يفارق لحظ خطيب متعاط لمواقف الإطالة وسرد الكثير من كلام الخطباء عن غير اختيار يطبق المفصل ويكافي الغرض المقصود على شرود عن قانون الإعراب حسن الحديث طبقة للرسم الدنيوي من هذا الفن كثرة وحسن بزة ونفاذ أمره ونباهة بيته وتعاطيًا لنتايج الحلوة‏.‏
محنته قبض عليه المتغلب على الدولة وأزعجه بعد الشقاف في المطبق إلى مرسي ألمرية إتهامًا بممالأة السلطان فامتعض له من أهل مدينة وادي آش وتبعهم المشيخة على المجاهرة فاستنقذوه وكاشفوا المتغلب إذ كانوا على أرقاع الخلاف عليه وعاجل الأمر تصير الملك لصاحبه فعاد الشيخ إلى حاله فهي معدودة عنه من أثر التصريف‏.‏
مشيخته ومن خطه نقلت‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:28 AM

قال ولدت في اليوم الحادي والعشرين لرجب عام تسعة وسبعماية ولبست الخرقة من يد الشيخ الفقيه الخطيب البليغ الولي الشهير أبي علي عمر بن محمد بن علي الهاشمي القرشي في أوايل ذي قعدة من عام خمسة وثلاثين وسبعماية‏.‏
وحدثني بها رحمه الله عن الشيخ الزاهد أبي محمد الخلاسي عن شرف الأيمة أبي عبد الله بن مسدي عن الشيخ الكبير أبي العباس بن العريف عن أبي بكر عبد الباقي بن برال عن أبي عمرو الطلمنكي عن أبي عمرو بن عون الله وأبي علي الحسن بن محمود الجرجاني عن أبي سعيد بن الأعرابي عن أبي محمد سالم محمد بن عبد الله الخراساني عن الفضل بن عياض عن هشام بن حسان ويونس بن عبيد عن أبي الحسن بن الحسن البصري عن الحسن البصري عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه‏.‏
ثم رحلت إلى المغرب طالبًا في لقاء أهل الطريقة راغبًا فلقيت به من أعلام الرجال جملة يطول ذكرهم ولا يجهل قدرهم‏.‏
ولما توجهت إلى المشرق لقيت به أعلامًا وأشياخًا كرامًا لم طرق سنية وأحوال سنية أودعت ذكرهم هذا طلبًا للاختصار وخوفًا من سآمة الإكثار وكان اعتمادي فيمن لقيت منهم في أيام تجريدي واجتهادي بعد إيابي من قضاء أربي من حج بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام على من بهديه أستنير واعتمد عليه فيمن لقيت وصحبت وإليه أشير سيدي الشيخ الكبير الجليل الشهير وحيد عصره وفريد دهره جمال الدين أبو الحجاج الكوراني جنسًا والتميمي قبيلة والكلوري مولدًا والسهروردي خرقةً وطريقة ونسبة وهو الذي لقنني وسلكت على يده وقطعت مفاوز العزلة عنده مع جملة ولده‏.‏
وحدثني رضي الله عنه أنه لقنه الشيخ الفقيه العارف أبو علي الشمشري هو والشيخ الإمام نجم الدين الإصبهاني والشيخ نجم الدين والشيخ بدر الدين الطوسي لقنا الفقيه محسنًا المذكور والشيخ بدر الدين لقنه الشيخ نور الدين عبد الصمد النصيري والشيخ عبد الصمد لقنه الشيخ نجيب الدين بن مرغوش الشيرازي والشيخ نجيب الدين لقنه الشيخ شهاب الدين السهروردي والشيخ شهاب الدين لقنه عمه ضياء الدين أبو الحسن السهروردي والشيخ ضياء الدين فرج الزنجاني‏.‏
والشيخ فرج الزنجاني لقنه أبو العباس النهاوندي والشيخ أبو العباس لقنه أبو عبد الله بن خفيف الشيرازي والشيخ أبو عبد الله لقنه أبو محمد رديم والشيخ أبو محمد لقنه أبو القاسم الجنيد والشيخ أبو القاسم لقنه سري السقطي والشيخ سري لقنه معروف الكرخي والشيخ معروف لقنه داود الطائي والشيخ دواد لقنه حبيب العجمي والشيخ حبيب لقنه الإمام الحسن البصري والشيخ الحسن لقنه الإمام علي بن أبي طالب‏.‏
ولبست الخرقة من يد الشيخ أبي الحجاج المذكور بسند التلقين المذكور إلى أبي القاسم الجنيد رضي الله عنه إلى جعفر الحذا إلى أبي عمر الإصطخري إلى شفيق البلخلي إلى إبراهيم ابن أدهم‏.‏
إلى موسى بن زيد الراعي إلى أبي يس القرني إلى أميري المؤمنين عمر وعلي رضي الله عنهما ومنها إلى سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم وذلك في أوايل عام ثلاثة وأربعين وسبعماية‏.‏
وقد الفت كتابًا جمعت فيه بعض ما صدر من أورادي أيام تجريدي واجتهادي محتويًا على نظم ونثر مفرغًا عن كلام الغير إلا مقطوعة واحدة لبعض المتصوفة فإني سقتها على جهة لكونها غاية في الاحتفال وهي‏:‏ قل لمن طاف بكاسات الرضا وسقى العشاق مما قد نهل وسميت الكتاب بنكت الناجي وإشارات الراجي‏.‏
ولعل ذلك يكون اسمًا وافق مسماه ولفظًا طابق معناه وإلى ما ذكرت من النكت أشرت بما نظمت فقلت‏:‏ في كل واحدة منهن أسرار لا تنقضي ولها في اللفظ أسرار إن رمت حصر معانيها بما سمعت أذناك ليس لها بالسمع إخصار فاصحب خبيرًا بما يرضى الحجاب ستارها وكذلك الحر ستار ولعله يكون إن شاء الله كما ذكرته وأعرف بما أنشدته‏.‏
ولي جملة قصائد وأزجال منظومة على البديهة والارتجال نطق بها لسان المقال معربًا عما وجدته في الحال قصدت بها الدخول مع ذلك الفريق وأودتها غوامض أسرار التحقيق‏.‏
فمن بعض نكت الكتاب ما يعجب منه ذوو الألباب نكتة سر الفقير يشير إليه بجميع الكائنات فلا حديث معجم ولا موجود مبهم فهو إذا يتكلم دون حده وبلسان وجده والفقيه يتكلم فوق قدره وبلسان غيره وهذا ما حضرتي في الوقت مع مزاحمة الشواغل فتصفحوا واصفحوا وتلمحوا واسمحوا‏.‏
ولكم الفضل في قبول هذه العجالة واليسير من هذه المقالة‏.‏
انتهى‏.‏
ومن الطاريين علي بن عبد الله النميري الششتري عروس الفقراء وأمير المتجردين وبركة الأندلس لابس العباءة الخرقة أبو الحسن‏.‏
من أهل ششتر قرية من عمل وادي آش معروفة‏.‏
وزقاق الششتري معروف بها‏.‏
وكان مجودًا للقرآن قايمًا عليه عارفًا بمعانيه من أهل العلم والعمل‏.‏
حاله قال شيخنا أبو عثمن بن ليون في صدور تهذيبه لرسالته العلمية الإمام الصوفي المتجرد‏.‏
جال البلاد والآفاق‏.‏
ولقي المشايخ وسكن الربط وحج حجات وآثر التجرد والعبادة‏.‏
وذكره القاضي أبو العباس الغبريني قاضي بجاية في كتابه المسمى عنوان الدراية فيمن عرف في المائة السابعة بمدينة بجاية وقال الفقيه الصوفي الصالح العابد أبو الحسن الششتري من الطلبة المحصلين والفقراء المنقطعين له علم وعمل بالحكمة ومعرفة بطريق الصوفية وله تقدم في النظم والنثر على طريقة التحقيق‏.‏
وأشعاره في ذلك وتواشيحه ومقفياته وأزجاله غاية في الانطباع‏.‏
وكان كثيرًا ما يجود عليه القرآن‏.‏
ونظمه في التحقيق كثير‏.‏
مشيخته أخذ عن القاضي محيي الدين أبي القاسم محمد بن إبراهيم بن الحسين ابن سراقة الأنصاري الشاطبي وعن غيره من أصحاب السهروردي صاحب العوارف والمعارف‏.‏
واجتمع بالنجم بن إسرايل الدمشقي الفقير سنة خمس وستماية‏.‏
قال ألفيته على قدم التجرد وله أشعار وأذواق في طريق القوم وكان من الأمراء وأولاد الأمراء فصار من الفقراء وأولاد الفقراء وخدم أبا محمد بن سبعين وتلمذ له‏.‏
وكان الشيخ أبو محمد دونه في السن لكن استمر باتباعه وعول على ما لديه حتى صار يعبر عن نفسه في منظوماته وغيرها بعبد الحق بن سبعين وبه استدل أصحاب أبي محمد على فضله‏.‏
ويقال إنه لما لقيه يريد المشايخ إن كنت تريد الجنة فصر إلى الشيخ أبي مدين وإن كنت تريد رب الجنة فهلم‏.‏
ولما مات الشيخ أبو محمد انفرد بعده بالرياسة والإمامة على الفقراء والمتجردين والسفارة وكان يتبعه في أسفاره ما ينيف على أربع ماية فقير فيقسمهم الترتيب في وظايف خدمته‏.‏
قالوا نادى يومًا وهو مع أصحابه في برية يا أحمد فقال أحدهم ومن هذا فقال تسرون به غدًا‏.‏
فلما وردوا من الغد قابس وجدوا أحمد قد جاء من الأسر فقال صافحوا أخاكم المنادى بالأمس‏.‏
قالوا ودخل عليه ببجاية أبو الحسن بن علال من أمنايها وهو يذكر في العلم فأعجبته طريقته فنوى أن يؤثر الفقراء من ماله بعشرين دنيرًا‏.‏
ثم ساق شطرها وحبس الباقي ليزودهم به فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه أبو بكر وعمر فقال ادع لي يا رسول الله فقال لأبي بكر أعطه فأعطاه نصف رغيف كان بيده فقال له الشيخ في الغد لو أتيت بالكل لأخذت الرغيف كله‏.‏
تواليفه له كتاب العروة الوثقى في بيان السنن وإحصاء العلوم‏.‏
وما يجب على المسلم أن يعمله ويعتقده إلى وفاته‏.‏
وله المقاليد الوجودية في أسرار إشارات الصوفية‏.‏
وله الرسالة القدسية في توحيد العامة والخاصة‏.‏
والمراتب الإيمانية والإسلامية والإحسانية‏.‏
والرسالة العلمية وغير ذلك‏.‏
دخوله غرناطة شعره من ذلك قوله‏:‏
لقد تهت عجبًا بالتجرد والفقر ** فلم أندرج تحت الزمان ولا الدهر
وجاءت لقلبي نفحةٌ قدسية ** فغبت بها عن عالم الخلق والأمر
طويت بساط الطون والطي نشره ** وما القصد إلا الترك للطي والنشر
وغمضت عين القلب عن غير مطلق ** فألفيتني ذاك الملقب بالغير
وصلت لمن لم تنفصل عنه لحظة ** ونزهت من أعني من الوصل والهجر
وما الوصف إلا دونه غير أنني ** أريد به التشبيه عن بعض ما أدر
وذلك مثل الصوت أيقظ نايمًا ** فأبصر أمراجل عن ضابط الحصر
نقلت له الأسماء تبغي بيانه ** فكانت له الألفاظ سترًا على ستر
ومن شعره أيضًا قوله‏:‏ في الغرض المذكور‏:‏
من لامني لو أنه قد أبصرا ** ما ذقته أضحى به متحيرا
وغدا يقول لصحبه إن أنتم ** أنكرتم ما بي أتيتم منكرا
ومن شعره القصيدة الشهيرة ولها حكاية‏:‏ أرى طالبًا منا الزيادة لا الحسنى بفكر رمى سهمًا فعدى به عدنا وطالبنا مطلوبنا من وجودنا يغيب به لدى الصعق إن عنا تركنا حظوظًا من حضيض لحواطتنا إلى المقصد الأقصى إلى المقصد الأسنا ولم نلف كون الكون إلا توهمًا وليس بشيءٍ ثابت هكذا ألفينا فرفض السوا فرض علينا لأننا أناس بمحو الشرك والشرك قد دنا ولكن كيف السبيل لرفضه ورافضه المرفوض نحن وما كنا فيا قابلًا بالوصل والوقفة التي حجبت بها اسمع وارعوي مثل ما أبنا تبدت لك الأوهام لما تداخلت عليك ونور العقل أورثك الشجنا وسمت بأنوار فهمنا أصولها ومنبعها من أين كان فما سمنا وقد تحجب الأنوار للعقل مثل ما تبعد من إظلام نفس حوت ظعنا وأتى دجال في القضية يدعي وأكمل من في الناس لمن صدع الأمنا ولا تلتفت في السير وكل ما سوى الله غيرٌ فاتخذ ذكره حصنا ومهما ترى كل المراتب تجتلي عليك فحل عنها فعن مثلها حلنا وقل ليس لي في غير ذلك مطلب فلا صورة تجلى ولا طرفة تجنا وسر نحو أعلام اليمين فإنها سبيلٌ بها يمنٌ فلا تترك اليمنا أمامك هول فاستمع لوصيتي عقال من العقل الذي منه قد تبنا أيام الورى بالمشكلات وقبلهم بأوهامه قد أهلك الخر والبنا محجتنا قطع الحجا وهو حجنا وحجتنا شلوه ها بها همنا ثبتنا عند الصعود لأنه يود لأنا للصعيد قد أخلدنا تلوح لنا الأطواق منه ثلاثة كرآ هربن ورؤية ما قلنا ويظهر باسمه للسر والنفس مدبرًا وعقلًا وخيرًا مقبلًا عندما يدنا ولوح إذا لاحت سطور كتابنا له فيه وهو النون فالقلم الأدنا وعرش وكرسي وبرج وكوكب وحشىً لجسم الكل في وصفه حزنا وفتق للأملاك جوهره الذي يشكله سر الحروف فحرفنا يفرق مجموع القضية ظاهرًا ويجمع فرقًا من تداخله فزنا وعدد شيئًا لم يكن غير واحد بألفاظ أسمايها شتت المعنا ويعرج والمعراج منه ذواته لتطويره العلوي بالوسم أسرينا فليفل سفليًا ويوهم أنه لسفليه المجهول بالذات أسبطنا يقدر خصلًا بعد وصل لذاته وفرض مسافات يجد لها الذهنا يحل لها طور المغبة شكله وإن لمعت فيه فيلحقه المفنا ويلحقه بالشرط من مثنوية يلوح بها وهو الملوح والمبنا فنحن كدود القز يحصرنا الذي صنعنا بدفع الحصر سجنًا لنا منا فكم واقفٍ أردى وكم ساير هذا وكم حكمة أبدى وكم مملق أغنا وتيم أرباب الهرامس كلهم وحسبك من سقراط أسكنه الدنا وجرد أمثال العوالم كلها وأبدى لأفلاطون في المثل الحسنا وذوق للحلاج طعم اتحاده فقال لنا من لا يحبط به معنا فقال له ارجع عن مقالك قال لا شربت مدامًا كل من ذاقها غنا وانطق للشبلي بالوحدة التي أشار بها لما محا عنده الكونا أقام لذات الصغرى لنا حولها يخاطب بالتوحيد إذ رده خدنا وكان خطا بابين ذاتين من يكن فقيرًا يرى البحر فيه قد عمنا فاصمت للحسنى تجريد خلقه مع الأمر إذا صحت فصاحته لكنا تثنى قضيب البان من سكر خمره وكان كمثل العمر لكنه ثنا وقد شذ بالشوذى عن ثوبه فلم يمل نحو أحوازٍ ولا سكن الدنا وأصبح فيه السهر وردي حايرًا يصيخ لما يلقى الوجود له أذنا بعمر بن الفارض الناظم الذي تجرد للأسفار إذ سهل الحزنا ولابن قسي خلع نعلي وجوبٍ وليس أخًا طلب من المجد قد تبنا أقام على ساق المسرة نحله لمن زمن الأسرار فاستمطر المزنا كسا لشعيب توب جمعٍ لذاته فجر على حساده الذيل والودنا وعنه طوق الطابي بسبط كنانه بدسكرة الخلاع إذا ذب الوهنا تسمى برفع الروح صبرًا ولم يبل ما يهز ندًا في المقام ولا قرنا وباح به نجل الحر إلى عندما رأى كتمه ضعفًا وتلويحه غينا وللأموي النظم والنثر في الذي ذكرنا وإعرابٌ كما عنه أعربنا وأظهر منه الغافقي لما خفا وكشف عن أطواره الغيم والدجنا وبين أسرار العبودية التي عن إعرابها لم ترفع اللبس واللحنا كشفنا غطاءً من تداخل سرها فأصبح ظهرًا ما رأيتم له بطنا هوانا الدين الحق من قد تولهت لقربه ألبابنا وله هدنا فمن كان يبغي السير للجانب الذي تقدس لازبًا خذه عنا وهذه القصيدة غريبة المنزع وإن لم تخل عن شذوذ من جهة اللسان وضعفٍ في الصناعة أشار فيها إلى مراتب الأعلام من أهل هذه الطريقة‏.‏
وكأنها مبنية على كلام شيخه الذي خاطبه به عند لقايه حسبما قدمنا إذ الحسنى الجنة والزيادة مقام النظر فقوله أرى طالبًا منا نثره وكلامه حسن ومقاصده غريبة رضي الله عنه ونفع به‏.‏

كتب إليه الشيخ الصوفي أبو علي بن تادررت لما سافر ولم يودعه وكان قد قال له أغيب عنكم أيامًا قلائل وأعود إن شاء الله فأبطأ عنه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم الله وحده فقط ليس إلا وصلواته على ملإه المقرب الأعلى وعلى سيدهم الخاتم محمد وآله الهداة وسلامه الحق يخص العليم بسره في عالم الفرق ورحمته وبركاته من أخيه حقيقة في العوالم الأول لا في عالم العلم الحق من حيث هو موضوعه بحسب الإضاية بمنزله من مدينة بنى مدار عمرها الله وأرشدهم وليس إلا أنى نعتبكم عرفًا وعادةً لسفركم دون موادعة بخلاف سيرتكم الأولى من المشرق الأقصى إلى المغرب الأقصى وأما بكون حقيقة الأمر الموحد فلا عتب بل نقرأ على الماهية سورة الإخلاص التي توحيدها المحض أحاط وأحصى‏.‏
ثم وعدتم أنكم ولابد لا تطول إقامتكم ببجاية كلأها الله إلا ليال قليلة العدد تأخذون فيها كتبكم وتنفصلون قافلين في أسرع أمد‏.‏
ثم ظهر غير ذلك من الإقامة إلى هذه المهلة التي نبا كما عندنا الزمان‏.‏
وقد ورد من أناس بالتواتر أنكم ولابد تصومون هنالك رمضان المعظم على الأمان فقلنا لحظ البشرية الحيوانية‏.‏
وعلمنا أن الأمر ليس سرًا لأجل القضايا الحكمية الطلبية والمقادير العلمية السرية‏.‏
ولا تتحرك ذرة إلا بإذنه ولا يسل عما يفعل وهم يسئلون في دهره وزمنه يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب‏.‏
ولكنا أيضًا نقرأ والله لا يخلف الميعاد‏.‏
وقد يكون غير الوفاء بالعهد في الخلف لمصالح فيها وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون‏.‏
يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا والله يفعل ما يشاء‏.‏
ولا تكن معترضًا‏.‏
فلا تلوم إلا بحسب فرقنا الأول‏.‏
وأما من حيث الكمالات الثواني والأول فلا لوم ولا عتب لرفع المثنوية وإحالة الكثرة والإضافة حتى ليس إلا الوحدة العلمية المعنوية العلية‏.‏
وبالجملة الله معكم‏.‏
ولن يتركم أعمالكم فإن ما يرفع العمد والعماد‏.‏
قال الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون وهو معكم أينما كنتم والله عليم بما تصنعون‏.‏
والرغبة إلى ذاتكم الكاملة الوجودية ذات الكمالات العلمية القدسية أن تعجلوا لي إذ وأنتم مقيمون هنالك‏.‏
وأين يجد في عليين غرفة وإن شغلتم عن نسخها والحق لا يشغله شأن عن شأن فوجهوا إلي بها بعض الفقراء والإخوان وأنا أقسم عليك في ذلك يا أخي وسيدي فقط الذي يشغله أبدًا سرمدًا الله فقط وأن تعجل لي بذلك وتحيي مواتي وتجمع أشتاتي مع كلام تعتنوا لي به من كلامكم تخصوني به في كراس مبارك علمني الله العليم الحكيم منكم سر علمه العظيم وحكمته المحيطة وكفانا سر هذه العوالم الأرضية المركبة الحطيطة ونقلنا من البسيطة لغة إلى العوالم الريسة النفيسة البسيطة ويرقينا به عنها إلى أن نتصل الحظ المنفصل للتدبير بنقطته الأولى وإن كان في الحقيقة ما انفصل ويدخلها حضرة علمنا المحيط الوجودي الذي ليس وراءها محيط إليه يرقي ويتصل‏.‏
والسلام الحق محض مظهره ومجلاه ومرآته ورحمة الله وبركاته‏.‏
فراجعه الشيخ أبو الحسن الششتري المترجم به رضي الله عنه بما نصه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على النبي محمد المرسل بالحق لإدحاض الشك وإيضاح الغلط الموصل إلى أقرب السبيل للحضرة الآلهية ومن شطط المختص بجوامع الكلم المبكت لكل من موه وسفسط المبعوث بكلمة الإخلاص التي حاصلها اللها فقط ورضي الله عن مظهر الوراثة المحمدية في كل زمان المترجم عن كنز الوجود الذي طلسمه الإنسان وسلام الله ورحمته على المستمع بأذن أنيته لذلك الترجمان المتجوهر بمقام الإسلام والإيمان والإحسان القاري على أخباره المنبعثة في أرض فرقة كل من عليها فان بالمعنى الفقير الباطن للسيار الظاهر المشير الحايم على سلب الإسمين الداير على دايرة قاب قوسين‏.‏
المشهور في العالم الأول بأبي علي الحسين من خبر ماسية الوارث الطالب لذاته بها للوصل له‏.‏
وهو به عنه باحث المنظور في ذات كمالاته المنعوث بالوافي لا بالناكث المعتصم بحبل التحقيق القايل بالحق عبده على الششري ابن إفادتكم عبد الحق بن سبعين أما قبل من حيث الأصل ومع من حيث الوصل وبعد من حيث الفصل فإني أقسم بالبدر إذا أدبر والصبح إذا أسفر أن النصاب واقع من حيث الصور لا من حبة حقيقة المظهر‏.‏
فأين هنا أنت أو أنا أو قبل أو بعد أو هند أو دعد أو خلف أو وعد ولابد من المراح في ميدان الخطاب وبيان المتشابه عليكم المودع عليكم في هذا التاب‏.‏
فأول عايق عنكم مرض أحد الأصحاب ولا انفكاك عند وجود هذه القضية عند كل طايفة سنية فما ظنك بالسبعينية هذا مع وجود وعد مبين وزمان معين‏.‏
ونحن لم نعين للموضوع وقتًا ولو عينا لكبر عند الله مقتًا‏.‏
وإنما قلنا أيام قلايل ويدخل في ذلك الجمعة والشهر والعام القابل‏.‏
بل برزخ العالم وإنايه عند النحرير العاقل‏.‏
ثم لو عينا يومًا أو يومين أو جمعتين ولم يكن فقلب المؤمن بين إصبعين‏.‏
أما علمت أن الوعد المزعوم المراد منه الذي تتضمنه صعقه العمود بالبعد أو بالتواني أو بالحواس أو بالمعاني‏.‏ والمسكر هو الجريال لا الأواني‏.‏
وأما قضية الوداع فقد ارتفع بين الفقراء فيها النزاع ووقع من الصوفية في ذلك الإجماع أن الاجتماع من غير ميعاد والافتراق عن غير مشورة وقول أنه من حيث المذهب لازم بالضرورة فإن المودع لا يخلق أن يكون من ترية الفرس والسبع أو في مقام الفردانية والجمع أو في البرزخ الذي بين المقامين المعبر عنه عند الصوفية بالفناء‏.‏
فإن كان في الوترية فلا أنت ولا أنا ولا مودع وقلة العتب لهذا أليق وأطبع‏.‏
وإن كان في برزخ الفنا فمن المودع هنا وإن كان في الفرق هنا‏.‏
وإن كان في الفرق فترك المودع أقرب إلى الحق لألم التفرقة الموجود المحسوس المعترض عند ذلك للنفوس‏.‏
واعلم أن الانفصال كان بالطريق عند من يرى بالانفصال والاتصال ولا نقلة عند ذوي الاتصال‏.‏
وأما نكرة عرفة فهي عند الشيخ أبي عبد الله التوزري لا عندي ولو كانت ما ضننت بها بحمد الله لا بحمدي‏.‏
والسلام على موضوعك ومحمولك وسلوكك ووصولك وجمعك وفرقك وعبوديتك وحقك بل على جملته الصالحة ورحمة الله وبركاته‏.‏
وفاته قالوا إنه لما وصل بالشام إلى ساحل دمياط وهو مريض مرضه الذي توفي منه نزل قرية هناك على ساحل البحر الرومي يصاد فيها السمك وقال ما اسم هذه القرية فقيل الطينة فقال حنت الطينة إلى الطينة ووصى أن يدفن بمقبرة دمياط إذ الطينة بالمفازة بالساحل ودمياط أقرب المدن إليها فحمله الفقراء على أعناقهم فتوفي بها يوم الثلاثاء سابع عشر صفر عام ثمانية وستماية ودفن بمقبرة دمياط‏.‏
وفي ساير الأسماء من حرف العين الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء عامر بن محمد بن علي الهنتاتي رييس متبوإ قبيلةٍ من جبل درن ومزوار المصامدة والمطلقة يده على جباية الوطن المراكشي يكنى أبا ثابت‏.‏
حاله هذا الرجل حسن الشكل حصيف العقل ثابت الجأش معروف الأمانة والصدق عفيف الفرج مؤثر للجد ماضي الحذر بأهل الحكم نزيه اليد مشهور بالرجاحة عين من عيون الحدود الغربية وبقيةٌ من بقايا الجلة العلمية مسدد اللسان للإبانة عن الأغراض مختصر البزة والحلية متوسط الجود مؤثر للخصوصية بعيد النظر سديد الرأي‏.‏
قدمت عليه بمحله من الجيل زايرًا متوفى السلطان أبي الحسن مستجيرًا حماهم فبلوت من بره وبر الرييس الندي عبد العزيز أخيه ما تقصر عنه همم الملوك وتقف دونه آمال الأشراف تلقيًا واحتفالًا وفرشًا وآنية وطعامًا وصلة وانتخابًا واحتشامًا وألطافًا حسبما يتضمن وأنشدتهم عند رحيلي وقد رأيت إلى ما يبقي الذكر ويخلد الآثار شيم السادة وديدن الروساء‏:‏ يا حسنها من أربع وديار أضحت لباغي الأمن دار قرار وجبال عز لا تذل أنوفها إلا لعز الواحد القهار ومقر توحيد وأس خلافة آثارها تنبي عن الأخبار ما كنت أحسب أن أنهار الندى تجري بها في جملة الأنهار ما كنت أحسب أن أنوار الحجا تلتاح في قنن وفي أحجار مجت جوانبها البرود وإن تكن شبت بها الأعداء جذوة نار مجت جوانبها البرود وإن تكن شبت بها الأعداء جذوة نار هدت بناها في سبيل وفائها فكأنها صرعى بغير عقار لما توعدها على المجد العدا رضيت بعيث النار لا بالعار عمرت بحلة عامر وأعزها عبد العزيز بمرهف بتار فرسا رهان أحرزا قصب الندى والبأس في طلق وفي مضمار ورثا عن الندب الكريم أبيهما محض الوفاء ورفعة المقدار وكذا الفروع تطول وهي شبيهة بالأصل في ورق وفي أثمار لله أي قبيلة تركت لها النظراء دعوى الفخر يوم فخار لله أي قبيلة تركت لها النظراء دعوى الفخر يوم فخار نصرت أمير المسلمين وملكه قد أسلمته عزايم الأنصار وآوت عليًا عندما ذهب الردى والروع بالأسماع والأبصار وتخاذل الجيش اللهام وأصبح الأبطال بين تقاعدٍ وفرار كفرت صنائعه فيمم دارها مستظهرًا منها بعز جوار وأقام بين ظهورها لا يتقي وقع الردى وقد ارتمى بشرار فكأنها الأنصار لما آنست فيما تقدم غربة المختار لما غدا لحظًا وهم أجفانه نابت شفارهم عن الأشفار حتى دعاه الله بين بيوتهم فأجاب ممتثلًا لأمر البار لو كان يمنع من قضاء الله ما خلصت إليه نوافذ الأقدار قد كان يأمل أن يكافىء بعض ما أولوه لولا قاطع الأعمار ما كان يقنعه لو امتد المدا إلا القيام بحقها من دار ويسوغ الأمل القصي كرامها من غير ما ثنيا ولا استعصار ما كان يرضي الشمس أو بدر الدجا عن درهم فيه ولا دينار أو أن يتوج أو يقلد هامها ونحورها بأهلةٍ ودراري حق على المولى ابنه إيثار ما بذلوه من نصرٍ ومن إيثار فلمثلها ذخر الجزاء ومثله من لا يضيع صنائع الأحرار وهو الذي يقضي الديون وبره يرضيه في علن وفي إسرار حتى تحج محلة رفعوا بها علم الوفاء لأعين النظار فيصير منها البيت بيتًا ثانيًا للطائفين إليه أي بدار تغني قلوب القوم عن هدى به ودموعهم تكفي لرمي جمار حييت من دارٍ تكفل سعيها المحمود بالزلفى وعقبى الدار وضفت عليك من الإله عناية باكر ليل فيك إثر نهار دخوله غرناطة السلطان أبو الحسن لما رحل عن إفريقية حفظ حرمه وأسبابه في مراكب كان استقرارها بسواحل الأندلس وحضر مجلس السلطان فراق الحاضرين مدقاه وضم لسانه لأطراف الحديث وحسن تبويبه للأغراض‏.‏
ولهذا الرجل في وطن المغرب ذكر بعيد وقد أمسك الأمر مرات على من استقر لديه من ولد السلطان ورتب له الألقاب والتشريخ يغازله بذلك الوطن‏.‏
وتنوعت الحال بهذا الرجل من بعد وفاة السلطان أبي سالم ملك المغرب وانحاز إليه ولده فقام بدعوته ورتب له الألقاب بوطن مراكش ونظر لنفسه أثناء ذلك فحصن الجبل واتخذ به القلعة وأكثر الطعمة والعدة فلما حاقت بأميره الدبرة لجأ إلى ما أعده وهو الآن يزجي الوقت مهادنةً تشف عن انتزاء والله يهيىء له الخلاص من الورطة ويتيح له إلى حزب السلامة الفيئة‏.‏
ومن الطاريين في القضاة والغرباء عاشر بن محمد بن عاشر بن خلف بن رجا بن حكم الأنصاري بياسي الأصل حاله كان رحمه الله عيها حافظًا للمسايل مفتيًا بالرأي معروفًا بالفهم والإتقان بصيرًا بالفتوى شوور ببلده وببلنسية واستقضاه أبو محمد ابن سمحون على باغة أيام قضاية بغرناطة‏.‏
إذ كان يكتب عنه ويلازمه ثم استقضي بمرسية أعادها الله‏.‏
وكان حافظ وقته لم يعاصره مثله‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:30 AM

مشيخته روى عن أبيه وتلا بالسبع على ابن ذروة المرادي ولقي أبا القاسم ابن النحاس وأخذ الحديث عن أبي بحر الأسدي وأبي بكر بن العربي وأبي جعفر بن جحدر وأبي الحسن بن واجب وغيرهم‏.‏
مولده وفاته توفي بشاطبة تسع وستين وخمسماية‏.‏
تواليفه شرح المدونة مسئلة مسئلة بكتاب كبير سماه الجامع البسيط وبغية الطالب النشيط حشد فيه أقوال الفقهاء ورجح بعضها واحتج له‏.‏
قالوا‏:‏ وتوفي قبل إكماله‏.‏
عياض بن محمد اليحصبي عياض بن محمد بن محمد بن عياض بن موسى اليحصبي من أهل سبتة حفيد القاضي العالم أبي الفضل يكنى أبا الفضل‏.‏
حاله من الصلة‏:‏ كان من جلة الطلبة وذوي المشاركة في فنون من العلوم العقلية وغيرها فصيحًا شاعرًا لسنًا مفوهًا مقدامًا موصوفًا بجزالة وحدة امتحن بسببها‏.‏
وكان مع ذلك كثير التواضع فاضل الأخلاق سريًا مشاركًا معظمًا عند الملوك مشارًا إليه جليل القدر‏.‏
حضر الأندلس أيام قضاء أبيه بغرناطة وغير ذلك الوقت وجال فيها وأخذ بقرطبة وإشبيلية مشيخته روى عن أبيه أبي عبد الله وعن أبي محمد بن عبد الله وأبي بكر ابن الحداد القاضي بسبتة وأبي القاسم بن بشكوال وابن حبيش وابن حميد وأبي بكر بن بيبش الشلطيشي وغيرهم‏.‏
من روى عنه‏:‏ قال الأستاذ روى عنه جماعة ممن أخذت عنهم منهم ابنه أبو عبد الله قاضي الجماعة وأبو العباس بن فرتون أخذ عنه كثيرًا بمدينة فاس‏.‏
مولده قال صاحب الذيل‏.‏
سألته عن مولده‏:‏ فقال ولدت في اليوم التاسع عشر من محرم عام واحد وستين وخمسماية بمدينة سبتة‏.‏
وفاته توفي في العشر الوسط من جمادى الآخرة عام ثلاثين وستماية بمالقة‏.‏
وروضته بها في جنة كانت له بربضها الشرقي‏.‏
رحمه الله‏.‏
عياض بن موسى اليحصبي عياض بن موسى بن عياض بن عمرون بن موسى بن عياض ابن محمد بن عبد الله بن موسى القاضي الإمام المجتهد يكنى أبا الفضل سبتي الدار والميلاد أندلسي الأصل بسطيه‏.‏
أوليته من كتاب ولده في مآثره وهو كناش نبيه قال استقر أجدادنا في القدم بالأندلس بجهة بسطة ثم انتقلوا إلى مدينة فاس‏.‏
وكان لهم استقرار في القيروان لا أدري قبل حلولهم بالأندلس أو بعد ذلك‏.‏
وكان عمرون رجلًا خيارًا من أهل القرآن وحج إحدى عشرة حجة وغزا مع ابن أبي عامر غزوات كثيرة‏.‏
وانتقل إلى سبتة بعد سكنى فاس‏.‏
وكان موسرًا فاشترى بها من جملة ما اشتراه الأرض المعروفة بالمنارة فبنى في بعضها مسجدًا وفي بعضها ديارًا حبسها عليه وهو الآن منسوب إليه وولد له ابنه عياض ثم ولد لعياض ابنه موسى ثم ولد لموسى القاضي أبو الفضل المترجم به‏.‏
حاله قال ولده في تأليفه النبيل‏:‏ نشأ على عفة وصيانة مرضي الخلال محمود الأقوال والأفعال موصوفًا بالنبل والفهم والحذق طالبًا للعلم حريصًا عليه إلى أن برع في زمانه وساد جملة أقرانه فكان من حفاظ كتاب الله مع القراءة الحسنة والنغمة العذبة والصوت الجهير‏.‏
والحظ الوافر من تفسيره وجميع علومه‏.‏
وكان من أيمة الحديث في وقته أصوليًا متكلمًا فقيهًا حافظًا للمسايل عاقدًا للشروط بصيرًا بالأحكام نحويًا ريان من الأدب شاعرًا مجيدًا كاتبًا غالبًا بليغًا خطيبًا حافظًا للغة والأخبار والتواريخ حسن المجلس نبيل النادرة حلو الدعابة صبورًا حليمًا جميل العشرة جوادًا سمحًا كثير الصدقة دروبًا على العمل صلبًا في الحق‏.‏
رحلته وولايته ومنشأ أمره‏.‏
رحل إلى الأندلس سنة سبع وخمسماية فأخذ بقرطبة ومرسية وغيرهما ثم عاد إلى سبتة فأجلسه أهلها للمناظرة عليه في المدونة وهو ابن ثلاثين سنة أو ينيف عليها‏.‏
ثم جلس للشورى‏.‏
ثم ولي القضاء فسار في ذلك حسن السيرة مشكور الطريقة‏.‏
وبنى الزيادة الغربية في الجامع الأعظم‏.‏
وبنى بجبل الميناء الرابية الشهيرة وعظم صيته‏.‏
ثم نقل إلى غرناطة في أول صفر سنة إحدى وثلاثين وخمسماية فتلقد خطة القضاء بها‏.‏
ثم ولي قضاء سبتة ثانية‏.‏
ولما ظهر أمر الموحدين بادر بالمسابقة إلى الدخول في طاعتهم ورحل إلى لقاء أميرهم بمدينة سلا فأجزل صلته وأوجب بره إلى أن اضطربت أمور الموحدين عام ثلاثة وأربعين وخمسماية وحدث على من كان بقصبتها منهم ما هو معلوم من التغلب عليهم واستئصالهم ثم من رجوع أمورهم مشيخته ورتبهم ولده حسبما نقل من فرهسته على الحروف‏.‏
فمنهم أحمد بن محمد بن بقي وأحمد بن سعيد بن مستقر وأحمد بن محمد بن مكحول وأحمد بن محمد السلفي الشيخ أبو الطاهر وأحمد بن محمد بن غلبون ابن الحصار وأحمد بن محمد بن عبد العزيز المرحي إلى غيرهم من جملة سبعة عشر رجلًا والحسن بن محمد الصدفي بن سكرة والحسين بن محمد الغساني والحسين بن عبد الأعلى السفاقسي والحسن ابن علي بن طريف وخلف بن إبراهيم بن النحاس وخلف بن خلف الأنصاري ابن الأنقر وخلف بن يوسف بن فرتون ومحمد بن عيسى التجيبي القاضي ومحمد بن علي بن حمدين القاضي ومحمد بن أحمد التجيبي القرطبي القاضي ابن الحاج‏.‏
ومحمد بن أحمد بن رشد ومحمد بن سليمن النفزي ابن أخت غانم‏.‏
وأجازه محمد بن الوليد الطرطوشي ومحمد بن علي بن عمر المازري ومحمد بن عبد الله المعافري القاضي ابن العربي ومحمد بن عبد الرحمن بن شبرين القاضي ومحمد ابن علي الأزدي الخطيب الطليطلي ومحمد بن علي الشاطبي ابن الصقيل إلى غيرهم من جملة أحد وثلاثين شيخًا‏.‏
وعبد الله بن محمد الخشني وعبد الله بن محمد بن السيد البطليوسي وعبد الله بن محمد بن أيوب الفهري وعبد الرحمن بن محمد السبتي ابن العجوز وعبد الرحمن ابن محمد بن بقي وعلي بن أحمد الأنصاري ابن الباذش وعلي بن عبد الرحمن التجيبي ابن الأخضر من جملة من سبعة وعشرين‏.‏
وغالب ابن عطيه المحاربي وسراج بن عبد الملك بن سراج أبو الحسن وسفيان ابن العاصي الأسدي من جملة خمسة من الأشياخ في هذا الحرف‏.‏
وشريح بن محمد الرعيني الإشبيلي وهشام بن أحمد القرطبي أبو الوليد ابن العواد وهشام بن أحمد الهلالي الغرناطي ويونس بن محمد بن مغيث ابن الصفار ويوسف بن موسى الكلبي سمع منه أرجوزته ويوسف ابن عبد العزيز بن عتريس الطليطلي‏.‏
شعره قال مما كتبته من خطه‏:‏ أعوذ بربي من شر ما يخاف من الإنس والجنة وأسئله رحمة تقتضي عوارف توصل بالجنة فما للخلان من ناره سوى فضل رحماه من جنة ومن شعره قال أنشدنيه غير واحد من أصحابنا فوارحمة الله عليه‏:‏ بمطلك لي مواعد أقتضيها من التوريد واللمس اقتضاه فقضى وعد مطلك وانجزيه خيار الناس أحسنهم قضاة قال ومما كتبته من خطه‏:‏ يا من تحمل عني غير مكترث لكنه للضنى والسقم أوصاب تركتني مستهام القلب ذا خوف أخا جوىً وتباريح وأوصاب أراقب النجم في جنح الدجا ولهًا كأني راصدٌ للنجم أوصاب وما وجدت لذي النوم بعدكم إلا جنى حنظل في الظعم أوصاب ومن ذلك قوله رحمه الله‏:‏ الله يعلم أني منذ لم أركم كطاير خانه ريش الجناحين فلو قدرت ركبت المريخ نحوكم فإن بعدكم عني جنا حين قال وكتب من خطه‏:‏ يا راحلين وبالفؤاد تحملوا أترى لكم قبل الممات قفول أما الفؤاد فعندكم أنباؤه ولواعج تنتابه وغليل فترى لكم علمٌ بمنتزح الكرى عن جفن صبٍّ ليله موصول ما ضركم وأضنكم بتحية يحيى بها عند الوداع قتيل ما ضركم وأضنكم بتحية يحيى بها عند الوداع قتيل إن الخليل بلحظه أو لفظه أو عطفه أو وقفه لبخيل ومما نسبه إليه الفتح وغيره ومن العجب إغفال ولده إياه قوله يصف الزرع والشقائق فيه‏:‏ أنظر إلى الزرع وخاماته تحكي وقد ماست أمام الرياح كتيبةٌ خضراء مهزومة شقائق النعمان فيها جراح نثره وهو كثير‏.‏
فمن خطبه وكان لا يخطب إلا بإنشايه‏:‏ الحمد لله الذي سبق كل شيءٍ قدمًا ووسع كل شيءٍ رحمة وعلمًا ونعمًا وهدى أولياءه طريقًا نهجًا أممًا وأنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا قيمًا لينذر بأسًا شديدًا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا حسنًا ماكثين فيه أبدًا‏.‏
أحمده على مواهبه وهو أحق من حمد وأسأله أن يجعلنا أجمع ممن حظي برضاه وسعد وأستعينه على طاعته فهو أعز من أستعين وأستنجد وأستهديه توفيقًا فإن من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًا مرشدًا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة فاتحةً لأقفال وانتظروا قوله يوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدًا ذلك يوم تذهل فيه الألباب وترجف القلوب رجفًا وتبدل الأرض وتنسف الجبال نسفًا ولا يقبل الله فيه من الظالمين عدلًا ولا صرفًا‏.‏
ونحشر المجرمين يومئذ زرفًا وعرضوا على ربك صفًا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم أن لن نجعل لكم موعدًا اللهم انفعنا بالكتاب والحكمة وارحمنا بالهداية والعصمة وأوزعنا شكر ما أوليت من النعمة‏.‏
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدًا‏.‏
تواليفه مما أكمله وقرىء عليه كتاب الشفا بتعريف حقوق المصطفى ستة أجزاء وكتاب إكمال المعلم في شرح مسلم تسعة وعشرون جزءًا‏.‏
وكتاب المستنبطة على الكتب المدونة والمختلطة عشرة أجزاء‏.‏
وكتاب ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك خمسة أسفار ولم يسمعه‏.‏
وكتاب الإعلام بحدود قواعد الإسلام‏.‏
وكتاب الإلماع في ضبط الرواية وتقييد السماع سفر‏.‏
وكتاب الرايد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوايد‏.‏
وكتاب خطبه سفر‏.‏
وكتاب المعجم في شيوح أبي سكرة‏.‏
وكتاب الغنية في شيوخه جزء‏.‏
ومما تركه في المبيضة كتاب مشارق أنوار تبدت بسبتة ومن عجب كون المشارق بالغرب وكتاب نظم البرهان على صحة جزم الأذان جزء‏.‏
وكتاب مسئلة الأهل المشترط بينهم التزاور جزء‏.‏
ومما لم يكمله المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان‏.‏
وكتاب الفنون الستة في أخبار سبتة‏.‏
وكتاب عنية الكاتب وبغية الطالب في الصدور والترسيل‏.‏
وكتاب الأجوبة المحيرة على الأسئلة المتخيرة وجدت منها يسيرًا فضممته إلى ما وجدته في بطايقه وعند أصحابه‏.‏
يقول هذا ولده من معان شاذة في أنواع شتى سئل عنها رحمة الله عليه‏.‏
فأجاب جمعت ذلك في جزء‏.‏
وكتاب أجوبة القرطبيين وجدتها بطابق فجمعتها مع أجوبة غيرهم‏.‏
وأجوبته مما نزل في أيام قضايه من نوازل الأحكام في سفر وكتاب سر السراة في أدب القضاة‏.‏
نبذ من أخباره وأولًا في ثناء الأعلام عليه‏.‏
قال ولده أخبرني ابن عمي الزاهد أن القاضي أبا عبد الله بن حمدين كان يقول له وقت رحلته إليه وحتى يا أبا الفضل إن كنت تركت بالمغرب مثلك‏.‏
وقال وأخبرني أن أبا الحسين بن سراج قال له وقد أراد الرحلة إلى بعض الأشياخ فهو أحوج إليك منك إليه وقال إن الفقيه أبا محمد بن أبي جعفر قال له ما وصل إلينا من المغرب مثل عياض‏.‏
وأمثال ذلك كثير ومن دعابته قال بعض أصحابنا صنعت أبياتًا تغزلت فيها والتف إلى أبيك رضي الله عنه ثم اجتمع بي فاستنشدني إياها فوجمت فعزم علي فأنشدت‏:‏ أيا مكثرًا صدىً ولم آت جفوة وما أنا عن فعل الجفاء براض سأشكو الذي توليه من سوء عشرة إلى حكم الدنيا وأعدل قاض ولا حكم بينك أرتضي قضاياه في الدنيا سوى ابن عياض قال فلما فرغت حسن وقال متى عرفتني قوادًا يا فلان على طريق المداعبة‏.‏
وأخباره حسنة وفضايله جمة‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:31 AM

مولده بسبتة حسبما نقل من خطه في النصف من شعبان عام ستة وسبعين وأربعماية‏.‏
وفاته توفي بمراكش ليلة الجمعة نصف الليلة التاسعة من جمادى الآخرة من عام أربعة وأربعين وخمسماية‏.‏
ودفن في باب إيلان من داخل السور‏.‏
عقيل بن عطية القضاعي عقيل بن عطية بن أبي أحمد جعفر بن محمد بن عطية القضاعي من أهل طرطوشة يكنى أبا المجد حاله كان فقيهًا متطرفًا في فنون من العلم متقنًا لما يتناوله من ذلك حسن التهدي من بيت طلب‏.‏
وقد تقدم ذكر جده الأستاذ‏.‏
ولي عقيل قضاء غرناطة وسلجلماسة‏.‏
مشيخته روي عن أبي القاسم بن بشكوال‏.‏
قرأ عليه وسمع وتناول من يده وأجاز له‏.‏
وقفت على ذلك بخطه‏.‏
شعره أنشد له في الذيل قوله مما نظمه لجماعة من السادة‏:‏ ملوك دون بابكم وقوف سطت بهم الحوادث والصروف أذلهم الزمان وكان قدمًا لهم راع وحولهم يطوف غدوا عبرًا لمعتبر فسحقًا لدنيا أمرها أمر سخيف أسود يقدمون أسود حرب وخلفهم العساكر والصفوف أتى بهم الزمان إليك قصدًا حيارى فيه يعجزهم رغيف فعطفًا أيها المولى عليهم وقاك السوء باريك اللطيف فرحمة سيد قد ذل فرضٌ يقول به النبي الهادي الشريف وما يرى الكرام سوى كريم وأنت الماجد الندى العطوف تواليفه قال الأستاذ وقفت على تأليف سماه فصل المقال في الموازنة بين الأعمال تكلم فيه مع أبي عبد الله الحميدي وشيخه أبي محمد بن حزم فأجاد فيه وأحسن وأتى بكل بديع‏.‏
وشرح المقامات الحريرية‏.‏
وفاته في صفر سنة ثمان وستماية‏.‏
ومن الكتاب والشعراء عاصم بن زيد العبادي عاصم بن زيد بن يحيى بن حنظلة بن علقمة بن عدي ابن محمد التميمي ثم العبادي الجاهلي يكنى أبا المخشبي من أهل إلبيرة‏.‏
حاله كان شاعرًا مجيدًا شهير المكان بعيد الصيت على عهده‏.‏
قال أبو القاسم كان من أعلام الجند ومقدميهم‏.‏
وقال الرازي دخل والده زيد بن يحيى من المشرق إلى الأندلس واختط بكورة جند دمشق وشهر ابنه عاصم هذا بالشعر إذ كان غزير القول حسن المعاني كثير النادر سبط اللفظ فاغتدى شاعر الأندلس ومادح بني أمية المخلف فيهم قوافي الشعر المديح الشاردة وقد كان في لسانه بذاءة زايدة يتسرع به إلى من لم يوافقه من الناس فيقذع هجوهم ويقذف نساءهم ويهتك حرمهم وكان أفاكًا نهابًا لا يعدم متظلمًا منه وداعيًا عليه وذاكرًا له بالسوء وهو مستهوىءٌ بذلك جارٍ على غلوائه‏.‏
محنته قال وكان مع ذلك منقطعًا إلى سليمن بن الأمير عبد الرحمن بن معاوية كثير المدح له‏.‏
على أنه ما أخلى الأمير هشامًا من مدحه وهو مع ذلك لا يسل سخيمته وحقده عليه لانحطاطه في شعب سليمن أخيه وبينهما من التنافس والمشاحة ما لا شيء فوقه‏.‏
وروي أن الذي هاج غضب هشام عليه أن قال له الساعي عليه قد عرض بك بقوله في مديح أخيك سليمن في شعر له فيه منه‏:‏ وليس مثل من بان سيل عرفًا يقلب مقلة فيها أعونه وكان هشام أحول فاغتاظ لذلك‏.‏
وركب فيه من المثلة وركبه وحقد عليه إلى أن استدعاه إلى مدينة ماردة وهشام يومئذ واليها في حياة الأمير أبيه فخرج إليه أبو المخشبي من قرطبة طامعًا في نايله غير مرتاب بباطنه فلما دخل عليه قال له يا أبا المخشبي إن المرأة الصالحة التي هجوت ابنها فقذفتها فأفحشت سبها قد أخلصت دعاها لله في أن ينتقم لها منك فاستجاب لها وسلطني وتأذن بالاقتصاص لها على يدي منك ثم أمر به فقطع لسانه وسولت عيناه وعولج من جراحه فاستقل منها وعاش زمنًا ممثلًا به‏.‏
فأما لسانه فانجبر بعيد وقت إلا قليلًا واقتدر على الكلام إلا تلعثمًا كان يعترضه واستمر العمى فعظم عليه مصابه فكثرت في شكواه أشعاره قال ويذكر أن قصة أبي المخشبي في نبات لسانه لما بلغت مالك بن أنس أشار إليها في فتواه في التأني بدية اللسان طمعًا في نبتها وقال يتأنى بالحكم عامًا فإن نبت أو شيء منه عمل في ديته بحسب ذلك فقد بلغني أن رجلًا بالأندلس نبت لسانه أو أكثره بعد ما قطع فأمكنه الكلام‏.‏
شعره قالوا وبلغ الأمير عبد الرحمن بن معاوية صنيع ابنه هشام بمادحهم أبي المخشبي فساءه وكتب إليه يعنفه وأوصل أبا المخشبي إليه عند استيلايه بعد حين فاعتذر إليه ورق له وأنشده بعض ما أحدثه بعد فكان لا يبين الإنشاد فينشد له صبي كان قد علمه ودربه فأنشده قصيدته التي وصف فيها عماه وأولها‏:‏ خضعت أم بناتي للعدا إذ قضى الله بأمر فمضا ورأت أعمى ضريرًا إنما مشيه في الأرض لمسٌ بالعصا فبكت وجدًا وقالت قولةً وهي حدا حلقت مني المدا ففؤادي فرحٌ من قولها ما من الأدواء أس العما وإذا نال العمى ذا بصرٍ كان حيًا مثل ميت قد نعا عانى بالقرب وهنا طرب بين لج في الحما ‏.‏
كيف يعتاد الصبا من لا يرا أبصرت مستبدلًا من طرفه فأنذا يسعى به حيث سعا بالعصا إن لم يقده فإنه وسؤال الناس يمشي إن مشا وإذا ركب دنوا كأن لهم هو حملًا في المهمة الخراف الصوا لم يزل في كل مخشبي الردى يصطلي الحرب ويجتاب الدجا امتطيناها سمانًا بدنًا فتركناها نضاءً بالفنا وذريتي قد تجاورت بها مهمها فقرًا إلى أهل الندا قاصدًا خير منافٍ كلها ومناف خيرٌ من فوق الثرا وهي طويلة ومن شعره في الوقيعة بأبي الأسود الفهري وكانت عظيمة من أعظم فتوحات الأمير عبد الرحمن‏:‏ ماذا تسايل عن مواقع معشر أودى بهم طلب الذي لم يقدر رشد الخليفة إذا غووا فرماهم بالموبذي بالحزم والمتأزر أما سليمن السماح فإنه جلى الدجا وأقام سيل الأصعر وهو الذي ورث الندى أهل الندى ومحا دجنة يوم وادي الأحمر بعد القتلى بالمخايض أصبحت جيفًا تلوح عظامها لم تقبر فالليل فيها للذباب عرايسٌ ونهارها وقفٌ لنهس الأنسر أفناهم سيفٌ مبيرٌ صارم في قسطلونة وبل بوادي الأحمر هات عنك ما هربت مخافةً منه فقع يا ابن اللقيطة أو طر وفاته قال ابن حيان قرأت بخط عبادة الشاعر قال عمر أبو المخشبي بعد محنته الشنعاء حتى لحق دولة الأمير عبد الرحمن فوالى بين مديح أربعة أمراء ما بينه وبين جده عبد الرحمن بن معاوية الأمير الداخل‏.‏
وتوفي بعد ذلك قريبًا من تاريخ الثمانين والماية‏.‏
وبعد عليه لحاق دولة الأمير عبد الرحمن لهذا التاريخ‏.‏
ومن الأصليين من ترجمة المحدثين والفقهاء والطلبة النجباء ابن أبي زمنين المري عيسى بن محمد بن أبي عبد الله بن أبي زمنين المري يكنى أبا الأصبغ من أهل البيرة‏.‏
حاله نبيه القدر‏.‏
وروى عن شيوخ بلده‏.‏
وفاته توفي بعد الأربعمائة‏.‏
قلت قد اعتذرت وتقدم الاعتذار في إثبات من أثبته من هذا البيت في هذا الاختصار من هذا النمط‏.‏
فلينظر هنالك إن شاء الله‏.‏
عيسى بن سعادة الأموي عيسى بن محمد بن عيسى بن عمر بن سعادة الأموي لوشى الأصل غرناطي الاستيطان والقراءة يكنى أبا موسى الشيخ الطبيب بالدار حاله من عايد الصلة بقية أهل العلم ونسيح وحده في لين الجانب وخفض الجناح وحسن الخلق‏.‏
وبذل التواضع ممتع من معارف قديمة بين طلب وتعليم على حال تدين والتزام سنة أقرأ الطب وخدم به الدار السلطانية وولي القضاء بلوشة بلده‏.‏
مشيخته قرأ على الأستاذ أبي عبد الله الرقوطي المرسي ولازمه وأخذ عن أبي الحجاج بن خلصون وأدرك أمةً من صدور العلماء‏.‏
تواليفه له تأليف كبير متعدد الأسفار سماه كتاب القفل والمفتاح في علاج الجسوم والأرواح تضمن كثيرًا من العلم الطبي وما يتعلق به رأيت أجزاءً من مسودته بيد ولده‏.‏
وفاته توفي بغرناطة ليلة السبت الخامس عشر لجمادى الآخرة عام ثمانية وعشرين وسبعماية‏.‏
حرف الغين من الأعيان ابن الأشقر غالب بن أبي بكر الحضرمي من أهل غرناطة يكنى أبا تمام ويعرف بابن الأشقر‏.‏
حاله كان قايدًا جزلًا مهيبًا مليح التجند معروف الدربة والثقافة مشهور الفروسية ظريف الشكل رايق الركبة حسن الشيبة صليب العود مرهوب السطوة ولي قيادة العسكر زمانًا طويلًا فوقع الإجماع على أهليته لذلك تمييزًا للطبقات وانتهاضًا بالخدمة وإنفاذًا للعزمة ومعرفة بالعوايد واقتدارًا على السهر في تفقد المسالح واختبار المراصد واختيار الحرس وتنظيم المصاف وإمساك السيقة ممن يرجع إلى حصيف رأيه ويركن إلى يمن حنكته ويعترف بحقه‏.‏
لقي الجند منه ضغطًا لاضطلاعه باستخدامهم وجعل العقاب من وراء تقصيرهم‏.‏
فقد كان بعض نقبائه يحمل معه مقصًا لإيقاع المثلة بذقون مضيعي المسلحة أو متهيبي الملحمة‏.‏
ولما أوقع بالسلطان أمير المسلمين أبي الوليد قرابته بباب داره بما هو مشهور نمي عنه أنه اخترط سيفه‏.‏
وكان ممن أثخن الوزير يومئذ جراحة لا يعلم أحيرةً وغلطًا أم تواطأ وقصدًا فقد كان من مرج الناس يومئذ وإعمال بعضهم السلاح في بعض ما هو معلوم فعزل عن الخطة وسئم خطة الخمول ففقد مكانه من العنا واضطر إليه‏.‏
وفاته توفي بغرناطة عشية يوم الخميس الثاني والعشرين لشوال عام سبعة وعشرين وسبعماية ودفن قرب باب إلبيرة‏.‏
ومن المقربين غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرؤوف بن تمام بن عبد الله بن تمام بن عطية بن خالد بن خفاف بن أسلم بن مكتوم المحاربي أبو بكر حاله كان من أهل العلم والعمل مقريًا فاضلًا راوية حج وروى وكف بصره في آخر عمره‏.‏
قرأ القرآن بالسبع على أبي الحسن بن عبد الله الحضرمي ودرس الفقه وناظر فيه على سعيد بن خلف بن جعفر الكناني‏.‏
وروى عن أبي علي الغساني وعن أبيه عبد الرحمن بن غالب وأبي عمر بن عبد البر الإمام الحافظ‏.‏
من روى عنه‏:‏ حدث عنه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن أبي الخصال وأبو عبد الله بن عبد الرحيم القاضي وعبد الله بن طلحة بن أحمد ابن عطية‏.‏
شعره قال يحذر من أبناء الزمن‏:‏ كن بذي صايد مستأنسًا وإذا أبصرت إنسانًا ففر إنما الإنسي بحرٌ ماله ساحل فاحذره إياك الغرر واجعل الناس كشخص واحد ثم كن من ذاك الشخص حذر وله رحمه الله‏:‏ كيف السلو ولي حبيب هاجر قاسى الفؤاد يسومني تعذيبا لما ذرى أن الخيال مواصلي جعل السهاد على الجفون رقيبا ولد سنة إحدى وأربعين وأربعمائة‏.‏
وفاته توفي ليلة الجمعة لستٍّ بقين من جمادى الآخرة سنة ثماني عشر وخمسماية‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:33 AM

غالب بن حسن بن غالب بن حسن بن أحمد بن يحيى ابن سيدبونه الخزاعي يكنى أبا تمام‏.‏
أوليته وحاله أصل سلفه من بونه من بلد إفريقية واستوطن جده بالأندلس قرية زنيتة من وادي لستة شرقي الأندلس من عمل قسنطانية وملك فيها أموالًا عريضة‏.‏
ولما ظهر سبطه ولي الله أبو أحمد شيخ المريدين بذلك الصقع وظهرت عليه البركات وشهدت بولايته الكرامات غمرتهم بركته ونوهت بهم شهرته إلى أن استولى العدو على تلك الجهات بعد وفاة الشيخ رضي الله عنه فهاجرت ذريته إلى غرناطة بعد استيطانهم مدينة ألش وبنوا بالربض المعروف بربض البيازين واقتطعوا وامتطوا واتخذوا دار إقامة وانتشرت به نحلتهم الإرادية وانضم إليهم من تبعهم من جالية أهل الشرق وتقدم هذا الشيخ بعد شيخًا ويعسوبًا وقاضيًا وخطيبًا به بعد خاله رحمه الله فقام بالأعباء سالكًا سنن الصالحين من أهل الجلد والجدة والقوة والرجولة من الإيثار والمثابرة على الرباط والحفوف إلى الجهاد وكان مليح الشيبة كثير التخلق جم التواضع مألفًا للغرباء مبذول البشر حسن المشاركة رافضًا للتصنع مختصر المطعم والملبس بقية من بقايا الجلة معتمدًا في مجالس الملوك بالتجلة‏.‏
مشيخته يحمل عن والده أبي علي وعن خاله وعن الخطيب أبي الحسن ابن فضيلة وغيرهم‏.‏
تواليفه له تأليف في تحريم سماع اليراعة المسماة بالشبابة وعلى ذلك درج جمهورهم‏.‏
مولده في ذي القعدة من عام ثلاثة وخمسين وستماية‏.‏ وفاته توفي في عاشر شوال من عام ثلاثة وثلاثين وسبعماية‏.‏ وكان الحفل في جنازته يشذ عن الوصف‏.‏
ودفن بمقبرتهم‏.‏ غالب بن علي بن محمد اللخمي الشقوري من أهل غرناطة يكنى أبا تمام‏.‏
حاله كان من أهل الفضل والدماثة حسن الخلق وسيم الخلق مليح الانطباع مستطرف الأغراض من بيت كسب وخيرية‏.‏ رحل في شبيبته إلى المشرق فحج وقرأ الطب بالمارستان من القاهرة المعزية وحذق العلاج على طريقة المشارقة وأطرف بكثير من أخبارهم وانتصب للمداواة ببجاية بعد مناظرة لها حكاية‏.‏
وقدم على بلده فنبه به قدره واستدعى إلى باب السلطان فخدم به ثم تحول إلى العدوة فاتصل بخدمة ملكها السلطان أمير المسلمين أبي سعيد مسوغًا ما شاء من قبول ولطف محله عنده لانطباعه ولين عريكته وتأنيه لما يوافق غرضه من سبيل الفكاهة وولي الحسبة بمدينة فاس وأثرى وحسنت حاله‏.‏
وكان مثالًا لأهل بلده موصوفًا وله تواليف طيبة كان لا يفتر عن الاشتغال بها بحسب ما فتح له من الإدراك فمنها نبيل ووبيل‏.‏
ولما انتقل الأمر إلى أمير المسلمين أبي الحسن وصل حبل رعيه طاويًا بساط الهزل في شأنه واتصلت خدمته إياه إلى حين وفاته‏.‏
وفاته توفي في أوايل عام أحد وأربعين وسبعماية بسبتة عند حركة أميره المذكور إلى الجواز للأندلس برسم الجهاد الذي محصه الله فيه بالهزيمة الكبرى‏.‏
مولده حرف الفاء‏:‏ الأعياء والكبراء فرج بن إسمعيل بن يوسف بن نصر الرئيس الجليل أبو سعيد وكان حقه أن يفرد له باب في الأمراء لكنه الأبواب المتعددة الأسماء نؤثر فيها الجمع والاختصار كما شرطنا‏.‏ أوليته معروفة‏.‏
وكان والده رحمه الله صنو أمير المسلمين الغالب بالله أبي عبد الله وآثره بمدينة مالقة وما يرجع إليها عند تصير الملك إليه أو بعده‏.‏ وكان دونه في السن فاستمرت أيامه بها إلى أن توفي رحمه الله‏:‏ وتصير أمره إلى الرييس أبي محمد بن إشقيلولة وتخللت ذلك الفتن حسبما وقع الإلماع به وتصير أمرها إلى ملوك المغرب‏.‏
ثم لما انجلت الحال عن عودتها إلى الملك النصري ولى عليها الرييس أبا سعيد ومكنه من ميراث سلفه بها وهو كما استجمع شبابه وعقد له على ابنته الحرة لباب الملك فقام بأمرها خير قيام وثبت لزلزال الفتنة حسبما هو مذكور في موضعه‏.‏
حاله كان هذا الرييس نسيج وحده في الحزم والجزالة وفخامة الأحوال مما يرجع إلى الفتية‏.‏
ناغى السلطان ابن عمه في اقتناء العقار وتخليد الآثار فيما يرجع إلى الفلاحة والاعتمار والازدياد والاستكثار وأربى عليه بإنشاء المراكب الكبار فعظمت غلاته وضاقت المسارح عن سائمته وغصت الأهراء بحبوبه وسالم الخرج دخل ماله فبذ الملوك جدةً ويسارًا تقتحم العين منه ظاهرًا ساذجًا غفلًا من الزينة والتصنع في طيه ظرف وذكاء وحنكة وحلاوة جهوريًا مرسل عنان النادرة باذلًا النصفة مهيب السطا خصيب المايدة شهير الجلالة بعيد الصيت‏.‏
ولي مالقة عام سبعة وسبعين وستماية فعانى بها الشدة والليان‏.‏
حتى رسخت بها قدمه وطالت لأهلها صحبته وعظم بها قراره وعساكره وأينعت غرسانه ونمت متاجره ونبنكت النعيم حاشيته وأضيفت إليه الجزيرة الخضراء فاتسعت العمالة وانفسحت الخطة إلى أن كان من تغلبه على مدينة سبتة واستيلايه عليها مما وقع الإلماع به في موضعه من هذا الكتاب في شهر شوال عام خمسة وسبعماية فساس رعيتها وتملك جبالها وشن الغارة على ما وراءها وتملك القصر المضاف لها ولم يزل نظره عليها إلى أواخر ذي قعدة من عام ثمانية وسبعمائة فصرف عنها وجهل قدره وأوغر صدره وأوعز للولاة بالتضييق على حاشيته فدعا بمالقة إلى نفسه في شهر شعبان من عام أحد عشر وسبعماية وقدم لطلب الملك ولده إسماعيل وسماه السلطان‏.‏
ورتب له الألقاب ودون الدواوين فنزع إليه الجند وانضافت إلى عمالته الحصون‏.‏
ثم وقعت المهادنة وأعقبتها المفاتنة وكان من أمره ما وقع التنبيه على عيون منه في ذكر ولده‏.‏
نكبته ولما استأصلت القطيعة محتجنه الراكد في مغابن الخزاين من لدن عام سبعة وسبعين وستماية واستنفدت عتاده المطاولة نظر لنفسه فوجه كاتبه الوزير أبا عبد الله بن عيسى وعاقده على الخروج له عن مالقة متعوضًا عنها بمدينة سلا من عمل ملك المغرب وتم ذلك في شهر رمضان من عام ثلاثة عشر وسبعماية وذاع خبره وضاقت بأولياء انتزايه السبل إذ تحققوا بإخفاق المسعى وسقوط العشي بهم على سرحان من سلطانهم الراغبين عنه فداخلوا ولده المقدم الأمر أبا الوليد واتفق أمرهم على خلعه ومعاجلة الأمر قبل تمامه في‏.‏
من شهر رمضان ركب الرييس رحمه الله في نفر من مماليكه المروقة إلى بعض بساتينه فلما قضى وطره وهم بالخروج عنه اعترضه القوم عند بابه فالتفوا به وأشعروه غرضهم فيهن وجاءوا به إلى بعض القصور بظاهر البلد فجعلوه به تحت رقبة وقد بادر ولده القصبة فاستولى عليها من غير ممانعة لعدم استرابة ثقاته به إلا ما كان من خاين يتولى القيام ببعض أبوابها هم بسده فطاح لحينه وتم لولده الاستبداد بالأمر واستولى على النصب والذخيرة وباقي المال ونقل الرييس إلى معقل قرطبة فلما خلص الأمر لولده انتقل إلى معقل شلوبانية فلم يزل به لا يبرح عن باب قصره مرفها عليه إلى أن قضى نحبه‏.‏
وفاته في الرابع عشر لشهر ربيع الأول من عام عشرين وسبعماية توفي رحمه الله بشلوبانية وجيء بجنازته محمولًا على رؤوس صدور الدولة ووجوه رجالها متناغين في لباس شعار الحزن بما لم يتقدم به عهد ودفن بمقبرة السبيكة وولده أمير المسلمين واقف بإزاء لحده مظهر الاكتراث لفقده وعلى قبره الآن مكتوب نقشًا في الرخام البديع ما نصه‏:‏ هذا قبر علم الأعلام وعماد دين الإسلام جواد الأجواد أسد الآساد حامي الثغور وممهد البلاد المجاهد في ذات الله حق الجهاد شمس الملك وبدره وعين الزمان وصدره الكريم الأخلاق الطاهر الذات والأعراق الذي سار ذكره في الآفاق وخلد من فضايله ما تتحلى به ظهور المنابر وبطون الأوراق كبير الإمامة النصرية وعظيم الدولة الغالبية فرع الملك وأصله ومن وسع الأنام عدله وفضله مخلد الفخر الباقي على الأعصار والعمل الصالح الذي ينال به الحسنى وعقبى الدار بسلالته الطاهرة الكريمة المآثر والآثار الإمام الرضي ناصر دين المختار المنتخب من آل نصر ونعم النسب الكريم في الأنصار‏.‏
الهمام الأكبر الأشهر المقدم المرحوم الأطهر أبو سعيد ابن الإمام الأعلى ناصر دين الإيمان وقاهر عبدة الصلبان صنو الإمام الغالب بالله ومجهز الجيوش في سبيل الله سهام العدا وغمام الندى وضرغام الحروب ذي البأس المرهوب والجود المسكوب بطل الأبطال ومناخ الآمال المجاهد الظاهر المقدس المرحوم أبي الوليد بن نصر قدس الله مضجعه ورقاه إلى الرفيق الأعلى ورفعه‏.‏
كان رضى الله عنه وحيد عصره وفريد دهره علت في سماء المعالي رتبه وكرم من أمير المسلمين صهره ونسبه فلا يزاحم مكانه ولا يداني منصبه‏.‏
نفذت أحكامه في الشرق والغرب ومضت أوامره في العجم والعرب إلى أن استأثر الله به فكانت وفاته ليلة الخميس الرابع عشر لشهر ربيع الأول من عام عشرين وسبعماية وكان مولده يوم الجمعة الثامن لشهر رمضان المعظم من عام ست وأربعين وستماية فسبحان الله الملك الحق الباقي بعد فناء الخلق‏.‏
سلام على قبر المكارم والمجد مقام الرضى والفوز والبشر والسعد مثابة إحسان ومعهد رحمةٍ ومستودع العليا والسر والعد لك الفضل إذ حملت أرضى أمانة تودي بإكرام إلى جنة الخلد ففيك من الأنصار من آل نصرهم همام كريم الذات والأب والجد قسم أمير المسلمين ابن عمه ونخبة بيت الملك واسطة العقد وحامي ذمار الدين ناصره أبو سعيد عماد الملك في الحل والعقد لبيك أمير العدوتين بواجب من الحق أبناء الوغى وبنو الرفد وتبكي بلاد كان مالك أمرها أفاض بها النعماء سابغة الورد أقام بها العدل والفضل سنة بإنصاف مستعد وإسعاف مستجد وتبكي أسى ملء العيون لفقده وبالحق لو فاضت نفوس من الوجد فيا أيها المولى الذي لمصابه بدا الحزن حتى في المطهمة الجرد لك الله ما أعلى مكارمك التي تسير بها الركبان في الغور والنجد وحسبك أن أورثت خير خليفة وأبديت منه للورى علم الرشد إمام هدىً أعماله لله رحمة تنال بها الزلفى من الصمد الفرد بن يوسف بن نصر الأمير أبو سعيد ولد أمير المسلمين ثاني الملوك النصريين ابن الغالب بالله‏.‏
حاله كان أميرًا جليلًا جميلًا بلغ الغاية في حسن الصورة وفضل الفروسية على صغر سنه وكان زناتي الشكل والركض والآلة عروس الميدان وحلس الخيل يؤثر من شجاعته وثبات موقفه على الغرارة وعدم الحنكة أنه أنشب في اتباع خنزير ضخم الكراديس عظيم الناب عريض الغبطة طرح نفسه عليه في ضحضاح لفضل شجاعته فكبا به الطرف واستقبله ذلك الخنزير الفحل صامدًا فاستقل زعموا من السقطة وقد اخترط سيفًا عضبًا كان يتقلده وسبقه بضربة تحت عينيه أبانت فكيه وأطارت محل سلاحه وخالطه مع ذلك أعزل فلم يغن وتلاحق به فرسانه وقد يئسوا من خلاصه فرأوا ما بهتوا له وبشر بذلك أبوه فملأ عينه قرة وكان يولع منه بفرع ملك وصقر بيت وسيف دولة‏.‏ أسف بذلك ولي العهد كبيره فاعتبط لأيام من تصير الأمر إليه‏.‏
وفاته مولده عام ستة وثمانين وستماية‏.‏

فرج بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر الأمير أبو سعيد ولي عهد السلطان الغالب بالله حاله كان هذا الأمير فاضلًا ذكيًا من أهل الأدب والنبل قام الأدب في مدته على ساق ولاه أبوه الغالب بالله عنده وأمله لمكانه لو أن الليالي أمهلته شعره وأدبه مما ينسب إليه بالأندلس وهو عندي ما يبعد قوله‏:‏ أيا ربة الحسن التي سلبت منك على أي حال كنت لابد لي منك فإما بذل وهو أليق بالهوى وإما بغر وهو أليق بالملك وكان ذو الوزارتين أبو عبد الله بن الحكيم رحمه الله يقول أخبرني كاتب هذا الأمير وهو الوزير أبو عبد الله بن القصيرة الإشبيلي بتونس قال نظم الأمير بيتًا وطلبني بإجازته وأن يكون المنظوم مشوب النسيب بالفخر‏.‏
والبيت‏:‏ أرقت لبرق بالسبيكة لا الخيف وإن كان فيه ما أحاذر من حتف فقلت مجيزًا تجور على قلبي لواحظ غادة بأنفذ من عزمي وأقطع من سيف ولي هزة نحو الوصال أو اللقا كهزة آبايى الكرام إلى الضيف أفيض وفيضٌ في الجفون وبالحشا فأشكو بحالي في الشتاء وفي الصيف لعمري لقد وفى العلا حق مفخري لو أني في الدنيا مرادي استوف قال واستحسن ذلك ووقع عليه كاتبه يعني بذلك نفسه وفاته عصر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وخمسين وستماية ابن خمس وعشرين سنة‏.‏
ومن الكتاب والشعراء ابن خاقان الفتح بن علي بن أحمد بن عبيد الله الكاتب المشهور من قرية تعرف بصخرة الواد من قرى قلعة يحصب يكنى أبا نصر‏.‏ ويعرف بابن خاقان‏.‏
حاله كان آية من آيات البلاغة لا يشق غباره ولا يدرك شأوه عذب الألفاظ ناصعها أصيل المعاني وثيقها لعوبًا بأطراف الكلام معجزًا في باب الحلي والصفات إلا أنه كان مجازفًا مقدورًا عليه لا يمل من المعاقرة والقصف حتى هان قدره وابتذلت نفسه وساء ذكره ولم يدع بلدًا من بلاد الأندلس إلا دخله مسترفدًا أميره وواغلًا على عليته‏.‏
قال الأستاذ في الصلة وكان معاصرًا للكاتب أبي عبد الله بن أبي الخصال إلا أن بطالته أخلدت به عن مرتبته‏.‏ وقال ابن عبد الملك دخل يومًا إلى مجلس قضاء أبي الفضل عياض مخمرًا فتنسم بعض حاضري المجلس رائحة الخمر فأعلم القاضي بذلك فاستثبت وحده حدًا تامًا وبعث إليه بعد أن أقام عليه الحد بثمانية دنانير وعمامة‏.‏
فقال الفتح حينئذ لبعض أصحابه عزمت على إسقاط اسم القاضي أبي الفضل من كتابي الموسوم بقلايد العقبان قال فقلت لا تفعل وهي نصيحة فقال وكيف ذلك فقلت له قصتك معه من الجايز أن تنسى وأنت تريد أن تتركها مؤرخة إذ كل من ينظر في كتابك يجدك قد ذكرت فيه من هو مثله ودونه في العلم والصيت فيسل عن ذلك فيقال له اتفق معك كيت وكيت فيتوارث العلم عن الأكابر الأصاغر‏.‏
قال فتبين له ذلك وعلم صحته وأقر اسمه وحدثني بعض الشيوخ أن سبب حقده على ابن باجة أبي بكر آخر فلاسفة الإسلام بجزيرة الأندلس ما كان من إزرايه به وتكذيبه إياه في مجلس إقراية إذ جعل يكثر ذكر ما وصله به أمراء الأندلس ويذكر الفخر بذلك ووصف حليًا وكانت تبدو من أنفه فضلة خضراء اللون‏.‏
زعموا فقال له فمن تاك الجواهر إذًا الزمردة التي على شاربك فثلبه في كتابه مما هو معروف في الكتاب‏.‏ وعلى ذلك فأبو نصر نسيج وحده غفر الله له‏.‏
مشيخته روى عن أبوي بكر بن سليمن بن القصيرة وابن عيسى بن اللبانة وأبي جعفر بن سعدون الكاتب وأبي الحسن بن سراح وأبي خالد بن مستقور وأبي الطيب بن زرقون وأبي عبد الله بن خلصة الكاتب وأبي عبد الرحمن بن طاهر وأبي عامر بن سرور وأبي محمد بن عبدون وأبي الوليد بن حجاج وابن دريد الكاتب‏.‏ تواليفه ومصنفاته شهيرة منها قلايد العقبان ومطمح الأنفس‏.‏ والمطمح أيضًا‏.‏ وترسيله مدون وشعره وسط وكتابته فايقة‏.‏
شعره من شعره قوله وثبت في قلايده يخاطب أبا يحيى بن الحجاج‏:‏ أكعبة علياء وهضبة سؤدد وروضة مجد بالمفاخر تمطر هنيئًا لمن زار نورك أفقه وفي صفحتيه من مضايك أسطر وإني لخفاق الجناحين كلما سرى لك ذكر أو نسيم معطر وقد كان واشٍ هاجنا لتهاجر فبت وأحشائي جوى تتفطر فهل لك في ود زوى لك ظاهرًا وباطنه يندى صفاءً ويقطر ولست بعلق بيع بخسًا وإنني لأرفع أعلاق الزمان وأخطر ثنيت أبا نصر عناني وربما ثنت عزمة السهم المصمم أسطر نثره ونثره شهير وثبت له من غير المتعارف من السلطانيات ظهيرًا كتبه عن بعض الأمراء لصاحب الشرطة ولا خفاء بإدلاله وبراعته‏:‏ كتاب تأكيد اعتناء وتقليد ذي منة وغناء أمر بإنفاذه فلاه أيده الله لفلان بن فلان صانه الله ليتقدم لولاية المدينة بفلانة وجهاتها ويصرخ ما تكاثف من العدوان في جنباتها تنويهًا أحظاه بعلائه وكساه رايق ملائه لما علمه من سنايه وتوسمه من غنايه ورجاه من حسن منابه وتحققه من طهارة ساحته وجنابه وتيقن أيده الله أنه مستحق لما ولاه مستقلٌ بما تولاه لا يعتريه الكسل ولا يثنيه عن إمضاء الصوارم والأسل ولم يكل الأمر منه إلى وكل ولا ناطه مناط عجز ولا فشل وأمره أن يراقب الله تعالى في أوامره ونواهيه وليعلم أنه زاجره عن الجور وناهيه وسايله عما حكم به وقضاه وأنفذه وأمضاه يوم لا تملك نفسٌ لنفس شيئًا والأمر يومئذ لله‏.‏ فليتقدم لذلك بحزم لا يحمد توقده وعزم لا ينفد تفقده ونفس مع الخير ذاهبة وعلى سنن البر والتقوى راكبة ويقدم للاحتراس من عرف اجتهاده وعلم أرقه في البحث وسهاده‏.‏
وحمدت أعماله وأمن تفريطه وإهماله ويضم إليهم من يحذو حذوهم ويقفو شأوهم ممن لا يستراب بمناحيه ولا يصاب خلل في ناحية من نواحيه وأن يذكي العيون على الجناة وينفي عنها لذيذ السنات ويفحص عن مكامنهم حتى يغص بالروع نفس آمنهم فلا يستقر بهم موضع ولا يقر منهم مخب ولا موضع فإذا ظفر منهم بمن ظفر بحث عن باطنه وبث السؤال في مواضع تصرفه ومواطنه فإن لاحت شبهة أبداها الكشف والاستبراء وتعداها للبغي والافتراء نكله بالعقوبة أشد نكال وأوضح له منها ما كان ذا إشكال بعد أن يبلغ أناه ويقف على طرف مداه وحد له ألا يكشف بشرة إلا في حد يتعين وإن جاءه فاسق أن يتبين وأن لا يطمع في صاحب مال موفور وأن لا يسمع من مكشوف في مستور وأن يسلك السنن المحمو وينزه عقوبته من الإفراط وعفوه من تعطيل الحدود‏.‏
وإذا انتهت إليه قصة مشكلة أخرها إلى غده فهو على العقاب أقدر منه على رده فقد يتبين في وقت ما لا يتبين في وقت والمعاجلة بالعقوبة من المقت وأن يتغمد هفوات ذوي الهيآت وأن يستشعر الإشفاق ويخلع التكبر فإنه من ملابس أهل النفاق وليحسن لعباد الله اعتقاده ولا يرفض زمام العدل ولا مقاده وأن يعاقب المجرم قدر زلته ولا يعتز عند ذلته وليعلم أن الشيطان أغواه وزين له مثواه فيشفق من عثاره وسوء آثاره وليشكر الله على ما وهبه من العافية وأكسبه من ملابسها الضافية ويذكره جل وتعالى في جميع أحواله ويفكر في الحشر وأهواله ويتذكر وعدًا ينجز فيه ووعيدًا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا‏.‏ والأمير أيده الله وليٌّ له ما عدل وأقسط وبريء منه إن جار وقسط‏.‏
فمن قرأه فليقف عند حده ورسمه وليعرف له حق قطع الشر وحسمه ومن وافقه من شريف أو مشروف وخالفه في شيء منكر أو أمرٍ بمعروف فقد تعرض من العقاب لما يذيقه وبال خبله ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله‏.‏ وكتب في كذا‏.‏ وفاته بمراكش ليلة الأحد لثمان بقين من محرم من عام تسع وعشرين وخمسماية ألفي قتيلًا ببيت من بيوت فندق لبيب أحد فنادقها وقد ذبح وعبث به وما شعر به إلا بعد ثلاث ليال من مقتله‏.‏
ومن المقريين والعلماء فرج بن قاسم بن أحمد بن لب التغلبي من أهل غرناطة يكنى أبا سعيد‏.‏
حاله هذا الرجل من أهل الخير والطهارة والزكا والديانة وحسن الخلق‏.‏
رأس بنفسه وحلي بفضل ذاته وبرز بمزية إدراكه وحفظه فأصبح حامل لواء التحصيل عليه بدار الشورى وإليه مرجع الفتوى ببلده لغزارة حفظه وقيامه على الفقه واضطلاعه بالمسائل إلى المعرفة بالعربية واللغة والمران في التوثيق والقيام على القراءات والتبريز في التفسير والمشاركة في الأصلين والفرايض والأدب‏.‏ جيد الحظ ينظم وينثر‏.‏ قعد ببلده للتدريس على وفور المسجد‏.‏
ثم استقل بعد وولي الخطابة بالمسجد الأعظم وأقرأ بالمدرسة النصرية في ثامن وعشرين من رجب عام أربعة وخمسين وسبعماية معظمًا عند الخاصة والعامة مقرونًا اسمه بالتسويد‏.‏
وهو الآن بالحالة مشيخته قرأ على الخطيب للقرى شيخنا أبي الحسن القيجاطي والخطيب الصالح الفاضل أبي إسحق بن أبي العاصي والقاضي العدل المحدث العالم أبي عبد الله بن بكر ولازم الشيخ الفقيه أبا عبد الله البياني وأخذ العربية عن شيخ العصر أبي عبد الله بن الفخار وروى عن الشيخ الرحال الراوية أبي عبد الله محمد بن جابر بن محمد القيسي الوادي آشي وغيرهم‏.‏
شعره من شعره في غرض النسيب قوله‏:‏ خذوا للهوى من قلبي اليوم ما أبقا فما زال قلبي للهوى كله رقا دعوا القلب يصلي في لظى الوجد ناره فنار الهوى الكبرى وقلبي هو الأشقا سلوا اليوم أهل الوجد ما ذابه لقوا فكل الذي يلقون بعض الذي ألقا فإن كان عبدٌ يسل العتق مالكًا فلا ابتغى من مالكي في الهوى عتقا بدعوى الهوى يدعو أناس وكلهم إذا سئلوا طرق الهوى جهلوا الطرقا فطرق الهوى شتى ولكن أهله يجوزون في يوم الرهان بها سبقا بسيما الهوى تسمو معارف أهله فحيث ترى سيما الهوى فاعرف الصدقا فمن زفرة تزجي سحايب زفرة إذا زفرة ترقى فلا عبرة ترقا إذا سكتوا عن وجدهم أغرت بهم بواطن أحوال وما عرفت نطقا ومن منظومه في وداع شهر رمضان المعظم قوله‏:‏ أأزمعت يا شهر الصيام رحيلا وقاربت يا بدر التمام أفولا أجدك قد جدت بك الآن رحلة رويدك أمسك للوداع قليلا نزلت فأزمعت الرحيل كلما نويت رحيلًا إذ نويت نزولا وما ذاك إلا أن أهلك قد مضوا نافنوا فأبصرت الديار طلولا وقفت بها من بعدهم فعل نادى لربع خلا يبكي عليه خليلا لقد كنت في الأوقات ناشئة التعني أشد به وطسًا وأقوم قيلا ولما انجلى وجه الهدى فيك مسفرًا سدلت على وجه الضلال سدولا متى ارتاد مرتادٌ مقيلًا لعثرة أتاك فألفى للعثار مقيلا وناديت فينا صحبة الخير أقبلوا بإقبالكم حزتم لدي قبولا لقد كنت لما واصلوك ببرهم حفيًا بهم برًا لهم ووصولا فكم أطلقوا فيها أعنة جدهم وكم أرسلوا فيها الدموع همولا دموعًا أثارت سحها ريح زفرة فسالت وخدت في الخدود مسيلا لديك أيا شهر الهدى قصروا المدى فكم لك في شأو الفضايل طولا دلايل تشريف لديك كثيرة كفى بكتاب الله فيك دليلا ومن الصوفية والصلحاء ومن الصوفية والصلحاء فضل بن محمد بن علي بن فضيلة المعافري يكنى أبا الحسن من أهل الشرق الأندلسي أبو الحسن الولي الصالح الصوفي‏.‏
حاله كان وليًا فاضلًا زاهدًا على سنن الفضلاء وأخلاق الأولياء غزير العلم كثير العمل دايم الاعتبار مشهور الكرامة مستجاب الدعوة صوفيًا محققًا انتهت إليه الرياسة في ذلك على عهده‏.‏
يدل على ذلك كلامه على أغراض القوم وكشفه عن رموزهم وإشاراتهم أديبًا بليغًا كاتبًا مرسلًا لا يشق غباره في ذلك‏.‏
قايمًا على تجويد كتاب الله عالي الرواية أسن وتناهى وازدلف إلى التسعين ممتعًا بجوارحه وولي الخطابة والإمامة بالمسجد الأعظم أقرأ به مدة كبيرة‏.‏
قال ابن الزبير في صلته‏:‏ كان جليلًا في ذاته وخلقه ودينه معدوم النظير في ذلك مشاركًا في فنون من العلم أديبًا بارعًا كاتبًا بليغًا فصيح القلم متقدمًا في ذلك متصوفًا سنيًا ورعًا وكراماته شهيرة فمنها أن رجلًا استفتاه فأفتاه بجواب لم يحصل له به الإقناع فرأى في عالم النوم وإثر سؤاله إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له الحق ما قال لك فلان في المسألة‏.‏
قال الحاكي فبكر إليه الرجل من الغد فلما أقبل عليه بموضع إقرايه قال له ألم ترد أن تستفتي يا أبا فلان إلا من رأس العين فبهت الرجل‏.‏ وأحواله شهيرة‏.‏ مولده ولد عام سبعة وستماية‏.‏
وفاته في الثامن عشر من محرم عام تسعة وتسعين وستماية‏.‏
ودفن بمقبرة ربض البيازين مع قومه من صلحاء الشرق وكانت جنازته مشهودة‏.‏
ومن العمال الأثرا فلوج العلج مولى يحيى بن غانية‏.‏
حاله كان فلوج شهمًا شجاعًا مهيبًا حازمًا نال من مولاه حظوة واستعان به على أموره المهمة‏.‏
وجرى على يده إغرام أهل قرطبة وانطلقت على أموالهم يده وأثرى وجمع مالًا دبرا من الصامت والذخيرة عظيمًا‏.‏
نكبته وكان يحيى بن غانيه قد ولاه حصن بني بشير فثقفه وحصنه ونقل إليه أمواله ومتاعه وذخيرته‏.‏ ولما توفي مولاه لحق به وملك أمره واستعان بجماعة من النصارى ثم بدا له لضعف رأيه وسوء تدبيره أن ألقى بيده إلى ابن أخي مولاه إسحق بن محمد بن غاليه فأناب ولحق به معتذرًا عن توقفه فقبض عليه وصفده وعرض عليه العذاب وأسكنه في تابوت باطنه مسامير لا يمكنه معها التصرف وأجاعه بمرأى من الطعام بمطبخه إلى أن مات جوعًا وألمًا‏.‏
وهو مع ذلك لا يطعمه في شيءٍ من المال‏.‏
وتخلف بالحصن رجلًا من جهة سرقسطة يعرف بابن مالك ويكنى أبا مروان‏.‏
فلما ذاع خبر القبض عليه بادر الموحدون الذين بلوشة فتغلبوا عليه واستولوا على ما كان به من مال وذخيرة ووجدوا فيه من أنواع الثياب والحلي والذخيرة كل خطير عظيم وشدوا على ابن مالك في طلب المال فلم يحدو عنده شيئًا‏.‏ إلى أن فدى نفسه منهم بمال كبير‏.‏
فمضى فلوج على هذا السبيل‏.‏
ومن المقربين والعلماء قاسم بن عبد الله بن محمد الشاط الأنصاري نزيل سبتة وأصله من بلنسية يكنى أبا القاسم‏.‏ قال والشاط إسم لجدي وكان طوالًا فجرى عليه الاسم‏.‏
حاله نسيج وحده في إدراك النظر ونفوذ الفكر وجودة القريحة وتسديد الفهم إلى حسن الشمايل وعلو الهمة وفضل الخلق والعكوف على العلم والاقتصار على الآداب السنية والتحلي بالوقار والسكينة‏.‏
اقرأ عمره بمدرسة سبتة الأصول والفرايض متقدمًا موصوفًا بالأمانة‏.‏
وكان موفور الحظ من الفقه حسن المشاركة في العربية كاتبًا مرسلًا ريان من الأدب ذا مماسة في الفنون ونظر في العقليات ضرورة لم يتزوج ممن يتحلى بطهارة وعفاف‏.‏
وقال في المؤتمن كان مع معارفه عالي الهمة نزيه النفس ذا وقار وتؤدة في مشيه ومجلسه يشاب وقاره بفكاهة نظيفة لا تنهض إلى التأثير في وقاره ظريف الملبس يخضب رأسه بالحنا على كبره‏.‏ مشيخته قرأ بسبتة على الأستاذ الكبير أبي الحسن بن أبي الربيع وبه تأدب وعلى أبي بكر بن مشليون وعلى الحافظ أبي يعقوب المحاسبي وعلى الطبيب أبي عبد الله محمد بن علي بن أبي خالد العبدري الأبدي وعلى أبي الحسن البصري وعلى خاليه أبي عبد الله محمد وأبي الحسن إبني الطرطاني وأجازه أبو القاسم بن البرا وأبو محمد بن أبي الدنيا وأبو العباس بن علي الغماز وأبو جعفر الطباع وأبو بكر بن فارس وأبو محمد الأنباري وغيرهم‏.‏
وأخذ عنه الجملة من أهل الأندلس من شيوخنا كالحكيم الأستاذ أبي زكريا بن هذيل وشيخنا أبي الحسن بن الجياب وشيخنا أبي البركات والقاضي أبي بكر بن شبرين وقاضي الجماعة أبي القاسم الحسني الشريف والوزير أبي بكر بن ذي الوزارتين أبي عبد الله بن الحكيم والقاضي أبي القاسم بن سلمون وغيرهم‏.‏
شعره فضل الجمال على الكمال بخده والحق لا يخفى على من وسطه عجبًا له برهانه بشروطه معه فما مطلوبه بالسفسطه علم التباين في النفوس وإنها منها مفرطة وغير مفرطة فيه رأت وجه الدليل وفرقه أصغت إلى الشبهات فهي مورطة فأراد جمعها معًا في حكمة هذي بمنتجة وذي بمغلطة ومن شعره قوله‏:‏ وإني سلكت من انقباضي مسلكًا وجريت من صمتي على منهاج وتركت أقوال البرية جانبًا كي لا أميز مادحًا من هاج دخوله غرناطة ورد على غرناطة عند تصير سبتة إلى الإيالة النصرية مع الوافد من أهلها ببيعة بلدهم فأخذ عنه بها الجملة ثم انصرف إلى بلده‏.‏
قال شيخنا أبو البركات وأنشدنا لنفسه‏:‏ قلت يومًا لمن اتخذت هواه ملةٌ قد تبعتها وشريعة لم تأب الوصال وهو مباح وتسوم المحب سوء القطيعة وأنشدنا‏:‏ وغزال أنس سل من ألحاظه سيفًا أراق دم الفؤاد بسله وبخده من ذلك أعدل شاهد يقضي بأن الفتك به من فعله مالي أطالبه فيدحض حجتي ودمي يطل وشاهدي من أهله وأنشدنا الفقيه أبو القاسم الزقاق قال أنشدنا الأستاذ أبو القاسم الشاط وقد خرجنا معه مشيعين إياه في انصرافه عن غرناطة آيبًا إلى بلده‏:‏ يا أهل غرناطة إني أودعكم ودمع عيني من جراكم جار تركت قلبي غريبًا في دياركم عساه يلقى لديكم حرمة الجار تواليفه منها أنوار البروق في تعقب مسايل القواعد والفروق‏.‏
وغنية الرابض في علم الفرايض‏.‏ وتحرير الجواب في توفير الثواب‏.‏
وفهرسة حافلة‏.‏ وكان مجلسه مألفًا للصدور من الطلبة والنبلاء من العامة حدثني شيخنا القاضي الشريف أبو القاسم قال كان يجلس عند رجل خياط من أهل سبتة يعرف بالأجعد من العامة فأخذ يومًا يتكلم عن مسألة فقال متمثلًا كما تقول الأجعد الخياط فعل كذا ثم التفت معتذرًا يتبسم وقال أتمثل بك فقال الأجعد بديهة إذًا يا سيدي أعتق عليكم إشارة إلى قول الفقهاء العبد يعتق على سيده إذا مثل به فاستظرف قوله‏.‏ مولده في ذي قعدة من عام ثلاثة وأربعين وستماية بمدينة سبتة‏.‏ وفاته توفي بها في آخر عام ثلاثة وعشرين وسبعماية وقد استكمل الثمانين‏.‏
ابن جابر قاسم بن عبد الكريم بن جابر الأنصاري من أه غرناطة يكنى أبا محمد ويعرف بابن جابر‏.‏
حاله كان رحمه الله من جلة أهل العلم والفضل حسن الأخلاق مليح الحديث عذب الفكاهة لطيف الحاشية على دين والتزام سنة‏.‏ رحل إلى المشرق فلقي العلماء وأخذ عنهم وكلف بعلم الجدل فقرأه كثيرًا وبهر فيه‏.‏ وورد على غرناطة من رحلته فأقرأ بها الأصول وغيرها من مشيخته قرأ بغرناطة على الخطيب ولي الله أبي الحسن بن فضيلة والأستاذ خاتمة المقريين أبي جعفر بن الزبير وولي القضاء بسطة ثم كلف بالإقراه وعكف عليه فلم ينتقل عنه‏.‏
من أخذ عنه‏:‏ أخذ عنه كراسة الفخر المسماة بالآيات البينات وكان قايمًا عليها جملةٌ من شيوخنا كالأستاذ التعاليمي أبي زكريا بن هذيل والأستاذ المقري أبي عبد الله بن البياني‏.‏
شعره وله شعر أنشدنا الشيخ أبو القاسم بن سلمون قال أنشدنا في شيخنا ابن جميل قوله‏:‏ إن أطلع الشرق شمسٌ دنيا قد أطلع الغرب شمس دين وبين شمس وبين شمس ما بين دنيا وبين دين مولده ولد بغرناطة عام تسعة وستين وستماية‏.‏
وفاته توفي بها في جمادى الآخرة أو رجب من عام أربعة عشر وسبعماية‏.‏
قاسم بن يحيى بن محمد الزروالي يكنى أبا القاسم ويعرف بابن درهم ما لقي أصله من جبال تاغسي ودخل غرناطة وقرأ بها‏.‏
حاله من تذييل صاحبنا القاضي أبي الحسن قال فيه‏:‏ كان رحمه الله واحد زمانه ينبوع الحكمة يتفجر من لسانه وعنوان الولاية على طيلسانه‏.‏
ومن عايد الصلة‏:‏ كان رحمه الله علمًا من أعلام الزهد والورع والديانة والتقلل من الدنيا والعكوف على تجويد كتاب الله وإقرايه منقطع القرين فيه كثير المناقشة والتحقيق يرى أن ليس في الأرض من يحكم ذلك حق إحكامه ما لم يأخذه‏.‏
مشيخته قرأ على جملة من حملة كتاب الله بالمشرق والمغرب والأندلس وعني بذلك‏.‏
ثم لم يعتمد منهم إلا على الأستاذ أبي إسحق الغافقي بسبتة والخطيب أبي جعفر بن الزيات ببلش من الأندلس واستمرت حاله على سبيلها من الزهد والانقباض والتنطع والإغراق في الصلاح والشذوذ في بعضٌ من نوادره مع اخشيشانه‏:‏ حدثني القاضي أبو الحسن بن الحسن أن بعض الطلبة المتنسكين قال له أتيتك أقرأ عليك فأستخير الله ثم أتاه فقال قد استخرت وهم بالقراءة فقال له الشيخ‏.‏ إمسك حتى أستخير أنا الله في قرائتك علي فقال الطالب وهذا عمل بر فقال له الحجة عليك‏.‏ فانفصل عنه‏.‏
ثم عاد إليه يسل منه القراءة فقال يا بني ظهر لي أن لا تقرأ علي فانصرف‏.‏
من أخباره في الكرامة قال لي المذكور وقد أزمعت السفر إلى ظاهر طريف مع جمع المسلمين أنك إن سافرت يا ولدي تقاسي مشقة عظمى إن سبق القدر بحياتك والله يرشدك وقد كنت شرعت في ذلك مع رفقائي‏.‏
وفي سحر ليلة اليوم الذي انهزم فيه المسلمون رأيته في النوم يقول لي منكرًا علي قلت لك لا تسافر يكررها فاستيقظت وأوقع الله بقلبي الرجوع إلى الجزيرة لآراب أقضيها فما بلغ زوال الشمس من اليوم إلا ومقدمة الفل على أطواق البلد في أسوإ حال‏.‏
وفاته توفي ببلدة مالقة خامس صفر من عام خمسين وسبعماية في وقيعة الطاعون توفي وآخر كلامه رزقنا الله عملًا صالحًا يقربنا إليه زلفى وجعلنا ممن يمر على عقبتي الدنيا والآخرة مرور أهل التقوى‏.‏
من الكتاب والشعراء قرشي بن حارث بن أسد بن بشر بن هندي بن المهلب بن القاسم ابن معاوية بن عبد الرحمن الهمداني حاله هو أعرق الناس في الشعر لأن جده المهلب كان شاعرًا وولده هندي كذلك وأسد وحارث وقرشي فهم شعراء سنة على نسق ويدل شعرهم على شرف نفوسهم وبعد هممهم‏.‏
شعره قال أبو القاسم الغافقي من شعره قوله في هاشم بن كعب التميمي من أنجد الفرسان قتل في يوم خمسة من أنجاد المولدين‏:‏ هجرت القوافي والظبا الأوانسا ودعت لذاتي نعم واللواعسا ورعت فؤادي بالمشيب عن الصبا وأصبحت عن عهد الغواية يائسا فما حملت أنثى كمثلك سيدًا ولا حملت خيلٌ كمثلك فارسا الورسيدي قاسم بن محمد بن الجد العمري يكنى أبا القاسم ويعرف بالورسيدي من أهل ألمرية وتكرر وروده على غرناطة‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:34 AM

حاله قال شيخنا أبو البركات كان حسن الأخلاق سليم الصدر بعيدًا عن إذاية الناس بيده أو لسانه بالجملة له خط لابأس به ومعرفة بالعدد وسلك الطريقة الزمامية وله حظ من قرض الشعر‏.‏
وجرى ذكره في الإكليل بما نصه‏:‏ من أيمة أهل الزمام خليق برعي الذمام ذو حظ كما تفتح زهر الكمام وأخلاق أعذب من ماء الغمام‏.‏
كان ببلده محاسبًا في لجة الأعمال راسبًا صحيح العمل يلبس الطروس من براعته أسنى الحلل‏.‏
شعره قال يمدح المقام السلطاني‏:‏ أرى أوجه الأيام قد أشرقت بشرا فقل لي رعاك الله ما هذه البشرا ونقبت الشمس المنيرة وجهها قصورًا عن الوجه الذي أخجل البدرا وما زالت بأغصان الرجال أريحية كما عطفت أعطافها تنثني شكرا فما ذاك إلا أن بدا وجه يوسف فأربت على الآيات آياته الكبرا خليفة رب العالمين الذي به تمهدت الأرجاء وامتلأت بشرا وجرت على أعلى المجرة ساحبًا ذيول العلى فاستكمل النهى والأمرا وقام بأمر الله يقضي ويقتضي الفتوح التي تبقي له في العلى ذكرا وأربى على كل الملوك وفاتهم بسيرته الحسنى التي قد علت قدرا وهي طويلة ومن شعره أيضًا قوله‏:‏ من أين أقبلت يا نسيم جادت بساحاتك الغيوم ولا عدمناه سنك سرى حل به عندنا النعيم بلغ سلامى أهيل ودى بلغك الله ما تروم قل لهم صبكم مشوقٌ أنحله وجده القديم لطالما يسهر الليالي وطي أضلاعه جحيم هبوا رضاكم لذي غرام ما زال قدمًا بكم يهيم لو ثر ساعد السعد أن أراكم لما اشتكى قلبي السقيم يا حادي العيس نحو أرض بنيقة قدرها عظيم إذا أتيت اللوى وسلفا وبان للناظر الحطيم ولاح بالأبرقين بدرٌ بسيره تهتدي النجوم فقل غريبٌ ثوى بقرب في بحر أوزاره يعوم قد أثقلت ظهره الخطايا وشجبت ذكره الرسوم إن أعمل الحزم لارتحال أقعده ذنبه العظيم لهفي هذا الشباب ولى والقلب في غيه مقيم يا رب عفوًا لذي اجترام لا تهتك الستر يا حليم مالي شفيع سوى رجايي وحسن ظني أيا كريم فلا تكلني إلى ذنوبي وارحمني يا ألله يا رحيم وفاته من المحدثين والفقهاء والطلبة النجباء قاسم بن أحمد بن محمد بن عمران الحضرمي من أهل سبتة‏:‏ حاله من خط صاحبنا القاضي أبي الحسن بن الحسن‏.‏ قال كان شيخًا يتقد ذكاءً‏.‏
رحل عن سبتة إلى الحجاز فقضى الفريضة وتطور في البلاد المشرقية نحوًا من أربعة عشر عامًا وأخذ بها عن جلة من العلماء‏.‏
وورد على غرناطة في حدود عام ثمانية عشر وسبعماية فأخذ عن بعض أشياخها وعاد إلى بلده وكان على خزانة الكتب به وكان يقرىء القرآن به قال وأنشدني لما لقيته بيتًا واحدًا يحتوي على حروف المعجم وهو‏:‏ قد ضم نصر وشكا بثه مذ سخطت عض على الإبط مشيخته أخذ بالمشرق عن جماعة منهم شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي طالب الدمشقي الحجار والشيخ المحدث أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد الشيرازي ابن جميل قرأ عليه كتاب ابن الحاجب وحدثه به عن مؤلفه وقرأ على الشيخين المقريين الجليلين أبي عبد الله محمد بن عبد الخالق المعروف بابن الضايع وأبي عبد الله بن يعقوب الجراش المقدسي جملة من الكتب الحديثية وغيرها وسمع عليهما كتاب الشاطبية وحدثاه بها معًا عن المقري أبي الحسن علي كمال الدين بن شجاع العباسي الضرير عن صهره مؤلفها‏.‏
تواليفه قال‏:‏ له في القراءات تقييد حسن سماه الشافي في اختصار التيسير الكافي وفاته توفي أيام الطاعون العام ببلده‏.‏ ابن خضر قاسم بن خضر بن محمد العامري يكنى أبا القاسم ويعرف بابن خضر هكذا دون تعريف‏.‏ يعرف سلفه ببني عمرون من أهل حاله من خط شيخنا أبي البركات كان هذا الشيخ من وجوه ألمرية وممن تصرف سلفه في خطة القضاء بها‏.‏
وهو أقدم خطيب أدركته بسني بجامعها الأعظم‏.‏
وكان شيخًا عفيفًا من رجال الجد ضيق العطن سريع الغضب غيورًا على تلك الخطة لا يحلى بعينه أحد‏.‏ لما مات رفيقه في الصلا والخطبة الشيخ الشهير عند العامة ثالث اثنين الخراسي والنطية أبو عبد الله بن الضايع فكل من عرض عليه أن يكون معه أباه فقال أهل البلد فما العمل فقال يكتب إلى أبي القاسم ابن الحاج إلى سبتة ليأتي إلى أرض سلفه ويكون رفيقي في الصلاة والخطبة يعني عمي فكتب إليه بذلك فكانت المسألة عند الآخر أهون من أن يجيب على الكتاب ولو بالإباية فبقي الأمر إلى أن قدم معه الشيخ الصالح الخطيب المصقع أبو الحسن بن فرحون البلفيقي فلم يجد فيه قادحًا إلا كونه ليس من أهل البلد فبقي مرافقًا له إلى حين وفاته غريبة‏:‏ قال الشيخ أخبرتني جدتي عائشة بنت يحيى بن خليل قالت كان الرجل الصالح أبو جعفر بن مكنون خال قاسم بن خضر هذا فرآه يلعب مع الصبيان في أزقة ألمرية فقال له من يكون خطيب ألمرية يلعب فبقيت في حفظه إلى أن ولي الخطابة‏.‏
توفي في صفر من عام ثلاثة وسبعماية وكانت جنازته مشهودة حرف السين سوار بن حمدون بن عبده بن زهير بن ديسم بن قديدة بن هنيدة وكان علمًا من أعلام العرب وصاحب لواء قيس بالأندلس ونزل جده بقرية قربسانة من إقليم البلاط من قرى غرناطة وبها أنسل ولده ولم يزالوا أعلامًا إلى أن ظهر سوار هذا منهم في الفتنة‏.‏
حاله وبعض آثاره وحروبه قال أبو القاسم كان سوار هذا بعيد الصيت رفيع الذكر شجاعًا محبًا في الظهور حامي العرب وناصرهم‏.‏ وكان له أربعة من الإخوة مثله في الشجاعة حضروا معه في الحروب في الفتنة وهو الذي بنى المدينة الحمراء بالليل والشمع تزهر لعرب الفحص وبنى مدينة وادي آش لبني سامي وبنى مدينة منتيشة لبني عطاف وبنى مدينة بسطة لبني قحطبة وبني مسيرة وبني كورة جيان للعرب‏.‏
ولولا أن الله من على العرب بسوار ونصره لما أبقى العجم والمولدون منهم مبدأ أمره وحروبه وشعره قال أحمد بن عيسى بعد اختصار في صدر هذه السنة يعني سنة خمس وسبعين ومائتين ثار سوار بن حمدون بناحية البراجلة من كورة إلبيرة وانضوت إليه العرب قام على تفئة مهلك يحيى بن صقالة أميرهم قتيل المسالمة والمولدين فطلب بثأره وكثرت أتباعه واعترت العرب له وقصد بجمعه إلى ست شافر وبه من عدوه المذكورين نحو من ستة آلاف رجل نازلهم حتى قهرهم‏.‏ وطاف على حصونهم فافتتحها وقتل وغنم وتنادوا لقتاله في جموع عظيمة عليها جعد بن عبد الغافر عامل الأمير عبد الله وبرز إليهم فيمن برز وناشبهم الحرب فانهزموا فقتل منهم خلق حرزوا بسبعة آلاف وأسر جعد ومن عليه وأطلقه وكانت وقيعته الأولى هذه تعرف بوقيعة جعد‏.‏ وغلظ واستند إلى حصن غرناطة بالعرب من مدينة إلبيرة‏.‏
وكانت العرب يتألبون على المولدين إلى أن عزل الأمير جعدًا عن الكورة إرضاءً لسوار فأظهر عند ذلك الطاعة وغزا الحصون الراجعة إلى ابن حفصون فأوقع بهم فهاجمهم واجتمعت عليه كلمتهم فقصدوه وحصروه بغرناطة في نحو عشرين ألفًا وبرز إليهم في عدده القليل من عبيده ورجال بيوتات العرب من أهل إلبيرة ورجعوا من جبل الفخار على تعبئة يريدون الباب الشرقي من غرناطة وكادهم لما التحمت الحرب وشب ضرامها بما دبره من انسلاله في لخمة من فرسانه حتى استدبرهم فحمل بشعاره فانذعروا وانفضوا فتوهم حماتهم أن مددًا جاءهم من ورائهم فولوا منهزمين وأعمل سوار وأصحابه السيوف فيهم إلى باب إلبيرة فيقال إن قتلاهم في هذه الوقيعة الثانية كانوا إثني عشر ألفًا وهي الوقيعة المعروفة بوقعة المدينة ولاذ المولدون بعد هذا بعمر بن حفصون واستدعوه فوافاهم في جيش عظيم ودخل إلبيرة وناهض سوارًا‏.‏
وعنده رجالات عرب الكور الثلاث إلبيرة وجيان وريه واشتد القتال وجال جيش ابن حفصون جولة جرح فيها جراحات صعبة وكاد سوار يأتي عليه لولا رجال صدقوه الكر واستنقذوه وتمت عليه الهزيمة فانقلب على عقبه ونالت الحضرة معرته فأغرم أهلها الذين استجلبوه ما تشعث من عسكره واستعمل عليهم قائده حفص بن المرة وانصرف‏.‏
ونجح سوار بما تهيأ له على أعدائه فاعتلت همته وأجلته العرب وعلا في الناس ذكره وقال الأشعار الجزلة فيما تهيأ له على المولدين وأكثر الافتخار بنفسه فشهر من قوله في ذلك‏:‏ صرم الغواني يا هنيد مودتي إذ شاب مفرق لمتي وقذالي وصددن عني يا هنيد وطالما علقت حبال وصالها بحبالي وهي طويلة أكثر فيها الفخر وألم بالمعنى‏.‏
ولما انصرف عمر بن حفصون وترك قائده بإلبيرة جهز معه طائفة من خيله وأقره لمغاورة سوار ودرك النيل لديه وأعمل حفص جهده وطلب غرته فأمكنه الله منه وأنه دنا إليه يومًا وقد أكمن أكثر خيله وظهر له مستغيرًا بجانب من حصنه فخرج سوار مبادرًا من غرناطة لأول الصيحة في نفر قليل لم يحترس من الحيلة التي يحذرها أهل الحزم فأصحر لعدوه وخرجت الكماين من حوله فقتل وجيء بجثته إلى إلبيرة فذكر أن الثكالى من نسايهم قطعن لحمه مرقًا وأكلنه حنقًا لما نالهن من الثكل‏.‏
وكان قتل سوار في سنة سبع وسبعين ومايتين وقتلت العرب بقتل سوار وكل حدها بما نزل بها‏.‏
سليمن بن الحكم بن سليمن بن عبد الرحمن الناصر لدين الله الخليفة بقرطبة المكنى بأبي أيوب الملقب من الألقاب الملوكية بالمستعين بالله‏.‏
أوليته‏:‏ معروفة‏.‏
حاله كان أديبًا شاعرًا مجموع خلال فاضلة أصيل الرأي راجح العقل ثبتًا‏.‏
ولي الخلافة غلابًا وقعصًا ومنازعة وأوقع بأهل قرطبة وقائع أبادتهم‏.‏
وخلع ثم عادت دولته وجرت له وعليه الهزايم على قصر أمد خلافته لقيام البربر بدعوته وتدويخ البلاد باسمه في أخبار فيها عبرة دخل في بعض حركاتها وهولاتها المبيرة إلى أن طحنته رحى الفتنة وشيكًا عن دنيا غير هنية وصبابة ليست بسنية شعره من شعره يعارض المقطوعة الشهيرة المنسوبة للرشيد‏.‏
عجبًا يهاب الليث حد سناني وأهاب لحظ فواتر الأجفان فأقارع الأهوال لا متهيبًا منها سوى الإعراض والهجران وتملكت نفسي ثلاث كالدمى زهر الوجوه نواعم الأبدان ككواكب الظلماء لحن لناظري من فوق أغصان على كثبان هذي الهلال وتلك أخت المشتري حسنًا وهذي أخت غصن البان حاكمت فيهن السلو إلى الهوى فقضى بسلطان على سلطان فأبحن من قلبي الحمى وتركنني في عز ملكي كالأسير العان مقتله قتله علي بن حمود المتقدم الذكر متولي الأمر بعده صبرًا بديه بدم هشام المؤيد وقال لما زحف إليه لا يقتل الزلطان إلا الزلطان يعني السلطان إذ كان بربري اللسان وذلك في أخريات المحرم من سنة سبع وأربع ماية‏.‏
سليمان بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان يكنى أبا أيوب‏.‏
حاله كان شهمًا جريئًا أنوفًا شجاعًا دينًا فاضلًا‏.‏
ولما توفي أبوه بقصر قرطبة وهشام وأبو أيوب هذا غائبان وكل ابنه عبد الله المعروف بالبلنسي وقال من سبق إليك من أخويك فارم إليه بالخاتم فإن سبق إليك هشام فله فضل دينه وعفافه واجتماع الكلمة عليه‏.‏
فإن سبق إليك سليمن فله فضل دينه ونجدته وحب الشاميين له‏.‏
فقدم هشام من ماردة وتولى الخلافة قبل سليمن‏.‏
واتصل ذلك بسليمن فأخذ لنفسه البيعة بطليطلة وما اتصل بها ودعا إلى نفسه ‏.‏
وواضع أخاه الحرب غير ما مرة تجري عليه في كلها الهزايم إلى أن تبرم بنفسه وأجاز البحر عن عهد إلى ستين ألفًا بذلت له واستقر بأهله وولده ببلاد البربر‏.‏
ولما صار الأمر للحكم بن هشام عاد إلى الأندلس سنة اثنتين وثمانين ومائة وكان اللقاء في شوال منها فانهزم سليمان ثم عاد للقاء فانهزم‏.‏
وفي سنة أربع وثمانين حشد واحتل بجيان ثم بإلبيرة والتقى بها معه الحكم ودام القتال أيامًا حتى هم الحكم بالهزيمة ثم انهزم سليمن وقتل في المعركة بشرٌ كثير وأفلت سليمن إلى جهة ماردة‏.‏
وبالتقاء الحكم وعمه سليمن بإلبيرة وأحوزاها إستحقا الذكر هنا على الشرط المعروف‏.‏
وفاته وبعث الحكم أصبغ بن عبد الله في طلب سليمن فأسره وأتاه به فأمر بقتله وبعث برأسه إلى قرطبة‏.‏
قتل في سنة خمس وثمانين بعدها‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:36 AM

سعيد بن سليمان بن جودي السعدي حاله كان سعيد بن سليمن صديق سوار فغصبت العرب الإمارة به بعده وعلقت به فقام بأمرها وضم نشرها وكان شجاعًا بطلًا فارسًا مجربًا قد تصرف مع فروسيته في فنون من العلم وتحقق بضروب من الآداب فاغتدى أديبًا نحريرًا وشاعرًا محسنًا واتصل قيامه بأمر العرب إلى أن قتل‏.‏
شعره ومن شعره في وقيعة سوار بالمولدين قوله من قصيدة طويلة‏:‏ قد طلبنا بثأرنا فقتلنا منكم كل مارق وعنيد قد قتلناكم بيحيى وما أن كان حكم الله بالمردود هجتم يا بني العبيد ليوثًا لم يكونوا لجارهم بقعود فاصطلوا حرها وحد سيوف تلظى عليكم بالوقود حاكمٌ ماجدٌ يقود إليكم فئةً سادةً كمثل الأسود مهذبٌ من نزار وعميدٌ ما مثله من عميد يطلب الثأر بابن قوم كرام أخذوا بالعهود قبل المهود قد قتلنا منكم ألوفًا فما يعدل قتل الكريم قتل العبيد مثلوه لما أضاف إليهم لم يكن قتله برأي سديد قتلته عبيد سوءٍ لئامٌ وفعال العبيد غير حميد لم يصيبوا الرشاد فيما أتوه لا ولا كان جدهم لسعود قد غدرتم به بني اللؤم من بعد يمينٍ قد أكدت وعهود فلئن كان قتله غدرةً ما كان بالنكس لا ولا الرعديد كان ليثًا يحمي الحروب وحصنًا وملاذًا وعصمة المقصود كان فيه التقى مع الحلم والبأس وجودٌ ما مثله جود عالٍ مجد الأمجاد بعدك قديمًا وفت كل مجيد فجزاك الإله جنة عدن حيث يجزي الثواب كل شهيد مقتله قال الملاحي كان من الأعلام وعد في الشعراء والفرسان والخطباء والبلغاء خطب بين يدي الخليفة المنذر وهو حدث أول ما أفضت الخلافة إليه وعليه قباء خز وقد تنكب قوسًا عربية والكنانة بين يديه‏.‏
خطب خطبة بليغة وصلها بشعر حسن ولم يزال اللوا يتردد عليه في العز والمقام ويخطب في أعلى المنبر في المسجد الجامع بإلبيرة‏.‏
وسجل له الخليفة عبد الله على الكورة إلى أن هم بالقيام على بني أمية عندما اشتدت شكيمته وظهر على عمر بن حفصون إلى أن قتل بسبب امرأ تمت عليه الحيلة لأجلها بدار يهودية إذ كان منحطًا في هوى نفسه فطاح في ذي قعدة سنة أربع وثمانين ومايتين وصار أمر العرب بعده إلى محمد بن أضحى حسبما يتقرر في مكانه‏.‏
ومن ترجمة الأعيان والوزراء والأماثل والكبراء سهل بن محمد بن سهل بن مالك بن أحمد بن إبراهيم بن مالك الأزدي صدر هذا البيت وياقوتة هذا العقد يكنى أبا الحسن‏.‏
قال أبو جعفر بن مسعدة كان رأس الفقهاء وخطيب الخطباء البلغاء وخاتمة رجال الأندلس‏.‏
تفنن في ضروب من العلم وبالجملة فحاله ووصفه في أقطار الدنيا لا يجمله أحد فحدث عن البحر ولا حرج ضن الزمان أن يسمح برجل حاز الكمال مثله حاله قال ابن عبد الملك كان من أعيان مصره وأفضل أهل عصره تفننًا في العلوم وبراعة في المنثور والمنظوم محدثًا ضابطًا عدلًا ثقة ثبتًا حافظًا للقرآن العظيم مجودًا له متقنًا في العربية وافر النصيب من الفقه وأصوله كاتبًا مجيدًا للنظم في معرب الكلام وهزله ظريف الدعابة مليح التندير‏.‏
له في ذلك أخبار مستظرفة متناقلة ذا جدة ويسار متين الدين تام الفضل واسع المعروف عميم الإحسان تصدق عند القرب من وفاته بجملة كبيرة من ماله ورباعه وله وفادةٌ على مراكش‏.‏
مشيخته روى ببلده عن خاله أبي عبد الله بن عروس وخال أمه أبي بكر يحيى بن محمد بن عروس وأبي جعفر بن حكم وأبي الحسن بن كوثر وأبي خالد بن رفاعة وأبي محمد عبد المنعم بن الفرس‏.‏ وبمالقة عن أبي زيد السهيلي وأبي عبد الله بن الفخار‏.‏
وبمرسية عن أبي عبد الله ابن حميد وأبي القاسم بن حبيش‏.‏
وبإشبيلية عن أبي بكر بن الجد وأبي عبد الله بن زرقون وأبوي عبد الله بن العباس بن مضاء والجراوي الشاعر وأبي الوليد بن رشد‏.‏ قرأ عليهم وسمع وأجازوا له‏.‏
وأجاز له من أهل الأندلس أبو محمد عبد الله نزيل سبتة وعبد الحق بن الخراط نزيل بجاية‏.‏
ومن أهل المشرق جماعة منهم إسمعيل بن علي بن إبراهيم الجراوي وبركات بن إبراهيم الخشوعي أبو الطاهر وعبد الرحمن ابن سلامة بن علي القضاعي وغيرهم ممن يطول ذكرهم‏.‏
من روى عنه‏:‏ روى عنه أبو جعفر بن خلف والطوسي وابن سعيد القزاز وأبو الحسن العنسي وأبو عبد الله بن أبي بكر البري وابن الجنان وأبو محمد عبد الرحمن بن طلحية وأبو محمد بن هرون وأبو القاسم ابن نبيل وأبو يعقوب بن إبراهيم بن عقاب وأبو جعفر الطباع وأبو الحجاج بن حكم وأبو الحسن الرعيني وأبو علي بن الناظر وغيرهم‏.‏
ثناء الأعلام عليه‏:‏ والمجال في هذا فسيح‏.‏
ويكفي منه قول أبي زيد الفزاري‏:‏ عجبًا للناس تاهوا بثنيات المسالك وصفوا بالفضل قومًا وهم ليسوا هنالك كثر النقل ولكن صح عن سهل بن مالك شعره وشعره كثير مما ينخرط في سلك الجيد فمن ذلك قوله‏:‏ نهارك في بحر السفاهة يسبح وليلك عن نوم الرفاهة يصبح وفي لفظك الدعوى وليس إزاءها من العمل الزاكي دليل مصحح إذا لم توافق قولةً منك فعلةً ففي كل جزءٍ من حديثك تفصح تنح عن الغايات لست من أهلها طريق الهوينا في سلوكك أوضح إلى كم أماشيها على الرغم غاية يصيب المزكي عندها والمجرح وعليها ألا تنو ولا تنى فتحسن في عين الشيبان وتقبح عسى وطرٌ مونقٌ فالتمس الرضا واقرع أبواب الرشاد فتفتح فقد ساء ظني بالذي نا أهله وفضلك يا مولاي يعفو ويصفح وقال في تشييع بعض الفقهاء من غرض الأمداح‏:‏ يلقاك من كل من يلقاك ترحيب ومن خليفتها عزٌّ وتقريب وتصطفيك إلى أحوازها رتب لها على مفرق الجوزاء ترتيب تأتي إليك بلا سعي بلا سبب كأن تركك للأسباب تسبيب من كل مشغوفةٍ بالحسن دام لها إلى غنائك تصعيد وتصويب يلقاك بالبشر والإقبال خاطبها وحظها منك إعراض وتقطيب ما زلت ترغب عنها وهي راغبة كأن زهدك فيها عنك ترغيب فانهض إليها فلو تستطيع كان لها إلى لقايك إرجاءٌ وتقريب إذا أهم بني الدنيا نعيمهم فهمها البيض والجرد السلاهيب فوق الكواكب مضروبٌ سرادقها على أفق الأفلاك تطنيب كرعت في ظلها الصافي بسلسلها كأنها لك في المشروب شريب في قبية من بني الآمال قد قرعت سهمٌ إلى طلب العليا طبابيب إذا حضرنا طعامًا فهي مأدبة وإن سمعنا كلامًا فهو تأديب ومن يلذ بأبي إسحاق كان له أعلاق مالٍ وأغلاق وتهذيب يا ملد السر من قلبي ويا ملكًا إن ناب خطب فمن جدواه تأنيب هب القرار لآمالٍ مسافرة وقد أضر بها بعدٌ وتغريب ففي يمينك وهابًا ومنتظمًا بسطٌ وقبضٌ وترغيبٌ وترهيب وما يصر كتابًا راق منظره إن ناله من تراب الأرض تتريب لك السيادة لا يلقى لسؤددها مثلٌ وإن طال تنقيرٌ وتنقيب عزمٌ كحد سنان الرمح يصحبه عدل كما اعتدلت فيه الأنابيب سر حيث شيت موفى من مكارمها يهابك الدهر والشبان والشيب في غرة تخنق الأيام جدتها لها على أفق الأملاك تطنيب ومن نمط النسيب والأوصاف قوله وهو بسبتة بعد وصوله من مراكش وهو مما طار من شعره‏:‏ لما حططت بسبتة قتب النوى والقلب يرجو أن تحول حاله والجو مصقول الأديم كأنما يبدي الخفي من الأمور صقاله عانيت من بلد الجزيرة مسكنًا والبحر يمنع أن يصاد غزاله كالشكل في المرآة تبصره وقد قربت مسافته وعز مناله ومن شعره قوله رحمه الله‏:‏ تبسم واستأثرت منه بقبلة فشمت أقاحًا وارتشفت عقارا ومر فأيدى الريح ترسل شعره كما ستر الليل البهيم نهارا فيا لك ليلًا بالكثيب قطعته كما رعت بالزجر الغراب فطارا تغص بنا زهر الكواكب غيرةً فتقدح في فحم الظلام شرارا وقلت أخاف الشمس تفضح سرنا فقالت معاذ الله تفضحني أخت ومن الحكم وأبيات الأمثال قوله رحمة الله عليه‏:‏ منغص العيش لا يأوي إلى دعة من كان ذا بلد أو كان ذا ولد والساكن النفس من لم ترض همته سكنى مكانٍ ولم تسكن إلى أحد ومن شعره‏:‏ ولا مثل يوم قد نعمنا بحسنه مذهب أثناء المروج صقيل إلى أن بدت شمس النهار تروعنا بسير صحيح واصفرار عليل ولما توارت شمسه بحجابها وأذن باقي نورها برحيل وغابت فكان الأفق عند مغيبها كقلبي مسودٌّ لفقد خليل أتانا بها صفرًا يسطع نورها فمزق سربال الدجا بفتيل فردت علينا شمسنا وأصيلنا بمشبه شمسٍ في شبيه أصيل ومن نثره قوله يخاطب بني أبي الوليد بن رشد تعزيةً في أبيهم واستفتحه بهذه الأبيات‏:‏ ألا ليت شعري هل لطالب غاية وصولٌ وأحداث الزمان تعوقه وما كان ظني قبل فقد أبيكم بأن مصابًا مثل هذا أطيقه ولم أدر من أشقى الثلاثة بعده أبناؤه أم دهره أم صديقه ومن شاهد الأحوال بعد مماته تيقن أن الموت نحن نذوقه رجوعًا إلى الصبر الجميل فحقه علينا قضيى أن لا توفي حقوقه أعزيكم في البعد عنه فإنني أهنيه قربًا من جوارٍ يروقه فما كان فينا منه إلا مكانه وفي العالم العلوي كان رفيقه إيه عن المدامع هلا تلا انحدار الدمعة انحدار الدمعة انحدارها والمطامع هل ثبت على قطب مدارها والفجائع أغير دارٍ بني رشد دارها فإنه حديث أتعاطاه مسكرًا وأستريح الله مفكرًا وابثه باعثًا على الأشجان مذكرًا ولا أقول كفا وقد ذهب الواخذ الذي كنت تتلافى ولا أستشعر صبرًا وقد حل نور العلم قبرًا بل أغرق الأجفان بمالها وأستدعي الأحزان بالشهير من أسمائها واستوهب الأشجان غمرة غماتها‏.‏
ثم أتهالك تهالك المجنون وأستجير من الحياة بريب المنون وأنافر السلوة منافرة وسواس الظنون ولا عتب فإذا خامر الواله جزعه فإلى نصرة المدامع مفزعه وإذا ضعف احتماله فإلى غمرة الإغماء مآله ومن قال إن الصبر أولى وليته من ذلك ما تولى‏.‏
أما أنا فأستعيذ من هذا المقام وأستعفيه وأنزه نفس الوفا عن الحلول فيه فإنه متى بقي للصبر مكان ففي محل الحزن لقبول ما يقاومه إمكان وقد خان الإخاء وجهل الوفاء من رام قلبه السلو وألفت عينه الإغفاء‏.‏
هو الخطب الذي يقي الهجود وألزم أعين الثقلين وبه أعظم الدهر المصاب وفيه أخطأ سهم المنية حين أصاب‏.‏
فحقنا أن نتجاوز الجيوب إلى القلوب ونتغلب إذا غالبنا الحزن بصفة المغلوب وإذا كان الدهر السالب فلا غضاضة على المسلوب أستغفر الله قفا نتذكر من مفقودنا رضي الله عنه حكمه ونشاهد بعين البصيرة سيمه فأجدهما يكفان من واكف الدمع ديمه ويقولون عندي آسة المصاب ومزاحمة الأوصاب أمران وقع فقد ضر فوق ما نفع فإنه لا ألم الحزن شفاه ولا حق المصيبة وفاه ولا الذاهب الفايت استرجعه وتلافاه فربما جنحت إلى الصبر لا رغبة فيه بل إيثارًا لمقصده وتشيعًا لتصافيه فأستروح رايحة السلو وأنحط قاب قوسين أو أدنى عن سدرة ذلك العلو وأقف بمقام الدهش بين معنى الحزن المستحكم ولفظ القرا المتلو‏.‏
فأبكي بكا النساء وأصبر صبر الرؤساء وأحرز رزايا الفضلاء بفضل رزايا الأخساء موازنة بين هذا الوجود ونحل تتعاقب على نحل الجود‏.‏
فالدهر يسترجع ما وهب كان الصفراء أو الذهب‏.‏
وإذا تحقق عدم ثباته وعدم استرجاعه لجميع هباته كان المتعرض لكثيره محلًا لتأثيره‏.‏
فلا غرو أن دهمكم الرزء مورد الفلك الدابر منه الجزأ فطالما بتم ترضعكم الحكمة أخلاقها وتهبكم الخلافة آلافها وتؤملكم الأيام خلافها‏.‏
وإذا صحيت العقول وضن بما لديه المعقول وصارت الأذهان إلى حيث لا تتصور الألسنة بحيث لا تقول وردتم معينًا ووجدتم معينًا وافتضضتموها كمثل اللؤلؤ المكنون صورًا عينًا‏.‏
أظننتم أن عين الله تنام أم رمتم أن يكو صرحًا إلى إله موسى ذلك السنام لشد ما شيدتم البناء وألزمتم اتباع الأب الأبناء حتى غرق الأول في الآخر وصار السلف على ضخامته أقل المفاخر‏.‏
ومن علت في علاها قدم ترقيه ولم يصب بكماله عينًا يحفظ من عين العلن ويقيه فكثيرًا ما يأتيه محذوره من جهة توقيه‏.‏
هذا أبوكم رضي الله عنه حين استكمل فعرف الضار والشافي وتعذرت صفات كماله على الحرف النافي فيا لله لفظة أواليها وأتبعها زفرة تليها لقد بحثت الأيام عن حتفها بظلفها وسعت على قدمها إلى رغم أنفها فمن لبث الوصل ولرعى الوسايل وإلى من يلجأ في مشكلات المسايل ومن المجيب إذا لم يكن المسئول بأعلم من السائل‏.‏
اللهم صبرنا على فقد الأنس بالعلم وأدلنا من خفوف الوله بوقار الحلم وأخلفه في بنيه وعامة أهليه بشبيه ما أوليته في جوارك المقدس وتوليه‏.‏
وإليكم أيها الإخوة الأولياء والعلية الذين عليهم قصرت العلياء‏.‏
أعتذر من اتخاذ الشيء من الكلام بنقصه الأشياء‏.‏
فقد خان في هذا الزمان حتى اللسان وفقد منه حتى الحسان وليس لتأبين محمد صلى الله عليه وسلم إلا حسان فالعذر منفسح المجال‏.‏
وإلى التقصير في حق رزئكم الكبير نصير في الروية والارتجال‏.‏
ولذلك عدلت إلى الإيجاز واعتقدت في إرسال القول في هذا الموضع ضربًا من المجاز‏.‏
ومبلغ النفس عذرها مع العجز كالصابر للإعجاز‏.‏
وأما حسن العزاء على تعاقب هذه الأرزاء فأمر لا أهبه بل أستجديه ولا أذكركم به ونفس صبركم متوغلة فيه فسواكم يلهم للإرشاد‏.‏
ويذكر بطرق الرشاد جعل الله منكم لآبايكم خلفًا وأبقى منكم لأبنائكم سلفًا ولا لد لكم الوجود بعده تلفًا‏.‏ والسلام‏.‏
محنته امتحن رحمه الله بالتغريب عن وطنه لبغي بعض حسدته عليه فأسكن بمرسية مدة طويلة إلى أن هلك بألمرية الأمير أبو عبد الله محمد ابن يوسف بن هود آخر جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستماية‏.‏
فسرح أبو الحسن بن سهل إلى بلده في رمضان من هذه السنة‏.‏

ومن شعره في ذلك الحال مما يدل على بعد شأوه ورفعة همته قوله‏:‏
الدمع همى عن جوانب همتي ** وتأبى هموم العارفين عن الدفع
وألتمس العتبى وحيدًا وغايتي ** وصرف الليالي والحوادث في جمع
لفي منصب تعلو السماء سماته ** فيثبت نورًا في كواكبها السبع
علا صرف دهري إذ علا ** فإذا به ترابٌ لنعلي أو غبار على سبع
تدرعت بالصبر الجميل وأجلبت ** صروف الليالي كي تمزق لي درع
فما مللت قلبي ولا قبضت يدي ** ولا لحمت أصلي ولا حضرت فرع
فإن عرضت لي لا يفوه بها فمي ** وإن زحفت لي لا يضيق بها ذرع
وفي هذه الأبيات تأنيث السبعة الكواكب وحكمها التذكير وذلك إما لتأويل بعد أو غفلة فلينظره‏.‏
قال أبو الحسن الرعيني ودخلت عليه بمرسية وبين يديه شمامة زهر فأنشدني لنفسه‏:‏
وحامل طيبٍ لم يطيب بطيبه ** ولكنه عند الحقيقة طيب
تألف من أغصان زهره ** فمن صفتيه زاهرٌ ورطيب
تعانقت الأغصان فيه كما التقى ** حبيبٌ على طول النوى وحبيب
وإن الذي أدناه دون فراقه ** إلى كبيرٍ في الوجود عجيب
مناسبةٌ للبين كان انتسابها ** وكل غريب للغريب نسيب
فبالأمس في إسحاره وبداره ** وباليوم في دار الغريب غريب
صنف في العربية كتابًا مفيدًا رتب الكلام فيه على أبواب كتاب سيبويه‏.‏
وله تعاليق جليلة على كتاب المستصفى في أصول الفقه وديوان شعر كبير‏.‏
وكلامه الهزلي ظريف شهير‏.‏
مولده عام تسعة وخمسين وخمسماية‏.‏
وفاته توفي بغرناطة منتصف ذي قعدة سنة تسع وثلاثين وستماية‏.‏
وزعم ابن الأبار أن وفاته كانت سنة أربعين وستماية وليس بصحيح‏.‏
ودفن بمقبرة شقستر‏.‏
قال ابن عبد الملك وكان كريم النفس فاضل الطبع نزيه الهمة حصيف الرأي شريف الطباع وجيهًا مبرورًا معظمًا عند الخاصة والعامة‏.‏
من رثاه ممن كتب إلى بنيه يعزيهم في مصابهم بفقده ويحضهم على الصبر من بعده تلميذه الكاتب الرييس أبو عبد الله بن الجنان‏:‏
دعوني وستكاب الدموع السوابك ** فدعوني جميل الصبر دعوة آفك
وأقفر في نجدٍ من المجد ربعه ** وعمر قبرٌ مفرد بالدكاك
وغب طودٌ في صعيد بملحد ** وغيض فجرٌ في يدي متلاحك
ووارى شمس المعارف غيهبٌ ** من الخطب يردى بالشموس الدوالك
ألا أيها الناعي لك الثكل ** لا تفه بهلك الدواهي الدواهك
لعلك في نعي العلا متكذب ** فكم ماحلٌ من قبل فيه وماحك
يكذبهم يا ليت أنك مثلهم ** تواتر أخبارٍ وصدق مالك
فيا حسن ذاك القول إذ بان كذبه ** ويا قبحه والصدق بادي المسالك
لمقدارٍ جفوا فيه وقلبي راجفٌ ** مخافة تصديق الظنون الأوافك
كأن كمال الفضل كان يسومهم ** فأبدوا على نغص هو متمالك
كأنهم يستبطون أيومةً ** كما استبطأ فاتك
كأنهم مستمطرون لعارض ** كعارض عاد للتجلد عارك
بلى إنهم قد أرهصوا لرزية ** تضعضع ركن الصابرالمتمالك
على علم الإسلام قامت نوادب ** بهتن مباك أو بهتم مضاحك
فمن سنة سنت على الرأس تربها ** ومكرمة ناحت لأكرم هالك
ومن آية تبكي بنور صبحها ** إذا قام في جنح من الليل حالك
ومن حكمة تبكي لفقد مفجر ** لينبوعها السلسال في الأرض سالك
فيا أسفي من للهوى ورسومه ** ومن لمنيخٍ عند تلك المبارك
ومن للواء الشرع يرفع خفضه ** ويمنع من تمزيقه كف هاتك
ومن لكتاب الله يدرس وحيه ** ويقبس منه النور غير متارك
ومن لحديث المصطفى وماجد ** يبين بها في فهمه ومتارك
ومن ذا يزيل اللبس في متشابه ** ومن ذا يزيح الشك عن متشابك
ومن لليراع المصفر طابت بكفه ** فصارت طوال الشمس مثل النيازك
ومن للرقاع البيض طابت بطيبه ** فجابت إلى الأملاك سبل المسالك
ومن لمقام الحفل يصدع بالتي ** تغص لقس من جناح المدارك
ومن لشعار الزهد أخفى بالفنا ** ففي طيه فضل الفضيل ومالك
ومن لشعاب المجد أو لشعوبه ** إذا اختلطت ساداته بالصعالك
ألا ليس من فاكفف عويلك أو فرد ** فما بعد سهلٍ في العلى من مشارك
أصبنا فيالله فيه وإنما أصبنا ** لعمري في الذرى والجوارك
فناد بأفلاك المحامد اقصري ** فلا دوران بل قطب المدارك
وصح يالبناء اليوم أقويت منزلًا ** بوطء المنايا لا بوطء السنابك
على هذه حام الحمام محلقًا ** ثمانين حولًا كالعدو المضاحك
فسالمه في معرك الموت خادعًا ** وحاربه إذ جاز ضنك المعارك
طواك الردى مهما يساكن فإنه ** محرك جيش ناهب العيش ناهك
نبا سبا قدمًا وهي السكاسك ** ولم يأل عن خونٍ لحايزٍ ومالك
وأفنى من أبناء البرايا جموعها ** وألقى البرايا بالرغم فوق البرامك
سواءٌ لديه أن يصول بقلبك ** من للناس ناس للتقى أو بناسك
فيا آل سهل أو بنيه مخصصًا ** ندا عموم في غموم موالك
أعندكم أني لما قد عراكم ** أمانع صبري لن يلين عزايك
فكيف أعزي والتعزي محرم ** علي ولكن عادة الرمالك
فإن فرحٌ يبدو فذلك تكره ** لتجريع صابٍ من مصاب مواعك
وإن كان صبرًا إنها لحلومكم ** توابة في مر الرياح السواهك
ورثتم سنا ذاك المقدس فارتقوا ** بأعلى سنام من ذرى العزنامك
فلم يمض من أبقى من المجد إرثه ** ولم يلق ملكًا تارك مثل مالك
أتدرون لم جدت ركاب أبيكم ** كما جد سير بالقلاص الرواتك
تذكر في أفق السماء قديمه ** فحن إلى غيضٍ هنالك شابك
وكل سما في حضرة القدس حظه ** فلم يلب عنه بالحظوظ الركايك
فيا عجبا منا نبكي مهنا ** تبوأ دارًا في جوار الملايك
يلاقيه في تلك المعاني رفيقه ** بوجه منير بالتباشير ضاحك
كذلك وعد الله في ذي مناسب ** من البر صحت بالتغني ومناسك
فيا رحمة الرحمن وافى جنابه ** ويا روحه سلم عليه وبارك
ويا لوعتي سيري إليه برقعتي ** وقصي شجونًا من حديثي هنالك
حديث الأشجان شجون ** ووجوه القراطيس به كوجوه الأيام جون
فأعرني سمعك أبثك بثي واكتئابي ** وأعرني نظرة في كتابي
لتعلم ما بي فعندي ضرب الأسى ** جناية وعلى وردي أطال باغي الأسى
حمايه وعبرتي أبكت من القطر سجامه ** وزفرتي أذكت من الجمر ضرامه
ومني تعلمت ذات الهديل كيف تنوح ** وعني أخذت ذات الحسن كيف تغدو والهة وتروح
فما مذعورة راعها القناص ** وعلق بواحدها حبل الجهالة فأغوره الخلاص
فهي تتلفت إليه والمخافة خلفها وأمامها ** وتتلهف عليه فتكاد تواقع فيه حمامها
بأخفق ضلوعًا وأشفق روعًا وأضيق محالًا ** وأوسع وجالًا وأشغل بالًا وأشعل بلبالًا
بل ما طلاها وقد رآها ترمي طلاها ** فوقف حتى كاد يشركها في الحين
ويحصل من الشرك تحت جناحين **‏.‏
ثم أفلت وهو يشك في الإفلات ويشكو وحدته في الفلوات بأرهب نفسًا وأجنب أنسًا وألهب حشًا وأغلب توحشًا وأضيع بالمومات وأضرع لغير الأمآت منى وقد وافى النبأ العظيم ونثر الهدى بكف الردى شمله النظيم وأصبح يعقوب الأحزان وهو كظيم‏.‏


أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:41 AM

وقيل أصيبت الدنيا بحبشتها وحسنها والديانة بمحسنها وأبى حسنها فحق على القلوب انفطارها وعلى العيون أن تهمي قطارها وعلى الصبر أن يمزق جلبابه وعلى الصدر أن يغلق في وجه السلو بابه‏.‏
أنعي الجيلي السعي ورزية الجميل السجية ووفاة الكريم الصفات وفقد الصميم المجد وذهاب السمح الوهاب وقبض روحاني الأرض وانعدام معنى الناس وانهدام مغشي الإيناس وانكشاف شمس العلم وانتساف قدس الحلم‏.‏
يا له حادثًا جمع قديمًا من الكروب وحادثًا ومصابًا جرع أوصابًا واضحى كل به مصابًا‏.‏
لا جرم أني شربت من كأسه مستمفضها وشرقت بها وبماء دمعي الذي ارفض معها فغالت خلدي وغالبت جلدي حتى غبت عني ولم إدر بآلامي التي تعني‏.‏
ثم أفقت من سكري ونفقت مبدد فكري فراجعني التذكار والتمام وطاوعني شجونًا يتعاطاه الحمام فبكيت حتى خشيت أن يعشيني وغشيت إذ غشيني من ذلك أليم ما غشيني وظلت ألقى انبجاسًا للترح يلقيني فتارة يعنيني وتارة يبقيني فلو أن احتدامي والتدامي وجفني الدامي اطلعت على بعضه الخنساء لقالت هذه عزمة حزن لا يستطيعها النساء‏.‏
ذلك بأن قسمة المراثي كقسمة الميراث وللذكران المزية كان للسرور أو للرزية على الإناث هذا لو وازن مبكى مبكيًا ووارى ترابي فلكيًا إنا لنبكي نور علمٍ وهي تبكي ظلمة جهل وندبتي بحبل يدعى سهل كان يتفجر منه الأنهار وينهال جانبه من خشية الله أو ينهار في مثله ولا أريد بالمثل سواه فما كان في أبناء الجنس من ساواه‏.‏
يحسن الجزع من كل مؤمن تقي ويقال للمتجلد لا تنزع الرحمة إلا من شقي فكل جفن بعده جاف فصاحبه جلف أوصاف وكل فؤاد لم تصدع له صفاته ولم تتغير لفقده صفاته فمتحقق عند العلماء معلوم أنه معدود الحجارة أو معدوم‏.‏
فيا ليت شعري يوم ودع للترحال ودعا حاديه بشد الرحال كيف كان حاضروه في تلك الحال هل استطاعوا معه صبرًا وأطاعوا لتلبيته أمرًا أو ضعف احتمالهم وقوي في مفارقة النفوس اعتمالهم‏.‏
ويا ليت شعري غذ أفادوا الماء طهارة زائدة بغسل جلاله هل حنطوه في غير ثنايه أو كفنوه في غير خلاله‏.‏
ويا ليست شعري إذا استقل به نعشه لأشرفٍ ترفرف عليه المليكة ويظلله الرفرف هل رأوا قبله حملة الأطوار على الأعواد وسير الكواكب في مثل تلك المواكب فيأنسوا بالإلف ويرفعوا منكر الطرف ويدعو لفيض من أثر ذلك الظرف‏.‏
ويا ليت شعري إذ ودعوا درة الوجود صدفة اللحد المجود لم أثروا الثرى على نفوسهم ورضوا الأرض مغربًا لأنوار شموسهم‏.‏
فهلا حفروا له بين أحناء الضلوع وجعلوا الصفيح صريح الحب والولوع‏.‏
فيكونوا قد فازوا بقربه وجازوا فخرًا خير لتربه‏.‏
ويا ليت شعري إذا لم يفعلوا ذلك ولم يهتدوا هذه المسالك هل قضوا حق الحزن وسقوا جوانب الضريح من عبراتهم بأمثال المزن وهل اتصفوا بصفة الأسف أو قنعوا منها بأن وصفوها وهل تلافوا بقايا الأنفس بعد المفقود الأنفس وأتلفوه‏.‏
فكل أسى لا تذهب النفس عنده فما هو إلا من قبيل التصنع‏.‏
يا قدس الله مثوى ذلك المتوفى وما أظن الجزع تمم حقه ووفى‏.‏
ولو درى الزمن وبنوه قدر من فقدوه لوجدوا المفاجي الفاجع أضعاف ما وجدوه‏.‏
فقد فقدوا واحدًا جامعًا للعوالم وماجدًا رافعًا لأعلام المعالي والمعالم ومفدى ثقل له في الفدا ونفوس الأوداء والأعداء ومبكىً ما قامت على مثله النوايح ولا حسنت إلا فيه المراثي كما حسنت من قبل فيه المدايح‏.‏
رحمة الله عليه ورضوانه وريحان الجنان يحييه به رضوانه‏.‏
من لي بلسان يقضي حق ندبته وجنان يقضي يقضي بما فيه إلى جثته وتربته وقد نبهني حزني عليه وبلدني وتملكني حصر الحسرة عليه وتعبدني وأين يقع مهلهل البديه مما يخفيه مهلهل الثكل ويبديه‏.‏
يمينًا لو لبثت في كهف الروية ثلاثمائة سنين واستمددت سواد ألسنة الفصحاء اللسنين ما كنت في تأبين ذلك الفصل المبين من المحسنين إلا أني أتيت بالطريف من بيانه والتليد ورثيت رشد كماله برثايه كمال ابن رشد أبي الوليد فأنشدت بنيه قوله فيه‏:‏ أخلاي إني من دموعي بزاخر بعيدٌ عن الشطين منه غريقه وما كان ظني قبل فقد أبيكم بأن مصابًا مثل هذا أطيقه ولم أدر من أشقى الثلاثة بعده أأبناؤه أم دهره أم صديقه ثم استوفيت تلك الأبيات والرسالة وأجريت بترجيعها من دم الكبد ونجيعها عبراتي المسالة فحينئذ كنت أوفي المصاب واجبه وأشفي صدورًا صدية شجية وقلوبًا واجفة واجبة‏.‏
ولو أن ما رثي به نفسه الكريمة من ثر إساءته حين رأى الحين مغتصبًا حشاشة مكرماته‏.‏
أثار كامن وجدي بألفاظه المبكية ومعانيه التي تحل من مزاد العيون الأوكية لاهب لي رندًا وأعقبني صفاة تندى وأطعمني في أن يعود بكاي زبدًا‏.‏
فقد بلغني أنه لما وقف على ثنية المنية وعرف قرب انتقال الساكن من البنية جمع بنات فكره كما جمع شيبة الحمد بنات خدره وقال يا بنياتي قد آن ليومي أن يأتي فهل لكن أن ترينني فوضعن أكبادهن على الوشج ورفعن أصواتهن بالنشيج وأقبلن يرجعن الأناشيد ويفجعن القريب والبعيد حتى أومأ إليهن بأن قضين ما عليهن فيا إخوناه ومثلي بهذا النداء نخى وتاه إسهموا أخاكم في ميراث تلكم الكلم واحموا فؤادًا بالملم المؤلم قد كلم ولا تقولوا يكفيه ميراث الأحزان فتبخسوا وحاشاكم في الميزان فإني وإن تناولتها باليدين وغلبت عليها فإني صاحب الفريضة والدين فإني لحظي من ميراث الحكمة سائل ومع أن لي حقًا فلي ذمم ووسايل فابعثوا إلي ما يطارحني في أشجاني واقف على رسمه فأقول شجاني ولا أطلب من كلام ذلكم الإمام العزيز فقده على الإسلام قوله في التصبير على الرزء الكبير ووصاته لئلا يلزمني ولست بالمستطيع إصغاءً للمطيع لأمره وإنصاته فإن امتثلت أصبت قتلي بما نئلت وإن عصيت أبعدت نفسي من رضاه وأقصيت ولي في استصحاب حالي أمل وما لم يرد خطاب لم يلزم عمل‏.‏
على أني وإن صاب وابل دمعي وصب وأصبحت يذكر المصاب الكلف الصب فلا أقول إلا ما يرضي الرب فإني أبكي عالمًا كبيرًا وعلمًا شهيرًا تسعدني في بكايه الملة وتنجدني بوجده فأنا الكاتب وهي المملة‏.‏
وأما أنتم أيها الإخوة الفضلاء والصفوة الكرماء فقد تلقيتم وصلته المباركة شفاهًا وراوي صدوركم بكلامه النافع وشفاهًا فلا يسعكم إلا الامتثال والصبر الذي تضرب به الأمثال فعزاءً عزاءً وانتماءً إلى التأسي واعتزاءً وإن فضل رزة أرزاء وكان جزءٌ منه يعدل أجزاءً فعلى قدرها تصاب العلياء واشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأولياء‏.‏
ذلك لتبين فضيلة الرضاء والتسليم وتتعين صفات من يأتي الله بالقلب السليم ويعلم كيف الكريم للكريم وكيف يحل الأجر العظيم وهب الله لكم في مصابكم صبرًا على قدره وسكب ديم مغفرته على مثوى فقيدكم وقبره وطيب بعرف روضات الجنات جنبات قصره ونفعه بما كان أودعه من أسرار العلوم في صدره وخلفه منكم بكل سرى بحلة المجد من كل بصدره‏.‏
قلت‏:‏ ذكر الشيخ ابن الخطيب في الأصل في هذه الترجمة الأعيان والوزراء ستة من أهل هذا البيت كلهم يسمون بهذا الإسم عدا واحدًا فإنه سمى بسيد وذاك مما يدل على كثرة النباهة ابن سالم سليمن بن موسى بن سالم بن حسان بن أحمد بن عبد السلام الحميري الكلاعي بلنسي الأصل يكنى أبا الربيع ويعرف بابن سالم‏.‏
حاله كان بقية الأكابر من أهل العلم بصقع الأندلس الشرقي حافظًا للحديث مبرزًا في نقده تام المعرفة بطرقه ضابطًا لأحكام أسانيده ذاكرًا لرجاله ريان من الأدب كاتبًا بليغًا‏.‏
خطب بجامع بلنسية واستقضى وعرف بالعدل والجلالة وكان مع ذلك من أولي الحزم والبسالة والإقدام والجزالة والشهامة يحضر الغزوات ويباشر بنفسه القتال ويبلي البلاء الحسن آخرها الغزاة التي استشهد فيها‏.‏
مشيخته روى عن أبي القاسم بن حبيش وأكثر عنه وأبي محمد بن عبيد الله وأبي عبد الله بن زرقون وأبي عبد الله بن حميد وأبي بكر بن الجد وأبي محمد بن سيدبونه وأبي بكر بن مغاور وأبي محمد عبد المنعم ابن عبد الرحيم بن الفرس وأبي بكر بن أبي جمرة وأبي الحسن بن كوثر وأبي خالد بن رفاعة وأبي جعفر بن حكم وأبي عبد الله بن الفخار وأبي الحجاج بن الشيخ وأبي عبد الله بن نوح وأبي الحجاج بن أبي محمد ابن أيوب وأبي بكر عتيق بن علي العبدري وأبي محمد عبد الوهاب ابن عبد الصمد بن عتاب الصدفي وأبي العباس بن مضاء وأبي القاسم ابن سمحون وأبي الحسن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع الأشعري وأبي زكريا الإصبهاني وأبي بكر أسامة بن سليم وأبي محمد عبد الحق الأزدي وأبي محمد الشاذلي وأبي الطاهر بن عوف وأبي عبد الله الحضرمي وجماعة غير هؤلاء من أهل المشرق والمغرب‏.‏
من روى عنه‏:‏ روى عنه أبو بكر بن أبي جعفر بن عمر وعبد الله ابن حزب الله وأبو جعفر بن علي وابن غالب وأبو زكريا بن العباس وأبو الحسن طاهر بن علي وأبو الحسين عبد الملك بن مفوز وابن الأبار وابن الجنان وابن المواق وأبو العباس بن هرقد وابن الغماز وأبو عمرو بن سالم وابو محمد بن برطلة وأبو الحسن الرعيني وأبو جعفر الطنجالي وأبو الحجاج بن حكم وأبو علي بن الناظر‏.‏
تصانيفه منها مصباح الظلم في الحديث والأربعون عن أربعين شيخًا لأربعين من الصحابة والأربعون السباعية والسباعيات من حديث الصدفي وحلية الأمالي في المراقبات العوالي وتحفة الوداد ونجعة الرواد والمسلسلات والإنشادات وكتاب الاكتفاء في مغازي رسول الله ومغازي الثلاثة الخلفاء وميدان السابقين وحلية الصادقين المصدقين في غرض كتاب الاستيعاب ولم يكمله والمعجم ممن وافقت كنيته زوجه من الصحابة والإعلام بأخبار البخاري الإمام والمعجم في مشيخة أبي القاسم بن حبيش وبرنامج رواياته وجنى الرطب في سنى الخطب ونكتة الأمثال ونفثة السحر الحلال وجهد النصيح في معارضة المعرى في خطبة الفصيح والامتثال لمثال المنبهج في ابتداع الحكم واختراع الأمثال ومفاوضة القلب العليل ومنابذة الأمل الطويل بطريقة أبي العلا المعري في ملقى السبيل ومجاز فتيا اللحن للاحن الممتحن يشتمل على ماية مسألة ملغزة ونتيجة الحب الصميم وزكاة المنثور والمنظوم والصحف المنتشرة في القطع الممعشرة وديوان رسايله سفر متوسط وديوان شعره سفر‏.‏
شعره من شعره ما كتب به إلى أبي بحر صفوان ابن إدريس عقب انفصاله من بلنسية عام سبعة وثمانين وخمسماية‏:‏ وقد أوطنوها وادعين وخلفوا محبهم رهن الصبابة والوجد تبين بالبين اشتياقي إليهم ووجدي فساوى ما أجن الذي يبدي وضاقت على الأرض حتى كأنها وشاحٌ بخصر أو سوارٌ على زند إلى الله أشكو ما ألاقي من الجوى وبعض الذي لاقيته من جوى يرد فراق أخلاءٍ وصد أحبة كأن صروف الدهر كانت على وعد فيا سرحتي نجد نداء متيم له أبدًا شوق إلى سرحتي نجد ظميت فهل طلٌّ يبرد لوعتي ضحيت فهل ظلٌّ يسكن من وجد ويا زمنًا قد مر غير مذمم لعل الأنس قد تصرم من رد ويا زمنًا قد مر غير مذمم لعل الأنس قد تصرم من رد ليالي نجني الأنس من شجر المنا ونقطف زهر الوصل من شجر الصد وسقيًا لإخوان بأكناف حايل كرام السجايا لا يحولون عن عهد وكم لي بنجد من سرى ممجد ولا كابن إدريس أخي البشر والجد أخو همة كالزهر في بعد نيلها وذو خلق كالزهر غب الحيا العد أخو همة كالزهر في بعد نيلها وذو خلق كالزهر غب الحيا العد تجمعت الأضداد فيه حميدة فمن خلق سبطٍ ومن حسبٍ جعد أيا راحلًا أودى بصبري رحيله وفلل من عزمي وثلم من حد فيا ليت شعري هل تعود لنا المنا وعيشٌ كما نمنمت حاشيتي برد فيا ليت شعري هل تعود لنا المنا وعيشٌ كما نمنمت حاشيتي برد عسى الله أن يدني السرور بقربكم فيبدو بنا الشمل منتظم العقد ومن شعره في النسيب وفقد الشباب‏:‏ توالت ليالٍ للغواية جون ووافى صباح للرشاد مبين ركاب شباب أزمعت عنك رحلةً وجيش شيبٍ جهزته منون ولا أكذب الرحمن فيما أجنه وكيف وما يخفي عليه جنين ومن لم يخل أن الرياء يشينه فمن مذهبي أن الرياء يشين لقد ريع قلبي للشباب وفقده كما ريع بالعقد الفقيد ضنين وآلمني وخط المشيب بلمتي فخطت بقلبي للشجون فنون دليل شبابي كان أنضر منظرًا وآنق مهما لاحظته عيون فآها على عيشٍ تكدر صفوه وأنس خلا منه صفًا وحجون ويا ويح فودي أو فؤادي كلما تزيد شيبي كيف بعد يكون وقال في الاستعانة والتوكل عليه‏:‏ أمولى الموالي ليس غيرك لي مولى وما أحدٌ يا رب منك بذا أولى تبارك وجهٌ وجهت نحوه المنى فأوزعها شكرًا وأوسعها طولا وما هو إلا وجهك الدايم الذي أقل حلى عليائه يخرس القولا تبرأت من حولي إليك وقوتي فكن قوتي في مطلبي وكن الحولا وهب لي الرضا ما لي سوى ذاك مبتغى ولا لقيت نفسي على نيلها الهولا وقال‏:‏ مضت لي سبعٌ بعد عشرين حجة ولي حركات بعدها وسكون فيا ليت شعري كيف أو أين أو متى يكون الذي لابد أن سيكون واستجاز المترجم به من يذكر بما نصه‏:‏ المسئول من السادة العلماء أيمة الدين وهداة المسلمين أن يجيزوا لمن ثبت اسمه في هذا الاستدعاء وهم المولى الوزير العالم الفاضل الأشرف بهاء الدين أبو العباس أحمد ابن القاضي الأجل أبي عبد الرحمن بن علي البيساني ولولديه أبي عبد الله محمد وأبي عبد الله الحسين وولده عبد الرحيم ولأولاده ولده أبي الفتح حسن وأبوي محمد عبد الرحمن ويوسف ولمماليكه سنقر وأخيه الصغير وسنجر التركيون وأفيد وأقسر الروميان ولكمال بن يوسف بن نصر ابن ساري الطباخ وللوجيه أبي الفخر بن بركات بن ظافر بن عساكر‏.‏
ولأبي الحسن بن عبد الوهاب بن وردان ولأبي البقاء خالد بن يوسف الشاذلي ولولده محمد ولمحمد بن يوسف بن محمد البزالي الإشبيلي ولولده ولعبد العظيم بن عبد الله المندري ولولده أبي بكر ولأبي الحسن ابن عبد الله العطار جميع ما يجوز لهم روايته من العلوم على اختلافها وما لهم من نظم ونثر وإن رأوا تعيين موالدهم ومشايخهم وإثبات أبيات يخف موقعها ثراه من الزلل ومما يخالف الحق فعلوا مأجورين‏.‏
وكتب في العشر الأخر من شهر ربيع الآخر سنة ثلاثين وستماية‏.‏
فكتب مجيزًا بما نصه‏:‏ قال سليمن بن موسى بن سالم الكلاعي وكتب بيده تجاوز الله عنه وأقام بالعفو من أوده‏:‏ إني لما وقفت على هذا الاستدعاء أجاب الله في مستدعيه المسمين فيه صالح الدعاء اقتضى حق المسئول له الوزير الأجل العالم الأشرف الأفضل بهاء الدين أبو العباس ابن القاضي الأجل الفاضل العلم الأوحد ندرة الزمان ولسان الدهر وقس البيان أبي علي عبد الرحيم بن علي أعلى الله قدره ورفعه ووسم سلفه الكريم ونفعه تأكيد الإسعاف بحكم الإنصاف له ولكل من سمي معه‏.‏
فأطلقت الإذن لجميعهم على تباعد أفكارهم وتدانيها وتباين أقدارهم وتساويها من أب سنى وذرية عريقة في النسب العلي ومماليك له تميزوا بالنسب المولوي وسمين بعدهم اعتلقوا من الرغبة في نقل العلم بالحبل المتين والسبب القوي‏.‏
والله بالغ بجميعهم من تدارك الآمال أبعد الشأو القصي ويجريهم من مساعدة الإمكان ومسالمة الزمان على المنهج المرضي والسنن السوي أن يحدثوا بكل ما اشتملت عليه روايتي ونظمته عنايتي من مشهور الدواوين ومنثور الأجزاء المنقولة عن ثقات الراوين وغير ذلك من المجموعات في أي علم كان من علوم الدين وكل ما يتعلق بها من قرب أو بعد مما يقع عليه التعيين وبما يصح عندهم نسبته إلي من مجموع جمعته ومنظوم نظمته أو نثر صنعته‏.‏
الإباحة العامة على ذلك آتية ومقاصد الإسعاف لرغباتهم فيه مطاوعة وموافية فليرووا عني من ذلك موفقين ما شاءوا أن يرووه وليلتزموا في تحصيله أولًا وأدايه ثانيًا أو في ما التزمه العلماء واشترطوه‏.‏
ومن جله شيوخي وصدورهم الذين سمعت منهم وأخذت بكل وجوه الأخذ عنهم القاضي الإمام الخطيب العلامة أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن يوسف بن حبيش آخر أيمة المحدثين بالمغرب رضي الله عنهم‏.‏
والإمام الحافظ الصدر الكبير أبو بكر محمد بن عبد الله بن يحيى بن فرج بن الجد الفهري‏.‏
والفقيه المشاور القاضي المسند أبو عبد الله محمد ابن أبي الطيب‏.‏
والفقيه الحافظ أبو محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الخزرجي‏.‏
والقاضي الخطيب النحوي أبو عبد الله محمد بن جعفر بن حميد‏.‏
والأستاذ الحافظ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن جمهور القيسي‏.‏
والشيخ الراوية الثقة أبو محمد عبد الحق بن عبد الملك بن بونه بن سعيد بن عصام العبدري‏.‏
والشيخ الصالح أبو جعفر أحمد ابن حكم القيسي الحصار الخطيب بجامع غرناطة والفقيه القاضي الأجزل أبو العباس يحيى بن عبد الرحمن بن الحاج‏.‏
والقاضي الفقيه الحسيب أبو بكر بن أبي جمرة‏.‏
والقاضي أبو بكر بن مغمور‏.‏
والقاضي المسند أبو الحسين عبد الرحمن بن ربيع الأشعري‏.‏
وسوى هؤلاء ممن سمعنا منه كثيرًا وكلهم أجازني روايته وما سمعه‏.‏
وقرأت على الخطيب أبي القاسم بن حبيش غير هذا وسمعت كثيرًا وتوفي رحمه الله بمرسية في الرابع عشر لصفر سنة أربع وثمانين وخمسماية‏.‏
ومولده سنة أربع وخمسماية على ما أخبرني به رحمه الله ورضي عنه‏.‏
ومما أخذته عن الحافظ أبي بكر بن الجد بإشبيلية بدله موطأ مالك رواية يحيى بن يحيى القرطبي أخبرني به عن أبي بحر سفيان بن العاصي الأسدي الحافظ سماعًا بأسانيده المعلومة‏.‏
وتوفي الحافظ أبو بكر سنة ست وثمانين‏.‏
وقرأت على الفقيه أبي عبد الله بن زرقون أيضًا موطأ مالك وحدثني به عن أبي عبد الله الخولاني إجازة قال سمعته على أبي عمرو عثمان بن أحمد بن يوسف اللخمي عن أبي عيسى يحيى بن عبد الله بن أبي عيسى عن عمر أبيه عبيد الله بن يحيى الليثي عن أبيه عن مالك بن أنس رضي الله عن جميعهم‏.‏
ولا يوجد اليوم بأندلسنا ومغربنا بأعلى من هذه الأسانيد‏.‏
وممن كتب لي بالإجازة من ثغر الإسكندرية الإمام الحافظ مفتي الديار المصرية ورئيسها أبو الطاهر بن عوف والفقيه الحاكم أبو عبد الله بن الحضرمي والفقيه المدرس أبو القاسم بن فيره وغيرهم‏.‏
نفعنا الله بهم ووفقنا للإقتداء بصالح مذهبهم‏.‏
وأما المولد الذي وقع السؤال عنه فإني ولدت على ما أخبرني أبواي رحمهما الله بقاعدة مرسية مستهل رمضان المعظم سنة خمس وستين وخمسماية‏.‏
ومما يليق أن يكتب في هذا الموضع ما أنشدني شيخًا الفقيه أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن مغاور رحمه الله في منزله بشاطبة سنة ست وثمانين وخمسماية وهو بقية مشيخة الكتاب بالأندلس لنفسه مما أعده ليكتب على قبره‏:‏ أيها الواقف اعتبارًا بقبري استمع فيه قول عظمي الرميم أودعوني بطن الضريح وخافوا من ذنوب كلومها بأديم قلت لا تجزعوا علي فإني حسن الظن بالرؤوف الرحيم ودعوني بما اكتسبت رهينًا غلق الرهن عند مولى كريم انتهى‏.‏
وكتب هذا بخطه في مدينة بلنسية حماها الله سليمن بن موسى بن سالم الكلاعي في الموفى عشرين لجمادى الآخرة سنة إحدى وثلاثين وستماية‏.‏
والحمد لله رب العالمين‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:42 AM

كان أبدًا يقول إن منتهى عمره سبعون سنة لرؤيا رآها في صغره فكان كذلك واستشهد في الكاينة على المسلمين بظاهر أنيشة على نحو سبعة أميال منها لم يزل متقدمًا أمام الصفوف زحفًا على الكفار مقبلًا على العدو ينادي بالمنهزمين من الجند يفرون حتى قتل صابرًا محتسبًا غداة يوم الخميس لعشر بقين من ذي الحجة سنة أربع وثلاثين وستماية‏.‏
ورثاه أبو عبد الله بن الأبار رحمه الله بقوله‏:‏ ألما بأشلاء العلى والمكارم تقد بأطراف القنا والصوارم وعوجا عليها مأربًا وحفاوةً مصارع غصت بالطلا والجماجم تحيى وجوهًا في الجنان وجيهة بما لقيت حمرًا وجوه الملاحم وأجساد إيمان كساها نجيعها بحاسد من نسيج الظبا واللهاذم مكرمة حتى عن الدفن في الثرى وما يكرم الرحمن غير الأكارم هم القوم راحوا للشهادة فاغتدوا وما لهم في فوزهم من مقاوم تساقوا كؤوس الموت في حومة الوغى فمالت بهم ميل الغصون النواعم مضوا في سبيل الله قدمًا كأنما يطيرون من أقدامهم بقوادم يرون جوار الله أكبر مغنم كذاك جوار الله أسنى المغانم وهان عليهم أن تكون لحودهم متون الروابي أو بطون التهايم ألا بأبي تلك الوجوه سواهما وإن كن عند الله غير سواهم عفا حسنها إلا بقايا مباسم يعز علينا وطؤها بالمناسم وسؤر أسارير تنير طلاقة فتكسف أنوار النجوم العواتم لئن وكفت فيها الدموع سحايبًا فعن بارقات لحن فيها لشائم ويا بأبي تلك الجسوم نواحلًا بإجرائها نحو الأجور الجسائم تغلغل فيها كل أسمر ذابل فجدل منها كل أبيض ناعم فلا يبعد الله الذين تقربوا إليه بإهداء النفوس الكرائم مواقف أبرار قضوا من جهادهم حقوقًا عليهم كالفروض اللوازم أصيبوا وكانوا في العبادة أسوة شبابًا وشيبًا بالغواشي الغواشم فعامل رمح دق في صدر عامل وقائم سيف قد في رأس قائم ويا رب صوام الهواجر واصل هنالك مصروم الحياة بصارم وصلى عليها أنفسًا طاب ذكرها فطيب أنفاس الرياح النواسم لقد صبروا فيها كرامًا وصابروا فلا غرو أن فازوا بصفو المكارم وما بذلوا إلا نفوسًا كريمة تحن إلى الأخرى حنين الروائم ولا فارقوا والموت يتلع جيده فحيث التقى الجمعان صدق العزائم بعيشك طارحني الحديث عن التي أراجع فيها بالدموع السواجم وما هي إلا غاديات فجائع تعبر عنها رايحات مآتم جلائل دق الصبر فيها فلم نطق سوى غض أجفانٍ وغض أباهم أبيت لها تحت الظلام كأنني رمي نصال أو لديغ أراقم أغازل من برح الأسى غير بارح وأزجر من سأم البكا غير سائم وأعقد بالنجم المشرق ناظري فيغرب عني ساهرًا غير نائم وأشكو إلى الأيام سوء صنيعها ولكنها شكوى إلى غير راحم وهيهات هيهات العزاء ودونه قواصم شتى أردفت بقواصم بكتها المعالي والمعالم جهدها فمن للمعالي بعدها والمعالم سعيدٌ صعيدٌ لم ترمه قرارة وأعظم بها وسط العظام الرمايم كأن دمًا أذكى أديم ترابها وقد مازجته الريح مسك اللطايم يشق على الإسلام إسلام مثلها إلى خامعاتٍ بالفلا وقشاعم كأن لم تبت تغشى للسراة قبابها ويرعى حماها الصيد رعي السوايم سفحت عليها الدمع أحمر وارسًا كما تنثر الياقوت أيدي النواظم وسامرت فيها الباكيات نواديًا يورقن تحت الليل ورق الحمايم وقاسمت في حمل الرزية أهلها وليس قسيم البر غير المقاسم فوا أسفًا للدين أعضل داؤه وآيس من أسٍّ لمسراه حاسم ويا أسفًا للعلم أقوت ربوعه وأصبح مهدود الذرى والدعائم قضى حامل الآثار من آل يعرب وحامي هدي المختار من آل هاشم خبا الكوكب الوقاد إذ متع الضحى ليخبطه في ليلٍ من الجهل فاحم وهل في حياتي متعةٌ بعد موته وقد أسلمتني للدواهي الدواهم فها أنا ذا في حرب دهر محارب وكنت به في أمن دهر مسالم أخو العزة القعساء كهلًا ويافعًا وأكفاؤه ما بين راض وراغم تفرد بالعلياء علمًا وسؤددًا وحسبك من عال على الشهب عالم معرسه فوق السهى ومقيله ومورده قبل النسور الجواثم بعيدٌ مداه لا يشق غباره إذا فاه فاض السحر ضربة لازم يفوض منه كل ناد ومنبر إلى ناجح مسعاه في كل ناجم متى صادم الخطب الملم بخطبةٍ كفى صادمًا منه بأكبر صادم له منطق سهل النواحي قريبها فإن رمته ألفيت صعب الشكايم وسحر بيان فات كل مفوه فبات عليه قارعًا سن نادم وما الروض حلاه بجوهره الندي ولا البرد وشقه أكف الرواقم بأبدع حسنًا في صحائفه التي تسيرها أقلامه في الأقالم لعا لزمان عاثرٍ من خلاله براق من الجلى أصيب يواقم مناد إلى دار السلام منادم بها الحور واهًا للمنادي المنادم أتاه رداه مقبلًا غير مدبر ليحظى بإقبالٍ من الله دايم إمامًا لدين أو قوامًا لدولة تولى ولم تلحقه لومة لايم فإن عابه حساده شرقًا به فلن تعدم الحسناء ذامًا بذايم فيا أيها المخدوم سامى محله فدىً لك من ساداتنا كل خادم ويا أيها المختوم بالفوز سعيه ألا إنما الأعمال حسن الخواتم هنيئًا لك الحسنى من الله إنها لكل تقيٍّ خيمه غير خايم تبوأت جناتٍ النعيم ولم تزل نزيل الثريا قبلها والنعائم ولم تأل عيشًا راضيًا أو شهادة ترى ما عداها في عداد المآتم لعمري ما يبلي بلاؤك في العدا وقد جرب الأبطال ذبل الهزايم وتالله لا ينسى مقامك في الوغى سوى جاحدٍ نور الغزالة كاتم ولا أنت بعد اليوم واعد هبةٍ من النوم تحدوني إلى حال حالم لسرعان ما قوضت رحلك ظاعنًا وسرت على غير النواحي الرواسم وخلفت من يرجو دفاعك يائسًا من النصر اثناء الخطوب الصرايم كأني للأشجان فوق هواجر بما عادني من عادياتٍ هواجم عدمتك مفقودًا يعز نظيره فيا عز معدوم ويا هون عادم ورمتك مطلوبًا فأعيى مناله وكيف بما أعيى منالًا لرايم وإني لمحزون الفؤاد صديعه خلافًا لسالٍ قلبه منك سالم وعندي إلى لقياك شوق مبرح طواني من حامي الجوى فوق جاحم وفي خلدي والله ثكلك خالدٌ ألية برٍّ لا ألية آثم ولو أن في قلبي مكانًا لسلوة سلوت ولكن لا سلو لهائم ظلمتك أن لم أقض نعماك حقها ومثلي في أمثالها غير ظالم يطالبني فيك الوفاء بغاية سموت لها حفظًا لتلك المراسم فمد إليها رافعًا يد قابلٍ أكب عليها خافضًا فم لاثم ومن القضاة في هذا الحرف سلمون بن علي بن عبد الله بن سلمون الكناني من أهل غرناطة يكنى أبا القاسم ويدعى باسم جده سلمون وقد مر ذكر أبيه وأخيه‏.‏
حاله من أهل العلم والهدى الحسن والوقار قديم العدالة متعدد الولاية مضطلع بالأحكام عارف بالشروط صدر وقته في ذلك وسابق حلبته إلى الرواية والمشاركة والتبجح في بيت الخير والحشمة وفضل الأبوة والأخوة‏.‏
قل في الأندلس مكانٌ شذ عن ولايته وناب عن القضاة بالحضرة فحمد نفاذه وحسنت سيرته‏.‏
ثم ولي مستبدًا في الدولة الباغية وخاض في بعض أهوائها بما جر عليه عتبًا فعقبه الإعتاب عن كثب‏.‏
تواليفه ألف في الوثائق المرتبطة بالأحكام كتابًا مفيدًا نسبه بعض معاصريه إلى أنه قيده عن شيخه أبي مشيخته أجازه الراوية المعمر أبو محمد بن هرون الطايي والشيخ المسن أبو جعفر أحمد بن عيسى بن عياش المالقي والشيخ الأديب أبو الحكم بن المرحل والعدل أبو بكر بن إسحاق التجيبي والقاضي أبو العباس بن الغماز والفرضي أبو إسحق التلمساني وأبو الحسن بن عبد الباقي بن الصواف والمحدث أبو محمد الخلاسي والراوية أبو سلطان جابر بن محمد بن قاسم ابن حيان القيسي والوزير أبو محمد بن سماك والشيخ المدرس بالديار المصرية أبو محمد الدمياطي والمقري الراوية أبو عبد الله بن عياش وأبو الحسن بن مضاء والمحدث أبو عبد الله بن النجار وأبو زكريا بن عبد الله بن محرز والمقري أبو بكر بن عبد الكريم ابن صدقة السفاقسي والشيخ زين الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن القرشي العوني وأبو القاسم الأيسر الجذامي وشهاب الدين الأبرقوسي والعدل أبو فارس الهواري وأبو الكرم الحميري وأبو الفدا بن المعلم والشريف أبو الحسن القرافي وأبو عبد الله بن رحيمة والشيخ أبو عبد الله بن اللبيدي وأبو الحسن بن عطية البودري وأبو محمد ابن سعيد المسراتي وأبو عبد الله بن عبد الحميد والخطيب أبو الحسن ابن السفاج الرتدي وأبو محمد بن عطية والوزير أبو عبد الله بن أبي عامر ابن ربيع والعدل أبو الحسن بن مستقور والخطيب أبو عبد الله ابن شعيب والشريف أبو علي بن طاهر بن أبي الشرف والأستاذ أبو بكر ابن عبيدة‏.‏
وقرأ على الأستاذ أبي جعفر بن الزبير وبرنامج رواياته نبيه‏.‏
مولده عام خمسة وثمانين وستماية‏.‏
من المحدثين والفقهاء وسائر الطلبة النجباء بين أصلي وغيره سعيد بن محمد الغساني سعيد بن محمد بن إبراهيم بن عاصم بن سعيد الغساني من أهل غرناطة يكنى أبا عثمن‏.‏
حاله هذا الرجل من أهل الذكاء والمعرفة والإدراك يقوم على الكتاب العزيز حفظًا وتدريسًا ويشارك في فنون من أصول وفقه وحساب وتعديل ومعرفة بالإلمامات الشعاعية‏.‏
يكتب خطًا حسنًا وينظم الشعر ويحفظ الكثير من النتف والأخبار مقتصد منقبض عن الناس مشتغل بشأنه قيد الكثير يسير إلى لزمانة أصابت أختها بما يدل على نشاطه وهمته‏.‏
مشيخته قرأ على الأستاذ الخطيب أبي القاسم بن جزي ورحل إلى العدوة فلقي بفاس وتلمسان جملة كالأستاذ أبي إسحق السلاوي التلمساني وأبي العباس أحمد بن عبد الرحمن المكناسي من أهل فاس والحاج ابن سبيع وغيرهم‏.‏
واستدعيته لتأديب ولدي أسعدهم الله فبلوت منه على شعره جرى ذكر في الإكليل الزاهر بما نصه‏:‏ ممن يتشوق إلى المعارف والمقالات ويتشوف إلى الحقائق والمجالات ويشتمل على نفس رقيقة ويسير من تعليم القرآن على خير طريقة ويعاني من الشعر ما يشهد بنبله ويستطرف من مثله‏.‏
فمن شعره قوله‏:‏ لما نأوا في الظاعنين وساروا أضحت قلوب العاشقين تحار تركوهم في ظلمة وتوحش ما انجابت الأضواء والأنوار ذهبوا فأبقوا كل عقل ذاهلًا ولكل قلب بالنزوح مطار ظعنوا وقد فتنوا الورى بجمالهم عبثوا بأفئدة الأنام وحار ما ضرهم قبيل النوى لو ودعوا ما ضرهم لو أعلموا إذ سار فقلوبنا من بعدهم في فجعة ودموعنا من بعدهم أمطار يا دار أين أحبتي ووصالنا أين الذي كنا به يا دار كنا نذيع به عبير حديثنا وكلامنا الألطاف والأشعار والطير تتلو فوقنا نغماتها والدهر يسمح والمدام تدار هل زمن تقادم عهده نلنا بها النعمى ونحن صغار فلا تذر على الوصال وابكين ما دامت الآصال والأسحار ومن المقطوعات‏:‏ وكم عذلوني في هواه وما رأوا محياه حتى عاينوه وسلموا وقالوا نعم هذا الكمال حقيقةٌ فحطوا وجاءوا صاغرين وسلموا وكتب إلي صحبة كتاب أعرته إياه عقب الفراغ من مطالعته‏:‏ هذا كتاب كل معجم أفحمني معناه إفحاما أعجمه منشئه أولا وزاده الناسخ إعجاما أسقط من إجماله جملة وزاد في التفصيل أقساما وغير الألفاظ عن وضعها وصير الإيجاد إعداما فليس في إصلاحه حيلةٌ ترجى ولو قوبل أعواما نثره كتب إلي شافعًا في الولد وأنا واجد عليه‏:‏ من حل محل السيد نادرة الزمان وسابق حلبة البيان في رسوخ العلم والسمو في درجة الحلم وأرضعته الحكم درتها وقلدته المعارف دررها وجلت عليه بدرها وجلبت إليه بذرها كان بالحنو والرأفة خليقًا وأن يهب نسيمه لدنًا رفيقًا وأن يتعاهد بالعطف غرسًا في زاكي تربتة ظلي وإلى محتده المنجب وفضله المنجب أنتمي فيلحفه من الرحمة جناحًا ويطلع عليه في ليل الوحشة المؤلمة من نور صفحه عن هفوته مصباحًا والذنب إذا لم يكن عقوقًا ولا سوء أدب وكان في المماليك والقيم المالية مغتفر عند الأكابر مثله من ذوي الرتب وقد بلغ في الاعتراف غاية المدى واندمل الجرح الذي أصابته المدى والبون واضح في المقاييس بين المرؤوس والرئيس وشتان بين الزيف والجوهر النفيس‏.‏
ومع أن الولد كمد فهو للنفس ريحانة وفي فص خاتم الإنسان جمانة وقد نال منه هذا الإمضاء والصارم يتخذ فيزيد منه المضاء وهو يرتجي كل ساعة أن يفد عليه البشير برضاك فيستأنف جهورًا وينقلب إلى أهله مسرورًا والله يبقيك والوزارة ترفل منك في مظهر حلل ويريك في نفسك وبنيك غاية الأمل‏.‏
مولده التاسع لذي الحجة عام تسعة وتسعين وستماية وهو الان على حاله الموصوفة‏.‏
من الكتاب والشعراء سهل بن طلحة من أهل غرناطة يكنى أبا الحسن‏.‏
حاله كان ظريفًا عنده مشاركة في الطلب‏.‏
مدح ولي العهد أبا عبد الله ابن الغالب بالله بشعرٍ وسط فمن ذلك قوله من قصيدة أولها‏:‏ أنا للغرام وللهوى مدفوع فمتى السلو ووصلها ممنوع يقول أيضًا منها بعد كثير‏:‏ يا حبذا دارٌ لزينب باللوى حيث الفؤاد على الهوى مطبوع يا حادي العيس التفت نحو اللوى إني بسكان اللوى مفجوع وعج المطي بلعلع وبرامة فهناك قلب للشجي مروع أطلال آرام وبيضٌ خردٌ هن الأهلة بالجيوب طلوع في ظبية من بينهن تصدني حسنًا ولي أبدًا إليه نزوع تفنى الليالي والزمان وأنقضى كمدًا ولا نبأٌ لها مسموع فيا ليت هل دهر يعود بوصلها فيكون للعيش الخصيب رجوع وتعود أيام السرور كمثل ما قد عاد روح حياتها والروع فقدوم مولانا الأمير محمد خير الملوك ومن له الترفيع وفاته كان حيًا سنة اثنتين وخمسين وستماية‏.‏
ابن سالم سالم بن صالح بن علي بن صالح بن محمد الهمداني من أهل مالقة يكنى أبا عمرو ويعرف بابن سالم‏.‏
حاله قال الأستاذ أبو جعفر بن الزبير‏:‏ كان أديبًا مقيدًا‏.‏
كتب بخطه كثيرًا وانتسخ أجزاء عدة واجتهد وأكثر وكان متبذلًا في لباسه متواضعًا مقتصدًا مليح المجاللسة حسن العشرة جليل الأخلاق فاضل الطبع‏.‏
روى عن الحافظ أبي عبد الله بن الفخار وأبي زيد السهيلي وأبي الحجاج بن الشيخ وأبي جعفر بن حكم وأبي بكر بن الجد وأبي عبد الله بن زرقون وأبي محمد بن عبيد الله‏.‏
وشارك في كثير من شيوخه أبا محمد القرطبي وكان يناهضه‏.‏
دخوله غرناطة دخلها وأقام بها وأخذ عن شيوخها وتردد إليها‏.‏
شعره قال في رمح‏:‏ أنا الرمح المعد إلى النوايب فصاحبني تجدني خير صاحب لئن فخر اليراع بكتب خطٍّ فلخطي فخرٌ بالكتايب ومما كتب له ابن خميس قوله‏:‏ إلهي قد عصينا منك ربًا تعلى أن يقابل بالمعاصي فكيف خلوصنا من هول يوم تشيب لهوله سود النواصي وجلب شعرًا كثيرًا دون شهرته وما ذكر به‏.‏
وتوفي بمالقة ليلة الإثنين لثمان عشرة ليلة خلت من حرف الهاء من الملوك والأمراء المعتد بالله هشام بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الناصر لدين الله بن محمد بن عبد الله أخو المرتضى المتقدم الذكر يكنى أبا بكر ويلقب بالمعتد بالله الخليفة بقرطبة‏.‏
صفته أبيض أصهب إلى الأدمة سبط الشعر أخنس خفيف العارض واللحية حسن الجسم إلى قصر أمه أم ولد تسمى عاتبا‏.‏
حاله بويع له بالثغر فقرطبة أيام استقراره بحصن ألبنت عند صاحبه عبد الله بن قاسم الفهري‏.‏
قال ابن حيان ثالبًا إياه على عادته قلد الأمر في سن الشيخوخة وكان معروفًا بالشطارة في شبابه وأقلع فرجي فلاحه‏.‏
وقال دخل قرطبة في زي تقتحمه العين وهنًا وقلة عديم رواءٍ وبهجة وعددٍ وعدة فوق فرسٍ دون مراكب الملوك بحلية مختصرة سادلًا سمل غفارة على ما تحتها من كسوة رثة قدامه سبع خبايب من خيل العامريين دون علم ولا مضطرد يسير هونًا والناس ينظرون إليه ويصيحون بالدعاء في وجهه‏.‏
فدخل القصر وقلد حكمًا المعروف بالقزاز الأعمال والأمر وأطلق يده في المال وهو الذي يقول فيه الشاعر‏:‏ هبك كما تدعي وزيرا وزير من أنت يا وزير والله ما للأمير معنى فكيف من وزير الأمير وضعف أمره وآثر الناس الوثوب على وزيره فأوقع به طايفة من الجند وثارت العامة بهشام فخلع في خبر طويل ودخل غرناطة مع أخيه المرتضى ولحق يوم هزيمته بظاهرها بحصن ألبنت إلى أن بويع له بقرطبة يوم الأحد لخمس بقين من ربيع الآخر سنة ثمان عشرة وأربعماية‏.‏
محنته ثارت العامة به بقرطبة كما تقدم ملتفةً على أمية بن عبد الرحمن ابن هشام بن سليمن بن عبد الرحمن الناصر يوم الثلاثاء الثاني عشر لذي حجة من سنة اثنتين وأربعمائة بسوء تدبير وزيره وبادر الاعتصام بعلية القصر وأنزل منها إلى ساباط الجامع بالأمان فيمن تألف إليه من ولده وحريمه فحدث بعض سدنة الجامع أن أول ما سأل الشيوخ إحضار كسيرة من خبز يسد جوع طفيلة له كان قد احتضنها ساترًا لها بكمه من قر ليلته تلك كانت تشكو الجوع ذاهلة عما وفاته في صفر ثمان وعشرين وأربعمائة‏.‏
وسنه نحو أربعة وستين سنة‏.‏
وكان آخر ملوك بني أمية بالأندلس‏.‏
ومن ترجمة الأعيان والكبرا والأماثل والوزرا هاشم بن أبي رجاء الإلبيري الوزير يكنى أبا خالد‏.‏
حاله كان من عظماء أهل إلبيرة وحليتهم وهو الذي عاد الفقيه الزاهد ابا إسحق بن مسعود الإلبيري في مرضه وعذله على رداءة مسكنه وقال له لو سكنت دارًا خيرًا من هذه لكانت أولى لك فأجابه رحمه الله بقوله‏:‏ قالوا ألا تستجيد بيتًا تعجب من حسنه البيوت فقلت ما ذاكم صوابٌ حقيرٌ كثيرٌ لمن يموت لولا شتاءٌ ولفح قيظ وخوف لص وحفظ قوت ونسوةٌ يبتغين كنًا بنيت بنيان عنكبوت وأي معنىً لحسن مغنىً ليس لسكانه ثبوت ما لوعظ القبر لو عقلنا موعظة للناطق الصموت نسيت يومي وطول نومي وسوف تنسى كما نسيت وسدت يا هادمي قصورًا نعمت فيهن كيف شيت معتنقًا للحسان فيها مستنشقًا مسكها الفتيت تسحب ذيل الصبا وتلهو بآنسات يقلن هيت فاذكر سهادي قبل التنادي واسهد له قبل أن يفوت فعن قريب يكون ظعني سخطت يا صاح أم رضيت حرف الياء‏:‏ الملوك والأمراء يوسف بن إسمعيل بن فرج بن إسمعيل بن يوسف بن نصر الأنصاري الخزرجي أمير المسلمين بالأندلس أبو الحجاج‏.‏
حاله وصفته كان أبيض أزهر أيدًا براق الثنايا أنجل رجل الشعر أسوده كث اللحية تقع العين منه على بدر تمام يفضل الناس بحسن المرأى وجمال الهيئة كما يفضلهم مقامًا وربتة عذب اللسان وافر العقل عظيم الهيبة إلى ثقوب الذهن وبعد الغور والتفطن للمعاريض والتبريز في كثير من الصنائع العملية مائلًا إلى الهدنة مزجيًا للأمور كلفًا بالمباني والأثواب جماعة للحلي والذخيرة مستميلًا لمعاصريه من الملوك‏.‏
تولى الملك بعد أخيه بوادي السقايين من ظاهر الخضراء ضحوة يوم الأربعاء الثالث عشر من ذي الحجة عام ثلاثة وثلاثين وسبعماية وسنه إذ ذاك خمسة عشر عامًا وثمانية أشهر واستقل بالملك واضطلع بالأعباء وتملأ الهدنة ما شاء‏.‏
وعظم مرانه لمباشرة الألقاب ومطالعة الرسم فجاء نسيج وحده ثم عانى شدايد العدو فكرم يوم الوقيعة العظمى بظاهر طريف موقعه وحمد بعد في منازلة الطاغية عند الجثوم على الجزيرة صبره وأجاز البحر في شأنها فأفلت من مكيدة العدو التي تخطاها أجله وأوهن حبلها سعده‏.‏
ولما نفذ فيها القدر وأشفت الأندلس سدد الله أمور المسلمين بها على يده وراخى مخنق الشدة بسعيه فعرفت الملوك رجاحته وأثنت على قصده إلى حين وفاته‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:43 AM

أمه أم ولد تسمى بهارًا طرفٌ في الخير والصون والرجاحة‏.‏
ولده كان له ثلاثة من الولد كبيرهم محمد أمير المسلمين من بعده وتلوه أخوه إسمعيل المستقر في كنفه محجورًا عليه التصرف إلى أعمال التدبير وثالثهم إسمه قيس شقيق إسمعيل‏.‏
وزراء دولته تولى وزارته لأول أمره كبير الأكره ونبيه الدهاقين من منتجعي المدر بحضرته أبو إسحق بن عبد البر لمحيلة طمع نشأت لمقيمي الدولة فيما بيده سدًا لحال بها على عوز طريقه إلى حضرته إلى ثالث شهر المحرم من العام‏.‏
وأنف الخاصة والنبهاء رياسته فطلبوا من السلطان إعاضته فعدل عنه إلى خاصة دولتهم الحاجب أبي النعيم رضوان مظنة التسديد ومحط الإنفات فاتصل نظره مستبدًا عليه في تنفيذ الأمور وتقديم الولاة والعمال وجواب المخاطبات وتدبير الرعايا وقود الجيوش‏.‏
ثم نكبه وأحاط به مكروهًا مجهول السبب ليلة الأحد الثاني والعشرين لرجب عام أربعين وسبعماية‏.‏
وتولى الوزارة بعده ابن عمة أبيه القايد أبو الحسن علي بن مول ابن يحيى بن مول الأمي ابن عم وزير أخيه رجل جهوري حازم مؤثر للغلظة على الشفقة ولم ينشب أن كف كف اسبتداده فانكدر نجم سعادتهم والتأثث حاله‏.‏
ولزمته شكاية سدكت فاستنقذته‏.‏
وأقام لرسم الوزارة كاتبه شيخنا نسيج وحده أبا الحسن بن الجياب إلى أخريات شوال عام تسعة وأربعين وسبعماية وهلك رحمه الله فأجرى لي الرسم وعصب لي تلك المثابة مضاعف الجراية معززة بولاية القيادة كتابه تولى كتابته كاتب أخيه وأبيه شيخنا المذكور إلى حين وفاته‏.‏
وقلدني كتابة سره مثناة بمزيد قضاته تولى أحكام القضاء قاضي أخيه الصدر البقية شيخنا أبو عبد الله محمد بن محيى بن بكر إلى يوم الوقيعة الكبرى بطريف وفقد في مصافه وتحت لوائه‏.‏
وتولى القضاء الفقيه المفتي البقية أبو عبد الله محمد بن عياش من أهل مالقة أيامًا ثم طلب الإعفاء‏.‏
فأسعف عن أيام تقارب أسبوعًا وولي مكانه الفقيه أبو جعفر أحمد بن محمد بن برطال من أهل مالقة‏.‏
فسدد الخطة وأجرى الأحكام إلى الرابع من شهر ربيع الآخر عام ثلاثة وأربعين وسبعماية وقدم عوضًا عنه الفقيه الشريف الصدر الفاضل أبو القاسم محمد بن أحمد الحسيني السبتي المولد والمنشأ الطالع على أفق حضرته في أيام أخيه النازع إلى إيالتهم النصرية معدودًا في مفاخر أيامها مشارًا إليه بالبنان عند اعتبار أعلامها ثم عزله لغير جرمة تذكر إلا ما لا ينكر وقوعه مما تجره تبعات الأحكام‏.‏
وولي الخطة شيخنا نسيج وحده الرحلة البقية أبا البركات بن الحاج شيخ الصقع وصدر الجلة‏.‏
واستمر قاضيًا إلى‏.‏
‏.‏
‏.‏
‏.‏
وأربعين وسبعماية‏.‏
ثم أعاد إليها القاضي المفوض هونه الشريف الفاضل أبا القاسم إلى يوم وفاته‏.‏
رئيس الغزاة ويعسوب الجند الغربي تولى ذلك الأول الأمر الشيخ أبو ثابت عامر بن عثمن بن إدريس ابن عبد الحق قريع دهره في النكراء والدهاء المسلم له في الرتبة عتاقة ورأيًا وثباتًا إلى أن نكبه وقبض عليه وعلى إخوته يوم السبت التاسع والعشرين من ربيع الأول عام أحد وأربعين وسبعماية‏.‏
وأقام شيخنا ورئيسًا دايلهم وابن عمهم المتلقف لكرة عزهم‏.‏
يحيى بن عمر بن رحو ولي ذلك بنفسه ونديمه ومبرز خصاله إلى تمام مدته‏.‏
من كان على عهده من الملوك وأولًا بفاس دار الملك بالمغرب السلطان المتناهي الجلالة أبو الحسن علي بن عثمن بن يعقوب بن عبد الحق‏.‏
وجاز على عهده إلى الأندلس إثر صلاة يوم الجمعة تاسع عشر صفر من عام أحد وأربعين وسبعماية بعد أن أوقع بأسطول الروم المستدعى من أقطارهم وقيعة كبيرة شهيرة استولى فيها من المتاع والسلاح والأجفان على ما قدم به العهد واستقر بالخضراء في جيوش وافرة وكان جوازه في مائة وأربعين جفنًا غزويًا‏.‏
وبادر إلى لقائه واجتمع به في وجوه الأندلسيين وأعيان طبقاتهم بظاهر الجزيرة الخضراء في اليوم الموفي عشرين من الشهر المذكور‏.‏
ونازل إثر انقضاء المولد النبوي مدينة طريف ونصب عليها المجانيق وأخذ بمخنقها واستحث من بها من المحصورين طاغية الروم فبادر يقتاد جيشًا يجر الشجر والمدر‏.‏
وكانت المناجزة يوم الإثنين السابع لجمادى الأولى من العام‏.‏
ومحص المسلمون بوقيعة هايلة أتت على النفوس والأموال والكراع وهلك فيها بمضرب الملك جملة من العقايل الكرام فعظمت الأحدوثة وجلت المصيبة وأسرع اللحاق بالمغرب مفلولًا في سبيل الله محتسبًا يروم الكرة‏:‏ وكان ما هو معلوم من إمعانه في حدود الشرق عند إحكام المهادنة بالأندلس وتوغله في بلاد إفريقية وجريان حكم الله عليه بالهزيمة ظاهر القيروان التي لم ينتشله الدهر بعدها وعلقت آمال الخلق بولده مستحق الملك من بين ساير إخوته وهلك على تفية لحاقه بأحواز مراكش ليلة الأربعاء السادس والعشرين لربيع الأول عام اثنين وخمسين وسبعماية فاختار الله له ما عنده بعد أن بلغ من بعد الصيت وتعظيم الملوك له وشهرة الذكر ما لم يبلغه سواه‏.

ونحن نجلب دليلًا على فضله والإشادة بفخره نسخة العقد الذي تضمن هديته إلى صاحب الديار المصرية صحبة الربعة الكريمة بخطه وذلك قبة من مائة بنيقة وفيها أربعة أبواب وقبة أخرى من ستة وثلاثين بنيقة داخلها حلة محلوقة ووجهها حرير أبيض وركيزها أبنوس وعاج مرصع والاهار فضة مذهبة والشرايط حرير‏.‏
وضربت القبتان بالصفصيف وحل فيها جميع الهدية‏.‏
وصففت جميع الدواب بجهازاتها أمام القبة‏.‏
من الخيل ثلاثمائة وخمسة وثلاثون من البغل بين ذكور وإناث ومن الجمال سبع ماية إلا إنها لم تصفف بل أعدت لحمل الهدية ومن البزاة الأحرار أربعة وثلاثون ومن أحجار الياقوت مائتان وخمسة وعشرون ومن قطب الزمرد ماية وثمانية وعشرون ومن حبوب الجوهر الفاخر أكثره ثلاثة آلاف وأربعة وستنون‏.‏
ومن أحجار الزبرجد ثمانية وعشرون ومن المهندات بحلية الذهب عشرة ومن أزواج مهاميز الذهب عشرة ومن أزواج الأركب عشرة واحد كله ذهب وثلاثة كلها فضة وستة من حبحبة مذهبة على الحديد‏.‏
واثنان من اللضمات من ذهب‏.‏
وشاشية مذهبة‏.‏
وحلل ثلاث عشرة‏.‏
وعشر كلل ومخاد حلة‏.‏
وتوق ذهب مائتان واشتراق ذهب عشرون‏.‏
وقدود ستة وأربعون‏.‏
وفرشًا جلة‏.‏
وعشر علامات معششة‏.‏
وعشر وقايات مذهبة‏.‏
وثلاثون من وجوه اللحف حرير وذهب‏.‏
ومائتان من المحررات الملونة الرفيعة المختمة‏.‏
وحيطيان أحدهما حلة والآخر طرق‏.‏
وثلاثة وعشرون شقة من الرهاز‏.‏
واثنان من هنابل الحلة‏.‏
وعشرة براقع للخيل منها ثمانية من الحلة‏.‏
ومن أسلة الخيل ثلاثون وثلاثة طنافس من الحرير‏.‏
وهنابل حرير اثنان‏.‏
وعشرة هنابل من الحرير والصوف‏.‏
وهنابل والشريشية وزمورية ماية وسبعة‏.‏
وأربعة آلاف من الجلد التركي والأغماتي‏.‏
ومن درق اللمط المثمنة مائتان‏.‏
ومن الأكسية المحررة أربعة وعشرون‏.‏
ومن البرانس المحررة ثمانية‏.‏
ومن الأحارم ما بين محررة وصوف عشرون‏.‏
ومن أزواج المحفف خمسون‏.‏
وعشر لزمات من الفضة‏.‏
وستة عشر شقة من الملف‏.‏
وأما أزودة الحجاج فأعطي للحرة المكرمة أخته أعزها الله ثلاثة آلاف دنير من الذهب ومائتي كسوة برسم العرب‏.‏
ولمن سافر معها ستماية وسبعين‏.‏
ولأبي إسحق بن أبي يحيى ثلاثمائة من الذهب وكسوة رفيعة‏.‏
ولعريفه يحيى السويدي ألف دنير من الذهب‏.‏
إلى العدد الكثير من الذهب العين برسم الوصفان والخدام ولرسوم التحبيس على قراء الرابعة الكريمة ستة عشر ألفًا وخمسماية دنير‏.‏
انتهى‏.‏
وكان هذا السلطان رحمه الله ممن دوخ الأقطار وجاهد الكفار ووطىء بالأساطيل خدود البحار والتمس ما عند الله من الثواب وأعلق يده من نسخ كتابه بأوثق الأسباب‏.‏
إلى أن استوسق الأمر لولده أمير المؤمنين بالمغرب وما إليه فارس المكنى بأبي عنان الملقب بالمتوكل على الله‏.‏
فقام بالأمر أحمد قيام‏.‏
وجرت بين هذا السلطان وبينه المخاطبات والمراسلات وسفرني إليه لأول الأمر معزيًا بأبيه ومهنيًا بما صار إليه من ملكه واستصحبت إليه كتابًا من إنشائي نجليه بحول الله تجسيمًا لمن يقف على هذه الأخبار وإن اقتحمتها ثبج الإكثار وهو‏:‏ المقام الذي رسخت منه في مقامي الصبر والشكر قدم فلا يغيره وجود ولا يروعه عدم وصدفت منه في كتاب المجد عزمة لم يختلجها وهن ولا ندم حتى تصرفت بحكم معاليه أيام دهره ولياليه هو ولدان وهذه خدم‏.‏
مقام محل أخينا‏.‏
الذي إن جاشت النوايب وسعها صدره‏.‏
أو عظمت المواهب ترفع عنها قدره أو أظلمت الكروب جلاها بدره‏.‏
أو تألبت الخطوب هزمها صبره‏.‏
أو أظلت سحايب النعم أسدرها حمد الله وشكره أو عرضت عقود الحمد في أسواق المجد أغلاها فجره‏.‏
أو راقت حلل الصنايع طرزها ذكره‏.‏
أو طبقت سيوف الناس أغمدها صفحه وسلها قهره‏.‏
السلطان الكذا أبقاه الله ضاحك السعد كلما بكت عين مجموع الشمل كلما أزف بين‏.‏
واري الزند إذا اقتضى دين محمي الذمار بانفساح الأعمار كلما أغار على الأحياء حين‏.‏
ولازال يقيد منه شكر الله نعمًا ما في وعدها لي ولا في قولها مين‏.‏
ويلبس منها حللًا تقواه في عواتقها زين‏.‏
مساهمة في كل خطب غم أو فضل من الله عم‏.‏
ومقاسمةً في كل ما ألم وتهنئة بالملك الذي خلص وتم فلان‏.‏
أما بعد حمد الله الذي جعل الصبر في الحوادث حصنًا منيعًا والشكر يستدعي المزيد من النعم سريعًا فمتى أعملت للصبر دعوة كان بها الأجر سميعًا‏.‏
ومتى رفعت من الشكر رقعة كان المزيد عليها توقيعًا‏.‏
والصلاة على سيدنا ومولانا محمد رسوله الذي بوأنا من السعادة جنابًا مريعًا‏.‏
وبين له حدود أوامره ونواهيه فطوبن لمن كان مطيعًا‏.‏
وكان لنا في الدنيا هاديًا ونجده في الآخرة شفيعًا‏.‏
والرضا عن آله وصحبه الذين كانوا على العداة قيظًا وللعفاة ربيعًا‏.‏
فحلوا من الاقتداء به فيما ساء وسر وأحلى وأمر مقامًا رفيعًا‏.‏
وخفض عليهم مضاضة فقده مثابرتهم على ضم شمل المسلمين من بعده اقتداءً بقوله سبحانه‏:‏ واعتصموا بحبل الله جميعًا‏.‏
والدعاء لمقامكم الأسمى بالنصر الذي يشكر منه الجياد والبيض الحداد صنيعًا‏.‏
وتشرح منه ألسن الأقلام تهذيبًا وتقريعًا‏.‏
والصبر الذي زرافات الأجر قطيعًا‏.‏
فقطيعًا‏.‏
فإنا كتبناه إليكم كتب الله لكم من حظوظ الخير أوفرها عددًا‏.‏
وأقطعكم من خطط السعد أبعدها مدًا‏.‏
وأتبعكم من كتايب العز أطولها يدًا وخولكم من بسطة الملك ما لا يبيد أبدًا وألهمكم من الصبر لما تقدمونه فتجدونه غدًا‏.‏
من حمراء غرناطة حرسها الله وعندنا من الاعتداد في الله أسبابٌ وثيقة وأنساب صدق في بحبوحة الخلوص عريقة‏.‏
ومن الثناء عليكم حدايق روضٍ لا تحاكيها حديقة‏.‏
ومن المساهمة لكم في شتى الأحوال مقاصد لا تلتبس منها طريقة‏.‏
ومن السرور بما سناه الله لكم نعمٌ بشكر الله عز وجل خليقة‏.‏
وإلى هذا أيدكم الله بنصره وحكم لمقامكم بشد أزره وإعلاء أمره فإننا ورد علينا الخبر الذي قبض وبسط وجار وأقسط وبخس ووفى وأمرض وشفى وأضحى وظلل وتجهم وتهلل وأمر وأحلى وأساء ثم أحسن وبشر بعد ما أحزن خبر وفاة والدكم محل أبينا السلطان العظيم القدر الكبير الخطر‏.‏
قدس الله طاهر تربته وكرم لحده كما أحيا بكم معالم مجده‏.‏
فيا له من سهم رمى أغراض القلوب فأثبتها‏.‏
وطرق مجتمعات الآمال فشتتها‏.‏
ونعى إلى المجد إنسان عينه وعين إنسانه‏.‏
وإلى الملك هيولى أركانه‏.‏
وإلى الدين ترجمة ديوانه‏.‏
وإلى الفضل عميد إيوانه‏.‏
حادثٌ نبه العيون من سنة غرورها‏.‏
وذكر النفوس بهم أمورها‏.‏
وأشرق المحاجر بماء دموعها وأضرم الجوانح بنار ولوعها‏.‏
وبين أن سراب الآمال سراب وأن الذي فوق التراب تراب‏.‏
فمن تأمل الدنيا وطباعها والأيام وإسراعها والحوادث وقراعها بدا له الحق من المين‏.‏
واستغنى عن الأثر بالعين‏.‏
فشأنها أن لا تفتر عن سهم تسدده إلى غرض‏.‏
وصحة تعقبها بمرض وجوهر ترميه بعرض‏.‏
وداء للموت قديم وقربه لا يبقى عليه أديم‏.‏
وكأسه يشربها موسرٌ وعديم‏.‏
دبت إلى كسرى الفرس عقاريه فلم تمنعه أساورته ولا مرازبه‏.‏
وقصر قيصر على حكمه فكدرت مشاريه‏.‏
وأتبر سيف بن ذي يزن عمدانه فلم ترعه مضاربه‏.‏
وأردى تبعًا فلم يكن في أتباعه من يحاربه‏.‏
لم تدافع عنهم الجنود المجندة‏.‏
ولا الصفاح المهندة‏.‏
ولا الدروع المحكمة ولا النياب المعلمة‏.‏
ولا الجياد الجرد المسومة‏.‏
ولا الرماح المثقفة المقومة‏.‏
كل قدم على ما قدم‏.‏
وجد إلى ما أعد‏.‏
جعلنا الله ممن يسر لسفره زادًا‏.‏
وقدم بين يديه رباطًا شافعًا لديه وجهادًا‏.‏
ووثر لنفسه بمناصحة الله والمؤمنين في أعلى عليين مهادًا‏.‏
وطوق المسلمين عدلًا وفضلًا وإمدادًا‏.‏
غير أن هذا الفاجىء الذي فجع ومنع القلوب أن تقر والعين أن تهجع‏.‏
غمرته البشرى وغلبته المسرة الكبرى وعارضته من بقايكم الآية المحكمة الأخرى‏.‏
فاضمحل من بعد الرسوخ‏.‏
وصار ليله في حكم المنسوخ‏.‏
ما كان من استخلاصكم الملك الذي أنتم أهله واحتيازكم المجد الذي أشرق بكم محله‏.‏
وكيف بسهم أخطأ ذاتكم الشريفة أن يقال فيه أصمى وأجهز‏.‏
والأمل بعد بقايكم أن يقال فيه تعذر أو أعوز‏.‏
إنما الآمال ببقايكم للملإ منوطة‏.‏
وسعادة الإسلام بحياتكم المتصلة مشروطة‏.‏
ومنها‏:‏ فأي ترح يبقى بعد هذا الفرح وأي كسل ينشأ بعد هذا المرح‏.‏
إن أفل البدر فقد تبلج الفجر أو غاض النيل فقد فاض البحر‏.‏
وإن مال فلك الملك فقد عاد إلى مداره‏.‏
وإن أذنب الدهر فقد أحسن ما شاء في اعتذاره‏.‏
إنما هذا الخطب وهنٌ أعقبه ضوء النهار وسطعت بعده أشعة الأنوار‏.‏
وصمصامةٌ أغمدت وسل من بعدها ذو الفقار‏.‏
ومنها‏:‏ وإننا لما‏.‏
عن حقه ورصدنا طالعه في أفقه قابلنا الواقع بالتسليم والمنحة الرادفة بالشكر العظيم‏.‏
وأنسنا في غمام الهدنة رب هذا الإقليم‏.‏
وقلنا استقر الحق ووضحت الطرق وهوى الرايد وصدق البرق وتقررت القاعدة وارتفع الفرق واستبشر يإبلال المغرب أخوه الشرق‏.‏
وثابت آمال أولي الجهاد إلى اقتحام فرضة المجاز وأولي الحج إلى مرافقة ركب الحجاز وآن للدنيا أن تلبس الحلي العجيبة بعد الابتزاز‏.‏
والحمد لله الذي زين بكم أفق الملك وكيف بسعدكم نظم ذلك السلط‏.‏
وهنأ الله إيالتكم العباد والبلاد والحج والجهاد‏.‏
وصدق الظنون الذي في مقامكم الذي جاز في المكارم الآماد‏.‏
بادرنا أيدكم الله من بركم إلى غرضين‏.‏
وقمنا من حق عزايكم وهنايكم بواجبين مفترضين‏.‏
وشرعنا ومن لدينا أن نباشر بالنفوس هذين القصدين‏.‏
إلا أننا عاقنا عن ذلك ما اتصل بنا من العدو الذي بلينا بجواره ورمينا بمصابرة تياره‏.‏
وإلا فهذا الغرض قد كنا لا نرى فيه بإجراء الاستنابة ولا نحظى غيرنا بزيارة تلك المثابة‏.‏
فليصل الفضل جلالكم‏.‏ ويقبل العذر كمالكم‏.‏
وإذا كان الاستخلاف مما تحتمله العبادة ولا ينكره عند الضرورة العرف والعادة فأحرى الأخوة والودادة والفضل والمجادة‏.‏ فتخيرنا جهدنا واصطفينا لباب اللباب فيمن عندنا‏.‏
فعينا فلانًا‏.‏ واتصلت أيامه إلى آخر مدته‏.‏ وبمدينة تلمسان‏:‏ عبد الرحمن بن موسى بن عثمن بن يغمراسن بن زيان يكنى أبا تاشفين‏.‏ وقد تقدم ذكره وهو الذي انقضى ملك بني زيان على يده‏.‏ تولى الملك عام ثمانية عشر كما تقدم وتهنأه إلى أن تأكدت الوحشة بينه وبين السلطان ملك المغرب‏.‏ فتحرك لمنازلته وأخذ بكظمه وحصره سنين ثلاثًا واقتحم عليه ملعب البلدة ليلة سبع وعشرين من رمضان عام سبعة وثلاثين وسبعماية‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:44 AM

وفي غرة شوال منها دخل البلد من أقطار عنوة ووقف هو وكبير ولده برحبة قصره قد نزعا لام الحرب المانعة من عمل السلاح استعجالًا للمنية ورغبة في الإجهاز وقاما مقام الثبات والصبر والاستجماع إلى أن كوثرا واثخنا وعاجلتهما منية العز قبل شد الوثاق وإمكان الشمات واستولى على الملك ملك المغرب‏.‏
وفي ذلك قلت من الرجز المسمى بقطع السلوك في الدول الإسلامية مما يخص ملوك تلمسان ثم أميرها عبد الرحمن هذا‏:‏ وحل فيها عابد الرحمن فاغتر بالدنيا وبالزمان وسار فيها مطلق العنان من مظهر سام إلى جنان كم زخرف علياه من بنيان آثاره تبنى عن العيان وصرف العزم إلى بجاية فعظمت في قومها النكاية حتى ما إذا مدة الملك انقضت وأوجه الأيام عنهم أعرضت وحق حق الدهر فيها ووجب وكتب الله عليها ما كتب حث إليها السير ملك المغرب يا لك من ممارس مجرب فغلب القوم بغير عهد بعد حصار دائم وجهد فأقفرت من ملكهم أوطانه سبحان من لا ينقضي سلطانه ثم نشأت لهم بارقة لم تكد تقد حتى خبت عندما جرت على السلطان أبي الحسن الهزيمة ابن أخيه المنتزي بمدينة فاس‏.‏
فدخلوا تلمسان وقبضوا على القايم بأمرها وقدموا على أنفسهم عثمن بن يحيى بن عبد الرحمن بن يغمراسن المتقدم الذكر في رسم عثمن وذلك في الثامن والعشرين لجمادى الآخرة من عام تسعة وأربعين وسبعماية واستمرت أيامه أثناء الفتنة وارتاش وأقام رسم الإمرة وجدد ملك قومه‏.‏
واستمرت حاله إلى أن أوقع بهم ملك المغرب أمير المسلمين أبو عنان الوقيعة المصطلمة التي خضدت الشوكة واستأصلت الشأفة‏.‏ وتحصل عثمن في قبضته‏.‏ ثم ألحقت النكبة به أخاه فكانت سبيلهما في القتل صبرًا عبرة وذلك في وسط ربيع الأول من عام التاريخ‏.‏
وبتونس‏:‏ الأمير أبو يحيى أبو بكر بن الأمير أبي زكريا ابن الأمير أبي إسحق ابن الأمير أبي زكريا إلى أن هلك‏.‏ وولي الأمر ولده عمر ثم ولده أحمد ثم عاد الأمر إلى عمر‏.‏
ثم استولى ملك المغرب السلطان أبو الحسن على ملكهم‏.‏ ثم ضم نشرهم بعد نكبته وخروجه عن وطنهم على أبي إسحق بن أبي بكر‏.‏ومن ملوك النصارى بقشتالة‏:‏ ألفنش بن هرنده بن دون جانجه بن ألفنش المستولي على قرطبة ابن هرنده المستولي على إشبيلية‏.‏ إلى عدد جم‏.‏
وكان طاغية موهوبًا وملكًا مجدودًا‏.‏ هبت له الريح وعظمت به إلى المسلمين النكاية‏.‏
وتملك الخضراء بعد أن أوقع بالمسلمين الوقيعة الكبرى العظمى بطريف‏.‏ ثم نازل جبل الفتح وكاد يستولي على هذه الجزيرة لولا أن الله تداركها بجميل صنعه وخفي لطفه لا إله إلا هو‏.‏
فهلك بظاهره في محلته حتف أنفه ليلة عاشوراء من عام أحد وخمسين وسبعماية‏.‏
فتنفس المخنق وانجلت الغمة وانسدل الستر‏.‏ كنت منفردًا بالسلطان رحمه الله وقد غلب اليأس وتوقعت الفضيحة أونسه بعجايب الفرج بعد الشدة وأقوى بصيرته في التماس لطف الله وهو يرى الفرج بعيدًا ويتوقع من الأمر عظيمًا‏.‏
وورد الخير بمهلكه فاستحالت الحال إلى ضدها من السرور والاستبشار‏.‏ والحمد لله على نعمه‏.‏
وفي ذلك قلت‏:‏ ألا حدثاني فهي أم الغرايب وما حاضرٌ في وصفها مثل غايب ولا تخليا منها على قطر السرى سروج المذاكي أو ظهور النجايب أيوسف إن الدهر أصبح واقفًا على بابك المطول موقف تايب دعاؤك أمضى من مهندة الظبا وسعدك أقضى من سعود الكواكب سيوفك في أغمادها مطمئنة ولكن سيف الله دامي المضارب فثق بالذي أرعاك أمر عباده وسل فضله فالله أكرم واهب لقد طوق الأذفنش سعدك خزيةً تجد على مر العصور الذواهب هوى في مجال العجب غير مقصر وهل نهض العجب المخل براكب وغالب أمر الله جل جلاله ولم يدر أن الله أغلب غالب ولله في طي الوجود كتايب تدق وتخفى عن عيون الكتايب تغير على الأنفاس في كل ساعة وتكمن حتى في مياه المشارب فمن قارع في قومه سن نادم ومن لاطم في ربعه خد نادب مصايب أشجى وقعها مهج العدا وكم نعمٌ في طي تلك المصايب شواظٌّ أراد الله إطفاء ناره وقد نفج الإسلام من كل جانب وإن لم يصب منه السلاح فإنما أصيب بسهم من دعايك صايب ولله من ألطافه في عباده خزاين ما ضاقت لمطلب طالب فمهما غرست الصبر في تربة الرضا بأحكامه فلتجن حسن العواقب ولا تعد الأمر البعيد وقوعه فإن الليالي أمهات العجايب وهي طويلة سهلة على ضعف كان ارتكابه مقصودًا في أمداحه‏.‏
عام أحد وأربعين وسبعماية وما اتصل بذلك من منازلة الطاغية ألهنشه قلعة يحصب الماسة الجوار من حضرته واستيلائه عليها وعلى باغة‏.‏
ثم منازلة الجزيرة الخضراء عشرين شهرًا أوجف خلالها بجيوش المسلمين من أهل العدوتين إلى أرضه‏.‏ ثم استقر منازلًا إياها إلى أن فاز بها قداحه والأمر لله العلي الكبير في قصص يطول ذكره تضمن ذلك طرفة العصر من تأليفنا‏.‏ ثم تهنأ السلم والتحف جناح العافية والإمنة برهة رحمه الله‏.‏ وفاته وما استكمل أيام حياته وبلغ مداه أتم ما كان شبابًا واعتدالًا وحسنًا وفخامة وعزًا حتى أتاه أمر الله من حيث لا يحتسب وهجم عليه يوم عيد الفطر من عام خمسة وخمسين وسبعماية في الركعة الأخيرة رجل من عداد الممرورين رمى بنفسه عليه وطعنه بخنجر كان قد أعده وأغرى بعلاجه وصاح وقطعت الصلاة وقبض عليه واستفهم فتكلم بكلام مخلط واحتمل إلى منزله على فوت لم يستقر به إلا وقد قضى رحمه الله ورضي عنه وأخرج ذلك الخبيث للناس وقتل وأحرق بالنار مبالغة في التشفي ودفن السلطان عشية اليوم في مقبرة قصره لصق والده وولي أمره ابنه أبو عبد الله محمد وبولغ في احتفال قبره بما أشف على من هذا قبر السلطان الشهيد الذي كرمت أحسابه وأعراقه وحاز الكمال خلقه وأخلاقه وتحدث بفضله وحلمه شام المعمور وعراقه صاحب الآثار السنية والأيام الهنية والأخلاق الرضية والسير المرضية‏.‏ الإمام الأعلى والشهاب الأجلى حسام الملة علم الملوك الجلة الذي ظهرت عليه عناية ربه وصنع الله له في سلمه وحربه‏.‏ قطب الرجاحة والوقار وسلالة سيد الأنصار حامي حمى الإسلام برأيه ورايته المتسولي في ميدان الفخر على غايته الذي صحبته عناية الله في بداية أمره وغايته أمير المسلمين أبي الحجاج يوسف ابن السلطان الكبير الإمام الشهير أسد دين الله الذي أذعنت الأعداء لقهره ووقفت الليالي والأيام عند نهيه وأمره‏.‏
رافع ظلال العدل في الآفاق حامي حمى السنة بالسمر الطوال والبيض الرقاق مخلد صحف الذكر الخالد والعز الباق الشهيد السعيد المقدس أبي الوليد ابن الهمام الأعلى الطاهر النسب والذات ذي العز البعيد الغايات والفخر الواضح الآيات كبير الخلافة النصرية وعماد الدولة الغالبية المقدس المرحوم أبي سعيد فرج بن إسماعيل بن نصر تغمده الله برحمة من عنده وجعله في الجنة جارًا لسعد بن عبادة جده وجازى عن الإسلام والمسلمين حميد سعيه وكريم قصده‏.‏
قام بأمر المسلمين أحمد القيام ومهد لهم الأمن من ظهور الأيام وجلى لهم وجه العناية مشرق القسام وبذل فيهم من تواضعه وفضله كل واضح الأحكام‏.‏
إلى أن قضى الله بحضور أجله على خير عمله وختم له بالسعادة وساق إليه على حين إكمال شهر الصوم هدية الشهادة‏.‏
وقبضه ساجدًا خاشعًا منيبًا إلى الله ضارعًا مستغفرًا لذنبه مطمئنًا في الحالة التي أقرب ما يكون العبد فيها من ربه‏.‏ على يد شقيٍّ قيضه الله لسعادته وجعله سببًا لنفوذ سابق مشيئته وإرادته خفي مكانه لخمول قدره‏.‏ وتم بسببه أمر الله لحقارة أمره‏.‏
وتمكن له عند الاشتغال بعبادة الله ما أضمره من غدره وذلك في السجدة الأخيرة من صلاة العيد‏.‏ غرة شوال من عام خمسة وخمسين وسبعماية‏.‏
نفعه الله بالشهادة التي كرم منها الزمان والمكان ووضح منها على قبول رضوان الله البيان‏.‏
وحشره مع سلفه الأنصار الذين عز بهم الإيمان وحصل لهم من النار الأمان‏.‏
وكانت ولايته الملك في غرة اليوم الرابع عشر لذي الحجة من عام ثلاثة وثلاثين وسبعماية‏.‏
ومولده في الثامن والعشرين لربيع الآخر عام ثمانية عشر وسبعماية‏.‏
فسبحان من انفرد بالبقاء المحض وحتم الفناء على أهل الأرض ثم يجمعهم إلى يوم الجزاء والعرض لا إله إلا هو‏.‏
وفي الجهة الأخرى من النظم وكلاهما من إملائي ما نصه‏:‏ يحييك بالريحان والروح من قبر رضي الله عمن حل فيك مدى الدهر إلى أن يقوم الناس تعنو وجوههم إلى باعث الأموات في موقف الحشر ولو أنني أنصفتك الحق لم أقل سوى يا كمام الزهر أو صدف الدر ويا ملحد التقوى ويا مدفن الهدى ويا مسقط العليا ويا مغرب البدر لقد حط فيك الرحل أي خليفة أصل المعالي غرةٌ في بني نصر لقد حل فيك العز والمجد والعلى وبدر الدجا والمستجار لدى الدهر ومن كأبي الحجاج حامي حمى الهدى ومن كأبي الحجاج ماحي دجا الكفر إمام الهدى غيث الندى دافع العدا بعيد المدى في حومة المجد والفخر سلالة سعد الخزرج بن عبادة وحسبك من بيت رفيع ومن قدر إذا ذكر الإغضاء والحلم والتقى وحدثت عن علياه حدث عن البحر تخونه طرف الزمان وهل ترى بقاءً لحيٍّ أو دوامًا على أمر هو الدهر ذو وجهين يومٌ وليلةٌ ومن كان ذا وجهين يعتب في غدر تولى شهيدًا ساجدًا في صلاته أصيل التقى رطب اللسان من الذكر وقد عرف الشهر المبارك حق ما أفاض من النعمى ووفى من البر وكم من عظيم قد أصيب بخامل وأسباب حكم الله جلت عن الحصر فهذا عليٌّ قد قضى بابن ملجم وأوقع وحشي بحمزة ذي الفخر نعد الرماح المشرفية والقنا ويطرق أمر الله من حيث لا تدري ومن كان بالدنيا الدنية واثقًا على حالة يومًا فقد باء بالخسر فيا مالك الملك الذي ليس ينقضي ويا من إليه الحكم في النهى والأمر تغمد بستر العفو منك ذنوبنا فلسنا نرجي غير سترك من ستر فما عندك اللهم خيرٌ ثوابه وأبقى ودنيا المرء خدعة مغتر ومما رثى به قولي في غرض ناءٍ عن الجزالة متحريًا اختيار ولده‏:‏ العمر يوم والمنى أحلام ماذا عسى أن يستمر منام وإذا تحققنا الشيىء بدأة فله بما تقضي العقول تمام والنفس تجمع في مدى آمالها ركضًا وتأبى ذلك الأيام من لم يصب في نفسه فمصابه بحبيبه نفذت بذا الأحكام هذا أمير المسلمين ومن به وجد السماح وأعدم الإعدام سر الإمامة والخلافة يوسف غيث الملوك وليثها الضرغام قصدته عادية الزمان فأقصدت والعز سام والخميس لهام فجعت به الدنيا وكدر شر بها وشكى العراق مصابه والشام أسفًا على الخلق الجميل كأنه بدر الدجنة قد جلاه تمام أسفًا على العمر الجديد كأنه غض الحديقة زهره بسام أسفًا على الخلق الرضي كأنها زهر الرياض همى عليه غمام أسفًا على الوجه الذي يهمي ندىً طاشت لنور جماله الأفهام يا ناصر الثغر الغريب وأهله والأرض ترجف والسماء قتام يا صاحب الصدمات في جنح الدجا والناس في فرش النعيم نيام يا حافظ الحرم الذي بظلاله ستر الأرامل واكتسى الأيتام مولاي هل لك للقصور زيارة بعد انتزاح الدار أو إلمام ورحلت عنا الركب خير خليفة أثنى عليك الله والإسلام نعم الطريق سلكت كان رفيقه والزاد فيه تهجدٌ وصيام وكسفت يا شمس المحاسن ضحوةً فاليوم كيلٌ والضياء ظلام سقاك عيد الفطر كأس شهادة فيها من الأجل الحرمي مدام وختمت عمرك بالصلاة فحبذا عملٌ كريم سعيه وختام مولاي كم هذا الرقاد إلى متى بين الصفايح والتراب تنام إعد التحية واحتسبها قربة إن كان يمكنك الغداة كلام تبكي عليك مصانع شهدتها بيض كما تبكي الهديل حمام تبكي عليك مساجد عمرتها فالناس فيها سجدٌ وقيام تبكير عليك خلايق أمنتها بالسلم وهي كأنها أنعام عاملت وجه الله فيما رمته منها فلم يبعد عليك مرام لو كنت تفدى أو تجاز من الردى بذلت نفوس من لدنك كرام نم في جوار الله مسرورًا بما قدمت يوم تزلزل الأقدام واعلم بأن سليل ملك قد غدا في مستقر علاك وهو إمام بستر تكنف منه من خلفته ظل ظليل فهو ليس يضام كنت الحسام وصرت في غمد الثرى ولنصر ملكك سل منه حسام خلفت أمة أحمد لمحمد فقضت بسعد الأمة الأحكام فهو الخليفة للورى في عهده ترعى العهدو وتوصل الأرحام ابقى رسومك كلها محفوظة لم ينتثر منها عليك نظاىم العدل والشيم الكريمة والتقى والدار والألقاب والخدام حسبي بأن أخشى ضريحك لائمًا وأقول والدمع السفوح سجام يا مدفن التقوى ويا مثوى الهدى مني عليك تحية وسلام أخفيت عن حزني عليك وفي الحشا نارٌ لها بين الضلوع ضرام ولو أنني أديت حقك لم يكن لي بعد فقدك في الوجود مقام يا يوسف أنت لنا يوسف وكلنا في الحزن يعقوب يوسف بن عبد الرحمن الفهري يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري أوليته كان عبد الرحمن أحد زعماء العرب بالأندلس‏.‏
وكان ممن ثار منها من أصحاب بلج عصبيةً لقتله فخرج عن الأندلس إلى إفريقة‏.‏
وجده عقبة بن نافع هو الذي اختط قيروانها أيام معوية بن أبي سفيان‏.‏
قال عيسى بن أحمد وهرب ابنه يوسف هذا من إفريقية إلى الأندلس مغاضبًا له أيام بشر بن صفوان الكلبي فهوي الأندلس واستوطنها فساد بها ثم تأمر فيها‏.‏
حاله كان شريفًا جليلًا حازمًا عاقلًا‏.‏ اجتمع عليه أهل الأندلس من أجل أنه قرشي بعد موت أميرهم ثوابة بن سلامة ورضي به الخيار من مضر واليمن فدانت له الأندلس تسع سنين وتسعة أشهر وكان آخر الأمراء بالأندلس وعنه انتقل سلطانها إلى بني أمية‏.‏
وأشرك الصميل بن حاتم في أمره فتركت لذلك نسبة الأمر له وكانت الحرب التي لم يعرف بالمشرق والمغرب أشد جلادًا ولا أصبر رجالًا منها واعتزلها يوسف تحرفًا وقام بأمرها الصميل وانهزم اليمانيون واستلحموا ملحمة عظيمة واستوسق الأمر ليوسف‏.‏
وغزا جليقية فعظم في عدوها أثره‏.‏ ولما تم الأمر طرقه ما تقدم به الإلماع من عبور صقر بني أمية عبد الرحمن الداخل في خبر طويل‏.‏ والتقى بظاهر قرطبة سنة ثمان وثلاثين وماية في ذي الحجة‏.‏ وانهزم يوسف بن عبد الرحمن والصميل ولحقا بإلبيرة‏.‏
وأتبعهما عبد الرحمن بن معاوية فنازله وقد تحصن بمعقل إلبيرة حصن غرناطة وترددت بينهما الرسل في طلب المهادنة والبقاء على الصلح‏.‏ وتخلى يوسف عن الدعوة واستقر سكناه بقرطبة‏.‏
وذلك في صفر سنة تسع وثلاثين وماية وأقبل معه في عسكره إلى قرطبة‏.‏
وذكر أنه تمثل عند دخوله عسكر عبد الرحمن ببيت جرور بن إبنة النعمان‏:‏ فبتنا نسوس الأمر والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقةٌ ننتصف فتبًا لدنيا لا يدوم نعيمها تقلب ساعات بنا وتصرف واستقر بقرطبة دهرًا ثم بدا له في الخلاف‏.‏
ولحق بأحواز طليطلة وأعاد عهد الفتنة فاغتاله مملوكان له وقتلاه رحمه الله في سنة اثنتين وأربعين وماية‏.‏
وأخبار يوسف بن عبد الرحمن معروفة وهو محسوب من الأمراء الأصلاء بغرناطة إذ كانت له قبل الإمارة بها ضياع يتردد إليها‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:45 AM

ومن غير الأصليين يحيى بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد ابن أحمد بن أبي عزفة اللخمي الرييس أبو زكريا وأبو عمرو بن الرييس أبي طالب بن الرييس أبي القاسم‏.‏
كناه أبوه أبا عمرو وغلبت عليه الكنية المعروفة‏.‏
حاله كان قيمًا على طريقة أصحاب الحديث رواية وضبطًا وتقييدًا وتخريجًا مع براعة خط وطرف ضبط شاعرًا مجيدًا مطبوعًا‏.‏ ذا فكاهة وحسن مجالسة‏.‏
رأس بسبتة بعد إجغازته البحر من الأندلس والإحتلال بفاس نايبًا عن ملك المغرب السلطان أبي سعيد بن عبد الحق لأمر مت به إليه قبل استقلاله ليس هذا موضع ذكره‏.‏
ثم استبد بها مخالفًا عليه لأمر يطول شرحه أجرى فيه موفى الجانب من الهلع باسلًا مقدامًا‏.‏
سكون الطاير مثقفًا بخلال رياسته ضامًا لأطرافها‏.‏
ونازله جيش المغرب وبيد أميره ولده أبو القاسم مرتهنًا فأتيح له ظفرٌ أجلى ليلة غربيات المحلة والأثر فيها واستخلاص ولده‏.‏
مشيخته أخذ عن جماعة من أهل بلده وغيرهم قراءة وسماعًا وإجازة‏.‏
فممن أخذ عنه من أهل بلده سبتة أبو إسحق الغافقي وأبو عبد الله بن رشيد وابو الظفر المنورقي وأبو القاسم البلفيقي وأبو علي الحسن بن طاهر الحسيني وأبو إسحق التلمساني وأبو محمد عبد الله بن أبي القاسم الأنصاري وأبو القاسم بن الشاط‏.‏
وبغرناطة لما قدم عليها مغربًا عن وطنه عند تصيره إلى الإيالة النصرية من أيديهم وسكناه بها عن أبي محمد عبد المنعم بن سماك وأبي جعفر بن الزبير وأبي محمد بن المؤذن وأبي الحسن بن مستقور وغيرهم‏.‏ ومن أهل ألمرية أبو عبد الله محمد ابن الصايغ وأبو عبد الله بن شعيب‏.‏
ومن أهل مالقة الولي أبو عبد الله بن الطنجالي وأبو محمد الباهلي وأبو الحسن بن منظور وأبو الحسن بن مصامد‏.‏ ومن أهل الخضراء أبو جعفر بن خميس‏.‏
ومن أهل بلش أبو عبد الله بن الكماد‏.‏ ومن أهل أرجبة أبو زكريا البرشاني‏.‏
ومن أهل بجاية أبو علي ناصر الدين المشدالي وأبو عبد الله بن غربوز‏.‏
ومن أهل فاس أبو عبد الله المومناني‏.‏ ومن أهل تيزي أبو عبد الله محمد القيسي‏.‏
وكتب له بالإجازة طايفة كبيرة من أهل المشرق منهم قطب الدين القسطلاني‏.‏
شعره قال لي شيخنا أبو البركات سألته وأنا معه واقفٌ بسور قصبة سبتة أن يجيزني ويكتب لي من شعره فكتب لي قطيعات منها في تهنئة السلطان أبي الجيوش يوم ولايته‏:‏ الآن عاد إلى الإمامة نورها وارتاح منبرها وهش سريرها وبدا لنا من بعد طول قطوبها منها التهلل واستبان سرورها وضعت أزمتها بكف خليفة هو أصلها الأولى بها ونصيرها من معشر عرفت بطون أكفهم بذل الندى واللاثمين ظهورها خرصانهم ووجوههم في ظلمة النقع المثار نجومها وبدورها وسع الرعايا منه عدله لم يزل إليه قلوبهم ويصورها حتى اغتدت بالحب فيه صدورها ملأى وأخلص في الولاء ضميرها رام العداة لمجده كيدًا فلم تنجح مساعتها وساء مصيرها ===مولاي إنا عصبةٌ معروفة بالحب فيك صغيرها وكبيرها جينا نقضي من حقوقك واجبًا نسدي بالمدايح تارة وتبيرها ولقد خدمت مقامكم من قبلها بفرايد حسنًا يعز نظيرها فاجذب بضبعي من حضيض مزارتي عرست وعلى يديك مسيرها وافتكني من أسر فرط خصاصة عنفت فلم يقصد سواك أسيرها لازلت للإسلام تحمي أمة دانته مما يتقي ويجيرها وبقيت في عز وسعد شامل حتى يحين من الرفاة نشورها وفي الإلغاز بالأقلام والمحبرة‏:‏ وسربٌ ضمهم دست ستير شباب ليس يفزعهم قتير قد اختصروا فلم يفرش ساد لمجلسهم ولم ينصب سري لهم كأس إذا دارت عليهم فقد أزف الترحل والمسير وأفشوا سر سياقهم بلفظ مبين ليس يفهمه البصير فاجذب بضبعي من حضيض مزارتي عرست وعلى يديك مسيرها وهزت من روسهم نشاطًا وعند الصحو يعروهم فتور فصاح إن تحللهم وإلا فشأنهم التلعتم والقصور لهم عقل يلوح على القوافي لذاك نومهم أبدًا كثير لهم عقل يلوح على القوافي لذاك نومهم أبدًا كثير طويلهم يطول العمر منه أخا نعبٍ ويخترم القصير وهم لم يشف يومًا بغير القطع عضوهم الكبير فقل لي من هم لازلت فردًا دياجي المشكلات به تسير نكبته‏:‏ تنظر في العبادلة في اسم أبيه‏.‏
وفاته عام تسعة عشر وسبعماية في شعبان رحمه الله‏.‏ الأمير أبو زكريا يحيى بن علي بن غانية الصحراوي الأمير أبو زكريا حاله كان بطلًا شهمًا حازمًا كثير الدهاء والإقدام والمعرفة بالحروب مجمعًا على تقدمه‏.‏
نشأ في صحبة الأمير بقرطبة محمد بن الحاج اللمتوني وولاه مدينة إستجة فهي أول ولايته‏.‏
وليها يحيى وتزوج محمد بن الحاج أمه غانية بعد أبيه وكفله وأقام معه بقرطبة إلى أن كان من محمد بن الحاج ثمانية وثلاثين وخمسمائة فاستقامت الأمور بحسن سيرته وظهور سعده إلى صفر من عام تسعة وثلاثين‏.‏
وكانت ثورة ابن قسي باكورة الفتنة‏.‏
ولما خرج إلى لبلة ثار ابن حمدين بقرطبة دار ملكه في رمضان من العام واستباح قصره وانطلقت الأيدي على قومه وتم له الأمر‏.‏
وبلغ يحيى الخبر فرجع أدراجه إلى إشبيلية فثار به أهلها وناصبوه الحرب وأصابوه بجراحة فلجأ إلى حصن مرجانة فأقام به يصابر الهول ويرقع القنن‏.‏
ثم تحرك إليه جيش ابن حمدين وكانت بينهما وقيعة انهزم فيها ابن حمدين واستولى ابن غانية على قرطبة في شعبان من عام أربعين وتحصن ابن حمدين بأندوجر ممتنعًا بها‏.‏
ونهض يحيى إلى منازلته‏.‏
فاستعان ابن حمدين بملك قشتالة وأطمعه في قرطبة فتحرك إلى نصرته‏.‏
ولما وصل أندوجر أعذر يحيى في الدفاع والمصابرة ثم انصرف بالجيش إلى قرطبة وأخذ العدو في آثارهم صحبة مستغيثه ابن حمدين‏.‏
فنازل قرطبة وامتنع ابن غانية بالقصر وما يليه من المدينة‏.‏
وأدخل ابن حمدين النصارى قرطبة في عاشر ذي الحجة من عام أربعين فاستباحوا المسجد وأخذوا ما كان به من النواقيس ومزقوا مصاحفه ومنها زعموا مصحف عثمان وأنزلوا المنار من الصومعة وكان كله فضة وحرقت الأسواق وأفسدت المدينة وظهر من صبر ابن غانية وشدة بأسه وصدق دفاعه ما أيأس منه‏.‏
وكان من قدر الله أن بلغ طاغية الروم يوم دخولهم قرطبة اجتياز الموحدين إلى الأندلس فأجال طاغيتهم قداح الرأي فاقتضى أن يهادن ابن غانية‏:‏ ويتركه بقرطبة في نحر عدوه من الموحدين سدًا بينهم وبين بلاده‏.‏
فعقدت الشروط ونزل إليه ابن غانية فعاقده واستحضر له أهل قرطبة وقال لهم أنا قد فعلت معكم من الخير ما لم يفعله من قبلي غلبتكم في بلدكم وتركتكم رعية لي وقد وليت عليكم يحيى بن غانية فاسمعوا له وأطيعوا‏.‏
قال المؤرخ وفخر الطاغية في ذلك اليوم بقومه وقال ولا يريبنكم أن تكونوا تحت يدي ونظري فعندي كتاب نبيكم إلى جدي‏.‏ حدث ابن أم العماد أبو الحسن قال حضرت وأحضرحق من ذهب فتح وأخرج منه كتابٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر ملك الروم وهو جده بزعمه‏.‏ والكتاب بخط علي بن أبي طالب‏.‏
قال أبو الحسن قرأته من أوله إلى آخره كما جاء في حديث البخاري‏.‏
وانصرف إلى بلاده وانصرف ابن حمدين فكان هلاكه بمالقة بعد اضطراب كثير‏.‏
واستقر ابن غانية بقرطبة الغادر به أهلها فشرع في بنيان القصبة وسد عورتها وسام أهلها الخسف وسوء العذاب ووالى إغرامهم‏.‏
واستعجل أمرهم واتصل سلمه مع العدو إلى تمام أحد وأربعين وخمسماية وقد تملك الموحدون إشبيلية وما إليها‏.‏
وضيق عليه النصارى في طلب الإتاوة واشتطوا عليه في طلب ما بيده ونزل طاغينهم أندوجر وبه رجل يعرف بالعربي واستدعى ابن غانية‏.‏
فلما تحصل بمحلته طلبه بالتخلي عن بياسة وأبدة فكان ذلك‏.‏ وتشاغل الموحدون بأمر ثائر نازعهم بالمغرب‏.‏ فكلب العدو على الأندلس فنازل الأشبونة وشنترين وألمرية وطرطوشة ولا ردة وإفراغة وطمع في استيصال بلاد الإسلام فداخل ابن غانية سرًا من بإشبيلية من الموحدين ووصله كتاب خليفتهم بما أحب وتحرك الطاغية في جيوش لا ترام‏.‏
وطالب ابن غانية بالخروج عن جيان وتسليمها إليه وكاده حسبما تقدم في اسم عبد الملك بن سعيد‏.‏ ونهض بعد هذه الكاينة إلى غرناطة وهي آخر ما تبقى للمرابطين من القواعد ليجمع بها أعيان لمتونة ومسوفة في شأن صرف الأمر إلى الموحدين‏.‏
وفاته ولما وصل الأمير يحيى بن غانية إلى غرناطة أقام بها شهرين وتوفي عصر يوم الجمعة الرابع عشر من شعبان عام ثلاثة وأربعين وخمسماية ودفن بداخل القصبة في المسجد الصغير المتصل بقصر باديس بن حيوس مجاورًا له في مدفنه وعليه في لوح من الرخام تاريخ وفاته‏.‏
والناس يقصدوه لنتبرك به‏.‏
يوسف بن تاشفين بن إبراهيم بن توقورت بن وريابطن بن منصور ابن مصالة بن أمية بن وايامي يكنى ابا يعقوب ويلقب بأمير المسلمين‏.‏
أوليته ذكروا أن يحيى بن إبراهيم بن توقورت حج وهو كبير قبيل الصحراويين في عشر الأربعين وأربعماية واجتاز على القيروان وهي موفورة بالعلماء وتعرف بالفقيه أبي عمران الفاسي ورغب إليه أن ينظر له في طلب من يستصحبه ليعلم قومه ويفقههم فخاطب له فقيهًا من فقهاء المغرب الأقصى اسمه واجاج واختارله واجاج عبد الله بن ياسين القايم بدولتهم البادي نظم نشرهم وتأليف كلمتهم فاجتمع عليه سبعون شيخًا من نبهائهم ليعلمهم فانقادوا له انقيادًا كبيرًا وتناسل الناس فضخم العدد وغزا معهم قبايل الصحراء‏.‏
ثم التأثت حاله معهم فصرفوه وانتهبوا كتبه فلجأ إلى أمير لمتونة يحيى بن عمر بن تلايكان اللمتوني فقبله وأعاد حاله وثابت طاعته فأمضى القتل على من اختلف عليه‏.‏
وكان يحيى بن عمر يمتثل أمر عبد الله امتثالًا عظيمًا‏.‏ ثم خرج بهم إلى سجلماسة فتملكوها وتملكوا الجبل‏.‏ ثم ظهروا على المغرب ثم قتل الأمير يحيى بن عمر فقدم عبد الله أخاه أبا بكر بن عمر بدرعة ونهد به فتملك جبال المصامدة واحتل بأغمات وريكة واستوطنها‏.‏
ولعبد الله أخبار غريبة وشذوذ في الأحكام الله أعلم بصحتها‏.‏ وقتل عبد الله ابن ياسين برغواطة‏.‏
ولم يزل الأمير أبو بكر بن عمر حتى أخذ ثاره وأثخن القتل فيهم وقدم ابن عمه يوسف بن تاشفين بن إبراهيم على عسكر كبير فيهم أشياخ لمتونة وقبايل البرابرة والمصامدة واجتاز على بلاد المغرب فدانت له‏.‏
وطرق الأمير أبا بكر خبرٌ من قومه من الصحراء انزعج له فولى يوسف بن تاشفين على مملكة المغرب وترك معه الثلث من لمتونة إخوانه وأوصاه وطلق زوجته زينب وأمره بتزوجها لما بلاه من يمنها‏.‏
فبنى يوسف مدينة مراكش وحصنها وتحبب إلى الناس واستكثر من الجنود والقوة وجبي الأموال واستبد بالأمر‏.‏
ورجع الأمير أبو بكر من الصحراء سنة خمس وستين وأربعمائة فألفى يوسف مستبدًا بأمره فسالمه وانخلع له عن الملك ورجع إلى صحرايه فكان بها تصله هدايا يوسف إلى أن قتله السودان‏.‏
واستولى يوسف على المغرب كله ثم أجاز البحر إلى الأندلس فهزم الطاغية الهزيمة الكبرى بالزلاقة وخلع أمراء الطوائف وتملك البلاد إلى حين وفاته‏.‏
حاله قال أبو بكر بن محمد بن يحيى الصيرفي كان رحمه الله خائفًا لربه كتومًا لسره كثير الدعاء والاستخارة مقبلًا على الصلاة مديمًا للاستغفار أكثر عقابه لمن تجرأ أو تعرض لانتقامه الاعتقال الطويل والقيد الثقيل والضرب المبرح إلا من انتزى أو شق العصا فالسيق أحسم لانتثار الداء‏.‏
يواصل الفقهاء ويعظم العلماء ويصرف الأمور إليهم ويأخذ فيها بآرائهم ويقضي على نفسه وغيرهم يفتياهم ويحض على العدل ويصدع بالحق ويعضد الشرع ويجزم في المال ويولع بالاقتصاد في الملبس والمطعم والمسكن إلى أن لقي الله مجدًا في الأمور ملقنًا للصواب مستحبًا حال الجد مؤديًا إلى الرعايا حقها من الذب عنها والغلظة على عدوها وإفاضة الأمن والعدل فيها‏.‏
يرى صور الأشياء على حقيقتها‏.‏
تسمى بأمير المسلمين لما احتل الأندلس وأوقع بالروم وكان قبل يدعى الأمير يوسف وقامت الخطبة فيها جميعًا باسمه وبالعدوة بعد الخليفة العباسي‏.‏
وكان درهمه فضة ودنيره تبرٌ محض في إحدى صفحتي الدنير لا إله إلا الله محمد رسول الله وتحت ذلك أمير المؤمنين يوسف بن تاشفين وفي الداير ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين‏.‏
وفي الصفحة الأخرى الإمام عبد الله أمير المسلمين وفي الداير تاريخ ضربه وموضع سكته وفي جهتي الدرهم ما حمله من ذلك‏.‏
بعض أخباره في سنة سبعين وأربعمائة وردت عليه كتب الأندلس يبثون حالهم ويحركونه إلى نصرهم‏.‏
وفي سنة اثنتين بعدها ورد عليه عبد الرحمن ابن أسباط من ألمرية يشرح حال الأندلس‏.‏
وفي سنة خمس وسبعين بعدها وجه إلى شراء العدد فيها واستكثر منها‏.‏
وفي سنة ستٍّ بعدها فتح مدينة سبتة ودخلها عنوة على الثاير بها سقوت البرغواطي‏.‏
وفي سنة ثمان اتصل به تملك طاغية قشتالة مدينة طليطلة وجاز إليه المعتمد بن عباد بنفسه وفاوضه واستدعاه لنصرة المسلمين وخرج إليه عن الجزيرة الخضراء‏.‏
وعلم بذلك الأدفنش فاخترق بلاد المسلمين معرضًا عن رؤساء الطوائف لا يرضى أخذ الجزية منهم حتى انتهى إلى الخضراء ومثل على شاطىء البحر وأمر أن يكتب إلى الأمير يوسف بن تاشفين والموج يضرب أرساغ فرسه بما نسخته‏:‏ من أمير الملتين أذفونش بن فردلند إلى الأمير يوسف بن تاشفين‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:48 AM

أما بعد فلا خفاء على ذي عينين أنك أمير الملة المسلمة كما أنا أمير الملة النصرانية‏.‏
ولم يخف عليكم ما عليه رؤساؤكم بالأندلس من التخاذل والتواكل وإهمال الرعية والإخلاد إلى الراحة وأنا أسومهم سوء الخسف وأضرب الديار وأهتك الأستار وأقتل الشبان وأسبي الولدان ولا عذر لك في التخلف عن نصرتهم إن أمكنتك قدرة‏.‏
هذا وأنتم تعتقدون أن الله تبارك وتعالى فرض على كل منكم قتال عشرة منا ثم خفف عنكم فجعل على كل واحد منكم قتال اثنين منا فإن قتلاكم في الجنة وقتلانا في النار ونحن نعتقد أن الله أظهرنا بكم وأعاننا عليكم إذ لا تقدرون دفاعًا ولا تستطيعون امتناعًا‏.‏
وبلغنا عنك أنك في الاحتفال على نية الإقبال فلا أدري أن كان الحين يبطىء بك أمام التكذيب لما أنزل عليك‏.‏
فإن كنت لا تستطيع الجواز فابعث إلي ما عندك من المراكب لأجوز إليك وأناجزك في أحب البقاع فإن غلبتني فتلك غنيمة جاءت غليك ونعمة مثلت بين يديك‏.‏
وإن غلبتك كانت لي اليد العليا واستكملت الإمارة‏.‏ والله يتم الإرادة‏.‏
فأمر يوسف بن تاشفين أن يكتب في ظهر كتابه جوابك يا أذفونش ما تراه لا ما تسمعه إن شاء الله وأردف الكتاب ببيت أبي الطيب‏:‏ ولا كتبٌ إلا المشرفية والقنا ولا رسلٌ إلا الخميس العرمرم وعبر البحر وقد استجاش أهل الأندلس‏.‏
وكان اللقاء يوم الجمعة منتصف رجب من عام تسعة وسبعين وأربعمائة‏.‏
ووقعت حرب مرة اختلط فيها الفريقان بحيث اقتحم الطاغية محلة المسلمين وصدم يسارة جيوش الأندلس واقتحم المرابطون محلته للحين‏.‏
ثم برز الجميع إلى مأزق تعارفت فيه الوجوه فأبلوا بلاءً عظيمًا وأجلت عن هزيمة العدو واستيصال شأفته‏.‏
وأفلت أذفونش في فل قليل قد أصابته جراحة وأعز الله المسلمين ونصرهم نصرًا لا كفاء له فأين العجب يا أذفونش هلا تجنبت المشيخة يا غلام شملك النساء ولا رجال فحدث ما وراءك يا عصام أقمت لدى الوغى سوقًا فخذها مناجزة وهونٌ لا تنام فإن شيت اللجين فثم سام وإن شيت النضار فثم حام رأيت الضرب تطيبا فصلب فأنت على صليبك لا تلام أقام رجالك الأشقون كلا وهل جسدٌ بلا رأس ينام رفعنا هامهم في كل جذع كما ارتفعت على الأيك الحمام سيعبد بعدها الظلماء لما أتيح له بجانبها اكتتام ولا ينفك كالخفاش يغضي إذا ما لم يباشره الظلام نضا إذ راعه واجتاب ليلًا يود لو أن طول الليل عام سيبقى حسرةً ويبيد إن لم أبادتنا القناة أو الحسام وعاد إلى العدوة‏.‏
ثم أجاز البحر ثانية إلى منازلة حصن لييط وفسد ما بينه وبين أمراء واستحسنه وأمر بحفظه ومواصلة مرمته‏.‏ وطاف بكل مكان منه ثم تملك ألمرية وقرطبة وإشبيلية وغيرها في أخبار يطول اقتضاؤها والبقاء لله‏.‏ وفاته توفي رحمه الله بمدينة مراكش يوم الإثنين مستهل محرم سنة خمسماية‏.‏
وممن رثاه أبو بكر بن سوار من قصيدة أنشدها على قبره‏:‏ ملك الملوك وما تركت لعامل عملًا من التقوى يشارك فيه يا يوسف ما أنت إلا يوسف والكل يعقوب بما يطويه إسمع أمير المؤمنين وناصر الدين الذي بنفوسنا نفديه جوزيت خيرًا عن رعيتك التي لم ترض فيها غير ما يرضيه أما مساعيك الكرام فإنها خرجت عن التكييف والتشبيه في كل عام غزوةٌ مبرورة تردي عديد الروم أو تفنيه تصل الجهاد إلى الجهاد موفقًا حتم القضاء بكل ما تقضيه ويجيىء ما دبرته كمجيئه فكأن كل مغيب تدريه ولقد ملكت بحقك الدنيا وكم ملك الملوك الأمر بالتمويه لو رامت الأيام أن تحصي الذي فعلت سيوفك لم تكد تحصيه إنا لمفجوعون منك بواحد جمعت خصال الخير أجمع فيه وإذا سمعت حمامة في أيكة تبكي الهديل فإنها ترثيه وميضٌ قد استرعى رعية أمة فأقام فيهم حق مسترعيه وإذا هزبر الغاب صرى شبله في الغاب كان الشبل شبه أبيه وإذا عليٌّ كان وارث ملكه فالسهم يلقى في يدي باريه يوسف بن محمد بن يوسف بن محمد بن نصر ولي عهد أبيه أمير المسلمين الغالب بالله‏.‏
حاله كان أميرًا جليلًا حصيفًا فاضلًا ظاهر النبل محبًا في العلم‏.‏ من فنونه‏.‏
مال إلى التعاليم والنجوم أفرط في الاستغراق في ذلك ونمي إلى أبيه فأنكره وقصد يومًا منزله لأجل ذلك ودخل المجلس وبه مجلدات كثيرة وقال ما هذه يا يوسف فقال سترًا لغرضه المتوقع فيه نكير أبيه يا مولاي هي كتب أدب فقال السلطان وقد قنع منه بذلك يا ولدي ما أخذناها يعني السلطنة إلا بقلة الأدب تورية حسنة إشارة إلى الثورة على ملوك كانوا تحت إيالتهم فغرب في حسن النادرة وكان قد ولاه عهده بعد أخيه لو أمهلته المنية‏.‏
وفاته توفي يوم الجمعة ثالث عشر صفر عام ستين وستماية‏.‏
يوسف بن عبد المؤمن بن علي الخليفة أبو يعقوب الوالي بعد أبيه‏.‏
حاله كان فاضلًا كاملًا عدلًا ورعًا جزلًا حافظًا للقرآن بشرحه عالمًا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خطئه وصحيحه آية الموحدين في الإعطاء والمواساة راغبًا في العمارة مثابرًا على الجهاد مشيعًا للعدل‏.‏
أصلح العدوة وأمنها وأنس شاردها وحصن جزيرة الأندلس ببعوثه لها فقمعوا عاصيها وافترعوا بالفتح أقاصيها وأحسن لأجنادها وأمدهم من الخيل ولده ثمانية عشر أكبرهم يعقوب ولي عهده نجم بني عبد المؤمن وجوهرتهم‏.‏
حاجبه ابو حفص شقيقه‏.‏
وزراؤه إدريس بن جامع ثم أبو بكر بن يوسف الكومي‏.‏
قضاته حجاج بن يوسف بن عمران وابن مضاء‏.‏
كتابه أبو الحسن بن عياش القرطبي وأبو العباس بن طاهر بن محشرة‏.‏
بعض أخباره في أيامه استوصلت دولة ابن مردنيش بعد حروب مبيرة ودوخ إفريقية ورد أهل باجة إلى وطنهم بعد تملك العدو إياه وجبرهم جدًا واستنقاذًا وفتح حصن بلج‏.‏
في الثامن والعشرين لربيع الآخر سنة ثمانين وخمسماية بظاهر شنترين من سهم أصابه في خبائه وهو محاصر لها فقضى عليه وكتم موته حتى اشتهر بعد رحيله‏.‏
ذكر ذلك أبو الحسن بن أبي محمد الشريشي فكانت خلافته اثنين وعشرين عامًا وعشرة أشهر وعشرة أيام وعمره سبع وأربعون سنة‏.‏
مولده في مستهل سنة ثلاث وثلاثين وخمسماية ودخل غرناطة لأول مرة ووجب ذكره فيمن حل بها‏.‏
يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن محيو أمير المسلمين بالمغرب يكنى أبا يعقوب‏.‏
أوليته معروفة مذ وقع الإلماع بذلك في اسم أمير المسلمين أبيه‏.‏
حاله كان ملكًا عالي الهمة بعيد الصيت مرهوب الشبا رابط الجأش صعب الشكيمة على عهده اعتلى الملك وناشب القبيل واستوسق الأمر‏.‏
جاز إلى الأندلس مع والده ودوخ بين عهده اعتلى الملك وناشب القبيل واستوسق الأمر‏.‏
جاز إلى الأندلس مع والده ودوخ بين يديه بلاد الروم ووقف بظاهر قرطبة وإشبيلية وحضر الوقيعة بذنونه وجرت بينه وبين سلطان الأندلس على عهده منافرات أجلت أخيرًا عن لحاق السلطان به مستعتبًا‏.‏
واستقر آخرًا محاصرًا لتلمسان غازيًا لبني زيان الأمراء بها وابتنى مدينة سماها تلمسان الجديدة وأقام محاصرًا لها مضيقًا على أهلها نحوًا من ثمانية أعوام وعظمته الملوك شرقًا وغربًا ووردت عليه الرسل والهدايا من كل جهة وهابه الأقارب والأباعد‏.‏
وفاته ولما أراد الله إنفاذ حكمه فيه قيض له عبدًا خصيًا حبشيًا أسفه بقتل أخٍ له أو نسيب في باب خيانة عثر له عليها فاقتحم عليه دار الملك على حين غفلة فدجاه بسكين أعده لذلك وضج القصر وخرج وبالسلطان رمق ثم توفي من الغد أو قريبًا منه في أوايل ذي قعدة من عام ستة وسبعماية فكانت دولته إحدى وعشرين سنة وأشرهًا وانتقل إلى مدفن سلفه بسلا وقبره بها‏.‏
وركب قاتله فرسًا أزعجها ركضًا يروم النجاة واللحاق بالبلد المحصور وسبقه الصياح فسد بعض الأبواب التي أمل النجاة منها وقتل وألحق به كثير من جنسه‏.‏
ظهر بالمغرب أبوه الأمير عبد الحق وقد اضطربت دولة الموحدين والتأث أمرهم ومرجت عرب رياح لعجز الدولة عن كف عدوانهم فخرج الأمير عبد الحق في بحبوحة قومه من الصحراء ودعا إلى نفسه واستخلص الملك بسيفه عام عشرة وستماية وكان على ما يكون عليه مثله ممن جعله الله جرثومة ملك وخدم دولة من الصدق والدهاء والشجاعة‏.‏
ورأى في نومه كأن شعلًا أربع من نار خرجن منه فعلون في جو المغرب ثم احتوين على جميع أقطاره فكان تأويلها تملك بنيه الأربعة بعده والله يؤتي ملكه من يشاء‏.‏
وكان له من الولد إدريس وعثمن وعبد الله ومحمد وأبو يحيى وأبو يوسف ويعقوب‏.‏
هذا ولما هلك هو وابنه إدريس في وقيعة رياح ولي أمره عثمان ولده ثم ولي بعده أخوه محمد ثم ولي بعده أبو يحيى أخوهما‏.‏ وفي أيامه اتسق الملك وضخم الأمر وافتتحت البلاد‏.‏
ولما هلك حتف أنفه بفاس في رجب من عام ستة وخمسين وستماية قام بالملك أخوه يعقوب المترجم به وارث الملك بنيه‏.‏
حاله كان دينًا فاضلًا حييًا جوادًا سمحًا شجاعًا محبًا في الصالحين منقادًا إلى الخير حريصًا على الجهاد‏.‏
أجاز ولده في أوائل عام اثنين وسبعين وستماية إلى الأندلس ثم عبر بنفسه في سرار صفر من العام بعده فاحتل بظاهر إشبيلية وكسر جيش الروم المنعقد على زعيمهم المسمى ذنونه بظاهر إستجة في ربيع الآخر من العام‏.‏
ثم عبر ثانيًا مغتنمًا ما نشأ بين الروم من الفرقة فغزا مدينة قرطبة وصار أمر العدو في أطواق الفرنتيرة بحيث لا يوجد في بطن القتيل منها إلا العشب أزلًا ومسغبة لانتشار الغارات وانتساف الأقوات وحديث الفتنة‏.‏
وسببها ما كان من تصير مالقة إليه من أيد المنتزين عليها من بني إشقيلولة ثم عودتها إلى سلطان الأندلس من أيدي رجاله شيوخ بني محلى ثم تدارك الله المسلمين بصلاح ذات البين واحتل بظاهر غرناطة في بعض هذه الغزوات فنزل بقرية إسقطمر من مرجها واحتفل السلطان رحمه الله في بره وأجزل نزله وتوجيه ولده إليه‏.‏وذكر سيرته شاعرهم أبو فارس عزوز في أرجوزته فقال‏:‏
سيرة يعقوب بن عبد الحق قد حاز فيها قصبات السبق بغيتان يقرأ الكتاب وتذكر العلوم والآداب يقوم للكتاب ثلث الليل وما له عن ورده من سبيل حتى إذا الصباح لاح وارتفع قام وصلى للإله وركع وضج بالتسبيح والتقديس حتى يتم الحزب في التغليس يقرأ أولًا كتاب السير والقصص الآتي بكل خبر سؤاله تعجز عنه الطلبة ومن لديه من أجل الكتبة يعقد الكتب إلى وقت الضحى ثم يصليها كفعل الصلحا ويأمر الكتاب بالأوامر في باطنٍ من سره وظاهر ويدخل الأشياخ من مرتين للرأي والتدبير والتزيين مجلسه ليس به فجور ولا فتىً في قوله يجور كأنهم مثل النجوم الزهر وبينهم يعقوب مثل البدر قد أسبر الوقار والسكينة وحل في مكانة مكينة حتى إذا ما جاز وقت الظهر قام إلى بيت للندى والفخر يبقى إلى وقت صلاة العصر يأتي إلى بيت العلى والأمر وينصف المظلوم ممن ظلمه ولم يزل إلى صلاة العتمة ثم يؤم بيتة الكريما ويترك الوزير والخديما ثم ينام تارةً وتارة يدبر الأمور بالإدارة كذاك كان فعله قديمًا بذاك نال الملك والتعظيما

ومن الرجز المسمى بقطع السلوك من تأليفنا في ذكره قولي‏:‏
تبوأ هذا الأمر عبد الحق ** أكرم من نال العلى بحق
واستخلص الملك بحد المرهف ** لسن مجدٍ عظيم الشرف
وكان سلطانًا عظيم الجود ** وصدقت رؤياه في الوجود
فأعلى الأيام نور سعده ** ونالها أبناؤه من بعده
عثمان ثم بعده محمد ** ثم أبو يحيى الهمام الأسعد
تمهد الملك له لما هلك ** وسلك السعد به حيث سلك
وفتحت فاس على يديه ** والملك العلي حله لديه
وكان ذا فضل وهدىً وورع ** قد رسم الملك فيهم واخترع
ثم أتت وفاته المشهورة ** فولي المنصور تلك الصورة
وهو أبو يوسف غلاب العدا ** وواحد الأملاك بأسًا وندا
ووقعت في عهده أمور ** وفتنةٌ ضاقت لها الصدور
وآلت الحال إلى التيام ** فما أضيعت حرمة الإسلام
حتى إذا الله إليه قبضه ** قام ابنه يوسف فيها عوضه
وفاته توفي في شهر المحرم عام خمسة وثمانين وستماية بالجزيرة الخضراء ودفن بها‏.‏
ثم احتمل بعد إلى سلا فدفن بالجبانة المعروفة هنالك لمملوك من بني مرين‏.‏
ومحل هذا السلطان في الملوك المجاهدين المرابطين معروف تغمده الله برحمته‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:49 AM

ا عيان والوزراء والأماثل والكبراء يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطي بن شريفين أقرب القبائل المرينية إلى قبيل سلطانهم من بني حمامة‏.‏
خدم جده بتونس ثم بالأندلس يكنى أبا زكريا شيخ القبيل الزناتي ومحراب رأيهم وقطب رحى حماتهم‏.‏
حاله كان هذا الشيخ وحيد دهره وفريد وقته وشامة أهل جلدته في النبل والفطانة والأدراك والرجاحة شديد الهزل مع البأو والممالقة مت التيقور والمهاترة مع الحشمة‏.‏
عارفًا بأخلاق الملوك وشروط جلسائها حسن التوصل إليها والتأتي لأغراضها بعيد الغور كثير النكراء لطيف الحلة عارفًا بسياسة الوطن قيومًا على أخلاق أهله عديم الرضا بسير الملوك وإن أعلقوا بالعروة الوثقى يده ويسروا على عبور عقبة الصراط عونه وأقطعوه الجنة وحده طنازًا بهم مغريًا خائنة الأعين بتصرفاتهم مقتحمًا حمى اغتيابهم قد اتخذ ذلك سجية أقطعته جانب القطيعة برهة فارتكب لها الأداهم مدة جماعة للمال ذايدًا عنه بعصى التقتير وربما غمس فيه إبرةً للصدقة وسامًا بينه وبين الوزير مكفى السماء على الأرض برأيه المستعين على الفتكة وما وراءها بمنيع موالاتهم وبانيه يوم مكاشفة الملإ إياه بالنفرة وكان قطب الرحى للقوم في الوجهة إلى الأمير عبد الحليم ومقيم رسمه وانصرف إلى جهة مراكش عند الهزيمة عليه فاتصل بعميدها عامر بن محمد بن علي الهنتاتي وجرت عليه خطوب وعاثت في الكثير من نعمته أكف التمزيق ديدن الدهر في الأموال المحتجنة والنقود المكتنزة واستقر أخيرًا بسجلماسة في مظاهرة الأمير عبد الحليم المذكور وبها هلك‏.‏
وكان على إزاريه ولسب لسانه واخز تلال حية حدته ناصح الرأي لمن استنصحه قوامًا فيه بالقسط ولو على نفسه والوالدين والأقربين فضيلةٌ عرف فيها شأوه مقيمًا لكثير من الرسوم الحسبية‏.‏
دخوله غرناطة قدم غرناطة في جمادى من عام تسعة وخمسين وسبعماية في غرض الرسالة ووصل صحبته قاضي الجماعة بالمغرب أبو عبد الله المقري وكان من امتساكه بالأندلس ما أوجب عودة المترجم به في شأنه فتعدد الاستمتاع بنبله‏.‏
وفاته توفي قتيلًا في الهزيمة على الأمير عبد الحليم بظاهر سجلماسة في ربيع الأول من عام أربعة وستين وسبعماية‏.‏
يحيى بن طلحة بن محلى البطوي الوزير أبو زكريا حاله كان مجموعًا رائعًا حسن شكل وجمال رواء ونصاعة ظرف واستجادة مركب وبزة قديم الجاه مرعي الوسيلة دربًا على الخدمة جلدًا على الوقوف والملازمة مجدي الجاه تلم به نوبة تواضع يتشبث به الفقراء وأولي الكدية فكه المجلس محبًا في الأدب ألفًا للظرفاء عاملًا على حسن الذكر وطيب الأحدوثة‏.‏
تولى الوزارة للسلطان أبي الحسن ونشأ في حجر أبيه ماتا إليهم بالخؤولة القديمة فتملأ ما شاء من قرب ومزية وباشر حصار الجبل لما نازله الطاغية لقرب عهدٍ بفتحه فأبلى وحسن أثره‏.‏
نشأ بالأندلس وسكن وادي آش وغرناطة واستحق الذكر لذلك‏:‏ شعره أنا ابن طلحة ولا أبال لبث السرى في الحرب والنزال يحيى حياة البيض والعوال مبيدٌ كل بطلٍ مغتال إن سمعوا باسمي في مجال يلقوا بأيديهم إلى النكال أستنزل القرن لدى الصيال وأكسر النصل على النصال من أملي التفريق للأموال والجمع بين الأقوال والفعال والشعر إن تسمعه من مقال تعلم بأن السحر في أقوال أوشج الغريب فالأمثال وأقرن الأشباه بالأمثال وأفضل المرجان بالللآل وأذكر الأيام والليال فمن أبو أمية الهلال ومن وحيد عصره الميكال هذا ولي في غير ذا معال بها أعالي الدهر من أعال كما لحسب الصميم والمعال والمحتد الضخم الحفيل الحال وكرم الأعمام والأخوال والصون والعفاف والأفضال فمن يساجلني فذا سجال ومن يناضلني فذا نضال وفاته‏:‏ توفي في أواخر عام خمسة وثلاثين وسبعماية‏.‏
اصابه سهم نفطٍ رمي به من سور يحيى بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحكيم اللخمي يحيى بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحكيم اللخمي أخو الوزير أبي عبد الله بن الحكيم وكبيره يكنى أبا بكر رندي الأصل‏.‏
قد مر شيءٌ من ذكر أوليته‏.‏
دخل غرناطة مرات وافدًا وزايرًا وساكنًا ومغربًا‏.‏
حاله كان وزيرًا جليلًا وقورًا عفيفًا سريًا فاضلًا رحب الجانب كثير الأمل جم المعروف شهير المحل عريض الجاه صريح الطعمة من أقطاب أرباب النعم ومنتجعي الفلاحة بالأندلس‏.‏
استبد ببلده برهة بإسناد ذلك إليه وإلى أخيه من السلطان أمير المسلمين أبي يعقوب ملك المغرب الصاير إليه أمره عند نبذها مغاضبًا ثم أصاره إلى إيالة السلطان ثاني الملوك من بني نصر على يدي أخيه كاتبه ووزير ولده‏.‏
محنته ووفاته ولما تقلد أخوه ذو الوزارتين أبو عبد الله بن الحكيم الأمر سما جاهه وعظم قدره وتعدد أمله إلى أن تعدى إليه أمر المحنة يوم الفتك بأخيه فطاح في سبيله نشبه وذهب في حادثه هذا الشيخ مستحق الرتبة أهلٌ لهذه الرياسة بأسًا ونجدة وعتقًا وأصالة ودهاءً ومعرفة طرفٌ في الإدراك عامل على الحظوة مستديمٌ للنعم طيب بالخدمة كثير المزاولة والحنكة شديد التيقظ عظيم الملاحظة مستغرق الفكرة في ترتيب الأمور الدنيوية بحاث عن الأخبار ملتمس للعيون حسن الجوار مبذول النصفة بقية بيته بالعدوتين وشيخ رجاله‏.‏
له الإمامة والتبريز في معرفة لسانهم وما يتعلق به من شرعٍ ومثل وحكمة وخبر لو عرضت عليه رمم من عبر منهم لأثبتها فضلًا عن غير ذلك نسابة بطونهم وشعابهم وعلامة سيرهم وعوايدهم ألمعيٌّ ذكي حافظ للكثير من الحكم والتواريخ محفوظ الشيبة من العصمة طاهر الصون والعفة مشهور الشهامة والنجدة معتدل السخاء يضع الهناء مواضع النصب فلا يخدع عن جدته ولا يطمع في غفلته ولا ينازع فيما استحقه من مزيته خدم الملوك وخبر السير فترك الأخبار لعلمه وعضل عقله لتجربته‏.‏
تولى رياسة القبيل وسط صفر من عام سبعة وعشرين وسبعماية معوضًا به عن شيخ الغزاة عثمن بن أبي العلاء فنعم البيت وخدن الشهرة عندما أظلم ما بينه وبين ابن المحروق مدبر الدولة ودافعه بالجيش في ملقى حرانه من أحواز حصن أندرش مرات تناصف الحرب فيها وربما ندر الفلج في بعضها واستمرت حاله إلى سابع محرم من عام تسعة وعشرين وسبعماية وأعيد عثمان بن أبي العلاء إلى رتبته على تفئة مهلك ابن المحروق وانتقل هو إلى مكانه بوادي آش في قومه تحت حفظٍ ومبرة‏.‏
ثم دالت له الدولة وعادت إلى ولده الكرة يوم القبض على نظرائه وقرابته مترفي حظوته ولد الشيخ أبي سعيد عثمن بن أبي العلاء عند إيقاع الفتكة بهم يوم السبت التاسع والعشرين لربيع الأول عام أحد وأربعين وسبعماية‏.‏
واستمرت له الولاية وألقت عصاها كلفة منه بالكفؤ الذي سلم له المنازع إلى أن قبض سلطانه رحمه الله فجرى ولده على وتيرة أبيه ووفى له صاع وفائه فجدد ولايته وشدا حسه ونوه رتبته وصدر له يوم بيعته منشور كريم من إنشائي نصه‏:‏ هذا ظهير كريم منزلته في الظهاير الكريمة منزلة المعتمد في الظهر الكرام أطلع وجه التعظيم سافر القسام وعقد راية العز السامي الأعلام وجدد كريم المتات وقديم الذمام وانتضى للدفاع عن حوزة الدين حسامًا يقر بمضايه صدر الحسام فأعلن تجديده بشد أزر الملك ومناصحة الإسلام وأعرب عن الاعتناء الذي لا تخلق جديده أيد الليالي والأيام‏.‏
أمر به الأمير عبد الله محمد ابن أمير المسلمين أبي الحجاج ابن أمير المسلمين أبي الوليد بن نصر أيد الله أمره وأعز نصره لوليه الذي هو عماد سلطانه وواحد خلصائه وسيف جهاده ورأس أولي الدفاع عن بلاده وعقد ملكه ووسطي سلكه الشيخ الجليل الكبير الشهير الأعز الأسنى الصدر الأسمى الأحفل الأسعد الأطهر الأظهر الكذا أبي زكريا ابن الشيخ الكذا أبي علي ابن الشيخ الكذا أبي زيد رحو بن عبدالله ابن عبد الحق زاد الله قدره علوًا ومجده سموًا وجهاده ثناءً متلوًا‏.‏
لما كان محله من مقامه المحل الذي تتقاصر عنه أبصار الأطماع فترتد حاسرة وكان للدولة يدًا باطشة ومقلة باصرة فهو ملاك أمورها واردةً أو صادرةً وسيف جهادها الذي أصبحت بمضائه ظافرة وعلى أعدائها ظاهرة وكان له الصيت البعيد والذكر الحميد والرأي السديد والحسب الذي يليق به التمجيد والقدر الذي سما منه الجيد وعرفه القريب والبعيد والجهاد الذي صدق به في قواعده الاجتهاد والتقليد فإن أقام جيشًا أبعد غارته وإن دبر أمرًا أحكم إدارته مستظهرًا بالجلال الذي لبس شارته‏.‏
فهو واحد الزمان والعدة الرفيعة من عدد الإيمان ومن له بذاته وسلفه علو الشأن وسمو المكان والحسب الوثيق البنيان ولبيته الكريم بيت بني رحو السابقة في ولاية الأوطان‏.‏
والمدافعة عن حوزة الملك وحمى السلطان‏.‏
إن فوخروا صدعوا بالمكارم المعلومة ومتوا إلى ملك المغرب ببنوة العمومة وتزينوا من حلي الغرب بالتيجان المنظومة‏.‏
فهم سيوف الدين وأبطال الميادين وأسود العرين ونجوم سماء بني مرين‏.‏
وكان سلفه الكريم رضي الله عنه يستضيء من رأيه بالشهاب الثاقب ويحله من بساط تقريبه أعلى المراتب ويستوضح ببركته جميع المذاهب‏.‏
ويستظهر بصدق دفاعه على جهاد العدو الكاذب ويرى أنه عز دولته وسيف صولته وذخيرة فخره وسياج أمره‏.‏
جدد له هذا الرتب تجديدًا صير الغاية منها ابتداءً واستأنف به إعلاءً ولم يدخر عنه حظوة ولا اعتناءً‏.‏
وحين صير الله إليه ملك المولى أبيه بمظاهرته وقلده قلادة الملك بأصيل اجتهاده وحميد سعيه بعد أن سبق الألوف إلى الأخذ بثاره وعاجلت البطشة الكبرى يد ابتداره وأردى بنفسه الشقي الذي سعى في تبديد شمل الإسلام وإطفاء أنواره على تعدد الملك يومئذ وتوفر أنصاره‏.‏
فاستقر الملك في قراره وانسحب الستر على محله وامتد ظل الحفظ على داره‏.‏
عرف وسيلة من المقام الذي قامه والوفاء الذي رفع أعلامه وألقى إليه في أهم الأمور بالمقاليد وألزمه ملازمة الحضور بمجلسه السعيد وشديد الاغتباط على قربه مستنجحًا منه بالرأي السديد ومستندًا من وده إلى الركن الشديد وأقامه بهذه الجزيرة الأندلسية عماد قومه فهو فيهم يعسوب الكتيبة ووسطى العقد الفريد وفذلكة الحساب وبيت القصيد فدواره منهم للشريد مأوى الطارف والتليد الكفيل بالحسنى والمزيد‏.‏
يقف ببابه أمراؤهم وتنعقد في مجلسه آراؤهم ويركض خلفه كبراؤهم‏.‏
مجددًا من ذلك ما عقده سلفه من تقديمه وأوجبه مزية حديثه وقديمه‏.‏
فهو شيخ الغزاة على اختلاف قبايلهم وتشعب وسايلهم تتفاضل درجات القبول عليهم بتعريفه وتشرف أقدارهم لديه بتشريفه وتثبت واجباتهم بتقديره وينالهم المزيد بتحقيقه للغناء منهم وتقريره فهو بعده أيده الله قبلة آمالهم‏.‏
وميزان أعمالهم والأفق الذي يصوب من سحاب قطره غمام نوالهم واليد التي تستمنح عادة أطمعتهم وأموالهم‏.‏
فليتول ذلك عظيم القدر منشرح الصدر حالًا من دائرة جمعهم محل القلب من الصدر متألقًا في هالتها تألق البدر صادعًا بينهم باللغات الزناتية التي تدل على الأصالة العريقة والنجار الحر‏.‏
وهو إن شاء الله الحسام الذي لا ينبه على الضريبة ولا يزيده حسنًا جلب الحلي العجيبة حتى يشكر الله والمسلمون اغتباط مقامه بمثله ويزري بره به على من أسر بره من قفبله ويجني الملك ثمرة تقريبه من محله‏.‏
ومن وقف على الظهير الكريم من الغزاة آساد الكفاح ومتقلدي السيوف ومعتلقي الرماح كماة الهيجاء وحماة البطاح حيث كانوا من موسطة أو ثغر ومن أقيم في رسم من الجهاد أو أمر أن يعلموا قدر هذه الغاية المشرقة واليد المطلقة والحظوة المتألقة فتكون أيديهم فيما قلدوه ردًا ليده وعزايمهم متوجهة إلى مقصده‏.‏
فقصده فقدره فوق الأقدار وأمره الذي ناب أمره مقابل الابتدار على توالي الأيام وتعاقب الأعصار‏.‏
وكتب في كذا‏.‏
مولده ولد بظاهر تلمسان عند لحاق أبيه رحمه الله بسلطانها عام أحد وتسعين ‏)‏وستماية‏(‏ تلقيته من لفظه‏.‏
ومن المستدرك‏:‏ وتمادت ولايته إلى الأوايل من شهر رمضان عام اثنين وستين وسبعماية‏.‏
فلما تصيرت إلى قدار ناقتها محمد بن إسمعيل ابن نصر عزله وهم به فغربه إلى بلد الروم فرارًا أرق به البسالة والصبر وتبعه الجيش فأصيب بجراحة ورد من صامته وجلى عن نفسه فتخلصه عزمه ومضاؤه واستقر عند طاغية الروم فأولاه من الجميل ما يفوت الوصف واجتاز العدوة فعرف بها حقه وعادت رتبة هذا الرجل بعد أن رد الله على سلطانها ملكه إلى أحسن أحوالها من الجاه والحظوة وانطلاق اليد‏.‏
والسلطان مع ذلك منطوٍ له على الضعن لأمور منها غمس اليد في أمر عمه وقعوده عنه وهو أحوج ما كان لنصره وانزحاله عنه في الشدة عندما جمعه المنزل الخشن فسحب عليه أذيال النكبة لابنه عثمن مترفي مرقب الظهور في عودته والمستأثر بجواره والمحكم في أمره فتقبض عليهما وعلى من لهما محالفًا للوقت فيهما إذ كان متوفرًا على الحلم لحدثان العودة وجدة الإيالة صبيحة يوم الإثنين لثالث عشر لرمضان عام أربعة وستين وسبعماية‏.‏
فأحاط بهم الرجال لهذا السلطان والتقطوا من بين قبيلتهم ودهمهم الرجال آخذين بحجزهم وايديهم إلى دور الثقاف‏.‏
ثم أركبوا الأداهم وانتقلوا إلى بعض الأطباق المتفرقة بقصبة المنكب واقتضى نظر السلطان جلاء المترجم به وأولاده من مرسى المنكب ونقل ولده الأكبر إلى ألمرية حسبما مر في اسمه فلينظر هنالك واستقر إلى هذا العهد بعد قفوله من الحج بمدينة فاس فلقي بها برًا وعناية ولحق ولداه بالأندلس وهما بها تحت جراية وولاية يوسف بن هلال صهر الأمير أبي عبد الله بن سعد‏.‏
حاله كان شجاعًا حازمًا أحظاه الأمير المذكور وصاهره وجعل لنظره حسن مطرنيش ومواضع كثيرة‏.‏
وفسدت طاعته إياه فقبض عليه ونكبه وعذبه واستخلص ما كان لنظره وتركه‏.‏
فأعمل الحيلة ولحق بمورتلة فثار بها وعاقد صاحب برجلونة على تصيير ما يملكه إليه‏.‏
فأعانه بجيش من النصارى ولم يزل يضرب ويوالي الضرب على بلنسية ويشجي أهلها وتملك الصخرة والصخيرة وغيرهما‏.‏
واتفق أن خيلًا جهزها ابن سعد للضرب عليه عثرت بجملته متوجهًا إلى شنت بيطر فقبض عليه وقيد أسيرًا فنهض به للحين إلى مورتلة وطلبه بإخلائها فأبى فأمر ابن مردنيش بإخراج عينه اليمنى فأخرجت بعود‏.‏
ثم قرب من الحصن وطلبه بإخلائها فدعا بزوجه وطلبها بإخلاء الحصن وإلا فتخرج عينه الأخرى فحمل على التكذيب ولم يجبه أحد فأخرجت للحين عينه الأخرى وسيق إلى شاطبة فبقي إلى أن مات سنة ثلاث وأربعين وستماية‏.‏
ودخل غرناطة وباشر منازلتها مع الأمير صهره فاستحق الذكر لذلك‏.‏
من القضاة الأصليين وغيرهم يحيى بن عبيد الله بن يحيى بن كثير بن وسلاسن بن سمال بن مهايا المصمودي أوليته وحاله دخل أبو عيسى يحيى بن كثير الأندلس مع طارق بن زياد وقيل له الليثي لأنه أسلم على يد رجل اسمه يزيد بن عامر الليثي فنسب إليه وقيل إنهم نزلوا بنزل الليث فنسبوا إليه يكنى يحيى هذا ابا عيسى‏.‏
وكان جليل القدر عالي الدرجة في القضاء ولي قضاء إلبيرة وبجانة مدة وولي قضاء جيان وطليطلة ثم عزل عن طليطلة وأضيفت إليه كورة إلبيرة مع جيان‏.‏
ثم استعفى عن جيان وبقي يلي قضاء إلبيرة وكان لا يرى القنوت في الصلات ولا يقنت في مسجده البتة‏.‏
مشيخته روى عن أبي الحسن النحاس وسمع الموطأ من حديث الليث وغيره من عم ابيه عبيد الله بن مولده في ذي القعدة سنة سبع وثمانين ومايتين‏.‏
وفاته توفي ليلة الثلاثاء بعد صلاة العشاء ودفن يوم الثلاثاء بعد العصر لثمان خلت من رجب عام سبعة وستين وثلاثمائة‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:51 AM

يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن ربيع الأشعري يكنى أبا عامر‏.‏
حاله العالم الجليل المحدث الحافظ واحد عصره وفريد دهره‏.‏
كان رحمه الله علمًا من أعلام الأندلس ناصرًا لأهل السنة رادعًا لأهل الأهواء متكلمًا دقيق النظر سديد البحث سهل المناظرة شديد التواضع كثير الإنصاف مع هيبة ووقار وسكينة ولي قضاء الجماعة بقرطبة ثم بغرناطة وأقرأ بغرناطة لأكابر علمائها ونبهائها الحديث والأصلين وغير ذلك بالمسجد الجامع مشيخته حدث عن والده العالم المحدث أبي الحسين عبد الرحمن بن أحمد ابن ربيع وعن الشيخ الأستاذ الخطيب أبي جعفر أحمد بن يحيى الحميري وعن الراوية المحدث أبي القاسم خلف بن عبد الملك بن بشكوال وعن الحافظ المسن أبي بكر بن محمد بن عبد الله بن يحيى بن الجد الفهري والقاضي أبي عبد الله محمد بن سعيد بن زرقون والزاهد الورع أبي الحجاج يوسف بن محمد البلوي المالقي عرف بابن الشيخ وأبي زكريا يحيى بن عبد الرحمن بن عبد المنعم الإصبهاني الواعظ والفقيه القاضي أبي محمد عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الخزرجي‏.‏
وفاته بمالقة سنة سبع وثلاثين وستماية‏.‏
يحيى بن عبد الله بن يحيى بن زكريا الأنصاري أوليته تقدمت في اسم عمه أبي إسحق فلينظر هنالك‏.‏
من أهل العدالة والزكا والسلف في الخطط الشرعية سكون متفنن في العلوم الشرعية من فقه وأحكام وله التقدم في الوقت في علم الفرايض والحساب‏.‏
حبس على الزاوية التي اتخذتها بالحضرة موضوعات في ذلك الغرض نبيهة لم يقصر فيها عن الإجادة وتولى قضاء مواضع من الأندلس ثم استعمل في النيابة عن قاضي الحضرة العلية وهو الآن قاض بمدينة وادي آش وخطيب بمسجدها الأعظم تنتابه الطلبة للأخذ عنه والقراءة عليه‏.‏
مشيخته روى مع الجملة ممن هو في نمطه والأخذ بالإجازة عن الشيخ الأستاذ الصالح أبي إسحق بن أبي العاصي والخطيب أبي علي القرشي وعن الفقيه الخطيب أبي عبد الله البياني وعن الأستاذ شيخ الجماعة أبي عبد الله ابن الفخار وأخذ عن والده وعمه أبي إسحق‏.‏
وأجازه الشيخ القاضي الخطيب أبو البركات بن الحاج والخطيب الصالح أبو محمد بن سلمون والكاتب الجليل أبو بكر بن شبرين ورييس الكتاب أبو الحسن ابن الجياب وقاضي الجماعة أبو القاسم الشريف والخطيب أبو عبد الله القرشي وهو الآن بالحال المذكورة‏.‏
ابن الأحوص يكنى أبا المجد ويعرف بابن الأحوص‏.‏
حاله كان من أهل العلم والعدالة والنزاهة‏.‏
ولي كثيرًا من القواعد فظهر من قصده الحق وتحريه سبيل الصواب ما يؤثر عن الجلة‏.‏
مشيخته قرأ على والده وروى عنه واستدعي له بالإجازة من أعلام زمانه فأجازه الراوية أبو يحيى بن الفرس وابو عمر بن حوط الله وأبو القاسم ابن ربيع وأبو جعفر أحمد بن عروس العقيلي وأبو الوليد العطار والخطيب أبو إسحق الأوسي القرطبي والقاضي أبو الخطاب بن خليل وأبو جعفر الطباع وغيرهم‏.‏
قال القاضي أبو المجد شيخنا رحمه الله أنشدني أبو علي الحسن قال أنشدني الخطيب أبو الربيع بن سالم قال أنشدنا أبو عمرو السفاقي قال أنشدنا أبو نعيم الحافظ قال أنشدنا عبد الله بن جعفر الجابري قال أنشدنا ابن المعتز‏:‏ ألم تر أن الدهر يومٌ وليلةٌ يكران من سبت عليك إلى سبت وبالسند المذكور إلى أبي الربيع بن سالم قال أنشدنا أبو محمد عبد الحق ابن عبد الملك بن بونه قال أنشدنا أبو بكر غالب بن عطية الحافظ لنفسه‏:‏ جفوت أناسًا كنت إلف وصلهم وما بالجفا عند الضرورة من ناس بلوت فلم أحمد فأصبحت يائسًا ولا شيىء أشفى للنفوس من اليأس فلا تعذلوني في انقباضي فإنني وجدت جميع الشر في خلطة الناس وفاته في اليوم التاسع عشر من شهر رجب الفرد عام خمسة وسبعماية‏.‏
يوسف بن موسى بن سليمن بن فتح بن أحمد بن أحمد الجذامي المنتشافري من أهل رندة يكنى أبا الحجاج حاله هذا الرجل حسن اللقاء طرفٌ في التخلق والدماثة وحسن العشرة أديب ذاكر للأخبار طلعةٌ يكتب ويشعر سيال الطبع معينه‏.‏
ولي القضاء ببلده رندة ثم بمربلة‏.‏
وورد غرناطة في وجرى ذكره في التاج المحلى مما نصه‏:‏ حسنة الدهر الكثير العيوب وتوبة الزمان الجم الذنوب ماشيت من بشرٍ يتألق وأدب تتعطر به النسمات وتتخلق ونفس كريمة الشمايل والضرايب وقريحة يقذف بحرها بدور الغرايب إلى خشية لله تحول بين القلوب وقرارها وتثني النفوس عن اغترارها ولسان يبوح بأشواقه وجفن يسخو بدرر آماقه وحرص على لقاء كل ذي علم وأدب وممن يمت إلى أهل الديانة والعبادة بسبب‏.‏
سبق بقطره الحلبة وفرع من الأدب الهضبة ورفع الراية وبلغ في الإحسان الغاية فطارت قصايده كل المطار وتغنى بها راكب الفلك وحادي القطار‏.‏
وتقلد خطة القضاء ببلده وانتهت إليه رياسة الأحكام بين أهله وولده فوضحت المذاهب بفضل مذهبه وحسن مقصده‏.‏
وله شيمةٌ في الوفا تعلم منها الآس ومؤانسة عذبة لا تستطيعها الأكواس‏.‏
وقد أثبت من كلامه ما تتحلى به ترايب المهارق ويجعل طيبه فوق المفارق‏.‏
وكنت أتشوق إلى لقايه فلقيته بالمحلة من ظاهر جبل الفتح لقيا لم تبل صدًا ولا شفت كمدًا وتعذر بعد ذلك لقاؤه فخاطبته بقولي‏:‏ حمدت على فرط المشقة رحلة أتاحت لعيني اجتلاء محياكا وقد كنت في التذكار بالبعد قانعًا وبالريح إن هبت بعاطر رياكا فجلت لي النعمى بما أنعمت به علي فحياها الإله وحياكا أيها الصدر الذي بمخاطبته يبأى ويتشرف والعلم الذي بالإضافة إليه يتعرف والروض الذي لم يزل على البعد بأزهاره الغضة يتحف‏.‏
دمت تتزاحم على موارد ثنائك الألسن وتروى للرواة ما يصح من أنبايك ويحسن طالما مالت إليك النفوس منا وجنحت وزجرت الطائر الميمون من رقاعك كلما سنحت‏.‏
فالآن اتضح البيان وصدق الأثر العيان‏.‏
ولقد كنا للمقام بهذه الرحال نرتمض ويجن الظلام فلا نغتمض هذا يقلقله إصفار كيسه وذا يتوجع لبعد أنيسه وهذا تروعه الأهوال وتضجره بتقلباتها الأحوال‏.‏
فمن أنة لا تنفع وشكوى إلى الله تعالى ترفع‏.‏
فلما ورد بقدومك البشير وأشار إلى ثنية طلوعك المشير تشوفت النفوس الصدية إلى جلايها وصقالها والعقول إلى حل عقالها والألسن المعجمة إلى فصل مقالها‏.‏
ثم إن الدهر راجع التفاته واستدرك ما فاته فلم يسمح من لقايك إلا بلمحة ولا بعث من نسيم روضك بغير نفحة‏.‏
فما زاد أن هيج الأشواق فالتهبت وشن غاراتها على الجوانح فانتبهت وأعل القلوب وأمرضها ورمى ثغرة الصبر فأصاب غرضها‏.‏
فإن رأيت أن تنفس عن نفسٍ شد الشوق مخنقها وكدر مشارب أنسها وأذهب رونقها وتتحف من من آدابك بدرر تقتنى وروضة طيبة الجنى فليست ببدع في شيمك ولا شاذة في باب كرمك‏.‏
ولولا شاغل لا يبرح وعوائق أكثرها لا يشرح لنافست هذه السحاءة في القدوم عليك والمثول بين يديك فتشوفي إلى اجتلاء أنوارك حباك فؤادي نيل بشرى وأحياكا وحيد بآدابٍ نفايس حياكا بدايع أبداها بديع زمانه فطاب بها يا عاطر الروض رياكا أمهديها أودعت قلبي علاقةً وإن لم يزل مغزىً قديمًا بعلياكا إذا ما أشار العصر نحو فرنده فإياك أعني بالإشارة إياكا لا تحفني لقياك أسمى مؤملي وهل تحفةٌ في الدهر إلا بلقياكا وأعقبت إتحافي فرايدك التي وجوب ثناها يا لساني أعياكا خصصتني أيها الحبر المخصوص بمآثر أعيا عدها وحصرها ومكارم طيب أرواح الأزاهر عطرها وسارت الركبان بثنايها وشملت الخواطر محبة علائها بفرايدك الأنيقة وفوايدك المزرية جمالًا على أزهار الحديقة ومعارفك التي زكت حقًا وحقيقة‏.‏
وهدت الضال عن سبيل الأدب مهيعه وطريقه وسبق تحفتك عندي أعلى التحف وهو مأمول لقائك والتمتع بالتماح سناك الباهر وسنائك على حين امتدت لذلك اللقاء أشواقي وعظم من فوت استنارتي بنور محياك إشفاقي وتردد لهجي بما يبلغني من معاليك ومعانيك وما شاده فكرك الوقاد من مبانيك وما أهلت به بلاغتك من دارسه وما أضفت على الزمان من رايق ملابسه وما جمعت من أشتاتهه وأحيت من أمواته وأيقظت من سناته وما جاد به الزمان من حسناته‏.‏
فلترداد هذه المحاسن من أنيابك وتصرف الألسنة بثنايك علقت النفس من هواها بأشد علاقة وجنحت إلى لقايك جنوح والهة مشتاقة والحوادث الجارية تصرفها والعوايق الحادثة كلما عطفت بأملها إليه لا تتحفها به ولا تعطفها إلى أن ساعد الوقت واسعد البخت بلقياكم هذه السفرة الجهادية وجاد إسعاف الإسعاد من أمنيتي بأسنى هدية فلقيتكم لقيا خجل ولمحت أنواركم لمحةً على وجل ومهجتي في محاسنكم الرائقة ومعاليكم الفائقة على ما يعلمه ربنا عز وجل‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:52 AM

وتذكرت عند لقايكم المأمول إنشاء قائل يقول‏:‏ كانت محادثة الركبان تخبر عن محمد بن خطيب بأطيب الخبر حتى التقينا فلا والله ما سمعت أذني بأحسن مما قد رأى بصري قسمًا لعمري أقوله وأعتقده وأعتده وأعتمده فلقد بهرت منك المحاسن وفقت من يحاسن وقصر عن شأوك كل بليغ لسن وسبقت فطنتك النارية النورية بلاغة كل فطن وشهد لك الزمن أنك وحيده ورئيس عصبته الأدبية وفريده‏.‏
فبورك لك فيما أنلت من الفضايل وأوتيت من آيات المعارف التي بها نور الغزالة هايل ولا زلت مرقى في مراتب المعالي موقى صروف الأيام والليالي‏.‏
ومن شعره يمدح الجهة النبوية مصدرًا بالنسيب لبسط الخواطر النفسانية‏:‏ متلهفٌ وفؤاده متلهب كيف البقاء مع احتدام حريقه متموج بحر الدموع بنجده أنى خلاص يرتجى لغريقه متجرع صاب النوى من هاجرٍ ما إن يحن للاعجات مشوقه يسبي الخواطر حسنه ببديعه يصبي النفوس جماله بأنيقه قيد النواظر إذ يلوح لرامقٍ لا تنشى الأحداق عن تحديقه للبدر لمحته كبشر ضيائه للمسك نفحته كنشر فتيقه سكرت خواطر لامحيه كأنهم شربوا من الصبا كأس رحيقه عطشوا لثغر لا سبيل لريقه إلا كلمحهم للمع بريقه ما ضر مولىً عاشقوه عبيده لو رق إشفاقًا لحال رقيقه عنهه اصطباري ما أنا بمطيعه مثل السلو ولا أنا بمطيقه سجع الحمام يشوق ترجيع الهوى فأثار شجو مشوقه بمشوقه وبكت هديلًا راعها تفريقه ويحق أن يبكي أخو تفريقه حسبي ندامة آسف مما جنى يصل النشيج لوزره بشهيقه ويرم ما خرم الهوى زمن الصبا ويروم من مولاه رتق فتوقه ويردد الشكوى لديه تذللًا عل الرضا يحبيه درك لحوقه فيصح من سكر التصابي صحوه نسخًا لحكم صبوحه بغبوقه لو كنت يممت التقى وصحبته وسلكت إيثارًا سواء طريقه لأفدت منه فوائدًا وفرائدًا عرضت تسام لرإبح في سوقه لله أرباب القلوب فإنهم من حزب من نال الرضا وفريقه قاموا وقد نام الأنام فنورهم هتك الدجا بضيائه وشروقه وتأنسوا بحبيبهم فلهم به بشرٌ لصدق الفضل في تحقيقه قصرت عنهم عندما سبقوا المدى ولسابق فضل على مسبوقه لولا رجاء تلمحي من نورهم يحيى الفؤاد بسيره وطروقه وتأرجٌ يستاف من أرواحهم سبب انتعاش الروح طيب خلوقه أسمى الورى في منصب وبمنسب من هاشم زاكي النجار عريقه الحق أظهره عقيب خفائه والدين نظمه لدى تفريقه ونفى هداه ضلالةً من جائرٍ مستوثق بنعوته ولعوقه سبحان مرسله إلينا رحمة يهدى ويهدي الفضل من توفيقه والمعجزات بدت بصدق رسوله وحقيقه بالمأثرات خليقه كالظبي في تكليمه والجذع في تحنينه والبدر في تشقيقه والنار إذ خمدت بنور ولاده وأجاج ماءٍ قد حلا من ريقه والزاد قل فزاد من بركاته فكفى الجيوش بتمره وسويقه ونبوع ماء الكف من آياته وسلام أحجار غدت بطريقه والنخل لما أن دعاه مشى له ذا سرعة بعروقه وعذوقه والأرض عاينها وقد زويت له فقريب ما فيها رأى كسحيقه وكذا ذراع الشاة قد نطقت له نطق اللسان فصيحه وذليقه حاز السناء وناله بعروجه جاز السماء طباقها بخروقه ولكم له من آية من ربه ورعاية وعناية بحقوقه يا خيرة الأرسال عند إلهه يا محرز العليا على مخلوقه علقت آمالي بجاهك عدة والقصد ليس يخيب في تعليقه ووثقت من حبل اعتمادي عمدة لتمسكي بقويه ووثيقه ولئن غدوت أخيذ ذنبي إنني أرجو بقصدك أن أرى كطليقه وكساد سوقي مذ لجأت إلى بابكم يقضي حصول نفوذه ونفوقه ويحن قلبي وهو في تغريبه لمزاره لرياك في تشريقه وتزيد لوعته متى حث السرى حاد حدًا بجماله وبنوقه وأرى قشيب العمر أمسى باليًا ومرور دهري جد في تمزيقه وأخاف أن أقضي ولم أقض المنى بنفوذ سهم منيتي ومروقه فمتى أحط على اللوى رحلي وقد بلغت ركابي للحمي وعقيقه وتحية التسليم أبلغ شافعي وثنا المديح حديثه وعتيقه ولذي الفخار وذي العلى ووزيره صديقه وأخي الهدى فاروقه مني السلام عليهم كالزهر في تأليفها والزهر في تأليفه قال وكتب بذلك إلي في جملة من شعره‏:‏ هواكم بقلبي لأحكامه نسخ ومن أجله جفني بمدمعه يسخ ومن نشأتي ما إن صحت منه نشوتي سواءٌ به عصر المشيب أو الشرخ عليه حياتي مذ تمادت وميتتي وبعثي إذا بالصور يتفق النفخ ولي خلدٌ أضحى قنيص غرامه ولا شركٌ يدني إليه ولا فخ قتلت سلوى حين أحييت لوعتي وما اجتيح بالإقرار في حالتي لطخ وناصح كتمي إذ زكت ببيناته يجول عليه من دموع الأسى نضخ وأرجو بتحقيق هواكم بأن أفي فعهدٌ ولا نقصٌ وعقدٌ ولا فسخ وما الحب إلا ما استقل ثبوته لمبناه رصٌّ في الجوانح أو رسخ يدي بأياديكم وقلبي شاغل فمن فكرتي نسجٌ ومن أنملي نسخ ومن شعره أيضًا قوله في غرض يظهر منه‏:‏ إليك تحن النجب والنجباء فهم وهي في أشواقهم شركاء تخب بركاب تحب وصولها لأرض بها بادٍ سنى وسناء فأنفاسها ما أن تنى صعداؤها وأنفاسهم من فوقها سعداء هموا عالجوا إذ عجل السير داءهم وأشباه مثلي مدنفون بطاء فعدت ودوني للحبيب ترحلوا وما قاعد والراحلون سواء له وعليه حب قلبي وأدمعي وقد صح لي حبٌّ وسح بكاء بطيبة هل أرضى وتبدو سماؤها وإن تك أرضًا فالحبيب سماء شذا نفحها واللمح منها كأنه ذكاء عبير والضياء ذكاء فيا حاديًا غنى وللركب حاديًا غناني بعد البعد عنك عناء بسلع فسل عما أقاسي من الهوى وسل بقباءٍ إذ يلوح قباء ومن المقطوعات قوله‏:‏ أدب الفتى في أن يرى متيقظًا لأوامرٍ من ربه ونواه فإذا تمسك بالهوى يهوى به والحبل منه لمن تيقن واه ومن ذلك‏:‏ يا من بدنياه ظل في لججج حقق بأن النجاة في الشاط تطمع في إرثك الفلاح وقد أضعت ما قبله من أشراط كن حذرًا في الذي طمعت به من حجب نقص وحجب إسقاط وقال‏:‏ ترى شعروا أني غبطت نسيمةً ذكت بتلاقي الروض غب الغمايم كما قابلت زهر الرياض وقبلت ثغور أقاحيه بلا لوم لايم وقال‏:‏ ورد المشيب مبيضًا بوروده ما كان من شعر الشبيبة حالكا يا ليته لو كان بيض بالتقى ما سورته مآثم من حالكا لوعة الحب في فؤادي تعاصت أن تداوى ولو أتى ألف راق كيف يبرأ من علة وعليها زائد علة النوى والفراق فانسكاب الدموع جارٍ فجارٍ والتهاب الضلوع راقٍ فراق نبذة من أخباره نقلت من خط صاحبنا الفقيه القاضي المؤرخ أبي الحسن بن الحسن قال حاكيًا عنه ومن غريب ما حدثني به قال كنت جالسًا بين أيدي الخطيب أبي القاسم التاكروني صبيحة يوم بمسجد مالقة الأعظم فقال لنا في أثناء حديثه رأيت البارحة في عالم النوم كأن أبا عبد الله الجلياني يأتيني ببيتي شعر في يده وهما‏:‏ كل علم يكون للمرء شغلًا بسوى الحق قادحٌ في رشاده فإذا كان لله فيه حظٌّ فهو مما يعده لمعاده قال فلم ينفصل المجلس حتى دخل علينا الفقيه الأديب أبو عبد الله الجلياني والبيتان عنده فعرضهما على الشيخ وأخبره أنه صنعهما البارحة فقال له كل من في المجلس أخبرنا بهذا الشيخ قبل مجيئك فكان هذا من العجائب وقد وقعت الإشارة لذلك في اسم الشيخ‏.‏
منقول من خطه في ثبتٍ أجاز فيه أولادي أسعدهم الله بعد خطابة بليغة‏.‏
قال فمن شيوخي الذين رويت عنهم‏.‏
واسترفدت البركة منهم الشيخ الخطيب الصالح المتفنن أبو محمد عبد الواحد بن أبي السداد الباهلي والشيخ الإمام أبو جعفر بن الزبير والشيخ الوزير المشاور أبو عبد الله بن أبي عامر بن ربيع والقاضي العدل أبو عبد الله محمد ابن علي بن محمد بن برطال والشيخ الخطيب الصالح أبو عبد الله الطنجالي‏.‏
والراوية المسن أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن الرندي الطنجي والمدرس الصالح أبو الحسن علي بن أحمد الإشبيلي بن شالة والخطيبان الأستاذان الحاجان أبو عبد الله محمد بن رشيد الفهري وأبو عثمن سعيد ابن إبراهيم بن عيسى الحميري والشيخ الصالح أبو الحسين عبد الله بن محمد بن محمد بن يوسف بن منظور والخطيب الصالح العلامة المصنف أبو جعفر بن الزيات والفقيه القاضي أبو جعفر ابن عبد الوهاب والشيخ الراوية المحدث أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن الكماد والخطيب أبو العباس أحمد بن محمد اللورقي والعدل أبو الحسن علي بن محمد الايي ابن مستقور والخطيب الصالح أبو العباس أحمد بن محمد بن خميس الجزيري والقاضي العدل الحاج أبو محمد عبد الله بن أبي أحمد بن زيد الغرناطي والشيخ الراوية الحاج الرحال الصوفي أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أمين الفارسي العجمي الأقشري والقاضي الحسيب أبو عبد الله محمد بن عياض بن محمد ابن عياض والقاضي أبو عبد الله بن عبد المهيمن الحضرمي والأستاذ أبو إسحق الغافقي والإمام أبو القاسمي بن الشاط والخطيب القاضي أبو عبد الله القرطبي والراوية أبو القاسم البلفيقي والمحدث أبو القاسم التجيبي والخطيب أبو عبد الله الغماري والإمام الكبير ناصر الدين المشدالي والفقيه الصوفي أبو عبد الله محمد بن محمد الباهلي عرف بالمسفر من أهل بجاية وقاضي القضاة بتونس أبو إسحق بن عبد الرفيع والعلامة أبو عبد الله بن راشد والخطيب أبو عبد الله بن عزمون والعلامة الخطيب أبو محمد عبد الواحد بن منظور بن محمد بن المنير الجذامي‏.‏

أرب جمـال 27 - 11 - 2009 08:53 AM

قال وكلهم أجازني عامة ما يرويه وكان ممن لقيته وقرأت عليه إلا المدرس أبا الحسن بن شالة فوقع لي شك في إجازته‏.‏
تواليفه قال ومما يسر الله تعالى فيه من التأليف كتاب ملاذ المستعيذ وعياذ المستعين في بعض خصائص سيد المرسلين في الأحاديث الأربعين المروية على آياتٍ من الذكر الحكيم والنور المبين‏.‏
وكتاب تخصيص القرب وتحصيل الأرب وقبول الرأي الرشيد في تخميس الوتريات النبويات لابن رشيد‏.‏
وانتشاق النسمات النجدية واتساق النزعات الجدية‏.‏
وغرر الأماني المسفرات في نظم المكفرات‏.‏
والنفحات الرندية واللمحات الزندية وهو مجموع شعري‏.‏
وحقائق بركات المنام في مرأى المصطفى خير الأنام‏.‏
والاستشفاء بالعدة والاستشعاع بالعمدة في تخميس القصيدة النبوية المسماة بالبردة‏.‏
وتوجع الراثي في تنوع المراثي‏.‏
واعتلاق المسايل بأفضل الوسايل‏.‏
ولمح البهيج ونفح الأريج في ترجيز ما لولي الله أبي مدين شعيب بن الحسين الأنصاري رضي الله عنه من عبارات حكمة وإشارات صوفية‏.‏
وتجريد رؤوس مسائل البيان والتحصيل لتيسير البلوغ لمطالعتها والتوصيل‏.‏
وفهرسة روايتي‏.‏
ورجز في ذكر مشيخة شيخنا الراوية أبي عمر الطنجي رحمه الله وإسناده‏.‏
قال ومما كنت شرعت فيه ولم يتفق تمامه كتاب سميته عواطف الأعتاب في لطايف أسباب المتاب‏.‏
ومما بيدي الآن جمعه وهو إن شاء الله على التمام أربعون حديثًا متصلة الإسناد أول حديث منها في الخوف في مزج الخوف والرجاء‏.‏
والله يصفح عنا ويغفر زلاتنا وأن لا يجعل ما نتولاه من ذلك حجة علينا وأن نكون ممن منح مقولًا ومنع معقولًا ويختم لنا بخواتم السعداء من عباده وممن وفق وهدى إلى سبيل رشاده‏.‏
وفاته كان حيًا عام أحد وستين وسبعماية‏.‏
من المقربين يحيى بن أحمد بن هذيل التجيبي يكنى أبا زكريا شيخنا أبو زكريا بن هذيل رحمه الله أرجدوني الأصل ينسب إلى سلفه أملاك ومعاهد كولابج هذيل مما يدل على أصالة‏.‏
حاله كان آخر حملة الفنون العقلية بالأندلس وخاتمة العلماء بها من طب وهندسة وهيئة وحساب وأصول وأدب إلى إمتاع المحاضرة وحسن المجالسة وعموم الفائدة وحسن العهد وسلامة الصدر وحفظ الغيب والبراءة من التصنع والسمت مؤثرًا للخمول غير مبال بالناس مشغولًا بخاصة نفسه‏.‏
خدم أخيرًا باب السلطان بصناعة الطب وقعد بالمدرسة بغرناطة يقرىء الأصول والفرايض والطب‏.‏
عمن أخذ‏:‏ قرأ على جملة من شيوخ وقته كالأستاذ أبي عبد الله الأركشي وأبي زكريا القصري وجملة من الإسلاميين بالعدوة‏.‏
وقرأ كراسة الإمام فخر الدين الرازي المسراة بالآيات البينات على الأستاذ أبي القاسم بن جابر‏.‏
ونظر الأصول على الأستاذ النظار أبي القاسم بن الشاط وأخذ الحساب عن أبي الحسن بن راشد‏.‏
والحساب والهندسة والأصول وكثيرًا من عمليات الحساب وجبره ومقابلته والنجوم على الأستاذ أبي عبد الله بن الرقام ولازمه كثيرًا‏.‏
تواليفه وله تصانيف وأوضاع منها ديوان شعره المسمى بالسليمانيات والعربيات وتنشيط الكسل‏.‏
ومنها شرحه لكراسة الفخر وهو غريب المأخذ جمع فيه بين طريقتي القدماء والمتأخرين من المنطقيين‏.‏
وكتابه المسمى بالاختيار والاعتبار في الطب‏.‏
وكتابه المسمى بالتذكرة في الطب‏.‏
شعره وجرى ذكره في التاج المحلى بما نصه‏:‏ درة بين الناس مغفلة وخزانة على كل فائدة مقفلة وهدية من الدهر الضنين لبنيه محتفلة‏.‏
أبدع من رتب التعاليم وعلمها وركض في الألواح قلمها وأتقن من صور الهيئة ومثلها وأسس قواعد البراهين وأثلها وأعرف من زاول شكاية ودفع عن جسم نكاية إلى غير ذلك من المشاركة في العلوم والوصول من المجهول إلى المعلوم والمحاضرة المستفزة للحلوم والدعابة التي ما خلع العذار فيها بالملوم فماشيت من نفسٍ عذبة الشيم وأخلاق كالزهر من بعد الديم ومحاضرة تتحف المجالس والمحاضر ومد كره يروق النواظر زهرها الناضر‏.‏
وله أدب ذهب في الإجادة كل مذهب وارتدى من البلاغة بكل رداءٍ مذهب والأدب نقطة من حوضه وزهرة من زهرات روضه وسيمر له في هذا الديوان ما يبهر العقول ويحاسن بروائه ورائق بهائه الفرند المصقول‏.‏
فمن ذلك ما خرجته من ديوان شعره المسمى بالسليمانيات والعربيات من النسيب‏:‏ ألا أستودع الرحمن بدرًا مكملًا بفاس من الدرب الطويل مطالعه وفي فلك الأزرار يطلع سعده وفي أفق الأكباد تلفى مواقعه يصير مرآه منجم مقلتي فتصدق في قطع الرجاء قواطعه تجسم من نور الملاحة خده وماء الحيا فيه ترجرج مائعه تلون كالحرباء في خجلاته فيحمر قانيه ويبيض ناصعه إذا اهتز غنى حليه فوق نحره كغصن النقا غنت عليه سواجعه يذكر حتف الصب عامل قدره وتقطف من واو العذار توابعه أعد للورى سيفًا كسيف لحاظه فهذا هو الماضي وذاك يضارعه وصالك هذا أم تحية بارق وهجرك أم ليل السلم لتائق أناديك والأشواق تركض حجرها بصفحة خدي من دموع سوابق ابارق ثغر من عذيب رضابه قضت مهجتي بين العذيب وبارق ومنها‏:‏ فلا تتعبن ريح الصبا في رسالة ولا تخجل الطيف الذي هو طارق متى طعمت عيني الكرى بعد بعدكم فإني في دعوى الهوى غير صادق قوله أبارق ثغر من عذيب رضابه ينظر إلى قول ابن النبيه في ذلك‏:‏ يلوي على زرد العذار دلاله كم فتنة بين اللوى وزرود ومن قصيدة ثبتت في السليمانيات‏:‏ بدا بدر تم فوقه الليل عسعسا وجنة أنس في صباحٍ تنفسا حوى النجم قرطًا والدراري مقلدًا وأسبل من مسك الذوايب حندسا كأن سنا الإصباح رام يزورنا وخاف العيون الرامقات فغلسا أتى يحمل التوراة ظبيًا مزنرًا لطيف التثني أشنب الثغر ألعسا رويت ولوعي من ضلوعي مسلسلًا فأصبحت في علم الغرام مدرسا نفى النوم عني كي أكون مسهدًا فأصبحت في صيد الخيال مهندسا غزال من الفردوس تسقيه أدمعي ويأوي إلى قلبي مثيلًا ومكنسًا طغى ورد خديه بجنات صدغه فأضعفه بالآس نبتًا وما أسا قوله طغى ورد خديه البيت محال على معنى فلاحي إذ من أقوالهم أن الآس إذا اغترس بين شجر الورد أضعفته بالخاصية‏.‏
وقال أيضًا من قصيدة مهيارية‏:‏ نام طفل النبت في حجر النعامى لاهتزاز الطل في مهد الخزامى وسقى الوسمي أغصان النقا فهوت تلثم أفواه الندامى كحل الفجر لهم جفن الدجى وغدا في وجنة الصبح لثاما تحسب البدر محيًا ثمل قد سقته راحة الصبح مداما حوله الزهر كؤوس قد غدت مسكة الليل عليهن ختاما يا عليل الريح رفقًا علني أشف بالسقم الذي حزت سقاما كنت أشفي غلة من صدكم لو أذنتم لجفوني أن تناما واستفدت الروح من ريح الصبا لو أتت تحمل من سلمى سلاما نشأت للصب منها زفرة تسكب الدمع على الربع سجاما طرب البرق مع القلب بها وبها الأنات طارحن الحماما طللٌ لا تستشفي الأذن به وهو للعينين قد ألقى كلاما ترك الساكن لي من وصله ضمة الجدران لثمًا والتزاما نزعات من سليمان بها فهم القلب معانيها فهاما شادنٌ يرعى حشاشات الحشى حسب حظي منه أن أرعى الذماما وقال من قصيدة أولها في غرض النسيب‏:‏ أأرجو أمانًا واللحظ غادر ويثبت عقلي فيك والطرف ساحر أعد سليمان أليم عذابه لهدهد قلبي فهو للعين صائر أشاهد منه الحسن في كل نظرة وناظر أفكاري بمغناه ناظر وقد ينزع القلب المبلى لسلوة كما اهتز من قطر الغمامة طاير يقابل أغراضي بضد مرادها ولم يدر أن الضد للضد قاهر ونار اشتياقي صعدت مزن أدمعي فمضمر سري فوق خدي ظاهر وقد كنت باكي العين والبين غايب فقل لي كيف حال الدمع والبين حاضر وليس النوى بالطبع مرًا وإنما لكثرة ما شقت عليه المرائر ومنها في وصف ليلة‏:‏ وزنجية فات الكؤوس بنحرها قلايد ياقوت عليها الجواهر ولا عيب فيها غير أن ذبالها يقطب فتبدو الكؤوس سراير تجنبت فيها نيل كل صغيرة وقد غفرت فيها لدي الكبائر ومن السليمانيات من قصيدة‏:‏ يا بارقًا قاد الخيال فأومضا أقصد بطيفك مدنفًا قد غمضا ذاك الذي قد كنت تعهد نايمًا بالسهد من بعد الأحبة عوضا لا تحسبني معرضًا عن طيفه لكن منامي عن جفوني أعرضا خفيت لهم من سر صبري آية ما فهمت إلا سليمان الرضا لله درك ناهجًا سبل الهوى فلمثله أمر الهوى قد فوضا أمنت نملًا فوق خدك سارحًا وسللت سيفًا من جفونك منتضى ومن الأمداح قوله من قصيدة‏:‏ حريص على جر الذوايب والقنا إذا كعت الأبطال والجو عابس وتعتنق الأبطال لولا سقوطها لقلت لتوديعٍ أتته الفوارس إذا اختطفتهم كفه فسروجهم مجالٌ وهم في راحتيه فرائس وقال يمدح السلطان أمير المسلمين أبا الوليد نصر عند قدومه من فتح أشكر من قصيدة أولها‏:‏ بحيث البنود الحمر والأسد الورد كتائب سكان السماء لها جند وتحت لواء النصر ملك هو الورى تضيق به الدنيا إذا راح أو يغدو تأمنت الأرواح في ظل بنده كأن جناح الروح من فوقه بند فلو رام إدراك النجوم لنالها ولو هم لانقادت إليه السند والهند بعيني بحر النقع تحت أسنة تنمنمه وهنًا كما نمنم البرد وظنوا بأن الرعد والصعق في السما فحاق بهم من دونها الصعق والرعد عجائب أشكال سما هرمس بها مهندمة تأتي الجبال فتنهد إلا إنها الدنيا تريك عجايبًا وما في القوي منها فلا بد أن يبدو وكتب وهو معتقل بسبب عمل تولاه جحدرية أولها‏:‏ تباعد عني منزلٌ وحبيب وهاج اشتياقي والمزار قريب وإني على قرب الحبيب مع النوى يكاد إذا اشتد الأنين يجيب لقد بعدت عني ديارٌ قريبة عجبت لجار الجنب وهو غريب ومنها‏:‏ أعاشر قومًا ما تقر نفوسهم فللهم فيها عند ذاك ضروب إذا شعروا من جارهم بتأوه أجابته منهم زفرةٌ ونحيب فلا ذاك يشكوهم هذا تأسفًا لكل امرىءٍ مما دهاه نصيب كأني في غاب الليوث مسلمًا يروعني منها الغداة وثوب تحكم فينا الدهر والعقل حاضر بكل قياس والأديب أريب وتطمعنا منه بوارق خلب نقول عساه يرعوي ويتوب إذا ما تشبثنا بأذيال برده دهتنا إذا جر الذيول خطوب أدار علينا صولجانًا ولم يكن سوى أنه بالحادثات لعوب ومنها‏:‏ أيا دهر إني قد سئمت تهدفي أجرني فإن السهم منك مصيب إذا خفق البرق الطروق أجابه فؤادي ودمع المقلتين سكوب وإن طلع الكف الخضيب بسحره فدمعي بحناء الدماء خضيب تذكرني الأسحار دارًا ألفتها فيشتد حزني والحمام طروب إذا علقت نفسي بليت وربما تكاد تفيض أو تكاد تذوب دعوتك ربي والدعاء ضراعة وأنت تناجى بالدعا فتجيب لئن كان عقبى الصبر فوزًا وغبطة فإني على الصبر الجميل دروب وبعثت إليه هدية من البادية فقال يصف منها ديكًا وكتب بذلك رحمة الله عليه‏:‏ أيا صديقًا جعلته سندا فراح فيما أحبه وغدا قلت له آدم أتعرفه قال حفيدي بعصرنا ولدا نوحٌ وطوفانه رأيتهما قال علونا لفيضه أحدا فقلت هل لي بجرهم خبر فقال قومي وجيرتي السعدا فقلت قحطان هل مررت به قال نفثنا ببرده العقدا فقلت صف لي سبا وساكنها فعند هذا تنفس الصعدا وقال كم لي بدجنهم سحرا من صرخةٍ لي وللنوم هدا فقلت هاروت هل سمعت به فقال ريشي لسحره نفدا فقلت كسرى وآل شرعته فقال كنا بجيشه وفدا ولوا وصاروا وها أنا لبد فهل رأيتم من فوقهم أحدا ديكٌ إذا ما انثنى لفكرته رأى الوجود طرايقًا قددا يرفل في طيلسانه ولهًا قد صير الدهر لونه كمدا إذا دجا الليل غاب هيكله كأن حبرًا عليه قد جمدا كأن منجالتي ذؤابته قوسٌ سما من أجله بعدا وعوسج مد من مخالبه طغى بها في نقاره وعدا فذاك ديكٌ حلت محاسنه له صراخ بين الديوك غدا يطلبني بالذي فعلت به فكم فللنا بلبتيه مدا وجهته محنةٌ لآكله والله ما كان ذاك مني سدى ولم نزل بعد نستعدي عليه بإقراره بقتله ونطلبه بالقود عند تصرفه في العمل فيوجه الدية لنا في ذلك رسائل‏.‏
ومن شعره في غرض الحسن بن هانىء‏:‏ طرقنا ديور القوم وهنًا وتغليسًا وقد شرفوا الناسوت إذ عبدوا عيسى وقد رفعوا الإنجيل فوق رؤوسهم وقد قدسوا الروح المقدس تقديسا فما استيقظوا إلا لصكة بابهم فأدهش رهبانًا وروع قسيسا وقام بها البطريق يسعى ملبيًا وقد لين الناقوس رفقًا وتأنيسا فقلنا له آمنا فإنا عصابة أتينا لتثليث وإن شيت تسديسا فلما رأى زقي أمامي ومزهري دعاني أتأنيسًا لحنت وتلبيسا وقام إلى دن يفض ختامه فكبس أجرام الغياهب تكبيسا وطاف بها رطب البنان مزنر فأبصرت عبدًا صير الحر مرؤوسا سلافًا جواها القار لبسًا فخلتها مثالًا من الياقوت في الحبر مغموسا إلى أن سطا بالقوم سلطان نومهم ورأس قبيل الشمع نكس تنكيسا وثبت إليه بالعناق فقال لي بحق الهوى هب لي من الضم تنفيسا كتبت بدمع العين صفحة خده فطلس حبر الشعر كتبي تطليسا فبيس الذي احتلنا وكدنا عليهم وبيس الذي قد أضمروا قبل ذا بيسا فبتنا يرانا الله شر عصابة نطيع بعصيان الشريعة إبليسا وقال بديهة في غزالة من النحاس على بركة في محل طلب منه ذلك فيه‏:‏ عنت لنا من وحش وجرة ظبية جاءت لورد الماء مليء عنانها وأظنها إذا حددت آذانها ريعت بنا فتوقفت بمكانها وفاته فلج فالتزم المنزل عندي لمكان فضله ووجوب حقه وقد كانت زوجه توفيت وصحبه عليها وجدٌ شديد وحزنٌ ملازم فلما ثقل وقربت وفاته استدعاني وقد كان لسانه لا يبين القول وأملى علي فيما وصاني به من مهم أمره‏:‏ إذا مت فادفني حذاء حليلتي يخالط عظمي في التراب عظامها ولا تدفني في البقيع فإنني أريد إلى يوم الحساب التزامها ورتب ضريحي كيفما شاء الهوى تكون أمامي أو أكون أمامها لعل إله العرش يجبر صدعتي فيعلي مقامي عنده ومقامها وما في ليلة الخامس والعشرين من عام ثلاثة وخمسين وسبعماية ودفنته عصره بباب إلبيرة حذاء حليلته كما عهد رحمة الله عليه‏.‏
يحيى بن عبد الكريم الشنتوفي من أهل الجزيرة الخضراء‏.‏
كان كاتبًا ثرثارًا أديبًا لوذعيًا كثير النظم والنثر‏.‏
كتب عن أمير المسلمين أبي يوسف يعقوب وابنه أبي يعقوب واحتل معهم بظاهر غرناطة‏.‏
كتابته كتب عن المذكور عند نزوله غازيًا ومجاهدًا بظاهر شريش ما نصه‏:‏ أخونا الذي يسير بما يخلده بطون أوراق الدفاتر من مأثور حميد المآثر ويتلقى ما يرد عليه من قبلنا من منشور حزب البشاير بمعاشر القبايل والعشاير ويفوق ما قبسته المنن لأقلام وأفواه المحابر في مراقب مراقي المابر ويجمع لما وشته سحايب الخواطر من روضات السجلات في النوادي والمحاضر الأمير الكذا أدام الله اهتزازه للأنباء السارة وارتياحه ونعم بها أرواحه ووصل بكل أرجٍ من نسيم الجذل ومبهج من وسيم الأمل غدوه ورواحه وأحب به أرواحه‏.‏
سلام كريم عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏
من أخيكم الذي لا يتم بشره إلا بأخذكم منه بأوفى حظ وأوفر نصيب ومصافيكم الذي لا يكمل سروره وبجمل حبوره حتى يكون لكم فيه سهم مصيب ومرعى خصيب الأمير يوسف ابن أمير المسلمين وناصر الدين يوسف بن عبد الحق‏.‏
أما بعد حمد الله محق الحق بتصعيده فوق النجوم ومعليه ومبطل الباطل بتصريبه تحت النجوم ومدليه ومطهر الأرض من نجس دنس الكفر وأوليه ضربًا بالمرهفات صبرًا وطعنًا بالمشفعات دراكًا وجاعل بلاد الشرك الأسار عباد الإفك بما نظمهم من سلك الملك وبددهم من هتك الستر بالفتك والسفك حبائل لا يخرجون منها وأشراكًا وخاذل من زلت عن السور قدمه وخرجت من الدور ذممه بأن يراق دمه ويعدم وجوده وقدمه بلوغًا لأمان أماني الإيمان وإدراكًا والصلاة والسلام على سيدنا محمد ناظم فرايد الفرايد ومنضد عوايد المواعد بالظفر المنتظر بكل جاحد معاند قلايد لا تنتشر وأسلاكًا - وسالك مسالك الغزوات وناسك مناسك الخلوات ومدرك مدارك قبول الدعوات إفناءً لأعداء الله وإهلاكًا والرضا عن آله وصحبه المرتدين بمننه المهتدين بسننه في إباحة حرم الحرم وإزاحة ظلم الظلم حنادس وأحلاكًا القارعين بأسيافهم أصلاب كلاب الصلبان تباكا والقارعين أبواب ثواب الرحمن نساكًا وموالاة الدعاء لسيدنا ومولانا الوالد بتخليد السعد المساعد وإدراة الإرادة بعضد من النصر وساعد مقادير كما يشاء وأفلاكًا وممالآت آياته آيات هذه الرايات بإدراك نهايات الغايات في اشتباه أشياء ذوي الشايات فلا تذر في الأرض كفرًا ولا تدع فيها إشراكًا‏.‏
فكتبناه كتب الله لإخايكم الكريم أرفع الدرجات علًا وأتمها تعظيمًا وفضلكم مع القعود عن الشهود بالنية التي لها أكرم ورود وأصدق وفود أجرًا عظيمًا‏.‏
من منزلنا بمخنق شريش حيث الكتايب الهايلة هالة بدرها البادية الخسوف والحماة الكماة أكمام زهرها الداني القطوف وسوار معصمها النائي عن العصمة مجردات صفوف صنوف السيوف‏.‏
فالشفار بالأحداق كالأشفار بالأحداق إدارتها الطاقة بحيزومها نطاقا والفتح قد لاحت مخايله وباحت مقاوله والكفر فلت مناصله وعرفت مقاتله والمترف يتمنى أن يلقاه قاتله فلا يقاتله فرقًا لا يجدون له فراقًا فواقًا فحماتها العتاة لا يرون إلا سماء نقع الكفاح لمعًا متلاقيًا وائتلافًا وكماتها لا يشربون إلا من تحت دمهم المطهر بنجسه وجه الأرض المعدى به هريقه من فيح حثهم يوم العرض المودي بإراقته واجب الفرض إعدادًا لامتثال الأمر الإلهي واعتناقًا‏.‏
ومن هذا الكتاب وهو طويل‏:‏
ووصلنا والخيل تمرح في أعنتها تصلفًا وتختال في مشيها تغطرفًا وتعض على لجمها تحدقًا وتحرفًا كأنها لم ترم قصارى قصور النصارى دون تصور عنها أغراضًا وأهدافًا ودون معاهدة العيون وصف الواصف ولأقل مما احتوى عليه هذا الفتح تهتز المعاطف إذ الإيمان اهتز إعطافًا وتوشح به عطافًا‏.‏
وهل الكتب وإن طال نبذة من نبذ الفتوح وفلذة من كبد النصر الممنوح وزهرةٌ من غصن الندا المروح أدنينا لإخايكم الكريم منه اقتطافًا والسلام‏.‏


انتهى

جمال جرار 26 - 2 - 2010 02:29 PM


أرب جمـال 25 - 11 - 2010 09:46 PM

شكرا جمال على المرور والرد
تحيتي لك

هارب من البيت 28 - 1 - 2011 02:18 AM

http://www.iconbazaar.com/flowers/dahlia02.gif
لن أجد أجمل من وردة أتركها كرد على موضوعك

تحيتي وتقديري لك

shreeata 28 - 1 - 2011 02:31 AM

يعطيك العافية
ارب على الموضوع
تحيات لك على ما ادرجت
سلمت

Mr.who 15 - 6 - 2011 11:21 PM

بارك الله بك وأثابك الجنة وجعله في ميزان حسناتك

شكرا على الإفادة والطرح

ناجي أبوشعيب 15 - 6 - 2011 11:31 PM

الأخت أرب
بورك فيك
لنا ان شاء الله متنفّس , وارتواء
ولنا عودة كلّما جعنا وعطشنا
احتراماتي

حبيب القلب 17 - 6 - 2011 06:52 PM

شكرا على الإفادة والطرح الجميل

عاشقة الوطن 17 - 6 - 2011 09:12 PM

سلمت يداكـــــ على هذا الطرح الرائع
اسعدني المرور بصفحتك
تحياتي

Miss Jordan 25 - 2 - 2012 06:29 PM


اسعدني المرور بصفحتك
تحياتي

ابو فداء 26 - 2 - 2012 02:26 AM

مشكوووووره
ولي عووده لهاااااا
يسلموووا الأيادي


الساعة الآن 09:01 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى