منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   سير أعلام النبلاء - محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=4018)

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:02 PM

عبيد الله بن موسى عبيد الله بن موسى (ع)

ابن أبي المختار ، باذام ، الإمام ، الحافظ العابد ، أبو محمد العبسي -بموحدة- مولاهم الكوفي .

أول من صنف المسند على ترتيب الصحابة بالكوفة ، كما أن أبا داود الطيالسي ، أول من صنف المسند من البصريين ، على ما نقله الخليلي في "إرشاده ".

ولد في حدود عام عشرين ومائة .

وسمع من : هشام بن عروة ، وسليمان الأعمش ، وإسماعيل بن أبي خالد ، ومعروف بن خربوذ ، وزكريا بن أبي زائدة ، وسعد بن أوس العبسـي ، وسلمة بن نبيط ، وحنظلة بن أبي سفيان ، وطلحة بن عمرو الحضرمي ، وطلحة بن يحيى التيمي ، وعبيد الله بن أبي زياد القداح ، وعثمان بن الأسود ، وعيسى بن أبي عيسى الحناط ، وكيسان أبا عمر القصار ، ومصعب بن سليم ، وأبا إدام المحاربي ، وموسى بن عبيدة ، وابن جريج ، والأوزاعي ، ومسعرا ، وشعبة ، وسفيان ، وشيبان ، وإسرائيل ، والحسن بن حي ، وخلقا كثيرا .

وكان من حفاظ الحديث ، مجودا للقرآن ، تلا على حمزة الزيات ، وعيسى بن عمر الهمداني ، وعلي بن صالح بن حي . وتصدر للإقراء والتحديث .

تلا عليه : أحمد بن جبير الأنطاكي ، وأيوب بن علي الأبزاري ، ومحمد بن عبد الرحمن ، وأبو حمدون الطيب ، ومحمد بن علي بن عفان ، وطائفة سواهم .

وحدث عنه : أحمد بن حنبل قليلا ، كان يكرهه لبدعة ما فيه ، وإسحاق ، وابن معين ، ومحمد بن عبد الله بن نمير ، وعبد بن حميد ، وعلي بن محمد الطنافسي ، وحجاج بن الشاعر ، ومحمود بن غيلان ، ومحمود بن يحيى ، ومحمد بن عوف الطائي ، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، ومحمد بن عثمان بن كرامة ، وأبو حاتم ، وأبو بكر الصاغاني ، ومحمد بن سليمان الباغندي ، وعباس الدوري ، وأحمد بن حازم الغفاري ، وأحمد بن عبد الله العجلي ، والحارث بن أبي أسامة ، وخلق كثير . وروى عنه البخاري في "صحيحه" ، ويعقوب الفسوي في "مشيخته ".

وثقه ابن معين وجماعة . وحديثه في الكتب الستة .

قال أبو حاتم : ثقة صدوق حسن الحديث . قال : وأبو نعيم أتقن منه ، وعبيد الله أثبتهم في إسرائيل ، كان إسرائيل يأتيه ، فيقرأ عليه القرآن .

وقال أحمد بن عبد الله العجلي : ثقة ، رأس في القرآن ، عالم به ، ما رأيته رافعا رأسه ، وما رئي ضاحكا قط .

وروى أبو عبيد الآجري عن أبي داود قال : كان شيعيا محترقا ، جاز حديثه .

قلت : كان صاحب عبادة وليل ، صحب حمزة ، وتخلق بآدابه ، إلا في التشيع المشئوم ، فإنه أخذه عن أهل بلده المؤسس على البدعة .

قال أحمد بن حنبل : حدث بأحاديث سوء ، وأخرج تلك البلايا ، فحدث بها .

قال أبو حاتم : سمعت منه في سنة ثلاث عشرة ومائتين .

وقال ابن سعد : مات في ذي القعدة سنة ثلاث عشرة ووافقه على السنة خليفة والبخاري وجماعة . وقيل : مات في شوالها . وقال الفسوي : سنة أربع عشرة .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، ويحيى بن أبي منصور ، قالا : أخبرنا عمر بن محمد ، أخبرنا هبة الله بن الحصين ، أخبرنا محمد بن محمد ، أخبرنا أبو بكر الشافعي ، حدثنا محمد بن سليمان الواسطي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا مالك بن مغول ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه ، قال : قال علي -رضي الله عنه- : " خَيرُنا بعد نبينا أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- " .

ورواية عبيد الله مثل هذا دال على تقديمه للشيخين ، ولكنه كان ينال من خصوم علي .

قال ابن منده : كان أحمد بن حنبل يدل الناس على عبيد الله ، وكان معروفا بالرفض ، لم يدع أحدا اسمه معاوية يدخل داره . فقيل : دخل عليه معاوية بن صالح الأشعري ، فقال : ما اسمك ؟ قال : معاوية . قال : والله لاحدثتك ، ولا حدثت قوما أنت فيهم .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:04 PM



عبيد الله بن موسى ، وعمرو العنقزي قالا : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي قرة الكندي ، عن سلمان قال : كان أبي من الأساورة ، فأسلمني في الكتاب ، فكنت أختلف وكان معي غلامان ، فكانا إذا رجعا ، دخلا على قس أو راهب ، فأدخل معهما ، فقال لهما : ألم أنهكما أن تدخلا علي أحدا ، أو تعلما بي أحدا ؟ فكنت أختلف حتى كنت أحب إليه منهما ، فقال لي : يا سلمان ، إني أحب أن أخرج من هذه الأرض . قلت : فأنا معك .

فأتى قرية فنزلها ، وكانت امرأة تختلف إليه ، فلما حضر ، قال : احفر عند رأسي ، فاستخرجت جرة من دراهم ، فقال : ضعها على صدري . قال : فجعل يضرب بيده على صدره ، ويقول : ويل للقنائين . قال : ومات فاجتمع القسيسون والرهبان ، وهممت أن أحتمل المال ، ثم إن الله عصمني ، فقلت لهم : إنه قد ترك مالا . فوثب شبان من أهل القرية فقالوا : هذا مال أبينا ، كانت سريته تختلف إليه .

فقلت : يا معشر القسيسين والرهبان ، دلوني على عالم أكون معه . قالوا : ما نعلم أحدا أعلم من راهب بحمص ، فأتيته فقصصت عليه ، فقال : ما جاء بك إلا طلب العلم ؟ قلت : نعم . قال : فإني لا أعلم أحدا في الأرض أعلم من رجل يأتي بيت المقدس كل سنة في هذا الشهر ، وإن انطلقت وجدت حماره واقفا . فانطلقت فوجدت حماره واقفا على باب بيت المقدس ، فجلست حتى خرج . فقصصت عليه ، فقال : اجلس حتى أرجع إليك . [ ص: 514 ] فذهب فلم يرجع إلى العام المقبل ، فقلت : ما صنعت ؟ قال : وإنك لها هنا بعد ؟ قلت : نعم . قال : فإني لا أعلم أحدا في الأرض أعلم من رجل يخرج بأرض تيماء ، وهو نبي وهذا زمانه ، وإن انطلقت الآن وافقته ، وفيه ثلاث : خاتم النبوة ، ولا يأكل الصدقة ، ويأكل الهدية . خاتم النبوة عند غرضوف كتفه ، كأنها بيضة حمامة ، لونها لون جلده .

فانطلقت ، فأصابني قوم من الأعراب ، فاستعبدوني فباعوني ، حتى وقعت إلى المدينة ، فسمعتهم يذكرون النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألت أهلي أن يهبوا لي يوما ففعلوا ، فخرجت فاحتطبت ، فبعته بشيء يسير ، ثم جئت بطعام اشتريته ، فوضعته بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

فقال : ما هذا ؟ فقلت : صدقة . فأبى أن يأكل ، وأمر أصحابه فأكلوا ، وكان العيش يومئذ عزيزا ، فقلت : هذه واحدة . ثم أمكث ما شاء الله أن أمكث . ثم قلت لأهلي : هبوا لي يوما . فوهبوا لي يوما ، فخرجت ، فاحتطبت فبعته بأفضل مما كنت بعت به - يعني الأول - فاشتريت به طعاما ، ثم جئت ، فوضعته بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما هذا ؟ قلت : هدية . قال : كلوا . وأكل . قلت : هذه أخرى .

ثم قمت خلفه ، فوضع رداءه ، فرأيت عند غرضوف كتفه خاتم النبوة ، فقلت : أشهد أنك رسول الله . فقال : ما هذا ؟ فحدثته ، وقلت : يا رسول الله ، هذا الراهب أفي الجنة هو ، وهو يزعم أنك نبي الله ؟ قال : إنه لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة . فقلت : إنه أخبرني أنك نبي . فقال : إنه لن يدخل الجنة إلا نفس مسلمة
. [ ص: 515 ]

رواه الإمام أحمد في " مسنده " عن أبي كامل ، ورواه أبو قلابة الرقاشي عن عبد الله بن رجاء ، كلاهما عن إسرائيل .

سعيد بن أبي مريم : حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا يزيد بن أبي حبيب ، حدثني السلم بن الصلت العبدي ، عن أبي الطفيل البكري أن سلمان الخير حدثه قال : كنت رجلا من أهل جي ، مدينة أصبهان ، فأتيت رجلا يتحرج من كلام الناس فسألته : أي الدين أفضل ؟ قال : ما أعلم أحدا غير راهب بالموصل . فذهبت إليه ، فكنت عنده ، إلى أن قال : فأتيت حجازيا ، فقلت : تحملني إلى المدينة وأنا لك عبد ؟ فلما قدمت ، جعلني في نخله ، فكنت أستقي كما يستقي البعير ، حتى دبر ظهري ولا أجد من يفقه كلامي ، حتى جاءت عجوز فارسية تستقي ، فكلمتها ، فقلت : أين هذا الذي خرج ؟ قالت : سيمر عليك بكرة . فجمعت تمرا ، ثم جئته وقربت إليه التمر ، فقال : أصدقة أم هدية ؟ .

أبو إسماعيل الترمذي ، وإسحاق بن إبراهيم بن جميل وغيرهما ، قالوا : أنبأنا عبد الله بن أبي زياد القطواني حدثنا سيار بن حاتم ، حدثنا موسى بن سعيد الراسبي ، حدثنا أبو معاذ ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن سلمان الفارسي ، قال : كنت ممن ولد برامهرمز وبها نشأت ، وأما أبي فمن أصبهان . [ ص: 516 ]

وكانت أمي لها غنى ، فأسلمتني إلى الكتاب ، وكنت أنطلق مع غلمان من أهل قريتنا إلى أن دنا مني فراغ من الكتابة ، ولم يكن في الغلمان أكبر مني ولا أطول ، وكان ثم جبل فيه كهف في طريقنا ، فمررت ذات يوم وحدي ، فإذا أنا فيه برجل عليه ثياب شعر ، ونعلاه شعر ، فأشار إلي ، فدنوت منه ، فقال : يا غلام ، أتعرف عيسى ابن مريم ؟ قلت : لا . قال : هو رسول الله . آمن بعيسى وبرسول يأتي من بعده اسمه أحمد ، أخرجه الله من غم الدنيا إلى روح الآخرة ونعيمها . قلت : ما نعيم الآخرة ؟ قال : نعيم لا يفنى . فرأيت الحلاوة والنور يخرج من شفتيه ، فعلقه فؤادي وفارقت أصحابي ، وجعلت لا أذهب ولا أجيء إلا وحدي .

وكانت أمي ترسلني إلى الكتاب ، فأنقطع دونه ، فعلمني شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأنعيسى رسول الله ، ومحمدا بعده رسول الله ، والإيمان بالبعث ، وعلمني القيام في الصلاة ، وكان يقول لي : إذا قمت في الصلاة فاستقبلت القبلة ، فاحتوشتك النار فلا تلتفت ، وإن دعتك أمك وأبوك فلا تلتفت ، إلا أن يدعوك رسول من رسل الله ، وإن دعاك وأنت في فريضة فاقطعها ; فإنه لا يدعوك إلا بوحي .

وأمرني بطول القنوت ، وزعم أن عيسى - عليه السلام - قال : طول القنوت أمان على الصراط ، وطول السجود أمان من عذاب القبر ، وقال : لا تكذبن مازحا ولا جادا حتى يسلم عليك ملائكة الله ، ولا تعصين الله في طمع ولا غضب ، لا تحجب عن الجنة طرفة عين .

ثم قال لي : إن أدركت محمد بن عبد الله الذي يخرج من جبال تهامة فآمن به ، واقرأ عليه السلام مني ; فإنه بلغني أن عيسى ابن مريم - عليه السلام - [ ص: 517 ] قال : من سلم على محمد رآه أو لم يره ، كان له محمد شافعا ومصافحا . فدخل حلاوة الإنجيل في صدري .

قال : فأقام في مقامه حولا ، ثم قال : أي بني ، إنك قد أحببتني وأحببتك ، وإنما قدمت بلادكم هذه : إنه كان لي قريب ، فمات ، فأحببت أن أكون قريبا من قبره أصلي عليه وأسلم عليه ، لما عظم الله علينا في الإنجيل من حق القرابة ، يقول الله : من وصل قرابته ، وصلني ، ومن قطع قرابته ، فقد قطعني ، وإنه قد بدا لي الشخوص من هذا المكان ، فإن كنت تريد صحبتي فأنا طوع يديك . قلت : عظمت حق القرابة وهنا أمي وقرابتي . قال : إن كنت تريد أن تهاجر مهاجر إبراهيم - عليه السلام - فدع الوالدة والقرابة ، ثم قال : إن الله يصلح بينك ، وبينهم حتى لا تدعو عليك الوالدة .

فخرجت معه ، فأتينا نصيبين ، فاستقبله اثنا عشر من الرهبان يبتدرونه . ويبسطون له أرديتهم ، وقالوا : مرحبا بسيدنا وواعي كتاب ربنا ، فحمد الله ، ودمعت عيناه وقال : إن كنتم تعظموني لتعظيم جلال الله ، فأبشروا بالنظر إلى الله . ثم قال : إني أريد أن أتعبد في محرابكم هذا شهرا ، فاستوصوا بهذا الغلام ; فإني رأيته رقيقا سريع الإجابة .

فمكث شهرا لا يلتفت إلي ويجتمع الرهبان خلفه يرجون أن ينصرف ولا ينصرف ، فقالوا : لو تعرضت له ، فقلت : أنتم أعظم عليه حقا مني ، قالوا : أنت ضعيف ، غريب ، ابن سبيل ، وهو نازل علينا ، فلا تقطع عليه صلاته مخافة أن يرى أنا نستثقله . فعرضت له فارتعد ، ثم جثا على ركبتيه ، ثم قال : ما لك يا بني ؟ جائع أنت ؟ عطشان أنت ؟ مقرور أنت ؟ اشتقت إلى أهلك ؟ قلت : بل أطعت هؤلاء العلماء . قال : أتدري ما يقول الإنجيل ؟ قلت : لا ، قال : يقول من أطاع العلماء فاسدا كان أو مصلحا ، فمات فهو صديق ، وقد بدا لي أن أتوجه إلى بيت المقدس . فجاء العلماء ، [ ص: 518 ] فقالوا : يا سيدنا امكث يومك تحدثنا وتكلمنا ، قال : إن الإنجيل حدثني أنه من هم بخير فلا يؤخره .

فقام فجعل العلماء يقبلون كفيه وثيابه ، كل ذلك يقول : أوصيكم ألا تحتقروا معصية الله ، ولا تعجبوا بحسنة تعملونها ، فمشى ما بين نصيبين والأرض المقدسة شهرا يمشي نهاره ، ويقوم ليله حتى دخل بيت المقدس ، فقام شهرا يصلي الليل والنهار ، فاجتمع إليه علماء بيت المقدس ، فطلبوا إلي أن أتعرض له ففعلت ، فانصرف إلي ، فقال لي كما قال في المرة الأولى ، فلما تكلم اجتمع حوله علماء بيت المقدس ، فحالوا بيني وبينه يومهم وليلتهم حتى أصبحوا ، فملوا وتفرقوا ، فقال لي : أي بني ، إني أريد أن أضع رأسي قليلا ، فإذا بلغت الشمس قدمي فأيقظني . قال : وبينه وبين الشمس ذراعان . فبلغته الشمس ، فرحمته لطول عنائه وتعبه في العبادة ، فلما بلغت الشمس سرته استيقظ بحرها .

فقال : ما لك لم توقظني ؟ قلت : رحمتك لطول عنائك . قال : إني لا أحب أن تأتي علي ساعة لا أذكر الله فيها ولا أعبده ، أفلا رحمتني من طول الموقف ؟ أي بني ، إني أريد الشخوص إلى جبل فيه خمسون ومائة رجل أشرهم خير مني . أتصحبني ؟ قلت : نعم . فقام فتعلق به أعمى على الباب ، فقال : يا أبا الفضل تخرج ولم أصب منك خيرا ، فمسح يده على وجهه ، فصار بصيرا . فوثب مقعد إلى جنب الأعمى ، فتعلق به فقال : من علي من الله عليك بالجنة . فمسح يده عليه . فقام فمضى - يعني الراهب - فقمت أنظر يمينا وشمالا لا أرى أحدا .

فدخلت بيت المقدس فإذا أنا برجل في زاوية عليه المسوح ، فجلست حتى انصرف ، فقلت : يا عبد الله ، ما [ ص: 519 ] اسمك ؟ قال : فذكر اسمه ، فقلت : أتعرف أبا الفضل ؟ قال : نعم ، ووددت أني ، لا أموت حتى أراه ، أما إنه هو الذي من علي بهذا الدين ، فأنا أنتظر نبي الرحمة الذي وصفه لي يخرج من جبال تهامة ، يقال له : محمد بن عبد الله ، يركب الجمل والحمار والفرس والبغلة ، ويكون الحر والمملوك عنده سواء ، وتكون الرحمة في قلبه وجوارحه ، لو قسمت بين الدنيا كلها لم يكن لها مكان ، بين كتفيه كبيضة الحمامة عليها مكتوب باطنها : الله وحده لا شريك له ، محمد رسول الله ، وظاهرها : توجه حيث شئت فإنك المنصور ، يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، ليس بحقود ولا حسود ، ولا يظلم معاهدا ولا مسلما . فقمت من عنده ، فقلت : لعلي أقدر على صاحبي ، فمشيت غير بعيد ، فالتفت يمينا وشمالا لا أرى شيئا .

فمر بي أعراب من كلب ، فاحتملوني حتى أتوا بي يثرب ، وسموني ميسرة ، فجعلت أناشدهم ، فلا يفقهون كلامي ، فاشترتني امرأة يقال لها : خليسة بثلاث مائة درهم . فقالت : ما تحسن ؟ قلت : أصلي لربي وأعبده ، وأسف الخوص . قالت : ومن ربك ؟ قلت : رب محمد . قالت : ويحك ! ذاك بمكة ، ولكن عليك بهذه النخلة ، وصل لربك لا أمنعك ، وسف الخوص ، واسع على بناتي ; فإن ربك يعني إن تناصحه في العبادة يعطك سؤلك .

فمكثت عندها ستة عشر شهرا حتى قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، فبلغني ذلك وأنا في أقصى المدينة في زمن الخلال فانتقيت شيئا من الخلال ، فجعلته في ثوبي ، وأقبلت أسأل عنه ، حتى دخلت عليه وهو في منزل أبي أيوب ، [ ص: 520 ] وقد وقع حب لهم فانكسر ، وانصب الماء ، فقام أبو أيوب وامرأته يلتقطان الماء بقطيفة لهما لا يكف على النبي - صلى الله عليه وسلم - .

فخرج رسول الله ، فقال : ما تصنع يا أبا أيوب ؟ فأخبره ، فقال : لك ولزوجتك الجنة . فقلت : هذا - والله - محمد رسول الرحمة . فسلمت عليه ، ثم أخذت الخلال فوضعته بين يديه ، فقال : ما هذا يا بني ؟ قلت : صدقة . قال : إنا لا نأكل الصدقة . فأخذته وتناولت إزاري وفيه شيء آخر ، فقلت : هذه هدية . فأكل وأطعم من حوله ، ثم نظر إلي ، فقال : أحر أنت أم مملوك ؟ قلت : مملوك . قال : ولم وصلتني بهذه الهدية ؟ .

قلت : كان لي صاحب من أمره كذا ، وصاحب من أمره كذا ، فأخبرته بأمرهما .

قال : أما إن صاحبيك من الذين قال الله
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم الآية ، ما رأيت في ما خبرك ؟

قلت : نعم ، إلا شيئا بين كتفيك . فألقى ثوبه ، فإذا الخاتم ، فقبلته ، وقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله .

فقال : يا بني ، أنت سلمان ، ودعا عليا ، فقال : اذهب إلى خليسة ، فقل لها : يقول لك محمد إما أن تعتقي هذا ، وإما أن أعتقه ، فإن الحكمة تحرم عليك خدمته . قلت : يا رسول الله . أشهد أنها لم تسلم . قال : يا سلمان ، أولا تدري ما حدث بعدك ؟ دخل عليها ابن عمها فعرض عليها الإسلام فأسلمت . فانطلق علي ، وإذا هي تذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرها علي ، [ ص: 521 ] فقالت : انطلق إلى أخي ، تعني النبي - صلى الله عليه وسلم - فقل له : إن شئت فأعتقه ، وإن شئت فهو لك . قال : فكنت أغدو وأروح إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعولني خليسة .

فقال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم : انطلق بنا نكافئ خليسة . فكنت معه خمسة عشرة يوما في حائطها يعلمني وأعينه ، حتى غرسنا لها ثلاث مائة فسيلة ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتد عليه حر الشمس وضع على رأسه مظلة لي من صوف ، فعرق فيها مرارا ، فما وضعتها بعد على رأسي إعظاما له ، وإبقاء على ريحه ، وما زلت أخبأها وينجاب منها حتى بقي منها أربع أصابع ، فغزوت مرة ، فسقطت مني
.

هذا الحديث شبه موضوع ، وأبو معاذ مجهول وموسى .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:07 PM

إسماعيل بن عيسى العطار : حدثنا إسحاق بن بشر ، حدثني أبو عبيد الله التيمي ، عن ابن لهيعة ، عن أبي قبيل قال : قيل لسلمان : أخبرنا عن إسلامك . قال : كنت مجوسيا ، فرأيت كأن القيامة قد قامت ، وحشر الناس على صورهم ، وحشر المجوس على صور الكلاب ، ففزعت . فرأيت من القابلة أيضا أن الناس حشروا على صورهم ، وأن المجوس حشروا على صور الخنازير ، فتركت ديني ، وهربت وأتيت الشام ، فوجدت يهودا ، فدخلت في دينهم ، وقرأت كتبهم ، ورضيت بدينهم وكنت عندهم حججا . فرأيت فيما يرى النائم أن الناس حشروا ، وأن اليهود أتي بهم ، فسلخوا ، ثم ألقوا في النار فشووا ، ثم أخرجوا ، فبدلت جلودهم ، ثم أعيدوا في النار .

فانتبهت وهربت من اليهودية ، فأتيت قوما نصارى ، فدخلت في دينهم ، وكنت معهم في شركهم ، فكنت عندهم حججا ، فرأيت كأن ملكا أخذني فجاء بي على الصراط على النار ، فقال : اعبر هذا ، فقال صاحب الصراط : انظروا ، فإن كان دينه النصرانية ، فألقوه في النار .

فانتبهت وفزعت ، ثم استعبرت راهبا كان [ ص: 522 ] صديقا لي ، فقال : إن الذي أنت عليه دين الملك ، ولكن عليك باليعقوبية . فرفضت ذلك ، ولحقت بالجزيرة ، فلزمت راهبا بنصيبين يرى رأي اليعقوبية ، فكنت عندهم حججا ، فرأيت فيما يرى النائم أن إبراهيم خليل الرحمن قائم عند العرش يميز من كان على ملته ، فيدخله الجنة ، ومن كان على غير ملته ، ذهبوا به إلى النار .

فهربت من ذلك الراهب ، وأتيت راهبا له خمسون ومائة سنة وأخبرته بقصتي ، فقال : إن الذي تطلبه ليس هو اليوم على ظهر الأرض ، ذاك دين الحنفية وهو دين أهل الجنة ، وقد اقترب ، وأظلك زمانه ، نبي يثرب يدعو إلى هذا الدين . قلت : ما اسم هذا الرجل ؟ قال : له خمسة أسماء : مكتوب في العرش محمد ، وفي الإنجيل أحمد ، ويوم القيامة محمود ، وعلى الصراط حماد ، وعلى باب الجنة حامد ، وهو من ولد إسماعيل ، وهو قرشي ، فسرد كثيرا من صفته - صلى الله عليه وسلم .

قال : فسرت في البرية ، فسبتني العرب ، واستخدمتني سنين ، فهربت منهم ، إلى أن قال : فلما أسلمت قبل على رأسي ، وكساني أبو بكر ما كان عليه ، إلى أن قال : يا سلمان أنت مولى الله ورسوله .

وهو منكر ، في إسناده كذاب وهو إسحاق مع إرساله ووهن ابن لهيعة والتيمي .

سمويه حدثنا عمرو بن حماد القناد حدثنا أسباط بن نصر ، عن السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة عن ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله : إن الذين آمنوا والذين هادوا الآية في أصحاب سلمان نزلت ، وكان من أهل جند [ ص: 523 ] سابور ، وكان من أشرافهم ، وكان ابن الملك صديقا له ومؤاخيا ، وكانا يركبان إلى الصيد ، فبينما هما في الصيد إذ رفع لهما بيت من عباء ، فأتياه ، فإذا هما برجل بين يديه مصحف يقرأ فيه ، ويبكي ، فسألاه : ما هذا ؟ قال : الذي يريد أن يعلم هذا لا يقف موقفكما ، فانزلا . فنزلا إليه ، فقال : هذا كتاب جاء من عند الله أمر فيه بطاعته ، ونهى عن معصيته ، فيه : أن لا تزن ولا تسرق ، ولا تأخذ أموال الناس بالباطل ، فقص عليهما ما فيه ، وهو الإنجيل . فتابعاه فأسلما ، وقال : إن ذبيحة قومكما عليكما حرام .

ولم يزل معهما يتعلمان منه حتى كان عيد للملك فجعل طعاما ، ثم جمع الناس والأشراف ، وأرسل إلى ابن الملك ، فدعاه ليأكل فأبى ، وقال : إني عنك مشغول . فلما أكثر عليه ، أخبر أنه لا يأكل من طعامهم . فقال له الملك : من أخبرك بهذا ؟ فذكر له الراهب .

فطلب الراهب وسأله ، فقال : صدق ابنك . فقال : لولا أن الدم عظيم لقتلتك . اخرج من أرضنا ، فأجله أجلا ، فقمنا نبكي عليه ، فقال : إن كنتما صادقين ، فأنا في بيعة في الموصل مع ستين رجلا نعبد الله ، فائتونا .

فخرج ، وبقي سلمان وابن الملك . فجعل سلمان يقول لابن الملك : انطلق بنا ، وابن الملك يقول : نعم . فجعل يبيع متاعه يريد الجهاز ، وأبطأ ، فخرج سلمان حتى أتاهم ، فنزل على صاحبه وهو رب البيعة .

فكان سلمان معه يجتهد في العبادة ، فقال له الشيخ : إنك غلام حدث وأنا خائف أن تفتر ، فارفق بنفسك ، قال : خل عني .

ثم إن صاحب البيعة دعاه ، فقال : تعلم أن هذه البيعة لي ، ولو شئت أن [ ص: 524 ] أخرج هؤلاء ، لفعلت ، ولكني رجل أضعف عن عبادة هؤلاء ، وأنا أريد أن أتحول إلى بيعة أهلها أهون عبادة ، فإن شئت أن تقيم ها هنا ، فأقم .

فأقام بها يتعبد معهم ، ثم إن شيخه أراد أن يأتي بيت المقدس ، فدعا سلمان ، وأعلمه ، فانطلق معه ، فمروا بمقعد على الطريق ، فنادى : يا سيد الرهبان ارحمني . فلم يكلمه حتى أتى بيت المقدس ، فقال لسلمان : اخرج فاطلب العلم ; فإنه يحضر المسجد علماء أهل الأرض .

فخرج سلمان يسمع منهم ، فخرج يوما حزينا ، فقال له الشيخ : ما لك ؟ قال : أرى الخير كله قد ذهب به من كان قبلنا من الأنبياء وأتباعهم .

قال : أجل ، لا تحزن ; فإنه قد بقي نبي ليس من نبي بأفضل تبعا منه ، وهذا زمانه ، ولا أراني أدركه ، ولعلك تدركه ، وهو يخرج في أرض العرب ، فإن أدركته فآمن به . قال : فأخبرني عن علامته . قال : مختوم في ظهره بخاتم النبوة ، يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة .

ثم رجعا حتى بلغا مكان المقعد . فناداهما : يا سيد الرهبان ، ارحمني يرحمك الله ; فعطف إليه حماره فأخذ بيده ، ثم رفعه ، فضرب به الأرض ودعا له ، فقال : قم بإذن الله ، فقام صحيحا يشتد وسار الراهب ، فتغيب عن سلمان وتطلبه سلمان . فلقيه رجلان من كلب فقال : هل رأيتما الراهب ؟ فأناخ أحدهما راحلته وقال : نعم ، راعي الصرمة هذا فانطلق به إلى المدينة . [ ص: 525 ]

قال سلمان : فأصابني من الحزن شيء لم يصبني قط .

فاشترته امرأة من جهينة ، فكان يرعى عليها هو وغلام لها يتراوحان الغنم ، وكان سلمان يجمع الدراهم ينتظر خروج محمد - صلى الله عليه وسلم .

فبينما هو يرعى إذ أتاه صاحبه ، فقال : أشعرت أنه قدم المدينة رجل يزعم أنه نبي ؟

فقال : أقم في الغنم حتى آتي ، فهبط إلى المدينة ، فنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ورأى خاتم النبوة ، ثم انطلق فاشترى بدينار بنصفه شاة فشواها ، وبنصفه خبزا وأتى به ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ما هذا ؟ قال : صدقة ، قال لا حاجة لي بها . أخرجها يأكلها المسلمون .

ثم انطلق فاشترى بدينار آخر خبزا ولحما ، فأتى به فقال : هذا هدية ، فأكلا جميعا . وأخبره سلمان خبر أصحابه ، فقال : كانوا يصومون ويصلون ، ويشهدون أنك ستبعث . فقال : يا سلمان ، هم من أهل النار ، فاشتد ذلك على سلمان . وقد كان قال : لو أدركوك صدقوك واتبعوك .

فأنزل الله : إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين الآية
.

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:08 PM

الحسن بن يعقوب البخاري ، والأصم : قالا : حدثنا يحيى بن جعفر ، حدثنا علي بن عاصم ، حدثنا حاتم بن أبي صغيرة ، عن سماك بن حرب ، عن زيد بن صوحان أن رجلين من أهل الكوفة كانا له صديقين ، فأتياه ليكلم لهما [ ص: 526 ] سلمان ، ليحدثهما حديثه ، فأقبلا معه ، فلقوا سلمان بالمدائن أميرا ، وإذا هو على كرسي ، وإذا خوص بين يديه وهو يرتقه . قالا : فسلمنا عليه وقعدنا ، فقال له زيد : يا أبا عبد الله ، كيف كان بدء إسلامك ؟ قال : كنت يتيما من رامهرمز ، وكان ابن دهقانها يختلف إلى معلم يعلمه ، فلزمته لأكون في كنفه ، وكان لي أخ أكبر مني ، وكان مستغنيا بنفسه ، وكنت غلاما ، وكان إذا قام من مجلسه تفرق من يحفظهم ، فإذا تفرقوا ، خرج فقنع رأسه بثوبه ثم صعد الجبل ، كان يفعل ذلك غير مرة متنكرا .

فقلت له : إنك تفعل كذا وكذا ، فلم لا تذهب بي معك ؟ قال : أنت غلام ، وأخاف أن يظهر منك شيء . قلت : لا تخف . قال : فإن في هذا الجبل قوما في برطيل لهم عبادة وصلاح ، يزعمون أنا عبدة النيران وعبدة الأوثان ، وأنا على غير دينهم . قلت : فاذهب بي معك إليهم ، قال : لا أقدر على ذلك حتى أستأمرهم ، أخاف أن يظهر منك شيء فيعلم ، أو فيقتل القوم ، فيكون هلاكهم على يدي ، قلت : لن يظهر مني ذلك ، فاستأمرهم ، فقال : غلام عندي يتيم أحب أن يأتيكم ويسمع كلامكم .

قالوا : إن كنت تثق به ، قال : أرجو ، قال : فقال لي : ائتني في الساعة التي رأيتني أخرج فيها ، ولا يعلم بك أحد . فلما كانت الساعة تبعته ، فصعد الجبل ، فانتهينا إليهم ، قال علي بن عاصم : أراه قال : وهم ستة أو سبعة ، قال : وكأن الروح قد خرج منهم من العبادة ، يصومون النهار ، ويقومون الليل ، ويأكلون عند السحر ما وجدوا . فقعدنا إليهم ، فتكلموا ، فحمدوا الله ، وذكروا من مضى من الأنبياء والرسل حتى خلصوا إلى ذكر عيسى ، فقالوا : بعث الله عيسى رسولا ، وسخر له ما كان يفعل من إحياء الموتى ، وخلق الطير ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وكفر به قوم ، وتبعه قوم ، وإنما كان عبد الله ورسوله ابتلى به [ ص: 527 ] خلقه . وقالوا قبل ذلك : يا غلام إن لك لربا ، وإن لك لمعادا ، وإن بين يديك جنة ونارا إليها تصير ، وإن هؤلاء الذين يعبدون النيران أهل كفر وضلالة ليسوا على دين .

فلما حضرت الساعة التي ينصرف فيها الغلام ، انصرفت معه ، ثم غدونا إليهم ، فقالوا مثل ذلك وأحسن ، ولزمتهم . فقالوا لي : يا سلمان ، إنك غلام ، وإنك لا تستطيع أن تصنع كما نصنع ، فصل ونم وكل واشرب . فاطلع الملك على صنيع ابنه ، فركب في الخيل حتى أتاهم في برطيلهم ، فقال : يا هؤلاء ، قد جاورتموني ، فأحسنت جواركم ، ولم تروا مني سوءا ، فعمدتم إلى ابني ، فأفسدتموه علي ، قد أجلتكم ثلاثا ، فإن قدرت بعدها عليكم ، أحرقت عليكم برطيلكم . قالوا : نعم ، وكف ابنه عن إتيانهم . فقلت له : اتق الله ; فإنك تعرف أن هذا الدين دين الله ، وأن أباك على غير دين ، فلا تبع آخرتك بدنيا غيرك . قال : هو كما تقول ، وإنما أتخلف عن القوم بقيا عليهم . قال : فأتيتهم في اليوم الذي أرادوا أن يرتحلوا ، فقالوا : يا سلمان ، قد كنا نحذر ما رأيت ، فاتق الله ، واعلم أن الدين ما أوصيناك به . فلا يخدعنك أحد عن دينك . قلت ما أنا بمفارقكم . قالوا : فخذ شيئا تأكله ; فإنك لا تستطيع ما نستطيع نحن .

ففعلت ، ولقيت أخي ، فعرضت عليه بأني أمشي معهم ، فرزق الله السلامة حتى قدمنا الموصل ، فأتينا بيعة ، فلما دخلوا أحفوا بهم وقالوا : أين كنتم ؟ قالوا : كنا في بلاد لا يذكرون الله تعالى ، بها عبدة النيران ، فطردنا ، فقدمنا عليكم .

فلما كان بعد ، قالوا : يا سلمان ، إن ها هنا قوما في هذه الجبال هم أهل [ ص: 528 ] دين ، وإنا نريد لقاءهم ، فكن أنت ها هنا . قلت : ما أنا بمفارقكم . فخرجوا وأنا معهم ، فأصبحوا بين جبال ، وإذا ماء كثير وخبز كثير ، وإذا صخرة ، فقعدنا عندها .

فلما طلعت الشمس ، خرجوا من بين تلك الجبال ، يخرج رجل رجل من مكانه كأن الأرواح قد انتزعت منهم ، حتى كثروا فرحبوا بهم وحفوا ، وقالوا : أين كنتم ؟ قالوا : كنا في بلاد فيها عبدة نيران . فقالوا : ما هذا الغلام ؟ وطفقوا يثنون علي ، وقالوا : صحبنا من تلك البلاد ، فوالله إنهم لكذلك إذ طلع عليهم رجل من كهف ، فجاء فسلم ، فحفوا به ، وعظمه أصحابي ، وقال : أين كنتم ؟ فأخبروه ، فقال : ما هذا الغلام ؟ فأثنوا علي .

فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر رسله ، وذكر مولد عيسى ابن مريم ، وأنه ولد بغير ذكر ، فبعثه الله رسولا ، وأجرى على يديه إحياء الموتى ، وأنه يخلق من الطين كهيئة الطير ، فينفخ فيه ، فيكون طيرا بإذن الله ، وأنزل عليه الإنجيل ، وعلمه التوراة ، وبعثه رسولا إلى بني إسرائيل ، فكفر به قوم ، وآمن به قوم ، إلى أن قال : فالزموا ما جاء به عيسى ، ولا تخالفوا ، فيخالف بكم . ثم قال : من أراد أن يأخذ من هذا شيئا ، فليأخذ .

فجعل الرجل يقوم فيأخذ الجرة من الماء والطعام والشيء ، فقام إليه أصحابي الذين جئت معهم ، فسلموا عليه ، وعظموه ، وقال لهم : الزموا هذا الدين وإياكم أن تفرقوا ، واستوصوا بهذا الغلام خيرا ، وقال لي : يا غلام ، هذا دين الله الذي تسمعني أقوله ، وما سواه الكفر .

قلت : ما أنا بمفارقك . قال : إنك لا تستطيع أن تكون معي ، إني ما أخرج من كهفي هذا إلا كل يوم أحد . قلت : ما أنا بمفارقك .

قال له أصحابه : يا أبا فلان ، إن هذا لغلام ويخاف عليه . قال لي : أنت أعلم . قلت : فإني لا أفارقك . فبكى أصحابي لفراقي ، فقال : يا غلام ، خذ من هذا الطعام ما يكفيك للأحد الآخر ، وخذ من الماء ما تكتفي به ، ففعلته ، فما رأيته نائما ولا طاعما إلا راكعا [ ص: 529 ] وساجدا إلى الأحد الآخر . فلما أصبحنا قال : خذ جرتك هذه وانطلق . فخرجت أتبعه حتى انتهينا إلى الصخرة ، وإذا هم قد خرجوا من تلك الجبال ينتظرون خروجه ، فعدوا ، وعاد في حديثه وقال : الزموا هذا الدين ، ولا تفرقوا ، واذكروا الله ، واعلموا أن عيسى كان عبد الله أنعم عليه ، فقالوا : كيف وجدت هذا الغلام ؟ فأثنى علي . وإذا خبز كثير وماء كثير ، فأخذوا ما يكفيهم وفعلت . فتفرقوا في تلك الجبال ، ورجعنا إلى الكهف ، فلبثنا ما شاء الله يخرح كل أحد ويحفون به .

فخرج يوما فحمد الله - تعالى - ووعظهم ، ثم قال : يا هؤلاء ، إنه قد كبر سني ، ورق عظمي ، واقترب أجلي ، وإنه لا عهد لي بهذا البيت مذ كذا وكذا ، ولا بد من إتيانه ، فاستوصوا بهذا الغلام خيرا ; فإني رأيته لا بأس به .

فجزع القوم ، وقالوا : أنت كبير ، وأنت وحدك ، فلا نأمن أن يصيبك الشيء ولسنا عندك ، ما أحوج ما كنا إليك . قال : لا تراجعوني ، فقلت : ما أنا بمفارقك . قال : يا سلمان ، قد رأيت حالي وما كنت عليه ، وليس هذا كذلك ، أنا أمشي أصوم النهار ، وأقوم الليل ، ولا أستطيع أن أحمل معي زادا ولا غيره ، وأنت لا تقدر على هذا . قلت : ما أنا بمفارقك . قال : أنت أعلم .

وبكوا وودعوه ، واتبعته يذكر الله ولا يلتفت ، ولا يقف على شيء ، حتى إذا أمسينا قال : صل أنت ، ونم ، وقم ، وكل ، واشرب . ثم قام يصلي حتى إذا انتهينا إلى بيت المقدس ، وكان لا يرفع طرفه إلى السماء ، فإذا على باب المسجد مقعد ، فقال : يا عبد الله ، قد ترى حالي ، فتصدق علي بشيء فلم يلتفت إليه ، ودخل المسجد ، فجعل يتبع أمكنة يصلي فيها ، ثم قال : يا سلمان ، لم أنم مذ كذا وكذا ، فإن أنت جعلت أن توقظني إذا بلغ الظل مكان كذا وكذا نمت ; فإني أحب أن أنام في هذا المسجد ، وإلا لم أنم . قلت : فإني أفعل . فنام ، فقلت في نفسي : هذا لم ينم منذ كذا وكذا لأدعنه ينام . [ ص: 530 ] وكان لما يمشي وأنا معه يقبل علي فيعظني ويخبرني أن لي ربا ، وأن بين يدي جنة ونارا وحسابا ، ويذكرني نحو ما كان يذكر القوم يوم الأحد حتى قال : يا سلمان ، إن الله سوف يبعث رسولا اسمه أحمد يخرج بتهامة ، وكان رجلا أعجميا لا يحسن أن يقول محمد ، علامته أنه يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، بين كتفيه خاتم النبوة ، وهذا زمانه الذي يخرج فيه قد تقارب ، فأما أنا فإني شيخ كبير ولا أحسبني أدركه ، فإن أنت أدركته ، فصدقه واتبعه . قلت : وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه ، قال : نعم . فإن رضى الرحمن فيما قال .

فلم يمض إلا يسير حتى استيقظ فزعا يذكر الله تعالى ، فقال : يا سلمان ، مضى الفيء من هذا المكان ولم أذكر الله ، أين ما كنت جعلت على نفسك ؟ قلت : لأنك لم تنم منذ كذا وكذا ، فأحببت أن تستوفي من النوم . فحمد الله وقام .

وخرج فتبعته ، فمر بالمقعد ، فقال : يا عبد الله ، دخلت وسألتك فلم تعطني وخرجت فسألتك فلم تعطني ، فقام ينظر هل يرى أحدا فلم ير ، فدنا منه ، وقال له : ناولني يدك ، فناوله ، فقال : باسم الله ، فقام كأنه نشط من عقال ، صحيحا لا عيب فيه . فانطلق ذاهبا ، فكان لا يلوي على أحد ، ولا يقوم عليه .

فقال لي المقعد : يا غلام ، احمل علي ثيابي حتى أنطلق وأبشر أهلي . فحملت عليه ثيابه ، وانطلق لا يلوي علي ، فخرجت في أثره أطلبه ، فكلما سألت عنه ، قالوا أمامك .

حتى لقيني ركب من كلب فسألتهم ، [ ص: 531 ] فلما سمعوا لغتي أناخ رجل منهم بعيره ، فجعلني خلفه حتى أتوا بي بلادهم ، فباعوني ، واشترتني امرأة من الأنصار فجعلتني في حائط لها .

وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرت به ، فأخذت شيئا من تمر حائطي وأتيته فوجدت عنده ناسا ، وإذا أبو بكر أقرب الناس إليه ، فوضعته بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ قلت : صدقة ، فقال : كلوا ، ولم يأكل . ثم لبثت ما شاء الله ، ثم أخذت مثل ذلك وأتيته به . فوجدت عنده ناسا ، فوضعته بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ قلت : هدية . فقال : باسم الله ، وأكل وأكل القوم ، فقلت في نفسي : هذه من آياته .

كان صاحبي رجلا أعجميا لم يحسن أن يقول تهامة ، فقال : تهمة .

قال : فدرت من خلفه ، ففطن لي فأرخى ثوبه ، فإذا الخاتم في ناحية كتفه الأيسر ، فتبينته ، ثم درت حتى جلست بين يديه ، فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله . قال : من أنت ؟ قلت : مملوك ، وحدثته حديثي ، وحديث الذي كنت معه ، وما أمرني به . قال : لمن أنت ؟ قلت : لامرأة من الأنصار جعلتني في حائط لها . قال : يا أبا بكر ، قال : لبيك . قال : اشتره . فاشتراني أبو بكر ، فأعتقني . فلبثت ما شاء الله ، ثم أتيته ، فسلمت عليه ، وقعدت بين يديه ، فقلت : يا رسول الله ، ما تقول في دين النصارى ؟ قال : لا خير فيهم ولا في دينهم .

فدخلني أمر عظيم ، وقلت في نفسي : الذي أقام المقعد لا خير في هؤلاء ولا في دينهم . فانصرفت وفي نفسي ما شاء الله ، وأنزل الله على نبيه
ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : علي بسلمان . فأتاني الرسول وأنا خائف ، [ ص: 532 ] فجئته فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ذلك بأن منهم قسيسين ثم قال : يا سلمان ، إن الذين كنت معهم وصاحبك لم يكونوا نصارى ; إنما كانوا مسلمين .

فقلت : والذي بعثك بالحق لهو الذي أمرني باتباعك ، فقلت له : وإن أمرني بترك دينك وما أنت عليه ؟ قال : نعم فاتركه ; فإنه الحق
.

هذا حديث جيد الإسناد حكم الحاكم بصحته .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:09 PM

سعدويه الواسطي ، وأحمد بن حاتم الطويل ، وجماعة قالوا : حدثنا عبد الله بن عبد القدوس الرازي ، حدثنا عبيد المكتب ، حدثني أبو الطفيل عامر بن واثلة ، حدثني سلمان الفارسي قال : كنت رجلا من أهل جي ، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق ، وكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء . فقيل لي : إن الذي ترومه إنما هو بالمغرب ، فأتيت الموصل ، فسألت عن أفضل رجل فيها . فدللت على رجل في صومعة ، فأتيته ، فقلت له : إني رجل من أهل جي ، وإني جئت أطلب العلم ، فضمني إليك أخدمك وأصحبك ، وتعلمني مما علمك الله . قال : نعم .

فأجرى علي مثل ما كان يجرى عليه ، وكان يجرى عليه الخل والزيت والحبوب . فلم أزل معه حتى نزل به الموت ، فجلست عند رأسه أبكيه ، فقال : ما يبكيك ؟ قلت : يبكيني أني خرجت من بلادي أطلب الخير ، فرزقني الله فصحبتك ، فعلمتني وأحسنت صحبتي ، فنزل بك الموت ، فلا أدري أين أذهب .

قال : لي أخ بالجزيرة مكان كذا [ ص: 533 ] وكذا ، فهو على الحق ، فائته ، فأقرئه مني السلام ، وأخبره أني أوصيت إليه ، وأوصيتك بصحبته . فلما قبض أتيت الرجل الذي وصف لي ، فأخبرته ، فضمني إليه ، فصحبته ما شاء الله ، ثم نزل به الموت ، فأوصى بي إلى رجل بقرب الروم ، فلما قبض ، أتيته فضمني إليه ، فلما احتضر ، بكيت ، فقال : ما بقي أحد على دين عيسى أعلمه ، ولكن هذا أوان يخرج نبي ، أو قد خرج بتهامة ، وأنت على الطريق لا يمر بك أحد إلا سألته عنه ، وإذا بلغك أنه قد خرج ، فائته ; فإنه النبي الذي بشر به عيسى ، وإنه ذلك ، فذكر الخاتم والهدية والصدقة .

قال : فمات ، ومر بي ناس من أهل مكة فسألتهم فقالوا : نعم قد ظهر فينا رجل يزعم أنه نبي . فقلت لبعضهم : هل لكم أن أكون لكم عبدا على أن تحملوني عقبة ، وتطعموني من الكسر ؟ فقال رجل : أنا . فصرت له عبدا حتى قدم بي مكة ، فجعلني في بستان له مع حبشان كانوا فيه ، فخرجت ، وسألت ، فلقيت امرأة من أهل بلادي ، فسألتها ، فإذا أهل بيتها قد أسلموا . فقالت لي : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - يجلس في الحجر هو وأصحابه إذا صاح عصفورمكة ، حتى إذا أضاء لهم الفجر تفرقوا . فانطلقت إلى البستان ، وكنت أختلف ليلتي ، فقال لي الحبشان : ما لك ؟ قلت : أشتكي بطني . وإنما صنعت ذلك لئلا يفقدوني .

فلما كانت الساعة التي أخبرتني ، خرجت أمشي حتى رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو محتب وأصحابه حوله ، فأتيته من ورائه ، فأرسل حبوته ، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، فقلت : الله أكبر هذه واحدة . ثم انصرفت .

فلما كانت الليلة المقبلة ، لقطت تمرا جيدا فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضعته بين يديه ، فقال : ما هذا ؟ فقلت : صدقة . إلى أن قال : فاذهب فاشتر نفسك .

فانطلقت إلى صاحبي ، فقلت : بعني نفسي . قال : نعم على أن تنبت لي مائة نخلة ، فإذا أنبتت جئني بوزن نواة من ذهب .

فأتيت رسول الله فأخبرته [ ص: 534 ] فقال : اشتر نفسك بذلك ، وائتني بدلو من ماء البئر الذي كنت تسقي منها ذلك النخل . فدعا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ، ثم سقيتها ، فوالله لقد غرست مائة نخلة ، فما غادرت منها نخلة إلا نبتت . فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعطاني قطعة من ذهب ، فانطلقت بها فوضعتها في كفة الميزان ، ووضع في الجانب الآخر نواة . فوالله ما استقلت القطعة الذهب من الأرض ، وجئت رسول الله وأخبرته ، فأعتقني
.

هذا حديث منكر غير صحيح ، وعبد الله بن عبد القدوس متروك ، وقد تابعه في بعض الحديث الثوري ، وشريك ، وأما هو ، فسمن الحديث فأفسده ، وذكر مكة والحجر وأن هناك بساتين ، وخبط في مواضع . وروى منه أبو أحمد الزبيري ، عن سفيان ، عن العلاء ، عن أبي الطفيل .

ورواه المبارك أخو الثوري ، عن أبيه ، عن عبيد المكتب ، فقال : عن أبي البختري ، عن سلمان ، وفي هذه الروايات كلها : كنت من أهل جي . وقال الفريابي وغيره : عن سفيان ، عن عوف ، عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كنت رجلا من رامهرمز . والفارسية سماها ابن منده : أمة الله .

الطبراني في " معجمه الكبير " : حدثنا أحمد بن داود المكي ، حدثنا قيس ابن حفص الدارمي ، حدثنا مسلمة بن علقمة ، حدثنا داود بن أبي هند ، عن [ ص: 535 ] سماك بن حرب ، عن سلامة العجلي قال : جاء ابن أخت لي من البادية يقال له : قدامة ، فقال : أحب أن ألقى سلمان : فخرجنا إليه ، فسلمنا عليه ، وجدناه بالمدائن وهو يومئذ على عشرين ألفا ، ووجدناه على سرير ليف يسف خوصا . فقلت : يا أبا عبد الله ، هذا ابن أخت لي قدم ، فأحب أن يسلم عليك . قال : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته . قلت : يزعم أنه يحبك . قال : أحبه الله .

فتحدثنا وقلنا : ألا تحدثنا عن أصلك ؟ قال : أنا من أهل رامهرمز ، كنا قوما مجوسا ، فأتاني نصراني من الجزيرة كانت أمه منا ، فنزل فينا واتخذ ديرا ، وكنت في مكتب الفارسية ، فكان لا يزال غلام معي في الكتاب يجيء مضروبا يبكي ، فقلت له يوما : ما يبكيك ؟ قال : يضربني أبواي . قلت : ولم ؟ قال : آتي هذا الدير ، فإذا علما ذلك ، ضرباني ، وأنت لو أتيته سمعت منه حديثا عجبا . قلت : فاذهب بي معك . فأتيناه ، فحدثنا عن بدء الخلق ، وعن الجنة والنار .

وكنت أختلف إليه معه ، ففطن لنا غلمان من الكتاب ، فجعلوا يجيئون معنا ، فلما رأى ذلك أهل القرية قالوا له : يا هناة إنك قد جاورتنا فلم تر منا إلا الحسن ، وإنا نرى غلماننا يختلفون إليك ، ونحن نخاف أن تفسدهم ، اخرج عنا . قال : نعم . فقال لذلك الغلام : اخرج معي . قال : لا أستطيع ، قد علمت شدة أبوي علي .

قلت : أنا أخرج معك - وكنت يتيما لا أب لي - فخرجت ، فأخذنا جبل رامهرمز نمشي ونتوكل ، ونأكل من ثمر الشجر ، حتى قدمنا الجزيرة ، فقدمنا نصيبين ، فقال : هنا قوم عباد أهل الأرض ، فجئنا إليهم يوم الأحد وقد اجتمعوا ، فسلم عليهم ، فحيوه ، وبشوا به وقالوا : أين كانت غيبتك ؟ قال : كنت في إخوان لي من قبل فارس .

ثم قال صاحبي : قم يا [ ص: 536 ] سلمان قال : قلت : لا ، دعني مع هؤلاء . قال : إنك لا تطيق ما يطيق هؤلاء ، يصومون الأحد إلى الأحد ، ولا ينامون هذا الليل . وإذا فيهم رجل من أبناء الملوك ترك الملك ، ودخل في العبادة ، فكنت فيهم حتى أمسينا .

فجعلوا يذهبون واحدا واحدا إلى غاره الذي يكون فيه ، فقال لي : يا سلمان ، هذا خبز وهذا أدم ، كل إذا غرثت ، وصم إذا نشطت ، وصل ما بدا لك ، ثم قام في صلاته ، فلم يكلمني ، ولم ينظر إلي ، فأخذني الغم تلك الأيام السبعة حتى كان يوم الأحد ، فذهبنا إلى مجمعهم ، إلى أن قال صاحبي : إني أريد الخروج إلى بيت المقدس . ففرحت ، وقلت : نسافر ، ونلقى الناس . فخرجنا ، فكان يصوم من الأحد إلى الأحد ، ويصلي الليل كله ، ويمشي بالنهار . فلم يزل ذاك دأبه حتى انتهينا إلى بيت المقدس ، وعلى بابه مقعد يسأل الناس ، فقال : أعطني ، قال : ما معي شيء .

فدخلنا بيت المقدس ، فبشوا به واستبشروا ، فقال لهم : غلامي هذا استوصوا به ، فأطعموني خبزا ولحما . ودخل في الصلاة ، فلم ينصرف حتى كان يوم الأحد ، فقال لي : يا سلمان ، إني أريد أن أنام ، فإذا بلغ الظل مكان كذا وكذا فأيقظني . فنام فلم أوقظه ماوية له مما دأب ، فاستيقظ مذعورا ، فقال : ألم أكن قلت لك ؟ ثم قال لي : اعلم أن أفضل الدين اليوم النصرانية ، قلت : ويكون بعد اليوم دين أفضل منه كلمة ألقيت على لساني ؟ قال : نعم يوشك أن يبعث نبي .

إلى أن قال : فتلقاني رفقة من كلب فسبوني ، فاشتراني بالمدينة رجل من الأنصار ، فجعلني في نخل ، ومن ثم تعلمت عمل الخوص ، أشتري خوصا بدرهم ، فأعمله فأبيعه بدرهمين ، فأرد درهما في الخوص ، وأستنفق درهما أحب أن كان من عمل يدي .

قال : فبلغنا أن رجلا قد خرج بمكة يزعم أن الله أرسله . قال : فهاجر إلينا ، [ ص: 537 ] إلى أن قال : فقلت : يا رسول الله ، أي قوم النصارى ؟ قال : لا خير فيهم ولا فيمن يحبهم .

قلت في نفسي : أنا - والله - أحبهم . قال : وذاك حين بعث السرايا ، وجرد السيف ، فسرية تدخل ، وسرية تخرج ، والسيف يقطر ، قلت : يحدث بي أني أحبهم ، فيبعث إلي فيضرب عنقي . فقعدت في البيت ، فجاءني الرسول : أجب رسول الله . فخفت ، وقلت : اذهب حتى ألحقك ، قال : لا - والله - حتى تجيء . فانطلقت ، فلما رآني تبسم ، وقال : يا سلمان أبشر ، فقد فرج الله عنك ، ثم تلا علي
الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إلى قوله : لا نبتغي الجاهلين .

قلت : والذي بعثك بالحق لقد سمعته يقول - يعني صاحبه - : لو أدركته ، فأمرني أن أقع في النار ، لوقعت فيها ، إنه نبي لا يقول إلا حقا ، ولا يأمر إلا بحق
.

غريب جدا ، وسلامة لا يعرف .

قال بقي بن مخلد في " مسنده " : حدثنا يحيى الحماني ، حدثنا شريك ، عن عبيد المكتب ، عن أبي الطفيل ، عن سلمان قال : خرجت في طلب العلم إلى الشام . فقالوا لي : إن نبيا قد ظهر بتهامة ، فخرجت إلى المدينة ، فبعثت إليه بقباع من تمر ، فقال : أهدية أم صدقة ؟ قلت : صدقة . فقبض يده ، وأشار إلى أصحابه أن يأكلوا . ثم أتبعته بقباع من تمر ، وقلت : هذا هدية ، فأكل وأكلوا . فقمت على رأسه ففطن ، فقال بردائه عن ظهره فإذا في ظهره خاتم النبوة ، فأكببت عليه ، وتشهدت . [ ص: 538 ] إسناده صالح .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:10 PM

أخرج البخاري من حديث سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي قال : تداولني بضعة عشر من رب إلى رب .

يحيى الحماني : حدثنا شريك ، عن عبيد المكتب ، عن أبي الطفيل ، عن سلمان قال : كاتبت ، فأعانني النبي - صلى الله عليه وسلم - ببيضة من ذهب ، فلو وزنت بأحد كانت أثقل منه .

حماد بن سلمة : أنبأنا علي بن زيد ، عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : كاتبت أهلي على أن أغرس لهم خمس مائة فسيلة ، فإذا علقت ، فأنا حر ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا أردت أن تغرس فآذني . فآذنته ، فغرس بيده إلا واحدة غرستها فيعلق الجميع إلا الواحدة التي غرست .

قيس بن الربيع : حدثنا أبو هاشم ، عن زاذان ، عن سلمان قال : قرأت في التوراة أن البركة تنزل في الوضوء قبل الطعام . فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : تنزل قبل الطعام في الوضوء ، وفي الوضوء بعده . [ ص: 539 ]

أبو بدر السكوني : عن قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه ، عن سلمان : قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يا سلمان ، لا تبغضني فتفارق دينك . قلت : بأبي وأمي كيف أبغضك وبك هداني الله ! قال : تبغض العرب فتبغضني قابوس بن حسنة : قال الترمذي : يحيى بن عقبة بن أبي العيزار من الضعفاء ، عن محمد بن جحادة ، عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنا سابق ولد آدم وسلمان سابق الفرس .

ابن علية : عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : سلمان سابق الفرس .

هذا مرسل ومعناه صحيح .

ابن أبي فديك : عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه ، عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خط الخندق عام الأحزاب . فاحتج المهاجرون والأنصار في سلمان الفارسي ، وكان رجلا قويا ، فقال المهاجرون : منا سلمان . وقالت الأنصار : سلمان منا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : سلمان منا أهل البيت . [ ص: 540 ]

كثير متروك .

حماد بن سلمة : عن ثابت ، عن معاوية بن قرة ، عن عائذ بن عمرو أن أبا سفيان مر على سلمان وبلال وصهيب في نفر ، فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها . فقال أبو بكر : تقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ! ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فقال : يا أبا بكر ، لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم لقد أغضبت ربك . فأتاهم أبو بكر ، فقال : يا إخوتاه أغضبتكم ؟ قالوا : لا يا أبا بكر يغفر الله لك .

قال الواقدي : أول مغازي سلمان الفارسي الخندق .

أحمد في " مسنده " حدثنا ابن نمير حدثنا شريك ، حدثنا أبو ربيعة ، عن ابن بريدة عن أبيه مرفوعا : إن الله يحب من أصحابي أربعة ، وأمرني أن أحبهم : علي ، وأبو ذر ، وسلمان ، والمقداد تفرد به أبو ربيعة . [ ص: 541 ]

الحسن بن صالح بن حي : عن أبي ربيعة البصري ، عن الحسن ، عن أنس قال ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : الجنة تشتاق إلى ثلاثة : علي وعمار وسلمان .

يعلى بن عبيد : حدثنا الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري قال : قيل لعلي : أخبرنا عن أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - قال : عن أيهم تسألون ؟ قيل : عن عبد الله ، قال : علم القرآن والسنة ، ثم انتهى وكفى به علما . قالوا : عمار ؟ قال : مؤمن نسي فإن ذكرته ، ذكر . قالوا : أبو ذر ؟ قال : وعى علما عجز عنه . قالوا : أبو موسى ؟ قال : صبغ في العلم صبغة ، ثم خرج منه . قالوا : حذيفة ؟ قال : أعلم أصحاب محمد بالمنافقين . قالوا : سلمان ؟ قال : أدرك العلم الأول ، والعلم الآخر ، بحر لا يدرك قعره ، وهو منا أهل البيت . قالوا : فأنت يا أمير المؤمنين ؟ قال : كنت إذا سألت أعطيت ، وإذا سكت ابتديت .

مسلم بن خالد الزنجي وغيره ، عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ، عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تلا هذه الآية : وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء ؟ قال : فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال : هذا وقومه ، لو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس . [ ص: 542 ]

إسناده وسط .

وكيع : عن الأعمش ، عن أبي صالح قال : بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - قول سلمان لأبي الدرداء : إن لأهلك عليك حقا . فقال : ثكلت سلمان أمه ، لقد اتسع من العلم .

شيبان : عن قتادة في قوله : ومن عنده علم الكتاب قال : سلمان وعبد الله بن سلام . [ ص: 543 ]

إسحاق الأزرق : عن ابن عون ، عن ابن سيرين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي الدرداء : يا عويمر ، سلمان أعلم منك ; لا تخص ليلة الجمعة بقيام ولا يومها بصيام .

مسعر : عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي قال : سلمان تابع العلم الأول والعلم الآخر ، ولا يدرك ما عنده .

حبان بن علي : حدثنا ابن جريج ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، وعن رجل ، عن زاذان قالا : كنا عند علي ، قلنا : حدثنا عن سلمان ، قال : من لكم بمثل لقمان الحكيم ، ذاك امرؤ منا وإلينا أهل البيت ، أدرك العلم الأول والعلم الآخر بحر لا ينزف . [ ص: 544 ]

معاوية بن صالح : عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني ، عن يزيد بن عميرة قال : لما حضر معاذا الموت قلنا : أوصنا ، قال : أجلسوني . ثم قال : إن الإيمان والعلم مكانهما ، من ابتغاهما وجدهما . قالها ثلاثا ، فالتمسوا العلم عند أربعة : أبي الدرداء ، وسلمان ، وابن مسعود ، وعبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم . فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إنه عاشر عشرة في الجنة رواه الليث وكاتبه عنه .

وعن المدائني أن سلمان الفارسي قال : لو حدثتهم بكل ما أعلم ، لقالوا : رحم الله قاتل سلمان .

معمر ، عن قتادة : كان بين سعد بن أبي وقاص وبين سلمان شيء ، فقال : انتسب يا سلمان ، قال : ما أعرف لي أبا في الإسلام ، ولكني سلمان ابن الإسلام ، فنمى ذلك إلى عمر ، فلقي سعدا ، فقال : انتسب يا سعد ، فقال : أنشدك بالله يا أمير المؤمنين ، قال : وكأنه عرف ، فأبى أن يدعه حتى انتسب . ثم قال : لقد علمت قريش أن الخطاب كان أعزهم في الجاهلية ، وأنا عمر ابن الإسلام أخو سلمان ابن الإسلام ، أما - والله - لولا شيء ، لعاقبتك ، أوما علمت أن رجلا انتمى إلى تسعة آباء في الجاهلية فكان عاشرهم في النار ؟ . [ ص: 545 ]

عفان : حدثنا جعفر بن سليمان ، عن ثابت قال : كتب عمر إلى سلمان : أن زرني . فخرج سلمان إليه . فلما بلغ عمر قدومه قال : انطلقوا بنا نتلقاه ، فلقيه عمر ، فالتزمه وساءله ورجعا ، ثم قال له عمر : يا أخي ، أبلغك عني شيء تكرهه ؟ قال : بلغني أنك تجمع على مائدتك السمن واللحم ، وبلغني أن لك حلتين حلة تلبسها في أهلك ، وأخرى تخرج فيها ، قال : هل غير هذا ؟ قال : لا ، قال : كفيت هذا .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:12 PM

الحسن بن سفيان في " مسنده " : حدثنا محمد بن بكار الصيرفي حدثنا حجاج بن فروخ حدثنا ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : قدم سلمان من غيبة له ، فتلقاه عمر ، فقال : أرضاك لله عبدا . قال : فزوجني ، فسكت عنه ، قال : ترضاني لله عبدا ، ولا ترضاني لنفسك ؟ فلما أصبح أتاه قوم عمر ليضرب عن خطبة عمر ، فقال : والله ما حملني على هذا أمره ولا سلطانه ، ولكن قلت : رجل صالح عسى الله أن يخرج من بيننا نسمة صالحة . حجاج : واه .

سعيد بن سليمان الواسطي : حدثنا عقبة بن أبي الصهباء ، حدثنا ابن سيرين ، حدثنا عبيدة السلماني أن سلمان مر بحجر المدائن غازيا وهو أمير الجيش وهو ردف رجل من كندة على بغل موكوف ، فقال أصحابه : أعطنا [ ص: 546 ] اللواء أيها الأمير نحمله ، فيأبى حتى قضى غزاته ورجع وهو ردف الرجل .

أبو المليح الرقي : عن حبيب ، عن هزيم أو هذيم قال : رأيت سلمان الفارسي على حمار عري وعليه قميص سنبلاني ضيق الأسفل ، وكان طويل الساقين ، يتبعه الصبيان ، فقلت لهم : تنحوا عن الأمير ، فقال : دعهم ، فإن الخير والشر فيما بعد اليوم .

حماد بن سلمة : عن عطاء بن السائب ، عن ميسرة أن سلمان كان إذا سجدت له العجم ، طأطأ رأسه ، وقال : خشعت لله ، خشعت لله .

أبو نعيم : حدثنا يزيد بن مردانبة ، عن خليفة بن سعيد المرادي ، عن عمه قال : رأيت سلمان في بعض طرق المدائن زحمته حملة قصب فأوجعته ، فأخذ بعضد صاحبها فحركه ، ثم قال : لا مت حتى تدرك إمارة الشباب .

جرير بن حازم : سمعت شيخا من بني عبس يذكر عن أبيه قال : أتيت السوق ، فاشتريت علفا بدرهم ، فرأيت سلمان ولا أعرفه ، فسخرته ، فحملت عليه العلف ، فمر بقوم ، فقالوا : نحمل عنك يا أبا عبد الله ، فقلت : من ذا ؟ قالوا : هذا سلمان صاحب رسول الله . فقلت له : لم أعرفك ، ضعه . فأبى حتى أتى المنزل . [ ص: 547 ]

وروى ثابت البناني نحوها ، وفيها : فحسبته علجا ، وفيها : قال له : فلا تسخر بعدي أحدا .

جعفر بن سليمان : عن هشام بن حسان ، عن الحسن قال : كان عطاء سلمان خمسة آلاف ، وكان على ثلاثين ألفا من الناس ، يخطب في عباءة يفرش نصفها ، ويلبس نصفها . وكان إذا خرج عطاؤه أمضاه ، ويأكل من سفيف يده - رضي الله عنه - .

شعبة : عن سماك بن حرب ، سمع النعمان بن حميد يقول : دخلت مع خالي على سلمان بالمدائن وهو يعمل الخوص فسمعته يقول : أشتري خوصا بدرهم ، فأعمله ، فأبيعه بثلاثة دراهم فأعيد درهما فيه ، وأنفق درهما على عيالي ، وأتصدق بدرهم ، ولو أن عمر نهاني عنه ما انتهيت .

وروى نحوها عن سماك ، عن عمه وفيها : فقلت له : فلم تعمل ؟ قال : إن عمر أكرهني ، فكتبت إليه ، فأبى علي مرتين ، وكتبت إليه ، فأوعدني .

معن : عن مالك أن سلمان كان يستظل بالفيء حيث ما دار ، ولم يكن له بيت ، فقيل : ألا نبني لك بيتا تستكن به ؟ قال : نعم . فلما أدبر القائل سأله سلمان : كيف تبنيه ؟ قال : إن قمت فيه أصاب رأسك ، وإن نمت أصاب رجلك . [ ص: 548 ]

زائدة : عن عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي ظبيان ، عن جرير بن عبد الله قال : نزلت بالصفاح في يوم شديد الحر ، فإذا رجل نائم في حر الشمس يستظل بشجرة ، معه شيء من الطعام ، ومزوده تحت رأسه ، ملتف بعباءة ، فأمرته أن يظلل عليه ، ونزلنا فانتبه ، فإذا هو سلمان . فقلت له : ظللنا عليك وما عرفناك . قال : يا جرير ، تواضع في الدنيا ; فإنه من تواضع يرفعه الله يوم القيامة ، ومن يتعظم في الدنيا يضعه الله يوم القيامة ، لو حرصت على أن تجد عودا يابسا في الجنة لم تجده . قلت : وكيف ؟ قال : أصول الشجر ذهب وفضة ، وأعلاها الثمار ، يا جرير ، تدري ما ظلمة النار ؟ قلت : لا ، قال : ظلم الناس .

شعبة : حدثنا حبيب بن الشهيد ، عن عبد الله بن بريدة أن سلمان كان يعمل بيده ، فإذا أصاب شيئا اشترى به لحما أو سمكا ثم يدعو المجذمين ، فيأكلون معه .

سليمان بن المغيرة : عن حميد بن هلال قال : أوخي بين سلمان وأبي الدرداء ، فسكن أبو الدرداء الشام ، وسكن سلمان الكوفة ، وكتب أبو الدرداء إليه : سلام عليك ، أما بعد ، فإن الله رزقني بعدك مالا وولدا ، ونزلت الأرض المقدسة . فكتب إليه سلمان : اعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد ، ولكن الخير أن يعظم حلمك ، وأن ينفعك علمك ، وإن الأرض لا تعمل لأحد ، اعمل كأنك ترى ، واعدد نفسك من الموتى . [ ص: 549 ]

مالك في " الموطأ " : عن يحيى بن سعيد أن أبا الدرداء كتب إلى سلمان : هلم إلى الأرض المقدسة . فكتب إليه : إن الأرض لا تقدس أحدا ، وإنما يقدس المرء عمله . وقد بلغني أنك جعلت طبيبا ، فإن كنت تبرئ ، فنعما لك ، وإن كنت متطببا فاحذر أن تقتل إنسانا ، فتدخل النار . فكانأبو الدرداء إذا قضى بين اثنين ، ثم أدبرا عنه ، نظر إليهما ، وقال : متطبب والله ، ارجعا أعيدا علي قصتكما .

أبو عبيدة بن معن : عن الأعمش ، عن أبي البختري قال : جاء الأشعث بن قيس وجرير بن عبد الله ، فدخلا على سلمان في خص ، فسلما وحيياه ، ثم قالا : أنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : لا أدري . فارتابا ، قال : إنما صاحبه من دخل معه الجنة . قالا : جئنا من عند أبي الدرداء ، قال : فأين هديته ؟ قالا : ما معنا هدية . قال : اتقيا الله ، وأديا الأمانة ، ما أتاني أحد من عنده إلا بهدية ، قالا : لا ترفع علينا هذا ، إن لنا أموالا فاحتكم ، قال : ما أريد إلا الهدية ، قالا : والله ما بعث معنا بشيء إلا أنه قال : إن فيكم رجلا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خلا به ، لم يبغ غيره ، فإذا أتيتماه ، فأقرئاه مني السلام . قال : فأي هدية كنت أريد منكما غير هذه ؟ وأي هدية أفضل منها ؟
وكيع : عن الأعمش ، عن سليمان بن ميسرة ، والمغيرة بن شبل ، عن طارق بن شهاب ، عن سلمان قال : إذا كان الليل ، كان الناس منه على ثلاث [ ص: 550 ] منازل : فمنهم من له ولا عليه ، ومنهم من عليه ولا له ، ومنهم من لا عليه ولا له . فقلت : وكيف ذاك ؟ قال : أما من له ولا عليه ، فرجل اغتنم غفلة الناس وظلمة الليل ، فتوضأ وصلى ، فذاك له ولا عليه ، ورجل اغتنم غفلة الناس ، وظلمة الليل ، فمشى في معاصي الله ، فذاك عليه ولا له ، ورجل نام حتى أصبح ، فذاك لا له ولا عليه .

قال طارق : فقلت : لأصحبن هذا . فضرب على الناس بعث ، فخرج فيهم ، فصحبته وكنت لا أفضله في عمل ، إن أنا عجنت خبز وإن خبزت طبخ ، فنزلنا منزلا فبتنا فيه ، وكانت لطارق ساعة من الليل يقومها ، فكنت أتيقظ لها فأجده نائما ، فأقول : صاحب رسول الله خير مني نائم ، فأنام ثم أقوم فأجده نائما فأنام ، إلا أنه كان إذا تعار من الليل قال وهو مضطجع : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير . حتى إذا كان قبيل الصبح قام فتوضأ ثم ركع أربع ركعات . فلما صلينا الفجر قلت : يا أبا عبد الله ، كانت لي ساعة من الليل أقومها وكنت أتيقظ لها فأجدك نائما ، قال : يا ابن أخي ، فأيش كنت تسمعني أقول ؟ فأخبرته ، فقال : يا ابن أخي تلك الصلاة ، إن الصلوات الخمس كفارات لما بينهن ، ما اجتنبت المقتلة ، يا ابن أخي عليك بالقصد ; فإنه أبلغ .

شعبة : عن عمرو بن مرة ، سمعت أبا البختري يحدث أن سلمان دعا رجلا إلى طعامه . قال : فجاء مسكين فأخذ الرجل كسرة فناوله ، فقال سلمان : [ ص: 551 ] ضعها ، فإنما دعوناك لتأكل فما رغبتك أن يكون الأجر لغيرك والوزر عليك .

سليمان بن قرم : عن الأعمش ، عن أبي وائل قال : ذهبت أنا وصاحب لي إلى سلمان ، فقال : لولا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن التكلف ، لتكلفت لكم . فجاءنا بخبز وملح ، فقال صاحبي : لو كان في ملحنا صعتر . فبعث سلمان بمطهرته ، فرهنها فجاء بصعتر ، فلما أكلنا ، قال صاحبي : الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا ، فقال سلمان : لو قنعت لم تكن مطهرتي مرهونة .

الأعمش : عن عبيد بن أبي الجعد ، عن رجل أشجعي قال : سمعوا بالمدائن أن سلمان بالمسجد ، فأتوه يثوبون إليه حتى اجتمع نحو من ألف ، فقام ، فافتتح سورة يوسف ، فجعلوا يتصدعون ويذهبون ، حتى بقي نحو مائة ، فغضب ، وقال : الزخرف يريدون ؟ آية من سورة كذا ، وآية من سورة كذا .

وروى حبيب بن أبي ثابت : عن نافع بن جبير أن سلمان التمس مكانا يصلي فيه ، فقالت له علجة : التمس قلبا طاهرا ، وصل حيث شئت . فقال : فقهت .

سليمان التيمي : عن أبي عثمان ، عن سلمان قال : كانت امرأة فرعون تعذب ، فإذا انصرفوا ، أظلتها الملائكة بأجنحتها ، وترى بيتها في الجنة وهي [ ص: 552 ] تعذب ، قال : وجوع لإبراهيم أسدان ثم أرسلا عليه ، فجعلا يلحسانه ، ويسجدان له .

معتمر بن سليمان : عن أبيه ، عن أبي عثمان النهدي أن سلمان كان لا يفقه كلامه من شدة عجمته ، قال : وكان يسمي الخشب خشبان .

تفرد به الثقة يعقوب الدورقي عنه .

وأنكره أبو محمد بن قتيبة - أعني عجمته - ولم يصنع شيئا ، فقال : له كلام يضارع كلام فصحاء العرب .

قلت : وجود الفصاحة لا ينافي وجود العجمة في النطق ، كما أن وجود فصاحة النطق من كثير العلماء غير محصل للإعراب .

قال : وأما خشبان فجمع الجمع ، أو هو خشب زيد فيه الألف والنون كسود وسودان .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:15 PM

عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس قال : دخل سعد وابن مسعود على سلمان عند الموت فبكى ، فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : عهد عهده إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم نحفظه . قال : ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ، وأما أنت يا سعد فاتق الله في حكمك إذا حكمت ، وفي قسمك إذا قسمت ، وعند همك إذا هممت . [ ص: 553 ]

قال ثابت : فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما نفيقة كانت عنده .

شيبان : عن فراس ، عن الشعبي ، عن الحارث ، عن بقيرة امرأة سلمان أنها قالت لما حضره الموت : دعاني وهو في علية له لها أربعة أبواب ، فقال : افتحي هذه الأبواب فإن لي اليوم زوارا لا أدري من أي هذه الأبواب يدخلون علي ، ثم دعا بمسك ، فقال : أديفيه في تور ثم انضحيه حول فراشي ، فاطلعت عليه فإذا هو قد أخذ روحه فكأنه نائم على فراشه .

بقي بن مخلد : حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا أبو معاوية ، عن عاصم ، عن [ ص: 554 ] أبي عثمان ، عن سلمان قال :
يأتون محمدا - صلى الله عليه وسلم - فيقولون : يا نبي الله أنت الذي فتح الله بك وختم بك ، وغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، وجئت في هذا اليوم آمنا فقد ترى ما نحن فيه ، فقم فاشفع لنا إلى ربنا . فيقول : أنا صاحبكم . فيقوم فيخرج يحوش الناس حتى ينتهي إلى باب الجنة ، فيأخذ بحلقة في الباب من ذهب ، فيقرع الباب ، فيقال : من هذا ؟ فيقول : محمد . فيفتح له ، فيجيء حتى يقوم بين يدي الله ، فيستأذن في السجود ، فيؤذن له ، فينادى : يا محمد ارفع رأسك ، سل تعطه ، واشفع تشفع ، وادع تجب ، فيفتح الله له من الثناء عليه والتحميد والتمجيد ما لم يفتح لأحد من الخلائق فيقول : رب أمتي أمتي ، ثم يستأذن في السجود .

قال سلمان : فيشفع في كل من كان في قلبه مثقال حنطة من إيمان أو قال : مثقال شعيرة ، أو قال : مثقال حبة من خردل من إيمان
.

أبو عوانة : عن عاصم ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان ، قال : فترة ما بين عيسى ومحمد - صلى الله عليه وسلم - ست مائة سنة .

قال الواقدي : مات سلمان في خلافة عثمان بالمدائن . وكذا قال ابن زنجويه .

وقال أبو عبيد وشباب في رواية عنه ، وغيرهما : توفي سنة ست وثلاثين [ ص: 555 ] بالمدائن .

وقال شباب في رواية أخرى : سنة سبع وهو وهم ، فما أدرك سلمان الجمل ولا صفين .

قال العباس بن يزيد البحراني : يقول أهل العلم : عاش سلمان ثلاث مائة وخمسين سنة ، فأما مائتان وخمسون ، فلا يشكون فيه .

قال أبو نعيم الأصبهاني : يقال : اسم سلمان : ماهويه ، وقيل : ماية ، وقيل بهبود بن بذخشان بن آذر جشيش من ولد منوجهر الملك وقيل : من ولد آب الملك . يقال : توفي سنة ثلاث وثلاثين بالمدائن .

قال : وتاريخ كتاب عتقه يوم الاثنين في جمادى الأولى مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

ومولاه الذي باعه عثمان بن أشهل القرظي اليهودي ، وقيل : إنه عاد إلى أصبهان زمن عمر . وقيل : كان له أخ اسمه بشير وبنت بأصبهان لها نسل وبنتان بمصر ، وقيل : كان له ابن اسمه كثير ، فمن قول البحراني إلى هنا منقول من كتاب الطوالات لأبي موسى الحافظ .

وقد فتشت فما ظفرت في سنه بشيء سوى قول البحراني ، وذلك منقطع لا إسناد له .

ومجموع أمره وأحواله ، وغزوه ، وهمته ، وتصرفه ، وسفه للجريد ، وأشياء مما تقدم ينبئ بأنه ليس بمعمر ولا هرم . فقد فارق وطنه وهو حدث ، ولعله قدم الحجاز وله أربعون سنة أو أقل ، فلم ينشب أن سمع بمبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم [ ص: 556 ] هاجر ، فلعله عاش بضعا وسبعين سنة . وما أراه بلغ المائة . فمن كان عنده علم ، فليفدنا .

وقد نقل طول عمره أبو الفرج بن الجوزي وغيره ، وما علمت في ذلك شيئا يركن إليه .

روى جعفر بن سليمان : عن ثابت البناني ، وذلك في " العلل " لابن أبي حاتم ، قال : لما مرض سلمان ، خرج سعد من الكوفة يعوده ، فقدم ، فوافقه وهو في الموت يبكي ، فسلم وجلس ، وقال : ما يبكيك يا أخي ؟ ألا تذكر صحبة رسول الله ؟ ألا تذكر المشاهد الصالحة ؟ .

قال : والله ما يبكيني واحدة من ثنتين : ما أبكي حبا بالدنيا ولا كراهية للقاء الله . قال سعد : فما يبكيك بعد ثمانين ؟ قال : يبكيني أن خليلي عهد إلي عهدا قال : ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب ، وإنا قد خشينا أنا قد تعدينا .

رواه بعضهم عن ثابت ، فقال : عن أبي عثمان ، وإرساله أشبه قاله أبو حاتم ، وهذا يوضح لك أنه من أبناء الثمانين .

وقد ذكرت في تاريخي الكبير أنه عاش مائتين وخمسين سنة ، وأنا الساعة لا أرتضي ذلك ولا أصححه .

أبو صالح : حدثنا الليث ، حدثني يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : التقى سلمان وعبد الله بن سلام ، فقال أحدهما لصاحبه : إن لقيت ربك [ ص: 557 ] قبلي فأخبرني ماذا لقيت منه . فتوفي أحدهما فلقي الحي في المنام فكأنه سأله ، فقال : توكل وأبشر ; فلم أر مثل التوكل قط .

قلت : سلمان مات قبل عبد الله بسنوات .

أخبرنا سنقر الزينبي : أنبأنا علي بن محمد الجزري ، ويعيش بن علي ، قالا : أنبأنا عبد الله بن أحمد الخطيب ( ح ) ، وقد أنبئت عن عبد المؤمن بن خلف الحافظ ، أنبأنا الأعز بن فضائل ، أخبرتنا شهدة قالا : أنبأنا جعفر بن أحمد السراج ، أنبأنا الحسن بن عيسى بن المقتدر ، أنبأنا أحمد بن منصور اليشكري ، حدثنا أبو عبد الله بن عرفة ، حدثني محمد بن موسى السامي ، أنبأنا روح بن أسلم ، أنبأنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري ، عن سلمان قال : كان في بني إسرائيل امرأة ذات جمال ، وكانت عند رجل يعمل بالمسحاة ، فكانت إذا جاء الليل قدمت له طعامه ، وفرشت له فراشه . فبلغ خبرها ملك ذلك العصر ، فبعث إليها عجوزا من بني إسرائيل ، فقالت لها : تصنعين بهذا الذي يعمل بالمسحاة ، لو كنت عند الملك ، لكساك الحرير ، وفرش لك الديباج .

فلما وقع الكلام في مسامعها ، جاء زوجها بالليل ، فلم تقدم له طعامه ، ولم تفرش له فراشه ، فقال لها : ما هذا الخلق يا هنتاه ؟ قالت : هو ما ترى . فقال : أطلقك ؟ قالت : نعم . فطلقها ، فتزوجها ذلك الملك ، فلما زفت إليه ، نظر إليها فعمي ، ومد يده إليها فجفت ، فرفع نبي ذلك العصر خبرهما إلى الله ، فأوحى الله إليه : أعلمهما أني غير غافر لهما ، أما علما أن بعيني ما عملا [ ص: 558 ] بصاحب المسحاة .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:16 PM

عبادة بن الصامت ( ع )

[ ص: 5 ] ابن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن عوف بن [ عمرو بن عوف ] بن الخزرج ، الإمام القدوة ، أبو الوليد الأنصاري ، أحد النقباء ليلة العقبة ، ومن أعيان البدريين سكن بيت المقدس .

حدث عنه أبو أمامة الباهلي ، وأنس بن مالك ، وأبو مسلم الخولاني الزاهد ، وجبير بن نفير ، وجنادة بن أبي أمية ، وعبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي ، ومحمود بن الربيع ، وأبو إدريس الخولاني ، وأبو الأشعث الصنعاني ، وابنه الوليد بن عبادة ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن ، وخالد بن معدان - ولم يلحقاه ، فهو مرسل - وابن زوجته أبو أبي ، وكثير بن مرة ، وحطان بن عبد الله الرقاشي ، وآخرون .

قال ابن إسحاق في تسمية من شهد العقبة الأولى : عبادة بن الصامت . شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . [ ص: 6 ] محمد بن سابق ، حدثنا حشرج بن نباتة ، عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي : سمع أبا قلابة يقول : حدثني الصنابحي : أن عبادة بن الصامت حدثه ، قال : خلوت برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : أي أصحابك أحب إليك حتى أحبه ؟ قال : اكتم علي حياتي : أبو بكر الصديق ، ثم عمر ، ثم علي . ثم سكت ، فقلت : ثم من يا رسول الله ؟ قال : من عسى أن يكون إلا الزبير ، وطلحة ، وسعد ، وأبو عبيدة ، ومعاذ ، وأبو طلحة ، وأبو أيوب ، وأنت يا عبادة ، وأبي بن كعب ، وأبو الدرداء ، وابن مسعود ، وابن عوف ، وابن عفان ، ثم هؤلاء الرهط من الموالي : سلمان ، وصهيب ، وبلال ، وعمار

قال محمد بن كعب القرظي : جمع القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة من الأنصار : معاذ ، وعبادة ، وأبي ، وأبو أيوب ، وأبو الدرداء ، فلما كان عمر ، كتب يزيد بن أبي سفيان إليه : إن أهل الشام كثير ، وقد احتاجوا إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم ، فقال : أعينوني بثلاثة ، فقالوا : هذا شيخ كبير - لأبي أيوب - وهذا سقيم - لأبي - فخرج الثلاثة إلى الشام ، فقال : ابدءوا بحمص ، فإذا رضيتم منهم ، فليخرج واحد إلى دمشق ، وآخر إلى فلسطين . [ ص: 7 ]

برد بن سنان ، عن إسحاق بن قبيصة بن ذؤيب ، عن أبيه : أن عبادة أنكر على معاوية شيئا ، فقال : لا أساكنك بأرض ، فرحل إلى المدينة ، قال له عمر : ما أقدمك ؟ فأخبره بفعل معاوية ، فقال [ له ] : ارحل إلى مكانك ، فقبح الله أرضا لست فيها وأمثالك ، فلا إمرة له عليك .

ابن أبي أويس ، عن أبيه ، عن الوليد بن داود بن محمد بن عبادة بن الصامت عن ابن عمه عبادة بن الوليد ، قال : كان عبادة بن الصامت مع معاوية ، فأذن يوما ، فقام خطيب يمدح معاوية ، ويثني عليه ، فقام عبادة بتراب في يده ، فحشاه في فم الخطيب ، فغضب معاوية ، فقال له عبادة : إنك لم تكن معنا حين بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقبة ، على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا ومكسلنا ، وأثرة علينا ، وألا ننازع الأمر أهله ، وأن نقوم بالحق حيث كنا ، لا نخاف في الله لومة لائم . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيتم المداحين ، فاحثوا في أفواههم التراب . [ ص: 8 ]

يحيى القطان : حدثنا ثور بن يزيد ، حدثنا مالك بن شرحبيل ، قال : قال عبادة بن الصامت : ألا تروني لا أقوم إلا رفدا ولا آكل إلا ما لوق - يعني : لين وسخن - وقد مات صاحبي منذ زمان - يعني ذكره - وما يسرني أني خلوت بامرأة لا تحل لي ، وإن لي ما تطلع عليه الشمس ، مخافة أن يأتي الشيطان ، فيحركه ، على أنه لا سمع له ولا بصر .

إسماعيل بن عياش ، عن ابن خثيم ، حدثنا إسماعيل بن عبيد بن [ ص: 9 ] رفاعة ، قال : كتب معاوية إلى عثمان : إن عبادة بن الصامت قد أفسد علي الشام وأهله ، فإما أن تكفه إليك ، وإما أن أخلي بينه وبين الشام .

فكتب إليه : أن رحل عبادة حتى ترجعه إلى داره بالمدينة .

قال : فدخل على عثمان ، فلم يفجأه إلا به وهو معه في الدار ، فالتفت إليه ، فقال : يا عبادة ما لنا ولك ؟ فقام عبادة بين ظهراني الناس ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون ، وينكرون عليكم ما تعرفون ، فلا طاعة لمن عصى ، ولا تضلوا بربكم
.

يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن إسماعيل بن عبيد بن رفاعة ، [ ص: 10 ] عن أبيه : أن عبادة بن الصامت مرت عليه قطارة وهو بالشام ، تحمل الخمر ، فقال : ما هذه ؟ أزيت ؟ قيل : لا ، بل خمر يباع لفلان ، فأخذ شفرة من السوق ، فقام إليها ، فلم يذر فيها راوية إلا بقرها - وأبو هريرة إذ ذاك بالشام - فأرسل فلان إلى أبي هريرة ، فقال : ألا تمسك عنا أخاك عبادة ، أما بالغدوات ، فيغدو إلى السوق يفسد على أهل الذمة متاجرهم ، وأما بالعشي ، فيقعد في المسجد ليس له عمل إلا شتم أعراضنا وعيبنا ! .

قال : فأتاه أبو هريرة ، فقال : يا عبادة ، ما لك ولمعاوية ؟ ذره وما حمل ، فقال : لم تكن معنا إذ بايعنا على السمع والطاعة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وألا يأخذنا في الله لومة لائم ، فسكت أبو هريرة ، وكتب فلان إلى عثمان : إن عبادة قد أفسد علي الشام .

الوليد بن مسلم ، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة : أن عبادة بن الصامت مر بقرية دمر فأمر غلامه أن يقطع له سواكا من صفصاف على نهر بردى ، فمضى ليفعل ثم قال له : ارجع ، فإنه إن لا يكن بثمن ، فإنه ييبس ، فيعود حطبا بثمن .

وعن أبي حزرة يعقوب بن مجاهد ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة ، عن أبيه ، قال : كان عبادة رجلا طوالا جسيما جميلا . مات بالرملة سنة أربع وثلاثين وهو ابن اثنتين وسبعين سنة . [ ص: 11 ]

قال ابن سعد : وسمعت من يقول : إنه بقي حتى توفي زمن معاوية في خلافته .

وقال يحيى بن بكير وجماعة : مات سنة أربع وثلاثين وقال ضمرة ، عن رجاء بن أبي سلمة ، قال : قبر عبادة ببيت المقدس ، وقال الهيثم بن عدي : مات سنة خمس وأربعين رضي الله عنه .

قلت : ساق له بقي في مسنده مائة وأحدا وثمانين حديثا ، وله في البخاري ومسلم ستة ، وانفرد البخاري بحديثين ، ومسلم بحديثين .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:17 PM

عبد الله بن حذافة ( س )

[ ص: 11 ]

ابن قيس بن عدي ، أبو حذافة السهمي . أحد السابقين هاجر إلى الحبشة ، ونفذه النبي صلى الله عليه وسلم رسولا إلى كسرى . وله رواية يسيرة . [ ص: 12 ]

خرج إلى الشام مجاهدا ، فأسر على قيسارية ، وحملوه إلى طاغيتهم ، فراوده عن دينه ، فلم يفتتن .

حدث عنه سليمان بن يسار ، وأبو وائل ، ومسعود بن الحكم ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن .

قال البخاري : حديثه مرسل . وقال أبو بكر بن البرقي : الذي حفظ عنه ثلاثة أحاديث ليست بمتصلة .

وقال أبو سعيد بن يونس ، وابن منده : شهد بدرا .

يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة : أن عبد الله بن حذافة قام يصلي ، فجهر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن حذافة ، لا تسمعني وسمع الله .

محمد بن عمرو ، عن عمر بن الحكم بن ثوبان ، أن أبا سعيد قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية ، عليهم علقمة بن مجزز ، وأنا فيهم ، فخرجنا ، حتى إذا كنا ببعض الطريق ، استأذنه طائفة فأذن لهم ، وأمر عليهم عبد الله بن حذافة ، وكان من أهل بدر ، وكانت فيه دعابة ، فبينا نحن في الطريق ، فأوقد القوم نارا يصطلون بها ، ويصنعون عليها صنيعا لهم ، إذ قال : أليس لي عليكم السمع والطاعة ؟ قالوا : بلى . قال : فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار ، فقام ناس ، فتحجزوا [ ص: 13 ] حتى إذا ظن أنهم واقعون فيها قال : أمسكوا ، إنما كنت أضحك معكم ، فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ذكروا ذلك له ، فقال : من أمركم بمعصية فلا تطيعوه .

أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ورواه ابن المنكدر عن عمر بن الحكم ، فأرسله .

ثابت البناني ، عن أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : سلوني ، فقال رجل : من أبي يا رسول الله ؟ قال : أبوك حذافة " [ ص: 14 ] .

عبد الله بن معاوية الجمحي : حدثنا عبد العزيز القسملي : حدثنا ضرار بن عمرو ، عن أبي رافع ، قال : وجه عمر جيشا إلى الروم ، فأسروا عبد الله بن حذافة ، فذهبوا به إلى ملكهم ، فقالوا : إن هذا من أصحاب محمد ، فقال : هل لك أن تتنصر وأعطيك نصف ملكي ؟ قال : لو أعطيتني جميع ما تملك ، وجميع ما تملك ، وجميع ملك العرب ، ما رجعت عن دين محمد طرفة عين . قال : إذا أقتلك . قال : أنت وذاك ، فأمر به ، فصلب ، وقال للرماة : ارموه قريبا من بدنه ، وهو يعرض عليه ، ويأبى ، فأنزله . ودعا بقدر ، فصب فيها ماء حتى احترقت ، ودعا بأسيرين من المسلمين ، فأمر بأحدهما ، فألقي فيها ، وهو يعرض عليه النصرانية ، وهو يأبى . ثم بكى ، فقيل للملك : إنه بكى ، فظن أنه قد جزع ، فقال : ردوه . ما أبكاك ؟ قال : قلت : هي نفس واحدة تلقى الساعة فتذهب ، فكنت أشتهي أن يكون بعدد شعري أنفس تلقى في النار في الله .

فقال له الطاغية : هل لك أن تقبل رأسي وأخلي عنك ؟ .

فقال له عبد الله : وعن جميع الأسارى ؟ قال : نعم ، فقبل رأسه .

وقدم بالأسارى على عمر ، فأخبره خبره ، فقال عمر : حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة ، وأنا أبدأ ، فقبل رأسه . [ ص: 15 ]

الوليد بن مسلم : حدثنا أبو عمرو ، ومالك بن أنس : أن أهل قيسارية أسروا ابن حذافة ، فأمر به ملكهم ، فجرب بأشياء صبر عليها . ثم جعلوا له في بيت معه الخمر ولحم الخنزير ثلاثا لا يأكل ، فاطلعوا عليه ، فقالوا للملك : قد انثنى عنقه ، فإن أخرجته وإلا مات ، فأخرجه ، وقال : ما منعك أن تأكل وتشرب ؟

قال : أما إن الضرورة كانت قد أحلتها لي ، ولكن كرهت أن أشمتك بالإسلام . قال : فقبل رأسي ، وأخلي لك مائة أسير . قال : أما هذا ، فنعم .

فقبل رأسه ، فخلى له مائة ، وخلى سبيله .

وقد روى ابن عائذ قصة ابن حذافة فقال : حدثنا الوليد بن محمد : أن ابن حذافة أسر ، فذكر القصة مطولة ، وفيها : أطلق له ثلاثمائة أسير ، وأجازه بثلاثين ألف دينار ، وثلاثين وصيفة ، وثلاثين وصيفا .

ولعل هذا الملك قد أسلم سرا . ويدل على ذلك مبالغته في إكرام ابن حذافة .

وكذا القول في هرقل إذ عرض على قومه الدخول في الدين ، فلما خافهم قال : إنما كنت أختبر شدتكم في دينكم .

فمن أسلم في باطنه هكذا ، فيرجى له الخلاص من خلود النار ؛ إذ قد حصل في باطنه إيمانا ما وإنما يخاف أن يكون قد خضع للإسلام وللرسول ، واعتقد أنهما حق ، مع كون أنه على دين صحيح ، فتراه يعظم للدينين ، كما قد فعله كثير من المسلمانية الدواوين فهذا لا ينفعه [ ص: 16 ] الإسلام حتى يتبرأ من الشرك .

مات ابن حذافة في خلافة عثمان رضي الله عنهم - .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:19 PM

أبو رافع ( ع )

[ ص: 16 ]

مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

من قبط مصر . يقال : اسمه إبراهيم . وقيل : أسلم .

كان عبدا للعباس فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أن بشر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام العباس أعتقه .

روى عدة أحاديث .

روى عنه ولده عبيد الله بن أبي رافع ، وحفيده الفضل بن عبيد الله ، وأبو سعيد المقبري ، وعمرو بن الشريد ، وجماعة كثيرة ، وروى عنه : علي بن الحسين وما كأنه شافهه .

شهد غزوة أحد ، والخندق . وكان ذا علم وفضل .

توفي في خلافة علي . وقيل : توفي بالكوفة سنة أربعين رضي الله عنه .

وقيل : إنه أوصى إلى علي ، فكان علي يزكي أموال بني أبي رافع وهم أيتام .

قال بكير بن الأشج : أخبرت أنه كان قبطيا . [ ص: 17 ]

شعبة ، عن الحكم ، عن ابن أبي رافع ، عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على الصدقة ، فقال لأبي رافع : انطلق معي فنصيب منها . قلت : حتى أستأذن رسول الله ، فاستأذنته ، فقال : يا أبا رافع ، إن مولى القوم من أنفسهم ، وإنا لا تحل لنا الصدقة .

قال سليمان بن يسار : قال أبو رافع : لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ، ولكني جئت فنزلت ، فجاء فنزل .

صهيب بن سنان ( ع )

[ ص: 17 ]

أبو يحيى النمري . من النمر بن قاسط . ويعرف بالرومي ؛ لأنه أقام في الروم مدة . وهو من أهل الجزيرة ، سبي من قرية نينوى ، من أعمال [ ص: 18 ] الموصل . وقد كان أبوه ، أو عمه ، عاملا لكسرى . ثم إنه جلب إلى مكة ، فاشتراه عبد الله بن جدعان القرشي التيمي . ويقال : بل هرب ، فأتى مكة ، وحالف ابن جدعان .

كان من كبار السابقين البدريين .

حدث عنه بنوه : حبيب ، وزياد وحمزة ؛ وسعيد بن المسيب ، وكعب الحبر ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وآخرون .

روى أحاديث معدودة . خرجوا له في الكتب ؛ وكان فاضلا وافر الحرمة . له عدة أولاد .

ولما طعن عمر استنابه على الصلاة بالمسلمين إلى أن يتفق أهل الشورى على إمام . وكان موصوفا بالكرم ، والسماحة رضي الله عنه .

مات بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين وكان ممن اعتزل الفتنة ، وأقبل على شأنه رضي الله عنه .

قال الحافظ ابن عساكر : صهيب بن سنان بن مالك بن عبد عمرو بن عقيل بن عامر ، أبو يحيى - ويقال : أبو غسان - النمري الرومي البدري المهاجري .

روى عنه بنوه ، وابن عمر ، وجابر ، وابن المسيب ، وعبيد بن عمير ، وابن أبي ليلى . وبنوه الثمانية : عثمان ، وصيفي ، وحمزة ، وسعد ، وعباد ، وحبيب ، وصالح ، ومحمد . [ ص: 19 ]

وذكره ابن سعد ، فسرد نسبه إلى أسلم بن أوس مناة بن النمر بن قاسط ، من ربيعة . حليف عبد الله بن جدعان التيمي القرشي .

وأمه : سلمى بنت قعيد . وكان رجلا أحمر ، شديد الحمرة ، ليس بالطويل .

وذكر شباب نسبه إلى النمر - بزيادة آباء ، وحذف آخرين . وكذا فعل أحمد بن البرقي .

`عن حمزة بن صهيب عن أبيه قال : كناني النبي صلى الله عليه وسلم : أبا يحيى .

عن صيفي بن صهيب عن أبيه ، قال : صحبت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه .

وعن أبي عبيدة بن محمد بن عمار ، عن أبيه : قال عمار : لقيت صهيبا على باب دار الأرقم ، وفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخلنا ، فعرض علينا الإسلام : فأسلمنا . ثم مكثنا يوما على ذلك حتى أمسينا ، فخرجنا ونحن مستخفون .

روى يونس ، عن الحسن : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صهيب سابق الروم . [ ص: 20 ]

وجاء هذا بإسناد جيد من حديث أبي أمامة وجاء من حديث أنس ، وأم هانئ .

قال مجاهد : أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وبلال ، وخباب ، وصهيب . . . مختصر .

قال أبو عمر بن عبد البر : كان أبو صهيب ، أو عمه : عاملا لكسرى على الأبلة ، وكانت منازلهم بأرض الموصل فأغارت الروم عليهم ، فسبت صهيبا وهو غلام ، فنشأ بالروم . ثم اشترته كلب ، وباعوه بمكة لعبد الله بن جدعان ، فأعتقه .

وأما أهله فيزعمون أنه هرب من الروم ، وقدم مكة .

مصعب بن عبد الله ، عن أبيه ، عن ربيعة بن عثمان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : خرجت مع عمر حتى دخل حائطا لصهيب ، فلما رآه صهيب ، قال : يا ناس ، يا أناس ، فقال عمر : ما له يدعو الناس ؟ قلت : بل هو غلام له يدعى يحنس ، فقال له عمر : لولا ثلاث خصال فيك يا [ ص: 21 ] صهيب . . . الحديث .

الواقدي : حدثنا عثمان بن محمد ، عن عبد الحكم بن صهيب ، عن عمر بن الحكم ، قال : كان عمار بن ياسر يعذب حتى لا يدري ما يقول ، وكان صهيب يعذب حتى لا يدري ما يقول ، في قوم من المسلمين ، حتى نزلت : ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا .

قال مجاهد : فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه عمه ، وأما أبو بكر فمنعه قومه . وأخذ الآخرون - سمى منهم صهيبا - فألبسوهم أدراع الحديد ، صهروهم في الشمس ، حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ ؛ فأعطوهم ما سألوا - يعني : التلفظ بالكفر - فجاء كل رجل قومه بأنطاع فيها الماء ، فألقوهم فيها ، إلا بلالا . [ ص: 22 ] الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : ومن الناس من يشري نفسه نزلت في صهيب ، ونفر من أصحابه ، أخذهم أهل مكة يعذبونهم ؛ ليردوهم إلى الشرك .

أحمد في " مسنده " : حدثنا أسباط : حدثنا أشعث ، عن كردوس ، عن ابن مسعود ، قال : مر الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعنده خباب ، وصهيب ، وبلال ، وعمار ، فقالوا : أرضيت بهؤلاء ؟ فنزل فيهم القرآن : وأنذر به الذين يخافون إلى قوله والله أعلم بالظالمين .

عوف الأعرابي ، عن أبي عثمان : أن صهيبا حين أراد الهجرة ، قال له أهل مكة : أتيتنا صعلوكا حقيرا ، فتغير حالك ! قال : أرأيتم إن تركت مالي ، أمخلون أنتم سبيلي ؟ قالوا : نعم ، فخلع لهم ماله ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ربح صهيب ، ربح صهيب ! .

يعقوب بن محمد الزهري : حدثنا حصين بن حذيفة بن صيفي حدثنا [ ص: 23 ] أبي وعمومتي ، عن سعيد بن المسيب ، عن صهيب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أريت دار هجرتكم سبخة بين ظهراني حرة ، فإما أن تكون هجر ، أو يثرب .

قال : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وقد كنت هممت بالخروج معه ، فصدني فتيان من قريش ، فجعلت ليلتي تلك أقوم لا أقعد ، فقالوا : قد شغله الله عنكم ببطنه - ولم أكن شاكيا - فناموا ، فذهبت ، فلحقني ناس منهم على بريد ، فقلت لهم : أعطيكم أواقي من ذهب وتخلوني ؟ ففعلوا ، فقلت : احفروا تحت أسكفة الباب تجدوها ، وخذوا من فلانة الحلتين ، وخرجت حتى قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء فلما رآني ، قال : يا أبا يحيى ، ربح البيع ، ثلاثا ، فقلت : ما أخبرك إلا جبريل .

حماد بن سلمة : حدثنا علي بن زيد ، عن ابن المسيب ، قال : أقبل صهيب مهاجرا ، واتبعه نفر ، فنزل عن راحلته ، ونثل كنانته ، وقال : لقد علمتم أني من أرماكم ، وايم الله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم معي ، ثم أضربكم بسيفي ، فإن شئتم دللتكم على مالي ، وخليتم سبيلي ؟ قالوا : نفعل ، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال : ربح البيع أبا يحيى ! ونزلت : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله . [ ص: 24 ]

وقال مصعب الزبيري : هرب صهيب من الروم بمال ، فنزل مكة ، فعاقد ابن جدعان . وإنما أخذته الروم من نينوى .

عبد الحكيم بن صهيب ، عن عمر بن الحكم بن ثوبان ، عن صهيب ، قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قباء ، وقد رمدت في الطريق وجعت ، وبين يديه رطب ، فوقعت فيه ، فقال عمر : يا رسول الله : ألا ترى صهيبا يأكل الرطب وهو أرمد ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لي ذلك . قلت : إنما آكل على شق عيني الصحيحة ، فتبسم .

ذكر عروة ، وموسى بن عقبة وغيرهما : صهيبا فيمن شهد بدرا .

أبو زرعة : حدثنا يوسف بن عدي ، حدثنا يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبي جده ، عن صهيب : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فليحب صهيبا حب الوالدة لولدها .

حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن معاوية بن قرة ، عن عائذ بن عمرو : أن [ ص: 25 ] سلمان ، وصهيبا ، وبلالا ، كانوا قعودا ، فمر بهم أبو سفيان ، فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها بعد ، فقال أبو بكر : أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدها ؟ قال : فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا أبا بكر ، لعلك أغضبتهم ، لئن كنت أغضبتهم ، لقد أغضبت ربك ، فرجع إليهم ، فقال : أي إخواننا ، لعلكم غضبتم ؟ قالوا : لا يا أبا بكر ، يغفر الله لك .

عبد الله بن محمد بن عقيل ، `عن حمزة بن صهيب ، عن أبيه ، قال : قال عمر لصهيب : أي رجل أنت لولا خصال ثلاث فيك ! قال : وما هن ؟ قال : اكتنيت وليس لك ولد ، وانتميت إلى العرب وأنت من الروم ! وفيك سرف في الطعام . قال : فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني أبا يحيى ، وأنا من النمر بن قاسط ، سبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام قد عرفت نسبي ، وأما قولك في سرف الطعام ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خيركم من أطعم الطعام .

وروى محمد بن عمرو بن علقمة ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن أبيه : أن عمر قال لصهيب : لولا ثلاث فيك ؟ وبعضهم يرويه بحذف " عن أبيه " وزاد : ولو انفلقت عني روثة لانتسبت إليها .

وحماد بن سلمة ، عن زيد بن أسلم : أن عمر قال لصهيب : لولا ثلاث [ ص: 26 ] خصال . قال : وما هن ؟ فوالله ما تزال تعيب شيئا . قال : اكتناؤك وليس لك ولد ؛ وادعاؤك إلى النمر بن قاسط ، وأنت رجل ألكن ؛ وأنك لا تمسك المال . . . . الحديث . وفيه : واسترضع لي بالأبلة فهذه من ذاك . وأما المال ، فهل تراني أنفق إلا في حق ؟ .

وروى سالم ، عن أبيه : أن عمر قال : إن حدث بي حدث فليصل بالناس صهيب ، ثلاثا ، ثم أجمعوا أمركم في اليوم الثالث .

قال الواقدي : مات صهيب بالمدينة في شوال سنة ثمان وثلاثين عن سبعين سنة . وكذلك قال المدائني وغيره في وفاته .

وقال المدائني : عاش ثلاثا وسبعين سنة .

وقال الفسوي : عاش أربعا وثمانين سنة رضي الله عنه .

له نحو من ثلاثين حديثا . روى له مسلم منها ثلاثة أحاديث .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:22 PM

أبو طلحة الأنصاري ( ع )

[ ص: 27 ]

صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن بني أخواله ، وأحد أعيان البدريين ، وأحد النقباء الاثني عشر ليلة العقبة .

واسمه : زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، الخزرجي النجاري .

له أحاديث .

روى عنه ربيبه : أنس بن مالك ، وزيد بن خالد الجهني ، وابن عباس ، وابنه أبو إسحاق عبد الله بن أبي طلحة .

وكان قد سرد الصوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم .

وهو الذي كان لا يرى بابتلاع البرد للصائم بأسا . ويقول : ليس بطعام ولا شراب . [ ص: 28 ]

وهو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة . ومناقبه كثيرة .

قيل : إنه غزا بحر الروم ، فتوفي في السفينة . والأشهر : أنه مات بالمدينة ، وصلى عليه عثمان في سنة أربع وثلاثين رضي الله عنه .

ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس : كان أبو طلحة ، ومعاذ ، وأبو عبيدة ، يشربون بالشام الطلاء : ما طبخ على الثلث وذهب ثلثاه .

وقلت : هو الدبس .

وذكر عروة ، وموسى بن عقبة ، وابن إسحاق : أن أبا طلحة ممن شهد العقبة وبدرا . [ ص: 29 ]

قال أبو زرعة الدمشقي : إن أبا طلحة عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة يسرد الصوم .

وقلت : بل عاش بعده نيفا وعشرين سنة .

قال أحمد بن البرقي : أبو طلحة بدري ، نقيب ، صلى عليه عثمان ، جاء له نحو عشرين حديثا .

حماد بن سلمة ، عن ثابت ، وعلي بن زيد ، عن أنس : أن أبا طلحة قال له بنوه : قد غزوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر ، فنحن نغزو عنك ، فأبى ، فغزا في البحر ، فمات .

جعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : خطب أبو طلحة أم سليم ؟ فقالت : أما إني فيك لراغبة ، وما مثلك يرد ، ولكنك كافر ، فإن تسلم فذلك مهري ، لا أسألك غيره ، فأسلم ، وتزوجها .

قال ثابت : فما سمعنا بمهر كان قط أكرم من مهر أم سليم : الإسلام .

الطيالسي : حدثنا سليمان بن المغيرة ، وحماد ، وجعفر بن سليمان ، عن ثابت ، عن أنس . قال أبو داود : وحدثناه شيخ سمعه من النضر بن [ ص: 30 ]

أنس
: قال مالك - والد أنس - لامرأته : أرى هذا الرجل يحرم الخمر ، فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك ، فجاء أبو طلحة يخطب أم سليم ، فقالت : ما مثلك يرد ، ولكنك امرؤ كافر ، ولا أريد مهرا إلا الإسلام . قال : فمن لي بذلك ؟ قالت : النبي صلى الله عليه وسلم ، فانطلق يريده ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : جاءكم أبو طلحة وغرة الإسلام بين عينيه .

قال : فتزوجها على ذلك . . . الحديث بطوله ، وكيف مات ابنه منها ، وكتمته ، وتصنعت له حتى أصابها ، ثم أخبرته وقالت : إن الله كان أعارك عارية فقبضها ، فاحتسب ابنك .

قال أنس : قال أبو طلحة : لقد سقط السيف مني يوم بدر ، لما غشينا من النعاس .

حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس : أن أبا طلحة صام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين سنة ، لا يفطر إلا يوم فطر أو أضحى .

غريب ، على شرط مسلم . [ ص: 31 ] وبه : أن أبا طلحة قال : لا أتأمرن على اثنين ، ولا أذمهما .

ثابت ، عن أنس : أن أبا طلحة كان يرمي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ، وكان رجلا راميا . وكان رسول الله إذا رمى أبو طلحة ، رفع بصره ينظر أين يقع سهمه . وكان يدفع صدر رسول الله بيده ، ويقول : يا رسول الله ، هكذا ، لا يصيبك سهم .

عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس قال : لما كان يوم أحد ، انهزم ناس عن رسول الله ، وأبو طلحة بين يديه مجوبا عليه بحجفة ، وكان راميا شديد النزع ، كسر يومئذ قوسين أو ثلاثة . وكان الرجل يمر معه الجعبة من النبل ، فيقول صلى الله عليه وسلم : انثرها لأبي طلحة . ثم يشرف إلى القوم ، فيقول أبو طلحة : يا نبي الله ، بأبي أنت ، لا تشرف ، لا يصيبك سهم ، نحري دون نحرك ! .

قال : فلقد رأيت عائشة وأم سليم وإنهما لمشمرات أرى خدم سوقهما ، تنقزان ، القرب على متونهما ، وتفرغانها في أفواه القوم ، وترجعان ، فتملآنها ، فلقد وقع السيف من يد أبي طلحة مرتين أو ثلاثا من النعاس
. [ ص: 32 ]

ابن عيينة : حدثنا علي بن زيد ، عن أنس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئة وكان إذا بقي مع النبي صلى الله عليه وسلم ، جثا بين يديه ، وقال : نفسي لنفسك الفداء ، ووجهي لوجهك الوقاء .

حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، قال : قال رسول الله : لصوت أبي طلحة أشد على المشركين من فئة .

الثوري ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن جابر - أو أنس - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل .

حماد بن سلمة ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال يوم حنين : من قتل قتيلا فله سلبه فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا ، وأخذ أسلابهم .

هشام ، عن ابن سيرين ، عن أنس : نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحلق ، فناول الحلاق شقه الأيمن ، فحلقه ، ثم دعا أبا طلحة ، فأعطاه إياه ، ثم [ ص: 33 ] ناوله شقه الأيسر ، وقال : احلق ، وأعطاه أبا طلحة فقسمه بين الناس .

ورواه ابن عون ، عن محمد فأرسله .

قال أنس : كان أبو طلحة أكثر أنصاري بالمدينة مالا من نخل ، فقال : يا رسول الله ، إن أحب أموالي إلي بيرحاء ، وإنها صدقة لله ، أرجو برها وذخرها ، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله ، فقال : بخ ! ذلك مال رابح ، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين .

حميد ، عن أنس ، قال : كان أبو طلحة بعد النبي صلى الله عليه وسلم لا يفطر إلا في سفر أو مرض .

قتادة ، وحميد ، عن أنس : كان أبو طلحة يأكل البرد وهو صائم ، ويقول : ليس بطعام ولا بشراب ، وإنما هو بركة . تفرد به فيه علي بن [ ص: 34 ] جدعان ، عن أنس : فأخبرت رسول الله ، فقال : خذ عن عمك .

حماد بن سلمة ، عن ثابت وعلي بن زيد ، عن أنس : أن أبا طلحة قرأ : انفروا خفافا وثقالا فقال : استنفرنا الله ، وأمرنا شيوخنا وشبابنا ، جهزوني ، فقال بنوه : يرحمك الله ! إنك قد غزوت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبي بكر ، وعمر ، ونحن نغزو عنك الآن .

قال : فغزا البحر ، فمات ، فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه فيها ، إلا بعد سبعة أيام ، فلم يتغير .

مات سنة أربع وثلاثين وقال خليفة وحده : سنة اثنتين وثلاثين .

قال لنا الحافظ أبو محمد : حلق النبي صلى الله عليه وسلم شق رأسه فوزعه على الناس ، ثم حلق شقه الآخر ، فأعطاه أبا طلحة .

قال : وكان جلدا ، صيتا ، آدم ، مربوعا ، لا يغير شيبه .

صلى عليه عثمان . وقيل : مات سنة إحدى وخمسين .

روى عن النبي صلى الله عليه وسلم نيفا وعشرين حديثا ، منها في " الصحيحين " حديثان . وتفرد البخاري بحديث ، ومسلم بحديث

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:25 PM

أبو بردة بن نيار ( ع )

[ ص: 35 ]

ابن عمرو بن عبيد بن عمرو بن كلاب بن دهمان البلوي القضاعي الأنصاري من حلفاء الأوس .

واسمه : هانئ . وهو خال البراء بن عازب .

شهد العقبة وبدرا والمشاهد النبوية . وبقي إلى دولة معاوية . وحديثه في الكتب الستة .

حدث عنه : ابن أخته البراء ، وجابر بن عبد الله ، وبشير بن يسار ، وغيرهم . [ ص: 36 ]

وكان أحد الرماة الموصوفين .

وقيل : توفي سنة اثنتين وأربعين .

جبر بن عتيك

[ ص: 36 ]

ابن قيس بن هيشة بن الحارث بن أمية بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف الأنصاري ، أبو عبد الله .

بدري كبير وقيل : اسمه جابر .

وله أولاد : عتيك ، وعبد الله ، وأم ثابت .

آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين خباب بن الأرت .

شهد بدرا والمشاهد ، وكانت إليه راية بني معاوية بن مالك يوم الفتح .

قال الواقدي ، وابن سعد ، وخليفة ، وابن زبر وابن منده : توفي سنة إحدى وستين .

قيل : عاش إحدى وتسعين سنة .

وفي " الموطأ " عن عبد الله بن عبد الله بن جابر بن عتيك ، عن جده لأمه عتيك بن الحارث ، قال أخبرني جابر بن عتيك : [ ص: 37 ] أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد الله بن ثابت ، فوجده قد غلب ، فاسترجع ، وقال : غلبنا عليك .

قلت : الصحيح : أن جابر بن عتيك هو صاحب هذا الخبر ، وصاحب تاريخ الوفاة ، وأن جبرا قديم الوفاة ، وأن جابرا ، من بني غنم بن سلمة - والله أعلم .

وعمهما الحارث بن قيس بن هيشة الأوسي . بدري جليل ، عده الواقدي ، وعبد الله بن محمد بن عمارة . ولم يذكره ابن عقبة ، ولا ابن إسحاق ، ولا أبو معشر . بل قال ابن إسحاق ، وأبو معشر : جبر بن عتيك بن الحارث بن قيس بن هيشة .

الأشعث بن قيس ( ع )

[ ص: 37 ]

ابن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة . [ ص: 38 ]

واسم كندة : ثور بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان .

ساقه ابن سعد ، قال : وقيل له : كندة ؛ لأنه كند أباه النعمة ، أي : كفره .

وكان اسم الأشعث : معدي كرب . وكان أبدا أشعث الرأس ؛ فغلب عليه .

له صحبة ، ورواية .

حدث عنه : الشعبي ، وقيس بن أبي حازم ، وأبو وائل . وأرسل عنه إبراهيم النخعي .

وأصيبت عينه يوم اليرموك . وكان أكبر أمراء علي يوم صفين .

منصور ، والأعمش ، عن أبي وائل ، قال لنا الأشعث : في نزلت : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا خاصمت رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ألك بينة ؟ قلت : لا . قال : فيحلف ؟ قلت : إذا يحلف ، فقال : من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مالا ، لقي الله وهو عليه غضبان .

قال ابن الكلبي : وفد الأشعث في سبعين من كندة على النبي صلى الله عليه وسلم .

مجالد ، عن الشعبي ، عن الأشعث ، قال : [ ص: 39 ] قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كندة ، فقال لي : هل لك من ولد ؟ قلت : صغير ، ولد مخرجي إليك . . . الحديث .

وعن إبراهيم النخعي ، قال : ارتد الأشعث في ناس من كندة ، فحوصر ، وأخذ بالأمان ، فأخذ الأمان لسبعين ، ولم يأخذ لنفسه ، فأتي به الصديق ، فقال : إنا قاتلوك ، لا أمان لك ، فقال : تمن علي وأسلم ؟ قال : ففعل ، وزوجه أخته .

زاد غيره : فقال لأبي بكر : زوجني أختك ، فزوجه فروة بنت أبي قحافة .

رواه أبو عبيد في " الأموال " فلعل أباها فوض النكاح إلى أبي بكر .

ابن أبي خالد ، عن قيس ، قال : لما قدم بالأشعث بن قيس أسيرا على أبي بكر : أطلق وثاقه ، وزوجه أخته ، فاخترط سيفه ، ودخل سوق الإبل ، فجعل لا يرى ناقة ولا جملا إلا عرقبه . وصاح الناس : كفر الأشعث ! ثم طرح سيفه ، وقال : والله ما كفرت ؛ ولكن هذا الرجل زوجني أخته ؛ ولو كنا في بلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه . يا أهل المدينة ، انحروا وكلوا ! ويا أهل الإبل ، تعالوا خذوا شرواها ! . [ ص: 40 ]

رواه عبد المؤمن بن علي ، عن عبد السلام بن حرب ، عنه .

إسماعيل ، عن قيس ، قال : شهدت جنازة فيها الأشعث ، وجرير ، فقدم الأشعث جريرا ، وقال : إن هذا لم يرتد ، وإني ارتددت .

قال أبو عبيدة : كان على ميمنة علي يوم صفين الأشعث .

مسلمة بن محارب ، عن حرب بن خالد بن يزيد بن معاوية . قال : حصل معاوية ، في تسعين ألفا فسبق فنزل الفرات ، وجاء علي ، فمنعهم معاوية الماء ، فبعث علي الأشعث ، في ألفين وعلى الماء لمعاوية أبو الأعور في خمسة آلاف ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، وغلب الأشعث على الماء .

الأعمش ، عن حيان أبي سعيد التيمي قال : حذر الأشعث من الفتن ، فقيل له : خرجت مع علي ! فقال : ومن لك إمام مثل علي !

وعن قيس بن أبي حازم ، قال : دخل الأشعث على علي في شيء ، فتهدده بالموت ، فقال علي : بالموت تهددني ! ما أباليه ، هاتوا لي جامعة [ ص: 41 ] وقيدا ! ثم أومأ إلى أصحابه . قال : فطلبوا إليه فيه ، فتركه .

أبو المغيرة الخولاني : حدثنا صفوان بن عمرو ؛ حدثني أبو الصلت الحضرمي ، قال : حلنا بين أهل العراق وبين الماء ؛ فأتانا فارس ، ثم حسر ؛ فإذا هو الأشعث بن قيس ، فقال : الله الله يا معاوية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ! هبوا أنكم قتلتم أهل العراق ، فمن للبعوث والذراري ؟ أم هبوا أنا قتلناكم ، فمن للبعوث والذراري ؟ إن الله يقول : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما قال معاوية : فما تريد ؟ قال : خلوا بيننا وبين الماء ، فقال لأبي الأعور : خل بين إخواننا وبين الماء .

روى الشيباني عن قيس بن محمد بن الأشعث : أن الأشعث كان عاملا لعثمان على أذربيجان ، فحلف مرة على شيء ؛ فكفر عن يمينه بخمسة عشر ألفا .

إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال : كان الأشعث حلف على يمين ، ثم قال : قبحك الله من مال ! أما والله ما حلفت إلا على حق ، ولكنه رد على صاحبه ، وكان ثلاثين ألفا .

شريك : حدثنا أبو إسحاق ، قال : صليت الفجر بمسجد الأشعث ، فلما سلم الإمام إذا بين يدي كيس ونعل ؛ فنظرت : فإذا بين يدي كل رجل كيس ونعل ! فقلت : ما هذا ؟ قالوا : قدم الأشعث الليلة ، فقال : انظروا ! [ ص: 42 ] فكل من صلى الغداة في مسجدنا ، فاجعلوا بين يديه كيسا وحذاء .

رواه أبو إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، إلا أنه قال : حلة ونعلين .

أحمد بن حنبل : حدثنا علي بن ثابت ، حدثنا أبو المهاجر ، عن ميمون بن مهران ، قال : أول من مشت معه الرجال ، وهو راكب : الأشعث بن قيس .

روى نحوه أبو المليح ، عن ميمون .

قال إسماعيل بن أبي خالد ، عن حكيم بن جابر ، قال : لما توفي الأشعث بن قيس ، أتاهم الحسن بن علي ، فأمرهم أن يوضئوه بالكافور وضوءا . وكانت بنته تحت الحسن .

قالوا : توفي سنة أربعين وزاد بعضهم : بعد علي رضي الله عنه بأربعين ليلة . ودفن في داره . وقيل : عاش ثلاثا وستين سنة .

وقال محمد بن سعد : مات بالكوفة ، والحسن بها حين صالح معاوية . وهو الذي صلى عليه .

قلت : وكان ابنه محمد بن الأشعث بعده من كبار الأمراء وأشرافهم ، [ ص: 43 ] وهو والد الأمير عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث الذي خرج معه الناس ، وعمل مع الحجاج تلك الحروب المشهورة التي لم يسمع بمثلها . بحيث يقال : إنه عمل معه أحدا وثمانين مصافا معظمها على الحجاج . ثم في الآخر خذل ابن الأشعث وانهزم ، ثم ظفروا به وهلك .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:26 PM

حاطب بن أبي بلتعة

[ ص: 43 ]

عمرو بن عمير بن سلمة ، اللخمي المكي ، حليف بني أسد بن عبد العزى بن قصي .

من مشاهير المهاجرين شهد بدرا والمشاهد .

وكان رسول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ، صاحب مصر .

وكان تاجرا في الطعام ، له عبيد . وكان من الرماة الموصوفين .

ذكره الحاكم في " مستدركه " فقال : كان حسن الجسم ، خفيف اللحية ، أجنى إلى القصر ما هو ، شثن الأصابع . قاله الواقدي .

روى هارون بن يحيى الحاطبي ، قال : حدثني أبو ربيعة ، عن عبد [ ص: 44 ] الحميد بن أبي أنس ، عن صفوان بن سليم ، عن أنس ، سمع حاطبا يقول : إنه اطلع على النبي صلى الله عليه وسلم بأحد ، قال : وفي يد علي الترس ، والنبي صلى الله عليه وسلم يغسل وجهه من الماء ، فقال حاطب : من فعل هذا ؟ قال : عتبة بن أبي وقاص ، هشم وجهي ، ودق رباعيتي بحجر ! فقلت : إني سمعت صائحا على الجبل : قتل محمد ! فأتيت إليك - وكأن قد ذهبت روحي - فأين توجه عتبة ؟ فأشار إلى حيث توجه ، فمضيت حتى ظفرت به ، فضربته بالسيف ، فطرحت رأسه ! فنزلت فأخذت رأسه وسلبه وفرسه ، وجئت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فسلم ذلك إلي ، ودعا لي ، فقال : رضي الله عنك ! مرتين . إسناد مظلم .

الليث ، عن أبي الزبير ، عن جابر : أن عبدا لحاطب شكا حاطبا فقال : يا نبي الله ، ليدخلن النار ! قال : كذبت ، لا يدخلها أبدا وقد شهد بدرا والحديبية . صحيح .

إسحاق بن راشد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن حاطب : أن أباه كتب إلى كفار قريش كتابا ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا والزبير ، فقال : انطلقا حتى تدركا امرأة معها كتاب فائتياني به ، فلقياها ، وطلبا الكتاب ، وأخبراها أنهما غير منصرفين حتى ينزعا كل ثوب عليها . قالت : ألستما مسلمين ؟ قالا : بلى ، ولكن رسول الله حدثنا أن معك [ ص: 45 ] كتابا ، فحلته من رأسها . قال : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطبا حتى قرئ عليه الكتاب ، فاعترف ، فقال : ما حملك ؟ قال : كان بمكة قرابتي وولدي ، وكنت غريبا فيكم معشر قريش ، فقال عمر : ائذن لي - يا رسول الله - في قتله . قال : لا ، إنه قد شهد بدرا ، وإنك لا تدري ، لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ، فإني غافر لكم . إسناده صالح . وأصله في " الصحيحين " .

وقد أتى بعض مواليه إلى عمر بن الخطاب يشكون منه من أجل النفقة عليهم ؛ فلامه في ذلك .

وعبد الرحمن ولده ، ممن ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وله رؤية .

يروي عنه ولده الفقيه يحيى ، وعروة بن الزبير ، وغيرهما . توفي سنة ثمان وستين .

ومات حاطب سنة ثلاثين .



أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:27 PM

أبو ذر ( ع ) [ ص: 46 ]

جندب بن جنادة الغفاري ، وقيل : جندب بن سكن . وقيل : برير بن جنادة . وقيل : برير بن عبد الله .

ونبأني الدمياطي : أنه جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار - أخي ثعلبة - ابني مليل بن ضمرة ، أخي ليث والديل ، أولاد بكر ، أخي مرة ، والد مدلج بن مرة ، ابني عبد مناة بن كنانة .

قلت : أحد السابقين الأولين من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

قيل : كان خامس خمسة في الإسلام . ثم إنه رد إلى بلاد قومه ، فأقام بها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك ، فلما أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم ، هاجر إليه أبو ذر رضي الله عنه ، ولازمه ، وجاهد معه .

وكان يفتي في خلافة أبي بكر ، وعمر ، وعثمان .

روى عنه : حذيفة بن أسيد الغفاري ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وابن عمر ، وجبير بن نفير ، وأبو مسلم الخولاني ، وزيد بن وهب ، وأبو الأسود الدئلي ، وربعي بن حراش ، والمعرور بن سويد ، وزر بن حبيش ، وأبو سالم الجيشاني سفيان بن هانئ ، وعبد الرحمن بن غنم ، [ ص: 47 ] والأحنف بن قيس ، وقيس بن عباد ، وعبد الله بن الصامت ، وأبو عثمان النهدي ، وسويد بن غفلة ، وأبو مراوح ، وأبو إدريس الخولاني ، وسعيد بن المسيب ، وخرشة بن الحر ، وزيد بن ظبيان ، وصعصعة بن معاوية ، وأبو السليل ضريب بن نفير ، وعبد الله بن شقيق ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وعبيد بن عمير ، وغضيف بن الحارث ، وعاصم بن سفيان ، وعبيد بن الخشخاش ، وأبو مسلم الجذمي ، وعطاء بن يسار ، وموسى بن طلحة ، وأبو الشعثاء المحاربي ، ومورق العجلي ، ويزيد بن شريك التيمي ، وأبو الأحوص المدني - شيخ الزهري - وأبو أسماء الرحبي ، وأبو بصرة الغفاري ، وأبو العالية الرياحي ، وابن الحوتكية ، وجسرة بنت دجاجة .

فاتته بدر ، قاله أبو داود .

وقيل : كان آدم ضخما جسيما ، كث اللحية .

وكان رأسا في الزهد ، والصدق ، والعلم والعمل ، قوالا بالحق ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، على حدة فيه .

وقد شهد فتح بيت المقدس مع عمر .

أخبرنا الخضر بن عبد الرحمن الأزدي وأحمد بن هبة الله قالا : أخبرنا زين الأمناء حسن بن محمد : أخبرنا علي بن الحسن الحافظ : حدثنا علي بن إبراهيم الحسيني : أخبرنا محمد بن علي بن سلوان : أخبرنا الفضل بن جعفر التميمي ، أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم الهاشمي : حدثنا أبو مسهر :

[ ص: 48 ] حدثنا سعيد بن عبد العزيز ، عن ربيعة بن يزيد ، عن أبي إدريس الخولاني ، عن أبي ذر الغفاري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن جبريل ، عن الله - تبارك وتعالى - أنه قال : يا عبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما ، فلا تظالموا . يا عبادي ، إنكم الذين تخطئون بالليل والنهار ، وأنا الذي أغفر الذنوب ولا أبالي ، فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي ، كلكم جائع إلا من أطعمته ، فاستطعموني أطعمكم . يا عبادي ، كلكم عار إلا من كسوته ، فاستكسوني أكسكم . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم ، وجنكم ، كانوا على أفجر قلب رجل منكم ، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم ، وجنكم ، كانوا على أتقى قلب رجل منكم ، لم يزد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ، لو أن أولكم وآخركم ، وإنسكم ، وجنكم ، كانوا في صعيد واحد ، فسألوني ، فأعطيت كل واحد منهم ما سأل ، لم ينقص ذلك من ملكي شيئا ، إلا كما ينقص البحر أن يغمس المخيط غمسة واحدة . يا عبادي ، إنما هي أعمالكم أحفظها عليكم ، فمن وجد خيرا ، فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك ، فلا يلومن إلا نفسه .

قال سعيد : كان أبو إدريس إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه .

أخرجه مسلم . [ ص: 49 ] نقل الواقدي ، عن خالد بن حيان ، قال : كان أبو ذر ، وأبو الدرداء في مظلتين من شعر بدمشق .

وقال أحمد بن البرقي : أبو ذر اسمه : يزيد بن جنادة .

وقال سعيد بن عبد العزيز : اسمه : برير .

قال أبو قلابة ، عن رجل عامري ، قال : كنت أعزب عن الماء ومعي أهلي ، فتصيبني الجنابة ، فوقع ذلك في نفسي ، فنعت لي أبو ذر ، فحججت ، فدخلت مسجد منى ، فعرفته ، فإذا شيخ معروق آدم عليه حلة قطري . [ ص: 50 ]

وقال حميد بن هلال : حدثني الأحنف بن قيس ، قال : قدمت المدينة ، فدخلت مسجدها ، فبينما أنا أصلي ، إذ دخل رجل طوال ، آدم أبيض الرأس واللحية ، محلوق ، يشبه بعضه بعضا ، فاتبعته فقلت : من هذا ؟ قالوا : أبو ذر .

سليمان بن المغيرة ، وابن عون ، عن حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، قال : قال أبو ذر : خرجنا من قومنا غفار ، وكانوا يحلون الشهر الحرام ، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمنا ، فنزلنا على خال لنا ، فأكرمنا وأحسن ، فحسدنا قومه ، فقالوا : إنك إذا خرجت عن أهلك يخالفك إليهم أنيس ، فجاء خالنا ، فذكر لنا ما قيل له ، فقلت : أما ما مضى من معروفك ، فقد كدرته ، ولا جماع لك فيما بعد ، فقدمنا صرمتنا فاحتملنا عليها ، وجعل خالنا يبكي ، فانطلقنا حتى نزلنا بحضرة مكة ، فنافر أنيس عن صرمتنا وعن مثلها ، فأتيا الكاهن فخير أنيسا فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها .

قال : وقد صليت يا ابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين . قلت : لمن ؟ قال : لله . قلت : أين توجه ؟ قال : حيث وجهني الله ، أصلي عشاء حتى إذا كان من آخر الليل ألقيت كأني خفاء حتى تعلوني الشمس . [ ص: 51 ]

فقال أنيس : إن لي حاجة بمكة ، فاكفني ، فانطلق أنيس حتى أتى مكة ، [ فراث علي ] ثم جاء ، فقلت : ما صنعت ؟ قال : لقيت رجلا بمكة على دينك ، يزعم أنه مرسل . قلت : فما يقول الناس ؟ قال : يقولون : شاعر ، كاهن ، ساحر . قال : وكان أنيس أحد الشعراء ، فقال : لقد سمعت قول الكهنة ، وما هو بقولهم ، ولقد وضعت قوله على أقوال الشعراء فما يلتئم على لسان أحد أنه شعر ، والله إنه لصادق ، وإنهم لكاذبون ! قلت : فاكفني حتى أذهب فأنظر ! .

فأتيت مكة ، فتضعفت رجلا منهم ، فقلت : من هذا الذي تدعونه الصابئ ؟ فأشار إلي ، فقال : الصابئ . قال : فمال علي أهل الوادي بكل مدرة وعظم ، حتى خررت مغشيا علي ، فارتفعت حين ارتفعت كأني نصب أحمر ، فأتيت زمزم ، فغسلت عني الدماء ، وشربت من مائها .

ولقد لبثت - يا ابن أخي - ثلاثين ، بين ليلة ويوم ما لي طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت حتى تكسرت عكني ، وما وجدت على كبدي سخفة جوع .

فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان جاءت امرأتان تطوفان ، [ ص: 52 ] وتدعوان إسافا ونائلة فأتتا علي في طوافهما ، فقلت : أنكحا أحدهما الآخر ، فما تناهتا عن قولهما فأتتا علي ، فقلت : هن مثل الخشبة ، غير أني لا أكني ، فانطلقتا تولولان ، تقولان : لو كان هاهنا أحد من أنفارنا ! فاستقبلهما رسول الله ، وأبو بكر ، وهما هابطتان ، فقال : ما لكما ؟ قالتا : الصابئ بين الكعبة وأستارها . قال : فما قال لكما ؟ قالتا : إنه قال كلمة تملأ الفم .

قال : وجاء رسول الله حتى استلم الحجر ، ثم طاف بالبيت ، هو وصاحبه ، ثم صلى . وكنت أول من حياه بتحية الإسلام . قال : عليك ورحمة الله ، من أين أنت ؟ قلت : من غفار ، فأهوى بيده ، ووضع أصابعه على جبهته .

فقلت في نفسي : كره أني انتميت إلى غفار ، فذهبت آخذ بيده ، فدفعني صاحبه ، وكان أعلم به مني .

قال : ثم رفع رأسه ، فقال : متى كنت هاهنا ؟ قلت : منذ ثلاثين من بين ليلة ويوم . قال : فمن كان يطعمك ؟ قلت : ما كان لي طعام إلا ماء زمزم ، فسمنت ، وما أجد على بطني سخفة جوع . قال : إنها مباركة ، إنها طعام طعم . [ ص: 53 ]

فقال أبو بكر : يا رسول الله ، ائذن لي في طعامه الليلة ، فانطلقنا ، ففتح أبو بكر بابا ، فجعل يقبض لنا من زبيب الطائف : فكان أول طعام أكلته بها .

وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه قد وجهت لي أرض ذات نخل ، لا أراها إلا يثرب ، فهل أنت مبلغ عني قومك ، لعل الله أن ينفعهم بك ويأجرك فيهم ؟ .

قال : فانطلقت ، فلقيت أنيسا ، فقال : ما صنعت ؟ قلت : صنعت أني أسلمت وصدقت . قال : ما بي رغبة عن دينك ، فإني قد أسلمت وصدقت ، فأسلمت أمنا ، فاحتملنا حتى أتينا قومنا غفار ، فأسلم نصفهم ، وكان يؤمهم إيماء بن رحضة ، وكان سيدهم . وقال نصفهم : إذا قدم رسول الله المدينة أسلمنا ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأسلم نصفهم الباقي .

وجاءت أسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، إخواننا ، نسلم على الذي أسلموا عليه ، فأسلموا .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : غفار غفر الله لها ، وأسلم ، سالمها الله
. أخرجه مسلم .

قال أبو جمرة : قال لنا ابن عباس : ألا أخبركم بإسلام أبي ذر ؟ قلنا : بلى . قال : قال أبو ذر : بلغني أن رجلا بمكة قد خرج ، يزعم أنه نبي ، فأرسلت أخي ليكلمه ، فقلت : انطلق إلى هذا الرجل ، فكلمه ، فانطلق فلقيه ، ثم رجع ، فقلت : ما عندك ؟ قال : والله ، لقد رأيت رجلا يأمر بالخير ، وينهى عن الشر . قلت : لم تشفني ، فأخذت جرابا وعصا ، ثم [ ص: 54 ] أقبلت إلى مكة ، فجعلت لا أعرفه وأكره أن أسأل عنه ، وأشرب من ماء زمزم ، وأكون في المسجد ، فمر علي بن أبي طالب فقال : هذا رجل غريب ؟ قلت : نعم . قال : انطلق إلى المنزل ، فانطلقت معه ، لا أسأله عن شيء ، ولا يخبرني .

فلما أصبح الغد ، جئت إلى المسجد لا أسأل عنه ، وليس أحد يخبرني عنه بشيء ، فمر بي علي فقال : أما آن للرجل أن يعود ؟ قلت : لا . قال : ما أمرك ، وما أقدمك ؟ قلت : إن كتمت علي أخبرتك ؟ قال : أفعل . قلت : قد بلغنا أنه قد خرج نبي . قال : أما قد رشدت ! هذا وجهي إليه ، فاتبعني وادخل حيث أدخل ، فإني إن رأيت أحدا أخافه عليك ، قمت إلى الحائط كأني أصلح نعلي ، وامض أنت .

فمضى ، ومضيت معه ، فدخلنا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله ، اعرض علي الإسلام ، فعرض علي ، فأسلمت مكاني ، فقال لي : يا أبا ذر ، اكتم هذا الأمر ، وارجع إلى قومك ، فإذا بلغك ظهورنا ، فأقبل ، فقلت : والذي بعثك بالحق ، لأصرخن بها بين أظهرهم .

فجاء إلى المسجد وقريش فيه ، فقال : يا معشر قريش ، إني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فقاموا ، فضربت لأموت ، فأدركني العباس ، فأكب علي ، وقال : ويلكم تقتلون رجلا من غفار ، ومتجركم وممركم على غفار ! فأطلقوا عني ، فلما أصبحت ، رجعت ، فقلت مثلما قلت بالأمس ، فقالوا : قوموا إلى هذا الصابئ ، فصنع بي كذلك ، وأدركني العباس ، فأكب علي
.

فهذا أول إسلام أبي ذر . [ ص: 55 ] أخرجه : البخاري ومسلم من طريق المثنى بن سعيد ، عن أبي جمرة .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:29 PM

ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر : أخبرنا ابن أبي سبرة ، عن يحيى بن شبل ، عن خفاف بن إيماء قال : كان أبو ذر رجلا يصيب ، وكان شجاعا ، ينفرد وحده يقطع الطريق ، ويغير على الصرم في عماية الصبح على ظهر فرسه أو قدميه ، كأنه السبع ، فيطرق الحي ، ويأخذ ما أخذ ، ثم إن الله قذف في قلبه الإسلام ، وسمع مقالة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو يومئذ يدعو مختفيا ، فأقبل يسأل عنه .

وعن أبي معشر السندي : كان أبو ذر يتأله في الجاهلية ، ويوحد ، ولا يعبد الأصنام .

النضر بن محمد ، أخبرنا عكرمة بن عمار : أخبرنا أبو زميل ، عن مالك بن مرثد ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، قال : كنت رابع الإسلام ، أسلم قبلي ثلاثة ، فأتيت نبي الله ، فقلت : سلام عليك يا نبي الله . وأسلمت ، فرأيت الاستبشار في وجهه ، فقال : من أنت ؟ قلت : جندب ، رجل من غفار .

قال : فرأيتها في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان فيهم من يسرق الحاج
.

[ ص: 56 ] وعن محفوظ بن علقمة ، عن ابن عائذ ، عن جبير بن نفير ، قال : كان أبو ذر وعمرو بن عبسة ، كل منهما يقول : أنا ربع الإسلام .

قال الواقدي : كان حامل راية غفار يوم حنين أبو ذر .

وكان يقول : أبطأت في غزوة تبوك ، من عجف بعيري .

ابن إسحاق : حدثني بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن ابن مسعود ، قال : لما سار رسول الله إلى تبوك ، جعل لا يزال يتخلف الرجل ، فيقولون : يا رسول الله ، تخلف فلان ، فيقول : دعوه ، إن يكن فيه خير فسيلحقكم ، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه . حتى قيل : يا رسول الله ، تخلف أبو ذر ، وأبطأ به بعيره .

قال : وتلوم بعير أبي ذر ، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه ، فجعله على ظهره ، وخرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونظر ناظر ، فقال : إن هذا لرجل يمشي على الطريق ، فقال رسول الله : كن أبا ذر ، فلما تأمله القوم ، قالوا : هو والله أبو ذر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده . [ ص: 57 ]

فضرب الدهر من ضربه وسير أبو ذر إلى الربذة ، فلما حضرته الوفاة ، أوصى امرأته وغلامه ، فقال : إذا مت فاغسلاني وكفناني ، وضعاني على الطريق ، فأول ركب يمرون بكم فقولا : هذا أبو ذر .

فلما مات فعلا به ذلك ، فاطلع ركب ، فما علموا به حتى كادت ركائبهم توطأ السرير ، فإذا عبد الله بن مسعود في رهط من أهل الكوفة ، فقال : ما هذا ؟ قيل : جنازة أبي ذر ، فاستهل ابن مسعود يبكي ، وقال : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده .

فنزل فوليه بنفسه ، حتى أجنه
.

شريك ، عن إبراهيم بن مهاجر ، عن كليب بن شهاب : سمعت أبا ذر يقول : ما تؤيسني رقة عظمي ، ولا بياض شعري ، أن ألقى عيسى ابن مريم .

وعن ابن سيرين : سألت ابن أخت لأبي ذر : ما ترك أبو ذر ؟ قال : ترك أتانين ، وحمارا ، وأعنزا ، وركائب .

يحيى بن سعيد الأنصاري : أخبرنا الحارث بن يزيد الحضرمي : أن أبا ذر سأل رسول الله الإمرة ، فقال : إنك ضعيف ، وإنها خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها . [ ص: 58 ]

أبو بكر بن أبي مريم ، عن حبيب بن عبيد ، عن غضيف بن الحارث ، عن أبي الدرداء ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدئ أبا ذر إذا حضر ، ويتفقده إذا غاب .

فضيل بن مرزوق ، حدثتني جبلة بنت مصفح ، عن حاطب : قال أبو ذر : ما ترك رسول الله شيئا مما صبه جبريل وميكائيل في صدره ، إلا قد صبه في صدري ، ولا تركت شيئا مما صبه في صدري إلا قد صببته في صدر مالك بن ضمرة .

هذا منكر .

عبد الرحمن بن أبي الرجال : أخبرنا عمر مولى غفرة ، عن ابن كعب ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أوصاني بخمس : أرحم المساكين وأجالسهم ، وأنظر إلى من تحتي ولا أنظر إلى من فوقي ، وأن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأن أقول الحق وإن كان مرا ، وأن أقول : لا حول ولا قوة إلا بالله . [ ص: 59 ]

الأعمش ، عن عثمان بن عمير ، عن أبي حرب بن أبي الأسود : سمعت عبد الله بن عمرو : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما أقلت الغبراء ، ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق لهجة من أبي ذر .

حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن بلال بن أبي الدرداء ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : مثله . وجاء نحوه لجابر ، وأبي هريرة .

أبو أمية بن يعلى - وهو واه - عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى ابن مريم ، فلينظر إلى أبي ذر .

سلام بن مسكين : أخبرنا مالك بن دينار : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أيكم يلقاني على الحال الذي أفارقه عليه ؟ فقال أبو ذر : أنا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ؛ من سره أن ينظر إلى زهد عيسى فلينظر إلى أبي ذر . [ ص: 60 ]

حجاج بن محمد ، عن ابن جريج : أخبرني أبو حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه . ثم قال ابن جريج ، ورجل عن زاذان ، قالا : سئل علي عن أبي ذر ؛ فقال : وعى علما عجز عنه ، وكان شحيحا على دينه ، حريصا على العلم ، يكثر السؤال ، وعجز عن كشف ما عنده من العلم .

سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال : أخبرنا عبد الله بن الصامت ، قال : دخلت مع أبي ذر في رهط من غفار على عثمان من باب لا يدخل عليه منه - قال : وتخوفنا عثمان عليه - فانتهى إليه ، فسلم ، ثم ما بدأه بشيء إلا أن قال : أحسبتني منهم يا أمير المؤمنين ؟ والله ما أنا منهم ولا أدركهم . ثم استأذنه إلى الربذة .

يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن أبي إدريس ، عن المسيب بن نجبة ، عن علي ، أنه قيل له : حدثنا عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، حدثنا عن أبي ذر . قال : علم العلم ، ثم أوكى ، فربط عليه رباطا شديدا .

أبو إسحاق ، عن هانئ بن هانئ : سمع عليا يقول : أبو ذر وعاء ملئ علما ، أوكى عليه ، فلم يخرج منه شيء حتى قبض .

عن أبي سلمة ، مرسلا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : اللهم اغفر لأبي ذر وتب عليه .

ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم : إنه لم يكن نبي إلا وقد أعطي سبعة رفقاء ووزراء ، وإني أعطيت أربعة عشر فسمى فيهم أبا ذر . [ ص: 61 ]

شريك ، عن أبي ربيعة الإيادي ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت بحب أربعة ، وأخبرني الله - تعالى - أنه يحبهم . قلت : من هم يا رسول الله ؟ قال : علي ، وأبو ذر ، وسلمان ، والمقداد بن الأسود .

قال شهر بن حوشب : حدثتني أسماء : أن أبا ذر كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا فرغ من خدمته ، أوى إلى المسجد ، وكان هو بيته ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فوجده منجدلا في المسجد ، فنكته رسول الله صلى الله عليه وسلم برجله ، حتى استوى جالسا ، فقال : ألا أراك نائما ؟ قال : فأين أنام ، هل لي من بيت غيره ؟ فجلس إليه ، ثم قال : كيف أنت إذا أخرجوك منه ؟ قال : ألحق بالشام ؛ فإن الشام أرض الهجرة ، وأرض المحشر ، وأرض الأنبياء ، فأكون رجلا من أهلها - قال له : كيف أنت إذا أخرجوك من الشام ؟ قال : أرجع إليه ؛ فيكون بيتي ومنزلي . قال : فكيف أنت إذا أخرجوك منه الثانية ؟ قال : آخذ إذا سيفي فأقاتل حتى أموت .

قال : فكشر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : أدلك على خير من ذلك ؟ قال : بلى ، بأبي وأمي يا رسول الله .

قال : تنقاد لهم حيث قادوك ، حتى تلقاني وأنت على ذلك
[ ص: 62 ] أخرجه أحمد في " مسنده " .

وفي المسند : أخبرنا أبو المغيرة : أخبرنا صفوان بن عمرو ، عن أبي اليمان ، وأبي المثنى : أن أبا ذر قال : بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا ، وواثقني سبعا ، وأشهد الله علي سبعا : ألا أخاف في الله لومة لائم .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:30 PM

أبو اليمان ، هو الهوزني الدغولي أخبرنا أبو جعفر الصائغ بمكة : أخبرنا المقري : أخبرنا المسعودي : أخبرنا أبو عمر الشامي ، عن عبيد بن الخشخاش ، عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فجلست إليه ، فقال : أصليت ؟ قلت : لا . قال : قم فصل ، فقمت فصليت ، ثم أتيته ، فقال : يا أبا ذر ، استعذ بالله من شياطين الإنس والجن . قلت : وهل للإنس من شياطين ؟ قال : نعم . ثم قال : يا أبا ذر ، ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ قل : لا حول ولا قوة إلا بالله . قلت : فما الصلاة ؟ قال : خير موضوع ، فمن شاء أكثر ، ومن شاء أقل . قلت : فما الصيام ؟ قال : فرض مجزئ . قلت : فما الصدقة ؟ قال : أضعاف مضاعفة ، وعند الله مزيد . قلت : فأيها أفضل ؟ قال : جهد من مقل ، أو سر إلى فقير . قلت : فأي ما أنزل الله عليك أعظم ؟ قال : الله لا إله إلا هو الحي القيوم قلت : فأي الأنبياء كان أول ؟ قال : آدم . قلت : نبيا كان ؟ قال : نعم ، مكلم . قلت : فكم المرسلون يا رسول الله ؟ قال : ثلاثمائة وخمسة عشر جما غفيرا . [ ص: 63 ]

هشام ، عن ابن سيرين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي ذر : " إذا بلغ البناء سلعا فاخرج منها - ونحا بيده نحو الشام - ولا أرى أمراءك يدعونك . قال : أولا أقاتل من يحول بيني وبين أمرك ؟ قال : لا . قال : فما تأمرني ؟ قال : اسمع وأطع ، ولو لعبد حبشي .

فلما كان ذلك ، خرج إلى الشام ، فكتب معاوية : إنه قد أفسد الشام ، فطلبه عثمان ؛ ثم بعثوا أهله من بعده ، فوجدوا عندهم كيسا أو شيئا ؛ فظنوه دراهم ، فقالوا : ما شاء الله فإذا هي فلوس .

فقال عثمان : كن عندي . قال : لا حاجة لي في دنياكم ؛ ائذن لي حتى أخرج إلى الربذة ، فأذن له ؛ فخرج إليها ، وعليها عبد حبشي لعثمان ، فتأخر وقت الصلاة - لما رأى أبا ذر - فقال أبو ذر : تقدم فصل .

سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، قال : كنت ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمار وعليه برذعة ، أو قطيفة [ ص: 64 ] .

عفان : أخبرنا سلام أبو المنذر ، عن محمد بن واسع ، عن عبد الله بن الصامت ، عن أبي ذر ، قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع : أمرني بحب المساكين والدنو منهم ، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ، وأن لا أسأل أحدا شيئا ، وأن أصل الرحم وإن أدبرت ، وأن أقول الحق وإن كان مرا ، وألا أخاف في الله لومة لائم ، وأن أكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله ؛ فإنهن من كنز تحت العرش .

الأوزاعي : حدثني أبو كثير ، عن أبيه ، قال : أتيت أبا ذر وهو جالس عند الجمرة الوسطى ، وقد اجتمع الناس عليه يستفتونه ، فأتاه رجل ، فوقف عليه ، فقال : ألم ينهك أمير المؤمنين عن الفتيا ؟ فرفع رأسه ، ثم قال : أرقيب أنت علي ، لو وضعتم الصمصامة على هذه - وأشار بيده إلى قفاه - ثم ظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجيزوا علي لأنفذتها .

اسم أبي كثير : مرثد .

وعن ثعلبة بن الحكم ، عن علي ، قال : لم يبق أحد لا يبالي في الله لومة لائم ، غير أبي ذر ، ولا نفسي . ثم ضرب بيده على صدره .

الجريري ، عن يزيد بن الشخير ، عن الأحنف ، قال : قدمت [ ص: 65 ] المدينة ، فبينا أنا في حلقة فيها ملأ من قريش ، إذ جاء رجل أخشن الثياب ، أخشن الجسد ، أخشن الوجه ، فقام عليهم فقال : بشر الكنازين برضف يحمى عليه في نار جهنم ، فيوضع على حلمة ثدي أحدهم ، حتى يخرج من نغض كتفه ، ويوضع على نغض كتفه حتى يخرج من حلمة ثديه يتجلجل .

قال : فوضع القوم رءوسهم ، فما رأيت أحدا منهم رجع إليه شيئا .

فأدبر ، فتبعته حتى جلس إلى سارية ، فقلت : ما رأيت هؤلاء إلا كرهوا ما قلت لهم . قال : إن هؤلاء لا يعقلون شيئا ؛ إن خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم دعاني فقال : يا أبا ذر ، فأجبته ، فقال : ترى أحدا ؟ فنظرت ما علي من الشمس - وأنا أظنه يبعثني في حاجة - فقلت : أراه ، فقال : ما يسرني أن لي مثله ذهبا ، أنفقه كله ، إلا ثلاثة دنانير ثم هؤلاء يجمعون الدنيا ، لا يعقلون شيئا .

فقلت : ما لك ولإخوانك من قريش ، لا تعتريهم ولا تصيب منهم ؟ قال : لا وربك ، ما أسألهم دنيا ، ولا أستفتيهم عن دين حتى ألحق بالله ورسوله
.

الأسود بن شيبان ، عن يزيد بن الشخير ، عن أخيه مطرف ، عن أبي ذر ، فذكر بعضه . [ ص: 66 ]

موسى بن عبيدة : حدثنا عمران بن أبي أنس ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، قال : قدم أبو ذر من الشام ، فدخل المسجد ، وأنا جالس ، فسلم علينا ، وأتى سارية ، فصلى ركعتين ، تجوز فيهما ثم قرأ : ألهاكم التكاثر واجتمع الناس عليه ، فقالوا : حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقال : سمعت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : في الإبل صدقتها ، وفي البقر صدقتها ، وفي البر صدقته . من جمع دينارا ، أو تبرا ، أو فضة ، لا يعده لغريم ، ولا ينفقه في سبيل الله ، كوي به .

قلت : يا أبا ذر ، انظر ما تخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن هذه الأموال قد فشت . قال : من أنت ، ابن أخي ؟ فانتسبت له .

فقال : قد عرفت نسبك الأكبر ، ما تقرأ : والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله
.

موسى - ضعف - رواه عنه الثقات .

ابن لهيعة : حدثنا أبو قبيل : سمعت مالك بن عبد الله الزيادي يحدث عن أبي ذر ، أنه جاء يستأذن على عثمان ، فأذن له ، وبيده عصا ، فقال عثمان : يا كعب ، إن عبد الرحمن توفي ، وترك مالا ، فما ترى ؟ قال : إن [ ص: 67 ] كان فضل فيه حق الله ، فلا بأس عليه ، فرفع أبو ذر عصاه ، وضرب كعبا وقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما أحب أن لي هذا الجبل ذهبا أنفقه ويتقبل مني ، أذر خلفي منه ستة أواق أنشدك الله يا عثمان : أسمعته قال مرارا ؟ قال : نعم .

قلت : هذا دال على فضل إنفاقه وكراهية جمعه ؛ لا يدل على تحريم
.

حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، قال : دخلت مع أبي ذر على عثمان ، فلما دخل ، حسر عن رأسه وقال : والله ، ما أنا منهم يا أمير المؤمنين - يريد الخوارج - قال ابن شوذب : سيماهم الحلق - قال له عثمان : صدقت يا أبا ذر ؛ إنما أرسلنا إليك لتجاورنا بالمدينة . قال : لا حاجة لي في ذلك ، ائذن لي إلى الربذة . قال : نعم ، ونأمر لك بنعم من نعم الصدقة ، تغدو عليك وتروح . قال : لا حاجة لي في ذلك ، يكفي أبا ذر صريمته ، فلما خرج قال : دونكم معاشر قريش ، دنياكم فاعذموها ودعونا وربنا .

قال : ودخل عليه وهو يقسم ، وعبد الرحمن بن عوف بين يديه ، وعنده كعب ، فأقبل عثمان على كعب ، فقال : يا أبا إسحاق ، ما تقول فيمن جمع [ ص: 68 ] هذا المال ، فكان يتصدق منه ويصل الرحم ؟ قال كعب : إني لأرجو له ، فغضب ورفع عليه العصا ، وقال : وما تدري يا ابن اليهودية ، ليودن صاحب هذا المال لو كان عقارب في الدنيا تلسع السويداء من قلبه .

السري بن يحيى : حدثنا غزوان أبو حاتم ، قال : بينا أبو ذر عند باب عثمان ليؤذن له ، إذ مر به رجل من قريش ، فقال : يا أبا ذر ، ما يجلسك هاهنا ؟ قال : يأبى هؤلاء أن يأذنوا لنا ، فدخل الرجل فقال : يا أمير المؤمنين ، ما بال أبي ذر على الباب ؟ .

فأذن له ، فجاء حتى جلس ناحية ، وميراث عبد الرحمن يقسم ، فقال عثمان لكعب : أرأيت المال إذا أدي زكاته ، هل يخشى على صاحبه فيه تبعة ؟ قال : لا ، فقام أبو ذر فضربه بعصا بين أذنيه ، ثم قال : يا ابن اليهودية ، تزعم أن ليس عليه حق في ماله ، إذا آتى زكاته ، والله يقول : ويؤثرون على أنفسهم الآية . ويقول : ويطعمون الطعام على حبه .

فجعل يذكر نحو هذا من القرآن ، فقال عثمان للقرشي : إنما نكره أن نأذن لأبي ذر من أجل ما ترى .

وروي عن ابن عباس قال : كان أبو ذر يختلف من الربذة إلى المدينة مخافة الأعرابية فكان يحب الوحدة فدخل على عثمان وعنده كعب . . . الحديث . [ ص: 69 ]

وفيه : فشج كعبا ؛ فاستوهبه عثمان ، فوهبه له ، وقال : يا أبا ذر ، اتق الله واكفف يدك ولسانك .

موسى بن عبيدة : أخبرنا ابن نفيع عن ابن عباس ، قال : استأذن أبو ذر على عثمان ، فتغافلوا عنه ساعة ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، هذا أبو ذر بالباب . قال : ائذن له ، إن شئت أن تؤذينا وتبرح بنا ، فأذنت له ، فجلس على سرير مرمول فرجف به السرير ، وكان عظيما طويلا ، فقال عثمان : أما إنك الزاعم أنك خير من أبي بكر وعمر ؟ ! قال : ما قلت . قال : إني أنزع عليك بالبينة ، قال : والله ما أدري ما بينتك وما تأتي به ؟ ! وقد علمت ما قلت . قال : فكيف إذا قلت ؟ قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أحبكم إلي وأقربكم مني الذي يلحق بي على العهد الذي عاهدته عليه وكلكم قد أصاب من الدنيا ، وأنا على ما عاهدته عليه ، وعلى الله تمام النعمة .

وسأله عن أشياء ، فأخبره بالذي يعلمه ، فأمره أن يرتحل إلى الشام فيلحق بمعاوية ، فكان يحدث بالشام ، فاستهوى قلوب الرجال ، فكان معاوية ينكر بعض شأن رعيته ، وكان يقول : لا يبيتن عند أحدكم دينار ولا درهم ، ولا تبر ولا فضة ، إلا شيء ينفقه في سبيل الله ، أو يعده لغريم .

وإن معاوية بعث إليه بألف دينار في جنح الليل فأنفقها . [ ص: 70 ] فلما صلى معاوية الصبح ، دعا رسوله ، فقال : اذهب إلى أبي ذر ، فقل : أنقذ جسدي من عذاب معاوية ، فإني أخطأت . قال : يا بني ، قل له : يقول لك أبو ذر : والله ما أصبح عندنا منه دينار . ولكن أنظرنا ثلاثا حتى نجمع لك دنانيرك .

فلما رأى معاوية أن قوله صدق فعله كتب إلى عثمان : أما بعد ، فإن كان لك بالشام حاجة ، أو بأهله ، فابعث إلى أبي ذر ، فإنه قد وغل صدور الناس .

فكتب إليه عثمان : اقدم علي ، فقدم .

ابن لهيعة ، عن عبيد الله بن المغيرة ، عن يعلى بن شداد : كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله فيه الشدة ، ثم يخرج إلى قومه ، فيسلم عليهم . ثم إن رسول الله يرخص فيه بعد ، فلم يسمعه أبو ذر ، فتعلق أبو ذر بالأمر الشديد .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:31 PM

عاصم بن كليب ، عن أبي الجويرية ، عن زيد بن خالد الجهني ، قال : كنت عند عثمان ، إذ جاء أبو ذر ، فلما رآه عثمان قال : مرحبا وأهلا بأخي ، فقال أبو ذر : مرحبا وأهلا بأخي ، لقد أغلظت علينا في العزيمة ، والله لو عزمت علي أن أحبو لحبوت ما استطعت . إني خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم نحو حائط بني فلان ، فقال لي : ويحك بعدي ! فبكيت ، فقلت : يا رسول الله ، وإني لباق بعدك ؟ قال : نعم ، فإذا رأيت البناء على سلع ، فالحق بالمغرب ، أرض قضاعة [ ص: 71 ] .

قال عثمان : أحببت أن أجعلك مع أصحابك وخفت عليك جهال الناس
.

وعن أبي ذر : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اسمع وأطع لمن كان عليك .

جعفر بن برقان ، عن ثابت بن الحجاج ، عن عبد الله بن سيدان السلمي ، قال : تناجى أبو ذر ، وعثمان حتى ارتفعت أصواتهما ، ثم انصرف أبو ذر متبسما ، فقالوا : ما لك ولأمير المؤمنين ؟ قال : سامع مطيع ، ولو أمرني أن آتي صنعاء أو عدن ثم استطعت أن أفعل ، لفعلت وأمره أن يخرج إلى الربذة .

ميمون بن مهران ، عن عبد الله بن سيدان ، عن أبي ذر ، قال : لو أمرني عثمان أن أمشي على رأسي لمشيت .

وقال أبو عمران الجوني ، عن عبد الله بن الصامت ، قال : قال أبو ذر لعثمان : يا أمير المؤمنين ، افتح الباب ، لا تحسبني من قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية .

يزيد ، أخبرنا العوام بن حوشب : حدثني رجل عن شيخين من بني ثعلبة ، قالا : نزلنا الربذة ، فمر بنا شيخ أشعث أبيض الرأس واللحية ، فقالوا : هذا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستأذناه بأن نغسل رأسه ، فأذن لنا ، واستأنس بنا ، فبينما نحن كذلك إذ أتاه نفر من أهل العراق - حسبته [ ص: 72 ] قال : من أهل الكوفة - فقالوا : يا أبا ذر ، فعل بك هذا الرجل وفعل ، فهل أنت ناصب لك راية فنكملك برجال ما شئت ؟ فقال : يا أهل الإسلام ، لا تعرضوا علي ذاكم ولا تذلوا السلطان ، فإنه من أذل السلطان ، فلا توبة له ، والله لو صلبني على أطول خشبة أو حبل ، لسمعت وصبرت ورأيت أن ذلك خير لي .

حميد بن هلال ، عن عبد الله بن الصامت ، قالت أم ذر : والله ما سير عثمان أبا ذر - تعني إلى الربذة - ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا بلغ البناء سلعا ، فاخرج منها .

قال غالب القطان للحسن : يا أبا سعيد ، أكان عثمان أخرج أبا ذر ؟ قال : معاذ الله .

محمد بن عمرو ، عن عراك بن مالك ، قال أبو ذر : إني لأقربكم مجلسا من رسول الله يوم القيامة ، إني سمعته يقول : إن أقربكم مني مجلسا من خرج من الدنيا كهيئته بما تركته عليه وإنه والله ما منكم إلا من تشبث منها بشيء .

قال المعرور بن سويد : نزلنا الربذة ، فإذا برجل عليه برد ، وعلى غلامه مثله ، فقلنا : لو عملتهما حلة لك ، واشتريت لغلامك غيره ، فقال : سأحدثكم : كان بيني وبين صاحب لي كلام ، وكانت أمه أعجمية ، فنلت [ ص: 73 ] منها ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ساببت فلانا ؟ قلت : نعم . قال : ذكرت أمه ؟ قلت : من ساب الرجال ذكر أبوه وأمه ، فقال : إنك امرؤ فيه جاهلية وذكر الحديث . . . إلى أن قال : إخوانكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه من طعامه ، وليلبسه من لباسه ، ولا يكلفه ما يغلبه .

قتادة ، عن أبي قلابة ، عن أبي أسماء ، أنه دخل على أبي ذر بالربذة ، وعند امرأة له سوداء مشعثة ، ليس عليها أثر المجاسد والخلوق ، فقال : ألا تنظرون ما تأمرني به ؟ تأمرني أن آتي العراق ، فإذا أتيتها مالوا علي بدنياهم ، وإن خليلي عهد إلي : إن دون جسر جهنم طريقا ذا دحض ومزلة ، وإنا أن نأتي عليه وفي أحمالنا اقتدار أحرى أن ننجو من أن نأتي عليه ونحن مواقير .

أبو هلال ، عن قتادة ، عن سعيد بن أبي الحسن ، أن أبا ذر كان عطاؤه أربعة آلاف ، فكان إذا أخذ عطاءه ، دعا خادمه ، فسأله عما يكفيه للسنة ، فاشتراه ، ثم اشترى فلوسا بما بقي . وقال : إنه ليس من وعاء ذهب ولا فضة يوكى عليه إلا وهو يتلظى على صاحبه . [ ص: 74 ]

قال يحيى بن أبي كثير : كان لأبي ذر ثلاثون فرسا يحمل عليها ، فكان يحمل على خمسة عشر منها يغزو عليها ، ويصلح آلة بقيتها ، فإذا رجعت أخذها ، فأصلح آلتها ، وحمل على الأخرى .

قال ثابت البناني : بنى أبو الدرداء مسكنا ، فمر عليه أبو ذر ، فقال : ما هذا ؟ تعمر دارا أذن الله بخرابها ، لأن تكون رأيتك تتمرغ في عذرة أحب إلي من أن أكون رأيتك فيما رأيتك فيه .

حسين المعلم ، عن ابن بريدة ، قال : لما قدم أبو موسى لقي أبا ذر ، فجعل أبو موسى يكرمه - وكان أبو موسى قصيرا خفيف اللحم . وكان أبو ذر رجلا أسود كث الشعر - فيقول أبو ذر : إليك عني ! ويقول أبو موسى : مرحبا بأخي ، فيقول : لست بأخيك ! إنما كنت أخاك قبل أن تلي .

وعن أم طلق قالت : دخلت على أبي ذر فرأيته شعثا شاحبا ، بيده صوف ، قد جعل عودين ، وهو يغزل بهما ، فلم أر في بيته شيئا ، فناولته شيئا من دقيق وسويق ، فقال لي : أما ثوابك ، فعلى الله .

وقيل : إن أبا ذر خلف بنتا له ، فضمها عثمان إلى عياله .

قال الفلاس ، والهيثم بن عدي ، وغيرهما : مات سنة اثنتين وثلاثين ويقال : مات في ذي الحجة .

ويقال : إن ابن مسعود الذي دفنه ، عاش بعده نحوا من عشرة أيام رضي الله عنهما . [ ص: 75 ]

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر - مع قوة أبي ذر في بدنه وشجاعته - : يا أبا ذر ، إني أراك ضعيفا ، وإني أحب لك ما أحب لنفسي ، لا تأمرن على اثنين ، ولا تولين مال يتيم .

فهذا محمول على ضعف الرأي ؛ فإنه لو ولي مال يتيم ، لأنفقه كله في سبيل الخير ، ولترك اليتيم فقيرا ! فقد ذكرنا أنه كان لا يستجيز ادخار النقدين . والذي يتأمر على الناس ، يريد أن يكون فيه حلم ومداراة ، وأبو ذر رضي الله عنه كانت فيه حدة - كما ذكرناه - فنصحه النبي صلى الله عليه وسلم .

وله مئتا حديث وأحد وثمانون حديثا ، اتفقا منها على اثني عشر حديثا ، وانفرد البخاري بحديثين . ومسلم بتسعة عشر .

ابن سعد : أخبرنا عفان : أخبرنا وهيب : أخبرنا عبد الله بن عثمان بن [ ص: 76 ] خثيم ، عن مجاهد ، عن إبراهيم بن الأشتر ، أن أبا ذر حضره الموت بالربذة ، فبكت امرأته ، فقال : وما يبكيك ؟ قالت : أبكي أنه لا بد من تغييبك . وليس عندي ثوب يسعك كفنا .

قال : لا تبكي ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، وأنا عنده في نفر ، يقول : ليموتن رجل منكم بفلاة تشهده عصابة من المؤمنين فكلهم مات في جماعة وقرية ، فلم يبق غيري ، وقد أصبحت بالفلاة أموت ، فراقبي الطريق ، فإنك سوف ترين ما أقول ، ما كذبت ، ولا كذبت . قالت : وأنى ذلك وقد انقطع الحاج ؟ ! .

قال : راقبي الطريق . فبينا هي كذلك ، إذ هي بالقوم تخب بهم رواحلهم كأنهم الرخم فأقبلوا حتى وقفوا عليها . قالوا : ما لك ؟ قالت : رجل من المسلمين تكفنونه ، وتؤجرون فيه . قالوا : ومن هو ؟ قالت : أبو ذر ، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم ، ووضعوا سياطهم في نحورها يبتدرونه .

فقال : أبشروا ، أنتم النفر الذين قال فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال . سمعته يقول : ما من امرأين من المسلمين هلك بينهما ولدان أو ثلاثة فاحتسبا وصبرا ، فيريان النار أبدا .

ثم قال : وقد أصبحت اليوم حيث ترون ، ولو أن ثوبا من ثيابي يسعني لم أكفن إلا فيه . أنشدكم الله : أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا . [ ص: 77 ]

فكل القوم كان نال من ذلك شيئا إلا فتى من الأنصار قال : أنا صاحبك ، ثوبان في عيبتي من غزل أمي ، وأحد ثوبي هذين اللذين علي .

قال : أنت صاحبي ، فكفني .

ثم قال ابن سعد : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل ، حدثنا يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن مجاهد ، عن إبراهيم بن الأشتر ، عن أبيه ، أنه لما حضر أبا ذر الموت ، بكت امرأته - فذكره وزاد - : فكفنه الأنصاري في النفر الذين شهدوه ، منهم : حجر بن الأدبر ، ومالك بن الأشتر .

ابن إسحاق : حدثنا بريدة بن سفيان ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن ابن مسعود ، قال : لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة ، وأصابه بها قدره ، لم يكن معه إلا امرأته وغلامه ، فأوصاهما : أن اغسلاني وكفناني وضعاني على قارعة الطريق ، فأول ركب يمر بكم قولوا : هذا أبو ذر ، فأعينونا عليه .

فوضعاه ، وأقبل ابن مسعود في رهط من العراق عمارا ، فلم يرعهم إلا به ، قد كادت الإبل أن تطأه ، فقام الغلام ، فقال : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فاستهل عبد الله يبكي ، ويقول : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : تمشي [ ص: 78 ] وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك .

ثم نزلوا فواروه ، ثم حدثهم عبد الله حديثه ، وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره وحده إلى تبوك .

وعن عيسى بن عميلة أخبرني من رأى أبا ذر يحلب غنيمة له ، فيبدأ بجيرانه وأضيافه قبل نفسه .

عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي ، قال : رأيت أبا ذر يميد على راحلته ، وهو مستقبل مطلع الشمس ، فظننته نائما ، فدنوت وقلت : أنائم أنت يا أبا ذر ؟ قال : لا ، بل كنت أصلي .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:33 PM

العباس ( ع )

[ ص: 78 ] عم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قيل : إنه أسلم قبل الهجرة ، وكتم إسلامه ، وخرج مع قومه إلى بدر ، فأسر يومئذ ، فادعى أنه مسلم ، فالله أعلم . [ ص: 79 ]

وليس هو في عداد الطلقاء ؛ فإنه كان قد قدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم قبل الفتح ؛ ألا تراه أجارأبا سفيان بن حرب ؟‍‍ ! .

وله عدة أحاديث ، منها خمسة وثلاثون في مسند بقي وفي " البخاري ومسلم " حديث ، وفي " البخاري " حديث ، وفي " مسلم " ثلاثة أحاديث .

روى عنه ابناه : عبد الله ، وكثير ؛ والأحنف بن قيس ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل ، وجابر بن عبد الله ، وأم كلثوم بنت العباس ، وعبد الله بن عميرة ، وعامر بن سعد ، وإسحاق بن عبد الله بن نوفل ، ومالك بن أوس بن الحدثان ، ونافع بن جبير بن مطعم ، وابنه عبيد الله بن العباس ، وآخرون .

وقدم الشام مع عمر .

فعن أسلم مولى عمر : أن عمر لما دنا من الشام تنحى ومعه غلامه ، فعمد إلى مركب غلامه فركبه ، وعليه فرو مقلوب ، وحول غلامه على رحل نفسه .

وإن العباس لبين يديه على فرس عتيق ، وكان رجلا جميلا ، فجعلت البطارقة يسلمون عليه ، فيشير : لست به ، وإنه ذاك .

قال الكلبي : كان العباس شريفا ، مهيبا ، عاقلا ، جميلا ، أبيض ، بضا ، له ضفيرتان ، معتدل القامة .

ولد قبل عام الفيل بثلاث سنين .

وقلت : بل كان من أطول الرجال ، وأحسنهم صورة ، وأبهاهم ، [ ص: 80 ] وأجهرهم صوتا ، مع الحلم الوافر ، والسؤدد .

روى مغيرة عن أبي رزين ، قال : قيل للعباس : أنت أكبر أو النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو أكبر وأنا ولدت قبله .

قال الزبير بن بكار : كان للعباس ثوب لعاري بني هاشم ، وجفنة لجائعهم ، ومنظرة لجاهلهم .

وكان يمنع الجار ، ويبذل المال ، ويعطي في النوائب .

ونديمه في الجاهلية أبو سفيان بن حرب .

ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر : حدثني ابن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان العباس قد أسلم قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . [ ص: 81 ]

إسناده واه .

عن عمارة بن عمار بن أبي اليسر السلمي ، عن أبيه ، عن جده ، قال : نظرت إلى العباس يوم بدر ، وهو واقف كأنه صنم ، وعيناه تذرفان .

فقلت : جزاك الله من ذي رحم شرا ! أتقاتل ابن أخيك مع عدوه ؟ .

قال : ما فعل ، أقتل ؟ قلت : الله أعز له وأنصر من ذلك . قال : ما تريد إلي ؟ قلت : الأسر ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتلك . قال : ليست بأول صلته ، فأسرته ، ثم جئت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .

الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، أو غيره ، قال : جاء رجل من الأنصار بالعباس ، قد أسره ، فقال : ليس هذا أسرني ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد آزرك الله بملك كريم .

ابن إسحاق ، عمن سمع عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أسر العباس أبو اليسر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : كيف أسرته ؟ قال : لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ولا بعد ، هيئته كذا . قال : لقد أعانك عليه ملك كريم .

ثم قال للعباس : افد نفسك ، وابن أخيك عقيلا ، ونوفل بن الحارث ، وحليفك عتبة بن جحدم فأبى ، وقال : إني كنت مسلما قبل [ ص: 82 ] ذلك ، وإنما استكرهوني . قال : الله أعلم بشأنك ، إن يك ما تدعي حقا ، فالله يجزيك بذلك ، وأما ظاهر أمرك فقد كان علينا ، فافد نفسك .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عرف أن العباس أخذ معه عشرين أوقية ذهبا فقلت يا رسول الله ، احسبها لي من فدائي . قال : لا ، ذاك شيء أعطانا الله منك ، قال : فإنه ليس لي مال . قال : فأين المال الذي وضعته بمكة عند أم الفضل ، وليس معكما أحد غيركما ، فقلت : إن أصبت في سفري فللفضل كذا ، لقثم كذا ، ولعبد الله كذا ؟

قال : فوالذي بعثك بالحق ما علم بهذا أحد من الناس غيرها ، وإني لأعلم أنك رسول الله
.

يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : بعثت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في فداء أسراهم ، ففدى كل قوم أسيرهم ، بما تراضوا . وقال العباس : يا رسول الله ، إني كنت مسلما . . .

إلى أن قال : وأنزلت : يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم .

قال : فأعطاني الله مكان العشرين أوقية في الإسلام ، عشرين عبدا [ ص: 83 ] كلهم في يده مال يضرب به ، مع ما أرجو من مغفرة الله تعالى
.

قال ابن إسحاق : وكان أكثر الأسارى فداء يوم بدر العباس ، افتدى نفسه بمائة أوقية من ذهب .

وعن ابن عباس ، قال : أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم والأسارى في الوثاق ، فبات ساهرا أول الليل ، فقيل : يا رسول الله ، مالك لا تنام ؟ قال : سمعت أنين عمي في وثاقه ، فأطلقوه ، فسكت ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم .

إبراهيم بن مهاجر ، عن مجاهد ، قال : أسر العباس رجل ، ووعدوه أن يقتلوه ، فقال رسول الله : إني لم أنم الليلة من أجل العباس ؛ زعمت الأنصار أنهم قاتلوه ، فقال عمر : أآتيهم يا رسول الله ؟ فأتى الأنصار فقال : أرسلوا العباس . قالوا : إن كان لرسول الله رضى فخذه .

سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : قيل : يا رسول الله - بعدما فرغ من بدر - عليك بالعير ليس دونها شيء ، فقال العباس - وهو في وثاقه - : لا يصلح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم ؟ قال : لأن الله وعدك إحدى الطائفتين ، فقد أعطاك ما وعدك .

هكذا رواه إسرائيل . ورواه عمرو بن ثابت ، عن سماك ، عن عكرمة ، مرسلا . [ ص: 84 ]

إسماعيل بن قيس ، عن أبي حازم ، عن سهل ، قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم من بدر ، استأذنه العباس أن يأذن له أن يرجع إلى مكة ، حتى يهاجر منها ، فقال : اطمئن يا عم ، فإنك خاتم المهاجرين ، كما أنا خاتم النبيين إسناده واه ، رواه أبو يعلى ، والشاشي في " مسنديهما " . ويروى نحوه من مراسيل الزهري .

قال ابن سعد الطبقة الثانية من المهاجرين والأنصار ممن لم يشهد بدرا : فبدأ بالعباس ، قال : وأمه نتيلة بنت جناب بن كليب . وسرد نسبها إلى ربيعة بن نزار بن معد .

وعن ابن عباس : ولد أبي قبل أصحاب الفيل بثلاث سنين .

وبنوه : الفضل - وهو أكبرهم - ، وعبد الله البحر وعبيد الله ، وقثم - ولم يعقب - ، وعبد الرحمن - توفي بالشام ولم يعقب - ومعبد - استشهد بإفريقية - وأم حبيب وأمهم : أم الفضل لبابة الهلالية ، وفيها يقول ابن يزيد الهلالي : [ ص: 85 ]
ما ولدت نجيبة من فحل بجبل نعلمه أو سهل كستة من بطن أم الفضل
أكرم بها من كهلة وكهل


قال الكلبي : ما رأينا ولد أم قط أبعد قبورا من بني العباس .

ومن أولاد العباس : كثير - وكان فقيها - ، وتمام - وكان من أشد قريش - ، وأميمة ؛ وأمهم أم ولد . والحارث بن العباس ، وأمه حجيلة بنت جندب التميمية .

فعدتهم عشرة .

الواقدي : أخبرنا عبد الله بن يزيد الهذلي ، عن أبي البداح بن عاصم ، عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة ، عن أبيه ، قال : أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقيل : هو في منزل العباس ؛ فدخلنا عليه ، فسلمنا وقلنا : متى نلتقي ؟ فقال العباس : إن معكم من قومكم من هو مخالف لكم ، فأخفوا أمركم حتى ينصدع هذا الحاج ، ونلتقي نحن وأنتم ، فنوضح لكم الأمر ، فتدخلون على أمر بين ، فوعدهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة النفر الآخر بأسفل العقبة ، وأمرهم ألا ينبهوا نائما ، ولا ينتظروا غائبا .

وعن معاذ بن رفاعة ، قال : فخرجوا بعد هدأة يتسللون ، وقد سبقهم إلى ذلك المكان معه عمه العباس وحده .

قال : فأول من تكلم هو ، فقال : يا معشر الخزرج ، قد دعوتم محمدا إلى ما دعوتموه ، وهو من أعز الناس في عشيرته ، يمنعه والله من كان منا على [ ص: 86 ] قوله ومن لم يكن ، وقد أبى محمدا الناس كلهم غيركم ؛ فإن كنتم أهل قوة وجلد وبصر بالحرب ، واستقلال بعداوة العرب قاطبة ، فإنها سترميكم عن قوس واحدة ، فارتؤوا رأيكم ، وائتمروا أمركم ؛ فإن أحسن الحديث أصدقه ، فأسكتوا . وتكلم عبد الله بن عمرو بن حرام ، فقال : نحن أهل الحرب ، ورثناها كابرا عن كابر . نرمي بالنبل حتى تفنى ، ثم نطاعن بالرماح حتى تكسر ، ثم نمشي بالسيوف حتى يموت الأعجل منا .

قال : أنتم أصحاب حرب ، هل فيكم دروع ؟ قالوا : نعم ، شاملة .

وقال البراء بن معرور : قد سمعنا ما قلت ، إنا والله لو كان في أنفسنا غير ما نقول لقلنا ، ولكنا نريد الوفاء ، والصدق ، وبذل المهج دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم ، والعباس آخذ بيده ، يؤكد له البيعة .

زكريا ، عن الشعبي ، قال : انطلق النبي صلى الله عليه وسلم بالعباس ، وكان العباس ذا رأي ، فقال العباس للسبعين : ليتكلم متكلمكم ولا يطل الخطبة ، فإن عليكم عينا .

فقال أسعد بن زرارة : سل لربك ما شئت ، وسل لنفسك ولأصحابك ، ثم أخبرنا بما لنا على الله وعليكم .

قال : أسألكم لربي أن تعبدوه ، لا تشركوا به شيئا ، وأسألكم لنفسي وأصحابي أن تؤوونا ، وتنصرونا ، وتمنعونا مما تمنعون منه أنفسكم . [ ص: 87 ]

قالوا : فما لنا إذا فعلنا ذلك ؟ قال : الجنة . قال : فلك ذلك
.

ابن إسحاق : حدثني حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، قال : قال أبو رافع : كنت غلاما للعباس ، وكان الإسلام قد دخلنا ، فأسلم العباس ، وكان يهاب قومه ؛ فكان يكتم إسلامه ، فخرج إلى بدر ، وهو كذلك .

إسماعيل بن أبي أويس : حدثنا أبي ، عن ابن عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس ، أن جده عباسا قدم هو وأبو هريرة ، فقسم لهما النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر .

قال ابن سعد : فقال لي محمد بن عمر : هذا وهم ، بل كان العباس بمكة ، إذ قدم الحجاج بن علاط ، فأخبر قريشا عن نبي الله بما أحبوا ، وساء العباس ، حتى أتاه الحجاج فأخبره بفتح خيبر ، ففرح . ثم خرج العباس بعد ذلك ، فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فأطعمه بخيبر مائتي وسق كل سنة ، ثم خرج معه إلى فتح مكة .

يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، عن المطلب بن ربيعة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال رجال يؤذونني في العباس ، وإن عم الرجل صنو أبيه ، من آذى العباس فقد آذاني . [ ص: 88 ]

ورواه خالد الطحان عن يزيد ، فأسقط المطلب .

وثبت أن العباس كان يوم حنين ، وقت الهزيمة ، آخذا بلجام بغلة النبي صلى الله عليه وسلم ، وثبت معه حتى نزل النصر .

الأعمش ، عن أبي سبرة النخعي ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن العباس ، قال : كنا نلقى النفر من قريش ، وهم يتحدثون ، فيقطعون حديثهم ، فذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : والله لا يدخل قلب رجل الإيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي .

إسناده منقطع .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:34 PM

إسرائيل ، عن عبد الأعلى الثعلبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن رجلا من الأنصار وقع في أب للعباس كان في الجاهلية ، فلطمه العباس ، فجاء قومه ، فقالوا : والله لنلطمنه كما لطمه ، فلبسوا السلاح .

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فصعد المنبر ، فقال : أيها الناس ، أي أهل الأرض أكرم على الله ؟ قالوا : أنت . قال : فإن العباس مني وأنا منه ، لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا .

فجاء القوم فقالوا : نعوذ بالله من غضبك يا رسول الله
. [ ص: 89 ]

رواه أحمد في " مسنده " .

ثور ، عن مكحول ، عن كريب ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل على العباس وولده كساء ، ثم قال : اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة ، لا تغادر ذنبا . اللهم اخلفه في ولده .

إسناده جيد . رواه أبو يعلى في " مسنده " .

إسماعيل بن قيس بن سعد ، عن أبي حازم ، عن سهل ، قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القيظ ، فقام لبعض حاجته ، فقام العباس يستره بكساء من صوف ، فقال : اللهم استر العباس وولده من النار له طرق ، وإسماعيل ضعف .

سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال ، قال : بعث ابن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمال ثمانين ألفا من البحرين ، فنثرت على حصير ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فوقف ، وجاء الناس ؛ فما كان يومئذ عدد ولا وزن ، ما كان إلا قبضا .

فجاء العباس بخميصة عليه ، فأخذ ، فذهب يقوم ، فلم يستطع ، فرفع رأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ارفع علي ، فتبسم رسول الله حتى خرج ضاحكه - أو نابه - فقال : أعد في المال طائفة ، وقم بما تطيق ، ففعل .

قال : فجعل العباس يقول - وهو منطلق - أما إحدى اللتين وعدنا الله ، [ ص: 90 ] فقد أنجزها - يعني قوله : قل لمن في أيديكم من الأسرى إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم فهذا خير مما أخذ مني . ولا أدري ما يصنع في الآخرة
.

أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر على الصدقة ساعيا ، فمنع ابن جميل ، وخالد ، والعباس ، فقال رسول الله : ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرا فأغناه الله . وأما خالد ، فإنكم تظلمون خالدا ، إنه قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله ؛ وأما العباس ، فهي علي ومثلها .

ثم قال : أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه
.

الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، عن علي ، قال : قلت لعمر : أما تذكر إذ شكوت العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه ؟ .

حسين بن عبد الله بن ضميرة ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي ، أن [ ص: 91 ] رسول الله قال : استوصوا بالعباس خيرا ، فإنه عمي وصنو أبي إسناده واه .

محمد بن طلحة التيمي ، عن أبي سهيل بن مالك ، عن سعيد بن المسيب ، عن سعد : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في نقيع الخيل فأقبل العباس ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا العباس عم نبيكم ، أجود قريش كفا ، وأوصلها . رواه عدة عنه .

وثبت من حديث أنس : أن عمر استسقى فقال : اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبيك توسلنا به ؛ وإنا نستسقي إليك بعم نبيك العباس . [ ص: 92 ]

الزبير بن بكار : حدثنا ساعدة بن عبيد الله ، عن داود بن عطاء ، عن زيد بن أسلم ، عن ابن عمر ، قال : استسقى عمر عام الرمادة بالعباس ، فقال : اللهم ، هذا عم نبيك نتوجه إليك به ، فاسقنا ، فما برحوا حتى سقاهم الله ، فخطب عمر الناس فقال :

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد لوالده ، فيعظمه ويفخمه ويبر قسمه ؛ فاقتدوا أيها الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم في عمه العباس ، واتخذوه وسيلة إلى الله فيما نزل بكم .

وقع لنا عاليا في جزء البانياسي . وداود ضعيف .

ابن أبي الزناد ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يجل أحدا ما يجل العباس أو يكرم العباس إسناده صالح .

ويروى عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله [ ص: 93 ] اتخذني خليلا ، كما اتخذ إبراهيم خليلا ، فمنزلي ومنزل إبراهيم يوم القيامة في الجنة تجاهين ، والعباس بيننا ، مؤمن بين خليلين

أخرجه ابن ماجه وهو موضوع . وفي إسناده : عبد الوهاب العرضي الكذاب .

ابن أبي فديك : حدثنا محمد بن عبد الرحمن العامري ، عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للعباس : فيكم النبوة والمملكة

هذا في جزء ابن ديزيل وهو منكر .

ابن أبي الزناد ، عن أبيه ، عن الثقة قال : كان العباس إذا مر بعمر أو بعثمان ، وهما راكبان ، نزلا حتى يجاوزهما إجلالا لعم رسول الله .

وروى ثمامة ، عن أنس : قال عمر : اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، فاسقنا . صحيح . . [ ص: 94 ]

وفي ذلك يقول عباس بن عتبة بن أبي لهب :
بعمي سقى الله الحجاز وأهله عشية يستسقي بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب راغبا إليه فما إن رام حتى أتى المطر
ومنا رسول الله فينا تراثه فهل فوق هذا للمفاخر مفتخر


أبو معشر ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، وعن عمر مولى غفرة ، وعن محمد بن نفيع . قالوا : لما استخلف عمر ، وفتح عليه الفتوح ، جاءه مال ، ففضل المهاجرين والأنصار ، ففرض لمن شهد بدرا خمسة آلاف خمسة آلاف ، ولمن لم يشهدها وله سابقة أربعة آلاف ، أربعة آلاف ، وفرض للعباس اثني عشر ألفا .

سفيان بن حبيب : أخبرنا شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي صالح ذكوان ، عن صهيب مولى العباس ، قال : رأيت عليا يقبل يد العباس ورجله ، ويقول : يا عم ، ارض عني .

إسناده حسن ، وصهيب لا أعرفه .

عبد الوهاب بن عطاء عن ثور عن مكحول عن سعيد بن المسيب ، أنه [ ص: 95 ] قال : العباس خير هذه الأمة ، وارث النبي صلى الله عليه وسلم وعمه .

سمعه منه يحيى بن أبي طالب . وهو قول منكر .

قال الضحاك بن عثمان الحزامي : كان يكون للعباس الحاجة إلى غلمانه وهم بالغابة ، فيقف على سلع ، وذلك في آخر الليل ، فيناديهم فيسمعهم . والغابة نحو من تسعة أميال .

قلت : كان تام الشكل ، جهوري الصوت جدا ، وهو الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يهتف يوم حنين : يا أصحاب الشجرة .

قال القاضي أبو محمد بن زبر : حدثنا إسماعيل القاضي ، أخبرنا نصر بن علي : أخبرنا الأصمعي ، قال : كان للعباس راع يرعى له على مسيرة ثلاثة أميال ، فإذا أراد منه شيئا صاح به ، فأسمعه حاجته .

ليث : حدثني مجاهد ، عن علي بن عبد الله ، قال : أعتق العباس عند موته سبعين مملوكا .

علي بن زيد ، عن الحسن ، قال : وبقي في بيت المال بقية ، فقال العباس لعمر وللناس : أرأيتم لو كان فيكم عم موسى ، أكنتم تكرمونه [ ص: 96 ] وتعرفون حقه ؟ قالوا : نعم . قال : فأنا عم نبيكم ، أحق أن تكرموني ، فكلم عمر الناس ، فأعطوه .

قلت : لم يزل العباس مشفقا على النبي صلى الله عليه وسلم ، محبا له ، صابرا على الأذى ، ولما يسلم بعد ، بحيث إنه ليلة العقبة عرف ، وقام مع ابن أخيه في الليل ، وتوثق له من السبعين ، ثم خرج إلى بدر مع قومه مكرها ، فأسر ؛ فأبدى لهم أنه كان أسلم ، ثم رجع إلى مكة ، فما أدري لماذا أقام بها .

ثم لا ذكر له يوم أحد ، ولا يوم الخندق ، ولا خرج مع أبي سفيان ، ولا قالت له قريش في ذلك شيئا ، فيما علمت .

ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا قبيل فتح مكة ؛ فلم يتحرر لنا قدومه .

وقد كان عمر أراد أن يأخذ له دارا بالثمن ليدخلها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ، فامتنع ، حتى تحاكما إلى أبي بن كعب ، والقصة مشهورة ، ثم بذلها بلا ثمن .

وورد أن عمر عمد إلى ميزاب للعباس على ممر الناس ، فقلعه ، فقال له : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي وضعه في مكانه ، فأقسم عمر : لتصعدن على ظهري ، ولتضعنه موضعه .

ويروى ، في خبر منكر : أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى الثريا ثم قال : يا [ ص: 97 ] عم ، ليملكن من ذريتك عدد نجومها

وقد عمل الحافظ أبو القاسم بن عساكر ترجمة العباس في بضع وخمسين ورقة .

وقد عاش ثمانيا وثمانين سنة . ومات سنة اثنتين وثلاثين فصلى عليه عثمان . ودفن بالبقيع . وعلى قبره اليوم قبة عظيمة من بناء خلفاء آل العباس .

وقال خليفة ، وغيره : بل مات سنة أربع وثلاثين وقال المدائني : سنة ثلاث وثلاثين .

أخبرنا المقداد بن أبي القاسم : أخبرنا عبد العزيز بن الأخضر : أخبرنا محمد بن عبد الباقي : أخبرنا أبو إسحاق البرمكي ، حضورا : أخبرنا عبد الله بن ماسي : أخبرنا أبو مسلم الكجي : أخبرنا الأنصاري محمد بن عبد الله : أخبرنا أبي ، عن ثمامة ، عن أنس : أن عمر خرج يستسقي ، وخرج العباس معه يستسقي ، ويقول : اللهم إنا كنا إذا قحطنا على عهد نبينا صلى الله عليه وسلم توسلنا إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم ، اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبيك .

قال الزبير بن بكار : سئل العباس : أنت أكبر أم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : هو أكبر مني ، وأنا أسن منه ، مولده بعد عقلي ، أتي إلى أمي ، فقيل لها : ولدت آمنة غلاما ، فخرجت بي حين أصبحت آخذة بيدي ، حتى دخلنا عليها ، فكأني أنظر إليه يمصع برجليه في عرصته ، وجعل النساء يجبذنني [ ص: 98 ] عليه ، ويقلن : قبل أخاك . كذا ذكره بلا إسناد .

أنبأنا طائفة : أخبرنا ابن طبرزد : أخبرنا ابن الحصين : أخبرنا ابن غيلان : أخبرنا أبو بكر الشافعي : حدثنا محمد بن بشر بن مطر : حدثنا شيبان : حدثنا مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس : سمعت العباس يقول : الذي أمر بذبحه إبراهيم : هو إسحاق .

وقال الواقدي ، عن ابن أبى سبرة ، عن حسين بن عبد الله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : أسلم العباس بمكة ، قبل بدر ، وأسلمت أم الفضل معه حينئذ ، وكان مقامه بمكة . إنه كان لا يغبى على رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 99 ] بمكة خبر يكون إلا كتب به إليه . وكان من هناك من المؤمنين يتقوون به ، ويصيرون إليه ، وكان لهم عونا على إسلامهم . ولقد كان يطلب أن يقدم ؛ فكتب إليه رسول الله : إن مقامك مجاهد حسن ، فأقام بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

إسناده ضعيف . ولو جرى هذا لما طلب من العباس فداء يوم بدر ، والظاهر أن إسلامه كان بعد بدر .

قال إسماعيل بن قيس بن سعد بن زيد بن ثابت ، عن أبي حازم ، عن سهل ، قال : استأذن العباس النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة ، فكتب إليه : يا عم ، أقم مكانك ؛ فإن الله يختم بك الهجرة ، كما ختم بي النبوة .

إسماعيل ، واه .

وروى عبد الأعلى الثعلبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : العباس مني وأنا منه إسناده ليس بقوي .

وقد اعتنى الحفاظ بجمع فضائل العباس رعاية للخلفاء .

وبكل حال ، لو كان نبينا صلى الله عليه وسلم ممن يورث لما ورثه أحد ، بعد بنته وزوجاته ، إلا العباس .

وقد صار الملك في ذرية العباس ، واستمر ذلك ، وتداوله تسعة وثلاثون [ ص: 100 ] خليفة ، إلى وقتنا هذا ، وذلك ستمائة عام ، أولهم السفاح . وخليفة زماننا المستكفي له الاسم المنبري ، والعقد والحل بيد السلطان الملك الناصر - أيدهما الله .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:41 PM

وإذا اقتصرنا من مناقب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه النبذة ، فلنذكر وفاته :
كانت في سنة اثنتين وثلاثين من الهجرة وله ست وثمانون سنة ؛ ولم يبلغ أحد هذه السن من أولاده ، ولا أولادهم ، ولا ذريته الخلفاء . وله قبة عظيمة شاهقة على قبره بالبقيع .

وسنذكر ولده عبد الله بن العباس ، الفقيه ، مفردا . جنازة العباس :

عن نملة بن أبي نملة ، عن أبيه ، قال :

لما مات العباس بعثت بنو هاشم من يؤذن أهل العوالي : رحم الله من شهد العباس بن عبد المطلب ، فحشد الناس .

الواقدي : حدثنا ابن أبي سبرة ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية ، قال : جاء مؤذن بموت العباس بقباء على حمار ، ثم جاءنا آخر على حمار ، فاستقبل قرى الأنصار ، حتى انتهى إلى السافلة ، فحشد الناس .

فلما أتي به إلى موضع الجنائز ، تضايق ، فقدموا به إلى البقيع ، فما رأيت مثل ذلك الخروج قط ، وما يقدر أحد يدنو إلى سريره . وازدحموا عند [ ص: 101 ] اللحد ، فبعث عثمان الشرطة يضربون الناس عن بني هاشم ، حتى خلص بنو هاشم ، فنزلوا في حفرته .

ورأيت على سريره برد حبرة قد تقطع من زحامهم .

الواقدي : حدثتني عبيدة بنت نابل ، عن عائشة بنت سعد ، قالت : جاءنا رسول عثمان ، ونحن بقصرنا على عشرة أميال من المدينة ، أن العباس قد توفي ، فنزل أبي وسعيد بن زيد ، ونزل أبو هريرة من السمرة ؛ فجاءنا أبي بعد يوم فقال : ما قدرنا أن ندنو من سريره من كثرة الناس ، غلبنا عليه ، ولقد كنت أحب حمله .

وعن عباس بن عبد الله بن معبد ، قال : حضر غسله عثمان . وغسله علي وابن عباس وأخواه : قثم ، وعبيد الله . وحدث نساء بني هاشم سنة .

زهير بن معاوية ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن [ علي بن عبد الله ] بن عباس : أن العباس أعتق سبعين مملوكا عند موته .

وفي " مستدرك " الحاكم ، عن محمد بن عقبة ، عن كريب ، عن ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجل العباس إجلال الوالد . [ ص: 102 ]

ولعبد الأعلى ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس مرفوعا : العباس مني وأنا منه عبد الأعلى الثعلبي ، لين .

يحيى بن معين : حدثنا عبيد بن أبي قرة حدثنا الليث ، عن أبي قبيل ، عن أبي ميسرة مولى العباس ، سمع العباس يقول : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : انظر في السماء ، فنظرت ، فقال : ما ترى ؟ قلت : الثريا ، فقال : أما إنه يملك هذه الأمة بعددها من صلبك . رواه الحاكم . وعبيد غير ثقة .

وروى الحاكم : أن زحر بن حصن ، عن جده : حميد بن منهب سمع جده : خريم بن أوس ، يقول :

هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك ، فسمعت العباس يقول : يا رسول الله ، إني أريد أن أمتدحك . قال : قل لا يفضض الله فاك . قال : [ ص: 103 ]
من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر
أنت ولا مضغة ولا علق بل نطفة تركب السفين وقد
ألجم نسرا وأهله الغرق تنقل من صالب إلى رحم
إذا مضى عالم بدا طبق حتى احتوى بيتك المهيمن من
خندف علياء تحتها النطق وأنت لما ولدت أشرقت الأرض
وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء وفي
النور وسبل الرشاد نخترق


قال الحاكم : رواته أعراب ، ومثلهم لا يضعفون . قلت : ولكنهم لا يعرفون .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:42 PM

عمير بن سعد الأنصاري الأوسي الزاهد

[ ص: 103 ]

نسيج وحده له حديث واحد . [ ص: 104 ]

روى عنه : أبو طلحة الخولاني ، وراشد بن سعد ، وحبيب بن عبيد .

شهد فتح الشام ، وولي دمشق وحمص لعمر .

جماعة ، عن حماد بن سلمة ، عن أبي سنان ، عن أبي طلحة ، قال : أتينا عمير بن سعد - وكان يقال له : نسيج وحده - فقعدنا في داره ، فقال : يا غلام ، أورد الخيل ، فأوردها فقال : أين الفلانة ؟ قال : جربة تقطر دما . قال : أوردها ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا عدوى ، ولا طيرة ، ولا هامة .

قال عبد الله بن محمد القداح : صحب عمير بن سعد بن شهيد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يشهد شيئا من المشاهد .

وهو الذي رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم كلام الجلاس بن سويد ، وكان يتيما في حجره . [ ص: 105 ]

واستعمله عمر على حمص ، وكان من الزهاد .

وقال عبد الصمد بن سعيد : كانت ولايته حمص بعد ابن حذيم .

ابن لهيعة ، عن يونس ، عن الزهري ، قال : توفي سعيد بن عامر ، وقام مكانه عمير بن سعد ، فكان على الشام هو ومعاوية حتى قتل عمر .

وعن ابن شهاب قال : ثم جمع عثمان الشام لمعاوية ، ونزع عميرا .

وروى عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبد الرحمن بن عمير بن سعد :

قال لي ابن عمر : ما كان من المسلمين رجل من الصحابة أفضل من أبيك .

وروى هشام بن حسان ، عن ابن سيرين ، قال : كان عمر من عجبه بعمير بن سعد يسميه نسيج وحده . وبعثه مرة على جيش .

قال المفضل الغلابي : زهاد الأنصار ثلاثة : أبو الدرداء ، وشداد بن أوس ، وعمير بن سعد . استوفى ابن عساكر أخباره رضي الله عنه .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:44 PM

أبو سفيان

صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن [ ص: 106 ] كلاب ، رأس قريش وقائدهم يوم أحد ويوم الخندق وله هنات وأمور صعبة ، لكن تداركه الله بالإسلام يوم الفتح فأسلم شبه مكره خائف . ثم بعد أيام صلح إسلامه .

وكان من دهاة العرب ومن أهل الرأي والشرف فيهم ، فشهد حنينا ، وأعطاه صهره رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنائم مائة من الإبل ، وأربعين أوقية من الدراهم يتألفه بذلك ، ففرغ عن عبادة " هبل " ، ومال إلى الإسلام .

وشهد قتال الطائف ، فقلعت عينه حينئذ ، ثم قلعت الأخرى يوم اليرموك . وكان يومئذ قد حسن - إن شاء الله - إيمانه ، فإنه كان يومئذ يحرض على الجهاد . وكان تحت راية ولده يزيد ، فكان يصيح : يا نصر الله اقترب . وكان يقف على الكراديس يذكر ، ويقول : الله الله ، إنكم أنصار الإسلام ودارة العرب ، وهؤلاء أنصار الشرك ودارة الروم ؛ اللهم هذا يوم من أيامك ، اللهم أنزل نصرك . [ ص: 107 ]

فإن صح هذا عنه ، فإنه يغبط بذلك . ولا ريب أن حديثه عن هرقل وكتاب النبي صلى الله عليه وسلم يدل على إيمانه ، ولله الحمد .

وكان أسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر سنين . وعاش بعده عشرين سنة .

وكان عمر يحترمه ؛ وذلك لأنه كان كبير بني أمية .

وكان حمو النبي صلى الله عليه وسلم . وما مات حتى رأى ولديه : يزيد ، ثم معاوية ، أميرين على دمشق .

وكان يحب الرياسة والذكر ، وكان له سورة كبيرة في خلافة ابن عمه عثمان .

توفي بالمدينة سنة إحدى وثلاثين وقيل : سنة اثنتين وقيل : سنة ثلاث أو أربع وثلاثين وله نحو التسعين .

الحكم بن أبي العاص

بن أمية الأموي ، ابن عم أبي سفيان . يكنى أبا مروان . من مسلمة الفتح وله أدنى نصيب من الصحبة . [ ص: 108 ]

قيل : نفاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ، لكونه حكاه في مشيته وفي بعض حركاته ، فسبه وطرده ، فنزل بوادي وج . ونقم جماعة على أمير المؤمنين عثمان كونه عطف على عمه الحكم ، وآواه وأقدمه المدينة ، ووصله بمائة ألف .

ويروى في سبه أحاديث لم تصح .

وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ما لي أريت بني الحكم ينزون على منبري نزو القردة ! .

رواه العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة .

وفي الباب أحاديث .

قال الشعبي : سمعت ابن الزبير يقول : ورب هذه الكعبة ، إن الحكم بن أبي العاص وولده ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم .

وقد كان للحكم عشرون ابنا وثمانية بنات .

وقيل : كان يفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبعده لذلك .

مات سنة إحدى وثلاثين .
[ ص: 109 ] كسرى

آخر الأكاسرة مطلقا واسمه : يزدجرد بن شهريار بن برويز المجوسي الفارسي .

انهزم من جيش عمر ، فاستولوا على العراق ، وانهزم هو إلى مرو وولت أيامه ، ثم ثار عليه أمراء دولته وقتلوه سنة ثلاثين وقيل ، بل بيته الترك وقتلوا خواصه ، وهرب هو واختفى في بيت ، فغدر به صاحب البيت فقتله ، ثم قتلوه به .




أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:45 PM

خديجة أم المؤمنين

وسيدة نساء العالمين في زمانها أم القاسم ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب ، القرشية الأسدية . أم أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأول من آمن به وصدقه قبل كل أحد وثبتت جأشه ، ومضت به إلى ابن عمها ورقة . [ ص: 110 ]

ومناقبها جمة . وهي ممن كمل من النساء . كانت عاقلة جليلة دينة مصونة كريمة ، من أهل الجنة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثني عليها ، ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين ، ويبالغ في تعظيمها ، بحيث إن عائشة كانت تقول : ما غرت من امرأة ما غرت من خديجة ، من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها .

ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج امرأة قبلها ، وجاءه منها عدة أولاد ، ولم يتزوج عليها قط ، ولا تسرى إلى أن قضت نحبها ، فوجد لفقدها ، فإنها كانت نعم القرين . وكانت تنفق عليه من مالها ، ويتجر هو صلى الله عليه وسلم لها .

وقد أمره الله أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب .

الواقدي : حدثنا ابن أبي حبيبة ، عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس وابن أبي الزناد ، عن هشام ، وروى عن جبير بن مطعم : أن عم خديجة ، عمرو بن أسد ، زوجها بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأن أباها مات قبل [ ص: 111 ] الفجار . ثم قال الواقدي : هذا المجتمع عليه عند أصحابنا ، ليس بينهم اختلاف .

الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بنت ثمان وعشرين سنة .

قال الزبير بن بكار : كانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة . وأمها هي فاطمة بنت زائدة العامرية .

كانت خديجة - أولا - تحت أبي هالة بن زرارة التميمي ، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، ثم بعده النبي صلى الله عليه وسلم ، فبنى بها وله خمس وعشرون سنة . وكانت أسن منه بخمس عشرة سنة .

عن عائشة : أن خديجة توفيت قبل أن تفرض الصلاة وقيل : توفيت [ ص: 112 ] في رمضان ودفنت بالحجون عن خمس وستين سنة .

وقال مروان بن معاوية ، عن وائل بن داود ، عن عبد الله البهي ، قال : قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها واستغفار لها ، فذكرها يوما ، فحملتني الغيرة ، فقلت : لقد عوضك الله من كبيرة السن . قالت : فرأيته غضب غضبا . أسقطت في خلدي وقلت في نفسي : اللهم إن أذهبت غضب رسولك عني لم أعد أذكرها بسوء ، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيت ، قال : كيف قلت ؟ والله لقد آمنت بي إذ كذبني الناس ، وآوتني إذ رفضني الناس ، ورزقت منها الولد وحرمتموه مني قالت : فغدا وراح علي بها شهرا .

قال الواقدي : خرجوا من شعب بني هاشم قبل الهجرة بثلاث سنين ، فتوفي أبو طالب ، وقبله خديجة بشهر وخمسة أيام .

وقال الحاكم : ماتت بعد أبي طالب بثلاثة أيام .

هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة : ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة ، مما كنت أسمع من ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ، وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين . ولقد أمره ربه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب . [ ص: 113 ]

أبو يعلى في " مسنده " سماعنا : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل : حدثنا سهل بن زياد - ثقة - : حدثني الأزرق بن قيس ، عن عبد الله بن نوفل - أو ابن بريدة - عن خديجة بنت خويلد ، قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أين أطفالي منك ؟ قال : في الجنة . قالت : فأين أطفالي من أزواجي من المشركين ؟ قال : في النار ، فقلت : بغير عمل ؟ قال : الله أعلم بما كانوا عاملين فيه انقطاع .

محمد بن فضيل ، عن عمارة ، عن أبي زرعة ، سمع أبا هريرة ، يقول : أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب . متفق على صحته .

عبد الله بن جعفر : سمعت عليا : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : خير نسائها خديجة بنت خويلد ، وخير نسائها مريم بنت عمران .

أحمد : حدثنا محمد بن بشر : حدثنا محمد بن عمرو : حدثنا أبو سلمة ويحيى بن عبد الرحمن ، قالا : لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم ، امرأة عثمان بن مظعون ، فقالت : يا رسول الله ، ألا تزوج ؟ قال : [ ص: 114 ] ومن ؟ قالت : سودة بنت زمعة ، قد آمنت بك واتبعتك . . . الحديث بطوله وهو مرسل .

قال ابن إسحاق : تتابعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم المصائب بهلاك أبي طالب وخديجة . وكانت خديجة وزيرة صدق . وهي أقرب إلى قصي من النبي صلى الله عليه وسلم برجل . وكانت متمولة ، فعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج في مالها إلى الشام ، فخرج مع مولاها ميسرة . فلما قدم باعت خديجة ما جاء به ، فأضعف ، فرغبت فيه ، فعرضت نفسها عليه ، فتزوجها ، وأصدقها عشرين بكرة .

فأولادها منه : القاسم ، والطيب ، والطاهر ، ماتوا رضعا ؛ ورقية ، وزينب ، وأم كلثوم ، وفاطمة .

قالت عائشة : أول ما بدئ به النبي صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة . . . إلى أن قالت : فقال : اقرأ باسم ربك الذي خلق قالت : فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة ، فقال : زملوني . ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال : ما لي يا خديجة ؟ . وأخبرها الخبر ، وقال : قد خشيت على نفسي ، فقالت له : كلا ، أبشر ، فوالله لا يخزيك الله [ ص: 115 ] أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتصدق الحديث ، وتحمل الكل ، وتعين على نوائب الحق . وانطلقت به إلى ابن عمهاورقة بن نوفل بن أسد ، وكان امرأ تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الخط العربي ، وكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا قد عمي ، فقالت : اسمع من ابن أخيك ما يقول ، فقال : يا ابن أخي ، ما ترى ؟ فأخبره ، فقال : هذا الناموس الذي أنزل على موسى الحديث .

قال الشيخ عز الدين بن الأثير : خديجة أول خلق الله أسلم ، بإجماع المسلمين .

وقال الزهري ، وقتادة ، وموسى بن عقبة ، وابن إسحاق ، والواقدي ، وسعيد بن يحيى : أول من آمن بالله ورسوله خديجة ، وأبو بكر ، وعلي رضي الله عنهم . [ ص: 116 ]

قال ابن إسحاق : حدثني إسماعيل بن أبي حكيم ، أنه بلغه عن خديجة أنها قالت : يا ابن عم ، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك ؟ فلما جاءه ، قال : يا خديجة ، هذا جبريل ، فقالت : اقعد على فخذي ، ففعل ، فقالت : هل تراه ؟ قال : نعم . قالت : فتحول إلى الفخذ اليسرى ، ففعل . قالت : هل تراه ؟ قال : نعم ، فألقت خمارها ، وحسرت عن صدرها ، فقالت : هل تراه ؟ قال : لا . قالت : أبشر ، فإنه والله ملك ، وليس بشيطان .

قال ابن عبد البر : روي من وجوه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا خديجة ، جبريل يقرئك السلام وفي بعضها : يا محمد ، اقرأ على خديجة من ربها السلام .

عن حذيفة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خديجة سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم في إسناده لين .

حماد بن سلمة ، عن حميد ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى خشي عليه ، حتى تزوج عائشة .

معمر ، عن قتادة . وأبو جعفر الرازي ، عن ثابت ، واللفظ لقتادة ، عن [ ص: 117 ] أنس مرفوعا : حسبك من نساء العالمين أربع .

وقال ثابت ، عن أنس : خير نساء العالمين مريم ، وآسية ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة

الدراوردي ، عن إبراهيم بن عقبة ، عن كريب ، عن ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم فاطمة ، وخديجة ، وامرأة فرعون آسية .

مجالد ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة ، فتناولتها ، فقلت : عجوز ! كذا وكذا ، قد أبدلك الله بها خيرا منها . قال : ما أبدلني الله خيرا منها ، لقد آمنت بي حين كفر الناس ، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس ، ورزقني الله ولدها ، وحرمني ولد غيرها . قلت : والله لا أعاتبك فيها بعد اليوم .

وروى عروة ، عن عائشة ، قالت : توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة .

قال الواقدي : توفيت في رمضان ، ودفنت بالحجون .

وقال قتادة : ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين وكذا قال عروة .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:48 PM

فاطمة بنت رسول اللهصلى الله عليه وسلم ( ع )

سيدة نساء العالمين في زمانها ، البضعة النبوية ، والجهة المصطفوية [ ص: 119 ] أم أبيها بنت سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي القاسم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشية الهاشمية ، وأم الحسنين .

مولدها قبل المبعث بقليل وتزوجها الإمام علي بن أبي طالب في ذي القعدة ، أو قبيله ، من سنة اثنتين بعد وقعة بدر .

وقال ابن عبد البر : دخل بها بعد وقعة أحد . فولدت له الحسن ، والحسين ، ومحسنا ، وأم كلثوم ، وزينب .

وروت عن أبيها .

وروى عنها ابنها الحسين ، وعائشة ، وأم سلمة ، وأنس بن مالك ، وغيرهم . وروايتها في الكتب الستة .

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويكرمها ويسر إليها . ومناقبها غزيرة . وكانت صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله . وقد غضب لها النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن أبا الحسن هم بما رآه سائغا من خطبة بنت أبي جهل ، فقال : والله لا تجتمع بنت نبي الله وبنت عدو الله ، وإنما فاطمة بضعة مني ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها فترك علي الخطبة رعاية لها ، فما تزوج عليها ولا [ ص: 120 ] تسرى ، فلما توفيت تزوج وتسرى رضي الله عنهما .

ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم حزنت عليه ، وبكته ، وقالت : يا أبتاه ، إلى جبريل ننعاه . يا أبتاه ، أجاب ربا دعاه . يا أبتاه ، جنة الفردوس مأواه .

وقالت بعد دفنه : يا أنس ، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ! .

وقد قال لها في مرضه : إني مقبوض في مرضي هذا ؛ فبكت . وأخبرها أنها أول أهله لحوقا به ، وأنها سيدة نساء هذه الأمة ، فضحكت ، وكتمت ذلك ، فلما توفي صلى الله عليه وسلم ، سألتها عائشة ، فحدثتها بما أسر إليها . وقالت عائشة رضي الله عنها - : جاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام إليها وقال : مرحبا بابنتي .

ولما توفي أبوها تعلقت آمالها بميراثه ، وجاءت تطلب ذلك من أبي بكر الصديق ، فحدثها أنه سمع من النبي صلى الله عليه وسلم يقول : لا نورث ، ما تركنا صدقة [ ص: 121 ] فوجدت عليه ، ثم تعللت .

روى إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال : لما مرضت فاطمة ، أتى أبو بكر فاستأذن ، فقال علي : يا فاطمة ، هذا أبو بكر يستأذن عليك ، فقالت : أتحب أن آذن له . قال : نعم . - قلت : عملت السنة رضي الله عنها - ، فلم تأذن في بيت زوجها إلا بأمره قال : فأذنت له ، فدخل عليها يترضاها ، وقال : والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ورسوله ومرضاتكم أهل البيت . قال : ثم ترضاها حتى رضيت .

توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمسة أشهر أو نحوها . وعاشت أربعا أو خمسا وعشرين سنة . وأكثر ما قيل : إنها عاشت تسعا وعشرين سنة . والأول [ ص: 122 ] أصح . وكانت أصغر من زينب ، زوجة أبي العاص بن الربيع ؛ ومن رقية ؛ زوجة عثمان بن عفان . وقد انقطع نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلا من قبل فاطمة ؛ لأن أمامة بنت زينب ، التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحملها في صلاته تزوجت بعلي بن أبي طالب ، ثم من بعده بالمغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي ، وله رؤية ، فجاءها منه أولاد .

قال الزبير بن بكار : انقرض عقب زينب .

وصح أن النبي صلى الله عليه وسلم جلل فاطمة وزوجها وابنيهما بكساء ، وقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي ، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .

أحمد بن حنبل : حدثنا تليد بن سليمان : حدثنا أبو الجحاف ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة : نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي وفاطمة والحسن والحسين ، فقال : أنا حرب لمن حاربكم ، سلم لمن سالمكم . [ ص: 123 ]

إسرائيل ، عن ميسرة بن حبيب ، عن المنهال بن عمرو ، عن زر ، عن حذيفة : قال النبي صلى الله عليه وسلم : نزل ملك فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة وروي من وجه آخر عن المنهال ، رواهما الحاكم .

يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلام ، عن أبي أسماء ، عن ثوبان ، قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاطمة وأنا معه ، وقد أخذت من عنقها سلسلة من ذهب ، فقالت : هذه أهداها لي أبو حسن ، فقال : يا فاطمة ، أيسرك أن يقول الناس : هذه فاطمة بنت محمد وفي يدها سلسلة من نار ، ثم خرج ، فاشترت بالسلسلة غلاما ، فأعتقته فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الحمد لله الذي نجى فاطمة من النار رواه أبو داود . [ ص: 124 ]

داود بن أبي الفرات ، عن علباء ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعا : أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة .

أحمد بن حنبل : حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، أخبرني أبي ، عن الشعبي ، عن سويد بن غفلة ، قال : خطب علي بنت أبي جهل إلى عمها [ ص: 125 ] الحارث بن هشام ، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أعن حسبها تسألني ؟ قال علي : قد أعلم ما حسبها . ولكن أتأمرني بها ؟ فقال : لا ، فاطمة مضغة مني ، ولا أحسب إلا أنها تحزن أو تجزع . قال : لا آتي شيئا تكرهه .

وقد روى الترمذي في " جامعه " من حديث عائشة أنها قيل لها : أي الناس كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : فاطمة ، من قبل النساء ، ومن الرجال زوجها ، وإن كان ما علمت صواما قواما .

قلت : ليس إسناده بذاك .

وفي " الجامع " لزيد بن أرقم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهما ولابنيهما : أنا سلم لمن سالمتم ، وحرب لمن حاربتم .

وكان لها من البنات : أم كلثوم ، زوجة عمر بن الخطاب ؛ وزينب ، زوجة عبد الله بن جعفر بن أبي طالب .

الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي البختري ، قال : قال علي لأمه : اكفي فاطمة الخدمة خارجا ، وتكفيك هي العمل في البيت ، والعجن والخبز والطحن .

عبد الرحمن بن أبي نعم ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : [ ص: 126 ] فاطمة سيدة نساء أهل الجنة إلا ما كان من مريم بنت عمران .

علي بن هاشم بن البريد ، عن كثير النواء ، عن عمران بن حصين : أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد فاطمة وهي مريضة ، فقال لها : كيف تجدينك ؟ قالت : إني وجعة ، وإنه ليزيدني مالي طعام آكله . قال : يا بنية ، أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ؟ قالت : فأين مريم ؟ قال : تلك سيدة نساء عالمها ، وأنت سيدة نساء عالمك ، أما والله لقد زوجتك سيدا في الدنيا والآخرة .

رواه أبو العباس السراج ، عن محمد بن الصباح ، عن علي . وكثير واه . وسقط من بينه وبين عمران .

علباء بن أحمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم ، وآسية .

وروى أبو جعفر الرازي ، عن ثابت ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه ، ولفظه : خير نساء العالمين أربع .

معمر ، عن قتادة ، عن أنس ، مرفوعا : حسبك من نساء العالمين أربع الحديث . وصحح الترمذي هذا ، وهو : حسبك من نساء العالمين : مريم ، وخديجة ، وآسية بنت مزاحم ، وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم . [ ص: 127 ]

أبو نعيم : حدثنا محمد بن مروان الذهلي : حدثنا أبو حازم : حدثني أبو هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن ملكا استأذن الله في زيارتي ، فبشرني أن فاطمة سيدة نساء أمتي ، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .

غريب جدا ، والذهلي مقل ويروى نحو ذلك من حديث أبي هريرة أيضا .

ميسرة بن حبيب ، عن المنهال بن عمرو ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة أم المؤمنين قالت : ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة ، وكانت إذا دخلت عليه قام إليها ، فقبلها ، ورحب بها ، وكذلك كانت هي تصنع به ميسرة : صدوق .

الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : عاشت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر ، ودفنت ليلا .

قال الواقدي : هذا أثبت الأقاويل عندنا . قال : وصلى عليها العباس ، ونزل في حفرتها ، هو وعلي والفضل . . [ ص: 128 ]

وقال سعيد بن عفير : ماتت ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان سنة إحدى عشرة وهي بنت سبع وعشرين سنة أو نحوها ، ودفنت ليلا .

وروى يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث ، قال : مكثت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر وهي تذوب .

وقال أبو جعفر الباقر : ماتت بعد أبيها بثلاثة أشهر .

وعن ابن أبي مليكة ، عن عائشة ، قالت : كان بين فاطمة وبين أبيها شهران .

وعن أبي جعفر الباقر : أنها توفيت بنت ثمان وعشرين سنة . ولدت وقريش تبني الكعبة .

قال : وغسلها علي .

وذكر المسبحي : أن فاطمة تزوج بها علي بعد عرس عائشة بأربعة أشهر ونصف ، ولفاطمة يومئذ خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف .

قتيبة بن سعيد : حدثنا محمد بن موسى : عن عون بن محمد بن علي ، عن أمه أم جعفر . وعن عمارة بن مهاجر ، عن أم جعفر أن فاطمة قالت لأسماء بنت عميس : إني أستقبح ما يصنع بالنساء ، يطرح على المرأة الثوب ، فيصفها .

قالت : يا ابنة رسول الله ، ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة ؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها ، ثم طرحت عليها ثوبا . [ ص: 129 ]

فقالت فاطمة : ما أحسن هذا وأجمله ! إذا مت فغسليني أنت وعلي ، ولا يدخلن أحد علي .

فلما توفيت ، جاءت عائشة لتدخل ، فقالت أسماء : لا تدخلي ، فشكت إلى أبي بكر ، فجاء ، فوقف على الباب ، فكلم أسماء ، فقالت : هي أمرتني . قال : فاصنعي ما أمرتك ، ثم انصرف .

قال ابن عبد البر : هي أول من غطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة .

إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال : جاء أبو بكر إلى فاطمة حين مرضت ، فاستأذن ، فأذنت له ، فاعتذر إليها ، وكلمها ، فرضيت عنه .

روى إبراهيم بن سعد ، عن ابن إسحاق ، عن علي بن فلان بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن سلمى ، قالت : مرضت فاطمة . . . إلى أن قالت : اضطجعت على فراشها ، واستقبلت القبلة ثم قالت : والله إني مقبوضة الساعة ، وقد اغتسلت ، فلا يكشفن لي أحد كنفا ، فماتت ، وجاء علي ، فأخبرته ، فدفنها بغسلها ذلك .

هذا منكر . [ ص: 130 ]


أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:50 PM


أبو عوانة ، عن فراس ، عن الشعبي ، عن مسروق : حدثتني عائشة ، قالت : كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اجتمعنا عنده ، لم يغادر منهن واحدة ، فجاءت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رآها ، رحب بها ، قال : مرحبا بابنتي . ثم أقعدها عن يمينه أو عن يساره . ثم سارها ، فبكت ؛ ثم سارها الثانية ، فضحكت ، فلما قام ، قلت لها : خصك رسول الله بالسر وأنت تبكين ، عزمت عليك بمالي عليك من حق ، لما أخبرتني مم ضحكت ؟ ومم بكيت ؟ قالت : ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما توفي ، قلت لها : عزمت عليك بمالي عليك من حق لما أخبرتني . قالت : أما الآن فنعم ، في المرة الأولى حدثني أن جبريل كان يعارضه بالقرآن كل سنة مرة ، وأنه عارضني العام في هذه السنة مرتين ، وإني لا أحسب ذلك إلا عند اقتراب أجلي ، فاتقي الله واصبري ، فنعم السلف لك أنا ، فبكيت ، فلما رأى جزعي ، قال : أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين ، أو سيدة نساء هذه الأمة ؟ قالت : فضحكت أخرجه البخاري عن أبي نعيم ، عن زكريا ، عن فراس . وهو فرد غريب . [ ص: 131 ]

محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، أنها قالت لفاطمة : أرأيت حين أكببت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكيت ، ثم أكببت عليه فضحكت ؟ قالت : أخبرني أنه ميت من وجعه ، فبكيت ، ثم أخبرني أنني أسرع أهله به لحوقا ، وقال : أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم بنت عمران ؛ [ فضحكت ] .

ابن حميد : حدثنا سلمة : حدثنا ابن إسحاق ، عن يحيى بن عباد ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : ما رأيت أحدا كان أصدق لهجة من فاطمة ، إلا أن يكون الذي ولدها .

جعفر الأحمر ، عن عبد الله بن عطاء ، عن ابن بريدة ، عن أبيه ، قال : كان أحب النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة ، ومن الرجال علي .

إبراهيم بن سعد ، عن أبيه ، عن عروة ، عن عائشة ، حدثته : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا فاطمة ، فسارها ، فبكت ، ثم سارها ، فضحكت ، فقلت لها ، فقالت : أخبرني بموته ، فبكيت ، ثم أخبرني أني أول من يتبعه من أهله ، فضحكت .

وروى كهمس ، عن ابن بريدة ، قال : كمدت فاطمة على أبيها سبعين من يوم وليلة ، فقالت لأسماء : إني لأستحيي أن أخرج غدا على [ ص: 132 ] الرجال من خلاله جسمي . قالت : أولا نصنع لك شيئا رأيته بالحبشة ؟ فصنعت النعش ، فقالت : سترك الله كما سترتني .

هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح دعا النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة ، فقال لها : إنه قد نعيت إليه نفسه ، فبكت ، فقال : لا تبكين فإنك أول أهلي لاحقا بي ، فضحكت

إسماعيل القاضي : حدثنا إسحاق الفروي : حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري ، عن جعفر بن محمد ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن المسور بن مخرمة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما فاطمة شجنة مني ، يبسطني ما يبسطها ، ويقبضني ما يقبضها . [ ص: 133 ]

غريب . ورواه عبد العزيز الأويسي ، فخالف الفروي .

وروى الحاكم في " مستدركه " ومحمد بن زهير النسوي هذا ، عن أبي سهل بن زياد ، عن إسماعيل القاضي .

شعيب ، عن الزهري ، عن علي بن الحسين ، أن المسور أخبره : أن عليا رضي الله عنه خطب بنت أبي جهل ، فلما سمعت فاطمة ، أتت فقالت : إن قومك يتحدثون أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح ابنة أبي جهل ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعته حين تشهد ، فقال : أما بعد : فإني أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني فصدقني ، وإن فاطمة بضعة مني ، وأنا أكره أن يفتنوها ، وإنها والله لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله عند رجل واحد ، فترك علي الخطبة .

ورواه الوليد بن كثير : حدثنا محمد بن عمرو بن حلحلة ، عن الزهري بنحوه . وفيه : وأنا أتخوف أن تفتن في دينها .

ابن إسحاق ، عن ابن قسيط ، عن محمد بن أسامة ، عن أبيه : سئل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الناس أحب إليك ؟ قال : فاطمة .

ويروى عن أسامة بإسناد آخر ، ولفظه : أي أهل بيتك أحب إليك ؟ . [ ص: 134 ]

حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن أنس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر يقول : الصلاة يا أهل بيت محمد ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا .

يونس بن أبي إسحاق ، ومنصور بن أبي الأسود ، وهذا لفظه : سمعت أبا داود ، سمعت أبا الحمراء ، يقول : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي باب علي وفاطمة ستة أشهر ، فيقول : إنما يريد الله . . . الآية .

ومما ينسب إلى فاطمة ولا يصح :
ماذا على من شم تربة أحمد ألا يشم مدى الزمان غواليا

صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام عدن لياليا


ولها في " مسند " بقي ثمانية عشر حديثا ، منها حديث واحد متفق عليه .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:52 PM

[ ص: 118 ] فاطمة بنت أسد

بن هاشم بن عبد مناف بن قصي الهاشمية ، والدة علي بن أبي طالب . هي حماة فاطمة .

كانت من المهاجرات الأول وهي أول هاشمية ولدت هاشميا قاله الزبير .

قال ابن عبد البر : روى سعدان بن الوليد السابري ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : لما ماتت فاطمة أم علي ألبسها النبي صلى الله عليه وسلم قميصه ، واضطجع معها في قبرها فقالوا : ما رأيناك يا رسول الله صنعت هذا ! فقال : إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها ؛ إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة ، واضطجعت معها ليهون عليها .

هذا غريب .



أرب جمـال 8 - 2 - 2010 10:57 PM

[ ص: 135 ] عائشة أم المؤمنين ( ع )

بنت الإمام الصديق الأكبر ، خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، بن كعب بن لؤي ؛ القرشية التيمية ، المكية ، النبوية ، أم المؤمنين ، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم ، أفقه نساء الأمة على الإطلاق .

وأمها هي أم رومان بنت عامر بن عويمر ، بن عبد شمس ، بن عتاب بن أذينة الكنانية .

هاجر بعائشة أبواها ، وتزوجها نبي الله قبل مهاجره بعد وفاة الصديقة خديجة بنت خويلد ، وذلك قبل الهجرة ببضعة عشر شهرا ، وقيل : بعامين . ودخل بها في شوال سنة اثنتين ، منصرفه - عليه الصلاة والسلام - من غزوة بدر ، وهي ابنة تسع .

فروت عنه علما كثيرا طيبا مباركا فيه . وعن أبيها . وعن عمر ، وفاطمة ، وسعد ، وحمزة بن عمرو الأسلمي ، وجدامة بنت وهب . [ ص: 136 ]

حدث عنها إبراهيم بن يزيد النخعي مرسلا ، وإبراهيم بن يزيد التيمي كذلك ، وإسحاق بن طلحة ، وإسحاق بن عمر ، والأسود بن يزيد ، وأيمن المكي ، وثمامة بن حزن ، وجبير بن نفير ، وجميع بن عمير . والحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي ، والحارث بن نوفل ، والحسن ، وحمزة بن عبد الله بن عمر ، وخالد بن سعد ، وخالد بن معدان - وقيل : لم يسمع منها - وخباب صاحب المقصورة ، وخبيب بن عبد الله بن الزبير ، وخلاس الهجري ، وخيار بن سلمة ، وخيثمة بن عبد الرحمن ، وذكوان السمان ؛ ومولاها ذكوان ، وربيعة الجرشي - وله صحبة - ، وزاذان أبو عمر الكندي ، وزرارة بن أوفى ، وزر بن حبيش ، وزيد بن أسلم ، وسالم بن أبي الجعد - ولم يسمعا منها - وزيد بن خالد الجهني وسالم بن عبد الله ، وسالم سبلان ، والسائب بن يزيد ، وسعد بن هشام ، وسعيد المقبري ، وسعيد بن العاص ، وسعيد بن المسيب ، وسليمان بن يسار ، وسليمان بن بريدة وشريح بن أرطاة ، وشريح بن هانئ ، وشريق الهوزني ، وشقيق أبو وائل ، وشهر بن حوشب ، وصالح بن ربيعة بن الهدير .

وصعصعة عم الأحنف ، وطاوس ، وطلحة بن عبد الله التيمي ، وعابس بن ربيعة ، وعاصم بن حميد السكوني ، وعامر بن سعد ، والشعبي ، وعباد بن عبد الله بن الزبير ، وعبادة بن الوليد ، وعبد الله بن بريدة ، وأبو الوليد عبد الله بن الحارث البصري ، وابن الزبير ابن أختها ، وأخوه عروة ، وعبد الله بن شداد الليثي ، وعبد الله بن شقيق ، وعبد الله بن [ ص: 137 ] شهاب الخولاني ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة ، وابن عمر وابن عباس ، وعبد الله بن فروخ ، وعبد الله بن أبي مليكة ، وعبد الله بن عبيد بن عمير ، وأبوه ، وعبد الله بن عكيم ، وعبد الله بن أبي قيس ، وابنا أخيها : عبد الله والقاسم ، ابنا محمد ، وعبد الله بن أبي عتيق محمد بن أخيها عبد الرحمن ، وعبد الله بن واقد العمري ، ورضيعها عبد الله بن يزيد ، وعبد الله البهي وعبد الرحمن بن الأسود ، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام .

وعبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني ، وعبد الرحمن بن شماسة ، وعبد الرحمن بن عبد الله بن سابط الجمحي ، وعبد العزيز ، والد ابن جريج ، وعبيد الله بن عبد الله ، وعبيد الله بن عياض وعراك - ولم يلقها - وعروة المزني ، وعطاء بن أبي رباح ، وعطاء بن يسار ، وعكرمة ، وعلقمة وعلقمة بن وقاص ، وعلي بن الحسين ، وعمرو بن سعيد الأشدق ، وعمرو بن شرحبيل ، وعمرو بن غالب ، وعمرو بن ميمون ، وعمران بن حطان ، وعوف بن الحارث ، رضيعها ، وعياض بن عروة ، وعيسى بن طلحة ، وغضيف بن الحارث ، وفروة بن نوفل ، والقعقاع بن حكيم ، وقيس بن أبي حازم ، وكثير بن عبيد الكوفي . [ ص: 138 ] رضيعها ، وكريب ، ومالك بن أبي عامر ، ومجاهد ، ومحمد بن إبراهيم التيمي - إن كان لقيها - ومحمد بن الأشعث .

ومحمد بن زياد الجمحي ، وابن سيرين ، ومحمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وأبو جعفر الباقر - ولم يلقها - ومحمد بن قيس بن مخرمة ، ومحمد بن المنتشر ، ومحمد بن المنكدر - وكأنه مرسل - ومروان العقيلي أبو لبابة ومسروق ، ومصدع أبو يحيى ومطرف بن الشخير ، ومقسم مولى ابن عباس ، والمطلب بن عبد الله بن حنطب ، ومكحول - ولم يلحقها - وموسى بن طلحة ، وميمون بن أبي شبيب ، وميمون بن مهران ، ونافع بن جبير ، ونافع بن عطاء ، ونافع العمري ، والنعمان بن بشير ، وهمام بن الحارث ، وهلال بن يساف ، ويحيى بن الجزار ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، ويحيى بن يعمر ، ويزيد بن بابنوس ويزيد بن الشخير ، ويعلى بن عقبة ، ويوسف بن ماهك وأبو أمامة بن سهل .

وأبو بردة بن أبي موسى ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، وأبو الجوزاء الربعي ، [ ص: 139 ] وأبو حذيفة الأرحبي ، وأبو حفصة ، مولاها ، وأبو الزبير المكي - وكأنه مرسل - وأبو سلمة بن عبد الرحمن . وأبو الشعثاء المحاربي ، وأبو الصديق الناجي ، وأبو ظبيان الجنبي ، وأبو العالية رفيع الرياحي ، وأبو عبد الله الجدلي وأبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وأبو عثمان النهدي ، وأبو عطية الوادعي ، وأبو قلابة الجرمي - ولم يلقها - وأبو المليح الهذلي ، وأبو موسى ، وأبو هريرة ، وأبو نوفل بن أبي عقرب ، وأبو يونس مولاها ، وبهية مولاة الصديق ، وجسرة بنت دجاجة ، وحفصة بنت أخيها عبد الرحمن ، وخيرة والدة الحسن البصري ، وذفرة بنت غالب ، وزينب بنت أبي سلمة ، وزينب بنت نصر ، وزينب السهمية ، وسمية البصرية ، وشميسة العتكية ، وصفية بنت شيبة ، وصفية بنت أبي عبيد ، وعائشة بنت طلحة ، وعمرة بنت عبد الرحمن ، ومرجانة ، والدة علقمة بن أبي علقمة ، ومعاذة العدوية ، وأم كلثوم التيمية . أختها ، وأم محمد ، امرأة والد علي بن زيد بن جدعان . وطائفة سوى هؤلاء .

مسند " عائشة يبلغ ألفين ومائتين وعشرة أحاديث . اتفق لها البخاري ومسلم على مائة وأربعة وسبعين حديثا ، وانفرد البخاري بأربعة وخمسين ، وانفرد مسلم بتسعة وستين .

وعائشة ممن ولد في الإسلام ، وهي أصغر من فاطمة بثماني سنين ، وكانت تقول : لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين .

وذكرت أنها لحقت بمكة سائس الفيل شيخا أعمى يستعطي . [ ص: 140 ]

وكانت امرأة بيضاء جميلة . ومن ثم يقال لها : الحميراء . ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكرا غيرها ، ولا أحب امرأة حبها ، ولا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، بل ولا في النساء مطلقا ، امرأة أعلم منها .

وذهب بعض العلماء إلى أنها أفضل من أبيها ، وهذا مردود ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا ، بل نشهد أنها زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، فهل فوق ذلك مفخر - وإن كان للصديقة خديجة شأو لا يلحق ، وأنا واقف في أيتهما أفضل - . نعم جزمت بأفضلية خديجة عليها لأمور ليس هذا موضعها .

هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أريتك في المنام ثلاث ليال ، جاء بك الملك في سرقة من حرير فيقول : هذه امرأتك ، فأكشف عن وجهك فإذا أنت فيه ، فأقول : إن يك هذا من عند الله يمضه .

وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن علقمة المكي ، عن ابن أبي حسين ، عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة : أن جبريل جاء بصورتها [ ص: 141 ] في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هذه زوجتك في الدنيا والآخرة .

حسنه الترمذي وقال : لا نعرفه إلا من حديث عبد الله . ورواه عبد الرحمن بن مهدي عنه مرسلا .

بشر بن الوليد القاضي : حدثنا عمر بن عبد الرحمن عن سليمان الشيباني ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن جدته ، عن عائشة أنها قالت : لقد أعطيت تسعا ما أعطيتها امرأة بعد مريم بنت عمران : لقد نزل جبريل بصورتي في راحته حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجني ، ولقد تزوجني بكرا ، وما تزوج بكرا غيري ، ولقد قبض ورأسه في حجري ، ولقد قبرته في بيتي ، ولقد حفت الملائكة ببيتي ، وإن كان الوحي لينزل عليه وإني لمعه في لحافه ، وإني لابنة خليفته وصديقه ، ولقد نزل عذري من السماء ، ولقد خلقت طيبة عند طيب ، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما رواه أبو بكر الآجري ، عن أحمد بن يحيى الحلواني عنه . وإسناده جيد وله طريق آخر سيأتي .

وكان تزويجه صلى الله عليه وسلم بها إثر وفاة خديجة ، فتزوج بها وبسودة في وقت واحد ، ثم دخل بسودة ، فتفرد بها ثلاثة أعوام حتى بنى بعائشة في شوال بعد [ ص: 142 ] وقعة بدر ، فما تزوج بكرا سواها ، وأحبها حبا شديدا كان يتظاهر به ، بحيث إن عمرو بن العاص ، وهو ممن أسلم سنة ثمان من الهجرة ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ قال : عائشة . قال : فمن الرجال ؟ قال : أبوها

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 11:00 PM


وهذا خبر ثابت على رغم أنوف الروافض ، وما كان عليه السلام ليحب إلا طيبا . وقد قال : لو كنت متخذا خليلا من هذه الأمة ، لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن أخوة الإسلام أفضل فأحب أفضل رجل من أمته وأفضل امرأة من أمته ، فمن أبغض حبيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حري أن يكون بغيضا إلى الله ورسوله .

وحبه عليه السلام لعائشة كان أمرا مستفيضا ، ألا تراهم كيف كانوا يتحرون بهداياهم يومها تقربا إلى مرضاته .

قال حماد بن زيد ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة . قالت : فاجتمعن صواحبي إلى أم سلمة ، فقلن لها : إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة ، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة ، فقولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس أن يهدوا له أينما كان ، فذكرت أم سلمة له ذلك ، فسكت ، فلم يرد عليها ، فعادت الثانية ، فلم يرد عليها ، فلما كانت الثالثة قال : يا أم سلمة ، لا تؤذيني في عائشة ، فإنه والله ما نزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها [ ص: 143 ] متفق على صحته .

وهذا الجواب منه دال على أن فضل عائشة على سائر أمهات المؤمنين بأمر إلهي وراء حبه لها ، وأن ذلك الأمر من أسباب حبه لها .

إسماعيل بن أبي أويس ، حدثنا أخي أبو بكر ، عن سليمان بن بلال ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة : أن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كن حزبين ، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة ، والحزب الآخر أم سلمة وسائر أزواجه . وكانوا المسلمون قد علموا حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة ، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخرها ، حتى إذا كان في بيت عائشة بعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ، فتكلم حزب أم سلمة فقلن لها : كلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلم الناس ، فيقول : من أراد أن يهدي إلى رسول الله هدية فليهد إليه حيث كان من نسائه ، فكلمته أم سلمة بما قلن ، فلم يقل لها شيئا ، فسألنها ، فقالت : ما قال لي شيئا ، فقلن : كلميه . قالت : فكلمته حين دار إليها ، فلم يقل لها شيئا ، فسألنها ، فقالت : ما قال لي شيئا ، فقلن لها : كلميه ، فدار إليها فكلمته ، فقال لها : لا تؤذيني في عائشة ؛ فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب [ ص: 144 ] امرأة إلا عائشة ، فقالت : أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله . ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تقول إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر ، فكلمته ، فقال : يا بنية ، ألا تحبين ما أحب ؟ قالت : بلى ، فرجعت إليهن وأخبرتهن ، فقلن : ارجعي إليه ، فأبت أن ترجع ، فأرسلن زينب بنت جحش ، فأتته فأغلظت ، وقالت : إن نساءك ينشدنك الله العدل في ابنة أبي قحافة ، فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة ، وهي قاعدة ، فسبتها حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة هل تتكلم ، قال : فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى عائشة ، وقال : إنها ابنة أبي بكر . فضيلة : إسماعيل بن جعفر : أخبرنا عبد الله بن عبد الرحمن ، سمع أنسا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام متفق عليه من طرق عن أبي طوالة . [ ص: 145 ]

شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن مرة ، عن أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 11:02 PM

فضيلة أخرى :

روى الحاكم في " مستدركه " من طريق يوسف بن الماجشون ، قال : حدثني أبي ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن عائشة ، قالت : قلت - يا رسول الله ، من من أزواجك في الجنة ؟ قال : أما إنك منهن . قالت : فخيل إلي أن ذاك لأنه لم يتزوج بكرا غيري .

موسى - وهو الجهني - عن أبي بكر بن حفص ، عن عائشة : أنها جاءت هي وأبواها ، فقالا : إنا نحب أن تدعو لعائشة بدعوة ونحن نسمع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اغفر لعائشة بنت أبي بكر الصديق مغفرة واجبة ظاهرة باطنة ، فعجب أبواها ، فقال : أتعجبان ، هذه دعوتي لمن شهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله .

أخرجه الحاكم في " مستدركه " من طريق سفيان بن عيينة عن موسى . وهو غريب جدا . [ ص: 146 ] فضيلة أخرى : شعيب ، عن الزهري : حدثني أبو سلمة ، أن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عائش ، هذا جبريل وهو يقرأ عليك السلام . قالت : وعليه السلام ورحمة الله ، ترى ما لا نرى يا رسول الله .

زكريا بن أبي زائدة ، عن عامر ، عن أبي سلمة ، أن عائشة حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : إن جبريل يقرئك السلام ، فقالت : وعليه السلام ورحمة الله .

وأخرج النسائي من طريق معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة نحو الأول .

وفي " مسند أحمد " عن سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن أبي سلمة ، عن عائشة قالت : رأيتك يا رسول الله وأنت قائم تكلم دحية الكلبي ، فقال : وقد رأيته ؟ قالت : نعم . قال : فإنه جبريل وهو يقرئك السلام . قالت : وعليه السلام ورحمة الله ، جزاه الله من زائر ودخيل ، فنعم الصاحب ، ونعم الدخيل .

قال : والدخيل : الضيف . مجالد ليس بقوي .

كثير بن هشام : حدثنا الحكم بن هشام ، عن عبد الملك بن عمير ، [ ص: 147 ] قال : قالت عائشة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم : فضلت عليكن بعشر ولا فخر : كنت أحب نسائه إليه ، وكان أبي أحب رجاله إليه ، وابتكرني ولم يبتكر غيري ، وتزوجني لسبع ، وبنى بي لتسع ، ونزل عذري من السماء ، واستأذن النبي صلى الله عليه وسلم نساءه في مرضه ، فقال : إنه ليشق علي الاختلاف بينكن ، فائذن لي أن أكون عند بعضكن ، فقالت أم سلمة : قد عرفنا من تريد ، تريد عائشة . قد أذنا لك . وكان آخر زاده من الدنيا ريقي ، أتي بسواك ، فقال : انكثيه يا عائشة ، فنكثته ، وقبض بين حجري ونحري ، ودفن في بيتي هذا حديث صالح الإسناد ، ولكن فيه انقطاع .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 11:04 PM

فضيلة باهرة لها :

خالد الحذاء ، عن أبي عثمان النهدي ، عن عمرو بن العاص : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على جيش ذات السلاسل قال : فأتيته ، فقلت : يا رسول الله ، أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة . قال : من الرجال ؟ قال : أبوها .

قال الترمذي : هذا حديث حسن [ ص: 148 ] .

قلت : قد أخرجه البخاري ومسلم . ابن المبارك ، ويحيى بن سعيد الأموي ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن عمرو بن العاص ، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : من أحب الناس إليك ؟ قال : عائشة . قال : من الرجال ؟ قال : أبوها .

هذا حديث صحيح ، أخرجه النسائي ، والترمذي وحسنه وغربه .

الترمذي : حدثنا أحمد بن عبدة ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن حميد ، عن أنس قال : قيل : يا رسول الله من أحب الناس إليك ؟ قال : عائشة . قيل : من الرجال ؟ قال : أبوها .

قال : هذا حديث حسن غريب .

تزويجها بالنبي صلى الله عليه وسلم :

روى هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم متوفى خديجة ، وأنا ابنة ست ، وأدخلت عليه وأنا ابنة تسع ، جاءني نسوة وأنا ألعب على أرجوحة وأنا مجممة فهيأنني وصنعنني ثم أتين بي إليه صلى الله عليه وسلم .

قال عروة : فمكثت عنده تسع سنين . [ ص: 149 ]

وأخرج البخاري من قول عروة : أن خديجة توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين ، فلبث صلى الله عليه وسلم سنتين أو قريبا من ذلك ، ونكح عائشة ، وهي بنت ست سنين .

ابن إدريس ، عن محمد بن عمرو ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، قال : قالت عائشة : لما ماتت خديجة ، جاءت خولة بنت حكيم فقالت : يا رسول الله ، ألا تزوج ؟ قال : ومن ؟ قالت : إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا ؟ قال : من البكر ومن الثيب ؟ ؟ قالت : أما البكر ، فعائشة ابنة أحب خلق الله إليك ، وأما الثيب ، فسودة بنت زمعة ، قد آمنت بك واتبعتك . قال : اذكريهما علي . قالت : فأتيت أم رومان فقلت : يا أم رومان ، ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة ! قالت : ماذا ؟ قالت : رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر عائشة . قالت : انتظري ، فإن أبا بكر آت ، فجاء أبو بكر ، فذكرت ذلك له ، فقال : أو تصلح له وهي ابنة أخيه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنا أخوه وهو أخي ، وابنته تصلح لي ، فقام أبو بكر ، فقالت لي أم رومان : إن المطعم بن عدي كان قد ذكرها على ابنه ، ووالله ما أخلف وعدا قط . قالت : فأتى أبو بكر المطعم ، فقال : ما تقول في أمر هذه الجارية ؟ قال : فأقبل على امرأته ، فقال : ما تقولين ؟ فأقبلت على أبي بكر ، فقالت : لعلنا إن أنكحنا هذا الفتى إليك تدخله في دينك ! فأقبل عليه أبو بكر ، فقال : ما تقول أنت ؟ قال : إنها لتقول ما تسمع ، فقام أبو بكر وليس في نفسه من الموعد شيء ، فقال لها : قولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت ، فجاء ، [ ص: 150 ] فملكها . قالت : ثم انطلقت إلى سودة ، وأبوها شيخ كبير وذكرت الحديث .

هشام ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : أدخلت على نبي الله وأنا بنت تسع ، جاءني نسوة وأنا ألعب على أرجوحة وأنا مجممة ، فهيأنني ، وصنعنني ، ثم أتين بي إليه .

هشام ، عن أبيه ، عنها ، أنها قالت : كنت ألعب بالبنات - تعني اللعب - فيجيء صواحبي ، فينقمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيخرج رسول الله ، فيدخلن علي ، وكان يسربهن إلي ، فيلعبن معي .

وفي لفظ : فكن جوار يأتين يلعبن معي بها ، فإذا رأين رسول الله تقمعن فكان يسربهن إلي .

وعن عائشة قالت : دخل علي رسول الله وأنا ألعب بالبنات ، فقال : [ ص: 151 ] " ما هذا يا عائشة ؟ قلت : خيل سليمان ولها أجنحة ، فضحك .

الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي ، والحبشة يلعبون بالحراب في المسجد ، وإنه ليسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ، ثم يقف من أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو .

وفي لفظ معمر ، عن الزهري : فما زلت أنظر حتى كنت أنا أنصرف ، فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن التي تسمع اللهو .

ولفظ الأوزاعي عن الزهري في هذا الحديث قالت : قدم وفد الحبشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقاموا يلعبون في المسجد ، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه ، وأنا أنظر إليهم حتى أكون أنا التي أسأم . [ ص: 152 ]

وفي حديث سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة : أن عمر وجدهم يلعبون ، فزجرهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعهم فإنهم بنو أرفدة .

الواقدي قال : حدثني موسى بن محمد بن عبد الرحمن ، عن ريطة ، عن عمرة ، عن عائشة ، قالت : لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة خلفنا وخلف بناته ، فلما قدم المدينة ، بعث إلينا زيد بن حارثة وأبا رافع ، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم أخذها من أبي بكر ، يشتريان بها ما نحتاج إليه من الظهر . وبعث أبو بكر معهما عبد الله بن أريقط الليثي ببعيرين أو ثلاثة ، وكتب إلى ابنه عبد الله يأمره أن يحمل أهله أم رومان وأنا وأختي أسماء ، فخرجوا ، فلما انتهوا إلى قديد ، اشترى زيد بتلك الدراهم ثلاثة أبعرة . ثم دخلوا مكة ، وصادفوا طلحة يريد الهجرة بآل أبي بكر ، فخرجنا جميعا ، وخرج زيد وأبو رافع بفاطمة وأم كلثوم وسودة وأم أيمن وأسامة ، فاصطحبنا جميعا ، حتى إذا كنا بالبيض نفر بعيري وقدامي محفة فيها [ ص: 153 ] أمي ، فجعلت أمي تقول : وابنتاه ! واعروساه ! حتى أدرك بعيرنا ، فقدمنا ، والمسجد يبنى وذكر الحديث .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 11:05 PM

شأن الإفك :

كان في غزوة المريسيع سنة خمس من الهجرة ، وعمرها رضي الله عنها - يومئذ اثنتا عشرة سنة .

فروى حماد بن زيد ، عن معمر ، والنعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأقرع بيننا في غزوة المريسيع ، فخرج سهمي ، فهلك في من هلك .

وكذلك ذكر ابن إسحاق والواقدي وغير واحد : أن الإفك كان في غزوة المريسيع .

يونس ، عن ابن شهاب : أخبرني عروة ، وابن المسيب ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله ، عن حديث عائشة حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله تعالى . وكل حدثني بطائفة من حديثها ، وبعض حديثهم يصدق بعضا ، وإن كان بعضهم أوعى له من بعض ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها [ ص: 154 ] معه ، فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج سهمي ، فخرجت معه بعدما نزل الحجاب ، وأنا أحمل في هودج وأنزل فيه ، فسرنا ، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك ، وقفل ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حينئذ فمشيت حتى جاوزت الجيش .

فلما قضيت حاجتي ، أقبلت إلى رحلي ، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع ، فالتمسته ، وحبسني التماسه ، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي ، فرحلوه على بعيري ، وهم يحسبون أني فيه - وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام - فلم يستنكروا خفة المحمل حين رفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فأممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيني ، فنمت .

وكان صفوان بن المعطل السلمي ، ثم الذكواني ، من وراء الجيش ، فأدلج ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني ، فعرفني حين [ ص: 155 ] رآني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاسترجع ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفت ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني كلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، فأناخ راحلته ، فوطئ على يديها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك في ، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي بن سلول .

فقدمنا المدينة ، فاشتكيت شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ولا أشعر بشيء من ذلك ، ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل علي ، فيسلم ، ثم يقول : كيف تيكم ؟ ثم ينصرف فذلك الذي يريبني ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعدما نقهت ، فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول من التبرز قبل الغائط ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا ، فانطلقت أنا وأم مسطح بنت أبي رهم بن عبد مناف ، وأمها ابنة صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق ، وابنها مسطح بن أثاثة بن المطلب ، فأقبلت أنا وهي قبل بيتي ، قد فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، [ ص: 156 ] فقالت : تعس مسطح ! فقلت لها : بئس ما قلت ! أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ قالت : أي هنتاه أو لم تسمعي ما قال ؟ قلت : وما ذاك ؟ فأخبرتني الخبر ، فازددت مرضا على مرضي .

فلما رجعت إلى بيتي ، ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال : كيف تيكم ؟ فقلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي ، فجئت أبوي ، فقلت : يا أمتاه ، ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية ، هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن عليها ، فقلت : سبحان الله ! وقد تحدث الناس بهذا ؟ ! فبكيت الليلة حتى لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم . ثم أصبحت أبكي ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد ، حين استلبث الوحي ، يستأمرهما في فراق أهله ، فأما أسامة ، فأشار على رسول الله بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود ، فقال : يا رسول الله ، أهلك ، ولا نعلم إلا خيرا . وأما علي فقال : لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، واسأل الجارية ، تصدقك ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة فقال : أي بريرة ، هل رأيت من شيء يريبك ؟ قالت : لا والذي بعثك بالحق ، إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها ، فيأتي الداجن ، فيأكله . [ ص: 157 ] فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول ، فقال وهو على المنبر : يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي ، فقام سعد بن معاذ ، فقال : يا رسول الله ، أنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس ، ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج ، أمرتنا ، ففعلنا أمرك ، فقام سعد بن عبادة - وهو سيد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية - فقال لسعد : كذبت لعمر الله ! لا تقتله ، ولا تقدر على قتله ، فقام أسيد بن حضير - وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال : كذبت ! لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فتثاور الحيان : الأوس والخزرج ، حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت .

قالت : فبكيت يومي ذلك وليلتي ، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، فأصبح أبواي عندي ، وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ، ولا يرقأ لي دمع ، حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي ، فبينما هما جالسان عندي ، وأنا أبكي ، استأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، فبينما نحن على ذلك ، دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلم ، ثم [ ص: 158 ] جلس ، ولم يجلس عندي منذ قيل لي ما قيل ، ولقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء . قالت : فتشهد ، ثم قال : أما بعد ، يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة ، فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب ، فاستغفري الله ، وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب ، تاب الله عليه ، فلما قضى مقالته ، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب رسول الله فيما قال ، قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت لأمي : أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت وأنا يومئذ حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد علمت ، لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم ، وصدقتم به ، فلئن قلت لكم : إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدقوني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر ، والله يعلم أني بريئة ، لتصدقني ، والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف :
فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ثم تحولت ، فاضطجعت على فراشي ، وأنا أعلم أني بريئة ، وأن الله - تعالى - يبرئني ببراءتي ولكن والله ما ظننت أن الله ينزل في شأني وحيا يتلى ، ولشأني كان في نفسي أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلي ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها . قالت : فوالله ما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا خرج أحد من أهل البيت ، [ ص: 159 ] حتى نزل عليه الوحي ؛ فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء ، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق ، وهو في يوم شات ، من ثقل القول الذي ينزل عليه ، فلما سري عنه وهو يضحك ، كان أول كلمة تكلم بها : يا عائشة ، أما والله لقد برأك الله ، فقالت أمي : قومي إليه ، فقلت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله . وأنزل الله تعالى : إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم العشر الآيات كلها .

فلما أنزل الله هذا في براءتي ، قال أبو بكر - وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره - : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ، فأنزلت : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم قال : بلى والله ، إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا . قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب بنت جحش عن أمري ، فقالت : أحمي سمعي وبصري ، ما علمت إلا خيرا ، وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك
[ ص: 160 ] وهذا الحديث له طرق عن الزهري . ورواه هشام بن عروة ، عن أبيه .

قال أبو معشر السندي حدثني أفلح بن عبد الله بن المغيرة ، عن الزهري ، قال : كنت عند الوليد بن عبد الملك ، فذكر حديث الإفك بطوله ، وفيه : أن ذاك في غزوة بني المصطلق وأن سهمها وسهم أم سلمة خرج .

وروى معمر ، عن الزهري ، قال : كنت عند الوليد فقال : الذي تولى كبره علي . فقلت : لا . حدثني سعيد وعروة وعلقمة وعبيد الله ، كلهم سمع عائشة تقول : إن الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ، فقال لي : فما كان جرمه ؟ قلت : سبحان الله ! حدثني من قومك أبو سلمة ، وأبو بكر بن عبد الرحمن ، أنهما سمعا عائشة تقول : كان مسيئا في أمري .

يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن عمرة ، عن عائشة قالت : لما تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم القصة التي نزل [ ص: 161 ] بها عذري على الناس ، نزل فأمر برجلين وامرأة ، ممن كان تكلم بالفاحشة في عائشة ، فجلدوا الحد .

قال : وكان رماها ابن أبي ، ومسطح ، وحسان ، وحمنة .

الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : دخل حسان بن ثابت على عائشة يشبب بأبيات له فيها ، فقال :
حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

قالت : لست كذاك ، فقلت : تدعين مثل هذا يدخل عليك ، وقد أنزل الله تعالى : والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم قالت : وأي عذاب أشد من العمى ؟ ثم قالت : كان يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم . [ ص: 162 ] .

ابن إسحاق : حدثني محمد بن إبراهيم التيمي ، قال : كان صفوان بن المعطل قد كثر عليه حسان في شأن عائشة ، وقال يعرض به :
أمسى الجلابيب قد عزوا ، وقد كثروا وابن الفريعة أمسى بيضة البلد


فاعترضه صفوان ليلة وهو آت من عند أخواله بني ساعدة ، فضربه بالسيف على رأسه ، فاستعدوا عليه ثابت بن قيس ، فجمع يديه إلى عنقه بحبل ، وقاده إلى دار بني حارثة ، فلقيه ابن رواحة ، فقال : ما هذا ؟ فقال : ما أعجبك إنه عدا على حسان بالسيف ، فوالله ما أراه إلا قد قتله ، فقال : هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنعت به ؟ فقال : لا ، فقال : والله لقد اجترأت ، خل سبيله ، فسنغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنعلمه أمره ، فخلى سبيله ، فلما أصبحوا ، غدوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له ذلك ، فقال : أين ابن المعطل ؟ فقام إليه ، فقال : ها أنا ذا يا رسول الله ، فقال : ما دعاك إلى ما صنعت ؟ قال : آذاني يا رسول الله ، وكثر علي ، ولم يرض حتى عرض بي في الهجاء ، فاحتملني الغضب ، وها أنا ذا ، فما كان علي من حق ، فخذني به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادعوا لي حسان بن ثابت ، فأتي به ، فقال : يا [ ص: 163 ] حسان . أتشوهت على قومي أن هداهم الله للإسلام - يقول : تنفست عليهم - يا حسان ، أحسن فيما أصابك . قال : هي لك يا رسول الله ، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم سيرين القبطية ، فولدت له عبد الرحمن ، وأعطاه أرضا كانت لأبي طلحة تصدق بها أبو طلحة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال ابن إسحاق ؛ وقال حسان في عائشة :
رأيتك - وليغفر لك الله - حرة من المحصنات غير ذات غوائل


حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل


وإن الذي قد قيل ليس بلائق بك الدهر بل قيل امرئ متماحل


فإن كنت أهجوكم كما بلغوكم فلا رفعت سوطي إلي أناملي


وكيف وودي ما حييت ونصرتي لآل رسول الله زين المحافل


وإن لهم عزا يرى الناس دونه قصارا وطال العز كل التطاول


عقيلة حي من لؤي بن غالب كرام المساعي مجدهم غير زائل


مهذبة قد طيب الله خيمها وطهرها من كل سوء وباطل


ابن أبي أويس : حدثني أخي ، عن سليمان بن بلال ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : قلت : يا رسول الله ، أرأيت لو أنك [ ص: 164 ] نزلت واديا فيه شجرة قد أكل منها ، ووجدت شجرة لم يؤكل منها ، فأيهما كنت ترتع بعيرك ؟ قال : الشجرة التي لم يؤكل منها . قالت : فأنا هي . تعني : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكرا غيرها .

سفيان بن عيينة : عن أبي سعد ، عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن . أبيه ، قال : قالت عائشة رضي الله عنها - : ما تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتاه جبريل بصورتي ، وقال : هذه زوجتك ، فتزوجني ، وإني لجارية علي حوف ، ولما تزوجني ، وقع علي الحياء وإني لصغيرة .

تفرد به أبو سعد ، وهو سعيد بن المرزبان البقال ، لين الحديث ، والحوف : شيء يشد في وسط الصبي من سيور .

يحيى بن يمان ، عن الثوري ، عن إسماعيل بن أمية ، عن عبد الله بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال ، وأعرس بي في شوال ، فأي نسائه كان أحظى عنده مني .

وكانت العرب تستحب لنسائها أن يدخلن على أزواجهن في شوال . [ ص: 165 ]

وقالت عائشة : ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة من كثرة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها .

قلت : وهذا من أعجب شيء أن تغار رضي الله عنها - من امرأة عجوز توفيت قبل تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة بمديدة ، ثم يحميها الله من الغيرة من عدة نسوة يشاركنها في النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا من ألطاف الله بها وبالنبي صلى الله عليه وسلم ، لئلا يتكدر عيشهما . ولعله إنما خفف أمر الغيرة عليها حب النبي صلى الله عليه وسلم لها وميله إليها ، فرضي الله عنها وأرضاها . معمر ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة : دخلت امرأة سوداء على النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقبل عليها . قالت : فقلت : يا رسول الله ، أقبلت على هذه السوداء هذا الإقبال ! فقال : إنها كانت تدخل على خديجة ، وإن حسن العهد من الإيمان . [ ص: 166 ]

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 11:06 PM

أخبرنا أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد المقدسي سنة ست عشرة وستمائة ، أخبرنا هبة الله بن الحسن الدقاق ، أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن علي بن زكري حدثنا علي بن محمد المعدل ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز حدثنا سعدان بن نصر : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن ابن عون : حدثنا القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها - ، أنها قالت : من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، فقد أعظم الفرية على الله - تعالى - ، ولكنه رأى جبريل مرتين في صورته ، وخلقه سادا ما بين الأفق . [ ص: 167 ]

هذا حديث صحيح الإسناد . ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله - تعالى - بعينيه . وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها ، فأما رؤية المنام ، فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة ، وأما رؤية الله عيانا في الآخرة ، فأمر متيقن تواترت به النصوص . جمع أحاديثها الدارقطني والبيهقي وغيرهما .

أبو الحسن المدائني ، عن يزيد بن عياض ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : دخل عيينة بن حصن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعنده عائشة ، وذلك قبل أن يضرب الحجاب ، فقال : من هذه الحميراء يا رسول الله ؟ قال : هذه عائشة بنت أبي بكر . قال : أفلا أنزل لك عن أجمل النساء ؟ قال : لا ، فلما خرج ، قالت عائشة : من هذا يا رسول الله ؟ قال : هذا الأحمق المطاع في قومه .

هذا حديث مرسل ، ويزيد متروك وما أسلم عيينة إلا بعد نزول الحجاب .

وقد قيل : إن كل حديث فيه : يا حميراء ، لم يصح . وأوهى ذلك [ ص: 168 ] تشميس الماء ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها : لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص ، فإنه خبر موضوع . والحمراء ، في خطاب أهل الحجاز : هي البيضاء بشقرة ، وهذا نادر فيهم ، ومنه في الحديث : رجل أحمر كأنه من الموالي يريد القائل أنه في لون الموالي الذين سبوا من نصارى الشام والروم والعجم .

ثم إن العرب إذا قالت : فلان أبيض ، فإنهم يريدون الحنطي اللون بحلية سوداء ، فإن كان في لون أهل الهند ، قالوا : أسمر وآدم ، وإن كان في سواد التكرور ، قالوا : أسود ، وكذا كل من غلب عليه السواد . قالوا : أسود ، أو شديد الأدمة . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : بعثت إلى الأحمر والأسود ، فمعنى ذلك : أن بني آدم لا ينفكون عن أحد الأمرين . وكل [ ص: 169 ] لون بهذا الاعتبار يدور بين السواد والبياض ، الذي هو الحمرة .

أحمد في " مسنده " حدثنا عباد بن عباد ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لها : إني أعرف غضبك إذا غضبت ورضاك إذا رضيت . قالت : وكيف تعرف ؟ قال : إذا غضبت قلت : يا محمد . وإذا رضيت قلت : يا رسول الله .

هذا حديث غريب ، والمحفوظ ما أخرجا في " الصحيحين " لأبي أسامة ، عن هشام بلفظ : إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى . قالت : وكيف يا رسول الله ؟ قال : إذا كنت عني راضية ، قلت : لا ورب محمد . وإذا كنت علي غضبى ، قلت : لا ورب إبراهيم . قلت : أجل والله ، ما أهجر إلا اسمك .

تابعه علي بن مسهر . وأخرج النسائي حديث علي .

هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : أنها استعارت قلادة في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانسلت منها . وكان ذلك المكان يقال له : الصلصل ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطلبوها حتى وجدوها . وحضرت الصلاة ، ولم [ ص: 170 ] يكن معهم ماء ، فصلوا بغير وضوء ، فأنزل الله آية التيمم ، فقال لها أسيد بن الحضير : جزاك الله خيرا ، فوالله ما نزل بك أمر قط تكرهينه إلا جعل الله لك فيه خيرا .

رواه ابن نمير ، وعلي بن مسهر عنه .

مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش ، انقطع عقدي ، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه ، وأقام الناس معه وليسوا على ماء ، فأتى الناس أبا بكر رضي الله عنه ، فقالوا : ما ترى ما صنعت عائشة ، أقامت برسول الله وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء ! قالت : فعاتبني أبو بكر ، فقال ما شاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتي ، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء ، فأنزل الله آية التيمم ، فتيمموا . فقال أسيد بن حضير - وهو أحد النقباء : ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر ! قالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه ، فوجدنا العقد تحته متفق عليه . [ ص: 171 ]

وفي " مسند أحمد " من طريق محمد بن إسحاق : حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بتربان - بلد بينه وبين المدينة بريد وأميال ، وهو بلد لا ماء به - وذلك من السحر ، انسلت قلادة من عنقي ، فوقعت ، فحبس علي رسول الله صلى الله عليه وسلم لالتماسها حتى طلع الفجر ، وليس مع القوم ماء ، فلقيت من أبي ما الله به عليم من التعنيف والتأفيف . وقال : في كل سفر للمسلمين منك عناء وبلاء ، فأنزل الله الرخصة في التيمم ، فتيمم القوم ، وصلوا .

قالت : يقول أبي حين جاء من الله من الرخصة للمسلمين : والله ما علمت يا بنية إنك لمباركة ! ماذا جعل الله للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر
.

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 11:07 PM

أبو نعيم : حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن العيزار بن حريث ، عن النعمان بن بشير ، قال : استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا عائشة ترفع صوتها عليه ، فقال : يا بنت فلانة ، ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فحال النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها . ثم خرج أبو بكر ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يترضاها ، وقال : ألم تريني حلت بين الرجل وبينك " . ثم استأذن أبو بكر مرة أخرى ، فسمع تضاحكهما ، فقال : أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما .

أخرجه أبو داود والنسائي من طريق حجاج بن محمد ، عن يونس [ ص: 172 ] نحوه . لكنه قال : عن أبيه ، عن أبي إسحاق ، عن العيزار ، عن النعمان .

ورواه عمرو العنقزي عن يونس ، عن أبيه ، فأسقط العيزار .

وروى نحوه أحمد في " مسنده " عن وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن العيزار بن حريث ، عن النعمان .

موسى بن علي بن رباح ، سمعت أبي يقول : أخبرني أبو قيس مولى عمرو ، قال : بعثني عبد الله بن عمرو إلى أم سلمة : سلها أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم ؟ فإن قالت : لا ، فقل : إن عائشة تخبر الناس أنه كان يقبل وهو صائم ، فقالت : لعله أنه لم يكن يتمالك عنها حبا ، أما إياي ، فلا .

أحمد في " مسنده " : حدثنا عثمان بن عمر : حدثنا يونس الأيلي : حدثنا أبو شداد ، عن مجاهد ، عن أسماء بنت عميس ، قالت : كنت صاحبة عائشة التي هيأتها وأدخلتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعي نسوة ، فما وجدنا عنده قرى إلا قدحا من لبن ، فشرب منه ، ثم ناوله عائشة ، فاستحيت الجارية ، فقلنا : لا تردي يد رسول الله ، خذي منه ، فأخذت منه على حياء ، فشربت . ثم قال : ناولي صواحبك ، فقلنا : لا نشتهيه ، فقال : لا تجمعن جوعا وكذبا ، فقلت : يا رسول الله ، إن قالت إحدانا لشيء تشتهيه : [ ص: 173 ] لا تشتهيه أيعد ذلك كذبا ؟ قال : إن الكذب يكتب ، حتى تكتب الكذيبة كذيبة .

هذا حديث منكر لا نعرفه إلا من طريق أبي شداد ، وليس بالمشهور . قد روى عنه ابن جريج أيضا . ثم هو خطأ ، فإن أسماء ، كانت وقت عرس عائشة بالحبشة مع جعفر بن أبي طالب ، ولا نعلم لمجاهد سماعا عن أسماء ، أو لعلها أسماء بنت يزيد ، فإنها روت عجز هذا الحديث . زكريا بن أبي زائدة ، عن خالد بن سلمة ، عن البهي ، عن عروة ، قال : قالت عائشة : ما علمت حتى دخلت علي زينب بغير إذن وهي غضبى ، ثم قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسبك إذا قلبت لك بنية أبي بكر ذريعتيها ؟ ثم أقبلت علي ، فأعرضت عنها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دونك [ ص: 174 ] فانتصري ، فأقبلت عليها حتى رأيت قد يبس ريقها في فمها ، فما ترد علي شيئا ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه أحمد بن عبيد الله النرسي : حدثنا يحيى الخواص : حدثنا محاضر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة قالت : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير يومي يطلب مني ضجعا ، فدق ، فسمعت الدق ، ثم خرجت ، ففتحت له ، فقال : ما كنت تسمعين الدق ؟ قلت : بلى ، ولكنني أحببت أن يعلم النساء أنك أتيتني في غير يومي .

هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : سابقني النبي صلى الله عليه وسلم ، فسبقته ما شاء ، حتى إذا رهقني اللحم ، سابقني ، فسبقني ، فقال : يا عائشة هذه بتلك . [ ص: 175 ]

ورواه أبو إسحاق الفزاري عن هشام ، فقال : عن أبيه ، وعن أبي سلمة عنها . أخرجه هكذا أبو داود . أبو سعد البقال عن عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه : قالت عائشة : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه جبريل بصورتي ، وإني لجارية علي حوف ، فلما تزوجني ، ألقى الله علي حياء وأنا صغيرة .

الحوف : سيور في الوسط .

مسعر ، عن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العظم فأتعرقه ، ثم يأخذه ، فيديره حتى يضع فاه على موضع فمي .

رواه شعبة والناس عن المقدام ، أخرجه مسلم .

أخبرنا علي بن محمد ، ومحمد بن علي ، وعلي بن بقاء وأهله فاطمة الآمدية ، وأحمد بن إبراهيم الدباغ ، وعبد الدائم الوزان ، وعبد الصمد [ ص: 176 ] الزاهد ، ومحمد بن هاشم العباسي ، ونصر بن أبي الضوء ، وزينب بنت سليمان ، وعدة ، قالوا : أخبرنا الحسين بن المبارك : أخبرنا عبد الأول بن عيسى : أخبرنا عبد الرحمن بن محمد : أخبرنا عبد الله بن أحمد : أخبرنا محمد بن يوسف : حدثنا محمد بن إسماعيل : حدثنا أبو نعيم : حدثنا عبد الواحد بن أيمن : حدثني ابن أبي مليكة ، عن القاسم ، عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج ، أقرع بين نسائه ، فطارت القرعة لعائشة وحفصة ، وكان إذا كان بالليل ، سار مع عائشة يتحدث ، فقالت حفصة : ألا تركبين الليلة بعيري ، وأركب بعيرك تنظرين وأنظر ، فقالت : بلى ، فركبت ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة ، وعليه حفصة ، فسلم عليها ، ثم سار حتى نزلوا ، وافتقدته عائشة فلما نزلوا ، جعلت رجليها بين الإذخر وتقول : يا رب ، سلط علي عقربا أو حية تلدغني ، رسولك ولا أستطيع أن أقول له شيئا .

أخرجه مسلم عن إسحاق ، عن أبي نعيم ، فوقع لنا بدلا عاليا .

زياد بن أيوب : حدثنا مصعب بن سلام : حدثنا محمد بن سوقة ، عن [ ص: 177 ] عاصم بن كليب ، عن أبيه : قال : انتهينا إلى علي رضي الله عنه ، فذكر عائشة ، فقال : خليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

هذا حديث حسن . ومصعب فصالح لا بأس به . وهذا يقوله أمير المؤمنين في حق عائشة مع ما وقع بينهما ، فرضي الله عنهما . ولا ريب أن عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة وحضورها يوم الجمل ، وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ ، فعن عمارة بن عمير ، عمن سمع عائشة : إذا قرأت : وقرن في بيوتكن بكت حتى تبل خمارها .

قال أحمد في " مسنده " : حدثنا يحيى القطان ، عن إسماعيل : حدثنا قيس ، قال : لما أقبلت عائشة ، فلما بلغت مياه بني عامر ليلا . نبحت الكلاب ، فقالت : أي ماء هذا ؟ قالوا : ماء الحوأب . قالت : ما أظنني إلا أنني راجعة . قال بعض من كان معها : بل تقدمين فيراك المسلمون ، فيصلح الله ذات بينهم . قالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم : كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب . [ ص: 178 ]

هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجوه .

عن صالح بن كيسان وغيره : أن عائشة جعلت تقول : إن عثمان قتل مظلوما ، وأنا أدعوكم إلى الطلب بدمه ، وإعادة الأمر شورى .

هلال بن خباب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أنه قال للزبير يوم الجمل : هذه عائشة تملك الملك لقرابتها طلحة ، فأنت علام تقاتل قريبك عليا ! فرجع الزبير ، فلقيه ابن جرموز ، فقتله .

قلت : قد سقت وقعة الجمل ملخصة في مناقب علي ، وإن عليا وقف على خباء عائشة يلومها على مسيرها ، فقالت : يا ابن أبي طالب ، ملكت فأسجح ، فجهزها إلى المدينة ، وأعطاها اثني عشر ألفا ، فرضي الله عنه وعنها .

وفي " صحيح البخاري " من طريق أبي حصين عن عبد الله بن زياد ، عن عمار بن ياسر ، سمعه على المنبر يقول : إنها لزوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة . يعني : عائشة .

وفي لفظ ثابت : أشهد بالله إنها لزوجته .

شعبة ، عن الحكم ، عن أبي وائل : سمع عمارا يقول ، حين بعثه علي إلى الكوفة ليستنفر الناس : إنا لنعلم إنها لزوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، ولكن الله ابتلاكم بها ، لتتبعوه ، أو إياها . [ ص: 179 ]

أبو إسحاق السبيعي ، عن عمرو بن غالب : أن رجلا نال من عائشة عند عمار ، فقال : اغرب مقبوحا ، أتؤذي حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ .

صححه الترمذي في بعض النسخ ، وفي بعض النسخ : هذا حديث حسن .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 11:08 PM

وقال الترمذي : حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا زياد بن الربيع : حدثنا خالد بن سلمة المخزومي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى قال : ما أشكل علينا - أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - حديث قط ، فسألنا عائشة ، إلا وجدنا عندها منه علما . هذا حديث حسن غريب .

عبد الرحمن بن المبارك : حدثنا زياد بن الربيع : حدثنا خالد بن أبي سلمة المخزومي ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، قال : ما أشكل علينا . . ، فذكره .

فأما زياد ، فثقة . وخالد - صوابه : ابن سلمة - احتج به مسلم .

بشر بن المفضل : حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن ابن أبي مليكة : أن ذكوان : أبا عمرو ، حدثه قال : جاء ابن عباس رضي الله عنهما - يستأذن على عائشة ، وهي في الموت . قال : فجئت وعند رأسها عبد الله ابن [ ص: 180 ] أخيها عبد الرحمن ، فقلت : هذا ابن عباس يستأذن . قالت : دعني من ابن عباس ، لا حاجة لي به ، ولا بتزكيته ، فقال عبد الله : يا أمه ، إن ابن عباس من صالحي بنيك ، يودعك ويسلم عليك .

قالت : فائذن له إن شئت . قال : فجاء ابن عباس ، فلما قعد ، قال : أبشري ، فوالله ما بينك وبين أن تفارقي كل نصب ، وتلقي محمدا صلى الله عليه وسلم والأحبة ، إلا أن تفارق روحك جسدك .

قالت : إيها ، يا ابن عباس ! قال : كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم . - يعني : إليه - ولم يكن يحب إلا طيبا ، سقطت قلادتك ليلة الأبواء ، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلقطها ، فأصبح الناس ليس معهم ماء ، فأنزل الله فتيمموا صعيدا طيبا فكان ذلك من سببك ، وما أنزل الله بهذه الأمة من الرخصة . ثم أنزل الله - تعالى - براءتك من فوق سبع سماوات ، فأصبح ليس مسجد من مساجد يذكر فيها الله إلا براءتك تتلى فيه آناء الليل والنهار . قالت : دعني عنك يا ابن عباس ، فوالله لوددت أني كنت نسيا منسيا .

يحيى القطان ، عن عمر بن سعيد ، عن ابن أبي مليكة : أن ابن عباس استأذن على عائشة ، وهي مغلوبة ، فقالت : أخشى أن يثني علي ، فقيل : ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن وجوه المسلمين . قالت : ائذنوا له ، فقال : كيف تجدينك ؟ فقالت : بخير إن اتقيت . قال : فأنت بخير إن شاء الله ، [ ص: 181 ] زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يتزوج بكرا غيرك ، ونزل عذرك من السماء .

فلما جاء ابن الزبير ، قالت له : جاء ابن عباس ، وأثنى علي ، ووددت أني كنت نسيا منسيا .

وقال القاسم بن محمد : اشتكت عائشة ، فجاء ابن عباس ، فقال : يا أم المؤمنين ، تقدمين على فرط صدق على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أبي بكر رضي الله عنه .

أخبرنا أبو محمد عبد الخالق بن علوان : أخبرنا ابن قدامة سنة إحدى عشرة وستمائة : أخبرنا محمد بن البطي : أخبرنا أحمد بن الحسن : أخبرنا أبو القاسم بن بشران : أخبرنا أبو الفضل بن خزيمة : حدثنا محمد بن أبي العوام : حدثنا موسى بن داود : حدثنا أبو مسعود الجرار ، عن علي بن الأقمر ، قال : كان مسروق إذا حدث عن عائشة ، قال : حدثتني الصديقة بنت الصديق ، حبيبة حبيب الله ، المبرأة من فوق سبع سماوات ، فلم أكذبها .

الأعمش : عن أبي الضحى ، عن مسروق ، قال : قلنا له : هل كانت [ ص: 182 ] عائشة تحسن الفرائض ؟ قال : والله ، لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض .

أنبأنا ابن قدامة ، وابن علان ، قالا : أخبرنا حنبل : أخبرنا ابن الحصين : أخبرنا ابن المذهب : أخبرنا أحمد بن جعفر : حدثنا عبد الله بن أحمد : حدثني أبي : حدثنا أبو معاوية عبد الله بن معاوية الزبيري ، قدم علينا مكة ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، قال : كان عروة يقول لعائشة : يا أمتاه ، لا أعجب من فقهك ؛ أقول : زوجة نبي الله ، وابنة أبي بكر . ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس ؛ أقول : ابنة أبي بكر ، وكان أعلم الناس . ولكن أعجب من علمك بالطب كيف هو ومن أين هو ، أو ما هو ! .

قال : فضربت على منكبه ، وقالت : أي عرية ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسقم عند آخر عمره - أو في آخر عمره - وكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه ، فتنعت له الأنعات ، وكنت أعالجها له ، فمن ثم .

قرأت على محمد بن قايماز : أخبركم محمد بن قوام : أخبرنا أبو سعيد الراراني أخبرنا أبو علي الحداد : أخبرنا أبو نعيم : أخبرنا عبد الله بن [ ص: 183 ] جعفر : أخبرنا أحمد بن الفرات ؛ أخبرنا أبو أسامة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه قال : ما رأيت أحدا أعلم بالطب من عائشة رضي الله عنها - ، فقلت : يا خالة ، ممن تعلمت الطب ؟ قالت : كنت أسمع الناس ينعت بعضهم لبعض ، فأحفظه .

سعيد بن سليمان ، عن أبي أسامة ، عن هشام ، عن أبيه ، قال : لقد صحبت عائشة ، فما رأيت أحدا قط كان أعلم بآية أنزلت ، ولا بفريضة ، ولا بسنة ، ولا بشعر ، ولا أروى له ، ولا بيوم من أيام العرب ، ولا بنسب ، ولا بكذا ، ولا بكذا ، ولا بقضاء ، ولا طب ، منها ، فقلت لها : يا خالة ، الطب ، من أين علمته ؟ فقالت : كنت أمرض فينعت لي الشيء ، ويمرض المريض فينعت له ، وأسمع الناس ينعت بعضهم لبعض ، فأحفظه .

قال عروة : فلقد ذهب عامة علمها ، لم أسأل عنه .

إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا عمر بن عثمان ، عن ابن شهاب : حدثنا القاسم بن محمد : أن معاوية دخل على عائشة ، فكلمها . قال : فلما قام معاوية ، اتكأ على يد مولاها ذكوان ، فقال : والله ، ما سمعت قط أبلغ من عائشة ، ليس رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن عثمان التيمي ، ليس بالثبت .

الزهري - من رواية معمر والأوزاعي عنه ، وهذا لفظ الأوزاعي عنه - قال : أخبرني عوف بن الطفيل بن الحارث الأزدي - وهو ابن أخي عائشة [ ص: 184 ] لأمها : أن عائشة بلغها أن عبد الله بن الزبير كان في دار لها باعتها ، فتسخط عبد الله بيع تلك الدار ، فقال : أما والله لتنتهين عائشة عن بيع رباعها ، أو لأحجرن عليها .

قالت عائشة : أو قال ذلك ؟ قالوا : قد كان ذلك . قالت : لله علي ألا أكلمه ، حتى يفرق بيني وبينه الموت .

فطالت هجرتها إياه ، فنقصه الله بذلك في أمره كله ، فاستشفع بكل أحد يرى أنه يثقل عليها ، فأبت أن تكلمه .

فلما طال ذلك ، كلم المسور بن مخرمة ، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث ، أن يشملاه بأرديتهما ثم يستأذنا ، فإذا أذنت لهما ، قالا : كلنا ؟ حتى يدخلاه على عائشة ، ففعلا ذلك ، فقالت : نعم كلكم ، فليدخل ، ولا تشعر ، فدخل معهما ابن الزبير ، فكشف الستر ، فاعتنقها ، وبكى ، وبكت عائشة بكاء كثيرا ، وناشدها ابن الزبير الله والرحم ، ونشدها مسور وعبد الرحمن بالله والرحم ، وذكرا لها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فلما أكثروا عليها ، كلمته ، بعدما خشي ألا تكلمه . ثم بعثت إلى اليمن بمال ، فابتيع لها أربعون رقبة ، فأعتقتها .

قال عوف : ثم سمعتها بعد تذكر نذرها ذلك ، فتبكي ، حتى تبل خمارها . [ ص: 185 ]

قال ابن المديني : كذا قال . والصواب عندي : عوف بن الحارث بن الطفيل بن سخبرة . وكذلك رواه صالح بن كيسان ، عن الزهري ، وتابعه معمر .

قال عطاء بن أبي رباح : كانت عائشة أفقه الناس ، وأحسن الناس رأيا في العامة .

وقال الزهري لو جمع علم عائشة إلى علم جميع النساء ، لكان علم عائشة أفضل .

قال حفص بن غياث : حدثنا إسماعيل ، عن أبي إسحاق ، قال : قال مسروق : لولا بعض الأمر ، لأقمت المناحة على أم المؤمنين ، يعني عائشة .

وعن عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : أما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 11:10 PM

القاسم بن عبد الواحد بن أيمن : حدثنا عمر بن عبد الله بن عروة ، عن جده عروة ، عن عائشة ، قالت : فخرت بمال أبي في الجاهلية - وكان ألف [ ص: 186 ] ألف أوقية - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا عائشة ، كنت لك كأبي زرع لأم زرع .

هكذا في هذه الرواية : ألف ألف أوقية . وإسنادها فيه لين ، وأعتقد لفظة : " ألف " - الواحدة ، باطلة - فإنه يكون : أربعين ألف درهم ، وفي ذلك مفخر لرجل تاجر ، وقد أنفق ماله في ذات الله .

ولما هاجر كان قد بقي معه ستة آلاف درهم ، فأخذها صحبته أما ألف ألف أوقية ، فلا تجتمع إلا لسلطان كبير .

قال الزهري ، عن القاسم بن محمد : إن معاوية لما حج ، قدم ، فدخل على عائشة ، فلم يشهد كلامها إلا ذكوان مولى عائشة ، فقالت لمعاوية : أمنت أن أخبأ لك رجلا يقتلك بأخي محمد ؟ قال : صدقت - وفي رواية أخرى : قال لها : ما كنت لتفعلي - ثم إنها وعظته ، وحضته على الاتباع .

وقال سعيد بن عبد العزيز التنوخي : قضى معاوية عن عائشة ثمانية عشر ألف دينار ، هذه رواية منقطعة . والصحيح رواية عروة بن الزبير : أن معاوية [ ص: 187 ] بعث مرة إلى عائشة بمائة ألف درهم ، فوالله ما أمست حتى فرقتها ، فقالت لها مولاتها : لو اشتريت لنا منها بدرهم لحما ؟ فقالت : ألا قلت لي .

يحيى بن أبي زائدة ، عن حجاج ، عن عطاء : أن معاوية بعث إلى عائشة بقلادة بمائة ألف ، فقسمتها بين أمهات المؤمنين .

الأعمش ، عن تميم بن سلمة ، عن عروة ، عن عائشة : أنها تصدقت بسبعين ألفا ؛ وإنها لترقع جانب درعها رضي الله عنها .

أبو معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن ابن المنكدر ، عن أم ذرة ، قالت : بعث ابن الزبير إلى عائشة بمال في غرارتين ، يكون مائة ألف ، فدعت بطبق ، فجعلت تقسم في الناس ، فلما أمست ، قالت : هاتي يا جارية فطوري ، فقالت أم ذرة : يا أم المؤمنين ، أما استطعت أن تشتري لنا لحما بدرهم ؟ قالت : لا تعنفيني ، لو أذكرتيني لفعلت .

مطرف بن طريف ، عن أبي إسحاق ، عن مصعب بن سعد ، قال : فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف ، عشرة آلاف ، وزاد عائشة ألفين ، وقال : إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

شعبة : أخبرنا عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه : أن عائشة كانت تصوم الدهر . [ ص: 188 ]

ابن جريج ، عن عطاء ، قال : كنت آتي عائشة أنا وعبيد بن عمير ، وهي مجاورة في جوف ثبير في قبة لها تركية عليها غشاؤها ، وقد رأيت عليها ، وأنا صبي ، درعا معصفرا .

وروى سليمان بن بلال ، عن عمرو بن أبي عمرو : سمع القاسم يقول : كانت عائشة تلبس الأحمرين : الذهب والمعصفر ، وهي محرمة .

وقال ابن أبي مليكة : رأيت عليها درعا مضرجا .

وقال معلى بن أسد : حدثنا المعلى بن زياد : ، قال : حدثتنا بكرة بنت عقبة : أنها دخلت على عائشة وهي جالسة في معصفرة ، فسألتها عن الحناء .

فقالت : شجرة طيبة ، وماء طهور ، وسألتها عن الحفاف ، فقالت لها : إن كان لك زوج ، فاستطعت أن تنزعي مقلتيك ، فتصنعينهما أحسن مما هما ، فافعلي . [ ص: 189 ] المعليان ، ثقتان .

وعن معاذة العدوية ، قالت : رأيت على عائشة ملحفة صفراء .

الواقدي : حدثنا ابن أبي الزناد ، عن هشام ، عن أبيه ، قال : ربما روت عائشة القصيدة ستين بيتا وأكثر .

مسعر ، عن حماد ، عن إبراهيم النخعي ، قال : قالت عائشة : يا ليتني كنت ورقة من هذه الشجرة ! .

ابن علية ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، قال : قالت عائشة : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي ، وفي يومي وليلتي ، وبين سحري ونحري . ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ، ومعه سواك رطب ، فنظر إليه ، حتى ظننت أنه يريده ، فأخذته ، فمضغته ونفضته وطيبته ، ثم دفعته إليه ، فاستن به كأحسن ما رأيته مستنا قط ؛ ثم ذهب يرفعه إلي ، فسقطت يده ، فأخذت أدعو له بدعاء كان يدعو به له جبريل ، وكان هو يدعو به إذا مرض ، فلم يدع به في مرضه ذاك ، فرفع بصره إلى السماء ، وقال : الرفيق الأعلى ، وفاضت نفسه ، فالحمد لله الذي جمع بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا . [ ص: 190 ]

هذا حديث صحيح .

عمر بن سعيد بن أبي حسين : حدثنا ابن أبي مليكة : حدثني أبو عمرو ذكوان مولى عائشة ، قال : قدم درج من العراق ، فيه جوهر إلى عمر ، فقال لأصحابه : تدرون ما ثمنه ؟ قالوا : لا . ولم يدروا كيف يقسمونه ، فقال : أتأذنون أن أرسل به إلى عائشة . لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها ؟ قالوا : نعم ، فبعث به إليها ، فقالت : ماذا فتح على ابن الخطاب بعد رسول الله ؟ اللهم ، لا تبقني لعطيته لقابل . هذا مرسل .

وأخرج الحاكم في " مستدركه " من طريق يحيى بن سعيد الأموي : حدثنا أبو العنبس سعيد بن كثير ، عن أبيه ، قال : حدثتنا عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة . قالت : فتكلمت أنا ، فقال : أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة . قلت : بلى والله ، قال : فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة .

إسماعيل بن أبي خالد : أخبرنا عبد الرحمن بن الضحاك : أن عبد الله بن صفوان أتى عائشة ، فقالت : لي خلال تسع ، لم تكن لأحد ، إلا ما آتى الله مريم - عليها السلام - . والله ما أقول هذا فخرا على صواحباتي . . [ ص: 191 ]

فقال ابن صفوان : وما هن ؟ قالت : جاء الملك بصورتي إلى رسول الله ، فتزوجني ؛ وتزوجني بكرا ؛ وكان يأتيه الوحي ، وأنا وهو في لحاف ؛ وكنت من أحب الناس إليه ؛ ونزل في آيات ، كادت الأمة تهلك فيها ؛ ورأيت جبريل ، ولم يره أحد من نسائه غيري ؛ وقبض في بيتي ، لم يله أحد - غير الملك - إلا أنا
صححه الحاكم .

العوام بن حوشب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : إن الذين يرمون المحصنات الآية قال : نزلت في عائشة خاصة .

علي بن عاصم - وفيه لين - : حدثنا خالد الحذاء ، عن ابن سيرين ، عن الأحنف ، قال : سمعت خطبة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي والخلفاء بعدهم ، فما سمعت الكلام من فم مخلوق أفخم ولا أحسن منه من في عائشة .

وقال موسى بن طلحة : ما رأيت أحدا أفصح من عائشة . وفي " المستدرك " بإسناد صالح ، عن أم سلمة : أنها لما سمعت الصرخة على عائشة ، قالت : والله لقد كانت أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أباها . . [ ص: 192 ]

قال ابن سعد : أخبرنا محمد بن عمر : حدثني ابن أبي سبرة ، عن عثمان بن أبي عتيق ، عن أبيه ، قال : رأيت ليلة ماتت عائشة حمل معها جريد بالخرق والزيت وأوقد ، ورأيت النساء بالبقيع ، كأنه عيد .

قال محمد بن عمر : حدثنا ابن جريج ، عن نافع ، قال : شهدت أبا هريرة صلى على عائشة بالبقيع ، وكان خليفة مروان على المدينة ، وقد اعتمر تلك الأيام .

قال عروة بن الزبير : دفنت عائشة ليلا .

قال هشام بن عروة ، وأحمد بن حنبل ، وشباب وغيرهم : توفيت سنة سبع وخمسين .

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى ، والواقدي ، وغيرهما : سنة ثمان وخمسين .

قال الواقدي : حدثنا ابن أبي سبرة ، عن موسى بن ميسرة عن سالم سبلان : أنها ماتت في الليلة السابعة عشرة من شهر رمضان بعد الوتر ، فأمرت أن تدفن من ليلتها ، فاجتمع الأنصار ، وحضروا ، فلم ير ليلة أكثر [ ص: 193 ] ناسا منها . نزل أهل العوالي ، فدفنت بالبقيع .

إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس ، قال : قالت عائشة - وكانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها ، فقالت : إني أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثا ، ادفنوني مع أزواجه ، فدفنت بالبقيع رضي الله عنها .

قلت : تعني بالحدث مسيرها يوم الجمل ، فإنها ندمت ندامة كلية ، وتابت من ذلك : على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة قاصدة للخير ، كما اجتهد طلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، وجماعة من الكبار رضي الله عن الجميع .

روى إسماعيل بن علية ، عن أبي سفيان بن العلاء المازني ، عن ابن أبي عتيق ، قال : قالت عائشة : إذا مر ابن عمر ، فأرونيه ، فلما مر بها ، قيل لها : هذا ابن عمر ، فقالت : يا أبا عبد الرحمن ، ما منعك أن تنهاني عن مسيري ؟ قال : رأيت رجلا قد غلب عليك - يعني ابن الزبير .

وقد قيل : إنها مدفونة بغربي جامع دمشق . وهذا غلط فاحش ، لم تقدم رضي الله عنها - إلى دمشق أصلا ، وإنما هي مدفونة بالبقيع .

ومدة عمرها : ثلاث وستون سنة وأشهر .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 11:18 PM

ذكر شيء من عالي حديثها :

أخبرنا أبو المعالي أحمد بن إسحاق الأبرقوهي غير مرة : أخبرنا محمد [ ص: 194 ] بن هبة الله بن أبي حامد الدينوري سنة عشرين وستمائة ببغداد : أخبرنا عمي أبو بكر محمد بن أبي حامد : سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، أخبرنا عاصم بن الحسن العاصمي : أخبرنا أبو عمر عبد الواحد بن محمد : حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي : حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى : حدثنا ابن عيينة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إلى مكة ، دخلها من أعلاها ، وخرج من أسفلها .

أخرجه الأئمة الستة سوى ابن ماجه ، عن ابن مثنى ، فوافقناهم بعلو ، ولله الحمد .

أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله في شعبان سنة اثنتين وتسعين وستمائة : أنبأنا عبد المعز بن محمد الهروي : أخبرنا تميم بن أبي سعد الجرجاني : أخبرنا أبو سعد الكنجروذي : أخبرنا أبو عمرو بن حمدان : أخبرنا أبو يعلى الموصلي : حدثنا محمد بن بكار : حدثنا أبو معشر ، عن سعيد ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عائشة ، لو شئت ، لسارت معي جبال الذهب ، جاءني ملك إن حجزته لتساوي الكعبة ، [ ص: 195 ] فقال : إن ربك يقرأ عليك السلام ، ويقول لك : إن شئت نبيا عبدا ، وإن شئت نبيا ملكا ؟ فنظرت إلى جبريل ، فأشار إلي : أن ضع نفسك ، فقلت : نبيا عبدا ، فكان صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئا ، يقول : آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد .

هذا حديث حسن غريب ، ولا يمكن أن يقع لنا حديث أم المؤمنين أقرب إسنادا من هذا .

قرأت على ابن عساكر ، عن أبي روح : أخبرنا تميم : حدثنا أبو سعد : أخبرنا ابن حمدان : أخبرنا أبو يعلى : حدثنا أبو معمر إسماعيل بن إبراهيم ، عن علي بن هاشم ، عن هشام بن عروة ، عن بكر بن وائل ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة قط ، ولا ضرب خادما له قط ، ولا ضرب بيده شيئا ، إلا أن يجاهد في سبيل الله . وما نيل منه شيء فانتقمه من صاحبه ، إلا أن تنتهك محارم الله ، فينتقم . [ ص: 196 ]

أخرجه النسائي ، عن أحمد بن علي القاضي ، عن أبي معمر ، فوقع لنا بدلا عاليا .

يحيى بن سعيد القطان : حدثنا أبو يونس ، حاتم بن أبي صغيرة عن ابن أبي مليكة ، عن عائشة بنت طلحة ، عن عائشة رضي الله عنها : أنها قتلت جانا ، فأتيت في منامها : والله لقد قتلت مسلما . قالت : لو كان مسلما لم يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

فقيل : أوكان يدخل عليك إلا وعليك ثيابك ، فأصبحت فزعة ، فأمرت باثني عشر ألف درهم ، فجعلتها في سبيل الله .

عفيف بن سالم ، عن عبد الله بن المؤمل ، عن عبد الله بن أبي مليكة ، عن عائشة بنت طلحة ، قالت : كان جان يطلع على عائشة ، فحرجت عليه مرة ، بعد مرة ، بعد مرة ، فأبى إلا أن يظهر ، فعدت عليه بحديدة ، فقتلته ، فأتيت في منامها ، فقيل لها : أقتلت فلانا ، وقد شهد بدرا ، وكان لا يطلع عليك ، لا حاسرا ولا متجردة ، إلا أنه كان يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذها ما تقدم وما تأخر ؛ فذكرت ذلك لأبيها ، فقال : تصدقي باثني عشر ألفا ديته . [ ص: 197 ]

رواه عبد الله بن أحمد بن حنبل ، عن عفيف ، وهو ثقة . وابن المؤمل ، فيه ضعف . والإسناد الأول أصح ، وما أعلم أحدا اليوم يقول بوجوب دية في مثل هذا .

قال أبو إسحاق ، عن مصعب بن سعد ، قال : فرض عمر لأمهات المؤمنين عشرة آلاف ، وزاد عائشة ألفين ، وقال : إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

عن الشعبي : أن عائشة قالت : رويت للبيد نحوا من ألف بيت ، وكان الشعبي يذكرها ، فيتعجب من فقهها وعلمها ، ثم يقول : ما ظنكم بأدب النبوة .

وعن الشعبي قال : قيل لعائشة : يا أم المؤمنين ، هذا القرآن تلقيته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك الحلال والحرام ؛ وهذا الشعر والنسب والأخبار سمعتها من أبيك وغيره ؛ فما بال الطب ؟ قالت : كانت الوفود تأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يزال الرجل يشكو علة ، فيسأله عن دوائها ، فيخبره بذلك ، فحفظت ما كان يصفه لهم وفهمته .

هشام بن عروة ، عن أبيه : أنها أنشدت بيت لبيد :
ذهب الذين يعاش في أكنافهم

وبقيت في خلف كجلد الأجرب
[ ص: 198 ]

فقالت : رحم الله لبيدا ، فكيف لو رأى زماننا هذا ! .

قال عروة : رحم الله أم المؤمنين ؟ فكيف لو أدركت زماننا هذا .

قال هشام : رحم الله أبي ، فكيف لو رأى زماننا هذا ! .

قال كاتبه : سمعناه مسلسلا بهذا القول بإسناد مقارب .

محمد بن وضاح : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا وكيع ، عن عصام بن قدامة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيتكن صاحبة الجمل الأدبب ، يقتل حولها قتلى كثير ، وتنجو بعدما كادت .

قال ابن عبد البر : هذا الحديث من أعلام النبوة ، وعصام ثقة .

وقال أبو حسان الزيادي ، عن أبي عاصم العباداني عن علي بن زيد ، قال : باعت عائشة دارا لها بمائة ألف ، ثم قسمت الثمن ، فبلغ ذلك ابن الزبير ؟ فقال : قسمت مائة ألف ! والله لتنتهين عن بيع رباعها ، أو لأحجرن عليها ، فقالت : أهو يحجر علي ؟ لله علي نذر إن كلمته أبدا .

فضاقت به الدنيا حتى كلمته ! فأعتقت مائة رقبة .

قلت : كانت أم المؤمنين من أكرم أهل زمانها ؛ ولها في السخاء أخبار ، وكان ابن الزبير بخلاف ذلك . . [ ص: 199 ]

حماد بن سلمة : حدثنا هشام بن عروة ، عن عوف بن الحارث ، عن رميثة ، عن أم سلمة ، قالت : كلمني صواحبي أن أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأمر الناس فيهدون له حيث كان ؛ فإن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة ؛ وإنا نحب الخير .

فقلت : يا رسول الله ، صواحبي كلمنني - وذكرت له - فسكت ، فلم يراجعني ، فكلمته فيما بعد مرتين أو ثلاثا ؛ كل ذلك يسكت ، ثم قال : لا تؤذيني في عائشة ، فإني والله ما نزل الوحي علي ، وأنا في ثوب امرأة من نسائي ، غير عائشة ، قلت : أعوذ بالله ، أن أسوءك في عائشة
.

أخرجه النسائي .

يحيى بن سعيد الأموي : حدثني أبو العنبس سعيد بن كثير ، عن أبيه ، قال : حدثتنا عائشة : رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر فاطمة ، فتكلمت أنا ، فقال : أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة ؟ قلت : بلى ، والله .

وقال الزهري : لو جمع علم الناس كلهم ، وأمهات المؤمنين ، لكانت عائشة أوسعهم علما .

ابن عيينة ، عن موسى الجهني ، عن أبي بكر بن حفص ، عن عائشة : أن أبويها قالا للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا نحب أن تدعو لعائشة ونحن نسمع ، فقال : اللهم اغفر لعائشة مغفرة واجبة ، ظاهرة باطنة فعجب أبواها لحسن دعائه [ ص: 200 ] لها ، فقال : أتعجبان ؟ هذه دعوتي لمن شهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله .

أخرجه الحاكم .

الأعمش ، عن أبي وائل ، عن مسروق : قالت لي عائشة : رأيتني على تل ، وحولي بقر تنحر . قلت : لئن صدقت رؤياك ، لتكونن حولك ملحمة قالت : أعوذ بالله من شرك ، بئس ما قلت ، فقلت لها : فلعله إن كان أمر . قالت : لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أفعل ذلك ، فلما كان بعد ، ذكر عندها : أن عليا - رضي الله عنه قتل ذا الثدية ، فقالت لي : إذا أنت قدمت الكوفة ، فاكتب لي ناسا ممن شهد ذلك ، فقدمت ، فوجدت الناس أشياعا ، فكتبت لها من كل شيعة عشرة ؛ فأتيتها بشهادتهم ، فقالت : لعن الله عمرا ، فإنه زعم أنه قتله بمصر .

قال الحاكم : هذا على شرط البخاري ومسلم .

روى مغيرة بن زياد ، عن عطاء ، قال : كانت عائشة أفقه الناس وأعلمهم ، وأحسن الناس رأيا في العامة .

قال البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل : حدثنا أبو عوانة ، عن حصين ، عن أبي وائل : حدثني مسروق : حدثتني أم رومان : قالت : بينا أنا قاعدة ، ولجت علي امرأة من الأنصار ، فقالت : فعل الله بفلان وفعل ! [ ص: 201 ] فقالت أم رومان : وما ذاك ؟ قالت : ابني فيمن حدث الحديث . قالت : وما ذاك ؟ قالت : كذا وكذا . قالت عائشة : سمع رسول الله ؟ قالت : نعم . قالت : وأبو بكر ؟ قالت : نعم ، فخرت مغشيا عليها ، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض ، فطرحت عليها ثيابها ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما شأن هذه ؟ قلت : يا رسول الله ، أخذتها الحمى بنافض . قال : فلعل في حديث تحدث به ؟ قلت : نعم .

فقعدت ، فقالت : والله ، لئن حلفت لا تصدقوني ، ولئن قلت لا تعذروني ؛ مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه : والله المستعان على ما تصفون .

قالت : وانصرف ، ولم يقل شيئا ، فأنزل الله عذرها . قالت : بحمد الله ، لا بحمد أحد ، ولا بحمدك صحيح غريب .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 11:21 PM

أم سلمة أم المؤمنين ( ع )

السيدة المحجبة ، الطاهرة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله [ ص: 202 ] بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة ، المخزومية ، بنت عم خالد بن الوليد ، سيف الله ؛ وبنت عم أبي جهل بن هشام .

من المهاجرات الأول . كانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أخيه من الرضاعة : أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي ، الرجل الصالح ، دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة أربع من الهجرة . وكانت من أجمل النساء وأشرفهن نسبا .

وكانت آخر من مات من أمهات المؤمنين . عمرت حتى بلغها مقتل الحسين ، الشهيد ، فوجمت لذلك ، وغشي عليها ، وحزنت عليه كثيرا . لم تلبث بعده إلا يسيرا ، وانتقلت إلى الله . ولها أولاد صحابيون : عمر ، وسلمة ، وزينب . ولها جملة أحاديث .

روى عنها : سعيد بن المسيب ، وشقيق بن سلمة ، والأسود بن يزيد ، والشعبي ، وأبو صالح السمان ومجاهد ، ونافع بن جبير بن مطعم ، ونافع مولاها ، ونافع مولى ابن عمر ، وعطاء بن أبي رباح ، وشهر بن حوشب ، وابن أبي مليكة ، وخلق كثير .

عاشت نحوا من تسعين سنة .

وأبوها : هو زاد الراكب أحد الأجواد - قيل : اسمه - حذيفة .

وقد وهم من سماها : رملة ؛ تلك أم حبيبة . [ ص: 203 ]

وكانت تعد من فقهاء الصحابيات .

الواقدي : حدثنا عمر بن عثمان ، عن عبد الملك بن عبيد ، عن سعيد بن يربوع ، عن عمر بن أبي سلمة ، قال : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي إلى أبي قطن في المحرم سنة أربع ، فغاب تسعا وعشرين ليلة ، ثم رجع في صفر ، وجرحه الذي أصابه يوم أحد منتقض ؛ فمات منه ، لثمان خلون من جمادى الآخرة . وحلت أمي في شوال ، وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم .

إلى أن قال : وتوفيت سنة تسع وخمسين في ذي القعدة
.

ابن سعد : أخبرنا أحمد بن إسحاق الحضرمي : حدثنا عبد الواحد بن زياد : حدثنا عاصم الأحول ، عن زياد بن أبي مريم : قالت أم سلمة لأبي سلمة : بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها ، وهو من أهل الجنة ، ثم لم تزوج ، إلا جمع الله بينهما في الجنة ، فتعال أعاهدك ألا تزوج بعدي ، ولا أتزوج بعدك . قال : أتطيعينني ؟ قالت : نعم . قال : إذا مت تزوجي . اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلا خيرا مني ، لا يحزنها ولا يؤذيها ، فلما مات ، قلت : من خير من أبي سلمة ؟ فما لبثت ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام على الباب فذكر الخطبة إلى ابن أخيها ، أو ابنها ، فقالت : أرد على رسول الله ، أو أتقدم عليه بعيالي . ثم جاء الغد فخطب .

عفان : حدثنا حماد : حدثنا ثابت : حدثني ابن عمر بن أبي سلمة ، [ ص: 204 ] عن أبيه : أن أم سلمة لما انقضت عدتها ، خطبها أبو بكر ، فردته ؛ ثم عمر ، فردته ، فبعث إليها رسول الله ، فقالت : مرحبا ، أخبر رسول الله أني غيرى ، وأني مصبية وليس أحد من أوليائي شاهدا .

فبعث إليها : أما قولك : إني مصبية ؛ فإن الله سيكفيك صبيانك . وأما قولك : إني غيرى ، فسأدعو الله أن يذهب غيرتك ، وأما الأولياء ؛ فليس أحد منهم إلا سيرضى بي .

قالت : يا عمر ، قم فزوج رسول الله .

وقال رسول الله : أما إني لا أنقصك مما أعطيت فلانة
. . . الحديث .

عبد الله بن نمير : حدثنا أبو حيان التيمي ، عن حبيب بن أبي ثابت ، قال : قالت أم سلمة : أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمني ، وبيننا حجاب ، فخطبني ، فقلت : وما تريد إلي ؟ ما أقول هذا إلا رغبة لك عن نفسي ؛ إني [ ص: 205 ] امرأة قد أدبر من سني ، وإني أم أيتام ، وأنا شديدة الغيرة ، وأنت يا رسول الله تجمع النساء .

قال : أما الغيرة ، فيذهبها الله . وأما السن ، فأنا أكبر منك . وأما أيتامك ؛ فعلى الله وعلى رسوله ، فأذنت ، فتزوجني
.

أبو نعيم : حدثنا عبد الواحد بن أيمن : حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أم سلمة ، فقالت : في خصال ثلاث : كبيرة ، ومطفل ، وغيور . . . الحديث .

وعن المطلب بن عبد الله بن حنطب ، قال : دخلت أيم العرب على سيد المسلمين أول العشاء عروسا ، وقامت آخر الليل تطحن - يعني : أم سلمة .

مالك ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، قال : لما بنى رسول الله بأم سلمة ، قال : ليس بك على أهلك هوان ، إن شئت سبعت لك ، وسبعت عندهن - يعني نساءه - وإن شئت ثلاثا ، ودرت ؟

قالت : ثلاثا .

روح بن عبادة : حدثنا ابن جريج : أخبرني حبيب بن أبي ثابت : أن عبد الحميد بن عبد الله ، والقاسم بن محمد ، حدثاه : أنهما سمعا أبا بكر [ ص: 206 ] بن عبد الرحمن يخبر : أن أم سلمة أخبرته : أنها لما قدمت المدينة أخبرتهم : أنها بنت أبي أمية ، فكذبوها ، حتى أنشأ ناس منهم الحج ، فقالوا : أتكتبين إلى أهلك ؟ فكتبت معهم ، فرجعوا ، فصدقوها ، وازدادت عليهم كرامة .

قالت : فلما وضعت زينب ، جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخطبني ، فقلت : ما مثلي ينكح .

قال : فتزوجها ، فجعل يأتيها ، فيقول : أين زناب ؟ حتى جاء عمار فاختلجها وقال : هذه تمنع رسول الله . وكانت ترضعها .

فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : أين زناب ؟ فقيل : أخذها عمار ، فقال : إني آتيكم الليلة .

قالت : فوضعت ثفالي وأخرجت حبات من شعير كانت في جرتي ، وأخرجت شحما ، فعصدته له ، ثم بات ، ثم أصبح ، فقال : إن بك على أهلك كرامة ، إن شئت ، سبعت لك ؟ وإن أسبع لك ، أسبع لنسائي .

قال مصعب الزبيري : هي أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة ؛ فشهد أبو سلمة بدرا ؛ وولدت له عمر ، وسلمة ، وزينب ، ودرة .

أبو أسامة ، عن الأعمش ، عن شقيق ، عن أم سلمة ، قالت : لما توفي أبو سلمة ، أتيت - النبي صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : كيف أقول ؟ قال : قولي : اللهم [ ص: 207 ] اغفر لنا وله ، وأعقبني منه عقبى صالحة ، فقلتها ، فأعقبني الله محمدا صلى الله عليه وسلم .

وروى مسلم في " صحيحه " أن عبد الله بن صفوان دخل على أم سلمة في خلافة يزيد .

وروى إسماعيل بن نشيط ، عن شهر ، قال : أتيت أم سلمة أعزيها بالحسين .

ومن فضل أمهات المؤمنين قوله تعالى : يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن إلى قوله : وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة [ ص: 208 ] فهذه آيات شريفة في زوجات نبينا صلى الله عليه وسلم .

قال زيد بن الحباب : حدثنا حسين بن واقد ، عن يزيد النحوي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت قال : نزلت في نساء - النبي صلى الله عليه وسلم . ثم قال عكرمة : من شاء باهلته ، أنها نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة .

إسحاق السلولي : حدثنا عيسى بن عبد الرحمن السلمي ، عن أبي إسحاق ، عن صلة ، عن حذيفة : أنه قال لامرأته : إن سرك أن تكوني زوجتي في الجنة ، فلا تزوجي بعدي ، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا ؛ فلذلك حرم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن ينكحن بعده ؛ لأنهن أزواجه في الجنة .

روى عطاء بن السائب ، عن محارب بن دثار : أن أم سلمة أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد ، أحد العشرة .

وهذا منقطع . وقد كان سعيد توفي قبلها بأعوام ، فلعلها أوصت في وقت ثم عوفيت ، وتقدمها هو .

وروي ، أن أبا هريرة صلى عليها . ولم يثبت ، وقد مات قبلها . [ ص: 209 ] ودفنت بالبقيع .

قال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر : أخبرنا ابن أبي الزناد : عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة ، حزنت حزنا شديدا ؛ لما ذكروا لنا من جمالها ، فتلطفت حتى رأيتها ، فرأيتها والله أضعاف ما وصفت لي في الحسن ؛ فذكرت ذلك لحفصة - وكانتا يدا واحدة - فقالت : لا والله ، إن هذه إلا الغيرة ما هي كما تقولين ، وإنها لجميلة ، فرأيتها بعد ، فكانت كما قالت حفصة ، ولكني كنت غيرى .

مسلم الزنجي ، عن موسى بن عقبة ، عن أمه ، عن أم كلثوم ، قالت : لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم سلمة ، قال لها : إني قد أهديت إلى النجاشي أواقي من مسك وحلة ، وإني أراه قد مات ، ولا أرى الهدية إلا سترد ، فإن ردت ، فهي لك . قالت : فكان كما قال ، فأعطى كل امرأة من نسائه أوقية ، وأعطى سائره أم سلمة والحلة .

القعنبي : حدثنا عبد الله بن جعفر الزهري ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن رسول الله أمر أم سلمة أن تصلي الصبح بمكة يوم النحر ، وكان يومها ، فأحب أن توافيه . [ ص: 210 ]

الواقدي ، عن ابن جريج ، عن نافع ، قال : صلى أبو هريرة على أم سلمة .

قلت : الواقدي ليس بمعتمد - والله أعلم - ولا سيما وقد خولف .

وفي " صحيح مسلم " : أن عبد الله بن صفوان دخل على أم سلمة في خلافة يزيد .

وبعضهم أرخ موتها في سنة تسع وخمسين فوهم أيضا ، والظاهر وفاتها في سنة إحدى وستين رضي الله عنها .

وقد تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم حين حلت في شوال سنة أربع .

ويبلغ مسندها ثلاثمائة وثمانية وسبعين حديثا .

واتفق البخاري ، ومسلم لها على ثلاثة عشر . وانفرد البخاري بثلاثة . ومسلم بثلاثة عشر .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 11:23 PM

[ ص: 211 ] زينب أم المؤمنين ( ع )

بنت جحش بن رياب ، وابنة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

أمها : أميمة بنت عبد المطلب بن هاشم . وهي أخت حمنة ، وأبي أحمد . من المهاجرات الأول .

كانت عند زيد ، مولى النبي صلى الله عليه وسلم . وهي التي يقول الله فيها : وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها .

فزوجها الله - تعالى - بنبيه بنص كتابه ، بلا ولي ولا شاهد ، فكانت تفخر بذلك على أمهات المؤمنين ، وتقول : زوجكن أهاليكن ، وزوجني الله من فوق عرشه . [ ص: 212 ]

وفي رواية البخاري : كانت تقول : إن الله أنكحني في السماء .

وكانت من سادة النساء ، دينا وورعا وجودا ومعروفا رضي الله عنها .

وحديثها في الكتب الستة .

روى عنها : ابن أخيها محمد بن عبد الله بن جحش ، وأم المؤمنين أم حبيبة ، وزينب بنت أبي سلمة ، وأرسل عنها القاسم بن محمد .

توفيت في سنة عشرين وصلى عليها عمر .

محمد بن عمرو : حدثنا يزيد بن خصيفة ، عن عبد الله بن رافع ، عن برزة بنت رافع ، قالت : أرسل عمر إلى زينب بعطائها ، فقالت : غفر الله لعمر ، غيري كان أقوى على قسم هذا . قالوا : كله لك . قالت : سبحان الله ! واستترت منه بثوب وقالت : صبوه واطرحوا عليه ثوبا ، وأخذت تفرقه في رحمها ، وأيتامها ؛ وأعطتني ما بقي ؛ فوجدناه خمسة وثمانين درهما ، ثم رفعت يدها إلى السماء فقالت : اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا .

أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : لما ماتت بنت جحش أمر عمر [ ص: 213 ] مناديا : ألا يخرج معها إلا ذو محرم ، فقالت بنت عميس : يا أمير المؤمنين ، ألا أريك شيئا رأيت الحبشة تصنعه بنسائهم ؟ فجعلت نعشا وغشته ثوبا ، فقال : ما أحسن هذا وأستره ! فأمر مناديا ، فنادى : أن اخرجوا على أمكم . رواه عارم : حدثنا حماد : حدثنا أيوب . وهي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : أسرعكن لحوقا بي : أطولكن يدا وإنما عنى طول يدها بالمعروف .

قالت عائشة : فكن يتطاولن أيتهن أطول يدا . وكانت زينب تعمل وتتصدق . والحديث مخرج في مسلم .

وروي عن عائشة قالت : كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ما رأيت امرأة خيرا في الدين من زينب ، أتقى لله ، [ ص: 214 ] وأصدق حديثا ، وأوصل للرحم ، وأعظم صدقة . رضي الله عنها .

وعن عمر : أنه قسم لأمهات المؤمنين في العام اثني عشر ألف درهم لكل واحدة ؛ إلا جويرية ، وصفية ، فقرر لكل واحدة نصف ذلك . قاله الزهري .

ابن جريج ، عن عطاء ، سمع عبيد بن عمير يقول : سمعت عائشة تزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش ، ويشرب عندها عسلا ، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا ما دخل عليها ، فلتقل : إني أجد منك ريح مغافير ! أكلت مغافير ! فدخل على إحداهما ، فقالت له ذلك . قال : بل شربت عسلا عند زينب ، ولن أعود له ، فنزل : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله : إن تتوبا - يعني : حفصة ، وعائشة . وإذ أسر النبي قوله : بل شربت عسلا . [ ص: 215 ]

وعن الأعرج ، قال : أطعم رسول الله زينب بنت جحش بخيبر مائة وسق .

ويروى عن عمرة ، عن عائشة ، قالت : يرحم الله زينب ، لقد نالت في الدنيا الشرف الذي لا يبلغه شرف ، إن الله زوجها ، ونطق به القرآن . وإن رسول الله قال لنا : أسرعكن بي لحوقا أطولكن باعا فبشرها بسرعة لحوقها به ، وهي زوجته في الجنة .

قلت : وأختها هي حمنة بنت جحش ، التي نالت من عائشة في قصة الإفك ، فطفقت تحامي عن أختها زينب . وأما زينب ، فعصمها الله بورعها .

وكانت حمنة زوجة عبد الرحمن بن عوف ، ولها هجرة . [ ص: 216 ]

وقيل : بل كانت تحت مصعب بن عمير ؛ فقتل عنها ، فتزوجها طلحة ، فولدت له محمدا ، وعمران .

وهي التي كانت تستحاض وكانت أختها أم حبيبة تستحاض أيضا . وأمهن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم : أميمة . قال السهيلي فيها : أم حبيب ، والأول أكثر ، وقال شيخنا الدمياطي ، أم حبيب ، واسمها : حبيبة .

وأما ابن عساكر ، فعنده : أن أم حبيبة ، هي حمنة المستحاضة .

وقال ابن عبد البر : بنات جحش : زينب ، وحمنة ، وأم حبيبة ، كن يستحضن .

وقال السهيلي : كانت حمنة تحت مصعب ؛ وكانت أم حبيب تحت عبد الرحمن بن عوف . وفي " الموطأ " وهم ، وهو أن زينب كانت تحت عبد الرحمن ، فقيل : هما زينبان .

إسماعيل بن أبي أويس : حدثني أبي ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة : قال النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه : يتبعني أطولكن يدا ، فكنا إذا اجتمعنا بعده نمد أيدينا في الجدار ، نتطاول ؛ فلم نزل نفعله حتى توفيت زينب ، وكانت امرأة قصيرة ، لم تكن - رحمها الله - أطولنا ؛ فعرفنا أنما أراد الصدقة . [ ص: 217 ]

وكانت صناع اليد ، فكانت تدبغ ، وتخرز ، وتصدق .

الواقدي : أخبرنا عبد الله بن عمر ، عن يحيى بن سعيد ، عن القاسم : قالت زينب بنت جحش حين حضرتها الوفاة : إني قد أعددت كفني ؛ فإن بعث لي عمر بكفن ، فتصدقوا بأحدهما ؛ وإن استطعتم إذ أدليتموني أن تصدقوا بحقوتي ، فافعلوا .

وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج بزينب في ذي القعدة سنة خمس ، وهي يومئذ بنت خمس وعشرين سنة . وكانت صالحة ، صوامة ، قوامة ، بارة ، ويقال لها : أم المساكين .

سليمان بن المغيرة ، عن ثابت ، عن أنس : أن رسول الله قال لزيد : اذكرها علي . قال : فانطلقت ، فقلت لها : يا زينب ، أبشري ، فإن رسول الله أرسل يذكرك . قالت : ما أنا بصانعة شيئا حتى أؤامر ربي ، فقامت إلى مسجدها ، ونزل القرآن ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل عليها بغير إذن .

عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر ، عن عبد الله بن شداد أن رسول الله قال لعمر : إن زينب بنت جحش أواهة . قيل : يا رسول الله ، ما الأواهة ؟ قال : الخاشعة ، المتضرعة ؛ و إن إبراهيم لحليم أواه منيب [ ص: 218 ] ولزينب أحد عشر حديثا ، اتفقا لها على حديثين . وعن عثمان بن عبد الله الجحشي ، قال : باعوا منزل زينب بنت جحش من الوليد بخمسين ألف درهم ، حين هدم المسجد .

أرب جمـال 8 - 2 - 2010 11:24 PM

زينب أم المؤمنين

بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله الهلالية .

فتدعى أيضا : أم المساكين لكثرة معروفها أيضا .

قتل زوجها عبد الله بن جحش يوم أحد ، فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ولكن لم تمكث عنده إلا شهرين ، أو أكثر ، وتوفيت رضي الله عنها .

وقيل : كانت أولا عند الطفيل بن الحارث . وما روت شيئا .

وقال النسابة علي بن عبد العزيز الجرجاني : كانت عند الطفيل ، ثم خلف عليها أخوه الشهيد : عبيدة بن الحارث المطلبي .

وهي أخت أم المؤمنين ميمونة لأمها .


الساعة الآن 05:54 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى