![]() |
قال تعالى (ويؤت كل ذي فضل فضله)المذنب يستغفر الله ويتوب إليه حتى يعفو عنه يبعد عن الذنب ومن المنطق البشري أن يقال: أعفو عنكم وأسامحكم لكنه تعالى أعطانا نتيجة أخرى: ( وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى 3 هود)
باركك الله اختي الفاضلة |
التوبة والاستغفار 81 تقديم علاء بسيوني (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) ق) سؤال من المقدم: بعض الناس يقول أننا نتكلم عن الموت وشدة الحساب والموقف المهول فأين التيسير والبشارة؟ فكيف نرد على هؤلاء؟ د. هداية: فعلاً هناك ناس تقول هذا الكلام وناس تفهم أنه يجب أن نتدبر ونعتبر من الآيات فآيات الحساب والجزاء ويوم الدين هذه ليست قصة وكذلك الآيات التي تتكلم عن الأمم السابقة هي للعبرة (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ (3) يوسف) القصة تروى لأجل الأبناء والآباء والحسد والغل فنخرج مثلاً من قصة يوسف بعبر كثيرة جداً ونخرج من قصة لوط بعبر كثيرة جداً فكل هذه الآيات لم يذكرها القرآن على سبيل التسلية وإنما هي للإتعاظ والاعتبار. ذُكرت ليقف الإنسان مع نفسه في مسألة من أهم مسائل العقيدة من أهم مسائل الشريعة الدين الإسلامي دين مبني على العقيدة والشريعة وقد ذكرنا أن العقيدة في الدروس الدينية الآن وفي أحاديث الدعاة أصبحت تخلو أو تكاد تخلو من العقيدة إلا الذي يتكلم في شق من هذا الموضوع، فأين الدروس المبنية على الاعتقاد وأنا أكرر أن أسئلة القبر توضح هذه المسألة في أنها كلها مبنية على اعتقادك وذكرنا في حلقة سابقة ما هو اعتقادك في هذا الرب؟ وفي هذا الدين. وفي هذا الرسول الذي بعث في زمنك؟ خطأ أن يقال أن من أسئلة القبر ما قولك في محمد؟ لأنه ليس كل الذين ماتوا يعرفون محمداً أو من أمته فهناك من مات في عهد موسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء لذلك صيانة للاحتمال السؤال الذي ورد في الحديث الصحيح هو: ما قولك في هذا الرجل؟ والعجيب أننا لما عملنا بحث حتى نعرف مدى فهم الناس لهذه الأسئلة فكثيرون أجابوا هو محمد لكن السؤال لا يسأل عن إسم الرجل وهناك فرق بين أن أسألك ما قولك في هذا الرجل؟ أو أسألك ما اسمه؟ نحن نسأل سؤالاً ما قيمة الإسم؟ السؤال يقول: ما قولك في هذا الرجل؟ يعني يريد أن يلفت نظرك وأنت في قبرك ماذا كان اعتقادك في هذا الرجل بعد أن قال عنه بعض الناس أنه ساحر أو أنه شاعر أو مجنون أو كذاب أو مسحور، أنت ما هو قولك لذا الإجابة الصحيحة على هذا السؤال: هو رسول الله حقاً لا هو شاعر ولا ساحر ولا مجنون ولا كذاب ولا مسحور بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة. المقدم: الرسول r كان يفعل هذا في خواتيم خطبه دائماً. د. هداية: أؤكد لك هذه المسألة في الحديث في خطبة الوداع: "تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله" لم يقل "وسنتي" ثم قال r: وأنت تُسألون عني فماذا أنتم قائلون (هذه مقابل السؤال في القبر: ما قولك في هذا الرجل؟) لأن الصحابة كانوا يفهمون ماذا يقصد رسول الله r أجابوا مباشرة: نشهد أنك قد أدّيت وبلّغت ونصحت فقال r اللهم "اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد" يعني اللهم اشهد على كلامهم. ما يعني الرسول r أن تشهد أنت له أنه بلّغ؟ المفروض أن أشهد أنا الذي لم أعاصر الرسول ولم أره r بذلك لأن الدين الحق قد وصلني. الرسول r يقول: فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد، يعني فهموا أنه سؤال شهادة ليس سؤال معلومة. هذه الإجابة تنقسم إلى قسمين قسم في كتاب محمد r وقسم في كتابي، القسم الذي في كتاب محمد r أني شهدت أنه بلّغ هذه تكتب لرسول الله r والقسم الذي في كتابي لا يكتب إلا إذا عملت بما بلّغ به رسول الله r وهذه قيمة السؤال الرابع في القبر (ما عملك)؟ الذي جاء بعد سؤال ما قولك في هذ الرجل؟ لأن عملك جاء مما أتى به r. لذا يجب أن نفهم أننا لما نقول في الدنيا نشهد أن الرسول r قد بلّغ الرسالة فماذا عملنا نحن؟ يجب أن ننتبه أن لا تكون الشهادة مجرد قول منفك ومنفصل عن العمل وإلا تكتب شهادتك لرسول الله rوتأتي وبالاً عليك أنت فتكون تشهد على نفسد ضد نفسك. إذن هذه الشهادة ستنقسم إلى قسمين شهادة للرسول rوهذه إيجابية والله تعالى في غنى عن هذه الشهادة ولكنه إنصاف لهذا الرجل بما قدّم والشهادة الثانية إما أن تكون لك أو تكون عليك فهنيئاً لو كانت لك لأنها تعني أنك أخذت المنهج وطبقته وعندها ستجيب على السؤال الرابع من أسئلة القبر. وفي الحديث الصحيح أن السؤال الرابع في القبر لن يُسأل إلا إذا أجبت على الأسئلة الثلاثة السابقين. الرجل الكافر أو المشرك أو المنافق لا داعي لوزن أعماله لأن مطلع كتابه أنه كفر بالله وأشرك بالله، الميزان لا يعود له داعي في هذه الحالة فالذي أشرك أو كفر خفّ ميزانه دون أن يزن لما يقول تعالى (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) القارعة) هذا وزن (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) القارعة) هذا لم يزن ولا يحتاج أن يزن إلا إذا كانت الآية للمسلمين الذين شهدوا أن لا إله إلا الله هذا توزن أعماله فإن خفت فهو يرجو رحمة الله أو مغفرته. لهذا شهادتك إما أن تكون لك أو تكون عليك لذلك الذي لم يعرف أن يجيب الله ربي والإسلام ديني (والإسلام هنا ليس ديانة محمد وإنما هو الشرع العام لكل الديانان بما فيها ديانة محمد r) عندما نقول الإسلام ديني لا نقصد الديانة وإنما نقصد الشرع يعني سيقولها اليهودي الذي آمن بموسى uمن بعثته إلى ما قبل بعثة عيسى u وسيقولها النصراني من بعثة عيسى u إلى ما قبل بعثة الرسول r ويقولها الذي جاء عليه محمد r إلى قيام الساعة وهذا ينطبق على كل الأنبياء والرسل (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران) الإسلام يعني الشرع العام التسليم لله، أسلمت يعني أنت تعفر أن الله ربي وأن ديني الإسلام. المقدم: غير المسلمين لم يدرسوا القرآن بدقة ولكن المسلمين هذا كتابهم الذي يحكي في أكثر من مرة عن الأنبياء السابقين ويقول على لسان الأتباع (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) آل عمران) قالها أتباع عيسى من النصارى فالمفروض أنه مسلم الدين نصراني الديانة وقالها أتباع الأنبياء من عهد آدم إلى قيام الساعة فلماذا لا يفهم المسلمون أن الإسلام هو التسليم لله؟ د. هداية: ننظر إلى حال المسلمين الذين هم أصحاب القرآن الآية تقول (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) الأعراف) هذا قرآن، أسأل سؤالاً: (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) هل هي لأنكم استمعتم؟ أو لأنكم أنصتم؟ ما دلالة أنصتوا بعد استمعوا؟ يعني أن معنى كل كلمة مختلف عن الأخرى. هذا تكليف (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أنصتوا يعني اعملوا. عندما يقول لك أحدهم أمراً فيه تكليف وأنت لا تريد أن تفعله تستمع فقط لكن لو أردت أن تنفذ الأمر وسيترتب على هذا العمل جزاء أو عقاب تقول للقائل أعد عليّ مرة ثانية ما قلت وأنت تسمعه يكون هناك سمع وإنصات ولازم معنى الإنصات العمل لأنك لو لم ترد أن تعمل لن تعطي القائل الاهتمام الذي يترتب عليه العمل. في ندوة ما هناك مائة شخص 20 مثلاً يسمعوا لمجرد السماع 40 يسمعوا وينصتوا ويعملوا والباقي يسمع وينصت ويعمل ويزيد على الذي ذكرناه وكأن هذا الأمر بداية له لكنه سيزود. عندما يقول تعالى (فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ) إضافة الكلمة التي قد تتضمن نفس المعنى من وجهة نظر العامة تكون على سبيل لازم المعنى، أنصتوا تأتي بلازم معناها. ألفت نظر الناس (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (لعل) في كلامنا نحن تفيد التمني لكن لما يقلها المولى عز وجل لا تفيد التمني لأن التمني يفيد الجهالة والجهالة تستحيل على الإله الحق فلما يقول (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) يعني غايتي من هذا التوجيه أنكم ترحمون، هل سأُرحم إذا سمعت أو إذا أنصت أو إذا عملت؟ نذهب للبيوت المصرية المسلمة الآن تسمع أحدهم يقول ابنتي تتعب وهي تصلي فيقول أحد الجالسين شغّل إذاعة القرآن الكريم في غرفتها وآخر يقول وأنت خارج من البيت اترك إذاعة القرآن الكريم مفتوحة في المنزل للبركة لكن القرآن ليس للبركة وإنما (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ) إذن لو كنت ستستمع وتنصت شغّل القرآن لكن إذا كنت لن تستمع ولن تنصت فلا تشغّله فالقرآن تحول لدينا إلى تمائم وبركة ولا يعلم هؤلاء أنه عندما يشغل القرآن في البيت ويخرج هو يستدعي الجن لأن الجن يسمع وإما يؤمن وإما يكفر. أنت حتى لو كنت في البيت ولن تنصت له فلا تشغّله. الآية واضحة (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ) يجب أن يتحقق لازم معنى الإنصات للقرآن حتى نُرحم لكن هذا لا يحصل وإنما نجد من يشغل القرآن في السيارة للبركة أو في البيت أو لا نستمع له ولا ننصت ولا نطبق فالحالة التي وصلنا لها أننا نسمع الآية وقلوبنا غافلة. المقدم: في المآتم والأماكن العامة أن الشيخ الذي صوته جميل ويجوّد تجد من يصرخ الله يا سيدنا الشيخ، أعد الآية. د. هداية: بعض القراء يقرأ قوله تعالى (فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) النازعات) وينغّم كلمة مأوى فالناس تقول الله! هل يمكن أن يقول الله على من ذاهب إلى النار؟! الشيخ وهو ذاهب للمأتم يعطي مالاً لمهندس الصوت حتى يعطي صدى في الصوت كأنه ذاهب للغناء. ثم يقرأ القرآن بالقراءات التي لا يفهمها ويقرأ خطأ والناس تقول الله! هناك قرآن قُرئ لكن لا يتحقق من الآية شيء فالتوجيهات الإلهية تقول (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ) يعني حتى لو سمعت القرآن على مدار نصف ساعة أو ساعة يجب أن تخرج منها بعمل ما حتى لو كان عملاً واحداً حتى تتحقق الآية (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). البعض من القراء ينتقل من قراءة حفص إلى ورش إلى نافع وكأن الناس تحضر حفلة غنائية لا تلاوة للقرآن الكريم! د. هداية: يجب أن يعلم الناس أن هذا العزاء الذي في المآتم ليس من السنة النبوية وإنما هو بدعة يأثم صاحبها على الأقل. ما هو منهجنا ومن أين جئنا به؟ (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) التكوير) القرآن عبارة عن ذكر للعالمين، ما معنى ذكر؟ هل هو ذكر يُتلى، البعض يقرأون القرآن ليجمعوا حسنات قراءة الحرف بناء على الحديث" لا أقول ألم حرف وإنما ألف حرف ولام حرف وميم حرف" يريدون ثواب القرآءة لكن أين ثواب العبادة وتناول المنهج؟ في سورة ق التي معنا تضع لنا بعض الحقائق وتصور حياة الإنسان كلها بين آية وأخرى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) ق) ثم (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) ق) (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) ق) مراحل سريعة كأنه من خلقك لموتك آية ومن موتك لبعثك آية ومن الميلاد إلى البعث للحساب آيتين أو ثلاثة فكأنه يريد أن يقول لنا أن الحياة قصيرة. في سورة الفجر لما قال (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)) قالها لأنه عرف أن الحياة الآتية هي الحياة الأبدية والتي فاتت هي فانية زائلة مؤقتة. لو شرحنا سورة ق هذه الحلقة والحلقة القادمة سيتغير منهج عملنا تماماً على مراد الله تبارك وتعالى. وسنشرح نقطة في منتهى الخطورة في مبدأ العقيدة. (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)) ما هي الوسوسة؟ الوسوسة في بعض الكتب هي الصوت الخفي، لكن كلمة خفي لا تعني صوتاً الصوت لا يمكن أن يكون خفياً وإنما قد يكون خافتاً, الوسوسة أضيفت للنفس فلما نعرفها تعريفاً صحيحاً - هي جاءت من صوت الحلي الذهب التي تلبسها النساء – الآية ذكرت (وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) أنت لو كنت بجانبي سأسمعك لكن لو نفسك حدّثتك لا يمكن لي أن أسمعك إذن يمكن أن نقول أن الوسوسة هو حديث النفس الذي لا يسمعه إلا الشخص ويعلمه الله تبارك وتعالى من قبل أن يوسوس. سنمشي في الآيات ونعرف أن الملائكة ستسجل علينا أعمالنا هذه الأعمال يتقلص عند قيام فلان بظاهر العمل فقط (فلان صلّى، فلان لم يصلي) لكن نية الشخص في العمل هذه ليست وظيفة الملك. مسألة (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر) كأن كتاب أعمالك (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) يحتاج لشيء معه (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) العاديات) قبل أن تقرأ تحتاج لـ (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ) لأن الملك كتب فقط أن فلان صلى فيقول له المولى نفاقاً أو صحيحاً فهذا علم المولى سبحانه وتعالى وصدق (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) من حبل الوريد يعني من حبل هو الوردي والوريد هو الشريان الذي يأخذ الدم من القلب إلى الجسم لازم معنى الوريد أن هذا الشريان هو الذي يعطي الجسم قوام الحياة يعني المولى تعالى أقرب إلينا من روحنا التي بين جنبينا يعني المولى تعالى أقرب من قوام حياتي التي تعطي النفس الوسوسة فالله تعالى يعلم الوسوسة من قبل أن تحصل. (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)) بعض المفسرين قالوا أن هذا العلم متعلق بـ (إذ يتلقى) وكأن علم الله يقف عند كتابة الملك وهذا كلام فارغ لأن علم الله أزلي أبدي " علم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون". (إذ) ظرف يتعلق بالجُمل لكن جملة يتلقى هذه مسألة تسير مع علم الملك لأن الملك لا يعرف إلا بعد أن تعمل (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) الانفطار) علم الملك يعرف متى تصلي عندما تصلي لكن المولى تعالى عالم وعافر أنك فلان لن يصلي العشاء الليلة مثلاً. البعض قال أن التلقي تشمل الحسنات لكنها (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ) مثلاً أنا أصلي كل يوم لكن سيحصل عندي طارئ فلا أصلي العشاء الليلة مثلاً فالملك يتفاجأ أني لم أصلي لكن المولى عز وجل يعلم من قبل أو أولد أنني في هذه الليلة لن أصلي. المقدم: ربنا يخاطب الملائكة بحديث: إذا همّ عبدي بحسنة وإذا همّ عبدي بسيئة " فكيف عرف الملك بنيّتي إن كنت سأهمّ بحسنة أو بسيئة؟ وكيف ستسجل هذا الأمر؟ د. هداية: الوسوسة هي حديث النفس الذي أضيف علمه قصراً على الله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)) يعني علم الملكين متوقف على عملك لكن علم الله تبارك وتعالى من حيث الوسوسة. الحديث يقول" إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها" هم يعرفونها عندما نعملها لكن ساعة همّ الإنسان الذي يأمر بالكتابة هو الله تعالى لأنه يعلم بالوسوسة. يعني لو وسوست لي نفسي أخذ رشوة ثم راجعت نفسي وقلا لن أطعم ولدي مالاً حراماً سأرجع عن هذا الأمر إذن هممت بسيئة لكن لم أعملها فالله تعالى يقول للملك اكتبها حسنة لأن الوسوسة يعلمها إلا الله تبارك وتعالى فالذي يأمر بكتابة الحسنة ساعة تنويها هو الله تعالى والذي يأمر بكتابة الحسنة بعد عودتك عن سيئة بالوسوسة هو الله تبارك وتعالى أما الملك فيعرف عندما تعمل فقط لذلك عندنا الآية (يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) وفي سورة ثانية (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) العاديات) الكتاب مكتوب فيه مجرد العمل أما النية التي تفيد التي تفيد أن هذا العمل مقبول أو غير مقبول هذا من حُصل ما في الصدور. التوقيع القرآني لهذه الآية والتي بعدها، في علم الله قال (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)) فهو يريد أن يقول أن علم الله ليس فقط عندما تفكر وإنما تفكيرك جاء نتيجة القلب أو العقل الله تعالى يعلم وأقرب لك من الدم الذي يعطيك قوام الحياة هذا العلم المطلق والتي بعدها (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)) كلمة يتلقى يعني الملك جهاز تسجيل ليس له علاقة بملاحظته لك وليس له رأي شخصي هما متلقيان وليسا كاتبان فقط. الآية قالت متلقيان لأن غيرها قالت (كِرَامًا كَاتِبِينَ (11)) وهنا قال (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) ق) حتى لا تفهم أن رقيب جاءت من المراقبة التي هي الملاحظة وإنما رقيب جاءت من فعيل التي تعني أنه دقيق جداً في التلقي لا في المراقبة. ممكن تقول لفلان راقب هذا الشخص فيقول لك خرج الساعة كذا ورجع الساعة كذا ويبدو عليه أنه غضبان ويبدو عليه أنه فرحان هذه ملاحظات المراقب لكن الملك لا يقول ملاحظاته علينا وإنما يتلقى ما يفعله فلان من فلان (يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ) كأنه لا يراقب وإنما كأنه جهاز تسجيل فلو اعترض المراقَب يقال له هذا تسجيل كلامك يسجل لك ما تفعله فعلاً وهذا الجهاز ليس لديه ملاحظات فعندما يعترض المراقَب ويسمع الجهاز يسكت. لذلك عندما يكون هناك مراقبة لأحد يكون هناك مرحلة أخرى وهي مرحلة تفريغ الشرائط وتحليلها لأن هناك تحليل نفسي وسيكولوجي لأن الداتا المجردة مجرد وجودها ليست نهاية المطاف ولكنها دلالة على أشياء الذي يفهم يحلل هذه حصل ما في الصدور لكن في الدنيا البشر لا يمكن أن يعملوها لأن علمهم قاصر فمهما كان المحلل النفسي شاطر لكنه قد يخطئ وقد يدخل هواه في الأمر لذا قال (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ) البعض قال (إذ) هذه تتعلق بعلم الله وهذه خطأ لأن علم الله مطلق فهو يعلم ماذا سأفعل غداً المتلقي يعرفها غداً لكن المولى يعرفها مت قبل خلقي. إذن (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17)) لم يقل قعيدان، التوصيف اللغوي إذ يتلقى عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد لم يقل قعيدان لأن الأولى الفعل يحتاج لفاعل والفاعل الأول إثنان والفاعل الثاني الإثنان يغنيان عن أن أسمي ثانية، لم يقل قعيدان لأنهما لما يتلقوا هما يتلقيان لأن أحدهما يتلقى حسنات والآخر سيئات فالفعل في التلقي يختلف بحسب نوع الفعل إما يكون حسنة أو سيئة فكان يجب أن أثنّي إنما حالة الملكين حالة واحدة فيُفرد (قعيد) حتى نفهم أن هذا قعيد وهذا قعيد فلا نحتاج للتثنية، هذا مثل هذا في القعاد لكن هذا ليس كهذا في التلقي لأن أحدهما سيتلقى حسنات والآخر سيئات لكن حالتهم في مراقبتهم لي واحدة (رَقِيبٌ عَتِيدٌ). المقدم: منطق البشر يسأل سؤالاً ربنا سبحانه وتعالى لا يعوزه شيء فلماذا كلّف ملكين أحدهما يكتب الحسنات والآخر يكتب السيئات؟ ما الحكمة في تخصيص ملك للحسنات وآخر للسيئات؟ د. هداية: نضيف لهذا السؤال لماذا ملك؟ ولماذا ملك هنا وملك هنا؟ ملك هنا وملك هنا ليتفرغ هذا للحسنات وهذا للسيئات فتكون (رَقِيبٌ عَتِيدٌ) صح لأن كلمة عتيد لا تعني جسيم هنا وإنما عتيد من مُعدّ فلما تعدّ أحدهم لحالتين لا تكون درجة تركيزه كما لو أنك تعده لحالة واحدة. لكن السؤال لماذا ملك؟ إرجع لأول خلق آدم (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (30) البقرة) إني أعلم ما لا تعلمون وساشهدكم على هذا، سأجعلكم أنتم الذين تسجلون، صحيح هناك سيئات ولكن هناك حسنات أيضاً وهذه التي قالها المولى عز وجل (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) حكمته تعالى لا تناقش ولا يُسأل عنا يفعل لكن الجنس الذي اعترض على آدم وذريته تنصرف إرادة الله تعالى بحكمته أنهم هم الذين يسجلون الحسنات كما يسجلوا السيئات. سؤال الملائكة في الآية 30 من سورة البقرة التفسير الذي يشفي الغليل هو أن نأخذ كل التفاسير التي وردت فقد يكون سؤال الملائكة من باب الإستقراء لأن الملائكة لا تعلم الغيب، الإستقراء يعني إذا كان هناك خبير في مسألة معينة يطلب منه دراسة حالة معينة ويعطينا رأيه بما هو متوقع بالخبرة التي لديه في مجاله ويعطينا المحتمل حدوثه وقد يعطيك سيناريوهات بديلة. هذا ليس عيباً في الملائكة وإنما رتبوا بخبرتهم السابقة في أهل الأرض أنهم يفسدوا، هذا علمهم عن أهل الأرض والمولى تعالى لما قال (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) استقراء الملائكة قد يكون خطأ وقد يكون صواباً لكن علم المولى تعالى فهو صانع العمل بعلمه. كلمة (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِينٍ (71) ص) قد تكون هي التي أعطت الملائكة هذه الفكرة وهم مخلوقين من نور، هذا استقراء وقلنا الاستقراء إما أن يكون صواباً وإما يكون خطأ. كان يمكن للمولى تعالى أن يقول للملائكة لا تناقشوا الموضوع ولكن نأخذ من هذه الآية أنه تعالى سمح لهم بالمناقشة لكن حذرهم من أن يساووا علمهم بعلم الله تعالى. هناك أنواع من الملائكة وأختار منهم بعضهم (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ) بدأ باليمين الذي يمثل الحسنات ولذلك الله تعالى يباهي ببعض خلقه الملائكة. بُثّت الحلقة بتاريخ 8/7/2008م |
التوبة والاستغفار 82 تقديم علاء بسيوني سؤال: (تحيد) أول وقع للكلمة أن الذي تريد أن تهرب منه فهل الإنسان بمنتهى غروره وجهله وعلمه القاصر رغم هذا كلنا سنموت ولا أحد سيهرب من الموت فما معنى (ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) ق)؟ هل هو الهروب أو المعنى المقصود أن هذا الذي كنت غافلاً عنه وتتمنى أن لا تمر به؟ د. هداية: هناك آية تؤيد ما ذكرته في مطلق الكلام (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ (8) الجمعة) يبقى السؤال قائماً ما معنى تفرون؟ كيف أفر من الموت؟ الإنسان في الحقيقة أحياناً يعرف الحق ومتأكد كنه لكنه يعمل شيئاً غريباً وهو عدم استطاعته مواجهة الحق وهذا عيب في النفس ومرض فيها لكن عند غالبية البشر بدليل لما تكلم القرآن جمع والجمع في اللغة العربية يكون للأغلبية (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) الغالبية العظمى على هذه الشاكلة. والمعنى القرآني هذا ينطبق على موسى u عندما جاءه ملك الموت وهو بشر رفض أن يموت وفقأ عين ملك الموت (صكّه) وفي رواية فقأ عينه وقال لا أريد أن أموت وعاد ملك الموت إلى ربه فقال عد إليه فقال إن الله أمرك أن تضع يدك على جسم ثور وسيزيد في عمرك على قدر الشعرات التي يمسّها كفك فقال موسى ثم ماذا؟ قال الموت فقال إذن الآن، هذه القصة من باب تخيير الأنبياء أيّ نبي يُخيّر لكن كل نبي يحتار الموت. الموت قضاء الله تعالى والملك يأخذ الرزق والأجل قبل الميلاد، يأخذ ساعة الموت قبل أن يولد الإنسان ولذلك أول ما يولد الإنسان ينطلق سهم الموت وأعجب من الذين يحتفلون بعيد ميلادهم لأنهم في كل سنة عمرهم ينقص لا يزيد ويقتربون من الموت أكثر هذا مثل العد التنازلي. (فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) هذه منطقية لأنه شيء كُتب عليك من قبل أن تولَد. يقول تعالى (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (ما) استعمالاتها إما أن تأتي للنفي أو إسم موصول بمعنى الذي والمعنييان مرادن ذلك الذي كنت تفر منه وذلك الذي لا تستطيع أن تفر منه. كيف يفر الإنسان من قدره؟ بعدم المواجهة وأهل المنطق وكثير منهم ليسوا مسلمين قالوا أن الحقيقة الوحيدة في الكون هو الموت في كل يوم لنا ميْت نشيّعه نحيي بمصرعه آثار موتانا نحن كل يوم نرى جنازة أو نشارك فيها وهذه حقيقة أمامنا وكل منا يفكر فيها لحظياً فقط عند ساعة الدفن. هذه قضية خطيرة ولذلك عندنا كلمتان يبينان أمراً مهماً (بالحق – تحيد) المفروض أن الموت ما دام سيأتي بالحق يجب أن أسلّم ولا أفر وتحيد يعني تحاول الفرار وعدم المواجهة لكن في النهاية الساعة التي قضب بها الله تبارك وتعالى لا يمكن أن تتأخر أو تتقدم دقيقة واحدة. المقدم: هل من الوعي أن الإنسان يربي أولاده على فكر المواجهة؟ هذا سيكون له مردودات تطبيقية إيجابية، البعض مما يتعاطون المخدرات يفعلون هذا من باب عدم مواجهة الحزن فيهربون بدل من حل المشكلة؟ د. هداية: الذي تقوله على المخدرات موجود في حياتنا اليومية العملية بالنسبة لكل مقادير الله تبارك وتعالى وللذلك أسأل أين مناط تحيد (ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ)؟ عندما نتقدم في الآيات هذه السكرة ثم يأتي نفخ الصور ثم البعث وسيأتي وقت يقول لنا (فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ (22)) هذه المخدرات التي تشربها والذي يهرب كأنه يعمل لنفسه غطاء بالسلب لا بالإيجاب. فمثلاً إذا كنت على يقين أن هذا اليوم سأموت فيه المفروض أن أصلي جيداً وأعبد الله جيداً وأكثر من الطاعات لكن إذا كنت متأكداً أني سأموت وأعمل المعاصي على أمل أن أتوب ولم أتب أكون قد مت على معصية فهذا الغطاء يجب أن ينكشف ولو كنت واعياً عليك أن تكشف غطاءك وأنت في هذه الدنيا حتى لا تندم ساعة لا ينفع الندم (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) يعني أنك لما كنت في الدنيا تحيد كان بصرك ضعيفاً لأن كلمة حديد تعني القوة فلماذا استخدم كلمة (حديد)؟ لأن الحديد هو المعدن الوحيد الذي ليس من الأرض وإنما أنزله تعالى من السماء فكأنه يريد أن يقول لك أن بصرك اليوم على غير الذي جئت به لأنك في الآخرة في يوم حساب فسأريك حقيقة بتوصيف أو بتشبيه لم يكن عندك على الأرض فاختار الله تعالى كلمة حديد كناية أو مجاز عن القوة ليبين لنا أننا يوم القيامة سنكون على شاكلة تختلف عن التي نحن منها لأن كل المعادن تأتي من الأرض ونحن نأتي من الأرض لكن لما نكون حديد يوم القيامة سيختلف حتى عن طبيعتك وسترى الحقائق كاملة. لما نناقش الموت والسيدة عائشة رضي الله عنها ناقشت قصة الموت والرسول r قال: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه" فقالت السيدة عائشة رضي الله عنها هل هناك من يحب الموت؟ هي فهمت لقاء الله أنه الموت فالرسول r فلسف الموضوع فقال ساعة يأتي الموت وعلينا أن ننتبه إلى كلمة (جاءت) كأن السكرة عاقل فالرسول r يقول أنه ساعة تحين ساعة الموت يأتيه الموت بالحق فالمؤمن الذي قدم الصالحات يرى مقعده من الجنة مع دخول ملك الموت وهذا ذكرناه في حديث خروج الروح (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة؛ نزل إليهملائكة من السماء، بيض الوجوه) والآخر (وإن العبد الكافر إذا كانفي انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة؛ نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه) الرسول r يقول أنه في تلك اللحظة المؤمن عندما يأتيه الملائكة بيض الوجوه هؤلاء يأتون له نتيجة عمله فهذا الرجل يقول رب أقم الساعة قالها لأنه لما سئل الأسئلة الأربعة في القبر أجاب عنها كلها (من ربك؟ الله ربي، ما دينك؟ الإسلام ديني، ما رأيك في هذا الرجل (أياً كان هذا الرجل من عهد آدم إلى قيام الساعة)؟ هو رسول الله حقاً، ما عملك؟ قرأت كتاب الله فآمنت به وصدّقت، ينادي الله تبارك وتعالى أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة إذن هذا الرجل عرف نتيجة عمله، الملائكة بيض الوجوه وانتهى به الأمر إلى الجنة ساعة الموت لأن الحديث (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة؛ نزل إليهملائكة من السماء، بيض الوجوه) (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) في هذه اللحظة المؤمن جاءه ملائكة بيض الوجوه بعمله، هذه نقولها للذين يقولون لم نقرأ قرآن على الميت ولم نعتمر له ولم نحج له ولم نعمل له صدقة جارية! هذا الرجل أخذ النتيجة ساعة الموت والذي يأتيه الملائكة سود الوجوه لن ينفعه شيء لأنه (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) النجم). هذا العبد المؤمن وهذا العبد الكافر هذا ساعة رأى المقعد في الجنة أحب لقاء الله فأحب الله لقاءه والآخر الكافر ساعة رأى مقعده من النار كره لقاء الله فكره الله لقاءه، المسألة قبل الموت ترتب عليها حب اللقاء أو كره اللقاء والرسول r ساعة الموت قال بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى. المقدم: نقلة في آية اختصرت مرحلة من ساعة موت الإنسان إلى قيام الساعة وقد يكون بينهما قرون لكن الله تعالى اختزل المعاني الهامة ليبين لنا أن الحياة نقاط، مولد، ساعة موت ثم حساب (ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ونفخ في الصور) هل هذا يعطي المعنى أن الإنسان أول ما يموت ينقطع إحساسه بالزمن كالنائم (والنوم نسميه الموتة الصغرى)؟ القرآن يؤيد هذا الكلام (كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ (19) الكهف) د. هداية: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ (259) البقرة) الزمن ينقطع. في البداية خُلق مات نُفخ بُعث. الأزمنة فيها الذي عشته أنت في الدنيا مهما طال الأمد سنتهي "إن غداً لناظره قريب". نلفت النظر إلى استخدام الفعل الماضي في أحداث لم تحدث بعد بل إنها ستحدث فلم يقل مثلاً ستأتي سكرة الموت وسينفخ في الصور استخدام الفعل الماضي ليستشعر القارئ المستمع المنصت أن المسألة التي تكون بأمر الله تبارك وتعالى يجب على الواعي أن يتيقن منها تيقن الذي حدثت له لذلك قال (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) فأنت تقولها للذي مات تُقبل لكن (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ (20) ق) كيف تُفهم؟ فاستخدام الفعل الماضي لما يكون الفاعل هو الله تبارك وتعالى المراد من ذلك أن الذي سيحدث بأمر من الله لو أنت واعي اعتبره حصل فعلاً. المقدم: بعض الناس تقول أن الذي مات هذا قامت قيامته؟ د. هداية: نعم فهناك قيامتان القيامة الصغرى وهي الموت والقيامة الكبرى وهي تجمع الجميع لكن ليس يوم قيامة خاص بكل واحد وإنما يوم قيامة للكل (يوم الدين، الصاخة، الطامة) هذه تتعلق بالكل. قال (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) ولم يقل الموت لأنه لما يأتي الموت على الإنسان يجب أن تحصل هذه السكرة. الذي يسكر لا يمكن أن تأخذ منه شهادة على موضوع هو شهده لأن عقله مغيّب. (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) كيف تكون السكرة بالحق؟ في الحقيقة الموت اعتبره أهل المنطق الحقيقة الوحيدة في الحياة وكلمة حقيقة جاءت من الحق فلو عشت حياتك بالباطل سيأتيك الموت بالحق والدليل على هذا قوله تعالى (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (100) المؤمنون) كأن السكرة ستأتيه بالحق ستوقظه، (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) كان يمكن أن يقول قال رب ارجعون سأعمل صالحاً فيما تركت، لو ضاعت منك فرصة تطلب فرصة ثانية لتثبت نفسك لكن الحق جعل هذا الإنسان ينطق بالحق (لَعَلِّي أَعْمَلُ) يعني يتمنى فرد المولى تعالى (كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا) لم يقل أنت قائلها لأن الذي على هذه الشاكلة لا يرد المولى عليه مباشرة فقال (هُوَ قَائِلُهَا) و(وَمِن وَرَائِهِم) يعني من أمامهم هذا استخدام اللفظ بمقلوب المعنى (وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) وراء بمعنى أمام لأن الذي يخرج من الدنيا إلى الدار الآخرة لما كان في الدنيا كان البرزخ أمامه لكن لما انتقل من الدنيا إلى الآخرى البرزخ سيكون وراءه فاستخدم رب العالمين لفظ الوقوع للذي سيحصل على الذي لم يحصل بعد لذلك استخدم هنا كلمة وراء بمعنى أمام، هي ستكون أمامه للحظة وعندما ينتقل إلى الدار الآخرة ستكون فعلاً من ورائهم. (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) الموت كم أخذ من الوقت في الدنيا؟ قال (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) فالذي مات من عهد آدم لو سألته ما الفرق بين الموت من عهد آدم إلى يوم القيامة سيقول جاءت سكرة الموت ثم نفخ في الصور لأن الزمن منقطع فالذي مات مليون سنة والذي مات قبل يوم القيامة بثوان كلاهما انقطع عنهما الزمن ولو سألنا الاثنين سيقولان وجاءت سكرة الموت ونفخ في الصور. المقدم: كيف يستقيم هذا مع فهم الناس أن الإنسان في القبر يرى مكانه في الجنة ومكانه في النار والذي في الجنة يقول رب أقم الساعة والذي في النار يقول رب لا تقم الساعة؟ وكيف يعذّب في القبر إذا كان لا يدرك أبعاد الوقت؟ تحول جسده إلى تراب والروح هي التي في عالم البرزخ؟ د. هداية: إجابة الذي ناموا 300 سنة والذي مات مائة عام كانت واحدة (يوماً أو بعض يوم) هذه تمفي لتجيب عن السؤال أن أرى مقعدي من الجنة وأقول رب أقم الساعة هذه تكفي يوماً أو بعض يوم، هذه المدة الزمنية كافية وقلنا أن انتظار النعيم أجمل أنواع النعيم وانتظار العذاب أشد أنواع العذاب والمولى عز وجل ليس بحاجة لعذابنا ويكفي عذاب الآخرة (ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ). المقدم: المفترض أن الكلام يتكلم عن متلقيان واحد للحسنات وآخر للسيئات والمفترض أن يوم القيامة يحمل وعد ووعيد وعد لأهل الجنة ووعيد لأهل النار فالوعد تطلق على الأمر الذي فيه خير والوعيد على الأمر الذي فيه شر فما دلالة أن يذكر كلمة وعيد فقط هنا في الآية؟ د. هداية: قلنا سابقاً أن الضمير يطلق على الغلبية فالتوقيع يكون للغالبية ويوم القيامة أهل الجنة عددهم أمام أهل النار (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13) سبأ) قال وعيد لأنها للغالبية العظمى ولو عملنا لها حسابات لا تتعدى 10% لذلك الجنة واسعة جداً والنار ضيقة وسنشرح لاحقاً الآيات التي فهمها الناس خطأ (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30) ق). قال (ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) لأنه كم من الناس الذي سمع الكلام؟ ودائماً نوقع من سورة يوسف لينتبهوا إلى حقيقة الناس بالنسبة للرسول فالله تعالى الذي أرسل رسوله بالحق ليظهره على الدين كله هو نفسه الذي يقول (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103) يوسف) هذا هو الواقع لذلك هو منطقي. المتكلم هو الله سبحانه وتعالى العليم العلام (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) لما يريد سبحانه وتعالى كأن الأمر حصل فقضاء الله هكذا ولذلك قال (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) يعني الغالبية ليسوا مؤمنين إنذ المسألة وعيد وليست وعداً فأطلقت على الأكثرية ثم يقول تعالى (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف) حتى هؤلاء المؤمنون القلائل أكثرهم مشركين، قليل من هؤلاء من يوحّد ويسمع الكلام ويشكر فالغالبية من العدد الكبير في النار والغالبية من العدد القليل في النار. وسرة القارعة تشرح هذا الأمر وتقسم الناس إلى ثلاثة أصناف السابقون وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال، السابقون هؤلاء صفوة الصفوة (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (14)) وأهل اليمين (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40)) لو حسبناها لن تتعدى من 5 إلى 10% ولذلك لما نوقع الكلام في سورة ق (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) ق) وكأنه إذا تُركت هذه النفس لوحدها لن تأتي لأنها ساعة الموت عرفت لذلك لن تأتي. يجب أن ننتبه إلى (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ) حتى النفس التي في الجنة معها سائق وشهيد، أهل النار يخافون أن يأتوا للمعاصي التي قدموها وأهل الجنة رغم فرحهم أنهم سيدخلون الجنة إلا أنهم يخافون مقام الله تبارك وتعالى مقام الله تعالى كبير حتى وهم يدخلون الجنة ولذلك التوقيع (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) النازعات) هذا لم يخف مقام ربه ولا يريد أن يأتي والآخر (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)) فهذا خاف مقام ربه فيخاف أن يأتي والآخر لم يخف مقام ربه فيخاف أن يأتي ولذلك قال (وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) ق) سائق يسوقها وهناك فرق بين الدليل أو الإمام الذي يمشي في المقدمة والسائق يسوقها من الخلف للحساب. وشهيد قد يكون الكتاب أو الأ‘ضاء أو القراءة من الكتاب لذلك قال (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) حسيب يعني محاسب فلما أنت تحاسب نفسك فأنت المحاسب والشهيد وأنت تقرأ الكتاب وعندما يحصل ما في الصرو يوافق ما في الكتاب ويشرح ما في الكتاب ويحدد كل عمل هم كان في رياء أو في صدق ونزن ويكون أحد سبيلين (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) القارعة) (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) القارعة). المقدم: الخطاب مستمر للشخص الذي موازينه خفيفة من المشركين والمنافقين والكافرين (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)) غفلة من والمعتاد في اللغة أن يقال غفل فلان عن، غفلت عن كذا فما معنى غفلة من؟ د. هداية: هذه الحقيقة ثبتت في القرآن عدة مرات فأنت كأنك داخلها فكيف غفلت؟ لو قال عن تكون بعيدة عنك لكنه قال (من) كأنك أنت وسط الكلام فأنت غفلت عن الذي أنت تعيش فيه. أنت تدفن الناس بيدك وكل يوم تسمع هذا مات وفلان مات فأنت غافل من داخل الأحداث والقرآن يشرح لك كل شيء ويتكلم عن القيامة والموت وأنت غافل من داخلها لذلك (لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا (22) ق) هذه ستكون حجة ثانية عليك. ما الذي يجعلك تعي؟ (فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ) الضمير في كشفنا يعود لله تبارك وتعالى وفي غطاءك يعود على كل واحد منا سواء رجل أو امرأة لابن آدم هو الذي عمل الغطاء. ما هذا الغطاء؟ هذا الغطاء أنت الذي عملته من الأهواء والبدع لذلك قال (غِطَاءكَ) فأصحاب البدع والطرق والمذاهب يناقشون ويدافعون عن مذاهبهم وصفهم القرآن (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم) هذه مصيبة هم لا يعلمون أن صناعة مذهب معين فوق مذهب الرسول rأو ما جاء به الرسول r يعتبر في قراءة علي بن أبي طالب وكثير من القُرّاء (من الذي فارقوا دينهم) كأنك عندما تعمل مهنجاً أو تتبع هوى أنت لا تفرق الدين وإنما تفارق الدين وهذه قراءة موجودة. المقدم: الناس تفهم المذاهب الأربعة كأنه عندنا أربع أديان أو أربع رسالات؟ د. هداية: هذه المذاهب الفقهية عندما يقول أحدهم أنا مالكي المذهب هذا لا يصح فلا مذهب بعد رسول الله لكن هذه المذاهب الفقهية لدراسة السنة من الناحية الفقيهة ما ذهب إليه فلان وفلان في فهمه لآية أو حديث أو لما قاله الرسول r تغقيباً على آي أو في شرحه لهذه الآية فمالك له فهم وأبو حنيفة له فهم والشافعي له فهم وأحمد بن حنبل له فهم فلا ينفع أن أقول أنا مالكي المذهب وأترك كل ما بقي من المذاهب وإنما المفروض أن أدرس الكل وآخذ من كل منهج ما يناسب النص من حسب فهمي طاعة وإخلاصاً لله تبارك وتعالى لا تسهيلاً بأن أختار السهل بالنسبة لي. فكرة التمذهب على مذهب فقهي واحد غير دقيقة وإنم المفروض أن أدرس الكل وآخذ من كل مذهب ما يناسب ولذلك مالك نفسه قال الكل يؤخذ مه ويرد عليه إلا صاحب هذا القبر. بالقطع وباليقين أن كل واحد من هؤلاء الفقهاء عنده خطأ وإلا كان نبياً وهؤلاء هم بشر. الإجتهاد موجود في كل عصر بشرط أن يكون المجتهد أهل للإجتهاد من ناحية ومن ناحية أخرى أن لا يخالف قاعدة أصولية أو يخالف أصل من أصول الدين والاجتهاد يكون في المسائل التي ليس فيها نص قطعي الثبوت والدلالة أو متفق عليها من العلماء. المقدم: بدل أن نترك الاجتهادات الفردية أو عبر الفضائيات لماذا لا يكون هناك لجنة مشكلة من علماء الأمة متخصصون ويدرسوا كل المذهاب مع القضايا المستحدثة في هذا العصر ويستخرجوا فهماً واضحاً لسنة الرسول rوهذا أفضل بكثير يكون هناك طريقتان الأولى إجماع الآراء والثانية الرأي الراجح بدل أن نضيع الناس بالآراء المختلفة. د. هداية: هذه تحتاج إلى إخلاص النية لله وعدم مراعاة أحد وهذه أفضل لأمة محمد r وهذه الأمة التي عندما ذكرت في القرآن لم يرد فيها أبداً حالات إفراد (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (110) آل عمران) لم يقل يأمر الواحد منكم بالمعروف وإنما العمل جماعي. الأعمى الذي جاء يستأذن الرسول بالصلاة في بيته أجازه r أولاً ثم فقال له الرسول r أتسمع الأذان من بيتك؟ قال نعم قال لبّي يعني يريده أن يكون مع الجماعة ولهذا أجمل صلاة صلاة الجماعة أنت لما تصلي وحدك وتسرح قد لا تأخذ أجراً لكن لما تصلي مع جماعة وتسرح الإمام ضامن هذه قاعدة. الرسول r قال في الصلاة المنفردة الشيطان ذئب الإنسان والذئب لا يأكل من الغنم إلا الشاردة هذا المثال مجازي بتشبيه وتمثيل يعني لا تصلي وحدك حتى لا تكون فريسة شهلة للشيطان لكن لما تصلي مع الجماعة وتسرح الإمام ضامن، المنفردة بدرجة وصلاة الجماعة بسبع وعشرين والجماعة ليست مطلوبة فقط في الصلاة وإنما في الصلاة والزكاة وفي التلقي والفهم والرأي وعدم التفرد بدليل قوله تعالى (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) الروم) لا تكونوا يعني ابقوا جماعات في كل عصر. والرسول r حذرنا: ستتفرق أمتي على بضع وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. هذه الفرقة الناجية هم جماعة واحدة يتشاورون مع بعض ويتناقشون مع بعض ويأخذون قراراً واحداً وينفذوا قرار الجماعة لكن إذا تركنا المسألة لكل واحد على حدى يصبح كل واحد منهم شيخ طريقة ولك شيخ من هؤلاء يرثه ابنه في الطريقة ويسميها بإسمه تبعاً لإسم أبيه مثلاً إذا قلت الطريقة الإبراهيمية والشيخ ابراهيم مات يأتي ابنه إسمه أحمد فيسميها الطريقة الأحمدية الإبراهيمية وهكذا وصدق الله (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) لو ناقش أحد هؤلاء يقول نحن نشرح للناس. المقدم: قابلت رجلاً يتكلم عن شيخه ويقول هو رجل مقامه عالي جداً ويصل إلى مرحلة صفاء كأن يطير عن الأرض وذهب مرة للحج ومعه أحد تلاميذه فقال له قل لي نكتة حتى أبقى على الأرض لأنني بعد أن طفت مرتين حول الكعبة أكاد أطير من كثرة الشفافية فأريد أمراً دنيوياً ينزلني الأرض ثانية فقلت للرجل هل أنت كمسلم تصدق أن يكون أحدنا عند المسجد الحرام ويقول هذا الكلام؟ والبعض يجادل ويقول نحن نذكر الله ونردد إسماً من أسماء الله الحسنى كذا ألف مرة ونعلو ونطير وما إلى ذلك من هذا الكلام فقلت له سأسألك سؤالاً منطقياً أليس الرسول r أقرب مخلوقات الله لله؟ هل سمعت عنه أنه طار من بين الصحابة أو ذكر الصحابة أمامه إسم الله كذا مرة حتى يطيروا؟ وقال له أحد الأطباء في المجلس عندنا في الطب الإنسان لو قال كلمة واحدة أو فكر في معنى واحد عدد معين من المرات يصل لحالة غياب العقل نسميها الذِهان لأن تكرار نفس النبضة الكهربائية في المخ أكثر من مرة يغفل ويصاب بحالة تائهة وهذه حالة من حالات الخلل العقلي. د. هداية: للأسف الناس تصدق هذا الكلام وليس عبثاً أن يقول تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)). أقول لهؤلاء هل تعملون هذا الكلام بناء على آية في كتاب الله أو حديث أو سنة عن رسول الله r أو عن أحد من الصحابة؟ هذه بدعة وكان من باب أولى أن يعمل أبو بكر الصديق الطريقة الأبو بكرية ولكنه قال ساعة الخلافة أنا متّبع ولست بمبتدع يعني أنا سأعمل كما فعل الرسول وإذا رأيتموني أخالفه ردوني أو ناقشوني لأن أبا بكر رجل يخاف الله تعالى فالمسألة أن الآيات في سورة ق تعيشنا في أحداث يجب أن نتدرب عليها وسنشرح في الحلقة القادمة كيف نتدرب عليها. المقدم: نحن نتأسى بالرسول r ونبلّغ اللهم فاشهد. بُثّت الحلقة بتاريخ 15/7/2008م |
التوبة والاستغفار 83 تقديم علاء بسيوني د. هداية: الموضوع شائك وما يجعله شائكاً الخنوع الذي أصبح سائداً عند كثير من الناس ورضاهم بهذا الكلام الذي فُرِّغ من مضمونه ومن حقيقته وعدم قراءة القرآن بالوعي الكافي وليس من سبيل التكرار أن نذكر بقوله تعالى الذي أمرنا ونحن نقرأ القرآن (أفلا يتدبرون القرآن) هذا يعني أن هذا القرآن يحتاج إلى تدبر وكلمة تدبر يعني يحتاج إلى وعي ولا ينفع أن نقرأه بالسرعة التي يُقرأ بها الآن ولا ينفع أن يقال أنا أقرأ الجزء في ربع ساعة، أنا لا أنتقد أجداً ولكني أتكلم بمنطق فإذا قرئ الجزء في ربع ساعة أخبرني كيف ستكون هذه القرآءة؟ المقدم: المشكلة في نيّة القارئ، هل هو يقرأ بنية التدبر أو أداء واجب أو يريد إنهاء الجزء وكثير من الناس تستدل بالحديث "لا أقول ألم حرف وإنما ألف حرف ولام حرف وميم حرف" هل هذا منتهى المراد من قراءة القرآن أن يجمع حسنات من قراءته؟ د. هداية: نعود إلى توصيف القرآن بالقرآن (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) التكوير) لم يقل لمن شاء منكم أن يجمع حسنات وثواب، إذن المنهج والتطبيق أن تقرأ القرآن في الدنيا لتكون على الصراط المستقيم في الآخرة. ننتقل إلى السؤال الرابع في القبر الذي لن يُسأل إلا بعد الإجابة عن الأسئلة الثلاثة قبله (من ربك؟ ما دينك؟ ما قولك في هذا الرجل الذي بعث فيكم؟)السؤال الرابع (ما عملك؟) الإجابة عليه: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدّقت، يعني عملت فإن كنت تقرأ القرآت لتجمع حسنات أو تجمع ثواب أو ليقال أنك قارئ أو أي من الأمور المخالفة فلا طائل مما تقرأ لأن هذا الكلام مجلاد عن الحقيقة التي نزل لأجلها القرآن. نقف عند حقيقة الحياة أولاً: لماذا خلق الله الإنسان؟ الإجابة من القرآن (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) يقولون العمل عبادة هذا أمر لا يعنينا، إذا أردنا أن نفهم لماذا خلقنا الله تعالى علينا أن نقرأ القرآن (إلا ليعبدون) نحن وجدنا في هذا الكون لعبادة هذا الإله الخالق. بدأت الدنيا بآدم وحواء ثم المغصية بداية، هذا الإنسان المخلقو للعبادة أول ما عمل أنه عصى مع أول تكليف ولما عصى لم يعرف أن يتوب وإنما وقف بمعصيته لا يدري ماذا يفعل إلى أن رحمه الله تعالى – بما قضاه أزلاً – لأننا لو قرأنا بوعي من الآية 30 في سورة البقرة وهذا أول إخبار عن آدم وذرية آدم (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) لما وقف آدم كممثل للبشرية كلها وليس خليفة لله كما يقال. المصيبة أن يعتقد البعض أن آدم عليه السلام خليفة عن الله في الأرض وهذا كلام خطير في الاعتقاد وأسأل الله تعالى الهداية لمن يقول هذا الأمر لأننا قلنا إذا ذكر إسم الجلالة الله يجب أن يكون في ذهني أنه تعالى (ليس كمثله شيء). البشر عندما يتزوجون وينجب طفلاً نقول أنهم يخلّفون لكن كيف يكون لله تعالى خليفة؟! هذا غير منطقي. أول تكليف لآدم كممثل للجنس البشري وقع فيه، نفهم من هذا أن أول تكليف سقطنا فيه هذا السقوط الذريع. نفهم منها أن هذا قضاء الله أولاً أن يخرج آدم وحواء من الجنة ويكونا في الأرض حيث المشقة والتعب وهذا قضاء الله تعالى ونفهم من هذا أن الإنسان جُبِل على المعصية ولا أريد أن يفهم الناس هذا الكلام خطأ فيقولون كيف يكون الإنسان مجبولاً على المعصية ثم يحاسبه الله تعالى؟!. الإنسان لما خلقه الله تعالى على هذه الشاكلة شرع له التوبة إذن الإبتلاء ليس في أن تخطئ وإنما الإبتلاء في أن تتوب أو لا تتوب. يتفضل علينا المولى عز وجل ويكرمنا ويرحمنا بأن يشرع التوبة والبديع أن باب التوبة هذا لا يُقفل "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنار ليتوب مسيء الليل" والأحاديث كثيرة جداً مع الآيات في هذا المعنى. إذن القضية الحقيقية ليس في أن يخطئ الإنسان لكن إذا أخطأ هل يتوب أم لا؟ إن تاب فهو في الجنة وإن لم يتب فهو في النار، نسمع التكليف: أولاً لم يتب آدم u من تلقاء ذاته، هو أخطأ لكنه لم يعرف أن يتوب فعلمه الله تعالى التوبة (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة) الفاء في (فتاب عليه) تدل على سرعة القبول وتوقيعها في القرآن (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ (17) النساء) والحديث يقول: " إن لم تذنبوا (يعني إذا لم تخطئوا كأنكم ملائكة وليس بشر سيستبدلكم الله بأقوام يخطئون فيتوبون حتى لا تقف صفة التواب ونحن مجبولون على هذا، المشكلة ليس في أن نخطئ وإنما هل نتوب أو لا؟ إذا تبنا فنحن في الجنة وإذا لم نتب فهناك احتمالين: هل أنت مصر على المعصية أو أنك تأخذ الموضوع بدون وعي وبغباء؟ هذا مصيره إلى الله تعالى لكن أقول أن الذي أصر على المعصية ولم يتب عنها هذا في النار ولن يخرج منها وهذا وضاح في القرآن منذ اللحظة الأولى (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) البقرة) ما هو الهدى. الرسل وكل نبي جاء بكتاب وإفعل ولا تفعل، إحذر، هذا كلام الأنبياء والمرسلين. فهل ينفع أن يبعث الله تعالى الإله الحق رسولاً يقول للناس خذوا وقتكم أنتم داخلون داخلون كما هو المفهوم السائد؟ هذا غير منطقي ولكن المنطقي أن يقول لك الرسول إفعل كذا ولا تفعل كذا وإن فعلت كذا فأنت في الجنة وهذه الناحية ليس فيها تشدد الإنسان مجبول على المعصية يخطئ لكن عليه إن عصى أن يتوب. المقدم: هل هذا تصريح لبني البشر بأن يخطئوا؟ كثير من الناس يعصون وعندما تكلمهم يقولون أنتم قلتم أخطئوا فأنتم مجبولون على المعصية وأن آدم عليه السلام أخطأ ولم يعرف أن يتوب وإنما علمه الله تعالى إذن يمكننا أن نخطئ حتى نتوب؟ د. هداية: كلا، آدم لما تاب هل عاد إلى المعصية من جديد؟ إنذ هو المثال، هو أخطأ أول مرة لأن هذا الخطأ كأنه رسالة توضيحية للبشر أنه لم يكن هناك منهج لو كنت تعيش من غير منهج إذا أخطأت لا يمكن أن أعاقبك وهذا يجيب على السؤال الذي يطرح كثيراً عن الناس الذين لم تصلهم رسالة أين يكون مصيرهم؟ هؤلاء في الجنة. نفهم من قصة آدم عليه السلام عندما قال له تعالى كُل من هذه الشجرة ولا تأكل من هذه نفهم أنه لم يكن هنالك تكليفات بمنهج بعد ثم لما تاب الله تعالى عليه قال (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) البقرة) يعني الذي سيسمع الكلام فهو في الجنة والذي لا يسمع فأمره إلى الله تعالى. نحن نضع الأسس في هذا الموضوع إلى أن نصل إلى رسالة محمد r. المقدم: مسألة دخول الجنة أو النار تسبب مشكلة بين الناس من الذي سيدخل الجنة ومن سيدخل النار؟ نحن نوضح المسألة ولا نتدخل في المشيئة الإلهية ولا في معرفة الغيب إلا الرسول r عندما أُبلغ ببشارة بعض الناس أخبرهم لكن بعد ذلك لا يعرف أحد منا شيء ونحن دورنا اليوم أن نوضح المنهج للناس وأسس الحساب وفي النهاية أمرنا كله إلى الله ونحذر الناس من هذه المسائل وما هو الصحيح فيها. د. هداية: نحن سنثبت أن منهج القرآن والسنة الصحيحة هو الذي فيه كل التيسير لسبب: تخيل منهجاً يقول لك هذه هي الحياة حاول أن تكون من المتقين فإذا كنت منهم فأنت في الجنة وإذا كنت من عباد الرحمن أو من المتقين وأخطأت التوبة تعيدك إلى صفوف المتقين ولو مت على هذا فأنت في الجنة دون سابقة عذاب والمقابل أن الذي يصر على معصية سيكون في النار، فلماذا تريد أن تدخل النار؟ كن من المتقين أو عباد الرحمن أو المحسنين أو المؤمنين أو المسلمين وإذا أخطأت تُب إلى الله تعالى، فأيها أفضل؟ المصيبة في العبد الذي يريد أن يبقى على المعصية ولا يريد أن يرجع عنها لأن الشهوة والهوى يغلبه وهذا توصيفه إما مشرك أو فاسق والقرآن الكريم قضى على أصحاب الشرك والفسق بالنار الأبدية. البعض يقول أنا فاسق فقط ولست كافراً أو منافقاً هذا لم يقرأ القرآن أو سمع من يتكلم ويقول هذا فاسق فقط، العبض قالوا في تارك الصلاة أنه إذا تركها كسلاً أو يصلي ويقطع فهو فاسق وإذا تركها جحوداً بها فهو كافر، البعض لا يفهم معنى الفاسق ولا يعلم أن الفاسق مع الكافر والعاصي كلمة خطيرة لا يفهم معناه كثيرون والله تعالى قال في كتابه (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ (7) الحجرات) الكفر مع الفسوق مع العصيان. وفي سورة السجدة شرح لنا أين يكون الفاسق؟ البعض يتوقع أن الكافر فقط هو الذي في النار أما الفاسق فهذا مشرك فقط، عيسى u قال (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) المائدة) كلمة حرّم عليه الجنة يعني أنه لن يدخلها. توصيف الناس لبعض الأمور مثل كلمة مستقراً ومقاماً ويفرقون بينهما ولكن الآيات في سورة الفرقان تصحح هذا التوصيف لأنه تعالى وصف النار (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66)) البعض يقول المستقر لا تعني الإقامة الدائمة ولكن إذا أكملنا الآيات في وصف الجنة (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) توصيف الجنة أنها مستقر ومقام والنار توصيفها أنها مستقر ومقام فالذي يقولون أن الذين في الجنة سيمكثون فيها بعض الوقت ثك يخرجون نقول له لماذا لا يطبق هذا الكلام على من الجنة فهل هؤلاء سيمكثون فيها ثم يخرجون إلى النار أيضاً؟ هؤلاء يتكلمون من غير أن قرأوا القرآن كله. بدأنا بآدم وُضِع له المنهج ثم مشت المسألة عبر العصور ولما يصف القرآن (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19) الأعلى) معنى هذا أن مناهج الله تعالى وإن تعددت جوهرها واحد وأصلها واحد وسنثبت في هذه الحلقة الحلقة القادمة أن كلام القرآن لا يختلف عن كلام موسى أو كلام عيس بدليل أن كلام عيسى (اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ) هذا قوله لبني إسرائيل والله تعالى يوم القيامة يكيل بمكيال واحد (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) القارعة) (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) القارعة)، (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) النازعات) قسم الناس إلى فريقين. جاءتني مكالمة من أحد أصدقائي يقول لي أحتاج مساعدتك معي شخص مثقف قارئ جيد يقول أنه لم يرد في القرآن الكريم عقوبة تارك الصلاة فقلت له ضعه على الهاتف أتحدث معه فسألته هل قرأت القرآن كله؟ قال نعم أنا أقرأ جيداً جداً وليس فيه عقوبة تارك الصلاة فقلت له ماذا تقول إذن في قوله تعالى (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) المدثر)؟ فترك هذا الرجل سماعة الهاتف فأخبرت صديقي الذي اتصل أن يطلب من هذا الرجل أن يصلي لله تعالى ركعتين ويستغفر الله تعالى لأنه دخل في قوله تعالى (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ). المشكلة أن البعض يتكلم مع الناس وإذا كان معروف بينهم أنه قارئ ومثقف ويخبرهم بمثل هذا الكلام يصدقوه للأسف! هذه مصيبة. المقدم: مسألة القراءة والتدبر مسألة تحتاج إلى حسم وفليس كل من يقرأ كتاب الله أو مثقف ويقرأ الكتب يمكنه أن يفتي بغير علم؟ د. هداية: طبعاً لا ينفع وإلا يدخلون في قوله تعالى (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ). هل يتصور هذا الرجل أن المولى تعالى لا يضع عقوبة على الركن الأهم بعد الشهادة؟! لأنه لم يقرأ بيقين. وهناك أحاديث تؤكد هذا الكلام ومنها قوله r: "الفرق بين الرجل والكفر ترك الصلاة". هل يستوي من سمع الأذان وقام للصلاة فوراً ومن سمع الأذان ولم يتحرك؟ بالطبع لا يستوون، هذا ينطبق عليه الحديث ويوم الجمعة نرى كثيراً من الناس يمشون في الشارع ويشترون من المحلات والخطبة في المساجد قائمة والمصلين في المساجد وعندما تسألهم يقولون لك نحن لا نصلي؟ هل هؤلاء يدخلون الجنة؟! الحديث خطير جداً "الفرق بين الرجل والكفر ترك الصلاة" والآية تقول أن المؤمنين يسألون المجرمين ما سلككم في سقر؟ قالوا لم نك من المصلين، تارك الصلاة له نار خاصة بتسمية خاصة إسمها سقر تختلف عن كل النار، المولة سمى النار المخصوصة بتارك الصلاة. (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)) لو صدقوا يوم الدين لكان عمل له وضربنا مثالاً رجلين أحدهما قال لك أن أصدق كلامك مائة في المائة ولم يعمل به وآخر لم يصدقك هذان الإثنان يتساويان لكن الفرق أن أحدهما ابتسم في وجهك والآخر لم يفعل لكن النتيجة أن كلاهما متساويان فما فائدة التصديق إن لم يعمل بما صدّقه؟! لذلك الرسول r قال لأهله" إعملوا فما أغني عنكم من الله شيئاً" لم يقل لهم قولوا، وإنما قال اعملوا. نعود لبداية المسألة عندما جمع الرسول r أهله وقال لهم الحديث الشهير: " إن الرائد لا يكذب أهله" الرائد هو الكبير في قوم أو في جماعة لا يكذب قومه، الرائد هو الإمام الدليل. والرسول r قال الرائد لأن توصيف القوم له قبل البعثة أنه الصادق الأمين، محمد الصادق، محمد الأمين، قال لهم: إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت الناس كلهم ما كذبتكم ولو غششت الناس كلهم ما غششتكم (يعطي rخصوصية لعشيرته من ملمح الآية (وأنذر عشيرتك الأقربين) يعني أهله يكونوا سنداً له حتى يدعو غيرهم) " والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون" الموت سيكون كالنوم والبعث كأنه الاستيقاظ وستسأل وتحاسب " وإنها إما جنة أبداً وإما نار أبداً". ما هي الشفاعة؟ أنه r سيشفع في ناس يخرجهم من النار؟. المقدم: هل يكون معنى قول الرسول r عن إخراج أهل النار من النار هو إخراجهم من قفص الإتهام قبل أن يدخلوا في النار في مسألة العفو أنهم من أمة لا إله إلا الله أشفع لهم حتى لا يدخلوا النار لكن لو دخلوا لن يخرجوا؟ ربنا تعالى ذكر قاعدة في القرآن أنه يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء؟ معنى يغفر لمن يشاء يعني هذا الشخص أخطأ، في القانون الوضعي هناك ما يسمى بالعفو الرئاسي أن يعفو الرئيس عن مذنب فهل يمكن أن يغفر الله تعالى لإنسان ما؟ فهل يمكن أن يكون هذا معنى كلام الرسول r؟ د. هداية: الجهة منفكة في السؤال فالرئيس الذي يصدر العفو تفاجأ بمعسية الشخص أما الله سبحانه وتعالى فلا يتفاجأ من معصية العبد، الرئيس لم يحدد جنة أو نار، هذا يعمل من دماغه لكن الله تعالى له منهج منذ اللحظة الأولى في الدنيا (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة). كلمة غفر تعني أن الله تعالى غفر لكن بعد أن استغفر العبد (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) نوح)، قلنا في سورة الفرقان أنه تعالى ذكر ثلاث كبائر من يعملها يخلد في النار إلا (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70)) لم يقل إلا من عفا الله عنه، يجب على المذنب أن يتوب حتى تقبل التوة، صحيح أننا ذكرنا أن هناك توبة هداية (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ (118) التوبة) هذا فضل من الله تعالى فالذي يتوب الله تعال ألهمه للتوبة والذي لم يتب فهذا مصر على المعصية. المقدم: حتى التوبة التي قرأناها عن آدم قال تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) آدمُ بالضم ولم يقل آدمَ؟ د. هداية: أي أن الله تعالى أعطى آدم التوبة فآدم هنا مفعول به لكن آدم الفاعل لأن التلقي الذي جاء هو الذي عمله هو الذي كان محتاجاً إليه وهذا فرق بين اللغة وبين التوصيف. المقدم: هل يمكن أن نقول كما يقول بعض الناس هاأنتم تقولون أن الله تعالى هو الذي هدى الناس إذن الناس التي تخطئ ربنا تعالى لم يهديها فكيف نرد على هذه النقطة؟ د. هداية: الله تعالى أعطانا المنهج يوضح فيه إفعل ولا تفعل وأرسل لنا الرسل ولم يجبرنا على الطاعة وكذلك لم يجبرنا على المعصية وإنما قال تعالى (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ (29) الكهف) لا تقس على مشيئته السابقة وعلى علمه بأن فلان سيكفر، هذا موضوع آخر بدليل لو واحد من الكافرين أسلم يكون قد ضيّع باقي الكافرين وقد حصل. نعود لمسألة الشفاعة نقول قرآناً وحديث، القرآن المولى عز وجل يسأل الرسول r(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) الفرقان) حاشا لله لا يمكن أن يقول الرسول r نعم أكون عليه وكيلاً وسأخرجه من النار؟!، لا يمكن للرسول أن يقول لا أرضى وأحد من أمته في النار! هذا كلام فارغ! وغير مقبول. الرسول r على رأس أمة (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) البقرة) ونحن سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا، غفرانك على أننا لما نسمع ونطيع قد نخطئ. الرسول r لا يمكن أن يرد على القرآن، القرآن يقول (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) الفرقان) هل أنت يا محمد ترضى أن تكون عليه وكيلاً؟ وفي الحديث الصحيح أن الرسول r يسبقنا إلى الحوض فيرى جماعة من أمته وعندما يحاول أن يناولهم يؤخذون عنه فيقول يا رب أصيحابي فيقول المولى تعالى إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك! الرسول يريد أن يشفع لكن قيل له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك وهذا الحديث في البخاري وأحمد ومسلم وكلها روايات صحيحة. ندخل على سورة السجدة (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22)) المقدم: في الآية يقول تعالى (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21)) أين يرجعون؟ ألم يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار؟ د. هداية: هذا العذاب الأدنى في الدنيا وليس في الآخرة. أثناء حياتهم أعطاهم الله تعالى فرصة في الدنيا وأحياناً المشرك أو العاصي أو الكافر أو المنافق أو الفاسق يحصل لهم بعض العذاب في الدنيا هذا اسمه العذاب الأدنى (ولنذيقنهم) يعني أذاقهم العذاب الأدنى قبل العذاب الأكبر. (لعلّ) في كلامنا يفيد التمني أما في كلام المولى سبحانه وتعالى فتفيد الغاية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (1839 البقرة) لعلكم لا تعني أتمنى ولكن يعني غايتي من الصيام أن تخرجوا منه إلى التقوى. (لعلهم يرجعون) يعني غايتي من ذلك أن يرجعوا فيقول تعالى (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى) أي في الدنيا (دون العذاب الأكبر) أي في الآخرة (لعلهم يرجعون) توقيع هذه الآية (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم) ظهر الفساد من غلاء واحتكار وغيره لعلهم يرجعون أنه لما يظهر الفساد في الأرض ينتبه الغافل ويقول أنا قدمت شيء خطأ في الأرض إذن عندما يحصل تغيرات في الدنيا (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا (124) طه) لو هو لم يكن في الضنك لا يُكمل بل يستفيق ويرجع لأن الضنك أفاقه، العذاب الأدنى أفاقه. (لعلهم يرجعون) نوقعها (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) ليس من عند المولى عز وجل إنما أنتم الذين فعلتم هذا ومن فضل الله تعالى أنه قال (لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) ولم يقل كل الذي عملوا لأن هناك غلية وهي (لعلهم يرجعون). الآية تقول أنهم دخلوا النار ولن يخرجوا منها لأن الله تعالى أعطاهم فرصاً، هذا الذي حصل في الدنيا لذلك إذا دخلوا النار لا تحزن عليهم لأن الله تعالى أعطاهم فرصاً في الدنيا. المقدم: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ (18) السجدة) د. هداية: هذا سؤال من أسئلة القرآن التي يجب وأنت تقرأه تجيب عنه، المولى يسألنا أفمن كان مؤمناً يا ناس كمن كان فاسقاً؟ الإجابة لا يستوون ولا يمكن أن يستوي يوم القيامة كافر فاسق عاصي مشرك منافق بمؤمن. المؤمن هنا مقابل الفاسق ولو كنا نقرأ القرآن بتدبر في مطلع البقرة قال تعالى (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2)) قال المتقين لأن المتقي يتقي كل شيء يؤدي به إلى النار فبالطبع هو مؤمن، من عظمة العرض القرآني قال تعالى (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) ولم يقل هدى للمؤمنين وقال هدى للمتقين كأن التقوى ستأتي بك إلى الإيمان ثم ترقيك في التقوى إلى الإحسان وإلى عباد الرحمن يعني التقوى هي التي ستصعد بك وترقى بك فهي غاية ووسيلة للترقي، هي غاية على أنها مرحلة من مراحل الإيمان (الإسلام، الإيمان، الإحسان، التقوى) غير الوسيلة لتي بدأ بها الكتاب (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) إذن المسألة تحتاج لوعي، لماذا قال المتقين هنا بينما في سورة السجدة قال (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا) جاء بلفظ من درجات العبودية العالية يقابل الفسق لأن الفاسق تمثيل للكافر والمنافق والمشرك والعاصي. المقدم: نختم بسؤال نجيب عنه في الحلقة المقبلة، يقول تعالى (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) السجدة) هم سيحاولون الخروج وسيقال لهم لا لستم بخارجين؟ د. هداية: (كلما أرادوا أن يخرجوا) لا تفسير لها عندي إلا المفهوم الذي ساد عندهم من اللخبطة التي سمعوها. بُثّت الحلقة بتاريخ 22/7/2008م |
التوبة والاستغفار 84 تقديم علاء بسيوني د. هداية: الفسق جاء من خروج التمرة أو الرطبة عن قشرتها عندما تنضج جيداً من هنا جاء الفسق يعني الفسق هو الخروج عن المعتاد، عن الإيمان. السؤال في الآية (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ) هذه من الأسئلة الي أجاب عنها القرآن أنهم لا يستوون، الله تعالى يسأل عن مؤمن مقابل فاسق يعني مفرد مقابل مفرد لكنه لم يقل لا يستويان وإنما قال لا يستوون لأن هذا الصنف فيه عدد وهذا الصنف فيه عدد فهو لا يتكلم عن حالة شخص وإنما يتكلم عن حالة فريق. لا يستوون تدفعنا إلى أن نفهم أن المؤمن مقابل الفاسق والمفهوم السائد عند الناس أن المؤمن مقابل الكافر لأن عكس الإيمان الكفر لكن القرآن يلفت الأنظار إلى ما يعلمنا القرآن إياه. الناس في القرآن مقسومة إلى فريقين فريق يسمع الكلام وفريق لا يسمع فريق مؤمن وفريق غير مؤمن فمرة يقول القرآن (فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) النازعات) مقابلها (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40)) ومرة يقول (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) الانفطار) ومقابلها (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)) الأبرار هنا المؤمنين والمسلمين وكل الدرجات فوصفهم جميعاً (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) وفي مقابلهم الفجار، الناس مقسومة دائماً إلى فريقين في فريق الأبرار قال (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) واكتفى بهذا القدر ولم يشرح النعيم وحالتهم فيه لكن في الفريق الآخر وصفهم إلى الآخر (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)) الفجار لم يعرّفهم القرآن لأن كل من يتطاول ويفجر هو منهم. عندما صدرت الفتوى أن التدخين حرام هناك من أطفأ السيجارة مباشرة طاعة لله تعالى وخوفاً من عقابه هذا من الأبرار والذي استمر في التدخين ليس شرطاً يكون فاجراً وإنما قد يكون مكابر أو مريض لأن التدخين هو نوع من الإدمان وأنا أحترم المدخن الذي يقول أنا أعلم أن التدخين مضر لكن أرجو أن تدعو لي لكن هناك من يقول لا ليس حراماً وليس مضراً هذا فاجر. أقل ما يقال في التدخين أنه مضر بالصحة كما قال النجاشي قال لهم دعوا مسألة الدين ماذا يقول لكم هذا الرجل؟ فقال له إن هذا الرجل لا يأمركم بمنكر ولا ينهاكم عن معروف إن لم يكن هذا ديناً فإنه في خلق الناس حسناً. لما يضع الأبرار مقابل الفجار، الطاغي والخائف مقام ربه، المؤمن والفاسق هذه توصيفات خارجة عن إلف فهمنها للإيمان لأننا نعرف أن الإيمان مقابله الكفر لكن هذا نوع توصيفي أو تحليلي؟ هل هذه صفة أو أنت تحلل فريقاً بدليل أنه قال لا يستوون ولم يقل لا يستويان. أحلى توصيف أو تعريف للفسق أن لا تعرِّف الإيمان أمامه وإنما عرّف المؤمن (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)) لم يعرف الإيمان وإنما عرّف المؤمن. تكلم عن أهل النار ثم قال (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) (الذين) ثم ذكر توصيفهم وهنا درجة الإيمان المتكامل وهذا هو الإيمان المطبِّق، تكلم عن الإيمان ليس كتوصيف وإنما كتوقيع لكل درجات الإيمان إذن الآية فيها كل درجات الإيمان. (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)) هنا توصيفات وهي الملامح الأساسية وتلخيص للصفات والخطوط العريضة لصفات المؤمنين. عباد الرحمن من ضمن أوصافهم أنهم دائبون على قول (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) الفرقان) وهنا طمأنهم الله تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17)) لطمأنهم المولى عز وجل أن الذي طلبوه في سورة الفرقان استجاب لهم فيه. الذي يلح في الدعاء هذا فيستيجيب المولى تعالى وعندما دعا عباد الرحمن والمولى تعالى قال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) إذا دعاني أي وحدي، قال أجيب جعوة الداعي لكنه قال (إذا دعان) يعني دعاني وحدي فلا ينفع أن ندعو ببركة فلان أو بواسطة فلان وكلام سيدنا عيسى u يجب أن نضعه أمام أعيننا (إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ (72) المائدة) لذلك يجب أن ندعو الله تعالى مباشرة ولهذا ننبه إلى من يقول بالحديث الموضوع أن يصلي 12 ركعة إذا احتاج حاجة لكن المولى تعالى قال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) لم يقل إذا سألك عبادي عني فليصلي 12 ركعة و(قريب) يعني أن الإنسان في مكانه لا ينبغي أن يذهب لمكان آخر ليدعو وإنما يدعو من مكانه الله تعالى قريب ووقعها في سورة ق (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)). المقدم: موضوع الزواج والتطبيق والسلوكيات السيئة التي تمارسها الناس في الزواج جعله يكسب سمعة سيئة مع أنه سُنة إلهية لكن الممارسات الخطأ جعلت الناس ترى الزواج بشكل خاطئ ولم يعد الزواج سكينة هذا أرض الواقع هذه العصر وقلنا أن عباد الرحمن يقولون (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) الفرقان) د. هداية: نحن شرحنا معنى الآية وقلنا أن الزوجة الصلحة عطاء من الله تبارك وتعالى وإذا تزوج الإنسان امرأة غير صالحة عليه أن يسأل من المولى عز وجل أن يجعلها صالحة. نحن لا نريد أن نخرج عن الموضوع ونحن سنتكلم في حلقات عن الزواج لكن ما ذكرته في سؤالك هو طبعاً ضد قرة الأعين بلا شك. المقدم: عندما يتكلم المولى تعالى عن (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة) فهل يمكن ان نصبّر الناس غير السعداء في الدنيا بأنه في الآخرة المولى تعالى سيصلح هذه الزوجة؟ وهل ينطبق هذا الكلام أنه يمكن أنك ستستمتع هذه الزوجة وإنما يبدلك الله تعالى بالحور العين التي هي قرة أعين؟. د. هداية: هذه في الآخرة وليس في الدنيا. الصبر سمة في المسلم لكن ليس الصبر القانع الصبر مع التغيير يجب أن يغير لا نقصد تغيير الزوج أو الزوجة بالطلاق كما سنشرح في الحلقات التي سنخصصها عن الموضوع وإنما التغيير يكون بالكلام والحوار والطلاق يكون آخر الحلول. الزوجة الصالحة هبة من الله تعالى وفضل والواعي هم من يرتب أموره وللأسف البيوت المسلمة مقفلة على مشاكل عديدة ونحن ليس عندنا مسألة التأبيد كما عند غيرنا. قرة الأعين في سورة السجدة هي المكافأة الإلهية في الآخرة عن كل (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا (75) الفرقان) هذا صبر الرضى والتحمل لا صبر الخنوع. (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا (15) السجدة) سنعرِّف المؤمن، الذين إذا ذُكِّروا تدل على أنهم يعرفونها ولو معرفة الفطرة وهذا ما ذكره تعالى في سورة الفرقان (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)). المقدم: هل خرّوا سجداً هنا المقصود بها السجود الفعلي أنه سمع فسجد أو التطبيق أنه سمعنا وأطعنا؟ د. هداية: هذه الآيات للتطبيق (إنما) للحصر والقصر (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) السجدة) ما معنى سبحوا بحمد ربهم؟ سبحوا لا يعني أن يقولوا سبحان الله، أنزه الله وإنما هو فعل وليس قولاً ولذلك ألفت النظر إلى قوله تعالى (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17) السجدة) أخفي لهم من قرة أعين لم يختم الآية بقوله جزاء بما كانوا يقولون وإنما بما كانوا يعملون. المسألة ليست قولاً والإيمان لم ولن يكون قولاً إنما هو عمل وإن لم يكن هناك عمل فليس هناك جزاء. إذن سبحوا بحمد ربهم ليس قولاً، سبّح يعني نزّه الله فكيف تنزّه الله قولاً وأنت تزني بعيداً عن أعين الناس؟ وتسرق وأنت تستتر عن الناس؟! هل هكذا يكون التسبيح؟! أنت تقول لكن القول انفك عن العمل والله تعالى يقول (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصف) يعني انفكّ قولك عن عملك تقول شيئاً وتعمل شيئاً آخر وهذه وظيفة المنافقين لا المؤمنين. سورة البقرة ثاني سورة في القرآن بعد فاتحة الكتاب التي تعدل في المعنى القرآن فسورة البقرة لما يقول تعالى (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) البقرة) ويعرف المتقين ثم يتكلم عن الكفار في آيتين ثم يتكلم عن المافقين في 13 آية هذه ليست عبثاً وإنما حقيقة يريد الله تعالى أن يثبت لنا بها المؤمن الذي مثله في المتقي والكافر والمنافق كن من المتقين وإياك أن تكون من الكفار أو المنافقين. أول توصيف للنفاق في القرآن كان (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8)) هنا قال (من يقول) لا من يعمل أما في آية السجدة (بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وظيفة المؤمن أنه يعمل (إنما يؤمن) وظيفة المؤمن التوقيعية لكل درجات العبودية أنه يعمل والمنافق يقول فقط، هذا ليس من قبيل الصدفة ولنسمع القرآن بعدما تكلم عن التقوى في سورة البقرة ثم وصف الكفر في آيتين الذي لا فائدة منه فقال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ (7) البقرة) لا يهم توصيفهم لكن ما يهمنا كمؤمنين أن نخاف أن نكون معهم أن هؤلاء قضي عليهم بما هم فيه. في سورة الفرقان قال تعالى (فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77)) ما هو اللزام؟ هل هو العذاب أو ما وضعتم أنفسكم فيه؟ (فقد كذبتم) في الحقيقة هو تكذبهم وما وضعوا أنفسهم فيه. في سورة الكافرون قال تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)) إذن قضى الله عليهم هم الذين اختاروا الكفر فسيبقون فيه ووقعها في شخص واحد (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (2) المسد) قلنا سابقاً أن أبو لهب لو كان عنده ذرة فكر لقال ولو كذباً لا إله إلا الله والكافرون الذين قضى عيلهم بالكفر لو واحد منهم قام فقال أنت تقول عني كافر ولكن أنا أشهد أن لا إله إلا الله، لم يستطع أحد أن يفعلها لذلك في سورة البقرة ذكرها الله تعالى بمنطق المهيمن القدير المقتدر الذي ملك زمام القلوب لا يمكن لأحد أن يعملها فقال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6)) أما وصف المتقين فقال (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) ما دلالة يؤمنون بعد ذكر المتقين؟ الإيمان هنا هو تصديق بالعمل، إذن الإيمان عمل وليس قولاً. وعندما وصف المنافق أمام المتقي المتقي يعمل (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) هذه كلها عمل لكن عندما وصف المنافق هو لا يعمل وإنما يقول فقط (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) فالذي يقول فقط لا يمكن أن يكون في الجنة (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145) النساء) وسيأخذوا معهم الكافرين وغيرهم الذين هم الفجار (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار) لن يخرج منها أحد الذي يدخل لن يخرج منها. يقول تعالى على لسان عيسى (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) المائدة) المنافق يقول فقط (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) يخادعون هذا قول وليس عملاً حتى مع الشياطين قول (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَـكِن لاَّ يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14)) الذي يحصر حياته في الكلام فقط ولا يعمل الذي يجلس على القهوة وعندما يؤذن للصلاة تقول لم قم صلِّ يقول لك قلبي عامر نقول له حسناً هذا ما وقر في القلب فأين ما صدقه العمل؟! نحن لا نعرف ما في قلب الرجل لكن أين ما صدقه العمل فالإيمان بتعريفه الذي يعرفه الناس أنه ما وقر في القلب وصدّقه العمل إنما اللسان كل أوصاف المنافقين كلام حتى مع الشياطين والذين هم منهم أيضاً كلام إذن كل حياتهم انحصرت في الكلام فالذي انحصرت حياته في الكلام فقط عليه أن يستغفر الله تبارك وتعالى ويعود إلى الله تعالى بتوبة نصوح صادقة ولا يعود إلى مثل هذا الكلام ويحول حياته من الكلام إلى العمل. المقدم: الفسق دخل فيه الفجار والمشركين والملحدين والمشكلة أن هناك كثيرون من أمة محمد من يقع في الشرك دون أن يعلم ونريد أن نحذر الناس. د. هداية: نحن نريد أن نخصص حلقة كاملة في هذا الموضوغ لكن أعطيك ملمحاً فيها وهي في الدعاء يقول تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) إذا دعاني وحدي لا يشرك بي أيّ أحد. المقدم: مسألة البركة والصالحين وآل البيت؟ د. هداية: آل بيت نحبهم جداً وحبهم من حب الرسول r لكن لا نذهب إليهم للتبرّك إطلاقاً لكن دائرة علمهم عندنا كما في توصيف القرآن الكريم (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) يونس) لأنفسهم ولن ينفعونا بشيء بدليل أننا يوم القيامة سنفر من أمهاتنا وآبائنا وإخواننا فما بالك بالوليّ؟ المقدم: هناك نهي في الدعاء عمن النظر إلى السماء على أساس أن ربنا سميع مجيب؟ د. هداية: ربنا ليس موجوداً فوق في السماء، ذكرت سابقاً عن السيدة التي كان لديها مشاكل مع زوجها وقالت أنها خرجت للشرفة وقالت له لم تفعل معي هكذا؟ وسألتها لِمَ خرجت إلى الشرفة؟ قالت هو هناك وسألتها من هو الذي في الشرفة؟ قال الله تعالى! هذا مفهوم عند بعض الناس ولكنه هذا مفهوم خطأ في العقيدة. رفع اليدين هناك خلاف فيه عند الدعاء لكن لا ينظر إلى السماء والله تعالى واجب والوجود في كل زمان ومكان. الفكرة أنك عندما تدعو الله تعالى يجب أن تعتقد أنه ليس كمثله شيء. المقدم: في برنامج الرحمن علم القرآن ذكرنا هذا الموضوع والتبرك بالأضرحة والنهي الواضح من الرسول r عن هذا وعن التبرك بالأضرحة والصلاة في المساجد التي فيها قبور والتمسح والتبرك بها وفي اليوم التالي التقيت برجل من إحدى الجمعيات وعاتبني فيما ذكرناه وقال هؤلاء آل البيت فقلت له نحن نحب آل البيت وقلت له أن المسألة خطيرة لأن الناس قد يقعون في الشرك فقال لا تقل شرك أو أن هؤلاء أشركوا فقلت له ماذا تسمي المرأة التي تمسك بقصبان الضريح وتقول يا حسين إشفي لي ولدي أو زوج لي ابنتي أو إفعل لي كذا؟! أليس هذا شركاً؟ د. هداية: وإذا كانت ما تفعله أو ما تسأله تسأله من الله تعالى فلماذا تذهب إلى القبر بالتحديد لتدعو؟ الله تعالى موجود في كل مكان. إذا كانت تعتقد أن المكان مبارك فهذا شرك بالمكان لأن الله تعالى غني عن المكان وأعيد الآية (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) والآية الثانية (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (60) غافر) هذا أمر بالدعاء ولكن دعاء لله تعالى وحده، ادعوني وحدي أستجب لكم. المقدم: سنخصص حلقة خاصة عن الضمائر في القرآن الكريم فمرة يتكلم المولى تعالى عن ذاته بضمير الإفراد ومرة بضمير الجمع. نعود إلى التوصيفات والركائز في سورة السجدة يوصف الله تعالى ركائز أوصاف المؤمنين الذين يؤمنون بآياتنا (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15)) ما دلالة ذكر الاستكبار في الآية مع أن الكلام عن أناس مؤمنين يؤمنون بآيات الله كلاماً وفعلاً وعملاً ويخرون سجداً عندما يسمعوا آيات الله تعالى وسجودهم في معناه الخضوع والتذلل لله وفي معناه التطبيقي سمعنا وأطعنا بدون مناقشة وسبحوا بحمد ربهم قولاً وعملاً فالموضوع يبدو أن ليس فيه استكبار فما دلالة ذكر الاستكبار في الآية؟ د. هداية: وأنت تشرح قلت أنهم لا يستكبرون ويسجدون فالساجد لا ينطيق عليه أيّ كبر بدليل أنه أول ما يسمع آيات اللله يخر ساجداً إما بهيئته في السجود أو كما ذكرنا في وصف عباد الرحمن (سجداً) حتى وهم نائمون السجود بمعنى الخضوع والخشوع بالعمل وليس بهيئة السجود وهذه أهم. لما تجد الرجل يسمع الآية ويسجد تقول عنه ساجد خاضع خاشع ليس فيه كبر لكنه قد يستكبر بهذه العبادة أنه وصل إلى مرتبة عالية فوصفهم الله تعالى أنهم لا يستكبرون بعبادتهم على غيرهم من الخلق. هذه مسألة في الجنس البشري فقد ترى الملتحي لا يتكلم مع غير الملتحي والمحجبة لا تتكلم مع غير المحجبة والمنتفبة لا تتكلم مع غير المنتقمة هذه في الجنس البشري البعض يقول أنا بتاع ربنا، هذا لا يجوز والعبادة لا تسير بهذا المفهوم لأن هذا المفهوم ليس خطأ فقط وإنما المسألة في العبودية لله الذي ليس كمثله شيء قد تقال أنا بتاع الوزير أو بتاع الملك لكن مع الله تعالى لا يمكن لهذا المعنى أن يكون وإلا اتخذ ولداً، لو اتخذ ولداً لكان حباه وفضّله على الخلق والمسألة عند الله تعالى ليست بالبنوة وإنما بالتقوى ولذلك قال (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (13) الحجرات) لم يقل أقربكم مني. إذن التنافس والتفاضل يكون بالتقوى والذي توصله درجة تقواه إلى أن يكون في مرتبة الصالحين عليه أن لا يغتر بهذه المنزلة على غيره من الخلق لذلك قال تعالى (وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (15) السجدة) حتى في الحالة التي هم فيها إنسان تحول من الإسلام إلى الإيمان ثم إلى الإحسان ثم التقوى ثم إسلام الوجه لله فأصبح مؤمناً توقيعاً لا توصيفاً لما يسمع آيات ربنا يُطبقها لا يخر ساجداً بالهيئة وإتنما بالتطبيق وفي نفس الوقت لا يستكبر بها ولا يخترع الطريقة الفلانية ولا تدخل الناس عليه تقبل يده ورجله!. الحق لا يتعدد وإنما هو واحد ولأن الله تعالى هو الحق من أسمائه الأحد هذه ليس صدفة، من أسمائه الواحد الأحد الحق والحق لا يتعدد. المقدم: الرسول r لم يسمي الطريقة المحمدية؟! د. هداية: لما وصف القرآن الكريم الرسول r قال (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ (110) الكهف) الرسول جاء ليدلنا على الله تعالى لا عن نفسه، الكلام في بداية الآية عن الرسول r تحول الكلام لأن الرسول r داء ليدل على الإله الحق وليس على نفسه (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108) يوسف) ولأنه كذلك يدعو الله على بصيرة. أنت داعية إلى الله تعالى وليس لنفسك أو ذاتك وحتى الرسول r انحصرت ذاته في دلالته على الله تبارك وتعالى. المقدم: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) السجدة) د. هداية: هذه الحالة الدائمة التي هم عليها، يدعون ربهم خوفاً وطمعاً. أنبه المشاهدين إلى هذه الآية لأن البعض تكلم في تفسيرها فقسم قالوا هي الصلاة وقسم قال ليست الصلاة وأقول أن التطرف في الرأي مسألة تفسد جمال الآيات وفهمنا الصحيح لها فلماذا لا نأخذ الرأيين؟ تتجافى جنوبهم عن المضاجع البعض قال أين الصلاة في الآية؟ إذا أردنا التيسير على الناس نأخذ الرأيين ونعمل التفكير في الآية. تتجافى جنوبهم يعني لا ينامون حتى وإن ناموا لا ينامون، يدعون ربهم يمكن أن نفهمها على أنها الصلاة ففي أخص آية في الفاتحة التي سماها ربنا الصلاة قال (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6)) يعني أخص (خَوْفًا وَطَمَعًا) أنت خائف وطامع خائف من مالك يوم الدين وطامع في الصراط المستقيم فيدعون ربهم خوفاً وطمعاً تفهم توقيعاً على أنها الصلاة وبالأخص قيام الليل وهي صفة من لوازم التقوى وفي صفات عباد الرحمن قال تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا (63)) هذه حالهم في النهار وقال (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64)) الناس تنام وهم يبيتون لربهم سجداً وقياماً فصلاة الليل هذه صفة عباد الرحمن نسأل الله تعالى أن نكون منهم وعندما تكون منهم فهل هناك أجمل (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) وهذه جنة باطمئنان جنة بيقين وجنة ليس قبلها نار لأن النار قيل في حقها (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) الحشر) أصحاب النار لن يتركوها هم أصحابها (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) القارعة) يعني تحتضنه النار كما تحتضن الأم وليدها فهل تتركه؟ أبداً وسنكرر قوله تعالى (وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار). البعض يقول هؤلاء الفجار لكن ليس في الآية سوى الأبرار ومقابلهم الفجار. الفرق بين هذا المبدأ ومبدأ الدخول والخروج من النار مسألة التوبة فقط، أنت عصيت وفعلت ما فعلت فتب إلى الله تعالى وهذا كلام المولى عز وجل الذي قال (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ) وقال (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)) لماذا يريدون أن يدخلوه النار؟ هما فريقان إما في النار وإما في الجنة. بُثّت الحلقة بتاريخ 4/8/2008 |
عنوان الحلقة: التوبة والاستغفار 85 تقديم علاء بسيوني (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) السجدة) تكلمنا سابقاً عن ركائز المؤمنين ماذا يفعلون؟ هم تتجافى جنوبهم عن المضاجع وقلنا أنهم يعملون ولا يقولون فقط. المقابل هم الذين فسقوا. تكلم عن أوصاف المؤمنين لكن لما ذكر الفاسقين لم يذكر أوصافهم أو أفعالهم لماذا؟ د. هداية: ليس بعد الكفر الذنب فالفاسق جمع كل الصفات الكافر والمنافق والعاصي والمشرك، لماذا يوزن له فهم في قمة الفسوق والكفر طالما أخذ كتباه بشكاله فلا يوزن له فلماذا يصفهم؟ الأمر نفسه حصل في توصيف عباد الرحمن وصفهم بصفات عديدة ثم انتقل فجأة للكلام عن المقابل فلم يصفهم وإنما قال (قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) الفرقان) ليس هناك حاجة لتوصيفهم! الفاسق عندما نسمع ذكره علينا أن نرجع لصفات المؤمن، صفات الفاسق عكس صفات المؤمن تماماً لذا يجب أن نعود لصفات المؤمن. المقدم: بداية الآية (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19)) فيها اقتران بين الإيمان والعمل وقلنا أن الإيمان لا يكون فقط في القلب وإنما بالعمل، البعض يقول إذا كانت فتاة غير محجبة ونصحتها بالحجاب تقول هذا بيني وبين رب العالمين وأنا قلبي عامر بالإيمان. د. هداية: نسأل هؤلاء عندما يقولون نحن جيدون في أمور أخرى فنقول لهم لماذا لا تكونوا كذلك في هذا الموضوع أيضاً؟ هل أنا ضامن الجنة؟! لو سأل كل واحد نفسه هذا السؤال! أبو بكر الصديق قال: أنا لا آمن مكر ربي وإن كانت إحدى قدماي في الجنة، وهو أحد المبشرين بالجنة وهو أول من يدخل الجنة بغير حساب. وهنا نؤكد على ما ذكرناه سابقاً عندما ذكر البعض تقسيمات النفس وقالوا النفس المطمئنة إحدى تقسيمات النفس في الدنيا بعد النفس الأمارة واللوامة فقلنا لا يمكن أن يكون الإنسان الواعي مطمئناً في الدنيا ونأخذ أبو بكر الصديق مثالاً، الواعي لا يطمئن. بعد ذكر النفس المطمئنة قال تعالى (إرجعي) ولم يقل اعملي إذن هذه ليست في الدنيا وهذه ليست تقسيمات النفس وإنما نتيجة النفس اللوامة التي ستكون مطمئنة في الآخرة "لا يجتمع على المؤمن خوفان ولا أمنان". التفس اللوامة لا تجعل صاحبها يطمئن ولا ينام لأنها تلومه على كل فعل، والنوم من علامات الاطمئنان لكن النفس اللوامة لا تجعل صاحبها ينام ونأخذ أمثلة على ذلك أبو بكر وعمر. (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ (28) الفجر) النفس المطمئنة هي لحظة ساعة دخول ملك الموت (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) ق) وهذا تطبيق حديث الرسول r عند خروج الروح الملائكة بيض الوجوه أو سود الوجوه. لدينا نفس مطمئنة ونفس خائفة فالنفس عند خروج الروح إذا رأت ملائكة بيض الوجوه تطمئن والنفس التي ترى الملائكة سود الوجوه لا يمكن أن تكون مطمئنة وإنما خائفة. النفس المطئمنة في نهاية حديث خروج الروح تقول رب أقم الساعة لأنه مطمئنة وفرحانة أنها ستكون في الجنة أما الآخر فقال رب لا تقم الساعة. من فضل رب العالمين علينا أنه في سورة الفجر قال (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)) هذا يعتقد أنه طالما رب العالمين أعطاه فلن يحاسبه، هذا غباء لأنه بالمنطق طالما أعطاني فهو سيحاسبني. والآخر قال (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16)) طالما لم يعطيني فلماذا يحاسبني؟ المولى عز وجل رد على الاثنين (كَلَّا (17)) ثم انتقل إلى قوله تعالى (بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17)). (كلا) عند أهل اللغة للزجر والردع يعني لا هذا الكلام صح ولا الكلام الآخر صح، لا العطاء دليل الإكرام ولا الفقر دليل الإهانة إنما حل المسألة (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ (13) الحجرات). إذن المنطق يقول أن التقسميات هي (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) و (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) لا توجد حالة ثالثة في الدنيا وإلا لذكرها القرآن وكذلك في الآخرة هما تقسميان. كلا الفريقان حسبوا والقرآن يقول (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) إذن الحالتان فتنة عطاء المال فتنة وعدم المال فتنة ولا ظلم في المسألة طالما هناك أناس ينجحون في الحالتين. الذي سيظلم هم الذي ظلم نفسه. الإكرام والإنعام والرزق ليس فقط في المال وإنما تشمل كل شيء الصحة والعمل والأولاد والمال والمنصب. الكبر والعناد والتمسك بالرأي الخطأ كل هذا قد لا يكون وباله في الدنيا وإنما في الآخرة. المقدم: من باب الكبر والعناد هناك من الناس من يقول عن التدخين كيف تساوونه بالخمرة فالخمرة أمر كبير جداً وخطيئة كبيرة جداً! د. هداية: لا يستوي بالخمر لكن دعنا نتكلم في الأمر أليس التدخين معصية يجب أن يتركها؟! نحن لا نساويه بالخمر لكن أليس هو معصية؟ وقد علمنا أن التبغ يخمّر في كحول. المقدم: في دول العالم الثالث نوعية التبغ التي تأتي إلى بلادنا أسوأ وأردأ الأنواع ومخلوطة بمواد كيميائية معينة لتزيد من شعور المدخن بالإدمان وتمسكه بالسيجارة فلا يتركها لأن هذه تجارة بملايين الدولارات ويصبح مدمناً بحيث لا يمكن للمدخن أن يترك التدخين. الإمام علي ابن ابي طالب له مقولة رائعة وهي: لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر لعظم من عصيت. د. هداية: هؤلاء يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله. المقدم: في السابق كان الناس عندما تشرب الخمرة تستتر وتشربها في أماكن غير مكشوفة وعندما يشترونها يغلفوها بأوراق الجرائد حتى لا يظهر أما الآن فأصبح الناس يشربون في المطاعم والمقاهي، نحن فعلاً في أزمة نسأل الله منها السلامة. المقدم: الإيمان مقرون دائماً بالعمل الصالح (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) السجدة) ذكرنا أهمية إقتران الإيمان بالعمل د. هداية: لا يوجد إيمان يثبت إلا بالعمل يعني الذي يثبت الإيمان لا قولك وإنما عملك. المقدم: كيف يعرف الإنسان أن عمله صالح أو غير صالح؟ د. هداية: إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمور متشابهات وهذا كلام الرسول r، الأمور المتشابهة إذا وقع الإنسان فيها عليه أن يطبق قول الرسول r "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" ويبقى الحلال حلالاً ويبقى الحرام حراماً. كثيرون يسألوننا كيف أعرف أن الله تعالى يقبل مني؟ نسأله أنت ماذا تعمل؟ فيقول أصلي وأتقي الله فنقول لا بد أن يقبل الله تعالى ولن يردك وهو سبحانه قال (وقل اعملوا) لم يقل ماذا يعملوا، وقل اعملوا أي صالحاً فلن يرد الله تعالى عليك عملاً صالحاً لكنه يرد العمل إذا كان فيه شرك ونفاق ورياء لذلك بمقابل (إقرأ كتابك) (وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (11) العاديات) الله تعالى دائماً خبير وليس فقط يومئذ لكن الكافر سيعرف يومئذ أن الله تعالى به خبير. قال تعالى (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ (19) ق) ما الحق الذي جاءت به سكرة الموت؟ الحق الذي كنت منه تحيد (ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) أسأل الله تعالى أن نكون والمشاهدين من أهل الإيمان وأهل الجنة. البعض للأسف يكابر ويعاند وهؤلاء أشفق عليهم (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (6) البقرة). ساعة الموت سكرة الموت جاءت بالحق يعني على الأقل عرف الحق وهو يموت لما الرسول r في حديث خروج الروح الذي قسم فيه الناس فريقين المؤمن والكافر قال لما يُسأل أسئلة القبر من ربك؟ يقول الله ربي، الإسلام ديني، هو رسول الله حقاً (البعض يقول محمد r وهو لا يسأل عن إسمه)، في المقابل الكافر والمشرك والعاصي والفاسق لما يُسأل يقول لا أدري، لا أدري، لا أدري، لم يُسأل هذا عن عمله وعندما يُسأل السؤال الثالث فيقول لا أدري يقال له كذبت (كذب عبدي) لأنه على الأقل ساعة الموت عرف الحق حتى لو لم يكن يعرف في حياته فلو عنده ذرة حق عليه عندما يُسأل من ربك؟ عليه أن يقول الله ربي لكن لأنه لم يطبقها في الدنيا رغم أنه عرفها حُرّمت عليه حتى قولاً ولذلك قال (أن كذب عبدي) لأنه عرف ولكنه معرفته الآن لا يقدم ولا يؤخر كما حصل مع فرعون الذي قال (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) يونس) هو قالها نفاقاً، هو يغرق من أقرب له؟ الله أو موسى وقومه؟ لأنه كافر قال موسى فجاملهم بالإيمان، الله تعالى نادى موسى قال استغاثك فرعون سبعين مرة فلم تغثه وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة واحدة لوجدني سميعاً قريباً، لكن لما قالها هكذا وهو يغرق رد عليه المولى تعالى (آلآن) هذه تعادل (لا أدري) في حديث خروج الروح، هذا المكان ليس مكان تطبيق لذا حُرّم عليهم القول. المقدم: هل يمكن أن نطبق موضوع التكذيب هذا من أول ميثاق الذرية؟ د. هداية: نعم، عندنا توقيع في قوله تعالى (ذكروا بآيات ربهم) هل سمعوها مرة؟ أحدهم يقول لم أسمعها فنقول له أنت سمعتها فطرة (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) التي هي "ما من مولود إلا ويولد على الفطرة" يولد مسلماً لكن ماذا يفعل به أهله هذا أمر آخر. هذا مسلم ليس إسلام دين وديانة وإنما إسلام فطرة التي هي (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) بلى يعني شهدنا. (أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) لا ينفع أن يقول الكافر عند سؤال القبر لا أدري لأنه شهد على نفسه في عالم الذر لكن الكبر يمنعه من أن يقولها. أنت تشهد أن لا إله إلا الله لأن هذه الشهادة قبلها (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران) هو شهد قبل أن تشهد فنحن شهدنا بشهادته وهذه الفطرة السليمة وهي الإسلام ولذلك قال (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) السجدة). المقدم: لماذا تكرر ذكر العمل في الآية؟ قال تعالى في الاية جنات ولم يقل جنة (فإن الجنة هي المأوى) هل هناك فرق؟ د. هداية: أولاً ذكر (بما كانوا يعملون) بعد أن ذكر (وعملوا الصالحات) هي ليست فقط تأكيد وإنما تبيان لأن عملهم وإن تعدد فكله للآخرة، هم يعملون الصالحات بطبيعتهم لا لأنها صالحات وإنما لأن الله تبارك وتعالى يرضى بذلك طاعة لله وتقرباً لله ويبتعدون عن الشرك حتى بالصالحات. السؤال الآخر قال (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) بعد أن قال (أفمن كان مؤمناً) أفرد التوصيف وجمع التوقيع فحتى لا تخاف أن تكون ضيقة قال جنات يعني كل واحد له جنة التي هي غرفة لو كان من عباد الرحمن وفي توصيف آخر قال (ولمن خاف مقام ربه جنتان) لأنها كثيرة، الجنة واسعة جداً أن عدد الداخلين إليها قليل فتشعر بالسعة أما مع الكافرين يشعرك بالضيق والحشر ومضاعفة العذاب داخل النار. المقدم: ما معنى نزلاً في الاية (فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا)؟ د. هداية: نزلاً مقام التكريم (حسنت مستقراً ومقاما) (تحية وسلاما) هناك مقام عالي لعباد الرحمن والمتقين فكلمة نزلاً للتكريم كأنه ينزل منزلاً كريماً جزاء فوق الجزاء وتكريم فوق التكريم. المقدم: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) السجدة) د. هداية: هنا كل يقل نار المأوى وإنما قال مأواهم النار لأنهم لن يخرجوا منها، جاء بالمأوى قبل النار لأن المأوى يعني القعود لذلك وقّع وقال (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) أرادوا بالمفهوم التافه الذي كان عندهم. أنا أقرأ هذه الآية منذ العام 1979 من بدأن أعمل في التفسير ومن أول ما تقرأ هذه الآية تستتفه هذا المفهوم، ما معنى أرادوا. هذه؟ لو قرأنا كل آيات العذاب والنار لا تجد إرادة، هو مجبر على العذاب (خذوه فغلوه) ليس هناك إرادة وهنا يقول (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) يعني خرجوا ولكن خروج ليشعروا بشدة ما في النار وكأنه حصل لهم مقلب وقد وردت في القرآن (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه) فرح بكلمة يغاثوا لكنهم أغيثوا بماء كالمهل. قال تعالى (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) كأنهم يخرجون من النار قليلاً لكنهم لم يذهبوا للجنة لكنهم أعيدوا فيها حتى يشعروا ما في النار من العذاب توقيعها (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (56) النساء) لحظة التبديل هي مثل (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا). المقدم: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) السجدة) الآية تتكلم عن الذين فسقوا. د. هداية: أين الخروج في الآية؟ أطرح هذا السؤال على الذين يقولون أن الفسق أقل من الكفر والمنافق والعاصي؟! إذا كان هذا عذاب الذين فسقوا؟! أولاً سألهم (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا (18)) وأجاب تعالى أنهم لا يستوون (لَّا يَسْتَوُونَ). ثم أكد أن الفسق مقابل الإيمان وعرض الذين آمنوا وفي مقابلهم عرض الذين فسقوا ولم يقل الذين كفروا. وقال (فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ) توقيعها في سورة الزمر (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (71)) بدون واو (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا (73)) وهنا قال (فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ) والبعض يقول أنه يدخلون قليلاً في المار ثم يخرجون ولكن كأن القرآن يرد عليهم في الاية (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ). توقيع هذا الكلام خطير جداً (كلما أرادوا) هذا بالمفهوم الذي سيطر عليهم وفكرة الدخول والخروج هذه فكرة اليهود (وقالوا لن تمسنا النار إلا اياماً معدودة) هذه ليست فكرة مؤمن أبداً ولا يرضى بها مؤمن أبداً، الصحابي الذي كان يسمع كلمة نار كان يغمى عليه! المسألة جد خطيرة، هذه ليست فكرة مؤمن ولا مسلم أبداً، لم يصف القرآن الفسوق أو العصيان على أنه من المؤمنين هذه سخافة فكر! لم يقل مؤمن عاصي، كافر عاصي لأنه لو كان مؤمناً لا يمكن أن يكون عاصياً ولو عصى لحظة يرجع بالتوبة. الداعية يجب أن يتعب إذا كان الرسول r تعب وهوجم وأشرك عمّه. الشيطان في المسجد يحاول إغواء المؤمنين ونحن في الخمارات! القرآن قابل الإيمان بالفسق، الإيمان بالكفر، مؤمن كافر عاصي فاسق دائماً شيء مقابل شيء. المؤمن الذي يموت على معصية فاسق ولذلك (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم) فيها قراءة (من الذين فارقوا دينهم) هذا الفسق، قرأها علي بن أبي طالب كأنك لما تخالف المنهج فارقت الدين ولم تفرقه، فرحون هنا تعبير مجازي لازم معناه أنا صح والباقي خطأ. لما خرج من الإيمان إذا رجع بتوبة لا يعود عاصياً ولا كافراً ولا فاسقاً، الذي يتوب لماذا يدخل النار؟! (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) الفرقان) الشرك معه الكفر والفسق هذه الثلاثة مثال، فالذي يفعل هذه ولم يتب يلق أثاماً، هو كان مؤمناً لكن إذا فعل هذا لم يعد مؤمناً (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)) إلا إذا رجع قبل الموت (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70)) إذا عاد لن يدخل النار أبداً، هو رجع بالتوبة. لذلك العبرة بخواتيم الأعمال وفي الحديث وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيحشر معهم، هذا حديث الرسول r ولذلك قال r لا يزني المؤمن وهو يزني وهو مؤمن، لكن العبرة أين يموت؟ إذا مات على توبة فهو في الجنة. هناك الإيمان المطلق وهناك الزنا والشرك فإذا مات في الإيمان المطلق يدخل الجنة وإذا مات على الشرك ففي النار. إذا رجع للإيمان لماذا يدخل النار؟! الشفاعة في الدرجات ونحن لا ننكر الشفاعة ورد القرآن (أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ (19) الزمر) فهل يعقل أن الله تعالى يسأل الرسول r هذا السؤال وهو r يجيب نعم! هل يمكن أن يتحدى محمد r إلهه؟! إذا كان القرآن قال للرسول r(إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء (56) القصص) إذن مشيئة محمد r منحصرة بما أراده الله تبارك وتعالى، هدايته r هداية دلالة وليست هداية معونة. المقدم: حديث الرسول r أن الإنسان يسبق عليه الكتاب فيكون إما من أهل الجنة وإما من أهل النار فيقول أحدهم افترض أن اثنين سرقوا ثم ندموا وأرادوا التوبة فأحدهما تاب وعمل صالحاً ثم مات بعد سنة أما الشخص الثاني ومات في ليلتها د. هداية: لو ندم يكون من أهل الجنة؟ مات على ماذا؟ إذن ندم (ثم يتوبون من قريب) مصيره إلى الله تعالى لكن أنصح الناس طالما ندم أن يتوب من قريب. المقدم: هل يمكن أن هذا السارق الذي تاب عاش سنة أو أكثر فسمع نصيحة وتاب فعلاً؟ د. هداية: الله تعالى يحاسبه على ما كان سيفعله لو أمد في عمره فالله تعالى علم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون بدليل (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون) مع أنه وقع ما زال يتمنى! الناس الذين يعيشون في الخطأ لو سالتهم لو عاد بكم الزمان ماذا تفعلون فيجيبون بكل كِبر نفس الذي فعلناه! المقدم: الكبر لا يستقيم مع الإيمان لأنه من فعل إبليس الذي طُرد من الجنة. د. هداية: لا يمكن أن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر. ندعو كل الناس لعدم الكِبر. بُثّت الحلقة بتاريخ 7/10/2008م |
التوبة والاستغفار 86 تقديم علاء بسيوني نعود بعد شهر رمضان وأداء العمرة في العشر الأواخر من رمضان بقوة وعزيمة على العمل أكثر ومحملين بسلام من أهل مكة وباسئلة كثيرة ولا بد من شكر خادم الحرمين الشريفين على التوسعة التي تمت في المسجد الحرام والسعي وإن شاء الله تكون من حسن إلى أحسن في السنوات القادمة. لما حصلت التوسعة بين الصفا والمروة خاف بعض الناس أن التوسعة قد تخرج عن المسعى الأصلي فهل لهذه المخاوف من الصحة؟ د. هداية: دعاء من القلب والأعماق لكل من أسهم بفكرة التوسعة وسيكون هناك في كل زمان من يخاف من مثل هذه الأمور ولكل وجهة نظره. نحن لا ننطر على أحد اجتهاد لكن المسألة ليست مسألة خطوات السيدة هاجر وأنه نفس الممشى الذي سارت عليه فأنت لا يمكن أن تجعل خمسة ملايين شخص يسيرون بالضبط على المسار الذي سارت عليه هاجر. وليست الحكمة من التشريع الإلهي أن نمشي على نفس المكان الذي داست عليه أقدامها. أوقفنا بعض الناس هناك وسألونا وجزى الله تعالى خيراً خادم الحرمين الشريفين وكل من ساهم في هذه التوسعة جزاهم عن المسلمين كل خير التوسعة صائبة مائة بالمائة إن شاء الله تعالى وستكبر التوسعة بعد سنوات والتوسعة تحصل للخارج وليس في اتجاه الحرم ولكن المسافة هي هي بغض النظر عن التوسعة من الصفا إلى المروة ومن المروة إلى الصفا ونحن نفعل ما فعله الرسول r والذي يخاف من التوسعة نقول لهم لا يمكن للمكان الذي اتسع يوماً لبضعة مئات أو آلآف من الناس أن يتسع لملايين الناس. الكل يقول أن هناك ازدحام في كل وقت. سبق أن عملت عمرة قبل رمضان وكانت التوسعة في أولها وكانت صعبة أما في رمضان فالتوسعة أحدثت فرقاً. انظر في طواف الإفاضة ساحة الحرم تكون مقفلة وكتلة من البشر وتتمنى أن تكون أوسع فعندما يكون عندك فرصة أن توسع فلا مانع من التوسعة. المقدم: الناس يجب أن تدرك الأبعاد والحكمة للنسك المختلفة في الإسلام ومع اقتراب موسم الحج فرصة لنا أن نجهز حلقات عن الحج عن كل يوم من ايام الحج حتى يتعلم الناس بالإضافة إلى كيفية الحج الهدف من الحج أو الحكمة منه وهم يطوفون لماذا يطوفون ولكا يسعون ولماذا ترجم الشيطان ولماذا تقف بعرفة يجب معرفة فلسفة المناسك نفسها فيجب أن نخصص هذه الحلقات وتترجم وتوزع على الحجاج في بلادهم قبل أن يسافروا للحج حتى يعرفوا كل ما يجب عن الحج. د. هداية: عيب البرامج عندنا في الحقيقة أنها تذاع بعد أن يسافر الناس الحج التوعية تكون بعد أن يسافر الناس. صحيح أن الأيام كلها مناسك للحج وعمل لغير الحاج والمفروض أن نستفيد من هذه الأيام لكن الأهم أن الحجيج قبل أن يسافروا يكونوا على دراية وعلم ماذا سيفعلون هناك وبالأخص الذي يذهبون للحج لأول مرة حتى يحجوا بشكل صحيح. هناك ألفاظ غريبة في الصحف عن الحج السريع والحج الفاخر والحج الممتاز والحج السُنّة. علينا أن نحضر الحلقات ونذيعها قريباً جداً إن شاء الله تعالى. علينا أن نجهز للحاج كتيبات وسي دي تتحدث عن فلسفة الحج والمناسك حتى يحج كما حج الرسول r. المقدم: نعود لسورة السجدة (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11)) مسألة الموت علامة فارقة عند الإنسان لأنه إما أن يكون مؤمناً أو يكون كافراً، إما صالح وإما طالح. (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآَيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22) السجدة) المجرمون لهم عقاب آخر عند الله (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) السجدة) هنا أيقنوا ورأوا بأعينهم أنه الحق. في مسألة الموت ومسألة (وُكّل بكم) عندما قرأت في تفسير الشوكاني قال :"وملك الموت هو عزرائيل" د. هداية: هذا كلام غير صحيح وهذه من الإسرائيليات تسمية ملك الموت بعزرائيل وتسمية ابني آدم الرسول r نفسه قال ابن آدم الأول وابن آدم الثاني، هذا أمر والأمر الآخر لما تكلم عن ملك الموت قال ملك الموت والقرآن قال (ملك الموت) لم يحدد اسمه مع أنه ذكر اسماء بعض الملائكة مثل جبرائيل وميكال، هذه الأسماء أسماء عبرية والقرآن عرّبها وذكرها لمسألة مهمة في اللغة أن الكلمة التس تعجز عن أن تضع لها مقابلاً في العربية عرّبها وخذها كما هي لكنه لم يقل عن ملك الموت عزرائيل. وهذه مسألة تحتلف عند الناس ونجد البعض يقول لك ماذا فيها أن يذكر اسمه؟ فيها أن الرسول r لم يذكرها مثلاً الناس تسمي ابني آدم قابيل وهابيل والرسول r قال عنهما ابن آدم الأول وابن آدم الثاني لما قال القرآن (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ (27) المائدة) لم يتطوع الرسول r بذكر إسم وإنما بالعكس رفض تماماً أن يأخذ المسلمون من اليهود وذكرنا ما قاله ابن مسعود لما عاد الصحابة مرة مسرورين جداً أن اليهود يقولوا كلاماً مثل الرسول r تماماً وحصلت حادثة مع عمر بن الخطاب فقال له r: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ هل تحتاج أن تسمع من اليهود حتى تصدقني؟! كلمة أمتهوكون يجب أن يقف الناس عندها وهذا عمر بن الخطاب! ابن مسعود قال للصحابة "أناس ضلوا أنفسهم أيهدونكم أنتم؟!" هل يمكن للرجل الذي ضلّ نفسه أن يهديكم؟ كان أولى به أن يهدي نفسه. المقدم: تقصد أنك لست مع المنهج الذي يقول بعض الباحثين من المسلمين عندما يقرأون عن دلائل نبوة محمد r في التوراة والانجيل أنهم يعرفونه كما يعرفون ابناءهم ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، هم يدرسون التوراة ويقولون هناك كلام في التوراة نفس الكلام الذي يوجد في القرآن وكذلك في الانجيل. د. هداية: إذا وافقتهم في هذه فسيقولون بعدها هناك أشياء أخرى في التوراة والإنجيل فإذا فتحت لهم المجال في تلك سيحاجوك في غيرها. الله تعالى قال (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة) هل الحمار خلقه الله تعالى ليحمل الأسفار؟ بالطبع لا، من الحمار إذن؟! الحمار لم يعترض أبداً على أن تحمّله الأحمال الزراعية مثل الذرة وغيرها لكن تحمله كتب وعلم يفهمها؟ هذه ليست له. هذا مثل في القرآن وهؤلاء مثل هذا الحمار. المقدم: (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) بعض الناس يظن أنه ليس ملكاً واحداً وإنما لكل إنسان ملك مختلف فهل هو ملك واحد؟ د. هداية: هو ملك الموت ملك واحد لكن معناه ملائكة أعوان. الرسول r قال "إن كان العبد المؤمن في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة جاءته ملائكة بيض الوجوه" كلمة ملائكة يعني عدد ووصف في بعض الأحاديث أنها أربعين وفي نفس الحديث " وإذا كان العبد الكافر جاءته ملائكة سود الوجوه" المؤمن مثال للمتقي والمسلم والمؤمن والمحسن والمتقي والصالح كل التوصيفات التي لها درجة جنة وكذلك العبد الكافر والمنافق مع الكافر والمجرم مع الكافر والمشرك مع الكافر والعاصي مع الكافر. المجرم يمكن أن يكون كل هؤلاء، كلمة مجرم هنا مقابلة للمؤمن، منذ حلقات ذكرنا (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا (18) السجدة) وأجاب على السؤال (لَا يَسْتَوُونَ) هو يتكلم عن اثنين لكن لم يقل لا يستويان وإنما قال لا يستوون للدلالة على أن هذا صنف من الناس يعني الفاسق وكل من هو مثله والمؤمن وكل من هو مثله حتى يخرج الناس من موضوع أن الإيمان مقابله الإيمان فقط وإنما الإيمان مقابله الفسق والاجرام لذلك قال (يؤمن بآياتنا) يتكلم عن المؤمنين لأنه يتكلم عن مسألة عقيدة وإما أن تصدق أو تكذب لو صدق يكون آمن. هذه الآيات تبين مسألة هامة في التطبيق وتبين أن مسألة القول لا ينفك أبداً عن مسألة العمل فالإيمان ليس قولاً فقط ولدينا حديث يسبب مشكلة عند الناس وهو "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" الحديث صحيح متناً وسنداً لكن ماذا فهمنا من القول؟ من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، ما معنى قال؟ أنت مثلاً مدير بنك أو شركة وأنا موظف وكل يوم صباحاً أدخل عليك وأقول لك أنك أنت أكفأ مدير على وجه الإطلاق وأنك مدير ممتاز وليس لك مثيل، وأنت كلما تصدر أمراً إدارياً لا أنفذه أنا رافض أوامرك دائماً وأدخل عليك واقول لك أنت مدير ممتاز ماذا تفعل بي؟ بالطبع ستخصم عليّ من راتبي أو تطردني من العمل لأني كاذب، أنا لم أتعدى القول إلى العمل والمفروض بكلامي الذي اقوله لك أنه كلما صدر منك أمر كمدير أكون أول من ينفذه لأني أمدحك كل يوم. أنت تصرفت هكذا كمدير فما بالك بهذا الإله الذي رفض أن يُشرك به وقالها في محكم التنزيل (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ (116) النساء) أنا كل يوم أقول لا إله إلا الله ثم كلما جاءت آية أجادل فيها ولا أنفذها، صلاة ماذا؟ هل الإله محتاج إلى صلاتي؟! ولماذا أصوم وهل الإله محتاج لصيامي؟ هذا الرجل كاذب انفك قوله عن العمل إذن هو لا يتعدى حدود القول إذن "من قال لا إله إلا الله" حديث صحيح لكن معناها من قال لا إله إلا الله وطبّق. لو عدنا إلى الآية (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) السجدة) المشهد الذي بعد الآية أول مشهد بعد الوفاة لم يذكر القبر وإنما قال (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)) (ولو ترى) معناها أنك أنت لا تنظر من وراء الحجب ولكن مالك يوم الدين سيخبرك كما ذكرنا في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1)) والرسول r ولد في عام الفيل لم يعي الحادثة وإنما التوقيع القرآني قال له ألم تر كيف يعني سيخبره المولى تعالى المحيط المهيمن الذي لا يغفل ولا ينام، يعني إسمع من هذا الذي فعل. عظمة القرآن في الآية أنه يخبره عن حكاية ستحصل (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)) وقال للرسول (ألم تر) الحادثة حصلت لأنه لم يكن موجوداً الكلام من كلام الخبير المحيط المهيمن. لماذا لم يقل في الآية الكافر أو المنافق أو الفاسق وإنما ذكر المجرم؟ في السابق لما فسرنا الفجار اعترض أحدهم وقال أن الآية تتحدث عن الفجار هؤلاء الذين هم في النار! لكن نقول له الآية قسمت الناس إلى قسمين (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) الانفطار) لا توجد أصناف أخرى إما أبرار وإما فجار، من هم الفجار؟ هم كل الصنوف الذين ليسوا من الأبرار، الفجار مقابل الأبرار، تكملة الآية (يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16)) البعض يقول الآية تتكلم الفجار ولكن نقول لهم هاتوا لنا بمن سيدخل النار ثم يخرج منها! المقدم: أناس كثيرون يطلبون أن نعمل حلقات عن موضوع دخول النار والخروج من النار وموضوع سورة الأعراف ومن هم الذي على الأعراف؟ والبعض طلب أن نقرأ كتاب المعجزة الكبرى والأحاديث التي فيه تتحدث عن الشفاعة والخروج من النار وهناك أحاديث قدسية فيها أن الله تعالى يقول أخرجوا من النار من ذكرني مرة واحدة في حياته. د. هداية: هل هذا الموضوع من القلة بمكان أنه لا يُذكر في القرآن ويترك للحديث؟! هذا أصل من أصول هذا الدين وهو الجزاء. سورة الفاتحة التس تساوي في الكيف والقيمة القرآن (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) الحجر) ذكر بعض الآيات (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)) ثم انتقل إلى (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)) يتكلم في أول سورة في الكتاب يتكلم عن يوم الدين الذي هو أصل من أصول هذا الكتاب وهو يشكل ثلث القرآن. ولذلك يجب أن ننتبه إلى الآيات التي عملت المقارنة ليس بين المؤمن والكافر وإنما بين البر والفاجر بين المجرم والمؤمن ولذلك جاء توقيع المجرم أنه فاسق، ما معنى فاسق؟ فاسق أنه خرج عن الأوامر والنواهي كما تفسق القشرة عن الرطبة. علي بن أبي طالب له قراءة في قوله تعالى (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم) قال (فارقوا دينهم) لأن عدم تنفيذ القرآن وتطبيق المنهج هو مفارقة للدين ومفارقة للجماعة لذلك سورة السجدة واضحة وضوح الشمس في كبد السماء وهو يصور الصورة والمجرم يوم القيامة الذي هو المنافق والمشرك والعاصي والكافر والفاسق كل هؤلاء ناكسوا رؤوسهم. المقدم: الكفار أيضاً تفرقوا إلى شيع كثيرة دائماً الصالحين فئة واحدة لكن الفرق بينهم الدرجات في الجنة لكن هناك المشرك والمنافق ومسألة التفرق والتحزب تأتي من خطأ في العقيدة (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا) فهل لمسألة الشيع علاقة بالتشيع والشيعة؟ د. هداية: لا هذا موضوع آخر. التشيع موضوع آخر والشيع هنا يعني فرق. هو لا يتكلم عن فرق الشيعة وإنم عن كل مفارقة للدين. (شيعاً) قال (وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) لأنهم صاروا أحزاباً وصارت هناك عصبية لا منهجية. المقدم: الدكتور يوسف القرضاوي طرح هذا الموضوع مؤخراً وأثار ضجة في الصحافة عن علاقة أهل السنة بأهل الشيعة وعلينا أن نوضح هذا الموضوع في حلقات. حسب فهمي للعقيدة أنه لا ينفع أن اقول غير أني مسلم لا سني ولا شيعي، يجب أن أطيع المنهج وأطيع الرسول وسنته ولا يحتاج أن اقول أنا سني أو أهل السنة أنا إنسان مسلم ولن أسمي نفسي إسماً آخر غير إسم رسول الله r. د. هداية: بداية التحزب هي بداية الخطورة ويقول لك من شيخك؟ شيخي محمد r فقط. هذه نقاط خطيرة جداً لكن نأخذ ملمحاً في الآية حتى نتعلم كيف نفسر وكيف نتلقى القرآن (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) السجدة) ناكسو رؤوسهم عند ربهم نسأل هل ربهم باعتبارهم أو ربنا فرضها لأنه يوم الدين؟ لا هذا باعتبارهم واعترافهم هم لأنهم قالوا (ربنا). في القرآن كله قدّم السمع على البصر أما في هذه الآية فقد ذكر العكس هم قالوا إنا موقنون هذه مقابل الذي قال (لعلي أعمل صالحاً) المقدم: جاءني معنى جميل هو من الناس المكذبين درجته في العقيدة صفر لا يؤمن إلا إذا رأى بعينه وهذا لا ينطبق عليه التوصيف في سورة البقرة (يؤمنون بالغيب) د. هداية: عندما قالوا (إنا موقنون) نقول لهم أنتم كاذبون لأن اليقين هو تصديق بالغيب أنت تتكلم في مشهد وبعدما رايت بعينك لم يعد ينفع قول إنا موقنون هذه كانت تنفع في الدنيا ولذلك لا تستغرب أن عظمة هذا الكتاب أن يذكر لك في مطلعه توصيف الذي سيصدقه ويأخذ الهدى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) البقرة) هو لا يعتمد على نفسه وإننما العقيدة عنده هو القول والفعل لما يقول رازقي هو الله لا يسرق لو تأخر رزقه هو يعلم أن رزقه فضل من الله تعالى وبالتالي عندما يأتيه هذا الرزق يؤدي الحق. أول توصيف (يؤمنون بالغيب) لا يأتي أحد يوم القيامة بعد أن أبصر وسمع لا ينفع أن يوقن بعد أن رأى الجزاء يوم القيامة. المقدم: مسألة اليقين هي الفيصل في التصنيف وفي سورة البقرة أول تصنيف (الذين يؤمنون بالغيب) أين امتحان الإيمان إذا أرانا الله تعالى نفسه؟ وأين امتحان الإيمان؟ هناك أناس لا يؤمنون إلا إذا رأوا بأعينهم هذا درجته صفر وهناك من يؤمن بالغيب وهذا درجته عشرة من عشرة لأن الإيمان وصل درجة اليقين كأنه رأى لكن الذي ينتظر يوم القيامة ليرى بعينه لن يكون أمامه فرصة ليعود ثانية ويؤمن. الكلام عن اليقين البعض يقولون اليقين أن أكون متأكداً من أمر فهل هذا المعنى صحيح؟ د. هداية: المسألة هذه قضية فارقة وضربنا سابقاً مثالاً جئنا بإناء فيه عسل ووضعناه على الطاولة وأحضرنا عشرة رجال لنختبر إيمانهم نعود بكم إلى أبي بكر الصديق ساعة قالوا له إن صاحبكم يقول ويقول في مسألة الإسراء والعروج قطع عليهم الطريق وقال لهم "إن كان قال فقد صدق" أي أمر لا يصدق لكن إذا قاله محمد r فهو صحيح. نأخذ الصديق مثالاً على الذي سنذكره. نعود لمثالنا البعض خمسة منهم قال طالما قلت أن هذا عسل وأنت إنسان لا يكذب فهو عسل، الخمسة الآخرون قال نرى بأعيننا أولاً وقالوا هذا عسل والثلاثة الباقين قالوا العسل كشكل الصمغ لن نصدق حتى نذوق هؤلاء في النار لأن المسألة مسألة إدراك ويقين. الخمسة الذين لم يتحركوا في البداية هم أقل درجات الإدراك لأنهم لم ينظروا إلى العسل ولم يذوقوه وهم أعلى درجات اليقين والخمسة الآخرون إثنان منهم نظروا للعسل والثلاثة قالوا نذوق أولاً هؤلاء أعلى درجات الإدراك لكنهم أقل درجات اليقين والإيمان عكس الأولين. القرآن عبر عن هذا الكلام فقال (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) التكاثر) ذكرت الاية علم اليقين وعين اليقين، علم اليقين أقل درجات الإدراك وأعلى درجات الجنة واليقين والجزاء (إن كان قال فقد صدق) الخمسة الأولين أخذوا علم اليقين، وثّق المصدر من يتكلم؟ مسيلمة، إذن كذاب، محمد r؟ صادق، الله تعالى إله حق ولذلك أسئلة القبر: من ربك؟ الله، ما دينك؟ الإسلام، ما قولك في هذا الرجل؟ هو رسول الله، هذا يقيني وهناك آخر لما سُئل قال عنه كذاب شاعر ساحر. الذي نظر بعينه للعسل هذا عين اليقين أما الآخر الذي لم يصدق حتى ذاق هذا ليس إيماناً هذه التي قيل عنها في القرآن (فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) الواقعة) هذا لن يؤمن حتى يذوق نار جهنم. إذن هناك علم يقين وعين يقين وحق يقين، أقلهم في الإدراك علم اليقين هذا أعلاهم في اليقين وأعلاهم جزاء والثاني عين اليقين هذا متعب لأنه يجادل إنما الأخير (حق اليقين) هذا حق اليقين ولم يصدق إلا عندما أصبح في النار (وتصلية جحيم) وصل إلى الجحيم صدّق موضوع النار والعذاب عندما ذاقه وصار في النار. الآن يقول أنه صدّق ويطلب أن يرجع لكنه لا يمكنه أن يعود بعد أن وصل إلى هذه المرحلة والمسألة ليست على مزاجه لأن الإله حق له منهج وتوقيت وبعث وعقاب ورسول مسألة لا ينفع أن أُعمل دماغي وإنما أُعمل يقيني. المقدم: الآية التي بعدها لدي فيها بعض الأسئلة (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) هناك من سيقرأ الآية ويقول لو شاء ربنا لآتى كل نفس هداها فكان من الممكن أن يؤمن كل الناس، والسؤال الثاني (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) ربنا لا يلزمه شيء لكنه حق القول فصار أمراً إليهاً البعض سيقول هذا الأمر النافذ أليس بسبب كلام الشيطان بمعنى أن آدم وحواء كانوا في الجنة ونهاهم الله تعالى عن الأكل من الشجرة والشيطان وسوس لهما، الشيطان أخطأ وآدم أخطأ لكن شاءت إرادة الله تعالى أن يتوب على آدم وحواء ولم يتب على الشيطان لأن خطأ آدم أنه نسي ولم يجد له عزماً لكنه لم يرفض ساعة أمره الله تعالى ولم يرد الأمر على الآمر أما إبليس فتكبر لذلك طرد من رحمة الله ولُعن وكان يمكن أن ينتهي الأمر عند هذا الحد آدم أخطأ وعوقب ثم تاب الله عليه والشيطان أخطأ وطرد ولُعن فابليس أدرك أن العقوبة ستطبق عليه فقال (قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) الأعراف) وقال (لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً (62) الإسراء) يعني لو لم قال إبليس هذا الكلام لرب العالمين لم يكن هناك عداوة لذرية آدم ولم ندخل في الاختبارات، هل كلام إبليس هو الذي جعل الله تعالى يقول من يقع منهم سأدخله النار وأعذبه فهل هذا حصل بسبب إبليس أو أن المشيئة موجودة قبل خلق إبليس وقبل خلق السموات والأرض؟ د. هداية: لا يمكن أن تكون المسألة على الشكل الذي يفترضه الناس، عندما يقال المفروض نسأل المفروض عند من؟ هذا سؤال من لم يقرأ القرآن ولم يفهم ما هي العقيدة والاسلام والإله وأول توصيف لهذا الإله الحق أنه لا يُسأل عما يفعل هذا الإله يفعل ما شاء وما أراد ولهذا ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ولا يسأل عما يفعل. الكلام الذي ذكرته يجب أن نجيب عنه نقطة نقطة لأن هذا ما يدور في أذهان الناس ونضيف إليها مسألة أخرى (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ (30) الإنسان) أهل الجنة استفادوا من هذه فقالوا (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ (43) الأعراف) أخذوا المشيئة في صالحهم لكن أهل النار لم يمنعهم أحد من الإيمان إلا أعمالهم هم التي دفعتهم للكفر. يجب أن نقف عند هذه المعاني لأن الناس تفكر فيها ويقولون إبليس السبب ولولا آدم لما خرجنا ثم تسمع نعرة ثانية حواء هي التي أخرجتنا من الجنة وكل هذا الكلام ليس له أصل في الدين ولا في العلم ولا في المنهج والقرآن لم يترك شيئاً لاجتهاد الناس لكنه قضى كل شيء بكا فيها الآية التي سألت عنها. المقدم: أنا طرحت هذه الأسئلة لأن هناك كثير من الناس تقع في أخطاء العقيدة وتأخذ صفراً في اختبار اليقين بسبب الفهم الخاطئ والتلقي الخاطئ وإرسال العقل دون ضوابط والقرآن محتاج إلى ضوابط عند التلقي والفهم والتأويل. بُثّت الحلقة بتاريخ 21/10/2008م |
التوبة والاستغفار 87 تقديم علاء بسيوني المقدم: الله سبحانه وتعالى لا يلزمه شيء ولا يمكن لأحد أن يسألأه لم فعلت هذا ولم لم تفعل هذا لأنه سبحانه وتعالى له الطلاقة في المشئية وفي القدرة. ولكن الله سبحانه وتعالى في القرآن يقول (كتب على نفسه الرحمة) كان يمكن أن يكتفي بالقول أنه رحيم أو رحمن لكنه اقتضت مشيئته أن يستخدم هذه الصياغة في القرآن ولو نظرنا في الآية التي بين أيدينا اليوم سنجد أن المولى تعالى يتكلم عن قضاء عن إلزام عن الإرادة المسبقة التي لا تتغير ولكن يمكن أن تتغير بمشيئة إلهية. نحن نريد أن نفهم علاقة هذه المشيئة الإلهية بقدرنا وبمصيرنا لأن القضية ليس فيها ملاحق وإنما هي إما جنة وإما نار ولا ينفع طلب العودة بعد أن تنتهي الحياة لكن الفرص بالتوبة والعودة موجودة طالما نحن في هذه الدنيا نتلمس طريق الهداية. بسم الله الرحمن الرحيم وقفنا عند الآية (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) السؤال الذي سألته: هل هذا الكلام حصل لما دار الحوار بين المولى سبحانه وتعالى وبين إبليس اللعين لما طرد من رحمة ربنا نحن قلنا أن آدم وإبليس أخطأوا لكن آدم كان خطؤه نتيجة ضعف عزم ونسيان (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115) طه) أما إبليس عليه اللعنة فتكبّر وقارن بعقله هو لا أنا مخلوق من نار وآدم مخلوق من طين إذاً أنا أرقى وأحسن منه ورد الأمر على الآمر ورفض أن يسجد وبالتالي أنت مطرود من رحمة الله. المفترض بمنطقنا نحن هذا المخلوق أخطأ وتكبر في حضرة الخالق وعصى أمراً مباشراً وخلاص لُعِن وطرد من حرمة ربنا والحكم صدر مفروض تقع عليه العقوبة فوراً سواءً بدخوله النار من وقتها أو ربنا يعاقبه بأيّ كيفية، اللعنة هذه ما شكلها؟ المهم أن العقوبة هذه تطبق لكن تمادى إبليس وقال (قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) ص) وقال أنا هؤلاء الناس الذين فضلته علي سأقعد لهم على صراط المستقيم وسأعمل كذا وكذا ولن تجد أكثرهم شاكرين وستجد منهم الكافرين الخ وسأجعل منهم شغلتي. فربنا قال له اذهب والذي يتبعك أنا سأملأ بكم جهنم، فهل المفترض أن لا يحدث هذا الشيء وأننا نحن كنا يجب أن من أهل الجنة ولا يوجد شيطان ولا فتنة ولا هذا الكلام لغاية لما الشيطان قعد لنا ويحاول أن يوقعنا في المعاصي الخ كنوع من الانتقام بما أنك فضلت هذا المخلوق عني وجعلتني أسجد له وأمرتني وطردتني من الرحمة عندما لم أسجد له إذاً أنا سأنتقم منه ومن ذريته وأجعلهم شغلي الشاغل لكي أوقع منهم أكبر عدد ممكن أدخلهم معي النار لكي لا أدخل لوحدي. فهل هذا الموضوع حصل بتمادي إبليس وتطاوله أو أن الموضوع أساساً قدر مقدور من قبل أن يخلق إبليس ولذلك إبليس وهو يكلم المولى سبحانه وتعالى قال له (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي (16) الأعراف) فهل هي غواية إلهية؟ الدكتور محمد هداية: بداية أريد أن أرد على بعض السادة المشاهدين الذين اتصلوا بي عندما قالوا أنك أنت تسأل أسئلة تودي في داهية. أرد وأقول ليس دفاعاً عنك وإنما علاء بسيوني يعرف السؤال ويعرف لماذا يسأله وأظن أن المعلوم بالضرورة أن أنا وأنت نجلس كثيراً مع بعض إذن أنت غير محتاج أن تسألني هذه الأسئلة على الهواء حتى يظهر أنك لا تعرف الأسئلة وترد أن تعرفها، ثانياً هذا الموضوع فعلاً شائك وخطير جداً ومصيبة الأمة أننا منذ ولادتنا وأنا أتكلم عن كل حقبة زمنية نحن نرقّع الدين لكن لا نوضح الأمور نحن تعلمنا أن نبرر الأمر لا أن ندبر الأمر وفرق كبير جداً بين من يبررون الأمور الدينية وبين من يدبرون الأمور الدينية. الموضوع الذي نحن نتكلم فيه قبل أن أجيب على سؤالك وأنا فاهم السؤال وفاهم خطورته وأنا أقسم بالله العظيم أن الذي سوف يفهم هذا الموضوع سوف تتصحح عقيدته وسوف يعيش براحة وهذا الهدف من سؤالك. علاء: شاع أن الذي يحاول أن يصحح بعض المفاهيم المغلوطة السائدة يتعرض لهجوم ونحن نقول هذا نوع من الاجتهاد نرجو من الله أن نكون مصيبين فيه ونحن لسنا غاضبين ممن يتعرض لنا أو يهاجمنا ونسامحهم ونعفو عنهم قبل يوم القيامة. د. هداية: الموضوع سأضرب أمثلة ولله المثل الأعلى لكي نفهم أين نحن وسأضرب مثال من الآية، فالشرح البسيط للآية يبين أننا غير فاهمين للآية والشرح البسيط أقصد به العميق البسيط ليس السهل ولكن العميق وهذا مفهوم عكس شيوع الكلمة أذكر شخص أتى للدكتور رمضان عبد التواب ويقول له بسط لي الأمر قال له حاضر فأعطاه عشر كتب فقال له أنا أقول لك بسط لي فأعطاه خمسة عشر والدكتور فاهم ما الذي يفعله فلما سأله ما الذي تقصد ببسّطه؟ قال له بسّطه فقال له سيكون عشرين بذلك تكون قد أكثرت على نفسك يعني قوله (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ (37) الروم) يعني يضيق عليه؟ لا فالتبسيط غير التسهيل وغير التيسيير. لما واحد يذهب إلى دكتور متخصص في أي تخصص طبي الدكتور يكشف عليه ويكتب له وصفة فيها ثلاث اربع أدوية هو يأخذها ويذهب إلى الصيدلية يصرفها ويأخذها ويشفى صح؟ هل من المنطق أو المعقول أن هذا المريض يقول للدكتور لحظة هذا الدواء ما الذي سيفعله بجسمي؟ ويسأل عن كل دواء فيقوم الدكتور يشرح له بيولوجي وفارموكولوجي هل هذا منطق؟ بذلك تحتاج أن تدخل إلى كلية الطب لتدرس سبع سنين فأنت تتكلم في المستحيل فأنت المفروض عندما تأتيك هداية من السماء تقبلها كيف؟ تقبلها على مدار اعتقادك في هذا الإله وهذا الرسول. ولا أريد أن أطيل فهذا الذي عمله الصديق في مسألة الإسراء فالصدّيق كان مضمون كلامه رضي الله عنه أن هذا الكلام فعلاً لا يُصدّق لأنه ليس منطقياً لكن يُصدّق إذا قاله رجل أنا أصدقه تصديقاً مطلقاً أنا لا أناقش وراءه أي شيء. الآية التي معنا وسأضرب المثال من هنا التي وقفت عندها وقلت اللفظ الذي أغضب قلة من الناس فالناس التي فهمت لم تغضب بالعكس هم يريدون أن يسألوا السؤال هكذا (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) هل انتبه أحد من الزعلانين الذي يدّعون الفهم هذه الآية ردّ على ماذا؟ هل الآية تقرير في البداية أو ردّ على قضية؟ هو هذا السؤال الذي لو فهم سنفهم القضية كلها. الآية التي قبلها ماذا طلب المجرمون؟ (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) السجدة) سأعيدك إلى أول الآية لم يقل لك طلب المجرمون من الله كذا إنما خاطبك أنت وكل من آمن وكل من دُعي إلى الإيمان قال لك (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ) يعني هو أخذ المؤمنين وقال لهم عيشوا هذه اللحظة من وأنتم لا تزالون في الدنيا ولذلك قال (وَلَوْ تَرَى) ثم قال (وَلَوْ شِئْنَا) هذا الكلام توقيع لغوي مبدع وأنا لا أريد أن أطيل فيه فقط أريد أن أقول للذين يقولون يا جماعة انزلوا للناس أريد أن أقول لهم نحن زمان نزلوا العلماء لنا جداً وجلسوا معنا تحت وهذا لا ينفع، هذا الكتاب مثل الروشتة لو أنت تريد أن تفهم يجب أن تدخل الطب وتدرس إنما من عظمة هذا الكتاب هو يقول لك فقط اقرأه بتدبر أنت لن تدرس سبع سنين في الكلية. نتوكل على الله ونشتغل هو يقول لك عيش اللحظة وأنت في الدنيا في قوله (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ) يعني عيشها من الآن كي لا تكون منهم. (نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ) لماذا؟ لأنهم أتاهم الهدى فرفضوه ولما وصلوا في اليوم هذا قالوا (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا) يعني هم طالبين الرجوع للدنيا فرصة ثانية ملحق، هذه الفرصة سيحصل فيها نوع من أنواع العمل بعد ماذا؟ سنفترض أننا سننفذ لهم طلبهم هم سيعودون إلى الدنيا ويشتغلوا صح إذاً الفرصة الثانية جاءتهم نتيجة أنهم عرفوا فقال لهم لو أنني سأرجعكم كنت هديتكم. علاء: كنت هديتكم غصباً أو بطريقة أخرى؟ د. هداية: لا تقديراً عدنا إلى القضاء والقدر دون أن نشعر وهي في قوله (وَلَوْ شِئْنَا) المشيئة. هم يقولون (فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا) فقال لهم (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) من الأول يعني. يعني لو أنا سأجاريكم في طلبكم كإله الإله لا يغير رأيه كنت من البداية هديتكم. وهو بعث الرسل لكي يهدي الناس إذاً الهداية هدايتان وقد تكلمنا في هذا الموضوع من قبل هناك هداية الدلالة وهداية المعونة هم الآن مشكلتهم في هداية المعونة فهداية الدلالة حصلت فالرسل أتت لكن الآن نحن نتكلم في هداية المعونة. يا معشر السادة هداية المعونة التي ستحصل في اليوم هذا أصبحت رؤية عين وليست غيباً ولذلك لما قالوا (إِنَّا مُوقِنُونَ) قل لهم أنتم كاذبون لأن اليقين والتصديق والإيمان بالغيب لكن عندما تصل النار تريد أن ترجع؟ّ هذه هي القضية. علاء: ولذلك كل المكذبين والكفار والمشركين الذين طلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أو من رسل من قبله طيب أرنا ربنا نريد أن نراه ولماذا لم يأتي معك ملك من السماء؟ طيب نريد أن نرى الملائكة؟ د. هداية: إذاً هم طلبوا الهداية بطريقتهم وليس بإرادة الله وهذا يعتبر نوع من أنواع رد الأمر على الآمر ولذلك سيحشرهم مع أول مخلوق عمل هذا الأمر وهو إبليس (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). علاء: إذاً كل من سيقلد أو يتّبع أو يقلد إبليس في عملته أنه يرد الأمر على الأمر ومعه كل من يجادل في آيات ربنا وفي أوامره والذي قال هذا فرض وليس فرض والخ كل هذا يعمل شيء من عمل إبليس فهو معه. الدكتور هداية: الرسول صلى الله عليه وسلم قال جملة تلخص كل هذا قال (المرء مع من أحب) اشرحها فسرها ترجمها هو هذا المضمون المرء مع من أحب يعني ماذا؟ بالله عليك أنت تتبع شخصاً لا تحبه؟! لا طبعاً حتى لو شتمت إبليس وعملت كعمله فهذا هو أنت مثله ربما لم تحبه لكن أحببت عمله واتبعته. علاء: السؤال لو أنا قلت بلساني أنا لا أحب إبليس هذا مخلوق لعين ومطرود من رحمة ربنا وهو الذي يوقع الناس في المعاصي وهو سبب البلاء والفساد وظللت أشتم فيه من الآن إلى الغد لكن كل تصرفاتي تقلده وتعمل كل الذي يقول عنه أو يوسوس به هو وأعوانه أو كل الذي نهانا الله عن عمله فهل أنا فعلاً كرهته أم هذا فقط كلام؟! ونرجع للآية (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (6) فاطر) الكلام قسمان أولاً ربنا يقول لنا الشيطان عدو والجزء الثاني أمر اتخذوه عدواً وأنا عشان أعادي أحداً ما فيه تصرفات يجب أن أعمله أكون فاهمه ومذاكره وعارف أساليبه ومحضر له القوات التي سأواجهه فيها ولا أفعل الذي يوقعني فيه وأخرج من الفخ الذي يوقعني فيه يعني فيه حاجات لازم أعملها عشان يكون عدواً. ما دام الشيطان عدو وأنا أقوم بكل التصرفات التي يوقعني فيها يبقى أنا داخل النار معه في مجموعته، هل هذا هو السبب الذي من أجله ربنا قدّم في قوله (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) الجِنّة الأول ثم الناس أجمعين هل هذا سبب؟ الدكتور هداية: الإمام قبل المأموم. أولاً هو الذي يسوق وأنت وراءه إذاً راضي به هذا الرد على السؤال الأول، لكن عندي سؤال أخطر لماذا جاء هنا (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)؟ لماذا قال (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)؟ كان يقدر أن يتكلم عنا نحن والقضية منتهية سواء إبليس في النار أو ليس في النار أنت ستفاجأ به في النار لكن المولى يريد أن يلفت نظرك أن هذه قضية وأن هذا موضوع متكامل النقطة التي قلتها فيها جزئية في منتهى الخطورة لم ينتبه لها كثير منا لماذا أمرنا الله تبارك وتعالى إذا أردت أن تقرأ القرآن أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم؟ هل انتبه أحد لهذا؟ لماذا قال لك (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) النحل) لماذا؟ لأن عمله هو سيبدأ عليك من التلبيس في أنه لا يجعلك تفهم المنهج ليس فقط يوسوس لك فالناس تظن أنه يوسوس لك بالمعصية لا فهو أشطر من هذا فالذي يوقعك في الحقيقة عدم فهمك للمنهج الذي قال لك لا تعصي لا تسرق لا تزني لا تكذب فأنت مشكلتك أنه يعمل عليك تلبيس في فهم هذا المنهج فلما يدفعك ستقع لأنك أنت ليس لديك التحصينات الكافية في فهم المنهج هذا أولاً. والأخطر من ذلك أن الآية التي معنا المولى عز وجل يقول فيها جملة التي أنت قلت بسببها كلمة -تودي في داهية- أن ممكن أحد من الذي يسمعنا أو يقرأ يقول لك طيب هذا هو فإذا كان (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) إذاً المولى هو الذي أوقعنا في هذه المسألة. ونحن سمعنا هذا الكلام بأنفسنا من ناس يتكلمون في نقطة هل نحن مسيرين ولا مخيرين في مسألة القضاء والقدر والتيسير والتخيير والهداية. يجب أن نقف هنا لأننا إذا لم نفهم الأسباب لن نستطيع أن نصل للحقائق. لما السؤال هذا كان يُطرح من مائة سنة كانت الإجابات يصل معك إلى جزء إلى أن يستطيع السائل أن يورط المسؤول في مسألة " يعني هو ربنا الذي جعل الكافر كافر؟!" تكون الإجابة: لا مش هكذا أنت لست فاهم الخ، طيب ما هي؟ لا يقول له فيظل الحال على ما هو عليه في أن أنا لم أعتقد صح. ونحن اليوم نريد أن نعتقد صح فالقضية على النحو التالي: أولاً أنا بقول أن آية 13 سورة السجدة هي رد على الآية 12 هم يقولون للمولى عز وجل أرجعنا قال لهم – بالمعنى أنا أتكلم بالمعنى الآن- لو أنا سأرجعك الآن كنت هديتكم من الأول (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) من الأول يعني، ثانياً هذه الآية بعد كونها رد على الآية 12 هذه الآية تكون من غير أن نشعر تصنيف للخلق يعني ماذا (لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا)؟ طيب أنت يا رب أعطيت بعض النفس هداها المطلق؟ نعم، الملائكة. فهم خلق لا يخطئون وأنت يجب أن تعتقد أن المولى قادر على كل صنوف الخلق هو خلق خلقاً لا يعصون الله ما أمرهم (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6) التحريم) والخلق الثاني من الجِنّة والناس قسموا إلى قسمين قسم يسمع ويفهم وينفذ والقسم الثاني هذا غريب جداً قسم يسمع ويفهم وعند التنفيذ يقع وقسم يسمع ويفهم وينفذ وهؤلاء قلة وقسم يسمع وكأنه لا يسمع وقسم يسمع ولا يفهم وقسم يسمع ويفهم ولكن لا ينفذ ستعدد صنوفاً ليس لها حصر من الجِنّة والناس ولذلك في الآية (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) ولكن إذاً يكون هنالك شيء حدث أدى إلى منع حصول هذا الطلب. علاء: لماذا هداها وليس الهدى المطلق؟ هل كل نفس لها مفتاح غير الأخرى ؟ د. هداية: طبعاً، قال (ولكن) هناك أمر حصل جعل الطلب لا يستجاب وجعلت موضوع الطلب مستحيل وهو الأول أنكم تعودوا للدنيا مرة أخرى هذا لن يحدث، أسألك سؤالاً لماذا لا يعودون؟ لماذا لا يرجعون؟ أولاً لأن المولى عز وجل لا أحد يستطيع أن يمشي عليه كلام فهو لا يُسأل عما يفعل. ثانياً لو أنت نظرت إلى الجدوى من الرجوع تجدها غير منطقية لأنهم خلاص رأوا بأعينهم رأوا النار ولكي أعطيك مثالاً علاء واقف في لجنة امتحان ومحمد واقف يتفرج فهنالك اثنان يمتحنون الأول أعطاه ورقة الإجابة فوجده أخذ 70% هذا في الجنة والثاني صفر فقال له طيب أعطيني الإجابة وأنا سأنقلها لك يعني أعطيني إجابة الأسئلة ووالله العظيم سأكتبها فراح علاء عامل هكذا فالواقف يقول أن علاء ظالم لأن الآخر صاحب الـ70% الذي من البداية ذاكر وتعب واجتهد إذاً أنت كعلاء لا تنفع كمراقب ولا شيء أبداً لكن أنت تتكلم عن إله. فإذاً أولاً المولى لا ينفع أن يتغير كلامه وثانياً منطقية الرجوع ليست واردة ليست في العقل ولا المنطق ولا الحسابات المنطقية بعيد عن الدين صح؟ أنت انتبهت من كلمة (هُدَاهَا) كأنه يقول لك أن ليست كل نفس مثل الأخرى صح؟ وتستطيع أن تقول لي لماذا؟ لأن عندك في البشر الذي ولِد ذكياً أو غبياً أو فقيراً أو غنياً أو وسط في العلم ووسط في المفاهيم ووسط في الذكاء والغباء ووسط في المال فاهم؟ لدينا صنوف كثيرة وليس باختيارهم إذاً في النقطة الثانية فعلاً كل نفس من هؤلاء تحتاج إلى هدى يختلف عن الثانية، فكل شخص مدخله مختلف عن الثاني فالذي يصلح هذا لا يصلح الآخر والعكس ولذلك انظر إلى التعبير القرآني (كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا). هنا سنعود إلى القضية الأولى وهي قضية يا سادة إعملوا. وسأعيدك لشيء حصل في رمضان تبين لك هذه القضية التي سأتكلم فيها الآن، تتذكر حديث (إذا جاء رمضان فتحت وغلقت وصفدت....) المفهوم العام عند الناس ماذا؟ أن المولى يفتح باب الجنة ويقفل باب النار ويمسك لي الشيطان، طيب أنت هكذا ما الذي فعلته لكي تأخذ أجراً عليه؟ّ أنا الذي فتحت لك- ولله المثل الأعلى-أنا فتحت لك وقفلت لك ومسكت لك الشيطان طيب ما الذي فعلته؟ أين عملك؟ هنا القضية يا علاء لما تأخذ مفهوم الناس تحلله مثل تحليل المعامل الكيميائية تحليل نفسي تجد أن الناس يريدون الشيء على الجاهز أنا لا أريد أن أعمل أنا أريد ربنا يفتح لي باب الجنة ويقفل لي باب النار ويصفد لي الشيطان وأنا أدخل الجنة، يا سلام!ّ انظر إلى المنطق العجيب! هذا كالدعاء الذي نسمعه في بعض المساجد (اللهم أهلك الظالمين بالظالمين وأخرجنا من بينهم سالمين) نحن ليس لدينا أي دور لن نجاهد ولا نقاتل في سبيل الله الخ لكنك ستخرج سالم! طيب أنت ما الذي فعلته لكي تخرج سالماً؟! هذه نقطة هنا القضية تكمن في أن الناس يريدون يعني يقول لك لخص لي ليالي العام في النصف من شعبان وليلة القدر، يعني هو يريد أن يعمل فقط يومين في السنة أو ليلتين ويريد بمفهومه هو أن يلخص الـ12 شهر في رمضان بدليل أنه لا يدخل المسجد إلا في رمضان فكأنه هو يقول لك يقول للإله الحق الذي قال (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ (43) البقرة) وجاء بها بلفظ الجماعة والرسول شرحها يرد عليك يقول لا هي في رمضان أنت كإله لا تتعبنا هي في رمضان. إذاَ المفهوم هذا يحتاج إلى تعديل ولما قال (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ) ماذا يعني ولو ترى؟ يعني ليس الكل سيتدبر يعني يريد أن يقول لك إذا أنك أنت تخيلت الأمر ستنجو ولذلك قال لك (وَلَوْ تَرَى) ولما رد عليهم قال (وَلَوْ شِئْنَا) يعني كأن الذي سيتخيل هو الذي سيخرج من بند المشيئة بالنار على قدر ما هذه قليلة هذه قليلة. هنا قال (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ) وهنا قال (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) أكيد بالقطع هذه ليست هداية الدلالة لأن الرسل قد أتوا وانتهوا وأتوا لكل الناس وقلت لك من قبل لا يوجد أحد واقف على باب الجنة يسأل علاء سؤال شرطي للدخول فالذي يوزن ويقرأ الكتاب ويضبط حاله يدخل الجنة دون أن يعترضه أحد لكن انظر من باب العدالة هناك من يقف عند النار لأن الذي سيدخل سيدخل وهو متضايق فهو يدخل يطمئنه (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى (9) الملك) إذاً تفضل، فهنا يقول (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) إذاً هذه هداية المعونة. علاء: قضية الهداية أو هداية المعونة تحتاج إلى شرح وتحتاج إلى أن نربطها بقضية الإنسان مسير أو مخير ومسألة الهداية بالتحديد تتوضح من آيات كثيرة قرأناها في القرآن (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (30) الإنسان) وهذه نفس القضية، الرسول صلى الله عليه وسلم يهدي الناس لكن الذي يأتيه احساس أنا شاطر وأنا عشان اهتديت واشتغلت وعملت الرسول يذكّرك ويقول لك لا (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) الدكتور هداية: لكن انتبه أن الجهة منفكة في مفهوم ألفاظ الرسول وليس في المعاني ماذا يعني (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) معنى هذا أنكم لا تعملون؟ بالعكس هذا معناه أنك تعمل كثيراً لكي تكون من أهل الجنة. فالجهة منفكة في المفهوم بمعنى ماذا؟ (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله) يريد أن يعيدك لمشيئة الله بالهداية التي يجب أن تحمد ربنا عليها بالعمل. علاء: سؤالي هو هل هنا معنى الآية (لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) كأنه يريد أن يوصل رسالة للبشر انتبهوا أن الذي يتكلم هذا إله وعنده طلاقة القدرة فلو كل الناس وكل نسل آدم عليه السلام أردت كإله أن أضع في قلبه الهداية غصباً حتى لو هو لم يرد يعني يريد أن يقول أنه ليس هناك إنسان يظن أنه يتكبر على الله أو أنه كفر أو جحد بوجود الله دون إرادة الله وربنا لم يقدر عليه أو ربنا لم يستطيع أن يهديه لا فهو لو أراد أن يقول كن فيكون فلان هذا من أعتى كفار المشركين فجأة يهتدي وهو مؤمن ولو أنه كافر ولو أنه مؤمن؟ الدكتور هداية: يعني كلامك يا علاء يصادف الحقيقة الغائبة في مسألة القضاء والقدر والقدرة الإلهية المطلقة. يعني تعال على أبو بكر الصديق وأبو جهل، أبو بكر الصديق توصيفه أنه في الجنة ومن أهل الإيمان ومن العشرة المبشرين بالجنة طيب لو أن الله أراده أعلى درجات الكفر كان أبو بكر بكل ما أوتي من طلاقة في الإيمان يقدر أن يغير قضاء الله؟ ويكون ابو بكر غصباً عن الإله الحق؟ لا طيب والعكس بالعكس وأبو جهل بكل ما أطلقه هو من كفر لو أن الله أراد له الهداية ما الذي كان سيحدث؟ كان سيكون الصديق انتبهوا لهذه النقطة فهذه هي السوادة سوادة مسألة القضاء والقدر والمشيئة المطلقة لله تبارك وتعالى؟ يعني ماذا؟ يعني لا مؤمن أعجز الله في الكفر ولا كافر أعجز الله في الإيمان. علاء: تذكرت آية في سورة يونس (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) يونس) الدكتور هداية: هذا الإكراه هو فرع المشيئة المطلقة فيما أراده الله. يعني لا ينفع أن يشد الرسول حيله كثيراً فيجعل شخص ربنا كاتب أنه يكون كافر مؤمن وهذه قضية صعبة للغاية على الرسول صلى الله عليه وسلم، علاء: يعني اعذرني أنا طبعاً لا أقلل من قدر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أدواته لكن أنت تتكلم عن بشر يتلقى وحي أنه نبي ثم يتلقى التكليف بالرسالة مرسل إلى القوم وإلى الناس وإلى الأبيض والأسود والأحمر لكي تحقق الهدى وتخرج الناس من الظلمات إلى النور، طيب ما هو المؤشر؟ لو أنا نبي وتكلفت أن أذهب لمهمة وهؤلاء الناس الذين دخلت عليهم لا أعرفهم يعني في إنسان من أول لحظة تكلمه يسمع كلام القرآن الكريم ويهتدي والتاريخ الإسلامي مليء بهذا يعني مثلاً عمر بن الخطاب لم يكن من أوائل المسلمين وهناك من الناس من آمن لما رحل المسلمين إلى المدينة، طيب أنا كبشر كرسول أعرف فلان آخره فين يعني بعد المرة الثانية سيهتدي؟ أم مكتوب عليه أنه من الكفار؟ هل أحاول معه ثلاث مرات؟ أو خمس مرات؟ أو عشر مرات؟ أو أيأس منه؟ يعني أين الميزان الحساس هنا؟ الدكتور هداية: الميزان الحساس في التكليف الإلهي ومناطه، يعني ماذا؟ هو قال له (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء) تفهم ماذا؟ أنك أنت الذي ستلمسه سيهتدي صح؟ فالواقع لم يعطي المعنى لأن هذه من الآيات التي تمشي بلازم معناها يعني مناط هذه ماذا؟ هو لما قال له هكذا رجع وقال له (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) النور) وعاد وقال له مرة أخرى (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) الغاشية) صح؟ رجع وقال له نقطة غريبة جداً غريبة على الذي يريد أن يفهم وهو نائم لا ينفع، قال له في آية (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص) صح؟ ثم رجع وقال (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) الشورى) هو يا ربي يهدي ولا لا يهدي؟؟ هو القرآن ببلاغته يريد أن يقول لك افهم أن الهداية هدايتين هداية دلالة وهداية معونة. إذاً آية النفي تنفي هداية المعونة، فالمعونة من الله وليست من الرسول لأن الجهة منفكة في إطلاق هداية المعونة هي من مين؟ هي من المكلِّف أو من المبلِّغ؟ علاء: المبلِّغ أو الرسول أو النبي عليه أنه هو يبلغ ويدلك على طريق الجنة وطريق النار وافعل ما تريده الدكتور هداية: هذه هي المشكلة في موضوع (هُدَاهَا) لماذا؟ نحن كنا نتكلم في أن الناس يريدون أن يدخلوا الجنة وهم نائمين الجنة تفتح والنار تقفل والشياطين تسلسل ثم أدخلني الجنة، بماذا؟ أنت لم تفعل شيئاً! اسمع القرآن في توقيعه في هذه النقطة فالذي أريد أن أقوله للسادة المشاهدين الآية 13 هذه توقيع لآيات أخرى توقيع للآية التي لما الشيطان قال سأعمل وأقعد لهم الخ فقيّد ربنا أفعاله وكتّفها كيف كتّفها؟ كأن الشيطان يقول شيئاً طبعاً هو بخباثته فهم القضية كلها فحاول أن ينسب الفضل لنفسه فقال (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) الحجر) فقال له ربنا (إِنَّ عِبَادِي (42) الحجر) وأنا من قبل قلت انتبهوا للياء، عبادي أي الذين يستحقون وهم عباد الرحمن (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ (42) الحجر) هذا ليس من عندك فهذه قضية قاضيها المولى عز وجل أنك أنت بكل الذي تتصور أنك تستطيع أن تفعله أنت ستفعل في فئة يستحقونها أما الفئة التي لا تستحق فأنا حاميهم من قبلك من قبل أن أخلقهم صح؟ تعال نوقع في آية قال فيها المولى عز وجل (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) الشمس) قفلنا وروحنا وخلصت كذا كان يبقى مفهومك صح لكنه قال بعد ذلك (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس) الفعل هنا للإنسان إذاً أنت يجب أن يكون عليك دور، إذاً للهداية لله والهداية للرسول، المعونة لله والدلالة للرسول وأنت أين دورك؟ فهي لم تنتهي فأنت عندما تقرأ (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) سيظهر من الناس من يقول انظر إذاً الأمر بيد الله لو كان يريدنا أن نكون كويسين كنا سنكون كويسين، طيب أين أنت؟ أين دورك؟ علاء: نستطيع أن نقول لو أن ربنا سبحانه وتعالى أجبر كل الناس أنها تذاكر وتكون كويسة وتمشي على المنهج إذاً أين الامتحان وأين الابتلاء والفتنة؟ بل العكس أنه من مطلق الحرية والعدل الإلهي أنه أعطى الحرية لكل بني آدم هذا هو المنهج وهذا هو طريق الجنة وهذا طريق النار اعمل الذي يحلو لك. الدكتور هداية: انتبه هذه الآية مهمة (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)) ألهمها هنا يعني بيّن لها يعني أعطاها الدلالة بالأنبياء والمرسلين ألهمها فجورها وتقواها وهذا لا يعني أنه وضع فيها الشر وخلق الإنسان شرير بدليل أنه قال (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) الفعل لمن؟ فعل التزكية لمن؟ أنت الذي زكيت نفسك أو خيبتها. علاء: حياتنا كلها ندوات ولقاءات واحتكاك بالناس والكلام الذي سأقوله نسمعه كثيراً من ناس يقرأون القرآن ولكن غير فاهمين أو يقرأون وفاهمين ولكن لا يطبقون أو يقرأون ولا يفهمون لكنهم خائفين من السؤال فنحن نسأل عنهم هذه الأسئلة بضوابط القرآن الكريم لكي نرفع الحرج عنهم والذي كان متجهاً للضلال لأنه تعمق في الفكر والشيطان لعب في أفكاره نحاول أن نجذبه إلينا لكي يكون عندنا عقيدة سليمة. الدكتور هداية: أولاً نتكلم عن الآية ونقف عليهم الحلقة القادمة أولاً (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)) أي بيّن لها فجورها وتقواها وأرجع الفعل لكل واحد منا قال (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)) صح؟ المفهوم هذا يجب أن يكون له توقيع في التنفيذ يعني صح؟ قال (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) البلد) هذه هداية أيضاً، الفعل لمن؟ للإنسان يعني الدلالة الهداية كانت من الله وأنت عكست مناط الهداية وعملت مقلوبه قال (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)) ولم يقفل ولم يقل ما دام عمل هذا يجب أن يدخل النار لا بل انظر إلى رحمة الله قال (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) البلد) يعني أعطاك حلولاً حتى للذي يكفر للذي يغلط للذي يأثم فالموضوع لا يزال فيه فرص ثانية طالما لا تزال في الدنيا وهي التوبة. هل فهمتم لماذا نحن نخرج من هذه وندخل على هذه لكي نرجع مرة أخرى لأن الذي قلناه من قبل أن التائب ممكن أن يرجع مرة أخرى ويقع في نفس المعصية إذاً لم يتب طيب لماذا يفعل هذا؟ لأنه لم يفهم ولأنه لم يتب صح ولأنه لو تاب مرة صح والله لا شيطان ولا نفس يقدرون عليه. يبقى توقيع (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) توقيعها (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)) يبقى ربنا لما لم يعطيه الهداية كان يستاهلها بدليل أنه لم تكلم قال (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) الكهف) يبقى أنت لما تسعى للهداية ربنا يعطيك إياها ولما تسعى للضلال؟ يتركك فيه لأنك أنت الذي اخترت أنت حر. علاء: نستطيع أن نلخص أنه ما دام ربنا سبحانه وتعالى أعطى الطريقين الصح والغلط للناس وبيّنهما لك جيداً وفي النفس وهي من المفترض في الفطرة قبل إرسال الرسل ومع ذلك أرسل رسل لكي يذكرونك بالمنهج بدليل أنه قال (بِمَا نَسِيتُمْ (14) السجدة) نسيتم ماذا؟ العهد الأول (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ (73) الفرقان) إذن كان هناك شيء من قبل أنا لا أشرح له من الأول أنا فقط أذكره. علاء: يبقى الذي مشي صح هو الذي عمل هكذا وربنا كرمه والذي مشي غلط أنت الذي اخترت وأنا أقدر كإله أجبرك أنك تمشي في الطريق الصح بس حكمتي ليست هكذا ويكون بذلك ظُلم الإنسان الذي اشتغل وذاكر من تلقائه، سؤالي (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)) نسمع بعض الأراء تقول أن كل المجرمين وكل الناس الذين لديهم شذوذ في تصرفاتهم وفي حياتهم إما الجنسية أو غير الجنسية والخ وكل الذي نسمعه اليوم عن تبادل الزوجات وزنا المحارم والبلاوي السوداء التي نسمعها في زمننا اليوم تجد هناك من يدافع ويقول طيب هم ما ذنبهم ؟ فالقرآن بتاعكم هو الذي يقول هم خلقوا هكذا فيهم الفجور والشذوذ والجينات بايظة الخ هو خرج وجد شهوته هكذا ووجد طريقته هكذا لقى حياته هكذا فحرام لماذا تقول عنهم أنهم في النار وأنهم مجرمون وليه وليه الخ فهذا ظلم هم خلقوا ووجدوا أنفسهم هكذا، هل هم فعلاً مظلومين ولا ظالمين؟ نجاوب على هذا السؤال إن شاء الله الحلقة القادمة بإذن الله. أشكرك يا دكتور وتحملونا في هذه الأسئلة لأنها ليس من قبيل الصدف أنه ونحن نتكلم في الألفية الجديدة وبعد حوالي 14 قرن هجري نرى كل الموبقات وكل المشاكل التي الرسول صلى الله عليه وسلم تنبأ أنها ستحصل في زمن من الأزمنة وينتشر هذا الفساد فلو دورنا أننا لم ننور الناس ونوضح الحقيقة وأصلحنا العقيدة إذاً نكون قصرنا ونحن لا نريد أن نكون من المقصرين بل نريد أن نكون من عباد الله المخلصين ادعوا لنا بالهداية ونحن أيضاً ندعو لكم ونراكم بألف خير سلام الله عليكم ورحمته وبركاته بُثّت الحلقة بتاريخ 4/11/2008م |
التوبة والاستغفار 88 تقديم علاء بسيوني د. هداية: القرآن رد على هذا الكلام بدليل قوله تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) الشمس) يعني الله تعالى سوّى هذه النفس بكل ما في كلمة التسوية من معاني عظيمة وخلق الخلق في أحسن صورة وأحسن تقويم (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) التين) لم يقل تكوين وإنما قال تقويم أي ما يقوّم هذه النطفة بمعاني واسعة قد يضيق العقل الساذج عن فهمها، (ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)) هنا بفعله وعمله ولذلك (جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) الواقعة) سواء في الجنة أو في النار فالمسألأة لا يمكن أن تفهم أبداً على هذا المارد فالناس لم تتكلم عن مريض القلب هكذا ولم يقولوا عن مريض الإدمان هكذا لكن هذه نعرة حتى يخرجوا خارج مسؤولية فساد أخلاقه لا فساد عمله، هذا الفساد الأخلاقي المسألة فيها كلام كثير جداً هل هي مسألة مرضية أو خلقية أو خِلقية هذه قضية كبيرة؟ المقدم: إفترض أنها حالة مرضية ألا تعالج؟ كما لو أصيب الإنسان بمرض الكلى أو في الكبد فهل يترك ليموت ونقول له الله تعالى خلقك هكذا؟! د. هداية: تعالج، لا يجب أن نعالج. نحن نرد عليهم بإحصائيات من الغرب أن هناك حالات تم شفاؤها تماماً لكن الذي ذهب للعلاج كان صادقاً مع نفسه أنه يريد العلاج تماماً مثل الإدمان والكلام فيه كثير الذي ينجح في علاج الإدمان الحقيقي هو المتدين الذي يذهب للعلاج بنزعة دينية لا نزعة اجتماعية وهذه حالات عندنا إحصائيات فيها فالرجل الذي جاء بنفسه تديناً مخافة رب العالمين ليست مسألة اجتماعية شكلية وإنما مسألة دينية مع أن الكتاب في الطب المجرد عندهم يقول أن المدمن إما يموت وإما يُسجن ليس لها ثالث وإنما الطب الذي يقوم عليه متدينين ثبت بالإحصاء أن الذي يأتي للعلاج بنزعة دينية يتقي وجه الله لا يكذب ولا يمثل يشفى تماماً. وهذه قضية يرد عليها القرآن (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) البلد) من الذي اقتحم العقبة؟ والباب مفتوح (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13)) باب التوبة مفتوح أربع وعشرين ساعة لكن نقول للناس طبقوا قول الحق (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ (17) النساء) لا تؤجل حتى لا يقال لنا آلآن. المقدم: خصوصاً أن إرادة المولى تعالى اختلفت ببعثة محمد r أقصد أنه في الأقوام السابقين كان دائماً ربنا يبعث نبي لقوم من الناس بأمر معين توحيد وسلوكيات معينة فيكفروا فيرسل الله تعالى عليهم العذاب إما صيحة أو ريح فالعقاب كان يأتي في حينها وتكلم القرآن عن قوم عاد وثمود وهود ولوط ولما بعث النبي r اختلف الموضوع وجعل الله تعالى يوماً الدين للحساب لكن أقف مع قوم لوط الذين عاقبهم الله تعالى بعقوبة مختلفة فهناك من عوقب بالصيحة ومنهم من عوقب بالريح لكن قوم لوط القرية كلها والمكان الذي كان فيه اللواط رفع للسماء ثم قُلب فهل شكل العقاب كأن الله تعالى يقول لهم كما أنكم قلبتم الفطرة فأنا أيضاً غيرت شكل العقاب وفي سورة هود (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)) ختام الآية هل هو تهديد وإنذار لكل من يسير على هذه الطريق؟ د. هداية: كل شيء ذكر في القرآن له هدف أن تنتبه لكل ما حصل للأقوام موعظة لك لأن القرآن كتاب منهج وكتاب يحمل التبشير والإنذار كما يحمل هذه يحمل هذه وقصر بعض الآيات على هذه وبعضها على هذه وقال للرسول (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ (99) المائدة) أي بلاغ؟ في سورة يوسف قال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) يعني هذا القرآن يحمل قصص السابقين حتى تنتبه أن كل واحد كان له عقاب كان من جنس عمله كما ذكرت مسألة عاليها سافلها. وهذا الكلام له معنى لغوي بلازم المعنى خطير ومبدع. وعقابهم حتى من أصحاب هذه القرون من بعد محمد r سيكون بهذه الطريقة يوم القيامة مثل الزناة. قضيتنا الحقيقية هل كتب الله علينا هذا أم أن الله تعالى خلق نفسي ونفسك في أحسن تقويم وأنت عليك أن تعمل؟ المقدم: ملحوظة مهمة جداً هل يكون ضمن المشاكل والعولمة التي نعرفها أن بعض الناس لا تعرف ولكن الفضول يقتله فيدخل القنوات الفضائية الغربية التي فيها شذوذ وأمور غريبة أو بعض المواقع على الانترنت فهل هذا يفتح المجال لهؤلاء الناس الذين كانوا أسوياء أن يجربوا هذه الأمور ويبدأ سقف الرغبات يرتفع. زمان كان كل واحد راضي بزوجته أما الآن ومع ظهور الفضائيات وظهور فتيات عاريات وأجسادهن ظاهرة فأصبح كل واحد ينظر إلى زوجته بشكل أنه غير راض عنها وإنما يريد مما يراه فهل ننصح الناس أن لا يتفرجوا ويقفلوا أبواب الشيطان هذه؟ د. هداية: كل كلمة في القرآن جاءت لتضع الأمور في نصابها يعني ساعة قال لا تقربوا الزنا يعني لا تقربه من أي ناحية من أي باب، لا تقربوا لا تعني لا تزني وإنما لا تقربه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) المائدة) جاء على الكبائر وقال مرة في الزنا لا تقربوا وفي الخمر والميسر قال فاجتنبوه ماذا يعني تجتنبوه؟ يعني لا تدخل مكاناً فيه خمر ولا تجلس مع أحد يشرب الخمر أو يلعب الميسر الأوامر ليست هكذا وهي ليست مسألة تشدد. المقدم: يعني لا يقول أحدهم أنا أذهب معهم الخمارة لكني لن أشرب! د. هداية: لو كان الأمر كذلك لما قال تعالى (فَاجْتَنِبُوهُ). كل صانع صنعة ولله المثل الأعلى أدرى بصنعته فصانع هذه الصنعة سبحانه وتعالى الخالق الأعظم قال اجتبنوا، لا تقرب ثم قال صلّ، أعطانا ما يضر وما يصون فلما قال أقيموا الصلاة هذه صيانة الصنعة أن تعمل لها ما يصونها ولما تدرس معنى الصلاة (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ (45) العنكبوت) والبعض يقول فلان يصلي ويرتكب المعاصي نقول له هذا لا يصلي هذا صلّى وما صلّى، عمل حركات ولم يعمل المضمون الذي يعطي مناط الأمر بالتكليف. كالذي يقول لك كيف أعرف أني بت؟ إسأله هل رجعت للذنب ثانية؟ لإذا عاد يعني لم يتب. بعدما تكلم في سورة الفرقان (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70)) ثم قال (وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)) الذي يعمل هذه له دليل يدله إن كان تاب أو لم يتب فقال (وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)) يعني حتى تعرف إن كانت قبلت أم لا عليك أن لا ترجع، المتاب مكان آمن المفروض أن تذهب إليه ولا تعود منه لأنك لو خرجت منه فأنت لم تتب وطالما فتحت باب العودة تكون لم تدخل أو تكون قد دخلت بنية غير صادقة. القضية أنه لو فهمت هذه الآية (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) سنفهم ما معنى قضاء ما معنى قدر وما معنى عمل وفعل وحدث وحادث، حلقة اليوم هل فوجئ الله تبارك وتعالى بها؟ حاشاه وإنما هي مقدرة لنا من قبل آدم عليه السلام وسنثبت ذلك. نحن وقفنا عند المشيئة والهدى (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا) المشيئة لله أولاً وللنفس ثانياً والهداية هدايتان هداية دلالة رسول يرسله الله تبارك وتعالى يدل على الطريق وهداية معونة تجعل النفس تقبل هذا الهدى وتعمل به (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ (43) الأعراف) وهناك حديث للرسول r لو فهمناه نفهم المسألة "فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه" لماذا الأولى فليحمد الله والثانية فلا يلومن إلا نفسه؟ إذن المسألة مقسومة على اثنين لو دخلت الجنة إسمع كلام أهل الجنة داخل الجنة (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) كلام أهل الجنة داخل الجنة جعلهم يقولون أن هناك عملية تمت من الله تعالى ونحن قبلناها وحتى قبولنا بها بفضل من الله تبارك وتعالى (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) إذن هداهم هدايتان وهناك هداية ثالثة أيضاً، هداية الدلالة من الرسول وهي في الأصل من الله لأنه أرسل الرسول وهداية المعونة من الله أن جعلنا نستقبل هذه الهداية والهداية الثالثة نحن اهتدينا فهذا بفضل الله تعالى. المقدم: السؤال الذي نريد أن نطرحه في مسألة الهدى والهداية وربنا يتدخل لغاية أين ويترك الإنسان لغاية أين ثم يتركه لتلقي الهداية ناس كثيرة لا تفهم هذا الكلام وكثيرون يعتقدون أننا نقصد الزمن الذي نحن فيه وإنما الموضوع قديم قدم الرسالة والآيات تدل على أن الناس من زمان غير فاهمة فالله تعالى يقول (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (78) النساء) لو توقفت الآيات هنا لفهمنا أن السيئة والحسنة من عند الله تعالى وأنه هو يقدر الخير والشر لكن الآيات بعدها تقول (مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا (79)) فما الفرق بين (كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ) في آية (فَمِن نَّفْسِكَ) في الآية الثانية؟ د. هداية: القضية واحدة لكن هي مسألة الضمائر والمفهوم. الكافر يعمل الحكاية التي أنت ذكرتها أن الله تعالى كتب عليه هذا فهذه صورة التخلص من الذنب مثل شمّاعة إبليس كل ما يحصل من إبليس فأين النفس؟ هم قالوا الحسنات من عند الله والسيئات من محمد r يعني بسبب أنك إما أنك لم توصل أو لم تعرف تشرح. هذه المسألة تتكلم في وقوع الحسنة والسيئة هو قال (كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ) تقديراً لا قدراً. الفرق أن القضاء هو ما قضى الله به أزلاً والقدر هو وقوع القضاء. القضاء (كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ) والقدر الخير الذي أعمله فبفضل من الله والسيئة أنا الذي أخطأت فيها. هذا موضوع المشيئة والقضاء والقدر. المقدم: أذكر كلام الرسول r "لا ينزل بلاء إلا بمعصية ولا يرفع إلا بتوبة" د. هداية: هذا ليس حديثاً للرسول وإنما قول. المقدم: الإنسان لما يعمل معصية يرى العقوبة ضيق في الرزق ولا ترفع إلا بتوبة. د. هداية: هذه قضية ثانية. دعنا في موضوع (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) التكوير) الكلام على القرآن (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) التكوير) فالذي يريد أن يستقيم ويعمل به والذي يفتح المنهج ويعمل به غليه أن لا يغتر بعمله (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ). نضع عنوانين من توصيف هذا الإله الحق سبحانه وتعالى أنه لا يُعبد إلا بإذنه ولا يُعصى إلا بعلمه يعني ربنا لم يفاجأ بأبو جهل يكفر، السؤال الذكي ما ذنب أبو جهل؟ وما فضل الصدّيق وما ذنب أبو جهل؟ طالما المشيئة أنه وما تشاؤون إلا أن يشاء الله فمن شاء الهدى أو الهداية قدّر الله له ذلك ومن شاء الكفر والمعصية قدّر الله له ذلك إذا ما هي القضية؟ الآية 12 سورة السجدة (رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)) وفي موطن آخر قال (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (100) المؤمنون) فقال له (كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100)) رب العالمين رد عليهم فقال (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) قال مني وليس عليّ وقال (حَقَّ الْقَوْلُ) ولم يقل وقع القول أو قدّرت، حق القول يعني القول هذا في الجنة والنار حق الذي دخل هنا يستاهل والذي دخل هنا يستاهل. أنت تقول في سورة النساء أن النزاع قديم منذ نزل القرآن وأنا أقول من عهد آدم هناك نزاع بل إن هذا النزاع وقع بين موسى عليه السلام وهو نبي رسول وبين آدم عليه السلام وتكلم موسى بالحديث الصحيح عند مسلم بما يتكلم فيه الناس الآن وليس عيباً أن نسأل أسئلة وأن نتعلم وليس عيباً أن تقول كما تقول أسئلة تودي في داهية، موسى تكلم في كلام يتكلمه الآن عامة الناس قال لآدم أنت أبونا ولكن أخطأت وأتعبتنا وموسى هنا يتكلم ببشرية محض وآدم رد عليه فقال أنت نبي رسول اصطفاك الله كيف توجه إلي اللوم بشيء قدره الله عليّ وإذا قدّره على آدم يعني قدّره على بني آدم والرسول r يرد على القولين فيقول فحجّ آدمُ موسى يعني هو الذي ربح في المحاجة هذه، حجة آدم أقوى. موسى يقول له أنت أخطأت فخطؤك أخرجنا فرد عليه آدم هذا شيء قدّره الله عليه، حجة موسى تعيد خطأ آدم لآدم، الكلام لا ينفي وقوع آدم في المعصية لكن ما سببها؟ سببها ما قدره الله أزلاً. في حديث صحيح للنبي r: كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة" آدم وحواء عندما يُخلقا يحتاجان لأرض وسماء حتى يعيشا لكنه قال "قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة" خمسين ألف سنة جملة مجازية على سبيل لأن قدر الله أزلي. الرسول r يقول أن خلق أحدكم يُجمع في بطن أمه أربعين يوماً ثم أربعين يوم علقة ثم أربعين يوم مضغة يعني 120 يوماً ثم يرسل الملك فيؤمر بأربع كلمات يكتب أولاً رزقه يعني رزق المولود، ويكتب أجله يعني قضى عليه الموت قبل الولادة (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (2) الملك) ويكتب عمله وشقي أو سعيد. البعض سيقول ربنا كتب علينا العمل؟ هذا الحديث يبين أن هذا الإله ومن يرسل من رسل لا يبررون الأمر وإنما يدبرون الأمر، الرسول r يقول خلقك في بطن أمك أربعين أربعين أربعين ثم يرسل الملك مكلف بهذا ويكتب أربع كلمات رزقك وأجلك وعملك وشقي أو سعيد، شقي أو سعيد لا نفهمها على أنها في الدنيا وإنما في الآخرة نتيجة عملك. فيقول الرسول r يحلف " والذي لا إله غيره إن أحدكم يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب (أي القضاء) فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، هذا مكتوب له في القضاء أنه من أهل النار مع أنه عاش بعمل أهل الجنة حتى لم يبق بينه وبينها إلا ذراع أي الموت فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، حتى لو عمل بعمل أهل النار يوم أو ساعة. لو انتهى الحديث هنا كان هناك مشكلة لكن قال العكس: وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها. قال في الحالتين أن يدخلها والرسول r يريد أن يقول لنا أن ما قضى الله به أولاً لن يتغير. المقدم: الناس تستدل بآيات من القرآن، القرآن يقول (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (18) فاطر) فكيف أعبد ربنا سبعين سنة ثم أعمل معصية ولا أعرف أن أتوب وأموت وأنا لا أعرف أجلي فكأن سبعين سنة عبادة ضاعت في الهواء فأين الميزان؟! السؤال بالمنطق البشري أناس كثير يسألوه هل يمكن أن أعيش ستين سنة في طاعة مستمرة وشكلي ذاهب للجنة ثم أعمل معصية وأُقبض قبل أن أتوب منها فمعنى حديث الرسول r أن الستين سنة هذه بكل حسناتها لا تحسب والمعصية الوحيدة التي عملتها ولم أتب منها هي التي ستدخلني النار؟ أعتقد هذا ظلم! هكذا يقول الناس! د. هداية: الكلام ليس هكذا، هذا افتراض الناس لفهمهم وهذه هي المشكلة كلٌ يفهم الحديث على مزاجه. الرسول r لم يقل معصية واحدة وإنما قال (فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) والثاني (فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها) ما معنى هذا؟ يعني اعتقد سعني حصل تغيير في العقيدة وعمل بعمل إحداها فلا بد أن يدخل إحداها. لو أحدهم ولد مسلماً وكل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو يمجسناه أو ينصرانه يعني يعملوا فيه تغيير في العقيدة هذه تشرحها (فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (14) السجدة) أو نسيتم الفطرة التي أقررتم بالوحدانية فيها فذوقوا لقاء يومكم هذا. الرجل ولد مسلماً ثم دان بغير الإسلام وعاش ثلاثين سنة بغير الإسلام ثم سمع قرآناً أو قرأ كتاباً أو سمع برنامجاً فهداه الله هذا يصدق عليه فيسبق عليه الكتاب، سبق عليه الكتاب فتغير اعتقاده من الكفر إلى الإيمان وعمل بعمل أهل الجنة. المقدم: فيعتبر ما فات من الذنوب التي عملها خلال السنوات الماضية غفرت لأنه آمن؟ د. هداية: وعمل بعمل أهل الجنة. والعكس بالنسبة لأهل النار ولد مسلماً وعاش مسلماً ثلاثين سنة ثم سمع واحداً أضله ودار في قلبه أنه لن يذهب لصلاة الفجر وسيشرب فتغير اعتقاده وعمل بعمل أهل النار فيجب أن يدخلها. السؤال الذي ييمكن أن ُسأل ما الفترة في كل منها؟ والاحتمالات؟ هو عاش ثلاثين سنة مسلم ثم تغير الاعتقاد في لحظة وفي لحظة أعلن كفره ومات أين تضعه؟ المفترض أنه ما بقي سيكون على ما مات عليه أو هل هناك احتمال أن يعدِّل؟ المقدم: البعض قد يقول أنه من الممكن لو عاش أن يرزقه الله تعالى من يسمع منه فيعود إلى الإيمان. د. هداية: هذا الرد (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا (13) السجدة) لو كان هذا سيحصل ما كان ضلّ أساساً. ومصيره إلى الذي أُطلق علمه فهو سبحانه وتعالى علِم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون وسيحاسبه عليها وهذا ردنا على الذين قالوا لا توبة للعاجز قلنا لماذا؟ قالوا لأنه غير قادر ولو كان قادراً لعمل، نقول لهم ليس قادراً هذه أمامي أنا وأنت لكن الله تعالى سيحاسبه إن كان قادراً هل كان سيعمل أو لا يعمل وهو الوحيد سبحانه الذي يعلم ما لا يكون لو كان كيف كان يكون. أشرح سريعاً حديث الرسول r:" لن يدخل احدكم الجنة بعمله" وهذا لا يعني أن لا تعمل وإنما عليك أن تعمل أكثر. الصحابة سألوا الرسول r حتى أنت؟ قال حتى أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته أي يتغمدني ويتغمدكم. معنى الحديث أن الذي أمر بالعمل أمر بالعمل قال اعملوا هو الذي عنده الجزاء للجنة أو للنار، لهذا العمل أو ذاك لو أن دخول الجنة برحمة الله تبارك وتعالى السعي إلى هذه الرحمة هل يكون بالكسل والنوم أو بالعمل؟ بالعمل. لو أنك تأكدت بعد دراسات مستفيضة أن قول أهل الجنة في الجنة هو الذي يصادف المنطق الحق (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) هؤلاء الناس كانوا يعملوا. البعض يسأل لماذا العمل طالما دخول الجنة برحمة الله؟ نقول لهم إذا كان دخول الجنة برحمة الله فالسعي إلى إدراك هذه الرحمة لا يكون إلا بالعمل الصالح وبما أراده صاحب المنهج سبحانه وتعالى. المسألة أننا نحن نفهم الحوار على هوانا حتى نخرج أنفسنا من المسؤولية. المقدم: هل من ضمن الرحمة أن الذي كلفنا بالعمل سبحانه يعلم أننا ببشريتنا وضعفنا لن نحسن العمل على إطلاقه ولا أن نعدل العدل المطلق ولا أن نحسّن في عقيدتنا حتى نصل إلى درجة الكمال المطلق الذي يستحيل على البشر وهو من حق الإله الواحد القهار وبالتالي من رحمته بنا أن يتقبل هذا مع تقصيرنا ومع عدم إحساننا ومع نسياننا ومع غلكاتنا؟ د. هداية: هذا الكلام صحيح. هناك توبة وهدى من الله وهداية على الطريق واثناء الطريق لا بد أن أُخطيء. أزول حديث في التصنيف قال r: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" لم يقل ما عمل صان احتمال أنك إذا عملت لكن نيتك خير وقد تخطئ لكن إعمل ولا تخاف وإذا أخطأت تب إلى الله، إذا وقعت قم ولا تنسى نيتك وهدفك. إذا سرقت قد تكون غصباً عنك لكن بقاءك على هذا الخلق لا يكون غصباً عنك، إذن إن ربك لا يظلم أحداً. المقدم: كلمة (غصباً عنك) الناس تفهمها بشكل مختلف. إنسان لا يجد عملاً وهناك بطالة والأمور صعبة والظروف والأولاد جائعون ماذا أفعل؟ هل أسرق؟ د. هداية: السؤال هل كل الناس على هذه الحال؟ هل كلهم سيسرق أم أن معظمهم تحملوا أو بحثوا عن اي شغل حلال أو استجدى من الناس؟ لو غير المسلمين كلهم جاؤوا يوم القيامة قالوا لربنا أنت الذي خلقتنا عليه بقينا عليه ولم يسلم منهم أحد قد تكون حجتهم صحيحة وقد يدخلوا النار لكن لو أن واحداًً منهم فقط أسلم تقوم الحجة على الباقين لأنه وقّع المنطق ووقع قول الحق (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (27) لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29) التكوير) إذن ينبغي عليك أن تتحرك للهداية. رب العالمين لم يقفل باب التوبة والهداية أنت لا تعلم ما هو مكتوب لك لكن أمامك طريقان (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) البلد) المفروض أن أمشي في الخير لأن الله وضح لي الأمران. ما قضاه الله تبارك وتعالى بحكمته وخبرته هو الذي جعلني أمشي في طريق آخر يمشي في طريق آخر ولا أحد يقفل على الأول باب الرجوع ولم يقفل على الآخر باب النار فهذا بقي هنا بفضل من الله والآخر بقي بخطأ من نفسه ولكن بما قضاه الله تبارك وتعالى وهنا – وقد تكون الحلقة القادمة – الفرق بين الخبرة والعلم الذي هو مطلقاً لله تعالى ونحن كلق بمنتهى البجاحة نحاسبه تعالى على الخبرة. مثلاً إذا ضاف بي الحال فقلت لي إذهب إلى هذه الشركة سيعطوك مرتباً كبيراً وفي الطريق اقول لنفسي عندما اقابل رئيس مجلس الإدارة وأملي عليه ما أريده وساحضر في الوقت الذي يعجبني وأترك في الوقت الذي يعجبني، هذا بالنسبة للبشر فما بالك بالإله الخالق الذي لم ينازعه أحد في الخلق ولا في الرزق ولا في المرض ولا في الشفاء أنت تنازعه فيما لا قدرة لك حتى على إثباته وهو منطق المِلك لأن الناس تخلط ما بين الخبرة والكتابة أنه كتب علينا كذا. ضربنا مثال سابقاً رجل عنده ولدين في الثانوية العامة فحجز لأحد أولاده مكاناً في كلية الشرطة والآخر سيكون مهنياً في ورشة لأنه لن ينجح وعندما ظهرت النتيجة وأحد الأولاد تسعني في المائة والآخر رسب فهل الأول نجح لأن أبوه حجز له مكاناً في كلية الشرطة والآخر رسب لأن أبوه قال هذا؟ الأول نجح سعيه وجهده وجدّه والأب بخبرته عرف هذا والآخر رسب بعدم مذاكرته والأب بخبرته عرف هذا. لو الأب حاشا لله تفاجأ أن الولد الثاني حصل على سبعين في المائة سيفرح الأب بنتيجة الولد ولن يحزن على خبرته أنه توقع رسوبه؟! لا تعاقب الأب على خبرته فلا يقول الولد الثاني لأبيه بعد أن رسب لماذا حجرت لي مكاناً في الورشة؟ فهل نعاقب نحن الإله على خبرته؟ حاشاه! المفروض علينا عندما قال تعالى (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا (13) السجدة) فأقول الحمد لله الذي جعلني ممن قرأوا المنهج وعملوا به. إذن نحن في منطقة تحتاج تدبر في معنى القضاء والقدر وفي معنى المشيئة. المقدم: إن شاء الله نخصص الحلقة القادمة في موضوع القضاء والقدر من الآيات والحديث حتى تكون العقيدة صحيحة ومستقرة وواضحة ويتفرغ الإنسان لإحسان العمل وإتقانه عسى أن نكون ممن يستحقون العفو والعتق من النيران والفوز بجنات العدنان. بُثّت الحلقة بتاريخ 11/11/2008م |
التوبة والاستغفار 89 تقديم علاء بسيوني القضية خطيرة وهناك أسئلة يسألها الناس لكن عندنا أكثر من وقفة مع القرآن الكريم وفي كلام الرسول r وخاصة في حديث جبريل عندما سأله عن الإيمان والإسلام والإحسان نبدأ من هذه النقطة في هذا الحديث الشريف ونتعرف على التوصيف الحقيقي للإيمان وعلاقته بالغيب وعلاقة الغيب بالإيمان الصحيح والعقيدة السليمة للإنسان المسلم. د. هداية: هذا موضوع شائك جداً والتسليم به هو الفارق بين العقيدة السليمة والعقيدة الفاسدة العياذ بالله. وأذكر الناس أن أسئلة القبر كلها مبنية على العقيدة وهي ملخص اعتقاد الإنسان في حياته. الإنسان يحيا ويموت على ما اعتقد. يجب أن نضع كلمات نعيش عليها لنحاول أن نصل إلى ما أراده الله تعالى من خلق الإنسان (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) هذه الآية على ظاهرها فيها مشكلة كبيرة وقد يستغرق الحديث هذه الحلقة والحلقة القادمة عن هذه الآية ونحن نتكلم عن القضاء والقدر لأنه سئلنا ما الذي أوصلنا إلى هذه الأزمة؟ الذي أوصلنا لهذه المرحلة أننا نعيش على اعتقادات وخطأ شائع يُبنى عليه الاعتقاد وتسير المسألة ثم يرتاح الإنسان لهذا المفهوم فلماذا التغيير؟! وهذه تظهر في المعتقدات الفاسدة هل نحجّ للميت وهل نقرأ القرآن للميت وهل نجري ماء للميت والذي يفعل هذا إنما يفعله لكي يعامل بالمثل لأنه يعتقد أن هذه المسألة سنتفع الميت وأنها لا تقتصر على رفع الدرجات وإنما قد تخرج من النار وتدخل الجنة بحسب اعتقادهم الفاسد. القرآن غير هذا تماماً المفهوم الاعتقادي في القرآن (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) النجم). المقدم: الأسئلة التي ليس لها رد نسأل الناس لماذا لم تتبرع بمالك في حياتك؟ لماذا لم تجري ماء ليشرب الناس منه؟ لماذا لم تحج؟ لماذا تنتظر أن تموت لكي يحج عنك أحد؟ د. هداية: ومفهوم القرآن في الجزاء والعقاب كما ذكرت في البداية لو هذا الاعتقاد صحيح فما فائدة الجنة والنار؟ وما فائدة أن تكون أول سورة في الكتاب (مالك يوم الدين) وأنت تقرأها سبعة عشر مرة في اليوم هل فكرت بيوم الدين؟ هل فكرت بمالك يوم الدين؟ أنت تقرأها سبعة عشر مرة ولا يقف عندها أحد وهي موجودة في فاتحة الكتاب (مالك يوم الدين) لماذا نقرأها سبعة عشر مرة؟ ولماذا جاءت في أول الكتاب؟ ساعة قعد الصحابة عن سؤال الرسول في قضية من أخطر قضايا العقيدة وهو تعريف الإيمان وتعريف الإسلام وتعريف الإحسان والسؤال عن الساعة، من الذي جاء؟ ومن الذي أرسل؟ ولماذا؟ أرسل الله تبارك وتعالى جبريل الأمين ليسأل محمداً r أسئلة واضحة في وجود الصحابة كأني بالله تبارك وتعالى يذكرنا أنه لما لم يسأل الصحابة هذه الأسئلة كانت الفترة التي ينبغي أن تُسأل فيها هذه الأسئلة لتبني عليها العقيدة الصحيحة. ولذلك في كلام عمر في هذا الحديث أنه يقول: رجل لا نعرفه شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر ولا تبدو عليه آثار السفر ويجلس إلى الرسول ثم يبدأ يسأل. نحن لن نكرر الحديث لأننا ذكرناه كثيراً لكني سآخذ أركان العقيدة في الإيمان لما سأله عن الإسلام نعرفها لكن لما سأله فأخبرني عن الإيمان هل سأله عن الإيمان كتوصيف أو كتوقيع أو أنا كرجل أسلمت لله تبارك وتعالى وقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ماذا عليّ أن أفعل؟ قال جبريل: فأخبرني عن الإيمان لم يقل عرّف لي الإيمان، قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر الذي هو يوم الدين (هذا الترتيب مقصود): الله – الملائكة – الكتب (يجب أن تكون الملائكة قبل الكتب لأنها هي التي تحمل الكتب والوحي من السماء إلى الأرض للأنبياء) – الرسل – اليوم الآخر (الرسول يأتي ليحذرك من اليوم الآخر). وفي النهاية كرر مسألة الإيمان ولم يعطف على ما سبق فقال (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره) تؤمن يعني تسلِّم لهذا قال بعدها (خيره وشره) يعني أن تؤمن بالقدر خيره وشره. المنطق يقول أن قدر الخير نفرح به لكن كيف أسلّم للقدر الشر؟ هذه قضية عقائدية أن الرجل الذي يكفر بالشر وبمصائب الأمور ولو عنده تفكير لعلم أن هذا يجب أن يحصل لكي يمحص إيمانه والله تعالى غني عن هذا لكنه يريد أن يثبته للناس (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) ليس معنى أن تقول آمنت أنه لن يصيبك شيء. عندما قال الرسول r (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره) قال له جبريل: صدقت. إذن الذي قاله الرسول جاءت ليس من اعتقاده وتفكيره وإنما (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) النجم) (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) النجم) لهذا في هذا الحديث بعدما فرغ جبريل عليه السلام وذهب قال الرسول r لصحابته نادوه ثانية وتتبعوه فلم يجدوه فسألهم هل تعرفون من هذا؟ هذا جبريل جاء يعلمكم أمور دينكم وفي رواية دينكم. هذا يثبت أن أمور الدين تحتاج إلى تعلم ولا ينفع أن أحسب الأمور على مزاجي ووفق هواي. لما قعد الصحابة عن السؤال في قضية مهمة أرسل الله تعالى جبريل عليه السلام حامل الوحي ليعلمهم وهو يسأل والرسول يجيب. من أركان الإيمان في العقيدة أن تؤمن بالقدر خيره وشره. القدر أو الأحداث التي تحصل، هل فاجأ اللهَ تعالى الأحداثُ التي تحصل؟ حاشاه! إذن كل شيء يحصل هو قدر بما قضاه الله أزلاً ولهذا القرآن في القضايا (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (35) مريم) (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) يس) يشرحها بطريقة مبدعة في اللغة. القضاء هو ما قضاه الله تبارك وتعالى أزلاً قبل خلق الإنسان لأنه لا ينفع أن يكون للإله الحق مفاجآت بل كما ذكرنا في الحديث من أكثر من حلقة بأن الله كتب مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة (خمسين ألف سنة) على سبيل التهويل. المولى عز وجل لا يفاجأ بشيء لأنه هو خالق كل شيء وصانع كل شيء وذكرنا سابقاً أن من صفات هذا الإله أنه لا يُعبد إلا بإذنه ولا يُعصى إلا بعلمه. عندنا مفهوم خاطئ حتى في الإيمان ونحن مؤمنين، بعض المؤمنين في مسألة (كن فيكون) البعض يعتقد أن كُن هي التي تعمل الشيء، هذا مفهوم في منتهى الخطورة وهم ينسبون الكلام لعلماء، هم يفهمون خطأ، هم يتصورون أن كلمة كن فيكون هي التي توجد الشيء ونحن ذكرنا أنه تعالى يقول (إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (35) مريم) (له) تعني أنه موجود لكن كثيرين يعتقدون أن (كن) هي التي تعمل الشيء وبعض علمائنا قالوا (كن) بالنسبة لنا إظهار والبعض فهمها خطأ أنها تدخل في مسألة التكوين. كل شيء أعد سلفاً قبل خلق السموات والأرض. أنت كإنسان الله تعالى كتب مقاديرك قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. المقدم: بعض الناس تقول أنتم تقولون ليس هناك صُدف وأن الله تعالى لا يُفاجأ بشيء لم يكن يعرفه أو مقدِّره لكن في القرآن الكريم قال تعالى أنه قضى بشيء ما حتى يعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143) البقرة) هذا علم إظهار، والحوار الرسالة لبني إسرائيل عن كفرهم وقتلهم الأنبياء والإفساد ثم يقول لبني إسرائيل (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا (8) الإسراء) كأن رب العالمين ينتظرهم إن عادوا؟ كأن الكلام معلّق ومشروط بالذي يفعلوه. هل هذا الكلام معناه أن هذه الآيات تناقض المفهوم الذي طرحناه أو أن معاني الآيات مختلفة عما يفهمه كثير من الناس. د. هداية: الآية الأولى يمكن أن يكون فيها لبس أكثر من الآية الثانية هذا إن كان هناك لبس وعند من إعتقد الإعتقاد السليم حتى بعيداً عن دراسة اللغة وعلم اللغة والصرف والنحو الذي يعتقد الاعتقاد السليم يسلِّم أن هذا الكلام أكيد له حكمة أو غاية فلما يقول الحق تبارك وتعالى (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ) اعتقادي أن الله تبارك وتعالى يعلم كل شيء ما سبق والحاضر والمستقبل وعند الحكماء أن الله تبارك وتعالى يعلم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون فهم وضعوا احتمال الذي لم يحصل لو حصل الله تعالى يعلمه سبحانه. في بعض الكتب للأسف الشديد الناس تطرح أفكار بتصورهم وهذا لا ينفع فقالوا مثلاً الأطفال الذي ماتوا وهم صغار سيبعثهم الله يوم القيامة ويوقفهم في عرصات القيامة ثم يرسل لهم نبياً فيرى هل سيؤمنوا أو لا، هذا كلام فارغ لأن الله تبارك وتعالى بعلمه غنيٌ عن هذا. القاعدة أن الذي مات قبل التكليف (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) ولازم معنى إرسال الرسول التكليف وسن التكليف فلما يموت الطفل وعنده ثلاث سنوات أو سنتين يرسل الله له نبي ليرى إن كان سيؤمن؟ هذا كلام فارغ. نصيغ المسألة بصيغة ثانية الله تبارك وتعالى بعلمه يعلم لو أدرك هذا الطفل سن التكليف هل سيؤمن أو لا يؤمن. هذه الآية ربنا يبين لما لماذا تم تحويل القبلة، وما هي الغاية من تحويل القبلة؟ بعض الفلاسفة من اليهود قالوا أنتم كنتم تتبعون قبلتنا فقال تعالى (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ) (لنعلم) في الاعتقاد السليم عند رجل مؤمن لأننا في أصل حديث جبريل الذي ذكرناه أن تؤمن بالله، ما معنى تؤمن بالله؟ هل تعني تسلّم لله أو تؤمن بالقدر خيره وشره؟ هل تسلِّم لأحد لا تعرفه أم عليك أن تبحث عن كُنه هذا الإله. المقدم: هل المقصود التسليم وهذا الذي يفرق بين الموحدين والملحدين الذين قالوا نحن أبناء الطبيعة والكون مجرد طفرة جينية طبيعية، فهل الإيمان بالله معناه التسليم بوجود خالق لهذا الكون؟ د. هداية: طبعاً التسليم بوجود خالق قادر وقدرته ليس لها قدرة وإنما مطلقة. المقدم: إذن هذه من مراحل الإيمان؟ د. هداية: نعم طبعاً والرزق لا ينحصر في الفلوس كما يظن الناس ولو قلنا ينحصر في المال مقبولة لأن المال هو كل ما لك وليس النقود. نحن عندنا قصور في الفهم وعلينا أن نعترف بهذا. لما يقول تعالى (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ) إلا لنعلم يعني إلا لنبين للناس، كما نجري نحن امتحانات للطلبة، الأستاذ بخبرته يمكن أن يعلم إذا كان هذا الطالب ناجح أو راسب لكن بهذه الطريقة الطالب سيقول للأستاذ أنت ظلمتني، ورقة الامتحان دليل وبيان للطلاب فلما يقول تعالى (إلا لنعلم) معناه إلا لنظهر، إلا لنبين للناس وليس للإله لأن علم الإله هنا علم تحقيق وعلم وقوع، أمر يقع أمامك لترى لماذا وقع. تحويل القبلة لا يفرق عن قضية الإسراء، البعض كذّب قصة الإسراء والبعض صدّقها وكذلك قضية القبلة. أما سؤالك عن (وإن عدتم عدنا) هذا إنذار وليس لها علاقة بالعلم، إذا أراد الناس أن يجربوا قدرة الله تعالى فليفعلوا، هذه المقولة (وإن عدتم عدنا) لو قالها إنسان قوي ليست كما لو قالها إنسان ضعيف، من الذي قال مهمة جداً وقدرة الذي قال مهمة. البحث هو هل عادوا أم لا؟ هذه تبين المعاني وهذا إنذار من القوي القدير. حديث رواه أبو هريرة عن رسول الله r أن بعض مشركي قريش ذهبوا يخاصموا الرسول في القدر واذكر ما قاله الرسول r في مخاصمة آدم وموسى عليهما السلام فحجّ آدم موسى حجّة آدم أقوى من حجة موسى فذهب بعض مشركي قريش يخاصموا الرسول في القدر والحديث في مسلم فلما خاصموه في القدر وقبل أن يرد الرسول r عليهم نزل القرآن المعجز وتكلم عن يوم القيامة مباشرة (ويوم يسحبون على وجوههم في النار) يكلمهم عن يوم الجزاء (ذوقوا مس سقر) قوة هذا الإله الحق (إنا كل شيء خلقناه بقدر) يعني الذي سيخاصم في هذه القضية سيسحب على وجهه وسيقال له يوم لا ينفع لا محاجة ولا مناقشة (ذوقوا مس سقر) لم يقل لا تفعلوا هذا وإنما قال (إنا كل شيء خلقناه بقدر وما أمرنا إلا كلمح بالبصر) الله تعالى لا يحرّم المناقشة وإنما يحرِّم الكِبر أن يقول أحدهم هذا كلام غير منطقي فقال (ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر) خذ هذه الآية وقس عليها كل الآيات التي تكلمت عن (إنا كل شيء خلقناه بقدر) (إنما أمره إذا أراد شيئاً) وانظر كيف قيلت وما هي معانيها؟ المقدم: الكِبر هو حجر الزاوية في العقيدة لأن الذي يفعله يكون قد تشبه بإبليس. يقفل القلب ويمنع الإنسان من أن يتلقى تلقي سليم ويتدبر ويؤمن. د. هداية: ذكرنا الآية (فذوقوا بما نسيتم) ماذا نسيتم؟ نسيتم الميثاق؟ نسيتم العهد؟ نسيتم الفطرة؟ المقدم: ننتقل من سورة السجدة إلى سورة البقرة (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)). (وإذا قضى أمراً) ما معناها؟ هل تعني عندما؟ د. هداية: نعم معناها عندما. المقدم: الآيات تكلمت عن المشرق والمغرب ولها علاقة بالإتجاهات والسموات والأرض ثم تكلمت عن قضية التوحيد لأن العقيدة لا تنفع أن تكون سليمة إلا إذا كانت مبنية على التوحيد. هذه الآية (وقالوا اتخذ الله ولداً) ثم في الآية (118) يقول (تشابهت قلوبهم) في تفسير الشوكاني قال المراد بقوله (وقال الذين لا يعلمون) قيل اليهود لأنهم قالوا عزير انب الله وقيل النصارى لأنهم قالوا المسيح ابن الله وقيل مشركو العرب الذين قالوا الملائكة بنات الله. د. هداية: هم الكل، هذه قضية التفسير، في هذا النص لم يحدد من الذي قال وإتما قال (وقال) يشمل كل الذي قال من جميع الطوائف. القضية ليست فيمن قال وإنما إتخاذ الله للولد. وفي اللغة الولد تقال للذكر والأنثى. القضية في هذه الآية لا يناقش قضية المسيح وإنما يناقش قضية إتخاذ الله للولد حاشاه ولذلك قال تعالى بعدها (بديع السموات والأرض) لم يقل خالق السموات والأرض لنه ليس من الإبداع أن يتخذ الخالق ولداً والإله الخالق المبدع لا يتخذ ولداً لأنه لا يحتاج. إتخاذ الولد لا يحتاج إلا للإحتياج وإذا سألت أحد الفلاحين في الأرياف لماذا ينجب يقول لك حتى يهتم بالأرض وحتى أفرح به ويكون عزوة بدليل أنه لو جاءهم بنت يحزنوا وهذه فكرة قديمة من قبل الجاهلية وهذا الفكر ما زال سائداً إلى الآن. المقدم: (بديع السموات والأرض) ذكر الله تعالى السموات والأرض أكثر من مرة وذكر البارئ والمصور والخالق لكن ذكر بديع هنا مع مسألة التوحيد والعقيدة السليمة لا بد وأن لها سبب؟ د. هداية: الآية في أولها (وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون) هذه قضية نأخذها في أول الحلقة القادمة. (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) هل كل الإنس والجن عبدوه؟ هل البعض عبدوا؟ الناس قسمت قسمين ناس أسلمت طوعاً وناس أسلمت كرهاً (وله أسلم من في السموات والأرض كرهاً وطوعاً)، طوعاً يعني قالوا أشهد أن لا إله الله وأن فلان رسول الله من عهد آدم، سؤال جبريل للرسول تختص بالإيمان من عهد آدم فقال r أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وكأن الرسول r يقول أن كل حقبة فيها رسول معه كتاب أو إنذار أو خبر إن كان نبياً أو رسولاً فلو أنت مسلم صادفت أحد الأنبياء تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن هذا الرسول في هذا الزمن رسول الله، كل الأنبياء نحن لا يصح إسلامنا بعد إرسال محمد r بأن نقول أشهد أن لا إله الله فقط، هذه نصف الشهادة فلا تقولوا هي شهادتين هما شهادة واحدة وليست شهادتين: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى رسول الله، وأن موسى رسول الله، هذه هي الشهادة. قال (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) البعض يقول أن هناك من لا يعبد الله فنقول له هذا الكافر قانت لله مسلم غصباً عني التي هي (كل له قانتون) القنوت ليس من وجهة نظري أنا وإنما كل قانتون شاؤوا أم أبوا أعلنوا أم أسرّوا كل هذا يجب أن يفهم ولذلك قال تعالى (بل له ما في السموات والأرض) ذكر السموات والأرض هنا ثم قال (بديع السموات والأرض) بديع يعني أنت لا تفهم أن له الذي في السموات والأرض فقط وإنما هما له أيضاً، لم يقل (من) وإنما قال (ما) لأن (ما) تشمل وتعم، البعض قد يفهم أن له سبحانه الذي في السموات والأرض أما السموات والأرض فليستا له، هو له ما فيهما ومالكهما أيضاً فله كل شيء. بديع لأن الناس قالوا على مر العصور أنه حاشاه اتخذ ولداً لكن هذه ليست من صفات البديع لأن الذي يبدع السموات والأرض لا يحتاج لولد ولذلك لو انتبهنا إلى مسألة الاحتياج في الخلق في التوحيد وفي أخص سورة عن التوحيد قال (قل هو الله أحدالله الصمد) بعد أن قال الصمد أي الذي لا جوف له لا يحتاج إلى طعام ولا شراب قال (لم يلد ولم يولد) هذا منطق. المقدم: في مسألة قصة العزير مثلاً أو المسيح وطريقة خلقه ألا يعلم الله سبحانه وتعالى أن الخلق بهذا الصورة سيشكل فتنة للناس؟ الناس لم تر أحداً يموت ويرجع إلا في المعجزات فلما يرى الناس أن أحدهم مات ثم يحيا ألا يسبب هذا فتنة؟ وكذلك ميلاد المسيح عليه السلام من أنثى بدون رجل بدون زواج؟ ثم الناس على عهد عيسى يراه الناس يشفي الناس ويحيي الموتى بإذن الله تعالى، هذا كلام خارق للعادة، وجود شيء معجز خارق للنواميس الكونية سيوقع الناس في فتنة فلما يروا أحدهم مات مائة سنة ثم عاد سيقولون هذا ابن الله وكذلك عيسى يمكن أن يكون إلهاً أو ابن إله؟ د. هداية: طبعاً. هذا يسبب فتنة لمن؟ سبب فتنة للبعض وليس للكل، وقع في الفتنة بعض الناس الذين عاصروا هذه المعجزات فلو أنها فتنت كل الناس لقلنا أنه خطأ وإنما جزء من الناس فقط وقع في الفتنة فالباقون يشهدون على هؤلاء. الذين قالوا هذا يشهد على قدرة الله تعالى، المسيح عليه السلام ساعة أحيا الموتى قال أحيي الموتى بإذن الله ولم يدعي لنفسه شيئاً وهذه عظمة الأداء القرآني عندما تكلم عن المسيح عليه السلام. الاعتقاد الخاطئ يأتي من الناس وليس من القرآن، في القرآن الكريم قال تعالى (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) السؤال (كن) هذه قبل الخلق أو بعد الخلق؟ الآية قالت خلقه، ثم قال له كن فيكون. القضية أن كُن ليست داخلة في الإيجاد وعلينا أن نصحح المفاهيم لدينا. يقول تعالى (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) يعني خلقه تمّ ثم قال له كُن فيكون لم يقل كُن فكان. ساعة يقول (كُن) كان عيسى قد خُلق لأنه قال (خلقه). المقدم: الناس التي لم تفهم جيداً عندما سمعوا قوله تعالى (فنفخنا فيها من روحنا) قالوا هي روح الله نفخها في مريم إذن عيسى من روح الله يعني إبن الله. د. هداية: والله تعالى قال في آدم أيضاً (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي) يعني كل مخلوقات الله من البشر فيها نفخة الله تعالى ولا ننكر هذا. الآية التي أعرضها تقول للذين تصدروا في مسألة خلق عيسى لماذا لم تتصدروا لخلق آدم فعيسى عليه السلام وجد أماً تحمله أما آدم فليس له أم ولا أب! المسألة مسألة (كُن) لا تدخل في الإيجاد لأسباب لغوية كثيرة. لو قلت لي أنه يقول له كُن فيكون يعني يوجَد إذن هو يكلِّم المعدوم وكلام المعدوم ضرب من السفه، ولو قلت لي بعد خلقه يقول له كُن يعني هذا الإله الحق يقول للموجود اتوجد وهو موجود. من الذي وجده؟ الله تبارك وتعالى بقضائه الأزلي. الآية تتكلم في قضية خطيرة أن القدر تحقيق القضاء الأزلي، يعني قضاء الله الأزلي بعلاء بسيوني لم يتفاجأ الله تعالى أن مخرج البرنامج قال احضروا علاء بسيوني! قبل آدم هناك علاء وهذه قدرة الإله في الخلق ولو كنت فاهماً تسأل ما معنى كُن فيكون؟ المقدم: هذه قضية خطيرة وخطورتها أن الاعتقاد السليم مبني عليها وهذا سؤال القبر وهو الذي يحدد مصير الإنسان إلى الجنة باعتقاد سليم أو إلى النار باعتقاد خاطئ والعياذ بالله. نبدأ اللقاء القادم بـ(كُن فيكون) إن شاء الله تعالى. بُثّت الحلقة بتاريخ 18/11/2008م |
التوبة والاستغفار 90 تقديم علاء بسيوني قضية كن فيكون شرحناها في الحلقة الماضية وقلنا أن الناس تفهمها على أساس أنها خلق من العدم وكلمة العدم في مفهوم ربنا أمر وفي مفهوم البشر أمر آخر ونريد أن نوضح الفرق بينهما قبل أن نكمل رحلتنا مع القرآن الكريم. د. هداية: لا عدم في وجود الله تبارك وتعالى العدم هذا في مفهومنا نحن إنما طالما قلت الله فلا عدم لا يمكن أن يكون هناك عدم. ثانياً مسألة (كن فيكون) المفهوم السائد عند الناس أنها تتدخل في الخلق أو بها الإيجاد أو أنها متعلقة بكون الموجود وهذا كلام يرده القرآن وضربنا مثالاً في الحلقة السابقة ينهي المسألة والمثال جاء في عيسى عليه السلام في اختلاف الآيات (إذا قضى أمراً) (إنما أمره إذا أراد شيئاً) إلى آخر هذه التراكيب. الله تعالى يضرب المثال بعيسى عليه السلام وأنه سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى أن يتخذه ولداً أو يتخذ العُزير ولداً فيضرب سبحانه وتعالى المثل بعيسى عليه السلام ويقول ليعلم الجميع حقيقة عيسى عليه السلام عند الله فيقول (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ) هذا التركيب بهذا المعنى أول شيء يخطر في الأذهان أنه يا أيها الذين توقفتم في خلق عيسى عليه السلام إن كان لكم أن تتوقفوا فكان أولى أن تتوقفوا في خلق آدم لأن عيسى عليه السلام وجد على الأقل أماً تحمله أما آدم فلم يكن له أم ولا أب وكيف خلق عليه السلام. (خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) آل عمران) قال له أي قال لعيسى عليه السلام وقليل من المفسرين قال اللكلام على آدم لا نختلف معهم قال له يعني قال للمخلوق أو قال للشيء أو للموجود الشيء الذي يُخلق طالما قال له كن فيكون فنتأكد أن (كن) تأخرت عن المخلوق ولأنها تأخرت عن المخلوق إذن لا علاقة لها به، بماذا تتعلق (كن)؟ نسأل سؤالين ثم نقول، لو قلت هل (له) هو وجد أو لم يوجد؟ خُلق أم لم يخلق؟ بعد (له) نفهم منها أنه خلق. لو قلت لم يُخلق يكون الكلام للمعدوم أو للا موجود ضرب من السفه لا ينفع. ولو قلت أنت تقول له يعني وُجد تقول له اتوجد فهل هذا منطق؟ كأنك تقول للذي خُلق اتخِلِق. المقدم: ما الفرق بين الخلق والكينونة؟ د. هداية: هذا موضوع آخر، 90% أدخلوهما في بعض لدرجة أنهم يقولون سبحان من كان أمره بين الكاف والنون، ما الأمر الذي كان بين الكاف والنون؟! إياك أن تفهم أن (كن) جاءت غير بعد (له) لم ترد في القرآن من غير (له). (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) يس) (خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) آل عمران). إذن بماذا تتعلق (كن)؟ لما قال سبحانه وتعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات)هل الكل عبدوا؟ نعم الكل عبدوا لكن بعضهم من عبد طوعاً وبعضهم من عبد كرهاً لكن بمفهوم الناس يقولون البعض لم يعبد الله. هذا الكلام صحيح وإنما التوصيف خطأ منطقه سليم لأنه إياك أن تفهم أنه عندما يقول الله تعالى شيئاً في القرآن ولا يتم فلما يقول تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) إذن سيعبدوه ولا يستطيع أحد أن يفلت من ذهنه المسألة. ونذكر بالآية قوله تعالى (هل من مزيد) لا تعني أنها تسأل عن مزيد لأن المولى تعالى قال (وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13) السجدة) يعني لا يمكن أن تسأل وتكون فاضية إذن ساعة ما تقول امتلأت يعني امتلأت إذن هل من مزيد يعني لا مزيد لا مكان لأنها ملئت ومع ذلك امتلائها هذا ليس على سعة وإنما على حشر لكن الغاية في السؤال (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) ق) لا يمكن أن تقول إنها فاضية لأنه هو قاضي بامتلائها وكذلك إياك أن تقول هناك جن وإنس لم يعبدوا لأنه سبحانه وتعالى قاضي بالعبادة، الناس التي كفرت هذا موضوع ثاني وهذا كفر وهمي كفر غير حقيقي، الكفر في اللغة يعني الستر والتغطية والستر أول وجود الإيمان لأنه لا يمكن أن تستر غائباً ساعة ما تقول من هذا علاء؟ أنت ذكرت إسمه أنت سترت موجود لكن في حق الله تعالى نقول سترت واجب الوجود لأن الله سبحانه وتعالى غير موجود لأنه لو موجود سيكون له واجد وموجده أولى بالعبادة، إذن هناك كلمات لا تنفع في حق الله تعالى إذن لا نقول موجود وإنما إن الله واجب الوجود لأن موجود إسم مفعول وأي مفعول له فاعل. نتذكر الآية عندما تكلم تعالى عن مسألة السموات والأرض وقال لهما (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فصلت) الله تعالى خلق السموات والأرض ثم قال لهما ائتيا هذه الآية متعلقة بلازم المعنى، ما معنى إئتيا؟ لا تعني تعالوا وإنما تعني هل ستكونان مسلمين؟ إئتيا يعني إلزما حدود الخلق المعادلة التي تحكم حدود الخلق، قالتا هذا من المجاز والشاهد في الكلام (طوعاً أو كرهاً) (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا (83) آل عمران) هناك من هو مسلم طوعاً وهناك من هو مسلم كرهاً مستسلم بالله رغماً عنه لا يمكن له أن يصحى الصبح ويعمل شيئاً لم يكتبه الله تعالى بدليل أن يعيش على أرض الله تحت سماء الله ويأكل من رزق الله هذه (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) هناك مسائل لم نفهمها في القرآن على مراد الله بل ونطوع الأمور على مزاجنا. الذي يقول ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) يس)) نسأله أمره هنا قبل (له) أو بعدها؟ لأن (كن) بعد (له) (ثم قال له كن فيكون) (كن) جاءت متأخرة عن (له). المقدم: الله تعالى خلق آدم وخلق عيسى أو العزير فما الداعي لكلمة (كن) أو (ائتيا) هل هذا نوع من المجاز؟ نحسم القضية في مسألة الخلق والإيجاد، إذا كان الله تعالى خلق آدم وعيسى ثم قال له فطالما أنه خلقه هل هناك مرحلة بينية وهل لو طبقناها على آدم مسألة لخلق هو اختيار التراب والماء ثم الطين والصلصال والحمأ المسنون لغاية ما استوى جسداً ثم جاءت النفخة الإلهية فهل يمكن اعتبار هذه المرحلة البينية هي الفرق ما بين الخلق وكن فيكون؟ د. هداية: كلمة (له) يعني خلق يعني اكتمل ودبت فيه الروح كمال الخلق (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59) آل عمران) (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) يس) (له) يعني الشيء وُلِد. المقدم: خلقه يعني وجده إذن لماذا قال له (كن)؟ د. هداية: هذه هي المشكلة (كن فيكون) على مرادي فيك بالطاعة أو غيرها (وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا (13) السجدة) انتهى الأمر. هناك شرح كثير لها يبينها يؤكدها من القرآن هي هكذا لأنه (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) هذه آية ليست للعب ويقول (إنما أمره) أمره لما يريد الخلق يوجدك ويقول لك كن فيكون، الذي قضى به عليك سيحصل لا يمكن أن تخرج منه ولا تعدّل عليه ونعود للسؤال القديم: إذن لماذا يحاسبنا؟ هنا سبق في علمه سبحانه وتعالى أن هذا يصلح للجنة وهذا يصلح للنار وهم شهدوا على أنفسهم بما قضاه الله تعالى عليهم وأحدهم يقول (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون) والثاني بعد أن دخل النار قال (إِنَّا مُوقِنُونَ (12) السجدة) هذه المسألة ليست بمزاجي أنا. في الحلقة السابقة قلنا كأننا نحاسب المولى عز وجل على قدرته. أسألك سؤالاً ولله المثل الأعلى فيه: هل يمكن أن تقول لأحد عنده مال إذا أراد أن يبني عمارة أو يفتح شركة أو غيره أن تقول له لماذا فعلت هذا؟ هو حُر فما بالك بالخالق الأعظم الذي لا يُسأل عما يفعل هذا أول توصيف لله سبحانه وتعالى. المقدم: الجدال الذي نقوله ليس من باب المجادلة الفارغة وإنما من باب الأسئلة التي نسمعها من الناس. أمر آخر مسألة التراب والطين بعض الناس قالت هذا اختيار الله تعالى وليس اختيارنا وقالوا ربنا لما خلقنا جمع من تراب الأرض وفيها الطينة الجيدة وغير الجيدة فيمكن هذا هو السبب في اختلاف الناس بألوانهم وأطباعهم، يقولون لو أن أحدهم كان سارقاً أو زانياً فلا دخل له بهذا لأنه يمكن أن يكون من الطينة السيئة! د. هداية: لا حاشاه، نحن شرحنا هذا في حلقة سابقة. قال تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) الفجر) ألهمها يعني بيّن لها ثم قال (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)) من الفاعل في التزكية؟ بني آدم، وقال (وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)) من الفاعل هنا؟ بني آدم أيضاً. ثم قال (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) يعني بينا له طريق الحق وطريق الشر. هل يعقل أن يقوم إنسان بارتكاب الخطأ وهو لا يعلم أنه خطأ؟ إذا كان يعلم أنه ليس خطأ فلماذا يستتر به من الناس؟ المقدم: هذا كان سابقاً لأن اليوم الناس لا تستتر. د. هداية: هذا موضوع البجاحة أمر آخر. المقدم: أعطيك مثالاً بعض الناس تقول أن الله تعالى لم يحرم الخمر وإنما قال اجتنبوه. د. هداية: هذا كلام من يريد أن يستعبط لما يقول تعالى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) البلد) من الذي اقتحم العقبة؟ هو الذي اقتحمها. من كان يجادل في موضوع الربا ويعترضون اليوم هم الذين يبحثون عن الاقتصاد الإسلامي ويقولون أن الحل في الأزمة الاقتصادية هي أن تكون الفائدة صفر وقد طبقت هذه في اليابان وأفلحت إذن صدق الله تعالى عندما قال (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276) البقرة) والصادقات هنا مقصود بها كل معاملات الخير. (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) البلد) لما قال الشيخ الشعراوي رحمه الله أن الشيوعية سقطت والرأسمالية ستقع قريباً اعترضوا عليه وقال لا يمكن فالرأسمالية نظام محبوك ومحكوم، اليوم ما هي أخبار الرأسمالية والاشتراكية؟! ضحكوا واعترضوا واللقاء يوم القيامة والقرآن لم يترك مثالاً فقال (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) الشعراء) فالذي سيقول أنا فعلت هذا لأجل ابني أو احتمال أن ينفعوني لذلك الوهم الذي نعيش عليه أن نعمل للميت هذا وهم. المقدم: الأولاد أحياناً يكونوا سبباً في دخول أحدهم الجنة فقد يحب أحدهم أولاده زيادة عن اللزوم ويريدهم أن يعيشوا حياة طيبة فيرتشي ليضع أولاده في مدارس خاصة أو ليحافظ لهم على مستوى معيشة عالي ويقول الظروف اضطرتني أن أفعل هذا، حتى بعض النساء اللواتي يمارسن الدعارة يقولون نحن نعيل أيتاماً. د. هداية: القرآن قال (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) البلد) (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس) الآيات ليست للدردشة أو نشغلها في البيت ونخرج المسلمون للأسف يعملون أشياء غريبة. المقدم: هل هذا معنى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (14) التغابن)؟ د. هداية: طبعاً ممكن إبنٌ لي يكون سبب شقائي دنيا وآخرة. لما الملك يؤمر بالكلمات الأربع للجنين لما يقول شقي أو سعيد الكلام في الآخرة لأن الدنيا لا تعني فالذي أكل اليوم فول أو طعمية هذا لا يهم لكن في النهاية هل أكل من حلال أو من حرام؟ ماذا اشتهى؟ هذا اشتهى الحلال وهناك من يشتهي الحرام لكن البعض يشتهي الحرام ويستلذ به ومهما أحضرت له من حرام لا ينظر إليه. المقدم: بغض النظر هل هو أكل بسيط أو غالي ممكن يكون يأكل أشياء غالية من أموال حلال وقد يأكل أحدهم فول وطعمية بأموال حرام. د. هداية: العبرة فيما اشتهى وكيف قرأ الآية وطبقها؟ وكيف سمع الكلام وطبقه على مراد الله تعالى أو مراده هو. العقيددة من أهم مراحل الإنسان ولهذا نقول لما جبريل سأل الرسول r عن الإيمان بعد أن قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله كرر ثانية وقال وأن تؤمن بالقدر خيره وشره لأنه لما تقول أنا مؤمن ثم تجزع عند أول ابتلاء فأنت لست مؤمناً وإنما مدّعي الإيمان المقدم: الذين يموت لهم ولد ويسخطون د. هداية: يخرجون عن إلف المعتاد في خلق الله في بشره يلطم ويشق الخدود. المقدم: هذه الجملة سمعتها مؤخراً من أحدهم قال ربنا لا يأخذ إلا الناس الطيبة ويترك لنا الناس السيئة. والبعض يقول للميت لماذا تركتني وحيداً كأن الميت هو الذي ترك الدنيا بمزاجه! د. هداية: بعد يوم أو اثنين ستعود الحياة إلى طبيعتها وهذا لا يدل على الحزن أو عدمه فقد ترى إنساناً لا يتكلم ولكنه حزين أكثر من هذا الذي يتكلم، الحزن ليس حراماً وإنما الحرام المجاهرة بالكفر والعياذ بالله الحرام المجاهرة بكلام الله تعالى وكأنك تكلم بشراً. الاعتقاد من أخطر الأمور التي غابت عن الأمة في القرنين الأخيرين فهي خطيرة وعلينا أن نصحح عقيدتنا قبل (مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ (43) الروم). في سورة الفجر يقول (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) الفجر) فليسمع الذين يعملون للميت قوله تعالى (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد) يعني لا أحد يأخذ العذاب عن الآخر ولا أحد يعكي الآخر نعيماً، هذا المفهوم يجب أن يتغير يقول (يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) إذن الذي مضى لم يكن حياة! ولما سماها تعال حياة أضاف لها الدنيا وفي الحقيقة (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ (64) العنكبوت) وختمها بقوله (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) يعني 90% لا يعلمون ولهذا قال (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) الفجر) هذه ساعة ما رأى أن المسألة لم يعد ينفع فيها كلام. والأهم من هذا قال (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) الفجر) إذن هذا ليس من هؤلاء، النفس المطمئنة لا تقول هذا الكلام في تلك اللجظة وقلنا هذه النفس لم تكن مطمئنة في الدنيا بل كانت قلقة وعدم الاطمئنان هذا يولد السعي والعمل أما الاطمئنان يولد الكسل ولهذا أبو بكر الصديق بمنتهى الذكاء قال أنا لا آمن مكر الله حتى لو كانت إحدى قدماي في الجنة. يجب أن أبقى قلقاً حتى أسعى وللأسف مفهوم القرآن شيء ومفهوم الناس شيئ آخر. لما نناقش أحد الناس في قوله تعالى (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) النجم) لا يسلم لك بالمعنى المنطقي يقول يمكن أن يكون معناها غير ذلك. لما يقول تعالى (كن فيكون) أنت تستميت في عملك وسعيك والحديث الذي قلناه (وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار) عندما تسمع هذا الحديث يجب أن تعمل وتشتغل لتكون على الصراط المستقيم لأنك لا تعرف متى ينتهي أجلك. أخذوا حديث (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) على أنهم يدخلون النار قليلاً أولاً ثم يخرجوا منها! أنا وجدت لهم في صحيح مسلم نص قال فيه (من قال لا إله إلا الله حرّم الله عليه النار) كيف سيدخلون النار؟! يعني الرجل الذي قال لا إله إلا الله يجب أن يكون قالها على وجهها الصحيح من البداية لأنه لن يدخل النار إذا قالها كما ذكر الحديث والذي قالها ليس على وجهها هذا يدخل النار ولا يخرج منها. المقدم: نود أن نعمل حلقة عن هذا الموضوع. المفترض أن هناك إلهام لطريق الخير والشر والإنسان يختار فلو أردنا أن نجري مقارنة بين الناس على عهد الرسول r وعصرنا نجد أن هناك تباين ومفارقة شديدة فهل يمكن أن نصل لوصفة لنصل إلى اليقين الذي كان عليه أولئك الناس؟ القصص التي وصلت لنا عن الصحابة أحدهم لما طُعن بالرمح في غزوة من الغزوات قال فزت ورب الكعبة هذ الرجل أصيب وتألم وجرحه ينزف ويعرف أنه سيموت لم يهمه شيء ولكن عنده يقين أنه يرى الجنة ونقارن هذا بالذين يموتون الآن في زماننا وهم يخافون على مصانعهم وأولادهم وأموالهم وحساباتهم في البنوك هنا وهناك ينظرون إلى الدنيا التي لن يأخذوها معهم! الأول أخذ عشرة على عشرة في العقيدة والثاني أخذ صفر على عشرة فكيف يمكن أن نصل من الصفر إلى العشرة من غير درجات الرأفة التي يتمسك بها الناس؟ د. هداية: أنت تقول أخذ صفر في العقيدة، هل انتبهنا أن الأسئلة في القبر كلها في العقيدة، الأولاد في الجامعة يسألون أستاذهم منذ أول يوم هل هذا يدخل في الامتحان؟ هذا امتحان متسرب يعني أنت تقول سيأتي في الامتحان لتذاكره أو لا، أسئلة القبر أسئلة مسرّبة من ربك؟ عقيدة البعض أنها سهلة الله ربي، الإسلام ديني البعض يعتقد أنه سيجيب بلسان المقال لدرجة أنني سمعتها على المنابر يقول أن أحد الأسئلة ما قولك في محمد؟ هذا ليس صحيحاً الناس لن تموت على عهد محمد فقط! نحن لم نفهم الأسئلة، السؤال الثالث عن الرسول في الحديث الواضح للرسول الكلام فيه صيانة احتمال أن الشخص يمكن أن يكون قد مات في عهد آدم أو عهد موسى أو عيسى أو عهد إبراهيم وأو غيرهم . هو يسأل من ربك؟ لن تقول الله ربي إلا إذا كان حالك في الدنيا الله ربك، هل ستقول الله ربي إدعاءً؟ لو قلت أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وعملت عكسها في الدنيا قلت أعمل تأمين وبورصة إذن أنت قلت وما اعتقدت. ما دينك؟ السؤال متسرب والإجابات موجودة (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85) آل عمران) أتباع كل الأنبياء والرسل يقولون الإسلام ديني إذن ما جاء به موسى ليس ديناً وإنما ديانة على دين الإسلام فالرجل الذي قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن موسى رسول الله هذا اسمه مسلم فلما يُسأل في القبر يقول الإسلام ديني لكن لما يُسأل ما قولك في هذا الرجل لن يقول هو محمد وإنما سيقول هو موسى، الذي مات على عهد موسى لم ير محمداً. في القرآن بعض الناس قالوا عن الرسول r أنه ساحر وآخرون قالوا مجنون وآخرون قالوا كذاب أشر أنت ما قولك فيه؟ لو كنت واعياً وطبقت تقول هو رسول الله حقاً ليس بشاعر ولا مجنون ولا مسحور ولا كذاب ولا ساحر. الذي مات على عهد عيسى عندما يُسأل ما قولك في هذا الرجل سيقول هو رسول الله حقاً، الإسم ليس القضية لكن ماذا اعتقدت أنت به هل اعتقدت أنه نبي أو كذاب؟ أي نبي أو رسول، الإجابة من أي مسلم مسلِّم لذلك اليهودي على عهد موسى مسلم والنصراني على عهد عيسى مسلم ديانته النصرانية أو اليهويدة لكن دينه الإسلام لا يمكن لله تعالى أن يبدل دينه ولذلك هذه الكلمة (دين) لما تبحث في القرآن كله (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران) (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ (13) الشورى) لا يمكن أن تجد كلمة أديان في القرآن. المقدم: ذكرنا هذا الكلام كثيراً وقلنا أن الذين يذهبون للخارج ويقومون بعمل حوارات يقولون حوار الأديان د. هداية: ليس هناك أديان وإنما ديانات. الأهم لما تجيب على أسئلة القبر الثلاثة من ربك؟ ما دينك؟ ما قولك في هذا الرجل؟ يسألك سؤال امتياز سؤال الجنة ما عملك؟ أوما علمك؟ تقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدّقت يعني كبّقت يعني لم أفعل كالذي قال (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ (29) الروم) أنا قرأت الكتاب ونفذته ولذلك أقول للمشاهدين علينا أن نصاحب القرآن وقد كنت في الأردن والإمارات في الفترة السابقة قابلت أحدهم وقال لي مسألة (كن فيكون) لم أكن أفهمها على النحو الذي شرحته وهو رجل في السبعين. أريد أن اقول لو قرأنا القرآن أكثر من مرة يبدأ يحصل عندك تفاهم واستيعاب. المقدم: مسألة (كُن فيكون) هل خلاصتها أنها هي إظهار لبقية العالم؟ د. هداية: يعني أنت خُلِقت فكُن على مرادي. هذا الموضوع إذا أردت أن أشرحه كما كتبته مستنداً إلى القرآن والأحاديث أحتاج إلى عشر حلقات. (كن فيكون) لا تمضي ولا تفهم بالمعنى وإنما تُفهم بالمُراد. أريد أن نقدم بعض الحلقات قبل أن نبدأ التفسير ماذا تعني هذه الكلمة وما مراد الله تعالى من هذه الكلمة وما هو لازم معنى هذه الكلمة؟ وقد ضربنا أمثلة إذا قابلك أحدهم وقال ما معنى ألم؟ تقول له هذا السؤال خطأ لأن ألم حرف والحرف في حد ذاته ليس له معنى. إذا قال أحدهم ألف، لام، كاف، تاء، ألف، باء تقول هذا يهجئ كلمة كتاب لكن كل حرف من هجاء كلمة الكتاب ليس لها معنى فالسؤال ما معنى (ألم) سؤال خطأ اصلاً والحروف المقطعة فيها شغل حلقات عديدة، الحروف المقطعة في القرآن والغرض منها ولماذا اختار غير المنقوط. الحرف ليس له معنى لكن يمكن أن نسأل ما المراد من الحرف؟ لماذا قال الله تعالى ق؟ لماذا قال تعالى نون؟ ما المرامن نون وليس ما معناها؟ لازم معنى ق وليس معناها لأن الحرف في حد ذاته الذي يدخل في تركيب الكلمات ليس له معنى. لما نركب الكلمة تسأل ما معنى الكلمة. وكما ذكرنا سابقاً البعض يسأل ما معنى الروح؟ نقول له أي روح وفي أي آية؟ عندنا كلمة روح واحدة لها ست معاني. مثل قوله تعالى (البيت العتيق) البعض يفسر العتيق بمعنى القديم لكن لم يقل القديم، يمكن كلمة واحدة لها ست معاني كلها مرادة لكن لا يمكن أن يكون هناك كلمتان مختلفتان لهما معنى واحد. المقدم: إذن كما وضع معجم ألفاظ القرآن الكريم، معجم غريب ألفاظ القرآن الكريم نحن نحتاج أن نعمل معجم للمعاني ولازم المعاني والمراد. ذكرنا في الحلقة السابقة قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا (11) فصلت) لا يمكن أن يكون معنى ائتيا بمعنى تعالوا وإنما تفهم من مراد المعنى أو لازم معنى الكلمة، هناك فرق في التوصيف بين الاثنين. إذن (كن فيكون) ليست للإيجاد بدليل قوله (له). المقدم: ما زال للمشاهدين في ذمتك مفهوم الأمانة الذي وعدنا الناس به من حلقات طويلة. د. هداية: إن شاء الله بعد حلقات التوبة. المقدم: قبل أن أختم أحب أن أنوه على الوصفة التي توصل الناس للعقيدة السليمة كالذي قال فزت ورب الكعبة. ونقول للناس أنه حتى لو كانوا قد أخطأوا في العقيدة فمن السهل جداً العودة. د. هداية: أقول للذي أخطأ في العقيدة لا ينتظرنا إلى الحلقة القادمة وإنما يتوب من اليوم: تب إلى الله ورجعت إلى الله وندمت على ما فعلت وعزمت عزماً أكيداً صادقاً أن لا أعصي الله إن شاء الله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله لأنني لو قلت له لنتظرني للحلقة القادمة أكون متخلفاً لأن القرآن لما وصف التوبة قال (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ (17) النساء) فنتوب اليوم ولا ننتظر للغد. المقدم: للذي شغلته الدنيا ومتعها ونسي أنه في لحظة واحدة كل هذا سيصير صفراً لكن المصيبة أن الرصيد الذي ستدخل به الجنة أيضاً سيساوي صفراً وستقول الآيات التي نتمنى أن لا يقولها إنسان مسلم (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) الفجر). علينا أن نصاحب القرآن الكريم عن طريق القراءة بفهم ووعي وتدبر ثم تطبيق. بُثّت الحلقة بتاريخ 25/11/2008م |
التوبة والاستغفار 91 تقديم علاء بسيوني د. هداية: مسألة خلق عيسى يبدو للوهلة الأولى للمتأمل أن فيه لا أقول إشكال لأن كلمة إشكال تعني عدم التسليم بما أراده الله تبارك وتعالى إنما أقول أن هناك إعجاز في الخلق لا بد أن يعترف به كل من آمن وأسلم لله تبارك وتعالى. هذا الاعجاز اعترضت عليه بعض الطوائف من غير المسلمين الناس الذين لم يسلّموا لمحمد r والتبس عليهم الأمر في خلق فألّهوه عليه السلام. هؤلاء الناس ومن من المسلمين على شاكلتهم في مسألة أن هناك نعرة ما فائدة أن يأتي عيسى على هذا الشكل؟! كأنهم يفرضون على الله تبارك وتعالى مراده يعني كأننا نحن نتحكم بالله سبحانه وتعالى أو نقول أنه لم يكن يجب أن يحصل كذا واللازم يحصل هذا. المقدم: المولى سبحانه وتعالى المولى ليس محتاجاً لمن يبرر له أفعاله لكن الأمة هي التي تحتاج من يدبر لها أمرها. د. هداية: تدبير الأمر في الآية والذي يجب أن نفهمه وأنت في الحلقة السابقة ألمحت إلى صحيح الاعتقاد. مسألة أنني مسلم لله تبارك وتعالى وليس مسألة أني أصلي وأحج وأصوم وإنما ماذا أعتقد في كنه هذا الإله الحق ولهذا أكرر أن أول سؤال في القبر من ربك؟ فتقول الله ربي ولكن لسان حالي يقول ربي هذا ما كنهه؟ ما هي قدرته وهيمنته؟ هذا يظهر من خلال أفعالي وضربنا مثلاً في الحلقة السابقة أنت مدير شركة وأنا كل يوم أقول أنك ممتاز ثم كلما أصدرت أمراً إدارياً لا أنفذه إذن هذا مجرد. "لا إله إلا الله محمد رسول" هؤلاء مطمئنون جداً ووقف فهمهم عند القول لكن الأمر ليس هكذا وإنما الأمر أن هذا الإله سبحانه وتعالى له قدرة وله حكمة وله هيمنه ونحن في الأول والآخر عبد. الآية التي معنا لو دققنا في الآية فيها في المفهوم السائد في مسألة كن فيكون أن (كن) تتدخل في الإيجاد إذن أكون قد أوقعت آيات كثيرة من دون أن أشعر وهذا المفهوم الآية نفسها ترده والمسألة كلها تحتاج إلى فض اشتباك في المفاهيم المغلوطة. القرآن الكريم عندما يكلمنا في مسألة عيسى التي التبس عليكم الأمر فيه يقول (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) وفي الحقيقى أن هذا المثل هو المثل الوحيد في القرآن الذي لم يُضرب للتشبيه والتمثيل إنما ضرب أنك توقفت في مسألة ما كان يجب أن تتوقف فيها. عيسى له أم إسمها مريم أما آدم فليس له أب ولا أم فمن المنطق المجرّد أيهما أصعب في الخلق؟ آدم أصعب. الآية هذه ذكرنا سابقاً أن بعض آيات القرآن لا تمشي بالمعنى ولا بلازم المعنى وإنما تمشي بالمراد من الكلام. يقول تعالى (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) نقف عند الآية لنرى عظمة اللغة العربية: هل عيسى مثله مثل آدم؟ أو آدم مثله مثل عيسى؟ ليس هناك تطابق إنما يوجد إعجاز هنا وهنا فنسأل أيهما أقوى في الإعجاز وأيهما أصعب في الخلق؟ المقدم: على ربنا ليس هناك أصعب د. هداية: أصعب من وجهة نظري أنا كبني آدم. المراد في هذا الجزء من الآية (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) وكأني بالله تبارك وتعالى يقول يا من توقفتم في خلق عيسى واعتبرتم أن في خلقه معجزة أو قضية أكبر من فهمكم فلماذا لم تتوقفوا في آدم؟ وكان الأولى بكم أن تتوقفوا في آدم ولو توقفتم في آدم فسيكون لكم عذر إنما عدم توقفكم في آدم وتوقفكم في عيسى أنتم أعذرتم أنفسكم وضيعتوا أنفسكم لأنه كان من باب أولى أن يقفوا عند آدم ولو وقفوا عند آدم كانت مقبولة لكنهم وقفوا عند عيسى ولو أنهم توقفوا عند آدم لكان مقوبلاً فعيسى وجد أماً تحمله أما آدم من الذي حمله ومن الذي خلق هذا وذاك؟ إذن توقفك في هذه المسألة ليس وقوف تدبر ولا تفكر وإنما توقف طبر واستعلاء وكأنه تقليد لإبليس عليه لعنة الله بدليل أنه لما قال (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم) المفروض أن يتكلم عن عيسى أنه جاء من مريم وإنما قال (خلقه من تراب) جاء بالأصعب. هنا تظهر إشكالية ثانية عند المفسرين هل عيسى خُلق من تراب؟ أو جاء في رحم مريم؟ لما نقول (خلقه من تراب) لا يمكن أن يكون الكلام على عيسى وإنما الكلام على آدم. أين موضوع عيسى إذن؟ هذا سؤال مهم وندخل في النطفة والعلقة! البعض لم يفهموا المثل. الله تعالى ضرب لنا المثل بالأصعب الذي خلق من تراب أو الذي خلق في بطن أمه؟ خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون. المقدم: البعض فهم هذا الكلام خاصة أن الاعجاز القرآني واستخدام القرآن لبعض الألفاظ وإبداعات إلهية في الصياغة اللغوية في لغتنا العربية الجميلة تجعل بعض الناس تتدبر والبعض لا يعترض أننا نتحدث بأمور النحو. وهناك من فهم أنه لماذا لا يكون المعنى أن عيسى مثل آدم فكما أن رب العالمين خلق آدم من تراب قال له كن فيكون قبل الخلق كذلك عيسى خلقه الله تعالى من تراب وقال له كن فيكون، وإرادة ربنا ارتأت أن يأتي عيسى بهذا الشكل ليسبب فتنة ويرى من يتدبر الأمر ويعرف أن الكون له إله واحد لا يمكن أن يتجسد في بشر وناس آخرون ستتدخل وتؤلّه هذا المخلوق ويقولون هو الله أو هو ابن الله تجسد في هذا المخلوق حتى يفدي الناس من الخطايا حسب الاعتقاد المسيحي. السؤال ما الذي قسم الناس فريقين ولماذا لم يحصل هذا الانقسام مع آدم؟ أو مع قصة العزير؟ إذا كان العزير ابن الله لماذا لا ينتشر الآن طائفة تعبد العزير؟ د. هداية: لم يتوقف أحد عند خلق آدم. كان هناك طائفة تعبد العزير ولكنها اندثرت الآن وجاء بعدا المسيحيون ممن يعبدون المسيح. هذه ليست قضيتنا قضيتنا مسألة مهمة وهي أن بعض الناس فهمت (فقال له كن فيكون) لكن اين مسألة (فحملته) أنا رجل مؤمن بقرآني وبإيماني آخذ القرآن ككل والآيات تخدم بعضها. فالواضح أمامنا أنها حملته ولما حملته وضعته لكن المثال مضروب لماذا؟ هناك نقطة لو انتبهنا إلى ما قلت هم اشتركوا ونحن معهم في (كن) والجهة منفكة بيننا وبين آدم وعيسى في جهة الخلق. (كن فيكون) للكل والجهة تنفك آدم من تراب، كلنا من ذكر وأنثى، عيسى من أنثى بلا ذكر إذن الجهة انفكت في طريقة الخلق لكن الكل يقع تحت بند (كن فيكون) إذن آدم وعيسى ونحن في آيات القرآن المتفرقة (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) مسألة القضاء إذن أزلية على مراده آدم سيأتي بهذه الطريقة، عيسى سيأتي بهذه الطريقة وبقية البشر ستأتي بهذه الطريقة. إذن هنا الجهة انفكت في جهة الخلق لكن اتّحدت في (كن فيكون). الناصح يسأل السؤال الذي سألته آخر الحلقة الماضية ما دلالة (كن) طالما لا تدخل في الإيجاد. نحن نقول هي قطعاً غير داخلة في الإيجاد لأن الآية تقول (خلقه من تراب ثم قال له) و (ثم) هي للترتيب والتراخي وكلمة (خلقه من تراب) يعني الخلق تمّ وهو تعالى قال (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين) هنا تعني الخلق وهنا تعني الخلق. (كن) التوقف كان يكون صحيحاً لو سأل أحدهم ما دلالة (كن) لما تقول أن الخلق تم. حتى الذين حاولوا أن يعملوها قالوا من سرعة الإيجاد فنقول له سرعة الإيجاد ليست في خلقه وإنما في قضى. وأضرب مثالاً ولله المثل الأعلى أنت تريد أن تفعل شيئاً تأتيني الفكرة أولاً، هذه الفكرة هل هي سهلة أو صعبة؟ هل سيأتي من يساعدني فيها أو لا؟ هل عملها أحد من قبل يعني تجربة؟ يعني هي فكرة ثم تجربة ثم تطبيق التجربة ثم تتم الفكرة، هذا لما أنت أردت شيئاً لكن المولى تعالى قال (إذا أراد شيئاً أن يقول له) إذن الوجود جاء قبل (له) يعني ساعة ما تريد شيئاً عليك أن تأخذ الأسباب كلها وقد تنجح وقد تفشل أما مراد الله سبحانه وتعالى فهو فوري ساعة قضى تم الإيجاد بدليل (له) ثم قال (يكون له كن). المقدم: إذا كان الكلام هكذا والمسألة تمت من أول ما قضى الله تعالى بالخلق فما دور (كن) في مسألة الخلق؟ هل هي مجرد إظهار للشيء لباقي المخلوقات؟ أو هي مجرد الأمر الإلهي أن يبدأ هذا المخلوق أن يمارس دوره؟ أو هي كن كما أراد المولى سبحانه وتعالى؟ د. هداية: على مراد الله. حت تحل الإشكالية ما ذكرته كله ذكره الناس لكن أين الرأي الذي يقابل منطق التفسير؟ هناك آية يقول فيها المولى عز وجل (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) كل المفسرين على أن اللام في (ليعبدون) لام الغاية أو لام التعليل وهي ليست هذه ولا تلك. العبودية قضية غير مفهومة إلى الآن على مراد الله فيها بدليل انتبه لكتب العقيدة في مسألة توحيد الألوهية والربوبية. يجب أن نعرف أولاً هل العبودية تتعلق بالعابد أو بالمعبود سبحانه وتعالى؟ المفروض أن تتعلق بالعابد. المقدم: أنا أفهم أنها تتعلق بالمعبود أولاً لأنه الذي يضع أسس العبادة. د. هداية: لا، العبودية كممارسة تتعلق بالعابد يمارسها على مراد المعبود وليس على مزاجي أنا. هي علاقة بين طرفين المعبود سبحانه وتعالى والعابد وهي المفروض أن تمشي على مراد المعبود ولو مشت على مراد العابد ينطبق فيها آيات القرآن (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) لكني أقول أن العبادة تتعلق بالممارِس العابد الذي إما أن ينجح فيها أو يفشل فيها. اللام في (ليعبدون) لو أخذناها على أنها لام التعليل فإذن أنت كإله محتاج لعبادة الناس ولكن إياك أن تستقر هذه في عقيدتك! الله تعالى لا يحتاج شيئاً. إذن اللام في (ليعبدون) لا تنفع أن تكون لام التعليل ولا لام الغاية لأنهما يؤديان إلى احتياج المولى عز وجل وهذه مسألة لا يمكن أن تكون في حق الله. ويجب أن نفكر ما هي هذه اللام؟ نسأل هل كلهم يعبدون أو كلهم قانتون؟ هم في الحقيقة كلهم قانتون بمعنى كلمة قانت يعني طائع إما طوعاً وإما كرهاً أما يعبدون هل الكل سيمارس العبادة أو أن بعضهم سيمارس وبعضهم لن يمارس إذن اللام هذه أختار لها لفظاً يناسب مسألة طلب العبادة إذن اسمها لام المطلوب. المطلوب من الخلق أن يعبدوا بعضهم يعبد وبعضهم يكفر وهذه (كن فيكون) يعني كن على ما أردت لك لأن هناك من أردت له أن يكفر وهناك من أردت له أن يكفر ولذلك في توضيف القرآن بالقرآن قال (إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم) المشيئة راجعة هنا للبشر ثم قال (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين) إذن يفهمنا أن مشيئتك أنت إن كانت سيئة فمنك أنت وإن كانت حسنة فهي بفضل الله تبارك وتعالى. البعض يسأل كيف والإثنان من الله؟ نقول نعم لأنه سبق في علمه سبحانه أنه لو أطلق حرية اختيارهذا فسيختار الشيء فجاء به بمشيئته دون أن يظلمه وأكبر دليل على هذا لا أحد يعرف ماذا كتب الله تعالى له. تخيل إثنان بلغا سن البلوغ مع بعض وقلنا لهم أنتم الآن مكلفان لا هذا يعرف ماذا كتب الله تعالى ولا هذا يعرف ماذا كتب الله له لكن أحدهم يختار الإسلام والآخر يكفر هو كفر لا لأن الله تعالى كتب عليه الكفر وإنما كفر لأنه إنسان سيء بعدما ربنا كتب ربنا عليه الكفر لأن الله تعالى لم يقل له أنا كتبت عليك الكفر ولو أن الله أخبرنا أنه كتب على فلان الإيمان وكتب على فلان الكفر كان يكون إنحاز للمسألة بتأثير علمه أنه مكتوب عليه الكفر إنما ربنا لم يخبر أحداً ماذا كتب عليه. المقدم: وهذا ليس فيه نوع من أنواع الظلم للإنسان؟ د. هداية: إطلاقاً بدليل أنه تعالى قال (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) وبعدها ذكر الفاعل فقال (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) لأن الذي دساها لو قلنا له إياك أن تُسلِم لأنه مكتوب عليك الكفر فيكون هذا سيكولوجياً راح للكفر بتأثير كلامنا بالإيحاء. في الإسلام أنت لست مطالباً بالإسلام بمحمد r فقط وإنما مطالب بالإسلام بمحمد والذين من قبله كما ذكر في أول البقرة وفي آخرها (والذي يؤمنون بالذي أنزل إليك وما أنزل من قبلك) والذين عند عيسى يؤمنون به لغاية آدم ثم عيسى لما يأتي يقول جئت مصدقاً لما بين يدي ومبشراً بالذي سيأتي بعدي. الأنبياء والمرسلين سلسة لا نختار بينهم فإذا دخلت عند عيسى أختار عيسى ومن قبله وإذا دخلت عند موسى أختار موسى ومن قبله وإذا دخلت عند محمد تأخذ محمد r ومن قبله. المسألة (كن فيكون) أنت خُلِقت فكُن على مرادي فيك لإثبات قدرة الله تعالى فيك. وقلنا سابقاً أنا أبو جهل لو كان مكتوباً له أن يكون الصدّيق ما كان يمكن له أن يكون أبو جهل والصدّيق لو كان مكتوباً له أن يكون أبو جهل ما كان يمكن له أن يكون الصدّيق ولذلك أهل الجنة في الجنة يقولون (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) والهداية هم قاموا بفعل لكنهم قالوا نحن لم نعمل إلا لأن الرحمة وصلت بهداية المعونة بعد هداية الدلالة. الرسول دلّ إلى الطريق الصح فمشينا به. المقدم: بعض الناس قالت في مثل عيسى وآدم أنه قد يكون خلق عيسى على هذه الطريقة إثبات لطلاقة القدرة الإلهية أن آدم خُلق من غير ذكر ولا أنثى وبقية الخلق خلقوا من ذكر وحواء خلقت من ذكر بدون أنثى وبقي الخلق من أنثى بلا ذكر. د. هداية: مسألة خلق حواء من ذكر بلا أنثى هذه قضية خطأ وقديمة فاشلة. علينا أن نصحح الكلام: آدم وحواء خلقا مع بعض بنفس الطريقة لأنه تعالى قال (ومن كل شيء خلقنا زوجين) لما نوح بدأ حياة جديدة وهو يسمى عند فقهاء اللغة آدم الثاني (قلنا احمل فيها من كل زوجين) حتى تبدأ حياة يجب أن يكون هناك زوجان. لو أخذنا فكرة ضلع آدم - هذا أولاً كلام إسرائيلي بحت – وكل الأحاديث في هذا المجال من الاسرائيليات نقارن بين ما جاء في القرآن وما أوردته الاسرائيليات. الاسرائيليات قالت أن آدم كان نائماً في الجنة واستوحش ثم أفاق فوجد حواء أمامه ثم تزوجها يعني أنه كان في الجنة وحده والقرآن يقول (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) فمن نصدّق؟ كلام القرآن طبعاً كلام القرآن في مسألة (قلنا احمل فيها من كل زوجين) ومسألة عندما يريد رب العالمين أن يخلق شيئاً يجب أن يكون زوجين. لما نأخذ أي ضلع وتحلله وترجعه إلى عناصره وتعمل منه خلق يعطيك تكوين العظم فقط لا يعطيك دماً ولا شعراً ولا أظافراً ولا لحماً هذا من الناحية البيولوجية لو سألنا عالماً بيولوجياً هل العظم يعطينا لحم وشعر يقول لك لا ولكن تعطي عظماً فقط. التركيب العظمي يعطي عظماً فقط. الناس تحتج بالحديث الصحيح عن رسول الله r: "استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" يعني الضلع هنا مجاز وليس حقيقة وليس المقصود منه ضلع آدم، الضلع لو كان مستقيماً يقع القلب والرئتين وظيفة الضلع أن انحناءه يحفظ القلب والرئتين ولو سألنا هل الضلع مستقيم أو لا سيرد من دون تفكير أن الضلع أعوج لكنه في الحقيقة مستقيم لأن غاية استقامته أنه أعوج إذن استقامة الضلع هي أن يؤدي دوره فلو كان غير منحني لن يؤدي وظيفته فكلمة أعوج يعني مستقيم. المقدم: البعض يقول أن الرجل عنده 23 ضلعاً في القفص الصدري والمرأة عندها 24 د. هداية: تعالى نعد الأضلاع وهذا كلام فارغ لأنه بيولوجياً عدد أضلاع المرأة هو تماماً كعدد أضلاع الرجل. كلام الرسول r صحيح في أن الضلع الأعوج يحتوي القلب والرئتين والمرأة الصالحة تحتوي الرجل والأولاد كما يحتوي الضلع القلب والرئتين فكلام الرسول r مجاز. المقدم: أليس مقصوداً أيضاً أنه من ضمن هذا الاعوجاج الدلع والملاطفة وإلا لو كانت المرأة مثل الرجل لكان الأمر وكأن الرجل متزوج من أحد أصحابه! د. هداية: قلنا سابقاً عملوا تجربة في فرنسا لأطفال يعيشون بين رجلين ففضلوا وتجربة لأطفال يعيشون بين امرأتين ففشلوا ونجحت التجربة لأطفال بعيشون بين رجل وامرأة حتى ولو لم يكونا متزوجين. أساس الخلقة أن الأب يشد والأم ترخي وكلام الرسول r"استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خلقت من ضلع" من ضلع يعني من طبيعة تختلف عن طبيعة الرجل. ثم قال r (وإن أعوج ما في الضلع أعلاه) الاعوجاج يزيد في أعلى الضلع أعوج على وزن أفعل التفضيل يعني أحلى. المقدم: البعض فسر أعوج على أنه أسوأ والبعض قال أن المقصود أن دماغ المرأة أسوأ ما فيها. د. هداية: هذا غير صحيح على الإطلاق بدليل أنه r قال:" وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، إن أنت ذهبت لتقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء" معناها لا تحاول أن يغير طبيعتها. بعض الشراح قال أن "فاستوصوا بالنساء خيراً" هذا يعني فاقبله على عوجه. البعض يشتكي من زوجته نتيجة عدم فهم خلقة كل واحد من الرجل والمرأة والرسول r يقول لنا أن طبيعة النساء مختلفة عن طبيعة الرجال بدليل انه كلّم النساء يوصيهن بالرجال كما كلّم الرجال يوصيهم بالنساء، الرسول r يريد أن يقيم البيت على الرضى. هذه الطبيعة التي خلق الله تعالى عليها النساء وليست من ضلع آدم والرسول r كان يمكن أن يخبرنا لكنه يتكلم كلاماً مجازياً "استوصوا بالنساء خيراً فإنهن خلقن من عوج" عوج هنا تفهم بلازم المعنى يعني خلقن من طبيعة مختلفة عن طبيعة الرجل. المقدم: من باب الأسئلة الصعبة الطبيعة المختلفة لعيسى u والمعجزات التي عملها والناس رأتها في عهده ألا توقع الناس في فتنة. وابليس قال لله تعالى (رب بما أغويتني) يعني أنت تعلم يا رب أنك خلقتني من نار فما الذي جعلك تأمرني بالسجود لآدم وأنت تعرف أني لن أسجد؟ كأن إبليس يحاول أن يرمي بالمسؤولية على الله سبحانه وتعالى وهو يعرف طبيعته فكأن نفس المنهج يقال مع عيسى u فالله تعالى خلقه من أنثى لم تختلي برجل لا عن طريق زواج ولا أية علاقة أخرى معاذ الله ثم لما يأتي هذا الطفل يتكلم صغيراً في المهد ثم لما يكبر يكون طاقة للشفاء والرحمة والرأفة ويحيي الموتى بإذن الله، هذه التصرفات تبدو وكأنها ليست تصرفات بشر عادي وإنما لإله لأن التصرفات فوق مستوى طاقة البشر فمن الطبيعي أن يكون هناك من يقول هذه ليست تصرفات بشر عادي وهناك آيتين في القرآن الكريم مرة يتكلم تعالى عن مريم التي أحصنت فرجها فقال (فنفخنا فيه) ومرة ثانية قال (فنفخنا فيها)، أليست هذه أسئلة صعبة؟ د. هداية: كلها أسئلة لكنها ليست صعبة لأنه ساعة التبس الأمر على من التبس عليه الأمر نسأل سؤالاً واحداً هل عيسى قال أنا إله؟ عيسى قال (إني عبد الله) تتحقق على لسانه مناط كلمة احتار فيها العالمين (إني عبد الله) ولم يقل أنه يشفي المرضى والأكمه والأبرص أو يحيي الموتى بذاته وإنما قال بإذن الله وقدرته هو لم يدّعي هذا هم تصوروا ذلك لكن السؤال الفيصل هل الكل تصور هذا؟ لا وإنما البعض إذن أجزاء من البعض عادزا. عيسى u لم يقل أنا وإنما قال (الله) إذن أين الالتباس؟ هي مسألة ابليس. ماذا فعل إبليس؟ (فسجد الملائكة كلهم أجمعين إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) إذن ابليس أبى واستكبر إذن منطق إبليس هو الخطأ ومنطق من يمضي على هذا الدرب خطأ والذي يؤدي بالناس إلى الهلكة هو الكِبر، الإنسان الذي لديه كبر لا يريد أن يسمع أنه أخطأ والكبر له درجات لكن في النهاية لن يدخل الجنة من طان في قلبه مثقال ذرة من كبر لأن هذا المثقال سيجعله يتعالى عن العباد ويستعلي على الخلق ويرفض التنفيذ هو لن يدخل النار بمثقال الذرة وإنما هذا المثقال سيؤدي به إلى أن يضيع العبادات، البعض عندما تسأله لماذا لا تصلي؟ يقول لك هل يحتاج ربنا لعبادتي؟! هذا كِبر غريب، هو يعرف أن هناك إله ثم تسله هل تؤمن به أو لا تؤمن؟ يقول لك هذا الأمر غير واضح فتقول له أنا أوضح لك فيقول لك بكِبر أنت توضح لي؟! كيف تتصور أن العملية تسير؟ إله وكتب ورسل؟ فيقول لك العملية أبسط من هذا بكثير لو ربنا هداني سأصلي، إذن هذا يعرف أن له رباً وهذا يذكرني بالمشركين في مكة حين قالوا إن رب محمد قد قلاه، إذن هم يعرفون أن لمحمد رب! وقد اتهموه r أنه يأتي بالقرآن من عنده. المنطق يعود إليه حتى الذي أضل يقول الحق من تلقاء نفسه. المقدم: هم الذين قالوا أن هذه مشيئة الله ولولا مشيئته لكا أضللنا وما كفرنا. د. هداية: القضية أنني أنا عبد وهذا ما قاله عيسى الذي ألله البعض (إني عبد الله) لو قال إني رسول الله لا تكون مشكلة لكن لما أراد تعالى أن يشرِّف عيسى u قال (إني عبد الله) ولما أراد أن يشرِّف محمداً r قال (سبحان الذي أسرى بعبده) لم يقل برسوله أو بنبيه مع أن الإسراء حصل بعد البعثة وتم التكليف. العبودية شرف كبير والكبر الذي عند البعض لا يفهم أن العبد تشريف لأنه عبد لله تعالى كما قال عيسى u (إني عبد الله). المقدم: حتى في الأناجيل يذكر أن أحدهم ذهب ليسأل عيسى u أيها السيد أأنت الله؟ أو أأنت ابن الله؟ فردّ عليه قائلاً أنا رسول من الآب (البعض قالوا الأب واختلفوا فيها) قال عيسى أنا رسول الله اتبعوني لكن مسألة تأليه المسيح حصلت بعد وفاته بقرون من أتباعه الذين يدخلوا هذه العقيدة في أفهام الناس. د. هداية: علينا أن نأخذ منهجنا وعلمنا وحقيقة القصص القرآني كله من القرآن والقرآن يتحدث باستطراد والآيات تمشي على أكثر من رؤية لكل نبي أو رسول ذكرهم القرآن الكريم وفي سورة يوسف قال تعالى (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ (3)) يعني أحسن قصة تأخذها محكمة هدفها موجود وغايتها موجودة تأخذها من القرآن والقرآن تحدث عن هذا وقال إن عيسى u بلسانه هو قال (يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم) هذه واضحة لا تحتاج لتفسير (مصدقاً لما بين يدي من التوراة) يعني موافق لكل ما جاء به موسى. المقدم: إذن تعاليم الإنجيل ليس فيها مخالفة لتعاليم التوراة الحقيقية ولا ستختلف مع تعاليم القرآن؟ د. هداية: لا يمكن ولذلك ليس من قبيل الصدفة أن بداية سورة البقرة أنت مسلم خذ المنهج (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) وفي آخر البقرة (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)) هذه قضية منتهية في كل الكتب السماوية الصحيحة تتسق مع المنطق والعقل والفكر أن هناك إله ينزل منهج على نبي أو رسول والمطلوب من البشر اتّباعه المقدم: الذي خرج من مسألة الكبر كثير في أوروبا وأميركا باعتبار هذه المجتمعات تربت خلال قرون طويلة على مسألة إعمال العقل والفكر وحرية القراءة والتفكير إلى أن يهتدي كثير من الناس وتفهم الإسلام هو الدين الشامل من آدم إلى محمد r وفي بعض الدول العربية هناك نوع من الحساسية بين المسلمين والمسيحيين وهناك كثير من الأكاديميين في الجامعات عملوا دراسات وأبحاث ومقارنات في هذا الموضوع وهناك بعض الأناجيل عمل عليها دراسات وأخرجوا منها كلمات وآيات تقريباً نفس المنهج الذي في القرآن الكريم لأن كله يخرج من مشكاة واحدة د. هداية: عظمة الأداء القرآني في أخطر نقطة في توصيف العقيدة يقول (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)) إذا طرق بابك أحد وفتحت له وقال أنا أريد أن أسلم فعليه قبل أن ينطق بالشهادة أن يكفر بالطاغوت كل ما يطغي الإنسان الكِبر الشيطان النفس العاصية الجار أو الصديق السيء لذا قبل أن تعلن إيمانك بالله الحق عليك أن تكفر بالطاغوت فالكفر هنا يسبق الإيمان، الكفر بالذي ضيّعنا والطاغوت هنا يعني كل من تسبب في طغيانك (فمن يكفر بالطاغوت) يعني يكفر أولاً قبل أن يؤمن (فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) يعني كأن الذي يريد أن يسلم أقول له اكفر بالذي كنت عليه أولاً هذا منطق. المقدم: بعض الناس تفهم أن الموضوع هو صراع بين الأنبياء والرسل وهناك كثير لم يصل إليهم أن الأنبياء والرسل على منهج واحد له واحد والله تعالى لن يغير رأيه وأن وجود عداوات بين الأتباع هذا اليوم خطأ. د. هداية: هذا من صنيعة الفكر البشري فكر الدين الحق والمنطق الحق. ائتني بأي منهج أرضي يعني فرعون مثلاً كانوا يأتونه كرهاً والله تعالى الحق يقول (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) هل هناك منهج وضعي هكذا؟ كلا، القانون الأرضي يطبق على الكل ولا يجوز الاعتذار للجهل بالقانون. القرآن والمناهج الإلهية قال (فمن شاء فليؤمن) ومشيئة هذا الذي يؤمن هي (وما تشاؤون إلا أن يشاء الله) وتركك في الجنة إن شاء الله أنت الذي تقول (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) إذن الفكر البشري والمنهج البشري غير منهج السماء لأن منهج السماء منهج عقل ومنطق وعلم ولا يمكن أن تتشابك أبداً أكثر من رسالة جاءت من إله واحد إنما هو منهج واحد للرسل جميعاً والشريعة هي التي تتغير ولذلك (إن الدين عند الله الإسلام) هذه آية محتاجة لشرح كبير وفي نفس السورة (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه) الدين عند الله الإسلام ليس دين محمد فقط وإنما دين كل الأنبياء والمرسلين وأكرر هنا أن اليهودية ديانة دينها الإسلام والنصرانية ديانة دينها الإسلام وإسلام محمد ديانة دينها الإسلام ولذلك خاطبنا المولى سبحانه وتعالى نحن المسلمون (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (13) الشورى) لذلك نرجو أن يلغي الناس كلمة الأديان وحوار الأديان وقولوا حوار الديانات حوار الرسالات لكن ليس هناك أديان لأنه لما يسمعنا أحد من الغرب نقول أديان يعتبرون أن هناك آلهة لأن المنطق المجرد إن لكل إله دين. المقدم: الكلام يحتاج إلى تبيان ونوضح أن هذه النقاشات التي نناقشها هي من باب التحقيق العلمي المبني على القرآن الكريم الكتاب الأوحد الباقي على البسيطة التي لم يحدث فيه تحريف والباقي على مراد الله لذلك نحن نبحث من باب البحث العلمي وليس غرضنا الطعن في عقائد الآخرين إطلاقاً ولا أن نستعلي عليهم لأن الكبر هذا من صنع البشر والكبر الذي يكون ملازماً للنفس البشرية على أن لا أكون مخطئاً فالهدف هو الأخوة الإنسانية وليس العداوة البشرية لأني أعلم أن هذه المناقشات تثير بعض الحساسيات. بُثّت الحلقة بتاريخ 2/12/2008م |
التوبة والاستغفار 92 تقديم علاء بسيوني (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) وذكرنا المثل الذي ضربه سبحانه وتعالى عن آدم وعيسى عليهما السلام (خلقه من تراب ثم قال له) وقلنا أن الكينونة هنا على المنهج فنحتاج إلى أن نلخص الموضوع للذين لم يفهموا ونحتاج أن نلخص الفرق بين الخلق والإرادة والكينونة. د. هداية: بداية قلنا أن الله تبارك وتعالى قضاؤه لا يرد وقضاؤه يتم فور المشيئة والإرادة على عكسنا نحن تماماً وضربنا مثالاً أننا نحن إذا أردنا شيئاً نفكر فيه ثم نخطط له ثم نجربه ثم ننفذ إنما المولى عز وجل (إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون) (له) يعني الشيء ساعة أراد الله تبارك وتعالى وُجِد وتمّ خلقه والآية التي ذكرتها (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) (خلقه) يعني آدم من تراب (ثم قال له) ساعة خلقه أي تم الخلق أما (كن فيكون) (كُن) لا تدخل في الإيجاد إنما تدخل بعد الإيجاد أي كُن على مرادي فيك بالإيمان، بالكفر، بالإيمان ثم الكفر أو الكفر ثم الإيمان الحاية التي سيعيشها كل مخلوق ولا يستطيع مخلوق أن يفعل شيئاً لم يقض به الله تبارك وتعالى قضاء الله تبارك وتعالى أزلي وقدره أبدي والله تبارك وتعالى له في خلقه شؤون ولا يُسأل عما يفعل. الآية (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) قلنا أن اللام في (ليعبدون) ظن الكثير أنها لام تعليل وهي لا يمكن أن تكون لام التعليل وإنما هي لام المطلوب يعني خلق الله تبارك وتعالى الجن والإنس وطلب منهم أن يعبدوه فمن آمن واتبع فهو في الجنة ومن أبى وعصى وكفر فهو في النار وهذه قاعدة قرآنية واضحة وضوح الشمس في كبد السماء والله تبارك وتعالى من عدالته كإله خالق عادل على منهجه سبحانه وتعالى (لا إكراه في الدين) (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) الآيات أوضح من أن تُشرح. الله تبارك وتعالى خلق كل واحد منا وأوجد له مكاناً في الجنة ومكاناً في النار وهو قاضي بالمكان لكن لم يخبرك أين أنت من الجنة أو النار وترك هذا لاختيارك أنت فإن ولدت أنا جبراً فأنا لم أختر يوم ميلادي ولا أبي ولا أمي لكن اخترت أفعالي واخترت اختياري واخترت تصرفاتي. المقدم: هذه المسألة التي نتكلم عنها هل الإنسان مسير أو مخير؟ د. هداية: أنت مسير في أمور ليس لك دخل بها كالميلاد والرزق والبعث لكن مخير في سعيك على الرزق يعني مقدار الرزق هذه للمولى عز وجل لكن سعيك عليه أنت مسؤول عنه أنت مقدر لك ألف جنيه يوم الثلاثاء إما أن تأتي بهم من حلال وإما تأتي بهم من حرام هذه تعود عليك أنت لكن المبلغ سيأتي سيأتي وضربنا المثال (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها) ألهمها هنا يعني وضح لها هذا حلال وهذا حرام هذا طريق الخير وهذا طريق الشر والفعل لي (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) المقدم: بعض أساتذة علم الاجتماع هناك مدارس منهم تقول أن الإنسان وليد البيئة التي ولد فيها وهي التي تؤثر على صلاحه أو طلاحه ويقولون أن واحد وُلِد في بيئة صالحة من أم وأب مسلمين وربوه تربية صالحة وأخلاقه جيده فصار الولد مثل أبيه يذهب للمسجد وأخلاقه جيدة وهو ميسور الحال وكبر وتعلم ودينه جيد وولد آخر وُلِد في بيئة غير صالحة وفقيرة فقر الفكر والمال وأمه وأبوه لم يربوه على الدين ولا يهتمون هل الرزق الذي يكسبونه من حلال أو من حرام فنشأ الولد في هذه البيئة وصار نشالاً أو سارقاً فهل هذا الولد مظلوم؟ ما ذنبه هو إن لم يربه أبويه في بيئة صالحة والكل من حوله علمه أن حتى يأكل عليه أن يسرق أو يختلس فهكذا تكون الأقدار ظلمت هذا ونصفت هذا؟ د هداية: أبداً، كل نظريات علم النفس وعلم الاجتماع نظريات إطلاقها ليس صحيحاً فأنت ترى إمام مسجد يخرج من صلبه ولد فاسد والعكس بالعكس وفي البيئات الراقية شاهدنا بأنفسنا حتى لو كانت البيئة سيئة إنما يخرج منها أولاد صالحين فالمسألة نسبية. القضية في أن المولى عز وجل لم يظلم أحداً أبداً بدليل أعطني منهجاً واحداً قال صاحبه وهو يضعه (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) إلا هذا المنهد الحق؟! (لا إكراه في الدين) وذكرنا سابقاً لو أن أحدهم دخل عليك وهو يلوي ذراع أحدهم ويقول له قل لا إله إلا الله هذا لا ينفع أنت سترفض وتقول لا، المسألأة مسألة العقيدة لا ينفع فيها لا إجبار ولا إكراه ولذلك (لا إكراه في الدين) أنت يمكن أن تكره الناس على أمور كثيرة جداً على تطبيق قانون على نزع ملكية لكن أن تكرهه الناس على الإيمان بالخالق الحق؟ الخالق الحق لا يرضاه وهذه القضية محسومة من أول سورة البقرة والمولى عز وجل يقول (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) المشيئة مطلقة هذه مسائل اختيارية بحت على عكس الميلاد والرزق ومن أبواي هذه أمور لا دخل لي بها وإنما لي دخل في اختيار طريقي وأنت نفسك تشهد وترى الذي من بيت صالح جداً وهو فاسد جداً وترى الذي هو من بيت فاسد جداً وخرج صالحاً جداً والتي لم تكن تلبس الحجاب فترة طويلة ثم لبسته والتي خلعت الحجاب بعد أن ارتدته، كلما ترى قضية من هذه القضايا تقول سبحان الله لله في خلقه شؤون لكن هل أجبر المولى تبارك وتعالى أحداً على الطاعة أو على العبادة أو على المعصية؟ إطلاقاً الآيات توضح ذلك تماماً. المقدم: هناك أكثر من نقطة فيما يتعلق بمسألة الجنة والنار وذكرنا في حلقة سابقة عن حديث "إن الإنسان ليعمل بعمل أهل الجنة حتى لا يبقى بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها" والعكس بالعكس وناك من يقول ألا يقول الله تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) لنفترض أني منذ سبعين سنة وأنا أعمل حسنات فالمفروض أن يكون قد كتب في كتابي على الأقل حسنات سبعين سنة والله يضاعف لمن يشاء وعند سن واحد وسبعين أخطأت خطأ وضعفت ومت عليها فهل من غلطة واحدة حتى لو لم أتب عنها أو مت عليها وجاءني تلفون من إحدى السيدات الفضليات تقول أنها امرأة كبيرة تصلي وتصوم وتعيش وحيدة في الدنيا وهي ليس لها علاقة بأحد وتعيش وحدها وهي فقط تؤنس وحدتها بسيجارة وتقول أنتم قلتم أن السيجارة معصية وحرام بفتوى شرعية وأنها ضرر للنفس والمال ثم بدات بالبكاء وتقول أن الكلام الذي تقولونه وأنا امرأة طيبة وعلاقاتي بالجميع جيدة ولا أرتكب أخطاء وأعيش لوحدي هل سيذهب إلى عملي الصالح وعبادتي وحبي لله تبارك وتعالى سيذهب هدراً إذا مت وأنا أمشك السيجارة وأرمى في جهنم؟ د. هداية: الحديث لم يقل هذا أبداً، الكلام الذي ذكرته أنت ينطبق عليه قوله تعالى (فأما من ثقلت موازينه) (وأما من خفت موازينه) يعني إنسان عمل حسنات في حياته ستوزن وستوزن سيئاته لكن الحديث يتكلم عن عمل أهل النار (فيعمل بعمل أهل النار) عمل أهل النار يعني كفر يعني العقيدة تحولت فأصبح العمل هدراً ليس بعد الكفر ذنب، هات لي كافر عمل كل أعمال الخير المتصورة كيف سيدخل هذا الرجل الجنة؟ ما هي العقيدة؟ هل الكافر له ميزان؟ هل ستوزن أعماله؟ لا ليس له ميزان الميزان للمؤمن نرى العقيدة أولاً إذا كان الكتاب باليمين سيكون هناك ميزان أما إذا كان الكتاب بالشمال فليس هناك وزن. المقدم: افترض أن هناك إثنان كفار ملحدين واحد يعمل خيراً وآخر معه في الإلحاد لكن يسرق ويقتل لما يدخلا النار بأمر الله هل يدخلا في نفس المنزلة؟ د. هداية: لا ليسا في نفس المنزلة. وذكرنا سابقاً أن أقل الجنة جنة وأقل النار نار إنما نحن نقول منطقية الميزان هي لواحد شهد أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن الذي قال ليس هناك إله ويقول كل هذا كلام فارغ فكيف توزن له؟ هذا ينطبق عليه (خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه) لكن نتكلم عن الميزان والكلام الذي ذكرته رداً على الحديث عن رسول الله يتكلم عن عمل أهل النار لا أنه عمل خيراً سبعين سنة ثم دخن سيجارة ومات يدخله الله النار لا أحد يمكن أن يقول هذا! لكن أناقش موضوع السيدة التي تعترف أنها تعمل خيراً ولكنها تدخن وتعلم أن التدخين حرام فعليها أن تتركه، مجاهدة النفس هنا نقطة مهمة وعلينا أن تصون الله في نفسها لأن المجاهدة هنا فهي تصوم وتصلي وتزكي وتعمل الخير وهي تعلم أن التدخين حرام لكنها تدخن هذا لا ينفع لن أقول هي في النار بهذا العمل لكن هذا لا يليق بإنسان مؤمن ويعلم من هو الله لذلك أذكركم بحديث جبريل الذي يجب أن نقوله دائماً لما سأله عن الإسلام أعطانا عقيدة المسلم ثم لما سأله عن الإيمان أعطاه عقيدة المؤمن ولما ساله عن الإحسان بعد أن قال الإسلام والإيمان لم يقل في الإحسان ما قاله في الإسلام والإيمان، في الاسلام قال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وفي الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وفي الإحسان قال أن تعبد الله يعني طبق هؤلاء بخشية ففي الإحسان قال أن تعبد الله كأننك تراه أو أن تخشى الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك تكلم هنا في عقيدة المحسن ليس فيها عمل لأنه قائم به لكنه يريد أن يعمل كل هذا وهو خائف من ربنا كأن المولى يراه وإن كنت أنت لا تراه فإنه يراك فاعبده كأنك تراه. المقدم: أو كأنك ترى أنه يراك لأن الناس تنسى في بعض الأحيان فالله تعالى موجود في كل مكان لكنهم غير مستحضرين أن الله مطلع عليهم. هذه السيدة الكبيرة لو تخيلت لحظة أنه كشف عنك الحجاب ورأيت الله عز وجل هل يمكن في تلك اللحظة أن تأخذي سيجارة وتدخينها؟! د. هداية: هذا كلام الرسول r، وإن كنت غير قادرة على تصور هذا فإن الله يراك يراك. المقدم: اسئلة كثيرة تدور في ذهني ونحن نناقش الآيات في مسألة القضاء والقدر ومسألة (كن فيكون) كل واحد له مكان في الجنة ومكان في النار قبل أن يُخلق وسيشغر أحد هذين المكانين لا محالة فلو كان في الجنة سيشغر مكانه في النار والعكس بالعكس. نحن سنخصص إن شاء الله حلقة عن مسألة الدخول والخروج إلى الجنة أو النار لكن نذكر المشاهدين أنه في صحيح مسلم قال رسول الله r: من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول قد حرّم الله عليه النار" د. هداية: القضية قائمة على حديث الناس مطمئنة له جداً وهو "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" البعض يقول يدخل النار قليلاً ثم يدخل الجنة نتيدة أعماله هذا الذي يفهمونه من الأحاديث ورغم أنها في البخاري ومسلم قلنا أنه علينا أن نأخذ الأمور بمنطقية الأحداث، القرآن يقول لا خروج والأحاديث تقول خروج، لدينا حديث في مسلم، هم يقولون أن هذا يدخل الجنة لكن بعد أن يدخل النار قليلاً، هذا الحديث في مسلم :"من شهد أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرّم الله عليه النار" إذن الشهادة أو القول يجب أن يتبعهم العمل أم أنهم يريدون القول أنه من شهد أنه لا إله إلا الله وزنى من دون توبة يددخل الجنة؟! هذا لا ينفع، فالأحاديث لما تشغلها مع بعضها مع الآيات نجد بمنتهى الوضوح من شهد أنه لا إله إلا الله على وجهها، على وجهها يعني شهد وعمل يعني شهد أن لا إله إلا الله وقرأ المنهج وطبقه لذلك السؤال الرابع في القبر للذي سيجيب صح على الثلاثة أسئلة: من ربك؟ لسان حاله يقول الله ربي، ما دينك؟ لسان حاله يقول الإسلام ديني، ما قولك في هذا الرجل؟ لسان حاله يقول هو رسول الله حقاً، إن أجاب على هذه الأسئلة بهذه الطريقة يسأله السؤال الرابع ما عملك؟ أو ما علمك؟ باختلاف الروايات يقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت يعني عملت ولا تعني أنه من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ومات تدخله الجنة! هو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولما سمع الأذان صلى ولما جاء رمضان صام لوما استطاع الحج حج ولما توجبت عليه الزكاة زكّى المعاملات كلها صحيحة لم يسرق ولم يزني ولم يقتل، هذا ليس ملاكاً، وحتى لو سرق وزنى لكنه تاب إلى الله (إن الله يجب التوابين) قال التوابين لم يقل التائبين التوابين يعني كثير التوبة إما عن معصية ويتوب أو عن معاصي كثيرة وتاب ثم يتوب من توبة كما علمنا الرسول r "يا أيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني استغفره وأتوب إليه في اليوم مائة مرة" مم كان يتوب r ويستغفر؟ كان r يتوب من توبة ليعلم الناس كيف يتوبوا. القرآن قال للرسول r(يا أيها النبي اتق الله) هذا لا يعني أنه r لم يكن متقياً لله وإنما تعني يا أيها النبي اتق الله أي دُم على تقواه وعلّم الأمة كيف تتقي لأنه بوصفه زعيم الأمة الكلام موجه له. فالكلام باختصار بين رأينا والرأي المقابل أنه يقول إعمل الذي تريد فأنت ستدخل النار قليلاً ثم تخرج من الذي يضمن هذا؟ وما هي مدتها؟! القرآن لم يتكلم في هذا والرأي الذي نرجحه إعمل ما شئت ثم تب إلى الله وهذه ليست دعوة أو تصريح للناس ليسرقوا أو يزنوا! ولذلك نعود لصفات عباد الرحمن نفى الصفات غير المحببة عنهم بعد أن قال في البداية (وعباد الرحمن الذي يمشون على الأرض هونا) (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياما) هذه أفعال مثبتة لهم لكنه قال (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) الفرقان) نفى عنهم هذه الصفات (لا يدعون مع الله إلهاً آخر) نفى عنهم الشرك لا يمكن لعبد من عباد الرحمن أن يكون مشركاً، (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) قتل النفس عملية قبيحة جداً فوق التصور في منطق التدين يعني عقيدتي أن الله هو خالق فلان فكيف أقتله؟ هذه من أكبر الكبائر ولذلك في بعض الروايات "الآدمي بنيان الرب ملعون من هدمه" "لعن الله من أعان على قتل مسلم ولو بشق كلمة" يعني كلمة اقتل أربع حروف لما تثل إلى (اق) شق الكلمة تكون قد أخذت الذنب ودخلت النار والعياذ بالله. ثم قال (ولا يزنون) ثم صان احتمال فهمك أن يكون عباد الرحمن الملائكة لأن الملائكة وصفوا بنفس الوصف فقال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) الذي يفعل هذا لم يقل من عباد الرحمن أو ليس منهم كأنه يقول لو لم تكن من عباد الرحمن فأنت فعلت هذا لو تبت وعملت صفاتهم المثبتة ستكون منهم ولو كنت منهم ووقعت تب لذلك قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا). في البداية قال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)) قال يخلد فكيف ستخرجه من النار؟ يخلد يعني لن يخرج من النار. المقدم: الحديث يقول "شفاعتي حق لأهل الكبائر من أمتي"؟! د. هداية: الحديث على رأسي لكن أن أقول أن الله تبارك وتعالى يقول (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)) قلنا أن الأثام جزاء الإثم (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70)) الذي لا يدخل أبداً هو الذي تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فالله تعالى سيبدل سيئاته السابقة حسنات أو أن الله تعالى يغفر له فيجعل مستقبله كله حسنات، هذا كيف تدخله النار؟! أسأل سؤالاً أحدهم ارتكب الفواحش كلها ثم تاب إلى الله وكانت توبة نصوحة ولم يعد للكبائر ثانية فكيف تدخله النار؟! (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)) هذا أكرمه الله تعالى بالتوبة. لما تكلم عن المقابل تكلم عن الفاسق فقط والفسق هذا توصيف للكافر والمشرك والمنافق لأن بعض الناس السطحيين وبعض العامة يقول أنا لست كافراً وإنما أنا فاسق فقط وهو يتصور أن الفسق أقل من الكفر، لما وصف الفسق في سورة السجدة قال (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا (20)) أين الخروج؟ ختى يفهم الناس أحدهم يقول لك إعمل ما تشاء وستدخل النار قليلاً ثم تخرج وهذه ليست مضمونة ورأي آخر يقول صحيح إعمل ما تريد لكن تب وداوم على التوبة ولو تبت وداومت على التوبة فلن تدخل النار فأنت تأخذ أي رأي؟ بالتأكيد تأخذ رأي القرآن الكريم. المقدم: نعود لسورة السجدة قال تعالى (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)) قال المجرمون ولم يقل الكفار؟ د. هداية: المجرم في هذه الآية كل شيء فيه إجرام نفهم ما معنى إجرام نفهم أن المجرم هو الكافر والمشكر والفاسق. القرآن يقسم الناس إلى اثنين (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) لما تقول الأبرار يعني هم المسلم والمتقي والمحسن والمؤمن والمسلم الوجه لله ومقابلهم الفجار الذين هم الفاسق والكافر والمشرك والمنافق والعاصي دون توبة لأن العاضي بالتوبة لا يعود عاصياً. إذا عصيت الله بأمر فقلت أنا عاصي لكن إذا تبت فلن تصفني بأني عاصي، عاصي يعني لم تب ولو تاب لا يعود عاصياً فقال (إن الأبرار لفي نعيم) ولو يصفهم ثم قال (وإن الفجار لفي جحيم) وصفهم ولم يصف الأبرار (يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين) كيف ستخرجهم من النار والمولى يقول وما هم عنها بغائبين؟! المقدم: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12)) د. هداية: قال تعالى رداً عليهم (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) يعني لو أن المولى لم يردهم مؤمنين ما كانوا مؤمنين بالأساس وكان سيكون هناك إجبار على العبودية ولن تنفع عندها (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) أنت لما يكون عندك أحدهم يسمع كلامك وأنت مبسوط منه وتعتقد أنه يحبك باختياره ولكن في وسط الكلام يقول لك لولا أن أوصاني فلان بهذا يعني هذا مجبر على حبك وليس محبة فيك! بالتأكيد ستغضب وستدعه لأنك تريد من يحبك لنفسك. فالاجبار والإكراه لا يدخل في المنطق الديني فإذا كنا نرفضه في المنطق البشري فكيف نرضاه في المنطق الديني؟! لا تمشي في المنطق البشري فما بالك بالمنطق الديني؟! المقدم: (وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (13)) د. هداية: العذاب لا يكون مؤقتاً أبداً، إسمه عذاب الخلد يعني على طول لو كنا واعيين نقول اللهم اكتبنا من أهل الجنة، لا أدخلني النار قليلاً ثم أخرجني! اللهم اجعلني من أهل الجنة اللهم اكتب لي التوبة، اللهم اجعلني من المتطهرين، اللهم ثبتني على الإيمان، لا أحد يقول أدخلني النار قليلاً ثم أخرجني هذا دعاء غريب أن يدعو أحدهم به. آية السجدة غريبة علينا أن نقرأها مراراً (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا (20) السجدة) وشرحناها سابقاً، أعيدوا فيها يعني ليس فيها خروج وقلنا أننا نوافق بعض المفسرين قالوا أن معنى أعيدوا فيها يعني أنهم يخرجوا قليلاً لأن كثرة العذاب تجعلهم يتيهون لكن هذا الخروج هو فترة تغيير جلود حتى يظهر العذاب تخرجه ليظهر العذاب. مسألة (أعيدوا فيها) تتسق في القرآن مع (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (56) النساء) هم يخرجوا لأي سبب؟ لأن هذا المنطق الفاسد الذي أرادوا أن يصدقوه ليس له معنى في الدين كالذين قالوا (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً (80) البقرة) فالمولى تعالى رد عليهم (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا) ربنا لا يغير كلامه لكن هل هناك آية في القرآن قالت أن أحدهم يدخل النار ثم يخرج (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا (80) البقرة) لو عندك هذا الكلام مكتوباً أرونا إياه لو اتخذوا عند الله عهداً سينفذ لأن الله تعالى (ما يبدل القول لدي) والكلام تهكم عليهم! ليس معهم صك بهذا إذن كل هذا كلام من أوهامهم. المقدم: في سورة السجدة الآية 15 (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) ما هو السجود المقصود في الآية مع التذكير بالآيات هل هو سجود التلاوة أو أن المعنى أكبر بكثير وكأنه يسجد بكل جوارحه وفكره؟ د. هداية: ما معنى تسجد؟ يعني يطبق ويخشع برضى. (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا) ذكروا هذه تبين أن الفطرة داخل النفس البشرية هي التي جعلته يقول لك أين الطريق؟ أو يقول لك علّمني؟ (إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا). المقدم: ما علاقة السجود بعد التسبيح؟ د. هداية: السجود هنا مطلق الخضوع والخشوع وإعلان الرضى بما قضى الله سلباً وإيجاباً إن كان خيراً أو شراً وأذكرك بقول الرسول r لجبريل "وأن تؤمن بالقدر خيره وشره" لا أن تقول الحمد لله في الخير وتعترض في الشر، الحمد لله على كل حال وفي أي حال. (وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) التسبيح أن تنزه الله أن يكون ظلمك في هذا الموقف فالتسبيح مطلق التنزيه المقدم: بعض الناس تقول إذا ظلمت أو أصبها شر تقول لماذا أنا يا رب؟ خاصة في العلاقات الزوجية إذا ظلم طرف الطرف الآخر يقول هذه عشرة العمر فكيف يفعل هذا؟ لماذا يا رب؟ د. هداية: التسبيح يعني الحمد لله الذي كان في قضائه عليّ رحمة وأكون مقتنعاً أن هذا القضاء أفضل من أي شيء آخر ومهما كان من وجهة نظري سيء فيجب أن أكون راضياً لأن الرضى لا يظهر إلا عند المصيبة والضيق. في الفرح لا بد أن يكون راضياً السؤال لا يظهر إلا عند الضيق والمصيبة، لذلك الناس الواعية لو أحد عنده مشكلة يجب أن تذهب أما في الفرح فيمكن أن لا تذهب لأنه في الفرح أناس كثيرة تذهب أما في المصيبة والحزن فلا يذهب كثيرون، هو في المشكلة هذه يحتاج لك فتذهب إليه لتساعده هكذا يفعل الحكيم. المقدم: هذا يعتبر تكليف إلهي من ضمن الإسلام أن تقف مع أخيك وهناك أناس غافلة عن هذا الأمر، البعض عند المشاكل تجده يسأل عنك ويأتيك يومياً ويمكن أن لا يتصل بك في الأفراح لأنه يعلم أنك سعيد إنما يتصل بك في المشاكل حتى يساعدك. د. هداية: هو نفس الشخص يمكن أن لا يتصل في الفرح لكنه يتصل بك في الضيق. المقدم: أحياناً بعض الناس تكون ذاهبة بنية تكون ذاهبة بنية إخراج الناس من الضيق وتزيد إيمانك بالله وتهون عليك المصيبة وأناس آخرين يدخلون بنية إخراجك من الضيق لكنهم يعرضون عليك السهر والشرب والنساء د. هداية: هذه هي الصحبة التي تحدثنا عنها قلنا أن الصاحب هو الذي يهون علي الأمر ويدبره ويضعني على طريق الدعوة والخير. فالآيات واضحة في أن السجود أتبعه الله تبارك وتعالى بالتسبيح (التسبيح بالحمد). كلمة الحمد لله ما معناها؟ الشكر يكون لله تبارك وتعالى ويكون للناس لأن الشكر يكون على شيء طيب فأنت لا تشكر من أذاك لكن الحمد لا يكون إلا لله، الحمد لله حتى على مشلكة أو في ضيق. (الحمد لله رب العالمين) الآية إطلاقها بديع جداً فالحمد لله على الخير وعلى الشر التي هي "أن تؤمن بالقدر خيره وشره" تؤمن يعني تسلِّم، اللغة العربية الكلمة فيها واسعة المعاني والمرادات ولوازم المعنى لما قال أن تؤمن بالله لا تعني أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله، لا هذه الإسلام لكن عند الإيمان أنت تطبق أشهد أن لا إله إلا الله. لما تكلم عن الإسلام قال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولما تكلم عن الإيمان قال "أن تؤمن بالله" بعد أن قال في الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، إذن الشهادة لساناً والإيمان عملاً، قال أن تؤمن بالله وملائكته، ما معنى الإيمان بالملائكة؟ المقدم: ما دلالة ترتيب الملائكة بعد الله ثم الكتب ثم الرسل؟ د. هداية: لأن الملائكة هي التي أتت بالكتاب إلى الرسل لكن أنت تؤمن بالملائكة هنا تأخذنا إلى المشركين الذين قالوا إن الملائكة بنات الله، تؤمن بالملائكة على أنهم عباد. ذكرنا في أسئلة القبر "ماذا تقول في هذا الرجل الذي بعث إليكم؟" الناس تتصور أن الإجابة هو محمد rألم يمت أحد على عهد موسى؟! القبر للكل فالذي مات على عهد موسى سيسأل من ربك؟ فيقول الله ربي، ما دينك؟ الإسلام ديني، هو مات يهودياً لكن توصيفه مسلم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن موسى رسول الله، اليهودية ديانة لن يسال عنها وإنما يسأل عن الشرع العام، هو لا يسأل عن أسمائهم! عند محمد rلو قال لأبي لهب ما رأيك في هذا الرجل؟ سيقول كاذب أو ساحر أو مجنون. المؤمن الحق أبو بكر الصديق لما يُسأل هذا السؤال ما قولك في هذا الرجل؟ يقول هو رسول الله حقاً لا ساحر ولا شاعر ولا كذاب. لما تسمع هذا الكلام على منابر الجمعة تذكرك بأيام الجامعة يخرج زميلك وتسأله ما أخبار الامتحان؟ فيقول لك سهل جداً وعندما تأتي ورقة الإمتحان يكون هو قد كتب عشر صفحات لكنه لم يفهم السؤال، هو كتب لكنه لم يجب عن السؤال. هذا نفس الأمر في القبر لو أنت في القبر لم تفهم المطلوب ستجيب خطأ. لا تقول هو محمد هو لا يسأل عن إسمه وإنما ما قولك في هذا الرجل؟ لجواب هو رسول الله حقاً، أدى الأمانة، هدى الأمة وأزاح الغمة. المقدم: الرسول r قال للصحابة في خطبة الوداع "وأنتم تُسألون عني" د. هداية: هو r قال لهم: "تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إذا اعتصتم به كتاب الله" وستسألون عني فماذا أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك أدّيت وبلغت ونصحت. وأنتم تسألون عنه. الذي يقف أمام قبر الرسول rعليه أن يشهد له أولاً أن الرسالة جاءته عن طريقه r ولذلك في محكم التنزيل (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) آل عمران) إثبتها له ولذلك الصحابة قالوا نشهد أنك أدّيت وبلّغت ونصحت هذه الكلمات تبين أن هؤلاء الناس فهمت جيداً. عندما نُسأل في القبر علينا ننفي ما قيل عنه وأن نثبت الحق أولاً لم يكن شاعراً ولا كذاباً ولا مجنوناً بل هو الصادق الأمين وهنا يظهر التفاوت في الإجابة كل على قدر مذاكرته. يمكن أن يجيب أحدهم هو محمد بن عبد الله لكن ما قولك؟ يعني ما عقيدتك في هذا الموضوع. السؤال الرابع ما عملك؟ عقيدتك سليمة وإجاباتك سليمة فيسألك ما عملك؟ تقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت. لما قال هنا أن تشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أن تؤمن بالله وملائكته، الإيمان بالملائكة يعني تؤمن أن جبريل ملك عبد لله تنفي الذي قاله المشركون والكفار وذلك قال (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ (256) البقرة) قلنا أن الكفر بالطاغوت يجب أن يسبق الإيمان حتى يكون التوحيد ساعة نقول أشهد أن لا إله إلا الله يكون توحيد صافي وساعة أعمل شيئاً لا اشرك بالله فلا نقول الدكتور فلان شفى ابني إنما الشافي هو الله، صحيح الدكتور سبب لكن سبب لمن (إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) (كن) هنا يعني كُن على مرادي. المقدم: سنستكمل إن شاء الله في الحلقة القادمة سورة السجدة وأدعو الله أن نكون من المذكورين في هذه الآيات (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) السجدة) اللهم اجعلنا منهم. الجنة دخولها صعب "حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات" فالذي يريد الشهوات لا يلوم إلا نفسه والذي يمسك نفسه ويأتي كل فعل وهو يريد وجه المولى سبحانه وتعالى يظهر أنه صعب نسأل الله أن نكون من أهل الجنة جميعاً. بُثّت الحلقة بتاريخ 16/12/2008م |
التوبة والاستغفار 93 تقديم علاء بسيوني (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)) الآيات تتكلم عن المصيبة فهل نفهم أن الآيات تحدد أن المصائب والنوازل والابتلاءات هي فقط المكتوبة لكن باقي الأشياء لا؟ أي من باب الحصر، لأول وهلة نفهم أن ربنا يقول أن الموجود في الكتاب من مصيبة تحصل في الأرض أو في النفس هل المقصود مصائب الأرض مثل الزلازل والبراكين وفي النفس المرض والوفاة؟ والكتاب هل هو اللوح المحفوظ؟ هل هو القضاء والقدر؟ علينا أن نوضح هذه المفاهيم للناس. د. هداية: موضوع القضاء والقدر من الموضوعات الشائكة جداً في فهمنا للقرآن وفي فهمنا لتوقيع الآيات في القرآن الكريم وفي كلام رسول الله r. نقول في البداية من ضمن الأمور المتعلقة بتلقي الإنسان وقبول القضاء والقدر موضوع السحر، موضوع العين، موضوع الحسد هذه الأمور عندما تسمع كلام الناس فيها تفهم من الوهلة الأولى أن الذي يتكلم بهذه الطريقة لم يستوعب أن الله تبارك وتعالى هو المهيمن. هناك أناس مثلاً أحدهم عمل لي عملاً بوقف الحال أو عدم الزواج. هل كان مكتوب لفلان أن يتزوج ثم عمل له عمل فمنع الزواج؟ يعني الساحر استطاع في مفهوم الناس الآن أن يمنع أمراً كتبه الله تبارك وتعالى هذا المفهوم إذا استقر عند الذين يتحدثون بهذه الألفاظ فاعلم على الفور أن هناك اضطراباً في العقيدة يقولون أنا معمول لي عمل بوقف الحال يعني ربنا كان يريد أمراً ثم جاء الساحر فأوقف الحال أو أوقف ما كتبه الله تبارك وتعالى. الحمد لله الغالبية العظمى من المشاهدين فهموا المسألة وبدأت الأمور تتضح لكن البعض يحاولون أن يُظهروا أن المسألة فيها سحر عليهم أن يفهموا ماذا يقولون؟ هم يقولون فلان عُمل له عمل بوقف الحال يعني ربنا أراد أمراً ثم جاء الساحر فأوقف الحال المتحدث بهذه الألفاظ عقيدته فاسدة. الصح عندما نسمع من رسول الله r :"كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة" المقدم: إذن فلان الذي يشتكي أن أحدهم عمل له عملاً بوقف الحال عليه أن يعلم أن الله تبارك وتعالى كتب منذ خمسين ألف سنة أن هذا الرجل سيقف حاله. د. هداية: هذا إذا كان الحال فعلاً واقف، الحال ماشي وليس واقفاً. المسألة في فهمي أنا كيف تلقيت الأمور وليست المسألة أن الحال واقف أو ماشي. المقدم: نعطي مثالاً في موضوع الزواج وبالتحديد بالنسبة للنساء اللواتي يطلق عليهن إسم عانس مع أن الرجل قد يبقى أربعين سنة أو أكثر بدون زواج ويقال له أعزب لكن المرأة إذا بلغت الثلاثين ولم تتزوج تبدأ بالقلق. لكن هناك من النساء من يتزوجن في سنة 18 وهناك من يتزوجن في سن 31 فلماذا التي وصلت للثلاثين تقلق وتبدأ تشعر بأن أحدهم عمل لها عملاً؟ د. هداية: نسأل سؤالاً هل اللواتي تزوجن في سن 18 كلهن نجحن؟ بالطبع لا فمنهن من تطلقت بعد سنوات هذه أمور كتبها الله تبارك وتعالى والمسألة تسير بأيدينا. والآيات التي اخترتها في سورة الحديد في توقيع القضاء والقدر ومسألة كن فيكون هي الآية تبين هذا الأمر. هذا الكلام مكتوب قبل أن يبرأ الله السموات والأرض وقبل أن يبرأ الله الأنفس وقبل أن يبرأ الله المصيبة وسنشرح الآيات في سياق الحلقة. إنما القضية ما هي عقيدتي؟ هل أعبد إلهاً يعطّله ساحر؟ يجب أن أقول ألفاظ قاسية حتى نوقظ الناس! هل أعبد إلهاً يعطله ساحر؟ إذن الساحر يُعبد لأنه أقوى! أين القوي؟ أين المهيمن؟ عندنا أسماء والمشكلة طلعت في الأسماء وقالوا أسماء قديمة وأسماء جديدة وهناك من يتهكم على الذين يعدّلوا المفاهيم وتركنا القضية في فهم الأسماء. عندما يتصل بك أحدهم ويقول لك أنا موقوف حالي، من الذي أوقفه؟ ساحر أو حاسد لأن بعض الناس لا يصدّقون أن الحسد أخطر من السحر والعين أخطر من السحر. هل الحاسد عندما يحسد فلان هل هو يوقف قضاء فلان أو أن الله تعالى هو الذي كتب له هذا؟ المقدم: فلان سيشتري سيارة ثم يحسده فلان عليها. د. هداية: حديث الرسول r سنشرحه بعد قليل. إرجع إلى الذي سيُسحر أو يُحسد أو التي ستُحسد أو تُسحر، عندما كان عمرها 120 يوماً في بطن أمها ما الذي حصل؟ ألم يرسل الله تبارز تعالى ينفخ الروح ويؤمر بأربع كلمات، هذا هو الإله الحق القوي المتين المهيمن القاهر فوق عباده، هذه هي العقيدة السليمة. الملك يؤمر بأربعة أشياء رزقه وأجله يعني الأجل كُتب قبل الميلاد وهو لم يخرج إلى الدنيا بعد، توقيع هذه في القرآن (الذي خلق الموت والحياة) فالموت مخلوق قبل الحياة والموت من مخلوقات الله تبارك وتعالى ويأمر الله تعالى الملك بالأجل قبل الميلاد، يولد المولود وهو عنده سبعة شهور أو تسعة لكن أجله كُتب قبل هذا، هل يمكنك أن تقول أن فلاناً قتل فلان يعني أماته؟! بقدر الله تبارك وتعالى، أنت تتكلم عن الساحر تكلم عن القاتل هذا القاتل هل أخرج المسدس وعجّل بموت فلان في وقت لم يرده الله تعالى له؟ هذه نفس مسألة الساحر. الساحر والحاسد والقاتل نريد أن نكشف للناس ألفاظاً تدل على فساد العقيدة وفساد العقيدة لا يمكن أن ينبني معه عمل صالح أبداً. المقدم: أنا مقتنع بما قلته لكن الناس عندما ترى مشاكل أو أشياء غير طبيعية تقول كيف أصدق كلامكم؟! الناس تخلط بين مفهوم السحر الذي هو نوع من تغييب العقل أو سحر العين وبين قدرة الجن وعندنا في القرآن الكريم أن سليمان عليه السلام كان مسخر له الشياطين من الإنس والجن يعملون له أشياء خارقة لنواميسنا نحن كبشر، أنا لا يمكن أن أطير لكن الجن يطير. سمعت قصصاً كثيرة من ناس وهي موجودة في كتاب د. هداية: أنا سأسمع منك لكن أريد أن ألفت النظر إلى أننا نحن متفقين أننا سنعمل حلقات عديدة عن السحر لكنني سأسمع منك الآن وأرد بمنتهى البساطة. المقدم: مختصر الكلام أن الناس أحضرت هذا الكتاب وأنه يبدأ بالتسبيح وذكر الله والأسماء ثم يبدأ يسحبك أنك لما تقول هذا الكلام عدد من المرات سوف يطيعك الجن ويسمع لك وأن هناك نعرفه بدأ يدرس الكتاب جيداً وأصبح يسخر الجن واتصل بأحد نعرفه وقال له أنا مسافر خارجاً وكنت أريد أن أحضر عيد ميلادك لكن لا أستطيع لكني وضعت هديتك في الخزانة ففتح الخزانة ووجد الهدية فهذا بالتأكيد يدل على وجود عفريت أحضر الهدية. وهذا الرجل عندما زاد في قراءة الكتاب بدأ يتعب وأصبح لديه مشاكل ثم لم يتمكن من التخلص من هذا الكتاب وكلما حاول التخلص من الكتاب يجده عنده في البيت. جاءني الكتاب وقرأته وفعلاً شعرت بالخوف وطلبت إرجاعه. د. هداية: هل عاد الكتاب إليك؟ المقدم: لا لم يرجع. د. هداية: لماذا لم يرجع إليك الكتاب؟! موضوع الهدية والكلام الفارغ أقل ما يقال في هذا الذي تحدثت عنه لأنه كافر لأنه لا يمكن تسخر الجني للإنسي إلا بعد أن يكفر الإنسي بالله لأن القرآن قسم الناس على اثنين إما أن تكون من أولياء الله أو تكون من أولياء الشيطان. الساحر رقم واحد يعني كافر رقم واحد لو قابلته عليك أن تعمل بوصية الرسول r بألا تسلِّم عليه وليس لك علاقة به على الإطلاق لأنه كفر بالله تبارك وتعالى بدليل أنه سخر الجن لأن الجن لا يُسخر لرجل صالح أبداً. المقدم: الدجالون يقولون عن هكذا أشخاص سيدنا وشيخنا. د. هداية: أنت ضربت مثالاً بسليمان النبي عليه الصلاة والسلام هذا نبي وهذه كانت آية من آيات الله فيه كنبي معجزة من المعجزات وكان الجن يعملون له التماثيل والمحاريب لكنه لما مات لم يعرفوا ذلك، حتى تسخيرهم بإذن الله تبارك وتعالى هو بما أراده الله تبارك وتعالى والذي أقوله للسادة المشاهدين أن العقيدة عندنا لا تتجزأ يعني إذا تزوجت أنا راضي وإن لم أتزوج أنا راضي والآية معنا سنشرحها فالمسألة لا تتجزأ والعقيدة مسألة واحدة لا تتجزأ ويفشل العمل المبني على العقيدة الفاسدة ويخرج الإنسان به إلى النار والعياذ بالله لذلك عدد أهل الجنة قليل جداً لأن الرجل قد يكون مصلياً وصائماً لكنه يعتقد بالسحر ويعتقد بأن فلان يمكن أو يوقف حاله. يقولون الحال وقف، من الذي أوقفه؟ يقولون الساحر، يعني الله تعالى أراد شيئاً والساحر أوقفه؟! المقدم: أنا رزقي مكتوب عند الله تبارك وتعالى فلو كتب ربي أن يأتيني اليوم مال وغداً لا يأتيني أي مال فهذا لا يدل على أنه لم يأتيني المال لأن هناك ساحر عمل لي عملاً! د. هداية: خذ جزئية ثانية ماذا عملت في اليوم الذي جاءك فيه المال وماذا عملت في اليوم الذي لم يأتك فيه المال؟ ما هو عملك أنت؟ التي لم تتزوج ما هي أخلاقها في التعامل مع الناس؟ تخبرك مثلاً أنه تقدم لها عريس فشتمت أمها أمامه إذن هو بالتأكيد لن يأتي! يجب أن يتركها لا يمكن أبداً أن تشتم والدتها أمام العريس ويبقى معها! ثم يضربون مثالاً يقولون واحدة جيدة جداً لكنها لم تتزوج إذن رب العالمين شاء لها أن لا تتزوج ربما ليس هناك رجل يمكن أن يستاهلها. إذا تزوجت فبأمر من الله تبارك وتعالى وإذا لم تتزوج بأمر من الله تبارك وتعالى وهذه مسألة كن فيكون التي لا نريد نحن أن نفهمها. كن فيكون بعد ما تم الخلق فكن فيكون لا تتعلق إلا في هذه المنطقة التي هي بقاءك على مراد الله تعالى فيك إما بالإيمان وإما بالكفر، إما بالأمور السلبية أو الأمور الإيجابية تمشي الأمور كلها من ساعة (ثم قال له كن فيكون) ولذلك لم يقل ثم يكون لأن الذي قال هو المولى تبارك وتعالى فـلما يقول (كن فيكون) أنت تكون فوراً لكن ليس في الخلق وإنما فيما بعد الخلق لأن الخلق تمّ. المقدم: نعود للألفاظ التي استخدمها الله تبارك وتعالى في الآيات التي تحدثت عن المصائب (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)) ما هو تعريف المصيبة؟ وما هو الفرق بين المصيبة في الأرض والمصيبة في النفس؟ د. هداية: المصيبة في اللغة العربية تميل إلى أنها أمر لا يرضي الإنسان مع أنك لما تفعل شيئاً بطريقة جيدة يقال أصاب كبد الحقيقة. أصاب لا تمشي دائماً على أنها أمور سيئة لأننا نقول أصاب الهدف، أصاب الحق. أصاب مصيبة يعني حصلت مصيبة بنجاح لكن استخدامها في الغالب للأمور التي لا تُرضي الإنسان. المقدم: حتى يقال فلان أصيب إصابات جسيمة. د. هداية: المصيبة للأمور التي لا ترضي الإنسان ولذلك توقيع القرآن في استخدام (من) (ما أصاب من مصيبة). (وما من دابة في الأرض) (من) لما تأتي بعد (ما) تحصر كل ما يدب على الأرض، (ما أصاب من مصيبة) يعني تحصر كل المصائب لا تحصل مصيبة إلا في كتاب (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ) يعني إذن لو أنني ضليع باللغة العربية بعد استخدام (من) اشتثنى ولما يأتي نفي واستثناء معاً يعني حصر، قصر، ليس هناك شيء يحصل إلا مكتوب لذا داء بعد (ما) بـ (من). أنت تتكلم في آلآف وأنا ليس معي شيء فحتى أثبت لك أنه ليس معي شيء على الإطلاق أقول ما معي من نقود أي ما معي من جنس النقود شيء، أنا جيبي فارغ لو قلت ليس معي نقود قد لا يكون معي آلآف لكن معي مئات لكن لما أقول ما معي من نقود يعني ليس معي شيء أبداً فلما يقول تعالى (ما أصاب من مصيبة) يجب أن أتوقع أنه سيأتي بعدها (إلا) (إلا في كتاب) كتبه الله تعالى نعود للحديث الشريف "كتب الله مقادير الخلائق) هذه الخلائق لما تُخلق ستعيش في أرض وسماء لكن قدر المقادير قبل خلق السموات والأرض التي تحملهم الأرض التي تقلهم والسماء التي تظلهم قبل هذه بخمسين ألف سنة (خمسين ألف سنة هنا للمبالغة ويمكن أن تكون أكثر من هذا أو أقل لكنها تدل على أنها قبل الخلق). المقدم: هذا في الحديث لكن ماذا عن الآية التي تقول (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)؟ د. هداية: كلمة مقدار تحدده إذن هو ليس للتهويل. أما في الحديث فقال "قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) كأنه يريد أن يقول أن القضاء قضى به الله فالله تعالى لا يُفاجأ في أمور فالساحر لا يمنع فلان من الزواج على غير مراد الله. آية السحر التي في القرآن لم يفهمها الناس (وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله) طالما ذكر في الآية (من) يأتي بعدها استثناء (إلا بإذن الله) فالساحر لو كان سيعمل فعلاً نقول له لماذا لا تُنهي لنا موضوع غزة؟! هذا كلام فارغ؟ طالما هناك مغفل فاعلم أن النصاب بخير. المقدم: أقسم بالله العظيم لو خرج أحدهم على إحدى الفضائيات وطلب من الناس جمع المال لدفعها للسحرة حتى يهزم اليهود لدفع الناس بالملايين. د. هداية: أكرر طالما هناك مغفل فاعلم أن النصاب بخير. لذلك فرق بين الناس في تلقي الكلام لما تجد إنساناً واعياً في مجلس تجد النصاب لا يمكنه الكلام لكن تسمع كلام فارغ من بعض الناس لما يفعله السحرة وكأن الله تبارك وتعالى ترك ملكه هكذا حاشاه! المقدم: نضيف إلى الغفلة الطمع د. هداية: الطمع هو غفلة وهو عدم رضى. الغفلة جاءت نتيجة أن أحدهم غير راضي عن حاله فهل يمكن أن تجد إنساناً راضياً عن حاله ويذهب إلى ساحر؟ لا يمكن. وكلمة ساحر أقصد بها النصاب الدجال الذي يقول العمل المعمول لك موجود في بطن سمكة لا أدري أين وكلام من هذا القبيل كل هذا كلام يدل على وجود الغفلة والغفلة بدأت أصلاً في العقيدة. العقيدة السليمة تقول لو أن أحدهم عمل لك عملاً فهو لو عمل ووقع العمل يقع بأمر الله تعالى لا بأمر الساحر! ساعة استثنى الله تبارك وتعالى قال (إلا عبادك منهم المخلَصين) هذا كلام إبليس لم يقل المخلِصين وإنما المخلَصين وحتى لا نفهم أنه تفضُّل من إبليس علينا رد عليه تبارك وتعالى (إن هذا صراط علي مستقيم إن عبادي) قال عبادي ولم يقل المخلَصين (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) لا بالوسوسة ولا بالسحر إذا اعتصمت بالله لن يصيبك لا سحر ولا عين ولا فتنة ولا انقسام ولا تشقق ولا صف ممزق ولذلك قال تعالى (واعتصموا بحبل الله) بحبل الله لا بحبل الشيطان! لا بأفكاركم ولا أهوائكم ولا واعز لشيء أو لهدف قال (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا). المقدم: إذن الناس الذين تفرقوا هي التي قتلت أطفال غزة قبل أن يقتلهم اليهود؟ د. هداية: بالضبط، هل انقسمنا على أنفسنا لنرضي الله تبارك وتعالى أو نرضي أهواءنا؟ والقرآن الكريم يقول (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) لم يقل ظلموا من إذن ظلموا غيرهم وظلموا أنفسهم بداية. (اتبعوا أهواءهم بغير علم) وعندنا قوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنسفهم) سواء قلنا سحر أو حسد أو هوى المسمى واحد فساد العقيدة والبعد عن الإله الواحد سبحانه وتعالى. لما يأتي أحدهم ويقول لك أنا أعالج بالقرآن، ماذا يفعل؟ يقرأ القرآن، هل القرآن بعيد عني أنا؟ يمكنني أنا أن أقرأ القرآن لكن الناس أصبح فيها هبل. المقدم: أنا أفكر أن الإنسان إذا كان عنده حساسية في الصدر يأخذ دواء للسعال لا يأخذه غيره فإذا كنت أنا المريض فلماذا يأخذ غيري الدواء؟ د. هداية: سابقاً قلنا أنني إذا كنت مريضاً وأخذتني للدكتور والدكتور كتب لي روشته فهل تصرفها أنت وتأخذها فأشفى أنا؟! المريض هو الذي يجب أن يأخذ الدواء ولو كان القرآن يشفي (وهذا كلام نحن ضده تماماً، القرآن ليس كتاب شفاء هو كتاب شفاء لما في الصدور وليس للسعال مثلاً!) الناس ضيعت الدين والدنيا والناس. الله تعالى لم ينزل القرآن ليشتغل به فقط بعض الناس دون غيرهم وإنما هو منهج نزل للجميع (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) هل يهدي فقط الشخص الذي يقرأ في أذني أو يضع يده على رأسي؟! هذا ضرب من الخبل والناس تائهة! القرآن حسم الأمور ووضع كل شيء في نصابه (ما أصاب من مصيبة) من الذي أصاب؟ أين الفاعل؟ الله سبحانه وتعالى. (من مصيبة في الأرض أو في أنفسكم) مصائب الأرض مثل الزلازل والبراكين وقطع الحرث والزرع، يفسد الزرع، البحار والمحيطات والجبال أي شيء يحصل فيها هذا من ضمن الأرض، (في أنفسكم) نقص أهلك أحد يموت منهم من أولادك من نفسك. المقدم: حدودنا الدنيوية قبل الآخرة سماوات وأرض شيء يقل وشيء يظلّ في الآية قال (في الأرض) فقط ولم يقل في السموات لماذا؟ د. هداية: لأن أهل السموات هم من الملائكة هؤلاء لن يحصل لهم شيء لا يرضون عنه فلم يذكرهم في الآية. ليس في السموات ابتلاءات. المصيبة للتكليف. الذي يحصل في غزة الآن هو ابتلاء للكل في داخل غزة وخارجها والذي يسمع والذي يتصرف والكل الابتلاء يأتي للجميع. المقدم: هل هو ابتلاء لليهود أيضاً؟ د. هداية: طبعاً هم أولاً قبلنا نحن. المعتدي قبل المعتدى عليه، لديهم بعض القوة العسكرية لكن استخدموها في الشر! هل التوراة تقول لهم هكذا؟ أم أن الذي وصل لهم محرّف؟ المقدم: الغريب أن الكلام في الغرب أن العرب والمسلمين إرهابيين لأنهم يضربوا صواريخ لكن هم يضربون الصواريخ على أرض احتلها اليهود، أليس احتلال الأرض واغتصابها إرهاب؟! والذي مكتوب في التوراة وقاله بعض اليهود أنهم أمة مختارة من المولى وبقية الناس هم الأمميين كالحيوانات وبالتالي من حق الجندي اليهودي أنه لما يدخل في أي مكان يقتل من غير أية مشكلة ولا فرق بين طفل وشيخ ونساء والمهم أن يبيد هؤلاء الأمميين ليخلص الأرض منهم فتبقى الأرض خالصة لجنس اليهود. لماذا لم يعترض الغرب على هذه النظرة التي لا يمكن وصفها أقل من إرهابية مجرمة تتنافى مع المنطق المجرّد. يقولون عنا إرهابيين لكن في تاريخنا وغزواتنا لدينا تعليمات في الكتاب والسنة أن لا نقتل الأطفال والنساء. د. هداية: المصيبة في أن الغرب الذي تتكلم عنه سواء تكلم أو لم يتكلم لا يتكلم بتعاليم دينه وإنما بمصالحه وأهوائه!. المقدم: هل الأطفال الذين كانوا مختبئين في المدارس أو الأطفال في قانا كانوا يضربون الصواريخ؟! لا حول ولا قوة إلا بالله!. المقدم: كل شيء سيحصل في الأرض أو في النفس في كتاب من قبل أن نبرأها، ما معنى نبرأها؟ وهل الضمير في نبرأها عائد على المصيبة؟ د. هداية: أكثر المفسرين قالوا أن الهاء في (نبرأها) عائدة إما على الأرض أو على النفس أو على المصيبة وبعض المفسرين - ونحن نحترم الجميع- قلة من المفسرين مثل الدكتور عبد الجليل عيسى قال أن الهاء تعود على الأرض والنفس والمصيبة كلها. لو كان لنا أن نحتار لاخترنا أن الهائ عائدة على الأرض لأن أساس المخلوق أنه جاء في الأرض فالذي سيحصل على الأرض أو في النفس مكتوب قبل خلق الأرض لأنها تعتبر الأشمل في المعنى. لو قلنا أن الهاء عائدة على المصيبة نقول المصيبة قضاء الله تعالى قضى به قبل خلق الأرض. إذن أفضل معنى يتفق مع اللغويين بالذات أن الهاء عائدة على الأرض لأن المعنى يريد أن يوصل لنا أننا كمخلوقات خُلِقنا للأرض ولما تكلم المولى تعالى عن آدم عليه السلام قال (إني جاعل في الأرض خليفة) هو مخلوق للأرض فلما نتكلم عنه ونقول أن المولى تبارك وتعالى قضى بكل شيء قبل خلقه كما في الحديث الشريف – علينا أن نعلم أن الحديث الصحيح دائماً مبني على القرآن ولو بحثنا في الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة لا نجدها مبنية على القرآن إنما الحديث الصحيح مبني على القرآن. يقول r:" كتب الله مقادير الخلائق" لم يقل مقادير الأرض لأن الأرض لن تعترض وإنما الذي سيعترض هو هذا المخلوق الإنسان. "كتب الله مقادير الخلائق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة" يعني قبل خلق المنظومة التي ستعيش فيها. نبرأ يعني خلق لذلك من أسماء الله تعالى البارئ وبعدها المصوّر. ما الفرق بين الخالق والبارئ؟ هذه مسألة أعقد وأطول من أن نتكلم فيها في خمس دقائق أو عشر هناك فرق كبير بين البارئ والخالق. لو بحثنا في القرآن لا نجد أبداً أن البارئ أُطلقت على الناس لكن أطلق الخالق على الناس في قوله تعالى (فتبارك الله أحسن الخالقين) فأثبت أن هناك خالقين مثل الصانع والنجار لكن هؤلاء يخلقون من شيء من موجود وللأسف بعض الناس يقولون أن الله تبارك تعالى خلق من عدم وهذه جملة خاطئة لأنه في وجود الله تبارك وتعالى لا يوجد عدم وإنما العدم هذه مسألة افترضها الناس، طالما قلنا الله فكل شيء موجود وهو سبحانه وتعالى ليس بموجود لأنه إذا قلنا أنه موجود فهناك من أوجده، موجود إسم مفعول لما نبحث في كل المفعول لنضع إسم الجلالة مفعول لا نجد إلا "معبود" فلذلك لم يقل تعالى فتبارك الله أحسن البارئين لأنه ليس هناك إلا بارئ واحد سبحانه وتعالى لكنه قال أحسن الخالقين لأن هناك خالقين، هو سبحانه وتعالى هو أحسن الخالقين لأنه يخلق عن غير سبق وغير احتياج لمادة أو غيرها، المولى لا يخلق عن تجربة فهذا هو البارئ. وبعدها يأتي المصوِّر. المقدم: الله تبارك وتعالى خلقنا في أحسن صورة وفي أحسن تقويم والناس تفهم أن معنى هذا أن كل الناس يجب أن يكونوا على قدر من الوسامة والجمال والمرأة غير الجميلة هل هي على أحسن صورة؟ د. هداية: هذا التقويم وليس التكوين لو قال أحسن تكوين لكنا كلنا في جمال يوسف عليه السلام رجالاً ونساء. قال تعالى (في أحسن تقويم) يعني أحسن ما يقوِّم هذه النطفة هي هذه الخِلقة وهذا التصوير. المقدم: يعني الله سبحانه وتعالى يعلم أن لو هذه المرأة خُلِقت على مستوى عالي من الجمال فسيكون عليها مصيبة؟ د. هداية: كله على مراد الله، نحن نتكلم من باب التجراب لكن الإطلاق لله تبارك وتعالى ولذلك يجب أن نسلِّم للقول (ولله في خلقه شؤون). إذن (من قبل أن نبرأها) الهاء عائدة على الأرض. المقدم: لماذا ختمت الآية بقوله تعالى (إن ذلك على الله يسير)؟ وهل هناك بعض العقول التي ستسصعب شيئاً على الله تعالى؟ د. هداية: نعم، عندنا الكفر درجات وأنواع، الخروج على إلف المعتاد الذي تعتبر مصيبة من مصائب العقيدة في هذا الزمن الذي نحن فيه البعض يقول فلان ليس كافراً وإنما فاسق فقط وكأنه يستصغر كلمة فاسق ونحن شرحناها من قبل. لذلك قال (أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً) وضع الفسق مقابل الإيمان كأن الفاسق أعلى في التوصيف من الكافر والكافر يندرج تحت بند الفسق. المقدم: لأن الفسق في معناه اللغوي لو طبقته عقائدياً هو خروج من الفطرة وخروج على التعاليم. د. هداية: خروج على التعاليم، خروج على المنهج، خروج على الجماعة، خروج على القرآن، على التوراة، على الإنجيل، هكذا هو الفسق. ثم لما وصّفهم قال الذين هم في النار خالدين فيها ولو أرادوا الخروج لأعادهم الله تعالى للنار (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) السجدة) القضية ليس كما يتصور الناس حتى في الألفاظ.. المقدم: جاءني كثير من المداخلات حول موضوع الخلود في النار. د. هداية: لذلك قلنا يجب أن نشرح الموضوع في حلقات لنتلكم عن الآيات والأحاديث التي يذكرها الناس ونبين كيف أن الحديث لا ينفع أن يشتغل طالما هناك آية. المقدم: بعض الناس قالوا هناك آراء مختلفة فلا تحجروا على آراء دون أخرى. د. هداية: نحن قلنا أننا نحترم جميع الآراء من أراد أن يدخل النار هل يريدنا أن نجعو له ليدخلها؟! أنا أختار عقيدة سليمة أرادها الله تبارك وتعالى لأنه بالتأكيد مراد الله واحد لا يمكن أن تتعدد لله تعالى إرادته في الأمر الواحد يجب أن يكون مراد الله واحد. الحق واحد لا يتعدد ومن أسماء الله تعالى الأحد ولما نعلن الوحدانية لا نقول أنه الواحد ونسكت إنما نقول الواحد الأحد. قال تعالى (قل هو الله أحد) لو يقل واحد لأن الأحد لا يمكن أن يكون له شريك أو ند أو مثيل لأن التوحيد على وزن الأفعلية لا يتكرر، هذه مسألة أكبر من مدارك الناس التي تعمل بسطحية. وأنا أبدأ هذا الموضوع بجملة أن هذا الزمان الذي نعيش فيه الآن هناك من الناس من استسهل المعصية فيبقى عليها ويدخل النار على أنه يتوب ويكون من أهل الجنة من البداية والآيات ستظهر هذا الكلام. الأسهل أن أكون في الجنة من بداية الأمر لكن هذا يستلزم ترك المعاصي وللأسف بعض الناس لا يريدون ترك المعاصي يريدون أن يبقوا على المعاصي ولو بقوا قليلاً في النار!. المقدم: لذلك دائماً نكرر كلاماً يجب أن يستوعبه الناس في ثبات العقيدة وصحتها أنه لن يجتمع على الإنسان المؤمن نارين ولا جنتين، أنت تريد أن تعيش في الدنيا ملتزم ستعيش وكأنك في النار لأنك حابس نفسك عن شهوات ومباهج كثيرة فكأنك حابس نفسك وكأنك في نار ولكن هذه مقابلها في الآخرة جنة ونعيم والعكس بالعكس. د. هداية: في تصور الناس أنهم يعيشون في جنة في الدنيا بمعاصيهم واتباعهم شهواتهم، هذا نعيم مؤقت لأنه سبق وقلنا أن كل نعيم سوى الجنة حقير، الناس تتصور أن هذا نعيم لكن عندما نقارنه بما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر سيكون نعيماً حقيراً حتى الخيال الواسع لا يمكن أن يتصور نعيم الجنة ولذلك هي غالية. الفرق بين كلامنا وكلام هؤلاء الناس أننا نقول لهم تُب وأنت في الجنة من بدايتها والتوبة هذه طلبها وأرادها المولى سبحانه وتعالى. الحياة على الأرض بدأت بتوبة لكن البعض لا يريد التوبة وإنما يريد أن يبقى على المعاصي وأول شرط في التوبة الإقلاع عن المعصية وهؤلاء الناس لا يريدون الإقلاع عن المعصية ويقول أننا سندخل النار سندخلها بناء على فهمهم للآية (وإن منكم إلا واردها) لكن نقول لهؤلاء الرسول صلى الله عليه وسلم منا فهل سيدخلها؟! الرسول منكم (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) هل تريدون أن تدخلوه معكم النار إذا كان الورود بمعنى الدخول؟! لا طبعاً. الورود قلنا أنه من المشترك اللفظي في اللغة العربية فتأتي الكلمة بمعاني كثيرة جداً (فلما ورد ماء مدين) يعني وصل فقط. (وإن منكم إلا واردها) يعني المرور، الجنة بعد النار وحتى نصل إلى الجنة يجب أن نمر على النار لأن الصراط شريط مضروب على جهنم فالذي يريد أن يدخل الجنة يمر على الصراط فوق النار. صيانة احتمال القرآن لأهل الجنة قال (لا يسمعون حسيسها) القرآن خاف على أهل الجنة لأنه لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة، الناس لا تريد أن تفهم هذه الآية. المولى تعالى يقول أن أصحاب الجنة ليس فقط لا يدخلون النار وإنما لا يسمعون حسيسها، القرآن أكرمهم بالتوبة والعمل الصالح وترك المعاصي والعودة إلى الله تبارك وتعالى. المقدم: سُئلت سؤالاً صعباً العاصي لو تاب ربنا يقبل التوبة مهما كان حجم المعاصي لكن إفرض أن الإنسان لم يتب سيدخل النار لكن هل يساوى بالكفار والمشركين؟ ما الفرق بينه وبين من لم يقل لا إله إلا الله؟ د. هداية: المسألة ليست قولاً فقط، عين القضية في مفهوم القول "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" الناس تحتج بهذا الحديث لكن المسألة ليست قولاً فقط علينا أن نأخذ مع هذا الحديث حديث مسلم "من شهد أنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرّم الله عليه النار" شهد لا يعني أنه تكلم وإنما شهج وعمل بالشهادة. من الشهل أن نتكلم فقط. المقدم: كلمة شهد لو أردنا أن نطبقها على (بدر) لو أخذنا شهدت بدر يعني فقط تفرجت عليها من بعيد أو المقصود أني اشتركت فيها، شهد بدراً يعني دخلت فيها وعملت. د. هداية: الذي دخل بدر هل دخل على أنه سيعيش؟ هو داخل والله أعلم لكنه داخل مقدماً لروحه هو داخل مقدم الموت على الحياة فالذي يدخل المعركة لا يحارب على أنه سينتصر ويعيش ويعود وإنما يدخل قائلاً بسم الله توكلت على الله أشهد أن لا إله إلا الله، لماذا ينطق بالشهادة؟ لأنها قد تكون آخر شيء. المسألة ليست قولاً فقط فلا تقل لي كيف تساوي هذا العاصي الذي لم يتب الكافر؟ واحد قالها وواحد لم يقلها وهذا زنا والآخر زنا وهذا شرب الخمر والآخر شربها هذا عصي وهذا عصي فما نفع القول إذن؟ القول لم يمنعه من المعاصي إذن لم يفعل شيئاً. المقدم: جزاكم الله خيراً ونراكم في الحلقة القادمة إن شاء الله. لا تنسوا إخوانكم في غزة وفي العراق وفي كل مكان من صالح الدعاء إلى أن يأذن الله بأن يكون في أيدينا ما هو أكبر من الدعاء. بُثّت الحلقة بتاريخ 6/1/2009م |
التوبة والاستغفار 94 تقديم علاء بسيوني بدأنا بشرح جزء من آية في سورة الحديد (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)) مسألأة أن هذا شيء يسير على ربنا قلنا أن بعض الناس تستصعب هذه المسألة كيف أن الله تعالى يعلم إذا سقطت ورقة من شجرة؟! لكن سأقف عند الآية الثانية لماذا يقول لنا تعالى (لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ) كيف أطبق هذا في العقيدة؟ نلمح في الآية نوع من الأمر، الله تبارك وتعالى يوضح لنا أن هذه القضية مكتوبة من قبل أن نُخلَق وقبل خلق الأرض والسموات حتى إذا حصل لك شيء طيب لا تفرح كثيراً وإذا أصابك شيء سيء لا تحزن كثيراً، لماذا هذا الأمر مهم بالنسبة لإيماني كإنسان مسلم؟ وكيف أطبقه؟ د. هداية: في البداية أقف عند قوله تعالى (إن ذلك على الله يسير) بعض المسلمين لما يجد واحد عنده ثمانين سنة والأطباء يقولون أن وضعه ميؤوس منه فيتوجه إلى الله تعالى بأن يشفيه ثم هناك شيء ما في داخله تقول كيف يشفيه؟! عمره ثمانين سنة والأطباء قالوا وضعه سيء؟ هنا يجب أن نقف، يتوجه بالدعاء وهو مستصعب المسألة على ربنا لأنه أخذ فيها معطيات البشرية أن الطبيب قال لا فائدة. البعض يتصلون ويسألون عن إمكانية رفع الأجهزة عن مريض ورأي الدين في هذا الأمر أنه طالما هناك أي سبب من أسباب الحياة يجب أن تأخذه، عندما نقول لهم اتركوا الأجهزة لعل وعسى، يقولون لعل وعسى ماذا؟ الرجل عنده ثمانين سنة يتكلم بمعطيات البشر، هو يعرف أن ربنا تعالى قادر على الشفاء لكنه يكلم نفسه ويقول كيف ربنا قادر؟ هنا مكمن الخطورة في العقيدة، الناس تستصعب المسألة بمعطيات البشرية لكن المولى عز وجل؟! هنا أؤكد ثانية مسألة فساد العقيدة. نحن للأسف نريد أن نطبق علمنا نحن ونقيد به علم الله تبارك وتعالى وقدرته. المقدم: أنت كطبيب بشري لا تعرف العلاج لكن الله تبارك وتعالى يعلم. د. هداية: السؤال الذي يأتينا دائماً هل نرفع الأجهزة عن المريض؟ الطبيب يقول اسألوا أهل المريض ويخرج نفسه خارج اللعبة لأن الأجهزة تحتاج إلى مال فيسأل أهل المريض إذا كان عندهم مال ليبقوا الأجهزة أو لا؟ رجل العلم يقول إسأل الطبيب والشرع يقول لنا (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) أهل الذكر في هذه القضية هم الأطباء. المقدم: فالطبيب لا ينفع أن يحيل المسألة على أهل الميت فربما البعض يريد أن يرث هذا المريض فيقول ارفعوا الأجهزة عن المريض. د. هداية: بعض الأحيان تحدث أشياء يرفضها أهل العلم، الكم الغفير من الناس لا يفهم لماذا يوافق أهل العلم على مسألة ما ويرفضون أخرى؟ القضية ليست في السؤال نفسه وإنما فيما وراء السؤال. نضرب مثالاً في مسألة التبرع بالأعضاء كثير من فقهاء الأمة أقفلوا هذا الباب وقالوا لا يجوز لأن الأعضاء ليست ملكك أنت لتتبرع بها، الذين قالوا يجوز أدخلوا أموراً في المسألة. الذين قالوا لا يجوز في هذه القضية نظروا بعد الحجب ووجدوا أن الفقير سيُباع لو قالوا يجوز سيباع الفقير ويقسّم جسده ويُباع! أنت داخل مستشفى ولا نغرف ماذا يحصل؟ تحدث قضايا أن يؤخذ من مريض أعضاء كانت سليمة لتوضع لمريض آخر. لو أقفلنا المسألة من بدايتها تكون رحمت الفقير. المقدم: ألا ينفع أن ينظر الفقهاء إلى المسألة بميزان من حيث الضرر والنفع؟ د. هداية: هذا جانب من الموضوع، البيع يكون عن مِلك وأنت لا تملك جسدك. المقدم: الأطباء مثل أي وسط آخر منهم الجيد ومنهم الرديء ولو أن أحدهم ليس عنده ضمير ولا يخاف ربنا لن يحتاج إلى إذن المريض ولا إلى فتوى يجوز أو لا يجوز نقل الأعضاء وقد يتصرف من عنده ويأخذ من مريض ويعطيه لمريض آخر!. د. هداية: عندا قضايا هكذا لكن أنا أتكلم في إباحة الموضوع أنك أبحت، لكن لو أقفلنا الباب نحدّ قضايا كثيرة للفقير. البعض لا يفهم لماذا تقول القاعدة نعم أو لا. الذين يقولون يجوز التبرع ولا يجوز البيع، نقول لهم من يتبرع بدون مقابل؟! لم أر من تبرع بدون مقابل سواء كان مقتدراً أو غير مقتدر إلا الذي يتبرع لأحد من أفراد عائلته لكن للأسف المسألة تحولت إلى بيع ومافيا! القضية أن نتعامل مع معطيات القدرة الإلهية قياساً على معطياتنا نحن، فأنت تدعو لمريض بالشفاء وهناك في داخلك ما يقول لك كيف يشفى وهو على شفير الموت؟! الرسول r علّمنا أن نسأل الله ونحن موقنون بالإجابة. المقدم: قد يكون هناك أشياء غير منظورة ولا نعرفها نحن مثل الحالة النفسية أو قيمة روحية تساعد المرضى. سمعت قصة غريبة من أحد أعرفه والناس الذين لا يعترفون بالروحانيات يقولون هذا كلام فارغ ودجل وخرافات! القصة أعرفها لواحد عنده سرطان على الكبد وكان في الإنعاش وذهب إلى المدينة المنورة وعاش فيها سنوات وليس فيه شيء يذهب إلى مصر يشعر بالتعب فينقل إلى الإنعاش ثم يعود للمدينة المنورة فلا يشعر بشيء كيف تفسرها؟ د. هداية: قد يكون التشخيص غير دقيق، جائز أن المريض يرتاح نفسياً في المدينة ويجوز أن تكون الحالة النفسية للمريض نؤثرة في المرض العضوي. بعض الأطباء يقول أن الموضوع النفسي مهم في كل الأمراض. المرض يعني هناك إصابة في الجسم. لو أحدهم يشكو من أي ألم في جسمه لو زعل يزيد الألم لأن الحالة النفسية تُظهر الألم، ولما يفرح الإنسان من خبر تراه يقوم من مرضه! هذا كله سيكولوجي وكله بقدر الله سبحانه وتعالى. المقدم: عليما أن لا نستبعد أن العلاقة بين النفس والجسد يمكن أن يتأثر أحدهما بالآخر فإذا تعبت النفس يتأثر الجسد والعس صحيح. د. هداية: مثل حالة الصائم، الصائم الذي لا يصلي عندما يصوم تراه جالس في المجلس وهو لم يكن يصلي أساساً! في رمضان تجده في المسجد لأن الصيام يرفع القيمة الروحية في الإنسان فتجده ينزع إلى مواطن العبادة والطاعة أما في الأيام العادية عندما يأكل ويشرب المادة تغلب الروح التي تحتاج إلى سمو لذلك القرآن سمي روحاً لأن يعالج هذه القضية من الناحية العقائدية لا من الناحية المادية فالعقيدة تنقى في الصيام فتجد هذا الإنسان أول ما يسمع الأذان يذهب للمسجد ولم يكن يفعل هذا لا في شعبان ولا في شوال ولا غيره. لذلك بعد أن عرض المولى تبارك وتعالى قضية شائكة في التلقي ختمها بقوله (إن ذلك على الله يسير) كأن القرآن يريدنا أن نفيق إياك أن تستصعب مسألة على الله تبارك وتعالى. ما معنى (إن ذلك)؟ ذلك يعني القضية كلها ليست مسألة أنها في كتاب وإنما في التقدير الإلهي، المقادير كلها تدخل في بعضها ما الذي يجعلني أقابلك من سنوات لنعمل برنامج الرحمن أو طريق الهداية؟ المقادير تجدها متشابكة بطريقة تستوجب إطلاق القدرة لا ينفع معها قدرة عادية أو مقيدة. المقدم: أول مرة عملنا مع بعض عملاً إعلامياً في برنامج ولد الهدى في التلفزيون المصري وحينها كان عندي برنامج رب اشرح لي صدري مع الدكتور عبد الله شحاته رحمة الله عليه وفي هذا الوقت كان الدكتور في إجازة في مرسى مطروح واعتذر عن الحضور للاحتفال وبدل أن نعمل حلقة خاصة من برنامج رب اشرح لي صدري فقلت في الاجتماع أن القيمة الكبيرة للذكرى لمولد الرسول ليست حفلة وإنما علامة فارقة في الإنسانية تغير تاريخ البشري كله إلى الأبد فتعالوا نعمل ندوة كبيرة احتفالاً بمولده، وكان الترتيب الإلهي أن ألتقي بك وبالشيخ محمد جبريل والدكتور أحمد شوقي عبد الرحيم فهل كان لأحد أن يتخيل أننا ونحن نعمل هذه السهرة التي كانت مقررة لساعة استمرت ثلاث ساعات وربع وسبحان الله هذا المفروض أننا في ندوة وانتهت لكن لم يعلم أحد أن هذا التجمع كان إيذاناً بوفاة الدكتور عبد الله شحاته بعدما انهى مشواره وأرسل للمكتبة تفسير الجزء الثلاثين من القرآن الكريم وكان يعتذر عن حضور بعض الندوات لأنه كان منقطعاً للتفسير. من كان يعلم أنه بعد هذه السهرة سنكمل برنامج الرحمن علم القرآن ثم نبدأ مع بعض ونتعهد أن نهب حياتنا للعقيدة إلى أن نلقى الله؟ أول ما انتهيت من تلك السهرة سجدت لله سجدة شكر في الاستديو ثم سجدنا كلنا لأننا شعرنا أن الذي حصل شيء غير طبيعي. د. هداية: هذا ما أتكلم عنه، المقادير متشابكة، هذه الدنيا والبلاد والقارات يجب أن يكون الله تعالى المهيمن القدير المقتدر بعد أن عرض لنا هذه القضية قال تعالى (إن ذلك على الله يسير). المقدم: الآية (لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)) نلمح في صياغة الآية نوع من الأمر والتكليف أنه إذا أصابك خير فلا تفرح كثيراً لأنها كانت مكتوبة وإذا أصابك سوء من مرض أو فقد عزيز إرض به ولا تحزن كثيراً لأنه كان مكتوباً قبل أن تُخلق. كيف نطبق هذا؟ وفي مسألة الدعاء عندنا أحاديث تحثنا على الدعاء وأن الدعاء مخ العبادة ويجب أن ندعو الله تعالى ونطلب منه ألن تأتي ساعات يمكن أن يقول فيها أحدنا ما فائدة الدعاء؟ إذا أردت أن أشتري سيارة فأدعو الله أن يفتح لي باب رزق حتى أشتريها بدل المواصلات، ألم يكتب المولى سبحانه وتعالى أنه في هذا الشهر سيرزقني مالاً أشتري به سيارة؟ لو كنت أدعو منذ أشهر سوف أعتبر أن الله تعالى قبِل دعوتي بالحصول على المال وشراء العربية ولو لم يكتب الله تعالى لي ذلك سوف أدعو وأدعو ولن أحصل على المال، فهل المفروض أن أدعو أو لا أدعو؟ د. هداية: هذا سؤال جيد لكن أولاً حتى أجيب يجب أن ننسى السائد في الفهم في هذا الموضوع. يجب أن أفهم أولاً أن الله تبارك وتعالى أمرني بالدعاء هذه قاعدة في الموضوع (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) ادعوني فعل أمر والآمر هو الله سبحانه وتعالى فكونك تدعو الله فأنت أولاً نفّذت أوامر الله وأطعت المولى عز وجل. لو لم تدعو وقلت لن أدعو وسأعمل وسأحصل على المال لشراء السيارة ستكون كفرت لماذا؟ المولى تعالى يقول لك ادعو وأنت تقول لماذا أدعو؟ هذا كفر بالله، هذه نقطة. ندخل على الاحتمالات: لماذا تدعو؟ الإجابة الأولى بناء على القاعدة أن الله أمرني بالدعاء وأنا أدعو. السؤال الثاني: هل أدعو فقط وأنام ليأتيني المال أو أدعو وأذهب لأعمل ليأتيني المال؟ أعمل ليأتيني المال. إذن انفكت الجهة بين الدعاء والتنفيذ وبني الأمر على عقيدة سليمة دعت وهي تدعو قالت يمكن أن أعمل ولا يأتيني المال لكني أعود إلى الله تعالى وحكمته وقضاؤه فإذا جاءني المال فبفضل من الله وإن لم يأتيني المال فبتقصير مني ويبقى الدعاء هنا مصلح للقضية حتى في الآخرة إن لم أحصل على السيارة في الدنيا ربنا يبدلني خيراً منها في الآخرة. المقدم: أنت تقول إما بفضل من الله أو بتقصير مني لكن من تجربتي أقول أنه في بعض الأحيان أنت لم تقصر في موضوع بل تحضر له جيداً لكنه يتم ولكن لا ينجح أو لا يتم الاتفاق. يمكن أن يكون أحدهم سلّم بضاعة اتفق عليها واستلم بعض المبلغ وهو أتم عمله بشكل جيد ولم يقصر فيه لكنه لم يستلم باقي المبلغ، هذا عمل الذي عليه وأتقن عمله لكنه لم يحصل على المال. د. هداية: هذا حل للفكر الذي أتكلم عنه فالذي غلب هنا قضاء الله تبارك وتعالى. الذي غلب هو ما كتبه الله تبارك وتعالى. المقدم: يعني المولى تعالى كتب أنك ستتفق مع هذا الشخص على مبلغ معين واعطيه الشغل ولا تأخذ إلا قسم من المبلغ. د. هداية: هنا لا تحاسب أنت وإنما يحاسب الذي نصب عليك وأنت ستأخذ ثواب الصبر وثواب العمل. المقدم: تقصد أن تقول أنني أخذت حقي في المبلغ كله قسم منه في الدنيا وهو الذي أخذته وقسم في الآخرة؟ د. هداية: بل أضعاف في الآخرة لأن المولى عز وجل مكافأته ليس كالبشر. يقول لك أحدهم لا تذهب لهذا الشخص فهو نصاب فتقول أنا أذهب إليه واتفقت معه إذا أراد أن ينصب لكن أنا أسلمه الأشياء سليمة، والبعض يقول غشّه في بعض المواد لتعوض خسارتك هذا ابتلاء آخر. المقدم: إذا أحدهم نصب عليّ في مشروع سابق والآن فرصتي أن آخذ حقي منه فهل أغشّه؟ د. هداية: لا، أعود لكلام النبي صلى الله عليه وسلم "أدِّ الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك" لأني لو فعلت مثله أكون خائن مثله. مسألة الدعاء يرد القضاء هذا وهم الناس متوهمة أمراً. ليس هناك حديث بهذا النص أما الحديث فهو: كاد الدعاء (كاد من أفعال المقاربة). عندما تقول فلان ضرب فلاناً الأمر انتهى وضربه أما عندما تقول كاد فلان أن يضرب فلاناً لا يكون ضربه. "كاد الدعاء أن يرد القضاء" يريد أن يبين قيمة الدعاء لكن هل يرد القضاء؟ لا يمكن لأن الذي قضى هو الله سبحانه وتعالى الذي لا يقدر عليه أحد ولا يغير كلامه وهو سبحانه وتعالى الذي قال (ما يبدل القول لديّ وما أنا بظلام للعبيد) يعني أي قضاء قضى به الله تبارك وتعالى لا يمكن أن يظلم أحداً. المقدم: عندما يقال فلان يُبتلى إما بالخير أو بالشر والله تعالى لا يظلم أحداً لو طبقنا هذا على مآسي الحرب التي تحصل والأطفال التي تقطع أوصالهم ما ذنبهم؟ د. هداية: هؤلاء ليس لهم ذنب وإنما سبق في علم الله تبارك وتعالى أن هذا الولد الذي عنده سنة أو أشهر أو أكثر هذا أفضل من أن يكبر في الدنيا ويُبتلى بل إن موته بهذه الطريقة ابتلاء لأهله، الدنيا ليست دار انتقام والله تعالى لا ينتقم من أحد وإنما الدنيا هي دار ابتلاء وقوله تعالى (إن الله عزيز ذو انتقام) ينتقم ممن يستحق. الأطفال الذين يموتون اليوم ليس لهم ذنب لكن هذا ابتلاء والذي فعل بهم هذا سيحمل هذا الوزر يوم القيامة. الجندي الإسرائيلي الذي تجده يضرب فلسطينياً مقيداً، لماذا يضربه وهو مقيد؟ هذا يبين جبن وخسة وحقارة هذا الصنف من البشرية لو كان لهذا الجندي الجرأة لفك قيود المقيد وضربه! هذا ابتلاء للكل للذين رأوا الصورة وللذين يقيدوا الناس ويضربوهم فالدنيا دار ابتلاء للجميع ولكن الله تعالى لا ينتقم من الناس والله تعالى ليس المنتقم كما يسمونه بعض الناس لكنه سبحانه عزيز ذو انتقام ساعة ينتقم ينتقم ممن يستحق لكن ليس في الدنيا وإنما في الآخرة. والله تبارك وتعالى أحكم وأعدل من مفهومنا عنه نحن سبحانه وتعالى. المقدم: ويمكن لأن المفهوم هذا غير سليم، تأتيني رسائل تقول أستحلفك بالله أن ترسل هذه الرسالة لعشرة أشخاص بأن يقرأوا سورة الفتح الليلة حتى ننتصر. أقول لهم هل إذا قرأنا هذه السورة أو غيرها فقط سننصر إخواننا في غزة؟ أين العمل؟ د. هداية: الدعاء قد يكون سبيل كثير من الناس لكن مع الدعاء العمل (وقل اعملوا) (وأعدوا لهم). للأسف شركات التلفون تلعب هذه اللعية تقول لك انشر هذه الرسالة لألف أو مليون هذا كلام فارغ. العمل هو مناط الابتلاء في الدنيا، أنت عندما ابتُليت ماذا فعلت؟ صور الأطفال التي تضايقك الكل مبتلى فيها الذين يقومون بهذا الفعل الإجرامي، أهل الأطفال رضوا أو لم يرضوا؟ الأهل يقولون نحن محتسبين عند الله سبحانه وتعالى، هذه الصور كلها ابتلاء للجميع. المقدم: في الحلقة السابقة قلنا لو خرج أحدهم على فضائية وقال سنعمل تبرعات للدجالين والسحرة ليعملوا أعمال لإسرائيل ويسحرونها ستجد الناس تتبرع فلماذا لا ندعو دعوة جادة ونحتاج إلى جمعية إسلامية نجمع المال لعمل أبحاث علمية لنتقوى علمياً ودينياً وعسكرياً في أمور احتكرها الغرب فهم يصنعون السلاح والذخيرة والطائرات المقاتلة ونحن جالسون نتفرج. من هنا من هذا المنبر نعلن منظمة مجتمع مدني الناس كلها تتبرع من منظمات ورجال أعمال لا يكون همنا فقط أن أهلنا في فلسطين لما يقتلوا نرسل لهم بطاطين وأكل وشرب. د. هداية: هذا أضعف الإيمان. المفروض أن لا أدخل في شيء أنا لست أهلاً له. المقدم: الرسول r جلس في مكة 13 سنة بدون حرب ولم يكونوا يردوا على أذى كفار قريش لأنهم لم يكونوا جاهزون بعد بجيش. د. هداية: هذا الأمر أصعب من أن يناقش بيني وبينك فقط، هذه مسألة سبقنا فيها علماء وفقهاء في الأمة ويجب أن نسمع كلام القرآن والعقل والمنطق والعقل المسلم المسلِّم لله تبارك وتعالى في مثل هذا الموضوع. المقدم: هذا دوري كإعلامي ليس فقط دورنا أن نحشد الناس لإطعام المتضررين فقط أو تغطيتهم وإنما علينا أن نتعلم ونتقوى. د. هداية: هذا سابق على أنك ترد عدوان. نحن طول عمرنا نرد عدوان لكن مصر في 1973 كانت المبادرة منها وإن كانت ترد عدوان 1967 يوم كانت أرضها محتلة لكن لما أخذت مصر زمام المبادرة انطشف العدو على حقيقته. هم سموا حرب 1967 حرب الستة أيام وفي 73 خلصنا الأمر في 6 ساعات. من 76 الناس اشتغلت وزمام المبادرة كان معهم وقلنا الله أكبر يوم العبور لأننا كنا نشتغل أخذت الأسباب مع الدعاء. الآية التي معنا ترد على الموضوع الذي نتكلم فيه. ساعة وضحت الآية (ما أصاب من مصيبة) الأمر يسير بقضاء الله تبارك وتعالى وجوب القضاء ووجوب القدر وقلنا سابقاً أن القضاء هو ما قضى الله تعالى به أزلاً والقدر هو وقوع هذا القضاء. فما قضى به الله تبارك وتعالى لا يمكن لأحد أن يرده لا دعاء ولا عمل ولا سحر ولا شيء، ما قضى الله به يتم على مراد الله فيما أراد والقدر يحقق ذلك. بعدما قال (إن ذلك على الله يسير) ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم لا تتم بمعطيات وأسباب إلا في كتاب من قبل خلق الأرض الذي حملت الناس التي ستعمل هذا الكلام وحت يستوعب العقل البشري هذه المسألة قال (إن ذلك على الله يسير) لأن الكلام على الله . (لكيلا) فيها ثلاث أشياء اللام لام التعليل وكي ولا النافية، تخيل هذه التركيبة اللغوية (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) فاتكم ليس بمعنى عدّاكم فاتكم يعني لم يكن من نصيبكم لأن الناس تعتقد أن الذي فات هو الذي عدّى، هذا مضمون كلام الرسول r "واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك" هذا ما فاتك فالذي لم يأت لك ليس لأنك لم تعمل ولكن لأنه ليس لك من البداية. المقدم: نعود لمسألة شراء السيارة جائز أن شراء السيارة فيه شر لك فلو كان تمم لك الصفقة وحصلت على المال واشتريت السيارة ثم أخذت عائلتك فيها لعملت حادثة مات أحد أولادك! د. هداية: نأخذ مثالاً طائرة فيها عدد مقاعد محدود وذهب أحدهم واشترى تذكرة درجة أولى - وهذه حادثة حصلت أمام أعيننا – ذهب إلى المطار قبل موعد إقلاع الطائرة بساعة ونصف دخل أحدهم المطار قبل ما يصل صاحب الكرسي الذي حضر قبل ساعة ونصف وهذا الرجل الذي دخل صاحب فلان أو علان فقالوا نتصرف صاحب الكرسي تأخر المفروض أن يأتي صاحب الكرسي قبل ساعتين عندما دخلوا الطائرة على نفس الكرسي قال لهم الأول هذا ليس صحيحاً فقالوا له أنت تأخرت هل توافق أن تركب على درجة سياحية؟ قال لا، قالوا إذن أجِّل السفر فوافق والرجل الآخر ركب الطائرة فانفجرت الطائرة! كيف نفلسف الأمر؟ الرجل الثاني كأنه عمل واسطة ليموت لأن هذا هو موعده مع الموت والرجل الأول ليس مكتوب له أن يموت لأنه ليس معاده وهو طبعاً خرج من المطار وهو غاضب لكنه لما سمع أن الطائرة انفجرت قال الحمد لله وما قالها إلا لأن الطائرة وقعت لذلك قال تعالى (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم) أنت تتصور أن هناك معطيات اعملها لكنك لن تأخذ إلا ما كُُتب لك. حتى لو لم تقصِّر في أمر إذا لم يكتبه لك الله تعالى فعليك أن تسلِّم بالأمر لذلك قال تعالى (إن ذلك على الله يسير) ثم شرح لك (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) يعني افرح يعني هذا الرجل في المطار من البداية ما قال لا باس أسافر غداً لم يقل الحمد لله إلا بعد أن انفجرت الطائرة! لم يفطن أن يقول الحمد لله إلا بعد ان انفجرت الطائرة لذلك الواعي عليه أن يسلِّم ساعة يحصل معك وضع من الأوضاع تسلم لأنك غير مقصر ولو كنت مقصراً ستسلِّم وأنت تؤنب نفسك لأنك قصّرت. القرآن واضح وضوح الشمس في كبد السماء من حيث معطيات في القرآن في الوقائع التي تطبقها أنت على حياتك هنا يقول (لكيلا تأسوا على فاتكم) هذا لم يأتي لأنه ليس من نصيبي (ولا تفرحوا بما آتاكم) هذا آتاكم وهو لك ومكتوب لك لكن ساعة ما يأتيك لا تفرح حتى لو أنك عملت لأنه (إن الله لا يحب كل مختال فخور) ما الذي جاء بهذه الجملة في الآية هنا؟ المقدم: مختال وفخور نحن تعملنا أن الفخر في إطلاقه بجرعة مناسبة لا بأس به أن أكون منتسباً لأمة محمد صلى الله عليم وسلم فمتى يكون الفخر فخر مرضي؟ د. هداية: عندما لا يكون في محله يكون عن شيء لم تفعله أنت ويكون فيه كبر وتعالي على الناس. المقدم: هؤلاء العرب العيب موجود في الجينات حتى قبل نزول الإسلام تجد أنهم معتادون على الكلام لا العمل فالشعر إما هو فخر بالأنساب وغيره وإما ذم في الناس الآخرين وإما رثاء على أحد وإما غزل وكله كلام بكلام تجد أن العرب تعودوا على الكلام إما جيداً أو قبيحاً وعندما تأتي للعمل لا تجد شيئاً ولهذا تجدنا دائماً مقصرين ومتخلفين. د. هداية: ما سبب ورود (والله لا يحب كل مختال فخور) في الآية؟ لأنه ساعات عندما تأتيك أشياء أنت عملت خمسين بالمائة منها وتأتيك بفضل من الله تعالى أنت تنسبها لنفسك تقول أنا عملتها كلها ولا تقول الحقيقة لا تقول أنا قصرت والله أكرمني. أساس القضية أن لا تحزن كثيراً ولا تفرح كثيراً لأنه في بعض الأحيان في الفرح تنسب لنفسك أشياء لم تفعلها أنت فليفت نظرنا إلى أن (والله لا يحب كل مختال فخور) من هو المختال؟ ومن هو الفخور؟ هاتان الصفتان ذم لأن المختال يتكبر على الناس ويصل الكبر فيه للتكبر على الله والعياذ بالله والفخر نفس الشيء تبدأ بالناس ثم تتعدى والعياذ بالله لله تبارك وتعالى. المقدم: تكلم ربنا سبحانه وتعالى على تصرفين أن الإنسان يحزن على شيء لم يأت وليس من نصيبه ويفرح بشيء جاءه وينسبها لنفسه المفروض كمنطق بشري أن يقول أن الله تعالى لا يحب المختال الفخور الذي يفرح بما جاءه ولا يحب أيضاً الذي يحزن على الذي لم يأته الروق لكنه لم يتكلم عن الذي لم يأته لماذا؟ لم يقل والله لا يحب كل حزين إيمانه ضعيف. د. هداية: لأن هذا الذي يحصل وهذا الذي يوقع الناس فالذي لم يأته الرزق كيف يختال؟! الحزن صفة غير مذمومة ولو افترضنا أن الإنسان حزن لأمر فاته فهذا سيضره هو إذن يكفيه الآية (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) لكن المصيبة في أن الفرحة بالذي حصل ستسبب اختيال وفخر وكبر وستتعدة لصفة القرآن ذمها والرسول r ذمها حيث قال "لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" المقدم: لأن فعل الكِبر أنت تتعدى به على الناس وليس حزناً دفيناً في قلبك. د. هداية: الحزن عائد عليك أنت وحدك يصيبك لكن الثانية الفرح تجعلك تعتدي على غيرك. المقدم: الآية بعدها (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)) هل هذا الوصف يشمل كل مختال فخور؟ د. هداية: هذا توصيفهم، من هو كل مختال فخور؟ المقدم: ما علاقة البخل بالفخر والاختيال؟ د. هداية: الآية فيها تعلّق لأن القرآن يمكن أن تكون الآية كلها اعتراض لجملة مبني عليها (الذين) وقد يكون (الذين) كل مختال فخور يعني التوصيفات القرآنية لا تتعلق بكلمة سابقة على نفس الآية. عندما تقول (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (24)) يتولى يعني يتولى عن هذا الأمر. أنت تأمرني بشيء طيب أنفذه لكن إذا أمرتني بشيء سيء عليّ أن أتولى عنه ولا أفعله وفي هذه الحالة (الله هو الغني الحميد). المقدم: نفهم (الغني) لكن ما دلالة (الحميد)؟ د. هداية: ما معنى الحميد؟ أول آية عندنا في القرآن (الحمد لله رب العالمين) الحميد لما نرجعها لأصلها تأتي من الحمد فالحميد هو المحمود بحق وفي كل الأحوال. الشكر يأتي بعد الأمور الطيبة المحبوبة فلو أن أحدهم عمل لك شيئاً لم يعجبك فلن تشكره هذا بالنسبة للبشر لكن لما تأتيك نعمة من المولى عز وجل فأنت تشكره هنا الشكر غالب إنما لما تأتيك مصيبة أو سيئة أو أمر لا يرضيك فلا تتذمر وإنما تحمد الله فالحمد هنا إعلان الثناء مع الضيق تنزه المولى عن أنك تقول له لماذا يا رب؟ عندما تأتي حالة وفاة لعزيز المسلم الواعي يقول إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله والناس التي تقول لماذا يا رب؟! الحمد يعني تنزيه الله بالثناء عليه لأنه لا ينفع أن أتذمر أو أعترض في وجوده سبحانه وتعالى لكن قد أعترض على فلان أو فلان فالحميد هو الذي يُحمد عند الضيق عند المصيبة عند الكرب لا ينفع أن تقول له لماذا يا رب؟ أليس هناك أحد غيري؟ هناك ألفاظ لا تليق بالمولى عز وجل ولذلك (الذين إذا أصبتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون) المصيبة هنا قال أغلب أهل التفسير أنها الموت لكن هي أي مصيبة الموت أو غيره مصيبة في نفسي أو في إهلي أقول (إنا لله وإنا إليه راجعون) نحن بما لنا من أولاد وأموال ملك لله عز وجل فالذي يأخذ من ملكه لا يغضب منه أحد ولا يناقشه أحد. قسها ولله المثل الأعلى (إنا لله وإنا إليه راجعون) فلما ينقص منا أحد هو ملك لله تعالى (وإنا إليه راجعون) الذي لم يمت اليوم لو بقي إلى يوم القيامة سيعود إلى الله تبارك وتعالى وسيموت. عندما قال تعالى (الحمد لله رب العالمين) قال بعدها (مالك يوم الدين) هذا يوم الجزاء والحساب على هذه أو عدمها. المقدم: لا تنسونا من صالح الدعاء والدعاء لأهلنا في غزة. بُثّت الحلقة بتاريخ 13/1/2009م |
التوبة والاستغفار 95 تقديم علاء بسيوني المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. مشوار وارتحال مع القرآن الكريم ورحلة طويلة مع طريق الهداية لأنه طريق قد يبدو أنه سهل وقصير لكنه هو طويل جداً لأنه يحتاج إلى تدبر لكن الناس الذين يريدون بالطريقة التي تعود كثيرون عليها لخّص وأنجِز وأعطني الخلاصة في كلمتين بالتأكيد لن يقرأوا القرآن بتدير وأكيد لن يفهموا بتدبر وعمق ولن يطبقوا بالتالي بتدبر وعمق. كنا في سورة الحديد والآيات كلها ملامحها تتكلم عن أمور قدرية مسألة القضاء والقدر ومسألة كن فيكون ووقفنا معها قليلاً لأن الموضوع صهب ويحتاج إلى بعض الشرح والردود. وقفنا عند الآيات 20، 21، 22، 23 لكننا أخذنا الآيات 22 و23 تكلمنا فيهما والمفترض أن نكمل الآيات 24 و25 لكن القرآن يشرح بعضه لذا نحن سنعود إلى الخلف آيتين 20 و21 لنربط المعنى الذي قلناه في الحلقة السابقة بمعنى مهم جداً وسنذهب بعدها لاستكمال الرحلة وقد ننتقل من سورة إلى سورة ومن آية لآية لأن القرآن كله يشرح بعضه بعضاً ويدعم بعضه بعضاً. (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد) المقدم: ما الربط الذي نبحث عنه خاصة أننا تكلمنا في الحلقة السابقة عن معنى كلمة مصيبة وعن الفرق بين المصيبة في الأرض والمصيبة في النفس وما هو الكتاب وما معنى نبرأه وما معنى أن يأسى الإنسان على ما فات إذا لم يأته مال فلأنه ليس له نصيب فيه وما معنى أن لا يفرح الإنسان بما أتاه لأنه مكتوب له أنه سيأتيه ولماذا لا يحب الله تعالى كل مختال فخور؟ هذا الذي أعادنا للآيتين 20 و21 فلماذا؟ د. هداية: أولاً نريد أن نجع بالذاكرة لما بدأنا فيه في البرنامج أن مسألة التفسير لا تكون بسرعة بحيث نلخص ونعطي موجزاً ولا تكون أن نعمل في آية بحد ذاتها ولكن المفروض أن نخرج بالمسألة من القرآن بمفهوم قرآني استعرضه الله تبارك وتعالى على مدار 6236 آية. وسيظهر لنا من خلال عملنا في الآية 20 (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) نقف عند معنى الغرور؟ ونجد أن هناك ثلاث آيات بمعنى (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغَرور) تكررت مرتين هناك الحياة الدنيا متاع الغرور وهناك غَرور يدفعك أن يزين لك مسألة أن تفتح قلبك دنيا فتبدأ تتباهى وتتفاخر وهذه التي قال فيها تعالى (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) المقدم: كنا فسرنا سابقاً الفرق بين الغُرور والغَرور د. هداية: هذا فسرناه منذ زمن وسنعيد تفسيره اليوم إن شاء الله. دعنا نأخذ الآية من أولها ولكني أردت أن أضع نقطة نظام كيف نعمل في البرنامج. أولاً مطع الاية في منتهى الإبداع البياني (إعلموا) من الذي يُعلِم؟ الله سبحانه وتعالى وما هو المطلوب منا نحن؟ أين فاعل (إعلموا)؟ نحن عندنا مشكلة أساسية أن الناس 85% منهم لا يريدون أن يعملوا شيئاً وإنما يريدون أن يأتيهم كل شيء على الجاهز ونحن نذكِّر الناس بمسألة إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة وأغلقت أبواب النار وصُفدت الشياطين فالناس مكمئنة أن الشياطين مصفدة ونحن سندخل الجنة! عندما تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين أين الذي عملته أنت إذن؟! الناس من هذه المفاهيم الخاطئة أصبحت تعتقد أن فلان بعد أن يموت نقرأ له قرآن أو نعمل له عمرة نحن نعمل لبعض لأنه هو لم يعمل وتجد أسئلة بمنتهى الغرابة وعندما نجيب الناس عليها إجابة منطقية من القرآن تقول أننا نضيق عليهم ونسد الطريق وسنجد اليوم عندما نشرح الآيات بالتفصيل الواضح. (إعلموا) هذا فعل أمر، أين الفاعل؟ المفترض أنا عندما أسمع الأمر الإلهي أبدأ أطبقه وأعي هذا الموضوع. (إعلموا) يعني هناك شيء يجب أن أعمله. الذي يستعرض القرآن بسرعة يقول لك الفاعل هو الذي يقول إعملوا، هذا فاعل إلقاء العلم لكن امطلوب منه عمل المجهود هو الذي سيتعلّم لا الذي يُعلِّم. أنا حتى أعلم ليس عندي قبله رصيد أنا سأبذل مجهوداً لأعلم وهذا هو التعلّم، انظر إلى عظمة اأداء القرآني في (إعملوا) الفاعل فيها واو الجماعة (الذي في تصور الناس أن الفاعل (أنتم) لكنها ليست كذلك) واو الجماعة بدل أنتم. الفاعل في (إعملوا) هو الذي سيعمل لكن القرآن أعطانا أيضاً مادة العِلم. (إعلموا) ماذا؟ إعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، لو أخذنا هذه الأشياء ستجد الدنيا هكذا لأن (أنما) قصر وحصر نحن نسميها الكافّة والمكفوفة لكن عندما نأتي لـ (أنما) و(إنما) تكون للحصر والقصر إذن الدنيا هكذا فقط لكن لو انتبهنا أن الذي يقرأ هنا ليعلم يقلق ويتساءل أنا لست هكذا فأين أنا هنا؟ المقدم: يعني إذا كان هذا توصيف الدنيا في القرآن د. هداية: لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد هذه الأمور كلها مذمومة. المقدم: لكن مسألة التكاثر في الأموال إذا أحدهم ربنا رزقه الأموال من حلال؟ د. هداية: هذا ليس من باب التكاثر، الله تعالى قال (ألهكم التكاثر) يعني التكاثر مدعاة أن يلهيك إذن التكاثر صفة مذمومة. المقدم: لكن مسألة الأموال في إطلاقها ليست حراماً والأولاد ليست حراماً د. هداية: الذي ليس حراماً لا تتفاخر أنت، الذي ليس حراماً لا تتكاثر على الناس وإنما تأخذ المسألة على أنها عطاء من الله تبارك وتعالى ونعمة وفضل. المقدم: جاء في ذهني مثل الناس تعمله في مسألة الأولاد والذي يتفاخر أن عنده أولاد أمام أحد آخر ليس عنده أولاد، هل جاء به من عنده؟! المسألة ليست شطارة منه هو د. هداية: هذا هو المذموم، هكذا ضرب القرآن المثال أنه ليس لك فضل في هذا بدليل أنه قال (كمثل غيث) الغيث ليس لك أنت دخل فيه، لم يقل كمثل مطر لأن الغيث ليس مطراً عادياً وإنما نكر بعد قحط وعطش وهلاك لذلك قال غيث ليبين لك أنه لا دخل لك فيه فجاء بالمثال بشيء ليس لك دخل فيه فأنت لا دخل لك لا في الأموال ولا في الأولاد وضيعت الدنيا وضيعت وقتك في اللعب واللهو والزينة. علينا أن نفهم (إعلموا) ماذا نعلم؟ أن المسألة محصورة في هذا الكلام. أين أنا وأين المسلمون والمؤمنون هنا؟ لم يذكرهم لأنه يضرب المثال بالأمور التي يخرج بها الإنسان عن مراد الله في أنك تعلم، إعلم ولا تفعل هذا، إعلم أن هذه هي المسألة فلا تعملها فالذي لم يذكر هنا أنه يجب أن يُعمل قال (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ) لم يقل سابقوا إلى عمل وإنما قال اسبقوا إلى مغفرة بالعمل ولم يقل العمل لأن كل واحد يعمل ما يقدر عليه (فاتقوا الله ما استطعتم). (إعلموا) أن الحياة عبارة عن لعب ولهو وزينة. المقدم: أولاً حسب ما يفهم كثير من الناس أن هناك زينة جيدة أن يتزين الإنسان بالزينة المباحة إما الرجل لامرأته والمرأة لزوجها وأن أسكن في بيت جيد وأن أذهب إلى المسجد وآخذ زينتي، ومسألة اللعب كيف نفهمها والرسول صلى الله عليه وسلم كان يلهو مع السيدة عائشة؟! وما الفرق بين اللعب واللهو والزينة التي من المفروض في الآية أنها مذمومة وبين ما يمكن للإنسان المسلم أن يقوم به من لهو ولعب وزينة حلال؟ ما الذي يجعل هذه التوصيفات حلالاً وما الذي يجعلها حراماً؟ هل التطبيق أو الجُرعة أو الإثنان معاً؟ المقدم: الدنيا فيها لعب ولهو وزينة الآيات توحي أن هذه الأمور مذمومة أو أنها تحذير أن تلهينا هذه الأمور عن الطريق المستقيم لكن عندنا آيات في القرآن الكريم (خذوا زينتكم عند كل مسجد) هذه زينة وهذا أمر إلهي وهناك أناس تأثم إذا ذهبت للمسجد بملابس العمل وقد يكونوا يعملون في مطابخ أو غيره وبهذا يكون قد أذى الملائكة وأذى المصلّين وأظهر عدم احترام للمولى سبحانه وتعالى وعدم احترام للمسجد. هذا أمر إلهي بأخذ الزينة فلماذ في آية سورة الحديد الزينة واللعب واللهو مذمومين؟ د. هداية: علينا أن نفرق دائماً بين المجاز المرسل في إطلاق اللفظ أو إطلاق اللفظ على حقيقته. هنا يقول (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ) لكن هناك يقول (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ (31) الأعراف) أولاً كلمة زينة هنا مجاز وكلمة مسجد مجاز. المقدم: كلمة مسجد ليس مقصوداً به الجامع فقط وإنما كل مكان فيه سجود لله تعالى إما صلاة أو سجوداً للمنهج. د. هداية: هذا البرنامج في عُرف المجاز اللغوي مسجد فلا ينفع أن تخرج بشكل سيء في برنامج ديني بالذات تلبس أشياء غريبة على الموضة لأن هذا البرنامج يعتبر مسجداً فأنت مأمور من الله تبارك وتعالى أن تأخذ ليس الزينة وإنما زينتكم، لماذا زينتكم؟ أي ما يليق بكل واحد على حدة. كلمة زينة هنا مجاز مرسل علاقته المحلية لأنه ليست الزينة التي هي المكياج إنما الزينة هنا جاءت لعب ولهو وزينة فهذه تخص أول من تخص النساء، لماذا؟ عندما نسير في التعريفات اللغوية من فضل الله تعالى علينا في هذه الآية أن جاء باللعب بعد اللهو (لعب ولهو) لأن كثيرين يخلطون بين الإثنين. ما الفرق بين اللعب واللهو؟ اللعب لا يكون إلا للأطفال لا تجد رجلاً يلعب فإذا رأيته تستسفهه. يمكن أن يلهو الرجل لكن لا يمكن له أن يلعب فجاء باللعب لسنّ (لعب للأطفال) لهو للرجال، زينة للنساء وبعض الرجال لأنك تجد بعض الرجال يضعون كحلاً في أعينهم ليظهروا بشكل جيد في برنامج أو يضع الملابس النسائية والسلاسل هذا تشبه بالنساء. المقدم: الناس التي تشتغل مثلنا على التلفزيون ونظراً لظروف العمل والكاميرات والإضاءة نضطر لوضع بودرة معينة لتمتص الإاءة ولا تظهر الوجوه لامعة على الشاشة. د. هداية: هذه البودرة إذا استعلمت لهذا الغرض فهي ليست حراماً وإنما المقصود الزينة اتي يضعها الرجال تشبهاً بالنساء مثل الحلي والسلاسل والمكياج وغيرها. ونحن نخرج على التلفزيون بدون بودرة ولا شيء آخر ولم يحصل لنا شيء ولله الحمد. جاء باللعب وهذا يخص مرحلة سنية ثم ذكر اللهو وهذا يخص بقية المراحل، هذا اللهو ليس اللعب لكنه قد يكون أحدهم جالساً على الشات مهتماً جداً ويضيع وقته فيما لا يفيد وبدون لزوم وأنت تجد النتائج في الدنيا والآخرة. المقدم: الأطباء هذه الآيام سموا نوعاً جديداً من الإدمان وهو إدمان الإنترنت وهناك نساء طلبيت الطلاق أو الخُلع بسبب الانترنت لأن أزواجهن يقضون أوقاتهن على الانترنت يتحادثون مع نساء وغيره والشات لم يعد فقط عن طريق الكلام وإنما هناك كاميرات وميكروفونات فيرى الناس بعضهم بعضاً بدون احترام لخصوصية البيوت فالذي تكلمه ويكلمك يمكنه أن يراك وأنت ترتدي البيجاما أو الشورت أو غيره. د. هداية: هذا كله من باب التسهيل من باب (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) بعض المفسرين في هذه الآية قال أن الغَرور يعني الشيطان لكنها لا تعني الشيطان فقط وإنما الغَرور كل ما يغرك من جاه ومال وسلطان ونفسك ومنصبك، الشيطان يحرك كل هذا واللنفس العاصية تتقبل هذا غَرور. عندما نأتي لمسألة اللعب الطفل يلعب لو أطقت له اللعب مطلقاً سيصبح لاهياً لكن أو قننت له اللعب فتركته يلعب على جرعات منذ صغره وهو عنده 3 سنوات يتعود أن اللعب ليس مطلقاً هكذا وهذه هي الحياة الدنيا لذا قال (إنما الحياة الدنيا) الناس تتلقى الحياة هكذا لكنها ليست هكذا وإنما لها ضوابطها وهذا هو السر أن الصلاة قسمت على خمس فروض في خمس أوقات بالأزمنة هذه لكي تعود وتشحن على طول من – إلى. كان بالإمكان أن نصلي الفروض الخمس مع بعض في الليل أو الصبح لكن حكمة الله تبارك وتعالى كل هذه الحكم تندرج عند قوله تعالى ساعة سألت الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) رد المولى بمنتهى الإبداع البياني (إني أعلم ما لا تعلمون) هذه الآية تندرج تحتها الحكمة من خلق الإنسان. وهذا الخلق وضع له ضوابط من أول لحظة بل إن الخلق جاء على المنهج والضوابط كما في قوله تعالى (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة) التي هي (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الرحمن) وقلنا أن القرآن هنا ليس كتاب محمد صلى الله عليه وسلم وإنما مثال لكل منهج ومن عدالة هذا الإله الحق أنك تولد على منهج ولذلك قال (لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم) ولم يذكر فيمَ؟ في الأنساب، في السلطان؟ إذن التفاخر مطلق، هذه مسألة يقطعها القرآن بالقرآن. ثم في مسألة الأموال والأولاد قال (وتكاثر في الأموال والأولاد) قال (في الأموال) ولم يقل بالأموال. المقدم: في التفاخر قال تفاخر بـ والتكاثر قال (في) د. هداية: وتكاثر في الأموال لم يقل بالأموال يعني كأنك لو عندك مليار ستريدهم اثنان أنت لا تتفاخر بل تتكاثر والتكاثر هنا لأجل التفاخر أنت تستزيد ولو من حرام لأجل التباهي أنا عندي وأنا عندي. المقدم: هل تعتقد أن هذا الموضوع هو أحد أسباب تفسير ظاهرة أن كثيراً من الأغنياء لا يشبعون. كنا عندما نسمع كلمة مليون جنيه كنا نستغرب وبعد فترة صار هذا الرقم رقم صغير قد تشتري بها سيارة واحدة أو شقة واحدة، حتى المليار أصبح رقماً صغيراً. د. هداية: هذا من باب التكاثر. هذا الذي ذكرته هو فائدة ذكر كلمة (في الأموال). المقدم: دعني أكمل السؤال، صرنا نسمع أن شخصيات كبيرة ورجال أعمال وشركات عندهم كذا مليار والمليار رقم كبير جداً لو صرف منه كل يوم لا ينفذ ومع هذا تجدهم يريدون أن يحتكروا السوق أو يرفع أسعار السلع د. هداية: هذا التكاثر في الأموال. لو قال تكتثر بالأموال لكان المليون يكفي أو المليار يكفي لكن من عظمة الأداء البياني للقرآن أنه قال تكاثر في الأموال الرجل يعمل وسبق التفاخر التكاثر إبن الرجل الغني الفلاني سيتفاخر بأبيه الذي يعمل ويكسب وأنا أصرف، هذه حقائق قال القرآن عنها (تفاخر بينكم وتكاثر في الأموال) التكاثر هو الذي سيعمل تفاخر. المقدم: لذلك مجلة فوربس المشهورة تنزل ترتيب أغنى الأغنياء في العالم د. هداية: هؤلاء الذين يعملون في التكاثر للتفاخر في مثل هذه المجلة، هو يكثر في الأموال والمجلة تفاخر هذا الأداء القرآني يجب أن نقف اليوم مع أنفسنا ونحسبه أحدهم يقول لك نحن ليس عندنا شيء لكنه نقول له القرآن لم يترك شيئاً وقد ذكر هذا في سورة الفجر (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه) أكرمن هذه التكاثر (وأما إذا ابتلاه) يقول ليس عندي فعلى ماذا يحاسبني، الرد جاء من المولى تعالى على الاثنين (كلا). المقدم: هناك كلام كثير نسمعه ممن رزقهم قليل نوعاً ما يقارنون أنفسهم بالغرب الكفار الذين شوارعهم نظيفة وعندهم كل شيء هؤلاء أخذوا نصيبهم في الدنيا أما نحن فنتعذب في الدنيا لأجل الآخرة ثم يضعون أنفسهم في مقارنة ثانية مع الأغنياء من المسلمين فيقولون هؤلاء سيدخلون الجنة بعد مئات السنين أما نحن فسندخل مباشرة. د. هداية: هذا الكلام بمفهوم الناس وليس هناك أي حديث يثبت هذا الكلام ولذلك رد القرآن على الاثنين (كلا) لكن في موضع آخر قال (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) لا المال ولا عدمه. المقدم: إذن لو كان الفقير متقياً فهذا هو المطلوب ولو كان الغني متقياً فهذا هو المطلوب. د. هداية: والرزاق هو الله تبارك وتعالى ليس لنا نحن أي دخل في هذه المسألة. بعد ذلك قال (كمثل غيث) هذه التي تشرح أنه لا الأموال ولا الأولاد أنت لك فضل فيهم فعلى ماذا تتفاخر؟! المقدم: لم يتضح بعد لديّ الميزان الحساس ما هو الذي يجعل اللعب واللهو والزينة حلال أو حرام؟ هل هو نوعيتها أو طريقة أدائها أو الجرعة أو الوقت فمثلاً لو عندي شغلي له مواعيد من 8 إلى 5 أنا آخذ أجري على هذا فلو أنا حضرت إلى العمل الساعة 4 بعد أن ذهبت لحضور مباراة كرة أو السينما غيرها أو ذهبت إلى البيت لأنام في موعد العمل، لو نمت في البيت خارج مواعيد العمل هذا حلال لكن لو نمت خلال مواعيد العمل هذا حرام؟ د. هداية: مسألة السينما لا أريد أن أتطرق لها لأني أجدها حرام وليس لي علاقة بما يقوله غيري في هذه المسألة أنا أراى أن السينما لهو بيّن. مرجعيتي في كل أمر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات" أنا لن أتكلم في الحلال والحرام وإنما كل إنسان يحسب الحلال والحرام. المقدم: ما تقوله سوف يفسره الناس بشكل مغلوط بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إستفت قلبك وإن أفتوك" د. هداية: إستفت قلبك هذا بعد أن تسمع أكثر من فتوى من مفتي أو من عالم، أنت تستفتي قلبك على كلام علماء وليس بالهوى وإلا يندرج هذا التصرف تحت (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم) لا علماءهم لكن عندما أسمع علماء أفاضل ورأي أحدهم مغاير للآخرين أستفت قلبي وأختار بينهم لا على مرادي أنا أو هواي أنا في المسألة. المقدم: بعض العلماء قالوا أن الفن حلاله حلال وحرامه حرام إذا لم يكن هناك مشاهد فاضحة أو نساء عاريات وإنما يهدف لقيم فاضلة في المجتمع فلا بأس به، لو يعرض فيلم بوليسي يعلم الناس مكافحة الجريمة وكيف تحتاط لنفسها فلا بأس لكن أسأل ألا يمكن تعلم هذه المسألة من غير الفيلم؟ كلمة لا بأس تبين أنه ليس حراماً لكنه عادي لكن المهم أن لا تضيع وقتك فلا أترك عملي الذي آخذ عليه أجراً لأذهب إلى السينما وإلا سيكون المال الذي آخذه مقابل عملي حرام. الأمور تتداخل في بعضها وعلى الإنسان أن يُعمل قلبه. المقدم: ما الذي يجعل اللعب واللهو والزينة حراماً؟ د. هداية: اللعب يخص الأطفال لو رجل لعب أو امرأة فهذا حرام. لا نريد الخلط بين أمرين اللعب والمداعبة بين الزوج وزوجته هذا ليس لعباً. المقدم: أعطيك مثالاً: أنا رجل قطعت الأربعين عاماً ولست طفلاً بعد انتهاء العمل أردت أن أذهب للمارسة لعبة التنس التي أحبها فأقول أنا ذاهب لألعب التنس أو ذاهب للعب الكرة. د. هداية: هذا حلال ليس فيه شبهة حرام. المذكور في الآية اللعب الخاص بالأطفال الذي يجعلهم أناس تلهو بعد ذلك. يمكن بدل كلمة ألعب أن أستعمل كلمة أتريّض. المقدم: أنا أسأل هذه الأسئلة لأن الناس تستخدم هذه الألفاظ. مثلاً كلمة اللهو نحن نأخذ أطفالنا ونقول نحن ذاهبون إلى الملاهي ومدينة الملاهي. د. هداية: كم مرة تذهب إليها؟ المقدم: هناك من يذهب مرة في الأسبوع وهناك من يذهب مرة في الشهر وهناك من يذهب مرة في السنة وهناك من لا يذهب مطلقاً. د. هداية: المسألة هل الذهاب إلى الملاهي أصبح حاجة أو تسلية إذا أخذت ولدي إلى الملاهي ليلعب مع الأطفال لكن لا آخذه كل يوم فإذا أخذته كل يوم ستحوّل هذا الولد إلى إنسان متخصص في اللعب وتضييع الوقت. المقدم: إذن المقياس هو الجرعة. د. هداية: إذا قلت لابنك الذي عنده أربع سنوات أنه سيأخذه إلى الملاهي مرة كل أسبوع حصلت حادثة وفاة فعليك أن تعرّفه أن حادثة الوفاة أكبر من الذهاب إلى الملاهي وتعلّمه وهو صغير وهذا هو التعليم تعلَّمه أن يقدم واجب العزاء ويواسي الناس. أما الذي يقول لا، آخذه للملاهي لأن هذا اليوم يوم ذهابه وقد وعدته فيكبر ليصبح إنساناً لا يقدر المواقف ولا يتحمل المسؤولية ولذلك القرآن لا يعرض الموضوع صدفة (أنما الحياة الدنيا لعب ولهو) يجب أن نسأل أنفسنا من أين جاء اللهو؟ لهو الرجال والشباب والنساء جاء من عدم تقنين اللعب وهم صغار والجرعة لم تقنن والوقت لم يكن صحيحاً. ذكرنا سابقاً أن مواقيت الصلاة مهمة لأمثلة كثيرة جداً والعامة من الناس يقولون أمثلة جميلة منه "كل وقت وله أذان" هذا مثل شعبي لازم معناه أن الذي ينفع الآن لا ينفع بعد قليل والذي ينفع اليوم قد لا ينفع غداً. المقدم: هل يمكن أن تقول كلمتين للناس الذي نسمعهم دائماً يقولون أصل العمل عبادة وظروف عملنا لا تسمح لنا أن نصلي إلا الخمس صلوات مع بعض عندما يعودون للبيت. د. هداية: نقول لهؤلاء آية في كتاب الله تعالى (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً) كتاباً أي واحداً وموقوتاً. وهذه النقطة بُحّ صوتنا ونحن نتكلم عنها وقلنا هذه الآية شرحها سهل (إن الصلاة كانت) كانت هنا من الكينونة من الفريضة، كانت على المؤمنين ولم يقل على المسلمين مع أنها فرض من الأركان الخمسة للإسلام وليس للإيمان لكن التعبير القرآني أن الذي سيؤمن بهذا الكلام سيطبقه فهذا هو التطبيق ولذلك نعود لحديث جبريل مع الرسول صلى الله عليه وسلم أرسله الله تبارك وتعالى حتى يعلمنا لأن الصحابة قعدوا عن هذه الأسئلة في وقت كانوا أحوج ما يكون للتعلّم فيه. موضوع جديد والإسلام والإيمان والإحسان والتقوى هذه المسائل لم تكن واضحة فيرسل الله تعالى جبريل عليه السلام ليسأل الرسول صلى الله عليه وسلم أمام الصحابة لأن الصحابة سيتعلمون وينقلون لنا هذا العلم لذا يجب أن ننتبه لهذا الحديث، جبريل أرسله الله تبارك وتعالى على هيئة بشر وليس على هيئة ملك وجلس بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له أخبرني عن الإسلام، عن الإيمان، عن الإحسان. ورد الرسول صلى الله عليه وسلم. لما جاء الإسلام أخذ الأركان وعملها منطق يعني "أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وأن تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا" هذا حديث الأعمال وهو غير حديث الأركان لما نضع الحديثين مقابل بعض تجد أنه قدّم الصوم على الحج في حديث الأعمال لأننا عادة نؤخر الحج في التطبيق حتى يبلغ المسلم ويصبح عنده مال وفي حديث الأركان قدّم الحج على الصوم "أخبرني عن الإيمان، قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر" لم يقل أن تؤمن بالدنيا لأنك أنت تعيشها وستلعب وتلهو وتأخذ فيها حقك فهذه ليس فيها إيمان وإنما جاء باليوم الآخر الذي عليه يبكي العارِف. المقدم: هل انتبهت لهاتني الكلمتين (اليوم الآخِر) جاء في ذهني كأن هذا اليوم نهاية الزمان لكن المفترض أنه بعد اليوم الآخر الذي هو الساعة ويوم القيامة والبعث والحساب، بعد الحساب هناك جزاء وفريقان فريق في الجنة وفريق في النار يعني يحيون حياة، فهل هذه الحياة لأنه كُتب فيها الخلود فتوقف فيها الزمن وبيس فيها أيام؟ ولن تسأل في الجنة ما هو اليوم؟ الاثنين أو الأربعاء أو الخميس. د. هداية: أنت لن تعدّ. اليوم الآخر آخر أيام حساب أنت تعد فيها فجر يطلع فيكون يوماً جديداً. سابقاً قلنا أدخِلأ إنساناً في غرفة مظلمة وليس فيها شبابيك واتركه عشرة أيام فلا يمكن له أن يحسب عدد الأيام لأنه لم يحصل عليه تعاقب ليل ونهار، هكذا الآخرة ليس فيها عدّ ولذلك قال تعالى (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) لم يقل لهي الحياة وفي الدنيا وصفها (الحياة الدنيا) لأن هناك حيوان إذن الحياة مقسومة إلى قسمين إما حياة دنيا أو حيوان. ما معنى حيوان؟ معناها من كلام يقوله المحتضر (يا ليتني قدمت لحياتي) لو قلت له حياتك فاتت فيقول لك الحياة التي فاتت لم يكن لها فائدة وإنما الحياة الحقيقية في الآخرة ولذلك عبر عنها (يا ليتني قدمت لحياتي) وقال قدّمت. قال تعالى (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) رب العالمين عجل له فيه ولم يقل من كان يريد العاجلة فليأخذها لأنه لو فكرنا فيها بتدبر نجد أن المولى تعالى أعطانا إياها من ساعة ما قال آدم. قال عجلنا ولم يقل سنعطيه إياها عطاء عادياً طالما هو يريد العاجلة سنعجل له فيها. لكن علينا أن ننتبه لنقطة (عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) يعني الذي يقول هذا يعيش الدنيا بالطول وبالعرض قل له هذا عبيط! عجلنا له فيها ليس على مراده هو وإنما على مراد الله. والذي يخرج عن الإيمان وعن التقوى إلى ملاهي ومعازف ويقول عش حياتك وعندما تنتهي حياته يقول (يا ليتني قدمت لحياتي) والذي يحافظ على الصلوات ومواقيتها والعمل يقولون هذا حابس نفسه هذا عندما تلتقيان في الآخرة تسمع قصة جميلة بين واحد أخذ النعيم الحقيقي الذي كان يبكي عليه العارف والآخر يقول انظرونا نقتبس من نوركم والمنطق غبي لأن هذا أساساً منافق. المقدم: جزاكم الله كل خير وبارك الله فيك ونذكر بموضوع الصلاة وإن شاء الله بعد انتهاء حلقات التوبة سنفي بوعدنا ونبدأ حلقات عن الصلاة. هناك بلاد كثيرة وأعمال وشركات كثيرة بنوا مصانع ووقت الصلاة يقف العمل عشر دقائق والمحلات تقف ويضعون لافتة مغلق للصلاة أو لا بارك الله في عمل ينهي عن الصلاة وهذا لم يخرب المصانع ولا تعطلت بل بالعكس لأنه (من يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب). د. هداية: لو توقف الناس ربع ساعة لكل صلاة لو ضربناها في خمسة يعني ساعة وربع في 24 ساعة يعني ليست هي مسألة كبيرة. المقدم: من المعاني الجميلة التي أحب أن أتوقف عندها مسألة (يا ليتني قدمت لحياتي) الذي يشتري شقة في مصيف أو شاليه بالتقسيط يفرح به كثيراً وتكونظروفه المادية ضيقة لكن كل فترة يجمع بعض المال ليشتري بعض الفرش للشقة، يمكن أن لا يعيش هذا الإنسان ليسكن في هذه الشقة بعد أن تكتمل لكن المفروض إيماناً ويقيناً وعقائدياً أن المكان الذي يجب أن نفرشه ونحن ذاهبون إليه هو مكاننا في الجنة فماذا تريد أن تفرشه وما نوعية الكماليات التي تريدها هناك وما أرسلت له؟ د. هداية: هذه بقية الآية (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن) المقدم: هذه الآية وحدها تحتاج لشرح لكن أحببت أن ألخص لننطلق في اللقاء القادم في الشرح والتفسير. جزاكم الله كل خير ونراكم على خير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 27/1/2009م |
التوبة والاستغفار 96 تقديم علاء بسيوني المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. لقاء جديد في طريق الهداية. في ارتحالنا مع القرآن الكريم هي ليست رحلة وإنما ارتحال من مكان إلى مكان ومن معنى إلى معنى ومن آية إلى آية لأن القرآن يشرح بعضه بعضاً والآيات كلها تسلِّم المفاهيم لبعضها ثم إلى العقل البشري ومن العقل إلى القلب إلى الفؤاد إلى العقيدة إلى اليقين إلى عمل صالح بفضل الله يؤدي إلى الإحسان ويؤدي إلى الجنة بفضل الله ورحمته. تكلمنا في سورة الحديد عن موضوع اللعب واللهو والزينة وسألنا ما هو الميزان الحساس لمعرفة ما الذي يجعل هذه الأمور حلالاً أو حراماً؟ هل الوقت أو الطريقة أو الجرعة؟ أو كلها مع بعض؟. ثم اتفقنا أن مسألة أنت كيف تنظر إلى الدنيا؟ قلنا أنها وُصفت بالدنيا لأنها مرتبة أدنى لكن الحياة الآخرة هي الحيوان صيغة الامتلاء على وزن فعلان مثل رحمان. قلنا أن بعض الناس مستعجلة جداً وعقيدتها ليست سليمة وتفهم أن متع الدنيا كلها والمباهج التي فيها هي منتهى المُراد وهناك من يقول ليس هناك آخرة ولا حساب ولا جنة ولا نار ولا ربّ هؤلاء ملحدين والبعض يقول هناك إله لكنه رحيم غفور، هؤلاء يفكرون فيما بين أيديهم أما مسألة الجنة أو النار فهذه مسائل لا يعرفونها وإنما يريدون المال والسيارات وغيرها! وقفنا عند الآية (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) الإسراء) لكل واحد من هؤلاء مشوار وطريق ونحن نريد أن نكون في طريق الهداية من الصنف الذي يريد الآخرة.كنا في اللقاء السابق في سورة الحديد وانتقلنا إلى سورة الإسراء. (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) الإسراء). أريد أن أسأل أولاً ما علاقة الآية الأخيرة (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)) بما قبلها؟ بعد أن تكلم تعالى عن العطاء والدنيا والآخرة ثم تكلم عن مسألة الشرك؟ د. هداية: العقيدة والتوحيد. كأن المولى تعالى يريد أن يخبرنا أن كل ما سبق لو أردت أن تعمله بشكل صحيح لا تجعل مع الله إلهاً آخر وإلا ستظلم نفسك. المقدم: سؤال آخر المقصود هنا (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)) أنك لا تقول أن هناك مع الله إلهاً آخر اسمه كذا أو أن من هواك يكون إلهاً، أن فلان الفلاني يكون إلهك كمديرك أو الحاكم أو الرياء أو المصلحة الشخصية أو أهواءك. إذن هذه الآية وردت هنا لتؤكد على مسألة العقيدة. المقدم: يقول تعالى (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)) ألا تخدم هذه الآية معنى الآيات في سورة الحديد في مسألة التفاخر؟ د. هداية: التفاخر أو الأشياء التي لم تعملها أنت تتفاخر بعطاء الله سواء كان هكذا أو هكذا الاثنان من عطاء الله وسنشرحها. المقدم: كما أن الناس تحب أن تتفاخر في الدنيا يجب أن يعلموا أن التفاخر الحقيقي الدائم هو التفاخر في الآخرة. د. هداية: وأهل الجنة ليس عندهم هذه المسألة وإنما يقولون (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) لا يقولون نحن عملنا لكن في الدنيا الإنسان يتفاخر ويقول أنا عملت! في الجنة ينسبون العمل لله ولولا عطاء الله لما عملوا. المقدم: ما هي كلمة السر التي جعلت هؤلاء في الآخرة لا يتفاخرون؟ الناس في الدنيا يقولون فلان يأخذ راتباً أكثر من راتبي وفلان عنده أولاد! في الدنيا حتى من الناس الصالحين من يقول فلان عنده أكثر مني د. هداية: لا، هؤلاء لا يكونوا من الصالحين، بمجرد أنه نظر في رزق فلان فهو ليس من الصالحين. أهل الجنة أقلّ مما تتخيل وتحتاج إلى شغل وعمل بلا نوم ولا كسل ولا يقال إفعل ما تشاء والله غفور رحيم، كل هذا ليس دأب أهل الجنة إنما دأب أهل الجنة ما قاله الصديق رضي الله عنه إن صحّ هذا الحديث "أنا لا أمن مكر ربي ولو كانت إحدى قدماي في الجنة" هذا يعمل 24 ساعة بالعقيدة السليمة. المقدم: يعني هل مسألة التفضيل في الجنة لن يكون هناك حقد أو حسد بسبب قوله تعالى (ونزعنا ما في قلوبهم من غل إخواناً متقابلين) د. هداية: أصل المسألة أن (نزعنا) ليست في ذلك الوقت ولكن تعني نزعنا منذ البداية. المقدم: هذا موضوع يحتاج إلى تفسير، القصة التي قالت أن جبريل عليه السلام نزل وشق صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخرج من قلبه نكتة سوداء وقال هذا حظُّ الشيطان منك، هل إذا أُخرجت هذه النكتة السوداء يصبح قلب الإنسان سليماً وليس للشيطان تأثير عليه ولا يكون فيه غلّ؟ د. هداية: الرسول صلى الله عليه وسلم جاء جبريل عليه السلام وأخرج هذه النكتة منه فمن يُخرجها من قلبي وقلبك؟ المقدم: تذكرت مسألة حصلت معي وأنا في سن الرابعة عندما سمعت هذه القصة أول مرة تمنيت أن تحصل معي أنا لأن هذا فضل كبير وفكرت في الموضوع هذا وتمنيت أن لا يأتيني الشيطان أبداً وصرت أبكي إلى أن غلبني النوم ولا أذكر ماذا رأيت حينها لكني أتذكر أن هذا الموضوع استوقفني وهانحن بعد أكثر من أربعين سنة نتكلم في نفس الموضوع. إشرح لي هذه المسألة طالما أن جبريل لم يفتح لي قلبي ولم يأخذ هذه النكتة السوداء التي فيه هل يمكن أن أفعل هذا أنا لنفسي؟ د. هداية: يجب أن نعملها لأنفسنا، الآية في سورة الإسراء تشرح آية سورة الحديد. والضمائر في هذه الآية لها دور مهم جداً في التدبر (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)) الإرادة هنا الفاعل في (يريد) يعود على الإنسان (عجلنا له فيها) الفاعل هو الله تعالى ويستمر في الآية (ما نشاء لمن نريد) (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا) مذموماً مدحوراً الإنسان ليس الفاعل فيها يعني تتوقف إرادة الإنسان الخارج عن مراد الله تبارك وتعالى وعن ما طلبه الله تبارك وتعالى وأذكّر المشاهدين بقوله تعالى (إعلموا) إعلموا كما أقول لك إعلم يا علاء وأسكت ستسألني ماذا أعمل؟ الدور سيأتي عليك بعدما أقول، المنهج جاء والقرآن موجود ولكن نحن الذين قصّرنا، ولذلك القرآن في الإسراء حسم الموضوع بطريقة مبدعةقال (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)) هو عليه أن يريد، ما الذي يحصل؟ يعطيه العاجلة لكن الآخرة جهنم، هذا إذا وصل إلى جهنم لن يكون له حق أن يتكلم لأنه هو الذي أراد وطلب. هو عليه الإرادة والطلب فقط. والصنف الآخر (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)) أين الفاعل هنا؟ هذا أراد وهذا أراد، واحد أراد ولم يعمل شيئاً في العطاء بل عمل ضد المنهج ولذلك الآية الأخرى تقول (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)) واحد يقول عندما يذهب فلان إلى الخمّارة فهل هذا من عطاء الله؟! ألم يطلب هو؟ هذا ليس عطاء الله بفعل الله وإنما عطاء الله بطلب البشر. المقدم: الإنسان عندما يذهب الخمّارة ويتفرج على الراقصات وغيره يعتقد أن هذا شيء جميل. د. هداية: آية الحديد (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)) تتكلم عن تحقير الحياة الدنيا وأنها لا تستأهل منك كل الذي تفعله ولذلك هنا في سورة الإسراء قال (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)) ثم قال (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)) هذه الآية تذكِّرنا (وسعى لها سعيها) من الذي سعى. هو أم قريبه بعد أن يموت هو؟! ولذلك (وسعى لها سعيها) تذكرني بعقيدة التوحيد والعمل (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) لم يقل إلا ما أراد. علينا أن نتوقف هنا لأن الآيات تكمل بعضها. (وسعى لها سعيها وهو مؤمن) هناك لم يكن هناك شروط (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) لم يذكر شروط لكن طريق الجنة يحتاج إلى متطلبات يجب أن تسعى لها سعيها وأنت مؤمن. الإيمان هنا يعني العقيدة، هذه ليست درجة الإيمان بعد الإسلام وقبل التقوى وإنما الإيمان هنا كلمة أطلقت وأريد بها العقيدة بعدها قال (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)) هذه العقيدة. المقدم: لدي سؤال كلما تنفجر أحداث مثل أحداث العراق وفلسطين في مسألة تحقير آيات القرآن للكريم للمسائل التي يراها الإنسان مهمة فمثلاً في سورة التوبة (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)) ما معنى تربصوا؟ المقدم: وقفنا عند مسألة مهمة وهي أن الأشياء التي تعجب الناس في الدنيا هي أمور غير مهمة وليس لها نفس الأهميو وهذا الزهو الذي فُتن به الناس، هذا الكلام موجود في سورة الحديد في قوله تعالى (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)) هذه الأشياء ليست مهمة فلا تغتروا بها بل المهم الآخرة ثم انتقلنا إلى سورة التوبة (قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)) لو طبقنا هذه الآية على واقعنا اليوم كل واحد لما تمر عليه أزمة في حياته لا نتكلم عن الجهاد في فلسطين أو نصرة إخواننا في العراق وإنما أتكلم عن مسألة أن تنصر ربك ومنهجه في نفسك وفي عملك هل ستشهد زور على أحد؟ أو أي سيئة فتقول إنهم سيقطعون رزقي وعندي عيال يجب أن أربيها! أو أن تترك الظالم على ظلمه أو أن ترى المنكر ولا تصححه مع أن أهم ملمحين في الأمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. د. هداية: خيرية هذه الأمة (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (110) آل عمران). المقدم: هذه الآية هل تتكلم عن واقعنا اليوم أو عن واقع كل أمة لم تنصر الله في شغلها أو في الجهاد؟ د. هداية: واقع كل أمة لم تنصر منهج الله تبارك وتعالى على مراد الشيطان والنفس. دعنا نتأمل أي أمر يخطر على بالي أو بالك أو بال أي أحد يكون فيه أحد أمرين إما تنصر الله أو تنصر الشيطان والنفس، هذه الحكاية تظهر عندما تعرض أية فكرة يكون فيها إما تنصر الله أو تنصر الشيطان والنفس ولذلك مسألة الجزاء والحساب سُمي في القرآن يوم الدين. ما معنى يوم الدين؟ ألفاظ القرآن ليس فيها صدفة مثلاً يقول تعالى (وليطوّفوا بالبيت العتيق) فيقولون العتيق يعني القديم لكن الله تعالى لم يقل القديم ولا ينفع أن نضع هذه مكان تلك هذا مستحيل في القرآن ويمكننا إثباته في أكثر من كلمة. لذلك يجب أن نعلِّم أولادنا الفرق بين معنى الكلمة ومرادها، العتيق يعني القديم لكن في الاية البيت عتيق لا لأنه قديم ولكن لأن الله تعالى يعتق فيه من جاءه مخلصاً، إذن الكلمة عتيق تأخذ معنى القِدَم وتأخذ معنى العتق. (مالك يوم الدين) كان يمكن أن يقول مالك يوم الجزاء أو يوم الحساب أو أي لفظ آخر لكن قال الدين لأن الدين كما يقول أهل اللغة من المشترك اللفظي ويأتي بأكثر من معنى فيأتي بمعنى الجزاء والشرع والديانة، لكن لماذا قال الدين؟ لأن هذا اليوم الذي سيظهر فيه قيمة الدين، هل قبلته أو رفضته؟ لذلك قال تعالى (الحمد لله رب العالمين) صفاته (الرحمن الرحيم) أهم شيء بعد صفات الكمال هذه (مالك يوم الدين) فإذا أردت أن تبتعد عن معصية عليك أن تتذكر هذه الكلمة (مالك يوم الدين) ونذكركم أيضاً باختلاف القراءات في هذه الآية هناك قراءة (مالك يوم الدين) وقراءة (ملك يوم الدين) أيها نأخذ؟ الاختيار في منتهى الإبداع لما تختار القراءة، قد يختار أحدهم (ملِك يوم الدين) لأن الملِك يتعدى ملكه إلى ملكك، فالملك يملك حاجته ويتعدى ملكه لكل رعيته وكل مملوك، هذا الملِك، فقد يكون عندك قطعة أرض ويأتي الملك ويؤممها لك فماذا تفعل؟ إنما المالك لا يملك إلا حاجته، إذا وقّعنا هذا الكلام على الله سبحانه وتعالى تجد أن مالك يوم الدين أفضل من ملك يوم الدين. المقدم: لأن كل ما في الوجود مِلكٌ لله. د. هداية: أيهما أقوى بعيداً عن الله تعالى ملك أو مالك؟ المقدم: كلُغة، ملك أقوى. د. هداية: إذا خيّرتك أيها تريد أن تكون ملك أو مالك؟ تقول ملك حتى يكون كل شيء لي لكن إذا وقّعناها على الله عز وجل تكون مالك أقوى لأنه في ذلك اليوم لن ينازعه أحد. لأنك لما تسلِّم له هذا قمة توقيع معنى العبودية (إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ (11) العاديات) هل هو خبير بهم فقط في هذا اليوم؟ أليس خبيراً بهم في غير هذا اليوم؟! هو سبحانه خبير بهم دائماً لكن الآية معناها أنه حتى الذي كفر بالله لن يتمكن من الكلام بل وسيسلِّم لله تعالى أنه هو الخبير ألم يصفهم الله تعالى بقوله (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (12) السجدة) يطلبون من الله تعالى أن يعيدهم ليعملوا صالحاً، لكن الآية لها توقيع آخر (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (100) المؤمنون) ألا زلت تتمنى؟! هذا نطق بالحق وهذا نطق بالحق (إنا موقنون) هذا كاذب لأن اليقين لا يكون أبداً رأي العين. لا تقول أنا على يقين أن هذا فنجان مثلاً لأن هذا الأمر لا يحتاج إلى يقين ليس مع العين أين إنما أنا على يقين أن الله واحد وعلى يقين أن محمداً صلى الله عليه وسلم، اليقين بالغيبيات ولذلك أول سورة البقرة (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) عندما قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) أول توصيف للمتقين (الذين يؤمنون بالغيب) هؤلاء الموقنون. أسأل سؤالاً من هو المتأكد مائة في المائة أن هناك آخرة؟ مسألة الإيمان باليقين بالغيب تبدأ من مرحلة الظن لا من مرحلة اليقين، الذي أخذ كتابه بيمينه سيقول (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) الحاقة) لم يقل إني علمت أني ملاق حسابيه، أنا لا أعمل من مرحلة اليقين وإنما من مرحلة الظن. هناك أربع درجات للإدراك العلم وهو إدراك اليقين عندما أقول أنا علمت القضية يعني قرأتها كلها واستوعبتها وفهمتها العلم إدراك اليقين ونسبة العلم هنا مائة في المائة، الظنّ إدراك الطرف الراجح، الوهم إدراك الطرف المرجوح، الشك تساوي الطرفين. هناك قضية ما وهناك أربعة أشخاص أحدهم احتضن القضية مائة في المائة فهو يعلمها، وشخص آخر يعلم القضية 60 في المائة وليس لديه فكرة عن 40 في المائة منها فهذا ظانّ، وآخر 60 في المائة جهل و40 في المائة علم هذا واهم وآخر 50 في المائة علم و50 في المائة جهل هذا شاكّ، بعض العلماء وضعوا الجهل مع هذه التصنيفات لكن نقول له الجهل ليس درجة علم. أرسل لي أحدهم مرة يقول أننا نسينا الجهل لكننا لم ننسه وإنما الناس أخطأت فالجهل ليس درجة علم بل هو صفر في المائة علم. البعض قسّم درجات الإدراك إلى خمسة أقسام: العلم والظن والوهم والشك والجهل، يجب أن يخرج الجهل خارج التقسيمات أننا نتكلم عن الإدراك والإحاطة، باقي التقسيمات الأربعة كلها فيها درجات علم (100%، 60%، 40%، 50%) لكن الجهل ليس فيه علم مطلقاً. العلم إذن إدراك اليقين والظن إدراك الطرف الراجح وهو أقرب نسبة للعلم والوهم إدراك الطرف المرجوح والشكّ تساوي الطرفين. الظانّ أعلى من الشاكّ لذا جاء في الآية (إني ظننت أني ملاق حسابيه) لها معنيان: وهو في حضرة علاّم الغيوب لا يمكنه أن يقول إني علمت أني ملاق حسابيه هذا عيب، لأن علمه كله هو بفضل الله تبارك وتعالى، والمعنى الآخر أنه هو بدأ يتحرك لليقين من نسبة 51% المقدم: لكنه لم ينل الجنة إلا بعد أن وصل إلى مائة في المائة لأن القرآن الكريم يقول (إن الظن لا يغني عن الحق شيئاً) د. هداية: لكنه هو تحرك من نسبة 51% وهذا الذي سيأتيك ويقول لك أن واثق أن هناك آخرة في مسألة (الذين يؤمنون بالغيب) لأن الكلمة لما نفلسفها هذا غيب فكيف تؤمن به؟ الصدّيق كيف صدّق قصة الإسراء؟ لو صدّقنا كلام الصدّيق نعرف معنى (يؤمنون بالغيب) لما سألوه لماذا تصدق محمداً صلى الله عليه وسلم؟ قال لهم أنا أصدّقه وهو يأتي بخبر السماء وهو غيب فسأكون رجلاً غير صادق إن كذّبته في مسألة الإسراء والقرآن الكريم قال في هذه الحادثة (سبحان الذي أسرى) الصديق قال الكلام هو الذي أصاب كبد الحقيقة لأن محمداً صلى الله عليه وسلم أُسري به والذي أسرى لم يقل سبِّحوا الذي أسرى وإنما (سبحان الذي أسرى) أنت في هذه المسألة لن تعرف أن تُسبِّحه. إذن الإيمان بالغيب نأخذه قال الله وقال رسول الله ولا تجتهد أنت ولذلك لما جاءت الآية علّقت على الذي يرفض القرآن أو يرفض المنهج ويعمل على هواه قال (بل اتّبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) لأنه لا يمكن أن يكون هناك علم في الأهواء ولكل واحد هواه فالهوى لا يمكن أن يكون عن علم ولا عن منهج ولا عن استراتيجية ولا غيره. فترى الذي يتّبع هواه كل مرة يتصرف على شكل، لكن المنهج من السماء المُتقي تعريفه ثابت وأهل الصلاح تعريفهم ثابت أهل الجنة تعريفهم ثابت وأهل النار تعريفهم ثابت القضية في التلقّي أنا أتلقى القرآن لما أسمع مثلاً (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)) الإنسان المؤمن يقول سبحان الله كله من عطاء الله بينما آخر يقول لك هل تقول لي أن الله قال لواحد إذهب إلى الخمّارة؟! المقدم: ربنا سبحانه وتعالى يؤكد في آخر الآية (وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) د. هداية: (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ) أنت ماذا تريد؟ هل تريد الخير أو الشر؟ (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) الشمس) الفاعل يعود للمولى عز وجل ثم قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)) الجزاء في الآخرة متوقف على اختيار الإنسان. المقدم: هناك صنفان في غاية السهولة أنت تريد الخير وفاهم الخير بشكل صحيح أن تعيش في الدنيا بالحلال د. هداية: أذكرك بآية (يا ليتني قدمت لحياتي) المقدم: إذا كنت تريد الآخرة وسعيت لها سعيها وأنت مؤمن فالله تعالى سيعطيك الآخرة والصنف الآخر الذي يريد العاجلة ينقسم إلى صنفين صنف يعرف أن المخدرات حرام والسجائر حرام والاحتكار حرام ويقول أنا أريد الدنيا يكون هو الذي اختار، والبعض يكون قاتل مأجور ولما تقول له هذا حرام يقول لك أنا نصيبي هكذا وهذا شغلي هذا يعرف أن الشر شر ويأخذه هذا ربنا يهديه ويهدينا أجمعين، وصنف آخر الذي يريد العاجلة لكنه يرى في العاجلة خير وغرّته الدنيا ولا يريدها من حرام إنما يريد أن يرزقه الله تعالى الملايين من حلال ويريد أن يكون لديه أولاد بالحلال لكنه يريد دنيا وكل ما يشغله هو الدنيا ولو أصاب تجارته شيء تجده مهموماً وقد يصاب بالذبحة، هذا لا ينوي الشر إنما يريد الدنيا وهو يقول ربنا طلب منا أن نجتهد وأنا أجتهد وتجده كل وقته في العمل وقلبه مشغول بهذه المسألة. هل هناك شيء ناقص جعلت هذا الشخص يغترّ بالدنيا فتشغله بحيث لم يعد عنده وقت للتفكير في الآخرة؟ المقدم: هناك من يريد الآخرة ولا يريد شيئاً من الدنيا وإنما يسعى للآخرة سعيها وهناك صنف يعرف الشر ويعرف الحرام ويعمله ويريد أن يعيش الدنيا نسأل الله له الهداية لكن هناك صنف آخر يريد العاجلة لكنه لا يرى فيها شراً وإنما يرى الخير والرزق والأموال والمزارع هذه مُتَع حلال لم يحرمها الله تعالى، هو يعمل ويجتهد ويجمع أموالاً من حلال وربنا وفقه لكنه ابتدأ هذا الموضوع يشغله لدرجة أنه نسي الآخرة ولم يعد عنده وقت للطاعة ولا الصلاة في وقتها ولا الذِكر، هل هناك عملية استغراق أو عملية تزيين أو زيادة في الجرعة بحيث أنه لم يعد يتذكر الآخرة؟ د. هداية: نقف عند سؤالك الأول أن كل الذي عنده حلال لكنه كلها مُتَع، هو يستمتع بماله ويسكن في فيللا ويسافر إلى بلدان مختلفة ويصرف كل هذه أشياء له، أسألك سؤالاً: هل يؤدي ما عليه من التوحيد والعقيدة السليمة وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام؟ المقدم: هو يُخرج الزكاة لكنه لا يفكر إلا بعمله د. هداية: أنت تقول أمراً خطيراً تقول أنه لم يعد يفكر في الآخرة، هل هو يُصلّي أو لا يصلّي؟ المقدم: إذا كان لا يصلّي فقد حُسم الأمر د. هداية: لو كان يتمتع بالدنيا ويؤدي كل الذي عليه من واجبات وطاعات فهو في درجة جيدة في الجنة لكن هناك درجة أحسن. المقدم: هل الأحسن هو الذي يزهد في الدنيا؟ د. هداية: الذي يتزهّد فيها لأننا نستعمل الكلمة خطأ (يزهد). يتزهّد يعني أنا قادر أن أسكن في قصر مثلاً لكن أقول يكفيني شقة جيدة في مكان جيد والفرق للصدقات لكنه سيكون الفرق لي في الآخرة. سؤالك واسئلتي يحلهما الآيتان اللتان معنا (من كان يريد العاجلة) هذا أراد العاجلة والثاني (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن) بماذا سعى لها. سعى لها في الدنيا لكنه لم يريدها، أنا أعيش في الدنيا لكني لا أحتاجها، فرق بين الذي يريد الدنيا ويقول لك أنا أريد الدنيا وأعمل الذي عليّ من طاعات هذه قلة أدب مع المولى عز وجل لأن المسألة ليست هكذا، هل ينفع أن أصلي الظهر مثلاً فأقول لله تعالى ليس لك عليّ شيء من الآن إلى العصر؟! المقدم: إن حياتي كلها وصلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. د. هداية: انظر كيف كان يفتتح الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أُمرت وأنا من المسلمين) في الدعاء وفي الآية (وأنا أول المسلمين) أنا لست لنفسي وأنا في الصلاة، فصلاتي أنا ونسكي أنا ومحياي ومماتي أنا ليس لي ولا للدنيا وإنما لله رب العالمين. لو ركزنا في هاتين الآيتين سنحل مسائل كثيرة عالقة عند المشاهدين (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) هذا أرادها ولم يعشها العاجلة هي منتهى أمله. المقدم: هذه مثل المثل الشعبي الذي يقول (الدنيا في قلبه) لكن هناك من يقول الدنيا ليست في قلبي وإنما في يدي. د. هداية: تماماً وهناك دعاء بهذا المعنى "اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا" "اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا" في أيدينا لأنه من يريد الآخرة ويسعى لها سعيها سيسعى في الدنيا لكنه لا يريدها، نأخذ المحتاج والغني سبيلاً للآخرة. لما يسألك المولى تعالى هل زرت هذا المريض؟ يقول لك لو عُدته لوجدتني عنده، يعني وأنت ذاهب لزيارة المريض أنت ذاهب لله تبارك وتعالى. نضع الآيتين في سطرين تحت بعض: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)) هذان نقيضان، الذي أراد العاجلة وصارت في قلبه استمتع ولم يترك شيئاً إلا وعمله والذي أريد أن أؤكد عليه هو إياك أن تقول أن أحدهم سيبدأ ممن أراد العاجلة وينتهي مع من أراد الآخرة. المقدم: هل من الممكن أن أحدهم تغرّه الدنيا وهو شاب صغير ثم عندما يصل إلى الخمسين مثلاً يهدأ ويتذكر ويتوقف ويقول ماذا فعلت خلال السنوات الماضية؟! وراجع نفسه وتاب الله تعالى عليه وعاد يذكر الله تعالى د. هداية: على ماذا مات هذا الرجل؟ مات على توبة، قلنا في أول حلقة في حديثنا عن التوبة أن كونك تعيش لغاية أن تقول تبت إلى الله هذه في حد ذاتها فضل من الله، هذه مسألة تحتاج إلى الحمد في حد ذاتها أنني عشت إلى تبت ولم يأت أجلي قبل التوبة. طالما أفاق الإنسان وقال تُبت إلى الله ورجعت إلى الله هذا فضل من الله يسوجب الحمد في حد ذاته. المقدم: ذكّرتني بسؤال صعب جداً سألني إياه أحدهم. واحد انتحر المفروض أن الحكم واحد أن هذا مصيره في النار لأنه قتل نفسه، واحد تعرض لنفس الضغوط النفسية وقرر ينتحر وانتحر فعلاً لكنه وهو ينتحر هناك وسائل انتحار تجعل المنتحر يموت فوراً مثل شرب السُّم أو رصاصة في الرأس وهناك رجل انتحر ويئس من رحمة الله وانتحر بإشعال النار في جسده لكن الناس نقلوه بسرعة إلى المستشفى حتى ينقذوه فأنقذوه وأفاق لمدة نصف ساعة وراجع نفسه فيما فعله من معصية وطلب من الله تعالى الصفح وتاب ثم مات فما وضعه؟ د. هداية: هذا تاب إلى الله، هذه يقاس عليها توبة العاجز التي انقسم عليها العلماء إلى فريقين فريق قال لا توبة للعاجز وفريق قال التوبة توبة للعاجز وغير العاجز. أقول للفريق الذي يقول لا توبة للعاجز أنهم يتكلمون بجهل لأننا في هذه النقطة كلنا جهلة لأن العليم الأوحد في هذا الموضوع هو الله تبارك وتعالى ليس فقط يعلم متى يموت هذا الشخص وإنما عليم - كما ذكرنا سابقاً – مناط عِلم الله أنه سبحانه وتعالى علِم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، توبة العاجز تُقبل ونحن مع هذا الفريق الذي يقول أن توبة العاجز تُقبل بإذن الله بعِلم الله فهذا العاجز لو عاش هل كان سيتوب أو سيبقى على ما هو عليه هذا بعِلم الله تبارك وتعالى ولذلك لا يمكنني أنا أن أقول أنه ليس له توبة. بدليل فرِّق بين الذي انتحر ومات فوراً والذي انتحر ثم أفاق لنصف ساعة، ما الفرق في عطاء ربنا لهما؟ المقدم: أن هذا ربنا أمهله وهذا لم يمهله. د. هداية: لأنه سبحانه وسبق في علمه أن الأول لا فائدة منه وأما الثاني ففيه فائدة, والله تبارك وتعالى لا يظلم أحداً لذا علينا أن نسلِّم لله تبارك وتعالى بما قضاه وما قدّره وهذا عين قضية القضاء والقدر. القضاء والقدر عبارة عن أنك تسلِّم لما أراده الله تبارك وتعالى لا أن تستسلم. هناك فرق بين أسلِّم لما قضاه أو أستسلم لما قضاه الله فيقول أحدهم أنا لن أعمل طالما أن الله قضى عليّ الفقر أو الذل. القضاء والقدر الشطارة أنني أسلِّم. ولهذا الرجل في قمة الإيمان إسمه مسلم الذي هو مسلِّم لوجه الله تعالى بعد أن تدرج من الإسلام إلى الإيمان إلى التقوى إلى الإحسان ثم إسلام الوجه لله تبارك وتعالى التي هي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) آل عمران) قال مسلمون لم يقل مؤمنون ولا محسنون ولا متّقون إذن إسلام الوجه لله هي أعلى درجات الإسلام كدين وديانة وشرع. المقدم: جزاكم الله كل خير. وإن شاء الله تعالى في الحلقة القادمة نوضح للناس بأمثلة تطبيقية كيف يكونوا من الصنف الثاني ((وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)) لأن هناك كثيرين يقولون أن الغرب فيه أناس كثيرة تحسن العمل وتتقن العمل. د. هداية: هذه عظمة (وهو مؤمن) وعليه أن يريد الآخرة. المقدم: كيف نكون من الذين يريدون الآخرة ونستغل الدنيا كي تكون وسيلة للآخرة وليست غاية. الآية التي تكلمنا عنها التي تتكلم عن مباهج الدنيا كلها وتكبر عندك الأموال والأولاد والشغل ستلهيك عن ذكر الله وتجعلك ضعيفاً تجعل الدنيا في قلبك بحيث لو كان هناك من المسليمن من يحتاج نصرتك كإخواننا في غزة تقول أنا أريد أن أربّي العيال ولا أريد أن أدخل في معركة خاسرة وتبقى على مُتَع الدنيا وتظن أن الجهاد مسألة صعبة وسيخرب بيتك وفلوسك واقتصادك وهذا الكلام ينطبق على الأفراد وعلى الأمم والجماعات. والدماء التي تُراق كل يوم للأسف صرنا نتفرج عليها على الفضائيات كالمسلسلات، هذه الدماء في رقابنا جميعاً لأن الدنيا أصبحت في قلبونا وليست في أيدينا، يا رب سلِّم. نلقاكم في الأسبوع القادم بإذن الله، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 3/2/2009م |
التوبة والاستغفار 97 تقديم علاء بسيوني المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. موعد لقاء جديد نخطو فيه خطوات على طريق الهداية. تذكرون أننا في رحلة وارتحال مع آيات سورة الإسراء ونستخرج المعاني والدلالات من الآيات. ذكرنا سابقاً أنه من أهمية النيّة أنه ليس من قبيل الصدفة عندما تفتح صحيح البخاري أول ما تجده في أوب باب (إنما الأعمال بالنيات) هذا الكلام نذكره لأنه متعلق بسلامة العقيدة لأن العقيدة السليمة تبني إنساناً سليماً فاهم الدنيا صح وعارف أن الدنيا وسيلة أو مطيّة أو طريق يذهب به للمستقر الأخير الذي هو الآخرة إما يمين وإما شمال ليس لهما ثالث. يتكلم المولى تعالى في السورة عن الإرادة البشرية المستعجل الذي يريد العاجلة أن يأخذ كل متعه ونصيبه في الدنيا يأخذه والذي يريد الآخرة لكن يعمل لها الشغل المطلوب حسب المنهج يأخذه، إذن إبن آدم هو الذي يختار حقيقة فلا يلومنّ إلا نفسه. كيف نفرق بين أننا نريد الآخرة لكن في نفس الوقت نعمل في الدنيا حتى لا يقول لنا أحد إذن العقيدة الإسلامية أن تجلس على شجرة أو نخلة ولا تعمل ولا تشتغل وانتظر حتى تكون غريباً في الدنيا وتذهب للآخرة على طول، هذا الكلام غير منضبط وغير صحيح ويحتاج إلى ميزان حساس نضبط به الأمور، ما هو هذا الميزان؟ نبدأ بسم الله الرحمن الرحيم ونرحب بفضيلة الدكتور محمد هداية. الكلام الذي ذكرته سابقاً يمكن أن نضيف له حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "كُن في الدنيا كغريب أو عابر سبيل" بعض الناس يمكن أن تفهم من هذا الكلام أن المطلوب أن نترك الدنيا تماماً لا نحتاج منها لشيء والمُتع الحلال التي قال تعالى أنها موجودة وأنه يمكن أن نستمتع بها وهي زينة الحياة الدنيا، هل هذا معناه يجب أن أترك الدنيا لأشتري الآخرة؟ أم أنه هناك طريقة لشراء الآخرة والتعامل مع الدنيا وهذه الطريقة موجودة بشكل جميل جداً في آيات سورة الإسراء (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)) د. هداية: الكلام الذي ذكرته مهم جداً أن تفهم الناس أننا نمضي بين رأيين الرأي الأول خذ الدنيا كلها والرأي الثاني التزهد الكامل وترك الدنيا والاستعداد للآخرة من الآن، هذا الكلام غير صحيح، لا الرأي الأول صحيح ولا الرأي الثاني. الآيات في سورة الإسراء لو تدبرناها تجد أن الله تبارك وتعالى بالصياغة البلاغية في القرآن أراد أن يوضح لنا حقيقة الأمر. عندنا آيتان، هاتان الآيتان تتكلمان عن أناس طلبوا الدنيا وأناس طلبوا الآخرة، الصياغة لوحدها تبين لنا المفهوم الصحيح في هذا المطلب والمفهوم الصحيح في هذا المطلب. قبل أن أشرح ألفت النظر لنقطة مهمة، عندنا آياتان آية تتكلم عن أولئك الذين يطلبون الدنيا التي سُميت الحياة فيها العاجلة والمطلب الثاني في الآية الثانية أولئك الذين يطلبون الآخرة. هل انتبهنا لصياغة الله تبارك وتعالى في الآيتين ((مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ) وعندما تكلم عن الآخرة قال (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ) يجب أن أقف عند سؤال لماذا لم يقل من أراد العاجلة في الآية الأولى أو قال ومن كان يريد الآخرة في الآية الثانية؟ يجب أن نقف عند نقطة بيانية في مطلع الآيتين، اختلاف الصياغة واضح وله هدف. لما نسمع (من كان يريد العاجلة) و (ومن أراد الآخرة) نجد أن فعل الإرادة في طلب الدنيا في الآية الأولى مضارع وفي الآية الثانية ماضي فيجب أن أسأل نفسي لماذا أطلق الله تبارك وتعالى على من يطلبون الدنيا المضارع (من كان يريد العاجلة)؟ وساعة أراد سبحانه وتعالى أن يصف أهل الجنة أو أهل الآخرة قال (ومن أراد الآخرة) لم يقل هناك يريد الآخرة ولم يقل في الأولى ومن أراد العاجلة. الفعل الماضي في آية الآخرة (ومن أراد الآخرة) في العاقبة الحسنة يؤكد أن الذي يطلب الآخرة طلبه ثابت لا يتجدد أراد ومن ساعة ما أراد هو منضبط بدليل لو أراد الآخرة ثم تزعزع إلى الكفر أو العصيان أو الشرك أو الفسق ومات على ذلك لن يكون ممن أرادوا الآخرة. يعني إذا اهتز في عقيدته أو في أعماله خرج من أولئك الذين أرادوا (بالفعل الماضي) إذن الذي طلب الآخرة يجب أن يكون قد طلبها عن قصد ولذلك لم يقل ومن أراد الآخرة نعطيها له وإنما اشترط شرطين شرط واضح وشرط ضمني، الشرط الواضح (وهو مؤمن) والشرط الضمني (وسعى لها سعيها) إذن هناك سعي محدد للآخرة لا يختلف باختلاف الساعي وإنما هو ثابت، إذا اختلف باختلاف الساعي سيكون فقط في الدرجة. المقدم: هذه نقطة مهمة في الدرجة. مسألة أنه ثابت على المبدأ وأنه لو تزعزع عن المنهج سيذهب في داهية، لكن كل ابن آدم خطاء وهناك كثيرون يمكن أن يكونوا قد فهموا العقيدة بشكل صحيح وأن الحياة الدنيا مشوار وأنه يريد الآخرة لكن مع ضغوط الحياة يضعف، مسألة المال قد يكون قد أدخل مبلغاً من حرام أو أخذ مبلغاً ما عمولة فيها شبهة رشوة، نظر نظرة لامرأة جميلة، زوجته تنكد عليه فتكلم مع زميلة له لم يزني بها وإنما تكلم معها فقط، أنا أتكلم عن ملايين تفعل هذا السؤال هل بهذه الأخطاء تكون قد فسدت نيتنا أو أننا ما زلنا مخلصين لكننا نقول يا رب نحن ضعفاء وغير قادرين؟ د. هداية: المهم هل نصحح أم لا؟ نحن كلنا نخطيء ليس هناك من لا يُخطيء، نحن لا ندّعي أننا ملائكة لكن هل نستمر على المعصية أم أننا نرجع؟ هذه هي القضية. القرآن يقول (فأما من ثقلت موازينه) و (وأما من خفت موازينه) إذن سيكون هناك ميزان، المسألة في النهاية هل ستأتي مؤمناً؟ أنت ستأتي مؤمناً والعقيدة سليمة إذن سنزن. المقدم: بداهة حتى لو مؤمن تأتي ومعك سيئات د. هداية: أكيد وإلا ما قال (فأما من ثقلت) يعني هناك كفة رجحت عن كفة يعني كل كفة فيها شيء ولكن كفّة الحسنات أكثر فرجحت. هذه النقطة التي تكلمت فيها هي سبب قسمة القرآن للأمور على اثنين والآية التي معنا أكبر دليل (من كان يريد العاجلة) وقال في المقابل (ومن أراد الآخرة) ليس هناك صنف ثالث، (فأما من ثقلت موازينه) (وأمت من خفت موازينه)، (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه)، (إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) (أولئك هم خير البرية) (أولئك هم شر البرية) يعني المسألة مقسومة على اثنين. الصنف الذي أراد الآخرة هو الذي سيوزَن وسترجح كفة الحسنات المهم أنه في الجنة وقلنا سابقاً أن أقلّ الجنة جنة وأقل النار والعياذ بالله نار. الآية توضح نقطة مهمة في الذي تقوله أنت، أنت تقول أنا أخطأت، أنا أحيا فأنا أخطيء، هنا قال (من كان يريد العاجلة) جاء بصيغة الفعل المضارع ليعطي معنى التجدد أنك يمكن أن تعود فتطلب الآخرة لأنه لو قال (من أراد العاجلة) لا يكون هناك رجوع كأن المولى عز وجل من رحمته بنا ولأنه شرع التوبة في بداية الدنيا في معصية آدم عليه السلام صاغ الفعل المضارع لتجدد المسألة وكأنه يفتح لنا باب التوبة كل يوم، حتى لو أنك لو طلبت الدنيا وأخذتها ثم رجعت إرجع وستكون هنا (ومن أراد الآخرة). لما نأخذ الآية (من كان يريد العاجلة) ججاء بالفعل المضارع لأنه يفيد الحال والاستقبال فيعطي معنى التجدد فإذا طلب أحدهم الدنيا اليوم وغداً وبعد غد لكن هناك من سيطلب الدنيا ثم يستفيق فينفع معها الهداية والدعوة أو آية قرأتها أو موقف فبدل أن يجدد غداً طلب العاجلة يكون ممن أراد الآخرة. لماذا سميت العاجلة هنا؟ وعندما يأخذها يقال (عجلنا له فيها) لم يقل نعطيه إياها وإنما طالب العاجلة يُعجّل له، هذا يفرحه لكن قال بعدها (ما نشاء لمن نريد) يعني ليس كل ما يطلبه سيأخذه. (ما نشاء لمن نريد) قيّدت من يأخذ العاجلة ومن لا يأخذها حتى لو طلبها فمنهم من يطلب العاجلة ولا يأخذ منها شيئاً. المقدم: هل هذا نوع من رحمة ربنا؟ د. هداية: لا، لأن هذا الذي فشل في الحصول عليها سيبقى وراءها بالفعل (يريد) إن لم يطلب الآخرة. المقدم: ما الفرق بين الاثنين؟ بمعنى ربنا يعجل لأحد طلب ولا يعجل لآخر طلب، ربنا يعجل لأحدهم بأن أعطاه مال وسيارات وغيرها فاستمتع هذا وعاش أياماً جميلة والمفترض أن هذه الأمور أثرت عليه فاغترّ كأنه ملك الدنيا كلها ومن الطبيعي أن هذا الغرور لا يجعله يستفيق إلا من رحم ربي فيموت على هذا ويكون إلى جهنم، أما الذي طلب الدنيا ولم يعطيه الله شيئاً فما استمتع ولم يغتر بشيء لكنه بقي على حاله يطلب الدنيا. د. هداية: ماذا عمل هذا الشخص؟ إذا استمر في طلب العاجلة فهو ليس ممن أرادوا الآخرة. الفضل يكون عندما يطلب أحدهم الدنيا ولا يعطيه الله شيئاً فيعود ويطلب الآخرة هذه تكون إشارة من الله تعالى وهذا يحصل هناك من يكون مقبل على معصية والظروف تعطلها له فينقسم الناس إلى قسمين قسم يصر ويصر حتى يعملها أو يموت وهو لم يحققها وقسم يقول طالما لم تُحقق فالحمد لله واستفقت فأكون ممن أراد الآخرة ويجب الانتباه أنه كلما ذكرنا إرادة الآخرة يجب أن تكون بصيغة الفعل الماضي (من أراد الآخرة) لأن الذي أراد الآخرة اليوم يجب أن (وسعى لها سعيها) الآخرة لها سعي ولها طريق ثابتة وهذا الثابت يحتاج منا إلى عمل وثبات وعمل معين ولهذا لفت نظرنا إلى مسألة قديمة جداً (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)) قال عطاء ربك ولم يقل عطاء الله. المقدم: السؤال المطروح لماذا قيّد الله سبحانه وتعالى المشيئة بالطلب رغم أنه قال أنه سيعجّل للذي يريد العاجلة لكنه وضع شرطين أن هناك من يريد والله تعالى يعطيه وهناك من يريد والله تعالى لا يعطيه؟ ثم قوله تعالى (ما نشاء لمن نريد) يمكن أن لهذا الذي يريد العاجلة يمكن أنه يطلب خمسين ستين طلب المال والجاه والصحة والأولاد والسيارات ويمكن أن يعطيه الله تعالى المال ولا يعطيه الأولاد أو الصحة، فلماذا هذا التقييد أولاً؟ د. هداية: أولاً يجب أن ننتبه جداً للتقييد كيف جاء قال (ما نشاء لمن نريد) هذه تذكرنا بقضية تكلمنا فيها منذ حلقات وهي القضاء والقدر وهذا يرد على الذيت يتكلمون عن حديث الدعاء يرد القدر هذه أحاديث فيها كلام! الأحاديث التي تأتي على غير مراد القرآن يجب أن نقف عندها. هناك رواية "ولا يرد القدر إلا الدعاء" لم يقل يرد القضاء لأن مسألة رد القدر لغوياً غير مسألة رد القضاء لكن لها روايات في الأحاديث الضعيفة "لا يرد القضاء". المقدم: هل الدعاء المأثور اللهم إني لا أسألك رد القضاء وإنما أسألك اللطف فيه صحيح؟ د. هداية: هذا رد القدر لأنه أن تتقبل المسألة هذا رد القدر إذن الرد هنا بأن صاحب الأزمة أو الابتلاء يقوى عليه. المقدم: لكن هل هناك نهي أن أسأل الله تعالى أن يرد القضاء؟ د. هداية: هذا مستحيل، رد القضاء مستحيل عقلاً والقرآن صاغها صياغة يجب أن نعيها (ما يبدل القول لديّ) قول الله تعالى أزلي وليس حادثاً هذا هو القضاء لكن الناس لم تستوعب المسألة لأنهم يقولون لماذا ندعو إذن؟ المقدم: هناك أناس تمسكوا بالآية (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) د. هداية: من الذي يمحو؟ الله تبارك وتعالى. يمحو الله ما يشاء هو سبحانه الذي محى وأثبت وهذا حصل قبل خلق آدم عليه السلام، قضاء الله أزلي وقدر الله أن يقع هذا القضاء. المقدم: فإذن مسألة أن يكون هناك آية تُبدّل وأن الرسول يُنسّاها د. هداية: هذه الآية ليست الآية من القرآن وإنما معجزات، عندنا آيات مفهومة خطأ عند بعض الناس. (من كان يريد العاجلة) هذا واحد طالب أمراً ما (عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) لم يقل عجلنا له ما أراد أو ما طلب، (ما نشاء لمن نريد) هذه التركيبة صيانة للقضاء والقدر، لأن هذا الذي طلب سبق في علم الله تبارك وتعالى أنه لن يصلحه إلا أنه طالب للعاجلة والجزئية التي ذكرتها لبعض الناس الذين لم تأتهم العاجلة فيفيقون ويعودون هؤلاء قِلّة. يجب أن نقف عند الآيات، القرآن الكريم في مواقف العقيدة تكون صياغته بليغة، إسمع قول الحق تبارك وتعالى (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200)) لم يقل آتنا ماذا، (خلاق) هنا بمعنى نصيب، ماذا طلب هؤلاء؟ آتنا كل ما يخطر على بالك في مسألة العاجلة بدليل أنه لم يقل آتنا ماذا. هناك فريق سيقول آتنا في الدنيا وهذا ليس له في الدنيا خلاق، ومنهم من سيقول (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201)) المقدم: هل هذه الصياغة هي الميزان الحساس؟ ما هي حسنة الدنيا وحسنة الآخرة؟ د. هداية: نعم، هذا هو الميزان الحساس. يجب أن نقف هنا لنبين كيف نُخطيء وكيف نفهم المسائل خطأ من الأول ونستمر، أولاً هم نسبوا الكلام للرسول صلى الله عليه وسلم وهو ليس للرسول "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة" هذا الحديث فيه كلام لكنه لا يعني حسنة الدنيا وقالوا أن خير متاع الدنيا المرأة الصالحة هذا الكلام لعلي ابن أبي طالب رضي الل عنه وأرضاه، لكن نقف عند من ناقش عليّ إذا كان عليّ قال هذا الكلام فعلاً أن حسنة الدنيا المرأة الصالحة هذا فكر ضيق جداً وأشك أنه قال هذا الكلام، لماذا؟ الكلمة نكرة والنكرة تفيد العموم لو كانت الآية تقول ربنا آتنا في الدنيا الحسنة كانت تعني أمراً واحداً لكن كلمة حسنة تعطي معنى مفتوحاً. الحسن البصري قال أنه لو كانت تعني أمراً واحداً فهي تعني فهم المنهج.الذي عليه يبكي العارف أنه لما أفهم منهجي سأختار زوجة صح وأربي أولادي صح وأتعامل مع الناس صح، هذه المسألة مع سورة الإسراء (وما كان عطاء ربك محذورا) هذا عطاء الربوبية وليس عطاء الألوهية ونحن قلنا أن هناك عطاءان عطاء ربوبية وعطاء ألوهية، عطاء الألوهية المناهج التوراة الإنجيل القرآن أما عطاء الربوبية الأكل والشرب والنوم والسعة والراحة فقال (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)) يجب أن أفهم أن عطاء الربوبية الذي هو مناط الدنيا. المقدم: ربنا يتكلم عن غائبين (هؤلاء) و (هؤلاء) كان من المتصور لغوياً أن يقال (عطاء ربهم) فلماذا وجه الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم (عطاء ربك)؟ د. هداية: الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم ولكل من يستمع، الكاف خطاب للرسول أولاً ولكل من يستمع ولكل من يقرأ ولكل من يتدبر، القرآن يعتني دائماً بالذي يأخذه أو يتناوله هذه عناية إلهية لمن يتدبر فعندما تقرأ أنت تشعر أنه يخاطبك أنت لكن في البداية الخطاب كان للرسول عليه الصلاة والسلام بوصفه نبي هذه الأمة وبالتالي هو القائد الذي نأخذ منه وعنه صلى الله عليه وسلكم لكن لو أنت الذي تقرأ ستفهم وما كان عطاء ربك يا فلان، لا بد أن يهتم بك المولى عز وجل ولهذا يجب أن نفهم هذا الكلام، الناس منقسمة على قسمين ناس طالبة الدنيا وناس في سورة البقرة واعية جداً قِس عليها (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها) التي هي (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) قال سنأخذ من حسنة الدنيا حتى نحصل على حسنة الآخرة. ما هي حسنة الدنيا؟ العمل الصالح، الرزق الحلال لأن بعض الناس لا تريد أن تفهم أن طالب العاجلة قال له تعالى (من كان يريد العاجلة) هذا سيموت وفي سورة البقرة قبل عنه (وما له في الآخرة من خلاق) خلاق يعني نصيب ليس له نصيب أبداً. لكن (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها) فمن سعي الآخرة أن لا أسرق وأتحرى أن آكل حلال ولا أسرق ولا أغش، هذه أمور دنيا لكني أعملها لأني طالب الآخرة التي هي (وسعى لها سعيها) الهاء التي في (سعيها) تعود على انضباط المنهج أن أنضبط بالمنهج لا بمنهج من عندي حتى لا أفسد الدنيا التي هي (فأقم وجهك للدين حنيفاً) وقبلها قال أن هناك من طلب الهوى في سورة الروم (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم) هذه عكس (وسعى لها سعيها) طالما حدد السعي إذن وفق منهج معين محدد. المقدم: وعندنا (من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى) إذن النفس دائماً تعمل على هواها وكأن الشيطان يريد أن يصارع هذا الهوى منهج ربنا. د. هداية: لماذا؟ لأن الشيطان يتمنى أن يموت الناس على معصية ولهذا جهاد النفس والشيطان أنه هو يطلب منك وأنت ترفض وتعود للمنهج الذي هو (وسعى لها سعيها) والذي هو (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم) وقال بعدها (فمن يهدي من أضل الله) كأنهم لم يسمعوا كلام الله الذي هو عبارة عن مناهج ورسالات بمنهج إفعل ولا تفعل من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة. المقدم: نربط الآيات ببعض كأن سورة الإسراء وسورة البقرة فيهما ربط لطيف جداً أن الحسنة في الدنيا التي تكلمت عنها سورة البقرة هي سعيها في سورة الإسراء. د. هداية: كيف تصل إلى الآخةر؟ من الدناي فأنت ماذا عملت في الدنيا؟ أنت سعيت لكن هل سعيت وفق هواك أووفق منهج الله تبارك وتعالى؟ عندنا جملة في كل آية تقيد المسألة بعد أن قال (عجلنا له ما نشاء لمن نريد) وفق القضاء والقدر وفي الثانية قال (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها) حتى الذي طلب الآخرة هو مقيّد (وهو مؤمن). المقدم: الإضافة هنا (وهو مؤمن) المفترض بداهة أنني إذا أردت الآخرة سأكون مؤمناً وعقيدتي سليمة هل ممكن أن أكون أريد الآخرة وأسعى لها سعيها وأنا لست مؤمناً؟ د. هداية: نعم بأن يشغِّل دماغه إذا سألته لماذا تفعل هذا يقول لك لأني أرى أنه لو علمت كذا سأقرب الناس أكثر للإسلام قل له كان الولى قالها فهل أنت أذكى من الرسول؟ حاشاه، الذي يوهمه بالكلام هو الشيطان والنفس تتلقى وهنا يتحقق قول الله تعالى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) سعيهم هذه عكس (وسعى لها سعيها) لما سعوا سعيهم هم ذهبوا مع الأخسرين أعمالاً. المقدم: سعيهم هم على هواهم وسعيها على منهج الله (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) د. هداية: هاتان الآيتان أنا أعتبرهما حجر ركن وحجر زاوية في مسألة العقيدة، هذه التي تؤجل الحجاب وهذا الذي يماريك في الدخان أو في الخمر نتيجة (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) ثم قال (في الحياة الدنيا) كأن سعيهم هذه لا تأتي إلا مع الحياة الدنيا لأنه في الآخرة ليس هناك سعي ولا عمل وإنما الآخرة نتيجة تصل لها بسعيك في الدنيا (سعيها) على وفق منهج الله تعالى لا وفق منهجك أنت. المقدم: سعيها تأتي مع الآخرة وسعيهم تأتي مع الدنيا. المقدم: ربنا سبحانه وتعالى كرر هذه التحذيرات كثيراً مرة سماها العاجلة ومرة سماها الدنيا، دنيا من الدنو والحقارة والدار الآخرة هي الحيوان والحياة الحقيقية وكأن الحياة الدنيا التي تعيشها أشبه بكذبة أنت تعيشها فاصبر للآخرة ومع هذا الناس غرّتهم الدنيا ولا يصبروا ونحن نكرر طلبنا من الناس أن لا يسموا بناتهم "دنيا" لأن فيها وصف بمعنى الدنو فلماذا رغم التحذيرات الناس ما زالت مغترة بالدنيا؟ تحذيرات إلهية مستمرة ومتواصلة في القرآن الكريم ليتدبر الإنسان، عاجلة ونتيجتها بشعة ودنيا من الدنو والدناءة قريبة من الإنسان تغر الإنسان، لا تفعل هذا والآخرة هي بيتك ولو أنك مؤمن حقاً لا ينتهي بك الأمر في نهاية المطاف إلا وأنت في الجنة، ومع ذلك الناس في غيبوبة فما سبب هذه الحالة الغريبة من الغيبوبة؟ د. هداية: عدم التدبر وعدم فهم الآيات على مراد الله (سألني أحدهم وهل نحن نعرف مراد الله؟ نقول نحن نعم نحن نريد أن نعرف، المنهج نزل على مراد الله تعالى) المنهج يبين صياغة الآيات أن هذا منهج. مثلاً قوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)) عندنا كلمة العاجلة وكلمة عجّلنا، قبلها ببضع آيات قال (وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11)) عجولا، هذه هي العاجلة وعجلنا إذن الكلام يناسب ما تريده أنت. البعض يقول ربنا كتب علي هذا أو ربنا لم يهديني بعد، لا علاقة لله تبارك وتعالى - إن صح التعبير - إلا بهداية المعونة وهداية المعونة تمت بمجرد إرسال الرسول وبمجرد قراءتك للقرآن وبمجرد أنك أتيت من أبوين مسلمين فماذا تريد بعد؟ لا ينقص إلا أن ينزل ملك يأخذ منك السيجارة أو ملك يحجّب واحدة، عندما يقول الناس ربنا لم يهديني بعد فهل كتب تعالى في منهجه إنتظروا حتى أهديكم؟! أبداً. في مطلع الكتاب قال (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين) عليك دور يجب أن تعمله حتى يهديك الكتاب وهو أن تتقي. المقدم: عندما يمرض الإنسان ويحتاج إلى مضاد حيوي بعض هذه الأدوية يقول لك الدكتور أنها تؤخذ على معدة فارغة بينما هناك مضاد حيوي آخر يجب أن تأخذه بعد أن تأكل، هناك اشتراطات للدواء حتى يأتي بنتيجة إذن علينا أن نفعل شيئاً حتى نسنفيد من المنهج. د. هداية: أنا دائماً أردد هذه الآية (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) الشمس) من الذي ألهم؟ ربنا سبحانه وتعالى، إذن هذه هي هداية المعونة. عندنا هداية الدلالة من الرسول صلى الله عليه وسلم وهذه فيها هداية معونة أن أرسله ربنا سبحانه وتعالى لنا وأعظم شيء في القرآن في سرة الإسراء أنه قال (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15)) هذا عدل. الرسول يهدي هداية الدلالة إلى الطريق الصحيح والمنهج الصحيح وهذه فيها معونة أن الله تعالى أرسله وهناك هداية معونة أخرى أن يأتي أحد يشرح لك القرآن، أحد يعلمك لغة، هناك من يرى هذه الحلقة مثلاً ويتحول عنها ويتفرج على رقص وغيره هل سينزل عليه ملك يمنعه من تغيير المحطة؟! قال تعالى (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8)) ألهمها يعني بيّن لها، بيّن لها الفجور حتى تجتنبه وبيّن لها التقوى لتتّبعه لأن التقوى هذه وسيلة وسلاح تلقي القرآن (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين). ثم قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)) قسم الناس إلى قسمين واحد أفلح أنه زكّى النفس وواحد خاب أنه لم يزكِّ النفس بل دسّاها. في هذه الآيات هناك فاعل وفاعل، الفاعل الأول الله تبارك وتعالى لكن الفاعل الثاني أنت ولهذا قلنا لهم في رمضان أنتم تصدقون مسألة صُفِّدت الشياطين وتفهمونها أن ربنا سبحانه وتعالى يصفِّد الشياطين إذا كانت كذلك فلماذا تأخذ الأجر أنت؟ ماذا تكون فعلت أنت.؟ هذا يكون عكس كلام القرآن (أفحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) وإذا كانت الفتنة في الأيام العادية معقولة فيجب أن تكون في رمضان أشد وأصعب إذن عن ماذا تصوم؟ الناس إما أنها متراخية لا تريد أن تعمل مثل مسألة الحج عن الغير والعمرة عن الغير هم يتصورون هكذا، الذي يموت ماذا يفعلون له؟ الحج أو العمرة فقط والصدقة الجارية لكن كيف تزكّي نفس الميت؟ أو كيف يتلقى القرآن بشكل صحيح؟! المسألة انتهت، كيف يذهب له العمل؟! هم تركوا الآية الواضحة وضوح الشمس وذهبوا لأحاديث لم يفهموها الحديث صحيح بدليل أنه يقول "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث" من ثلاث من عمله، صدقة جارية أجراها هو أو علم ينتفع به هو تركه أو ولد صالح يدعو له هو الذي جعله صالحاً فالمسألة تحتاج إلى وقفة فيقول لهم القرآن (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) (وسعى لها سعيها) تذكرنا بـ (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى) يُرى هنا ليس بمعنى يُشاهد وإنما لازم معنى كلمة يُرى هو يُفرز فالذي كان خالصاً لوجه الله يُقبل والذي لم يكن خالصاً لوجه الله أو فيه رياء أو سمعة يُرفض وقال تعالى في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل لي عملاً أشرك فيه معي غيري فأنا منه بريء وهو للذي أشرك" ولهذا لما قسم الناس إلى قسمين قال في البقرة (ومن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا) ولم يقل آتنا ماذا؟ إذن هو لم يطلب أي حسنات بدليل أنه قال (ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة) الأول لم يقل كلمة حسنة، لو طلب حسنة في الدنيا ربما كانت قادته إلى الخير لكنه تعالى قال (وما له في الآخرة من خلاق) لأنه لم يطلب حسنة وإنما قال (ربنا آتنا في الدنيا) لم يقل ماذا طلب لكن طالما الفريق الثاني طلب في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة يعني الأول لم يطلب حسنة وإنما يطلب شراً فهل تريدون أن تحجوا عنه؟! المقدم: تذكرت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته لمن هاجر إليه": المسألة جاءت من منهج لذلك لما تكلم عن الآخرة قال (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)) قال (أولئك) ولم يقل هؤلاء كأنه يريد أن يقول لنا أن هؤلاء منزلتهم بعيدة لا يأخذوا إشارة القريب منزلة بعيدة المنال صعبة يجب أن تتعب حتى تكون منهم (فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا). تخيل المولى تبارك وتعالى يقول (ولئن شكرتم لأزيدنكم) انظر لما تشكر أنت لما يشكر أحدنا الآخر يكون الآخر سعيد جداً فما بالك عندما الله تعالى يشكر؟! (فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) هؤلاء سعيهم مشكور من ربنا سبحانه وتعالى! هل وضع أحدنا نفسه عندما يرتكب معصية يخرج من هؤلاء إلى هؤلاء لأجل هذه الكلمة (فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا)؟ المقدم: رضي الله عنهم ورضوا عنه د. هداية: هذه الآية فيها إشكالية ضمائر وأسمع لها شرحاً غريباً جداً. الآية في سورة البينة، البينة رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة هذا توصيف الرسول، في سورة الإسراء قال (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) الرسول يبين لك ويوضح لك كل شيء. لما تكلم تعالى في سورة البينة قسم الناس إلى قسمين (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)) رضي الله عنهم الفاعل ربنا تعالى رضي عن الناس، (ورضوا عنه) يقولون رضوا عن ربهم، هذا لايمكن فمن أنا حتى أرضى عن الله تبارك وتعالى؟! رضوا عنه هنا الضمير يعود إلى الجزاء هم رضوا عن الجزاء وعن الجنة (جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)) رضي الله عنهم فأعطاهم هذا الجزاء ورضوا هم عن هذا الجزاء، لو كان رضوا عنه يعني عن ربنا لقال ذلك لمن خشيه ولكنه قال (ذلك لمن خشي ربه) يعني ترضى عن الجزاء. إذن الرضا عن الجزاء يتحقق لك الجزاء بأنك كنت تخاف المولى عز وجل. رضي الله عنهم لكن أنا أرضى عن ربنا؟! عندما رضي الله تعالى عني عبدته فالعبادة رضى لكن ليس رضى مني ولكن رضى من الله تعالى، العبادة لله على مراده فيّ رضى من الله فيّ أنا. قال تعالى (جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)) رضي الله عنهم فكان هذا الجزاء ورضوا هم عن الجزاء لأنهم خشوا الله تبارك وتعالى (ذلك لمن خشي ربه) المسألة ليست رضى عن الله وإنما رضى من الله تعالى أن عبدته فالعبادة رضى لكن رضى من الله تعالى لكن أنا أرضى عن الله؟! هل تريد أن تفهمني أن الكافر ليس راضياً عن الله؟! دعه ينفجر! الكفر عبارة عن أول إثبات لله تبارك وتعالى دون أن يشعر الكافر وضربنا مثالاً سابقاً أنك أنت دائماً لا تستر إلا موجوداً لو زرتك وأهل بيتك غير موجودين لا تقفل الأبواب لكن لو زرتك وأهل بيتك موجودون ستغلق الأبواب وتستر الموجود هذا البنسبة للبشر لكن بالنسبة للمولى الكافر يثبت وجود الله تبارك وتعالى لأن كونه يقول لك أنا أكفر بالله قل له شكراً أنت اعترفت أن هناك إله، الله واجب الوجود فأول جنود الإيمان الكفر. الذي يقول أنا غير مقتنع بإلهك هذا قل له شكراً أنت أثبت وجوده. لذلك رضي الله عنهم ورضوا هن عن الجزاء لأنهم برضى الله عنهم عبدوه وخافوه لذلك قال في خاتمة السورة (ذلك لمن خشي ربه) لو الضمير في رضوا عنه عائد على ربنا لقال ذلك لمن خشيه لكن رضي الله عنهم ورضوا عن جزاء الله فيهم ذلك لمن خشي ربه أساساً الطريق بدأ من هنا من خاتمة الآية أن الإنسان خاف الله تعالى فمشي على المنهج فكان له الجزاء يوم القيامة الجنة فرضي كما قال تعالى (فهو في عيشة راضية) وقلنا سابقاً إذا كانت العيشة راضية فكيف بالذي يعيشها؟ سيكون في منتهى الرضا لكن رضى عن المنهج ورضى عن الجزاء ورضى عن الجنة وليس رضى عن الله تبارك وتعالى. المقدم: نختم بسؤال نجيب عنه في الحلقة القادمة: عندما وصف عقاب الذين يستعجلوا قال (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) الإسراء) قال جهنم وقال مذموماً ومدحوراً وقال (ثم) للتراخي حتى يتيح الفرصة. د. هداية: هذه (من كان يريد العاجلة) حتى يعمل المضارع أن هناك أمل في التوبة. ربنا سبحان وتعالى راضي بنا لدرجة لكننا نحن لسنا راضين عن أنفسنا. المقدم: لكن الفريق الثاني (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)) وتركها لخيال البشر تخيل لو سعي الإنسان ربنا سيشكره عليه فتخيل شكل الجزاء وشكل الجنة رغم أن القرآن مليء بوصف الأنهار وغيرها. انتهى الموضوع (كان سعيهم مشكوراً). د. هداية: تخيل لما إنسان يشكرك كم تفرح فما بالك لما الإله يشكرك؟! المقدم: ثم تكلم عن العطاء وأن هذا عطاء وهذا عطاء بينما بفهمي أنا المتواضع المفروض أن يطلق العطاء على المِنّة الإلهية في موضوع الجنة لكن لو أخذت الأشياء العاجلة التي ستودي بي إلى النار فكيف يكون هذا عطاءً؟! وفي النهاية دعاء يا رب نكون من أهل الآخرة التي تؤدي إلى الجنة وليس إلى النار ونسعى السعي ونحن مؤمنين ربنا فأدخلنا الجنة آمين. بُثّت الحلقة بتاريخ 17/2/2009م |
التوبة والاستغفار 98 تقديم علاء بسيوني أنا سعيد بالحلقة لأنها تتكلم عن الجنة لأنها تطبيق لقول "بشِّروا ولا تنفِّروا" ولا أتضايق عندما نتكلم عن النار لأنه يكون من باب التحذير. الذين يريدون العاجلة جعل الله تعالى لهم جهنم يصلاها مذموماً مدحورا أما الذي أراد الآخرة فقال تعالى عنه (فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)) ثم قال بعدها (كلا نمد) إستقبال كلمة العطاء على أساس أنه سيؤدي بي إلى الجنة لكن عطاء ربنا هنا لأنه قال (هؤلاء وهؤلاء) وكأنه يتكلم عن صنفين من البشر فهل إن أعطاني بعض النعم التي استعجلت بها وأودت بي إلى النار هل هذا عطاء أو شيء سيء؟ فلماذا سماه الله تعالى عطاء في الحالتين؟ د. هداية: عندنا عدة أسئلة: السؤال الأول هل يكفي قوله تعالى (فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19))؟ أقول أنها تكفي لسبب لأن الآية قبلها ناقشناها الحلقة الماضية (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)) إذن من طلب العاجلة فهو في النار إلا من تاب إلى الله تبارك وتعالى وهذا الاستثناء غير موجود في الآية وإنما يوجد ما هو أكبر من الاستثناء وهو قول الحق تبارك تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ) بصيغة الفعل المضارع لأنه قد يأتي أحدهم وينتقل إلى الفئة الأخرى فطبعاً يكفي جداً أن يقول (فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)) قال أولئك مع أنه في الآية الأخرى قال (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ) طالما ما زالوا يعملون فيطلق عليهم (هؤلاء) وإذا صاروا من أهل الجنة يقال لهم (أولئك) بعيد المنزلة والمنال. السؤال الثاني ما هو عطاء ربك؟ هل هو عطاء واحد أو عطائين؟ الذي يقسمه على اثنين (هؤلاء وهؤلاء)، لكن قبل أن أجيب على هذا السؤال أذهب لآية لما كنت أحقق التفسير الآية تقول (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)) أقسم بالله 99.9 % يتكلمون عن التفضيل الذي يحس به الناس أين دوري أنا كداعية؟ يقولون المال والبنون لكنها ليست هي التفضيل، الآية تقسم على اثنين وتلقيك للقرآن هو الذي سيصنفك. الآية تقول (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) لو كان سألنا عشرة أشخاص عن معنى التفضيل في الآية يقول لك أحدهم الذي عنده مال والآخر يقول الذي عنده أولاد وآخر عنده سلطان ولا يقول أحد أن هذا من أهل الجنة وليس عنده لكنهم لم يعرفوا أن الذي ليس عنده هذا تفضيل. يقول تعالى (وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) فالذي كتبه الله تعالى من أهل الجنة أعطاه المنهج ليسير عليه وأعطاه صبراً على عدم المال وصبر على عدم الجاه إذا أعطاه، وإذن عطاء ربك مقسوم على اثنين أيضاً المال عند الذي طلب العاجلة هذا عطاء وعدم المال عند الذي طلب الآخرة عطاء أيضاً. المقدم: هل أفهم من هذا أن الأغنياء المتقين لن يدخلوا الجنة؟! د. هداية: لا، يدخلوا، أنا قلت عند الذي يطلب العاجلة، أنا محكوم بصنفين صنف طلب العاجلة هذا لن يدخل الجنة أبداً بدليل أنه قال بعدها (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18)) الناس في الدنيا مقسومة إلى قسمين فإذا بقي هذا الذي طلب العاجلة في قسمه فلن يدخل الجنة أبداً بدليل الآية (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ) - هذا كلام الله تعالى وليس كلامي أنا - وجاء الفعل بصيغة المضارع حتى إذا أراد أن ينتقل السامع من صنف إلى صنف بعد أن تسمع الشرح يمكنه أن يأتي لكنه سيكون عندها من الصنف الذي أراد الآخرة. عندما نقسم العطاء عندنا صنفان أعطى الذي طلب العاجلة مالاً أو لم يعطه مالاً وبقي يطلب العاجلة وحتى إذا لم يعطه يكون عطاء لأن المال قد يفسده فبحكمته منعه سبحانه وتعالى. إسمع الآية الآن بهذا المفهوم (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)) انظر ماذا سيطلب هذا وهذا؟ الذي أراد الآخرة لن يموت من الجوع لأن الله تعالى سيعطيه مالاً وقد يكون مالاً كثيراً لكن هذا الذي أراد الآخرة سيُهلك هذا المال في الخير ولن يطغى به. عندما نسمع (انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)) أنا شخصياً سأنظر من باب أن الذي مُنع المال وكانت له العاقبة الجنة هذا الذي فُضِّل وإن كان مُنع فالمنع في حد ذاته بهذا المفهوم عطاء. المقدم: سيأتي أحدهم ويسأل لماذا إذا طلب أحدهم المال والله تعالى لم يعطه لأنه بعلمه يعلم أن المال سيلهيه ويفسده فربنا سبحانه وتعالى برحمته منعه لأنه أراد أن يكون من أهل الجنة ولماذا غيره أذا طلب يُعطى المال؟ د. هداية: أنت تريد أن تسأل لماذا فُضِّل الأول من عند الله تعالى؟ هذه إرادة الله. المقدم: هناك آية أخرى تقول نفس الكلام (يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء) ما هي حدود المشيئة الإلهية وشروطها التي تجعل فلان يستأهل المغفرة أم غيره فلا؟ د, هداية: حكمة الله تبارك وتعالى لأنه من حكمة الله تبارك وتعالى هذا المنهج. أسأل سؤالاً هل كل من رأى محمداً صلى الله عليه سلم سيدخل الجنة؟ بالقطع لا، الذين كفروا به وقت نزول الرسالة وماتوا وهم كفار لن يدخلوا الجنة. البعض يقول ليتني عشت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، يا أخي سِر على مراد الله. هل تريد أن تعيش في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم مثل أبو لهب مثلاً؟ كن واعياً. لا أقول ليتني كنت في عصر كذا لأن هذا ليس من العقيدة، لأن الله تعالى خلقني لهذا الزمان. من العقيدة أن أُسلِّم يعني لا ينفع أن تطلق العنان لهواك، لما قال تعالى (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ (20)) العطاء واحد لكن هناك هؤلاء وهؤلاء هذا يجعل العطاء عطائين وأكد (وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا) يعني إطلب كما تشاء. بعد أن نعلم هذان التصنيفان سنطلب الآخرة والذي يطلب العاجلة بعد أن عرف هذه التصنيفات يكون غبياً. المولى عز وجل له إرادة وله حكمة فإذا قال البعض هذا مؤمن وهذا كافر قل له هذا من حكمة الله. يقول تعالى (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)) لم يقل أحسن تكوين، لماذا أقسم بهذه الأمور بالذات في السورة؟ إشارات إلى الرسالات السماوية ومهبط الوحي. قلنا سابقاً أن البلد الأمين إشارة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهذا من باب التفسير الإشاري. (التين) إشارة إلى آدم، والزيتون إشارة عيسى وطور سنين إلى موسى وهذا البلد الأمين إشارة إلى إبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام، أشار إلى شتات الرسالات في القسم وقال في المقسوم عليه (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ولم يقل أحسن تكوين ليعني حتى إذا رأيت واحداً قبيح الخلقة فهذا ما يقوم هذه النطفة وإذا رأيت كافراً في عقيدته فاعلم أن هذا ما يقوِّم هذه النطفة، هذه حكمة الله تبارك وتعالى ومع ذلك هل منع الله كافراً أن يُسلِم؟ بالعكس بل دعاه إلى الإسلام والإيمان وأرسل له الرسالات ولما جاءت الرسالة الخاتمة ذكر كل ما ورد في الرسالات السابقة ونحن إلى الآن لا يمكن أن نمنعنأحداً أن يسلم أو آخر أن يتنصر ولا يمكن أن ترغم أحداً أو تكرهه لا على الإسلام ولا على الكفر والقرآن عبّر عن هذا (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (256) البقرة). المقدم: أظن أن لهذه الآية سبب في النزول لما الرسول صلى الله عليه وسلم كان في المدينة ورأى أحداً من الأنصار كان قبل البعثة المحمدية أرسل أولاده إلى الشام مع قبائل اليهود على أساس أنهم أهل كتاب وأن الآولاد تعلموا وتاجروا ودخلوا في أحد الأديرة وتنصروا فلما جاءت البعثة وأسلم أبوهم وعندما أتوا إلى المدينة طلب منهم أبوهم أن يسلموا فرفضوا أن يدخلوا في الإسلام وحبسهم وأكرههم على الإسلام وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك وقال له: أيدخل بعضي إلى النار وأنا أنظر؟ قال له الرسول صلى الله عليه وسلم الآية (لا إكراه في الدين) د. هداية: هذه هي العقيدة، العقيدة أن يدخل الإنسان الدين باختياره بحرية لكني أسأل سؤالاً ألم يرسل الله تعالى المنهج؟ ألم يرسل الرسل؟ قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) فإذا جاء الرسول بطلت الحجة. المقدم: نسأل سؤالاً عن مسألة الاشتياق للرسول صلى الله عليه وسلم فكلنا نجب أن نراه ولكننا إن شاء الله تعالى سنجتمع به في الآخرة. الله تعالى قال (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ (144) آل عمران) الله تعالى قبض الرسول لكن هذا لا يعني أن المنهج انتهى بل على العكس هو باق إلى يوم القيامة. مع اشتياقنا للرسول صلى الله عليه وسلم وحبنا لأن نراه لا يجب أن نقول ليتنا كنا في زمانه لأن هذه إرادة الله عز وجل لكن عندنا فرصة لأن نلتقي به إذا مشينا على منهجه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مكلّف بإيصال المنهج لنا. هل الرسول صلى الله عليه وسلم هو المبتغى في ذاته وشخصه أو في منهجه الذي أبلغه ثم تطبيقه وسنّته؟ د. هداية: الأهم في الموضوع هو المنهج (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) آل عمران) لم يقل إننا رأينا، رؤية الرسول صلى الله عليه مبتغى لنا وهدف وغاية لنا جميعاً أن نكون في صحبة الرسول صلى الله عليه وسلم لكن هذا الكلام يجب أن نقف عند المهم فيه، أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه لما مات الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا قال؟ عمر رضي الله عنه قال من قال إن محمداً قد مات سأضرب عنقه لأنه كان رافضاً للفكرة فأبو بكر قال فليجلس المتكلم يا معشر المسلمين من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ولا يمكن أن نقول أن أبا بكر لم يكن يحب الرسول صلى الله عليه ولسم لكن هذه مسألة عقيدة فقال : من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت. إذن المهم المنهج. الصاحبة لم يكونوا يذهبوا لرؤية الرسول ولكن لسؤاله وعندما قعدوا عن المسألة أرسل الله تعالى لهم جبريل يسأله ليعلمهم. إذن وجوده صلى الله عليه وسلم له غاية "السماع والتطبيق" أن أستمع إلى المنهج وأطبّق (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) الجن) أستمع أهم شيء كان يمكن أن يجلسوا ليتأملوا جماله صلى الله عليه وسلم لكن ليست هذه القصة. غاية المنهج أن تقلِّد الرسول كيف كان يصلي كيف كان يصوم كيف كان يحج كيف كان يتعامل؟ ولذلك في الصلاة قال صلوا كما رأيتموني أصلي وفي الحج قال خذوا عني مناسككم وكان في كل موقف يشرح لهم ويوصيهم هذا ليس له علاقة برؤية الرسول لكن كما قلنا من يجتهد ويكون في منزلة عالية سيرى الرسول صلى الله عليه وسلم. المقدم: يقول صلى الله عليه وسلم: إذا سألتم الله الجنة فاطلبوا الفردوس الأعلى، الفردوس الأعلى واضح أنها منزلة متميزة وفيها النبيين والشهداء والصديقين. مسألة (سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)) تجبّ مسألة الخيال وأن أقعد مع الرسول صلى الله عليه وسلم في مجلسه وأذكر تحية جميلة "طبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة مقعدا" يعني أنت قعدت في الجنة لن يزحزحك أحد منها، هل (سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19)) تجب كل هذا وتفتح الخيال لكل إنسان أن يتمنى ما يتمناه من نعيم في الجنة. د. هداية: كما ذكرنا سابقاً العطاء مقسوم. لما تكلم عن الذي طلب الدنيا وقال عجلنا له فيها ما نشاء قال (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) الإسراء) ولما تكلم عن الذي أراد الآخرة ذكر شرطين (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19)) كل واحد بحسب عمله (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) المطففين). (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) الإسراء) ما معنى (يصلاها)؟ يصلاها ليس لها علاقة بالوصول وإنما يصلاها من صليّ يعني احترق بنارها من صليّ يعني احترق وخاف حرّ نارها وليس لها علاقة بالوصول أو الدخول. يصلاها يحترق بها، مدحوراً يعني مطروداً من رحمة الله تبارك وتعالى لكن مذموماً هل من الله؟ من الناس؟ أو من الله ومن الناس؟ آخذ المعنى الأخير من الله ومن الناس. شاهد الزور بعد أن يشهد للذي طلب منه أن يشهد له سيكون نظرته له سيئة لكونه شاعد زور ويسقط من عينه. هذا ذمّه رغم أنه احتاجه. عندما يرفض أح الرشوة تجد الذي حاول رشوته يحترمه. (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا) هذه قمة المعاملات، هل رشيت أو لا؟ دفعت أو لم أدفع؟ سعي الآخرة في الدنيا والدنيا حياة وعمل وتعاملات لذا أحذر أن كلمة (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) تعني السعي وفق المنهج الهي لا وفق الهوى. (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا) قال بعدها (كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22)) المؤمن في الآية ليست إيمان العبودية يعني ليست درجة من درجات العبودية الخمس (الإسلام – الإيمان – التقوى – الإحسان – إسلام الوجه لله) (وَهُوَ مُؤْمِنٌ) في الآية يعني العقيدة، (لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَر) يعني إذا لم تجعل مع الله إلهاً آخر تكون من الذين طلبوا الآخرة. المقدم: وقد يكون النساء والأولاد نوع من الإله الذي اتخذه الإنسان لنفسه؟ ويكون نوعاً من الشرك. د. هداية: طبعاً، الذي طلب العاجلة لم ينتبه لأمر وهو (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ) حتى الذي أخذته في الدنيا أعطاك إلياه الله تعالى، وأنت أشركت معه لذلك قلنا الرجل المشرك يتلخبط بدليل أنه قال (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) منطق اللغة أن يقول رب أرجعن ولكنه قال أرجعون من باب الشرك لأنه ربما ظن أن ملائكة الموت هي التي ترجعه أيضاً ليس عنده ما يحكمه في هذا الإله فقال (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (100) المؤمنون). المسألة تحتاج إلى وقفة في توصيف الآيات فليس من سبيل الصدفة أن يقول (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ) الضمائر كلها الفاعل فيها الله تعالى، (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا) كان ينبغي أن يخيفك هذا التحذير ويرجعك (وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20)) العطاء لن يُحظَر عن أحد لكن يجب أن نقف ماذا نطلب وماذا نريد؟ العطاء مقسوم على اثنين فعلى سبيل المثال الذي يقوم الليل والذي ينام هذا كله عطاء، العطاء ليس محظوراً هنا فلم يمنع أحد الذي نام من أن يقوم ويصلي ولم يجبر أحد الذي قام على القيام . المقدم: هذا المثال هو في سُنة وليس تكليفاً إلهياً للجميع د. هداية: إذن ما الذي أجبر هذا على القيام؟ عندما أشتاق للجنة وأشتاق لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم عنها وتوصيفها فلما سمع الرجل الحديث "ركعتان في جوف الليل خير من الدنيا وما فيها" فهذا الذي قام أراد الآخرة. الآيات تحتاج لوقت طويل لتدبرها. الذي لم يطلب الآخرة ولم يسع لها سعيها وهو مؤمن وإن كان لم يطلب الدنيا فكأنه طلب الدنيا. قد يقول أحدهم أنا لم أطلب الدنيا ولا الآخرة قل له طلبت الدنيا لأنه طلب الآخرة كان مشروطاً بعمل أشياء ليكون ممن أراد الآخرة فلو لم يعملها يكون تلقائياً ممن طلب الدنيا. واحد قام يصيل القيام والآخر نائم وقد يكون من أهل الجنة أيضاً لكن هذا هو التفضيل فلما قال تعالى (وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً (21)) تلقوا الآيات في قول الحق (كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ) أو في قول الحق (انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) أنت تنظر وتقول الفقير الذي إن شاء الله من أهل الجنة مفضل على الذين عنده مال والآخر يقول لا هذا المفضل لأنه أخذ المال فكل واحد ينظر لها من منظار. المقدم: المفترض مع دخول الجنة أن يكون الكل راضي وليس هناك شكوى والذي يدخل النار كل الناس تذمهم (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا) وربنا سبحانه وتعالى يذمهم لكن في الجنة المقارنة أنا دخلت للجنة بفضل ربنا ولكن في درجة متوسطة لست في مرتبة الرسول صلى الله عليه وسلم وأهلي وأقاربي كل واحد في درجة ونحن لا نعلم نعيم الجنة سؤالي لو كنت في الجنة التي في وسط ألن تطلب نفسي الذهاب إلى الجنة الأعلى أم أن الله تعالى بالنسبة لكل إنسان في مكانه يكون في منتهى الرضى والإشباع ولن يكون هناك حسد أو بغضاء أو أن قوله (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ (43) الأعراف)؟. د. هداية: تجيبك هذه الآية وتجيبك الآية الأخرى (جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8) البينة) رضوا عن الجزاء وقلنا سابقاً أقل الجنة جنة. المقدم: نسأل الله أن نكون من أهلها. المقدم: مسألة التوحيد والشرك مسألة مهمة جداً وسبق وتكلمنا عنها في آيات سورة الفرقان وإن شاء الله في نهاية هذه الحلقات المقبلة سنذهب إلى سورة السجدة ثم نعود لسورة الفرقان وننهي موضوع التوبة والاستغفار التي تحدثنا عنها فيما يقارب المائة حلقة. مسألة التوحيد والشرك يؤكد عليها رب العالمين مرة أخرى بعد أن تكلم عن أهل الجنة وأهل النار (لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً). البعض يقول أن الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم فهل هذا خطاب للنبي؟ وهل يمكن للنبي أن يُشرك؟ د. هداية: الخطاب في البداية للنبي بوصفه مبلِّغاً بهذا الكلام ثم الكلام للقارئ والمستمع. الآية فيها نقطة مهمة هذا هو سبيل أهل الجنة لطلب الآخرة. لو انتبهنا لتقارب الكلمات الذي وصل النار (ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا) الذي طلب النار واحترق بنارها مذموم مدحور والذي طلب الآخرة سعيه مشكور، فذكر لك سبيل هذا فقال (لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً) يعني لو أنت جعلت مع الله إلهاً آخر ستكون ممن طلبوا العاجلة. المقدم: ويحصل أمران أولاً ستُذمّ وتُذل مخذولاً هذه كأن المولى يرسل رسالة طالما أنت أشركت واستعنت بغيري ومنهجي هذا المنهج الذي استعنت به وهواك سيخذلك ولن تصل د. هداية: هناك نقطة مهمة في الآية (لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ) هناك حديث للرسول صلى الله عليه وسلم لما قال "إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله" بعدما تكلم عن السؤال والاستعانة تكلم عن عقيدة الإنسان ساعة فقال أولاً "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك" وفي المقابل "أن يضروك" لن ينفعوا أو يضروا إلا بما أمر به الله تبارك وتعالى قضاءً وقدراً في تحقيقه فقال "واعلم أن الأمة لو اجتعمت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك" المقدم: مثال مريض ذهبت للدكتور وصف لي وصفة فشفيت. د. هداية: الدكتور عالجك والشافي هو الله تعالى. المقدم: الأمة ما زالت بخير وجدت في صحيفة أن شخصاً كان مريضاً وشفي بحمد الله وعادة نقرأ فلان الفلاني يشكر الدكتور الفلاني أو رئيس القسم الفلاني على شفائه ولكني قرأت في صفحة الاجتماعيات أن عائلة فلان الفلاني الذي شفي تسجد لله شكراً بأن منّ الله عليه بالشفاء ثم ذكر شكره للأطباء الذين جعلهم الله سبباً في الشفاء. د. هداية: هذه الآية (لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ) اتصل بي أحد الإخوة من العراق الشقيق في الأسبوع الماضي وقال في خطبة الجمعة لديهم عادة ما يفتتح الشيخ خطبته بالقول: الحمد لله الذي فضّل ديننا على سائر الأديان، وهم سمعونا عندما قلنا (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران) هذه تذكرني بالآية (لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ) هناك إله واحد بل إنه الأحد يعني هناك دين واحد لا يمكن أن يكون هناك عدة أديان. يجب أن ننتبه لهذه النقطة لأنها مسألة تهز عقيدة المستمع عندما تقول هناك أديان إذن هناك آلهة، أنت تدعو للتوحيد والآيات تقول (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85) آل عمران) إذن ربنا يفضل ديننا على دين من؟ الدين كله لله تعالى وهذا ليس تفضيلاً هذا مراد الله أن يكون خاتماً للرسالات واليهودية رسالة والنصرانية رسالة ومن إيماننا كمسلمين نؤمن بعيسى وموسى وسائر الأديان وفي بداية وختام البقرة نقطة مهمة في بدايتها قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) وفي الختام (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ (285)) وبعدها قال (وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) المقدم: لماذا أتبعها بقوله (غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)؟ د. هداية: لأننا طالما سنعمل سنخطئ، وإليك المصير تؤكد أننا راجعون للإله الحق فالله واحد والدين واحد ولا تفضيل. (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) يقولون محمد أفضل الأنبياء والمرسلين. المقدم: من الذي فضل الله أم أنت؟ د. هداية: هناك جمل خطيرة في العقيدة تحتاج لوقفة. المقدم: ربنا قال في القرآن (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (253) البقرة) ربنا يفضل. د. هداية: ليست على وزن أفعل أنا تقول أفضل يعني جعلت أحد أفضل من أحد لكن يجب أن تستقيم العقيدة على كلام القرآن. المقدم: أنا مأمور في سورة البقرة (لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) د. هداية: هناك مسألة أخرى وهي أنه ينسحب كره المسلمين لليهود إلى موسى عليه السلام وقد رأيتها في أميركا، موسى نبي الله وإيماننا بمحمد عليه الصلاة والسلام لا يكتمل إلا بإيماننا بموسى وعيسى عليهما السلام وقد بين القرآن هذا في كلام عيسى عليه السلام (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ (6) الصف) يعني أيّد كل ما جاء به موسى (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) الصف) كأنه يقول لهم أنا حلقة في سلسلة الذي قبلي يجي أن أوافق عليه والذي بعدي يجب أن أبشر به لأنني أنا كعيسى رسول في سلسلة فهذه قضية مهمة أن نقول فضّل ديننا على سائر الأديان هذا كلام فارغ وأسأل الله تعالى أن يكون هذا الكلام يقال بدون عقيدة راسخة داخلنا ويجب أن نصحو لكلامنا لأن العقيدة مهمة جداً بدليل أنه لما ذكر طالب الدنيا وطالب الآخرة ومصيرهما قال (لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ) ولو حصل ستقعد مذموماً مخذولاً لأنه لا يمكن عندها أن تكون من أهل الجنة. هذه قضية مهمة وأذكر الناس بالآية (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) أي على عقيدة سليمة وعقيدة صحيحة وعلى توحيد الألوهية بعطاء الألوهية في المناهج وبتوحيد الربوبية في عطاءات الربوبية في العطاءات المختلفة من رزق ومال وجاه وسلطان أو منع هذا كله وفي هذا عطاء. المقدم: لو إنسان أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن ولكن ناله من رزق المولى سبحانه وتعالى أموال وشركات ومصانع كيف لا تكون هذه الأشياء في يده وليس في قلبه؟ وكيف لا تغره الدنيا بمتعها؟ وكيف نضع منظومة متوازنة لمعيار الإنفاق لأنه مع مثرة هذه الأمور هناك أناس عندهم ثراء لا حصر له ولكن له شروط فما هي هذه الشروط؟ د. هداية: الحسد مذموم (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)) لكن الرسول صلى الله عليه وسلم سمح بلازم معنى الحسد في موضعين في المال ينفق في سبيل الله وفي القرآن تحسد شخصاً يمشي على المنهج هذه تسمى غبطة والغبطة يعني أن تفعل مثله لكن الحسد المذموم تمني زوال النعمة عن الغير حتى لو لم تصلني، هذا مرض لكن الغبطة أقول فلان يصلي ويصوم سأفعل مثله هذه غبطة وأدعو له أن يثبته وأنا أقلده ورجل أعطاه المولى عز وجل مالاً فأنفقه في الخير في سبيل الله. المقدم: أليس من الذكاء أنه مع الشدة أنفق أكثر؟ د. هداية: بالطبع، لا ينفع أن تقول لفقير الحالة الاقتصادية سيئة. هذا الموضوع في منتهى الخطورة لأن الذي يلتزم مع ناس يعطيهم فلا يقول لهم الحالة الاقتصادية سيئة ويتوقف عن إعطائهم قد يخفض المبلغ لكن لا يقطعه أنا أرى أن هذه الأحوال التي نحن فيها ابتلاء أكبر والابتلاءات يزيد في هذه الحالات كما في رمضان الشيطان سيعمل أكثر لأنك ستجتهد في العبادة أكثر والحديث عن تصفيد الشياطين في رمضان صحيح في أن الأفعال في الحديث مبنية لما لم يسمى فاعله (غُلّقت وفُتحت) أنت الذي تصفد وتفتح لأنك صائم لكن أن تفتح وتصفد وأنت جالس؟ الابتلاءات تشتد مع الكرب وهنا (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) يعني قول الإيمان يكون مع (وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ) لا أقول آمنت وأقف مكتوف الأيدي ويقول أنا في الجنة! وذكر الفتنة في الآية وليس الابتلاء. المقدم: ما الفقر بين الابتلاء والفتنة؟ هذا ملمح من بداية سورة العنكبوت ثم نذهب إلى سورة السجدة ونعود للفرقان حتى نلم الخيوط كلها حتى نكون من أهل الجنة ومن عباد الرحمن ونضع خلاصة لهذا التوصيف الإلهي كيفية تطبيق المنهج بشكل واقعي في كل حياتنا وفي نفس الوقت نقول يا رب وفقنا وأعطنا نوراً وعلماً وهداية لنكمل مع بعض في طريق الهداية. بُثّت الحلقة بتاريخ 24/2/2009م |
التوبة والاستغفار 99 تقديم علاء بسيوني المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه خطوات على طريق الهداية. القرآن الكريم والآيات التي فيه دائماً ونحن نحاول أن نربط العلاقات ببعض والمفاهيم ببعض التي فيه الصورة تتضح أكثر وعقيدة المسلم بمعدنها النفيس تكون واضحة أكثر عندما يكون فاهماً لآيات القرآن الكريم. كنا وقفنا عند رحلة سنخوص فيها في سورة العنكبوت وفي أولها الله تعالى يسأل الناس هل سيتركون دون أن يُبتلوا ويُمتحنوا؟ ونحن نسأل من داخل الآية عدداً من الأسئلة: ما الفرق بين الفتنة والامتحان ووالابتلاء والبلاء لأن كل لفظ له مدلوله وإلا لكان الله سبحانه وتعالى استخدم كلمة مكان كلمة وحاشاه، هذا يستحيل لأن كل حرف في القرآن الكريم أنزله تعالى بعلمه وبخبرته العليم الخبير. هذه الارتحالات مع سور القرآن وآياته توضح فعلاً وجاءتنا أسئلة من المشاهدين. قبل أن نبدأ بآية سورة العنكبوت سألنا بعض المشاهدين عن الآية في سورة الحديد (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)) ما معنى أعجب الكفار؟ وما هو النبات؟ وماذا أعجب الكفار بهذه القصة؟ ولما شُبهت الدنيا بهذا؟ وما الدلالة البليغة في هذا التصوير القرآني؟د. هداية: سبق وتحدثنا في هذه الآية وقلنا أن الكفار في هذه الآية ليس كفر العقيدة وإنما الكفار هنا إشارة إلى أصل الكلمة في اللغة. القرآن الكريم يستخدم الكلمة، يعني كلمة الكفار لما تسمعها تعني من كفر بالله تعالى أو كفر بالقرآن أو كفر بالرسول أو إلى آخر هذا الكلام، لكن كلمة كافر لها أصل لغوي فيستخدم القرآن في آية من الآيات أصل الكلمة لغوياً، فالكفار هنا هم الحُرّاث وألفت نظر المشاهدين أن بعض السادة المفسرين حتى في العصر الحديث والقديم يكتبون أن الكفار هم الزُرّاع والقرآن الكريم نهانا عن أن نقول على من يفلح الأرض أنه زارع وقال الحق تبارك وتعالى في آية في سورة الواقعة أوضح من الشمس في كبد السماء (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)) لم يقل ما تزرعون يعني كلمة زارع لا تأتي لبشر ومن الخطأ اللغوي أن يقال مزارع نسأل الله أن تؤثر على العقيدة، الناس ليست فاهمة وكلمة زارع لا تُطلق إلا على الخالق سبحانه وتعالى بدليل ما جاء في سورة الواقعة (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)) فليفت الله تبارك وتعالى نظر الناس أن كلمة زارع لا تكون إلا لله تبارك وتعالى، الفلاح أو الذي يفلح الأرض يسمى حارثاً من حرث. المقدم: لماذا لم يقال أن عملية الإنبات هي التي تخص المولى سبحانه وتعالى باعتبار أنني أنا وضعت البذرة في الأرض لكن مسألة تكبر النبتة وتتغذى وتمتد المقدم: الإنبات مرحلة في الزرع لكن الزرع كعملية متكاملة لله تبارك وتعالى بدليل (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64)) فالكفار في سورة الحديد كلمة معناه الحُرّاث المقدم: الكفر هنا ليس كفر العقيدة د. هداية: لا ليس كفر العقيدة وإنما استخدم أصل الكلمة وضرب المثال بالنبات الذي يفهم هذا المثال الحُرّاث لأن هذا عملهم فلما يعجبهم يكون زرعاً على أعلى مستوى فالكفار هنا كلمة لتوضح مدلول الكلمة المأخوذة من اصطلاح لغوي. المقدم: كوصف وتشبيه هلى يمكن أن تكون كلمة الكفار هنا بمعنيين الزارع والناس الذين كفروا باعتبار أن الذي سيعجب بالحياة الدنيا واللعب واللهو والزينة وتدخل قلبه وينسى الآخرة سيكون كالذي كفر؟ د. هداية: هذا تأويل لكن أصل المسألة كما يقول المثل عندنا "أعطي الخبز لخبازه" لأن الخباز سيفهم فيه، أنت ترى رغيف الخبز فيه نقاط صفراء أو بنية اللون الخباز يعرف سبب هذه النقط هذه قصة يفهمها أهل الصنعة. فالله سبحانه وتعالى يضرب مثلاً بغيث سيُنبت والذي يفهم قضية الإنبات تأخر أو لم يتأخر أو الزهرة تأخرت وعندما كنا ندرس العلوم كان المسؤول عن المعمل أشطر منا وكان يعرفها بمجرد أن يمسكها قبل أن يراها ونحن كنا لا زلنا نتعلم. هنا يضرب المثال (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ) لماذا جاءت كلمة الكفار هنا؟ حتى يلفت نظرنا إلى أصل الكلمة فالكافر عقائدياً يستر وجود الله تبارك وتعالى كما يستر الحارث أو الحراث البذرة تحت الأرض. أصل كلمة الكفر العقائدي جاءت من كلمة كفر البذرة تحت الأرض ونسميه الحرث لذلك قال القرآن (أفرأيتم ما تحرثون) من ضمن عملية الحرث أن تقلب الأرض لتدخل البذور ومن زمان كان الناس يسمون الفلاح يا كافر ليعاكسوه والولد يذهب لأبيه يخبره أن الأستاذ ناداه يا ابن الكافر فيقول الأب هذا صحيح أنا كافر لأنهم كانوا يفهمون هذه المسألة ومعنى الكلمة. وهنا يضرب القرآن المثال في ألص الكلمة في اللغة التي أصبح لها فيما بعد معنى اصطلاحي السائد الآن. المقدم: نعود للتشبيه نفسه خصوصاً أن الآية تتكلم على الحياة التي نعيشها لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر في الأموال والأولاد هذه الأمور كلها تكلمنا عن مسألة الفتنة مسألة أنها فتنة والناس ستقول أليست هذه الأمور حلالاً ومتع حلال، مسألة الأولاد أم أن المنهي عنه هو التفاخر وأن تملأ هذه الأمور قلبي فتنسيني الآخرة؟، هل هو بهذا المعنى؟ د. هداية: نحن قلنا هذا، قلنا أنك لما تتباهي بأمر أنت عملتها تكون مقبولة لكن أن تتباهى بأمر لم تعمله أنت فليس له معنى! الثقة بالنفس والغرور بينهما خيط رفيع جداً، الإنسان الواثق بنفسه يظهر في كلامه أما المغرور فيظهر في كلامه ويكون ممقوتاً لكن لا بأس أن تكون واثقاً في نفسك لكن لا تكن مغروراً. يوم القيامة الذي أخذ كتابه بيمينه سيقول (هاؤم اقرأوا كتابيه) هذا نوع من أنواع الثقة والفرحة بالذي عمله والآخر سيقول (يا ليتني لم أوت كتابيه) وسبق أن ضربنا مثالاً أن الذي يذهب لصلاة الفجر يصدر صوتاً وهو نازل على السِلِّم ويسعل ويفتح الباب وينادي على البواب لكن الحرامي الذي يخرج في نفس التوقيت ليسرق يطلع على المواسير ويلبس حذاء مطاطياً يلبس قفازات ويعمل كل الاحتياطات للستر عكس الأول. فقول (هاؤم اقرأوا كتابيه) يدل على أنه عمل شيئاً طيباً بينما (يا ليتني لو أوت كتابيه) هذا عمل سيئاً، كل هذا عطاء الله سبحانه وتعالى فالتباهي لا يكون بشيء لم تعمله أنتوقلنا سابقاً أن أهل الجنة فهموا هذه المسألة وهم في الجنة لم ينسبوا الفضل لذاتهم وإنما نسبوه لله تبارك وتعالى (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) أثبتوا لله تبارك وتعالى هداية الدلالة والمعونة وحتى توفيقهم نسبوه إلى الله تبارك وتعالى. المقدم: بعض الناس سألت عن (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) الحديد) وفي آية أخرى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) آل عمران) ما الفرق بين سابقوا وسارعوا؟ د. هداية: هنا الفرق في الفاعل، المسارعة والمسابقة فيها فاعلين، سارعوا هنا ستكون مسألة بفاعل واحد أنت تسرع حتى لا يفوتك الوقت لكن أصل المسارعة يأتي من المسابقة. لماذا قال سارعوا؟ لأنه لو بقيت جالساً يدركك الموت، هنا سابقوا من؟ الموت لأن الإنسان يولَد وقد كُتب الأجل لذلك قال بعض الحكماء أن سهم الموت ينطلق خلف الإنسان ساعة الولادة للأجل الذي كتبه الله تعالى. (سابقوا) كأنها تعني سابقوا الموت وأدركوا المغفرة والجنة، سبق وقلناها أن مهمة إبليس بينه وبين نفسه وأمام الله أ، يوقعني في عمل أبقى عليه عساني أموت على هذا الفعل فلا يكون هناك توبة، وهنا سندخل في متاهات الميزان وهل هي كبيرة أو غير كبيرة وهل هناك توبة من الكبيرة أم توزن على علاّتها مناقشة كبيرة جداً فلما يقول تعالى (سابقوا إلى مغفرة) اي سابقوا الموت الذي قدّره عليكم وأنتم في بطون أمهاتكم وسبق أن ذكرنا أن الجنين وهو عمره 120 يوم يؤمر الملك بأربع كلمات رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد وذكرنا أن شقي أو سعيد ليست في الدنيا وإنما في الآخرة ولذلك قال (سابقوا إلى مغفرة من ربكم) وبالتالي لو سابقت ووصلت إلى المغفرة سيكون لي الجنة وهذه الجنة عرضها كعرض السموات والأرض إذن هي تستحق المسابقة إنما لما يقول سارعوا هو يخاف عليك من الوقت الذي هو عنوان المسابقة أو مناط المسابقة التي بيني وبين الموت. المقدم: نعود إلى موضوع في سورة الشورى الآية 20 (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (20)) تتكلم في نفس الموضوع وهناك رابطين الرابط الأول موضوع الحرث والزرع والموضوع الثاني الذي نتكلم فيه، بدأ بالكلام عن حرث الآخرة وهناك مسائل أخرى في الآية بدأ بالآخرة واستخدم الفعل المضارع (يريد) واستخدم نفس الأدوات (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه) كأن المولى تبارك وتعالى يطبق مسألة الحسنة بعشرة أمثالها والله يضاعف لمن يشاء ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها كقوله تعالى (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد) في سورة الإسراء، الآيات مترابطة، أسأل ما دلالة استخدام كلمة الحرث في الآخرة؟ وفي الدنيا رغم أنه من المفروض في الدنيا كل شيء سينتهي ويكون كالهشيم تذروه الرايح وانطبقت السموات على الأرض والواعي والفاهم عليه أن يستعجل ليحرث في الدنيا حتى يحصد في الآخرة، ما هذه الصورة البلاغية القرآنية؟ المقدم: التشبيه والتصوير في مسألة الحرث, ان هناك حرث دنيا وحرث آخرة صورة سهلة حتى يستوعبها الناس السؤال ماذا ستختار أنت؟ هل ستختار الذي تستعجل عليه في الدنيا أو تختار الذي تتعب فيه فعلاً وأنت ببصرك وبصييرتك ترى نتيجة الحصاد في الآخرة، رب العالمين يضرب أمثالاً كثيرة في مسألة الدنيا والآخرة لستخدم الحرث فما تعليقك على هذه المسألة هل استخدام الحرث لسهولة الفعل للتصور؟ د. هداية: لأن كثيرين يرون بأعينهم أن فلان يزرع جيداً، فلان لا يزرع جيداً، فلان يحرث جيداً وآخرون لا يحرثون جيداً هذه مسألة واضحة أمامنا والناس تراها وتسمع عنها، لكن الجديد فيها أن الله تبارك وتعالى استخدام كلمة الحرث للإثنين فأشعر من الآية أن المولى سبحانه وتعالى يريد أن يلفت نظرنا إلى أن حتى الذي يطلب الدنيا سيتعب لكن ليس نتيجة تعبه في الآخرة يساوي صفر (وما له في الآخرة من نصيب) هذا حرث وهذا حرث لكن هذا حرث في أمر يستاهل وآخر حرث في أمر لا يستاهل وأتعب نفسه على الفاضي وضيّع عمره سدى. وهنا مسألة الدعاء بزيادة العمر ليس هناك ما يسمى زيادة العمر لأن العمر مكتوب فكيف يزيد العمر؟ هذا عاش أربعين سنة وهذا عاش أربعين سنة لكن الأول عاش الأربعين كأنهم مائة سنة والآخر عاشهم كأنهم عشرة هذا نتيجة العمل في الفترة الزمنية التي كتبها الله تعالى المقدم: وتوفيق ربنا د. هداية: هنا توفيق وإخلاص. الفعلين في سورة الشورى مختلفين عن سورة الإسراء. المقدم: في الإسراء كان هناك فعل أراد ويريد د. هداية: في الإسراء قال (من كان يريد العاجلة) لم يقل حرث العاجلة وقال (ومن أراد الآخرة) وليس حرث الآخرة. كأن المولى سبحانه وتعالى يريد أن يلفت نظرنا إلى مسألة الإرادة السابقة بالنسبة للعاجلة أنت ساعة أعلنت إيمانك عقدت العزم على أنه سينطلق في العمل للآخرة وهو منطلق يكون في الحياة الدنيا لكنه يفهمها صح وهناك من يعيش في الدنيا ولا يفهم الحقيقة والذي لم يفهم ينقسم إلى اثنين واحد عنده استعداد يفهم وآخر لا يريد أن يفهم معتقداً أنه سيدخل النار قليلاً ثم يخرج وهو سعيد بهذه المسألة جداً مع أنه ليس لها أساس لا في القرآن ولا في المنطق ولا في العقل اللهم إلا في بعض الأحاديث التي لا نأخذ نحن بها. خطورة القضية أنه في سورة الشورى قال (من كان يريد حرث الدنيا – من كان يريد حرث الآخرة) وضع الدنيا والآخرة بنفس التوصيف، أما في سورة الإسراء فكانت مختلفة (يريد – أراد). في سورة الشورى يريد أن يقول أنه من أراد العاجلة عليه أن يجدد الإرادة في مسألة الحرث لأن بالمنطق أنت أخذت قطعة أرض فلن تصحو من النوم يوماً وتجدها مزروعة! قال تعالى في سورة الواقعة (أم نحن الزارعون) بعد أن أسند الحرث لك أنت (أفرأيتم ما تحرثون) والحرث كلمة كلها مشقة وأؤكد على أنها استخدمت للدنيا ربما الذي اختار الدنيا يمكن أن يؤنب نفسه ويعود وهذا سر بقاء الفعل المضارع مع الدنيا أنه ما زال عنده فرصة التوبة التي هي موضوعنا (من كان يريد حرث الدنيا) يمكن أن يلفت أحد نظره فيعود فيكون هناك تجدد في الإرادة، في الآخرة أنت أردت العاجلة ليس حرث العاجلة أنت أردت العاجلة (ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن) السعي يحتاج إلى (يريد) وله شروط وهذا منهج ثابت ليس من عندنا نحن وليس من قبيل الصدفة أن تكون الآية التي بعد الآية في سورة الشورى التي نحن بصددها (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21)) رغم أن هذا تأليف لكن كلمة (الدين) مفردة ليست أديان مع أن المنطق الباطل الذي يلعبون عليه في منطق الأديان السماوية كان يفترض أن يقول شرعوا لهم من الأديان حتى لا ينسبها إلى الدين لأن (إن الدين عند الله الإسلام) قال وإن اختلف المنهج يجب أن تكون الكلمة مفردة ولذلك يقول (أم لهم شركاء شرعوا لهم) نذكر الآية التي عملنا عليه سابقاً (شرع لكم من الدين) المقدم: إذن هنا كأن الذي يفعل هذا كأنه ينازع المولى عز وجل في التنظير والنظرية د. هداية: هذه المسألة التي عقيدتنا ترفضها تماماً المقدم: أنا عندي نظرية من عند الإله فكيف أعمل أنها منهج بشر؟! د. هداية: شطارتي أن أفتح عقلي لأستوعب هذا المنهج أما الآخر فيقول نحن سندخل النار قليلاً ثم نخرج فلماذا أنت غاضب؟ نقول له إذهب أنت النار وابتعد عني! (شرعوا لهم من الدين) وبعدها قال (ما لم يأذن به الله) لأن (إن الدين عند الله الإسلام) فإذا عملت شيئاً بإدّعاء مثل البِدع، تعريف البدعة أنها الزيادة في الدين على سبيل التعبّد لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (وكل بدعة ضلالة) كل بدعة ضلالة هذه البدع التي تعيش فيها الناس هي في الدين، الآية تتكلم في هذه النقاط أن يأتي الذي أراد أن ينازع الله – إن صح التعبير – أو يوقع هذا في الغلط إذا كان شيطان إنس أم شيطان جن فيُلبِّس على أحدهم تلبيس إبليس يلبس الباطل ثوب الحق والرجل المنطقي يقول (قولة حق يراد بها باطل) وابن الجوزية في كتابه المهم "تلبيس إبليس" ذكر كيف أن ابليس لعنة الله عليه يدخل إلى كل إنسان من مدخله، هذا من الغناء، وآخر من الأفلام، آخر من السلسلات، آخر من الدين، هذه (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) فالسؤال هنا هي أيّ أرادة؟ والشطارة أن يجدد الإنسان الإرادة في حرث الآخرة على منهج الله حتى نخرج من تحت وطأة في سورة الروم لما قال (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم) هنا دخل الهوى لكنه قال بغير علم المقدم: وبغير علم يعني تركتم المنهج. المقدم: (وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (21) الشورى) كلمة الفصل تجيب على بعض الناس الذي عندهم إيمان وقلب طيب جداً ويتساءلون كيف يترك الله تعالى القتلة يعملون هكاذا في فلسطين والعراق ويترك الشر ونحن مغلوبون؟ د. هداية: هذه هي الفتنة وهذا هو الابتلاء وأهم من هذا وذاك القضاء الذي لن يتغير (ولولا كلمة الفصل ) لو أن الله شاءت إرادته الأزلية أن ينتقم لانتقم لكن له إرادة متبوعة بالحكمة وإرادته لا تنفصل عن حكمته أبداً المقدم: ولهذا ختم تعالى الآية (بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) د. هداية: هذا الذي لم ينظر إلا إلى الدنيا وعذابهم مؤجل وهذه حكمة وقبلها الإرادة والمسلم الواعي إذا لم يسلِّم بما أراد الله تبارك وتعالى فيما قيمة إسلامه؟ هل سيكون إسلام على هواي أنا؟ لا ينفع. كلمة أسلمت يعني سلمت لهذا الإله الحق كل شيء ولذلك أذكر بدعاء افتتاح الصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" لا للهوى ولا للنفس ولا للشيطان، أنا أرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفتتح بهذا الدعاء في كل صلاة لتؤثر الصلاة وتكون كل صلاة إلى الصلاة التالية مكفرات لما بينها وعلينا أن نعي هذه المسألة وللأسف البعض يسألون هل يجب أن اقول هذا الدعاء في كل صلاة؟ نقول لهم هو لا يأخذ من وقتك دقيقة المقدم: حتى لو نسيت أن تقولها وقّعها في قلبك واجعل نيتك هكذا أن حياتك لله ومماتك لله. د. هداية: أنت لو توقّع من غير كلام وهذا حرص الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا مثل شعبي يقول "الدوي على الودان أمرّ من السحر" التكرار هذا أحدهم يقول لك أني لم أنتبه إلى هذا المعنى مع أني أقولها منذ سبع سنين مثلاً. نذكر عمر بن الخطاب لما تكلم أبو بكر في وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقال من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت هذا قول أبو بكر ثم قرأ الآية (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) مثله كمثل باقي الرسل يجب أن يموت (أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) قال عمر كأني لو مرة أسمعها هذا لا يعني أنه لم يسمعها من قبل لكنه أول مرة ينفعل لها. ونحن نقرأ القرآن يجب أن نأخذ لازم معنى قول عمر أن نصحو ونحن نصلي ونحن نقرأ القرآن ونحن نتكلم لأنه في بعض الأحيان المصورون معنا ونحن نصور ست حلقات مثلاً يأتي أحدهم ويقول هذه الحلقة جميلة جداً أجمل من الحلقات الباقية والمخرج يقول لك هذه الحلقات الأخرى أعلى من هذه الحلقة لكن هذا المصور أفاق في هذه الحلقة وانفعل فيها. إذن التلقي هنا الآيات هذه تتكلم فيها أنه لما تتلقى وتنفعل وهذا الرد على السؤال عن سبب تكرار الأحداث والقصة ليعمل لك إنفعال وأنت تقرأ في سورة الشورى تقول لنفسك أليس هذا المعنى كان في سورة الإسراء لكن هنا الفعل ماضي وهناك مضارع، هذا قمة التفسير أن تلفت نظرك آية في سورة ما إلى سورة أخرى، أنت تقول في سورة الشورى جاء الفعل مضارعاً اقول لك جاء الفعل مضارعاً مع كلمة الحرث لأن الحرث يريد استمرار عمل أما في الإسراء فهناك أراد العاجلة وليس حرث العاجلة وعندها ستتوقف عند الفرق في بين العاجلة وحرث العاجلة وبين الآخرة وحرث الآخرة ويبدأ يسأل كيف يكون الحرث؟ هذا مراد الله سبحانه وتعالى من تكرار الآيات باختلاف الأفعال والأحداث والإشارات لدرجة أنك تجد آيتين مثل بعضهما بالضبط لكنهما يختلفان فيما قبلهما وبعدهما من الآيات. المقدم: قد يكون مكانها هنا في توسطها آيتين في مكان غير الآيتين في مكان آخر هو الذي يظهر الفرق د. هداية: بالضبط مثل الكفار وردت في آيات بمعنى كفار العقيدة ووردت كلمة كفار بمعنى أصل الكلمة التي هي الحرث لأنك قد تسأل نفسك لماذا سمي الكافر كافراً ولماذا سمي المنافق منافقاً؟ ما هو أصل الكلمة في النفاق وما هو أصل الكلمة في الكفر؟ وما هو أصل الكلمة في الإيمان؟ يكون هناك هدف لأن كلمة الكفار اليوم تستخدم في المعنى الإصطلاحي والناس تستغرب معناها في الأصل اللغوي المقدم: الناس عرفتها على أنها كفار عقيدة د. هداية: فاستخدمها القرآن مرة بمعنى أصلها اللغوي. المقدم: نحن نتكلم على طريقة التلقي وهذا أمر مهم الآيات موجودة والقرآن موجود وإذاعات تفسر القرآن لكن مسألة التلقي مهمة جداً، عمر من الصحابة وفي واقعة وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم اهتزّّ وفي موقف آخر (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) هل هو عمر أو غريه من الصحابة الذي فهم من الآية أنها تنعي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ استقرأ فيها نعي الرسول؟ د. هداية: أبو بكر الصديق المقدم: ما الذي كان عند أبي بكر زيادة عن عمر بن الخطاب؟ كان هناك سباق بين أبو بكر وعمر؟ د. هداية: هذا شيء محمود، والقرآن الكريم قال (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) في النتائج فحتى تصل إلى نتيجة عالية يجب أن يتسابقوا وهذه الغبطة التي تحدثنا عنها. المسألة تحتاج أن أفتح المجارك وأدخل بقلب مفتوح لا أدخل لأؤدي واحباً فقط مثل الذي يصلي وهو يؤدي واجب، ذكرنا سابقاً أنك تخرج من مكتبك إلى بيتك ولم تشعر إلا وأنت تركن السيارة بجانب البيت لم تنتبه في أي شوارع مشيت؟ المصيبة أن تجد نفسك وأنت في الصلاة تُسلِّم لم تنتبه للأربع ركعات هذه ليست صلاة والله أعلم إذا كانت تُكتب، والرسول صلى الله عليه وسلم كل كلامه "صلّوا كما رأيتموني أصلي" وحديث المشيء صلاته يجب أن ننتبه إلى كل هذه الأمور فالصلاة ليست مسألة أداء واجب فقط. المقدم: وعمر بن الخطاب كان له قصة في مسألة العباءة د. هداية: لا، هذا كان علي بن أبي طالب إن صحّت القصة أنه انشغل بالعباءة. نسأل الله السلامة المقدم: هي مسألة جهاد مع النفس ومع مسألة الحرث حتى نجد في النهاية الحصاد في الجنة إن شاء الله د. هداية: (والذين جاهدوا فينا) (فينا) يجعلنا نقف أمام إبداع البيان لم يقل في الله وإنما قال (فينا). المقدم: (والذين جاهدوا فينا) وفي سورة العنكبوت (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)) مسألة (في الله) و(فينا) لأول وهلة قد نظن أنهما نفس المعنى لكن الصياغة مختلفة لماذا؟ د. هداية: لأن (في الله) تعطي التوحيد المطلق و(فينا) تعطي التعظيم وتخيفك قليلاً وهذا له أجر (لنهيدتهم سبلنا) ويجب أن نقف عند سبلنا. المقدم: (سبلنا) بعض الناس تفهم أن هناك أكثر من طريقة بينما القرآن يقول للرسول صلى الله عليه وسلم (قل هذه سيبلي أدعو إلى الله على بصيرة) هذه الآية تعطي معنى أنه ليس هناك إلا سبيل واحد وأن الرسول صلى الله عليه وسلم وكل الرسل والأنبياء يتبعون منهجاً ليس من تأليفهم هم وإنما وحي وأمر من الله لكن (سبلنا) هل تعطي فكرة التفرق وأن كل واحد يجتهد ويؤلف كل واحد على ذوقه أو أن كل واحد رغم التوحيد في العبودية والتوحيد في الهدف أني ذاهب إلى الجنة على منهج الله لكن قد يسلك دروباً وسبلاً مختلفة في الدنيا؟ د. هداية: كلمة السبيل ومشتقاتها وردت في القرآن 166 مرة مثل سبيل الله، أما سبلنا بالجمع فوردت عشر مرات بمشتقاتها لكن لما تفحص 166 كلمة السبيل تجد أنها بمعنى الصراط والشرع ولما تفحص كلمة سبلنا بالجمع تجد أنها لا تنفع إلا في الدنيا لا تنفع إلا في العمل ليست منهجاً، لو أراد معنى منهج يأتي بكلمة سبيل (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله) كلمة سبيل مفردة هنا إنما في الآية (لنهدينهم سبلنا) هنا هداية دلالة ومعونة حتى يتحركوا، هداية الدلالة قد تُكر لوحدها أما هداية المعونة فيجب أن تكون معها هداية الدلالة التي بدونها لا يمكن أن أفعل شيئاً. (فلنهدينهم سبلنا) ماذا تريد أنت في الجنة؟ تريد أن تدخل من أبواب الجنة الثمانية كما كان أبو بكر حريصاً على هذه المسألة، الرسول صلى الله عليه وسلم قال كل واحد يدخل من باب عمله فسأل أبو بكر – لم ينتبه أحد للمسألة والقِلّة حتى في التلقي- فسأله هل يمكن أن يدخل أحدهم من الأبواب الثمانية كلها؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم وأنت كذلك، هذه السبل، هي الجنة. المقدم: واحد قد يكون حصاده في الجنة من باب الصيام وآخر قُتل في سبيل الله وواحد الصلاة وآخر إتقان العمل وآخر ترك علماً نفع به الإسلام والمسلمين فهل يمكن أن يكون هذا تطبيق لكل هذه السبل؟ د. هداية: نعم، هم كلهم في الجنة، السبيل هنا واحد والوصول له يحتاج إلى سُبل، أنت تصلي الليل قيام وتهجد وتصوم وتزكي هذه سبل ولهذا جاء معها كلمة الهداية (لنهيدنهم سبلنا). الذي ذكرته مهم جداً أننا نطبقه بشرط (على سبيل الله) على منهج واحد ولا نعدد المناهج فيكون الهدف واحد والمنهج واحد والطريق له من مليون سبيل (سبلنا) وكلها نافعة بشرط أن ابتعد عن الهوى أو أؤلف من عندي أو أقول لم يهدني الله بعد عندها أكون خرجت خارج السبيل. السبيل له سُبل، سبيل بغاية له سبل لكن كلها على منهج الله تبارك وتعالى ونعيد الآية في سورة الروم (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29)) ثم قال الحل (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)) الدين مفرد. المقدم: (الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت) د. هداية: الآية الثالثة جملة اعتراضية لأن النص أحسب أم حسب الآية 2 (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) والآية 4 (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)) الآية 3 اعتراضية توضح حقيقة الفتنة. (ألم) الأحرف المقطعة تكلمنا فيها وبالمناسبة أريد أن أقول لما نزل القرآن بالحروف المقطعة على رأس عدد من السور هناك من ينتظر غلطة واحدة في القرآن لتعمل منها مشكلة وتخطيء الرسول صلى الله عليه وسلم وتعيب على القرآن لكنهم لم يفعلوها ولم يتكلموا في الحروف المقطعة. المقدم: إذن ما هو السر طالما أنهم كانوا ينتظرون غلطة واحدة؟ د. هداية: لو كان فيها إشكالية من كان أولى بالاعتراض وهم أقدر الناس عليها من ناحية اللغة كلهم كانوا فحول في اللغة والوليد بن المغيرة قال كلاماً في القرآن لم يقله أحد. إذن ليس فيها إشكالية وسكوتهم عنها إما علامة الفهم أو علامة الرضا فلن يسكت المعترض أبداً. أدركوا حقيقة الحروف. المقدم: الرجل الأمي لا يمكن أن يفسر الحرف د. هداية: عندما يقولون عن الرسول صلى الله عليه وسلم أمي والقرآن يصفه بهذا هناك مناط لهذه الكلمة فمقلوب الأمية ماذا؟ نذكر مثالاً الرجل الأمي (أمية اللغة أو القراءة) لو كلمك في السياسة أو الاقتصاد تجده موسوعة لكن قل له استهجى كلمة اقتصاد لا يعرف، إذن الرجل يتكلم معك فيها هذا الرجل يدخل الحروف في بعضها فيعمل كلاماً يعني يعرف أن الألف مع القاف مع التاء مع الصاد مع الألف مع الدال تعمل كلمة اقتصاد لكنه لا يعرف أن يجزيء الكلام إلى حروف ولا سأل ماذا يعني حرف ألف؟ قد يقول لك ما معنى اقتصاد؟ لمن لا يقول لك ما معنى ألف؟ لأنها ليس لها معنى وإنما يكون لها معنى عندما تدخل في الكلام. أنت وصفت الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه أمي وهو يقول (ألم، كهيعص) ويقولها بطريقة أنت ملزم أن تقولها مثله. سأل طفل الشيخ مرة عن معنى (كهيعص) وكان قد نطقها كأنها كلمة لكن الشيخ صححها له كما أخذها هو سماعاً فالقرآن يؤخذ سماعاً والأمي - الذي لم يفهم الناس معنى توصيفه أنه أمي- تهجى الأحرف. (ألم) ألفت النظر أنه لم يسأل عنها أحد ولم يسأل عن معناها الحرف ليس له معنى في حد ذاته وإنما له معنى مع غيره من الحروف. المقدم: البعض عمل دراسات عن الأحرف وقال أن معظمها موجود في السورة د. هداية: المسألة ليست في ألم فقد ودر في القرآن ن و ق وص لماذا لم يقل ض مثلاً؟ لماذا وردت السين ولم ترد الشين. الرازي وصل لستة عشر رأياً لكنها تبقى آراء لكن أذكر أنهم في السابق لم يعترضوا عليها ولم يسالوا عن معناها. (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)) الآية 3 اعتراضية كأنه يريد أن يقول لك أنت لست بدعاً في الفتنة كل الناس مبتلاة وهذا ما قضى به الله. قضى بماذا؟ المسألة ليست قولاً، الإيمان ليس كلمة الإيمان عمل وهذه الآيات تؤكد هذا والآيات تسأل وتترك الإجابة لك (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) ما هو اعتراضك؟ ثم قال (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) هل تكلم عن سيئات؟ نعم تكلم، مجرد وهمك - ألفت النظر إلى كلام بعض المفسرين عن معنى كلمة حسب وذكرنا نحن سابقاً درجات الإدراك الأربعة العلم إدراك اليقين والظن إدراك الطرف الراجح والشك تساوي الطرفين والوهم إدراك الطرف المرجوح وأقرب نسبة للعلم الظن وهي التي استخدمها القرآن كثيراً بمعنى علمت (إني ظننت) ظننت هنا بمعنى علمت لكن لا يمكن أن اقول علمت، هذه نقطة. نحن تحركنا من 51% وعملت ولم أنتظر لتكون النسبة 70 أو 80% هذا الرجل الشاطر والمرأة الشاطرة، لما يقول (أحسب) الفعل (حسَب) يأتي بمعنى عدّ أو (حسِب) بمعنى الوهم وليس الظنّ إدراك الطرف المرجوح الذي حيب هذا خطأ لأنه لم يدرك الطرف الراجح وإنما الطرف المرجوح إذن حسِب بمعنى توهّم وفهم خطأ ليس ظناً لأن الظن أفضل واستخدمه القرآن بدل العلم. لو كنت تعلم أمراً ما مائة في المائة وأستاذك هو الذي يسألك فلأنك تلميذ مؤدب لن تقول له علمت ومتأكد وإنما تقول أنا شاكك أو أظن، هذا مؤدب. لما يقول المولى تبارك وتعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) هل هي بمعنى علمت أو ظنت أو شكّت أوتوهمت؟ توهمت أن يتركوا سدى على القول يعني تسأل أحدهم عن حاله فيقول أنا مؤمن لكن يؤذن للصلاة فلا يقوم يصلي، يأتي رمضان ولا يصوم إذن أين الإيمان؟ آيات سورة العنكبوت تؤكد فكرة أن الإيمان قولٌ يلزمه وتبعه العمل يصدقه (ما وقر في القلب وصدّقه العمل) صدّقه يعني صادق عليه بالعمل وليس كلاماً فقط. (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) ما هي الفتنة؟ الفتنة والابتلاء والبلاء والامتحان ليست مترادفات، الابتلاء عنوان مضمونه وموضوعه الفتنة. الرجل الذي يعمل بالذهب يُدخل السبيكة النار يفتنها فتنصهر المواد الشائبة مثل النحاس وغيره ويبقى الذهب خالصاً نقياً. هذا تشبيه من المولى عز وجل للمؤمن الذي يستحق الجنة بالذهب الخالص أنفس المعادن أما المنافقين والعصاة والفاسقين كالشوائب التي انصهرت في النار ومصيرهم في الآخرة النار ولذلك هناك تعبير نقول عنه (منه وله) الفتنة فيها نار وهذه الآية فيها جنة ونار جنة للذهب وما شابهه ونار للخبث وما شابهه. المقدم: جزاكم الله كل خير، الأسئلة كثيرة جداً وسنتكلم عن معنى الابتلاء والفتنة والبلاء نفسرها للناس ونتكلم عن تطبيق العمل الذي يصادق على القول وهناك سؤال منطقي جداً الناس قالت آمنا فسنبتليهم ونفتنهم والذين لم يقولوا فهل هم خارج الآية؟ أو أن الآية تكلمت عنهم ونحن لم ننتبه، أسئلة كثيرة كلها تصب في سلامة العقيدة، نكمل المسيرة ونراكم بألف خير، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 3/3/2009م |
التوبة والاستغفار 100 تقديم علاء بسيوني د. هداية: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. طبعاً الأسئلة في اللغة في البداية: الفتنة موضوع الابتلاء، الابتلاء هو الامتحان والاختبار وبعض الناس يقولون أن الفتنة هي الامتحان والاختبار لكن الفتنة هي العملية نفسها ليست الامتحان عنوان والفتن هي العملية نفسها أن تأتي بالنار وتُدخل فيها سبيكة الذهب حتى نُخرج الذهب والباقي كله ينصهر. وفي الحلقة السابقة ذكرنا أن المثال مضروب منه وله يعني الذي سيسقط في الامتحان عقابه النار وأساس الفتنة أن تُدخل الذهب النار فهذا تشبيه تمثيلي جميل جداً. ما أريد أن نقف عنده اليوم الدعوة الإسلامية ليس من سبيل الصدفة الترتيب الذي حصل أنها تبدأ في مكة وتنتهي في المدينة. الرسول عليه الصلاة والسلام مر بأناس كفروا ومرّ بأناس نافقوا، لم يكن في مكة منافقين وإنما كان فيها كفار، هذا في الغالب الأعمّ. السؤال الذي نريد أن نقف عنده نتأمل الآيات وأنت سألت سؤالاً طيباً (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) هذا للذين قالوا فما بال الذين لم يقولوا؟ والذين لم يؤمنوا؟ أيهما أخطر على الإسلام إدعاؤه أو رفضه؟ إدعاؤه. هذه هي قضية الآيات والذي يؤكد معنى ولازم معنى الآيات أن كفار قريش كانوا محترمين لأنهم لو فهموا أن المسألة مسألة كلام لقالوا لا إله إلا الله إنما تصور هذا الكافر المحترم محترم لأنه فهم أنها ليست كلاماً وإلا لقالها مثل اليهود في المدينة. أنت تعرض قضية تطالب الناس أن تؤمن بها، القاعة فيها مائة شخص خمسين آمنوا بالقضية وثلاثين ادّعوا وعشرين رفضوا، أنت ستحترم أولاً الخمسين الذين آمنوا ثم ستحترم العشرين الذين رفضوا لأنهم كانوا واضحين لأن وضوحهم سيبين نقطة الخمسين أن المسألة ليست كلاماً وإلا لكانوا قالوها هؤلاء العشرين. إعلان الكفر في عصر الدعوة الأول يجب أن يخدمني اليوم لأن المسألة لو كانت كلاماً لقالوها بلسانهم وانتهى الأمر، عرفوا أن فيها التزام وكلمة التزام حتى مع الفتنة. المقدم: التطبيق على واقعنا هناك بعض الآنسات أو السيدات عموماً في مسألة الالتزام بالزي الشرعي أو الخمار يعرفون أنه فرض لكن نحن نفهم أن الحجاب التزام له التزامات معينة ليس فقط مسألة إلتزام بزي لكن سألتزم في منهجي وفي طريقة شغلي ونوعيته وأنا لست مستعدة لذلك فأنا أخشى أن ألتزم بالحجاب وأكون دعاية سيئة للمحجبات لأن مسلكي لم يلتزم بعد ولم يطبق إلتزام الحجاب لهذا سأوخر ارتداء الحجاب. د. هداية: لو كان منطق يقابل منطق عاقل لقال القرآن وليضربن بخمرهن ساعة يقدرن، ساعة يستطعن يعني لكان أعطاهم مساحة لكن القرآن قال (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ (31) النور). المشكلة والذي يحزنني على هؤلاء الناس أنهم لا يفهمون مناط ما يقولون. المقدم: ويقولون أنهم سألوا علماء تقول أنا شغلي لا يسمح بارتداء الحجاب وصاحب العمل يمنعه فأكون مضطرة وفي مجال الإعلام هناك الكثير من المحطات التي تمنع المذيعة المحجبة وهناك جهات تريد مذيعات محجبات وهناك جهات تسمح بالإثنين لكن نحن نعمل في جهة ترفض ارتداء الحجاب ولو ارتديته لن أخرج على الشاشة. د. هداية: مع أن هذا عذر غير مقبول فما بالك بالتي ليس عندها عذر؟! نحن نرفض هذا العذر الذي ذكرته لكن ما بالك بالتي ليس عندها أي عذر فماذا سيكون موقفها؟! والخطير أن كل هذا من تلبيس إبليس المقدم: عملت مقارنة زمنية سريعة جداً في عصر نزول الوحي وأيامنا وسألت نفسي أيها أولى؟ السيدات اللواتي تجادلن اليوم في مسألة الحجاب وتتحججن بالظروف والمجتمع وغيره والنساء اللواتي كُن في عصر نزول الوحي وسألت نفسي هل هن كن أحسن منا أنهم كانوا يعيشون في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو موجود أو أنهم أحسن منا لأن الله تبارك وتعالى ارتضى لهم أن يخلقهم في ذلك العصر حتى يكونوا قدوة لنا لما تصل إلينا أخبارهم فنقلدهم؟. ساعة نزلت آيات الحجاب كل النساء قطعن قطعاً من قماش لديهن وغطّين رؤوسهن وسمعوا كلام ربنا من غير كلام ولا سفسطة ولا حجج وإنما سمعن كلام المولى سبحانه وتعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36) الأحزاب) طالما وقعت العهد مع الله تعالى يعني سترضى بالشروط والعهد هو مع الله تعالى فكيف يمكنني أنا أن أشطب شيئاً من العقد مع الله؟! لماذا النساء في عصر الرسول صلى الله عليه قُلن سمعنا وأطعنا ونحن في عصرنا نقول سمعنا وجادلنا؟ د. هداية: نفس الكلام الذي ذكرته في مسألة الحروف المقطعة قلنا أنه لم يسأل عنها أحد ساعة نزولها ونحن نسأل. هذه هي القضية، القضية على مراد الله في الزمن فإذا أراد المولى تعالى أن يأتي فلان في هذا العصر أو ذاك فلا يمكن لأحد أن يغير هذا الأمر وليس من حق أحد أن يتمنى أن يكون في العصر الأول هذا الكلام كله مفرّغ عن مضمونه. أنا أتكلم في نقطة أن المسألة مسألة الإيمان الحق انتبه الكفار الأوائل إلى أنها التزام وليست مجرد كلام. تخيل اليهود في المدينة عملوها بدليل أول سورة تكلمت عن المنافقين في القرآن سورة البقرة التي هي 87 في ترتيب النزول والتي هي أول سورة نزلت في المدينة المنورة وسبحان الله شاءت إرادة الله أن يعرض لك في هذه السورة المؤمن والكافر والمنافق ويترك المنافق للآخر لم يعرض النفاق بين الإيمان والكفر وإنما عرض التقوى ثم الكفر ثم النفاق وأفرد له 13 آية في حين أن الفئة الأولى ذكرت في 3 آيات والكفار ذكرهم في آيتين والنفاق في 13 آية ولم يأت به الله كمحلة وسط بين الكفر والإيمان كأن الكفر يقابل الإيمان أما النفاق فهو بلوى وفي الدرك الأسفل من النار جزاؤهم (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145) النساء). المقدم: في آية سورة الأحزاب (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا (36)) د. هداية: انتبه لقوله تعالى (إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ) المقدم: هذه للذين يقولون أن السُنة لا داعي لتطبيقها. د. هداية: (إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) هنا ما كان لهم أن يكون لهم الخيرة يعني ليس من حقهم أن يقولوا أنا أرى أو أصل المسألة. المقدم: الخيرة من أمرهم في الطاعة أعمل أو لا أعمل لكن في مسألة الإلتزام في الزي الرشعي تحيرت بين من يقول أنه النقاب ومن يقول هو الحجاب د. هداية: أنا معك في هذا الكلام وأقول دعنا في الحجاب. الأصل النقاب لكن نحن في عصر وزمن صار الأصل فيه الحجاب وتنازلنا عن النقاب وأُشهد الله على ما نقول وهو أعلم بمقصدي. إجماع علماء الأمة على الحجاب وأنا مع علماء الأمة وسأعطل فهمي للنص حتى أنقذ الأمة. هذا موضوع في منتهى الخطورة ويدخلون لمناقشته بحجّة شيطانية إبليسية واضحة أنه ليس من أركان الإسلام! هل شرب الخمر من أركان الإسلام؟! ما هذا المنطق؟! والذي يروّج لهذا الكلام ويصفق له إثمه كإثم الذي يتكلم لأن الآية تقول (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) العنكبوت) الإستفهام الأول (أ) هذا استفهام لإنكار المسألة، الهمزة للإستفهام وحسب يعني توهم كأنه يقول أنهم توهموا الوهم عملوه حقيقة وعلم؟ توهمهم هذا ليس على مراد القائل سبحانه وتعالى وإنما على هواهم هم. ثم يقول (يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) لا، بل يفتنون جاءت في معرض الردع. المقدم: هل يمكن أن نقول أن في اختيار اللفظ رسالة لمن يتدبر أن ينتبه أن امتحان الدنيا صعب أشبه بالنار؟ نعطي مثالاً تطبيقياً: الشاب الذي عنده صحة ما شاء الله وعنده كبت ويرى النساء الجميلات بدون حجاب وأجساد عارية وهو في فترة شباب وفتوة وشبق جنسي شنيع وهو يجاهد نفسه حتى لا يقع في الزنا والخطيئة د. هداية: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا (69) العنكبوت) المقدم: هل تكون مكابحة النفس مثل النار كأني أضع يدي في النار؟ يدي في النار وشهوتي فيها وأنا أقول لا، طاعة الله، غضب الله!. نقول أمثلة ثانية لنربط المفاهيم والفتن الكثيرة التي نتعرض لها كمسلمين مؤمنين قلنا آمنا مع الواقع الذي نعيشه للأسف الآن أصبح صعباً على أناس كثيرين. المقدم: مسألة الفتنة دخول الذهب النار فهل كل الذي يتعرض له الإنسان في الدنيا من امتحانات صعبة كأنه فعلاً هناك نار تأكله كنار الغريزة الجنسية ونار المال الحرام والدنيا غالية ويقول أولادي والوضع المالي والشركة لا تعطيني حقي وغيره وهذا كله من تلبيس إبليس، يقول لك سميها عمولة سميها ما شئت د. هداية: الابتلاء موضوعه الفتنة والفتنة عملية تدخل السبيكة النار لتفرز المواد، الجنة أو النار نتيجة للإبتلاء لذلك قال تعالى (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (3) العنكبوت) لما فتن الذي قبلهم فما الجديد عندهم؟ المسألة من عهد آدم إلى يوم القيامة هذا قضاء الله أن تُعرض عليك الرسالة في كل الديانات فإما أن تقبل وإما أن ترفض، الذي رفض لم يدخل في توصيف الآية، أما الذي أعلن يكون عندنا مؤمن ومنافق. المقدم: أين الذي لم يؤمن ولم يُعلن؟ د. هداية: الذين يعملون السيئات ذكرت الكل لكن جاء التركيز فيها على المنافق لأن هذه هي الخطورة، الكافر أعلن كفره ولم يخدعني. يقولون أنا لا أخاف على الدين من أعدائه ولكن أخاف على الدين من أدعائه، لأن هذا يقول أنا مسلم. النفاق هو إظهار شيء وإبطان شيء آخر هذا في حد ذاته خداع أولاً لي أنا كمجتمع لذلك لا يمكن أن أتقي شره لكن الكافر أراحني لأنه أعلن كفره صراحة فأتّقي شره إنما المشكلة في المنافق. توصيف سورة البقرة للكافر (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)) بدأ بتوصيف الذي عملوه، هؤلاءأعلنوا لكن لما تكلم على المنافق لم يقل إن الذين نافقوا وإنما قال (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8)) الآية فيها التفات، أنت ذكرت الخداع سابقاً وقال تعالى (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) هو خدعني لكن عندما تقول خدعني تكون قد بالغت والصحيح أن تقول خادعك، تهيأ له أنه خدعك، أنا لما آمنت التصقت وصرت في معية الله فقال (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)) الخدع الحقيقي لهم هم لأن ربنا سيدافع عني وينجيني. المقدم: وربنا عارف ومطلع على السرائر د. هداية: هذه هي (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت) هنا سمّى النفاق كذباً. الرسول صلى الله عليه وسلم عندما يأخذ الآية ويفهمها جيداً لأنه رسول والله تعالى أعطاه هداية الدلالة والمعونة فيقول صلى الله عليه وسلم "آية المنافق ثلاث إذا حدّث كذب" الرسول وصّف من القرآن "وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان" وقال شيئاً آخر "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً" زاد عليها "وإذا خاصم فجر" وإذا تمعنت في هذه الصفات الأربعة تجدهم جميعاً يندرجون تحت الكذب.لأن الكذب مخالفة الواقع ومخالفة الحقيقة. توضيفات سورة البقرة توصيفات رائعة يقول تعالى (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا (14) البقرة) قالوا قول فقط (وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)) هذا خداع أما الخدع (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15)) المقدم: أنت اخترت الظلمة فتسبقى فيها د. هداية: لماذا لن يرجع؟ لأنه دفع كل الهدى حتى يشتري الضلالة تخيل غباءه؟! قال (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)) كأنه اشترى بكل الهدى الذي عنده ضلالة فلم يبق لديه هدى واصبح يمشي على ضلالة. القضية أن المسألة تتعدى بكثير مجرد القول ويصل هذا التعدي إلى الصدق والجهاد قل ما تقول في الدرجات وفي القول قل ما تشاء الدركات ثم جاء قوله تعالى الذي قصمهم (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ (145) النساء) يعني في أحطّ دركة وأشد عذاب ولو انتبهنا للآية (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (20) السجدة) لماذا لم يقل أعيدوا إليها؟ المقدم: لأنهم لم يخرجوا منها فعلاً؟ د. هداية: لا، هم يمكن أن يكونوا خرجوا. أعيدوا تبين أنهم خرجوا لكن لو قال أعيدوا إليها قد توحي أنهم أعيدوا إلى أطرافها بعيداً لكن أعيدوا فيها تبين أنهم أعيدوا في وسطها حتى تتحقق الكلمة يعني في شدة النار. صدق القرآن (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13)) ولم يذكر شيئاً عن النعيم وقال (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ (15) وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ (16) الانفطار) هذه تؤيد فكرتك أنهم لم يخرجوا ونحن سبق وذكرنا أن الخروج خروج حُكمي وقتي حتى يتحقق قوله تعالى (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ (56) النساء). المقدم: معنى اللغة يمكن أن ينطبق هنا مسألة إعادة العذاب (أُعِيدُوا فِيهَا) ممكن أن تعني أن الجلد يتغير فنعيد كرة العذاب د. هداية: نحن قلنا هذا ليس خروجاً من النار هذه مسألة تبديل جلد ليشعروا أكثر (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ) يعني استوت المقدم: واستوى مراكز الإحساس بالألم في الجلد فلم يعودوا يشعروا بالعذاب د. هداية: لذلك قال تعالى (بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) هذه اللام (ليذوقوا) للتعليل حتى يشعروا ثانية بالألم. هذه الآيات تجعلنا نقول نحن لا نريد النار لا نقول أدخل النار قليلاً ثم أخرج! هذا كلام ناس أغبياء متخلفة عقلياً، الذي يفكر في هذا الكلام بعد أن سمع الآية هذا متخلف. المقدم: إذن الناس الذين يقولون هناك آراء فقهية وهناك آيات وأحاديث تؤيد هذا الرأية؟ د. هداية: لا، لا يوجد آيات والذي عنده آيات تؤكد هذا المعنى فليرسلها لنا القرآن منطقه لا يتغير ولا يتعارض الآيات كلها تصب في اتجاه واحد والقرآن واضح وضوح الشمس في كبد السماء لا يحتاج إلى تبيين. القرآن قسم الجنس البشري إلى اثنين (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) (إن الأبرا لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم) (فأما من أوتي كتابه بيمينه - وأما من أوتي كتابه بشماله) ليس هناك ثالث بل على العكس هناك آية (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) الحشر) لا يستوي، لو أخرجته من النار ولو للحظة تكون سويت بينه وبين أصحاب الجنة. المقدم: لو أن الله تعالى أكرمني بدخول الجنة مكرماً معززاً بدون عذاب بينما الآخر دخل الجنة بعد أن عُذّب بحسب كلامهم د. هداية: (لا يستوي) يعني لن تأتي لحظة يكونوا مستوين على قدم المساواة، لو كان الكلام كما تقول لكان لا يضير بضعة أيام في النار! لكن العذاب ليس هكذا وتوعّد الله تبارك وتعالى للمنافقين والكافرين ليس هكذا، الآية (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)) يعني أصحاب النار هم الخاسرون، لا يستوون. المقدم: هل الأحاديث التي تروى في هذه المسألة هل تحقق من صحتها أو أن هناك أحاديث مشكوك فيها؟ مثل حديث "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" هل هذا الحديث صحيح؟ د. هداية: الحديث إذا عارض آية لا بد من الوقوف عنده وشرحه ونتحقق من سنده ورجاله، هذا الحديث يعارض آية! المقدم: هل ممكن أن نكون قد فهمنا الحديث خطأ؟ د. هداية: هناك العديد من الأحاديث فهمناها خطأ المقدم: حديث "شفاعني لأهل الكبائر من أمتي" عملوا كبائر وانتهى الميزان وسيئاتهم أكثر والمفترض أنهم سيذهبوا إلى النار قبل أن ينفذ الحكم يقف الرسول صلى الله عليه وسلم فيشتفّع فعفو عنهم ربنا كما قال تعالى أنه يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، هل يمكن أن يكون هذا هو التصور؟ يتشفع الرسول صلى الله عليهم لهؤلاء عند ربه الذي رحمته سبقت غضبه فيغفر الله لهم فيدخلوا الجنة بدون أن يدخلوا في النار أولاً، هل هذا تفسير منطقي؟ د. هداية: لا غير منطقي. المنطقي ما قاله القرآن في هذه النقطة، أنت تتكلم في شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر. القرآن سأل الرسول سؤالاً أريدك أن تجيب عليه وهذه من الأسئلة التي تركها القرآن حتى تجيب أنت قال (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا (43) الفرقان) ماذا تتوقع أن يكون رد الرسول؟ سيقول لا طبعاً لأن هذا الإستفهام إنكاري. المقدم: هو سيقول أمتي أمتي فيقال له إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. د. هداية: هذا الحديث الصحيح لأنه يقابل نص القرآن أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "أصيحابي وفي رواية ثانية أمتي فيُحجز عنهم صلى الله عليه وسلم وربنا يقول له إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فهل يقول صلى الله عليه وسلم لربه لا، سآخذهم؟! غير ممكن. القرآن غالب يقول له (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) وكيلا بمعنى شفيعاً، ماذا ستكون الإجابة من الرسول؟ المقدم: لا، طبعاً. د. هداية: إذا كنتم تريدون أن تكون الإجابة نعم وتريدون أن تخالفوا منطق القرآن فهو موضوع آخر. لكن القرآن ليس فيه آية تكلمت بهذا المنطق وهذا هو دسّ الإسرائيليين لمثل هذه المفاهيم حتى يزداد تلبيس إبليس على الناس ويقتنعوا أنهم مهما عملوا من معاصي لمجرد أنه قال (لا إله إلا الله) يدخل الجنة، هذه الآية دلت على أن القول ليس له أيّ اعتبار (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2)) إذن لما نفتنهم يجب أن يكون هناك نتيجة للفتنة إما ناجح وإما راسب فهل تريدني أنا أُدخل الراسب الجنة؟ هذا تهريج! إذن لماذا الامتحان؟ عندما يكون هناك تلميذ فاشل معك في الفصل وتجده قد انتقل معك إلى الفصل الثاني ماذا ستقول؟ هذا الكلام لا ينفع في المنطق القرآني ولا المنطق الإلهي. المقدم: قد يتوقف الناس عند قوله تعالى (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت) كيف يعلم؟ ألم يكن ربنا يعلم؟ أليس هو العليم الخبير؟ (فَلَيَعْلَمَنَّ) هل مناط تطبيقها يخص المولى سبحانه وتعالى أم البشر أنفسهم؟ المقدم: العليم الخبير يستحيل عليه الجهالة حاشاه سبحانه وتعالى، الآية تقول (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) العنكبوت) هو سبحانه سيعلم من الصادق ومن الكاذب؟ هل هذا العلم يتنافى مع العليم؟ أو هذا العلم تطبيقه لأجل البشر؟ د. هداية: أولاً الآية اختبار عقائدي للناس. إياك أن يتسرب إليك أن الله تبارك وتعالى ينتظر سبحانه وتعالى وحاشاه حتى يعرف من نتيجة الإمتحان، لا، كل شيء أزلي عنده بدليل كيف صنّف في القرآن المؤمنون والكفار والمنافقون؟ بعلمه الأزلي. هو وصف ماذا سيعملوا؟ هذا عمله. فرّق بين عِلم الله تبارك وتعالى الذي هو نتيجة القضاء وبين أنه أجبرني أو لم يجبرني، أنا إلى الآن إذا أردت أن أتنصّر أتنصر وإذا أردت أن أتهوّد أتهوّد. المقدم: أجمل تفسير قلناه لكلمة (كتب) أنها بمعنى سجّل وليس بمعنى ألزم. د. هداية: طبعاً لا ينفع أن تكون بمعنى ألزم لأنه سبحانه هو الذي قال (لا إكراه في الدين) منطق القرآن هكذا. هو بعلمه المسبق سبحانه قسم الناس إلى ثلاثة أصناف مؤمن، كافر ومنافق من أين علِم وهي أول سورة نزلت في المدينة؟ لم يكن هناك منافقون بعد، بدليل أنه قال (يخادعون) بصيغة المضارع يعني لم تحصل بعد. الفكرة أنك أنت تمتحن ثانية من النص عندما تسمع كلمة (فَلَيَعْلَمَنَّ) أنت ماذا فهمت منها؟ أن الله تعالى حاشاه ينتظر ليعلم أم أن هذا علم كشف لنا نحن؟ علم إظهار. أنت بخبرتك كمدرس تقول هذا الطالب ناجح وهذا راسب وهذا بين بين لو فعلت هذا سيقول لك الطالب أنت ظلمتني أنا أحسن من الذي قلت عليه متفوق فأنت تعمل له ورقة امتحان. المقدم: ولهذا في الثانوية العامة عندما يطالب الأهل بمراجعة الدرجة يأتون له بورقة إجابة ابنه. د. هداية: هذه الورقة علم كشف، فالنتيجة ظهرت وانتهت. المقدم: لكن هناك ملحوظة، في منطق البشر قد يُخطئ مصحح أو مراجع في النتيجة ويظلم ابنك في درجة أو درجتين لكن هذا يستحيل في حق الله تعالى. د. هداية: هذه ميزة الورقة، هذا عدل الله سبحانه وتعالى. في سورة الإسراء قال تعالى (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)) أنت حاسب نفسك! أهل اليمين قال (هاؤم اقرأوا كتابيه) والآخر قال (يا ليتني لم أوت كتابيه). إذن (فَلَيَعْلَمَنَّ) علم إظهار لكم وكشف الحقيقة التي خدعوكم بها (يخادعونكم) الذي خُدِع ما زال الله تبارك وتعالى معه يدافع عنه ويُظهره فقال تعالى (فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ). في الأول قال (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)) لأننا فتنا فتكرار المسألة في كل عصر وفي كل ديانة على منطق واحد وعلى مذهب واحد وعلى مقاييس واحدة ليس هناك اختلاف في المقاييس ولن يُظلم أحد (لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ (17) غافر) كان هناك ظلم لكن بين الناس بعضهم بعضاً لكن عند الله تبارك وتعالى لا ظلم اليوم. المقدم: أنا متأكد أنه ليس هناك ظلم ولكن هناك من سيسأل نحن حسب ما نرى هناك من تأتيه امتحانات سهلة وهناك من تأتيه امتحانات صعبة فيقولون لو جاءنا امتحان سهل لكنا نجحنا فيه، مثلاً فلان طيب لا افتقر ولا خسر عمله وهناك غيره د. هداية: كلٌ ميسر لما خُلِق له المقدم: الذي خُلق وهو لا يُبصر هذا امتحانه صعب د. هداية: امتحانه صعب لكن نتيجته مضمونة " من فقد حبيبتيه وصبر لا جزاء له عندي إلا الجنة" هذا كأنه امتحان مسرّب، سهل جداً هذا الابتلاء وقلناها كثيراً للذين أصيبوا بمسألة النظر. دعنا نتكلم بمنطق البشر: هل ينفع أن أضع أنا اختباري؟ المقدم: هذا امتحان صعب! د. هداية: كلمة ابتلاء تعني أنه امتحان صعب نحن لا ننكر. كلمة الفتنة التي ذُكرت كلمة فتن يعني نار تصل درجة حرارتها لصهر المعادن يعني امتحان ليس سهلاً. المقدم: يروي لي أحدهم قصة رجل كان يبصر ثم أراد ربنا أن يفقد البصر وهو رجل صابر ومحتسب ويعيش حياته مع أولاده ويأتوا إليه فيلاعبهم ثم يذهبوا فيقول هذا الرجل أنه مشتاق جداً لأولاده فالرجل الآخر الذي كان يجلس معه قال له أولادك كانوا معك منذ قليل فأجابه اشتقت أن أمتع نظري برؤيتهم ورؤية ملامحهم. د. هداية: ولو كان ابنه مدمناً هل كان سيحب أن يمتع نظره به؟! المقدم: قضاء أخفّ من قضاء د. هداية: لا ينفع أن أضع امتحاني! كان المفروض فيه أن يرد على الرجل: هناك أب آخر لا يريد أن يرى وجه ابنه! هذا ابنه وهذا ابنه، والله ابتلاء الأب بابنه المدمن أصعب فأنت لم تر هذا المدمن وهو يشتم أباه ويسرق ماله وهنام أب قتل إبنه لأنه أذى أخته، الابتلاءات ليس لها حصر وكلها على مراد الله وهذا امتحان آخر لنا أن نسلّم لما أراده الله تبارك وتعالى. لو ينفع في المنطق البشري أن أدخل على وزير التعليم وأخبره أني سأضع امتحاني أنا بنفسي هذه السنة لا ينفع هذا في المنطق البشري فما بالك بالمنطق الألهي. أنت لم تفاجأ بهذا الكلام في القرآن فأنت تقرأه وأنزله الله تعالى لك. يمكن أن نقول هذا الكلام لو أن الله تبارك وتعالى تركنا من غير مناهج (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الرحمن) بعد أن وضع المنهج علّمه لنا، وضع المنهج قبل الخلق ثم علمنا إياه بعد الخلق إذن ليس هناك مفاجأة. ويكون كلام الرجل الذي ذكرته صح لو أننا تُركنا من غير مناهج ثم نأتي يوم القيامة فيحاسب الذي أخطأ بدخول النار ويحاسب الذي عمل صالحاً بدخول الجنة! هل ذكر لنا شروط من قبل أو تفاصيل؟! لكن اليوم القرآن بملء فيه يقول (إقرأ كتابك) لأن كتابك كُتب على هواك أنت. أيهما أسبق؟ بالمنطق القرآني المنهج أو الهوى؟ المنهج بدليل (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الرحمن) علم القرآن قبل خلق الإنسان إذن المنهج أسبق. لكن أنت عملت الهوى بعد أن قرأت المنهج، أنت عملت الهوى الذي قيل لك لا تفعله ونُبّهت إليه سابقاً. المقدم: وليس هناك فتنة أو ابتلاء خارج المنهج كما يحصل للطلاب أحياناً عندما تأتيهم أسئلة في الاختبارات من خارج المنهج. د. هداية: هذه المسائل وضعها القرآن في نصابها. الايات التي معنا في سورة العنكبوت بداية السورة ألفت النظر إلى نقطة أولاً لترى عظمة المناهج سورة العنكبوت في ترتيب النزول 85 وسورة البقرة في ترتيب النزول 87، البقر في تصور كثير من المفسرين أنها أول ما تكلمت في المنافقين، لكن سورة العنكبوت وهي مكية مهدت لمسألة النفاق ولما سيحصل عندما سيهاجر الرسول والمسلمون إلى المدينة، إذن المنهج سابق. (أَحَسِبَ النَّاسُ) حتى لا يهاجر أحدكم ويقع في مطبّ ويقال أنا غيّرت بلدي وأنا مهاجر أو غريب، قال (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4)) ما معنى يسبقونا؟ لما اثنان يجريان وأحدهما يسبق هل يمكن للآخر أن يعاقبه؟ لا يمكن لأنه أفلت منه وسبقه. إذا يسبقونا بلازم معناها يفلتوا، إذا كانوا يعتقدون أنهم سيفلتوا من قضاء الله وعقوبته المقدرة ساء ما يحكمون، يعني ساء ما يتوقعون أو يظنون لكن في الحقيقة ليست كذلك. الكافر أنت كبيرك ككافر أن تكفر لكنك لا يمكنك أن تفلت من العقاب. أنت تمردت أمام الناس والذي تركك أنه قضى بذلك وعندما تركك كان لك فرصة أن ترجع فالرحمة التي استهزأت بها سيكون العذاب بقدرها بدليل أن الذي يرجع (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70) الفرقان) لو قال فأولئك يغفر الله لهم لكن رضى من الله لكنه قال (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) ضمن للذي تاب التوبة النصوح مستقبله، تخيل! والمستقبل لا يكون إلا بيد الله تبارك وتعالى. أنا أقول لك أنت تبت توبة نصوح ولن أخطئ ثانية، سأكون كاذباً لكن أسبق (لن أخطئ) بقول إن شاء الله بإذن الله لأني لا أستطيع أن أثطلقها لأنها بيد المولى عز وجل. المفسرون الذي فسروا هذه الآية في الفرقان أنه يبدل سيئاتهم حسنات في المستقبل أصابوا في أنه لا يعلم المستقبل إلا الله والذي يتكلم رب العالمين لو تابوا توبة نصوح لن يخطئوا نفس الخطأ ثانية، بقي عليك أن تصدق في التوبة وتصدق في القول وتصدق في الفعل هذه عظمة الأداء القرآني (وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) الفرقان) متابا أي المكان الآمن بصدق. من الذي أمّنه؟ هذا فضل جديد ونعمة جديد. لو كنت صادقاً في توبتك لن ترجع وإنما ستكون في أمان والمولى تعالى هو الذي يضمن هذا لك (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) العملية نجحت مائة ي المائة لأنه عملها بصدق أصابت مراده هو عندما كان صادقاً في التوبة، لكن الذي يتوب ويرجع نقول له كلمة توبة هنا إدعاء أنت طبقتها لكنها ناقصة شرط لم تعمل العملية المهمة في التوبة وهو الندم، أنت استكبرت العقاب واستكبرت الفعل فندمت؟ فيقول لك لا لم أنتبه لهذا قل له لهذا رجعت. يجب أن تقول لنفسك كيف فعلت هذا؟ استخفيت من الناس ولم تستخف من الله؟ المقدم: هل الندم له طريقة؟ لما يعمل الإنسان شيئاً ويتركه مثل الزنا ثم خفت من العقاب لكنه وهو يمسك نفسه من الزنا يقول كانت أيام! د. هداية: الندم أن يندم أن يتذكر المقدم: الندم الحقيقي هو أنه أول ما يتذكر يستقبح ما فعله ويستحقر نفسه على الذي فعله. د. هداية: وعليه أو يقِف تفكيره فيها وإلا من هذه اللذة المصطنعة قد يدخل الشيطان مدخلاً آخر أو النفس العاصية. ولهذا آيات العنكبوت حاكمة فارقة في أن القرآن يتكلم بمنطق مبدع بالذات عندما تعرف أن السورة ترتيبها 85 وما زال الرسول في مكة والعملية ليس في مكة، وهو لا يشرح لك الأمور عندما تحصل فقط وإنما يمهد لك لما سيحصل. المقدم: إياك أن تكون من الذين يقولون فقط بلسانهم. جزاكم الله كل خير دكتور. هذه النقلة والإلتفاتة ستعيدنا إلى ختام وتتويج الحلقات في التوبة والاستغفار بعودة مرة أخرى إلى آيات سورة الفرقان حتى نتكلم على التطبيق وملخص لوصفة عباد الرحمن للنجاة من هذه الفتن حتى نلقى الله بقلب سليم وبوجه مستبشر نضر يتمتع بالجنة وإلى نور الرحمن سبحانه وتعالى. المسيرة متواصلة ويا رب يوفقنا وينور الطريق تابعونا دائماً في طريق الهداية. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 10/3/2009م |
التوبة والاستغفار 101
تقديم علاء بسيوني المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. اليوم حلقة نعود فيها إلى استخلاص الدروس العبر حول قضية التوبة والاستغفار مع رحلة طويلة جداً بدأت مع أوصاف عباد الرحمن في سورة الفرقان وعملية التوبة بكل المقاييس والمعايير التي تحكم مدى انضباط عملية التوبة. لأن هناك من الناس من يقول أنا تبت ثم يعود ويسأل أنا تبت ثم وقعت ثانية؟ هذا لم يتب لأنه لم يكن يعلم ماذا تعني التوبة؟ اليوم نحن نلخص هذه العملية ومدخلنا هو كتاب الله. والغريب في الموضوع أننا سنجد في سورة الفرقان التي نتحرك من خلال في وصف عباد الرحمن آية تتكلم عن دور هذا الكتاب وعن دور الآيات الموجودة داخل هذا الكتاب وتعاطي المسلم معها، أنت ماذا تفعل مع آيات الله؟ سؤال مهم جداً هو مدخل حلقتنا اليوم أسال الله أن يعننا عليه. أرحب بحضراتكم وأرحب بضيفي الكريم الدكتور محمد هداية. (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)) آيات الله المفترض من المعنى الإصطلاحي أنها آيات القرآن الكريم وقد يدخل في المعنى أيضاً آيات الله الكونية وآيات الإنسان وآيات الله في الابتلاءات والأحداث التي تمر على البشرية لكن نقف عند مسألة التفكير لأن مسألة التذكير تحتاج إلى أكثر من سؤال: من الذي يذكّر؟ وكيف يُذكر؟ ويذكر من؟ وهذه الآيات بما أن المطلوب التذكير بها إذن هل هذا الإنسان الذي أذكره هل هو يعرفها أو أنه عرفها ونسيها؟ أو كان يعرفها ولم يطبقها؟ أم أن هذا كان موجوداً في الفطرة والإنسان غيّر بفطرته استعداده لتقبل هذا المنهج من الآيات؟ أسئلة كثيرة جداً ونحن نتكلم عن كلمة أو كلمتين من آيات القرآن الكريم. د. هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. هذا دأب القرآن، يعني عظمة القرآن في الأداء أن كلمة واحدة يمكن أن يُبنى عليها موضوعات وليس موضوعاً واحداً. وسواء كانت الآيات كونية أو قرآنية أو المعجزات كل هذا وارد. أساس الآية أنه يصف فئة أو جماعة أو طبقة عالية جداً. عندما نسمع (وعباد الرحمن) القرآن لما أراد أن يصف صنفاً من صنوف الخلق هذه الصفة كانت الملائكة. إذن كلمة (وعباد الرحمن) المقدم: تعلي مرتبة البشر إلى ما يقارب مرتبة الملائكية. د. هداية: أنه سيأخذ صفة من الملائكة وأخصّ وصف لهم أنهم لا يعرفون أن يعصوا المعصية ليست واردة في حقهم. عندما نوقع الكلام في (عباد الرحمن) ثم تبدأ الصفات ترتقي بهذا الصنف إلى مصاف الملائكة تجد مثلاً (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ) (إذا) مع ذُكروا التي وقفت أنت عليها، هم إذا لم يذكروا هم أيضاً متذكرين وماشيين لأنهم هم عباد الرحمن وإذا ذُكروا يزدادوا بدليل (لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا) وسبق وشرحنا معنى هذه الاية. لكن في سؤالك أريد أن اقف وقفة ونحاول أن نكون من الشجاعة بمكان أن نجيب عنها. اليوم لماذا نقرأ القرآن؟ وما هو دور الكتاب مع الأمة اليوم؟ يجب أن يكون عندنا شجاعة وكل واحد منا لا يهرب من الإجابة عن هذا السؤال سنضع يدنا على أهم نقطة في العبودية والمنهج. أنت اليوم تريد أن تكون عبداً طائعاً فهل سيكون هذا من دماغك أنت أو من منهج إلهي؟ من منهج إلهي. القرآن اليوم يُقرأ لماذا؟ لا أقول متى وأين وكيف؟ المقدم: أنا أجيبك على هذه الأسئلة: يُقرأ في الأغلب الأعم لما تحصل حالة وفاة. كيف يُقرأ؟ لننتهي منه بسرعة حتى يكون لنا بكل حرف حسنة لكن من غير تدبر ولا تفكر في المنهج. أين يُقرأ القرآن؟ في ختام الإرسال التلفزيوني لما يموت أحد مهم تقف البرامج ويضعون القرآن الكريم وعلى المقابر يأتون بمقرئ وفي المآتم أو نعمل مقرأة وكل واحد يقرأ جزء. يُقرأ لماذا؟ لأن هناك من يقرأه وهو معتقد أنه كتاب أموات وليس كتاب أحياء أو حتى نأخذ حسنات فقط أو حتى نعالج به وهو بركة. د. هداية: قف هنا. هل القرآن نزل لهذا الأمر؟ هل أنزل الله تبارك وتعالى المنهج، أولاً عندما قال تعالى (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2)) لو كنت أريد التدبر أقف عند اختيار لفظ الرحمن هنا ثم علم القرآن ثم خلق الإنسام ثم علمه البيان؟ ونحن خلال مائة حلقة ونحن نتحدث في عباد الرحمن. عباد الرحمن مع الرحمن هذا ليس صدفة، ونحن نتدبر نقف ونسال لماذا لم يقل الجبار علم القرآن مثلاً؟ أو العليم؟ الأمور التي ذكرتها أنت أننا نقرأ القرآن في المآتم وفي آخر الإرسال وفي المقابر كل هذا ألا يعتبر هجر للقرآن؟ المقدم: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) الفرقان) هذه الآية موجودة في سورة الفرقان أيضاً. د. هداية: السورة الفرقان وأولها يقول (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)) لم يقل نزله على عبده للعلاج ولا للشفاء وإنما (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) وليس من قبيل الصدفة أن السورة إسمها الفرقان. عندنا سورة الملك صُدرت بتبارك وعند بعض العلماء اسمها تبارك لكنها لم تُسمى تبارك مع أن أولها تبارك. أصبحت كلمة الفرقان أهم من الفعل الذي قلنا عنه أنه مبني لما لم يعلم فاعله. فعل (تبارك) فعل ليس منه أمر ليس منه مضارع، هذا فعل له وقع ومع هذا سميت السورة الفرقان. والفرقان هو للتفريق بين الحق والباطل لكن بطريقة لا يحصل بعدها انتصار للباطل أبداً ولا ظهور للباطل. لو حصل تفريق يعقبه ظهور للباطل نسميه تفريق لكن لو تفريق بين الحق والباطل إلى ما لا نهاية يظهر الحق إلى ما لا نهاية يسمى فرقان، فالقرآن اسمه فرقان والتوراة اسمها فرقان. المقدم: فرق النور من الظلام والحق من الباطل. سؤال: الدلالة اللغوية تشير إلى ما ذكرته ومع ذلك المسلمون في كل عصر يختلفون على قضايا كثيرة ويروها أنها ساحات رمادية، هناك قضايا واضحة جداً مثل الزنا، لكن مثال مثل الرشوة لو قلت لأحدهم رشوة يقول لك حرام لكن عندما نتكلم عن الإكرامية والشاي والحلاوة فهي مسميات توصف بها العملية لكن هي هي الرشوة بنفس الهدف ولكن المسمى تغير جعلتها رمادية، البعض يقول مهما كان اسمها فهي حرام وهناك من يقول يا أخي نحن تعبنا وبذلنا مجهود ونحن نأخذ مرتبات قليلة. الفرقان موجود ولكنهم لا يفرقون بين الأبيض والأسود وإنما يرون اللون الرمادي فقط. د. هداية: سأوضح لك هذه المسألة. التوراة حُرفت مع أنها وصفت أنها فرقان. المسألة ليست في التوصيف أو التوقيع وإنما المشكلة في التلقي. المقدم: المشكلة لم تكن أبداً في النظرية وإنما في المطبقين. د. هداية: اختلافنا في قضية معينة هل يعني أن ليس لهذه القضية حق أو باطل؟ بالعكسن لها. لكن هنا ما هي النوايا وراء الاختلاف؟ هل الذين اختلفوا مختلفين لأسباب شخصية أو اسباب فيها هوى أو أسباب سياسية؟ سيأتي يوم اسمه يوم الدين وحتى الذين يقول الاختلاف لأسباب فقهية سيُكشف يوم القيامة ويُعرف إن كانت نيته خالصة لوجه الله أم لا؟ المقدم: ويبقى كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات د. هداية: وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. فالفرقان هو الفرقان بدليل الاختلافات نجد أن مسألة أن الرسول صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله ليس مبعوثاً لقوم فلما يقول (قومي) أليس غريبة بعض الشيء؟ لما يقولها موسى أو عيسى أو نوح أو صالح تمشي لكن الذي قيل في حقه (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء) كل البشرية وقال (قومي) مرة واحدة في آية (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) الفرقان) وكم مرة قال (يا رب)؟ قالها مرتين فقط في القرآن كله. لم يقل يا رب اشرح لي صدري وإنما قال (رب اشرح لي صدري) يجب أن تكون رب لأنه (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16) ق) المقدم: حتى أداة النداء حُذفت حتى لا يكون هناك واسطة د. هداية: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (186) البقرة) في هذه الاية (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) قال الرسول ولم يقل النبي، (يا رب) قالها في القرآن كله مرتين في هذه الآية (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ) وفي آية أخرى (وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاء قَوْمٌ لَّا يُؤْمِنُونَ (88) الزخرف). (يا رب) معناها مثل الذي يستغيث وهو في وقعة لا يعرف كيف يتصرف بها فالـ (يا) هنا للاستغاثة. أنا شخصياً لما أقرأها أسمعها (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ) (يا) خارجة في أذني من الرسول صلى الله عليه وسلم لأن الذي سيحصل من وراء هذا مصائب الأمة لكني مختلف تماماً مع الذي فسّر الآية على أن الرسول صلى الله عليه وسلم يشتكي الكفار. أولاً الرسول صلى الله عليه وسلم أوعى من أن يقول على الكافر قومي، هذا أولاً. وأوعي بكثير من أن يقول أن الكافر هاجر القرآن لأن الكافر وظيفته أن يهجر القرآن ولذلك فهي ليست منطقية لا لله ولا للرسول صلى الله عليه وسلم أن يشتكي أن عدوه ترك منهجه! تخيل أني اقول لك أن أعداءنا لا يمشون على منهجنا! هل نحن نريد أن يتبع عدونا منهجنا؟ إذا لماذا هو عدوي؟ المقدم: فعلاً في التفسيرات التي عندي مثل تفسير الشوكاني أن المعنى إن قومي اتخذوا هذا القرآن الذي جئت به إليهم وأمرتني بإبلاغه وأرسلتني به مهجوراً متروكاً لم يؤمنوا به ولا قبلوه بوجه من الوجوه. وقيل هو من هجر إذا هُدي والمعنى أنهم اتخذوه هجراً وقيل معنى مهجوراً فيه وأنه سحر وشعر وأساطير الأولين. د. هداية: مع احترامي للإمام الشوكاني هذا الكلام لا يدخل في ذمتي (بتعريفة)! لا أقول قرش. أنا أريد أن أقول الرسول صلى الله عليه وسلم وعقليته لم يصل بشر إلى أبعادها. المقدم: عندنا وقفة وقبل أن تجيب حضرتك تكون الإجابة شاملة، هذا والتساؤل الذي قد يخطر على بال بعض الناس أنه جائز أن هذا الكلام قيل في الفترة الأولى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) الشعراء) فالقوم المحيطين بقريش ومكة باعتبار هذه بداية الانطلاق بالدعوة وكأنه نوع من التدريب على مخاطبة البشر ثم الانطلاق إلى العالمية فهو يشكو أن القوم الذين أمرتني يتبليغهم وهم قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ولم يعجبهم ولم يقبلوا الهداية فقد يكون أنها مرحلياً الهداية إلى القوم؟ المقدم: أسئلة كثيرة جداً في استخدام الرسول صلى الله عليه وسلم لكلمة (قومي) هل يقصد قومه من قريش ومكة أو يقصد الناس كلهم، البشرية والإنسانية المؤمن والكافر والمصدق والملحد أم ماذا؟ د. هداية: عندما نأخذ الكلمة (قومي) وحدها لتفسر القضية ستتعب إنما يجب أن نأخذ بقية كلمات الاية: أولاً اتخذ، هل جاءت من فعل ترك أو أخذ؟ إتخذ المقدم: كان يمكن أن تكون الصياغة اللغوية "إن قومي تركوا هذا القرآن" د. هداية: كان سيكون التفسير صحيحاً في هذه الحالة لكن اتخذوا القرآن مهجوراً هي التي تحتاج تفسير، كيف آخذه وأهجره؟ المقدم: أقبله بداهة وبداية ثم أغفل عن تدبره د. هداية: أغفل عن تدبره، آكل به عِيش، أُخرجه عن إطار وظيفته، أو الهدف من نزوله أو السبب الحقيقي من وجوده، كأني أخذته ولم آخذه تماماً مثل إرجع فصلِّ فإنك لم تصلي والرجل كان قد صلّى، فالتعبير في الجملة هنا: صليت وما صليت. المقدم: يعني الذي فعل هذا يكون يقلّد الأقوام السابقة في تعاملهم مع بعض الرسل والقرآن يوصف (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة) د. هداية: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا) هل حُمِّلوا؟ نعم حُملوا لكنهم لم يتلقوا التلقي الصحي، هي معهم لكنهم لم يستفيدوا منها. المقدم: المثل في القرآن ضرب في حمار يحمل كتباً فوق راسه وهو حمار لا يعرف أن يستخدمها د. هداية: هذا التوصيف بالنسبة للحمار لا تُزعل لأنه حمار وهو غير مطلوب منه شيء لكن الإنسان مطلوب منه وهذه عظمة المثال. إياك أن تكون مثل الحمار! المقدم: كأن المولى تعالى يقول أنا خلقتك بشر وابن آدم فإياك أن تنزل إلى مرتبة الحمار. د. هداية: لم نر يوماً أن حماراً رفض حمل أي شيء، لأن وظيفه الحمل لكن حمله هو غير حملي أنا. القرآن بالقطع ومنطقياً له هدف وله وظيفة. لما تخرج فئة تستغل هذا الكتاب للضحك على السُذّج وكما تعلم اللعب بالدين يجد للأسف رواجاً عند الناس. اليوم اي إنسان في مشكلة يتعلق بقشة كما يقولون فتجد واحداً يقول له ساعالجك بالقرآن. لو نزل القرآن للعلاج لذكره ربنا تعالى لنا. ربنا لم يخفي علينا شيئاً. وللأسف لا يرد هؤلاء الناس لا أدري إن كانوا يردون عن جهالة أو عن علم فيقولون ألم يقل تعالى (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء (82) الإسراء)؟ ويسكت. أين بقية الآية؟ والناس السّذج الذين يسمعون يقولون الاية تقول أنه شفاء. ثم يلعبون بالآيات فيقولون لهؤلاء (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) الشعراء) وهناك (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء) المقدم: وفي سورة يونس قوله تعالى (وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ (57) يونس) د. هداية: هل في الصدور التي في الاية تعني الرئتين؟! المقدم: هل القرآن لجهاز التنفسي فقط؟! د. هداية: إذن هذا كلام مجازي بياني والشفاء هنا شفاء عقيدة. المقدم: ولهذا لما ربنا قال أنه إذا أراد أن يهيد أحداً يشرح صدره للإسلام. إذن الصدر للتلقي. د. هداية: المولى تعالى سأل الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1)). ما الذي في الصدور؟ القلب والرئتين. الرئتين ليستا وعاء تلقي لكن القرآن تكلم عن القلب في كل القرآن القلب والفؤاد على أنهما أوعية تلقي (نزل به الروح الأمين على قلبك). إذن الشفاء لما في الصدور أنك لما تتلقاه إذا كان في صدرك أموراً تفسد العقيدة فالقرآن يشفيها يعني يعالجها والمعالجة قد تأخذ وقتاً وبعد المعالجة يتم الشفاء. آية الشفاء التي يستغلها الناس اليوم لو أكملوها (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا (82) الإسراء) لم يقل ولا يزيد المرضى إلا مرضاً! أكملوا الاية. (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) والقرآن لم يغير كلامه ففي مطلع الكتاب - وأنا أكررها كثيراً ولن أملّ من تكرارها - (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2)) هنا يقول نفس الكلام القرآن شفاء ورحمة للمؤمن وليس لكل الناس. لو ذهبنا لسورة البقرة (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ (185) البقرة) هناك قال (للمتقين والمؤمنين) لما كان قرآناً ينزل كان معروضاً للناس كلهم قال (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ) لو قال هدى للمتقين هنا لضيّق المعنى وإنما قال هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. بعدها لما قال (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) لو عدنا قبلها آيات (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) (183) البقرة) يعني الصيام فرضه الله تعالى علينا ليعمل عملية التقوى. المقدم: ولما تكونوا من المتقين تأخذوا هداية الكتاب. د. هداية: القرآن صاغ صياغة مبدعة ساعة النزول فقال (وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ (106) الإسراء) فالذي عاصر الإسلام ساعة النزول غير الذي دخل الإسلام اليوم. اليوم دخل على الكتاب بعد أن اكتمل لكن الذي عاش فترة الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينتظر القرآن كلما نزل بطريقة معينة وحادثة حادثة وعند وقائع معينة لماذا؟ (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32) الفرقان) هذا الذي في الصدور. المقدم: يعجبني قوله تعالى (لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ) يعني واحدة واحدة. د. هداية: إذن يعني القرآن له طريقة في القرآءة. قال تعالى في البداية (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) المزمل) لكن لما يطلب منه قال (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا (4) المزمل) إذن هناك فرق بين كونه ثقيلاً ببلاغته وإعجازه وعظمته أنه ينهي كل القضايا ويشفي ما في الصدور ويحل مسائل العقيدة ويجعل المنهج صحيحاً ويبعد عنك التعب، تحل مشاكلك به. المقدم: لكن ليس هناك سور وآيات لعلاج الكلى ولا سور وآيات لعلاج المرارة د. هداية: لا يجوز لي أن أُخرج كتاباً أقول فيه آيات الكلى وآيات المرارة! هل يعقل أن نقول هذا على آيات الكتاب؟! نحن بهذا كأننا نلغي دور المول عز وجل إن صح التعبير وأنا آسف على هذا اللفظ ونأخذ نحن هذا الدور. كأنهم يقولون للناس إنسوا كلام الله ورسوله ونحن نعمل لكم طريقة للشفاء! إقرأ القرآن على الماء واشربها، والآيات تكتب بالزعفران ثم تُشرب، وتستحم بها؟ د. هداية: ألم ينتبه الذي فكر بهذه الفكرة أن الماء الذي قرأ عليه القرآن وشربه سينزل في بوله؟! المقدم: والبعض من باب الحرص يقولون لك هذه الماء المقروء عليها لا تستحم بها في الحمام لأن هذه مياه طاهرة وإنما اخرج خارج الحمام وأحضر إناء كبير واستحم في الإناء ثم تخلص من هذا الماء في حديقة أو اسقي به الزرع. د. هداية: أنا سأسأل سؤالاً: الرجل الذي يحب أن يسخّر الجن ماذا يفعل بالقرآن؟ يدخل به الحمام ويقف عليه برجليه ويجعله يلمس مناطق العورة، وأنت لما تقرأ القرآن على ماء وتدخل الحمام لتغتسل بها أسألهم هل الآيات تخللت في الماء؟ يقولون لك طبعاً، لكن أنت تلمس بها مواطن العورة! وهل الرسول صلى الله عليه وصف هذه الوصفة؟ من أين جاؤوا بهذا الكلام؟! ويقرأون القرآن على ماء ويشربوه، هل ربنا حاشاه نسي أن يخبرنا هذه الجزئية؟! يجب أن نفيق ونقف أمام المولى عز وجل بصدق. المقدم: كلامك هذا ذكّرني بمسألة بمنتهى الكوميديا. من الاستخدامات الشعبية لما الناس تدلل على شيء ليس له قيمة يقولون لك بِلّها واشرب ماءها! فتخيل نحن أخذنا مقلوب المعنى وعملناه مع القرآن! د. هداية: هل هذا ينفع مع القرآن؟! المقدم: لا والله لا يصح. د. هداية: ويقولون لك الشيخ فلان قال، يا أخي الذي يفعل هذا ليس شيخاً ولا يستحق حرفاً من كلمة شيخ. المقدم: خصوصاً وأنه لم يثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم شيء من هذا القبيل على الإطلاق. د. هداية: نهائياً. من عظمة الأداء البياني في القرآن أن الرسول صلى الله عليه وسلم مات مريضاً. لو كان ما يفعله هؤلاء الناس اليوم صحيحاً لكان الصحابة اسرعوا وقرأوا القرآن على ماء وأعطوه للرسول صلى الله عليه وسلم ليشربه. نحن ملتزمون بالقرآن الذي يقطع الشك باليقين فيقول (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا (7) الحشر) إذن لو هناك شيء من هذا القبيل لما خبأها القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم عنا ثم يأتي أحدهم في القرن الثامن عشر أو التساع عشر ويكتشفها. لما عمر ابن الخطاب رأى رجلاً كتب القرآن على ورق صغير مثل الذي يباع الآن ويوزع في حالة الوفاة (فيه بعض سور القرآن) ضربه وقال له عظّموا القرآن. نحن نريد أن نقف مع الناس اليوم وقفة: لماذا نقرأ القرآن؟ ولو أخذنا الآيات واستعرضناها آية آية سنرى عظمة الأداء البياني في القرآن عن القرآن. فلما يقول (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) التكوير) تخيل واحد يشتكي ويقول أن معوج فتجد القرآن يقول له إقرأ القرآن بالطريقة التي كان يقراً بها الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن للصحابة. يأخذ عشر آيات ولا تأخذ الآية 11 إلا بعد أن يتم استيعاب الآيات العشر الأولى. المقدم: تفهمها وتأخذها بمعانيها وتدبرها وتطبقها. د. هداية: وتطبقها. ولذلك لما جاء التعبير القرآني (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي (30) الفرقان) أولاً (يا) ملفتة، (إن قومي) ملفتة، و(إن قومي) ملفتة. وهذه يجب أن تؤخذ مع بعضها. المقدم: أنا أريد أن أسأل في كل هذه الأمور، لماذا قيل يا رب وإن قومي ولماذا قيل اتخذوا ولم يقل تركوا وهل معنى مهجوراً أنهم توقفوا عن القراءة أو يقرأوا ولا يفهموا أو يقرأوا ولا يطبقوا؟ المقدم: مسألة الهجر مسألة خطيرة جداً. الرسول صلى الله عليه وسلم يشتكي في القرآن الكريم في صياغة إلهية بديعة أولاً يقول (إن قومي) وقال اتخذوا ولم يقل تركوا وقال مهجورا وهذا يعني أن القرآن أو المنهج أو الرسالة جاءتنا ولكنا نحن الذين أخذناه ثم هجرنا. هل الهجر بمعانيه المختلفة أليست كلها خطر بمعنى أن هناك ناس هجرت ولم تقرأ، وناس هجرت ولم تفهم وناس هجرت قرأت وفهمت لكن لم تطبق، أليست هذه كلها خطيرة؟ د. هداية: طبعاً، أسأل ثانية ما وظيفة القرآن؟ ما دور القرآن في الرسالة؟ الموضوع سهل لكن نحن الذي جعلناه صعباً. مسألة خطيرة عندما تتكلم مع أحد بهذا الكلام يقول لك كلامك منطقي جداً وعقلاني جداً وجميل جداً لكن ألا تعرف أحداً يفك السحر؟! أنت تطمئن في البداية وتقول الحمد لله هذا يفهمني ثم تجد أنك تنفه في إربة مقطوعة. المقدم: لأن كثير من هؤلاء الناس ناس طيبين ولا يأخذون أجراً ولا يمارس شعوذة ولا غيرها فكما أن هناك من تعلم أن يؤذي كذلك هناك من تعلم والشياطين علمت بعض الناس السحر والكفر وهذا الكلام فكما قدر ربنا تعالى لبعض عباده أن يؤذوا بعض عباده بإذنه طبعاً قدر بعض الناس الآخرين أن يتعلموا السلاح المضاد د. هداية: أسألك سؤالاً: إذا كان ما ذكرته صحيحاً هل يكون الإله عادلاً؟! هذه المفاهيم التي ذكرتها هي للأسف السائدة عند الناس. يقولون هناك أناس تؤذي (وأنا طبعاً ضد هذا الكلام وسأفنده كله إن شاء الله لكننا سنحتاج لوقت) هل يمكن للإله العادل أن يضع الحل في يد أحد الناس ويترك باقي الأمة تغرق؟! ماذا لو هذا الواحد غير راضي ولا يريد أن يعالج هل نضيع نحن؟! لا يمكن للإله برحمته الواسعة أن يضع قدري أنا في يد شخص آخر لو رضي عني! المقدم: قد يقول البعض هذه مثل مسألة الطبيب. د. هداية: هذا موضوع آخر. أنت تتكلم في الطبيب لم يفيق يوماً ووجد نفسه طبيباً إنما هو درس. نحن نناقش أن الله تعالى اختص برحمته فئة هؤلاء يتوزعون على الكون يشفون الناس، ماذا لو قرروا أنهم لا يريدون أن يذهبوا؟! لا يوجد هذا في ديننا. المقدم: بعض الناس الذين ناقشوني سألته بعض الأسئلة من هذا النوع وقلت له أن فلان يعالج بالقرآن بدون مقابل، هذا بشر مثله مثلي فمن أين عرف أن فلان هذا فيه عفريت؟! وأن فلان هذا لا ينجب لأن فلان عمل له عمل في المكان الفلاني؟! هل كشف وبحث أم هو متصل بجنّ والجن قال له؟! د. هداية: لا أريد أن أفتح هذا الموضوع الآن وإنما عندما نتكلم في مسألة أنه يقرأ عليه ويقول هذا ملموس وهذا ممسوس، يعني واحد مُسّ فقط والآخر لُمس فقلت له عرّف لي الفرق بين اللمس والمس وكنا على الهواء فيقول له هذا خطى على شيء أو تعثر بشيء! عندهم مصطلحات وعبارات وألفاظ غريبة. نسألهم القرآن لماذا لم يذكر هذه المواضيع؟َ والمولى عز وجل لماذا لم يقل لنا؟! إبليس لا يستحي لعنة الله عليه فلما قال للمولى (لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ (62) الإسراء) لم يقل سألمس وسأمس فيأتون لك بىية (لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ (275) البقرة) وهذا موضوع آخر لا علاقة له بهذا الموضوع. أنا أسأل سؤالاً واحداً من قال لهذا الذي يعالج بالقرآن أن هذه الآية للكلى والآية هذه للمعدة؟! أريد أن أفهم. ثم أريد أن أفهم هل القرآن كتاب عقيدة أم كتاب طب أم كتاب سحر؟! هذا هجر القرآن. هجر القرآن عبارة أنك تأخذه والمفترض أنك تأخذه لسبب ما ثم تستخدمه في سبب آخر تماماً إذن تكون قد استخدمته خطأ إذن تكون قد هجرته. هجرته يعني نقلته من وظيفته وأنت أخذته وهذه كلمة (اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) الهجر معنى مبدع ونذكر قوله تعالى (وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا (10) المزمل) الهجر أنواع إنما هنا قال (مهجورا) لم يقل جميلاً وإنما هذا هجر لم يستفد منه أبداً يعني هذا لم يستفد من القرآن مع أنه في الجنة يقال لقارئ القرآن إقرأ ورتّل وارتق أنت نهايتك عند نهاية ما تقرأ عند آخر ما تقرأ. القراءة هنا هل تقرأ والمصحف مفتوح؟ بالطبع لا وإنما تقرأ مما وعيته ووعيت هذه لن تكون في الجنة إلا لمن طبّق وليس للذي كان صوته جميلاً أو كان يقرأ بشكل صحيح لأنه ما قيمة أن أقرأ بشكل صحيح تماماً ولا أطبق؟ ماذا أستفيد؟ المقدم: لكن لو كان يقرأ وصوته جميل وطبّق هذا يكون من ضمن "والماهر بالقرآن مع السفرة البررة". د. هداية: الماهر بالقرآن هنا هل تعني الماهر فيه تلاوة؟ المقدم: تلاوة وفهماً وتطبيقاً. د. هداية: تطبيقاً هي الأهم. عندي اثنان واحد يقرأ جيداً ولا يطبق والآخر لا يعرف القراءة ويطبق أيهما مفيد لنفسه وللأمة؟ المقدم: الذي يطبق. د. هداية: البعض يقول أنا أمي أميّة لا تقرأ القرآن فقلت له أسمعوها القرآن ثم سألته كيف هي حياتها فقال هي امرأة طيبة أمية غير متعلمة لكن تصلي النوافل وتصوم النوافل وتؤدي فرض الله ومع زوجها آية من آيات ربنا وكذلك مع أولادها وجيرانها تعرف حدود الحلال والحرام، ماذا ستقول في مثل هذه الحتلة؟ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، بقي لها فقط أن تقرأ أنا أعتقد أن هذه أسهل حاجة. نحن مشكلتنا في التطبيق. المقدم: ورب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه. د. هداية: أنا أريد أن أقف عند الآية لأن الناس يُضحك عليهم ببعض الألفاظ (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ (82) الإسراء) وفي غير المؤمن ماذا يفعل؟ وقال المؤمنين ولم يقل الظالمين ووقفنا عندها سابقاً من الظالم؟ المقدم: الظالم نفسه والظالم غيره د. هداية: الظالم هذا هو المنافق والشمرك والكتفر والعاصي والفاسق والمجرم. القرآن لما قسم الناس قال (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14) الانفطار) لما ناقشنا كلمة الفجار لغوياً قلنا أن الذي يرتكب معصية ولا يتوب عرف أن يرتكب المعصية ولم يعرف أن يتوب فهو فاجر لأن ربنا أعطاه التوبة وشرعها له لكنه لم يأخذها. المقدم: وهذا نراه اليوم في ازدياد في المجتمعات الإسلامية ومن علامات الفجور المجاهرة والمكابرة ويقولون سنعيش حياتنا بالطول وبالعرض د. هداية: عندي الذي يضع لافتى يقول "العلاج بالقرآن" هذا فجر من أبشع أنواع الفجور لأنه أخرج القرآن عن وظيفته. نسأله هل الرسول فعلها؟ قد تأيتنا رسائل تقول الفاتحة والرقية، ويقولون الرقية الشرعية، نسأل هل هناك رقية غير شرعية؟! هم لا يفهمون اللغة أنهم لما يضعون توصيفاً لكلمة يكون هنا مقلوب لهذه الصفة. أنت تضطر أن تضع صفة شرعية أمام الرقية لتروّجها. ويقولون ألم يقل الرسول للذي قرأ الفاتحة على أحدهم إضرب لي معكم سهماً. أنت تتكلم في واقعة في سورة الفاتحة، أسأل هذا الذي يدعي العلاج بالقرآن لو كان ابنه مصاباً بالسرطان هل سيقرأ عليه سورة الفاتحة؟! المقدم: هو بالتأكيد سيركض به إلى الدكتور. د. هداية: نحن قلنا مرة أنه أمسك بواحد من المعالجين بالقرآن في المستشفى وكنت موجوداً فقلت له أنت المفروض أن لا تأتي هنا إلى المستشفى أنت تعالج بالقرآن! لماذا تأتي إلى المستشفى؟! هذا الرجل من الذي يقولون أن كل شيء بالقرآن إلا إقامة شرع الله. المقدم: هل إقامة شرع الله هو هدف من أهداف نزول القرآن؟ د. هداية: هو السبب الرئيسي. لو دققنا في الآيات لما نسمع قول الحق تبارك وتعالى (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) الإسراء) بم يقل ليشفي وإنما يهدي للتي هي أقوم. أقوم على وزن أفعل التفضيل. القرآن يهدي بأن نجعله تحت المخدة أو في السيارة؟ هناك أناس يعتقدون هذا! أن لو القرآن معه سيكون حجاباً وهذا ليس صحيحاً! وظيفة هذا الكتاب أنك لما تفتحه لا تجد آية ليس فيها توجيه بالسلب أو الإيجاب، إفعل ولا تفعل. لما يقول القرآن (ومن الناس) ما معنى التوقيع القرآني في عرض صفات المنافق؟ أن تنتبه لهذه الصفات وراجع نفسك فإذا كنت تعمل إحدى هذه الصفات إرجع. لما يقول (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) البقرة) إقرأها وافهم لماذا قال الله تبارك وتعالى هذا في حقهم. الذي أنزل القرآن لهدف ألغاه هنا. (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ (1) الفرقان) ما وظيفته؟ (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) الإنذار. المقدم: الإنذار وهذه أول كلمات الرسول صلى الله عليه وسلم لما وقف في مكة ليدعو قومه. د. هداية: لما جمعهم وقال " إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت الناس كلهم ما كذبتكم ولو غششت الناس كلهم ما غششتكم والله لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون وإنها إما جنة أبداً وإما نار أبداً" كلام إنذار وإبلاغ. لما يقول (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ) قال الفرقان ولم يقل القرآن ولا الكتاب وطبعاً شبه القرآن بالفارق بين الحق والباطل فرقاناً وصرّح بالمشبّه به والمشبّه غير موجود. القرآن والفرقان، القرآن شًبِّه بالفرقان حذف القرآن وصرّح بالفرقان لأن هذا أهم دور للقرآن وقال (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) لم يقل شفاء ولا هدى ولا غيرها وقالها فيما بعد قال شفاء لما في الصدور وقال هدى للمتقين وقال يهيد للتي هي أقوم. كل هذه الآيات يجب أن توقفني عند قوله (اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا). المقدم: لماذا قال (إن قومي)؟ د. هداية: في رأيي لما الرسول غير المكلف بها يقولها فيكون قصده الذين منه، يعني الذين اتبعوه، لغة لأنه مبعوث لا لقوم لا لفئة وإنما للعالمين وفي حلقة من حلقات الرحمة المهداة قلنا أن دور الرسول صلى الله عليه وسلم ممتد إلى يوم القيامة بالقرآن وبنا نحن أتباعه حتى التاجر الذي لا يدعو إلى الله هو داعية بتجارته، الطبيب داعي بأخلاقه، لأننا أمة دعوية (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ (110) آل عمران) على مر العصور تحملون الرسالة من الرسول صلى الله عليه وسلم ولذلك هو قال "بلغوا عني ولو آية" ليس هناك أي واحد مهما كانت درجته العلمية أن يبلغ آية فكيف يبلغها؟ بأن يطبقها. المقدم: التي هي الدعوة بالقدوة. د. هداية: الدعوة بالقدوة والعمل. وقد قابلنا كثيراً من الناس الذين هداهم الله تعالى من غير المسليمن عن طريق تصرف من مسلم. إذن المسألة تحتاج لوقفة في مسألة اتخذوا ومهجور. نحن كلنا هاجرين للقرآن إلا من رحم الله تبارك وتعالى ففهم وظيفة القرآن الحقيقية (ليكون للعالمين نذيرا) وأظن بعد آيات سورة الرحمن ليس عندنا حجة (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) لما قال إقرأ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) هذه مطلقة. لو ركزنا هذا سر (ذُكروا) أنت تعلم بالفطرة أموراً نحن نذكّرك بها. المقدم: والمفروض أن فطرتك السليمة تستقبل بوعي هذا الكتاب على مراد الله فيه بعيداً عن الدجل والشعوذة والكذب والكلمة التي أسمعها كثيراً (فلان يعالج بالقرآن لكنه لا يأخذ مالاً على ذلك) هذه ليست العلّة. المقدم: يمكن أنه يفعل هذا ليفسد العقيدة عن الناس. د. هداية: يفسد العقيدة أو تمهيداً ليأخذ المال لاحقاً ثم يقول الناس هو قال اشتروا الشيء الفلاني من العطّار الفلاني وهو يرسم معه. وكما قال الحكماء طالما هناك مغفّل فالنصّاب بخير. أنا أتكلم في عقيدة بصرف النظر هي يأخذ مالاً أو لا يأخذ، ما هي وظيفة القرآن؟ المقدم: إقامة شرع الله وما يقوِّم البشرية على هذا الكوكب. د. هداية: (إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ (9) الإسراء) (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الفرقان) هذه وظيفة القرآن حتى لا نكون اتخذنا هذا القرآن مهجورا. المقدم: جزاكم الله كل خير يا دكتور. مواضيع كثيرة ومتشابكة لكن الهدف واضح حتى لا يأتي من يقول لم نكن نعلم، ها نحن قد عرفنا الآن وعندنا أمور تطبيقية لو نظرنا إليها في المتجتمع سنجد أن عندنا مشاكل كثيرة لو طبقنا شرع الله ومنهج الله ستختفي هذه المشاكلوذكرنا أمثلة كثيرة في البيوت المسلمة التي تهدم بسبب الخلافات والطلاق والتربية والحضانة، لا نطبق شرع الله فتهدم البيوت وتخلو من السعادة. الإجرام والمجرمين وعندنا موضوع يجب أن نفرد له حلقات وهو ما يسمى (مسجل خطر) يعني يكون عنده عشرات السوابق ودخل السجن عشرات المرات وخرج بدون فائدة ونتركه يخرج، هذا أمر يحتاج لمراجعة، الناس التي تسرق وتقتل وتهدد الناس لو طبقنا القصاص العادل مستمد من شرع الله لن يكرر هذه الجرائم أحد. نذكر قصة المرأة في كفر الشيخ وطلبوا تنفيذ حكم الإعدام وأن تنقله كل الفضائيات من ميدان عام أمام الناس ليكون هناك ردع. هذه بعض الأمثلة ولو أخذنا كل مشاكل حياتنا وطبقنا عليها القرآن حتى لا نهجره ثم نقول لماذا حالنا هكذا؟! أظن أن المسألة واضحة. نكمل المسيرة مع حضراتكم، نراكم بخير سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 14/4/2009م |
لتوبة والاستغفار 102
تقديم علاء بسيوني اليوم عندما نفصّل آياته نفصّل معانيه نتدبر أحطامه هل نكون بذلك بالكاد نتعامل معه أو نتعامل معه التعامل الذي أمرنا به الله سبحان وتعالى أي القراءة والفهم والتدبر ثم العمل والتطبيق وهذه الإشكالية الأخيرة هي أخطر سلبية في المجتمعات الإسلامية اليوم. كيف نتغلب على هذه السلبية هذا ما سنتحدث عنه في هذا اللقاء. أرحب بكم وأرحب بضيفي وضيفكم الدكتور محمد هداية. مسألة تطبيق وتفصيل الآيات (كتابٌ فصلت آياته قرآناً عربياًلقومٍ يعلمون ) (قد فصلناالآيات) هذا التفصيل هل هوتفصيل أحكام أم معاني أم دور لمنهج الحياة ؟ د.هداية :أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. المقصودمن حيث المعاني في كل هذا أولاً أن يكون التلقي على مراد الله فتنضبط كل هذهالمعاني فبدءاً بالقراءة ثم الفهم ثم الوعي ثم التطبيق. وهذه المراحل لا تأتي إلابهداية من الله تبارك وتعالى أولاً بشرط (لمن شاء منكم أن تستقيم) أن يكون بداخلكالرغبة لذلك على عكس ما يحدث هذه الأيام كمن يقول ما زلت لم يهدنى الله أو أنا فىانتظار هداية الله لي كأن الملك سينزل له من السماء ليجعله يصلى ويصوم وهذهالمعاني مستقرة عند الناس. كقولهم أن الشياطين تصفد فى رمضان من أين يأتى هذا المفهوم؟ للأسف منالفكر السائد فى المجتمع وليس من القرآن. فإذا صفدت الشياطين لم تؤجر أنت وبهذاتكون خالفت النص القرآني (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)العنكبوت. الفتنة فى وجهة نظري شخصياً أن الشيطان يجتهدفى رمضان لكن رغبتك أنت هي من تصفد الشيطان. وهل هي رغبة مستمرة منك لما بعدرمضان أم تبدأ رمضان وتنوى أنها عبادة موسمية؟ أنت تريد قراءة القرآن فقط فى رمضانوباقي الشهور تتركه! وهذه عقيدة فاسدة مثل المساجد التى تمتلئ فى رمضان عن آخرهاوهذه ظاهرة صحية ولكن يا ليتها تستمر بعد رمضان .! المقدم :أليس منيخشى المعصية فى رمضان ألا يجب أن يخشى بعده؟ وأليس الإله فى رمضان هو نفس الإله فى غيررمضان؟ د.هداية :هذا شركدون أن يدري والكثير يعتبرون هذا الكلام تشدداً ولكن أليس رب رمضان هو رب شوال؟ الذييترك فيه القرآن والصلاة والمساجد والالتزام كما كان يفعل فى رمضان ويقول لا أستطيعأن أترك كل هذا فى رمضان إذاً فأنت تخاف من رمضان وليس من رب رمضان ويقول لا أقدر أنأسرق أو أرتشي أو أكذب . فلمن تعمل إذاً؟ لرمضان؟ بدليل قول المولى عز وجل (ياأيها الذينآمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون*أياماًمعدودات) قال أياماً معدوداتولم يسميها ولكن حين سمى الشهر أعطى عللاً (شهر رمضان الذى أنزل فيهالقرآن)ففضل الشهر أنه أنزلفيه القرآن (هدىًللناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان)كأنك إذا قرأت الآيات بتركيز تدرك أنك تصوم شكراً لله أن أنزل القرآن وأنجاء للوجود بمحمد صلى الله عليه وسلم وأن جعلني من أمته ولست من أمة أخرى فكوني جئت من أبوينمسلمين هذا فضل كبير لا يتعلق إلا بالخالق سبحانه وتعالى. ففرض الصيام فيه حكمة وهيأنه شهر القرآن. فهل إذا انتهى الشهر انفلت؟! لا يعقل أن يكون هذا هو الغرض، لا يمكن أن يختم القرآن عدةمرات فى رمضان ثم لا أقرؤه باقي السنة والأفضل أن أداوم على قراءته فى شعبان وشوالوعلى الدوام . المقدم:البعضيطلقون على رمضان شهر العبادة وشهر الاجتهاد والمزيد من الطاعة؟ د.هداية : هذهالألفاظ أفسدت العقيدة فعندما يقترب رمضان يقلقني الحديث الموضوع الذي يقال أن أوله رحمةوأوسطه وغفرة وآخره عتق من النار فهو حديث موضوع وهو كلام فارغ ليس بحديث، هل معنىهذا أن أوله رحمة أنه ليس فى أوله مغفرة؟ وأوسطه رحمة هل يعني أنه ليس فيه رحمة؟ وآخره عتق من النار يعني أليس ليس فيه رحمةولا مغفرة؟ أفكار غريبة وكلام يظهر أنه ليس من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.وقول أنه شهر العبادة أليس فى شوال عبادة أو شعبان؟ هذا ما أسميه موسمة العبادة وهوما ضيّع الأمة أننا جعلنا العبادة موسمية. المقدم : نرجع إلىسؤالنا الأول عن تفصيل آيات القرآن(كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍيَعْلَمُونَ) د. هداية : هذا هو الوعيوالتدبر أن أسمعها كما أنزلت و أفهمها ثم أطبقها. قال تعالى(حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (4) وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آَذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (5) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6) فصلت). هل انتبهنا لقوله تعالى (تنزيل من الرحمن الرحيم)؟لو سألنا ما هو التنزيل؟ تأتي الإجابة في الآية (كِتَابٌفُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُون) لقوم يعلمون وليس ليتعلمون فهم يعلمون بالفطرة السابقة وبالإيمان فى العهد الوثائقي الذى بيننا وبين المولى عز وجل فى عالم الذر من بنىآدم جميعهم وليس المسلمين أو اليهود(وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْبَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَاغَافِلِينَ (172) الأعراف). قالتعالىَ(أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ) بالله عليك ونحن فى عالم الذر كيف نشهد على ماذا إلا أنيكون هذا الإله قادر قدير مقتدر أن تكون آياته الكونية والقرآنية والكتابية كلهاتجعلك تسجد وأنت ما زلت فى عالم الذر وأنت بعيد عن المنهاج والرسل فما بالك بعد أن يرسل لك المناهج والرسلوالكتب والشرح ولذلك قال تعالى(لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) المقدم : هل من ضمنالعلم أيضاً أنه أتى عربياً وأنتم تعرفون العربية والشعر وأبعاده وقواعده وهذا لا ينطبق عليهقواعد الشعر ولا قواعد البشر؟ د. هداية : نعمولهذا قال(لقوم) ولم يقلللعالمين فهو يتكلم عن بداية نزوله فى أي منطقة؟ سينزل في منطقة العربية عملهم ولعبتهم لقوم يعلمون العربية وهذا كتابمعجز لغوياً وهم يشتغلون باللغة العربية ومتميزون فيها. ولهذا لم يقل للعالمين أوللناس ، وقول الرسول فى سورة الفرقان(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُواهَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)مختلفة عن باقى القرآن لأن الرسول أرسل للعالمينوللناس كافة فى شتى بقاع الأرض . إنما لا بد أن نفكر ونتدبر فى اختيار المنطقة المكان لنزولالقرآن الحجاز، مكة، هذ المنطقة كانت قبل محمد بآلاف السنين اختارها الله للبيت قال تعالى (إِنَّ أَوَّلَبَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًىلِّلْعَالَمِينَ)بكة الوادي وليس مكة. ثم يشاء المولى عز وجلاصطفاء محمد صلى الله عليه وسلم وينزل عليه القرآن ثم تُشرع الصلاة في القرآن والقبلة أول ما تبدأ تكون للمسجد الأقصى وليس للبيت الحرام ثم يسرى به من المسجد إلى المسجد (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىبِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَىالَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُالبَصِيرُ)وسماه تعالى المسجدالحرام قبل أن يكون مسجداً ومصلى قبل أن تفرض الصلاة فى الاسراء، فكلمة قوم غريبة عن هذه الرسالة ولم تذكر إلا مرتين فى هذه الآية فى سورة الفرقان وفىالآية التى نتحدث عنها فى سورة فصلت (لقومٍ يعلمون). (حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2))حم هو التنزيل أم سيقال التنزيل فيما بعد؟ إذن التنزيل كتاب ومن غبائهم طلبوا أن ينزل جملة واحدة وأرانا المولىحكمته فقال (كذلك لنثبت بهفؤادك)أن ينزل منجماً وعلى مكث (لتقرأه على الناس على مكث)، فهذا الكتاب إذا أنزل مرة واحدة لا يستطيع بشر أن يستوعبه بل نزل متدرجاً وفقاًللأحداث. الذي يسلم اليوم الكتاب مكتمل لكن في بداية الدعوة كان الكتاب ينزل متدرجاً وفق الأحداث هنا قال (قوم) إذن هو للعالمين، الرسالة للعالمين لكن بدايتها لا يصح أن تكون للعالمين. انتشار الاسلام بدايته كان في مكةثم إخراج الرسول من مكة إلى المدينة فتتسع المسألة في مدينة واحدة ثم تتسع وتنتشر كما ذكر تعالى في الآية (كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه) . المقدم : ما سبب ذكرالكتاب والقرآن معاً وما الفرق؟ عندما كان ينزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم كان اسمه قرآن ولما اكتمل صار كتاباً أم كان كتاباً من قبل أن يُقرأ؟ د.هداية : هذه القضية مرتبنا من قبل حين اعترضنا على القول أن عثمان جمع القرآن. فساد العقيدة يأتي من سماعالأقوال ثم اعتيادها ثم نقول هذا ما وجدنا عليه آباءنا .هذه هي خطورة إفساد العقيدة. أولاًلما نقول أن عثمان جمع القرآن فيأتي من يقول: هل القرآن تُرك في عهد الرسول صلى الله عليه وسلموأبو بكر وعمر حتى زمن عثمان يجمعه؟! كيف؟! لا يصح . النقطة الثانية أنه يفتح الباب للشك فىصحة ما جمع عثمان وربما نسي شيئاً أو أخطأ فيه لأنك أسندت الموضوع الذى تصدى له الرحمن لبشر. التوراةوالانجيل لم يتكلم فيهما المولى عز وجل لكن أخبرنا عنهما من خلال القرآن ولذلك كما سألت أنت لماذا محمد صلى الله عليه وسلم في الختام ولماذا القرآن في الختام؟ أنه كتاب يُصلح كل زمان ومكان ورسول تمتد رسالته بعد وفاته إلى يوم الدين، لماذا؟ يقول تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)كيف؟ (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنبَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) لغاية يوم الدين فهل يترك القرآن لبشر!ومع احترامنا لسيدنا عثمان لكن هذه ليست وظيفته وإن كان لبشر أن يجمع فالأولى أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك ليست وظيفته عليه الصلاة والسلام بدليل قوله تعالى (لَا تُحَرِّكْبِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَه)من الذى جمعه ؟ الله عز وجل . وأعجبنى جداً هذه النقطة منشيخنا الكبير عبد الجليل عيسى رحمه الله أستاذ أساتذتنا أستاذ الشيخ الشعراوي والشيخ عبد الحليم محمود والشيخ النمر رحمة الله عليهم أجمعين لما سماها الكُتبةالأولى والكُتبة الثانية مجرد عملية تنظيم لما جُمع من قبل المولى عز وجل. القرآن نازل كتاب من اللوحالمحفوظ هو نزل الى السماء الدنيا كما هو معنا الآن ونزلت على الرسول آيات الاسراءبعد حادثة الاسراء (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً) والمجادلة بعد المرأة التى جاءت تسأل الرسول (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) ويؤخذ منه وفقالأحداث ما يناسب الحدث ولذلك قال تعالى(كتاب فصلت آياته قرآناً)أي فصلت على الواقعة أو الحادثة فالموجود يفهم ويستوعب. سورة الاسراء واقعتها شيء والكلام في الأحداث والروايات عن بني اسرائيل ولهذا تسمى سورة الإسراء سورة بني اسرائيل. بدأت السورة بالحديث عن الإسراء (سبحان الذي أسرى بعبده) ثم تتحدث عن بني إسرائيل (وآتينا موسى الكتاب) بعد أن أخذت الواقعة وآيتها سيتكلم عن التوراة وهو كتاب. الإنجيل كتاب والقرآن كتاب لكن الإنجيل لم يسمى فرقان. وسمى المولى القرآن على وزنفعلان هي حالة خاصة بالكتاب الذى سيستمر فرقانا أو المهيمن (ليظهره على الدين كله) على الدين وليس الديانات، لا يجب أن تجمع كلمة الدين لأنه جمع فاسد لكلام بعيد عن الشريعة. فلما يقول المولى (قرآناً عربياً) ثم يقول (لقومٍ يعلمون) أي يشتغلون باللغة يفهموه ويستوعبوه وهم فعلاًلم يعترضوا على الحروف المقطعة في أوائل السور ولم يسألوا عنها، على عكس العديد من الطلاب الآنالذين مازالوا يسألون عن معنى (ألم) وهذا السؤال في حد ذاته خطأ لأنه لا يوجد ما اسمه ما معنى الحرف؟ لأن الحروف فى حد ذاتها ليس لهامعنى وإنما يصبح له معنى إذا دخل في جملة. الكلمات لها معاني لكن الحروف ليس فيها معاني. وفى آية (44) فى نفس السورةفصلت نرى دأب البشر فى مخالفة المنهج بحجة باطلة قال تعالى(وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًاأَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّقُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِيآذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍبَعِيدٍ) المقدم : البعض يقوللماذا نزل القرآن بالعربية ؟ أهو تحيز للعرب؟ ومما سمعت وقرأت فى بعض التفسيرات أنمن ضمن معاني كلمة عربياً أنها تعنى التمام والاكتمال والخلو من العيوب والانتقادات وليس فقطاللغة واللسان ولذلك جاءت في توصيف الحور العين أنهم (عرباً أتراباً) يعني كاملين وليس فيهن عيوب فما مدى صحة ذلك؟ د. هداية :هذاالمعنى يتحقق بأنه كلام رب العالمين وليس كونه عربياً. (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)) هذا معنى فصلت. من معاني فصلت أنه ينزل عربياً على رجل عربي. المقدم: هو نزل عربي على العربي وهناك كثيرين لا يتكلمون العربية فيقولون لماذا اختص الله تعالى هؤلاء الناس وموضوع تلقي القرآن عربياً صعب عليهم؟ د. هداية: لأن اللغة العربية لغة كمال والقرآن كلام اللهوشاءت إرادته تعالى أن جعل اللغة العربية هى لغة القرآن. وباعتراف أهل اللغةالانجلوساكسونية واللاتينية بوجود قصور عندهم فى بعض المعاني التي أرادها القرآنمنها الآية التى كانت معنا(وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَمَهْجُورًا)لا تجد هذا المعنىفي الانجليزية ولا الفرنسية مثل هذه التركيبة ووضع الأفعال مختلف عن العربية. فأفعالالكينونة عندهم لا تخدم المعنى المقصود وهى إرادة الله تعالى لا نناقشه فيها. المقدم: إذن اللغة العربية هي أكثر ليونة وسهولة في التركيب لتعطي كل المعاني التي تعجز باقي اللغات عنها. د. هداية: ومن يريدعبادة هذا الإله يعبده على مراده فيتعلم العربية. ولكن ما يحدث عندنا الآن العكسفنحن نترجم معاني القرآن لهم حتى يفهموه ولكنها ترجمة معاني فقط وليست ترجمة حرفية فهم لن يفهموا الترجمة الحرفيةمثل الآية فى سورة البقرة (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّلِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) ففي اللغة العربية هناك المعنى وهناك لازم المعنىفلازم معنى اللباس هو الستر والسكينة والمودة والرحمة وكل هذا يأتى بلازم المعنى أومراد فإذا ترجمناها لهم لا تترجم إلا بمعنى ملابس بالترجمة الحرفية. وكذلك آياتكثيرة فى القرآن لا تأتي بالمعنى ولكن تأتي بلازم المعنى كقوله تعالى (فأخذتهمالرجفة) أي لا تتركهم ولا يمكن إسناد الفاعل فى لغتهم للرجفة فلا يستقيم المعنى فيجب أن تبين لهم أن هذه الآية تشبيه للرجفة بأنها رجل يأخذ بقوة ولما يأخذ لا يترك ولا يفلت .فإذا أراد أن يعبد اللهتعالى يتعلم هذه اللغة فالفضل هنا علينا من الله أننا جئنا عرب ونحن نترك هذا الفضل ولا نحس بقيمته ،فالانجليزي يقول لك سامحني لا أحفظ إن لم يستطع القراءة له عذره ولكن عرب] ولايستطيع أن يقرأ القرآن بشكل صحيح هذه مصيبة فهذه الآيات حجة علينا. (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم) الغاية من إنزاله عربياً تخدمنا نحن ويعود الفضل من الله تعالى علينا نحن. ولو نزله تعالىأعجمىّ على رجل عربىّ لقالوا كيف ينزل القرآن أعجمياً على رجل عربي بغير لغته؟ وهنا الآية (أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ) أعجمي لواحد عربي؟! ولكن الله تعالى أنزلهعربياً. المقدم: بعدها قال تعالى في الآية (وَلَوْجَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُأَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءوَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌوَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًىأُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ) هدى وشفاء، ثم للذين لا يؤمنون به في آذانهم وقر وهو عليهم عمى د. هداية: التعبيرات القرآنية فىالتشبيهات نحن نقولها في الاستخدام اليومي فنقول هذا يقبل العمى ولا يقبل فلان! هذه معناها. تخيل خيبة العربي أن القرآن بالنسبة له لا يريد سماعه! (هو عليهم عمى) هو يقبل العمى ولا يقبل القرآن لأنه جاءه بافعل ولا تفعل ويخرجه من الهوى ويمنعه من الخمر وهويريد أن ينفلت. فلو أتى الله به أعجمي لقالوا كيف ينزل أعجمياً ونحن عرب؟ ولكنه نزل عربيا(لقومٍيعلمون) لقوم هذه شغلتهمولم يعترضوا عليه ولميقولوا عنه أنه صعب كما يقال الآن فالطلبة يعتبرون الآن باقي اللغات أسهل منالعربية وهى لغته ومنهجه ولغة قرآنه وقوله تعالى(لقومٍ يعلمون) ولما يقول تعالى (قرآناً عربياً)فيها تكليف غير ظاهر أن العربىّ أصبح عليه عبء التبليغوالتوصيل. المقدم: هذا العربي المطلوب منه التوصيلكيف يوصلوهو لا يفهم أصلاً؟ (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)) د. هداية: هناك نقطتان يجب الوقوف عندهما (لولا فصلت آياته)لو كانأعجمياً لقالوا لولا فصلت آياته فإذن التفصيل يأتي بأن أذكر لك المنهج بلغتك من البدايةوقد فعلها المولى تعالى بإرادته من البداية دون أن تطلب منه ودون سؤاله. هو من البداية (حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته) لا تطلبه أنت. تخيل نفسك مكان غيرالعربي لو كنت تريد أن تعبد الله على مراده فعليك أن تتعلم اللغة العربية من الألف إلى الياء وهذا يحدث في حالتين فقط إما أن يكون هذا يبتغي وجه الله فعلاً أو واحد يريد أن يُشرّق القرآن هؤلاء هم المستشرقون. هاتان الفئتين من الأعجميين يدرسوا كما أشعر مع بعض المستشرقين أنهم يدرسون العربية أكثر منا نحن. نحن أنعم الله تعالى علينا بدراسة اللغة العربية لكن أشعر أن هذه المسألة بالنسبة للمستشرقين تهمهم وعندما تبحث عن الملهوف على اللغى مثلك تجده واحد من اثنين إما واحد لما سمعك قال فعلاً ليس هناك فائدة من أن أدرس الكتاب هذا على مراد الله تعالى فيه إلا إذا درس اللغة العربية كما يقول الكتاب والثاني الذي يريد أن يعيب الكتاب ويريد أن يجد فيه نواقص ويشكك فيه وهم المستشرقون وفى الحالتين يدرسونالعربية جيداً قد يكون بشكل أكثر من العرب أنفسهم الذين لا يعرفون قواعد ولا نحو. يقول بعض طلابنا لا نريد النحو وهو أساس اللغة العربية! إذن هما فئتان إما واحد مخلص لنفسه إما واحد يريد أن يعيب القرآن، واحد يريد أن يتقي الله فعلاً وفهم أن هذا الكتاب حتى يكون سهلاً يجب أن يكون بلغته. فلو حصل هذا يضرب لك مثالاً ويقول لك تخيل لو كان القرآن هذا نزل باللغة الإنجليزية؟ الإجابة المنطقية أنه سيكون سهلاً لأن اللغة الإنجليزية ليست صعبة مثل اللغة العربية. المسألة بالعكس أصعب فكوني عربي المسألة صارت سهلة (لولا فصلت آياته). في صدر سورة فصلت معنى ضمني مهم جداً وهي (لقوم تعلمون) كأنه يقول هذا القرآن نزل بلغتكم بإعجازكم والعرب كانوا يتميزوا بالبلاغة فماذا ستفعلون؟ ولذلك قال (لقوم يعلمون) لو كان أحدهم في ذلك الزمان ايس قوياً في اللغة يخرج من معنى كلمة (قوم) القرآن نزل لقوم يعلمون. لما يقول (فصلت) ثم يقول (لولا فصلت آياته) إذن التفصيل أنه جاء بلغتكيطابق بلاغتك ولا تعترض فيه على شىء، أخذ عنك مسؤولية أنت لا تشعر بها أنك تبلّغ. المقدم : فى مسألةالتأثير (قُلْهُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء)ما المقصود؟ د. هداية : هدىً أييهديهم إلى الإيمان والهداية ويكون لهم شفاء إذا تناولوا المنهج. المقدم : إذن مسألة هدى للذين آمنوا هو مقلوب معنى ما جاء فىسورة البقرة عن رفض الكفار(خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَىأَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ) د. هداية : نعم وهذاالهدى لمن أحب التلقي والذي لا يريد (وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْعَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ). المقدم: ما المقصودبباقي الآية(وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْعَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ)؟ د. هداية : هذا لايأتى إلا فى العربية فكيف تعبر عن المقصود بالمكان البعيد فى لغة أخرى؟ هل الرسولكان يناديهم من مكان بعيد أم من السماء؟ لا تأتى بالمعنى فى لغة أخرى وإنما لازم المعنى. والمقصودأن من يناديك من مكان بعيد لا تراه وهذا هو العمى ولا تسمعه وهذا هو الوقر، وهذاتشبيه أن من يتلقى الهداية لا يسأل كثيراً بهدف الجدال ولكن يسأل فقط ليفهم ولكنالآخر كأنك تقصد مناداته بلازم المعنى من مكان بعيد فلن يسمع ولن يرى. الذي ينادي عليك من مكان بعيد لا تسمعه ولا تراه فكيف لو كان يناديك من مكان بعيد وعليه باب مقفول أو جدار وباب وحواجز للصوت وهذا هو المقصود، (وهو عليهم عمى) العمى هنا البصر والبصيرةكقوله تعالى(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًاوَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىوَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَاوَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى )أتتك الآيات فنسيتها وأعرضت عنها. (كذلك اليوم تنسى) هل هو منسيّ فعلاً كيف وهو يعذب فىالنار؟ كلا ولكن منسي من أخص صفات الرحمن فى هذا اليوم وهى الرحمة نُسي من رحمة الله لأنه (أتتك آياتنا فنسيتها) . كقوله تعالى فىسورة الفرقان(وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّواعَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا)هذا مقلوبها، يعني إذا ذكروا تعني أنهم كانوا يعرفونها ونحن نذكرهم بها فقطفهم يعلمون الآيات وشرحها ولكنفقط نذكّرهم بها. فقوله (نسيتها) أي أنك كنت تعلمها وقد تكون قمت بتطبيقها أيضاً ثمأعرضت عنها وهو أخص أنواع الهجر وهو أن يكون فتح الله لك كل أسباب التلقي فالقرآنعربيّ ومفصل آياته وعاصرت الأحداث مع الرسول وشاهدتها وفهمتها ثم تقلب كل هذا وتحولالقرآن إلى شفاء وتقسم الآيات كل منها لشفاء مرض معين هذه للكلى وهذه للكبد وهذهللصداع؟! والناس تصدق هذا وتتبعه وهذا افتراء وكذب وقلب للمنظومة التى أنزلهاالله تعالى. لمذا لم يخرجوا لنا ىيات للسرطان؟! فهذا الكتاب كتاب عقيدة يشفي ما في الصدور ولذلك قال أن من لم يتبع هذاكأنك تناديه من مكان بعيد لا أمل له فى هدايته ولو أراد الهداية لاقترب لأهمية مايريده ولذلل العقبات. أول بنود الإيمان أن تصدق (ذلك الكتاب لا ريب فيه) فإذا كنت تقرأ القرآن لتخرج منه أخطاء فستكون هذه الآية وهي من أوائل آيات سورةالبقرة لم تستفد منها شيئاً ولم تخدمنا في شيء. شاءت إرادة المولى أن يكون ترتيب سورة البقرة 2 في الكتاب مع أنها 87 في النزول لكن أنت تقول ليس مهماً ترتيبها ضعها أينما كان ولا فائدة ولذلك قال تعالى (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) يستوي عليهم الوضعين. الذي يقف بعيداً وفهم تعالى (ذلك الكتاب) بالإشارة للبعيدهو الذي يقترب . المقدم : فى سورةالأنفال قال تعالى(إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَيَعْقِلُون)ما دلالة يعقلونهنا مع أن المتوقع أن تأتى يسمعون أو يبصرون ؟ د. هداية :البعضيقول لماذا ولد هذا مسلم وهذا يهودي؟ سبق فى علم الله، لو قلت ماذا يعني سبق في علمه الله تكون لست مؤمناً ولم تعرف معنى الإرادة ولا معنى المشيئة ولم تعلم أن حكمة الله وإرادته متلازمتان لا يظلم أحداً بدليل إلى الآن تقول هذا لم لم يؤمن لأنه يهودي فماذا تقول في المسلم الذي ولد من أبوين مسلمين وخرج من الدين؟ المقدم: اليهود والكفار والمشرقين منهم من يسمع ويهتدي للإسلام؟ د. هداية: والعكس بالعكس. إذن هنا (وما يظلم ربك أحداً) المقدم: (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) كصياغة لغوية كان يفترض أن تختم بالآية بالذين لا يسمعون أو لا يتكلمون تناسباً مع الصم والبكم؟ د. هداية: الصم والبكم فى الآية ليسحسياً وإنما هذا لازم المعنى. هو يرى ويسمع ولكنه وقر وعمى، عطل هذا ليس فى الأداء ولكن فى الفهم فلم يعقل ،فالأصم قد يعالج أو يستعمل ما يساعده للفهم والتحدث والتخاطب ولكن ما بالك بمن يسمعولا يسمع ويرى ولا يرى مثلها مثل (صلّيت وما صلّيت) فأنت تملك الأدوات التي هي نعم في حد ذاتها ولكن لا تستخدمهاكمن كانوا يضعون أصابعهم فى آذانهم وهذا توضيح أن التعبير العربى القرآنى يخدمالمعنى(أَوْكَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَأَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌبِالْكافِرِينَ)فالمرء لا يدخلكل إصبعه فى أذنه لم يقل أناملهم وإنما قال أصابعهم ولكن كناية عن كرهه للسمع لئلا يترك مجالاً لتتسرب كلمة واحدة كمن استمعللقرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال هو شعر أو سحر أو كذب هو يريد أن يعيب على الرسول وما جاء به فيبرر لنفسهأولاً ثم يبرر للذين من حوله. يقولون افتراه ثم شاعر ثم كذاب هو ماذا بالضبط ولذلك قال تعالى(انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَفَضَلُّواْفَلاَيَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً) فضلّوا أيتشتتوا لا يعلمون ما يقولون بالضبط. هذا القرآن لا بد وأن تستخدمه(إن صح التعبير) الاستخدام الذى من أجله جعله الله تبارك وتعالى وأنزله . المقدم: قبل أن نختم نقول أننا وضعنا أيدينا على الخطأ وقصرناكثيراً فى المنهج المسلم ولهذا لا تنصلح أحوالنا ولهذا ستكون الحلقة القادمة انشاء الله ملخص التوبة التي هي الرجوع والعودة ونعود إلى عباد الرحمن مع سورة الفرقان وسنتكلم كيفنكون في معيّة الله تعالى التي لازم معناها أن تكون في معية الله باتباع منهج الله .جزاكم الله كل خير نراكم على خير إن شاء الله والسلام عليكم ورحمة اللهوبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 21/4/2009م وطبعتها الأخت يسرا جزاها الله خيراً وتم تنقيحها |
وبة والاستغفار 103
تقديم علاء بسيوني أرحب أولاً بضيفنا وضيفكم الدكتور محمد هداية. أشعر كأننا نبني مشروعاً نعمل عليه منذ سنتين واليوم النموذج يكتمل ووسنعرضه للماس وستبدأ معالمه تظهر تصحيحاً لمفاهيم العقيدة عند الإنسان المسلم في علاقته مع الصح والخطأ. هناك من يتعامل بشكل فاهم وواعي فهؤلاء يتوبون ويعودون وهناك ناس لا يعودون. ما رأيكم أن نبدأ أولاً من بداية تشريع العودة، تشريع التوبة؟. نبدأ من سورة البقرة من قصة التوبة مع آدم نسمتع إليها ثم نسال الأسئلة. (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ{34} وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ{35} فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ{36} فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ{37}) الكلمات في الاية 37 بالتحديد هي التي تحتاج لوقفة. نحن ننسب الفضل لبني آدم، فلان أخطأ وكلنا تخطئ ولكنه رجع وتاب وصار إنساناً فاضلاً. لكن الآية هنا تقول (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) الفضل واضح لله، لماذا يأتي التشكيل على كلمة آدم بالضمّ (آدَمُ) دليل على أنه هو الفاعل في مسألة الهداية والتوبة؟ د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. هذه هي بداية المسألة والكون بدأ بالمعصية ثم بالتوبة التي شرعها الله تبارك وتعالى. الملحوظة التي وقفت عندها مهمة جداً في أن الله تبارك وتعالى أولاً هو كونه يشرع التوبة فهذه ملحوظة مهمة جداً في بداية الحياة. وكأن القرآن يقول لنا أن الإنسان بدأ بمعصية وحياته كلها هكذا والله عز وجل علّمه التوبة (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) يبقى آدم هو الفاعل للتوبة. هناك من يرجع وهناك من لا يرجع ومن هنا كانت الإشارة أن الذي يرجع هو الفاعل. نحن عرفنا أن نغلط لكن لم نعرف أن نعود فلما المولى عز وجل يعطيك ما تتوب به فهو يريد أن يعلّمك أن الذي يرجع أخذ وعاد إلى الله وهناك في المقابل من أخطأ ولم يرض أن يأخذ التوبة. التوبة صارت قاعدة مشروعة من يرجع ومن لا يرجع؟ الذي يرجع له فضل والذي لم يرجع أمامه فرصة إلى أن يأتي الأجل، وإذا لم يرجع هذه مشكلة. يجب أن نأخذ كل مقارنات الأفعال، هناك فعل له توبة وفعل ليس له توبة، وهناك توبة غريبة وهناك توبة تختلف عن طريقة أستغفر الله وتبت إلى الله مثل توبة اليهود لما اتخذوا العجل أو لما طلبوا أن يروا ربنا فأخذتهم الصاعقة. كل هذه الأمور ليس من قبيل الصدفة أن تأتي في سورة البقرة التي ترتيبها 87 في النزول وترتيبها 2 في الكتاب. في مطلع البقرة يوصِّف المولى عز وجل المتقين والكافرين والمنافقين ثم يبدأ يتكلم عن بداية الكون قبل خلق آدم. ثم هناك ملمح في البقرة مهم جداً أن آدم شاهد بعينيه أن إبليس لم يسجد فكيف سمع كلامه؟! كان هذا ملمح يبين لك أنه من المفروض لما المولى عز وجل يقول لك (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (6) فاطر) المفروض أن تتخذه عدواً، هل تسمع كلام العدو؟! المقدم: أنا أتصور أن أغلبية الناس هكذا أخذوا نصف الآية فقط يعلمون أن الشيطان عدو لكنهم لا يعرفوا كيف يتخذوه عدواً. ماذا أفعل لأتخذه عدوا؟ د. هداية: ضع الوسوسة على مدار البحث هل يجوز أن أفعل الشيء الفلاني أو لا؟ أفكر هل هذا حلال أو حرام؟ إعرض الكلام في الوسوسة من شيطان الإنس أو شيطان الجن على هل هذا حلال أو حرام ولما تسمع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن" يوضح لك أن الموضوع منتهي وواضح مثل الشمس ولا يحتاج إلى تفصيل. ثم يعطيك الرسول عليه الصلاة والسلام العذر فيقول "وبينهما أمور متشابهات" لم يتركنا في الظلمة في هذه الأمور المتشابهات وأعطانا كل شيء. وهناك حديث آخر لما تصل إلى مسألة الريبة قال "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". إذا وصلت في المتشابه أن التبس عليك الأمر قال لك: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". المقدم: الأسبوع الفائت حصلت نقاشات كثيرة بيني وبين ناس كثيرة من التي لا يمكنها أن تلبس الحجاب لظروف شغلها وتجادل بأنها هي تصلي ومؤمنة ولكنها لا يمكنها أن تعمل عملاً غير هذا ولو لبست الحجاب لن يدعوها في العمل فهل تترك مصدر رزقها؟ فقلت لها لا يمكنني أن أفتيك لكني أقول لك آراء علماء الدين وأنه لا ينفع أن تجرّبي المولى سبحانه وتعالى وتقولي أنا سابقى في هذا العمل الذي فيه معصية أو حرام إلى أن يوجد الله تعالى لك عملاً حلال فتتركي الحرام لأن كلامك يستوي مع الحرامي وتاجر الخمور والمخدرات لأنهم يقولون لا يمكنهم أن يفعلوا غيرها! فهل ندع أحدهم يفتح محل للخمرة أو المخدارت طالما لا يعرف أن يعمل بغير هذا العمل؟! بالطبع لا، يا أخي تُب إلى الله وهو تعالى سيرزقك من حيث لا تحتسب (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) الطلاق) فتقول لي أنا سألت بعض المشايخ وقالوا لي طالما قلبك مطمئن وأرباب العمل هم الذين يغصبونك فهم الذين سيحملون الوزر. هذا الكلام مع احترامي لمن قاله لم يزن عندي في ميزان العقيدة شيئاً. ألا يرد كلام الرسول آراء هؤلاء؟ د. هداية: طبعاً، هذه آراء فاشلة، آراء فاسدة. إذا كان الموضوع سيمشي بهذه الطريقة إذن هذه آراء تحتاج إلى تقويم وهذا لا يعتبر رأي في الأساس. ثم هناك أمور لا ينفع أن أسأل فيها، لا يمكن أن يسألنا أحد اليوم هل الخمر حلال أو حرام بعد عدة سنوات من تحريمها؟! أو أحد يقول هل يمكن تحريم الخمر الآن بالتدريج كما حرمها الله تبارك وتعالى في عهد الرسول؟ هناك حكمة إلهية من تحريم اخمرة بالتدرج في ذلك العصر. أما الآن إذا سال أحدهم عن الخمر تقول له هي محرمة وانتهى. الأخت تسال في مسألة لا يجب أن تسأل فيها ولو اشتبه عليه الحل تأخذ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". الموضوع من بدايته السائل فيه يعرف إجابته فقد تكون هذه الأخت ذهبت لشخص يقول لها هذا الكلام لمجرد أنها تريد أن تريح ضميرها. لا يعقل أننا نفهم أكثر من الرسول صلى الله عليه وسلم، الرسول قال إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن. المقدم: إذن هذا الكلام الذي قيل لهذه الأخت هو من تزيين مثل التزيين الذي فعله الشيطان مع آدم وحواء. د. هداية: هذه المسألة ليس من قبيل الصدفة أن تُعرض هكذا. الآيات بدأت بالأمر بالسجود لآدم وإبليس رفض السجود فهل يُعقل أن أدعه يُخرجني من الجنة؟ المفروض أن لا أستمع له لأنه رفض السجود. وسبق أن قارنا بين معصية آدم معصية إبليس. المقدم: هذا الكلام معناه أن إبليس ظهر بصورته الحقيقية لآدم وحواء، هل هذا حصل أم هل هم لم يروه وإنما الوسوسة هي مجرد صوت في العقل الباطن أو اللاشعور؟ د. هداية: حتى لو افترضنا هذا، قلنا لو كانت الجنة فيها ألف شجرة فقلت لك كُل من الكل إلا واحدة، لو قال العكس ربما تكون المعصية مبررة، لو قلت لك كُل من شجرة واحدة فقط واترك الباقي كله يجب أن تسمع الكلام لكن لو أخطأت في هذه الحالة يمكن أن تبرر لأنه شجرة واحدة محللة لك فقط. أنت لا تقرب شجرة لا لا تأكل من شجرة. المعصية كانت ستكون مبررة لكنها ما زالت غير مقبولة ربما يقال أنه ضُيّق عليه. لو نظرت إلى الحياة التي نعيشها تجد أن الحرام أمام الحلال لا شيء. ما الخمر أمام هذا النعيم كله؟ ما الحجاب أمام الخيرات التي أعطانا إياها الله تعالى؟ وما لحم الخنزير أمام اللحوم الحلال كلها؟ الأطفال يسالون لماذا الخنزير حرام؟ نقول لهم الحرام لا يُسأل عنه لماذا هو حرام؟ لأنك المفروض أنك لما تسمع عن شيء أنه حرام عليك أن تنفِّذ وتقول سمعنا وأطعنا. وإنما تسأل ما الحكمة؟ والحكمة ظهرت اليوم. البعض يبدأ بالفلسفة ويقول الطيور تصيبها إنفلونزا الطيور ايضاً وهي حلال؟! هذه الفتنة أمام الطاعة وعدم الطاعة.نأخذ الأمور على أساس ما حرّمه الله أو ما أحلّه الله أو أنا أعمل شرع من عندي وهذه ستظهر عندما نقارن (وقالوا لن تمسنا النار). شاهدي في الكلام أن إبليس الذي رفض أن يسجد ووسوس لك والله تعالى قال لهم لا تتخذوه عدوا لا تسمعوا كلامه. المقدم: في مسألة (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) هناك فضل لآدم أن يريد التوبة فهل هذا هو التسجيل القرآني الإلهي في حق آدم كان نوع من المكافأة لآدم وحواء لأنهم قالوا (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) الأعراف)؟ هم شعروا فكانت التوبة نوع من المكافأة لهم لأنهم أرادوا الرجوع وطلبوا من ربنا الرحمة والمغفرة والمعونة فكانت الهدية (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) د. هداية: هذه مهمة جداً في مسألة الندم. المقدم: التوبة الندم، كيف أندم؟ التطبيق أحياناً يكون صعباً، نسمع التطبيق بعد الفاصل. ----------فاصل----------- المقدم: نتكلم عن الندم كمدخل للتوبة، آدم وحواء شعروا بالندم شعور بالغ والموضوع كان واضحاً (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا) وأتصور أن إحساس آدم أنه هو أول الخلق البشري وأن في رقبته كل هذه الذرية وفي باله أنه هو هذا المخلوق المكرّم والذي أُمرت الملائكة أن تسجد له ومع ذلك مع أول تكليف يخطئ مع أن الله تعلى حذّره! هو شعر أنه عمل ظلماً كبيراً. د. هداية: هذه هي الحكمة. كان يجب أن يحصل هذا لأن الإنسان خُلِق هذا. المقدم: أول تصرف في حياته معصية. لكن الذكي هو الذي يجعل آخر تصرف في حياته توبة. د. هداية: وشطارتك تكون أن ترجع. ساعة ما أكل آدم وحواء من الشجرة شعروا بالندم فهل الندم شيء فطري في الإنسان؟ وكيف يمكن للإنسان أن ينوّم ضميره أو يوقظه المقدم: بعض الشباب يتكلمون عن وقوعهم في الزنى الذي تعودوا عليه وفي البداية الموضوع يبدو لهم كأنه شهوة أول ما ينتهي من شهوته يخرج من الغرفة شاعراً بأنه لا يطيق نفسه. د. هداية: هذه النقطة التي سنتكلم فيها لماذا شُرعت التوبة؟ لو أنت تركت نفسك للندم سيقتلك هذا الشعور!. تخيّل ندم دون مشروعية التوبة ماذا سيحصل؟ أنا مثلاً أخطأت وندمت وليس هناك توبة تخيل هذا لتعرف قيمة التوبة!. قد يكون الندم قاتلاً وستقف بمعصيتك لا تعرف ماذا تفعل! وتخيّل أن هذا الإله الحق حاشاه مع أول غلطة يعذبك!. القانون الإلهي مختلف عن القانون الوضعي. هات قانون وضعي قال (مع أن هذا نادى به بعض فقهاء القانون) أول غلطة بعض الفقهاء يريدون أن تترك الذي أخطأ لأول مرة ثم وجدوا أنها ستصبح مثل الغابة. ثم يعمل خطأ هنا وخطأ هنا ويأخذ عفو من هنا وعفو من هنا، لا ينفع! القواني تأتي من إله ويشرعها لنا وتصير تشريعاً حقيقياً. لما قال (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)) بعدها مباشرة قال (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)) بعد أن تنزل بالتوبة يجب أن يكون هناك منهج. المقدم: هل هذه العداوة منطبقة على العداوة بين الرجال والنساء أو نسل آدم وحواء كلهم عموماً مع نسل الشياطين؟ د. هداية: هي عداوة بين نسل آدم وحواء عموماً مع نسل الشياطين، لذا حمل في طيّات الكلام (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) وهذه شرحناها عندما تكلمنا عن (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) أنت تحتاج مع وجود المنهج فتح إلهي حتى تتلقى وتفهم. المقدم: لفظ القرآن في سورة الرحمن هل ينطبق على التوراة وعلى الإنجيل وعلى القرآن؟ د. هداية: بعض أهل اللغة رأوا هذا أن مسألة (الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنسَانَ (3)) لم يقل خلق المسلم أو خلق أمة محمد، (خَلَقَ الْإِنسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4)) وجاء بالقرآن في بداية سورة الرحمن على أنه المنهج. المقدم: الذي هو ما يُقرأ كمنهج إلهي. د. هداية: أو خذ القرآن كمثال للكتاب السماوي ولم يقل التوراة والإنجيل لأنهما حرّفتا. فجاء بمثل تصدى هو سبحانه لحفظها فأعطاه مثلاً للكتاب. التوراة في بدايتها كانت سليمة جداً ومنزلة من السماء ثم صار فيها تحريف فلما نسمع الآن كلمة التوراة علينا أن ننتبه هلى هي التوراة السابقة أم التي حُرّفت. المقدم: والله تعالى قال (قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (93) آل عمران) أي هاتوا التوراة الأصلية قبل أن تحرّفوها. د. هداية: فلما تأتي بكلمة القرآن هنا لأنه هو الكتاب الذي تصدى له المولى تبارك وتعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر) وقال في موضع آخر (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ (42) فصلت) ساعة نزوله (وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) يعني بعد موت الرسول عليه الصلاة والسلام وانتهاء الوحي يظل القرآن محفوظاً برعاية الله تبارك وتعالى. ودرسنا علة مر التاريخ أنه جرت محاولات أثناء حياة الرسول وبعد موته أنهم يحرفوه بدليل وجود الأحاديث الضعيفة والموضوعة أنهم لما فشلوا أن يحرفوا الكتاب ولم يقدروا عليه فبدأوا يلعبون بالسُنة التي هي المصدر الثاني للمنهج بعد القرآن. فكلمة القرآن في سورة الرحمن مثال واضح للمنهج الذي قال عنه في بداية الكون (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) البقرة) وفي موقع آخر (قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) طه) قس على هذا أن الذي يتبع المنهج الإلهي سيعيش مرتاحاً. لما المولى قال لآدم لا تأكل كان هذا كلاماً إلهياً لآدم والمولى تعالى لن يعملها معنا لأننا لا نتلقى وحياً وإنما نأخذ كتاباً ولذلك الله تعالى يصطفي من البشر واحداً الذي هو الرسول يوحي له ويعلّمه بدليل أنهم لما قالوا نريد ملائكة قال لهم لو أنت ملك لأرسل لك ملكاً لكن طالما أنت بشر فيصطفي من البشر رسول أو نبي هو الذي يوحى إليه وينقل لك الكلام لكن في القاعدة الإلهية في بداية سورة البقرة أنه يجب أن يكون هناك منهج. هذا المنهج مقروء مكتوب مسموع حتى لا نقول لم أسمع، لم أقرأ، لم أفهم، الكتاب موجود افتحه. المقدم: كيف يكون الندم؟ د. هداية: أولاً أريد أن اقف عند ملحوظتك لماذا تلقى آدم من ربه كلمات؟ إعكس السؤال: لماذا أعطى الله تبارك وتعالى لآدم الكلمات؟ لأنه ندِم. لو قلت لأنه ندم عندنا آية في التوبة (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ (118) التوبة) فكأن الندم – إن صح التعبير - هو الدافع ليدفعك الله تعالى للتوبة. ما معنى (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ)؟ قلنا التوبة توبتين توبة هداية لي تجعلني اقول تبت إلى الله. ما الذي يجعلني أهل لهداية المولى عز وجل؟ الندم الصادق، لأنه نسمع كثيراً من يقول تبت ورجعت. ويسألك أحدهم كيف أعرف أن الله قبلني وتاب عليّ؟ قل له إذا لم ترجع والذي يقول تبت ورجعت يكون لم يتب. المقدم: لو أردنا أن نطبق هذا على بعض الشباب الذي وقعوا في الزنى فيهم قسمين البعض كلما تذكر هذه المعصية التي كان يعملها يرى المتعة فيها والفتاة الجميلة لو ما زال هؤلاء يرون أن الموضوع متعة سيعودون لها، والبعض يرى القذارة في الموضوع هذا هو الندم. د. هداية: متى أكون أهلاً ليهديني الله تعالى لتوبة صادقة؟ التوبة توبتين والهداية هدايتين. هداية دلالة وهداية معونة والتوبة كذلك أنت تريد أن تتوب بصدق فرب العالمين يهديك لتتوب توبة نصوح ليس بعدها معصية. والبعض يقول يعني صار نبياً لا يُخطئ؟! بالطبع لا، أنت قد تخطئ لكن ليس في نفس الذنب على الأقل، قد يقع في خطأ آخر. البعض يخطئ نفس الذنب ويرجع وآخر يسأل كيف أعرف أني قُبلت؟ تقول له لا تفعل مثل هذا الذي يدّعي أنه تاب ويخطئ ويتوب ويتوب ويرجع. المقدم: ما هو إذن دلالة الحديث القدسي "علم عبدي أن له رب يغفر الذنوب" "فليفعل عبدي ما يشاء" د. هداية: هذا الحديث صحيح. الحديث هذا مناطه أن عكس الذي سيحصل في (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ) هو يريد أن يحررك من هذه لو أنت فهمت مناط الحديث. أولاً متى قال تعالى (بلى من كسب)؟ المقدم: في سورة البقرة (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)) د. هداية: (بلى) للإجابة على سؤال منفيّ بالإثبات. هو يقول لهم (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ). أولاً هذه الآية آية شارحة واضحة جداً في قضية غريبة جداً. وهذه القضية الغريبة جداً للأسف تقال من المسلمين آناء الليل وأطراف النهار (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) هذه نعرة يهودية والقرآن قبّحها أنه ضرب المثال فيها أنها سيئة حاصرت صاحبها. منطوق الآية (وقالوا) يعني هذا ليس كلاماً إلهياً مثل واحد جاءته فكرة وقال كلاماً مرسلاً ستقول من أين أتى بهذا الكلام؟! مثل موضوع دخلو النار والخروج منها. هذه الآية تشرح مسألة الشفاعة وتمهد لها. التعبير الإلهي (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) الرد الإلهي جاء بعدها (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ) إذا كنتم اتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهداً، (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) الذي بعد (أم) هو الحقيقة. انتبهوا أن الذي يقول في مسألة الدخول والخروج من النار يتكلم على الله لأن هذا الموضوع ليس بيد البشر ومسألة النار والجنة بيد الله عز وجل. المقدم: وإذن كان النبي صلى الله عليه وسلم قال من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار د. هداية: فما بالك بالذي يكذب عى الله؟! ولذلك لم يقل كذب وإنما قال (مَا لاَ تَعْلَمُونَ). لكن لننتبه إلى تعبير (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) كأن القرآن يقول أن الذي يمكن أن يتكلم في هذه المنطقة هو الله وبالتالي رسله لكنهم لا يمكن أن يتكلموا من غير قاعدة قرآنية. (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) قال له (قل) قل هذه توجيهات الإله الحق وليس من عنديات الرسول صلى الله عليه وسلم (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا) لم يقل عند رسولكم أو نبيكم وإنما عند الله يعني الذي يتكلم في هذه المنطقة إله. المقدم: نريد أن نشرح توصيف (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ) ------------فاصل---------- المقدم: سورة البقرة فيها أكثر من موضع وقفنا عنده حتى نعرف المفاهيم التي قالتها بعض الناس. وقبل أن نسمع الاية 80 و81 أن رب العالمين عندما يحذرنا أو يقص علينا قصص أمم سابقين أو اليهود أو النصارى أو نبي من الأنبياء لليس من باب التسلية. د. هداية: لا من باب التسلية ولا من باب فضيحتهم وإنما الغرض هو كشف منطقة خطيرة هم تكلموا فيها بما لا يجوز فإياكم أن تفعلوا هذا، هذا تحذير لنا حتى نتعلم من أخطاء الآخرين. (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)) المقدم: هناك مقارنة حصلت أصحاب النار هؤلاء الذين أحاطت بهم الخطيئة ومنعتهم من التوبة ولهذا هم خالدون ومباشرة بعدها ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات هؤلاء أصحاب جنة وايضاً هم خالدون د. هداية: هناك مسالة م تُذكر في أصحاب الجنة وهي التوبة كأن المؤمن سيخطئ ويتوب فليس هناك داعي لقولها لأنه لا يمكن للمؤمن أن لا يخطئ. بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال أنا أتوب في اليوم سبعين مرة أو مائة مرة ليعلمنا أن لا ندع السيئة تحيط بنا عندما نخطئ، تُب فالرسول صلى الله عليه وسلم وسبق وذكرنا أن توبة الرسول عليه الصلاة والسلام هي توبة عن توبة. المقدم: إذن تعبير (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ) يعني حاصرته وأرد به على كل الناس مثل الأخت التي تحدثنا عنها سابقاً التي قالت لا أعرف أن أعمل غير هذا العمل الذي اقوم به، إذن هي تريد أن تبقى محاصرة في خطيئتها. د. هداية: القرآن قال (وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ) هذه الاية تعطينا ملمحاً جميلاً. هم قالوا (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) هذا سبيل إلى أن يستمروا في الخطأ كأنه يهوّن العقوبة على نفسه، يسكتون الناس بأن يقولوا أنهم سيدخلون قليلا ويخرجون، لكن هذه سبيل لأن أقوم بكل الأخطاء وليس بخطأ واحد، هذه تدفع لعمل كل الموبقات فطالما قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة يعني طالما أننا سندخل وسنبقى فقط اياماً معدودة قالوا إنها أربعين يوم أو سبعين يوم هي نار وهذا تمهيد من الشيطان أن تعمل ما بدا لك. المقدم: ولو كان هذا الكلام صحيحاً لتحولت الدنيا إلى فوضى د. هداية: لا يمكن إله أن يفعل هكذا. لما أسكتهم وأوقفهم (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ) أنهم لم أخذوا عهداً من الله بهذا لكان كلامهم كلاماً صحيحاً أم أنتم تؤلفون؟ ثم قال (بلى)، هذا تأليف وتلحين!. قال (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) الثانية هي الصح. السؤال المنفي أجاب عليه بـ (بلى). ثم أعطانا مثالاً خطيراً جداً سيعمله الذين قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة. قال (بلى). لو كان قال بلى إن التوبة كذا أو إن الرجوع كذا، لا، لكنه قال مقلوب التوبة أن تبقى في المعصية فقال (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) أصبحت النار للذي لم يتب أو لم يعرف أن يتوب. المقدم: والذي لم يعرف أن يتوب هذا حصل له بسبب تقصير من نفسه هو وليس من أحد آخر. د. هداية: الله تعالى أعطانا التوبة مع بداية الدنيا مع آدم في الاية 37 من سورة البقرة وليس مع بداية اليهويدة أو النصرانية أو الإسلام. المولى عز وجل –إن صح التعبير- عمل لنا تدريب على المعصية وعلى التوبة. وقلنا سابقاً أن جنة آدم تدريب على التوبة أن تخطئ وترجع وشرحها لنا المولى تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ). أنا كابن آدم أعرف أن أُخطئ ثم إذا لم أعرف أن أتوب يأتي بمن يساعده. لما ترى أحداً من البشر أخطأ ولم يعرف ماذا يفعل تحاول أن تساعده. المقدم: تحاول أن تكلمه وإذا لم تعرف أن تكلمه في موضوع ما ترتب له الأمور بحيث تأخذه لمن يساعده في المسألة ويكلمه. د. هداية: وأنت تعملها لأن رب العالمين علّمها لنا لأننا أخذنا الدرس من هنا. ولذلك (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) لو فكرنا فيها لقلنا يا لعدالة هذا الإله!. لو كان القرآن حكى لنا أن آدم لما قيل له لا تأكل من الشجرة لم يأكل وسمع الكلام فماذا كنا سنستفيد؟ لا شيء. العدالة الإلهية أن القرآن أعطانا المثال المنطقي لما قلنا لآدم لا تأكل لم يأكل لا نستفيد وتكون مجرد قصة! مثل أغلب البرامج الدينية الآن كلها تتكلم الصحابة عملوا الصحابة قالوا، يا أخي ماذا فعلنا نحن؟ أين التطبيق؟! أين الأسوة؟ نحن نحتاج لتطبيق والقرآن علمنا التطبيق. التطبيق جاء في القرآن آدم قال له المولى لا تأكل وإنما أكل ولما أكل وقف وزوجه نادمين يطلبان الحل فقال تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ). إذن الحكاية محكية كتدريب والتدريب يعطيني مناط "إياك أن تفعل ما في الآية 80 و81 في سورة البقرة (من كسب سيئة). ثم استعرضهم أنهم الّفوا تأليفة على الله وربنا تعالى رد عليهم (بلى). المقدم: أليس هذا نوع من السذاجة أن يؤلف أحد على الله تعالى ثم يصدق كذبته ويبدأ يمارسها ويعتقد أنه سيدخل النار يومين ثلاثة ثم يخرج منها! د. هداية: ولذلك القرآن في الرد عليهم جاء بمقلوب التوبة ولم يأت بالتوبة وإنما قال (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً) حتى يعلمنا أنه أنت كمسلم إياك أن تفعلها لأنك لو كسبت السيئة ستحاصرك. المقدم: عندي إشكالية مع كلمة (كسب). المفهوم الذي أفهمه من كلمة كسب (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ (286) البقرة) (مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ (11) النور) أنا أفهم كسب أنها أكسب خيراً وليش راً فلماذا قال (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً) ولم يقل اكتسب؟ د. هداية: لأنه هنا تبين نقطة خطيرة، هم كذبوا كذبة فاعتبروها كسباً وليس اكتساباً. المقدم: يعني المال الحرام والرشوة والزنا د. هداية: أنها صارت حلال المقدم: أن الرشوة صارت عمولة د. هداية: ييعتبرونها أنها حقهم فالذي يقول لك هذه حقي إذن هذا كسب وليس اكتسب. ضُحك عليه لدرجة أنه أخذها على أنها كسب. في الاية (لَهَا مَا كَسَبَتْ) في الطبيعي أنك واعي تعرف ما هو كسب وما هو اكتسب، ضُحك عليهم لدرجة أنهم اعتبروها حقهم. لما تتكلم معه يقول لك هذا من حقي ويقول لك أنا سهلت له الأمر والموظف العام نفسه يقول لك هذه عمولة وليس رشوة. المقدم: البعض من الراشين قالوا هذا الموظف يعيش في غرفة صغيرة ويخدم كم ألف من المراجعين المواطنين وفي النهاية يأخذ مائتي جنيه فكيف سيعلم أولاده وكيف سيعالجهم؟ وهذه الرشوة مساعدة له حتى يربّي العيال. السؤال: هذه المساعدة نسأل هل أرسلت له المساعدة إلى بيته أو أنك عندما ذهبت له في الدائرة يقضي لك مصلحة ثم أعطيته المساعدة؟! د. هداية: إذا أرسلت له المساعدة إلى بيته تكون مساعدة. وهذا الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم "ألا مكث في بيت أبيه وأمه وينظر أُيهدى إليه أم لا". لهذا قال (كسب) كل الكلام يصب في معنى واحد. المقدم: أتخذتم عند الله عهدا د. هداية: لو أخذوا عند الله عهد طمأنهم المولى عز وجل لأنه سبحانه لا يغيّر كلامه (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ (29) ق). (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) لم يقولوا بعلم وإنما قالوها بجهل وليس بجهالة. سنتعرض في الحلقة القادمة لمسألة الجهالة (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ (17) النساء) والفرق بين جهل وجهالة. (مَا لاَ تَعْلَمُونَ) أي تجهلون. قال لهم (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً) لم يقل اكتسب لأنهم هم عملوها هكذا هم كذبوا وصدّقوا واصبحت حقيقة بالنسبة لهم أنهم سيدخلوا النار قليلاً ثم يخرجوا، هم الذين وضعوا القرار وصدّقوه!. قال المولى (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) كأنه يريد أن يقول لك أن سبيل الجنة التوبة أن السيئة لا تحيط بنا ولا تحصرنا فنكرر الوقوع في نفس الخطأ. المقدم: أتوصر أننا نحتاج أن نقول أن كل واحد في مكانه مسؤول وسيساله رب العالمين. لما تكلموا عن الفساد في بعض الدوائر قالوا أن أحياناً هناك تعمّد أن تكون الإجراءات معقدة حتى المواطن البسيط لا يمكن أن يحصل على الخدمة الحلال حتى يتمكن الموظف من أخذ الرشوة. د. هداية: لا يمكن أبداً أن أصدّق أن القانون وضع لهذا، لا أؤمن بنظرية المؤامرة بالكامل. لأن الذي يضع القانون لا يعمل كل شيء لوجه الله فالشيطان هو الذي يجعله يخطئ أخطاء التي تعتبرها مقصودة ليأكل الحرام لأنك اساساً أنت لا تتقي الله في غير هذه فلا يوفقهم المولى. قد لا تكون مقصودة في حد ذاتها لكنها سبيل للأكل الحرام. إما أن يكون الطريق صح من أوله لآخره لأن فيه ابتغاء لوجه الله وهذا سبب لأن يعرض القرآن هذه الآية. القرآن لما يعرض الآيات يريد أن يفهمنا أن الأمور الصح تبقى صح للأخر والأمور الخطأ تبقى خطأ للآخر. فجاء بالاثنين (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً) ثم تكلم عن المؤمنين (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ولم يتكلم عن التوبة المقدم: لأنهم لما تابوا جددوا الإيمان د. هداية: الإيمان سيضبطهم المقدم: سبحان الله. جزاكم الله كل خير يا دكتور. كما ترون هما صنفان إما أن تشتغل في الحرام إلى أن يحيط بك الحرام ويمنعك أن تتوب أو أن يفيق الإنسان بسرعة ويكون من الذين جددوا الإيمان ولا يكون من الذين آمنوا فقط بلسانهم وإنما ممن آمن بلسانه وقلبه وعمله وفعله يصدق على هذا الإيمان الذي قيل بالقلب وقيل باللسان. كيف نفعل هذا وكيف نكمل مشروع التوبة؟ إن شاء الله في اللقاء القادم إن كنا من أهل الدنيا. نراكم بخير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 5/5/2009م |
التوبة والاستغفار 104 تقديم علاء بسيوني أرحب أولاً بضيفي وضيفكم فضيلة الدكتور محمد هداية. عندي أسئلة كثيرة في القصص القرآني عن اليهود. بنو إسرائيل أتعبوا سيدنا موسى عليه والسلام وأتعبوا نحن وما زالوا إلى الآن. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله أخي موسى أوذي بأكثر من هذا وصبر" د. هداية: إن صح الحديث المقدم: لكن المعنى صحيح وواضح وحقيقي. موسى عليه السلام لما بُعث في قومه كان المنهج واضحاً كما كان واضحاً مع عيسى عليه السلام ومع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. قبل أن نبدأ الكلام رغم هذا المنهج الواضح ما الذي يجعل الناس ترفضه؟ د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. القاعدة الأساسية أن العداوة التي بيننا وبين إبليس أنه هويعمل بشكل مستمر ويطبّق ما قاله في القرآن يعمل آناء الليل وأطراف النهار لا يكل ولا يمل ويسخر من شياطين الإنس هم ألعن منه على بين آدم، هذا الذي لا يدع هؤلاء الناس يعودون إلى ربهم. نحن أطلقنا الآذان إلى وسوسة إبليس وهناك أمور تحصل -سنتكلم عنها في وقتها- تطرح عَرَضاً في بعض البرامج أنه إذا كان الرسول سُحر فإذا حصلت لك أنت فهي ليست مشكلة حتى يصدق الناس هذه العملية ويخرج القرآن كما ذكرنا في حلقات سابقة عن وظيفته إلى وظائف أخرى، القرآن منهج له وظيفة. المقدم: أتمنى أن نعمل دعوة لمؤتمر ولعمل لجنة لدراسة هذه الأحاديث، نحن نحترم جميع الآراء لكن يجب أن يعاد استقراء هذا الكلام مرة أخرى لأنه لو قبلنا بفكرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي قال المولى عز وجل في محكم التنزيل (وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ (67) المائدة) وكان هناك حراسة بشرية تحرسه فلما نزلت هذه الآية صرفهم وقال إن الله تعالى تعهد بحفظي. أنا كإنسان مسلم لو وُلِدت في عصره صلى الله عليه وسلم وجالس في مجلس علم وهو ينزل عليه الوحي فبعد أن ينتهي ويخبرنا بآيات القرآن الكريم التي أوصلها جبريل له من عند المولى سبحانه وتعالى أقول للناس انتظروا حتى نتأكد ونرى إذا كان الرسول مسحوراً أم لا؟!. د. هداية: في الحلقة السابقة عرضنا الآية (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) وشرحنا للناس أنها (وقالوا) واليوم في بعض البرامج هناك من يقول لا تصدق هذا الكلام ويتكلم كلاماً من عنده هو، القرآن يقول كذا والرسول صلى الله عليه وسلم يقول قولاً وهذا الشخص يقول قولاً من عنده هو لا من القرآن ولا من السنة، ويبدأ يقول قولاً مرسلاً ليس له سند. كالذي يقول أي شيء تفعله للميت يصل إليه، مع احترامي للجميع، هذا قول من؟ هذا ليس كلام الله تعالى ولا كلام الرسول صلى الله عليه وسلم. هذا خطأ، هم يظنون أنهم يشرحون الحديث ولكنهم يشرحونه بشكل خاطئ. حديث "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث، إلا من صدقة جارية" يقولون اعملها أنت له، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "إنقطع عنه عمله" عمله هو، هؤلاء يلغوم كلام الرسول وكلام القرآن ويقولون اعمل له أنت صدقة جارية! ويقولون أنه يجوز ذلك، من أين أتوا بجوازها؟! هذه مثل (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً) هذا قول مرسل. نحن اليوم أصبحنا هكذا. المقدم: بعض الناس تقول هذا الكلام باعتبار أن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض المواطن والمواقف قال لو كان على أبيك دين كنت ستوفيه. د. هداية: هذا موضوع آخر. الدَيْن حقّ، هذا الدين للبشر وليس لله والبشر يجب أن يأخذ حقه وهذا موضوع منتهي. والرسول صلى الله عليه وسلم شرحها هكذا، إذا كان على الميت دين سدّده عنه. إنما لما القرآن يقول (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً (97) آل عمران) من استطاع يعني إذا لم تكن مستطيعاً انتهت المسألة فأقول أنا حج عن فلان؟! أكون قد قيّدت القرآن هكذا. نحن سنأخذها باستفاضة في حلقات قادمة لكن هذا مثال رد على سؤالك ما الذي يجعل الناس تفعل هذا؟ المقدم: تنفلت عن المنهج. د. هداية: لماذا؟ لأنهم ألغوا المنهج. المقدم: ولأنهم يصدقون ما يقال عن السحر. بخصوص موضوع السحر تذكرت ما نُشر في بعض الصحف الإسرائيلية عن بعض كبار الحاخامات اليهود الذين يعملون بالسحر الأسود الموجود في التوراة عندهم وقالوا أنهم تمكنوا من سمّ عبد الناصر، د. هداية: نحن سبق وقلنا لو كانوا سمموا لعبد الناصر فلماذا تركوا السادات والرئيس مبارك؟ هل هم يحبونهم؟ هذه نعرة كاذبة المقدم: ولماذا لم يعمل هذا السحر في 1973؟ د. هداية: ليس هذا فقط وإنما هناك شيوخنا وأساتذتنا وعلماؤنا؟ هو لو تمكن من أحد من علمائنا فلن يسكت. لذا يجب علينا أن نُعمِل عقولنا. المقدم: إذن الناس تنفلت عن المنهج لأنه لم تدرس المنهج بداية. د. هداية: أولاً بإلغاء المنهج والكلام قول مرسل أن أتكلم قول مرسل ثم نصدقه ثم يتحول الكلام الفارغ إلى أصول. المقدم: ويقولون ألا يقول الدين هذا؟! اليهود آمنوا بالله وقالوا (إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ) دائماً وأبداً العلاقة مع الله – قلنا في الحلقة الماضية- لم يسألهم المولى لما قالوا (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً (80) البقرة) لم يسألهم هل موسى قال لكم هذا؟ أو عيسى قال لكم هذا؟ أو محمد قال لكم هذا؟ د. هداية: هذا القول تأخذه من الله سبحانه وتعالى مباشرة. المقدم: (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا (80) البقرة) مباشرة هل وعدهم الله بهذا؟ حتى المسميات جاءت من هذه العلاقة بين العباد وبين الخالق. الذين آمنوا بالله قالوا (إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ) إسمهم يهود والنصارى وهذا وصفهم الصحيح (مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ (14) الصف) لم يقولوا أنصار عيسى، إذن لا نقول عنهم المسيحيين وإنما النصارى فالمسيحي ينسب نفسه إلى بشر، إلى نبي والمفترض أن ينسب الإنسان نفسه إلى الله تبارك وتعالى ليس لأي رسول مهما علا قدره ومهما كان دوره. د. هداية: في خواتي سورة الفجر قال المولى عز وجل (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)) (عبادي) هذه إنتساب إلى الله وهذا ليس نسباً كما يفهمها البعض. سابقاً قلنا أن كلمة عبادي لو حذفنا الياء وبحثنا في القرآن نجد عباد الرحمن في خواتيم الفرقان، فالنفس المطمئنة تكون في عبودية الرحمن. المقدم: اليهود رغم كل هذا الكلام (إِنَّا هُدْنَـا إِلَيْكَ (156) الأعراف) بمجرد أن تركهم موسى اتخذوا العجل وقالوا (اجْعَل لَّنَا إِلَـهًا (138) الأعراف) والسامري يعمل هذا العجل، وهذا فيه تزيين أيضاً لأنهم هم سرقوا الذهب من المصريين وحليّهم فاعتبروها سرقة فقالوا يجب أن نرمي هذا الذهب المسروق في النار ونذيبه، فأذابوا الذهب في النار ثم عملوا منه عجلاً وقالوا هذه هو إلههم. موضوع التوبة الذي نتكلم فيه، هذا نوع غريب من التوبة، فهل هذا النوع من التوبة موجود؟ (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) البقرة) المقدم: الطلب أنكم ظلمتم أنفسكم لما عبدتم العجل وحتى تتوبوا يجب أن تقتلوا أنفسكم ذلك خير لكم عند بارئكم (بارئكم) لم يقل ربكم، وكررها مرتين، توبوا إلى البارئ ثم كررها (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ) د. هداية: لم يقل الله ولا ربكم ولا خالقكم المقدم: ما الفرق بين الخالق والبارئ؟ د. هداية: الآية خطيرة وفيها ملحوظة أريد أن نطبقها على من يعبد غير الله هل له توبة؟ قبل محمد صلى الله عليه وسلم لكي تتوب عن هذه المعصية تقتل نفسك، هل فكرنا لماذا؟ إنتبه للتوقيع القرآني في الآية أن موسى عليه السلام قال لهم أنهم ظلموا أنفسهم لما عبدوا غير الله ولم يظلموا الله تعالى حاشاه. الإشارة أنهم ظلموا أنفسهم باتخاذهم العجل، لو انتبهنا لكلمة اتخاذكم العجل (ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) اتخاذكم العجل لم يقل عبدتم العجل المقدم: كأن المعنى المقصود اتخذتم العجل إلهاً. د. هداية: لم يقل إلهاً ولم يقل عبدتم وإنما قال اتخذتم. فالمفروض عندما تسمع (بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) نفهم أنهم اتخذوا العجل إلهاً لكن لم يقلها القرآن نفهم منها أنه كبيرة وأنه عمل لا يوصف، الخَبَل عندهم وصل إلى درجة الجنون بحيث أن القرآن لم يقل إله ولم يقل عبدتم وكرر كلمة اتخذتم. تخيل مثلاً أن الصنم أرحم من العجل!. المقدم: هناك آية تتكلم عما قيل من اليهود (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ (30) التوبة) ربنا يتكلم عن أن أيّ قوم من الناس يقولون أن الله تعالى حاشاه له ولد أو يمكن أن يولد أنه (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) مريم) كأنهم يقولون أمراً عظيماً ومصيبة، هل هذا نفس معنى الآيات التي معنا؟ د. هداية: هذا الكلام قيل، نحن سمعنا الآية (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) هذا الكلام قيل لكن أن تقول أنهم اتخذوا العجل إلهاً لم يذكرها القرآن، لم يقل لهم اتخذتم العجل إلهاً ولم يقل لهم عبدتم العجل وإنما نحن نفهمها من قوله تعالى (بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) نعيد سماع الآية لننتبه إلى كلمة اتخذتم ولم يقل عبدتم ولم يقل إله. المقدم: نأخذ فاصلاً ثم نجيب لماذا قيل هذا وكأن القرآن يرفض هذا الاعتقاد الفاسد؟ ------فاصل------ المقدم: السؤال صعب جداً لأن المفترض أمر كبير جداً والقرآن الكريم بحسب تصوري لم يرد المولى تعالى أن يكون هناك تسجيل في القرآن الكريم أن هؤلاء عملوا العجل إلهاً، عندما تقول هناك صنم أو هناك من يعبد بشراً لكن أن تعبد عجلاً هذه فيها مهانة للعقل البشري وللفطرة السليمة. د. هداية: حتى أريك صدق الفكرة أنه في قصة إبراهيم عليه السلام ساعة اعترض على الأصنام قال لهم هذا (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً) هذه مقبولة. إبراهيم قال لأبيه ولآزر لأن القرآن مرة قال لأبيه من دون آزر ومرة قال لأبيه آزر فقلنا أنه ليس أبوه وإنما عمه، هو قريبه من ناحية الأب إما عمه أو إبن عم أبوه، جده، قال لهم (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً (74) الأنعام) لكن العجل غير مقبول. لأن الصنم أنت الذي عملته لكن العجل فهو مخلوق خلقه الله تبارك وتعالى. الصنم ليس مخلوقاً وإنما مصنوعاً بينما العجل مخلوق هذا ليس فيه تمييز، هذه قضية خطيرة، لم يقال عنه إله ولم يقل أنهم عبدوه وإنما قال (بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ) فالقرآن ألقى هذه الكلمة ونحن نفهمها ونميزها. المقدم: إتخاذكم العجل معناها عبدوه د. هداية: وهذا يوضح قُبح الفكرة، الفكرة الفكرة أقبح من أن توصف المقدم: لماذا كان الموضوع أنه حتى يتوبوا إلى البارئ يجب أن يقتلوا أنفسهم؟ رغم أن المفترض في شرعنا الذي يقتل نفسه يكون كافراً. د. هداية: الإله الحق خلقهم وخلقهم تضمن النفس أو الروح (النفس هنا تعبير عن الروح) وهنا حتى يقتلوا أنفسهم يعني يزهقوا الروح فتعود إلى الله سبحانه وتعالى. هذه مسألة خطيرة في الفهم. أنت تريد أن تتوب إلى إله خلقك وعملك الروح وأنت عبدت غيره رُدّ له الروح إن صح التعبير. المقدم: وكأن هذا الموضوع لو أنتم مؤمنين بحق تعرفون أن الوحيد الذي يمكن أن يحيي الميت هو خالق هذه الروح وكل المخلوقات. د. هداية: فكأنك تعيدها له تأدباً حتى تكون استغفرت وتبت. المقدم: وكأنك تعود (خام) مرة ثانية لم يلوثك فكر العبودية د. هداية: وهذه النقطة كانت لغاية بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم. فببعثة الرسول الذي كان كافراً ويريد أن يسلم يعتبر إسلامه توبة من ناحية التوصيف اللغوي أن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، هذه هي العودة، لا يقتل نفسه لأنه ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم بمجرد أن يُسلم يكون تاب، توبته هي إسلامه. المقدم: الصياغة هنا ماضي (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) ثم قال (ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ) لو كان الإنسان هو الذي يصيغ الجملة لقال لو أنتم تريدون أن توبوا اقتلوا أنفسكم ذلك أحن عند بارئكم فيتوب عليكم، هم لم يقتلوا أنفسهم وجاء بالفعل الماضي (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) لماذا؟ د. هداية: أنه هداهم لهذا. كيف تمت المسألة؟ هناك ناس عبدوا العجل وناس لم يعبدوا فالذي عبد العجل يسلِّم نفسه للذي لم يعبد العجل ليقتله، الذي يقتل هو الذي لم يعبد العجل، يقتل واحداً من الذين عبدوا العجل هو الذي يقول له اقتلني، هذا تفسير فاقتلوا أنفسكم، كيف تقتل نفسك؟ تذهب لواحد من الذين لم يعبدوا العجل فتقول له اقتلني، الذي يقتله الذي لم يعبد العجل، هذا أحد الأقوال وهذا منطقي جداً وأصح ما قيل أنه هو يقدم نفسه للذي لم يتخذ العجل ليقتله. (فَتَابَ عَلَيْكُمْ) بصيغة الماضي يعني بهدايتكم إلى الفعل مثل (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) يعني هو تواب من قبل غلطتك، تاب عليك يعني هداك لهذه التوبة فجاءت بصيغة الماضي والذي سيسلِّم نفسه يكون قد تاب عليه فعلاً. المقدم: هل هناك علاقة بين الكلام الموجود في الآية موضوععبادة العجل والسورة التي فيها الآية وسامها سورة البقرة وأن فيها أمر إلهي لليهود أن يذبحوا بقرة؟ لماذا بقرة تحديداً؟ د. هداية: حتى يُخرج العجل من قلوبهم. المقدم: (وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ (93) البقرة) د. هداية: لما تذبح تقول للرجل الذي ستشتري منه تريد بقرة أو عجل؟ عجل نذبحه، هذه هي حتى تنظّفه، أنت تنظف عقيدة. الهنود لا يذبحوا البقر أول ما يأتي رجل هندي ليُسلم يقول له الشيخ إذا كان واعياً إذبح بقرة لأنه كان يعبد البقر فحتى يتأكد أنه أسلم عليه أن يذبح البقرة. المقدم: نعود لمسألة التوبة د. هداية: هنا التوبة بقتل النفس لأنك غيّرت الإله أو عبدت غيره أو اتخذت غيره، فحتى تتوب هنا يجب أن تعيد الروح لصاحبها لأنها أعظم ما فيك. المقدم: هناك آية أخرى في سورة الزمر (تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ (2) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ (3)) هذه الآية ترد على كل الناس الذين قالوا أولياء وغيرهم، والست فلانة (ونحن لا تطعن في أحد من آل البيت كما قد يظن البعض)، نحن لسنا مشركين بالله، الآية واضحة قالت (أولياء) د. هداية: الآية فيها نقطة خطيرة جداً. لو لاحظنا الآية 3 فيها كلمة (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء) ماذا قالوا هم؟ (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا) هل هذا منطقي؟! نحن اتخذناهم ليقربونا لله فلماذا عبدتموهم؟! أنتم قلتم، أنتم تتخذونهم واسطة إلى الإله الحق لكنهم قالوا ما نعبدهم!. هذه الآية في منتهى الخطورة وهي كذب وافتراء واقع هم يعيشوه، كذبوا وصدّقوا، أنتم تقولون اتخذناهم ليقربونا إلى الله زلفى، هذا سبيل أو واسطة ولم تقولوا أنتم اتخذتموه إلهاً وإنما قلتم اتخذتموهم أولياء لكن في الرد قالوا (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا) إذن أخذوهم معبود. المقدم: ما الذي يجعلهم يقعون في هذا الخطأ؟ هل هو عن عمد أو عن جهل بأنهم صدّقوا الكذبة؟. ثم نقف عند كلمة (مِن دُونِهِ) هل تعني من غيره أو أقل منه؟ د. هداية: بالمنطق، أقل منه. ---------- فاصل------------ المقدم: هل (مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء) لم يقولوا عبادة، من دونه هل تعني من غيره في اللغة أو تعني من الدونية أنه أيّ أحد غير الله سيكون في مرتبة ومنزلة أقل بكثير من الإله الخالق الرب البارئ؟ د. هداية: البارئ كلمة في البقرة خطيرة، هذه الآية خطيرة جداً أنهم قالوا (مِن دُونِهِ) في البداية هذا دليل كذبهم قالوا (أولياء) يعني اتخذوهم واسطة بغض النظر إن كانت مقبولة أم لا، ثم قيل (مَا نَعْبُدُهُمْ) نسأل سؤالاً لغوياً لماذا لم يقولوا نتخذهم؟ وقيل (اتخذتم)؟ لما هم قالوا أنطقهم الله تعالى بالحق، الشرك يصل بهذه الواسطة أنهم انتقلوا من الوساطة إلى العبادة في لحظة (مَا نَعْبُدُهُمْ). نحن انتقلنا من مسألة العجل إلى مسألة الأولياء، أنتم تأخذونهم واسطة ثم حولتموهم إلى عبودية!، كيف نبدأ وأين ننتهي؟! المقدم: لو ذهبت إلى الأضرحة وتسمع خطاب بعض الناس يقولون يا فلان ويا فلانة وليس الله! لو نجحت ابني سافعل كذا وكذا، لو شفيت فلان! أصبح بنظرهم أن الذي يشفي ويفعل هو مخلوق وليس الخالق! د. هداية: صياغة الآية 3 في سورة الزمر مع آية اتخاذ العجل في البقرة خطيرة (كلمة اتخذتم) وكلمة (باتخاذكم العجل). كانت التوبة هنا أنه لو كان هو يريد أن يتوب يقتل نفسه، هذه انتهت الآن لا يقولن أحدهم أريد أن أتوب فأقتل نفسي! لو تريد أن تتوب الآن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، بالإسلام. المقدم: لأن الإسلام يجُبّ ما قبله، كأنك تولد من جديد. د. هداية: شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أنك تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، توبة المشرك والكافر والمنافق وتوبة العابد لغير الله، وتوبة الأولياء والأضرحة أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. والآية 3 في الزمر تدعونا أن نتنبه أنتم تكذبوا على أنفسكم، الصياغة اللغوية في الآية أنهم بدأوا بالقول أنهم سبيل ووساطة لكن الصياغة خطيرة بدليل أنهم قالوا بعدها (مَا نَعْبُدُهُمْ). المقدم: إذن أي واحد حتى لو كان عنده عقيدة فاسدة لا يحتاج أن يتقل نفسه إذا أراد أن يكفِّر عن سيئاته وإنما د. هداية: ايقول اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله لكن عليه أن يتّبع هذا الإله الحق كتاب ومحمد صلى الله عليه وسلم سُنّة. المقدم: ليس هندوس وسيخ وبقر وغيره! د. هداية: التوبة تجُبُّ ما قبلها بالنسبة للمؤمنين والاسلام يَجُبُّ ما قبله بالنسبة لغير المؤمن سواء كان مشرك، منافق، كافر، عاصي، ملحد، كل التوصيفات، يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله يجُبّ ما قبله. مثل مرتكب الفحشاء والمنكر في ديننا يقول تبت إلى الله، انتهت المسألة ولا يحتاج إلى أن يقتل نفسه. المقدم: ولا يحتاج أن يضرب نفسه كما يفعل البعض تكفيراً عن ذنب قتل الحسين رضي الله عنه. د. هداية: لنقرأ الآيات حول موضوع رؤية الله تعالى حتى نختم موضوع التوبة الحقيقية هنا، عندي ملمح خطير في الآيات التي طلب فيها اليهود رؤية الله وكذلك طلب موسى عليه السلام رؤية الله عز وجل. لكن انظر كيف طلب موسى وكيف طلبوا هم؟ وكيف كانت التوبة هنا وكيف كان الحل هناك؟ المقدم: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ (55) ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (56) البقرة) هل ترى في سؤال اليهود ضعف إيمان؟ هل هذا لعب صبياني، ألم يقولوا نحن آمنا موسى، نحن أتباعه، هل عادوا في كلامهم؟ هل هذا لعب صبياني؟ وقالوا لن نؤمن لك وليس لله. د. هداية: هناك مسألة أخطر في قوله تعالى (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) ينظرون إلى ماذا؟ هل يبحثون لرؤية ما طلبوه؟ هم طلبوا من موسى أن يروا الله ويتوقعون أنهم سيرونه وسينفذ موسى لهم ما طلبوا، هذه في منتهى الخطورة كأنهم يسيرون في العبودية على هواهم لم يسلّموا لله تعالى ولا لموسى عليه السلام، (وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) هو لم يقل لكم انظروا وإنما هم طلبوا ونظروا يظنون أن ما طلبوه سيتحقق وهذه خطورة أنك أنت الذي تعمل المنهج أو تعمل الدين. المقدم: ما الفرق بين طلب اليهود رؤية الله وطلب موسى عليه السلام؟ د. هداية: يجب أن ننتبه إلى أن طلب موسى عليه السلام فيه تأدب نبيّ، تأدب رسول، هو طلب الطلب لكن يقول للمولى (رَبِّ أَرِنِي) وفي الأعراف (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)) المقدم: آية واحدة وفيها عدة أسئلة، هل الفرق بين طريقة طلب موسى بأدب وبين طلب اليهود بغير أدب الرؤية جعلت رد الفعل مختلفاً؟ كيف؟ هم (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) (ثم بعثناكم) يعني ماتوا، أما موسى (فَلَمَّا أَفَاقَ) د. هداية: يعني نومة صغيرة، غيبوبة. هم تجرأوا بطريقة ليس لها تمهيد ولا مناط، هم قالوا (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) هذه قلة أدب، بينما موسى عليه وسلم كان هناك تمهيد جعله يطلب هذا الطلب المقدم: مسألة أنه كليم الله. د. هداية: نعم، الآية تقول (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) كأن كلّمه ربه أعطته بعض التمهيد ليطلب رؤية المولى. المقدم: ولهذا الآية التي بعدها مباشرة قال تعالى (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) الأعراف) إحمد الله على هذا. د. هداية: القرآن يعلمنا نقطة، البعض قد يسأل كيف موسى كنبي يطلب مثل هذا الطلب؟ المقدم: مثل طلب إبراهيم عليه السلام (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي (260) البقرة) د. هداية: يريد أن يثبت الإيمان عنده. إبراهيم عليه السلام طلب شيئاً وأجيب إلى طلب آخر. هو سأل (رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى) سألنا سابقاً سؤالاً وقلنا هل الإجابة على هل أو على كيف؟ الإجابة على هل وليس على كيف لأنه لم يعلمه كيف يحيي الموتى. والقرآن يريد أن يعلمنا أن كيف لا ينفع أن نسأل عنها. هذه قدرة الله. أجابه المولى تعالى على (هل) ولم يجبه على كيف. لماذا ترك كيف؟ لأنه وارد أن تردك الفكرة كمسلم. كان هناك تمهيد جعل موسى عليه السلام يطلب هذا الطلب أما هؤلاء اليهود ما الذي جعلهم يطلبون هذا الطلب؟. أولاً (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا) المولى عز وجل أعطى الموعد لموسى عليه السلام وكلّمه هذا شجّعه إن صح التعبير. المولى عز وجل أعطى مناطاً وتميهداً لطلب موسى عليه السلام أما اليهود قالوا فجأة (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) هذا طلب غريب جداً. ثم قال (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) لم يقل لكم انظروا المقدم: فكأنهم اشترطوا على ربهم وطلبوا الطلب ومتوقعين تنفيذه د. هداية: ولذلك الصاعقة عندهم عملت لهم إماتة، حصل لهم وفاة أقصد بالوفاة الموت وليس النوم لأن بعض علماء اللغة قالوا عن النوم موتة صغرى. طالما قال (بعثناكم) وليس أيقظناكم معناها أنهم ماتوا. في موسى عليه السلام قال (فَلَمَّا أَفَاقَ) يعني كانت غيبوبة صغيرة لا موت ولا وفاة ولا نوم لأن هناك مناط لطلبه. المقدم: طمِع. لماذا أول ما أفاق قال موسى عليه السلام (سُبْحَانَكَ)؟ د. هداية: تنزيه أنه أخطأ المقدم: ولذلك قال (تبت إليك). د. هداية: هنا قال (قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) المقدم: ماذا يعني أول المؤمنين؟ د. هداية: أول المؤمنين هنا ليست بالترتيب الزمني وإنما المراد أنه لو أتى بالمؤمنين من عهد آدم إلى يوم القيامة أنا أول المؤمنين يعني أشدهم، هنا (أول) يعني شدة في الأداء وليس توقيتاً زمنياً. وهنا لا يوجد أول وتاني وثالث ورابع حتى في القراءة لما تقرأها أنت ستكون أول، أول من القوة في الأداء والشدة في الأداء، أنا اشدهم لأني جربت. قال سبحانك تبت لا يوجد ضمائر ولا فاصل لم يقل سبحانك إني تبت إليك. سبحانك هذا تنزيه لله تعالى لأن موسى أخطأ، هناك تأدب في طريقة الطلب، الطلب له مناط وهناك تأدب في طريقة الطلب فقال له (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) يعني أنا لن أعرف أن أراك. الإجابة من الله تعالى كانت مبدعة في نقطة تطمئننا أننا سنرى في مرحلة ما لأنه كان يمكن للمولى أن يرد عليه أنا لا أُرى نهائياً لكنه قال (قَالَ لَن تَرَانِي) أنت يا موسى الآن، يمكن بعدها أن تراني. المقدم: هل من أسباب عدم قدرتنا على رؤية الله في الدنيا غير موضوع أن أجسادنا لا تصلح لهذا وأننا إن شاء الله تعالى في البعث وفي الجنة إذا كنا من أهلها سنوضع في أجساد أخرى قادرة على الحياة الخالدة في الجنة أنها لا تشيخ ولا تتغوط ولا تمرض ولا تتعب فهل لأن أجسادنا لا تنفع أن ترى النور الإلهي، وسبب آخر أنك أنت إنسان مليء بالذنوب والمعاصي لم تتطهر بعد فلا يمكنك أن ترى الله في الدنيا وإنما تراه في الجنة وأنت طاقة النور (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) القيامة) أليس هذا توصيف أهل الجنة أن لهم نوراً يسعى بين أيمانهم؟ د. هداية: هناك أمر أعظم من هذا، قد يكون كلامك منطقياً لكن الدنيا لم تُجعل لهذا في مطلع البقرة قال تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ (3)) هل مع الغيب أين؟! كأنك تريد أن تلغي الامتحان كله وتريد أن تفسد المسألة كلها. المقدم: القضية غيبية وأنت امتحانك في الدنيا ولهذا في موطن آخر في القرآن الكريم قال (وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ (8) الأنعام) د. هداية: هذا إمتحانك أنت في الدنيا هو إيمانك بالغيب، وقلنا سابقاً أنه ليس من باب الصدفة قال تعالى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) الذي يؤمن بالغيب لن يقول أرني. ولذلك هناك نقطة أخطر (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) كأن الجبل يصلح لهذه التجربة لا أنه يصلح أن يطيق. (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ) الجبل يصلح للتجربة، البعض يسأل لماذا الجبل؟ لما أنزل القرآن على الرسول صلى الله عليه وسلم قال (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) المزمل) وقال تعالى في آية أخرى (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21) الحشر). نشرحها في الحلقة القادمة إن شاء الله. المقدم: جزاكم الله كل خيير. موضوعات جميلة تخرد من النقاش ما شاء الله هامة جداً وأهميتها ليس لأننا نحن نقول هذا الكلام وإنما هو فتح من الله سبحانه وتعالى ولكنه مهم لأن العقيدة الإسلامية مهمة جداً لأن هذا سلاحك في مشوار الحياة الذي به ستتمكن من أن تستخدم سلاح مهم أيضاً وهو سلاح التوبة أنك لما تخطئ ترجع لربنا وتعود لربنا يقبلك بإذن الله. نكمل المسيرة إن شاء الله في اللقاء القادم، نراكم بألف خير، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 12/5/2009م |
التوبة والاستغفار 105 تقديم علاء بسيوني أبدأ بسورة المزمل والله سبحانه وتعالى يتكلم عن القرآن الكريم ويصفه بقوله (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (2) المزمل) وسنتكلم عن سورة الحشر وطه. نستمع إلى الآيات في سورة المزمل: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿١﴾ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿٢﴾ نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿٣﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا ﴿٤﴾ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴿٥﴾ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴿٦﴾ المزمل) الرسول صلى الله عليه وسلم بعد النبوءة (زملوني، زملوني) دثروني دثروني. د. هداية: ما زلنا في النبوءة في سورة المزمل أما الرسالة فهي في سورة المدثر. المقدم: ربنا يقول (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴿٥﴾ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴿٦﴾). نشرح هاتين الآيتين وعلاقتهما ببعض ثم نتكلم عن قوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) طه) وقوله تعالى في سورة الحشر (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21)). نربط الآيتين في سورة المزمل أولاً مع بعضهما، القول الثقيل ما هو موطن الثقل؟ ما معنى أشد وطئاً؟ وما معنى أقوم قيلا؟ وما معنى ناشئة الليل؟ د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. نحن نتكلم في هذه الآيات بعد أن تكلمنا في الحلقة السابقة عن مسألة رؤية الله تبارك وتعالى ساعة طلب موسى (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ (143) الأعراف) الإجابة من الله تبارك وتعالى قال (قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) عندما تسمع قوله تعالى (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) ستذهب تفكيرك إلى قوة الجبل وتحمله وحجمه. المولى عز وجل أجرى التجربة للبشر عن طريق موسى عليه السلام في قرآننا بالجبل. موسى عليه السلام ونحن نعلم أنه نبي رسول من أولي العزم ولا يحتاج إلى إثباتات، إذا تكلم الله سبحانه وتعالى صدّق موسى وفي الحلقة السابقة ذكرنا أنه قال (قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ). كان هناك مناط أن يطلب موسى من ربه الرؤية وكأنه شجّعه المولى تبارك وتعالى على هذا الطلب لأنه كلمه وأعطاه المعاد والمقدمات توحي بالتشجيع (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) كأنه يوجد مناط لهذا الطلب. لكن عند بني إسرائيل لم يكن عندهم مناط للطلب (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً (55) البقرة) هذا تبجح منهم وكأن كلمة (الله) لم تخيفهم. المقدم: وهذا يدل على عدم الفهم، هم يريدون أن يروا الله في الدنيا وما فهموا أن الدنيا إختبار غيبي! د. هداية: موسى عليه السلام قال (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) طلبه هذا فيه أدب. هو يقول له يا رب أن بذاتيتي لن أراك ولكن الفاعل في الإراءة هو الله تعالى. وسبق أن شرحنا قوله تعالى في سورة الإسراء (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا (1)) (لنريه) كفار قريش عارضوا الرسول صلى الله عليه وسلم في مسألة الإسراء والمولى تبارك وتعالى يقول لهم أن محمداً ليس فاعلاً وإنما محمد صلى الله عليه وسلم مفعول به (أسرى بعبده) والسبب (لنريه من آياتنا). موسى عليه السلام يقول (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) يعني أنا ببصري، بذاتيتي لن أراك لكن لو أن الله تبارك وتعالى شاءت إرادته أن يراه موسى فستكون من خلال (أرني). إذا قارنا بين الآيتين (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) نرى هنا بذلتيتهم هم ببجاحة وقلة أدب وجهل، هذا الكلام كله له توصيف. وقول موسى (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) مع أدب موسى عليه السلام وطلبه بتأدب شديد مع الله وأنه بذاتيته لن يرى وإن كان سيرى لو كان للطلب وجه قال (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ). المولى عز وجل أجاب موسى بقوله (قَالَ لَن تَرَانِي) يعني أنت الآن لن تراني لكن قد تراني بعد ذلك يا موسى أو أي نبي أو رسول، وبالتالي بشر أيضاً كما في قوله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) القيامة). قال تعالى (قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) احتيار الجبل هنا عند موسى عليه السلام وعند أي عاقل أن الجبل أقوى خلق الله، لما سئل علي ابن أبي طالب عن أشد خلق الله قال الجبال الرواسي والحديد يقطع الجبال إلى آخر ما قاله. لكن أشدهم عند أي عاقل ومناطها قوله تعالى (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21) الحشر) وهو تعالى قال عن القرآن في سورة المزمل (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (2)) هذا القول القرآن ثقيل بوضعه ووزنه وقيمته. فقال تعالى (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) هنا نقطة تعطي لموسى عليه السلام تشيجع أنه غذا لم يقدر الجبل على رؤية الله فهل تقدر أنت؟ إذن هنا منطق في الأداء والعظمة الإلهية في الأداء مع المتأدّب موسى عليه السلام. قال تعالى (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) يعني كأن الله تبارك وتعالى يساوي موسى عليه السلام بالجبل، ليس هناك وجه مقارنة من حيث القوة بينهما لكن المولى عز وجل سينقل موسى من البشرية إلى الجبل في قوته وثباته ورسوخه. (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) لما موسى يسمع هذا الكلام هو لا يعرف إن كان الجبل سيستقر مكانه، ثم قال تعالى (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا) دكاً لغة يعني الجبل المرتفع لما يُدك من رؤية الله تبارك وتعالى فكأنه ليس له أثر على الأرض، سوّي بالأرض، هذا معنى دكّاً، يعني لم يعد له أي أثر ارتفاع عن الأرض. المقدم: حتى الآن في مصطلحات البناء يقولون أدك التربة أولاً يعني أسويها بالأرض ثم يبدأ بحفر الأساسات. د. هداية: لو رايت الجبل المرتفع فلما يقول دكاً يعني لم يعد له أثر. هذا حصل (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) تجلى يعني ظهر أو من مطلع الظهور، (جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا) نأخذ هنا مسألة التساوي، ربنا تعالى قال لموسى انظر إلى الجبل إن استقر مكانه فسوف تراني فلما نظر موسى عليه السلام للجبل بعد التجلي صُعق، إذن هو صُعق من رؤية من رأى الله تبارك وتعالى فما بالك يا موسى لو كنت أنت الذي رأيت؟! إذن هنا عدم الرؤية لصالح موسى عليه السلام. هذه خدمة لموسى لما يقول المولى عز وجل (قَالَ لَن تَرَانِي) وستكون لصالحه. المقدم: كأن المولى تبارك وتعالى عفاه من التجربة التي عملها مع بني إسرائيل سابقاً عندما أماتهم. د. هداية: وانتبه كيف طلب بنو إسرائيل الرؤية وكيف طلب موسى الرؤية؟ موسى طلب بأدب النبوة والرسالة ولذلك قال المولى تعالى أنه سيجري التجربة مع من هو أشد من موسى قوة لكن التجربة صعبة لأنه (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا) موسى رأى الذي رأى الله تبارك وتعالى. ونقطة أخرى موسى لما قال (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) هل هذه تمّت أيضاً؟ أم أنه حصل فيه تعديل ليكون (صعِق) فقط؟ المقدم: كان من الجائز أن يموت موسى كما حصل مع بني إسرائيل الذين طلبوا الرؤية. د. هداية: موسى قال (أرني) فيمكن أن يكون حصل تعديل فصعق موسى فقط حتى يتمكن من رؤية الذي رأى الله عز وجل. ولذلك قال (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا) في الوقت الذي اخترنا فيه سورة الحشر في قول المولى تعالى (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21)) لرأيناه كلنا خاشعاً متصدعاً من خشية الله إذن صدق الله العظيم حيث يقول (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (2) المزمل) لماذا؟ (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) المزمل). المقدم: ماذا تعني هذه الآية؟ د. هداية: ناشئة الليل العبادة التي تنشأ في الليل. ما معنى الوطء؟ يعني عندما تضرب الأرض برجلك ثابتاً، وطءاً يعني أرسخ. يعني العبادة التي تنشأ في الليل إذا أردت أن تعبد الله على مراده فيك فاجعل عبادتك في الليل. ناشئة الليل إذا كنت تريد أن تنشئ عبادة صادقة مع الله لا تكون رياء في النهار ولا سمعة أمام الناس (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا). المقدم: (إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) المزمل) د. هداية: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) النبأ) النهار معاش لا تترك عملك وتتعبد إنما انشغل بشغل الناس لكن إذا أردت أن تعبد الله على مراده (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) لأن عبادة الليل فيها إخلاص وفيها تفرّغ وليس فيها استعجال ولا رياء ولا سُمعة. المقدم: وفيها نوع من التطوع لأنه أثناء العمل أنت توقف العمل حتى تصلي الصلوات في وقتها. د. هداية: الفرض فقط يعني رب العمل يسمح لك بالفرض فقط فلا تأخذ من وقت العمل لتصلي النوافل وتترك مصالح الناس، لكن إعملها في وقت الإجازة. ولذلك التعبير القرآني واضح (إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) يعني العبادة التي ينشئها صاحبها بالليل أنشأها بالليل إخلاصاً، طاعة، صدقاً. المقدم: ولذلك في الحديث القدسي عن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، رجلٌ ذكر الله خالياً ففضات عيناه. د. هداية: خالياً يعني ليس أمامه أحد، بينه وبين الله تعالى لا رياء ولا سمعة. المقدم: نعود بعد الفاضل لسورة طه حتى نعمل مقارنة لما اليهود هم أنفسهم سألوا عن الجبال ضمن كلامهم يستكبرون الجبل. والإجابة من الله عز وجل لهم (فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) طه). د. هداية: أمام عظمة الله تعالى مهما كان الجبل يبقى مخلوقاً له. المقدم: هذه عقلية فاسدة وفطرة أكثر فساداً للأسف الشديد وربنا يعلمنا حتى لا نفعل مثل بني إسرائيل. المقدم: في سورة طه (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا (105) طه) هناك عدة أسئلة في القرآن الكريم (ويسألونك) لكن هذا السؤال له علاقة بموضوعنا لأن بعض الناس أحياناً تعتقد أن الشيء إذا كان حجمه كبيراً وصلب وقوي أن هذا سيعجز المولى سبحانه وتعالى أو يستحيل على قدرة الله تبارك وتعالى. ونذكر بالصياغات التي يكتبها اليهود في كتبهم أن ربنا خلق الدنيا في ستة أيام ثم استراح في اليوم السابع لأنه تعب – حاشاه- د. هداية: هم قالوا هكذا فعلاً: تعب فاستراح. والوملى سبحانه وتعالى قال في كتابه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ (38) ق) اللغوب هو أقل التعب، هذا لم يحصل لله تبارك وتعالى حاشاه وهذا كان رداً عليهم. وفكرة يوم السبت عندهم كانت هكذا. القرآن قص هذه القصة حتى نأخذ نحن العظة منها فلا نفعلها لكننا نحن للأسف الشديد ما زالت النعرة اليهودية معنا في الأحاديث الموضوعة وفي بعض التفاسير للأسف الشديد. المقدم: هل ممكن أن نعتبر أنه من ضمن الدروس أن الجبال هي مجرد رمز لأي معنى قوي في حياتك، الرزق الذي تبحث عنه، المريض الذي تأخر شفاؤه وفقد الأمل بالشفاء؟ د. هداية: الإجابة فيما ذكرته. قال تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ) لم يذكر ما هو السؤال تحديداً، طبعاً هم سألوه عن قوة الجبال وثباتها لكن الإجابة من المولى عز وجل جاءت خطيرة (فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا) الدكّ أقل من النسف. النفس أكثر (فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا) مهما كانت قوتها أمام قدرة الله تبارك وتعالى. المقدم: نستمع إلى الآيات لأني أستشعر وأنا أسمعها أن هذه إحدى سيناريوهات مشاهد يوم القيامة د. هداية: بعد أن نستمع لآيات سورة طه نعود إلى آيات سورة الحشر لأنها تعود علينا نحن. في سورة طه يتكلم القرآن عن اليهود حتى لا نفعل مثلهم لكن نحن عندنا آية في سورة الحشر. (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ﴿١٠٥﴾ فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ﴿١٠٦﴾ لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ﴿١٠٧﴾ يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ﴿١٠٨﴾ يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا ﴿١٠٩﴾ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا ﴿١١٠﴾ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴿١١١﴾ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا ﴿١١٢﴾ طه) المقدم: هذه الآيات لها أثر كبير، كل إنسان تجرأ على الله عز وجل وما قدره حق قدره (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ﴿١١١﴾) يعني لن يكون لأحد وجه أن يجادل في الحساب من خزي ما فعله. د. هداية: وانتبه أيضاً لكلمة (الحي القيوم) أمام ما فعلوه، لماذا الحي القيوم؟ لم يقل لله أو للرحمن أو لرب العالمين. المقدم: وقال تعالى (وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا) د. هداية: هنا قال الرحمن مع خشعت لكنه ذكر الحي القيوم أمام عنت الوجوه لأن هذه تظهر كم تكلم اليهود عن الجبال عندما قالوا (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ) إذن هم عرضوا في كلامهم قوتها وقدرتها وكأن الخالق سبحانه وتعالى لن تعجزه هذه الجبال فكانت الإجابة (فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا) المقدم: نعود آية سورة الحشر (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ (21)) د. هداية: القرآن ماذا يفعل مع الناس اليوم؟ المسلم الذي يجادل اليوم في الصلاة وفي الحجاب وفي مشروعية النقاب ويقول وهل ربنا يحتاج لصيامنا وصلاتنا؟ وهو مسلم، صاحب رسالة، هذه رسالته ومنهجه ومع هذا يجادل فيها. القرآن يقول (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) لو أنزلنا هذا القرآن الذي تجادلون فيه وبه على جبل الجبل بقوته والمولى قال لنا في موطن آخر (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) المزمل) فهو ثقيل لو نزل على جبل مع قوة هذا الجبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله ليس من الكلام، الكلام أثر فيه من خشية الله لأنه فهمه. المقدم: ربنا تعالى قال في القرآن أن الناس المؤمنة لما تسمع القرآن تقشعر منه جلودهم وتلين القلوب هذا من سمة خلق الله في جسد البشر أن فيها مرونة أما الجبل فهو جامد فلما يقشعر يجب أن يتصدع. د. هداية: هو لا يتصدع من القرآن وإنما يتصدع من خشية الله يعني فهِم، الجبل الجماد يتصدع من خشية الله يعني استوعب القرآن وأنت أيها البشر الذي يرقد في الفراش من مجرد إنفلونزا أين أنت من القرآن؟! ما هذه البجاحة؟ ما هذا العصيان؟ ومن أين أتى؟ ولماذا؟ الجبل تصدع من خشية الله لأنهم فهم الكلام واستوعبه. قال تعالى (لو) وهذا حرف امتناع لامتناع يعني لن يحصل، هذه ليست وظيفة الجبل. لو أنزلنا يعني لو شاءت إرادة المولى عز وجل أن ينزل هذا القرآن على جبل سيستوعب هذا الجبل بقدرته ويتصدع من خشية الله وأنت أيها البشر الذي أنزل الله تعالى القرآن لأجلك أنت؟!. إذا أردت أن تستوعب القرآن خذها من الصحابي الذي كان يأخذ عشر آيات ولا يأخذ غيرها إلا إذا طبق ما في العشر آيات الأولى. المقدم: لا يحفظ إلا إذا فهم الآيات وطبّقها د. هداية: هل كان تباطأ؟ أو كان يريد أن يثبت أنه أهل لتلقي الآيات التي بعدها، وتلك كانت فترة نزول القرآن ليس الكتاب كله كما هو معنا الآن ومشروح ومفهوم. المقدم: الناس التي تجادل في الكتاب لا تجادل على أساس الكتاب –وطبعاً هناك من يكذّب أن هذا ليس كلام الله وأن محمداً ليس نبياً- نحن لا نتكلم عن هذه الفئة ولكننا نتكلم عن أناس مسلمين لكن التأويل فيه اختلاف. أنت ذكرت الآن الحجاب والنقاب ويسمعون بعض الآراء الفقهية التي تقول أن الأصل في عفة المرأة والمفروض عليها شرعاً من الله سبحانه وتعالى ومنعاً للفتنة أن يكون هناك نقاب وهناك فقهاء آخرون قالوا هو الحجاب فقط أن هناك استثناء أن هناك بعض الزينة تظهر وبالتالي الوجه والكفين وهناك ناس قالوا المقصود الحشمة وأن تُغطى فتحة الصدر لكن الموضوع ليس له علاقة بتغطية الشعر على الإطلاق وآراء عديدة أخرى فالناس لديها الحق أن تتشتت وتتبلبل. د. هداية: الناس الذين تبلبلوا تبلبلوا لصالح من؟! من الخاسر في النهاية؟ ولمن الحساب. هل الحساب سيقال لك أنت فهمت خطأ أو تبلبلت؟ أسئلة القبر: من ربك؟ ما دينك؟ ما قولك في هذا الرجل؟ ثم ما عملك؟ ليس هناك سؤال من شيخك ولا من فسّر لك؟ من ربك أنت بكاف الخطاب. المقدم: هل يحل الموضوع قول النبي صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؟ د. هداية: إذا اختلفنا خذ الأحوط هذا معنى الحديث، لا تقامر بمستقبلك. الرجل يوم القيامة في سورة الفجر قال تعالى (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴿٢٢﴾ وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى ﴿٢٣﴾ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴿٢٤﴾) المقدم: لحياتي يعني حياته الحقيقية. د. هداية: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) العنكبوت) فهل أنت تنتظر اليوم أن تقامر بمستقبلك؟ هل من عاقل يفعل هذا؟ المقدم: ليس فقط هذا وإنما فكرة المقامرة نفسها لكن لو حسبناها بالعقل الذي يقامر بالمال المال يأتي ويذهب إذا خسرت اليوم ألف جنيه في القمار هذا وزر وربما يأتيك مال غيره أو لديك في البنك مال غيره لكن إذا قامرت بعمرك وحياتك كيف ستأتي بها من جديد؟! د. هداية: وحياتي الرجل يقول (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) لم يقل للحياة بإطلاق وإنما قال حياتي إضافة إلى نفسه. المقدم: الناس التي تقامر هي نفسها التي ستقول يوم القيامة (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) المؤمنون) د. هداية: (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (100)) (فيما تركت) يعني لو الرجل مطمئن أن عمل غيره سيسد عنه ما قال هذا الكلام. لو تقولون أن عمل فلان يصل إلى فلان أولاً الجهة منفكة لأن الميت لم يعد له نية في العمل المقدم: وإذا كان ناوياً قبل أن يموت ووربنا لم يمهله؟ د. هداية: هذا موضوع آخر. من عظمة هذا الإله أنه لا ينتظر أحد أن يعمل له والرسول صلى الله عليه وسلم صاغها صياغة مبدعة على هذا الفكر فقال "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" لم يقل لكل امرئ ما عمل! هذا هو الحل. أخذ الإنسان الأجر من ساعة ما نوى وليس من ساعة ما عمل. إذا نويت أن تعمل شيئاً فربنا العليم الخبير الحكيم هل ينتظر حتى تعمل هذا العمل حتى يعطيه؟ كلا، وإلا لا يكون حكيماً ولا خبيراً ولا عليماً. يعطيه من ساعة ما نوى. اختلف علماء الحديث أو اتفقوا فهذا الحديث أول الأحاديث في التصنيف "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" ليس ما عمل لأنه إذا قلت أن الإله سنتظر إلى أن تعمل فهذا لا يكون إلهاً حاشاه. من ساعة ما نويت أعطاك والرسول صلى الله عليه وسلم يقولها بملء فيه. المقدم: حتى لو مات الإنسان وهو لم يعمل العمل ربنا بعلمه يعلم أنه لو أمد في عمر هذا الرجل هل كان سينفذ ويطبق ما نواه أم لا. د. هداية: " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وضرب لنا الرسول صلى الله عليه وسلم مثالين "فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" كرر إلى الله ورسوله، ثم قال "ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" لم يكرر لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها وإنما قال "فهجرته إلى ما هاجر إليه". لو أن الرجل الذي قال (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (100)) لو أنه اطمأن أن غيره يمكن أن يعمل له لما قال (رب ارجعون). قال (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (100)) يعني الذي تركته أنا لا ينفع أن يغطيه غيري، الذي تركته أنا من أعمالي كان يجب أن أعمله أنا. المقدم: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ) حيوان على وزن فعلان. هذه الصيغة فيها امتلاء مثل رحمن، قرآن، فرقان هذه صياغات عظيمة من عظمة الأداء البلاغي في القرآن. بعد الفاصل نتحدث عن كل هذه الإجابات. المقدم: الرجل الذي سيجد أعماله يوم القيامة محبطة والذي كان يجادل في القرآن ولم يهتم بقراءته ولا تطبيقه سيقول رب ارجعون مرة أخرى حتى أحاول أن أعمل. وقبل الفاصل سألت عن دلالة استخدام لفظ (الحيوان) ليس المقصود بها البهائم والدواب وإنما الحيوان هي الحياة الحقيقية والفعلية، ما سر وزن (فعلان)؟ د. هداية: أن الذي يأتي على وزن فَعلان فُعلان فِعلان تكون شيئاً واحداً لا تتكرر ليس لها ند أو نظير. مثلاً تقول قرأت التوراة هذا كتاب موسى، قرأت الإنجيل هذا كتاب عيسى، عندما تأتي عند كتاب محمد صلى الله عليه وسلم ليس له تمسية غير قرآن ولم يطلق هذا اللفظ على كتاب آخر إذن هو كتاب واحد أطلق عليه قرآن في حين أن التوراة سميت فرقاناً مثلاً وكتابنا سمي فرقاناً لكن يبقى الفرقان عندنا قرآن والفرقان عندهم التوراة. أن تأتي بكلمة قرآن لكتاب واحد هذه تدل على هيمنته (ومهيمناً عليه). المقدم: كلمة (مهيمناً) تعطي معنى لطيفاً جداً نقوله لكل من يحب إثارة الفتنة والطعن بالناس والعقائد والرسالات و:ان هناك حرب. هنالك لعبة سخيفة جداً تعرض على النت وهي عبارة عن حرب بين الرسل من يغلِب من؟ أنا أتصور أن كلمة (مهيمناً عليه) معناها أن المصدر واحد، الإله هو الذي يبعث الرسل والأنبياء كلهم إخوة بنفس المنهج رسالات لأقوام مختلفين في أزمنة مختلفة وبالتالي هذه طبعات تتالية تتلوها الطبعة الأخيرة التي فيها الهيمنة على كل المنهج الذي يرتب كل حياتنا وليس فيه تضاد ولا تعارض. د. هداية: لا يمكن أن يكون فيه تعارض المقدم: مثلاً شركة مايكروسوفت التي تنشر نظام التشغيل للكمبيوتر كان عندنا في السابق ويندوز 98 ثم ويندوز 2000 ثم إكس بي ثم فيستا وكلها أتت من شركة واحدة والبرنامج يفتح على كل الأجهزة. د. هداية: الجهة منفكة في أنه أولاً لما تقيس يجب أن تضع أن الإله الحق ليس كمثله شيء. ثانياً من المنطق أن الإله لا يناقض نفسه، لا ينفع أن يقول أنا ثلاثة ثم يقول أنا واحد، هذا لا يمكن، لا يجتمع النقيضان ولا يرتفعان. في سورة آل عمران قال تعالى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19)) لم يقل لمن؟ وإنما بشكل عام. المقدم: ليس المقصود أتباع محمد صلى الله عليه وسلم؟ د. هداية: لا، وإنما هو دين كل الرسالات ولذلك قال في نفس السورة (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85)) لم يقل من وإنما من عهد آدم. ولما كلمنا نحن على أساس أن الديانة عندنا سميت بإسم الدين، اليهودية ديانة دينها الإسلام والنصرانية ديانة دينها الإسلام الإسلام ديانة دينها الإسلام، هنا سيحصل لبس فقال (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (13) الشورى) ذكر خمسة أنبياء وذكر كلمة (الدين) فكيف يتفرقوا؟ المقدم: الدين رسالة وإنما أتباع الرسالة تختلف. د. هداية: الديانة تختلف أما الدين فهو واحد الشرع العام واحد وتختلف المناهج. المقدم: نعود إلى صيغة (فعلان) في مسألة (سبحان) استخداماتها كثيرة جداً فما الفرق بينها وبين الأمر (سبِّح) أو فعل (يسبح)؟ د. هداية: نحن عندنا هذه وهذه، (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الأعلى) أنا أسبح وأنت تسبح وكل مسلم ولو أي شخص آخر يريد أن يسبح يمكنه ذلك. إن صعد الأمر وقال (سبحان) يكون أعظم. ماذا تقول إذا أردت أن تسبح؟ المقدم: أقول سبحان الله د. هداية: تقول سبحان الله أو أُسبِّح؟ لما أقول لك (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الأعلى) تقول سبحان ربي الأعلى. عندما أقول لك (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) الواقعة) تقول سبحان ربي العظيم. في حادثة الإسراء لم يقل سبح إسم الذي أسرى، من رحمته بنا أنه لم يقل سبح إسم الذي أسرى لأننا ما كنا سنستطيع، نحن ما زلنا مشككين في الحادثة إلى الآن والبعض يستعظم هذه الحادثة فلم نكن قادرين على تسبيح الله فيها فسبح تعالى نفسه وقال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ (1) الإسراء). عندما نقرأ (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) نقول سبحان ربي الأعلى، في سورة الإسراء قالها لنا ولم يعطك الأمر بها لأنك لن تعرف أن تعملها لأن الواقعة أكبر من تصورنا، وهناك أسئلة تُسأل اليوم لم تُسأل أيام الرسول صلى الله عليه وسلم. الفعل كبير! المقدم: كلمتان خفيفتنا على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. هناك نشيد يغنيه الأخ تامر حسني سبحان الله وبحمده، لحن لطيف لكن التشكيل فيه خطأ فهو يقول (سبحان اللهُ) وهذه دعوة للأخ تامر لو يسمعنا أن يصحح الخطأ. فكيف مرت على من كتب الكلام وعلى تامر وعلى مهندس الصوت؟! د. هداية: هناك أيضاً من يغني عن الرسول عليه الصلاة والسلام ويقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم (المتين) هذا لا ينفع لأنه إسم من أسماء الله الحسنى، لا ينفع أن نصف بها الرسول عليه الصلاة والسلام. المقدم: أرجو من الجميع أن يلجأوا للمتخصصين إذا أردوا أن يعملوا أغنية للرسول عليه الصلاة والسلام. د. هداية: هذه الأغنية تذاع في القناة الأولى أو التلفزيون المصري يجب أن توقف وتصحح. هذا ليس متعلقاً فقط بالتشكيل وإنما هناك خطأ في مسألة في العقيدة، صفة من صفات الله تطلق على الرسول عليه الصلاة والسلام. المقدم: لعل كلامنا يجد آذاناً وقلوباً صاغية. نعود لمسألة التوبة في كل الذي حصل ربنا لم يقل أن اليهود تابوا، فهل هم تابوا ونحن لم نعرف؟ قارنا بين الطريقة التي طلبوا فيها رؤية الله تعالى وبين الطريقة التي طلب بها موسى رؤية الله عز وجل، موسى صُعق ثم أفاق لكن بني إسرائيل أماتهم الله تعالى ثم أحياهم مرة ثانية لكننا نجدهم بعد البعث نزل عليهم المن والسلوى فأين التوبة؟ د. هداية: عطاءات خطيرة وعطاءات مبدعة. المقدم: وستجد أنه برغم أننا لم نسمع أنهم تابوا بعدها ومع عطاءات الله تعالى لهم لم يعجبهم وقالوا لن نصبر على طعام واحد. د. هداية: الإسلام يذكر هذا الكلام حتى لا يقع المسلم في هذا. لما نسمع (لو أنزلنا القرآن) هذا قرآننا نحن لا يتكلم عن التوراة والإنجيل، يقول تعالى أنه لو أنزل هذا القرآن على جبل نحن المسلمون سنجده خاشعاً متصدعاً من خشية الله فماذا فعلت أنت أيها المسلم في قرآنك؟ أيها المسلم الذي تناقش وتجادل وتضع القرآن على جنب وتأخذ الحديث وتأخذ الإسرائيليات في التفاسير، القرآن أوضح من هذا ونحن نتكلم في العقيدة. نحن تفرعنا في هذه الآيات بقصة التوبة حتى نصل إلى قوله تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) النساء) تكلم عن توبة عند اليهود كان عبارة عن قتل، أليس من رحمته سبحانه وتعالى أن يقول لنا نحن إذا أردنا التوبة أن نقول تبت إلى الله، أستغفر الله؟ اليهود عندما أرادوا التوبة قال لهم اقتلوا أنفسكم لكن نحن قل لنا فقط قولوا تبت إلى الله، هذه نعمة كبيرة. قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم الذي يريد أن يتوب كان عليه أن يقتل نفسه طالما عبدت غير الله. نحن تحدثنا في آيات (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) الزمر) بدأول بأن قالوا اذتخوا من دونه ثم اعترفوا أنه عبدوهم! المقدم: هل هذا الكلام تطبيق لقوله تعالى (وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) البقرة) وأنها خطوات وليست خطوة واحدة؟ هو سيأتي بك خطوة خطوة حتى تكون في الدرك الأسفل من النار. د. هداية: طبعاً. المقدم: قلت في الحلقات السابقة أن الشيطان يعرف عمله ويقوم به على أكمل وجه والقرآن حذرنا منه (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (6) فاطر) لا أحد يطبق (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا). د. هداية: القرآن شرحه لنا وأوضح لنا شيئاً ونحن علينا شيئاً هو أوضح لنا أن الشيطان لنا عدو وعلينا نحن أن نتخذه عدواً لكننا للأسف لا نعملها. المقدم: الشيطان يعرف ماذا يعمل معنا والمفترض كيف أجهز أنا أسلحتي الدفاعية خصوصاً مع وجود نعمة التوبة التي قلنا أنها فضل كبير جداً لأن السابقين كان مطلوباً منهم أن يقتلوا أنفسهم ليتوبوا أما نحن فقك علينا أن نقول تبت إلى الله ونرجع إليه. د. هداية: في المثال الآخر هم عبدوا غير الله والآن تقال اليوم من المسلمين أنهم يتخذوا الأضرحة ليقربوهم فلماذا لا نأخذ الآية كاملة؟ تسأل أحدهم لماذا تذهب إلى المسجد الفلاني؟ يقول لك لأنه مسجد إبن نبت النبي عليه الصلاة والسلام، ماذا يعني؟ ما علاقة هذا بهذا؟ ادخلوا أي مسجد (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ) أكمل الآية (فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا) هذا قرآن وليس مجرد حديث. عندما تسمع الآية (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) الجن) تسمع يقولون مسجد فلان الفلاني، مسجد الشهيد الفلاني، مسجد الحاج فلان، المقدم: هل المقصود بـ (تدعو) هنا تسمي المسجد أو تدعو دعاء لله تعالى؟ د. هداية: تدعو هنا يعني تسمي (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) الأعراف) ادعوه هنا يعني توجهوا إليه بالدعاء؟ المقدم: كلا وإنما تعني فسموه بها د. هداية: أو صفوه بها. حتى لو يرد أحد أن يأخذ بكلامي نقول لهم إذا كان في الأمر شبهة فدعها "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك". هؤلاء لما اتخذوا من دون الله أولياء لم يقل عنهم المولى عز وجل قتلوا أنفسهم حتى يتوبوا والذي يقول (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) بالله عليك لما تكون تريد أن تتقرب إلى الله المعبود تعبد أحداً غيره؟! المقدم: هل تفعل شيئاً يغضب الله؟! د. هداية: هل تعمل شيئاً لا يكون إلا لله؟ الله تعالى أنطقهم الحق لما قالوا (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) هذه لا تستقيم معنى والقرآن أوردها لنا حتى نستفيق. المعنى الذي يقولونه غير مستقيم هم يقولون ليقربونا إلى الله زلفى ولكنهم قبلها قالوا ما نعبدهم، الذي يقول هذا مجنون لأن العبادة لا تكون إلا للمعبود سبحانه وتعالى ولهذا لما تكلم العلماء في العبودية ذكروا توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية من أدب هؤلاء العلماء الفحول سألوا بأيها نبدأ؟ أدبهم هذا لأنهم علوا. المقدم: نبدأ في الحلقة القادمة إن شاء الله بالفرق بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية د. هداية: ونعود إلى سورة النساء حتى نقفل موضوع التوبة الآيتين 17 و18 مع الآية (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) النساء) ونشرحها. المقدم: جزاك الله كل خير يا دكتور. وأذكركم أن أهم درس خرجنا به اليوم خطورة أن نترك المنهج ولهذا أدعو المثقفين واصحاب الآراء السياسية والثقافية عن خطورة خلط السياسة بالدين لو قابلنا هذا المنهج إنذ نحن موافقون أن هذه الأمور ليس لله تعالى علاقة بها ونريد أن نخرجه من هذه المنطقة هذه إساءة أدب. مسألة أن نقول لا تدخلوا الدين بالسياسة القرآن الكريم فيه آيات عن الحكم والشورى ونحن عملنا مجلس شورى لماذا؟ والكلام عن الديموقراطية والمواريث والزواج والطلاق، العبادات جزء والقرآن الكريم منهج متادخل ونحن من هنا ندعو كل السادة المثقفين والمتخصصين في كل المجالات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً لو أحبوا أن نعمل مناظرة أو ندوة نصحح فيها المفاهيم. لأنه من الصعب أن القرآن الذي فيه منهج شامل لحياتنا كإنسان نقول أن هذه المنطقة ربنا نسيها أو لم يتكلم فيها أو نقول لله تعالى هذا الجزء من حياتنا ليس لك ولا تتدخل فيه، هذه دعوة مفتوحة إلى أن ياذن الله نوضح للناس المفاهيم الصحيحة. نراكم على خير في الحلقة القادمة، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 26/5/2009م |
التوبة والاستغفار 106 تقديم علاء بسيوني أول استشهاد في سورة آل عمران وبالتحديد الآية 18، هناك توحيد وهذه الشهادة ليست منا نحن كمسلمين وموحدين ومؤمنين وإنما الذي يشهد هو صاحب الذات العليا نفسه وصاحب التوحيد نفسه وهو الخالق سبحانه وتعالى. نستمع للآية ثم نسأل أسئلة لتوضح الصورة (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)) طلب الناس منا أكثر من مرة أن نفرق بين توحبد الربوبية وتوحيد الألوهية وقد تكلمنا أكثر من مرة عن الفرق بين عطاء الربوبية وعطاء الألوهية فهل يمكن أن نثبت هذه المعاني للناس أولاً ثم ننتقل إلى الأسئلة حول الآيات التي سمعناها؟ د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. نتكلم عن توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وأيهما أسبق وهذا الخلاف الذي بين كثير من العلماء والفقهاء وسنأخذها بالمنطق المجرد. ما هو التوحيد؟ التوحيد كلمة تأتي من وحّد الشيء اي أفرده، لما تفرد أحد بشيء أو شيء بشيء هذا يعني توحّد. لو أخذنا منطقية الأمور في الدنيا مبنية على توحيد الخالق سبحانه وتعالى، توحيد الرب أو توحيد الإله. مسألة تقديم توحيد الربوبية على الألوهية أو الألوهية على الربوبية تأتي من معنى كلمة الرب ومعنى كلمة الإله. دائماً تأتي كلمة الرب مع العطاء. صحيح أن العطاء يأتي مع كلمة الإله لكنه عطاء في مسألة العبادة، كلمة الله أو الإله مختصة بالعبودية أكثر من كلمة الربّ. يظهر معني الرب في عطاءات الخلق، الرزق (والرزق هنا يشمل كل شيء المال والصحة والأولاد والزوج وغيره) وليس من قبيل الصدفة في سورة الفاتحة أن نقول بعد البسملة (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وردت كلمة الله والرب في آية واحدة بجانب بعضهما. البسملة أولاً بسم الله الرحمن الرحيم ثم (الحمد لله) من الله؟ (رب العالمين) ثم (الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) ثم (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ولو دققنا في هذه الآية تظهر لنا الربوبية والألوهية. (إياك نعبد) ألوهية و(إياك نستعين) ربوبية. الاستعانة في الربوبية في العطاءات في الرزق والخلق و (إياك نعبد) العبودية. هم محتارون وسيبقوا محتارين وهذا شيء طبيعي لأن كل واحد متعصب لفكرة معينة. سورة الفاتحة حسمت الموضوع ولكن سيبقى الصراع موجوداًز قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أنا الذي أتكلم وقدّمت العبادة على الاستعانة والمولى عز وجل في بعض الروايات يقول "يا عبدي مني العون ومنك العبادة" فيقدّم العون على العبادة. أنا أقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وألفت إلى أنه في هذه الآية وإن كنت تقرأها أنت لوحد تقول (إياك نعبد) بصيغة الجمع ولا تقول (إياك أعبد) ولا يفوتني أن أذكر أن سورة الفاتحة إسمها سورة الصلاة وفيها الحديث الذي يقول فيه المولى عز وجل "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي" وتكلم في سورة الفاتحة فكأن الفاتحة هي الصلاة. فعندما أصلي لوحدي أقول إياك نعبد ولا أقول إياك أعبد. (نعبد) نقولها بالجمع كأن الموى سبحانه وتعالى يعلّمنا أن لا ننفصل عن الجماعة حتى وإن كنت تصلي لوحدك كأن صلاتك لوحد تعتبر حالة اضطرارية. نحن سنتكلم في موضوع الصلاة قريباً إن شاء الله. وسبق أن أشرنا إلى موضوع الأذان وقلنا لماذا الأذان خمس مرات في اليوم؟ حُفِظ الأذان لدرجة أن بعض الناس أصبحت لا تردد مع الأذان لأنه صار مكرراً ونعرفه لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نردد مع الأذان فنقول كما يقول المؤذن، ما هي الحكمة من هذا؟ الحكمة أن هذا الأذان في الحقيقة هو استدعاء من الله تبارك وتعالى لكل مسلم لأن يأتي ويحضر الإجتماع. هو استدعاء حتى لو كنت متعباً أو تشعر بالكسل وكأنه يريد أن يقول لك أن هذا الأذان أكبر مما أنت فيه فاذهب للجماعة فإذا لم تستطع أن تذهب للجماعة وكنت مضطراً للصلاة منفرداً (أقول أن الذي يصلي منفرداً مضطر) ستقول ايضاً (إياك نعبد) ولن تقول إياك أعبد، فأنت تضع نفسك مع جماعة المسلمين في العبادة والاستعانة فتقول (إياك نعبد وإياك نستعين). التوحيد هنا في ماذا؟ أنت تقول (إياك نعبد) معناها في اللغة لا نعبد إلا إياك، لو كانت الجملة بهذه الصايغة يمكن أن نضيف إليها فنقول مثلاً لا نعبد إلا إياك وكذا وكذا لكن لما نقدّم الضمير المنفصل (إياك) على الفعل (نعبد) لا يمكن أن نضيف وهذا سر تقديم (إياك) على نعبد. لا يمكن أن نقول إياك نعبد وفلان. الفعل لا يُعطف عليه ولذلك في إعراب (إياك نعبد) إياك هو الضمير الذي نُصِب بالفعل يعني الفعل مقدّم، يعني حتى يكون (إياك) ضمير منفصل منصوب نصبه الفعل يعني "نعبد الله" الله لفظ الجلالة منصوب مفعول. لو قلنا نعبد إياك يمكن أن نضيف عليها "نعبد إياك وكذا". تقديم الضمير المنفصل بكاف المخاطب على الفعل (إياك نعبد) ونسكت لا تقبل إضافة شيء بعدها. المقدم: لدي سؤال في موضوع التقديم والتأخير. هنا في الفاتحة قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) نقدم العبادة على الاستعانة لكن المولى سبحانه وتعالى يعكس هذا الترتيب د. هداية: المولى سبحانه وتعالى كأنه يقول لنا ما دمت أنت قدمت العبادة على الاستعانة ستمشي حياتك حقيقة بأن أعينك في البداية. المقدم: وترجمة هذا الحديث القدسي (الرَّحْمَنُ ﴿١﴾ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ ﴿٢﴾ خَلَقَ الْإِنْسَانَ ﴿٣﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴿٤﴾) خلق المنهج أولاً ثم خلقك. د. هداية: خلقك على منهج وهذا نوع من أنواع العون أن تأتي على منهج. تماماً كما لو أنك ذهبت إلى بلدلا تعرف عنه شيئاً فأعطيك كل قوانين هذا البلد فتذهب على قانون أو على منهج تعرفه فتعرف ماذا ستفعل. وهكذا الدنيا بالنسبة لنا فأنت مخلوق على منهج إفعل ولا تفعل ومن عظمة هذا المنهج أن يخبرك بقصص اليهود والنصارى والملحد والكافر والمنافق وقلنا أن ترتيب سورة البقرة رقم 2 في الكتاب هذا ترتيب إلهي وليس جمع عثمان كما يقولون لأنه لو كان هو الذي جمع القرآن كان سيضع سورة البقرة بحسب ترتيب نزولها 87 لذا الجمع جمع إلهي لأنه هذا منهج. المقدم: هل الأفضل في الوصف أن نقول أن هذه (كُتبة عثمان) وليس جمعه؟ فكأنه جمع طباعة د. هداية: عثمان كتب. تماماً مثل التجليد فالذي يجلد الكتاب لا يتدخل في محتواه. الكتبة الأولى تمت في عهد أبي بكر والكتبة الثانية في عهد عثمان. هم يقولون أن عثمان جمع القرآن لأنه عمل المصحف وهذا عبارة عن التجليد عمله كتاباً لكن لم يجمعه. وأصل الكتابة كان صيانة لقتل الحفظة في الغزوات. يهمنا من ذلك أن الجمع جمع إلهي فتأتي سورة البقرة في ترتيب الكتاب رقم 2 وهذه ليست في يد البشر. الفاتحة حتى تكون رقم 1 في الكتاب وهي رقم 5 في التنزيل وتكون سورة العلق في الجزء الثلاثين وهي أول آية نزلت هذا ليس صنيع بشر وإنما حكمة إلهية عالية جداً. لو لم يكن عندنا منهج وأخطأنا لا يمكن أن نحاسب ولهذا يعلمنا الله تعالى نقطة أساسية في المنهج (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) هذا توقيع قوله تعالى (علّم القرآن). المقدم: هذه يمكن أن نراها رؤية مزدوجة أولاً نراها عوناً أن الله تعالى خلقنا على منهج وفطرة واستقامة لم يتركنا هملاً دون عون أو توجيه، هذه نظرة. والنظرة الأخرى أن تراها حجة عليك لو تركنا تعالى براحتنا، الله تعالى خلقنا على الفطرة حتى لو خالف أحد الفطرة بتعدد آلهة أو إنكار إله أو إلحاد الفطرة حجة عليك (أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى (172) الأعراف) د. هداية: الفطرة تحققت بمنهج. لو تركنا الفطرة فرطة سيأتي من ينشق ويتلت فكيف نحاسبه؟ لا بد من منهج. يجب أن يكون هناك منهج يحكمه في سن البلوغ. كونه على الفطرة هذا شيء طبيعي لكن بعد سن البلوغ وفي فترة المراهقة تحتاج هذه الفترة لضبط فالشاب الذي لا يسرق لا يسرق لأنه يعلم أن السرقة حرام والذي يسرق وهو يعلم أن السرقة حرام هو إنسان تمرد على المنهج. هذه هي القضية. لدينا منهج يعلمنا الحلال من الحرام فعليّ أن لا أُدخل نفسي في شبهة والرسول صلى الله عليه وسلم لخّص لنا هذا الكلام فقال "إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن" أصبح المنهج هنا عبارة عن فضل من الله تبارك وتعالى. الفطرة تكشف الحلال من الحرام من غير منهج فلما يكون معها منهج أنأ أؤيدك في أن تعتبره حجة على الذي سيخالف. المقدم: وطالما أن الله تعالى أعطانا منهج وعون واستعنا به ليس لنا حجة بعد ذلك في أن نقول لا نعلم. تكلمنا عن دور الإله والرب ودور الإنسان ونريد أن نتكلم عن دور الشيطان. د. هداية: الشيطان يدخل بين الاثنين. المقدم: ما الذي يفعله الشيطان حتى يزيّن ويجعل هذا السارق الذي يسرق وهو يعلم أن السرقة حرام ومع ذلك يسرق وهو يقول بسم الله توكلنا على الله، ربنا يستر ولا يمسكني أحد! المقدم: في كلامنا قبل الفاصل عن الإله والرب والعطاء هنا والعاء هناك والتوحيد هنا والتوحيد هناك، هذا الإله. والإنسان يقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) أين الشيطان في هذه المعادلة؟ د. هداية: الشيطان عندما تكلم قال (لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) الأعراف) هذا الصراط المستقيم هو المنهج الذي تقبله الفطرة السليمة. لم يقل سأقعد لهم في الخمّارت والبارات لأن المتوجدون في هذه الأماكن لا يحتاجونه وهو مطمئن لهم إنما الشيطان يعمل مع الذين على الصراط المستقيم نحن في سورة الفاتحة نقول (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) بعد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) التي هي عبارة عن إثبات التوحيد الذين نحن مطالبون به "إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله" هذه تعليمات الرسول عليه الصلاة والسلام. بعد أن تقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) نقول (اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) ثم نحدد نوع الصراط الذي نطلبه (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) هذه القضية عبارة عن أنك أنت بفطرتك تعلم وتتوقع أن الشيطان لن يتركك وأنت محاصر بين نفسك والشيطان فتطلب العون وتثبت العبادة لإله هو القادر على أن يُخرجك من هذه المسألة. المقدم: وهناك أناس لا تعطي الشيطان حقه، يقول تعالى (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (6) فاطر) فهم لا يتخذوه عدواً فيقعوا. هذا الكلام ذكرني بكلام فيما روي عن الإمام أحمد بن حنبل إن صحت هذه الرواية أنه كان في مرض الموت بين الغيبوبة والإفاقة فالناس المحيطين به كلما أفاق يقولون له أشهد أن لا إله إلا الله فيقول بعد، ليس الآن وكررورها أكثر من مرة فأحد الجالسين حوله سأله ما الذي أدراك أنه ما زال لديك وقت؟ لماذا لا تقولها؟ فقال له من الذي قال لك أني أنا الذي أرد عليك وإنما هذا الرد الذي تسمعه (ليس بعد) ليس لك وإنما هذا الشيطان الذي يقف هنا يقول لي أفلتّ مني يا أحمد فأقول له بعد، لن أطمئن من مكرك إلا عندما أُقبَض. د. هداية: الذي يعمل حسابه لهذا الموضوع كل من أفرد التوحيد لله على مراد الله فيه. لما تكلمنا في مسألة أبو بكر الصديق عندما قال أنا لآ آمن مكر الله وإن كانت إحدى قدماي في الجنة. وهذه متواترة ومنطقية جداً لكن بعض الناس تستغرب هذا الكلام لأن أبا بكر من المبشرين بالجنة ويقولون هل هناك مكر لله؟ وما مكر الله؟ الشيطان يدخلهم في مناطق خطيرة مع أن مكر الله ورد في القرآن الكريم (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (30) الأنفال) هذا قرآن. لكن الشيطان يلبِّس على الناس حتى في المفاهيم التي تكاد معلومة من الدين بالضرورة ويعمل إشكالية عند الناس ويقول عندما يُدخل أبو بكر رجله اليمين هل يمكن أن تخرج بدل أن تدخل رجله الشمال؟ نقول له أبو بكر يعمل صيانة إحتمال لنفسه فما هي مشكلتك أنت مع ذلك؟ إذا لم يعجبك كلام أبو بكر الصديق لا تأخذ به لكن لا تُنكر على رجل مثل أبي بكر هذه القالة وهي مهمة جداً عند كثير من أهل العلم أن لا تكون مطمئناً. لو صحت الرواية عن أحمد بن حنبل هو يقول أنا أكون مطمئناً عندما أخرج من الدنيا لأن الشيطان لن يستطيع أن يطاله في الآخر بينما طالما أن في أحمد بن حنبل نفس فيمكن أن يوسوس له الشيطان مع أنه في مرضه لكنه حتى بفكره خاف الإمام أحمد أن يلقي الشيطان في روعه فكرة تفسد عقيدته. توحيد الألوهية أساسه عقيدة وفكر بينما توحيد الربوبية حركة، فأنت لما تذهب لغيرك لتسأله عليك أن تهذب إليه لكن لما يدور في خلدك وجود غير الله مثلاً. المقدم: قد نقول الإمام أحمد من العلماء وقد لا يحصل له هذا الفكر لكن مثلاً يمكن أن يقول لنفسه الحمد لله ويشكر بنفسه ويقول أنا غلبت الشيطان لأني كنت واعياً له وصاحب علم وإيماني قوي. د. هداية: أنا لا أتكلم عن الإمام أحمد نفسه وإنما أتكلم عن الفرق بين الاثنين بين الناس كلهم، الفرق بين الألوهية والربوبية الألوهية عقيدة إعتقاد أنا لا يمكن أن أدخل داخلك وأعرف ماذا تفكر ولا ما هي عقيدتك لكن عندما يؤذن المؤذن يمكنني أن أحكم عليك إن قمت للصلاة أو لم تقم هنا ستظهر الحركة. توحيد الألوهية مبني على الاعتقاد وهذه مسالة لا يمكن لأحد أن يعرفها وهذه هي المسألة التي خاف منها الإمام أحمد هو يخاف مما في عقيدته ولهذا قلت توقيعها في القرآن في منتهى الإبداع (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) العذاب سيكون النار لكن ليس هناك على باب الجنة من يسأل هل جاءكم رسول؟ الذي وصل إلى باب الجنة سيدخلها أما الذي سيدخل النار سيجد من يسأله (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك). لما قال تعالى (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) ولهذا نقول كل آية قرآنية إما أن توصّف شيئاً أو توقّع شيئاً. آية (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) هذه آية تقريرية فيها توصيف أين توقيعها؟ أن تجد على باب النار من يسأل (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) المقدم: وعلينا أن ننتبه إلى أن هذا السؤال يكون بعد الحساب. د. هداية: حتى لا يعتقد وهو داخل إلى النار أنه ظُلِم. الآية تقول (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) يعني العذاب لن يقع إلا بعد أن يأتي الرسول فيُسأل وهو داخل إلى النار (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) حتى لا يظن أنه دخل النار وهو غير مستحق لها لكنه سيدخلها وهو مستحق لها وبيقينه هو وباعترافه. المقدم: بينما على باب الجنة ليس هناك سؤال. د. هداية: ليس هناك سؤال على باب الجنة وإنما يقال له (سَلاَمٌ عَلَيْكُم) لأن المسألة جزاء، الذي دخل النار أخذ كتابه بيمينه وثقلت موازينه يدخل الجنة بدون أي مشكلة أما النار يجب أن يسأله أحد. هنا توقيع لكل الآيات التي عرضناها، ففي الفاحة قال (الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين) في آية آل عمران لم يقل شهد الناس أو شهد المؤمنون أو الشهداء وإنما قال (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ). المقدم: لماذا تحتاج الناس إلى شهادة رب العالمين؟ د. هداية: هذه آية تحتاج إلى 10 أو 15 حلقة. (شهد الله) ما المراد منها؟ ما المراد من قول الله تبارك وتعالى من قوله (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) كل كلمة فيها ضمير غريب سنقف عنده (أنه) هذه على الكينونة أو على الله؟ هل تعني شهد الله أن الله؟ أو تعني شهد الله أن الحقيقة تقول لا يوجد إلا إله واحد؟ هذه من المناقشات بين أهل التفسير وأهل اللغة كما نقول بلغة اليوم فيها (طحن) طحنت هذه القضية بين أهل اللغة أهل التفسير في الضمير (الهاء) في كلمة (أنه). المقدم: لهذا أتمنى أن يتبنى أحد مشروع التفسير المعاصر للقرآن الكريم الذي يحل كل الإشكالات بين أهل التفسير وأهل اللغة وأهل التحقيق والجرح والتعديل. د. هداية: (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) الصراع بين الناس منهم من قال بالتوحيد ومنهم من قال بالتثليث ومنهم من قال بالإلحاد كل هذا وارد في الدنيا ونحن نقبل ونسع الجميع ونناقشهم ويمكن أن يكون هناك من يسمع النقاش بين هؤلاء جميعاً ويسأل أين الحقيقة هنا؟ عند من تكون الحقيقة؟ عند العالِم العلام بحق العالم باإطلاق العلم. العلم بالنسبة لنا في مراحل الإدراك قلنا العلم إدراك اليقين والظن ترجيح الطرف الراجح والشك تساوي الطرفين والوهم ترجيح الطرف المرجوح. الذي يجلس ويسمع نقاش المتحاورين يسأل أين الحقيقة؟ هل يمكن أن يقول أحد أن الحقيقة عند هذا الطرف أو ذاك؟ حتى الذي يؤمن بالتوحيد. أين الحقيقة المطلقة؟ المقدم: عند المطلق المجرّد. د. هداية: هذا هو المراد من الاية. لنفترض جدلاً أننا بحثنا في القرآن ولم نجد هذه الاية ونحن عندنا بعض علم أعطانا إياه الله تعالى كنا سنقول أن هذه الاية ناقصة في القرآن أي أننا نحتاج لوجود شهادة الله تعالى في آيات القرآن شهادة صاحب العلم المطلق لأن علمنا نحن جاء من باطن علم الله. أبو بكر الصديق في موضوع الإسراء سلّم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن الرسول جاء من عند الله لا يمكن لأحد أن يناقشها. لما نختلف في قضية ونجد حلها في القرآن نرتاح لأنه كلام ربنا تعالى ولا يمكن أن يُرد على كلام الله بقاعدة كيميائية أو طبيعية أو بيولوجية أو رياضية؟ فملا يقول (شهد الله) كأنه يطمئن الباحث على الحقيقة (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) يوسف) المقدم: لو أردنا أن نعمل مقارنة بين هذه الشهادة وشهادة الملائكة فيما بعد وشهادة أولو العلم فهل يمكن أن نقارن شهادة المولى تعالى على وحدانيته بشهادة المنافقين لرسول الله أنه رسول؟. المقدم: نعمل مقارنة سريعة في موضوع الشهادتين وكلتاهما شهادة إلهية، الشهادة في آية سورة آل عمران (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) شهادة من صاحب التوحيد بالتوحيد. والثانية في سورة المنافقون (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون) ربنا قال على موضوع الرسالة أنه يعلم لكن قال أنه يشهد أن المنافقين كاذبون. هذه الصياغات فيها أسئلة كثيرة لكن أولاً ما الفرق بين الشهادتين؟ د. هداية: قال تعالى أنه يشهد أن المنافقين كاذبون ولم يقل يعلم هنا لأننا نحتاج لمن يشهد وينهي القضية. المقدم: أنا بمنطقي البشري المجرد كنت أتصورها أن الذي قال على نفسه (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر) لأن هذا الموقف كلاماً إدعاء هم يقولون بلسانهم نشهد يا محمد أنك رسول الله لو أنا جالس في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكنني أن أعرف إن كان هؤلاء صادقين أم لا. د. هداية: بالطبع لا يمكن معرفة ذلك. الذي يشهد يعلم والذي يعلم ليس بالضرورة يشهد. كلمة يشهد في الآية تحل هذه المسالة التي سألت عنها ولو قال يعلم هو سبحانه وتعالى يعلم كل شيء لكن من يشهد على هؤلاء؟ هذا المنافق يحتاج لمن يشهد عليه. المقدم: وهذا رد على الشهادة المزورة التي شهدها المنافقون. د. هداية: بالضبط. كأن الآية تقول نحن لا نحتاج منكم إلى شهادة وهذا ما أزعج الرسول صلى الله عليه وسلم من عمر بن الخطاب لما قال له هناك في التوراة ما يؤيدك كأن هذه تشهد للرسول. نحن لسنا محتاجين لشهادة من أحد غير القرآن ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟. متهوكون يعني لسنا متأكدين. والمفروض أن يكون إيماننا كالسيف البتّار. هذه العملية لُخصت في كلام الصديق لما قالوا له عن الرسول صلى الله عليه وسلم وما قاله بعد الإسراء والمعراج فقال لهم: "إن كان قال لقد صدق" البعض يقولون (فقد صدق) وهي (لقد صدق) اللام للتأكيد يعني الكلام الذي يقال لا يُصدّق إلا إذا كان الذي يقوله محمد صلى الله عليه وسلم، إذا كان محمد هو الذي يقوله سيخرج من نطاق تفكيري إلى نطاق التسليم، العقيدة والإيمان الغيبي لأنها قضية غيبية. وقال لهم أصدّقه في خبر السماء (قال الله) مع أنني لم نرى الله ولم أر جبريل أفلا أصدقه في هذه؟ هو نقل من منطقة إلى منطقة، نقل الكلام من إطار التفكير إلى إطار التسليم والعقيدة. لو قال في الاية (يعلم) هو يعلم لكن نحن الآن أمام كاذب يشهد لذلك نحتاج إلى (يشهد) أن الله يشهد على هذا. والآية تبعتها أسماء المنافقين هل هذه يمكن أن يعملها بشر؟! إذا كنت في مجلس وعندي شك في أحد الأشخاص أن فلان منافق لا يمكنني أن أؤكد أنه منافق. والذي يستمع لمناقشات أهل التوحيد والإلحاد والتثليث ليس عنده شهادة فقال له (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) إذن عندما تقول أشهد أن لا إله إلا الله فأنت تقولها من شهادة الله. المقدم: الناس الذين كانوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم والعلماء في القرون الأولى لم يكونوا من باب الصدفة. أذكر رواية المنافقين عند حذيفة د. هداية: من أول من طرق بابه؟ عمر ابن الخطاب المقدم: واحد من المبشرين بالجنة بشره الرسول صلى الله عليه وسلم بإخبار إلهي ويذهب لحذيفة ويسأله أناشدك الله هل أنا منهم؟ يعني من أسماء المنافقين الذي ذكرهم الرسول صلى الله عليه وسلم لحذيفة. د. هداية: هذا ما نقوله دائماً أن الإطمئنان يكون متى؟ كما ذكرت في مسألة الإمام أحمد بن حنبل، متى يكون الاطمئنان؟ كما نشرح دائماً الاية (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) الفجر) نقول هذه ليس في الدنيا وإنما نأخذها في يوم الخروج، يوم الموت. الاطمئنان جاء من أن هذا المطمئن رأى ملائكة بيض الوجوه عند خروج الروح لو الاطمئنان كان قبل ذلك يكون في منتهى الخطورة ومعظم الناس الذين وقعوا في الأخطاء والسيئات والمعاصي أنهم كانوا مطمئنين لإيمانهم، لصلاحهم، الإطمئنان لا ينفع في هذه المسألة لأنك لو اطمأنيت ستتكاسل فقال تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) لم يقل بعدها اعملي كذا وإنما قال (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28)) هذه اطمأنت حيث لا عمل بعد أن أُقفل كتاب العمل. وهنا الاطمئنان كلمة يكون لها معنى لأنهم عمل طيباً اطمأن. نحن لا نقنط الناس ولا نشق عليهم ولم نقل يوماً أن عليك أن تكون حسناتك 100% لتدخل الجنة وقلنا أن الذي ثقلت حسناته قد تكون النسبة 51% فقط. نحن لا نضيّق على أحد وإنما نقول غلّب الصالحات لأن اليوم عمل ولا حساب فعلينا أن نعمل. فعندما قال تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي) يعني ارجعي مطمئنة لأنها قدّمت. سورة الإنفطار يقول تعالى (إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ﴿١﴾ وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ ﴿٢﴾ وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ ﴿٣﴾ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ ﴿٤﴾ عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ ﴿٥﴾) ماذا قدمت وماذا أخرت؟ عندما نبحث في التفاسير تتعب. (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ) هذا خير (وَأَخَّرَتْ) هذا شر، هذا ما لم تعمله، أخّرته عن نفسك فلم تعمله. كأن هناك عمل مفروض أن تعمله لكن لم تعمله تكون أخّرته يعني أخّرت جواءه عنك لم تنله. كما يقول تعالى في سورة الفجر (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)) قدمت لم يقل أخرت فالذي يعمل خيراً يكون قد قُدِّم فيرد القرآن (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ) هذه الفكرة الموجودة عند الناس في العمل عن الغير والقرآن يقول (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25)) لو كانت فكرة الناس صحيحة لكان مقلوبها صحيح فالذي يمكنك أن تعطيه حسنات وهو ميت يمكن أن تأخذ منه سيئات هذا مقلوب الفكرة. المقدم: ولهذا لم يتقدم أحد بهذا العرض أبداً. لم يقل أحد أنه لأني أحب والدي أو والدتي سآخذ من سيئاتهم أو أدخل النار مكانه. د. هداية: في سورة الانفطار يقول تعالى (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ﴿١٧﴾ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ﴿١٨﴾ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ ﴿١٩﴾) لا يوجد نفس تملك لنفس أخرى شيئاً (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) هل الآمر الله سبحانه وتعالى عادل أو ظالم؟ عادل سيقول لك إقرأ كتابك (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) لا يحتاج لشهود لم يقل كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وإنما قال (حَسِيبًا) أنت الذي ستحاسب نفسك عندما تقرأ كتابك. المقدم: كأنك بعد أن تقرأ كل ما في كتابك ستُسأل من يفعل هذا الذي هو مكتوب في كتابك أين يستحق أن يكون؟ في الجنة أو النار؟ د. هداية: أنا أتخيل عندما أقرأ هذه الآية أن الذي سيقرأ كتابه سيغلقه ويدخل النار بنفسه. (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) الحاقة) يريد الآخرين أن يقرأوه والآخر يقول (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) الحاقة) يتمنى لو لم تقم القيامة ولم يوضع في هذا الموقف. الأول اطمأن من ساعة الموت من ساعة ما رأى الملائكة بيض الوجوه ومن ساعة الموت إلى يوم القيامة يزيد الاطمئنان هو خط واحد. المقدم: والمقلوب معروف (فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ق) أنت تعرف الصح من الخطأ وتعرف إذا كنت ستذهب إلى الجنة أو إلى النار. د. هداية: استعرضنا سابقاً حديث خروج الروح عندما يُسأل في القبر من ربك؟ فيوق للا أدري يقال له كذبت. لماذا يقال له كذبت وهو لا يدري فعلاً؟ إن كان لا يدري فساعة الموت أصبح يدري، فالقول كذبت لأنه على الأقل ساعة الموت صار يدري (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ (19) ق) الرجل الملحد المنافق يدعي أنه لا يدري في حياته لكن ساعة الموت عرف الحقيقة إذن كذبت لا تقال على حاله في الدنيا وإنما تقال لأنه عرف ساعة الموت لكنه وقت لا ينفع فيه الندم ولا ينفع فيه عمل ولهذا قال (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (100) المؤمنون) وقت العمل فات ولهذا الآية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) وشهد معه (وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ) شهدوا بماذا؟ (قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ) لم يشهدوا بالتوحيد وإنما (قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ) هذا أصل التوحيد. المقدم: الملائكة وأولو العلم هل شهدوا مع ربنا أنه لا إله إلا الله أم أنهم شهدوا أنه قائم بالقسط؟ د. هداية: التوحيد يؤدي إلى هذه. التوحيد يعطي القيامة بالقسط. المقدم: نشرحها في الحلقة القادمة إن شاء الله. جزاكم الله كل خير وأختم في حلقة اليوم لم نكمل الساعة كم مرة تكلمنا عن الموت وملك الموت والشيطان وماذا يفعل بالإنسان والفطرة وأن الإنسان أجله سيحكم إن كان من أهل الجنة أو النار؟ فهل عرفتم لماذا نتكلم عن التوبة؟ ولماذا هذا المشوار الطويل في التوبة؟ لأنه في لحظة ممكن أن يكرم الله تعالى الإنسان ويفيق لأهمية التوبة ويعود عن أفعاله ويراجعه فيكرمه تعالى وتكون لحظة إفاقة قد تكون لحظة واحدة يتوب فيها توبة نصوح يكون من أهل الجنة وهناك من يسوفون لكن نقول أن الأجل يأتي بغتة ولعلها تكون ملحوظة توقظنا ولعلها للصالح العام إن شاء الله. نكمل في اللقاء القادم إن شاء الله المسيرة مع التوحيد والتوبة التي نحتاجها جميعاً في لحظات حياتنا. نراكم على خير سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 9/6/2009م |
التوبة والاستغفار 107 تقديم علاء بسيوني د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. الآية واضحة (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) الملائكة وأولو العلم شهدوا مع الله تعالى أنه لا إله إلا هو وأنه سبحانه وتعالى قائماً بالقسط. قائماً بالقسط يعني قيامه سبحانه وتعالى بالعدل. والعدل له فروع كثيرة جداً، من العدل أن يعلمك الله تعالى ويضع في فطرتك السليمة توحيد الألوهية والربوبية، هذا عدل مطلق من الله تبارك وتعالى والاية التي توقّع هذا الكلام ويصعب شرحها (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ (30) الروم) آي من الآيات البينات التي تحتاج لوقفات طويلة جداً وقد وردت في سياق الهوى (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (29) الروم) المقدم: نفس هذه القضايا مذكورة في الآيات التي تلي في سورة آل عمران (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)) تدل الآية على أن الناس عندهم علم. د. هداية: طبعاً والحساب يكون على هذا الأساس. فالذي عمل شيئاً من غير رسالة ومن غير علم لا يُحاسَب، يعني أهل الفترة لا يحاسبوا، الفترات التي بين الرسل، الفترات التي لم يأت فيها رسل (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) وعلى باب جهنم تسأل الملائكة أهل النار (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك) لأن الذي سيقول لا لن يكون عنده حساب، وهذه من القضايا المهمة في التوحيد ولذلك المولى عز وجل لما يقول (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ) يسأل سؤالاً (فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) الروم) منيبين إليه يشمل التوبة، منيبين إليه شرحها العودة إلى الله والتوبة إلى الله. هذه التوجيهات الإلهية ليست موجودة في القرآن عبثاً وإنما كل آية توقيع لآية أخرى (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم) وفي الاية قراءة آخرى لعلي ابن أبي طالب (من الذين فارقوا دينهم) الذين يعملون مذاهب وفرق يفارقوا دينهم لأنهم يتركون الدين ويذهبون لمذاهبهم. ولذلك نحن لا زلت أرى أنه ليس لدينا وعي تام في مسألة المذاهب الأربعة المالكية والحنفية والشافعية والحنبلية، الإمام مالك لم يؤسس ديناً جديداً ولم يؤسس مذهباً يُتمّذهّب به وإنما أسس مذهباً فقهياً يُدرس، ما قاله العلماء الأربعة هي مذاهب فقهية للدراسة وليست للتمذهب. المقدم: وأنا أتصور أننا لما نصف أنفسنا علينا أن نقول نحن مسلمون فقط لا نقول مسلم سني فالسُنة من الكتاب ما مت مسلماً سأكون متبعاً للسنة هذا أمر منطقي فلا يجوز هذه التسميات. د. هداية: أنت عندما تقول أنا مسلم سني تفتح لغيرك الباب أن يقول أنا مسلم كذا، أقول أنا مسلم فقط، من هو شيخط؟ محمد صلى الله عليه وسلم ليس عندي شيوخ، أنا عندي أساتذة، عندي شيوخ مدرّسين مثل الشيخ عبد الجليل عيسى، الشيخ الشعراوي، الشيخ الغوالي هؤلاء اساتذتنا وشيوخنا بمعنى أساتذتنا وليس بمعنى طريقتنا، الشيخ الغزالي أو الشيخ الشعراوي لم يعمل طريقة نتمذهب بها عليه وإنما شرح لنا التفسير وشرح لنا العقيدة فهؤلاء اساتذتنا وشيوخنا لا بالمعنى الذي يقول به الصوفية أنه يجب أن يكون لك شيخ ويجب أن يكون لك طريقة. القرآن يقول لا تتبعوا السبل وهم يقولون هناك طُرُق، هكذا نحن نخرج عن الوعي ولهذا أنا ضد قضية الجماعة الإسلامية والأخوان والسلفية والجماعات الأخرى بالكامل. هذه الآية خطيرة جداً (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) الروم) كانوا شيعاً لا تعني الشيعة وإنما جماعات ومذاهب وطرق. القرآن يقول لنا المنطق (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) فرحون ليست من الفرحة وإنما من الاعتناق يعني كل حزب بما لديهم معتنقون، كل واحد يدافع عن طريقته وعقيدته. وأنا أرفض بعض التسميات مثل العقيدة الطحاوية أو العقيدة الواسطية! العقيدة هي العقيدة، الشيخ الطحاوي تكلم فليقولوا شرح الطحاوي للعقيدة لأن العقيدة واحدة عقيدة إسلامية هي عقيدة الله تبارك وتعالى. المقدم: وهل يمكن لأحد من هؤلاء أن يقوم ويقول أنه افضل من عمر أو من أبو بكر؟ هؤلاء تولوا الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل أحدهم أنا ساعمل طريقة أبو بكرية أو طريقة عمرية أو عثمانية أو علوية! د. هداية: العلوية هؤلاء هم أساس البلوى في مسالة التشيع، الذين فكروا بهذه المسألة ليس علي بن أبي طالب وإنما الذين فكروا أن يقوموا بها وهذه بداية الخطورة. المسلمون يجب أن يكونوا من الوعي بمكان بحيث أنهم يرفضوا هذا الكلام والقرآن الكريم ينهانا عن هذا وآية آل عمران واضحة (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)) قد يقول البعض نحن لا نأخذ هذه الطريقة إلهاً ونحن سبق وعرضنا هذه المسألة في حلقة كاملة وقلنا أن المسألة تبدأ هكذا ثم (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) الزمر) هو يبدأ على أنها طريقة ثم تمر بمراحل غلى أن تصير عبادة ثم ليقربونا إلى الله زلفى والمولى عز وجل لا يحتاج لواسطة بينه وبين عباده وإنما قال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) البقرة) لم يقل (فقل أو قل) حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لم يجعله الله تبارك وتعالى واسطة بينه وبين عباده. بعض الإخوة الذين يحملون هم الدعوة انتبهوا لكلمة (عبادي) في الاية لم يقل وإذا سألك الناس عني أو سألك المؤمنون عني كأن الذي يفكر أن يسأل عن هذا الإله هو العبد الذي عبد الله على مراد الله فله شرف الانتساب إلى الله فقال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) لم يقل الناس ولا المسلمون ولا المؤمنون ولا المتقون وإنما قال عبادي. وذكرنا أكثر من مرة أنه كلما وجدنا كلمة (عبادي) مع توقيعات القرآن العظيمة سنحذف هذه الياء ونضع مكانها الرحمن يعني عبادي هم عباد الرحمن هو صفوة الصفوة إن صح التعبير. (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)) هؤلاء شهدوا مع الله. لماذا اختص الله تعالى الملائكة هنا بالهشادة؟ وماذا تشمل أولو العلم هنا؟ تشمل كل الصفوة، كل المصطفين من الأنبياء والمرسلين والصالحين والصديقين والشهداء والمحسنين والمؤمنين ولأنه يتكلم في الآية عن عقيدة توحيد الألوهية جاء بوصف العلم (أولو العلم). أولو العلم هم حملة العلم الذين حملوا العلم أمانة على أنفسهم ولم يأخذوه لأنفسهم. المقدم: يعجبني هذا التوصيف لأولو العلم لأنهم علامة فارقة بين حملينن: بين من يحمل عن وعي وبين من يحمل كالحمار (كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا (5) الجمعة) د. هداية: بماذا شهد أولو العلم؟ الله تعالى شهد أنه لا إله إلا هو، هذا توحيد، ثم قيام الله بالقسط. في بعض الجلسات التي نجلسها يسال البعض ما هو ذنب اليهود؟ هذه الكلمة بحد ذاتها إذا فلسفناها المقدم: يمكن أن يرجعوا أيضاً ويقولوا ما ذنب إبليس؟ د. هداية: هناك أمور لا يمكن لنا أن نشرحها لأنها تسبب بلاوي عند الناس وليس فقط بلبلة، إبليس قال لله تعالى (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي (16) الأعراف) قد يفهمها البعض أن الله تعالى حاشاه هو الذي أغوى إبليس لكن لما نناقشها بوعي، يجب من إيمانك بقدرة هذا الإله أنه لا شيء في الكون يحصل من غير إرادته وهذه تحتاج لحلقات لأنها ستردنا أسئلة كثيرة عنها. عندما نسمع قول أحدهم ما ذنب اليهود؟ لو فلسفناها أليس هذا إتهام لله تبارك وتعالى بأنه ظالم؟! كل آيات القرآن نحن وقّعناها وقلنا (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً (10) البقرة) البداية كانت عندهم هم. المقدم: السؤال يمكن الإجابة عنه. توصيفهم في فاتحة الكتاب (غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7)) المغضوب عليهم هم اليهود. د. هداية: أنا لست ممن يحب هذا التفسير، المغضوب عليهم يهود وغير يهود وملحدين وغيرهم. لما بعض أساتذتنا قسم المغضوب عليهم والضالين بين اليهود والنصارى اين تركوا الملحدين والمشركين والمنافقين؟ هذا فكر ضيّق، ضيق التوصيف في الآية والمعنى في الآيات واسع جداً. المقدم: لنترك التفسير هذا، ويمكن أن نقول أن ذنب اليهود أنهم حُمِّلوا رسالة فخانوها فربنا غضب عليهم. د. هداية: المسألة ليس فيها ذنب ولكن المسألة أن هذه الدنيا أتى الله تعالى بنا إليها وعلمنا منذ البداية منهجاً الذي يتبع المنهج يفوز. في أوائل سورة البقرة في التوب أول ما بدأت مسالة آدم والتوبة قال تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)) الذي يتّبع المنهج على مختلف العصور والأنبياء والمرسلين يعني اليهودي الذي قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن موسى رسول الله والنصراني الذي قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى رسول الله وماتوا على هذا فهم مسلمين وفي الجنة والله تعالى قال (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران) ويقول بعدها (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) آل عمران) القضية محسومة. المقدم: هذا ليس معناه أن رسالة موسى مرفوضة أو رسالة عيسى مرفوضة د. هداية: بالعكس وخواتيم سورة البقرة ترد على هذه المسألة (لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ (285)) --------فاصل---------- المقدم: في الفترة الأخيرة دار جدل يفتر قليلاً ثم يعود عن مسألة أن هناك لجنة ستعمل حواراً بين الأديان وذكرنا مراراً أنه علينا أن نعود للفظ الأدق وهو حوار الديانات أو الرسالات لأن الدين واحد وهو دين كل الأنبياء والرسل من عهد آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم. عندما يكون هناك نقاش علمي بين أهل العلم والتخصص يكون هذا الشيء مقبول لكن أحياناً بعض الناس تستغل هذا الكلام حتى تثير فتنة بين المسلمين وبين المسلمين والنصارى واليهود وهناك أناس همها أن تثير الصراعات بين الناس ولا أتكلم فقط في مصر وإنما عبر وسائل إعلامية تصل إلى ملايين المشاهدين في شتى بقاع الأرض. أتمنى أن ننزع هذا الفتيل ونحن نتكلم ونعرض أفكاراً أن لا يساء للآخر فمجالس العلم هي للمناقشة. د. هداية: الذي يريد أن يتوقف عند كل كلمة وكل لفظ هو الذي سيتعب. نحن نعرض القرآن لله تبارك وتعالى ليس كتاب لي ولا لك ولا فكرة لي ولا لك وإنما هذا منهج الله سبحانه وتعالى وكتاب الله سبحانه وتعالى ونحن نتكلم عن الآية بكل ما تحوي الكلمات من معاني لأهل هذا الدين أنا لا أخاطب غير المسلمين وإنما أخاطب المسلمين. أنا أحمل همّ دعوة الأمة الإسلامية والذي يريد أن يناقش فنحن مستعدون لكن على أن يكون النقاش علمياً وليس صراعاً. النقاش العلمي وخلاف الرأي لا يفسد للود قضية لأهل الدين الواحد هذه مسألة ليس فيها خلاف. المقدم: وعندما يكون هناك نقاش بين المسلمين والنصارى أو بين المسلمين واليهود؟ د. هداية: هذا لا باس به فالباب أمام اتباع دين مفتوح لم يقفل. ونحن رحبنا منذ سنوات بهذه القضية وبهذا الحوار (تعالوا إلى كلمة سواء) ليس هناك مشكلة في هذه المسألة. المقدم: نحن لا نحدد من هو أفضل من من؟ ولا المسألة مسألة صراع وإنما من باب كوني إعلامي محترف عندما أعرض لقضية يجب أن أعرضها بمنتهى الأمانة ومنتهى الاحتراف ويكون عندي المنهج الذي أريد أن أبينه للناس وأشرحه كعقيدة هو القرآن الكريم. هل من المعقول أن أخفي بعض الآيات لأنها تكلمت عن فئة من الناس، عندما أجد في القرآن آية تذم في اليهود والذي فعلوه فهل أكون أنا الذي شتمت اليهود؟! وإذا كان هناك آية تتكلم عن النصارى وذكرت افعالهم (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ (73) المائدة) المفترض أن الذي وصف هؤلاء بالكفر هو رب العالمين سبحانه وتعالى فهل أملك أنا كشخص محترف أن أقف عند هذه الاية وأخفيها حتى أراعي مشاعر إخوة لنا في الوطن؟! فلماذا يغضبون مني إذا طرحت هذه الآيات؟ لو أرادوا أن يغضبوا فعلاً فليغضبوا من رب العالمين، هذا الكلام موجود عندنا في القرآن ولا أملك أن أغير فيه شيء فأرجو عندما نتكلم أن نتكلم من منظور العلم ومنظور اللجان العلمية التي يتكلم بها أهل العلم مع بعض أما الناس الذي يحرضون العامة وبسطاء الناس حتى يختلفوا مع بعض ويحرقوا الوطن هؤلاء حسابهم عسير عند المولى سبحانه وتعالى. أحببت أن أوضح نقطة النظام هذه. المقدم: نعود إلى الشهادة ونعود لمسألة العدالة التي ذكرتها. قلت أن قائماً بالقسط يعني منتهى العدل والعدالة من هذا الإله الحق الذي لا يمكن أن يشوبه شائبة ظلم. فهل يمكن من ضمن المعاني في التوحيد أنه من العدل المطلق أن الوحيد الذي تنطبق عليه هذه الصفات هو الله سبحانه وتعالى هو أحق من يُعبد لأنه ليس هناك يدانيه ولا يقاربه في صفاته في الجلال والكمال والقدرة؟ د. هداية: هذا هو عين كلمة التوحيد. ما معنى التوحيد؟ عندما توحد الألوهية والربوبية يعني أنك تبعد المولى عز وجل عن ما يدانيه أو المثلية أو الشبيه أو الند. لو أردنا توقيع الآية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) في القرآن، هذه شهادة الله تبارك وتعالى والملائكة وأولو العلم، وأين أنا وباقي الناس؟ وما المطلوب منا؟ عندنا سورتي الإخلاص من أهم سور القرآن الكريم إن صحّ التعبير، وكل سور القرآن الكريم مهمة لكن أقول من عظمة هذا الإله أنه لا يوجد من يقول لا يمكن أن أحفظ سورة الإخلاص (قل هو الله أحد) وأنا فوجئت ببعض الناس البسطاء لا يحفظون الفاتحة ويحفظون قل هو الله أحد. هذه في حد ذاتها تؤكد (قائماً بالقسط). أولاً السورة سميت الإخلاص، ما معنى الإخلاص؟ المقدم: إخلاص نيّتك وعقيدتك في توحيدك لله. د. هداية: نحن عندنا إشكالية نعاني منها في المعجم اللغوي، المعاجم اللغوية تعطينا ضبط الكلمة ونحن عندما نذهب للمعجم اللغوي نبحث عن معنى الكلمة لكن للأسف المعاجم اللغوية ليست كذلك وهذه مسألة لا ينتبه لها إلا من يعمل باللغة. لسان العرب أو المحكم أو القاموس ومعظم المعاجم اللغوية لم تعطينا تحديد المعاني وإنما أعطتنا ضبط الكلمة. يعني مثلاً كلمة الإخلاص لو أردنا أن نشتغل عليها لغة ونحن قلنا أنها تساوي التوحيد. الإخلاص في الحقيقة عندما تشتغل الكلمة لغة من حيث تحديد المعنى وليس ضبط الكلمة كما نجد في المعاجم، يقولون الإخلاص أن لا تنافق، لا تضل، يعني يضبط الكلمة لكن نحن نريد أن نضع كلمة مقابل الإخلاص فلو بحثنا في لسان العرب وفي القواميس وكل المعاجم سنضع بكل ثقة التوحيد مقابل الإخلاص. لو قرأنا سورة الإخلاص (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴿١﴾ اللَّهُ الصَّمَدُ ﴿٢﴾ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ﴿٣﴾ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴿٤﴾) كفواً أحد يعني لا يكافئه أحد ليس كمثله شيء. المقدم: وبالتالي هذا المتفرِّد هو أحق بالعبادة. د. هداية: إخلاصك هو توحيدك لله تبارك وتعالى ولهذا العلماء الواعون من أهل اللغة سموا سورة الكافرون سورة الإخلاص الثانية. المشهور بين الناس سورة الإخلاص التي هي قل هو الله أحد لكن سورة الكافرون أهل اللغة سموها الإخلاص الثانية وليست الأولى لأن في السورة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) فيها تخصيص الخطاب لفئة معينة بينما في سورة الإخلاص الخطاب عام (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) على الإطلاق مع (شهد الله أنه لا إله إلا هو). لو أردنا أن نشتغل بالتفسير وقلت لو وضعنا أمام شهادة الله شهادة منا؟ أقول لك سؤالك لفت نظري لنقطة أن شهادتي لم أقلها أنا وإنما قالها تعالى عنا (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). (شهد الله) مطلقة ولما آتي أنا وأنت نشهد لا نقول نحن وإنما نأخذ من القرآن (قل هو الله أحد). وذكرنا سابقاً لو أن أحداً يستمع إلى نقاش فيبحث عن الحقيقة ليأخذ منه وهنا صاحب الحقيقة هو الذي يقول لنا (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) شهادتي أنا تأتي من شهادة الله تبارك وتعالى بأمر من الله تبارك وتعالى. هذه مثل كلمة (سبحان) التي ذكرناها في حلقات سابقة وقلنا أننا نحن لا يمكننا أن نسبح الله كما يجب فقال تعالى (سبحان الذي أسرى) (فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون). هذه التوجيهات الإلهية لعجزي أنا عن أن أشهد الشهادة التي تليق بالله تبارك وتعالى. فلو سألني أحد من الله؟ أرد عليه فأقول (الله أحد) من الآية (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). المقدم: بعض الناس يسألون في هذه النقطة بالتحديد (قل) فعل أمر موجود في الآية فهل عندما أريد أن اقولها أنا هل اقول (قل) أيضاً أم أقول (الله أحد) مباشرة؟ وكذلك في الآيات التي تذكر فيها استعاذة من الشيطان الرجيم أو من الحسد (قل أعوذ برب الفلق) لو أريد أن اقي نفسي هل أقول أعوذ برب الفلق مباشرة أو يجب أن أقول (قل أعوذ برب الفلق) رغم أن (قل) فعل أمر والمفروض أن الناس سألت النبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ماذا نفعل لنتقي الحسد؟ فقال كما أخبره ربه (قل أعوذ برب الفلق)؟ د. هداية: السؤال لو كان في غير هذه الآية أو في عملية لغوية أخرى يمكن أن نحذف (قل) لكن في القرآن يجب أن نقولها. هذا الفرق بين النص القرآني والنص غير القرآني حتى لو كان كلام الله تعالى. فمثلاً الحديث القدسي هو كلام الله ولكن بصياغة الرسول صلى الله عليه وسلم. فالذين أجازوا إطلاق الحديث النبوي بالمعنى يطلق عندهم الحديث القدسي بالمعنى لأنها صياغة بشرية صياغة الرسول صلى الله عليه وسلم. لكن مع القرآن لا يمكن. المقدم: ولذلك البعض عندما ينقلون كلاماً عن النبي صلى الله عليه وسلم يختمون بقولهم "أو كما قال" د. هداية: يقولون "أو كما قال" لأنهم لا يضبطون المعنى. الرواية مختلفة أو هناك أكثر من رواية أو أخذوا الحديث من أكثر من رواية وكل رواية هي التي تحدد كلام الرسول ولا يمكنني أنا أنا أعرف كلام الرسول بالتحديد فبعد أن أذكر الرواية اقول "أو كما قال صلى الله عليه وسلم" صيانة مني لعدم الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم فما بالك بالله تبارك وتعالى؟ النص القرآني يختلف، لما قال تعالى (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) ثم قال (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) لما تتصور أن المولى عز وجل يعطي النص القرآني لجبريل هل هو لنقله كنص قرآني أو لنقل معناه أو لنقل التكليف؟ النص القرآني هو لنقل النص القرآني لا لنقل المعنى ولا لنقل التكليف. النص القرآني (قل هو الله أحد) ينقله جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم كما هو (قل هو الله أحد) ومحمد صلى الله عليه وسلم يقول للعالمين (قل هو الله أحد) فلا يمكننا أن نحذف (قل) لأن هذا نص كلام الله تبارك وتعالى هو اختبر به جبريل واختبر به الرسول صلى الله عليه وسلم (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) ولما تكلم عن جبريل قال (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)) وقال (مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) التكوير) لا يمكن أن يغير من عنده وإنما يبلغ الرسالة كما نزلت. فالنص القرآني أعطي لجبريل لينقله كنصّ لا كمعنى ولا كتكليف. وضربنا مثالاً سابقاً إذا أرسلت إبنك وقلت له إذهب لعمك وقل له كذا يأتي ابنك ويقول لي كذا على طول من غير لا يقول (قل لعمّك كذا) لأنه لا ينقل نصاً وإنما ينقل معنى أو تكليفاً منك لشخص آخر فليس لكلمة (قل) هنا معنى وربما بلّغ ما أرسلته به من دون كلام بحركة أو إشارة أو غيره. أما النص القرآن فالله تبارك وتعالى أعطاه لجبريل تكليفاً بنقل النص القرآني ولمحمد صلى الله عليه وسلم كذلك وبالتالي لنا نحن. المقدم: الناس عادة هي التي تطلب الرسول والمنهج وعنما يأتي الرسول والمنهج لا تبعه هذا بالنسبة لي بمثابة اللغز فكيف نصحح هذه الطبيعة البشرية؟ -------------فاصل------------- المقدم: سؤال فطري ومنطقي (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) قاعدة إلهية في القرآن الكريم وهناك فترة لم ينزل فيها رسل فأهل هذه الفترة لا يُحاسبون. طالما هناك رسول ومنهج ستقول أن ربنا حكم الموضوع من البداية لأنه هو تعالى الذي أمر أن يكون هناك منهج وتكليف ورسل مختلفين على فترات مختلفة في أزمنة مختلفة لتوعية الناس، وهناك آية تقول عكس هذا الكلام تماماً في سورة طه (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى (134)) هم الذين يقولون هذا. ربنا يقول لنا لو أنه بذاته العليا عذبتهم على أعمالهم لقالوا يا رب كنت بعثت لنا رسولاً حتى نتبع آياتك حتى لا نقع في هذا العذاب، والرسل أرسلوا واحد تلو الآخر والناس لا تسمع الكلام! د. هداية: هذه هي الطبيعة البشرية التي جُبِلت على هذا ولذلك كم عدد أهل الجنة في مقابل أهل النار؟! في سورة يوسف أذكر بآيتين أن المولى تبارك وتعالى هو الذي قال هذا الكلام (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) وهو الذي قال (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (28) الفتح) هذا المطلوب، (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)) اللام في ليعبدون هذه ليست لام التعليل وإنما لام المطلوب. المطلوب هذا والذي تم ما هو؟ وكم نسبته؟ ربما من كل الف واحد، المولى تعالى يقول (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) ولذلك توحيد الربوبية والألوهية علينا بعد كل عدد من الحلقات أن نتكلم فيها. بعد أن ننتهي من الحلقات لو سألت اي واحد ما الفرق بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ستجده قد نسي تماماً بانتهاء الحلقة. الخلاف القائم أيها الأول الربوبية أو الألوهية؟ كيف أوحد الربوبية؟ ألم يقل صلى الله عليه وسلم "إذا سألت فاسال الله" ما هذا السؤال هنا؟ سؤال ربوبية، "وإذا استعنت فاستعن بالله" ربوبية وألوهية، "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء" "واعلم لو أن الأمة اجتعمت على أن يضروك بشيء" عندما تكون متأكداً أن النفع والضر بيد الله تعالى هذه ايضاً ربوبية وألوهية. لو سألتني كيف أوصف الربوبية والألوهية وايها تأتي أولاً أقول أنا عقيدتي أنا أن الربوبية أولاً لأن الخلق بدأ والدنيا بدأت بأول إخبار عن آدم في سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30)) الجعل هذا خلق والخلق ربوبية، والخلق وما يستتبعه ربوبية، المولى خلق الخلق وأعطاهم الصحة والمال والأولاد كل هذا ربوبية وحتى ينجح أحدنا في تناول عطاء الربوبية يجب أن يكون عنده توحيد ألوهية ويتقي الله ويخاف الله ويصوم ويزكي ولذلك القرآن شمل كل هذا. المقدم: إذن الناس التي تعيش بعيداً عن منهج الله هي التي لن تعرف أن نتجح بداهة في الامتحان. د. هداية: تماماً لن تعرف أن تفعل شيئاً لأن النجاح يكون من المنهج وبالمنهج. أول ما نفتح المصحف تقع أعيننا على سورة الفاتحة ونحن نقرأها 17 مرة في اليوم هذا ليس من باب الصدفة! لكن إسأل أي واحد يصلي الصلوات كلها ماذا فهمت من سورة الفاتحة؟ والسؤال الأحرج ماذا طبقت منها؟ الناس تقرأ ولا تفهم ونحن لا نعرف لماذا نقرأ هذه السورة 17 مرة؟ المقدم: هل هذا تقصير من بعض عناصر الخطاب الديني في السنوات الأخيرة؟ د. هداية: لو قلت هذا الكلام أكون أظلم الناس، التقصير من الناس لأن يوم القيامة الحساب لكل شخص لوحده ولو كان الحساب يوم القيامة أنه سيأتي على رأس كل جماعة شيخهم أو أستاذهم لكان هو المسؤول وإنما هو يأتي على رأس كل جماعة بنبيّهم لكل أمة هل بلّغ أو لم يبلِّغ؟ لا يثسأل هل طبقوا أم لا. رب العالمين سال عيسى عليه السلام (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ (116) المائدة) والقرآن الكريم رد على لسان عيسى عليه السلام رداً مبدعاً فقال (قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ). ساعة سأل الله تعالى عيسى كان يعلم وإنما السؤال كان للتحقيق ولبيانه أمام الناس. لكن لما عيسى شرح الموضوع قال عندما كنت حياً بينهم كنت أبلّغ (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ) لكن (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) المائدة) وساعة ما كان عيسى عليه السلام يبلغ كان الله تعالى رقيباً أيضاً. ولذلك سبق وذكرنا أكثر من مرة أننا لا نُعمل صفة الرقيب للمولى تعالى وهذا الذي يوقع الناس في الخطأ ولو أن أحدنا شغّل صفة الرقيب عنده لما اقترف السيئات وللأسف أنهم يسمون من يعمل بالأفلام الرقيب وهذه قلة أدب، كنت أسمع مرة برنامجاً في التلفزيون فسمعتهم يقولون الرقيب فقلت في نفسي هل وصل الناس إلى هذه الدرجة من العلم؟! من الرقيب؟ الرقيب هو الله تبارك وتعالى لكنهم يطلقون الرقيب على الرجل الذي يعمل الرقابة على الأفلام، هذه أمة ضُلِّلت! المقدم: ولهذا أسالك عن أولي العلم ودورهم. الذي يتقدم للثانوية العامة لو لم يذاكر جيداً طوال السنة إشكاليته تكون على ماذا يركز قبل أن يدخل الاختبار؟ لكن امتحان الدنيا والآخرة الذي نعيش فيه نحن ربنا تعالى أعطانا المنهج منذ البداية ثم عرّفنا بالأسئلة وأعطانا الأجوبة كلها ماذا نريد بعد أكثر من هذا؟! ولما نفشل في الاختبار؟! د. هداية: عندما يناقشك أحدهم اليوم في حديث من قال لا إله إلا الله دخل الجنة هو يناقشك وهدفه أن تكون المسلأة مقتصرة فقط على القول لا على القول والعمل. مع أن قوله تعالى (قل هو الله أحد) تظهر أنه قول وعمل وليست مسالة قل فقط، هو ينقلها بكلمة (قل) لأن هذا عمل ولو كانت مجرد قول لنقل لنا القول فقط (الله أحد) لكن من باب الامتحان للأمانة التبليغية لجبريل عليه السلام ثم للرسول صلى الله عليه وسلم ثم للأمة أن تنقل الرسالة بالنص (قل هو الله أحد). المقدم: الرسالة نقلت بالنص لكن لم يبين أحد أو يأول للناس أو يفسر لهم. الذي نعيشه في الدنيا هو امتحان وابتلاء مثل الثانوية العامة مع فوارق أنه في الثانوية العامة لو كنا في منطقتين مختلفتين أسئلة الامتحان بالنسبة لنا نحن الاثنين هي نفسها أما في الدنيا فلكل واحد اختباره فلان يبتلى بالمرض وآخر بالموت وآخر بالمال، ألا تسمع على ألسنة المبتلين لماذا رب عملت بي كذا؟ هل هذا فاهم أو غير فاهم؟ د. هداية: غير فاهم. المقدم: هل هو غير فاهم لأنه إنسان سيء أو لأن شيوخه وعلماؤه قصروا في تبيين المنهج، منذ الصغر وأنا أحضر خطب الجمعة لكن كم هي الجرعة من الخطب التي تكلمت في العقيدة وفي سبب الخلق؟! د. هداية: أنا موافق معك في هذه النقطة لكن أسأل سؤالاً أخطر هل هذا عذر يوم القيامة لتخفيف العذاب؟ أن الخطاب الديني عندي لم يكن جيداً أو أن شيوخي لم يقولوا لي أو أو. عندما أقوم بعمل عملية اقتصادية أبحث وأفتش لأعرف كل الأمور وأعمل دراسة جدوى لكن للأسف لا أعملها في ديني إذن التقصير يكون فينا نحن (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) الإسراء) قال في عنقه هو لا في أستاذه وشيخه ومفسره! لو سمعنا الاية لأول وهلة (كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) تظن أن الكتاب فُرض عليه ثم تكمل الآية (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)) حدد الكتاب لنا بكاف الخطاب (كتابك). المقدم: حتى الإنسان الذي يعلم أن لديه من العلم الديني القليل وغير مثقف دينياً عليه أن يسعى أن يفهم لكي ينجح في الامتحان. د. هداية: من الذي يبحث عن العلم الشيخ أم التلميذ؟ من الذي يبحث عن الشيخ الجيد؟ أنت غذا شعرت بمرض تذهب لأفضل دكتور، إذن أنت الذي تفعلها. هناك تغيير في المجتمع هذه الأيام بشكل طيب ووجود أكثر من برنامج وأكثر من قناة فضائية وأكثر من شيخ يتكلم البعض يعتبرها بلبلة لكن نحن لا نريد أن نوحّد الفتاوى، نحن عندنا أربع فقهاء على الأقل وأذكر أن الشافعي كان تلميذ مالك وخالفه وأحمد كان تلميذ الشافعي وخالفه فلا يوجد عندنا أن الكل يقول مثل الآخر لأن مفهوم مالك للنص الحديثي غير مفهوم الشافعي كل واحد منهم فهم شيئاً وتكلم به واختلافهم كان في الفروع وليس في الأصول، كل واحد فهم الفرع بطريقته وهذا ليس عيباً. كثرة القنوات وكثرة الشيوخ ليس عيباً لأن الناس اصبحت من الكسل بمكان أنها تريد الجرعة الدينية عبارة عن لقمة يأكلها وانتهى الأمر. الآية تقول (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ) هل سال أحدنا نفسه لماذا سمي العمل طائراً؟ وقال (في عنقه) وقال (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14)) ثم قال (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)) قال يهتدي لنفسه ولم يقل لشيخه أو ابنه أو أبيه أو أخيه، (مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) قال عليها ولم يقل لها لأن الإنسان هو الذي يحمل ما عمل. فرق عندما تشعر بألم بسيط في معدتك وعندما تشعر أن عندك ورم لن تحتاج عندها لطبيب عادي وإنما تبحث لك عن متخصص في هذه الأمراض وتسأل الجميع. المقدم: ولهذا يجب ضبط الفتوى للمتخصصين. بعض الاختلافات في الاجتهادات هذا مقبول في الفروع. د. هداية: البعض يسألنا في الدروس التي نعطيها عن أمر فيه إلتباس نقول له إتصل بدار الإفتاء رغم أننا يمكن أن نجيبه لكن هناك نقطة نظام يجب أن نعملها. كنت مع الشيخ سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف وهو صديق وحبيب منذ زمان وكنا مع بعض في برنامج البيت بيتك وقلنا هذا الكلام في مسألة الترخيص بالفتوى ولم نختلف حتى معدّي البرنامج تصوروا أنه سيحصل بيننا خلاف. نحن لم نختلف لأننا جميعاً كنا نتكلم بمنطق فلم نختلف واتفقنا على أنه يجب أن يكون هناك متخصصون للفتوى لأنه في بعض الأحيان الفتوى تكون مرتبطة بشيء يخص البلد كله فيها ناحية سياسية ويجب أن نكون من الذكاء بمكان بإحالة مثل هذه الفتاوى على فضيلة الشيخ مفتي الديار المصرية لأنه هو أدرى مني بهذه المسألة وهذا اختصاصه. توحيد الفتوى شيء مطلوب إنما الناس تريد أن توحّد الدعوة لكن هذا يحدّ الخطاب ويحدّ المفاهيم . بعض التفاسير تضيق النص لكن نحن نريد توسيع دائرة التفسير ومعنى الآية وهذه مسألة راجعة لضبط المعنى وتحديد المعنى في النص القرآني حتى أطبقه. المقدم: قبل أن نختم نعيد المشاهدين لمفهوم التوبة الذي نتكلم عنه ونعود لسورة الأعراف التي تناولناها منذ عدة حلقات بالتحديد الآية (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)) لما تكلمنا عن موسى عليه السلام طلب من ربنا أن يراه بما أنه كليمه، وخر موسى صعقاً. لكن نقف عند قول موسى عليه السلام لما أفاق قال (سبحانك) لماذا وردت هنا أول ما أفاق؟ ولما قال (تبت إليك)؟ لماذا هذه التوبة؟ هل اعتبر نفسه عمل معصية؟ وثالثاً (وأنا أول المؤمنين) المؤمنين بماذا؟ أسئلة كثيرة إن شاء الله نجيب عنها في اللقاء القادم. جزاكم الله كل خير وإن شاء الله اللقاء القدام سنعود لحالات التوبة ونتكلم كما قلنا في سورة الأعراف وآيات أخرى مع ارتحالنا في كتاب الله. نراكم بالف خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 23/6/2009م |
التوبة والاستغفار 108 تقديم علاء بسيوني المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمتهوبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. عندما نعمل مقارنة بين التوحيد وبين كل ما سواه من أفكار ليس معنى هذا أن يذهب تفكيرنا إلى كلمة المشركين على مفهومها الذي نعرفه من مشركي قريش وإنما نتكلم عن المسلم والمؤمن ذو العقيدة السليمة ولا يشرك مع الله تعالى أي شيء في أي قضية. مثال الذي يبحث عن منفعة من عند غير الله والذي يعتقد أن رزقه بيد أحد غير الله أو مع الله، أمور بسيطة تحصل وأنت تقول أنا مسلم ومؤمن بالله وموحِّد لله لكن يمكن أن تقع في نوع من الشرك. هذا الموضوع خطير ويحتاج أن نتكلم فيه حتى نصل لعقيدة سليمة. أرحب بكم وأرحب بضيفي وضيفكم الكريم الدكتور محمد هداية.سورة آل عمران الآية 18، شهادة الله والملائكة وأولو العلم، قائماً بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم. نستمع للآيات أولاً ثم نسأل بعض الأسئلة التي وصلتنا كردود على الحلقات السابقة. (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)) ليس من قبيل الصدفة أن هذه الآيات الثلاث يتكلم فيها الله سبحانه وتعالى عن شهادته بالوحدانية. وشهادة الملائكة وأولو العلم ثم يتحدث عن الأمم السابقة من أهل الكتاب وأنهم برغم أنه جاءهم العلم حصل منهم اختلاف عن هذا التوحيد. ثم يتكلم عن الذين أوتوا الكتاب وعن الأميين. أسئلة كثيرة جداً تكلمنا فيها سابقاً عن مفهوم (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) كثير من الناس لا يفهمون هذه الآية. د. هداية: هذه الاية في سورة آل عمران أيضاً ووردت بعد آية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو) وفي الآية 85 من سورة آل عمران قال تعالى (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) وتجد كل سورة آل عمران تتكلم في التوحيد والموضوع يحتاج لفهم بعمق وتدبر وتروي. المقدم: بعض الناس يختلط عليهم الأمر فيقولون القرآن تكلم فيه المولى سبحانه وتعالى عن الأمم السابقة وتكلم عن عيسى عليه السلام وعن موسى عليه السلام وباقي الأنبياء وأن القرآن تحدث عن وجود رسالات وكتب منزلة من عند الله تبارك وتعالى، التوراة أنزلت على موسى عليه السلام والإنجيل أنزل على عيسى عليه السلام فكيف يتكلم القرآن عن وجود رسالات سماوية وديانات من عند الله سبحانه وتعالى بينما يقول (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) فكأن هناك تناقض يبدو لأول وهلة أو أن القرآن لا يعترف بديانات ثانية ويجب على الجميع أن يكونوا مسلمين. د. هداية: التناقض عند الذي لم يفهم القرآن. المقدم: بالضبط ولكن أحببت أن أطرح هذا السؤال لكي نرد عليه. وسؤال آخر عن الشهادة (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو) بعض المفسرين قالوا شهد الله تعني بيّن وأعلم وآخرون قالوا شهد الله يعني دلنا على وحدانيته بما خلق في الكون وآخرون قالوا شهد الله بمعنى قضى وهناك آراء كثيرة وتفسيرات لكلمة الشهادة تختلف عن مفهومنا نحن لها الآن. وتفسير آخر يقول أنه شبهت الدلالة على الوحدانية بالأفعال والوحي للأنبياء. آراء كثيرة وردت في معنى الشهادة وذكرت من هم أولو العلم هل هم الأنبياء أو أنها مفتوحة تشمل كل من علم حقيقة التوحيد من الأنبياء والتابعين بل من الأمم السابقة الذين تحدث عنهم القرآن أنهم لما كان يسمعون القرآن ترى أعينهم تفيض من الدمع لأنهم عرفوا أنه الحق من ربنا. عندنا تفسيرات نريد توضيحها في كلمة (شهد). أسأل سؤالاً هو نقطة نظام أساسية وهو لماذا نحن نحتاج أن نسمع شهادة ربنا، ربنا يقول (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو) لماذا أنا كإنسان مسلم أحتاج أن يشهد ربنا هذه الشهادة؟ أليس من المفروض أن أشهد أنا هذه الشهادة طالما أن هذا امتحان غيبي؟ نحن لم نر الله تعالى في الدنيا ولم نر الملائكة ونحن من أتباع الأنبياء المختلفين من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم نحن لم نره ولكن كل وصل إلينا هو من القضايا الغيبية كالبعث والحساب والجنة والنار، كلها أمور غيبية فالمفروض حتى أنجح في الامتحان أن أشهد أنا، فلماذا أحتاج لشهادة ربنا؟ د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. في البداية أحييك على السؤال الأخير وهذه الطريقة في التلقي والتدبر هي ما يجب أن يكون عليه متلقي القرآن. المولى عز وجل يفتح للذي ارتضى له الهداية يفتح له كيف يتدبر وهذه الآية تحدثنا فيها سابقاً لكن اليوم ربنا فتح لك بالسؤال بهذه الطريقة. نحن عندنا مشكلة كبيرة في التلقي وفي التدبر وعندنا مشكلة أكبر في فهم اللغة العربية. لا يمكن لأحد أن يجيب على سؤالك الذي طرحته ولن تجد الإجابة عليه في أي كتاب تفسير لأن نحن ذكرنا من حلقات أنه حتى المعجم اللغوي لم يعطي معاني الكلمة وإنما هو يضبط الألفاظ. أنت تحتاج لمعنى كلمة شهد اللغة العربية ليست كذلك ولا تُفهم بالمعنى وذكرنا سابقاً أن الكلمة في القرآن تأتي إما بالمعنى أو بلازم المعنى أو بالمراد من المعنى. الكلمة ومعناها فكرة قديمة بعيدة عن العظمة اللغوية في القرآن وعن البيان اللغوي في القرآن. أنت وضعت السؤال بشكل لم يتوقف عنده المشاهد من قبل فلم تسأل ما معنى شهد الله وإنما سالت لماذا أحتاج لشهادة الله؟ لو سألت ما معنى شهد لأجبتك أنها لا يمكن أن تُفهم بالمعنى. أنت سألت لماذا أحتاج لشهادة الله. المقدم: لدي سؤال إضافي استكمالاً لهذا السؤال وهو هل المحتاج لهذه الشهادة هو المسلم الموحِّد فقط أو غير المسلمين؟ د. هداية: السؤالان مع بعضهما. عندما نقول شهد فلان بكذا ماذا تسميه؟ المقدم: عندنا صياغتان لغويتان: شاهد وشهيد د. هداية: إسأل أي شخص في الشارع الآن وسألته من الشهيد؟ فيجيب بتسرع غير مسبوق أنه الذي مات في الحرب. هذه إجابة تدل على أن صاحب الإجابة لم يفهم القرآن في يوم من الأيام لأنه لم يستق المعنى من القرآن، لو سألتني هذا السؤال من هو الشهيد؟ سأجيبك الشهيد مطلقاً هو الله تبارك وتعالى وهذه تظهر في قوله تعالى (وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا (79) النساء) وحتى أوضح للناس فهمهم الخاطئ لمعنى هذه الكلمة كنت أسألهم هل الله تبارك وتعالى مات في الحرب حتى يقول عن نفسه (شهيدا)؟! لأن المعنى السائد عند الناس أن الشهيد هو الذي مات في الحرب. وهذا كلام مجرد عن المعنى وعن المراد وعن لازم المعنى في اللغة. المقدم: عندما تكلم المولى تبارك وتعالى عمن قتل في الحرب شهيداً في سبيل الله لم يذكر كلمة شهيد أبداً وإنما قال (أحياء عند ربهم يرزقون) د. هداية: أحياء هذه النتيجة لكنه قال عمن مات في الحرب (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) آل عمران). سمعت مرة في برنامج على قناة فضائية أحد المشاهدين إتصل بالمذيع يعاتبه كيف يقول على من مات في الحرب أنه قُتل ولم يقل عنه شهيد فالمذيع اعتذر من المتصل على هذا الخطأ منه وأنا ظننته سيدافع عما قاله في وصفه للذي مات في الحرب لأنه هو على صواب. هذه قضية خطيرة. الشهيد مطلقاً هو الله تبارك وتعالى والشهيد من الأنبياء والمرسلين مطلقاً محمد صلى الله عليه وسلم ثم الأنبياء على أممهم ثم أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم. هذه الإجابة هي المنطلق الذي سنعمل على أساسه. (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143) البقرة) وهذه آية من الآيات تحتاج لحلقات عديدة لأن كلمة (وكذلك) يجب أن نقف عندها لأن فيها تشبيه، ما معنى (وكذلك)؟ العِلّة هي (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) عندي سؤالان: هل كل الأمة ستموت في الحرب؟ على المفهوم السائد لكلمة شهيد؟ والسؤال الآخر لو أنا وُلِدت عاجزاً لن أقدر أن أكون شهيداً. حتى ننتزع الفكر السائد من عند الناس ونضع الفكر القرآني وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في المعنى اللغوي يجب أن نسال هذان السؤالين هل كل المسلمين سيموتون في الحرب لهذا يقول تعالى (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ)؟ حرف (على) يُظهر معنى كلمة شهداء لكننا لم ننتبه له. والسؤال الثاني لو فلان من النسا وُلِد عاجزاً ألن يمكنه أن يكون شهيداً؟ المقدم: نجيب عن هذه الأسئلة بعد الفاصل، تابعونا مرة أخرى في طريق الهداية. ----------فاصل---------- المقدم: (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) هل كل أمة محمد صلى الله عليه وسلم ستموت في الحرب ليكونوا شهداء؟ بالتأكيد لا. وكذلك الذي ابتلي بعجز في صحته لن يستطيع الحرب فهل هذا لن يمكنه أن يكون شهيداً أو شاهداً؟ وما الفرق بين الشهيد والشاهد؟ د. هداية: الشاهد والشهيد بنفس المعنى وهي من فاعل وفعيل، شهيد تعطي معنى في اللغة أقوى من كلمة شاهد. نعود للقضية الأساسية الشهيد مطلقاً هو الله سبحانه وتعالى. المقدم: أليس (الشهيد) إسم من أسماء الله الحسنى؟ د. هداية: هنا نعود لمشكلة الأسماء. الشهيد صفة من صفات الله تبارك وتعالى. سبق وتحدثنا في موضوع الأسماء وقلنا لله تبارك وتعالى إسماً هو (الله) هذا العلم على الذات والباقي صفات باستثناء (الرحمن) وهذه قضية تحتاج للشرح ثانية لأن لفظ الرحمن يعمل كصفة وكإسم والقرآن أعطى لازم هذا المعنى. أما إسم الله تبارك وتعالى فهو (الله) وهو الإسم العلم على الذات. بقية الأسماء كما في الآية (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا (180) الأعراف) الناس تقول الأسماء جمع إسم لكن الأسماء هنا تعني الصفات لأن كلمة إسم في اللغة تعني الصفة (بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ (11) الحجرات) الفسوق هنا صفة، بئس الإسم أي بئست الصفة أن تكون قد اتصفت بالإيمان ثم توصف بالفسق فكلمة الإسم في اللغة العربية في الحقيقة إما علم على الذات وإما صفة من الصفات. فكلمة (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) الناس لم تنتبه من الآية لأن كلمة الأسماء هنا تعني الصفات لأن الآية تقول (ولله) هذا الإسم العلم على الذات، الله له أسماء يعني صفات فمعنى الآية ولله الذي اسمه الله صفات فادعوه بها. المقدم: إذن في بحث كثير من الناس عن إسم الله الأعظم تضييع وقت فلا يجب أن نبحث في الصفات وجائز أن يكون هو إسم الله. د. هداية: نعم. والرسول صلى الله عليه وسلم في حديث صان احتمال أن لا تُشغل نفسك بأكثر من اللازم في هذه المنطقة فقال "اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك" والرسول صلى الله عليه وسلم يعني هنا الصفة. محمد صلى الله عليه وسلم هذا الرجل العظيم الذي لم يفهم كثيرون كلامه إلى الآن فيفسرون أحاديثه بكلام فارغ مثل حديث الرضاع لأنهم لم يفهموا المعاني. الرسول صلى الله عليه وسلم كلامه يساوي إن صح التعبير كلام القرآن بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم تعلم من القرآن البيان اللغوي. المقدم: وهو قال "أوتيت جوامع الكلِم" وأوتيت تعني أنها ليست من عنده. د. هداية: طبعاً. أوتيت فعل مبني لما لم يسمى فاعله. الرسول صلى الله عليه وسلم تعلم من القرآن وهذه نقطة مهمة جداً. لما قال للرجل إرجع فصلي فإنك لم تصلي، هذا حديث نسمعه كثيراً لكن معناه قوي جداً وهو صلّيت وما صليت، هذا المعنى أخذه الرسول صلى الله عليه وسلم من الآية (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا (30) الفرقان) كيف يكونوا اتخذوا وكيف مهجورا؟ أتخذوا يعني أخذوا ومهجورا يعني لم يأخذوا، هذه بمعنى إرجع فصلي فإنك لم تصلي. الرجل صلى وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له صلِّ لأنك صليت وما صليت. الرسول صلى الله عليه وسلم عندما نقرأ أحاديثه تجده أنه أفاد من القرآن مائة في المائة وهذا شيء منطقي وكبيعي ان ينفعل للآية وبالآية فتجد كلام الرسول صلى الله عليه وسلم فيه البلاغة القرآنية ولذلك الحديث الضعيف والموضوع يظهر على الفور من صيغته ولأنه كلام فارغ لا يقوله محمد صلى الله عليه وسلم. نحن نقول غبن القيم رضوان الله عليه لا يمكن أن يكون قد قال هذا الكلام في كتابة الروح في بعض المسائل التي دُسّت في كتابه، نقول لا يعقل أن يكون ابن القيم قال هذا الكلام لأننا نعرف أسلوبه من شواهد بعض المحققين. المقدم: كما يحدث عندما نحضر خبير في الخطوط انتأكد من خط فلان من الناس فيفحصه ويقول أن هذا إما خط فلان أو ليس خطه. د. هداية: هذا في الخط وكذلك في الفكر. فالآية تقول (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) الإسم هو الله. في الفاتحة نقول (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)) لو سألتك من رب العالمين؟ ستقول الله. (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) إذن الأسماء هذه لا تشمل العَلَم الذي على الذات وتكون هذه الأسماء تعني الصفات فادعوه بها. المقدم: نعود لموضوع شاهد وشهيد. د. هداية: الذي مات في الحرب يقال عنه قُتل في سبيل الله. من الذي قال عنه شهيد؟ الرسول صلى الله عليه وسلم، رفعه درجة عالية، لماذا؟ لو سألت من الشهيد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟ قلنا أن الشهيد مطلقاً هو الله تبارك وتعالى ومن الأنبياء والمرسلين مطلقاً محمد صلى الله عليه وسلم ثم الأنبياء والمرسلين على أممهم ثم أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الأمم. من من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهد؟ من من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يشهد على أمة نوح مثلاً؟ من قرأ القرآن وتدبره وفاصبح شهيداً بمعنى عالم. هنا شهد من علمه لأن الشاهد الذي يأتي للمحكمة ويقول للقاضي أنا سمعت يقول له القاضي إذهب، مثل الشاهد الذي لم ير شيئاً، يجب أن يكون الشاهد رأى وسمع لا تنفع أن يكون سمع فقط ولا يمكن للشاهد أن يشهد بما قيل له لكن عليه أن يرى ويسمع ويفهم ما يشهد به فشهادته تأتي عن علم. فالشهيد هو العالِم وهذه ليست من باب الصدفة أن يذكر القرآن في الآية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ) شهد الله وشهد معه المئلاكة وأولو العلم. إذن شهد هنا جاءت من الشهيد سبحانه وتعالى لأنه عالِم. نعود للسؤال لماذا صيغت على أنها شهادة؟ سبق أن ذكرنا في حلقات سابقة لو كان هناك مجموعة من الناس مختلفين مسلمين ونصارى ويهود وملحدين ومشركين وهناك من يجلس بينهم ويريد أن يتبع واحداً من هؤلاء فهل يمكن أن يقول أن هناك واحداً من هؤلاء صح بنسبة مائة في المائة؟ كلنا بشر أمامه. لو جاءت الآية بصيغة "قال الله أنه لا إله إلا هو" القول غير الشهادة، القول لا يؤدي معنى العلم لكن عندما يقول شهد تحتمل أكثر من معنى كما ذكرت، كل هذه المعاني صحيحة لكن يجب أن تُجمع بمعنى أن الله تبارك وتعالى شهد بمعنى علِم وأعلم جاءت من الايات الكونية التي وضعها المولى تبارك وتعالى تدل على الوحدانية ووضع آيات في نفسك تدل على الوحدانية ووضع أمامك مرىئي واستحداثات تدل على الوحداني تجعلك تنفعل وتقول الله، سبحان الله، ما شاء الله، هذا توحيد. سبق وذكرنا أن الصانع الجيد يمكن أن يكون داعية من غير أن يشعر فهو إذا أتقن صنعته يجعلك تقول الله، أنت تذكر الله، عندما ترى شيئاً جميلاً تقول على الفور سبحان الله، ما شاء الله، الله، هذا ذكر إذن خلق الصانع ولو كان كافراً إذا أتقن عمله يجعلك توحد الله فتقول سبحان الله، ما شاء الله، الله. فعندما يقول تعالى (شَهِدَ اللّهُ) شهد هنا لا تؤخذ بالمعنى. سبق وتحدثنا عن قوله تعالى (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ (72) الفرقان) هذه لا تعني شهادة مثل شهادة المحكمة وبعض المفسرين قصروها على معنى أنها شهادة الزور وذكروا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور" المعنى ليس كذلك، يشهدون في الآية تعني يحضرون أي أنهم لا يحضرون الزور وهذا المعنى يحتمل الشهادة ويحتمل الحضور أما قصرها على الشهادة فيضيع معنى الحضور. شهد يعني علِمَ وأعلم وأخبر. لو رجعنا للآية التي قبل ىية الشهادة في سورة آل عمران قال تعالى (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)) عندما أقول لك (قل أئنبكم) ستقول نعم، إذن أنا سأعطيك نبأ التي هي شهد يعني علِم وأعلم. يجب أن نسأل أنفسنا لماذا قال شهد؟ لأنه هنا يتكلم عن (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (14)) الله الذي عنده حسن المآب قال (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُم) من كل الذي ذُكر في الاية السابقة. وفعل (زُين) فعل مبني لما لم يسمى فاعله الذي يقول عنه الناس مبني للمجهول، من الذي زيّن؟ هنا ممكن أن نقول مبني للمجهول لأن الذي زيّن هنا إما الشيطان وإما النفس لكن لصيانة الاحتمال نقول مبني لما لم يسمى فاعله لأنه في بعض الأحيان يكون الفاعل المحذوف هو الله تعالى فلا يصح أن نقول مبني للمجهول في حق الله تبارك وتعالى وإنما نقول مبني لما لم يسمى فاعله. بعدما سمعوا الاية قالوا الله تعالى برّأنا لأنه زُيّن لنا لكن الآية بعدها تقول لهم هل أدلكم على أفضل من هذا كله وأعطيكم جنة النعيم فيها دائم على عكس شهوة النساء والمال هذه شهوة مؤقتة، هل أخبركم بأفضل من هذا حيث النعيم دائم؟ ومن الذي يأخذ هذا النعيم؟ (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17)) وصفهم المولى تعالى مباشرة بعد الآية (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)) المقدم: يقول تعالى (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ (17)) د. هداية: ذكر خمس صفات ثم قال تعالى (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) في آخر سورة الفرقان قال تعالى (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا (75)) ما الذي يجعلهم يصبرون على كل هذا؟ يجب أن يكون علماً مؤكداً لا نفع أن تكون قال أو اعلموا وإنما شهد الله. إذن هذا النبأ (قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ) جاء بصيغة شهادة والشاهد أو الشهيد يجب أن يكون عليماً فما بالك برب العالمين؟ المقدم: لماذا أنا كمسلم محتاج لشهادة الله ولماذا غير المسلم محتاج لشهادة الله؟ وهناك سؤال آخر هل هذه الشهادة نوع من المقابلة على العهد والميثاق والشهادة التي أخذها ربنا على ذرية آدم (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف)؟ -----------فاصل-------------- المقدم: هل هناك مقابلة بين الشهادة في سورة آل عمران شهادة ربنا لنفسه بالوحداني وبين الشهادة الثانية من الناس عندما سألهم رب العالمين (أَلَسْتَ بِرَبِّكُم) قالوا (بَلَى شَهِدْنَا)، ذرية آدم كلها شهدت أن ربنا هو الرب والإله، هل هناك مقابلة أو علاقة بين الشهادتين بأ شكل من الأشكال؟ د. هداية: العلاقة وثيقة جداً ومهمة جداً في التوقيع. وهذه المسألة غابت عن كثير ممن تناول القرآن بالتفسير. يجب أن ننتبه لسؤالك في الآية (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ) قال أشهدهم ولم يذكر قول. نحن توقفنا في الحلقة السابقة عند قوله تعالى (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون) المنافق دائماً يقول ولو تتبعت القرآن ستجد الآيات التي تتحدث عن المنافقين دائماً يأتي معها فعل القول (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) البقرة) (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ (14) البقرة) إذن عمل المنافق شيء وعمل المسلم الموحد شيء آخر. وعندما أقول المسلم الموحد لا أقصد أتباع محمد صلى الله عليه وسلم فقط وإنما أقصد أتباع كل نبي ورسول من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة. العلاقة بين الشهادتين موجودة، والفاعل هو الله والقرآن كله كلام الله سبحانه وتعالى لكن لما ربنا جمع أبناء آدم من ظهور آبائهم من عهد آدم إلى يوم القيامة (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) الأعراف) كان يمكن أن يقول هنا وطلب منهم لكنه قال طلبها شهادة، هذه تجيب على كلمة شهد. أنت سألت هل أنا محتاج لشهادة الله؟ نعم أنا محتاجها شهادة حتى يكون إعلان التوحيد ليس مجرد قول مجرد أو علم عادي وإنما علم من الشهيد سبحانه وتعالى بدليل أنه لما طلب منا أن نقولها في عالم الذر لم يطلبها قولاً وإنما طلبها شهادة. ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لما قال "ما من مولود إلا يولد على الفطرة" والقرآن الكريم قال (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا (30) الروم) هي الإسلام، التوحيد. فلما قال تعالى (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ) عندما أشهدهم قالوا هم (قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا) المقدم: قال (على أنفسهم) وتكون (وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ) مردودها (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) د. هداية: ولذلك لما قالوا (بَلَى شَهِدْنَا) قال لهم (أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ) هذه الآية عظيمة كأن الفطرة عندك تجعلك موحداً فإذا لم توحد لا تأتي يوم القيامة وتقول أنا غفلت! وحتى لا تقول أنا غفلت بعد أن قال (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) قال (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) إذن حتى لو غفلت سينبهك المولى تعالى ولذلك قال تعالى للرسول (وذكِّر). الرسول صلى الله عليه وسلم مهمته البلاغ وهو عملية تذكرة ولذلك في صفات عباد الرحمن قال (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)) هم يعرفونها. هذه الايات كلها لما تتسق مع بعضها تفهم أن المولى طلبها منك في عالم الذر شهادة وأنت في عالم الذر شهدت ثم في الدنيا عندما يأتيك الرسول بالبلاغ (وأقصد بالرسول هنا من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة وكان شرفاً لنا أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم هو نبينا ورسولنا، هذا شرف ونعمة نحمد الله تبارك وتعالى عليه) كل الأنبياء نوح إبراهيم موسى عيسى كلهم إلى آدم الرسالة تتعدد لكن الدين واحد. إذا كانت طُلبت منها في عالم الذر شهادة وأنت شهدت بها وجئت في الدنيا طُلبت منك شهادة فيجب أن يشهد لك أو يشهد أمامك حتى تأخذها أنت شهادة من باطن شهادة، فشهادتي أنا بأنه لا إله إلا الله جاءت من شهادة الله تبارك وتعالى (يسميها أهل اللغة شهادة الذات للذات) أن يشهد الله تبارك وتعالى لكن ليست يقول أو يُخبر أو يُنبئ مع أنه قبلها قال (قل أؤنبئكم) سيقول لنا نبأ ثم بعدها خذوا شهادة الله تبارك وتعالى. وعندما تكون أمامك شهادة الله تبارك وتعالى وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة سيضرب لك مثالاً بجنسين في منتهى الإبداع. الجن مطالب بالقرآن ومنهم من استمع القرآن وأعلن التوحيد لكن لم يذكره في الاية وإنما ضرب المثل في الآية بالملائكة ولم يذكر الناس أو المسلمين أو المؤمنين ولا المتقين وإنما قال أولو العلم. ضرب المثال بالملائكة التي ليس عليها خلاف على علمهم، هذا الجنس لما يقول أو يشهد (عطف الملائكة وأولو العلم على شهد الله فقال (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ)) المقدم: ساقرأ ما ذكره أهل التفسير في معنى أهل العلم. د. هداية: هم قالوا كثيراً لكن أحب الكلمة القرآنية أن تجمع شتات المعاني. أولو العلم هم الأنبياء والمرسلين قطعاً، وأهل اللغة لما فسروا قوله تعالى (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ (40) النمل) البعض قال أنه واحد من الجن وأهل اللغة قالوا هو سليمان نفسه. ورحم الله شيخنا وأستاذنا الشيخ عبد الجليل عيسى رحمة الله عليه والشيخ الشعراوي ونحن ندخل تعديلات الشيخ القديمة في الجديدة وتكلمنا لماذا الشيخ عبد الجليل هذا المعنى وشرح أنه لا يمكن أن يكون غير سليمان وقال لا يمكن أن يكون أحد في عصر نبي من الأنبياء أن يكون هناك أعلم منه، هذا غير منطقي (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ) كيف يكون سليمان موجوداً عالم بالكتاب وهناك من هو أعلم منه؟ وسالت قبل قليل هل هناك من علم بالقرآن أكثر من محمد صلى الله عليه وسلم؟ إستحالة. المقدم: ولكن في قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح في سورة الكهف كان العبد الصالح يعلم أموراً لا يعلمها موسى عليه السلام د. هداية: هذا ليس علماً من الكتاب وإنما علم لدُنّي. هذا ليس عنده علم من كتاب موسى. صحيح أن فوق كل ذي علم عليم لكن في علم التوراة موسى عليه السلام أعلم من العبد الصالح. أما العبد الصالح فعنده علم من لدن الله تبارك وتعالى. والقرآن لا يمكن أن يكون فيه شيء متناقض ولذلك اختيار أهل اللغة دائماً يريحنا لأنها تحل مشكلة سواء في الإعراب أو في الصرف. المقدم: كثير من الناس طلبت مني أن نتكلم عن الضمائر واختلافاتها في قصة موسى والعبد الصالح (فأردت، فأردنا، فأراد ربك) د. هداية: موضوع الضمائر واختلافها في أكثر من سورة كما في قصة أهل الأعراف هذا إلتفات ضمائر. ليس من قبيل الصدفة أن يكون القرآن عربياً والذي يحكم اللغة العربية القواعد، اللغة العامية ليس لها قاعدة لكن قواعد اللغة العربية تحكم اللغة ولهذا نقول أنا أحترم جداً من الذي لا يتضايق من اللغة في القرآن لأن القرآن لا يمكن أن يُفهم من غير لغة. نعود لمسألة الشهادة، شهادتك أنت جاءت من باطن شهادة الله وصنف من أعلى صنوف العباد وهم الملائكة الذين سماهم الله تعالى عباد الرحمن وليس من قبيل الصدفة أنه لما يقول تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ (63) الفرقان) كأنه يشبههم بأن الذي يرتقي من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان إلى التقوى إلى إسلام الوجه لله ثم إلى مرتبة عباد الرحمن فكأنه وصل إلى مرحلة الملائكية، هذه ليس صدفة. ثم يقول (وأولو العلم). المقدم: التفاسير تقول أن أولو العلم هم الأنبياء أو المهاجرون والأنصار أو مؤمنو أهل الكتاب أو المؤمنون كلهم وهذا إجماع الفقهاء أنهم المؤمنون كلهم كل من آمن ومن ارتقى لدرجة العلم. د. هداية: دعنا نضع تفسيراً يريح المشاهدين. الله تبارك وتعالى شهد (الذي يقول أن أولو العلم هم المهاجرون والأنصار غير موفق لأننا لا نشكك في المهاجرين والأنصار!) المقدم: بعض المفسرين تكلموا أيضاً في العطف في الآية قالوا (شهد الله) ثم عطف (والملائكة وأولو العلم) شهادة الله مع اختلاف الآراء التي ذكرناها في معنى الشهادة أنها شهادة أو علم أو قضاء. الملائكة شهادتهم إقرار أنه لا إله إلا الله، وأولو العلم شهادتهم إيمان بتوحيد الله. هذا رأي أحد المفسرين أن العطف في الآية غير متساوي وأنه انفكت الجهة في الضمائر. د. هداية: أولاً يجب أن ننتبه أن التوصيف جاء من واقع إطلاق لغوي (شهد الله) لم يقل قال الله، كلام المفسر قد يكون صحيحاً لو جاءت الآية "قال الله" إنما قال (شهد الله) باعتباره الشهيد. والملائكة لما شهدت عطفت على الشهادة إذن أولو العلم هم الشهداء كلهم وليسوا الشهداء الذين ماتوا في الحرب إنما علماء الأمم. يعني كل عالم قرأ الكتاب وكلمة الكتاب هنا جنس وليس تعريفاً يعني الزبور والتوراة والإنجيل والقرآن يعني أولو العلم كلهم لأن الآية أطلقت اللفظ. كأن الآية تقول شهد الله وشهدت الملائكة وشهد أولو العلم. أولو العلم لو أخذناها على أنها المهاجرين والأنصار يكون قد أضعنا الباقي من الأمم السابقة واللاحقين من الأمة. المقدم: هذا التفسير كان صاحبه قصر المعنى على المهاجرين والأنصار. د. هداية: قصر اللفظ أولو العلم. شهد الله تبارك وتعالى لأنه الشهيد والملائكة في هذه الحالة تشهد بالمطلوب منهم ومنا كأن شهادة الملائكة لهم ولنا وكل واحد من أولي العلم يشهد لنفسه وللأمة. العلماء يقرأون ويتعلمون لا لأنفسهم فقط وإنما يقولوا علمهم. الرسول صلى الله عليه وسلم شبّه العالِم الذي لا يقول علمه بالشحيح والبخيل. إذن أولو العلم يشهودون لأنفسهم ثم يكونوا مثالاً للناس. (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ) أولو العلم هم الشهداء من كل الأمم الذين يساعدون من؟ نوح سيطلب شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم وبالتأكيد هناك بعض الشهداء في أمته أيضاً لكنهم يحتاجون تأكيد. لما ذكر القرآن (وكذلك) وهذه تحتاج إلى شغل كبير (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) لماذا؟ (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) شهداء على الناس أي كل الناس. لو فعلنا هذا لا ينفع أن يشهد عليك إلا محمد صلى الله عليه وسلم (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (143) البقرة) أو في آية أخرى (وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا (41) النساء). الشهادة هنا شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم قال (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) هل مات الرسول في الحرب؟! يجب علينا أن نغيّر مفهوم الشهيد. ما معنى شهد؟ نأخذها من كل المعاني لأنه العليم علِم وأعلم وشهد شهادة الذات للذات لكن وضع لك في الكون آيات تشهد بها أنت على وحدانيته التي نطق بها سبحانه وتعالى شهادة لا قولاً حتى تكون موثقة. الشاهد في المحكمة يرد على أسئلة القاضي بإجابات محددة، فرق بين القول والشهادة، قد يقول خارج المحكمة أقوالاً لكن في المحكمة يجب أن يشهد ويجيب بإجابات محددة على أسئلة القاضي المحددة. فالشهادة منطق دقيق بقول. المقدم: جزاكم الله كل خير. سنشرح معنى (كذلك) وكيف نحن أمة وسط مع أننا الأمة الخاتمة والكلام عن الاية بعدها (إن الدين عند الله الإسلام) وما تفسيرها والسؤال الذي سألناه عن كيف نفهم الآية في ظل إرسال الله تعالى للرسل والكتب السماوية وكأنه فيه شبهة تناقض. واسئلة أخرى نؤجلهم للحلقة القادمة أنه لما قال (قائماً بالقسط) أرجع الأمر لذاته العلية سبحانه وتعالى ثم قال ثانية (لا إله إلا هو) ثم ختم الآية بصفتي (العزيز الحكيم) فما دلالة اختيار هاتين الصفتين مع أن الصفات كثيرة فلم يقل مثلاً الغفور الرحيم؟ د. هداية: سؤال جيد لأن العزيز الحكيم تؤكد صدر الآية (شهد الله) صدر الآية يدل على عزة الله وحكمته. المقدم: أسئلة كثيرة جداً نجيب عنها إن شاء الله تعالى في الحلقة القادمة. أذكركم أننا ما زلنا في رحلة بحث عن التوحيد في رحلة بحث كبيرة جداً عن التوبة والاستغفار وما علاقة التوحيد بالتوبة والاستغفار سنجد أنها علاقة واضحة جداً جداً. لو أنت متأكد أنه ليس لك غيره سبحانه وتعالى سترجع إليه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 7/7/2009م |
التوبة والاستغفار 109 تقديم علاء بسيوني المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمتهوبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. أرحب بكم وأرحب بضيفي وضيفكم الكريم الدكتور محمد هداية.كنا توفقنا في الحلقة الماضية عند بعض الأسئلة في قوله تعالى (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا). وقبل هذا أذكر أننا تكلمنا في معنى كلمة الشهيد (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) كيف نشهد نحن وكيف يشهد الرسول صلى الله عليه وسلم. لكن كيف نكون نحن الأمة الوسط مع أننا الأمة الخاتمة؟ وكلمة (وكذلك) معناها أن هنالك مثل ضُرب فما هو هذا المثل؟ د. هداية: نستمع إلى الآيات بداية لأن (وكذلك) مرتبطة بالآيات السابقة (قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِي اللّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (139) أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (140) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (141) سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (143) البقرة) المقدم: كلمة (وسطاً) لم تأت في القرآن إلا في هذا الموضع. والآية 143 التي يتكلم فيها الله تعالى عن الأمة الوسط فيها ذكر للقبلة والقبلة هي مكة (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ (96) آل عمران) والعلم الحديث يثبت أن مكة والبيت هو وسط الكون والكرة الأرضية ومركز الكرة الأرضية. هل هذا من قبيل الصدفة؟ كيف نكون أمة وسطاً مع أننا الأمة الخاتمة؟ وما معنى (وكذلك) وما هو المثل الذي ضُرب في الآية؟ د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. أنا أذكر أننا اشتغلنا هذه الآيات عندما تحدثنا عن القبلة لكن من باب الذكرى والتذكير نعيد الكلام. أولاً لما نسمع (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ) يعني هناك مثال مضروب أن هذا مثل هذا. يقول تعالى (سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا) والرد من الرسول صلى الله عليه وسلم هو (قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) الكلام هنا بلازم المعنى والمراد. ما معنى (يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)؟ عندما نسمع الآية (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ) العلم هنا علم إظهار ولا تعني أن الله تعالى سيعلم من تصرف المسلمين مثلاً أو ليس هناك رصيد في العلم فعندما يحصل التوجه للقبلة يحصل العلم، لا، هذا علم إظهار للعالمين أو علم إظهار للناس أو إن شئت فقل علم مباهاة من الله تبارك وتعالى بالمؤمنين من عباده لأنه لما خلق آدم كان رأي الملائكة (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ (30) البقرة) وكأنهم يقولون نحن جنس أولى بتوحيد الله فقال تعالى رداً عليهم (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) سيكون من هؤلاء الناس من عهد آدم إلى يوم الدين من يوحد الله تبارك وتعالى ويقوم على دين الله تبارك وتعالى بمراد الله تعالى فيه هذه قضية حسمها الله تبارك وتعالى في الآية 30 من سورة البقرة (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً). لما يقول (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) ما معنى الوسط؟ يجب أن نذكر نقطة مهمة في مسألة الإعجاز العلمي، هذه قضية ثابتة منذ زمان أن البيت هو منتصف الكرة الأرضية وأنك لو أخذت مسقط رأسي يتطابق مع البيت المعمور في السماء لكن هذه ليست وَسَطية وإنما وسْطية، هناك فرق وَسَط ووسْط، الوَسَط يأخذ مسافة والوسْط هو نقطة فالبيت نقطة لكن نحن في وسط الشيء يعني لا إفراط ولا تفريط، نحن بين طرفين وكل طرف عنده مساحية بينية. أنت كأمة إسلام تقول لا إله إلا الله فأنت وسط بين من عددوا الآلهة وبين من أنكروا الآلهة، هناك من يقول لا إله ويعتقدون بالطبيعة والمادة وغيرها ومنهم من يقول ثلاثة، أنت وسط بين إنكار وتعدد، هذا يقول ليس هناك إله والآخر يقول ثلاثة وأنت تقول لا إله إلا الله فالوحدانية وسط بين تفريط وإفراط. وأنت وسط في العقيدة وأنت وسط في العبادات وأنت وسط في كل شيء. أنت أمة وسط في كل شيء فوسطيتك هذه في التوحيد والعقيدة والعبادات هي (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ). هناك تحذير قوي جداً في القرآن من مسألة النفاق وهذه قضية سنأتي عليها عندما نشتغل في الاية (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) المنافقون) بكلمة (قالوا) إستسهل المسألة وقلنا سابقاً أن الكافر في قريش لم يقل لا إله إلا الله لأنه فهم أنه لو قالها يجب أن يلتزم والمسألة لا تتوقف عند حد القول وإنما هي عمل وهو لا يريد أن يلتزم ولا يريد أن يعمل فلم يقلها أما المنافقون في المدينة فقالوها لا إله إلا الله لكن توقف كلامهم عند القول دون العمل. ولهذا المنافقين وصفهم القرآن بقوله (مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَـؤُلاء وَلاَ إِلَى هَـؤُلاء (143) النساء) (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ (14) البقرة) وسنشرح لاحقاً كيف تكون حال المنافق والتي لا نريد أن يفعلها المسلمون. ولذلك في سورة النساء يوضح بعض أوضاع المنافقين لا لمجرد تجريحهم أو تعييبهم وإنما حتى لا نقع نحن فيما وقعوا فيه والمسلم الذي يجد نفسه هذه الأوصاف عليه أن يتدراك نفسه ويغيّر لأن الرتابة في العمل أحياناً تؤدي إلى الوقوف عند حد القول ثم يتوقف فهذه قضية في منتهى الخطورة. المقدم: مهم جداً أن نعرف أن الله سبحانه وتعالى يحكي لنا قصص الأمم السابقة وتكذيبهم للأنبياء والرسل ويذكر بعض النقائص والأخطاء التي وقعت فيها الأمم السابقة في الفكر أو في التلقي للرسالة حتى لا نفعل مثلهم. وردتنا أسئلة من الناس يسألون لماذا يتكلم القرىن كثيراً عن بني إسرائيل وعن اليهود؟ وعن النصارى؟ لا يحكي لنا القرآن هذه القصص عن الأمم السابقة بسلبياتها وإيجابياتها لمجرد الهجوم على معتقدات الآخرين وإنما يحكي لنا هذا الكلام لنجتنب نحن هذه الأوصاف والصفات ونبتعد عنها. إذن القرآن في هذه النظرة ليس دعوى صدامية مع العقائد الأخرى أو التحقير من معتقداتهم وإنما تنبيهاً لأمة الإسلام أن لا يقعوا في مثل هذه الأخطاء. د. هداية: وإلا لما أفرد سورة تتضمن مقلوب هذا المعنى الذي ذكرته وانتهى فيها الكلام على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم بقول الله تبارك وتعالى (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ (6) الكافرون). المقدم: فاصل ونواصل تابعونا مرة أخرى في طريق الهداية. ---------فاصل----------- المقدم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) لأمرين (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) شهداء على الناس أولاً أو الرسول علينا شهيداً؟ كأن المخ البشري لو أراد أن يرتب الأمر لجعل الرسول علينا شهيداً أولاً ليرى من الصح ومن الخطأ والناس الصح تكون هي شهداء على بقية الأمم لكن الترتيب القرآني جاء عكس هذا الترتيب تماماً، الأمة الوسطة شهداء على الناس أولاً ثم ليكون الرسول عليكم شهيداً، فما دلالة هذا الترتيب؟ د. هداية: هذا مناط الشهادة، أنت قلت معنى مناط الشهادة. عندما تشهد هل أنت تشهد له أو عليه؟ الشهادة في الاية (على) فالذي ذكرته أنت ترتيب صح لكن مناطه مقلوب. في القانون عندنا أو في القضاء يوجد شاهد إثبات وشاهد نفي، شاهد الإثبات هذا (عليه) وشاهد النفي (له). المتهم واقف خلف القضبان شاهد الإثبات تقدمه النيابة حجة على المتهم وشاهد النفي يقدمه محامي المتهم حجة له يشهد لصالحه. إذا نقلنا هذه الصورة ليوم القيامة، عندما تكون أنت شاهداً على فهذا يعني أن الذي تشهد عليه أنت مقصِّر أنت لا تشهد له. والقرآن حجة لك أو عليك، لك إن أنت قرأته وطبقت الذي فيه، وعليك لو هجرته أو لم تعمل به. أنت قلت المفروض أن الرسول عليه الصلاة والسلام يشهد حتى يشهد الذين شهد لهم الرسول على باقي الأمم، هذه واضحة، (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) لن يتقدم للشهادة إلا العالِم، إلا الناس التي تستطيع الشهادة. إذا أسلم أحدهم إسماً ولم يقرأ القرآن ولم يصلي ولم يدخل مسجداً ولم يسمع القرآن فكيف سيشهد على أمة نوح أو أمة لوط؟! ليس لديه علم ليشهد به. قلنا هناك شاهد وشهيد، يعني هناك علم وذكرنا سابقاً لو أن الشاهد في المحكمة قال للقاضي أنا سمعت أو قالوا لي سيصرفه وإنما يجب أن يقول للقاضي أنا رأيت وسمعت وأيقنت حتى يقبل شهادته. عندما يكون شاهداً له غير لما أكون شاهداً عليه، وفي الاية الشهادة كلها (على) (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) أي على من قصّر من الناس (وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) أي على من قصّر منكم. فالذي قلته أنت معنى مقلوب للمناط، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يشهد لنا لا علينا، العلماء من الأمة والشهداء من الأمة يشهد لهم الرسول عليه الصلاة والسلام. أنت في هذه النقطة لست محتاجاً لشهادة الرسول لأن شهادته هنا (على) وأنت شهادتك (على) فالنقطة التي تتكلم فيها أنت غير محتاج لها لأنه (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) وستقول (هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) الحاقة) هذا شهيد، عالِم. هذه نقطة مهمة في الشهادة، هناك فرق بين شاهد الإثبات وشاهد النفي. المقدم: إذن الشهادة على ستكون ضد المشهود عليه لأنه مقصِّر. د. هداية: ساقف عند نقطة هنا، أعيدت منذ فترة حلقة العلاج بالقرآن فكلمني أحدهم وتكلم في مسألة الماهر في القرآن وقال كلامنا غير صحيح وقال أن الذي يتتعتع في القرآن أحسن من الماهر بالقرآن. هذه أزمة نحن فيها ويتكلم هذا السائل بمنطق وحدة ويقول هذا له أجران وتكلم في المسالة مع هذا السائل شيخ إمام مسجد فقال نعم هذا صحيح فالماهر في القرآن مع السفرة البررة، هذا أجر لكن الذي يتتعتع فيه له أجران. فسالت هل الحديث يبدأ هكذا : الماهر بالقرآن مع السفرة البررة والذي يتتعتع فيه له أجران؟ قال نعم، ثم ذكر السائل أن الحديث يروى بدون ذكر الماهر في القرآن وإنما فقط الذي يتتعتع فيه له أجران. هذا كلام في منتهى الخطورة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل أياً من هذه وإنما قال: "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق (وفي رواية وهو يتتعتع فيه) له أجران. القضية هنا ليست في القرآءة والحديث لا يتكلم عن القراءة ولو وقفت المسألة عند حد القراءة لصارت نفاقاً فول أنت ماهر بالقرآءة هذا نفاق. ضع الحديث الذي قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وافهمه، الرسول عليه الصلاة والسلام قال "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به" ليست بالقرآءة لأن الكلام لو كان على القرآءة لقال "وهو ماهر بها" وإنما المقصود ماهر بالعمل بالقرآن، ماهر بتطبيقه، المقدم: والتعتعة هل تكون في القرآءة؟ د. هداية: لا بل في العمل الكلام ليس على القرآءة "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به" ماهر هنا لا تعني القرآءة وإنما ماهر بالعمل أنت تقرأ وتتدبر وتفهم، أنت ماهر عملاً وليس قرآءة. المنافقون أساتذة في الكلام ورُبّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه. القرآن حكة لك أو عليك ليس من ناحية القرآءة، هذا صوته جميل في القرآءة وهذا لا، الصوت الجميل ليس لي دخل أنا فيه، رب العالمين لو جعلني أنا صاحب صوت جميل فما ذنب الآخر الذي ليس لديه صوت جميل؟ واحد صوته جميل بالقرآن وآخر يطبق القرآن من الأفضل فيهم؟ الذي يطبق أفضل من صاحب الصوت الجميل. هذه قضية خطيرة أقلقتني أن إمام مسجد فهم الحديث على هذا الشكل المغلوط! حتى أن الناس مضللة لأنهم يروون لهم الحديث من بداية التعتعة وليس كامل الحديث. هذا ما نقوله دائماً أن كلام الرسول عليه الصلاة والسلام عالي جداً ومفهومنا نحن دوني جداً ونسفّه الأمور جداً. إذا فهمنا الماهر بالقرآن على أنها قرآءة فقط هذه تكون مصيبة وإذا كنت تقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول هذا الكلام فهذه مصيبة أعظم! ذكرنا كثيراً أن المنافقين وقفوا عند كلمة (قالوا) مجرد كلام فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به" ماهر به يعني يطبق، هذا مع السفرة الكرام البررة. والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق أو يتتعتع فيه له أجران لأنه يقاوم مسألة النفاق. أنا أخذت كلام الرسول عليه الصلاة والسلام على أن هناك من يعجبه كلام القرآن لكن نفسه عاصية هذا لو تغلب على نفسه يأخذ الأجرين. المقدم: وهل المعنى يحتمل القرآءة والتطبيق؟ د. هداية: لا. في القرآن عندنا 85 مرة وردت كلمة (القرآن) لا يمكن أن يكون معناها القرآءة. بعضهم قال أنها من القرآءة وأهل اللغة منقسمين في هذه المسألة. لكن أتحدى أن آية في الـ 85 آية التي ورد فيها كلمة القرآن أو حتى في الآيات التي ورد فيها كلمة الكتاب التي تعني كلمة القرآن لأن كلمة الكتاب يمكن أن تعني كتاب موسى أو الكتاب كجنس أتحدى أن يقف المعنى في قرآننا ومنهجهنا عند القرآءة. ما معنى أن تجد شخصاً صوته جميل في القرآءة لكنه لا يطبق هذا مثال سيء في الأمة لأن المهارة أو التعتعة هي في التطبيق والناس فهمت الحديث بشكل خاطئ. المقدم: هذا يطبق عليه التساؤل القرآني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) الصف) د. هداية: لو كان المعنى هكذا فالقرآن سألنا وهذه الآية نريد أن نأخذها مع النفاق وليس من قبيل الصدفة أنه بعد أن تنتهي آيات النفاق ياتي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) آل عمران) هذه ليست صدفة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) الصف) إذا انفكت الجهة بين القول والعمل فهذا شيء ممقوت عند الله سبحانه وتعالى ومرفوض. الحديث صحيح لكن فهمه الناس خطأ، إقرأوا كلام الشُرّاح فيه وأنا أعلم أن ما ذكرناه لم تذكره بعض كتب الشرح لكن أتحدى أن يكون هذا مفهوم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يقول مباشرة الماهر بالقرآن مع السفرة البررة، الماهر بالقرآن قرآءة، لا، الحديث لو أخذناه بالمنطق اللغوي وبمنطق الرسول من القرآن لا يمكن أن يكون بالمعنى الذي فهمه الناس. ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به (به) يعني بالقرآن وليس بالقرآءة وإلا لقال (ماهر بها) مع السفرة الكرام البررة. هؤلاء السفرة الكرام البررة هل كانوا يقرأون القرآن أو يعملوا به؟ المقدم: يقرأوا ويفهموا ويتدبروا د. هداية: بالعمل. هو ساوى بين الإثنين فالرسول صلى الله عليه وسلم قال عن الإثنين (الذي يقرأ القرآن) لكن هذا ماهر بالعمل وهذا يتتعتع بالعمل وله أجران لأنه يقاوم النفس والشيطان أما الثانية فالله سبحانه وتعالى هداه وهدى نفسه. حتى لو أخذنا بمفهوم هذا السائل علينا أن لا نساوي بين الذي مع السفرة الكرام بالذي له أجرين، صحيح هو له أجران لكن في مرتبة أقل من مرتبة السفرة الكرام البررة. وسنشرح هذه في حلقة قادمة. هذا مثال على أننا نقرأ ولا نفهم، كلام الرسول صلى الله عليه وسلم صحيح والحديث صحيح لكن الفهم غير صحيح. المقدم: نأخذ فاصلاً ونكمل الأسئلة حول وسطية الأمة والشهادة. ---------فاصل---------- المقدم: (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) كيف يمكن أن أشهد على الناس؟ وماذا علي أن أفعل لأشهد على الناس؟ خاصة وأننا ذكرنا أن الشهادة على الناس ستكون في غير صالحهم لن أشهد لهم وإنما ساشهد أن هؤلاء جاءهم المنهج ولم يسيروا عليه، جاءهم التكليف فعصوا التكليف، ما الذي عليّ أن أفعله لأصل إلى هذه المرتبة؟ د. هداية: (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) من كلمة (على) يظهر كُنه الشهادة، أنت شاهد إثبات ضدهم، كيف أكون شاهداً أو شهيداً؟ وكيف أتجنب شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم عليّ؟ أنا أريد أن تكون شهادة الرسول عليه الصلاة والسلام لي وليست عليّ. فشهادة الرسول لي عمله، عمله أكبر دليل على أنه اتبع هذا الرجل العظيم صلى الله عليه وسلم وعمل أي أحد في أي أمة أنه اتبع الرسول أنا لن أشهد له وإنما ساشهد على المقصِّر. كيف أكون شاهد أو شهيد على الناس؟ وكيف أتجنب شهادة الرسول عليّ؟ السؤال الثاني إجابته سهلة، تتجنب شهادة الرسول عليه الصلاة والسلام عليك أن تتبعه وتكون من أهل التطبيق بالعمل لا النفاق ولا الكفر ولا الشرك فتكون من أهل الإسلام والإيمان والعمل. كيف أشهد على الناس؟ أقرأ القرآن وأتدبر فيمَ قصّرت كل أمة، القرآن لم يذكر لنا الأمم حت نتسلى، نحن لا نتسلى ببني إسرائيل والنصارى واليهود وإنما القرآن يروي لنا قصصهم لنتجنب. القرآن ليس كتاب تجريح إنما القرآن كتاب حقائق ثابتة ولذلك تجد فيه (شهد الله) عملية واضحة. القضية أن أقرأ بتدبر وأفهم المعنى لا ىخذ الكلام وأنسبه للرسول صلى الله عليه وسلم وأنا فاهم عكس المعنى المقصود، فاهم معنى تافه. لذلك قلنا أن مسألة هجر القرآن ومسألة ترك الوظيفة الأساسية للقرآن، نحن لخصنا القرآن بأن نهديه لبعض للأموات وعلى روح فلان، أعالج بالقرآن، هذه كلها ليست وظائف القرآن ولا أهداف القرآن ولا أسباب نزول القرآن إطلاقاً. فالمسألة أن أقرأ القرآن على مراد الله، أقرأ آية النفاق فأتجنبه، أقرأ آية الكفر فأتجنبه، أقرأ عند آية الإيمان فأطبقها، نحن نتكلم في مسألة التوبة وعباد الرحمن في 109 حلقات ونخرج ونتفرع إلى اسلئة المشاهدين حتى نعمل الأشياء الجيدة ونتجنب الأشياء التي يجب تجنبها، هذا هو الهدف. أشهد على الأمم بأن أعرف بماذا قصّرت أمة نوح مثلاً لأنني شاهد إثبات، شاهد (على). المقدم: بما أن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ليس بينها وبين باقي الشرائع تضاد واختلاف د. هداية: هذه سنأخذها في (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران) المقدم: وإن أي اختلاف موجود هو من صنع البشر أو من خلال ما تعرضت به سابق الكتب عن القرآن الكريم عن تدخلات بشرية. لكن المفترض منطقاً أن الله سبحانه وتعالى واحد لا يمكن أن يكون له إلا منهج واحد د. هداية: لأن الحق لا يتعدد إما حق وإما ضلال. (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) عندنا شهداء كثر لكن شهادتهم لن تختلف لأنهم جاؤوا بها من مصدر واحد الذي هو القرآن، لا يمكن أن أقرأ أنا وتقرأ أنت ويكون لكل واحد منا مفهوم مختلف. القرآن لو قرأ بتركيز (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ (17) القمر) القضية في التركيز عندنا نحن. القرآن ميسر للذي يبذل مجهوداً، القرآن ميسر لكن أين المدّكر؟! لما تسمع (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) تخيل هل هناك نيابة عامة على الأرض يمكنها أن تقدم 1500 شاهد إثبات؟! لو حصلت فسيكون هناك تضارب بلا شك بين شهاداتهم ويمكن أن يؤثر سلباً على المتهم لأنه لو زاد العدد يكثر التشكيك والتضارب لذا من وظيفة النيابة العامة أن تقلل عدد الشهود. أما في القرآن فالقوة القرآنية (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين في الجنة كلهم شهداء ولن تختلف شهادتهم لأنهم يأخذون من مصدر واحد وهو القرآن. والشاهد الشهيد هذا علمه ليس ذاتياً وحتى شهادته بالتوحيد جاءت من (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران) لأن الحق لا يتعدد يجب أن يكون الله واحداً لا ينفع أن يكون اثنين أو ثلاثة لأنه لو حصل التعدد سيحصل التغاير، التعدد يدل على التغاير والتغاير يوصّف التعدد لكن لأن المصدر واحد ولأن الله واحد ولأن الدين واحد المسألة أن الشهيد لن يُخطئ لأن الكل يشهد من نفس المصدر ونفس المنهج والتشريع. (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) ستأتي من أمة محمد ولما وصف هذه الأمة قال تعالى (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ (13) الشورى) لم يقل من الأديان مع أنك لو كنت لغوياً وسمعت (من) تتوقع التبعيض والتجزئة كأنك ستأخذ شيئاً من أمر يُجزّأ لكن التوقيع القرآن وهو يكلم أمة محمد عليه الصلاة والسلام قال (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّين) وذكر خمسة أنبياء مرسلين (مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) لم يقل الأديان إذن صدق الله تبارك وتعالى إذ يقول (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) وصدق الله تعالى إذ يقول (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85) آل عمران) وصدق الله تعالى إذ يقول (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ (48) المائدة) هذا الكتاب أي القرآن مهيمن على سائر الكتب السابقة، مهيمن ليس هيمنة وصاية وإنما تضمن كل الأحكام والتوصيفات والتعريفات لأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم يتكون أمة وسطاً تشهد على الناس. لا ينفع أن أستدعي شهيداً فيقول شيئاً لم يكن عند نوح أو أستدعي شهيداً يقول شيئاً لم يكن عند لوط أو داوود لا ينفع وإنما يجب أن يكون مصدر الشهداء الذين أستدعيهم واحد. المقدم: إذن الآية حجة المفروض أن تثبت أخوة الأنبياء والمرسلين ووحدانية الشرائع السماوية ووحداني الله الواحد القهار وليس كما يقول بعض المستشرقين في كتاباتهم عندما ينكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وأن القرآن ليس كتاباً سماوياً من عند الله سبحانه وتعالى يرون عكس الحقيقة، مثلاً يقرأون ترجمة القرآن الكريم فيجدون أن الأحكام والآيات والفسلفات التي يحتويها القرآن الكريم وعندما يقرأون الكتب السماوية القديمة في العهد القديم يرون تطابقاً في الفلسفة العامة ليس فها تضاد فيتهموا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه بشر عادي أخذ تعاليم المسيح عليه السلام واعاد صياغتها باللغة العربية وقال إنه نبي ولم يأت بشيء من عنده وإنما قال نفس الكلام الذي قاله عيسى. فبدل أن يرى هؤلاء المستشرقون أن وحدة الكلام تعني أن الإله واحد بعث رسلاً مختلفين في أزمنة مختلفة يرونها أنها نقل من نبي لآخر. د. هداية: إختلاف الرسل لاختلاف الأمم والذي تختلف هي الرسالة وليس الدين. التي تختلف هي الديانة، الرسالة لكن الشرع واحد لأن الله تبارك وتعالى واحد. فهذه قضية محسومة. الشهيد مطلقاً هو الله تبارك وتعالى ومن الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ثم الأنبياء والمرسلين كلٌ على أممهم وأمة محمد معهم (لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ) عندما تكون الشهادة على الناس تكون لصالح النبي أو المرسَل، نشهد أنه بلّغ وأكبر دليل على هذا مطلع وخواتيم سورة البقرة (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)) (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285)) كيف تشهد بموسى أو عيسى وأنت لست مؤمناً به؟ لا ينفع وإنما يجب أن تكون في البداية مؤمناً بموسى وعيسى وبكل نبي وبكل رسول حتى تشهد على كل من قصّر من أمته. الشهداء هم أولو العلم وأما الذين ماتوا في الحرب فهؤلاء قُتلوا في سبيل الله ورفع الله عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم اللقب، سماهم شهداء لماذا؟ الرسول ساوى بينه وبين الذي ضيّع عمره العلم، هذا ضيّع عمره في العلم في سبيل الله وهذا ضيّع عمره في الحرب في سبيل الله فساوى بين الإثنين في التوصيف لا التوقيع. المقدم: ويمكن أيضاً أن هذا المقتول في سبيل الله له خصوصية أنه علم يقيناً بالتوحيد د. هداية: عندما يأتي أحدهم ويقول المبطون شهيد والغريق شهيد والحريق شهيد، هذا الحديث فيه كلام لكن فيه صحة إنما اسال سؤالاً: المبطون إذا كان لا يصلي ولا يصوم ولا يقوم بالعبادات ولا المعاملات فسيكون شهيد ماذا؟ المقدم: باعتبار أن المرض الذي جاءه نوع من التكفير عن ذنوبه؟ د. هداية: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء (48) النساء) هذه مسألة الكلام فيها ضرب من الخبل لأنه لا يمكنني أنا كبشر أن أقول فلان في الجنة أو فلان في النار، هذا مستحيل لكن لا نأخذ الأمور بتفاهة ويقول أحدهم أنا يمكن أن أموت غرقاً أو مبطوناً أو حرقاً وأكون في الجنة والناس تستسهل الجنة من غير عمل وعلى هذا يبكي العارف. الكلام في القرآن يبدو سلساً للغاية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران) نحن فهمنا ما معنى أولو العلم وكيف نكون منهم ولا ينفع أننا نريد أن نكون علماء ونحن نائمون، فحتى تكون من أهل العلم، لا يمكن أن أكون من الملائكة لكن يمكن أن أكون من أولي العلم، وهي سهلة بالعمل فالعمل يسهل أي شيء لكن إياكم أن نقف عند القول والتمني ونقف عن الأماني. المقدم: جزاكم الله كل خير. مجموعة أسئلة نبلورها في الحلقة القادمة منها موضوع التكرار (لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو) ونجيب عن هذه الأسئلة في اللقاء القادم وخصوصاً أننا سندخل على الاية الثانية (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) ويتزامن الكلام عن هذا الموضوع مع عقد مؤتمر لرابطة خريجي الأزهر في القاهرة في الفترة الأخيرة وكان الحوار مع الغرب ضوابطه ومفرداته وحدوده وهناك حوارات كثيرة جداً بين أتباع الرسالات المختلفة وحوار ما بين أتباع الديانات من اليهود والنصارى والمسلمين التي يحصل خلالها ما نقوله أنه يخرج من يشكك في نبوة محمد عليه الصلاة والسلام إنما هو رجل نشخ تعاليم الإنجيل وادعى أنها من عند الله. ونجد صراعات بين افكار ومعتقدات كثيرة جداً. نحن نتكلم في هذه المواضيع لأننا نريد أن نوضح. الموضوع الأول هدف التناول، القرآن الكريم ليس كتاباً صدامياً يدعو إلى الصدام بين أبناء البشر ولكن هو كتاب يتكلم فيه الله تبارك وتعالى عن القصص القرآني وأنباء الأمم السابقة حتى يتعلم الجميع وليس فقط المسلمين من أخطاء السابقين من الذين كذبوا وغيرهم أن ننتبه أن الله تعالى يذكر هذه القصص ليس لأنه حاشاه مضطهد أمة بعينها أو فلان وإنما كل إنسان يحاسب على أعماله فإذا أحسن العمل يكون في الجنة وإذا أساء العمل فهو في النار. والأمر الثاني أنه مع ازدياد الدعوة بأن يكون هناك حوار بين الحضارات بدل الصدام ما بين أتباع الرسالات والديانات أتمنى أن يتحلى مجتمعنا المصري بهذا القدر العالمي من القبول أن يكون هناك حوار علمي وأن تناقش الآيات نقاش علمي بدل اتهام عقيدة الآخر مما يشجع على الفتن الطائفية وتشجيع أن ابناء الوطن الواحد يحاربون بعضهم بعضاً لأن هذا ليس هو الهدف وليس هو الطريق الذي يبحث عنه اي إنسان يدعي أنه يلعب دوراً إصلاحياً في مجتمع يتمنى له دائماً الأمن والأمان. نكمل إن شاء الله في الأسبوع القادم، (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) كلام كثير سنقوله إن شاء الله في الحلقة القادمة. نراكم بألف خير، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 14/7/2009م |
التوبة والاستغفار 110 تقديم علاء بسيوني (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) وعدنا الناس أنها ستكون حلقة ساخنة على أساس ننزع اللبس الموجود عند بعض الآراء والمعتقدات كيف أن الله تعالى أنزل التوراة والإنجيل على موسى وعيسى عليهما السلام ثم يقول (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) في سورة آل عمران وقوله (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85) آل عمران) هل يعني أن الناس الذين آمنوا بعيسى عليه السلام وقالوا إنا نصارى لن يقبلهم الله تعالى؟ وهل يعني أن الذين آمنوا بموسى عليه السلام وقالوا إنا هدنا إليك وسمعوا كلام موسى وآمنوا برسالته وبالتوراة هؤلاء لن يدخلوا الجنة؟ ما هي القصة؟ وما هو الغموض الذي قد يبدو للقارئ المتعجل لآيات القرآن الكريم؟ عندي سؤالين من الحلقة السابقة من المشاهدين الذين يريدون أن يعرفوا لماذا لما ذكرنا قوله تعالى (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) آل عمران ) تكررت لا إله إلا هو مرتين في الآية؟ ولماذا خُتمت الآية بالعزيز الحكيم؟ د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. ليس من قبيل الصدفة أن تختتم الآية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19)) إلا أن تكون هذه الآية مترتبة على الشهادة لله تبارك وتعالى وهذه مسألة تحتاج إلى وعي. يجب أن نقف عند (شهد الله) وأي شيء يرتبط بالله تبارك وتعالى يجب أن نفهم أن الله تعالى أزلي فشهادة الله أنه لا إله إلا هو ليست لأمة محمد مثل آية (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) ليست لأمة محمد فقط، الدين عند الله الإسلام من عهد آدم عليه السلام أو إن شئت فقل من قبل آدم، المسألة مرتبطة بتوحيد الخلق يعني ساعة قال الله تبارك وتعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً (30) البقرة) هذه الشهادة كانت قد قيلت أم لا؟ المقدم: قيلت، وهو الواحد الأحد لا إله غيره قبل خلق آدم وقبل خلق السموات والأرض، هي حقيقة أزلية. د. هداية: هي أزلية بأزلية الله تبارك وتعالى. الله تبارك وتعالى أزلي بذاته وصفاته، لما يقول هو الأول والآخر نأخذها بمفهومين الأول الذي قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء وسنأخذ طباق الاستغراق الذي تحدثنا عنه سابقاً " وما بين الإثنين، ما بين الأول والآخر، يعني هو كل شيء. كان يقال سابقاً هو الأول والآخر والظاهر والباطن ثم قلنا هو الأول فلا شيء قبله، الآخر فلا شيء بعده، الظاهر فلا شيء دونه، نأخذ كل هذه المعاني على مدار ليس كمثله شيء حتى لا نعمل حدوداً لله تبارك وتعالى فهو الأول دون ابتداء وهو الآخر دون انتهاء، هذا معنى آخر وما بينهما إذن هو كل شيء، هو الأول والآخر وما بينهما وهو الظاهر والباطن وما بينهما فهو كل شيء، كل هذه المعاني يجب أن تكون ثابتة وكل هذا الكلام بأزليته سبحانه وتعالى. ولذلك أؤكد أنه ساعة قال (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) هذا الخليفة سيؤخذ من ظهره الذرية على التوحيد الذي شهد الله له به قبل آدم وقبل السموات والأرض فهي مسألة أزلية. إذن هذه الشهادة ليست لأمة محمد فقط والتوحيد لم يُطلب من أمة محمد فقط، التوحيد طُلب مع قول الله تبارك وتعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) وقلنا أن اللام هنا في (ليعبدون) هذه لام المطلوب، مطلوب العبادة على التوحيد ولذلك يجب أن نفهم أن الآية (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ) هذه شهادة أزلية قبل خلق آدم وقبل خلق السموات والأرض. ويتلوها المعنى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) من عهد آدم. المقدم: لماذا تكررت (لا إله إلا هو)؟ د. هداية: لأن التوحيد هو أساس العملية وهو أساس الشهادة وأساس الخلق والعبادة وأساس العمل وأساس كل شيء، وليس من قبيل الصدفة أن يقال (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء (48) النساء) يعني إذا جئت لله تعالى موحِّداً مع أي معاضي غفر لك، بالاستغفار تُقبل، حتى بدون توبة قد يغفر الله تعالى لك بمرجعية التوحيد، شيء واحد لا يغفر وهو الشرك. تكررت شهادة التوحيد في الآية لأن التوحيد هو الأساس والشهادة في التوحيد والجملة الاعتراضية (وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ) قد تقطع الكفهوم فالتكرار لترسيخ المفهوم في التوحيد ثم للتوصيف الذي سيأتي. وسأصيغ الكلام صياغة متصورة كالتي تتكلم فيها شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط وهو العزيز الحكيم لكن يجب أن نرسخ التويحد لأن العزة والحكمة مرتبطة بالتوصيف السابق فالعزّة تناسب الالوحدانية والحكمة تناسب قائماً بالقسط. لم يقل الغفور الرحيم مثلاً لأنه يتكلم عن التوحيد فلأنه الإله لواحد يقتضي العزة والقيام بالقسط وهو العدل يقتضي الحكمة، من الحكمة أن يكون قائماً بالقسط سبحانه وتعالى. المقدم: ما دلالة دخول (قائماً بالقسط) مع التوحيد؟ د. هداية: التوحيد قابله في الحياة الشرك والكفر، الشرك ظلم عظيم فيجب أن يكون هناك عدل. لو تصورنا أن للإله ولد سيظلم البشرية به لأنه سيحابيه ولذلك (قل هو الله أحد) لو قلنا لماذا؟ لأنه الصمد، ماذا فعلت هذه؟ لو يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد وهي (كفوءاً) ليس كمثله شيء المقدم: تأكيد أنه لا يلد ولم يولد لأنه صمد د. هداية: الإله الحق لا ينبغي أن يشتهي مثل أي بشر فلو تصورنا أن لله الشرك أن يكون له ولد يحابيه وهذا ليس عدلاً. المقدم: كأنك تجعل العقل البشري يضع الإله العظيم في إطار جسدي. د. هداية: هذه معاني أخرى لكن نتكلم في العدل. إبني وإبنك لو عندك وظيفة معينة من تضع فيها؟ إبنك أو إبني؟ مهما كنت تحبني. المقدم: هذا فيه كلام، لو كنت أتقي الله سأبحث من فيهم الأحق بالوظيفة. د. هداية: أنت قلت لو كنت أتقي الله، يعني هناك إله لك فلا ينفع أن تشبه أنا كإله، لكن لو سألتني السؤال ساقول لك أوظف إبني طبعاً، سأحابي لإبني وهذا أمر طبيعي من الطبيعة البشرية. لما أثبت الله تعالى لنا أن كل واحد ملزم بعمله وليس بالإمكان المجاملة فقال (يوم يفر المرء ) أتى بالعلاقات التي يمكن أن تجاملها وتحابيها، هذه كلها لا تنفع. عندما تقبل أن لله تعالى إبناً ستقبل أن يكون له أب، لما نفى القرآن قال (لم يلد ولم يولد) المثلية منتفية (ليس كمثله شيء) التصور هذا مرفوض ولذلك كرر التوحيد (شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) المقدم: الشهادة منفية وليس مثبتة، لماذا؟ كان يمكن أن يقال شهد الله أنه هو الإله الواحد الأحد، لماذا الشهادة منفية؟ د. هداية: تكلمنا في هذا سابقاً، لما تكلمنا (إياك نعبد) أخر الفعل حتى لا يكون هناك عطف وكذلك عندما تأتي الشهادة بالنفي يكون التصور مرفوض، لا إله إلا الله لم يقل الله الواحد لأن الطبيعة البشرية ستذهب في طريق الشرك أو الكفر أو النفاق، هذا سؤال من أصعب الإسئلة في الإجابة، نحن لم نأخذ الإجابة التي تشفي الغليل بالموضوع لماذا الشهادة منفية؟ استعرض أحوال الناس من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة كم عدد المؤمنين والمسلمين بالنسبة للغالبية العظمى؟ المولى عز وجل أثبتها لنا في سورة يوسف (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) الإيمان الذي يعني التسليم بالتوحيد وبعدها بآيتين قال (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) هذه الآية فيها توصيف خطير مؤمن ومشرك! المقدم: دخل في هذا التوصيف الذي قال أن لله ولد، أو يذهب لفلان ليقضي له مصلحة والذي يستعين بالجن، هذا كله شرك، الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر لنا أن الذي يذهب إلى العراف وجلس عنده وصدّقه فقد كفر بما أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم. السؤال الذي سألته أنت ليس صعباً إنما الإجابة عليه صعبة، انظر لعدد المؤمنين والمسلمين مقارنة بعدد المشركين والكفار والمنافقين! الإيمان عدد محدود جداً. المقدم: ولذلك الجنة واسعة وجهنم ضيقة وفيها حشر أسال الله أن يعفو عنا. د. هداية: جعلنا الله والمستمعين والمشاهدين من أهل الجنة إن شاء الله. المقدم: اللهم آمين. فاصل ثم نتكلم في الآية (إن الدين عند الله الإسلام) تابعونا مرة أخرى في طريق الهداية. -----------فاصل--------- المقدم: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)) كلمة الدين لم ترد مجموعة في القرآن وهذا يدل على أن الدين واحد وشرع واحد لكل الأنبياء والرسل. د. هداية: الدين هنا (إن الدين عند الله الإسلام) تعني الشرع العام لله تبارك وتعالى من عهد (خلق) إلى أن يبعث، من يوم خلق آدم إلى يوم القيامة. وأريد أن أركز على كلمة الأديان السماوية المنتشرة بين الناس، من ضمن إسلامك أن تزعجك كلمة (الأديان). هل من قبيل الصدفة أن الآية هذه تأتي بعد شهادة التوحيد؟ الشهادة: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو إن الدين عند الله الإسلام. هل هذه من ضمن الشهادة؟ أو تعقيب على الشهادة؟ هي مبنية على الشهادة. المقدم: بما أنه إله واحد فإذن الشرع لا بد أن يكون واحداً. د. هداية: لا يمكن أن يكون للإله الواحد أكثر من شرع، يمكن أن يكون له أكثر من منهج وأكثر من رسالة بحسب الأمّة واختبارها هذا مقبول لكن هذه الرسالة مبنية على الشرع العام ولهذا جاء في القرآن لنا نحن (شرع لكم من الدين) المقدم: لما بعث محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن اختراعاً جديداً غير باقي الأنبياء والرسل. د. هداية: (إن الدين عند الله الإسلام) ليس من عهد محمد صلى الله عليه وسلم وهذا ليس إلاسم محمد. الآية هذه في آل عمران هذا الإسلام شرع الله العام. كل أمة لها دين ومنهج وديانة يجب أن نفهم الفرق بينها. الذي يقول أن القرآن يناقض بعضه، أين اليهودية والنصرانية؟ التصور الذي عند معظم الناس أن الدين عند الله الإسلام هو إسلام محمد صلى الله عليه وسلم، هذا تصور فاشل لأن الله تعالى الدين عنده الإسلام. اليهودية ديانة وليست دينً، منهج موسى عليه السلام الذي هو متضمنه التوراة التي أنزلها الله تبارك وتعالى لرسالة اليهودية دينها الإسلام، اليهودية ديانة دينها الإسلام والنصرانية ديانة دينها الإسلام فلما اراد الله أن يختتم الديانات لأهل الأرض أطلق إسم الشرع العام على إسم الديانة الأخيرة لحكمة إلهية بالغة فصارت ديانة محمد صلى الله عليه وسلم الإسلام ودينه الإسلام. الحواريون لما قالوا لعيسى (قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ (52) آل عمران) ختموا قولهم (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) نحن نصارى رسالة النصرانية رسالة عيسى عليه السلام، هو سألهم (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ). سالنا سابقاً الرجل الذي قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن عيسى رسول الله أو موسى رسول الله هذا توصيفه مسلم. هذا معنى (إن الدين الله الإسلام) يعني التوحيد الذي شهد الله تعالى به وقلنا هذه شهادة الذات للذات الذي أعقبها قول الحق (إن الدين عند الله الإسلام) فأي رسالة تسمى أية تسمية ستبنى على الشرع العام الذي هو الإسلام المبني على التوحيد. اليهودية ديانة دينها الإسلام ومبدأها التوحيد، الشرع العام لله تبارك وتعالى من عهد آدم إلى أن يوم القيامة الإسلام. ما معنى الإسلام هنا؟ التسليم لأي رسول أو نبي يأتي. التسليم لأي رسول ماذا يعني؟ الرسول يأتي برسالة أساسها توحيد هذا الإله الذي أرسله. الرسالة ستختلف من نبي لرسول من عهد آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، هذه الاختلافات مبنية على أسس، الأساس الشرع العام الإسلام الذي هو تسليمك لهذا النبي أو الرسول. كلمة رسول تدل على أن هناك من أرسله. هذا الإله الذي أرسله بالحق المبدأ العام توحيده. المقدم: لذلك في سورة الأعراف يذكر لنا المولى سبحانه وتعالى عن أنبياء مختلفين أرسلهم لأقوامهم كلهم يدعون لإله واحد، جاء كل الأنبياء والمرسلين بالدعوة لتوحيد الله الذي لا إله غيره. د. هداية: كلهم جاؤوا برسالة لها مبدأ ولها شرع، الشرع العام الإسلام والمبدأ التوحيد المقدم: وكل الأنبياء قالوا نفس الكلام. د. هداية: أسئلة القبر لو دققنا فيها التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح هي نفسها للذين ماتوا على عهد عيسى وموسى وباقي الأنبياء بدليل من ربك؟ هل ينفع أن يكون الجواب مختلفاً في عهد عيسى عن عهد موسى عن عهد محمد؟! لا يمكن، من ربك" في كل العصور ولكل الأنبياء الإجابة ستكون الله ربي. ما دينك؟ لا يكون الجواب اليهودية عند أتباع موسى، لأن اليهودية ديانة وليست ديناً فالإجابة يجب أن تكون عند الجميع ديني الإسلام. ذكرنا سابقاً أن البطاقة الشخصية عندنا في مصر كتب عليها الديانة وليس الدين. الشخص الذي كتب البطاقة كان مصيباً في خطئه هو كتب ديانة ولو كتب الدين وكتب نصراني أو يهودي لكان خطأ. الذي شاع شاع خطأ كلمة الأديان السماوية كلمة خاطئة وقد شاعت بين الناس. يمكن أن نقول الرسالات السماوية أو الديانات السماوية لكن الأديان يرفضها المنطق المجرد لأن كلمة الأديان تعني أن لكل إله دين وبما أنه إله واحد فالدين يجب أن يكون واحداً. من الآية 19 إلى الآية 5 في سورة آل عمران توصيف للإسلام ثم يقول (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ (85)) لن يقبل منه كدين. لما تقول نحن أنصار الله تكون مسلماً (وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) لما قالوا نحن نصارى توصيفهم أنهم مسلمون. (إنا هدنا إليك) إذن هم مسلمون. طالما يكلمون رسولاً أرسله الله تبارك وتعالى الذي يدعوهم أنه لا إله إلا الله إذن هؤلاء مسلمون. والقرآن يخاطب أمة محمد صلى الله عليه وسلم على هذا الأساس فيقول (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (13) الشورى) لم يختلف الدين عند نوح ولا إبراهيم ولا موسى ولا عيسى ولا موسى، الذي لم يختلف هو الدين لذلك جاء كلمة الدين مفردة فالدين واحد. لو تكررت هذه الآية عند كل الأنبياء والمرسلين سيكون الدين واحداً. ثم قال (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) المشرك يميل إلى الشرك ويجعل مع الله شريكاً. (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) هذه الآية كأنه تعذر المشرك وتطلب الصبر عليه قليلاً، الرسل المذكورون في الآية يدعون جميعاً إلى التوحيد على شرع الله وهو الإسلام. المقدم: طالما الموضوع واضح إلى هذه الدرجة، رب العالمين يقول (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ (14) الشورى)هؤلاء عندهم علم فما هو الغبي الذي حصل؟ القرآن يتكلم أنه قبل أن يأتي موسى عليه السلام لم يكن هناك يهودية وإنما فرعون كان يقول للناس أنه إله ولما جاء موسى أسلم بعض بني إسرائيل ثم جاء عيسى عليه السلام (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) الصف) اتبعه بعض بني إسرائيل وأسلموا وهناك آخرون كذبوا فاضطهدوا عيسى وصلبوه. الذين اسلموا لعيسى كيف نصفهم بمنطق العصر الحديث؟ هناك رأي يقول أن عيسى جاء بعد موسى وبنفس الرسالة مكملة لبعضها فآمن به بعض بني إسرائيل ورأي يقول أن الذين آمنوا بعيسى ارتدوا عن اليهودية وتركوا رسالة موسى وكذلك لما جاء محمد صلى الله عليه وسلم بعض الناس كذبت رسالته ونبوته وبقوا على يهوديتهم أو نصرانيتهم وقسم آمنوا به لأن الشرع الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يتفق مع الشرع العام وما جاء به موسى وما جاء به عيسى ما الذي يجعل الناس هكذا؟ قسم يصدق ويؤمن وقسم لا يؤمن بالنبي الذي جاءهم ويعتبرونه خيانة للنبي الذي سبق؟ كيف نربط هذا السؤال بالآية (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)؟ هناك علم وهناك بغي. ---------فاصل---------- المقدم: لما يأتي كل نبي مبشراً بالذي سيأتي بعده، مبشراً برسالة الإسلام على أنها رسالة واحد رسالة كل الأنبياء وليست حكراً علينا نحن أتباع محمد صلى الله عليه وسلم. ربنا سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم أن الذين أوتوا الكتاب اختلفوا بعدما أتاهم علم، هؤلاء عندهم علم لكن ذكر (بغياً بينهم) فكيف نفهم هذه الصياغة؟ د. هداية: هم اختلفوا بغياً، بغياً سبب الاختلاف، هم اختلفوا بغياً بينهم (بغياً) مفعول لأجله تجيب على سؤال لمَ اختلفوا؟ المفعول لأجله يصح أن يكون جواباً لـ (لِمَ؟) مثل لما أقول قمت احتراماً لوالدي، لِمَ قمت؟ احتراماً لوالدي. هم اختلفوا بغياً. أسأل سؤالاً قبل الإجابة: ما الذي كان بين يهود المدينة والرسول صلى الله عليه وسلم؟ الصراع كان على أن محمد صلى الله عليه نزع الرسالة من بني إسحق إلى بني إسماعيل وهم كانوا يظنون أن نبي آخر الزمان الذي وردت أوصافه في كتابهم سيبعث منهم. هم حرفوا كتابهم الذي كان يتضمن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم. وعندما نسمع بشارة عيسى عليه السلام بـ (أحمد) يجب أن نعلم أنه سيكون نبياً عربياً لأن الأسماء لغاية عيسى كانت أعجمية فلما تسمع (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) توصيفه أفعل وكأني بعيسى عليه السلام يقول ومبشراً برسول يأتي من بعدي أحمد مني لرب الناس، لكن كلمة أحمد ومحمد أسماء عربية فهذا بيان أن النبي الخاتم سيأتي عربياً. أنت سألت سؤالاً مهماً جداً عن اليهود الذي رفضوا الإيمان بعيسى أو النصارى الذين رفضوا الإيمام بمحمد صلى الله عليه وسلم هل رفضوا الإيمان بهم على أساس التعصب؟ إذن كلمة بغياً صحيحة. الذين انتقلوا من اليهودية للنصرانية لماذا رفضوا محمد صلى الله عليه وسلم؟ ما الجديد؟ لماذا لم يعتبروا إيمانهم بمحمد مثل إيمانهم بعيسى؟ طالما انتقلوا من ديانة إلى ديانة فما المشكلة أن يؤمنوا بمحمد وينتقلوا من النصرانية إلى الإسلام؟ البغي بين الأمم (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) الشرك هنا نتيجة رفضهم الفكرة الأساسية للتوحيد والفكرة المنطقية للكون (قائماً بالقسط) ولذلك قال (لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) العزيز بالوحدانية الحكيم بقيامه بالقسط. المقدم: ولهذا من المنطقي أن يقول بعد هذه الشهادة (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ). د. هداية: هذه الآية ستأخذها مع الشهادة أو مع مناط الشهادة أو تقرير بعد الشهادة؟ أو هي قوام الرسالات بمبدأ التوحيد؟ قال (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ). الذي بعدها يبين العلّة (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ). (ِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) لو أنت مسلم حقيقي لماذا تختلف؟ لو أسلمت لموسى عليه السلام بما يرضي الله لماذا تختلف على عيسى؟ لو أسلمت لعيسى عليه السلام بما يرضي الله لماذا تختلف على محمد صلى الله عليه وسلم؟! هناك عهد مأخوذ على النبيين أنفسهم (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (81) آل عمران) كل نبي يمهد للذي بعده وظهرت هذه المسألة واضحة مع عيسى عليه السلام (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) الصف) أو شيء لم يُغفِل موسى وإنما قال (مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ) ونحن معه في هذا لأنني أنا كمسلم لن أقول محمد رسول الله إلا بعد أن أقول موسى رسول الله وعيسى رسول الله ومن قبل موسى لغاية آدم. منطق عيسى عليه السلام منطق واعي جداً لأنه ذكر موسى. في واقعنا في الحكومات لما تأتي الحكومة الجديدة تُظهر على أن الحكومة السابقة كانت فاشلة وأنها سياستها المتبعة كانت خطأ لكن هذا ليس دأب رسالات السماء، عيسى عليه السلام يقول (مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاة) كل ما جاء به موسى (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) لم يذكر الإنجيل لأنه ضمني إذا مان يؤيد النبي الذي قبله ويبشر بالذي سيأتي بعده وهو رسول الله يعني معه رسالة (الإنجيل) فالإنجيل وسط بين التوراة والقرآن. منطق الرسالات السماوية أن كل نبي أو رسول يمهد للذي بعده وهو يفعل هذا يؤيد الذي قبله. لما نسمع (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) كأن اختلافهم تعصباً لعيسى أو تعصباً لموسى وليس لله تعالى الذين أرسل الرسول، نسوا المبدأ الأساسي وضاعت فكرة التوحيد. (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) العلم الذي جاءهم ليس ذاتياً من عندهم هل موسى قال هذه التوراة من عندي أنا أكتبها وحدي؟ أو عيسى قال هذا الإنجيل من عندي؟ أو محمد صلى الله عليه وسلم قال هذا القرآن من عندي؟ صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين لم يدّعي واحد منهم الألوهية. قال تعالى في أمة محمد (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (13) الشورى) أين أمة نوح هنا؟ لم تُذكر لأنك أنت كأمة محمد يجب أن تؤمن بكل الأنبياء وستشهد على كل من قصّر من الأمة. الذي يهمني كتابع من أتباع محمد صلى اله عليه وسلم أن أكون مطمئناً أن نوح رسول وأن إبراهيم رسول وأن موسى رسول وأن عيسى رسول وأن محمد صلى الله عليه وسلم رسول فيقول تعالى مخاطباً أمة محمد (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) ما قال ما وصى به أمة نوح وإنما ما وصى به نوحاً، الأمة سمعت أو لم تسمع أنت ستشهد على هذه من خلال هذا الكتاب، لدينا مهمة نحن لم ننتبه لها. في آيات القرآن (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ (143) البقرة) هذه مهمة يجب أن نقوم بها من خلال القرآن، نقرأ القرآن ونشهد على الناس فيما قصّروا فيه فيجب أن نقرأ القرآن كله ونعرف بماذا قصّرت كل أمة. المقدم: إذن من واجبي كمسلم أن اقرأ القصص القرآني وأفهم كل أمة فيم قصّرت لأن الآية تقول (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) فأنا لا أريد أن أكون أنا عندي علم من القرآن ثم أكون من الذين اختلفوا بغياً بينهم. د. هداية: بغياً هذه لا تنفع معنا ولا كان يجب أن تنفع معهم لكنهم هم تعصبوا للنبي أو الرسول ونسوا الإله الذي ارسل الرسول. المقدم: آخر رسالتين قبل محمد صلى الله عليه وسلم اليهودية والنصرانية المفترض بالمنطق البشري المجرد كما ذكرنا هناك من سلم لعيسى أنه نبي وقالوا هم أنصار الله وأسلموا فلماذا اليوم أحفادهم لا يعتبرونهم خونة لأنهم تركوا رسالة النبي الذي قبله وآمنوا به طالما الجدود فعلوا هذا لماذا يرفض الأحفاد أن يؤمنوا بمحمد عليه السلام بعد عيسى؟ إذن هنالك تعارض وتضاد في العقيدة ما بين أتباع موسى وبين أتباع عيسى وكل منهما يقول شيئاً الغريب في الأمر أنه تاريخياً تم ضم التوراة على الإنجيل وسمي الكتاب المقدس. اليهود يكذبوا ويقولوا أن عيسى عليه السلام ليس النبي ولذلك نحن صلبناه فاليهود إلى هذا اليوم ينتظرون المجيء الأول للمسيح والنصارى يقولون المسيح رُفع ثم قام وينتظرون المجيء الثاني للمسيح فاليهود يقولون لم يكن عيسى نبياً ولذلك قتلناه والنصارى يقولون هو نبي رُفع وسيعود ثانية، بينهما تعارض شديد ومع هذا جمعوا العهد القديم والعهد الجديد في كتاب واحد بفكر واحد. د. هداية : القرآن حسم المسألة لأنه حكى لنا من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة والقرآن لما تكلم في تعاقب الرسالات من عهد آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ضرب مثالاً في خمسة أنبياء وهذه آية مهمة في عقيدتنا نحن (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) قدّم محمد على إبراهيم وموسى وعيسى. المقدم: عندي أسئلة في هذا الترتيب لماذا ذكر مع نوح الوصية ومع محمد صلى الله عليه وسلم الوحي؟ د. هداية: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الذي حصل من الأتباع ليس كما ذكرته الآية. إيمانك بالرسول لا يتجزأ عن إيمانك بكل الأنبياء والرسل من قبله وليس من قبيل الصدفة ما ورد في أوائل سورة البقرة وأواخرها لأن إيماني أنا كمسلم لن يكتمل إلا بإيماني بكل الأنبياء والرسل (والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ (4) البقرة) القرآن يذكر لنا التجاوزات التي حصلت وكل قوم ينتصرون لمجدهم الشخصي لا بحثاً عن الحقيقة، لماذا لم يغفر الله الشرك؟ لأنه لما يشرك الإنسان يشرك بأمر على هواه المقدم: الإنسان يكابر ولا يبحث عن الصح حتى يتبعه د. هداية: لأن المنطق المجرد (إن الدين عند الله الإسلام) المنطق المجرد (شهد الله أنه لا إله إلا هو) بدليل اختيار الملائكة وأولو العلم في الاية لأن الملائكة عباد لا تعرف أن تعصي وأولو العلم العلم سند على خلاف (وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ) هؤلاء ليسواو أولي علم لأنهم رفضوا العلم لكن توصيف أولو العلم (وأولو العلم) أولو العلم حملة العلم هذه تذكرما بـ (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا (5) الجمعة) هذه مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم إرجع فصلي فإنك لم تصلي؟ صليت وما صليت، حُمِّلت ما حملت. يجب أن نقف عند كلمة أولو العلم ويجب أن نحاول أن نكون منهم لأن أولو العلم أقل توصيف عندهم أنهم هم الشهداء. المقدم: (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) آل عمران). د. هداية: عليك البلاغ هذه تستمر إلى يوم القيامة في أمة محمد صلى الله عليه وسلم. المقدم: "بلغوا عني ولو آية" صلى الله عليه وسلم. أشكرك يا دكتور وجزاك الله كل خير. يمكن من خلال التفسير والكلام في آيات القرآن الكريم خرجنا بمعنى واضح وهو أن ما يوجد من صراع بين الأتباع في الديانات المختلفة هي صنيعة البشر والكِبر بين البشر أما الحقيقة ةابتغاء الحقيقة لن يؤدي إلى إلا حقيقة واحدة أن البشرية كلها أخوة في المصدر وأخوة في المصير والمفترض أن تلجأ حوارات الديانات لا الأديان أن تؤدي هذه الحوارات إلى أرضيات اتفاق لدعوة السلام والحب والتعاون وليس صراع الثقافات والحضارات والرسالات. مستمرون معكم في هذا الإتجاه لعل بهذا الكلام يفتح الله تبارك وتعالى قلوباً مغلقة إن شاء الله نراكم بألف خير ونكمل المسيرة في طريق الهداية. سلام الله عليكم ورجمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 21/7/2009م |
التوبة والاستغفار 111 تقديم علاء بسيوني المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. ونحن نتكلم عن التوبة كمفهوم علم وشامل وقفنا عند ملمح مهم في الآية 143 في سورة الأعراف في قصة موسى عليه السلام عندما ذهب للميقات الإلهي وكلّمه ربه دون واسطة ودون وسيط، فموسى كليم الله، هذا ربما جعل موسى يحاول أن يتمتع بجائزة أكبر وهي رؤية الله تبارك وتعالى طالما أنه حظي بالكلام مباشرة مع الله تبارك وتعالى، لما حصل هذا المشهد وتجلى المولى سبحانه وتعالى للجبل وجعله دكّاً موسى الذي رأى الجبل خرّ صعقاً، موسى صُعِق من رؤية الجبل الذي تجلى له الله سبحانه وتعالى لما أفاق قال (فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) لماذا التسبيح؟ والتوب هنا عن ماذا؟ هل عن معصية أو لمجرد طلب الرؤية؟ ولماذا قال وأنا أول المؤمنين وهو رسول؟ أسئلة مهمة جداً في صحيح العقيدة التي نبحث عنها وفي مسألة التوبة التي نتحدث عنها. أرحب بكم وأرحب بضيفي وضيفكم الكريم الدكتور محمد هداية.(وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) الأعراف) الآية التي بعدها رداً على كلام موسى (قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) رد عليه المولى تعالى (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144)) هل هذه الآية رد على كلام موسى؟ وكأن المولى تعالى يقول له ألا يكفيك أني اصطفيتك واخترتك فكن شاكراً على هذا ولا تطمع بالرؤية الدنيوية التي تستحيل على الجسد البشري؟ د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. هذا كله وارد في الكلام لكن ألفت النظر إلى أهمية العقيدة والتوحيد بفرعيه الألوهية والربوبية في هذه الآية. ويجب أن نلاحظ أن هنالك حدوداً لكل مخلوق حتى النبي أو الرسول له حدّ ينبغي أن يقف عنده. وهذه النقطة التي لم ينتبه لها أحد في مسألة تفسير القرآن أو تأويل القرآن. في بعض الأحيان وأنت تعرض آية أقول لك لا أريد أن أتكلم فيها الآن لأني لا أريد أن يكون الناس غير مستعدين لها القرآن علمنا أن كل شيء يجب أن يكون له حدود وإذا أراد أحد أن يتجاوز مسألة الحدود في العلوم في مسألة التفسير إذا كان العامة يقرأون القرآن مرة في الشهر فيجب أن الذي يحاول أن يعلم علم التفسير أو علم التأويل أو العلم اللغوي يجب أن يقرأ القرآن ما لا يقل عن خمسة أجزاء في اليوم، لو قرأ أقل من ذلك لن يتمكن من مسألة الإحاطة بعلم التفسير أو التأويل. الشاهد في كلامي أن كل شيء له حدود، أنت كبشر لك حدود، النبي له حدود، الرسول له حدود، كل واحد له حدود وله حدود حتى في المقام نفسه، على سبيل المثال لما الرسول صلى الله عليه وسلم صلى صلاة القيام والصحابة رأوه وقلّدوه فنام وناموا عن صلاة الصبح لأنه صلى الله عليه وسلم لما كان ينطلق في عبادة القيام التي هي تختص بالرسالة والتي هي الليل كله هذا لا ينفع مع الصحابة. حتى صيام الوصال نحن صيامنا من الفجر للمغرب بينما الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم يومين وثلاثة وخمسة وسبعة على اختلاف الروايات ولما تكلموا معه في هذه المسألة قال هيأتي ليست كهيئتكم، الهيأة هنا هي مسألة التحمّل. هو بشر (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ (110) الكهف) وقال تعالى (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) المزمل) القول ثقيل إذن الجسم ينبغي أن يكون مهيأ، نحن كلنا بشر والرسول صلى الله عليه وسلم بشر لكنه بشر يوحى إليه فيجب أن تكون تركيبته فيها اختلاف في التحمل ولذلك قال "أبيت يطعمني ربي ويسقين" وليس كما يقول الناس أبيت عند ربي! أضافوا (عند) وجعلوا لله عندية! يجب أن ننتبه لألفاظ الحديث الصحيح "أبيت يطعمني ربي ويسقين" هذه هيئة الرسالة ولذلك قال تعالى (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا (7) الطلاق) ما آتاني الله يختلف عما آتى غيري آتاها من طاقة وتحمل تقابل الامتحان أو الابتلاء أو العمل. المقدم: ولهذا أشد الناس ابتلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل د. هداية: كلما يشتد ابتلاؤنا نحن نحزن لكن نحمد الله تبارك وتعالى أنه وضعنا في هذه المنزلة وهذا فضل الله تبارك وتعالى يؤتيه من يشاء. أذكر الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه تعرض للهجوم ونحن كنا لا نتصور أن أحداً يهاجم الشيخ الشعراوي فكنا نشعر بحزن شديد أكثر منه هو ولكنه رحمه الله أخذ الأمر ببساطة وقال هل أنا أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم؟! قال الرسول صلى الله عليه وسلم اختلفت عليه قريش وأهله فهوّن علينا نحن الأمر. نحن نحزن لا من الهجوم وإنما من تعطيل المسيرة وتضييع الوقت في تفاهات لكن في النهاية هذا فضل من الله تبارك وتعالى نحمد الله عليه. لكن الآية تلفت النظر أن موسى عليه الصلاة والسلام طمع والنصّ يبين لنا عذر موسى (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا) المولى عز وجل هو الذي حدد الموعد له وحدد المكان وكلّمه مباشرة فهذا كله -إن صح التعبير-أعطى موسى عليه السلام بعض الطمع حت نتعلم نحن، هذا نبي وحصل له هكذا فماذا فعل موسى؟ يجب أن نتأسى بموسى في هذه المسألة ومحمد صلى الله عليه وسلم هو أسوتنا المطلقة المقدم: وموضوع الاصطفاء هو موضوع إلهي ليس نحن الذين نحدد من هو الأفضل بين الأنبياء د. هداية: مسألة قول الناس (يا أكرم خلق الله، يا أشرف خلق الله) أقول للناس أن يضبطوها لأن الله تعالى علّمنا (فلا تزكوا أنفسكم) ونحن يجب أن نعيش في وسطية الإسلام ونحن عندنا إفراط وتفريط. المقدم: في ذكرى الإسراء والعروج الناس تركز على قدر النبي صلى الله عليه وسلم وقدر باقي الأنبياء ويعملون مقارنات بينهم ويقولون موسى عليه السلام طلب الإراءة أما الرسول صلى الله عليه وسلم رأى دون أن يطلب. د. هداية: هذا الكلام لو قيل في توقيعه ليس فيه مشكلة لكن الناس تقوم بعمل مفاضلة بحيث أنك تشعر بالكره تجاه بعض الأنبياء الآخرين. سبق وقلنا للناس لا ينسحب كرهكم لليهود على موسى لأن العبض ينسحب كرهه لليهود على موسى دون أن يشعر فيجب أن نتوقف عند هذه النقطة فموسى رسول وخواتيم سورة البقرة وضعت كل شيء في نصابه (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ (285)) وكأني بالله تبارك وتعالى يلفت نظرنا إلى أن حبنا للرسول صلى الله عليه وسلم قد يؤدي إلى التفريق بين وبين باقي الرسل. المقدم: الناس تقول هذا الكلام ليس حباً بالرسول صلى الله عليه وسلم فقط إنما يقولون هذا في القرآن الكريم أن موسى هو الذي طلب الإراءة بينما الرسول لم يطلب وإنما أٌسري به ليرى من آيات ربه. د. هداية: هذا إن كان فضلاً في محمد صلى الله عليه وسلم فليس عيباً في موسى عليه السلام، هو فضل في الرسول. المقدم: ويقولون أن موسى حُدد له موعد قبل أربعين يوماً من لقاء ربه بينما محمد صلى الله عليه وسلم أُسري به في ليلة واحدة. ويقولون موسى عليه السلام قيل له (إخلع نعليك) أما الرسول صلى الله عليه وسلم وصل لسدرة المنتهى ولم يخلع نعليه. د. هداية: وفي حديث ينشره البعض عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل بنعله حتى يفضلوه على موسى عليه السلام وهذا من الأحاديث الموضوعة المرسلة. يقولون موسى قيل له إخلع نعليك ومحمد قيل له ادخل بنعلك، هذا حديث ضعيف وغريب وهو كلام خارج المنطق الإيماني. المقدم: ربنا سبحانه وتعالى هو الذي يفضِّل د. هداية: هو يفضل بعض الأنبياء والبعضية هنا في الدرجات في التفضيل ليس نبياً بعينه أو رسولاً بعينه. وكون الرسول صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين هذه قاعدة وأصل لا يمكن لأحد أن يتجاوزه. لكن أحياناً نسمع بعض الخُطب فيها مقارنات بين الأنبياء والرسل لا تليق. --------فاصل-------- المقدم: كلمات موسى تحتاج إلى وقفة (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ما دلالة قوله سبحانك أول ما أفاق من الصعق؟ د. هداية: ذكرنا سابقاً أن (سبحان) هي مصدر التسبيح وأنت عندما يُطلب منك التسبيح تقول سبحان مثلاً لما قال (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (96) الواقعة) قلنا سبحان ربي العظيم. فسبحان هي مصدر التسبيح الذي أطلقه الله تبارك وتعالى على ذاته وعلى نفسه ساعة قال (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى (1) الإسراء) وقلنا سابقاً أنه كان من الممكن أن يكون النص القرآني إن صح قولي هذا - سبح الذي أسرى، لكن حادثة الإسراء من الأحداث الكبيرة التي لن تستطيع أنت أن تسبح الله تعالى كما يجب فهو علّمك أن تقول (سبحان الذي أسرى). في الآية التي معنا موسى عليه السلام طلب الإراءة وهذا ليس تجاوزاً من موسى لأنه يجب أن نعرف الفرق بين طلب موسى حتى نكون منصفين وطلب بني إسرائيل لما قالوا (لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً (55) البقرة) أول خطأ في مقولة بني إسرائيل قولهم (لن نؤمن لك) الإيمان يجب أن يكون به وليس له، نحن نؤمن بك لله، نؤمن بك كرسول لله. ثم قولهم (حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) هذا طلب في منتهى قلة الأدب. المقدم: موسى طلب وبنو إسرائيل طلبوا فما الفرق بين الطلبين؟ ورد الفعل من الله تعالى هم أماتهم الله تعالى ثم أحياهم لكن موسى لم يمته الله تعالى وإنما هو خر صعقاً كأنه في حالة غيبوبة. د. هداية: الغيبوبة هنا ليست عقاباً بينما الإماتة لبني إسرائيل كانت عقاباً. ما حصل لموسى هي حالة حدثت من تجلي الله للجبل. هذا تأثير جانبي وليس عقاباً بدليل أنه لما أخذت الصاعقة بني إسرائيل أخذتهم وهم ينظرون يعني هم طلبوا الطلب ونفّذوه كأنهم يقولون نحن سننظر ويجب أن يُنفّذ ويروا الله وكأنهم اصبحوا آلهة وليسوا بشراً! إنما موسى عليه السلام طلب في أدب النبوة (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) وأرني هذه تحتاج لفهم المقدم: كأن موسى يقول يا رب إفعل هذه المسألة الناقصة عندي والتي تجعلني ببشريتي قادر على الرؤية. د. هداية: هذه قمة الإيمان أن موسى عليه السلام مؤمن أنه ببشريته لن يرى، الطبيعة البشرية لن تمكنه من رؤية الله ولما ردّ عليه المولى أيّد هذا المفهوم فقال (قَالَ لَن تَرَانِي) يعني لن تراني أنت الآن لكن يمكنك أن تراني بعد ذلك. يجب أن نفرّق بين كلمة (لَن تَرَانِي) أنت الآن وبين "لن أُرى". لن أُرى مطلقة لكن القرآن كلام الله ليس فيه تعارض ولا تناقض ولا زيادة ولا نقصان. قال (لَن تَرَانِي) في حين قال في موطن آخر (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) القيامة) هذا وقت آخر، هذا ليس في الدنيا وإنما في الآخرة حيث تكون الأجساد قد عُدّلت بما يتناسب مع الآخرة. فلما قال (لَن تَرَانِي) أجرى له التجربة التي تؤيد الرد الإلهي، كان يمكن أن يقول (لَن تَرَانِي) وينتهي الكلام والمولى عز وجل لا يُسأل عما يفعل لكن الآيات فيها مسألة عقيدية يقينية يجب أن يستوعبها الذي يقرأها. المقدم: ومن هذا أهمية اللغة العربية وفهم مدلولاتها في القرآن الكريم. المعتزلة والأشعرية قالوا أن الله تعالى لا يُرى لا في الدنيا ولا في الآخرة. د. هداية: عندنا مشكلتان إحداهما أن مسألة المعجم اللغوي لا تجد فيه معنى الكلمة وإنما أنت تضبط الكلمة فقط وعليك أن تجتهد داخل المعجم لتأتي بالمعنى. النقطة الثانية مسألة المعتزلة والأشاعرة هذه مشكلة في التفاسير وقد وجدت في بعض الكتب التي عُرضت عليّ قبل فترة يعتبرون أن الشيخ الغزالي معتزلة لأنه قال شيئاً قاله المعتزلة، الشيخ محمد الغزالي! الشيخ قال رأياً والمعتزلة هذا توصيف لناس معينين ولو قالوا مسألة منضبطة نأخذها وليس عندنا مشكلة فيها. الأشاعرة يستشهدزا دائماً بالزمخشري وهو معتزلة وهو إمام المعتزلة في التفسير وكتابه الكشّاف الذي يعتمدون عليه ويستشهدوا به صاحبة من المعتزلة! المهم عندنا أن تنضبط الكلمة في المعاني مع القرآن فقط، هذا الذي يهمنا. المقدم: نعود لكلام موسى د. هداية: لما قال تعالى (لَن تَرَانِي) قال بعدها (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) هذه تجربة عملية حتى نفهم لماذا جاءت كلمة (سبحان)، تجربة عملية للجبل وليس بموسى لأنه لا يقدر عليها. المقدم: هي رسالة لموسى أنه سيريه تجربة مع الأقوى (الجبل) ليؤكد له أنه لن يرى الله د. هداية: التجربة مع الجبل. لما سُئل علي بن أبي طالب عن أشد جنود الله قال أشد جنود الله الجبال الراسية والحديد يقطع الجبال والنار تُذيب الحديد والماء تطفئ النار والسحاب يحمل الماء والريح أو الهواء يقطع السحاب وابن آدم يغلب الرياح والسُكر يغلب ابن آدم والنوم يغلب السُكر والموت يغلب النوم. عشرة أشدهم الجبال الرواسي. ربنا تعالى يريد أن يُفهم موسى أن العيب ليس فيه شخصياً لو قال له "لن أُرى" كانت مشكلة لكنه قال (لن تراني) يولكن انظر إلى الجبل وهذه تجربة عملية إن استقر الجبل مكانه فسوف تراني (وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي)، كأنه تعالى ساوى بين موسى عليه السلام وبين الجبل (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا). (فَلَمَّا أَفَاقَ) أفاق نأخذها بكل معاني الكلمة أفاق من غيبوبة الصعق وأفاق من الغلطة الذي وقع فيها. المقدم: لماذا هي غلطة؟ د. هداية: كلمة (سبحان) تبيّنها. كيف فهمنا (سبحان)؟ عندما تقول سبحان ربي العظيم يعني أنزهه تعالى التنزيه اللائق به الذي قد أكون لا أعرفه. المقدم: عن أيّ ظن مني لحقيقة الإله قد تخالف الواقع. د. هداية: وهذا الذي حصل فقال (سبحانك) يعني أنزّهك عن الذي تصورته أنا، موسى عليه السلام تصور أنه يستطيع أن يرى الله مع أنه صان الاحتمال وقال (أرني) يعني أرني أنت يا رب. (فَلَمَّا أَفَاقَ) أفاق من غيبوبة الصعق وأفاق من الغفلة التي أصابته بأنه طلب هذا الطلب. هذه من الكلمات التي نطلق عليها في اللغة التورية يعني لها معنى بعيد ومعنى قريب، المعنى القريب متصور لكن البعيد هو المطلوب. (فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ) أنزّهك عن أنني في لحظة عندما طلبت هذا الطلب كأنني دخلت في قوله تعالى (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ (74) الحج). المقدم: هل يمكن أن يكون قصد موسى من قوله (سبحانك) سبحانك أني تخيلت أنا كإنسان ضعيف بإمكانياتي البشرية المحدودة أقدر أن أحيط بالخالق د. هداية: وإن كان الله تعالى قد كلّمه، كأنه يعتذر عن الطمع الذي أصابه والمبررات فإن كان حصل منه ذلك قال (سبحانك) التي تصلح كل الخطأ على اختلاف أهل التفسير. سبحانك تجبر الكسر. والأجمل منها قول موسى (تُبْتُ إِلَيْكَ) لم يقل إني تبت وإنما قال (تُبْتُ إِلَيْكَ). ما معنى تبت؟ كأنه عندما طلب هذا الطلب ابتعد موسى عليه السلام. التوبة هي عبارة عن رجوع وعكس التوبة الخطأ الذي هو بُعد، أتوب يعني أرجع بدليل كلمة (تواب) في قوله تعالى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة) التواب يعني الرجّاع يعني ربنا سبحانه وتعالى يرجعك يعني التوبة شرعها المولى ليرجعك بها إليه (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ (118) التوبة) تاب عليهم يعني أرجعهم، أعادهم، نبههم. المقدم: ألا تكون هذه الإعادة وهذا التنبيه في بعض الأحيان مؤلمة؟ بعض الناس تحصل لهم ولا يفهموها إلا بعد فترة من الصدمة. قد يكون بعيداً عن منهج الله ومسلكه لو استمر على هذا سيكون من أهل النار لكن رب العالمني يرحمه ويبتليه بمرض أو موت أحد أبنائه أو خسارة أمواله أو ذهاب سلطانه فيحصل له أزمة قلبية ويجلس في البيت ثم يبدأ بالتقرب إلى الله تعالى ويقرأ القرآن وفجأة يصبح من الصالحين ولما تسأله عما أبدل حاله يقول وفاة إبني أو مرضي أو خسارتي. يعني كأن الذي ظهر له أنه شر في وقته كان خيراً له د. هداية: هذا يفسره قوله تعالى (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ (118) التوبة) هذه الآية نزلت في الثلاثة الذي خُلِّفوا لكنه تؤخذ بعموم اللفظ أن الله تبارك وتعالى إذا رضي عن إنسان تاب عليه بمعنى أنه يهديه إلى التوبة فيجريها والتوبة أساسها رجوع لذلك إذا دققنا في ألفاظ موسى عليه السلام يظهر لنا كيف تتم العملية (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) وفي قوله تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ (70) الفرقان). موسى عليه السلام فعل هذا تاب وأعلن إيمانه بعد التوبة. إذن يجب تجديد الإيمان بعد التوبة يعني يجب أن تكون التوبة ليست في الغرغرة ولا عند الموت وإنما يجب أن يكون بين التوبة والموت وقت كافي أثبت فيه التوبة بعمل ولذلك في الآية في سورة الفرقان قال تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70)). البعض يطالبنا بقوله سهِّلوا على الناس ويسّروا على الناس ولا يهم غذا مات الإنسان وهو كافر! نقول لهم الإسلام ليس هكذا، والدعوة ليست هكذا. الدعوة أن تضع الأمور في نصابها لا إفراط ولا تفريط. أنا أشرح آيات لم نقلها نحن وإنما ربنا الذي قالها ونحن نشرح النص الإلهي فقط. هل موسى عليه السلام يحتاج أن يقول (وأنا أول المؤمنين) وهو نبي؟ يجب أن نتوقف عند هذه النقطة. هنا الآيات مُلزِمة هي تعتبر غلطة ولأنه نبي تكون الغلطة أكبر ومع ذلك المولى تعالى يجريها في القرآن لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ دروساً من هذا كله. إبراهيم عليه السلام حطم الأصنام والرسول صلى الله عليه وسلم لم يحطم الأصنام ولكنه أمر عابد الصنم أن يحطمها لأن تحطيم الأصنام عند إبراهيم نجحت لفترة يسيرة جداً ولم تُثمر فاستفاد منها الرسول عليه الصلاة والسلام وقِس على هذه القضية كثير. فلم يقل موسى "سبحانك إني تبت إليك" لكنه قال (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) لم يحتج إلى ضمير ولا تأكيد ولا غيره. عجّل الرجوع إلى الله ولم يؤجله فترك الضمير والتأكيد (إني) وقال (وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) لم يقل وأنا مؤمن أو وأنا من المؤمنين. كلمة (أول) هنا ليس ترتيباً زمنياً يعني واحد اثنان ثلاثة. موسى قال (وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ونحن عندما نقرأ نقول وأنا أول المؤمنين فكل واحد منا سيعتبر نفسه أول المؤمنين. المقدم: هذه مثل قوله تعالى (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81) الزخرف) -------فاصل--------- المقدم: الحوار الذي دار بين موسى عليه السلام وربنا سبحانه وتعالى عندما طلب الإراءة وعرفنا ماذا قال موسى لما أفاق (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) المولة سبحانه وتعالى رد عليه (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144) الأعراف) هل معنى الرد الإلهي هذا أنه ألا يكفيك يا موسى أني اخترتك على الناس أولاً برسالتي أنك رسول ولست بمنزلة البشر العاديين وثانياً أنك لست بمنزلة بعض الرسل الذين لم يكلمهم الله تعالى فإرضَ بما آتيتك وكن من الشاكرين. د. هداية: ما قلته رد على موسى عليه السلام ورد على فكرنا لما قلنا أن موسى طمع. كأن المولى سبحانه وتعالى يريد أن يقول أن تكليم الله تعالى لموسى كان يكفي موسى لأنه سبحانه لم يكلم مباشرة أحداً من المرسلين غيره فهل الذين لم يكلمهم الله تعالى يريدوا أن يكلمهم الله أم أن المسألة أنني كعبد ينبغي أن أكون شاكراً وأن ما أعطانيه المولى تعالى هو عطاء والسلب أيضاً عطاء. المرض سلب وأحياناً المرض يعيد الإنسان للتوبة، هذا عطاء بالسلب ملفت للنظر وكان سبباً في توبة العبد، إذن هو نعمة. الشاطر من المؤمنين من يخرج من المحنة بمنحة. المقدم: ما رأيك بالمقولة التي يرددها بعض الناس "اللهم اجعلني عبد إحسان لا عبد امتحان"؟ د. هداية: هذا كلام عبيط. ما معنى عبد إحسان وعبد امتحان؟ المقدم: يعني كأنه يطلب من المولى تعالى أن لا يمتحنه د. هداية: هل هذا كلام يليق أن يقوله العبد لربه؟! الله تعالى لا يُسأل عما يفعل. أنت لا تطلب الإبتلاء ولا ترفضه. لازم معنى الآية أنك لست أنت المسؤول يا موسى لتقول أريد زيادة. ينبغي أن نعيش ونكون راضين قانعين شاكرين لما فرضه الله تعالى علينا. الوضع الذي وضعك الله تعالى فيه ليس لنا كلام فيه فهو سبحانه إله وكلمة إله في توحيد الألوهية والربوبية وهو حكيم خبير عليم مهيمن محيط. بعض الأحيان تحصل لك أشياء في حياتك لو تدبرتها يتوقف دماغك! ما الذي يجعلك تقابل فلاناً من الناس في الطريق؟ وما الذي دفعك لتذهب في طريق ما؟ من يمكنه أن يأتي بهذه؟! نحن بشر والله تعالى يدير الكون كله كون منتظم. اصطفاء موسى عليه السلام لبني إسرائيل فيه حكمة واصطفاء محمد عليه الصلاة والسلام ليكون خاتم النبيين وأن عيسى عليه السلام هو الذي يبشر به له حكمة. ولو أننا تدبرنا كل حكمة يمكننا استخراج حكم أخرى من كل حكمة. هذا كون منتظم. الآية هي في منهج متكامل. ضربنا قبل قليل مثالاً في قول موسى عليه السلام (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) وفي الفرقان قال تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) القرآن يشرح بعضه بعضاً، الآيات منتظمة إنتظاماً بديعاً. قال موسى عليه السلام (وأنا أول المؤمنين) لأنه محتاج لها مثله مثل أي بشر، قد يكون احتياجه في هذا الموقف أكثر من احتياجي أنا لأنه هو نبي ورسول. هو قال (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) قال تعالى (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) هذا تخصيص لازم (يا موسى) لازم معناها إفاقة أخرى كما أقول لك إسمع أو إسمع يا علاء، هناك فرق بينهما المقدم: وكل واحد يحب أن يسمع إسمه من الذي يخاطبه لأن هذا يدل على أن المخاطِب يعلم إسمي ويستخدمه. د. هداية: (يا موسى) هنا إفاقة أخرى من الله تبارك وتعالى. (قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) هذه في حد ذاتها نعمة. وألفت النظر إلى أن الاصطفاء هنا هل هو اصطفاء إلهي لذاتية موسى؟ المقدم: هو اصطفاء إلهي بقدرة الله الذي قال له (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) طه) د. هداية: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) لم تقل إلا لموسى. الإصطفاء ليس ذاتية في المصطفى إنما الفضل الأول والأخير لله رب العالمين. نوضحها في رسولنا صلى الله عليه وسلم عندما قال له (وَالضُّحَى ﴿١﴾ وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ﴿٢﴾ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ﴿٣﴾ وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى ﴿٤﴾ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴿٥﴾) قال (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى ﴿٦﴾ وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى ﴿٧﴾ وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى ﴿٨﴾) وكلمة (يجدك) هنا بمعنى أوجدك. وجده يتيماً فلم يتركه إنما (فآوى) والناس لا تزال تقول أن الرسول يتيم، المولى تعالى أعطى الصفة وأزالها في حين أن الأمية قال (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ (157) الأعراف) هذه صفة مثبتة. المقدم: لأن هناك سبب لاستمرار وجودها. د. هداية: أمي ثابتة لكن يتيم فآوى، عائلاً فأغنى إذن هذه صفات وُجِد عليها الرسول وأزيلت فوراً بمدد من رب العالمين. إذن هل تكون الذاتية في محمد؟ المقدم: لا. د. هداية: فما رأيك بالكلام المنتشر هذه الأيام أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي يأخذ القرآن وهو الذي يضع القرآن وهذا نوع من أنواع التصوف! والكتب التي أتكلم عنها موجودة عندي وكتب فيها أن الرسول يأخذ القرآن من نفسه بذاتيه هو وهذا نوع من أنواع التصوف والحب للرسول وهذا ضرب من الخبل! لا نملك إلا أن نقول لا حول ولا قوة إلا بالله. الإصطفاء ليس ميزة في المصطفى أو فضل في المصطفى أو المختار أو المنتقى إنما الفضل في الله تبارك وتعالى ولذلك قال له (قَالَ يَا مُوسَى) إفاقة ثانية (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) هذا فضل. اصطفاه على الناس برسالاته وبكلامه (بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي) هذا فيه أكثر من فضل. الإصطفاء بحد ذاته فضل، وأن يرسله الله تبارك وتعالى نبي ورسول هذا فضل، أن يكلمه الله تعالى مباشرة هذا فضل. فيريد أن يرد على موسى وعلينا ونحن نفكر ونقول ما الذي أطمع موسى؟ كان علينا أن نقول أن موسى ما كان ينبغي له أن يطمع بالفضل لأن الفضل المفروض أن تكون شاكراً له وعليه (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ). ما معنى (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ) ما لازم معناها؟ المقدم: يعني أُشعر بقيمة النعمة وفعّلها. د. هداية: وارضَ بها واكتفي. (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ) يعني اكتفي وارضى وأنت لست متضايقاً. هذا القصص وهذه الحالات ليست لأجل موسى وإنما لنا نحن وستجد هذه الحالات عندنا لكن في أمور أخرى، نحن لدينا نعم أخرى تركناها ونطلب أشياء أخرى، علينا أن نرضى ولذلك إرضَ بما قسم الله له تكن أغنى الناس. وقد يكون المتحدث إليه فقير جداً لكنه إذا رضي يكن أغنى الناس. أغنى الناس بماذا؟ أغنى الناس عن الناس أنك تغتني عن الناس لله تبراك وتعالى هذا يكفي. المقدم: يبدو أن المدنية الحديثة أثّرت بشكل سلبي مريع على الناس أو على نسبة كبيرة من الناس لدرجة أنهم رأوا مع العولمة قصور العالم الغربي والعربي وهم يسكنون في بيوت متواضعة فكل واحد أصبح يتصور أن من حقه أن يعيش بهذه الطريقة. د. هداية: هذا ابتلاء في حد ذاته. الذي ضيّع الناس هو الطمع وعدم الرضى والنظر لأعلى بينما علمنا الرسول عليه الصلاة أن إذا أردنا المقارنة فعلينا أن نقارن بمن هو أقل منك. وقد يقول البعض وهل هناك أقل مني؟! نقول له ق يكون اقل منك في الصحة أو في الأولاد أو في أي شيء آخر. المقدم: المقياس سابقاً كان: من بات آمناً في داره معلفى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، فماذا تريد بعد؟! د. هداية: والذي ضيّع الناس هو عدم الرضى والتطلع إلى أمور تافهة أتفه مما يتصور ذات المتطلع لأنه يمكن فيروس لا يُرى يلخبط له الأمور. المقدم: موضوع الإنجاب، كل الناس لما تتزوج يتوقعون أن الإنجاب حق مكتسب وأنه سينجب بالتأكيد أن المرأة طالما أنها زوجة فلا بد أن تكون أماً. لكن الله تعالى قال (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ (49) الشورى) فهي هبة من الله تعالى ويعترض البعض على إنجابه ذكراً أو أنثى أو عدم الإنجاب مطلقاً. وهناك كثير من الناس تركوا كل أنعم الله وما آتاهم الله من نسب ومكانة وصحة وتمسكوا بمسألة الإنجاب ويقولون حياتهم ليس لها قيمة ولا يمكنهم الاستمتاع بحياتهم وأنها بدون قيمة لأنه لم يرزق بولد. د. هداية: وكأننا نفرض على الله سبحانه وتعالى عطاءاته. لازم معنى الآية (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ) اكتفي بعطاء الله واضرى بما قسمه الله لك ورضاك يجب أن يلتزم الشكر (وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) المقدم: لأنني بجهلي قد أكون أريد الولد ولو أعطاني الله تعالى الولد قد يكون سبب شقائي د. هداية: هذه حقائق أمامنا. المقدم: أنا مؤمن وطائع أريد ولداً فيأتيني على كبر فأنشغل به عن ديني وعن الطاعة وأنشغل بالنعمة عن المنعِم فيكبر الولد ويصبح لديه طلبات وليس عندي مال يكفيه فاسرق لأعطيه أو أرتشي. د. هداية: هذه الكلمات التي معنا (سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) ثم (فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ) موسى يقول سبحان تبت إليك والمولى عز وجل لم يسكت وإنما ما زال هنالك جوانب أخرى لا بد أن تكتمل في التوبة. هذه الاية عمدة مع آيات الفرقان ونحن نكمل آيات الفرقان وقبلها سنتوقف عند بعض آيات سورة النساء. يجب أن ننتبه إلى أن الذي يتوب يجب أن يقف مع نفسه ويسالها لماذا فعل هذه المعصية؟ حتى لا يكررها ثانية. لماذا فعلها؟ عدم رضى. الإسلام في الحدود مثل قتل النفس كان أمام قتل النفس نفس وقال في عباد الرحمن (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ (68)) حتى تتوب إلى الله من القتل يجب أن تقدم نفسك في القصاص حتى تكون التوبة مقبولة. وسنتكلم في هذه النقطة باستفاضة لأنها في منتهى الخطورة فالبعض يظن أنه إذا قتل نفساً ثم تاب فقط تُقبل توبته. المقدم: إذن تقديم النفس مقابل النفس التي قتلت هذا له سند شرعي؟ د. هداية: طبعاً. أن يعفو صاحب الدم فالقصاص هنا حق فهذه تحتاج أن نتوقف عندها. المقدم: جزاكم الله كل خير. سنعود مرة ثانية لآيات سورة النساء (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18)) حتى ننهي موضوع التوبة ونقول أن المتاب الذي سميناه مكان آمن نريد أن نكون في حضنه دائماً على لا نخرج من معية الله ومنهجه ونكون عند خروج الروح من الجسد من الذين يقال لهم يا ايتها النفس المطمئنة إرجعي إلى ربك راضية مرضية. يا رب نكون من أهل الجنة نحن وإياكم بإذن الله، نراكم على خير، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 13/10/2009م. |
التوبة والاستغفار 112 تقديم علاء بسيوني المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. ونحن في رحلتنا في البحث عن حالة التوبة التي قطعنا فيها مشواراً طويلاً في حلقات زادت عن المائة نتكلم عن حالات وارتحالات في القرآن الكريم ووقفتنا اليوم مع آيات في سورة هود. ونسأل عن موضوع التوبة وموضوع الجنة والنار، كيف نفهم نحن هذا الموضوع؟ وماذا قيل لنا خلال السنوات الماضية من خلال الخطب والمنابر وموضوع الدخول والخروج من النار وأسئلة كثيرة سألها الناس في هذه النقطة بالتحديد وخصوصاً الخلاف بين مدرستين مدرسة تقول الناس فريقان إما فريق يدخل الجنة أو فريق يدخل النار أو الرأي الثاني الذي يقول أن كل إنسان بحسب السيئات التي عملها يدخل النار قليلاً ليكفر عن ذنوبه ويتطهر ثم يدخل الجنة بعد أن يدخل أهل الجنة الجنة. أين ضوابط هذا الكلام؟ وما هي أسسه وأحكامه وقواعده؟ هذا الذي سنحاول الإجابة عنه في هذه الحلقة وخصوصاً الأمور المرتبطة بالتوبة، هل ستتمكن من أن تتوب قبل الموت؟ ومتى تموت؟ هذا السؤال الذي لا يعرف إجابته أحد، الناس الذين يؤجلون ويقولون ربنا سيهدينا فيما بعد وادعو الله لنا أن يهدينا، فهل هؤلاء يضمنون أنهم سيعيشوا حتى يتوبوا؟ وهل التي تؤجل موضوع الحجاب إلى أن تتزوج هل هي تضمن أنها ستتزوج؟! أسئلة خطيرة جداً لأنها متعلقة بقضية أسميها قضية الفرصة الواحدة التي هي حياتك التي تعيشها مرة واحدة فقط. أرحب بكم وأرحب بضيفي وضيفكم الكريم فضيلة الدكتور محمد هداية.نستمع إلى الآيات في سورة هود (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴿١٠٣﴾ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ﴿١٠٤﴾ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴿١٠٥﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴿١٠٦﴾ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴿١٠٧﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴿١٠٨﴾) هناك وقفات كثيرة في هذه الآيات من سورة هود. هناك أسئلة متعلقة بموضوع المشيئة ودور الإستثناءات في الآيات. الآيات قسمت الناس إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في النار وليس بينهما فريق وسط. د. هداية: الفريق الثالث غير موجود، هذا في الوهم. الذي أرسل يسألنا عن هذا الموضوع أحد اثنين إما أنه يريد أن يؤكد الذي نقوله وآخر فرح بالاستثناء في الآية 107 بالنسبة لأهل النار. المقدم: أول ملاحظة أنا الآيات قسمت الناس إلى فريقين شقي وسعيد، عندما يوصّف القرآن الفريقين يتكلم عن أهل النار يقول (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) الفعل ليس مبنياً للمجهول بينما يتكلم عن أهل النار (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا) مبني للمجهول. هل الموضوع له علاقة أن الذين شقوا لم يبنى الفعل للمجهول وكأن المقصود أنهم هم الذي فعلوا هذا بأنفسهم لكن الذين سُعدوا هذا يؤكد كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم "لن يدخل أحد الجنة بعمله قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته". فهل بناء الضمائر واختلافها مهم وله إشارة؟. د.هداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. هذه الآية سُئلنا فيها أسئلة من أكثر من سائل، بعضهم أرسل ليؤكد الفكرة التي قلناها لأنه فهم الآيات كلها مع بعض وهناك آخر قال الآية ذكرت في أهل النار (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) وكأنه لم ير الآية التي بعدها في وصف أهل الجنة الذين ورد فيهم نفس الاستثناء (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ) لا ينفع أن يكون الشخص متصوراً شيئاً والشيطان يعمل له تلبيس فيها لدرجة أنه يعميه عن الآية التي بعدها، الآية التي بعدها فيها استثناء. وعندما تقرأ التفاسير فيها تجد أن بعض المفسرين فعلوا هذا وذهبوا في سكة الاستثاء في أهل النار فقط وغفلوا عن الاستثناء في أهل الجنة فهل سيخرج هؤلاء من الجنة؟! يجب أن نأخذ الآيات بمفهومها اللغوي المنضبط لأن الآيات ليس فيها مجاملة، آيات الجنة والنار في القرآن كله قسمت الناس إلى فريقين وهذه الآيات من ضمنهم والاستثناء موجود وهم داخوا في موضوع الاستثناء لأننا نحن لا نشغل العقل والقلب في مراد الله وإنما نشغله في مرادنا نحن وأهوائنا نحن. المقدم: هل تقصد أنه في اختلافات التفاسير والاجتهادات في عالمنا المعاصر صار الهدف هو إثبات أننا أنا على صواب لا أن أبحث على الحقيقة في مراد الله؟ د. هداية: الله يفتح عليك. (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) المؤمنون) فرحون هنا لا تعني فرحانين وإنما تعني بلازم المعنى متعصبين لرأي ويريد أن يلوي عنق النص على هواه بعيداً عن مراد الله. لكن لو وضعت الآية واشتغلت بها باللغة العربية التي نزل بها القرآن إرضاء لله تبارك وتعالى وتحقيقاً لمراد الله ستصل. لكننا نحن لا نفعل هذا، نحن نسير بنعرة يهودية (قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ (104) المائدة) لا يهمنا من الذي قال وإنما يهمنا الحقيقة. المقدم: واليهود قالوا أيضاً أنهم لن تمسهم النار إلا اياماً معدودة (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً (80) البقرة). د. هداية: في عرض هذه الآيات هذه النعرة والفكرة فكرة يهويدة صرف والناس تسير وراءها بدون تفكير. المقدم: والله تعالى رد على هذه الفكرة (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (80) البقرة) د. هداية: (فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ) (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) وهذه هي الحقيقة (أم) هنا تضع الأمر في نصابه. إذن الذي يتكلم في الدخول والخروج يتكلم على الله بما لا يعلم لأنه ليس من المنطق أن لا يعرض القرآن مسألة كهذه. ليس من المنطق أن تأتي يوم القيامة وتُفاجأ بشيء. لو الفكرة مقلوبة والاستثناء الذي داخوا فيه أن هناك خروج من الجنة فهل ينفع أن تُفاجأ بعد دخولك الجنة تمكث فيها قليلاً ثم تخرج منها؟ أين تذهب؟! المفهوم عند هؤلاء أن الذين يدخل النار يذهب إلى الجنة بعد أن يخرج منها، هذا بمفهومهم العبيط! فأين سيذهب الذي سيخرج من الجنة؟! هل من المنطق أن تدخله النار؟! سيقولون بالطبع لا. إذن أين سيذهب؟ والله تعالى قال (إلا ما شاء ربك) في الحالين؟! إذن هناك أمر غير مفهوم. المقدم: مسألة الأفعال (شقوا) هؤلاء أهل النار هم الذين فعلوا هذا بأنفسهم، (سعدوا) الفعل مبني لما لم يسمى فاعله. د. هداية: الفكرة اليهودية تقول أنك ستدخل النار قليلاً ثم تدخل الجنة هذه لا سند لها من القرآن ومناطها أن تستمر على المعاصي وتفعل ما تريد فأنت بهذه الفكرة تكون قد فعلت شيئاً نزل القرآن يقلبها فأفسدت المجتمع، الذي يبقى على المعصية مشكلته ليست في حد ذاته وإنما مشكلته أنه يفسد في الأرض ويقلب المجتمعات عبر العصور ولهذا أرسل الله الرسل. الفكرة هذه مناطها غير موجود في القرآن. وسبق أن سالنا هل يعقل أن المولى أن يبعث رسولاً يقول لك إفعل ما تشاء؟ بالطبع لا. إذن لماذا أرسل الرسول؟! الناس من غير منهج سيفعلوا ما يشاؤون. ما الذي يجعلهم يخرجوا مما يريدوه إلى الذي يريده الله تعالى؟ المناهج، الكتب، الرسل. الفكرة الأولى غذن تقول إفعل ما تشاء واستمر على المعصية وأنت ستدخل النار ثم تخرج منها إلى الجنة، الفكرة الثانية تقول هنا يقول لا، يجب أن تنتبه أنك لو أردت أن تكون من أهل الجنة تحتاج لتوبة فقط واستمرار على طاعة الله تبارك وتعالى. والرجل الذي سأل الرسول فقال له قل لي عن شيء أعمله لا اسأل أحداً بعدك فقال له الرسول "قل آمنت بالله ثم استقم" يعني قول يتبعه استقامة، فاستقم هنا تعني العمل، هذه ليست صعبة. قد تقول لكني سأبتعد عن المنكرات والموبقات والسرقة، أقول لك أن الفطرة السليمة لا تقبل بها وترفضها، هذا بعيداً عن المناهج. أنت فعلت ما فعلت والتوبة تدخلك الجنة لكت التوبة تحتاج إلى عمل صالح (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70) الفرقان) وهذه لها سند في القرآن وكل مناط الآيات مبني على هذه الفكرة. لما نأتي إلى الفعل المبني للمعلوم والفعل المبني لما لم يسمى فاعله (لا أحب أن أقول مبني للمجهول) تجد أن الله تبارك وتعالى عمل هذا في كل أعمال أهل النار وأعمال أهل الجنة حتى يقول الرسول صلى الله عليه وسلم هذا الحديث "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" هذا الحديث مفهوم عند الناس خطأ، ما معنى " لن يدخل أحدكم الجنة بعمله "؟ بعمله البعيد عن المنهج ليس معنى هذا أنه يفسد في الأرض ويدخل الجنة! هنا كلمة عمله الأولى يبينها "إلا أن يتغمدني الله برحمته" فيهديني إلى العمل الصالح وسيكون عمله أيضاً، لكن عمله الأولى هو العمل من غير منهج. الناس فهمت الحديث أنه لا نعمل وإنما سندخل الجنة برحمة الله! يعتقدون أنهم يمكن أن يفسدوا في الأرض وربنا يدخلهم الجنة! المقدم: تصديق هذا الحديث في القرآن الكريم أن أهل الجنة أول ما يدخلوا الجنة يقولون (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ (43) الأعراف) هدانا للعمل الصالح الذي يدخلنا الجنة. د. هداية: برحمته. كأنك تقول الحمد لله الذي هدانا برحمته لهذا العمل. لكن نحن عملنا، يجب أن نفهم الحديث في إطار القرآن والسُنة الصحيحة "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" يعني بعمله الذي من دماغه هو بعيداً عن المنهج. "قيل ولا أنت يا رسول الله؟ قال إلا أن يتغمدني الله برحمته" التغمد بالرحمة هنا يؤدي إلى أن يهديه للعمل الصالح فيعمل فيُقبل. إذن من رحمة الله أن يهديك للعمل الصالح التي هي (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا) أي برحمته (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) من غير مناهج، من تلقاء أنفسنا أو جرياً وراء شهواتنا أو اتباعاً للهوى، لماذا؟ المقدم: نأخذ الإجابة بعد الفاصل. ----------فاصل------------ المقدم: موضوع الأفعال وموضوع لماذا؟ د. هداية: لأن القاعدة القرآنية هكذا. يجب أن نفهم الحديث بشكل صحيح لن يدخل أحدكم الجنة بعمله المجرد عن المنهج لأن المنهج له قاعدة (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ (27) لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ (28) التكوير) إياك أن تعتقد أن مشيئتك ستكون مجردة عن مشيئة الله (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (29)) إذن مشيئة الله رب العالمين أن يهديك برحمته لمنهج تطبقه فأنت في النهاية ستعمل. المشكلة أن الناس فهمت الحديث "لن يدخل أحدكم الجنة بعمله" يظنون أن الحديث يعني أنه مهما عملت فليس هناك فائدة، هذا كلام عبيط! إذا كان المفهوم صحيحاً فماذا يفترض بك أن تفعل في الدنيا؟! ساعة قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات) العبادة هنا عبارة عن عمل وليس نوماً والعمل على منهج الله. إذن لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لن يدخل أحدكم الجنة بعمله المقصود عمله المجرّد بهواه عن منهج الله. كما ذكرنا سابقاً أن العبودية علاقة بين طرفين المعبود سبحانه وتعالى والعابد وسألنا هل تمشي على مراد المعبود أو على مراد العابد؟ المقدم: على مراد المعبود. د. هداية: لو سرت على مراد العابد هذا عمل العابد المجرد هذا لن يدخلك الجنة ولو سارت على مراد المعبود لن ينام العابد وإنما هي على مراد المعبود العابد سيعمل من خلال منهج المعبود سبحانه وتعالى لكن يجب أن يعمل. الإشكالية أننا نفهم الحديث بسرعة لكن على هوانا. وتجد أحدهم يقول هذا الرسول قال لن يدخل أحدكم الجنة بعمله! هل الرسول جاء ليقول لنا ناموا؟! وهل المنهج نزل ليقول لنا ناموا؟! المقدم: هذا الكلام يُردّ عليه بمنتهى الوضوح على كل أصحاب التيارات الفكرية والأصوات التي نسمعها في الفضائيات ونقرأها في الصحف أنه لماذا يعلو صوت الدين؟ ولماذا تدخلون الدين في كل شيء؟ د. هداية: لأن المنهج يضبط كل شيء. المقدم: لأن الله سبحانه وتعالى لما خلق الكون لم ينس شيئاً ولما خلق ابن آدم لم ينس شيئاً فطالما أن ابن آدم هذا من خلق الله وأنه سيعيش في هذا الكون الذي هو من خلق الله من المنطقي والمنطق المجرد أن يكون هناك ضوابط تحدد معيشة هذا الكائن في هذا الكون. في الجانب السياسي والحكم والشورى هناك قواعد، في الزواج هناك قواعد، في الطلاق قواعد، في الموت والميراث هناك قواعد، في الإنجاب هناك قواعد، في التجارة والمعاملات هناك قواعد. د. هداية: الذي سبب المشكلة أن بعض الحكومات العربية اعتبرت أن جماعة مثل التكفير والهجرة أنها جماعة دينية وهذا حساب خطأ. المقدم: ونحن أيضاً في وسائل الإعلام بعض الزملاء يخطئوا في هذا وكلما حدث حادثة يقولون الجماعات الإسلامية د. هداية: الحكومات ارتاحت من المتدينين بشكل صحيح لأن هؤلاء ليس لهم علاقة بالحكم ولا الحكومة ولكن يشتغلون بما يرضي إلى الله. إنشقاق الجماعات الإسلامية جاء نتيجة أن بعض الناس تريد أن تطبق العنف وتقتل وتحرق، أنا رجل داعية إلى اله أنت لم تسمع كلامي فلماذا أقتلك؟ ما علاقتي أنا بعدم هدايتك؟ هذا بداية الإنشقاق. المصيبة أن بعض الحكومات اعتبرت التيارات الفاسدة أنها تيارات دينية لدرجة أننا نحن شجعنا الغرب في مسألة مكافحة الإرهاب لم يقف أحد وقال لهم أن الإرهاب يمنع الإجرام وأن كلمة الإرهاب مطلوبة ونحن استخدمناها خطأ وتركناهم يطلقونها. لما تطلق على الذي ضرب الأبراج في أميركا أنه إرهابي هذا هبل، هذا ليس إرهاباً وإنما إجرام. القرآن علمنا في الإرهاب (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ (60) الأنفال) الإرهاب هنا لتمنع الآخرين من الاعتداء عليك ولا أنت لا تعتدي. أنت تعمل القوة حتى يخاف العدو منك ردعاً، إذن لن نحارب ولن يكون هناك إجرام، لو طبقنا الإرهاب الذي هو (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ) ترهبون يعني تخيفوهم أن يقاتلوكم، إذن أنت بالإرهاب منعت الحرب. يجدك قوياً فيخاف أن يضربك. هذا مفهوم الإرهاب عندنا. المقدم: إذن العمليات الإجرامية التي فيها قتل الأبرياء هذا إجرام د. هداية: هذا إجرام وعنف مرفوض يرفضه الإسلام تماماً. نحن لما انشققنا منذ سنوات انشققنا لأنني أنا رجل أدعو إلى الله أعرض عليك الإسلام وأنت لا تريده فلماذا أقتلك؟ القرآن قال للرسول صلى الله عليه وسلم (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) النور) (لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ (22) الغاشية) (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ (125) النحل) ولو كان هناك جدال (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125) النحل) كل هذه آيات. فأنت لما تحسب الإجرام وتقول عليه إرهاب أنت أفسدت القضية اللغوية في الدين ولما تحسب جماعة تقتل وتحرق وتكسر وتقتل أطفال وأبرياء وتحسبها جماعة دينية هذا خطأ. الجماعة الدينية الصحيحة أنا أدعوك إلى الله فإذا لم تتبع فأنت حر وأنا أستمر في دعوتي ومنهجي وما علي إلا الإيضاح. الإشكالية حصلت هنا أنهم حسبوا الجماعات المجرمة التي أفسدت مظهر الإسلام ولم يصحح أحد هذه الفكرة للغرب، يجب تعديل الكلمة وأفهموهم ما معنى الإرهاب. ما يحصل ليس إرهاباً نحن لو أيدنا قتل الأبرياء والمدنيين يهود نصارى مسلمين هل نكون رجالاً ندعو إلى الله؟! أبداً، وتكون خرجت عن مراد الله في المنهج. المقدم: علينا أن نفرق بين النيات أو الغفلة والنيات المبيتة ونظرية المؤامرة أحياناً هناك أناس لا تعرف شيئاً فأي شخص يتكلم بإسم الإسلام يقولون أن هذا هو مفهوم الجهاد وتطبيقه في الإسلام فالناس في الغرب تصدق فيقولون الإسلام شيء سيء للغاية د. هداية: طبعاً، أنت ساكت وتؤيدهم في بعض إذاعاتك وقنواتك وتقول الجماعات الإسلامية المتطرفة. يجب أن لا يقال عنها إسلامية على الإطلاق إذا لجأت إلى الضرب والقتل المقدم: سميها عصابات. هي خارج الإسلام. نقبض هذا في الغرب أفلام هوليوود الملئية بالعنف وتعرض لبعض العصابات الإجرامية الموجودة في كل الولايات الأميركية وعصابات الجنس والمخدرات أحياناً تجد مجرماً قاتلاً يفجر الأبرياء في بيوتهم ويقتل يصورونه وهو يلبس صليباً في عنقه هل هذا معناه أنهم يقولون هذه المسيحية تدعو إلى قتل الأبرياء. د. هداية: لو كان نصرانياً أو يهودياً على ديانته، لو هو مؤمن بديانته لا يقتل لا يمكن أن تكون هناك ديانة أنزلها الله تبارك وتعالى تدعو للقتل أبداً ولذلك (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران) يعني الدين الذي حكم كل الديانات دين واحد فلا يمكن أن تختلف ديانة عن ديانة في الشرع العام. المقدم: لا يمكن أن يقول لموسى إقتل ولا لعيسى أقتل د. هداية: هذه القضية يجب أن تحسم فكراً. ندخل لموضوع الضمائر (شقوا) هم الذين شقوا و(الذين سعدوا) دخلوا الجنة، بنى الفعل هنا لما لم يسمى فاعله لأن الله أسعدهم بانه رحمهم بأن هداهم للمنهج. المقدم: والباقون؟ لماذا لم يهدهم الله؟ د. هداية: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً (10) البقرة) لا تحاسب الله على خبرته، فرّق بين العلم والخبرة وبين أنه أجبره على الطاعة. الناس تخلط المسائل. الذين سعدوا اتبعوا منهجاً فبني الفعل لما لم يسمى فاعله كأن المسألة أنهم هم الذين عملوا لكن بفضل الله تبارك وتعالى. والآخرون اتبعوا الهوى فنسب الضمير لهم، هنا قال شقوا وأولئك قال سُعدوا. شقوا بأنفسهم وبفكرهم أو بأهوائهم المقدم: هل يمكن أن نقسم أصحاب القلوب المريضة إلى صنفين أو إلى صنف واحد؟ د. هداية: يمكن أن تقسمهم إلى أكثر من صنف. المقدم: أقصد أنه قابل للعلاج أو حالة ميؤوس منها؟ د. هداية: الذين شقوا لو بقوا على شقائهم إلى ساعة الموت فهذا لا أمل فيه، لكن افترض أن ربنا هداه للتوبة (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ (118) التوبة) وهذا سر كلمة (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ (17) النساء) المقدم: كأنها عهد والتزام د. هداية: إرجع لأول العهد وأول الكون بدأ بتوبة (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة) لولا هذه التوبة ما تاب آدم إذن (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) ستجد عظمة اللغة في حرف (على). في الحلقة القادمة سأبين لم أن هؤلاء فعلاً سُعدوا أن الله هداهم لتوبة نصوحة، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا (8) التحريم) هؤلاء آمنوا كأن آمنوا بداية، اعتبر الإسلام عشرين درجة والإيمان عشرين درجة والتقوى عشرين درجة والإحسان عشرين درجة وإسلام الوجه لله عشرين درجة، فالذي يقف على الدرجة الأولى غير الذي يقف على الدرجة العشرين الفرق بينهما أن الذي على الدرجة العشرين أقرب للدرجة الواحدة والعشرون وهو أقرب للإيمان والذي يقف على الدرجة الأولى من الإيمان ليس كالذي يقف على الدرجة العشرين من الإيمان لأن هذا الأخير أقرب للدرجة الأولى من التقوى وهكذا ولذلك قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ) هؤلاء مؤمنين (توبوا) يعني إرجعوا لأنهم ينقصهم ثلاث درجات. نحن عندنا الإيمان درجات: إسلام، إيمان، تقوى، إحسان، إسلام وجه، وأنت مؤمن ينقصك ثلاث درجات، لو أن المناهج كما صورها الناس إفعل ما تشاء لأنك ستدخل الجنة على أي حال، هذا لا يكون إلهاً! هل يكون هذا منهجاً؟! أنت مؤمن؟ نعم، إرتق إذن. يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ) لكن لما طلب من المؤمنين توبة طلبها نصوحة من لأن المؤمن يعرف أن يعمل التوبة النصوحة إنما المسلم أُطلب منه أي توبة حتى ترقيه ليكون في افيمان ولما يصبح في الإيمان تطلب منه توبة نصوحة. كأن القرآن يعلمك كيف تأتي بالناس ليسوا جميعاً مثل بعض، عندما تأتي بالناس من كفر وشرك وإلحاد لا ينفع أن تجعله إمام مسجد عندما يشتغل بالقرآن تؤهله. المقدم: البعض قد يقول ربنا هو الذي قضى وجعل في قلوبنا مرض إذن نحن مرضى وليس على المريض حرج د. هداية: هو قال (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً) المرض الي من عند المولى عز وجل هو زيادة، مرض عقوبة. هذه نقيسها على (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا (18) الإسراء) لما قال له (مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا) حزن الرجل لكنه هو الذي طلب العاجلة فعجلنا لك فيها لم يعطيه الله تعالى إياها وإنما عجلها له لأنه هو الذي طلبها بدليل أنه قال (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا (19) الإسراء) إذن أنت تأخذ ما تريد والمسألة كلها في يدك أنت. المقدم: بالنسبة لموضوع الأمراض (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا (32) الأحزاب) أشعر أن هذا الكلام ينطبق في المجتمعات التي نعيش فيها. مثلاً الله تعالى عمل هذا النهي لزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وبالتالي لنساء المؤمنين كقدوة فتتكلم النساء باسلوب محترم خارج البيت ومع غير زوجها لا دلع ولا دلال ولا ألفاظ مزدوجة المعنى قد تفتح الشهوة بعض الناس متعلقة بهذا الموضوع ومتعلقين بدلع النساء وشهوته تحركه في هذا الجانب والمفترض أن زوجته تكفيه في هذا الموضوع. سؤالي الذي عنده مرض في هذه المسألة هل هذا مرض لا شفاء منه. د. هداية: ليس هناك مرض لا شفاء منه، من رحمة الله تبارك وتعالى أن الأمراض العضوية والنفسية فيها شفاء إلا الذي أصرّ. ---------فاصل----------- المقدم: مسألة المرض الموجود في القلوب إذا فرحت به سيعطيك ربنا المزيد من الأمراض أما لو شعرت أنك محتاج لربنا فمهما كانت الأزمة فإنها ستفرج ويعجبني القول "لا كرب وأنت رب" طالما هناك إله وربّ فالكرب يصغر ويتلاشى. نعود للآيات في سورة هود، الآيات قسمت الناس قسمين شقي وسعيد، أهل جنة وأهل نار د. هداية: الشقي في النار والسعيد في الجنة. الذي يدخل الجنة ليس خارجاً منها والذي يدخل النار ليس خارجاً منها. المقدم: أشعر كأن هناك استثناءان في الآية أو استثناء أو شرط (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (107)) كأن الخلد في النار مرتبط بديمومة السموات والأرض وهناك تبديل للسموات والأرض (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ (48) إبراهيم) د. هداية: هذه هي القاعدة. نقطة النظام التي يجب أن نضعها في الشرح أن الدنيا قامت على أرض وسماء والآخرة ونار وجنة أرض للنار وسماء للنار وأرض للجنة وسماء للجنة. الديمومة هنا وهنا قائمة. هم خالدين فيها طالما هناك أرض وسماء أو ما بقيت الأرض والسماء أو ما دامت الأرض والسماء ودوام الأرض والسماء لبقاء الكون هذا أمر مقطوع به ليس فيه شك. (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) قيلت في الجنة وفي النار. المقدم: يعني كأن المعنى هم خالدين فيها خلود السموات والأرض د. هداية: الذي هو أبدي. هذا تعبير عربي استخدمه القرآن. القرآن مسألة تحتاج لإنسان أعطاه الله تعالى الفطرة اللغوية أنك لما تسمع (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ) تبحث كيف استخدمته العرب. العرب استخدمتها للديمومة. العملية سترتبط بكنه الكون بمعنى لما أنت تقولها في الدنيا (ما دامت السموات والأرض) يعني أنت أقررت أن السموات والأرض ستنتهي بالقيامة لأن السموات والأرض الدنيوية مؤقتة. لما علاء يقول أنا في الدنيا سيحصل كذا ما دامت السموات والأرض، هذه سموات وأرض الدنيا التي هي حياة دنيا حياة مؤقتة. ولما يقول في الجنة ربطها (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ (64) العنكبوت) التي هي حياة ليس لها نهاية، إذن ديمومة الدنيا تنتهي بانتهاء الدنيا الأجل المؤقت الذي كتبه الله تعالى وديمومة الآخرة مفتوحة. فلو قلت "ما دامت السموات والأرض" في الدنيا تعني لغاية يوم القيامة ولو قلتها في الآخرة ليس لها نهاية. المقدم: الذي حدّها الخلد الذي يعجز العقل البشري عن استيعابه. د. هداية: ليس له نهاية. وهذه جاءت في الجنة والنار. المقدم: إذن هذا ليس استثناء ولا شرطاً، هو يقول ما دامت السموات والأرض كأنه تشبيه أن الخلد هنا، ما دمنا نتكلم عن أهل النار (إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ) ويكمل الآية (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) المشيئة والإرادة (إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ) (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) لماذا ذكرت المشيئة والإرادة في نفس الآية؟ د. هداية : لأن هذه الحالة في حق أهل النار. بماذا يتميز أهل النار عن أهل الجنة؟ الجدال والمناقشة وعدم تسليم. لماذا دخلوا النار؟ هم لو قالوا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى رسول الله، وأن موسى رسول الله، لن يكون هناك مشكلة. المشكلة في الطرف الثاني الذين يجادلون ويناقشون برأيهم هم أن القرآن غير ملزم وأن الحديث كذا، لماذا تشددون على الناس؟ هذا يحتاج للمشئية والإرادة، محتاج إلى أن تذكره أن مشيئة الله لن يردها جدلك ولا إرادة الله يردها جدلك. لما قال (إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) قال إن الله لم يقل إن ربك أعطاه الربوبية والألوهية والألوهية يمكن أن توعيه، جدلك لن يمنع فعله سبحانه وتعالى المقدم: هذا الذي كان يظن أن هذه ميزة، هذه ليست ميزة وإنما عيب د. هداية: طبعاً. وذكر الإرادة والمشيئة مع بعض لأن سمات أهل النار تحتاج لقوة في الأداء وتذكير لكن الثاني لا يحتاج، هذا الثاني نأخذ مثلاً عليه أبو بكر الصديق لما ناقشوه في الأمور القوية قال أنا اصدقه في الأمور الأكبر من هذه، هذا لا يحتاج لفعال ولا مشيئة فجاء بالمشيئة فقط (إلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ). المقدم: (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ) كأنه يريد أن يطمئن أهل الجنة أنهم دائمي الخلود ديمومة السموات والأرض. ما دام هناك جنة يعني فيها أرض نقف عليها. د. هداية: وطالما هناك نار إذن هناك أرض نقف عليها وسماء، أرض تقل وسماء تظل في النار وفي الجنة. المقدم: لأن هناك درجات في الجنة ودرجات في النار د. هداية: طبعاً. المقدم: إذن يطمئن أهل الجنة أنهم خالدين فيها ويطمئن أهل النار ايضاً أنهم خالدين فيها د. هداية: هو يطمئنه ليوقفظه ربما يعود. الآية الأولى تخيف يمكن أن يأتي، هو يطمئن الذين في الجنة لكن يخوف الذي في النار يمكن أن يأتي لأن من عرف الله خافه. لما تقول (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ) قد توقظه هذه الاية. المقدم: لم يقل في الجنة شيئاً متعلقاً د. هداية: لأن الذي في الجنة غير محتاج إنما قال (عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ). هم فهموا أن الاستثناء من الخلود. لو الاستثناء من الخلود ما كان قال (عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ). ما معنى (مَجْذُوذٍ)؟ المقدم: هذا تمييز مبين للنوع؟ د. هداية: نعم، هو يوقظه. كأنما استدرجه، الذي في النار فرحان بالإستثناء فقال له أن الاستثناء الذي عُمِل في النار عُمِل في الجنة لكن عطاء الجنة لن يُقطع فقس عليه عذاب النار، إذا قُطع عطاء الجنة سيقطع عطاء النار! إذن لماذا الاستثناء؟ هذه هي القضية. لا المقدم: تقصد علم الصدور لا علم السطور. د. هداية: والعلم هذا ليس فضلاً لنا وإنما هذا لله تبارك وتعالى لكن أنت تُقبِل على الله. واحد داخل مبيتاً النية على هوى وآخر داخل يقول يا رب ألهمني لصواب منهجك الذي تريده يا رب، أنا سأنقل لغيري ما تفتح علي به لكن الآخر داخل يشرح لك حتى يقول لك أرأيت؟ كلامي هو الصح! تفتح الكتب فتضحك لأنك تجد البعض قال (إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ) قال أن (ما) يعني (من) وركز في شرح النار ولما دخل على الآية التي بعدها في أهل الجنة لم يعلق على (إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ)! هذه مثل تلك هنا (ما) وهنا (ما) قال (ما) يعني (من) والاستثناء أنهم سيخرجوا من النار ويوضعوا في نهر إسمه الرحمة ويدخلوا الجنة وألفوا حكايات من دماغهم بينما لما مروا على الآية في أهل الجنة مروا عليها ولم يعلقوا. لو كان هذا يشتغل بما يرضي الله الآيتين لو تعمل مقارنة بينهما على الشاشة لترى الناس أن الاستثناء موجود في الآيتين، هنا (ما) وهناك (ما)، (إلا) هنا و (إلا) هناك، شاء هنا وشاء هنا، ربك هنا وربك هنا. إذن تحتاج إلى الفطرة اللغوية وتقول يا رب ألهمني مرادك في كتابك لأنني أنا لن أعرف أن أشتغل برأيي ولا أشتغل إذا تعصبت لرأي. المقدم: طالما هناك استثناء في الموضعين في أهل الجنة وفي أهل النار. د. هداية: (عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ) يطمئن أهل الجنة ويوقظ أهل النار لأن عندنا أمل أنه طالما هناك روح موجودة وطالما هناك زمن عمل، قلنا أن التوبة تحتاج بعدها إيمان وعمل، إذن التوبة لا تنفع الآن (حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ (18) النساء) كما قال لفرعون (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) يونس) لا يمكن أن ياتي الموت فتقول أنا تبت الآن! المقدم: الذي يريد أن يبتليه الله تعالى بمرض، والمرض هذا ليس مرضاً يموت بعده مباشرة إنما مرض يأخذ وقتاً طويلاً، هذا الشخص كان يخطئ وجاءه المرض وجلوسه في المستشفى فسح له المجال أن يفكر ويراجع نفسه لأن البعض قد تشغله الحياة عن مراجعة نفسه فلما يكون على سرير المرض يبدأ بالتفكير ومراجعة نفسه فيقول لما يشفيني الله تعالى سأتوقف عن شرب الخمرة مثلاً وسأنتظم في الصلاة، وسأبدأ بعمل الخير ثم يشاء المولى أن يقبض الرجل ويموت قبل أن يعمل الذي تمناه، لم يفعل شيئاً بعد وإنما مجرد الندم وهو الشرط الأول في التوبة، لا آمن ولا عمل عملاً صالحاً. د. هداية: لو قال هذا الكلام لي أو لك لا يمكننا نحن أن نحدد جزاء جنة أو جزاء نار لأننا لا نعرف شيئاً لكنه هو يتكلم مع العليم العلام علاّم الغيوب الذي قلنا أن علمه يجب أن نفهمه على أنه (ليس كمثله شيء) علم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون. يعني هذا الرجل لو خرج من المستشفى هل سيعمل كما قال أو أنه سيرجع إلى ما كان عليه؟ الأوحد الذي يعرفها هو رب العالمين هو الذي سيحاسبه فيها وهذه المسألة التي قالوها في توبة العاجز. انقسم العلماء فيها إلى فريقين فريق قال لا توبة للعاجز لأنه لم يعمل والفريق الآخر قالوا هو عاجز بالنسبة لنا لكن بالنسبة لعلم الله تبارك وتعالى هو الأوحد سبحانه وتعالى الذي يمكن أن يعلم ما لا يكون لو كان كيف كان يكون فيحاسبه بها. المقدم: لماذا الاستثناء؟ د. هداية: السؤال ليس لماذا؟ ولكن من ماذا؟ نشرحها في الحلقة القادمة لأن هذه فيها قصة لغوية. السؤال الذي سألته يحصل كثيراً آناء الليل وأطراف النهار. هناك مرض يوقظ الغافل فما رأيك بالمرض الذي لا يوقظ صاحبه؟! هناك مرض يوقظ صاحبه يقول إن شاء الله لو خرجت من المستشفى سأفعل كذا وكذا وهناك مرض لا يوقظ صاحبه وهناك مرض صاحبه يقول وهو على سرير المرض إبدأوا بعمل كذا وكذا يعني إذن المولى عز وجل المثال الذي ضربته أنت يحصل آناء الليل وأطراف النهار بل إن القرآن طبقها تطبيقاً مبدعاً فقال (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم) انتبه لكلمة (بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) لو قال كل الذي عملوا كان سيكون عدلاً، لو أن الفساد ظهر في البر والحبر بايدينا نحن وهذه النقطة هذا توصيف توقيعه (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (11) الرعد) الناس تشتكي أن العيشة ضنك نقول لهم المسألة في أيديكم. لما قال (لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) قال (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (لعل) تعني غايتي من هذا ولا تعني أتمنى، المولى لا يتمنى لأن التمني يفيد الجهالة والجهالة تستحيل على الإله الحق. فكأن المولى يقول الذي قلته أنت الآن كأن ربنا يقول: هذه الحكاية تحصل غايتي في ذلك أن يرجع، ربنا لا يظلم وإنما يعيطك الفرصة تلو الفرصة فالذي يُقصر فلا يلومن إلا نفسه. المقدم: جزاكم الله كل خير. أختم بكلمة فيها تلاعب في ألفاظ اللغة العربية، نعم نحن مدركون أن الرسالات والنبوات انتهت ببعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ولكن هناك نوعية أخرى من الرسل ما زالت مستمرة وهي هذه الآيات وهذا الأوبئة والمشاكل والفساد الذي نشتكي منه، يمكن أن نتصور أن توصيف هذا هو الرسل يرسلهم الله تعالى يوماً بعد يوم حتى تتحقق الآية (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) يعني لعلهم يتوبون ولعلهم يعرفوا أن المنهج هو الضمانة السليمة للرجوع إلى طريق الهداية. نراكم على خير إن شاء الله تعالى, سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 20/10/2009م |
التوبة والاستغفار 113 تقديم علاء بسيوني المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم. الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. موعد ولقاء جديد نخطو فيه سوياً خطوات على طريق الهداية. مسألة دخول النار والخروج منها هل هذا صحيح أم لا ففي الآيات التى شرحناها فى سورة هود من الآية (104) وحتى الآية (108) فيها استثنائين بالنسبة لدخول الجنة أو النار، هذان الاستثنائان من ماذا ؟ فهل الاستثناءات من الديمومة أم من الخلد أم لها معنى آخر؟ ولن أطيل فى المقدمة لنفرد الوقت في الشرح. أرحب بضيفي وضيفكم الكريم د. محمد هداية.نتذكر الآيات معاً (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ ﴿١٠٣﴾ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ ﴿١٠٤﴾ يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴿١٠٥﴾ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴿١٠٦﴾ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴿١٠٧﴾ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴿١٠٨﴾) هناك استثناء مع أهل الجنة واستثناء مع أهل النار وقد اتفقنا أن (عطاء غير مجذوذ) يعني ليس مقطوعاً ولن ينتهي وبهذا يطمئن أهل الجنة أنهم فيها خالدون وفى نفس الوقت يقول لأهل النار أنهم خالدون فيها، الإستثناء (الا ما شاء ربك) هذه المشيئة متعلقة بماذا والاستثناء من ماذا ؟ د. هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. طبعاً الاستثناء من الديمومة هذا كلام مستحيل لأنه لو انطبق على أهل النار أنهم سيخرجوا لكان انطبق على أهل الجنة والخروج من الجنة شيء غير متصور ويصل إلى حد المستحيل. التركيب اللغوي فى الآية مبدع لكن أولا نحن ضد كلمة أن القرآن فيه كلمة ناقصة أو كلمة زائدة، أو كان من المفروض أن يقال كذا، كل هذا كلام غير وارد ولا يصح. نحن لو صغنا الآية بصياغة إنشائية بشرية لكنا قلنا (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) وهذه تؤدي إلى المعنى الذي نريده وهو أن الخلود أبدي، لو قيل (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) لأهل الجنة ولأهل النار لتحقق المراد لكن الدقة اللغوية فى القرآن مبدعة لما قال (إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ). فهل الاستثناء من الديمومة؟ بالقطع لا. أولاً العملية كانت فى الدنيا تسير على أساس أرض دنيا وسماء دنيا وعندما تقوم الساعة ستتبدل (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) [ابراهيم:48] ولكي توجد حياة سواء فى الدنيا أو فى الآخرة لابد من وجود أرض وسماء ففي الدنيا أرض وسماء للكل وفي الآخرة أرض وسماء للجنة وأرض وسماء للنار . المقدم: يعنى وعاء. د هداية: بالضبط أرض تقل و سماء تظل. إذا تأملنا كيف تبدأ القصة نجد أن الآخرة تبدأ بنهاية الدنيا ففي الآيات (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا)[الفجر:21] و(إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ) [الانفطار:1] لكي تنتهى الدنيا لا بد للأرض أن تدك وللسماء أن تنفطر، يكون هناك أرض جديدة وسماء جديدة، أرض في الجنة وسماء في الجنة وأرض في النار وسماء في النار. السؤال هنا يكون هل الأرض والسماء فى الجنة والنار تبدأ مع بداية العذاب أم مع الحساب؟ المولى عز و جل ينشئء أرضاً وسماء الآخرة للجنة وأرض النار وسماءها مع بداية العذاب أم مع بداية الحساب؟ المقدم: منطقيا مع بداية الحساب د هداية: والخلود عذاب أم حساب؟ المقدم: الخلود يكون فى العذاب د هداية: إذن الاستثناء ففي المدة التي فيها الحساب وليس من الخلود. الدنيا تنتهي بدكّ الأرض وانفطار السماء ثم هناك أرض وسماء للجنة وأرض وسماء للنار فالأرض التى تظل و تقل أهل الجنة وأهل النار للعذاب أم للحساب أولاً؟ المقدم: للحساب أولاً د. هداية: والخلود عذاب، إذن هناك مدة استثناء للحساب وهذه الدقة اللغوية. فهذا الاستثناء للمدة التي تُقضى فى الحساب. طالما قال (خالدين فيها ما دامت السموات والأرض) السموات والأرض دامت من أول الحساب والخلود للعذاب، إذن هذا الإستثناء كان لا بد منه للدقة اللغوية المدة التي تقضي فيها الحساب لأن الخلود فى الجنة يجب أن تخصم منه فترة الحساب والخلود فى النار يجب أن خصم منه فترة الحساب لأننا نحن نتكلم (ما دامت السموات والأرض). ما معنى (ما دامت)؟ يعني ما أُنشئت وامتدت. لما تبدأ تبدأ بالحساب والخلود عذاب إذن هناك مدة مستثناة. إذن الاستثناء من مدة الحساب وليس من ديمومة الخلود. الخلود من أول ما يدخل أهل النار النار إلى ما شاء الله ومن أول ما يدخل أهل الجنة الجنة، ديمومة أبدية. إذن هناك فترة استثنائية في المنطق اللغوي لأننا نتكلم عن أمرين- ما دامت السموات و الارض - يجب أن نتلكم عن إنشائها، إنشاؤها يبدأ بأول الحساب لا في أول العذاب والخلد في العذاب لا في الحساب إذن هناك مرحلة ما بين الحساب والعذاب لذلك كان يجب أن يستثني القرآن هذ الفترة لأن القرآن تعبير الله تبارك وتعالى وكلام الله تبارك وتعالى ونحن تعلمنا الدقة اللغوية من القرآن. ولولا وجود هذا الاستثناء لعاب النص عيب لن نتمكن نحن من تصحيحه ولكن هذا كلام الله تبارك وتعالى الذي لا يوجد فيه قصور ولا نقص ولا خطأ. وهناك آيات كثيرة جداً على تسق هذه الآيات لتعبير الدقة اللغوية في مسألة الديمومة والاستثناء. فالأرض والسماء تبدأ من أول الحساب أما الخلود فهو في العذاب لذلك فالاستثناء للفترة ما بين الحساب والعذاب حتى يكون الكلام دقيقاً. هم خالدين فيها ما دامت السموات والأرض لكن بداية إنشاء السموات والأرض كان للحساب والخلود يكون في العذاب. والأرض والسماء ستُقلّ كل واحد على حسب درجته فهي ما دامت السموات والأرض للعذاب وليس للحساب. إذن فالاستثناء ما بين الحساب والعذاب. المقدم: فى الآيات نجد كلمة (عطاء غير مجذوذ) د هداية: هذا يؤكد عدم وجود خروج لا من الجنة ولا من النار المقدم: هذا الموضوع يسمى عادة فى القرآن جزاء (جَزَاء وِفَاقًا) [النبأ:26] أي جزاء ما عملتم وأحسنتم العمل الجنة، لماذا سمي هنا عطاء؟ وغير مجذوذ؟ د هداية: سمي جزاء مرات عديدة لكن هنا ذكرت عطاء لكي تناسب الفعل (سعدوا) فكما قلنا ان الفعل مبني لما لم يسمى فاعله والفاعل هو الله تبارك وتعالى أي أن إسعاد أهل الجنة بفضل من الله تبارك وتعالى وهذا الفضل يبدأ من التوبة. وفي الآية (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) [ النساء :17] سنشرحها فيما بعد بطريقة تثبت أن التوبة تكون (من) و(إلى) الله. المقدم: العطاء هنا لأنهم سُعدوا، ولأن هناك اطمئنان بالخلد د. هداية: ونقيس عليها بالنسبة لأهل النار لكن بتخويف. اطمئنان في الجنة وتخويف في النار، والتخويف هذا فضل آخر من الله (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) المقدم: فى الحديث عن أهل النار والعياذ بالله تقول الآية (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) فهل الزفير والشهيق هنا تأكيد أن العذاب سيكون عذاب بشر تعيش وليس كما يقول البعض أن العذاب في الآخرة هو عذاب نفسي أو تخيلي لكن ليس هناك جنة ونار فعلاً؟ د هداية: هم يقولون هذا ليريحوا أنفسهم. هذه من الأفكار التي بني عليها فكرة الخروج من النار. هم يريدوا أن يطمئنوا أنفسهم فيقولون مهما طال العذاب فى النار فسأخرج منه وأدخل الجنة فى النهاية وهذا كلام وهم ولا يصح ولم يذكر في القرآن. المقدم: هل يمكن أن نقول أن هذه الآية رد عليهم؟ أم أن هذا توصيف أن الشهيق و الزفير شيء منطقي وطبيعي طالما هو حيّ لكن القرآن يذكره ليدلل على صعوبته أنهم سيكونون في النار والنار كما نعلم من الناحية العلمية تأكل الأكسجين الذي هو غذاء النار وحياة الإنسان فهل النار المتأججة في كل مكان ستجعل التنفس سيكون صعباً وسيكون الناس في النار لهم شهيق وزفير يُسمع وسيعاني الانسان منه لمجرد حتى أنه يتنفس، هل هذا هو المعنى الوحيد؟ هل هناك معاني أخرى؟ وهل هذا المعنى صحيح؟ سنجيب بعد الفاصل --------فاصل---------- المقدم: السؤال الذى سألناه قبل الفاصل أنا عندي شهيق و زفير وهذا شيء منطقي لأي إنسان يعيش فهل ذكر هذا لتأكيد أنهم أحياء وأن العذاب حسي وواقعي وليس عذاباً تخيلياً أم في النار سيكون التنفس صعباً لأن النار تأكل الأكسجين؟ د. هداية: كل هذا صحيح لكن هناك نقطة أنت تبدأ شهيق أم زفير؟ المقدم : شهيق أولاً لكن فى الآية قدّم زفير على شهيق. د هداية: وهذه طبيعة أهل النار زفير وشهيق بالعكس فالانسان عندما يولد مع بداية الحياة يكون الشهيق ليُدخل الأكسجين ثم يحصل زفير لكن في الآية قدّم زفير على شهيق وهذا يبين أن أهل النار حياتهم كلها تسير عكس الطبيعة. أي مثلما كانوا يسيرون عكس المنهج فى الدنيا فكتب عليهم العكس في الخلود. وهذه فيها ناحية علمية مهمة أن تبدأ بزفير نذكرها فيما بعد. المقدم: هل زفير أهل النار ردّاً على زفير النار؟ د. هداية: هذا أمر. أنتم كنتم تسيرون عكس الناموس فستعذبوا عكس الطبيعة، طبيعة الدنيا أنه عندما يولد الإنسان يأخذ شهيقاً ليرتاح وعكسه مؤلم وهذا أمر علمي ولغوي صعب جداً. وهذا تلميح لهم كأن الفطرة السليمة لا تجعلكم من أهل النار لكن الناس التى كانت تكابر ولا تتوب هؤلاء ضد فطرة الله (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) [الروم: 30] كأن الفطرة السليمة كان يجب أن تجعلك في الجنة لكن أنت الذى فعلت ذلك عكس الناموس. ففي الآية (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا) [الملك :8] كلمة (سألهم خزنتها) مع كل فوج لكل فوج هي للفوج وتأنيب للداخل كأنها عرض مستمر. (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ) وهذه الآية تحتاج حلقات للشرح! تكاد هذا فعل مقاربة وليس فعل وقوع أي أن شدة العذاب هذا كله وهي تكاد، لم يقع التميز، لم يحدث. فالمسألة صعبة وحل القضية كلها في التوبة التي تجعلك تعيش مرتاحاً وسعيداً ومنضبط فالناس إما شقي وإما سعيد ليس لهما ثالث. المقدم : كأنها تحقيق سؤال الملك عند نفخ الروح فى الجنين. د هداية : هي كذلك و(شقي وسعيد) الناس تحسبها في الدنيا وهي ليست كذلك. فالذي شقي في الدنيا فالدنيا لا بد أن تنتهي وكذلك الذي سُعِد فى الدنيا قال (يا ليتني قدمت لحياتي) حتى السعادة المؤقتة لا تساوي عنده شيئاً. ولو تأملت الآية ستجد شقي وسعيد أين النوع الثالث بحسب فكرة بعض الناس؟! لا يوجد، لم يقل شقي ثم سعيد، الشقي سيبقى شقياً والسعيد سيبقى سعيداً. لذلك أتى بالتعبيرات متساوية فى الآيتين (ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك) كأنه يقول أفيقوا يا جماعة. وليؤكدها لأهل الجنة أن بقاءهم مؤكد ويؤكدها لأهل النار قال عطاء غير مجذوذ لن ينقطع حتى يسعدهم وترك الاولى وقال (إن الله فعال لما يريد) كأنه يقول لهم إرجعوا فعندما يقول المولى شي يجب أن يحصل فارجع. على أهل الجنة تكون فضل من الله ولأهل النار وصلوا بأفعالهم إلى أن ختم الله على قلوبهم (خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ ) [البقرة:7] المقدم : نوعية العذاب فى النار وموضوع قلب الفطرة عكس الشهيق والزفير لأنك سرت عكس الطبيعة وقلبت منهج الله فبالتالي العذاب هكذا وهذا ذكرني بقوم لوط الذين قلبوا فطرة الله السوية فلما أراد الله أن يعاقبهم فى الدنيا قلبهم (فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا) [هود :82] د هداية : هي نفس الفكرة. العذاب يسير هكذا عكس النمط وعكس الطبيعة وعكس الفطرة لأنهم عكسوا فعليهم أن يتحمّلوا وفي الحديث ( وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة ... وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار ...) يمكن أن يبدأ أحدهم بعمل أهل الجنة وينتهي في النار ويمكن أن يبدأ بعمل أهل النار وينتهي في الجنة، يبين أن مسألة شقى وسعيد مفتوحة ممكن أن يكون شخص من الاشقياء ثم يأتي قبل الموت يعمل بعمل أهل الجنة فيكون من السعداء والعكس ولهذا لا تطمئن أبداً الا ساعة الموت (يا ايتها النفس المطمئنة ارجعي) لأنك لو اطمأنيت تنام. وذكر فى سورة الفجر (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا) و (كلا) إجابة للفريقين أي أنه لا الفقر دليل ابتلاء ولا الغنى والنعمة دليل كرم، كلاهما ابتلاء وهناك فقراء نجحوا وهناك أغنياء نجحوا. أهل الجنة قليلون جداً وهذا يجعلك تتمسك بدوام الأعمال الصالحات فمجاهدتنا للشيطان دائمة ومستمرة لأن هدفه أن نموت على معصية ويجب عليّ أن لا أمكّنه من ذلك فلا أقع في المعصية بفضل الله تعالى وليس بشطارتي أنا. وكل الأدعية النبوية توضح هذ الفكرة فأنت عندما تنهي الصلاة ماذا تقول؟ أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، هذا لتقصيرنا ثم تقول (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) فحسن العبادة ليس مني لكن فضل من الله وعطاء وعون (إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله) وهذا لا يكون إلا من الله لذلك نقول (اللهم أعني) وقبلها نقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام، ذكري لله يحتاج إلى عون منه كأني ممكن أعمل شيئاً لا يليق بمقام الله فاطلب العون منه مثل الحمد لله كما ينبغى لجلال وجهك وعظيم سلطانك. المقدم : هل هناك أشخاص تغفل عن أهمية أن تكون من الشاكرين؟ د هداية : طبعاً المقدم : وكيف أشكر؟ باللسان فقط أم اللسان و العمل ؟ د هداية : باللسان والعمل، ليس هناك شيء باللسان فقط. القول فقط هذ مرحلة وهمية غير موجودة في أي شيء في المنهج فالآية تقول (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [فصلت:30] [الاحقاف:13] وانتهت الآية؟! المقدم : لا (ثُمَّ اسْتَقَامُوا). د هداية : والحديث "قل آمنت بالله ثم استقم" الاستقامة هى العمل كما فى الحديث لذلك فهذا الحديث مبنية على قاعدة قرآنية و كل حديث صحيح لابد ان يكون مبنياً على قاعدة قرآنية وله أصل في القرآن. ومسألة القول فقط هذه وهمية وغير منضبطة . المقدم : الآية التالية بعد الآيات فى سورة هود فيها نقلة (فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ) (109) ما علاقتها بما قبلها؟ ولماذا قال هنا غير منقوص؟ . د هداية : هذه تساوي (غير مجذوذ) وتبين أن الذي دخل النار دخلها لأنه لم يسمع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم. وكما قال في الآية السابقة غير مجذوذ وهنا قال غير منقوص كأنه يرد على مسألة الخروج من النار لأنه لو هناك خروج سيكون العذاب ناقصاً لكنه عذاب كامل أي غير منقوص. أما فى الاية السابقة قال غير مجذوذ لأنه في النعيم الرجل من أهل الجنة طبيعته قانع وراضي حتى فى الدنيا كان كذلك فعندما يكون في نعيم الجنة أقل النعيم سيرضيه والنعيم عالي جداً فلم تأتي كلمة نقص أبداً وإنما ذكر القطع لماذا القطع؟ فرق بين القطع والنقص. غير مجذوذ لأنك ممكن تمل من كثرة النعيم ولا تشعر بلذته لأنه لا ينقطع فالمولى عز وجل يطمئن أهل الجنة كأنه يقول للرجل من أهل الجنة إطمئن فلن تمل وستشعر بالنعيم مهما استمر. مثال: علاء يعطيني ملعقة عسل كل يوم فيأتي شخص يقول لي لماذا لا تشكر علاء؟ فأقول له لماذا أشكره؟ لكن عندما قطع العسل فى يوم وأعطاني ملعقة ملح شعرت بنعمة العسل وسأشكره عليه دائماً لأني ذقت الاثنين وهذا لا يوجد فى الجنة لن ينقطع النعيم ورغم ذلك ستشعر به ولن تمل وستتمتع بالنعيم. لكن مع أهل النار قال منقوص أجابهم عليها مرتين مرة في سورة السجدة لأنهم يريدون أن يخرجوا كما توهموا فى الدنيا وكأنها حقيقة يطالبون بها (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) [السجدة :20] على الرغم من أنهم هم الذين شهدوا أن هؤلاء هم الذين خدعونا (كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا). فأنا أقول لم تقل هذه الآية إلا رداً على اعتقادهم الفاسد أنهم سيخرجوا من النار. لذلك قال لهم (غير منقوص) أي إذا كنت متصوراً أنك ستخرج وينقص العذاب لا لن ينقص العذاب ولن تخرج من النار. المقدم : أرى ملمح هنا أنه من كثرة تكرارهم المحاولات للخروج ستضاءل آمالهم بالخروج وييأسوا منه فطلبوا شيئاً آخر تخفيف يوم واحد من العذاب (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ) [غافر :49] د هداية : بعد أن ننتهي من آيات التوبة أريد أن نستعرض هذه الآيات، تخيل طبيعة أهل النار أنهم يسلموا بعد فوات الأوان فعندما سلموا بأصل الفكرة وأنه لا خروج من النار بحثوا عن حل آخر - يوماً من العذاب أو أي شيء. والقرآن يرد على كل النعرات الخارجة عن إلف الطبيعة في الإنذار والتبليغ. فهل الرسول جاء ليقول إفعلوا ما تشاؤون، لماذا جاء إذن؟! تستطيع أن تقول أنهم لووا عنق الحق والحقيقة على هواهم. المقدم : بعد الفاصل ستحدث باذن الله عن الفرق بين نعيم الدنيا ونعيم الخلود؟ ---------- فاصل ---------- المقدم : ما الفرق بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة؟ عندما تحدث الدكتور عن دخول الشك للإنسان أنه لا يحس بالنعم في الجنة لأنه قد يعتاد عليه ولا يتمتع به جاء القول أن هذه النعمة لن تنقطع ولا الاستمتاع بها والإحساس بها. لكن أحياناً نرى أشخاصاً في الدنيا عندهم من النعم الكثير وعندهم ابتلاء واحد فيقول لم أعد قادراً على الاستمتاع بأي نعيم فى الدنيا فهل عندما يأخذ منك المولى شيئاً هو ملكه أصلاً تعترض وتحزن وتتوقف عن القدرة على الاستمتاع بنعم الله الباقية ولا ترضى؟! بماذا نصف هذا؟ د هداية : هذا المثال بالنسبة للدنيا شيء طبيعي لأن الانسان لا يشبع والرسول عليه الصلاة والسلام وصف هذا فقال لو كان لابن آدم وادياً من ذهب لأراد ثانياً وهذه حقيقة لكن في الآخرة الرجل الذي لم يقنع في الدنيا هذا ليس من أهل الجنة لأن طبيعة أهل الجنة الرضى، القليل بالنسبة لهم كثير. المقدم: (لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) [الأعراف :46] د هداية : فهذا الرجل إذا كان من أهل التقوى وأهل الإنسان يقول كل نعيم سوى الجنة حقير. فهو يرى الرجل المنعم في الدنيا لا شيء بالنسبة له ولا ينظر إليه ولا يفكر فيه وهذا يطمئنه المولى عز و جل أن النعيم فى الجنة غير مجذوذ عطاء لا ينقطع. أما الرجل الآخر مهما تنعم عليه في الدنيا لكن مهما أنعمت عليه فهو غير راضي رغم أنه أساساً في نعيم والقرآن وصَّف هذا (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) [طه :124] و أهل اللغة فسروا الضنك وهو فى النعيم أي وهو منعم وعنده كل شيء لكنه غير سعيد وفي ضنك، هذا توصيفه. لذلك عندما قال (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر :8] المفروض أن أقل شىء يرضيك وتعتبره من أنواع النعيم ولا تسرف فيه حتى لا تكون من أهل النار والعياذ بالله الذي مهما تعطيه ليس راضياً. على العكس أهل الجنة وهم في الدنيا أقل شيء يرضيهم ويسعدهم. المقدم: عندما نتحدث عن النعيم المتعلق بالدنيا كنعمة المال مثلاً يقول البعض نسمعكم تقولوا اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا واجعلها يا ربنا فى أيدينا ولا تجعلها فى قلوبنا. كلام جميل لكن كيف نطبقه ؟ د هداية : بالتزهد، أتزهّد المقدم: و ما الفرق بينها وبين أزهد؟ د هداية : الزهد كلمة غير مضبوطة لغوياً لا يصح ان تقول فلان زاهد لكن قل فلان متزهد لأن الزهد نفسه لا ينتهي عند أحد. أنا لا أزهد وإنما أتزهد مثل الصبر ينتهي عند بدايته وهذا المتزهد يعني مواصل لمرحلة التزهد. يقول كل نعيم سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار هينن لا يهمه في الدنيا إذا أصابه ابتلاء فيه حرمان أو فيه عقاب فهو موافق عليه في الدنيا لأنه سينتهي أما عذاب الآخرة فليس له نهاية. المقدم: لو قلت للناس من باب التزهد لا تسكن في فيللا كبيرة مع قدرتك عليها لكن اسكن في شقة فيها كل ما تحتاجه د. هداية: أكمل له الجملة وقل له أنت أمامك منزل بمليون ومنزل بنصف مليون وأنت معك مليون فتشتريه الذي بنصف مليون وتخرج النصف الآخر صدقة وتسعد أسر كثيرة، هكذا يجب أن يكون هدفنا أننا نعيش في الدنيا رصيد للآخرة. يا من بدنياه انشغل وغرّه طول الأجل الموت يأتى بغتة والقبر صندوق العمل يعني مثل الذي عنده حصّالة، لو كنا واعين كلما جئت لتعمل عملاً لنفسك تقسمه على ثلاثة أربعة خذ لنفسك جزءاً وتخرج الباقي صدقة كأنك تضع في الحصّالة. المقدم: لو طبق الناس هذا في كل تصرفاتهم في شراء سيارة أو بيت أو غيرها يشتري ما قيمته أقل ويخرج الباقي صدقة. د. هداية: أنا هكذا أضع شيئاً في المقابل لكن عليّ أن أضعه بقناعة. هذا يذكرنا بحادثة توزيع الشاة مع السيدة عائشة رضي الله عنها ورسول الله صلى الله عليه وسلم، الشاة أربعة أرباع أخرجت منها ثلاثة أرباع للصدقة وأبقت ربعاً واحداً السيدة عائشة اعتقدت أن الثلاثة أرباع قد نفذت ولم يبق الا ما أكلوه لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال لها أن الذى بقى هو ما أخرجوه لوجه الله والذي أبقوهم لهم حُسب عليهم وليس لهم. ولذلك فإن فهمك للقرآن إما حجة لك وإما عليك متى يكون لك؟ لو عملت بما فيه. ومتى يكون عليك؟ لو عملت عكس ما فيه أو لم تعمل بما فيه. قناعة أهل الجنة في الدنيا أنهم لا يريدون شيئاً في الدنيا هذه القناعة جاءت من قوله تعالى (كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ) [التكاثر:5] هذه الآية تبدو سهلة لكنها ليست كذلك فقد تكلمنا من قبل عن (علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين) والأشخاص الذين هم في أعلى مراتب الجنة هم فىيعلم اليقين والمثال على هؤلاء دائماً يكون أبو بكر الصديق رضى الله عنه كان يصدق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يقوله. ونحن ندقق في الحديث وأول ما نطمئن أنه صحيح نعمل به. لو عاصرنا الرسول صلى الله عليه وسلم لكانت المسألة أسهل. لا نستطيع أن نقول أو نتمنى أن نكون فى عصر غير عصرنا فكل عصر له ميزة وعيب فلا يمكن أن نتمنى أن نكون فى عصر الرسول فقد نكون لسنا أهلاً لهذا العصر فنحمد الله أننا في عصرنا هذا وليس من المسلم الواعي أن يفرض على الله شيئاً، رب العالمين لم يضيعنا فقال في السابقين (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ(13) و قليل من الآخرين (14)) [ الواقعة] ومع أهل اليمين قال ثلة من الأولين وثلة من الأخرين فنحن نستطيع أن نكون مع الرسول والصحابة بالعمل وليس بالنوم . المقدم: لكن فى بعض الأحيان أقول لنفسى أتمنى لو كنت عايش فى عصر الرسول والصحابة . د هداية : ضع أمامك من يقول أنت تريد أن تجعلنا نعيش فى عصر النبي! هذا يتمنى والآخر يرفض فنحن منقسمين ما بين الإفراط والتفريط ونحن يجب أن نكون بينهما. المقدم: مسألة التمني لأني أحب أن أكون مع الرسول عليه الصلاة والسلام الشخصية العظيمة لكن أعود وأقول لنفسي أن هذا لن يحدث لأنه واقع وثانياً هذا يتنافى مع عقيدتي كمسلم حق د هداية : ومسلِّم لمراد الله فيك المقدم: واعلم أن المولى عز وجل لم يخلق شيئاً صدفة وإنما خلق كل إنسان في عصره المحدد له لغاية ولهدف معين وسيؤديه طوال حياته وسيقبض عند انتهائه. د هداية: هنا حكمة إلهية عالية والشطارة أن أسير على مراد الله لا إفراط ولا تفريط وأعيش على المقولة (كل نعيم سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار هين) فالحرام سهل جداً والعيش فى الحلال صعب جداً لكن أنا أريدها وأريد الجزاء وسأجاهد وأعمل وهنا يأتي تلبيس ابليس أنه يريدك أن تكون من أهل النار الذين لا قنعوا في الدنيا بعطاء الله ولا رضوا بمنهج الله ولا بقرآن الله ولا بتوراة الله ولا بإنجيل الله على مختلف العصور. ففي كل عصر يوجد أهل الجنة وأهل النار وتأتي عند أهل الجنة وتجد السابقين والمقربين وأهل اليمين وكل مرحلة والمولى عمل حساب الكل في الكل (أي كل أصناف الناس في كل العصور). نحن نتكلم في التوبة منذ حلقات عديدة ونحن كل مرة نأخذ توصيف وملمح وتوقيع وفكرة على أمل أن نأتي فى آخر حلقة فى التوبة الكل يتوب ليست توبة قول واستغفار فقط لكن التوبة التي ليس بعدها خطأ ولا زلّة. وللرد على من يقول أنه لا يوجد بشر لا يخطيء نقول لا (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ) [ النجم :32] هذا الذي نريده، نريد فى النهاية بإتمام عملية التوبة بعدها اجتناب لكبائر الإثم والفواحش. المقدم: مشوار الحياة صعب وفي النهاية نستعين بالله وبمنهج الله الذي يخرجنا من الظلمات الى النور. التوبة على الله فسيدنا آدم عليه السلام لم يعرف التوبة الا عندما علمه المولى عز وجل وتلقى كلمات من ربه وتقبل منه هذه التوبة لتكون درساً لنا حتى نفاعل عملية التوبة بشكل مستمر ونداوم عليها حتى نكون في معية الله. جزاكم الله خيراً ونكمل فى الحلقة القادمة بإذن الله مسألة التوبة كعملية مستديمة ومفاعلة ليست مجرد كلمات تقال باللسان فمن المنطقي أن نقع خلال المشوار فى الدنيا لكن ليس من المنطقي ان ننسى ان نذكر الله عز وجل وتطلب منه العون لتكون في النور لا في الظلمات. نراكم على خير. سلام الله عليكم ورحمته وبركاته . بُثّت الحلقة بتاريخ 27/10/2009م |
طريق الهداية ( التوبة و الاستغفار 114) المقدم : بسم الله الرحمن الرحيم ، الاحبه الكرام ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية . تحدثنا عن التوبة وقلنا أن التوبة أساسا عملية شرعها المولى سبحانه وتعالى لأبى البشر آدم عليه السلام لكي يعلمه كيف يتوب وكيف يكون في معية الله ، فعندما نقرأ (إنما التوبة على الله) نفهم أننا سنتكلم عن إلزام - هل نقدر نسميه إلزام على الله وهو لا يلزمه شيئ سبحانه وتعالى أم نسميه عقد أو ميثاق أو اتفاق ؟ ما هو أقرب وصف صحيح ؟ - وماذا يعلمنا هذا ؟ لأن أحيانا كثيرة الإنسان ذهنه ينصرف إلى أنه هو الذى عمل ولا يقول وفقني الله أو هداني الله وينسى فضل الله عليه على الأقل في مسألة الهداية والمعونة . وعملية التوبة كما قلنا عملية متكاملة وهل هى ميثاق أو إلزام أو عقد بيننا و بين المولى عز وجل ؟ وإذا كان عقد ما هى شروطه وأشراطه ومسئولياته؟ وهل يمكن أن نعرف بنوده ؟ وكيف نستفيد منها ؟ أسئلة كثيرة .. وفي سورة النساء كلام عن التوبة نسمع معا الآيات (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً(17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا(18) . المقدم : الأسئلة في الآيات متعلقة بـ(إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ)على الله تفيد الإلزام لكن هل مع الله تعطي نفس المعنى أم معنى العطية أو المنة الإلهية ؟ د.هداية :قلنا من قبل أن بعض حروف الجر فى القرآن تحل محل بعضها و يمكن باستخدام حرف أن نعطى معنى حرف أوإثنين أوثلاثة ، مثال ذلك فى القرآن واضح جداً (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ (9) الجمعة) (من) هنا تعطى معنى (فى) لكن ميزتها أنها تعمل من و في ولو كان المولى سبحانه و تعالى قال فى يوم الجمعة مثلا و لله المثل الأعلى لما كانت تعطى معنى من فحرف من يعطى معنى من و في ، فما معنى من يوم الجمعة ؟ يعنى إذا جاءك يوم الثلاثاء شخص يطلب منك موعد يوم الجمعة الساعة الواحدة ترفض وتقول آسف عندي صلاة كما لو كنت سعيت لها من قبلها وليس فيها رغم أن الصلاة فى يوم الجمعة فأنت ترفض موعد الجمعة من قبلها ، وهذا معنى هذه الآية. إذا لاحظت أول توقيع للتوبة فيه منتهى الإبداع اللغوي قال المولى (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:37] أى أن التوبة تكون أساسا من فضل الله فآدم و أولاده من بعده لن نعرف التوبة إلا أن يكون علمنا الله إياها وسترى كيف أن(على ) تعمل في أكثر من حرف . المقدم : ورد إلى ذهنى ملمح كيف أن البشرية في أولها و تخطئ ؟ د هداية : يجب أن تخطئ . المقدم : ولا يتركها بل يعلمها يحدث بعد ذلك الخلاف بين ولدي آدم واحد يقتل الآخر و لايعرف كيف يدفنه ثم يرسل الله له غرابا يعلمه. د هداية : كلها تسير بفضل الله تبارك و تعالى. هنا كيف تتم التوبة؟ يقول المولى عن نفسه فى القرآن (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [غافر:3] التوب عبارة عن ماذا ؟ هى جمع توبة، فهى تجمع توبات وتوبة والأصل توب وليس توبات ، مثل العزم جمع عزمة فقال المولى (قابل التوب) لكي لا تستحي أنت ، و قال (غافر) بمعنى يستر لماذا؟ لأنه هو الذي سيبدلها لحسنات فيما بعد وتأمل الحديث القدسى ( أذنب عبدى ذنباً فعلم عبدى أن له رباً يغفر الذنب و يأخذ بالذنب..ثم أذنب عبدى ذنباً فعلم أن له رباً يغفر ... ) وحتى لا يضحك عليك الشيطان حينما تقدم على التوبة مرة بعد مرة بعد مرة و يقول لك إن الله لن يقبل توبتك هو كل مراده أنك لا تتوب . أنت سألت سؤال فى البداية أن (على) تعطى معنى الإلزام بعض المفسرين لا تقول إلزام الله لا يلزمه شئ من أين أتينا بهذا الكلام ؟ من أصل اللغة فى القرآن، و المولى عزوجل في آية أخرى قال (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [هود:6] كأن الله تعالى يقول أنا ملزم برزقكم الله لا يلزمه شئ لايوجد أحد من خلق الله يلزم الله بشئ لكنه ساعة يلزم نفسه أنا أقول اللهم لك الحمد بدليل أننا نكون نائمين و مطمئنين على رزقنا بعد هذه الآية، } لو ركب ابن آدم الريح فراراً من رزقه لركب الرزق البرق حتى يقع في فم بن آدم { لأن الذي كتبه لا يبدل لديه القول. المقدم : البعض يفهم موضوع الرزق بطريقة خاطئة ، واحد لايعمل ويعتمد على أن رزقه سيأتيه دون تعب وآخر يعرف أنه لن يأخذ إلا ما كتب له و رغم ذلك يهلك نفسه سعيا وراء الرزق! د هداية : ماذا فعل الحكيم بين الإثنين ؟ قديما كان هناك حكيماً أى عنده كل شئ مضبوط و كان رجل ثري جداً و كان عنده ابن تافه كلما يقول له يا بني إعمل يقول له ابنه ولماذا أعمل ؟ نحن لا نحتاج للمال و عندنا مال كثير فأراد أن يعلمه أن حتى الحيوان يسعى، فأخذه في رحلة صيد فوجدا أسداً انقض على فريسة و أكل منها ما أكل و ألقى ما تبقى منها ثم خرج ثعلب أعمى ونبش حتى وجد الفريسة و أكل منها فأراد الولد أن يتفلسف على أبوه و قال له أنت تقول لى إعمل وهذا الأسد أجهد نفسه في السعي و حتى الثعلب الأعمى وجد رزقه دون تعب أو سعى، وهذه الفكرة خاطئة فمعنى كلامنا أنك تتطمئن على الرزق ولاتنام عن السعي ، فرد عليه أبوه إنما أردتك أسداً تأكل من سعيه الثعالب لا ثعلباً يأكل فتات الأسود . لما تسمع (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا) أنت تسعى وأنت مطمئن لكن لاتنام عن السعي فالذي إطمأن و لم يسع ففي النار. المقدم : ولكن هناك آخر سعى وهو ليس مطمئن ! د هداية : هذا في النار أيضاً ، فالقرآن وضع لنا كل شئ في نصابه ، فالآية هنا تخدمنا مرتين (وَمَا مِن دَآبَّةٍ) تدب على الأرض، لماذا قال المولى (فى الأرض) و لم يقل على؟ لأن (فى) تعطي معنى الدواب الفوقية فوق الأرض ، و الدواب التحتية التي هي تحت الأرض ، تحت الثرى فحرف (في) هنا يعطي معنى حرفين (على) و (في) لو كان قال على الأرض لا يمكن تعطي معنى (فى) لكن (في) تعمل (على) و (في) . وهنا كذلك تمت عملية التوبة بمعصية آدم ثم وقف لا يدري ماذا يفعل(ندم) فتاب الله عليه . المقدم : هل الكلمات التى تلقاها بناءاً على قوله هو وحواء (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف :23] ؟ ونكمل بعد الفاصل . --------فاصل---------- المقدم : هل تلقى آدم الكلمات بناءاً على قول آدم و حواء و إحساسهم بالندم وأنهم ظلموا أنفسهم وطلبوا المغفرة هل هذا له علاقة بالتلقى ؟ د هداية : فريق من المفسرين قالوا أن هذه هي الكلمات التي تلقاها (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا) و فريق آخر قال أنهم عندما قالوها أعطاهم المولى الكلمات ولافرق عندنا لكن الفرق الحقيقي (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) تاب عليه أى أن توبته ستقبل إذا هداني الله للتوبة إذن سيقبل توبتي طالما أنه شرع التوبة سيقبلها طالما أنك فطنت لقول أستغفر الله تبت إلى الله إذن ستُقبل إن شاء الله . لكن لابد من مواصلة التوبة بالعمل ولا أعود ثانية . تخيل أن شخصا خلَّص كل الأخطاء هذا يكون أيضاً متاباً و نطمئن عليه أنه أقلع عن السرقة و الكذب و الزنا .. فبذلك نكون نحن ارتحنا و أمن المجتمع منه . كيف تتم إنما التوبة على الله (على ) كيف تتم ؟ قلنا آدم عصي ولم يعرف كيف يتوب فأعطاه الله كلمات و تاب عليه ساعة تتم عملية التوبة تكون(من) و(إلى) التي تجمعها (على) إذن آدم يأخذ الكلمات من الله و يتوب إلى الله ، (من) لم تأت فى القرآن أبداً إلا في (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) إذن (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) (على) هنا تطمئنا . هل نقدر نقول أن الله ألزم نفسه بالتوبة ؟ أنا شخصياً أقولها و أتأدب أثناء قولها و أقول الحمد لله أن الله كتب على نفسه الرحمة ، كتب على نفسه التوبة ، فعندما يقول (إنما التوبة على الله ) تتم من آدم إلى الله . ويفسر حرف (على) أن التوبة تكون من فضل الله فيتوب المتلقى إلى الله تبارك وتعالى. إذن اشتغلت كم حرف؟ ثلاثة (على) في التوصيف و (من) و (إلى) في التوقيع . في الإعراب نحذف إنما ونسميها الكافة و المكفوفة يعني (ما) تبطل عمل (إنَّ) الإعرابي و ليس البلاغي ، (إنَّ) تنصب المبتدأ لكن ما تبطل عملها الإعرابي لكن يبقى التأثير البلاغي أو يكون تأثيرها البلاغي أقوى بمعنى نفترض أننا صغنا هذه الآية صياغة إنشائية بالمبتدأ والخبر مثل (الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ)[البقرة:147]،[آل عمران:60] لماذا لم يقل إنما الحق من ربك ؟ و هنا لماذا لم يقل التوبة على الله ،أو التوبة من الله ،أو التوبة إلى الله ؟! إذن كل صياغة إلهية لها معنى محدد فلو قلتها بإنشائي سأقول التوبةُ على الله للذين يعملون السوء بجهالة . والتوبة مرفوعة كمثيلها بعد (إنما) فما فائدة (إنما) ؟ الحصر و القصر وهذا ما يجعلني أقول نعم (على) للإلزام والقصر هنا له غاية و حكمة ومعنى و أداء بلاغي منقطع النظير فى كل آيات القرآن . إذن (على) ظهرت بمعنى الإلزام هنا و اشتغلت (من) و(إلى) بإنما . المقدم : هنا أعطت معنى الإلزام . هل يوجد جانب آخر يعطي معنى العقد؟ و أنه يوجد شروط متبادلة ؟ د هداية :توقيعها . المقدم : التى هي السوء بجهالة ؟ د هداية : هذه هي بنود العقد فالعقد أساسه طرفين (من) و(إلى) يعنى على فى التوقيع العقدي هذا أنت تريد أن تقول أن التوبة عقد بيني و بين المولى عز وجل التوبة على الله بعد (إنما) قصرتها عليها أصبحت على تشتغل إلزام مع توقيعها (من) و (إلى) المسألة أصبحت عقد له بنود وهذه البنود في الحقيقة ميسرة جداً من المفسرين قالوا أن الجهالة شرطوها بجهل . المقدم : ونحن فرقنا بين الإثنين ! د هداية : لايمكن أن تكون جهل لو فسرنا بالمنطق على سبيل المثال أي شخص من الموجودين في الأستوديو الأن يستطيع أن يفهم القانون الجنائي كما يفهمه أهل القانون الجنائي ؟ المقدم : لا. د هداية : إذا ارتكب واحد منهم جريمة قتل هل نقول له أنت تأخذ براءة لأنك لم تكن تعرف ؟ المقدم : لا. د هداية : فهذا جهل ، هذا جاهل بالقانون الجنائي لكن لا تعفيه من العقوبة ، و الذى يفهم القانون الجنائي كما ينبغي هل نزيد عليه العقوبة فأنت لا تستطيع أن تزيد من العقوبة إلا بنص ، كأن القاضي عندما يجد أمامه إثنين ارتكبوا نفس الجريمة واحد لا يفهم القانون الجنائي و الآخر يفهم لايرى أن يخفف العقوبة على الفاهم . ما الفرق بين الإثنين ؟ الفرق أن الأول ارتكب الجريمة بجهل و الآخر لأنه يعرف أنا أسميها أنه عمل بجهالة ، إذن الجهالة هنا أنت تعرف أما الجهل أنت لا تعرف . المقدم : المفروض أن كل الناس تعرف أن السرقة حرام و الذي يزني يعرف أن الزنا حرام ، والذي يشرب الخمر يعرف أنها حرام ؟ د هداية : بدليل أنه يختبئ من الناس وعندما تقبض عليه يهرب إذن يعرف أنه يوجد عقوبة فهو يعرف كل شئ هذه اسمها الجهالة . إذن لو وصفت الجهالة هى السفه والحمق رغم إني اعرف أن لها عقوبة و أن الله سميع و أن الله بصير و أفعلها هذه جهالة وفرق كبير بين الجهل و الجهالة لو رحمني الله مع الجهالة يكون أرحم أم لا ؟! لو رحمني مع الجهل تكون هذه رحمة عادية لكن لو رحمني مع الجهالة إذن هو إله رحمن أكبر من رحيم فالمولى يقول (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ) هذه رحمة عالية جداً رغم أنه يقول (بجهالة) لو كان قال بجهل لكانت التوبة للذي لا يعرف فقط . المقدم : إذن من رحمة ربنا انه وسعها ! د هداية : وسعها جداً أي أنه لو جاهل أخطأ تُقبل وإذا أخطأ عالم تُقبل، لكن لوقال (للذين يعملون السوء بجهل ) لكانت تسعر النار بهذا العالم الذي أخطأ – لا- من رحمة الله تبارك وتعالى أعفى الجاهل والنص نص أخذ المسافة البينية بين الجهل والجهالة وأطلق الجهالة . المقدم : الجهالة لها شرط (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) ؟ د هداية : هذا هو الشرط أنك لو أخرتها لن نقول أنها لن تقبل . المقدم : لكنك تقامر . د هداية : تقامر بالمستقبل ياليتني قدمت لحياتي (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) [الفجر:24] انت تقامر بحياة أبدية لماذا ؟ هل لأجل لذة ؟ اللذة تمت و انتهت وأنت ندمت، لماذا لاتتوب ؟ لماذا تؤجل التوبة ؟ أنت لماذا تؤجل الصلاة؟ و أنتِ لماذا تؤجلي الحجاب؟ و أنت لماذا تؤجل الصوم؟ المقدم : على أساس أنهم يطمعوا أن يعيشوا أكثر. د هداية : وهذا تلبيس إبليس لأنه لا يوجد مخلوق لله يستطيع أن يقول لايزال عندى وقت. وقلناها من قبل لو أنت تضمن حياتك للغد اعمل ما تشاء اليوم . وساعة يضمن المرء هذا فإن هذا يعتبر أول الكفر بالله لأن إذا قلت أني أملك في يدي كفرت بالله لابد أن أسلِّم بأن الغيب بيد الله تبارك وتعالى وأنا لا أملك إلا الحاضر فأنا لا أضمن حياتي بعد أن تنتهي هذه الحلقة . وأذكرك بما قلناه سابقا أن زمن الآن هذا وهم ينتهي زمن الآن وأنت تنطق حرف الألف من (الآن ) فإذا أردت أن تجعل زمن لـ(الآن )يجب أن تأتي بشخص ويقول و يكرر الآن الآن ...إذن فأنت لا تملك الحاضر فكيف تقول غدا .(هلك المسوفون) متنه سليم وأنا استشهد بهذا الحديث رغم ضعفه ، مثلا عندما تتكلم مع طالب لا يذاكر وتنصحه وتقول له ذاكر فيقول لك سأبدأ من يوم السبت و اليوم يكون الأحد لأنه لن يعمل فإذا كان لديه نية لقام في نفس الوقت (الآن) لذلك المولى كيف حكم هذه المسألة ؟ المقدم : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) د هداية : سأوضح لك الفرق بين الآن في هذه الآية والآية السابقة لها فهذه (الآن) ترفض أما (الآن) الأولى تقبل فكلمة (مِن قَرِيبٍ) هذه تعني الآن، إذن إذا تبت الآن مقبولة ،أما الثاني الذي قال (إِنِّي تُبْتُ الآنَ) مرفوضة. المقدم : فالفرق هو خروج الروح و انتظار الجزاء . ونكمل بعد الفاصل . ---------- فاصل ---------- المقدم : ما الفرق بين التوبتين شخص يريد أن يتوب والله يقول من قريب لكن الذي لم يتب وشعر أنه ندم في الآية (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ)هل معنى كفار أي لم يؤمن بالمنهج أصلا أم أنه يمكن أن يكون آمن ثم كفر بما آمن به بعدم تطبيق المنهج ؟ لأن كلمة كفار هذه عند بعض الناس تستحضر معنى كفار قريش ؟ د هداية : تقصد كفر عقيدة ؟ المقدم: نعم. د هداية : كثير من الناس يقولون لنا لا تعقدوا الدين وخففوا عن الناس وكل هذه المعاني تفهت الناس و أخرجتها خارج المعاني الحقيقية لكلمات القرآن بمعنى نحن عندنا في الإسلام أربع فقهاء بأربع مذاهب (الحنفي و المالكي و الشافعي و الحنبلي) شخص يقول أنا سآخذ السهل عن كل واحد وآخر يقول أنا آخذ الأحوط عند كل واحد و أنا سأسألك سؤالا و لا تجاملني ،أيهما أكثر أمناً؟ المقدم: الأحوط. د هداية : إذن اتضح المعنى فعندما أقول كفر عقيدة وغير عقيدة هذا أحوط .وصف الرجل الذي يعمل بجهالة إذا عشنا التجربة هو يعلم أن السرقة حرام ،ويعلم حد السرقة ورغم ذلك سرق أنت حتى الآن تستطيع أن تقول عليها جهالة لكنه بعد السرقة يسر الله له أن يسمع درس عن السرقة وأنها حرام فهل الجهالة تكون مستمرة ؟! الجهالة إذا تأملنا توصيف القرآن فيها هو لحظة . المقدم: أي لحظة المعصية. د هداية : لأن الجهالة غير متصور أنها مدة زمنية لأنها لو مدة زمنية يجب أن يفيق هذا العاصي . المقدم: هي لحظتها . د هداية : بدليل نفترض أن شخص ذهب ليسرق وبستر المولى مرت سيارة الشرطة فخاف وانتبه ووقف هل إذا فعلها ثانية أسميها جهالة أيضاً؟ لا، فهذا اصرار على المعصية ليست جهالة حتى الجهالة لها توصيف هو الذي فيه لذة معصية أو شهوة لكن بعد ما انتهت لذة المعصية والشهوة وتفعلها ثانية فأنت مصر على المعصية وهذا سأعرض له في حلقة أخرى. المقدم: نجد هذا حتى في القانون الوضعي يوجد مثلا قتل مع سبق الإصرار و الترصد ! د هداية : هذه هي ( َلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) [آل عمران :135] هذا هو المقصد ،المرحلة الزمنية لابد أن تدرس مع مرحلة الجهالة لأن مرحلة الجهالة هذه غير متصور أنها تستمر سبع ساعات مثلا ولا ثلاثة ،الجهالة لحظة الشهوة فقط عندما يريد المال أويريد الزنا هذه اللحظة فقط .مثلا شخص أطلق الرصاص على شخص آخر و لم يمت هذا الشخص فحتى هذه اللحظة جهالة لكن عندما ينتظر ثلاث ساعات و يذهب إليه ثانية فهذه ليست جهالة . هومصر على المعصية وهذا سأعرض له إن شاء الله مع وقع آخر من القرآن و الحديث لكي يفهمه الناس . إذن عندما يقول المولى عز وجل (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) من قريب تعمل مع الجهالة ،لماذا؟ لأن الجهالة فعلا حمق و ليست جهل و متوقع عندما تفيق منها تتوب لأنك أساسا ستكون غير راضٍ عن الذي فعلته لكن عندما قال (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ) هذا يبين الفرق بين السوء والسيئات ، السوء جاءت مع الجهالة ،لماذا؟ المقدم: سوء لأنه مرة واحدة ! د هداية: وجاءت مع عدم الجهالة .. المقدم: وهو نفي التوبة ! د هداية: جاءت سيئات وهذه منطقية لأنه لايمكن أن يكون بجهالة وأفعل كل هذا ، ممكن أسرق في يوم وأقتل في الثاني لكن في سبع ساعات أسرق وأقتل لا فهذا رجل مفسد في الأرض ومُصِر على المعاصي إذن كلمة (إنما..على ) لها وقع غير مفهوم في الآيات غائب عن الناس وهو أن التوبة التي ألزم الله بها نفسه في الآيات إن صح التعبير تكون في مرحلة الجهالة . المقدم: في الأية 18 من سورة النساء تبين أنه مستمر في السيئات طوال مشوار حياته ! د هداية: وقال الولى عز وجل هنا (حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) ولم يقل جاء مثل الآية في سورة المؤمنون (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ)[المؤمنون:99] المقدم: لماذا؟وما الفرق بين جاء وحضر؟ د هداية: كأن هنا حضر بمعنى جالس سيأخذ وقت غير جاء تعطي معنى الفجأة. المقدم: هنا لا يعطي الفجأة ؟ د هداية: كأنه يقول أن الأبعد هذا مستمر في السيئات حتى آخر رمق أي ليس له توبة ورغم ذلك تجرأ و قال إني تبت الآن أي يعرف أنه هناك توبة ولم يقل ماذا أفعل فإذا كان قال ماذا أفعل كانت تكون منطقية لكنه يعرف بوجود توبة ويعرف بوجود إله ويعرف أن التوبة إليه . لو تأملنا مفردات الآية( 17) ومفردات الآية (18) نجد أمور غير مفهومة في التوبة وفي القضاء بالتوبة وفي الحكم بالتوبة ورغم ذلك لا أحد يستطيع أن يمنع شخص من أن يقول تبت إلى الله ، لكن هذه مقررات لابد أن نفهمها . والتوبة بين القصر والإلزام لكي يطمئننا المولى عز وجل كأنه سبحانه وتعالى يقول اعتبرها إلزام عليَّ فقط عليك أن تتوب وستُفبل . أصبحت التوبة مثل الرزق . المقدم: أنت مطمئن أن رزقك سيصلك . د هداية: و مطمئن أن توبتك ستُقبل (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا) وهنا يقول (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) لكن قال الشروط أو البنود التي تحدثت عنها (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) وإذا قلت جهالة بمعنى سفه وحماقة فمن باب أولى أن يدخل الجاهل أيضاً تحتها فهي شملت العالِم وطمأنت الكل ويجب أن نتحرك للتوبة ونفهم مضمون الآية ومناطها وتوصيفها وتوقيعها . المقدم: (فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً) كان من المتوقع أن تختتم الآية بتوكيد المعنى أوصفة لها علاقة بما في الآيات مثل غفوراً رحيماً أوتواباً لماذا قال عليما حكيماً ؟ د هداية: لأن (على ) قالت هذا قالت أنه تواب طالما ألزم نفسه إن صح التعبير يكون تواب ، إذن ما الذي يبقى ليؤكد الاطمئنان ؟ أنه عليم حكيم لو لم يقل عليم حكيم لجاء شخص وقال أنه ليس عالم بحالي أو أني سأُفاجأ يوم القيامة أنه لا يعلم ! لا فهو ساعة شرع التوبة بالطريقة التي تجعلك غير مصدق هذا لأنه عليم حكيم .والسؤال هنا هل العلم يسبق الحكمة أم أن الحكمة تسبق العلم ؟ عموماً. المقدم: بمنطق البشري الإنسان يظل يتعلم ويتعلم حتى يصبح عنده حكمة ويكون حكيم . د هداية: إذن الحكمة تأتي للإنسان من علمه ، هذا للبشر لكن المولى عز وجل علمه سبحانه وتعالى ذاتي غير مكتسب والحكمة ذاتية غير مكتسبة . بهاتين الصفتين –عليماً حكيماً – يضمن لك المولى عز وجل صيانة ، احتمال ممكن إبليس يقول لك أنك ستُفاجأ يوم القيامة أن الله لم يقبل توبتك. كان من الممكن أن يحدث هذا إذا قال تواب فقط لكنه عليم حكيم سميع بصير خبير ساعة تسمع صفة من صفات الله تجمع لك كل الصفات التي حتى غير موجودة في الآية لأن صفاته ذاتية لا تنفك عن بعضها مثل الأية (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) [الإسراء :1] بالله عليك هل سميع لا يكون خبير ؟! فالصفة لو انطبقت في حق البشر الحكمة تتولد عن العلم لكن فى حق المولى عز وجل لا يصح الجهة منفكة في المثال فهو عليم بذاته لا اكتساباً وحكيم بذاته لا اكتساباً . ويتضح معنى علم الله في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها في المجادلة قالت (تبارك سمع الله ) أي أنها كانت بجانب النبي صلى الله عليه وسلم ولم تسمع (وسمعها الله من فوق السبع الطباق ) رغم أنه من المفسرين من رد هذا الكلام على السيدة عائشة وقالوا هل السيدة عائشة تقارن سمعها بسمع الله تبارك وتعالى ؟ أنا أقبل هذا الكلام على أساس أنه ثناء على الله فهي سعيدة بعظمة سمع الله ، و السمع يشمل كل صفات الإحاطة فعندما يقول عليم حكيم يزيد عندك الاطمئنان لأي تلبيس من إبليس في مسألة أنك بعد ما فعلت كل هذه الذنوب وتريد أن يغفر الله لك فالمولى علمنا (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)[آل عمران : 133 ] (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ)[الحديد:21] سارعوا وسابقوا ماذا غير الموت ! فالمسارعة والمسابقة بين الأجل المحتوم وأنت تقول سوف !! المقدم: أريد ان أختم الحديث بقولة عن الحجاج بي يوسف الثقفي وهو يلتقط أنفاسه الأخيرة وبين ما يسمعه ممن حوله عن تعذيب الله له فيقول مخاطباً ربه (إنهم يظنون إنك لن تغفر لي) ! د هداية: المقولة طبعاً تبين خبث صاحبها والإحاطة لله . هل هي توبة مدعاة أوصحيحة فأمره إلى الله . المقدم: لذلك عندما سُئل أحدهم قال (أظنه قد غفر له) ؟ د هداية: وأصيغها لك صياغة جميلة جدا لو أنه قد تاب إلى الله صادقاً توبة نصوحاً بإذن الله يقبل لكن لابد أن أقول بإذن الله لا يمكن أن أقطع لذلك من ضمن شرح (إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ ) في سورة هود صيانة احتمال لمشيئة الله . المقدم: سارعوا وسابقوا لأن سهم الأجل قد انطلق من يوم مولدك لذلك فإن التوبة من قريب . و نراكم على خير . وسلام الله عليكم و رحمته و بركاته . |
طريق الهداية ( التوبة و الاستغفار 115) المقدم : بسم الله الرحمن الرحيم ، الاحبه الكرام ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية ، تحدثنا عن التوبة وعندما يرسل المولى عز وجل رسلا وهذه الرسل تبين لنا الطريق الصحيح وضوابطه وحدوده فمهم جداً أن يكون الذي يسير في هذه الطريق يعرف هذه الحدود ومن أهم المعاني التي تكلمنا فيها في طريق الهداية وقضينا فيها حلقات طويلة جداً - مسألة التوبة - و يمكن كثير من الناس تتعجب لماذا استغرقنا كل هذا الوقت في هذا الموضوع؟ لأن هذا الموضوع عبارة عن مشوار حياة الإنسان وأهم شيئ في حياته هو حياته والحياة الحقيقية هي الحياة الآخرة والموصل لهذه الحياة هو مشوار طريقك في الدنيا ، فطبيعي أن يتخبط الإنسان ،سيحاول ويعمل معصية ويذنب لكن لم تنتهي المسألة ، فالمولى فتح باب التوبة . وهنا يجب أن نوضح أننا نحاول أن ننقذ الناس من التخبط لأن كثير من الناس تعتقد أن المسألة مجرد كلمة (تبت إلى الله) ويكون هو أول من يفاجأ بعدها أنه عاد لنفس الذنب لأنه في الحقيقة لم يتب حالة التوبة المستديمة ومعايشة حالة الإفاقة إلى الله .. مشوار طويل نخطو فيه معاًفي طريق الهداية. أريد أن أقول ملحوظة قبل أن نبدأ لها علاقة بموضوعنا عن حالة الكسل الشديد التي يصف بها المراقبون حال الأمة الإسلامية ،الآن أصبحنا أمة مستهلكة لا تنتج بينما كل الأمم الأخرى تعمل وتنتج فانا كنت في رحلة في الصين في مجتمع فيه مليار وثلاثمائة مليون نسمة، كانوا منذ 50 عاما لايجدون الأكل ونتيجة للعمل أصبحوا الآن أكثر التزاما وأكثر انتاجية وعملا فنقول سبحان الله هؤلاء الناس في منظومة عمل ونحن لانفعل إلا الشراء والإستهلاك. فشعرت بالمهانة كيف أن هؤلاء الناس يقدسون العمل ونحن في كسل وتأخر للأسف الشديد. وأهم ما خرجت به من الرحلة أن العمل عبادة . دهداية : ونحن مقصرين نسأل الله السلامة . المقدم : نعود ثانية لموضوع التوبة ونلخص للناس. دهداية : أهم شيئ توصيف الألفاظ في الآيات على أساس أن الحلقات الأخيرة يكون فيها كيفية التوبة بالطريقة العملية أيضاً - ليس بالطريقة القولية - لأننا كنا قد تكلمنا أن الأمة واقفة عند حد القول في أشياء كثيرة منها التوبة فنركز على هذا . المقدم : هناك أكثر من وقفة في سورة النساء آية (17-18) ،نسمع معا الآيات (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً(17) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) . نسأل في ( إنما )و (على) ونبدأ بكلمة على الله لأنها تعطي معنى الإلزام هل هناك ما يلزم الله كنوع من الإجبار والمولى عزوجل غني عن هذه الأوصاف والصفات (على الله ) هل تعطي هذا المعنى أم فيها نوع من رسالة اطمئنان لمن يسمع القرآن الكريم ؟ دهداية : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. . كنا قد اشتغلنا هذه الآيات وقلنا أنه هناك أكثر من فريق من أهل اللغة اختلفوا في أنه هل ألزم الله نفسه؟ يصح أن تقول هكذا أم لا؟ أنا لم أقل، الآية هي التي قالت. وقلنا ان (ما) تدخل على (إن) تبطل عملها اللغوي لكن يبقى العمل البلاغي. (إنما) هنا لها وقع تأثير بياني يعني كأن التوبة إذا رجعنا بالذاكرة لعهد آدم عليه السلام، أو نرجع في القرآن كيف بدأت الدنيا؟ سنجد (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) لأن آدم ساعة عصى الله تبارك وتعالى لم يعرف كيف يتوب فعندما تسمع (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) تعرف أن الكلمات جاءت له من الله . المقدم : يعني عملية التوبة هي لله ؟ د هداية : هي لله وإذا لم يهدني الله للتوبة حتى بعد ان شرعها فهي تظل تعمل في حق الله تبارك وتعالى. ليس إلزام بمعنى إجبار وإنما ألزم الله تبارك وتعالى بها نفسه تفضلاً وإحساناً إلينا ، رحمة بنا ،نسميها هكذا. التوبة مثل الهداية فقلنا أن الهداية هدايتان : هداية الدلالة وهداية المعونة ،وسنجد ان القرآن أثبت ونفى عن الرسول الهداية فمرة قال (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[القصص:56] نفى عنه الهداية، إذا صغنا الآية صياغة بشرية معناها أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) لا يهدي حتى من أحب ، المعنى اللغوي هنا متجاوز ببعض الكلمات المحذوفة التي تتضح من السياق . يعني يريد المولى عز وجل أن يقول له (صلى الله عليه وسلم) أنك حتى لو تحب فلان (عمه مثلا) حبك هذا لن يكون في سبيل هدايته، لن يساعده، لن يدخل في مسألة هل أبوطالب يسلم أم لا؟ لكن (وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء) . لذلك عندما يقول شخص أن الله عز وجل نفى عنه (صلى الله عليه وسلم) الهداية أقول أنها جملة ناقصة بمعنى أنه نفى عنه هداية المعونة لأنه بعد ذلك سيقول (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الشورى:52] فالناس الذين لا يقرأون القرآن كله يسأل في الآية الأولى ونقول له الثانية فيزداد في عدم الفهم، لذا نقول ان الهداية هدايتان ، هداية معونة من الله تبارك وتعالى وهداية دلالة للرسول) التي تضمنها قول الحق تبارك وتعالى عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ)[المائدة:99] و البلاغ يتضمن هداية الدلالة أى أبلغك وأدلك أن الطريق من هنا. المقدم : هذا هو الطريق. د هداية : علاء يسمع كلامي أم يعمل تفكيره أم يسمع كلام شخص آخر؟ هذا لا دخل له بالمُدل ليس للرسول (صلى الله عليه وسلم) دخل به .عليه أن ينقل المنهج ، و علاء يقبل المنهج أم لا هذه هداية المعونة . هل المولى راضي عن علاء فكتب له أم لم يكتب له الهداية ؟ كذلك التوبة . المقدم : هذا يحل مشكلة حدثت منذ فترة بين إثنين عاملين في مجال الدعوة بدون ذكر أسماء عندما فوجئنا ان أحد الدعاة في بعض القنوات يهاجم أحد الدعاة الآخرين باعتبار أنه أخطأ في حق المصطفى (صلى الله عليه وسلم) عندما وصفه مرة أنه فشل في عمله . يعني هو كان يريد أن يوصل رسالة للشباب بمعنى لا تيأس و كان هدفه و نيته سليمة لكن اللفظ لم يكن منضبط واستدل أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كثيراً في مشوار دعوته رحلات لم تكلل بالنجاح مثلاً في رحلة الطائف فشل في أن يقنع الناس . د هداية : رحلة الطائف لم تفشل فهو نجح في مهمته وهي الإبلاغ فهي نجحت كدلالة (مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ). المقدم : كان عليه الإبلاغ وليست وظيفته أن يضمن النجاح الكامل في كل رحلة . د هداية :والآية الثانية تبين أكثر (لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ) [الغاشية:22] أنت مُدلّ فقط عليك البلاغ (صلى الله عليه وسلم) لأن المسألة كمنطق إذا خيرت أنت كمسلم أنها تكون في يد بشر رسول أم في يد إله حق؟ لابد أن تكون في يد إله حق ، أنا بذكائي بفهمي بوعيي أقول هذا، ومناطها بالنسبة للتوبة قلنا أن الهداية هدايتان و التوبة أيضاً توبتان وهاتين التوبتين إذا قلنا مثلا أن هناك توبة معونة التي هي من الله على سبيل المثال ، لمن سيعطيها ؟ هذا فضل أنه ساعة ألزم نفسه هذا فضل من الله على عباده. المقدم : هناك وقفة سنتحدث فيها بعد الفاصل عن مسألة التسليم لمن تُعطى التوبة ولمن لا تُعطى؟ وما المواصفات التي تحدد أن هذا سيقبل منه أم لا؟ أم ستنطبق عليه الآية رقم (18) (حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) --------فاصل---------- المقدم : بعض الناس لا يفكر في التوبة أصلاً لكن الذي يريد أن يتوب سيقف أمام القضية التي قلناها قبل الفاصل ، ويسأل نفسه هل أنا من الناس الذين سيتوب الله عليهم أم لا ؟ هل أنا من الناس الذين سيعينهم المولى ليفكروا في التوبة ؟ لأنه يوجد بعض الناس مهما تفعل من سيئات لا تفكر في التوبة أبدا و مسألة أن تعيش في معية الله لا تشغلهم ولا تهمهم. د هداية : المواصفات تبدأ من الإسلام ولن تأتي فجأة .وإنما كيف أسلم الواحد منا كيف آمن؟ كيف تلقى؟ فالذي يرضى بالقول ويصدقه هذا مؤكد توبته لا تكون منضبطة لذلك يرجع لأنه يصدق } من قال لا إله إلا الله دخل الجنة{ الحديث صحيح لكن المعنى أني أقول لا إله إلا الله و أفعل ما أشاء . المسألة أن الرسول يطمئن المخطئ لكن لا يقول له إزني وكثير من الناس سعداء جداً بالإضافة (رغم أنف أبي ذر) الذي سأل (وإن زنا ؟ وإن سرق؟) ، فقد حرفوا حديثا و الذي يقوله والذي يسمعه الإثنين يصدقوه ، الحديث الصحيح } أيكون المؤمن جبانا؟ قال:نعم ... أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم ) تسمعها (أيسرق المؤمن؟ أيزني المؤمن؟ ولا أدري من أين جاؤا بهذه الرواية؟ فهي ليست موجودة حتى في الموضوع ، وعندهم في هذه الرواية الشفوية (أيكون المؤمن زانيا؟ قال: نعم) أيقول نعم الصبح ويرجم الزاني بالليل؟ الرواية ليست منطقية لماذا رد الرسول بنعم عندما سئل (أيكون المؤمن بخيلا ؟ أيكون المؤمن جبانا؟) قال :نعم إنما الكذب قال: لا فالذي يرفض الكذب هل يقبل الزنا؟ هل يقبل السرقة؟ المقدم : وهذا يؤكده الحديث } لا يزني المؤمن حين يزني وهو مؤمن { د هداية : هذا الحديث فيه بلاغة غالية عالية انظر إلى التركيب اللغوي من الرسول يعني عندما تقف حتى عند المؤمن تكون (لا يزني المؤمن) ، فالمؤمن لا يزني والنتيجة من الجملة كاملة لا يزني المؤمن حين يزني وهو مؤمن يريد أن يقول لنا أنه ساعة زنى أوسرق لا يكون مؤمن و النتيجة تكون لا يزني المؤمن ، لا يسرق المؤمن. المقدم : وهذا السر في آية (إلا من تاب وآمن) ؟ د هداية : لأنه ساعة أذنب أصبح غير مؤمن فهو يحتاج إيمان آخر (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا)[الفرقان:70] وفي سورة النحل قال (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ) [النحل:119] هناك ألفاظ تأتي مكان بعضها في القرآن يعني الإصلاح أتى مكان العمل الصالح في الفرقان ،فالإصلاح هنا عبارة عن أنه يستقيم . فالرجل الذي سأل الرسول (صلى الله عليه وسلم) فأجابه (قل آمنت بالله ثم استقم) وفي هذا التعبير البلاغي من الرسول (صلى الله عليه وسلم) هل (قل) هنا تقف عند حد القول ؟ لا ، لأن أنا لفتت الأنظار أن المنافق أكثر الناس قولا فقط ، فالحديث الذي أقول دائما انتبهوا إلى معانيه ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) لو طبق حرفيا يكون المنافق في الجنة لأن المنافق قال . المقدم : لكنه لم يعمل . د هداية : فكلمة قال هنا لا تقف عند حد القول ، تأمل ساعة نزل الوحي ما هي أول آية ما هو أول لفظ قرآني ؟ المقدم : (إقرأ). دهداية: هل الكلمة هنا بالمعنى المجرد لفعل الأمر ؟ يعني إذا قلت الآن للأستاذ المصور إقرأ سيفتح الكتاب ويقرأ نفذ أمرك ، لكن (إقرأ) هنا ما معناها ؟ أقرأ، وتعلم، وبلِّغ، أين معنى بلِّغ في إقرأ ؟ المقدم : هنا نلاحظ أنه قال إقرأ بشيئ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) [العلق:1]. د هداية : هذه لا تعطي معنى بلِّغ حتى نكون منصفين .إنما إقرأ تعطي معنى بلغ بأنها رسالة ومنهج ليس لمحمد فقط فالمولى ،تبارك وتعالى ساعة قال له إقرأ متى قال له بلِّغ ؟ بعد أكثر من سورة ، هل هو(صلى الله عليه وسلم) بلَّغ من أول أمر بلِّغ أم من أول أمر إقرأ؟ المقدم : من أول بلِّغ . د هداية : لا، من أول إقرأ فإقرأ هذه لم تنزل بعدها أي آية إلا بعدما تعلموها هو (صلى الله عليه وسلم) تحرك بالرسالة من إقرأ ،عندما قال له إقرأ أخذ لازم المعنى ولم يأخذ المعنى المجرد لفعل الأمر . المقدم : سأقول لك المعنى المفهوم عند الناس أن هناك مرحلتين (إقرأ) وهذه مرحلة النبوة وإبلاغ أنه نبي ،وأن هناك إله ،وأن هناك خبر يأتيه من السماء .المرحلة الثانية بالنسبة للرسول (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ(1) قُمْ فَأَنذِرْ(2)) تكليف للرسول. د هداية : هل إقرأ كانت تعني إقرأ فقط ؟ (يا أيها المدثر) و(يا أيها المزمل) توضح أن إقرأ كان لها معنى آخر بمعنى (قم فأنذر) فهذا هو المنهج من البداية لابد أن يبلِّغ إقرأ لا تقف عند القراءة ،كذلك الفعل قال لايقف عند القول .عندما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) ليس معناها من قالها لسانا وانفك العمل عن القول سيدخل الجنة أيضاً ،فالبعض يريد أن يكون معناها أن الذي قالها مهما فعل يدخل الجنة فيكون بذلك المنافق في الجنة لأنه أكثر من المؤمن في القول ،المؤمن يعمل أما المنافق يتكلم ،إلى جانب أنهم عملوا شيئ آخر ألعن من مجرد القول (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ) [البقرة:14] بالمؤمنين وبالرسول (صلى الله عليه وسلم) ،وتصدى المولى لنا وللرسول (اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [البقرة:15] فيما يكون الإستهزاء من عند المولى عز وجل؟ (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ) هذا هو استهزاء الله تبارك وتعالى بهم أنهم يتصوروا أنهم ضحكوا على المؤمنين والمؤمنين يصدقون الظاهر وهم يدبروا لهم من الخلف ومن الظلام دون علم المؤمنين فقال المولى(يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ) يوم القيامة الخدع الحقيقي لهم ،الخداع هذا هو التظاهر إعتقدوا كذلك لكن يوم القيامة هذا هو الحق .عندما قال القرآن إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار هل متصور أنهم يخرجون من النار ويدخلون الجنة؟ المقدم : لا. د هداية : إذا فُهم الحديث (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) بهذا المعنى المغلوط يكون المنافق في الجنة لأنه قال وهذه هي المشكلة،سأسألك سؤالاً هل المنافق قال لا إله إلا الله أم لم يقل ؟ المقدم : نعم قال. د هداية : فكلام الرسول في هذا الحديث يريد أن يقول أن قال ليست مجرد قول ،وساعة أجاب السائل (قل آمنت بالله) وضحها له بعدها (ثم استقم). المقدم : هل هذا يحدد المواصفات ؟ د هداية : نعم ،ولذلك أنا استعرضت هذا لأنه من أين تأتي التوبة؟! نجد الإشكالية حتى عند الناس الذين عرضوا للتوبة أنهم أدخلوا معاني التوبة في طريقة التوبة والحقيقة أنواع التوبة غير معاني التوبة مثلاً يوجد توبة عادية ويوجد توبة نصوح ، والبعض قال توبة صحيحة وتوبة أصح وقالوا أن النصوح هي الأصح ،هناك توبة لم ينتبه إليها أحد هي التوبة القولية (تبت إلى الله ) خرجت من اللسان ،ووجدت قول عند الرازي يقول (التوبة التي تقبل هي التي احترق القلب على فعل المعصية فيها ) انظر للفظ احتراق القلب الذي هو الندم ،يريد أن يقول أنه شعر بوجع في القلب من شدة الندم ،فهو ندم لدرجة احتراق القلب . المقدم : ذكرني هذ بمنظر منذ سنوات طويلة في رمي الجمرات لشخص إخترق الصفوف حتى وصل للشاهد الذي يرجم كرمز للشيطان والمعصية وكان يرتدي حذاء أو خف وبدأ يضرب به الحجر وكأنه يضرب الشيطان وإنهال عليه بالشتائم واللوم ،فهل هذا الرجل لا يفهم والذي يستحق الضرب هو نفسه تطبيقا لإحتراق القلب هذا؟ د هداية : أنا بإذن الله سأعرض هذا بالتفصيل في آخر ثلاث حلقات ،لأن هذا بسبب ما قلته في المقدمة وهو الرجوع .هذا الرجل إذا رجع بعد ما فعله من معاصي يصبح من الذي يستحق الضرب ؟ هو ،لأن إبليس مجرد عمله أنه يوسوس فقط لا يأخذك ويرغمك وهو نفسه قال هذا والقرآن قال لنا هذا هو لم يجبر أحد . المقدم : (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) [الحشر:16] ، و الآية الأخرى (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي) [إبراهيم:22] د هداية : والإستجابة في هذه الآية يلزمها شرح .نعود للشخص الذي فعل هذا كان هذا الفعل يقبل منه وكان المولى يأمرنا به بدلاً من الرجم إذا لم نرجع بعدها إنما المشكلة أننا نرجع .ونقطة أخرى المولى أمرنا بالرجم بحَجَرة أم بحصوة ؟ المقدم : بحصوة. د هداية : وليس بحذاء أو خف فهو بهذا فعل مثل إبليس دون أن ينتبه بأنه عصى أمر الله بلازم معنى رد الأمر ، كمسألة الهداية هدايتان والتوبة توبتان أيضاً إبليس يعرض أنت تستجيب أم لا هذه مشكلتك أنت. المقدم : بعد الفاصل نريد أن نطلب من الحجاج المسافرين هذه الأيام أنك مسافر لتؤدي الفريضة ونتكلم عن التوبة وعلاقتها بالحج وهل أنا ذاهب لأعود من الذنوب كيوم ولدتني أمي ؟ أم انا ذاهب لأداء فريضة إمتثالا لأمر الله؟ ---------- فاصل ---------- المقدم : لماذا يسافر الحجاج للحج؟ هل لأن القرآن أمرنا بحج البيت؟ أم أنه أذنب ذنوبا كبيرة وذاهب ليغسل هذه الذنوب عند الكعبة ويقف بعرفة ويدعو الله؟ وما علاقة الحج بالتوبة؟ د هداية : نحن عندنا أركان الإسلام خمسة وفي حديث توقيعه في منتهى الإبداع من رسول الله (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة والعمرة إلى العمرة ورمضان إلى رمضان...) كلمة الصلوات الخمس لا يتضح معناها إلا بعد والجمعة إلى الجمعة. المقدم: يعني من الصلاة إلى الصلاة. د هداية : المعنى هنا يشتغل بلازم المعنى في المعنى الثاني فكلام الرسول (صلى الله عليه وسلم) أخذ من بلاغة القرآن فالمولى قال (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم:5] ولم يقل (أقرأه شديد القوى) فالأحاديث الموضوعة تجد كلامها تافه ولا يصح أن يقولها الرسول .(الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة) هذا البيان يساوي بيان القرآن ومن علمه هذا؟ (علمه شديد القوى ) وكذلك(الرَّحْمَنُ(1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ(2)) ولم يقل أقرأ القرآن ؟فعندما تكون الصلوات :الظهر ، العصر ، المغرب ، العشاء، الفجر ، ثم الظهر هذا لحكمة كأن من الظهر للعصر لو حدث شيئ لمم العصر يغفرها تلقائي ،يغفرها تلقائي تحتاج لشرح. المقدم:بعض الناس لا تدرك هذا. د هداية : لذلك السؤال هنا ماذا قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن الحج ؟ هل قال والحج إلى الحج؟ المقدم: لا ، هو ذكره مرة واحدة وقال الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة . د هداية: ليس معنى أني أذنبت أن أذهب للحج لأتوب فبهذا نكون متبعين الهوى وليس الرسول (صلى الله عليه وسلم) هل الرسول عندما قال هذا الحديث سأله أحد أم هو وحي إلهي وعلم إلهي للرسول (صلى الله عليه وسلم) ؟! ما الحكمة من تفريق الصلاة؟ أنها يمكن أن تصلحك من وقت لآخر وعلى مدار يوم وبعدها الجمعة إلى الجمعة والعمرة إلى العمرة ورمضان إلى رمضان . المقدم: تكرار؟ د هداية: العبادات التي تكرر يصح بينها الإصلاح ،لذلك عند دخول رمضان كل عام كنا نقول للناس اجعلوا رمضان هذا الأول ليكون والذي بعده (الثاني) رمضان إلى رمضان،فإذا طلبت منك أن يكون رمضان هذا الثاني يمكن أن تقول أنك لم تكن تعلم ولم ينضبط رمضان الماضي فأقول لك اجعل رمضان الحالي منضبط واجتنب الكبائر حتى رمضان المقبل فيكون بذلك رمضان الثاني مكفر لما بين الإثنين من اللمم و الأشياء الصغيرة التي لم تنتبه إليها ،لأن الشرط في الحديث قال (إذا إجتنبت الكبائر) .قيمة هذا الكلام هنا أن الكبائر تحتاج لتوبة. المقدم: ولا تحتاج لحج . د هداية: ولا لعمرة إلا إذا كانت مع توبة،يجب أن أفكر. المقدم: لأن بعض الناس تظن أن المولى لن يسمعها ولن يقبل منها إلا في الكعبة . د هداية: إذن السؤال هل المولى عز وجل ظلم الفقير الذي لا يستطيع أن يؤدي العمرة ؟أو قال له ليس لك توبة ،توبتك لابد أن تكون معها عمرة ؟! عندما قال (صلى الله عليه وسلم) (إذا إجتنبت الكبائر ) يعلمنا ضمنياً أن الكبائر لا تحتاج مال ،لأن الحج يحتاج مال وكذلك العمرة بدليل أنه تبارك وتعالى عندما فرض الحج جعله مع الاستطاعة .والإمام الشافعي الذي اعتبر العمرة فرض (يعني مرة في العمر ) جعلها أيضاً مع الاستطاعة ،لم يجبر أحد مثلها مثل الحج ، يعني إذا استطعت العمرة لا تنتظر وسارع بتأديتها،هذا رأي الشافعي. نعود لكلام الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو يقول (إذا إجتنبت الكبائر ) فمثلاً إرتكبت كبيرة هل لابد أن يكون معي مال لأداء العمرة؟ لا، التوبة لا تحتاج لمال. المقدم: لكن لابد أن أكون جدياً في التوبة؟ د هداية: نعم ،أي التوبتان إذن؟ فإذا وقعت ثانية إذن أنت لم تتب.مثل(إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [العنكبوت :45] والذي يصلي ويأتي الفحشاء والمنكر؟ المقدم: لم يكن يصلي حقاً. د هداية: بالضبط ليس أكثر من هذا . المقدم: ليس معناها أن الصلاة لم تؤدي وظيفتها . د هداية: لا، القرآن حق والصلاة فاعلة هذا لابد أن تنهى عن الفحشاء و المنكر، إذن فمن يجد نفسه يصلي ويأتي الفحشاء والمنكر لا يحتاج أن يذهب إلى طبيب وهذا من عظمة المنهج وإنما هو طبيب نفسه لابد أن يقف ويقول صلاتي غير منضبطة ، لا أتهم الصلاة ولا أتهم المنهج بل أتهم نفسي شاهدي في الحديث أنه عندما جاء للحج قال (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) . المقدم:ولم يقل والحج إلى الحج . د هداية: بدليل أنه يوجد بعض الناس لم تحج ومتبعة للمنهج أفضل من الذي يحج كل عام يخاف ربه ولا يقع في الكبائر ولم يحج لأن الحج فريضة أنت تذهب لأداء فريضة لا تذهب لتتوب وإلا فما وضع الذي فعل نفس الذنب الذي فعلته أنا ولا يستطيع الحج ؟! هل ظلمه المولى؟ لا أنت الذي لا تفهم أنها فريضة وعلى الاستطاعة. لكن انتبه لقول الرسول (والحج المبرور) لم يقل الحج إلى الحج والجملة تحمل معاني كثيرة جداً قال (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) والحج المبرور هذا لا يأتي صدفة ولا يأتي فجأة ولا يأتي بعد ركن فأنت لابد وأنت ذاهب للحج ان تنوي البر .فنجد مثلا شخص بعد رجوعه من رحلة الحج وهو في مطار جدة يسُب الدين فصاحبه يقول له (أنت لحقت؟) فيرد عليه(سوف أعود للحج العام القادم )هذا غباء مركب ،فهذه الجملة التي قالها فيها شرك وكفر وعدم إيمان وبلطجة واستهانه هل يضمن عمره للعام المقبل؟ فهو جعل نفسه إله. ممكن يرد علينا البعض ويقولوا أنه ممكن أن يكون قد عاش وذهب للحج ، أقول أن هذه ليست المشكلة إنما المشكلة في القول والإعتقاد فيه فالمولى عز وجل علَّم الرسول(صلى الله عليه وسلم) قبل المؤمنين (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ) [الكهف] قولاً وعقيدة بداخلك يعني وأنت تقول إن شاء الله مسبقة في عقيدتك قبل قولك.ويوجد قول لعائشة مبدع يبين أنه قبل القول باللسان يجب أن يصدق القلب ليس في التوبة فقط وإنما في العقيدة ككل . المقدم: تقصد (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23] د هداية: لأن (على ) قالت هذا قالت أنه تواب طالما ألزم نفسه إن صح التعبير يكون تواب ، إذن ما الذي يبقى ليؤكد الاطمئنان ؟ أنه عليم حكيم لو لم يقل عليم حكيم لجاء شخص وقال أنه ليس عالم بحالي أو أني سأُفاجأ يوم القيامة أنه لا يعلم ! لا فهو ساعة شرع التوبة بالطريقة التي تجعلك غير مصدق هذا لأنه عليم حكيم .والسؤال هنا هل العلم يسبق الحكمة أم أن الحكمة تسبق العلم ؟ عموماً. المقدم: بالمنطق البشري الإنسان يظل يتعلم ويتعلم حتى يصبح عنده حكمة ويكون حكيم . د هداية: لا لكن ادعوا لي لأن الحديث الذي وجدته هذا عندي فيه مشكلة في التحقيق لكن الكلام خطير .الفكرة أن المسألة لا تقف عند الأفعال والأقوال حتى العمل لابد أن يكون له جذور في العقيدة .هنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يقل والحج إلى الحج لكن قال شيئ آخر أجمل من عمرة إلى عمرة ورمضان إلى رمضان قال (والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) ومبرور معناها أنه لابد ساعة نوى الحج أن ينوي البر بمعنى أنه ساعة توفر له المال الذي سيحج به بدأ يفكر في أن يسأل عن كيفية الحج ولا يكتفي بالمعلومات التي يعرفها لأن ممكن نتيجة كلامه مع شخص آخر يجد نتيجة أحلى مما عنده لأنه خائف. المقدم: لا يريد أن تضيع الفرصة. د هداية: لماذا ؟ لأنك أسميتها فرصة وليس (سوف أعود العام المقبل) أو سأذهب لأغسل الذنوب ، كل هذا الكلام يجعلك تقلق على الشخص نفسه تشعر أنه لا يفهم شيئ .أريد أن أستخلص شيئين أولا أن التوبة النصوح لا تتعلق بالذنب فقط ، مثلا التوبة النصوح عن السرقة لا تتعلق بعدم السرقة فقط وإنما عدم السرقة وعدم القتل وعدم الزنا . المقدم: لأن التوبة رجوع لمنهج الله . د هداية:بالضبط المنهج كامل لا يجزأ مثلا رجل يقول أنا تبت عن السرقة وتقابله بعدها يقول لك أنا لم أسرق لكني قتلت ،لكني أخذت رشوة فهذا الرجل لم يتب في الحقيقة . المقدم: مثل ما كان يقال زمان هذا رجل (بتاع ربنا) . د هداية: بتاع ربنا قلناها زمان أي متابا ( فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) [الفرقان:71] . جائتنا أسئلة أيضا في مسألة (على) نحن قلنا (من) و(إلى) وسأتركها للحلقة القادمة. النقطة الثانية أن الحج ليس مسألة أنا عليَّ ذنوب فأذهب للحج لتكفيرها بدليل أن من سنن الحج أن ترد المظالم وتطلب من الذي ظلمته أن يسامحك ،إذن الحج لا يغفر هذا . المقدم: وإذا لم أرد وذهبت للحج كما أنا؟ د هداية: بهذا ستفعل شيئ آخر فالناس معتقدة أن الحج يفغر لك ومن السنة للسنة مثل العمرة هذا خطأ ، الرسول لم يقل هذا يا جماعة أنت بهذا تأخذوا الدين هوى فلو كان هذا صحيح لكان قال والحج إلى الحج ،سأسألك سؤالاً كم مرة حج الرسول؟ المقدم: مرة واحدة . د هداية: لكنه عمل أربع مرات عمرة إذن العمرة وارد أنها تتكرر وهذه سُنة (خذوا عني مناسككم) ونأخذها فى العمرة والحج هو(صلى الله عليه وسلم) كرر العمرة ولكنه حج مرة واحدة لكي يتعلم المسلم أنه عندما يحج مرة هذه سُنة لكن اسمع هذا السؤال من بعض الناس (لكني أشتاق؟) أقول له إعمل عمرة المقدم: تصدق على شخص غير قادر ليحج. د هداية: ليست إلزاما لكن تصدق على أرامل على أيتام ، عالج ،علِّم ، عندنا الأمة مثلما قلت في المقدمة افتح مصانع لكن أذهب للحج بهدف أن تغفر ذنوبي لا فهذه نقطة مهمة . المقدم: جزاك الله كل خير .. تظل عملية التوبة هي محور حياة كل واحد منا أثناء المشوار نخطئ محتاجين نعرف كيف نرجع ولا تكفي النية وإن كانت مهمة لكن أنا ممكن أنوي أن أكون إنسان خيِّر لكني لم أعمل عمل خير فأصبحت النية لا قيمة لها كذلك التوبة لايكفي أن أنوي لابد أن أعرف كيف أتوب وهذا هو ما نفعله في طريق الهداية . إن كان في العمر بقية إن شاء الله نستكمل المسيرة في الحلقة القادمة ، و نراكم على خير و سلام الله عليكم و رحمته و بركاته. |
التوبة و الاستغفار 116 المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبة الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. ونحن نسير في مشوار الحياة كما قلنا نتخبط ونقع، والمشكلة أن بعض الناس لا تعرف كيف تتوب، أو يغيب عنها أن التوبة كما قلنا في الحلقة السابقة هي رجوع عن كل شئ ليس معناها أن الرجل يقلع عن أخذ الرشوة أو عن السرقة لأنها أشياء عيب، ولا مانع لديه من أن يشرب الخمر أويشاهد بعض المشاهد المحرمة . فالتوبة رجوع وسنتكلم في هذا الموضوع اليوم مع فضيلة الدكتور محمد. هداية. تعليقا على الكلام الذي قلناه في الحلقة السابقة سأل كثير من الناس وخصوصا في موضوع الحج وقالوا ما المشكلة في أن أذهب للحج وأدعو الله أن يغفر لي ذنوبي هناك؟ وكلنا يعلم المعنى الذي اشتهر عند الناس أن الدعاء عند الكعبة أوعند باب الملتزم شيء مختلف هذا كله يجعل فهم الناس يذهب إلى أن إجابة الدعاء هي الأقرب، وأنني ذاهب لأغسل الذنوب فما المانع ؟د. هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد، المانع المنهج، المانع العلم، المانع لو قلبنا الفكرة لو أن الذي أخطأ لكي تقبل توبته لابد أن يحج كيف يكون الحال وقتها ؟! المقدم: كان الفقير يضيع وكذلك المريض . د. هداية: لكن هذا منهج إلهي لايوجد ربط بين المعصية والحج، وهذا على وجه العموم لا تربط التوبة عن معصية أنك لا بد أن تذهب لتتوب في مكة . ولكي ننهي جدلاً لا فائدة منه نقلب الفكرة كما قلنا لو أن الله تبارك وتعالى - حاشاه - أمر بهذا، وإذا فكرنا سنفهم أن مقلوب الفكرة غير مقبول، لو أن المولى قال لتتوب لابد أن تكون في مكة، سواء حج أوعمرة فالعمرة أيضا تكلفتها عالية بإختلاف المستويات المهم لابد أن تتوب في مكة كيف يكون الحال وقتها ؟! لكان ضاع الفقير ولأصبحت الجنة جنة أغنياء مثلما قلنا سابقاً ,ولكان هذا الدين على الهوى، ولذلك هذا الكلام كلام هوى وليس كلام مناهج . والذي يسأل تجده يقو ل (أنا كنت راجع من الحج ذنوبي كلها مغفورة) كيف عرفت أنت هذا ؟! فإذا كنت راجع بهذا الحال كما تزعم والله لن تخطئ مرة ثانية، (أقصد الكبائر) . المقدم: وتخاف أن تقول هذا. د. هداية: بالضبط، انظر لعظمة المنهج وجمال الآية (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ) [البقرة:186] فإني في مكة؟ فإني في المدينة؟ فإني في عرفة؟ فإني في مِنى؟ حاشاه، أستغفر الله العظيم حتى من المثال لكن إسمع (فَإِنِّي قَرِيبٌ) ممن ؟! من السائل. لأن ممكن السائل يكون في أمريكا، والسائل في أندونيسيا، والسائل في اليابان . (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) إسمع تكملة الآية (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) أجيب دعوة من ؟ الداعِ إذن أثبت أنه دعا، فما معنى إذا دعانِ ؟! ماهو الشرط هنا ؟! التوحيد أى إذا دعانِ موحداً . المقدم: وبالطريقة السليمة . د. هداية: وبالعقيدة السليمة، الشرط أن أكون أسأله هو عز وجل إذا كانت العقيدة بفطرة سليمة، بالفطرة الإيمانية انتبه معي إلى عدد الحلقات التي أنهيناها بفضل الله حتى الآن ؟ (116) حلقة وأقول أننا نحتاج مثلهم لنوفِّي التوبة، والناس لا تصدق هذا . يوجد كم كتاب في التوبة ؟! وكم مفسر تحدث في التوبة ؟! لكن يوجد جوانب في التوية لم تقال بعد . وأنا لا أبالغ، فأنت قلت في المقدمة نقطة كنا قلناها الحلقة السابقة -الذي يتوب عن الرشوة لكنه مازال يشرب الخمر مثلا، فالتوبة ليست هكذا . إذا انتبهت معي للفظ الذي تقف عليه أنت (على) ماذا يحقق هذا الحرف ؟ تخيل لوكنا سرنا على هوى الناس الذين سألونا هل إنما التوبة على الله أم من الله ؟! المقدم: ( على الله ) لأن (على) تشتغل (من وعلى وإلى) مثلما قلنا . د. هداية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا) [التحريم:8] أنا سأتوب إلى الله، وهو سبحانه بـ( على ) يقبلها، لأنه لو كان قال إنما التوبة من الله (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ) لكن عندما يصيغ توصيفها توبة قال على الله لأنه لو قال من الله يكون تشريع فقط بدون قبول، لكن على أعطت معنى التشريع والقبول . (على ) تعطي معنى أن التوبة من الله بدليل (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) من أين أخذ الكلمات ؟ من الله، فأصبحت التوبة هنا من الله . لكن لو القرآن صاغها (إنما التوبة من الله) يكون المعنى هنا أن الله شرع لنا التوبة أين قبولها ؟! قبولها في ( على ) تعطيك الإثنين، فهي من الله كتشريع، كهداية، وإلى الله منك أنت كعبد . فكرة مني أنا إلى الله هذه تذكرنا بما قلناه زمان عندما سألتك من ماذا كان يتوب الرسول ؟! المقدم: (يأيها الناس توبوا إلى الله فإني أستغفره) د. هداية: (يأيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم أكثر من 70 مرة )ومائة مرة ) حديثين ماذا كانت نيته (صلى الله عليه وسلم) في التوبة ؟! قلنا أنها توبة من توبة، أوتوبة عن توبة يعني هو (صلى الله عليه وسلم) أكيد لا يرتكب جريمة حتى بالعصمة الإلهية، لكن رغم ذلك الثابت أنه كان يتوب مائة مرة في اليوم نجد شخص يقول هذا على سبيل المبالغة ؟ حتى إذا كان يتوب 10 فقط أو أى عدد كان يتوب من ماذا ؟! إذن التوبة توبتان .كما قلنا أن الهداية هدايتان (هداية دلاله وهداية معونة ) والذي يتلقى الهداية (المتلقي) هو أن الله يهديه، لكن التوبة طالما أن التوبة على الله إذن فهي تضمنت أنها كتشريع من الله وكقبول على الله وقلنا أن موضوع الإلزام هذا يكون من باب التفضل، هو ألزم نفسه على سبيل الفضل والرحمة واالإحسان إلينا . لو إنتبهت أنه هو سبحانه وتعالى جل في علاه عليم خبير إذن فهو يعلم أننا لابد أن نخطئ فهذه رحمة . لكن عندما تأخذ أنت التوبة كتشريع (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا) التوبة معروف أنها تأتي من الكبائر أو من الذنوب، والصغائر ؟! بالإستغفار (وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ) [هود: 3] يعني هناك استغفار وهناك توبة وسأضرب لك مثالا : سأفترض فرض جدلي أن هذا الرجل استقام (قل آمنت بالله ثم استقم ) فاستقام، يعمل كل مايرضي الله، يؤدي العبادات كلها، لايرتكب كبائر، ومنتبه جداً للصغائر (اللمم) . سأقول لك لايمكن أن يكون أحسن من الرسول (صلى الله عليه وسلم) والثابت أنه (صلى الله عليه وسلم) كان يتوب إذن يجب أن نسمي التوبة الثانية فالتوبة الأولي هي توبة الإنابة (من الذنوب) والذي لايرتكب الذنوب له توبة إستجابة لأنك لو انتبهت لكلمة (متابا) والتي قلنا عنها أوشبهناها بالمكان الآمن الذي إذا ذهبت إليه تتمسك به ولا تتركه، لأنك لو لاحظت التعبير القرآني (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ) بمعنى أنك سترجع، ستنيب من الذنوب لأنك عدت وحتى لو لاحظت مادة (توب) في اللغة (التاء، والواو، والباء) بمعنى الرجوع، إذن هو رجع وأناب وفي الفرقان نجد هذا الإحتمال الجدلي فقال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) [71] أي دخل المكان الآمن لا يرتكب كبائر ويحافظ على اللمم لصيانة الإحتمال . لقد تاب وهو الآن في المتاب ماذا عليه أن يفعل ؟! توبة استجابة . المقدم: كما أمر المولى . د. هداية: بالضبط تنفيذ الأوامر تعتبر توبة لكن ليست توبة إنابة . إذن لابد أن نقسم التوبة إلى توبة إنابة (من المعاصي كلها) وتوبة استجابة (وهذه توبة الرسول (صلى الله عليه وسلم)) لكن طبعا الرسول لم يتب توبة إنابة فمثال الرسول أو أي نبي لايقاس عليه، لكن أنت عندما تتوب توبة إنابة لابد وأن تظل تائب توبة استجابة . فتوبة الاستجابة تحمي من الغلطات التي تجعلني أتوب توبة إنابة مرة ثانية . المقدم: أي أنك وصلت لمرحلة معينة من الطاعة فلا تنزل للمستوى الأقل . د. هداية: المستوى الذي يوصلك ويستدرجك لمعصية كالمثال الذي قلته في أول الحلقة الرجل الذي أقلع عن أخذ الرشوة لكن لايزال يشرب الخمر هذا الرجل لن يفعل شئ هل قلل النارمثلا ؟! المقدم: هذا لم يتب . د. هداية: إذن توبة الإنابة الصادقة لابد من شئ بعدها يجعلك لا ترتكب المعاصي مرة ثانية وتضطر لتوبة إنابة ثانية . المقدم: سيظل السؤال دائما هل قبلت توبتي أم لم تقبل ؟! وكذلك الحاج دائما يسأل نفسه هل قبل الحج أم لم يقبل فهل يوجد علامات للقبول ؟ وماهي ؟ د. هداية: أني لا أقع في المعاصي، أني إذا تبت توبة إنابة من عمل لاأقع في غيره لأن هناك شروط لتوبة الإنابة الصادقة بدليل أن القرآن اختار لها لفظ نصوح . المقدم: اللفظ (نصوح) وشروط التوبة الصادقة وعلامات قبولها سنتكلم عنها لكن بعد الفاصل . --------فاصل--------- المقدم: قلنا أن التوبة صنفان توبة من المعاصي نعود فيها إلى الله وتوبة أخرى (استجابة) عندما نرجع لابد منها حتى لا نعود للمعاصى مرة ثانية .كيف أعرف أن توبتي قبلت وكيف أعرف أن الحج كان مبرورا؟ وفي موضوع الدعاء فضيلتك قلت (إذا دعانِ) فيها وقفة وفي آية أخرى (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل:62] . وما علاقة الإضطرار بإجابة الدعوة ؟ وفي آية أخرى (إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)[الأعراف:56] هل رحمة ربنا قريبة من المحسنين فقط وليست قريبة من الغافلين والمقصرين ؟ .وكذلك الرجل الذي يحج ليغسل الذنوب وينسى أن الحج فريضة واجبة عليه لماذا تركز على الحج فقط ؟ والمفترض أن كل العبادات تكفر الذنوب، وحديث الرسول صريح في موضوع الصلاة فقال (صلى الله عليه وسلم) (الصلوات الخمس) وليست الصلاة فقط بل الوضوء أيضاً مع كل قطرة مياة تُغسل الذنوب . د. هداية: وهذه هي الحكمة من الوضوء . المقدم: طهارة وليس نظافة . د. هداية: وأنا ضربت المثال هكذا لو أنت نظيف مائة بالمائة، وأنهيت الإستحمام، وانقطع الماء قبل أن تتوضأ ماذا ستفعل ؟! ستتيمم بالتراب، وهذا ليس منطق . المقدم: لأنها رمزية للطهارة وليس النظافة . د. هداية: ليس المقصود منه النظافة . التيمم هذا يلفت نظر المؤمن أن الوضوء الذي هو بالماء ليس نظافة . بالمثال الذي ذكرناه هذا شئ غير منطقي لماذا ؟! لكي يعمل إفاقة . وأنت تتوضأ بالماء تعرف أنها ليست نظافة، فتأخذ الجانب الحسي فيها ... المقدم: أنه يغسل ذنوبه قبل أن يقف بين يدي الله . د. هداية: بالضبط هو يتطهر إن الله يحب التوابين ويحب الطاهرين ؟! الطاهرين ؟! الطاهرين ؟! أم المتطهرين ؟! (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة:222] يعني يريدك أنت أن تعمل عمل الطهارة هذا تكون متطهر ليس طاهر .والآية التي تقول (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة:79] هؤلاء هم الملائكة ليس نحن .بعض الشيوخ والدعاة يشرحوها على أنها الطاهر لكن هذه الآية ليس المقصود بها نحن وإنما الملائكة، والذي شرحها بطريقة صحيحة هم أهل اللغة. المقدم: هذا يدخلنا في السؤال أثناء الحيض للمرأة هل تمس المصحف أم لا ؟ د. هداية: نحن كنا شرحناها ومسألة إرتداء القفاز هذا درب من الهبل وليس منطقي، الذي أريد أن أقوله أن القضية ليست صعبة ولا ساذجة . فالدين سهل جداً، الدين يسر فعلاً، لكن يسر على مراد المشرع ليس على هوى العابد، فهذه الأسئلة مهمة جداً تبين اللغبطة التي وقعنا فيها، فأول سؤال سألته هو دخول الحج على المعاصي على غفر الذنوب (مثل/ الذي حج وجاء من الحج فأخطأ فيقول أريد أن أذهب للحج مرة ثانية ) وما دخل الحج بالذنوب ؟! متى يقبل هذا السؤال ؟ إذا قلت أنا أريد أن أحج مرة ثانية لأن الحجة الأولى لم أكن منضبط فيها، تجاوزت فيها، ليس لها علاقة بالتوبة إطلاقاً لأني قلت إقلب الفكرة ستفهم . لو كان شرط التوبة الذهاب لمكة لكانت مشكلة . لكن انظر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ)، (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ) وسؤالك هنا (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) فهذه الآية نزلت لحسم الموضوع بالنسبة للأخذ بالأسباب (مثال/ طالب أخذ الكتب وضعها في المكتبة وجاء ليلة الإمتحان جلس من الفجر للفجر يدعوا الله أن ينجح، فهل سينجح ؟! هذا الدعاء مردود عليه لأنه لم يأخذ بأسباب يسرها الله له . والمثال الآخر/ طالب أخذ الكتب وذاكر واجتهد وجاء قبل الإمتحان بعشرة أيام مثلا ومرِض بالحمي وأهل الطب قالوا أنه يحتاج شهر علاج لو دعا يشفيه الشافي سبحانه وتعالى جل في علاه في يوم بل في ثانية ) لماذا ؟! لأنه مضطر انقطعت به الأسباب بعد أن أخذ بأسباب مناط الدعاء، فهو يدعو الله أن ينجح والنجاح يتطلب المذاكرة، هو ذاكر لكن طرأ شئ أعاقه غير داخل في الأسباب . المقدم: ليس تقصير منه . د. هداية: لا ليس تقصير . المقدم: كثيراً ما نجد أن العقلية الغربية لا تفهم هذا فيقول لماذا أدعو ؟ وأين البركة ؟ أين التيسير ؟ أنا عندي كتاب أذاكره جيداً وأؤدى الإمتحان فيه وأنجح . الله ليس له دخل بالموضوع. د. هداية: حدثت مرة مع شخص مرٍض كما قلنا في المثال فبدأ يفهم انقطاع الأسباب فالكلام الذي قاله هذا الشخص نصفه في المسألة صحيح هو أخذ بالأسباب لكن حدث شئ خارج عن إرادتك فهنا تدعو الله . المقدم: يعني المنطقة التي تستطيع أن تعمل فيها، د. هداية: لابد أن تعمل فيها والمنطقة التي ليس لك دخل هنا تكون مضطر (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) كأن الصياغة أن الإجابة هنا على الله، لماذا ؟ لأنه يعلم أن هذا العبد أخذ بالأسباب وانقطاع الأسباب هذا كان مسألة ابتلاء، وماذا سيفعل العبد ؟! لكي تتحقق (إذا دعانِ) هذا الذي مرِضِ هل سيقول الطبيب أم سيأخذ بسبب الطبيب مع اللجوء إلى المولى عز وجل ؟ما معنى المضطر هنا ؟ أي أخذ بالأسباب المتاحة ولما ضاقت واضطرته الظروف وألجأته دعا الله ... نعود للحرف (على) قلنا أنه يعمل (من وإلى) في حق الله تبارك وتعالى يعني التوبة تشريعها من الله والإتجاه بها يكون إلى الله أولا (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ) وثانياً (تُوبُوا إِلَى اللَّهِ) إذن التوبة تشريع من الله وعندما نتوب نتوب إلى الله والرجوع إلى الله هذا نوعان إما إنابة أواستجابة، الإنابة عندما تفعلها تدخل في مرحلة الإستجابة . لماذا قلنا استجابة ؟ للذي قلته عن الرجل الذي أقلع عن الرشوة ولايزال يشرب الخمر هذا إذا قرأ المنهج واستجاب في السرقة سينيب، واستجاب في شرب الخمر سينيب ... وكل توبة إنابة تحتاج لتوبة استجابة .كأن الاستجابة تطهير للمعاصي وإذا ضربنا المثال الثاني (هو أناب وبدون معاصي ) لابد أيضا أن يستجيب للصلاة والصوم ... إذن الإستجابة تؤمنك . والرسول (صلى الله عليه وسلم) أخذ نفسه مثال لها لكي يفعلها كل الناس وقال (يأيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم أكثر من 70 مرة ) . عندما يسلِّم الرسول في الصلاة ماذا كان يقول (صلى الله عليه وسلم) ؟ أستغفر الله، لذلك العلماء قالوا يستغفر من التقصير الذي في الصلاة. الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الاستجابة يريدك أن تعمل العمل مائة بالمائة بحيث إذا صليت تستغفر عن التقصير الذي بداخل الصلاة لكي تكون الدرجة كاملة مثلا أنت صلاتك تأخذ 60% فالمولى يعطيك ال 40% الباقية بالإستغفار أنت تستغفر عن أشياء يعلم الله أنها فرضت عليك من إبليس أثناء الصلاة، فعند التسليم يقول أستغفر الله وبين السجدتين يقول رب اغفر لي رب اغفر لي، رغم أنك في قلب الطاعة معنى هذا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يريدك في درجة أعلى داخل الاستجابة نفسها فهذا الرجل الذي يصلي توصيفه أنه تائب، تأمل في آية سورة التوبة (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)[112] كيف جاء هذا التوصيف ؟ يوجد مشكلة لغوية عند بعض الناس الذين تعرضوا للتوبة ماذا نسمي الشخص الذي يتوب كثيراً ؟ تواب، والمولى من أسمائه التواب فبعضهم قال باذل التوبة وقابل التوبة كلاهما (تائب) فقلنا لا هذا خطأ ومن هذا المثال يتضح أن لغة القرآن أعلى من اللغة العربية وتصحح لك الأخطاء. فالمولى قال عني وعنك وعن كل الناس (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) يعني التوابين مفردها تواب وفي القرآن أيضاً (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أيكون العبد تواب والمولى عز وجل أيضا تواب ؟! وسأترك هذه ولن أجيب عنها الآن لكن السؤال هنا كم مرة جاءت كلمة التائب في القرآن ؟! مرة واحدة (التائبات والتائبون) ومفردها تائب لكن المولى عز وجل في القرآن كله لم يقال عنه تائب . المقدم: هذا يبين مدى الدقة اللغوية للقرآن ولم يترك شئ للصدفة. د. هداية: أبدا. يعنى المولى عز وجل قال عنا توابين وعن نفسه تواب، والواحد منا نقول تاب إلى الله والمولى قال عن نفسه (ثم تاب عليكم) لكن تائب لم يقلها على ذاته سبحانه وتعالى جل شأنه . المقدم: لأن المولى حق واحد لا يحيد ولا يرجع ولا يذهب إلى مدى فيعود مرة أخرى إليه . د. هداية: شخص يسأل لماذا لا يصح أن نقول تائب رغم أنه تاب (فعل ماض) ؟! لأن تائب (حال) لاتصح مع المولى سبحانه وتعالى .تأمل الآية (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ) . المقدم: أي أنه هو أساسا تواب من قبل خلق آدم والبشرية كلها . د. هداية: هذه العملية له سبحانه وتعالى جل في علاه من قبل آدم فلا تأتي في حقه تائب أبدا . لكن لكي نفهمها يأتي شخص ويسأل لماذا هو تواب ؟ المقدم: نجيب بعد الفاصل . --------فاصل--------- المقدم: الوصف التائبون العابدون السائحون موجود في سورة التوبة نسمع الآيات معا ثم نشرحها (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112)) د. هداية: أولا (إن الله اشترى )ماذا اشترى ؟! النفس والمال، وهل النفس والمال ملك للمؤمنين ؟! المقدم: لا، هم ملك لله سبحانه وتعالى، لكن كيف يشتري الله شئ وهو يملكه؟ د. هداية: انظر للعظمة الإلهية في التوقيع اللغوي والبياني للقرآن، وفي هذه الآية بالتحديد بعض المفسرين عندما شرحوها ضربوا أمثلة غريبة لا تصح، بعضهم قال مثل الوصي على اليتيم عندما يبيع بصفته البائع ويشتري بصفته وصي عليه يشتري له، لكن هذا شئ أنا أملكه وأريد أن أعطيه له فبهذا الإشكالية لاتزال موجودة .لماذا قال المولى أنه اشترى من علاء مثلا والكافر لم يشتري منه ؟! لأن الكافر لم يبع فلم يسميها المولى عملية بيع وشراء . الفكرة ببساطة أنه عز وجل أعطى للإثنين أحدهما باع فالمولى اشترى منه هي ليست ملكه لكن الفضل له هنا - وهذا بفضل الله عليه أيضا - أنه باع والكافر لم يبع، والجبان لم يبع، وممكن أن يدخل الشيطان في الأمر والآية تحتمل معان كثيرة . لكن الفضل هنا في البيع وقلنا زمان في هذه الآية أن الله اشترى من الذي باع هذا هو الذكاء أن أبيع لله لماذا ؟! (بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) ماهو الثمن ؟! المقدم: الجنة د. هداية: فالجنة سلعة في الحديث (ألا إن سلعة الله هي الغالية ألا إن سلعة الله هي الجنة) المقدم: سلعة اشتريها بالنفس والمال . د. هداية: أصبحت الجنة هنا ثمن .نجد في عملية البيع والشراء مثلا أنت تبيع أرض والمشتري يدفع لك مال هنا يكون الثمن وسيلة، بالنسبة للمشتري - وسيلة شراء هذه الأرض المال - لكن بالنسبة للبائع غاية لكن بمجرد الحصول عليها تحولت معه إلى وسيلة لكي يشتري بها شئ آخر، لكن هنا الجنة عندما تأخذها لن تتركها فأصبحت ثمن يستحق أنك تتعب من أجله. وانظر كأنه يغريك (بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) يريد أن يقول لك أن هؤلاء هم الأذكياء والعظمة اللغوية في (فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ) ليس بعتم به كأن البيعة هنا ماذا ؟! المقدم: كأنها مبايعة وليست بيع عادي . د. هداية: نعم ليست بيع عادي، ما معنى المبايعة ؟ أولا هناك عظمة لغوية في (فاستبشروا) البُشرى في اللغة مأخوذة من (البَشرة) وعندما يسمع شخص خبر جيد تجد بشرته تتلألأ وتزداد نضارة، هنا فاستبشروا أي افرحوا والفرحة تظهر على بشرتكم في الوجه. مثل الشخص الذي يضحك أو الفرحة تظهر على ملامح وجهه . (فاستبشروا ببيعكم )وهذه البيعة شئ يجعل الشخص فرِح، أما (بايعتم ) مثلاً/ شخص يكون مُرَشَّح في الإنتخابات ويقول لمن حوله بايعوني فعندما أبايع شخص أي أعطيه صوتي على عقد بيني وبينه كأن الذي يبيع بايع يعني أسلم وآمن أي دخل في صفقة العبودية . المقدم: وطبق بأن ضحى بنفسه فعلا وليس كلاما. د. هداية: بالضبط، إذن العملية كلها فعل وليس قول . فكان من الممكن بدلا من بايعتم أن يقول أي لفظ من ألفاظ البيع مثل ابتعتم أو بعتوه أو شروه مثلما قال (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف:20] شروه بمعنى باعوه لكنها هنا ليست بيعة عادية وإنما مبايعة أولا هذا فضل من الله أن اعتبرني مالك وأنا مؤتمن على النفس والمال وهذا لكي يعاقب الكافر على أنه لم يبع . سؤال عقيدة هنا لماذا لم يبع الكافر ؟! بخلاً أم كفراً ؟ المقدم: بخلا ً. د. هداية: إذن بايع تكون صحيحة لأن هذه الصفقة تمت بعقد العبودية والإيمان والإحسان والإسلام . عندما باع المؤمن هذا لأنه بايع أي أسلم . المقدم: دخل في الصفقة وطبق بنود العقد . د. هداية: ولذلك قال بأن لهم الجنة، الثمن مضمون لأن المشتري هو الله والآية صيغت صياغة مبدعة بتصديرها ب(إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى) فهو المالك الحقيقي سبحانه وتعالى وأقولها دائما فاتحة الكتاب ترتيبها ليس صدفة أن يلفت نظرك في أول الكتاب (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أنه يملك زمن فما بالك بالعقار والأرض والجنة فنحن نقولها كل يوم ولا ننتبه إليها (مالك يوم) ويوم هذا زمن، من يملك الزمن ؟ المقدم: خالق الزمن . د. هداية: وهل صدفة أن تأتي في الفاتحة لكي ينبهك أنك تفوض له الأمر في ملك الزمن فما بالك بالمكان . المقدم: والزمان هذا له علاقة بعمرك الذي هو رصيدك، الذي هو امتحانك، الذي هو متعلق بمكان وهو الدنيا ولأن مكانك وزمانك في الدنيا يحددوا مكانك وزمانك في المستقبل د. هداية: كالذي يقول ياليتني قدمت لحياتي ساعة الموت . المقدم: وفي الزمان (يوم القيامة) يحاسب المرء على الزمان والمكان الأول إما بمكان أفضل أو أسوأ . د. هداية: فعندما تقولها مالك يوم الدين بترتيبها في أول الكتاب فهي في ترتيب النزول الخامسة - يعني كقرآن الخامسة، وككتاب الأولى - يمكن مرة تنتبه وينتقل في الآية (112) إلى أوصاف البائع وصدرها بالتائبون وهنا وقفة لماذا لم يقل التوابون ؟! رغم أنه قال (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) وقلنا أن التواب هذا لابد أن بيدأ بتوبة إنابة ثم يتبعها بإذن الله توبات استجابة لماذا قال التائبون، ولفظ مفرد في القرآن كله ؟! ولم يأت بالمفرد منه وإنما التائبات والتائبون وليس تائب، وأيضا كما قلنا أنها لم تأت في حق المولى ؛ لأنه لا يصف حالة البائع وإنما يصف حاله .فهو يصف الذين باعوا . جاءت جمع أولا لتبين لك أن الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده لابد أن يكون في جماعة، ولاحظ أنت الفرق بين صلاة الفرد وصلاة الجماعة، وكذلك الحج والعمرة لابد من الجماعة لاتجد شخص يذهب للحج بمفرده. يعني الأعمال تحتاج لجماعة، فكما قال رسول (صلى الله عليه وسلم) (الشيطان ذئب الإنسان والذئب لا يأكل من الغنم إلا الشاردة) فأنت الجماعة تحميك من سيطرة الشيطان عليك . وثانيا قال التائبون رغم أنه من وجه نظر البعض التوابون تكون أفضل، لكن لغةً التائبون أفضل ؛لأنه يتحدث عن الذين باعوا وهم باعوا أنفسهم وهذه المسألة تحتاج شرح طويل والوقت كاد أن ينتهي لكني سأسألك سؤالا من بداية الآية (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم ) هل فيها معني التوبة ؟! المقدم: لا . د. هداية: بل كلها توبة . المقدم: وسنكمل بإذن الله في الحلقة المقبلة لكي نعرف أن التوبة حياة يعيشها الإنسان ليست غلطة وكلمتين ثم ينتهي الموضوع . د. هداية: تستطيع أن تقول أنها حالات متعاقبة من الإنسان، هي حالة دائمة ولذلك قال التائبون وسأوضها في المرة القادمة بإذن الله هي ليست صدفة أن تبدأ الدنيا غلطة وتوبة، فحياتك مبنية على هذا. الذي يقرأ القرآن بذكاء ووعي يفرح جدا بهذا أن المسألة التي كانت تزعجنا زمان وأننا خرجنا من الجنة كما كان يُشرح لنا فهذه مسألة عظيمة جداً لأنه بهذا شرعت التوبة؛ لأنه لولا التوبة لكانت مشكلة وهذا كله بفضل الله . المقدم: جزاك الله خيرا. وسنكمل معا مشوار التوبة والتي سنسميها منذ هذه اللحظة بـ(الحالة الدائمة) والتي لها شروط ولها أوصاف معينة ونذَّكر دائما بأن الزمان والمكان هما رصيدك الذي ستدخل به إما جنة وإما نار .ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته بُثّت الحلقة بتاريخ 24/11/2009م وطبعتها الأخت نسمة عبد الحميد جزاها الله خيراً وتم تنقيحها |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 117 المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبة الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. طريق الهداية وطريق التوبة مفروش بكل الترحاب والوعود بالقبول من المولى سبحانه وتعالى لكن بشرط إذا دعان، إذا تاب، إذا رجع، إذا عمل هذه الحالة من حالات الإنابة وفق الشروط وليس كلمات تقال باللسان مثلما نقول دائماً. كيف نفعل هذا؟ وما الأوصاف الموجودة في القرآن للتائبين؟ وما الفرق بين التائب والتواب؟ وفي هذا المشوار نحاول أن نعيش كلنا هذه الحالة من التوبة. الحلقة السابقة كنا في سورة التوبة واشتغلنا تقريباً نصف الحلقة في آية واحدة وهي الآية(111). الآن الآية (112) (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) وقلنا أن البشرى جاءت مرتين الأولى (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به) وهنا (وبشر المؤمنين). عندما تحدثنا عن عملية التوبة وقلنا أن المولى لم يأتِ في حقه أبدا وصف التائب، هو تاب عن الناس، هو تواب سبحانه وتعالى لكن ليس تائب. وقلنا أن ألفاظ القرآن الكريم محددة وواضحة.د هداية: محددة وواضحة وتخدم المعنى الذي نتكلم فيه يعني كلمة التائبون قلنا تخدم هذا المعنى فقط في الآية (111). وتلقي ظلال على الآيات الأخرى مثل (إن الله يحب التوابين) وهكذا. المقدم: قلنا الآية (112) كأنها توصف من الذي مضى العقد ومن الذي باع؟ التائبون العابدون الحامدون وسنبدأ بالسؤال المنطقي لماذا قال التائبون و لم يقل التوابون ؟! د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد ، كنا قد اتفقنا أن ننتبه جيداً. ستلاحظ أنت في المفاهيم التي استقرت عندنا بعد تدبر القرآن لأنك معي منذ فترة طويلة ولعل الله أن يفتح لنا التوصيف. ففي هذه الآية من المستحيل أن يقال التوابون أنا شخصياً - عن نفسي - كنت سأقف لو كان قال سبحانه وتعالى التوابون في هذه الآية، لا تصح أبداً بعد قوله إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم فالمؤمن الذي باع لايصح أن يكون تواب في هذه الأية، لكن لكي لا تُفهم بطريقة خاطئة، رغم أن المولى سبحانه وتعالى قال (إن الله يحب التوابين) ويسأل شخص هنا لماذا جاءت تواب؟ سأرد بالنقطتين الذين تحدثنا فيهما لماذا لم تأت التائب في حق الله ؟! لآنها منطق، الله لايصح أن يعمل الحالة إنما يقبل. فهو يقبل من علاء فقط أم من المسلمين والمؤمنين والمحسنين ؟ المقدم: كلهم . د هداية: إذن يكون تواب. في حين أنه قال ثم تاب عليهم يعني وجههم للتوبة، فجاءت تاب بالفعل الماضي أي الهداية والإرشاد للتوبة .سأسألك سؤالاً منطقياً والمثال عليك أنت مثلاً/ كان عندك قطعة أرض وقمت ببيعها لأي شخص هل يحق لك بعد ذلك أن تتصرف فيها بأى شكل أو تقوم ببيعها مرة أخرى؟ المقدم: لا فهي أصبحت ليست ملكي. د هداية: فلو أنت جلست تصف لي محاسن هذه الأرض وتأتي في النهاية وتقول لي أنك بعتها فبماذا سأرد عليك ؟! سأقول لك أنت بعتها فلماذا تتكلم عنها؟! أصبح ليس من حقك أن تتكلم فيها. المؤمن الذي باع نفسه هل ممكن أن يعمل كبيرة ؟ المقدم: لا هو أنهي هذه المرحلة وتعداها. د هداية: لا أُترك هذه الآن، أنا لا أتكلم في المناط أنا أتكلم في الواقع. الذي يفعل الكبيرة ماذا يفعل ؟! السارق، الزاني، القاتل، يأخذ لذة نسميها لذة معصية، لذة وقتية حسب التوصيفات، وعندما تتحدث معه يقدم لك مبررات ويقول غصب عني وقعت أليس كذلك؟! لكن المؤمن باع يعني باع نفسه لايصح أن يعمل لذة معصية للنفس لأنه باعها. المقدم: أصبحت ليست ملكه . د هداية: مثل الأرض أنت بعت هل تقول مثلا أريد سماد للأرض ؟! كيف وأنت بعتها فالذي باع نفسه لايوجد عنده احتمالات معاصي لا يكون تواب. التواب يعني يرجع. في سورة الفرقان قال (إلا من تاب) تاب هنا جاءت مع ثلاثة احتمالات قال (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) قلنا أنها جاءت بالنفي (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) متابا معناها أنه ذهب ولم يرجع مرة ثانية دخل المتاب ولم يرجع. وما توصيفه هنا ؟ المقدم: تائب مرة واحدة وليس يتوب ويرجع ويتوب ويرجع ... د هداية: بالضبط هذا تائب .فالذي باع نفسه لايكون تواب أبداً هو تائب فقط. المقدم: ولذلك ليس ممكنا أن يقول المولى في هذه الآية التوابون بدلاً من التائبون. د هداية: بالضبط التوابون تخدم معنى آخر في الآية الأخرى معناها توبة إنابة واحدة والباقي توبات استجابة. المقدم: سبحان الله لو جلس كاتب يكتب مقالاً أو كتاب هل من الممكن أن يقف عند كل كلمة ويفكر في كل لفظة يكتبها بهذه الطريقة ؟! هكذا لن ينتهي من كتابة كتابه أبداً. يعني عند المولى سبحانه وتعالى كل شئ محسوب وكل كلمة منضبطة جداً. د هداية: فكل كلمة هنا هي توقيع للبيع. الذي باع نفسه هو تائب عابد حامد سائح ، وسائح هنا سواء في سبيل الله أو الصائم يوجد اختلاف بين العلماء فيها وأنا حاسم كل هذه الخلافات في التفسير لا يوجد خلافات في التفسير إن شاء الله. هنا نجد السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، وهنا قال المفسرون نقطة جميلة جدا في الواوين في نهاية الآية، عندما قال التائبون لم يقل والعابدون لماذا ؟ لأن التائب هو العابد هو الحامد هو السائح هو الراكع هو الساجد هو الآمر والناهي يعني الآمرون والناهون هذا توصيف واحد أما الواو الأخيرة هي (واو الثمانية). المقدم: (والحافظون لحدود الله) د هداية: يوجد في اللغة ما نسميه (واو الثمانية) وهناك من وافق عليها وهناك من لم يوافق، ولن أتطرق لهذا الموضوع الآن. لكن اعتبر الواو الأخيرة هذه كما نجد حتى في اللغات الأنجلو ساكسونية واللاتينية عندما نعدد شئ نقول كذا، كذا، كذا، كذا وكذا (نضيف الواو في النهاية)، اعتبروها هكذا لأن موضوع واو الثمانية سيدخلنا في اشكالية وفلان رفض وفلان قبل. القرآن كله لا يوجد فيه هذا فالذي باع نفسه تجده تائب ليس تواب، تجده عابد بلا شك؛ لأنه باعها لم يعد يملك منها شئ، لم يعد يملك نفس يعمل لها لذة في المعاصي أو في الآثام؛ ولكي أتكلم كلام متكامل هو يعمل لها لذة في الحلال. والرسول (صلى الله عليه وسلم) قالها. حتى أن الصحابة إندهشوا أن الرجل وهو مع زوجته يأخذ حسنة، فقال لهم الرسول لو زنا يأخذ سيئة إذن لو مع زوجته يأخذ حسنة. تأمل هذا الكلام - وأدعو الله أن يسامحني على الألفاظ - هذا ذكاء من الرسول (صلى الله عليه وسلم) في التلقي. انتبه معي للقاعدة (الغُرم بالغُرم). فالرسول (صلى الله عليه وسلم) يريد أن يُفهِّم المسلم أنك تستطيع أن تلذ نفسك أيضاً وتأخذ حسنة إذا أشبعت اللذة في الحلال. انظر لعظمة الأداء عند الرسول، أداءه (صلى الله عليه وسلم) في البلاغة البيانية في الحديث الشريف يكون من القرآن. المقدم: هذا إلى جانب أنني أشعر أيضاً أن الموضوع فيه بلاغة نفسية واجتماعية وسيكولوجية د هداية: بالضبط فالمؤمن الذي باع لم يعد لديه نفس يملكها، هي معه لكن لله بيعت مثل عندما أنت بعت لي الأرض وجاء شخص آخر وطلب منك أن يزرع الأرض فتقول له انتظر حتى أسأل المالك فأنا أترك الأرض لك وأقول لك ازرعها، لكنك لابد أن تسألني لأنني أصبحت المالك - ولله المثل الأعلى - هي لاتزال عندك لكن ليست ملكك. فالذي باع هذا لا يملك نفس ليلذها في الحرام هو تائب. وهو عابد ،كان من الممكن أن يقول العَبَّادون. المقدم: أو العُبَّاد . د هداية: لكنه عابد فكل هذه الصفات جاءت بالمنهج للمالك لأنه اشترى .فالمولى عز وجل - المالك الحقيقي - عندما يشتري مني فهو بذلك جعل لي قيمة فأنا لست مالك لكي أبيع ورغم ذلك لأني بعت له اعتبرني بائع. والكافر رفض أن يبيع فإعتبره مالك ويرفض البيع رغم أنه ليس بمالك وإعتبر المؤمن الذي باع مالك وهو ليس بمالك أيضاً. ويريد أن يكافئه فقال (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى) ماذا اشترى ؟ النفس والمال ،وهذه الأشياء ليست ملكنا لكن لأني بعتها أصبحت تائب، عابد، حامد، سائح، راكع، ساجد، كل هذه مناهج كل هذه أشياء أنت تقوم بها من خلال منهج المالك إن صح التعبير المشتري ؛لأن المشتري قال سأتركها لك. المقدم: أو ممكن نقول لفظ يجُبّْ هذا (الواهب). د هداية: سبحانه وتعالى قال لك سأتركها لك على سبيل الأمانة هي عندك لكن ليست ملكك تتصرف فيها وفق منهجه فهو يريدك تائب، عابد، حامد، سائح، راكع، ساجد، أمر، ناهي وحافظ (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ) التي هي في الحقيقة تعني ماذا؟! المقدم: كل التوصيفات السابقة. د هداية: بالضبط ولذلك قال (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) لم يقل المتقين ولا المحسنين ولكن ذكر درجة من درجات الإيمان هي الأشمل لأننا قلنا أن درجات الإيمان هي [الإسلام - الإيمان - التقوى - الإحسان - إسلام الوجه لله - عباد الرحمن] وعندما نسير من 1 إلى 6 نجد الدائرة تضيق، فمثلاً عدد المسلمين أكثر من المؤمنين أكثر من المتقين أكثر من المحسنين أكثر من مسلمي الوجه لله أكثر من عباد الرحمن . وهنا لم يقل المسلمين ولا عباد الرحمن وإنما ذكر درجة أو صفة تؤدي معنى التائب الذي هو عابد فهذا ليس مسلم فقط وإنما مؤمن . لماذا لم يقل المحسنين ؟! كانت ستضيق وسيقل العدد فالمولى سبحانه وتعالى يريد أن يفتح الصفة ويفتح العدد . المقدم: يريد أن يضع مواصفات تُشجع . د هداية: نعم تُشجع للبيع. أذكر عندما كنا نلقي الدروس قامت أخت فاضلة وقالت نحن بعنا فقلت لها لا تتسرعوا لأننا سنأتي في منطقة التوبة - لأننا قلنا أن التوبة متعلقة بكل عمل - سنجد أن البائع وُصف بالتائب وليس التواب كأن الذي باع لا يقع في كبيرة . المقدم: لأنه باع وأنهى المسألة . د هداية: الذي باع نفسه لله لا يقع في كبيرة (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) [النجم:32] وعمل صيانة إحتمال (إِلَّا اللَّمَمَ) وبعد اللمم قال (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) حذرك من اللمم أيضاً، فالذي باع نفسه حتى المعاصي العادية يبعد عنها لأنه يعتبر نفسه باع والثمن مضمون وسهل وجميل وهو راضي به. المقدم: سنقف هذه الوقفة وأسأل في بقية الأوصاف. لازال المشوار طويل والموضوع كما نسميه حالة التوبة وسنتابع بعد الفاصل. --------فاصل--------- المقدم: نعود مرة ثانية لسورة النساء ونسأل في (الجهالة) لأن كثير من الناس وقفوا على هذا المعنى وقالوا أن الجهالة تعني الجهل وكلها ألفاظ قريبة من بعض، وآخرون قالوا يوجد فرق فما هو المعنى الحقيقي وما هو تطبيقاته ؟ لكي أستفيد من الآية يجب أن أعرف كيف تنطبق عليَّا فهل الجهالة معناها أن الشخص الذي يرتكب المعصية لا يعرف أنها غلطة ؟ أم يعرف ومع ذلك يفعلها لكن لا يعرف عقوبتها أو هل سيعاقب أم لا أو هل سيغفر الله لي أم لا ؟ يعني السؤال بطريقة أخرى هل المولى بكلمة الجهالة ضيق مفهوم التوبة ؟ د هداية: بل وسع المفهوم . أولا نحن متفقين منذ وقت طويل من 2001 تقريبا أنه لايوجد صُدف. الصياغة القرآنية صياغة محددة ، عندما يقول بجهالة فهي بالتأكيد ودون مناقشة تختلف عن الجهل . ما معنى الجهل ؟ الجهل يعني (لا أعرف)، الجهالة يعني أعرف ورغم ذلك أفعل مثال/ السارق عندما يسرق لا يسرق أمام الناس وإنما يحتال عليك ليسرقك دون أن تشعر، لماذا؟ المقدم: لأنه يعرف أنه مخطئ. د هداية: وعندما يأخذ المسروقات ويجد ناس تجري ، أو يسمع صوت سيارة الشرطة سيجري هو الآخر لأنه خائف ويعرف أن ما فعله له عقوبة فإذا كان لا يعرف أن لها عقوبة سيقف أما الضابط ولن يخاف منه . فالجهالة معناها أنه يعرف ومع ذلك يفعل لأن الجهالة عند أهل اللغة هي السفه والحماقة، فهو يعرف . فأنت ذكرت في سؤالك شئ مهم جداً في الجهالة أنه يعرف أن هناك عقوبة لكنه لا يتصور خطورتها أنها نار خالداً فيها .فساعة يوسوس الشيطان للذة معينة ينسيك العقوبة هو يعرفها لكن ينساها ساعة الوقوع في المعصية . انتبه جيداً للفظ الذي سأقوله (جاءت الجهالة في توصيف توقيع التوبة) وسأشرحها. مثلاً تاجر المخدرات يعلم أن هناك عقوبة للإتجار في المخدرات ويعرف أن هناك عقوبة لتعاطي المخدرات ،ساعة يُقبض عليه في إتجار يقول ويتمنى أن يعتبروها تعاطي فهل هذا يفهم أم لا يفهم؟ المقدم: يفهم. د هداية: فهو يقول (لو تمشي تعاطي تكون أفضل من إتجار). المقدم: تكون عقوبتها أهون. د هداية: ولو قلنا أن هذا الرجل مدمن سيدخلوه المستشفى ولن يحبسوه فهو يعرف القانون الجنائي جيداً ورغم ذلك يتاجر فهذه هي الجهالة وهذا هو السفه، أنه يفعل الجريمة ويحتال حتى لا يأخذ العقوبة. عندما تطبق هذه في الآخرة اسمع الآية (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ) قلنا أن (إنما) للحصر و القصر .يعني المولى يتوب على الذي عمل السوء بجهالة غير ذلك لا بدليل قوله (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) أصبحت التوبة لمن؟ للذي يعمل السوء بجهالة ويتوب بسرعة. السؤال هنا هل آدم عليه السلام تنطبق عليه الآية؟! أنه عمل السوء بجهالة ثم تاب من قريب لذلك المولى قبل توبته وهذه هي القاعدة العامة في التوبة؟ ما توصيف آدم عليه السلام ساعة أكل من الشجرة؟ المقدم: أنا عندي توصيف لغلطة آدم في القرآن أنها نسيان مع قلة عزم (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) [طه:115] د هداية: أنت قمت بحل المشكلة التي كنت خائف منها (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) تبين أنه يعرف. المقدم: الجهالة. د هداية: نسي يعني كان يعرف وقلة العزم سبب في النسيان. هل يمكن أن أنسى شئ أنا لا أعرفه؟ النسيان دليل على أنه يعرف لكن نسى. لماذا اخترت آدم علي السلام؟! رغم أن المثال صعب في التصور لكنه مبدع في شئ آخر. قبل الآية التي تحدثت عن غلطة آدم قال عز وجل (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) [البقرة:31] أكيد في هذه الأسماء كلمة (توبة) وانتبه جيداً لكلمة (عَلَّمَ) فعندما قال له اسم التوبة أكيد شرح له معناها فهو علَّمه الأسماء فلم يقل ذكر لآدم بل قال (علَّم آدم) يعني عندما ذكر له كلمة شجر علَّمه ما هو وإذا سألت كيف هذا؟ الكيفية لله سبحانه وتعالى فهو القدير ويقدر في ثانية يعلِّمه كما علَّم من؟ محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي كان ... المقدم: أميا لا يقرأ ولا يكتب ولا يحسب. د هداية: (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا) تبين أنه من المؤكد أن تكون كلمة توبة من ضمن الأسماء فأكيد عندما قال له المولى عز وجل التوبة سأله آدم عليه السلام ما هي التوبة ؟ فشرح له التوبة ولذلك قال (نسي) فهو أكيد نسي أنه عندما يأكل من هذه الشجرة سيعاقب وإلا فماذا نسي؟ المقدم: من الجائز أن يكون نسي الأمر الإلهي كله بعدم الأكل من الشجرة ؟ د هداية: لا. لو كان نسي الأمر الإلهي لكانت رفعت عنه العقوبة، لكنه نسي الجزاء ولم نجد له عزماً على ماذا ؟ على أنه ينفذ الأمر. المقدم: عندي ملمح لكي نيسر الأمر على الناس ونبصرهم بأسلحة الشيطان. د هداية: وسنفرد لأسلحة الشيطان حلقة كاملة بإذن الله. المقدم: كيف تدخَّل الشيطان في أول غلطة للبشرية ؟ وسوس لهما بأن المولى عز وجل منعهم من الأكل من هذه الشجرة لكي لا يكونا ملكين أو لكي لا يكونا خالدين (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى) [طه:120] من هذين الملمحين كيف آخذ ضعف النفس البشرية؟ د هداية: بأن أقول له كُلْ أنت من الشجرة فإبليس نفسه عنده مشكلة في الخلد. المقدم: مثله مثل كل المخلوقات. د هداية: التدبر يحميك من الإنقياد لوساوس الشيطان، عندما تُعرض عليَّا المعصية أبحثها، قال المولى عز وجل (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76] لكنه ينجح في أن ينسيك وأول شئ يجعلك تنساه هو أن تتدبر الأمر فدائما المعصية تأتي بسرعة أنه يخطفك - أو اللفظ الذي تقوله أنت (الكعبلة)- بدليل بعض المعاصي عندما تناقشها مع نفسك تنجو منها، فأي معصية تعرض عليك وناقشتها لا تقع فيها . المقدم: قال لي شخص هذا الكلام في موضوع خاص بالتجارة عندما عُرضت عليه صفقة ليأخذها فوافق بسرعة دون تفكير لكنه سبحان الله تراجع فورا وقال انتظر حتى أسأل . د هداية: انتهى الأمر إذا كان في الصفقة شئ يخالف الشرع لن يقبلها . المقدم: هو عندما شك في الأمر قرر أن ينتظر حتى يسأل هل فيها شبهة أم لا؟ فبمجرد أن يتدبر الإنسان لن يقع في المعاصي. د هداية: لن يقع لذلك اسمع الآية لتعرف كيف وقَّعتها (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) قلنا إنما التوبة على الله الألفاظ فيها حصر وقصر وتحديد، وأنت تسأل نفسك هل هذه تنطبق على آدم عليه السلام ؟! فالمولى عز وجل قبِل من آدم بل وأيضا هو سبحانه الذي أعطي له الكلمات إذن فآدم عملها بجهالة . كنت ضربت لك مثالا من قبل - وإن كان ليس من حقي أن أقول هذا الكلام - كانت الغلطة تُقبل لو كان المولى عز وجل منع آدم من كل الشجر إلا واحدة. المقدم: كان من الممكن أن يملّْ من الشجرة الواحدة. د هداية: لكن المسألة عكس ذلك ،تأكل من كل الشجر إلا واحدة فالمعصية هنا غير منطقية إلا في الجهالة. بدليل أنت عندك ألف شجرة أو مائة شجرة وأعطيك كل الكمية إلا واحدة وأنا لا أعلم قيمة الكمية لكن أبين لك كم هي كبيرة وأنت مُنعت من واحدة فقط. تأمل ماذا يفعل المولى معنا في المعصية ، فهل قال لاتأكل من الشجرة أم قال ولا تقربا ؟ المقدم: (وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ) [البقرة:35] [الأعراف:19] د هداية: مثل قوله (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء:32] لأن مقدماته ... المقدم: ستؤدي للكعبلة. د هداية: بالضبط ستجعلك تقع فيها. الحديث الذي يقول (العين تزني وزناها النظر ...) وهذا الحديث به أكثر من معنى لكن لانجد له سند ونحن نشتغل عليه منذ أعوام لأننا لو وجدنا السند لهذا الحديث سيكون هناك أمور لابد أن تحسم مع الإنسان، لكن هنا أبين لك منهج الله في النهي عن المعصية فإذا قال له لا تأكل من الشجرة كنا قلنا أنه عندما اقترب منها أكل لكنه قال له لا تقترب ورغم ذلك ماذا كانت النتيجة؟ أنه أكل بالفعل، إذن هو اقترب وجلس وأكل، هنا النقطة التي يجب أن يُدرس منها الموضوع . المقدم: هل الموضوع له علاقة بالأرقام، بالنسبة والتناسب أم هو في النهاية أمر إلهي؟ بمعني قلنا أن الموضوع كان يُقبل لو كان النهي عن الأكل من كل الشجر إلا واحدة. د هداية: طالما أن المولى لم يقل هذا فهذا من رحمة الله لكنه يبين أنه لايوجد مبرر لهذه المعصية. المقدم: لكن هل الأمر الإلهي لآدم وحواء بعدم الإقتراب من هذه الشجرة كان أولا: بمنطق الأمر بالنسبة لأدم وحواء أنه سبحانه وتعالى ترك لهما كل الشجر يأكلوا منه فلابد أن تمتنعوا عن هذه الشجرة الوحيدة؟ ثانيا:ً هل أعطي لهم المولى تبرير للنهي أم كان هذا إختبار طاعة مجرد؟ فحسب معلوماتنا من القرآن الكريم الأمر الإلهي لآدم وحواء لم يتضمن تحذير من أن هذه الشجرة لها أضرار بدنية مثلاً .فهل هذا كله ليبين لنا أن هذا كلة إختبار للطاعة؟ ونجيب بعد الفاصل إن شاء الله. --------فاصل--------- المقدم: قلنا أن الأمر الإلهي لم يتضمن مبررات فهل هذا كان رسالة لآدم ولنسل آدم من بعده أن انتبه أنك تتكلم مع خالق والخالق لا يُناقش ؟ د هداية: هي بالضبط النقطة الأخيرة، فالمثال مع آدم عليه السلام يبين نقطة خطيرة جداً والتي يحاول المسلمون فعلها الآن ويُبنى عليها أمور في الدين وهي أنهم يحاولوا أن يبرروا الأمور التي أُمِرنا بها. الله تبارك وتعالى لا يحتاج إلى من يبرر نواهيه، إنما يحتاج المسلم إلى من يدبر له أمر الله تبارك وتعالى بالنهي أو بالفعل. وهذا شئ يحزنني أن يأتي بعض الدعاة يقول لماذا حرَّم الله بعض الأشياء ؟ ويعطيك مبررات ، فأنا لست في حاجة إلى هذا. تجد مثلا شخص يقول فلان أقلع عن شرب الخمر عندما قال له الطبيب إذا شربت كأس واحد سيحدث لك كذا أو كذا، فبهذا هو لن يأخذ أجر التوبة لأنه لماذا أقلع ؟! في الحلقات الأخيرة في عملية التوبة إذا لم تكن التوبة خالصة لوجه الله لن تُقبل، وأنا لا أقبل النعرة التي تقول أنتم تتشددوا ولا آخذ بها، لماذا ؟ لأنه سبحانه وتعالى يقول (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ) ثم قال لمن (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ) أي يتوبون إلى الله فهو ترك العمل لله وليس للطبيب أو خوفا على صحته وحياته فالكلام واضح يعني شخص أقلع عن التدخين عندما أصيب بمرض خطير (السرطان) هو لم ينته عن هذا الفعل لله. المقدم: لم ينته طاعة لله. د هداية: لا. وإذا سألني شخص عن هذه الحالة ما مصيره ؟ مصيره إلى الله لا أستطيع أن أقول له لن تُقبل، فأنا لست بواب جنة ونار مثلما اتفقنا من قبل. لكن أنا أوضح وأشرح لا لهذا الشخص الذي في المثال وإنما للناس لكي لا يكونوا مثله، لأنه إذا تحقق هذا المثال فمصيره إلى الله لكن أنا أخاف على شخص تضطره الصحة لترك المعصية فهو لم يتركها لله . المقدم: فيكون قد امتنع لكنه لم يأخذ الأجر . د هداية: إطلاقاً بالعكس إذا سألتني فهو يستحق العقوبة . المقدم: هذا يجعلنا ندخل في مشاكل إذا تناقشنا مع غير المسلمين، فمثلاً أنا كنت في الصين منذ فترة قريبة وكنا نعاني هناك حتى نجد مطعم يقدم أكل حلال ليس به لحم خنزير أو يذبح حسب الشريعة. والصينين يأكلوا كل شئ ومتميزين في الطبخ وما إلى ذلك. وكانت تستفزني أشياء وأكلات غريبة أريد أن أجربها منها مثلاً البط الصيني وهي أكلة مشهورة جداً لكنهم يقوموا بكسر رقبته ولا يذبحوه فلا نستطيع أن نأكله، كذلك لحم الخنزير فهم يأكلونه بكثرة لدرجة أن مرة وجدنا بوفيه داخل فندق حتى الخبز مرشوش عليه قشور مستخرجة من أمعاء الخنازير. وعندما تقول لهم أن الإسلام يحرِّم لحم الخنزير فيسألوا لماذا وما المنطق ؟ ونحن نأكله ولم يحدث لنا شئ ؟ د هداية: إذن هذا يبين لك أن هذا أمر إلهي، يعني هو لم يحرِّمه لأنه خطر على الصحة بدليل أنه يوجد ناس تشرب الخمر ولم يحدث لها شئ من غير المسلمين. المقدم: لكن بعد فترة يؤثر على الكبد . د هداية: أنا ليس لي دخل في هذا، أنا لا أشربها ليس لأنها تؤثر بعد فترة وإنما لأن هذا أمر إلهي سواء مرضت أو لا. انتبه جيدا أنا إذا امتنعت عن الأكل الحرام خوفاً من أن أصاب بالمرض أو أن أكون مثل فلان أصبحت غير مسلم . المقدم: ما رأيك في المنهج الذي يقول أنا أمتنع عن الحرام طاعة لله فقط لكن العلم الحديث مثلاً أثبت ضرورة مسألة الذبح فقرأت الأبحاث من باب الفضول. د هداية: وأن الذبح أفضل على الدم المنتشر في خلايا الذبيحة . المقدم: ففي النهاية أن المولى عز وجل لا يأمر بشئ فيه ضرر للإنسان بل يريد مصلحته. هذا العلم تم إكتشافه في القرن الواحد والعشرين قبل إكتشافه كنت أنفذ أوامر الله وبعد إكتشافه لازلت أنفذها ليس خوفا من الدودة الشريطية مثلاً التي تنتج عن أكل لحم الخنزير لكني أنفذها طاعة لله. د هداية: بدليل أني أعلم أنه يوجد ناس تأكلها ولم يحدث لها شئ وأنا لا أمتنع ليس خوفا من حدوث شئ لي لكني أمتنع طاعة لله. وهذه هي النقطة التي أتحدث فيها وهي جزئية العقيدة في التوبة التي كنا تحدثنا فيها منذ حلقة أو إثنين أنك وأنت تائب عن الرشوة لا تسرق لأنك تبت ورجعت، فهل يصح بعدما أصبحت في معية الله أن تسرق؟ لذلك أنا قلت أن التوبة غير مفهومة بدليل أنه يوجد ناس تنتهي عن عمل وتبدأ عمل آخر هذه ليست توبة. ما معنى التوبة؟ قال تعالى (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ) هو ذاهب لله وقلنا أن توقيع هذه الآية (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى) عندما اشترى المولى عز وجل وأنا بعت لم يعد عندي نفس أعمل لها لذة فأصبحت تائب وليس تواب، فالتعبير القرآني لابد أن يوقفني عند هذه الحدود. سأضيف نقطة هنا عندما أراد المولى عز وجل أن يصون إحتمال الذين باعوا بعد قوله (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ) قال (وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ) يعني الذي باع لا يرتكب عمل فيه حد لذلك قال التائب ولم يقل التواب لأنه إذا فعل هذه لا يكون باع لابد أن يتوب ويبيع أم يبيع ويتوب ؟!! لابد أن نفكر. يتوب أولا ثم يبيع لأنه إذا باع فهو تائب ذهب إلى الله ولن يعود للمعصية. لذلك الذي يتوب لا يتوب عن عمل. المقدم: يتوب عن مجمل أعمال. د هداية: بالضبط عن الفترة الماضية لا يذكر أعمال ،تذكر عندما قلت نحن ليس عندنا موضوع الإعتراف لا تقول ماذا فعلت فمهما كان الذي فعلته لوكان مثل زبد البحر بقولك تبت إلى الله بقلبك وعقيدتك صادقا قَبِل الله تبارك وتعالى بإذن الله والشطارة أنك عندما تتوب اليوم قلنا نغتسل ونصلي ونتوب عن ماذا عن عمل ؟! إثنين ؟! ثلاثة ؟! أم عن فترة ؟! المقدم: عن فترة كنت بعيد فيها عن ربنا . د هداية: بالضبط كلمة بعيد كلمة جميلة لأنني إذا كنت قريب لن أقع في المعاصي وإذا بعت لن أقع في المعاصي. انتبه جيدا أن الآيات (إن الله اشترى) جاءت في سورة التوبة وهذه ليست صدفة يعني لابد أن نربط هنا بين (إن الله اشترى) وأن الذي باع يكون تائب لأن السورة اسمها التوبة (العملية كلها) . المقدم: لذلك أنا أشعر أنه إذا كان الإنسان قريب لا يخطئ وقريب هذه تعطيك إحساس معين، مثال/ أنت طالب في مدرسة أو جامعة وتعلم أن الغش حرام وإذا رآك الأستاذ المراقب أو الناظر ستكون مشكلة وأنت تجلس في أول صف أمام المراقب ومتأكد أنه يراك جيدا هل تفكر حتى إذا كان عندك كتاب في الدرج أن تنظر فيه وتغش . د هداية: مستحيل. المقدم: لأنك قريب من المراقب ولله المثل الأعلى أنت ترى الأستاذ المراقب لكن لا ترى الرقيب المطلق سبحانه وتعالى جل في علاه رأي العين. د هداية: بالضبط أنت لا تراقب الله فيك. وهذا عيب المعصية أنك تستحي من الناس ولا تستحي من الرقيب أريد أن أركز على صفة الرقيب - وياحبذا لو وضعنا شاشة في الحلقات الأخيرة من التوبة مكتوب عليها الرقيب - فأنا أتوب من عمل عملته ونسيت الرقيب أريد أن أُعمل صفة الرقيب معي 24 ساعة في اليوم مثل فكرة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يتوب 100 مرة، هو إذا كان ممكن يقول بعدد كل دقيقة لكان قال هو يعطيك هذا الرقم (100) على أنها كثيرة. وانتبه إلى أن هذه ليست توبات إنابة فكلها توبات إستجابة هو لم يفعل شئ لكنه ينفذ المنهج، فهو تائب ليس تواب فتواب هذه نريد أن نتجاوزها بالتائبون التي هي في سورة التوبة. يعني لفظ التائبون هنا ليس صدفة وإنما لا يصح أي لفظ آخر غيره في هذا الموضع لأن هذا الرجل باع، فنحن نريد أن نبيع لا ندعي أننا بعنا أو نتوهم أننا بعنا، فيوجد كثير من المسلين ليسوا سيئي النية لكنهم لا ينتبهوا لما يقعوا فيه، فأنا لا أتهم أحدا فأنا أتهم نفسي أولا قبل أي شخص. نعم يوجد حسن نية لكن حسن النية لا يُدخل الجنة ولذلك الآيات فيها نوع من أنواع التحذير أم لا ؟! لو انتبهت للألفاظ في الأيات يريد أن يلفت نظرك أنك يمكن بحسن نية أن تقع في بعض الأخطاء . المقدم: ممكن أن نخصص جزء في الحلقة القادمة عن أسلحة الشيطان التي يدخل بها للإنسان . د هداية: جميل ممكن أن نبدأ بها . المقدم: أولا مداخله، ثانيا أسلحته التي هي من ضمنها النسيان أنه ينسيك فيوقعك في الجهالة، أو التبرير مثل موضوع الرشوة عندما تسأله لماذا ترتشي يبرر لك بأن المعايش صعبة والمرتب لا يكفي ،فنجد سلاح التبرير هذا الشيطان يستخدمه لأن الناس تعلم أن هذا الفعل حرام وله عقوبة لكن تقول الضرورات تبيح المحظورات. د هداية: سأقول لك نقطة واحدة قبل أن نبدأ في هذا ما هي أعذار الذي يخطئ؟ عندما تسأله لماذا أخطأت بماذا سيرد عليك؟ أو ما هي أعذار الرد على المعصية؟ إذا أخذت الأعذار وناقشتها ستعرف مداخل إبليس. المقدم: جزاكم الله كل خير يا دكتور . وأذكِّر حضراتكم مرة أخرى بأن حالة القرب من الله ستمنعك من كل الأخطاء التي نتحدث عنها .القريب سيستحي ، القريب نفسه لن تطاوعه على المعصية ، القريب سيكون مشغول بشئ آخر وأعتقد أن أجمل معني ممكن أختم به الحلقة أن القريب يكفي أنه مستمتع بلذة القرب ولا يمكن يفكر في اي لذة أخرى لأن لذة القرب من الله لا تدانيها ولا ترقى لمرتبتها أي لذة أخرى في الدنيا. اللهم اجعلنا من القريبين في الدنيا والآخرة. ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 1/12/2009 م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 118 المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبة الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. سنقف عند (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وسنقف عند الصيغة في اللغة العربية في التوابين، وإذا عملنا مقارنة بين التوابين والتائبين سنجد في اللغة في المعنى التوابين أقوى لأن التواب معناها هو كثير التوبة، كثير الخطأ وكثير الرجوع. (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) ولم يقل يحب التائبين والتائب هذا يتوب مرة واحدة الإشكالية هنا هل التواب أى الذي يخطئ كثيرا ويتوب المولى يحبه أكثر من التائب الذي لا يخطئ ؟! فالموضوع يحتاج تأمل منطقي . هذه الآية هى آخر الآية [222] من سورة [البقرة] والسؤال يطرح نفسه هل معقول الذي تاب مرة واحدة ولا يخطئ يكون غير مُقرَّب عند المولى عز وجل ويكون المُقرَّب الذي يحبه المولى هو كثير الخطأ كثير التوبة ؟! وكذلك وجود هذه الكلمات في نهاية آية تتكلم عن المحيض شئ يحتاج وقفة، فنسمع الأيات معا ثم نسمع الأسئلة (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223) ) نبدأ بـ (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) قلنا أن التوابين تأتي من المفاعلة والمداومة على عملية التوبة وهذا يعطي معنى الذي يخطئ كثيرا ويتوب كثيرا فهل المولى عز وجل يفضل الذي يخطئ كثيرا عن الذي لا يخطئ .د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد ، اتفقنا من قبل أن كل كلمة في القرآن لابد وأن تفهم في إطار الآية التي ذكرت فيها يعني لا أستطيع أن آخذ هذه الكلمة وحدها وأخرجها خارج الآية وأقول (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) وبهذا تكون التوابون أفضل من التائبون مثلا في آية (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) التي كنا شرحناها من حوالي حلقتين. قلنا (التائب) كلمة جاءت في القرآن مجموعة (التائبون والتائبات) ولم تأت أبدا عن المولى عز وجل وجل وإنما جاءت عن البشر وقلنا التائبون تختلف عن التوابون لأن التائبون يفعل الغلطة مرة واحدة ثم يتوب إلى الله تبارك وتعالى فصنف بأنه تائب من تاب أو اسم فاعل من تاب إنما التواب جاءت على المولى عز وجل وجاءت على البشر وقلنا تواب يعني كثير الرجوع إلى الله تبارك وتعالى لكن لابد أن نحدد مفهوم كثرة التوبة في قول الحق تبارك وتعالى (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) المفهوم السائد عند كثير من الناس أن الله يحب كثير الرجوع إليه من المعاصي ، الآية لا تقول هذا. الآية تقول (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وكأنك لو أردت أن تفهم معنى التوابين افهم معنى المتطهرين . عندما يطهر الإنسان من جنابة يكون اسمه طاهر وعندما يطهر من طُهر يكون متطهر ، المتطهرين يطهروا من حالة طهر ليسوا طاهرين بل متطهرين مثلما قلت أنت فيها مفاعلة ، والتطهر يشرح التواب أو المتطهرين تشرح التوابين . وقلنا منذ حلقة أو حلقتين لماذا قال (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (112) التوبة) ولم يقل التوابون ؟! قلنا لأن الذي باع نفسه لم يعد يملك نفساً يعمل لها لذة معصية إذن فهذا يكفيه.. المقدم: عودة واحدة. د هداية: عودة واحدة أو توبة واحدة واسمه في هذه الحالة تائب لكن في آية (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) هؤلاء يتوبون من توبة مثلما قلنا يجب أن نفرق بين نوعين من التوبة توبة الإنابة التي يوصف منها التائب وتوبة استجابة التي يوصف منها التواب التي هي توبة من توبة من توبة وهو لم يرتكب معاصي ، أما لو ارتكب معصية فيحتاج لتوبة إنابة ليكون تائب وهذا التائب عندما يتوب وهو تائب يكون تواب إذن (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) تفهم مع المتطهرين . والمتطهرين غير الطاهرين فلو أن التطهر من جنابة أو من حدث نسميه (يطهر)، أما لو فعلها من طُهر فهو (يتطهر) المقدم: الوضوء على الوضوء نور على نور د هداية: فهذا الوضوء من وضوء الرسول عندما أراد أن يقول أن التوبة الصادقة ترجعك من الذنوب بدون أي ذنب بمعنى تعيدك للحالة التي كنت عليها قبل ارتكاب المعصية قالالتواب من الذنب كمن لا ذنب له أم (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ؟! المقدم: قال التائب. د هداية: لماذا ؟! لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) استوعب لغة القرآن . وأكررها كثيرا لكي نعرف من أين تعلم الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟ (الرَّحْمَنُ* عَلَّمَ الْقُرْآنَ) وعندما تكلم في حق الرسول (صلى الله عليه وسلم) على وجه الخصوص قال تعالى (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم:5] فالمسألة ليست مسألة أقرأه أو أوحى له فقط بل علَّمه ، فلما تعلم الرسول (صلى الله عليه وسلم) لغة المولى في قرآنه أصبحت الأحاديث الصحيحة تدل على أن القائل هو الرسول فعلا . فالرسول (صلى الله عليه وسلم) حل الإشكالية التي وقفت أنت عندها بأن الرجوع من حالة المعصية لا يكون تواب بل تائب مرة واحدة ويكون في مرحلة التوبة وعندما يرجع للمولى هنا يكون تواب . إذن كثرة التوبة هنا ليست عن معاصي بل عن توبة . المقدم: عن رجوع وإنابة للمولى عز وجل . د هداية: هنا نقسم التوبة: التوبة من معصية نسميها توبة إنابة، والتوبة عن توبة أو من حال رضا أو من حال طاعة نسميها توبة استجابة، وهي التي تكلم فيها الرسول عن نفسه (صلى الله عليه وسلم) محدثا كل الناس (يأيها الناس) - وكأنه يفتح باب الإسلام لغير المسلمين - (استغفروا ربكم وتوبوا إليه) وهذا ما جعلنا نقول أن المسلم أو الكافر إذا قال "اشهد أن لا إله إلا الله واشهد أن محمداً رسول الله" يكون تاب إلى الله . المقدم: عمل حالة رجوع كان يسير في طريق الضلال ورجع . د هداية: وهذا أنا أعتبره - إن صح قولي عن رسول الله - هذا ذكاء في أقوال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أو في طريقة عرض الرسول (صلى الله عليه وسلم) . قال (يأيها الناس) - لم يقل يأيها الذين أسلموا أو آمنوا - (استغفروا ربكم وتوبوا إليه) طبعا الناس فيم الصالح والطالح ؛ بالنسبة للصالح تكون توبة استجابة وبالنسبة للطالح تكون توبة انابة بالإسلام مثلاً أو بالإيمان أو بالتقوى كل حالة على حده (يأيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني استغفره وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) وسألنا سابقا من ماذا يتوب الرسول (صلى الله عليه وسلم) ؟! فالرسول (صلى الله عليه وسلم) عُصم من الذنوب والخطايا والمعاصي وكذا وكذا لكنه يحب أن يعود إلى الله ويحب أن يرجع إلى الله . السؤال الذي سألته أنت لماذا جاءت (التوابين) مع آية المحيض ؟! هذه - إن صح تعبيري - فرصة أن تفهم معنى التوبة . المحيض والإغتسال والطهر من المحيض هذا تطهر .. المقدم: بدني د هداية: مادي بدني واضح وأي شخص يستوعبه ، لكن لم ينتبه أحد أن التوبة فيها طهارة حسية ، معنوية ، كأن العاصي طالما أنه في مرحلة الذنب يكون مثل من ؟! المقدم: مثل المرأة الحائض أو الدم الفاسد . د هداية: بالضبط دم فاسد أو حالة نجاسة منطق الحس في التوبة أو التوبة الحسية لا يفهمها إلا الذي يفهم لغة القرآن . ويفهم لماذا اختار الله تبارك وتعالى أوشاءت إرادته وذهبت إرادته إلى هذا المعنى في هذه الآية . فلو كنت عرضت عليك الآية بدون إن الله يحب التوابين كنت ستكتفي أنت مع المحيض بـ (إن الله يحب المتطهرين) المقدم: يعني كانت بمنطقنا نحن نقبلها هكذا أن الطهارة تعني إغتسال بسبب موضوع الدم الفاسد د هداية: لأن متطهر هنا تناسب هذه المسألة . فلماذا أدخل الله (التوابين) ؟! لكي يلفت نظرك أن التوبة التي لم تعرض هنا وجاءت في آيات كثيرة جدا مثلا عند توبة آدم (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ) [البقرة:37] لا يوجد هنا طهارة ولا ماء ولا اغتسال ، فعندما عرضت بهذه الطريق لم يتضح منطق التوبة الحسية ، يعني وأنت عاصي كأنك نجس وهذه الفكرة ظهرت في أية أخرى عندما قال المولى عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) [التوبة:28] لايدخل المسجد الحرام رغم أنه يمكن أن يكون هذا المشرك مغتسل ومتعطر لكن الشرك جعل عنده نجاسة حسية . وهذا مانقول عليه آية تلفت نظر لآية مثلما قلنا أن مسألة التيمم غير منطقية في النظافة. المقدم: بمنطقنا نحن . د هداية: فأنا مثلاً مغتسل ومتطيب وحتى على وضوء لكني من الناس الذين أخذوا الآية بظاهرها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ) [المائدة:6] إذا كنت تريد أن تصلي فتوضأ ، والمياه انقطعت أتيمم بالتراب لو رأى شخص هذا المشهد سيقول هذا الرجل مجنون لأنه يأخذ تراب ويمسح به ، لكن التيمم يلفت نظرنا لقيمة الوضوء لأن كثرة الوضوء بالماء جعلنا نعتقد أنه نظافة وهو ليس نظافة . فالنظافة مسألة بديهية لأن المسلم أو المؤمن لابد أن يكون نظيفاً ، لكن المولى عز وجل يلفت نظرنا إلى أين نذهب عندما نذهب لنصلي ؟ أنت تتطهر حسيا قبل الوقوف بين يدي الله . المقدم: لابد أن تشعر بحالة طُهر حسية. د هداية: يريدك أن تعيش هذه الحالة حتى لو خالفت إلف المعتاد في المسألة بالتيمم . والتيمم هذا حالة نادرة فنادرا ما تنقطع المياه لكنه موجود حتى في كتب الفقه ليلفت نظرك أن المسألة ليست نظافة بل طهارة . كذلك آية (إن الله يحب التوابين) فرصة لتفهم أن التوبة ليست فقط مسألة مادية بل وحسية . المقدم: لازالت لدينا أسئلة كثيرة رغم أنه لايزال عندنا مناطق لا يوجد بها مياه نظيفة أو لا يوجد بها مياه أصلا فأعان الله الجميع لتصل المياه إلى هذه المناطق ، ونكمل بعد الفاصل . --------فاصل--------- المقدم: في الآية (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) جاءت في نهاية الآية (122) من سورة البقرة والتي في مطلعها يتحدث المولى عز وجل عن المحيض . الناس سألت عن المحيض فقال المولى لرسوله (قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ) الوقفة عند كلمة أذي فكثير من النساء تسأل لماذا كتب المولى عز وجل هذا الأذى على بنات حواء ، فنحن لا نعترض على قدر الله لكن منطقيا هل هناك سبب لهذا الأذي ؟ ولماذا سماه المولى عز وجل أذى ؟ ولماذا يجب على الرجل أن يمتنع عن معاشرة زوجته تماما في هذه الفترة ؟ ونسمع بعض التفسيرات أن هذه عقوبة إلهية لبنات حواء لأنها هي التي زيَّنت لآدم الأكل من الشجرة وأن الشيطان دخل لآدم عن طريق حواء فالمولى عاقبها بآلآم الولادة والمخاض ثم مسألة الدم الفاسد الذي يمنعهم من الإستمتاع برمضان كاملاً و من الإستمتاع بالصلاة أثناء فترة المحيض ، فما صحة هذا الكلام ؟! د هداية: كل هذه الآراء درب من الخبل والذي يتكلم بها أصيب بهذا الخبل لأن باستقراء القرآن تتضح الحقيقة الإلهية التي لاتحتاج لإسرائيليات في التفسير ولا تحتاج لهذه القصص . عنما نتكلم عن آدم وحواء هما اثنان ، وسوسة الشيطان عندما عرضت في القرآن أبداً لم تأت فوسوس أليها الشيطان، لم ينفرد إبليس بوسوسة لحواء على حده أبداً وإنما القرآن عرض مرة فوسوس إليه (يعني آدم) ومرة اخرى لهما . المقدم: في بعض التفاسير التهمة لحواء وللحيَّة وأن هذه الحية فتحت فمها وأدخلت الشيطان الجنة . د هداية: إقرأ السطر الذي يسبق هذا الكلام ؛ أن الشيطان دخل في بطن الحيَّة لكي لا يراه الله فهذا درب من الخبل ، فإذا سمعت من أحد الشيوخ هذا الكلام فهذا لا يستحق أن يكون شيخا ، لأنه إذا استوعب هذا الكلام فهو إذن لا يقرأ ولا يستعرض القرآن ، إذا أحضرنا شخصاً لم يسمع هذا الكلام واستعرضنا له القرآن سيفهم تلقائياً أنه أبدا لم يوسوس الشيطان لحواء على حده وهذا باستعراض القرآن وكذلك قال تعالى في القرآن (فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا) [طه:121] الإثنين معا . المقدم: وعندما ندما (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف:23] د هداية: وإذا أخذتها بعرض القرآن أيضا ؛ وسوس (إليه) مرة و(لهما) بعد ذلك لذلك قال (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) كأن آدم عليه السلام هو المسئول عن عملية التوبة لأنه كان واجباً عليه أن يرجع حواء لو كانت قالت ولكنها لم تقل وكل هذا الكلام ظلم لحواء . نحن نريد أن نقرأ القرآن فبإستقراء القرآن وإستعراضه هذه قصة إسرائيلية تُرد من بابها ، لماذا ؟! هم يقولون أن حواء خلقت من ضلع آدم لأنه كان وحده في الجنة فإستوحش ثم نام واستيقظ وجدها إلى جانبه فتزوجها وخلقت من ضلعه ، وهذا كلام اليهود . القرآن يقول (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة:35] وقلنا اسكن يعني ادخل ، فأنا أصدق القرآن أم اليهود ؟!!!! فالقرآن واضح . المقدم: الذي يستفزني في هذه التفاسير تجده يعرض الحوار كأنه كان يسمعه أو قام بتسجيله ثم تفريغه ووضع كلام على لسان المولى سبحانه وتعالى عندما قال لآدم أنت كنت منعم في الجنة وبسبب هذه المعصية ستنزل وتشقى في الحياة ، وبالنسبة لحواء ستعاني في الحمل والولادة . د هداية: أنت تقول أن هذا نتيجة أنهم أكلوا ؟! تأمل أول إخبار عن آدم في القرآن ستجد في الآية (30) هل قال المولى إني جاعل في الجنة خليفة ؟! لا بل قال (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) ، إذن هو خلقه للأرض . المقدم: من قبل أن يخلقه . د هداية: بالضبط هو فقط يخبر عنه أنه مخلوق للأرض . وكذلك فكرة أن الجنة في السماء هذا وهم لأن هذه الآية ترد كل هذه التفاسير (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) إذن أين ستكون الجنة ؟ في الأرض . والشئ الذي يغيب عنهم أن كلمة جنة أول استخدام للقرآن فيها للأرض بستان في الأرض (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ) [القلم:17] أصحاب الجنة كانوا في الأرض . اللغة العربية واضحة وضوح الشمس في كبد السماء ، كلمة جنة يعني بستان مكان ظليل مغلق يظل بالشجر. المقدم: ويخفي من بداخله . د هداية: إذن هي للأرض واستعيرت لجنة الخلد لكى تفهم وتستوعب ما معنى جنة لكن جنة الخلد فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ... فكلمة جنة للأرض وليس للسماء لذلك (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّة) قلنا زمان أن هذه جنة التدريب لأن مسألة المعصية هذه تحتاج لتدريب على التوبة فلإنسان جبل على المعصية لكن كيف يعود ويرجع ؟ ولذلك أنا أسأل دائما السؤال هل عندما عصى آدم عرف كيف يتوب ؟! لا لم يعرف ولذلك الآية واضحة وجاءت في سورة البقرة وهي (87) نزولاً و (2) كتاباً لماذا ؟ لكي نقرأها ونعرف كيف سارت المسألة قال (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ) كأن المولى أراد وشاء من قبل خلق آدم أن تسير المسألة بهذه الطريقة . المقدم: ولكي نتعلم نحن معنى التوبة بعد ذلك . د هداية: لكي تعرف أن المولى عز وجل يحب من ؟! لا يمكن أن أقول يحب الذي لا يخطئ لأن الحياة بدأت بمعصية بغلطة لكن المولى يحب التوابين والتوابين تُشرح في إطار التوابين و المتطهرين ، فالتوابين ليس معناه كثيري الخطأ وإنما معناها الذين تابوا مرة عن المعصية ونحن قلناها سابقاً أن الذي يتوب عن معصية يتوب عن جميع المعاصي يرجع لله تبارك وتعالى فلا يرتكب معاصي . وهل يوجد شخص لا يرتكب معاصي ؟! نعم (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم:32] (ألا اللمم) هذه صيانة احتمال أنني ابن آدم يعني كأن القرآن يقول لك أنك تستطيع أن تجتنب الكبائر . المقدم: لكن الخطأ الذي أقع فيه ولست مخططا له هذا شئ وارد . ونحن نسمع الآن أن ما يفعله الشباب و البنات ليلا في الشوارع هذا من اللمم ولا مانع من حدوثه . د هداية: هذا تطاول على النص . الآية شارحة (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) إذا سألت أي شخص سيعرف أن اللمم غير الكبائر يعني طالما قال إلا اللمم وقال كبائر الإثم والفواحش إذن اللمم ليس من كبائر الإثم والفواحش بينما هو أقل من كل هذا وكلمة لمم طالما قلنا أقل فهي تختلف من شخص لآخر لكن لا يمكن ترقى لدرجة الفاحشة أو الكبيرة . المقدم: وما يفعله الشباب والبنات هذا ليس من الفاحشة ؟!! د هداية: بالتأكيد هذا حرام وفاحشة . المقدم: والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال أن العينان تزنيان وزناهما النظر . د هداية: وفي نهاية الحديث (والفرج يصدق هذا أو يكذبه) إذن كيف يكون اللمم بعد استعراض الحديث والآية ؟ أنه يتخيل ويشتهي لكن يمنع نفسه فبهذا يكون اجتنب الكبيرة والفاحشة ، لكنه إذا بدأ في فعل هذا أصبحت كبيرة ، والشعراء تكلموا في هذا نظرة فإبتسامة فموعد فلقاء .. طالما سرنا في هذا الطريق ستنتج بلوى . إذن اللمم أنه مجرد تخيل ثم اجتناب فعندما يتخيل ويقاوم يكون تواب لأنه عند التخيل رجع إلى الله فلا يكون تائب لأن تائب تمثل الإنابة من المعصية وتواب ؟! يرجع بدون أن يرتكب فاحشة أو كبيرة أو معصية بدليل أنه عندما استعرض الصفات في حق عباد الرحمن جاءت بالنفي فلم يقل (الذين يزنون ، الذين يقتلون ، الذين يشركون) وإنما قال (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) نفي عنهم الصفة وصان احتمال أن يفعلها هم أو غيرهم ، قال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69)) (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70)) [الفرقان] وقلنا أن العمل الصالح يجعله لا يقع في المعصية مرة أخرى . ما هو هذا العمل الصالح ؟! قلنا أن الذي وقع في المعصية لأنه كان لديه وقت فراغ فلابد أن تملأ هذا الوقت بالعمل الصالح فبهذا العمل الصالح يشغل وقت الفراغ الذي يدفع الإنسان للمعصية . انظر لعظمة القرآن في الرد على كل صغيرة وكبيرة تخطر على ذهنك مثلاً/ الرجل الذي يشرب الخمر كل يوم وجلست معه وأقنعته ثم تاب بالفعل من الذكاء أن تسغل له وقته الذي كان يقضيه في شرب الخمر لأنه تعود على هذا العمل في هذا الوقت فلابد أن تدبر له عمل يقوم به ليشغل هذا الوقت . هذا هو السر في أن مع التوبة يأتي ذكر العمل الصالح (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) أو (تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ) . يريد أن يقول لك أن الوقت لابد أن يشغل بعمل صالح بدلا من أن يفعل عمل غير صالح . فباستعراض القرآن والأحاديث تجد أن كل كلمة تحل مشكلة أوتحل سؤال أو أي شئ يخطر على ذهنك . المقدم: بمناسبة المثال عن الخمر وجدت تنبيه على إحدى القنوات - وهذا يبين أهمية الإعلام وهو أداة مؤثرة للغاية - هذا التنبيه ألقى الضوء على الناس التي اعتادت شرب الخمر الخفيف الذي لا يسكر وبدون كثرة الكلام - وأحيانا عبقرية الصورة تكون أفضل من مليون كلمة - شخص يدخل منزله ويتناول كأس من الخمر وفجأة دخلت أداة نار على الكأس فأشعلت فيه النار ثم جاء الشعار إذا كنت أنت كمخلوق تتحمل النار على خفيف اشرب على خفيف . أسئلة كثيرة ولكن بعد الفاصل . --------فاصل--------- المقدم: نريد أن نتكلم في شرح كلمة (أذى) فالمولى عز وجل قال عن المحيض أنه أذى وأعتقد أننا فنَّدنا قبل الفاصل قصة أن المولى عز وجل يعاقب حواء بهذا . فلماذا أذى واعتزال ؟ وخصوصا تتكرر هذه الأسئلة في رمضان د هداية: أريد أن أؤكد على نقطة أن الدنيا ليست دار عقاب إنما دار إبتلاء وهذا المحيض ابتلاء للنساء في الطاعة لله تبارك وتعالى . أولا لابد أن تفهم كل النساء أن الذي ابتلى هو الله تبارك وتعالى ، وابتلى هنا يعني امتحن . المقدم: لاتعني مصيبة . د هداية: لا فهذه إرادة الله تبارك وتعالى . والنساء اللاتي يأتين في رمضان ولا يأكلن أثناء الحيض وفقط يشربن قليل من الماء قبل الإفطار هذا خاطئ فأنت غير صائمة في هذه الأيام ، لاتجاهري بالفطر نعم لكن كلي واشربي أنت مفطرة وهذه طاعة في حد ذاتها وهذا بتلاء وامتحان الذي أمر بالصوم الله و الذي أمرك بالفطر في هذه الحالة الله ليست عقاب ولا يمكن أن تكون الدنيا دار عقاب. المقدم: يوجد رأي آخر يقول أن المولى عندما يريد أن يتفضل على عبد من العباد ويكون أخطأ في عمره بعض الأخطاء فيكفر عنه المولى هذه الأخطاء ببعض المشاكل التي تصيبه في آخر عمره لكي يلقى المولى عز وجل بدون ذنوب ولا يُعذب فأحيانا يكون هناك عقوبة في الدنيا تكفر عن سيئات الإنسان مثل الحديث (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) د هداية: هذا ليس عقاب بالعكس هذا تكفير فعندما يكفر المولى عز وجل سيئاتي هل هو بذلك يعاقبني ؟! بل هو سبحانه وتعالى يكرمني . هذا لا يوصف عقاب أبدا . العقاب أنك تعمل لي شيئا لا يلقى هوى عندي فالذي تقوله أنت الآن وانت تقوله يلقى هوى عندي . المقدم: من الجائز ألا يلقى هوى في الدنيا لكن في الآخرة . د هداية: طالما أني أتدبر وأنت تتكلم تمنيت أن أكون أنا هكذا فمن يكره أن يلقى الله كيوم ولدته أمه ؟! إلا شخص معتوه لذلك فكثرة الإبتلاءات أو الأمراض إذا كانت تكفر فأنت ترضى يعني بمجرد أنك تستوعب أن هذا الإبتلاء تكفير تشعر بماذا ؟ برضى من الذي يجزع بالله عليك ؟ المقدم: قليل الإيمان . د هداية: الذي لا يفهم المقدم: لذلك نجد في الأثر المرأة التي تزوجت ثم بعد 40 يوما طلبت الطلاق من زوجها لأنه لا يصاب بأي جرح أو أذى فقالت إذن هو ليس من الناس الذين يحبهم الله د هداية: على فكرة أنا ضد فكرة الأثر عموما ففي مرة من المرات كنا في مسجد وقام أحد الأشخاص وقال كلمة ذكر فيها 7 من أمثال جاء في الأثر كلما أراد أن يخرج نفسه من ورطة في القصة يقول جاء في الأثر لأنها ليس لها تخريج . نعود مرة أخرى للآية فالآية تتحدث عن إجابة سؤال المقدم: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) د هداية: هذه صياغة لغوية بيانية بالمجاز هم يسألوا عن ماذا ؟! المقدم: يسألوا عن العلاقة أثناء فترة المحيض لا يسألوا عن المحيض نفسه . د هداية: بالضبط فهم لم يسألوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) ما المحيض ؟ قال المولى عز وجل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) أكمل الإجابة وأنت تعرف كنه السؤال . المقدم: (قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ) د هداية: ( فاعتزلوا ) إذن هم يسألوا نباشر أم لا في المحيض. المقدم: وقد يكون المعنى أن هذا الأذى لك كرجل إذا باشرت . د هداية: هى كذلك بالضبط ليس لها معنى آخر . ويسأل شخص الآن يقول لماذا صاغها بهذه الطريقة ؟! لكي يبين لك أن السائل في عهد الرسول كان يسأل بأدب كان لا يجاهر بقلة الأدب مثلما يحدث الآن في كثير من الأحيان ثم يقولون لا حياء في الدين وهذا لا يصح فالدين كله حياء لكن أنت تريد أن تقول لا حرج في العلم . هذه الآية ترد على قليلي الحياء الذين يتحدثون في بعض البرامج ويقولوا لا حرج ولا حياء في الدين ، انظر إلى السؤال من الصحابة للرسول (صلى الله عليه وسلم) و الإجابة كأن لرسول فهم واستوعب . المقدم: فالآية والتي تليها تبين كيف يكون الكلام في مثل هذه المواضيع د هداية: نعم لا حرج في العلم لكن الأسئلة تكون بهذه الطريقة . إسمع السؤال والإجابة لتعرف الأدب من الصحابة في حضرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وكيف أجاب (صلى الله عليه وسلم) إجابة شافية حتى لا يضطر أحد أن يوضح السؤال (وَيَسْأَلُونَكَ) هذه فعل مضارع . المقدم: تقصد أنه حتى اليوم ستجد أن الناس تسأل . د هداية: لابد أن تكون هكذا . الرد جاء من الرسول أم من المولى عز وجل للرسول للصحابة ؟ (قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ) إذن السؤال كان من الممكن أن يكون مثلما قلت هل نباشر أم لا ؟ لكن لا ، قف ، فأنت تسأل الرسول وتسأل في شرع وستسمع تشريع . المقدم: (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ) انظر للأدب . د هداية: انظر للتمثيل فأنا كبشر لو حاولت أن أصيغها لك صياغة بلاغية انشائية لن تكون هكذا أبدا (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ) اسمع التي تليها (فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ) ولم يقل نساؤكم مرة ثانية لم يكررها وإنما سار بالمثال لكي لا يأت بالمرأة مرة ثانية في هذه النقطة كل هذا يعلمك الأدب . المقدم: (وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ) . د هداية: ما معناها ؟! المقدم: آداب العلاقة . د هداية: لكن نعود مرة أخرى (قُلْ هُوَ أَذًى) لم يقل المحيض أذى ، لكن الموضوع الذي تسألوا فيه هو الذي أذى. قلنا زمان أن (هو ، والهاء) تحل مشاكل الشأن والقصة هنا يوجد شأن يُسأل عنه ، موضوع معين . جاءت الإجابة عنه (قُلْ هُوَ أَذًى) المحيض ليس أذى لكنه هنا يكون ابتلاء للرجل لأنه لو باشرها أثناء المحيض فكلاهما يأثم ، ويوجد حديث وهو صحيح أن الذي يأتي المرأة في المحيض فقد كفر بما أنزله الله على محمد (صلى الله عليه وسلم) لأن هذا قرآن وهذه آية ولذلك الحديث باقي لنا فيه إثنان من الرجال وسيخرج حديث صحيح بنسبة مائة بالمائة . المقدم: عندي سؤالين الأول في (فاعتزلوا) هل من ضمن الغايات الإلهية - فالمولى عز وجل لا نعلم مافي نفسه - أن يكون هذا نوع من التدريب ؟ بمعنى أن المولى أباح لنا هذه الشهوة في الحلال ولكن كأنه يريد أن يلفت انتباهنا أنه قد تأتي بعض الفترات في كل شهر قد يكون في هذه الفترة بالتحديد الرجل له شهوة ولكن لكي يتدرب الزوج والزوجة أن هناك تحكم في الشهوات . د هداية: سأسألك أنا سؤالا لماذا هذا التحكم ؟ المقدم: لكي لا تفعل هذا في الحرام . د هداية: لأنك إذا سافرت مثلا لمدة 7 أيام أو 10 أيام بدون زوجتك وأباح البعض الزواج العرفي والسري والمسيار لكن لا تخيل أن زوجتك في المحيض وهذا هو التدريب ، مثل الصيام فنحن نمتنع عن الحلال في الصيام لماذا ؟ هذا تدريب لبعد رمضان عندما يُعرض عليَّا الحرام أتحكم في نفسي مثلما منعت نفسي من الحلال في رمضان . كذلك فترة المحيض هذه للتدريب ، ويسأل شخص أن الزوجة سيأتي عليها سن وينقطع الطمث ؟ نقول له أن الزوج أيضا يكون كبر في السن وأصبحت المسألة متكافئة إذن هذه مسائل تدريبية من الله تبارك وتعالى ، مثل السفر ولا يوسوس لك الشيطان ويقول هذا حقك وشهوتك ، فشهوتك هذه ليست مطلقة وإنما هي مقيدة حتى مع زوجتك . (فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ) وهذه تتفاوت لأن هذه مسألة على مراد الله تبارك وتعالى . المقدم: لماذا قال (فاعتزلوا) (ولا تقربوهن) ؟ فالإعتزال كان يكفي وما الفرق بين الإعتزال وعدم القرب ؟ د هداية: لو لم يقل ولا تقربوهن كان من الممكن الإعتزال مع المباشرة انتبه للحديث (كنا نعزل على عهد رسول الله) فممكن أن يعزل الرجل بالعازل الطبى مثلا فالقرآن صان احتمال سنوات وإلى يوم القيامة وعند كل حضارة وعند كل علم . إذن لا تقربوا تشرح ما نوع الإعتزال بالتحديد من عهد رسول الله إلى يوم القيامة حتى لو أُخترع العازل الطبي فلا تقربوهن تمنعك . المقدم: حتى لا يعتقد الناس أن الإعتزال هذا لأن الدم الفاسد يؤذيك كرجل فطالما تم إبعاد هذا الدم فلا مانع من المباشرة. د هداية: وشئ آخر أنه كان بعض الناس يعتقد أن وقت الحيض يأتيها في دبرها فقال المولى عز وجل لا تقربوهن وشرح المسألة في كنه المرأة للرجل أنها حرث ، لا تباشر إلا في المكان الذي يأتي منه أولاد (نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) كل هذا يشرح المسألة كلها على استحياء وبأدب ولذلك نحن نلتزم بالنص القرآني . المقدم: عندي أسئلة كثيرة للحلقة القادمة وخصوصا أننا نتكلم في قضية خطيرة مثل قضية التوبة . ونتمنى على الله أن تأتينا الوفاة ونحن في حالة توبة ورجوع وطاعة مستمرة لله سبحانه وتعالى ونراكم على خير بإذن الله تعالى وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته بُثّت الحلقة بتاريخ 8/12/2009 م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 119 المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبة الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. عندما تحدثنا عن موضوع التوبة انقسم الذهن إلى فريقين أو نوعين النوع الأول الذي يتوب عن معصية وهذا اسمه تائب والنوع الثاني وهو التواب كثير العودة وكثير التوبة إلى الله سبحانه وتعالى وقلنا أن هناك صنف لا يخطئ بفضل الله لكنه في توبة استجابة إلى الله لأن المولى شرع التوبة فهو يتوب من توبة وعن توبة في حالة مستديمة للرجوع إلى كنف المولى سبحانه وتعالى ومنهجة وشريعته . هل يوجد نوع ثالث ؟ هل يوجد شئ اسمه توبة المنزلة ؟ ماهي توبة المنزلة ؟ وما هي توبة الطاعة ؟ يوجد أحيانا ناس تسير في مستوى معين من الطاعة كأنه مثلا يعتاد لفترة طويلة أن يقوم الليل بعدد معين من الركعات، أو يقرأ ورد معين من القرآن فتأتي بعض الظروف من كسل أو تعب أو انشغال فينقطع عن هذا العمل، فهو لم ينقطع عن فريضة لكنه كان اجتهاد سُنَّة وانقطع عنه لسبب أو لآخر وهذا الإجتهاد كان يضعه في منزلة قريبة من رضوان الله. فهل نستطيع أن نقول أن من ضمن منازل التوبة أن يكون الإنسان على هذه الحالة ثم ينقطع فبالتالي يبعد ثم يعود لمنزلة القرب ويبدأ في استئناف العمل ؟ وهل نعتبر هذه توبة عن تقصيره في طاعة افترضها أو استنها على نفسه؟د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد ، طبعا هي بلا شك من أنواع التوبة وقلنا أن هناك فرق بين توبة الإنابة وتوبة الاستجابة. إذا فعلت توبة الاستجابة في طاعة معينة كالمثال الذي طرحته الرجل الذي انتظم لمدة شهرين قيام الليل وبدأ بركعتين ثم ثمانية وأحيانا يكونوا 12 ثم فجأة توقف، أصبح يصلي العشاء فالسنة والشفع والوتر وفقط، عندما يعود مرة أخرى فهذه تكون توبة استجابة، توبة للذي كان عليه من الطاعات وهذه التي تكلم عنها القرآن في توصيف عباد الرحمن بعد ما قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) وهذا هو المثال هو تاب عن المعصية أي تاب وعاد إلى الله . المقدم: وهذه تكون توبة الإنابة. د هداية: التي قلنا عنها التائبون (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [التوبة:112] عندما تاب هذه التوبة أصبح تائب، ثم بدأ في الطاعات وكل مرة يفعلها بعد ذلك إرضاءً لله تبارك وتعالى لكي يكون في معية الله اسمه تواب، وعندما توقف عن طاعة من الطاعات التي كان تقرب بها إلى الله تبارك وتعالى يكون ابتعد، هو لم يفعل معصية كما في المثال بفضل الله لكنه توقف عن طاعة وهذه الطاعة جعلته في معية الله وعندما توقف ابتعد لم يرجع لكن ابتعد. وعندما يستأنف فعل هذه الطاعة التي كان قد توقف عنها يكون اقترب بمعنى تاب . المقدم: توبة منزلة. د هداية: توبة منزلة أو توبة طاعة أو توبة استجابة كما تشاء فالعلماء وصفوها بكل ذلك. الشاهد أن القرآن يؤيد الفكرة التي افترضتها فلو انتبهت في الآيتين [70-71] من سورة الفرقان في الآية الأولى قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا) وفي الثانية قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا) لم يقل آمن لماذا؟ لأن التوبة الثانية ليست توبة انابة وإنما توبة استجابة ؛لأنها إذا كانت توبة إنابة كان لابد من الإيمان معها لأنه عند إرتكاب فاحشة أو كبيرة يكون خرج من الإيمان أو خرج الإيمان منه، شرطها مع التوبة أنه يجدد الإيمان. التوبة الثانية في سورة الفرقان اقتصر على العمل الصالح فقط قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا) . المقدم: ما الذي يجعل الإنسان يفتر ؟ هل هذا ضعف إيمان أم عدم قدرة على الصبر ؟ فأحيانا يقول الفقهاء أن من أصعب أنواع الصبر هو الصبر على دوام الطاعة ليس الصبر عن المعاصي وكذلك (إن أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل). وقيل أن المولى سبحانه وتعالى إذا كان العبد يعمل عمل يرضي الله واستبدله بعمل آخر يغضب الله لابد أن يبدل المولى عز وجل حاله في الدنيا . د هداية: هو عز وجل إذا بدَّل حاله يكون خير فهذه تلفت النظر فالذي لا يحبه المولى لا يبدل أحواله. المقدم: مثل قول (إن الله إذا غضب على عبدِ رزقه من حرام وإذا اشتد غضبه عليه بارك له فيه). د هداية: هذه المسألة أيضاً كنا تحدثنا فيها في حلقات التوبة (إياك واعتياد الفعل أو الرتابة في الفعل) تجد الرجل كل يوم يصلي الفروض كلها في جماعة وساعة يطمئن لهذا ينقطع عن صلاة الجماعة. إياك أن تطمئن إلى الفعل. المقدم: إلى مستوى طاعة أنت تفعله. د هداية: لذلك عندما تكلمنا عن النفس المطمئنة قلنا أن النفس إذا اطمئنت في الدنيا تضيع لابد أن يكون الاطمئنان هذا ساعة الموت لكن تظل طول عمرك غير راض عن حالك تريد أن تزيد من الطاعة (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] المقدم: والاستطاعة مفتوحة كلٌ حسب قدرته. د هداية: وقلنا زمان أن بعض العلماء قال قال عن هذه الآية أفضل من آية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102] لأن فيها تخفيف ، وبعض أهل اللغة قالوا ليس تخفيف وإنما منزلة أخرى. (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) من منا يعرف حق التقى ؟! فعندما أذهب للمولى عز وجل أقول له أنا اعتقدت أن هذا هو حق التقى، لكن عندما قال (مَا اسْتَطَعْتُمْ) فتحها لكل واحد . المقدم: لكي تجتهد. د هداية: نجد النفس الطائعة كلما يعمل يكون غير راض عن عمله مثلا/ يقول أنا صليت 8 ركعات اليوم سأجتهد وأجعلهم 10 . المقدم: يعني السر أنه لا يرضى أبدا . د هداية: لذلك قال عز وجل (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً) كأني بهذه النفس لم تطمئن إلا ساعة الموت. السؤال هنا كيف أصل أنا إلى هذا المستوى ؟! بالصحبة الصالحة بالجماعة انتبه لحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) الصحيح (الشيطان ذئب الإنسان كالذئب من الغنم) الرسول (صلى الله عليه وسلم) ضرب المثال ولله المثل الأعلى قال الذئب يأكل القاصية أو الناحية من الغنم. فعندما تصلي في بيتك فأنت بذلك تكون نهب للشيطان، ولذلك الرجل صلاته في المسجد لكن يصلي في بيته بعذر إذا كان مريض أو لا يقدر على الخروج والذهاب للمسجد لذلك قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) (إلزموا الجماعات) لماذا ؟! لأن الشيطان لا يقدر عليك وأنت في جماعة ؛لأن الشيطان مثله كمثل الذئب لا يهجم الذئب أبدا على قطيع ماشية . المقدم: وإنما يبحث عن الشاردة. د هداية: لأنه لن يدافع عنها أحد فهي بمفردها. تأمل عظمة تمثيل الرسول (صلى الله عليه وسلم) للشيطان بالذئب، فإذا تأملنا المشهد سنجد مدى تنمر الذئب للحظة التي تجنح فيها واحدة من الغنم تجده يخطفها ويجري لن يدافع عنها أحد ولا هي ستستطيع أن تدافع عن نفسها، إنما إذا كانت وسط القطيع لن يستطيع الذئب أن يقترب منهم لأن معهم الراعي يحرسهم فالشيطان هكذا بالنسبة للإنسان . ولذلك المثال الذي تقوله أنت إذا انقطعت عن الطاعة ستعود لكن لابد أن تبحث لماذا انقطعت؟ مثل إذا أردت أن تضع روشتة للتوبة لابد أن تسأل أولا لماذا عصيت أو ابتعدت؟ لأنك إذا لم تشخص لن تستطيع أن تعالج. لابد أن أعرف لماذا نزلت وإذا لم أعرف لن أستطيع الصعود. وليس من قبيل الصدفة أن أول معصية (معصية آدم) لم يستطع أن يعود، كيف تاب آدم وأبنائه بعد ذلك ؟ من المرة الأولى التي علمها المولى عز وجل لآدم (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:37] المقدم: هل هذا الموقف يتكرر يعني المولى عز وجل يرسل رسالة لبعض الناس تجعلها تفيق وتريد أن تعود وتتوب والبعض الآخر لا؟ فما هو المعيار؟ د هداية: رضا الله عز وجل (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:118] فالذي لا يتوب الله عليه لن يتوب. عندما سألتني كيف أعرف أن توبتي قبلت أم لم تقبل؟ قلت لك أنك طالما فطنت أن تقول تبت إلى الله إذن فالمولى هداك للتوبة إذن سيقبلها . المقدم: وماهي معايير رضا المولى عز وجل ؟ كيف يكون الرجل من الذين رضي عنهم المولى عز وجل فسهل له طريق التوبة. سأضرب لك مثال تطبيقي/ شخص ولد في منطقة عشوائية لا يوجد لديه إمكانيات ولم يحصل على التعليم الكافي ولا يوجد ثقافة دينية كافية وليس لديه وظيفة والأحوال كلها سيئة للغاية بمعني لا يوجد ظروف معيشية جيدة تؤهله أن يكون إنسان ملتزم فامتهن السرقة وأصبح في صحيفته الجنائية 30 سابقة وبحكم القضاء الذي نتعامل به نحن أصبح اسمه مسجل خطر، فعندما تسأل مدير شركة ليجد لهذا الشخص وظيفة عنده يرفض أن يوظفه لأنه مسجل خطر وله 30 سابقة والمجتمع كله سيلفظة وبالتالى لن يبق أمامه سوى طريق الحرام ولا يوجد أمامه أي بدائل أخرى للعمل الحلال فهل من حقه أن يقول هنا أن المولى قضى عليه بهذا؟ د هداية: هذا يرجعنا مرة أخرى لسؤال القضاء والقدر، إذا كان كل الناس في هذا المجتمع يسرقون نستطيع أن نقول أن كلامه صحيح وهذا مستحيل، بمعنى لو كان كل الذي ولد مشرك ظل مشرك وكل الكافر ظل كافر، وكل اليهودي ظل يهودي، وكل النصراني ظل نصراني، كل المسلم ظل مسلم فيوجد مثلا مسلم تنصر وتهود والعكس إذن هي ليست قاعدة لا تستطيع أن تقول المولى عز وجل كتب عليَّ هذا، فالمولى كتب كل شئ لكن لم يكرهك على الإيمان ولم يكرهك على الطاعة، ولم يكرهك على الكفر (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) [الكهف:29] المشيئة هنا تعود لمن ؟ المقدم: للإنسان . د هداية: ويقول المولى عز وجل في محكم التنزيل (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:27-29] هل هذه مسألة ستلغي فيها مشيئتك ؟ وما يدريك أنت بمشيئة المولى عز وجل ؟ فمشيئتك تتحرك لكن عندما تصل للإيمان تقول (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) [الأعراف:43] هذا هو الذكاء والطاعة الإيمانية . المقدم: يعني ما هو المعيار الحقيقي ؟ د هداية: المعيار الحقيقي أنه (سبق في علم الله). وهذه ليس لها حدود أن علاء لا يصح إلا أن يكون علاء، وكهين لا يصح إلا أن يكون كهين، وشارون لا يصح إلا أن يكون شارون، لكن هل هو منع محمد أن يكون جورج أو جورج أن يكون محمد ؟ لم يمنع سبحانه وتعالى فمثلا هو ولد محمد أو أحمد وأصبح جورج أو كهين هذه حريته. الله تبارك وتعالى لم يكره أحد على عبادته، وأنا ضربت لك مثالا زمان إذا دخل أحد وهو يلوي ذراع شخص ويقول له: قل لا إله إلا الله سنقول له هذا لا يلزمنا ولا هذا التصرف من الدين في شئ بدليل قول المولى عز وجل في محكم الكتاب (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة:256] مامعنى الدين ؟ يعني الشرع والإعتقاد لا يصح أنا أن أجبر علاء ليعتقد. إذا قرأنا القرآن بتفكير وبتدبر سنجد أن المولى عز وجل قال (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) إذن المسألة ليست إجبار في العقيدة. المقدم: وهذا يبين أيضا أنه لا إجبار في التوبة، فكما أطلق المولى عز وجل حرية الإعتقاد كذلك في موضوع التوبة فمن الناس من يفضل أن يظل في طريق الحرام ومنهم من يريد التوبة سنربط الخيوط ببعض تابعونا بعد الفاصل. --------فاصل--------- د هداية: لابد أن أوصف كيف أتوب، وهذا التفسير مهم جداً فالنعرة التي يقولها البعض عندما تقول له تب إلى الله أو اعمل عمل صالح فيرد ويقول: المولى لم يأذن لى بعد. كأنه ينتظر أن ينزل له ملك ويأخذ يده ويوضئه ويجعله يصلي أو يجعلها ترتدي الحجاب هذه النعرة ليست واقعية ورد عليها القرآن لكن للذي يريد أن يقرأ، فلابد للإنسان أن يتدبر. مثلا تجد كثير من الناس يعترض على خلاف الشيوخ على الفضائيات ويريدون توحيد الشيوخ على كلمة واحدة يعني الذي يقول هذا لا يريد حتى أن يجهد نفسه في أن يشاهد كل الشيوخ ليختار شيخ بل يريد المعلومة جاهزة. ومثلما قلنا في رمضان عندما تسأل الرجل لماذا أنت ذاهب لتصلي التراويح ؟ ليقول آمين لأن هذا الإمام صوته جميل ودعائه جميل، فهذا الإمام لو دعا عليهم سيقولوا آمين أيضاً فهو ليس ذاهب ليفكر وليس عنده استعداد للتفكير وإنما هو ذاهب ليقول آمين. فهذا الذي يريد توحيد الفكر وتوحيد الرأي يريد أن ينام ولا يجهد نفسه. المقدم: هل الموضوع فيه نوع من الكسل ؟ د هداية: نعم الذي يرد ويقول سأتوب عندما يهديني المولى عز وجل هذا كسل . المقدم: أنا أتحدث بالنسبة للإعلام وفوضى الفتاوى . د هداية: أنا لا أتكلم في فوضى الفتاوى لكن أتكلم في ما هو الحل لها؟ فهذه الفتاوى لن تنتهي أنا الذي لابد أن أجتهد، أشاهد هذا ولا أشاهد ذلك مثلما كنا نقول زمان كان الرجل يقوم من مكانه لكي يغير القناة واليوم هو في يده جهاز التحكم عن بعد (الريموت) وهذا ميزة وعيب في نفس الوقت فعليك أن تستغلها بطريقة صحيحة فالذي تجد كلامه خطأ غيِّر القناة لك مطلق الحرية في هذا. الجنة ليست سبيل جاهز سنحرك الناس إليه، لابد أن تختار أنت وتذهب إليه. القرآن عندما نزل على الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال نزل به الروح الأمين على عقلك أم على قلبك؟ (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ) [الشعراء:193-194] يعني أين يكون مناط التلقي والتدبر والتعقل ؟! المقدم: في القلب. د هداية: والرسول (صلى الله عليه وسلم) قال (التقوى هاهنا وأشار لقلبه لم يشير إلى عقله) المولى عز وجل عندما انفطرت نفس الرسول على أن الناس لكي تُسلم قال له (طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) [الشعراء:1-4] يعني إذا أراد المولى عز وجل سينزل آية المقدم: يعني برهان د هداية: بالضبط فظلت ماذا ؟ أعناقهم، لم يقل قلوبهم المقدم: لماذا لم يقل قلوبهم ؟ د هداية: لأن هذه لابد أن تأتي منك أنت أنا لا أجبرك عليها فإذا أراد المولى سيجعل الأعناق تخضع ولم يقل القلوب لأن هذا المثال لن يحدث لأن المولى يريد الإسلام يأتي من القلب ليس بالإجبار. أريدك أن تُسمع هذه الآيات من سورة الشعراء للمشاهدين وسأسالك سؤالا لتعرف لماذا لم يقل قلوبهم (طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) المقدم: مبدئيا عندي سؤال في اللغة في كلمة (خاضعين) كان المنطقي أن تكون فظلت أعناقهم لها خاضعة لماذا جعلها خاضعين ؟ د هداية: لأن المهم ليس خضوع العنق لكن خضوع صاحب العنق، حالتهم أنه سيجعلهم خاضعين لكن خاضعين بأعناقهم ليس بقلبهم هذا إجبار والإسلام ليس إجبار يريد أن يقول أن المولى لو يريد وهذا لن يتم لأن الإرادة الإلهية شاءت أن يأتي الإيمان منك أنت وإذا أتيت مجبرا لن تُقبل. وأنت قلتها في المقدمة التوبة مثل هذا لابد أن تأتي منك أنت. المقدم: مثلما فعل آدم . د هداية: قف هنا، عندما عصى آدم المولى عز وجل كان يريد أن يتوب فأعطى له الكلمات (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) بدليل أنه لم يتأخر، وعندما سنتكلم في الأعذار سأبين لك الفرق بين شخص يريد أن يتوب وآخر لا يريد، لكن انتبه لهذه النقطة لأن فيها إشكالية تغيب عن كثير من الناس من الذين يتوهموا موضوع الحج عن الغير وأن القرآن ينفع الميت. مثال/ أنت عندما تقول لبيك عن فلان وعلاء عندما يذهب للحج أو العمرة أو أي عمل فهو يذهب قلب أم قالب؟؟!! المقدم: الإثنين د هداية: لا إختار واحدة من الإثنين. المقدم: يوجد أعمال لا تتم إلا إذا كان قلبك حاضر والقالب حاضر كما هو الحال في عرفة مثلاً. د هداية: أنا أقول أنك هناك بالفعل وتقول لبيك اللهم لبيك قلبا أم قالباً؟ المقدم: قلباً. د هداية: بدليل أن الرجل يمكن أن يجلس على كرسي متحرك و شخص يحركه يعني القالب مضطرب القالب مريض لكن القلب ؟! مثلاً/ شخصين وصلوا عرفة واحد مريض والآخر صحيح هل المريض قلبه يتأثر لأنه مريض أم القلبين متساويين؟ المقدم: القلبين متساويين . د هداية: لو هو عنده تخلف عقلي هل عليه حج؟ المقدم: لا. د هداية: لماذا لأن القلب هنا هو المريض فليس عليه حج وكذلك الصلاة فتأتي لنا أسئلة كهذه يقول شخص والدي كبر في السن ولا يتذكر جيدا فنقول له لا تجعله يصلي ولا يصوم ولا يحج لأن التكليف رفع إذن التكليف للقلب أم للقالب ؟ المقدم: للقلب. د هداية: وعندما أقول أنا لبيك عن شبرمة أين شبرمة هذا ؟ أو لبيك عن فلان أين قلب فلان هذا؟ ولذلك أنا عملت كتاب لكنه لم ينزل بعد هل يعبد الله بالإنابة ؟ الله لا يعبد بالإنابة ولا بالتوكيل. العبادة لابد أن تأتي من القلب. المقدم: سيرد البعض ويقول وإذا كان هناك ظرف استثنائي من القاعدة الذي هو عدم الإستطاعة؟ د هداية: أنت قلتها بنفسك واسمع الآية (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ) [آل عمران:97] والغير مستطيع ؟! المقدم: ليس عليه تكليف. د هداية: هذا درب من الخبل، هؤلاء الناس لم يفهموا ما معنى تكليف إلهي. الله أرحم من أن يكلف غير القادر. مثلاً/ سيحج عن فلان ويقول لبيك عن فلان وماذا يقول المولى لفلان (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) [الطلاق:7] هل يوجد سؤال مفترض أن يسأل المولى عز وجل علاء عن فلان يوم القيامة ؟ المقدم: لا . د هداية: بالله عليك وأجب أنت عن هذا السؤال لو يوم القيامة سُئلت لماذا لم يحج والدك؟ ماذا ستجيب أنت ؟ المقدم: بعض الناس ستدافع . د هداية: أنا أتكلم عن الإجابة المنطقية القرآنية. ستقول أنت لم تكلفني بوالدي إسأله. المقدم: إذا كان الرجل غير مكلف بزوجته. د هداية: إسألها، أحيانا يأخذ الرجل زوجته للحج وهي لا تريد وهذه الحالة عرضت علينا هذا العام . المقدم: في هذه الحالة لم تكتب لها حجة. د هداية: فالمسألة ليست قالب وليست إجبار. المقدم: والعكس الذي يتمنى أن يذهب للحج وتأتي له عزومة ويذهب فعلا فيشكك البعض في صحة الحج لأنه لم يدفع من ماله الخاص. د هداية: مثال آخر شخص قدم جواز سفره وجهز المال لكنه لم يطلع في القرعة فماذا يكون وضعه؟ هذا حج بنص حديث الرسول (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) لم يقل وإنما لكل امرىء ما عمل قال وإنما لكل ارىء ما نوى يعني في هذا المثال نقول له أنت حججت حتى تقدم في القرعة العام القادم وتذهب، افرض أنه مات بين السنتين ؟ هو حج بنص حديث الرسول حج. فالذي يتكلم هو الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذي تعلم القرآن وتعلم القاعدة القرآنية البيانية اللغوية المجازية فقال إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى وشرحها شرحا لا أجد أعظم من هذا الشرح قال (فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى) دنيا ؟ لا لم يكررها قال (فهجرته إلى ما هاجر إليه) وهل يوجد بيان أو بلاغة أو فصاحة بعد هذا ؟! قال مثلما تنوي كُتب لك. المقدم: وقد تتشابه على المتابع. د هداية: أو تقول أنت عكس باطنك، يعني أن تعلن عكس باطنك ما الذي يكتب الذي قلته؟ لا. المقدم: أنا أقصد أن المتابع تتشابه عليه الأفعال يعني يجد فلان مثلا هاجر من مكان لمكان وبعد فترة تزوج وعمل تجارة لكنه كان مهاجراً إلى الله وإلى منهج الله ولما استقر تزوج وعمل تجارة. د هداية: كيف يحاسبه المولى بالظاهر ؟! لا والمولى عز وجل يقول في هذه النقطة بالتحديد (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19] هذه الكلمة تجعل الناس قبل أن تعمل أي عمل تقف، في حين أنه قال أيضا (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10-12] يعلمون ما تفعلون يعني ظاهر العمل، الملك لا يعرف إلا ظاهر العمل مثلا فلان حج فلان صام لكن كيف حج ولماذا وماذا كانت نيته؟! (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) و الصدور التي هي القلب. المقدم: يعني الإنسان ممكن يلمح كأنه ينظر نظرة ولا يعرف هذه النظرة إلى أين تذهب . د هداية: وأكمل أيضا وما نوع العمل الذي سيبنى على هذه النظرة ؟ هي نظرة في لا شئ كما تقول لكن عندما نظر هذه النظرة فيما كان يفكر ؟ هل نوى عمل خير أم شر ؟ نوى يصلي، نوى يعود إلى الله ؟ هذه مسألة لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى. ومن الغباء بمكان أن يسألك شخص فيما كنت تفكر أثناء هذه النظرة لأنه ليس من حقي. المقدم: لكن عز وجل يعلمها. عندي أسئلة كثيرة منها ما يتعلق بالأعذار ومنها ما سيربط الخيوط ببعض تابعونا بعد الفاصل --------فاصل--------- المقدم: السؤال عن موضوع التوبة وهل الهداية من عند المولى أم من عند الإنسان ويوجد بعض الناس تسأل هذا السؤال لأن أحيانا الظروف البيئية لا تساعد على التوبة فهل هذا يعتبر غضب من المولى ؟ د هداية: لو الظروف البيئية نفسها بدا الناس فيها وانتهوا كما هم كان الكلام يكون مضبوط وهذا مستحيل ونحن رأينا بأعيننا وفي أماكن نزلناها بنفسنا رأينا من داخل أسوأ البيئات يخرج علماء. إذا كنت أنت تسألني عن التوصيف اللغوي فالهداية هدايتنان الدلالة والمعونة والتوبة توبتان الهداية والمعونة. سنضرب المثال ببعثة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في قريش كان يوجد أبو جهل وأبو لهب وكان يوجد أبو بكر الصديق وخديجة بنت خويلد يعني في وسط الأزمة ظهر الصديق وهو من قريش وأبو لهب عم الرسول لكن كان بينه وبين الرسول عداء وأبو طالب كان عم الرسول أيضا ورغم ذلك الإثنين لم يسلموا (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [القصص:56] بمعنى أنه كل بيئة وكل عصر وكل زمن وكل فئة فيها وفيها. كل هذا يرجع إلى ماذا ؟ للإرادة الإلهية طبعاً، مثل القضاء والقدر فهل تريد أنت شئ يتم في ملك الله ليس على إرادته ؟ هكذا يكون إيمانك ناقص . المقدم: أحيانا نجد العقل البشري يفكر فأنت تسكن مثلا في عمارة في منطقة راقية والعمارة لها حارس، وفي أغلب الأحيان يأتي الحارس بزوجته وأولاده ليسكنوا معه في غرفة مثلا أعطاها له صاحب العمارة وهذا الحارس راتبه بسيط فتجده دائما مشغول بطلبات السكان إلى جانب الحراسة، لذلك تجد أن أولاده لا ينالوا الاهتمام والرعاية الكافيين، وأحيانا لا يدخلوا المدرسة بل ويذهبوا للعمل وهم في سن صغيرة ليساعدوا والدهم فتقول لنفسك مثلا أنك ستأخذ ولد من أولاد الحارس - لنفرض أن لديه ولدين - وتنفق عليه مثل أولادك وتعلمه مثل أولادك وبعد التخرج من الجامعة كيف سيكون حال هذين الأخوين ؟ د هداية: سأجيبك عن هذا السؤال وسأضيف عليه جزء لكن سأجيب أولاً. شاءت إرادة الله أن هذا يتعلم وهذا لا يتعلم فجعل علاء مثلا يختار هذا الولد ويترك أخوه. في نفس المثال إذا كنت أخذت الإثنين واحد منهم كان سيكمل تعليمه والآخر كان سوف يتسرب من التعليم وأقسم بالله العظيم هذا حصل، أدخلنا الإثنين المدرسة واحد منهم المولى عز وجل رضي عنه وأكمل دراسته والآخرهرب من المدرسة وقال لا تدفع المصاريف فأنا لا أريد. المسألة في الإسلام ليست بالماديات، فأحيانا تجد شخص مادياته قليلة أو الحارس مثلا يصلي الفروض في جماعة وسكان العمارة أو صاحب العمارة لا يفعل ذلك فالمسألة في الإسلام حسمها الرسول بالتقوى (لا فرق بين عربي على أعجمي إلا بالتقوى) لا بالمال ولا الجاه ولا السلطان فكما قلت في المثال الحارس يصلي في جماعة والسكان نائمين والمثال الذي ضربته أنت لماذا حبب الله فلان في هذا الولد ولم يحببه في الآخر ؟ هذه إرادة الله ونحن إذا لم نرجع الأمر في النهاية لإرادة الله فلن نكون مؤمنين ؛لأن من صفات الإيمان الإيمان بالغيب، ما معنى الإيمان بالغيب ؟ لو دققت في المعنى من ضمن التفاسير فيها الإسلام والتسليم لإرادة الغيب المطلق وهو الله . المقدم: حتى الآن يوجد ناس تسأل هذا السؤال (إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) . د هداية: هو سبحانه وتعالى عندما ضرب مثال لن يحدث قال أعناقهم لم يقل قلوبهم لأن القلوب المولى يريدها محررة، تأتي له طائعة، منصاعة بإرادتها ؛لأنه هو سبحانه وتعالى الذي قال (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) . المقدم: أنا أقصد أن الناس تسأل نحن لم نرى المولى عز وجل ولم نرى الملائكة لماذا ؟ كان من الممكن أن ينزل المولى برهان أو رأينا الملائكة أو رأينا الله وقال لنا أنا ربكم، ولن يكون هناك ملحدين ولا مكذبين لوجود الله . د هداية: هو سبحانه وتعالى جل في علاه بالفعل عمل الماديات في عصر من العصور، المائدة نزلت من السماء ماذا فعلوا؟ اليهود أكلوا ما يريدون ماذا فعلوا ؟ فالماديات حصلت، والقرآن ضرب لنا الأمثلة كلها، هل في عصر الماديات عندما حدثت الماديات والأسئلة رجعوا إلى الله ؟! عندما نزلت المائدة هل آمنوا ؟! المولى عندما أجرى هذه التجارب لكي يكون إيماننا نحن - أمة الغيب من محمد (صلى الله عليه وسلم) وإلى قيام الساعة - منطلق من أن الماديات لم تأت بنتائج، فالإيمان بالغيب بفضل الله والحمد لله لو عملت إحصاء بين العصور ستجد عصر الإيمان بالغيب أعلى . المقدم: يعني الطلبات التي طلبها هؤلاء الناس ليؤمنوا كانت ليس فيها يقين . د هداية: لا لم يكن السؤال لليقين وإنما للجدال على أنه لن يحدث. مثل الذي يعجزك بطلبه حتى لا تستطيع أن تفعله . المقدم: لذلك جاءت الصياغة القرآنية على لسان الحواريين عندما قالوا لعيسى عليه السلام هل يستطيع ربك (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [المائدة:112] يعني هل يقدر الإٌله بتاعك أنت ؟ د هداية: بالضبط فالسؤال للتعجيز ليس لليقين لأنه لو كان لليقين لما سألوا، فهل كل الناس سألت الماديات ؟! لا المؤمن لم يسأل، المؤمن من بني إسرائيل الذي آمن لموسى إيمان حقيقي مسلم، والذي آمن لعيس إيمان حقيقي مسلم، والذي آمن لمحمد كذلك لا هذا ولا ذاك سأل عن الماديات . المقدم: لذلك جاء كلامهم (وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا) [المائدة:113] د هداية: بالضبط لكن انظر إلى السؤال هل ربك يقدر ؟ هذه قلة أدب. لماذا لم يسأل علاء المؤمن بالغيب ؟ لأنه يعلم أنه يستطيع ويقدر أنه قادر قدير مقتدر وعيب عليَّ أن أختبر إلهي لا يصح لأن إيماني به أعلى من أن يرد على فكري طرف السؤال . المقدم: لذلك عندما جاء الشيطان للمسيح عليه السلام وكان واقفا على تل عالي وقال له طالما أنك تؤمن أن كل شئ بقدر الله فألق بنفسك لو مكتوب لك أن تموت ستموت فقال له المسيح إن الرب يمتحن العبد وليس العبد يمتحن الرب . د هداية: خذ مناط هذه القصة إن صحت وتأمل كيف بدأ الله القرآن ؟ ونحن متفقين أنه لا يوجد صدف فهل صدفة أو عبث حاشاه أنه عندما يبدأ الكتاب يبدأه بالسورة رقم 87نزول ؟ لا. ويكون أولها (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) وعندما يوصفهم يوجد مليون وصف للمتقين داخل الكتاب لكن هل هذا صدفة أو عبث أن أول توصيف للتقوى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْب) ولو سألت ماهو الإيمان بالغيب ؟ سنأخذ فيها 150 حلقة لأن الإيمان بالغيب سيجمع كل هذه الماديات لأنه ليس محتاجا لها. ما هو إيمان علاء بالغيب ؟ إفعل أفعل، لا تفعل لا أفعل لا أناقش مناط السؤال بالفعل أو بالنهي مثلما تحدثا في (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) هل وجدت واحد من الصحابة يسأل لماذا هو أذى؟ لا لم يحدث لأنهم فهموا أن هذا ساعة العلاقة أذى وليس المحيض نفسه، فهموا مناط السؤال والإجابة ونفذوا وليس فقط في هذا (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ) (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ) (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ) (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ) كل الأسئلة، فالذي سأل بنية السؤال أخذ الإجابة كاملة أما الذي سأل ليختبر الرسول أو يختبر المولى عز وجل فهذه قلة أدب فمهما تجيبه لن يؤمن . المقدم: طالما أن الإسلام دين عقل فتكلمنا عن مسألة المحيض ودور حواء في غواية آدم . د هداية: هذا الدور ليس موجودا . المقدم: ونحن برَّأناها والإسلام برَّأها لماذا ينتشر عند الغرب أن الإسلام يظلم المرأة وهي مجرد شئ مغطى بالنقاب، يعني مثلا في الأزمة التي حدثت في سويسرا عن المآذن لو انتبهت للملصقات التي كانت يروجها حزب اليمين المتطرف الذي كان يدعو للإستفتاء . د هداية: الذي كسب . المقدم: الذي نجح فالنسبة كانت 57% هذا يعطي نتيجة أن أكثر من نصف المجتمع غير موافق على كبت حرية الناس، لكن الملصقات كانت فيها المآذن ومصورة كأنها صواريخ وهو بذلك لم يسب بل وصف هناك فرق فالمئذنة بدلا من أن تكون منارة للإشعاع الديني والثقافي والعقائدي أصبحت منارة إرهابية للعنف ووضع معها صور المرأة المنقبة على أساس أنها شئ منغلق ترفض أن تنفتح على الحضارة الإنسانية، فلماذا يرى الغرب هذا الجانب فقط أن الإسلام يهمش المرأة أو يضعها في النقاب ولا يرى الجانب المستنير ؟ هل نحن مقصرين بشكل أو بآخر ؟ د هداية: بلا شك نحن مقصرين ، وهم يرون هذا لأن المسلم يعرض هذا ، الإسلام يُعرض هناك هكذا. أنا زمان سألتك هل الرجل الذي سب الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يقصده هو أم نحن ؟ فهو لا يعرفه لكنه سبنا نحن لكن جائت في شخص الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فهو يسب الذي نسب لنفسه تفجير البرجين وهذا ليس من الإسلام في شئ ونحن قلناها وقتها والناس استغربت ردنا هذا ليس من الإسلام في شئ أن أقتل يهودي مسالم أو نصراني مسالم أو مسلم مسالم لماذا ؟ المقدم: بعض الناس ترد وتقول لأنهم يقتلوا الأبرياء في فلسطين والعراق ويقتلة النساء والأطفال، رغم أن هذه القضية محسومة في القرآن فالمولى قال إذا فعلتوا هذا (إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ) . د هداية: فإن كانت حرب إذن جيش لجيش إنما أضرب ناس عزل في مبنى مدني وأقول أنا بطل أين البطولة ؟ بالإضافة إلى إننا لا نستطيع أن نُعَرِّف الإرهاب فالذي يحدث هذا ليس إرهاب بل إجرام فنحن لا نعرف أن نعرض ديننا، لذلك أنا لست قلقا من موضوع 57% في سويسرا لأنها ليست الغالبية . المقدم: لكن الدستور سيتغير بناء عليها . د هداية: طالما أن هناك تقصير فلابد أن تتحمل لابد أن يكون التغيير من عندنا نحن (بيدي لا بيدي عمرو) لابد أن أعرض الإسلام صح وبقوة وبنزاهة وأعرض قرآن . المقدم: وقت الحلقة انتهى وبالنسبة لهذه النقطة فعلا نحن كلنا مقصرين ولا نتهم إلا أنفسنا، فأغلبية خطابنا في الإعلام خطاب الذات، ليس عندنا القدرة لإختراق أدوات الإعلام الغربية حتى نكون مشاركين كأصحاب فكرة ورأى للنقاش وهذه المآذن التي منعت في سويسرا قبل أن تمنع هي كلها فيها أربع مآذن مساجد أخرى بدون مآذن لكن كنت أتمنى أن تفلح هذه المآذن وتكون منارات اشعاع ثقافي تشرح صورة الإسلام لأن من الواضح أن صورة الإسلام الآن أنه مخيف. ويوجد هاجس نطلق عليه الهاجس الديمجرافي أن المسلمين يتزايدوا في أوروبا وسيأتي في يوم من الأيام أن أوروبا تكون فيها الغالبية مسلمة فبالتالي تنتهي الحضارة الأوروبية والمسيحية الموجودة في أوروبا وهذا هو الهدف الذي من أجله يمنعوا الناس من الهجرة لأن الإسلام بالنسبة لهم بعبع وسيظل الوضع كما هو عليه حتى نحاول تصحيح الصورة التي عليها الإسلام، ونراكم على خير سلام الله عليكم ورحمته وبركاته بُثّت الحلقة بتاريخ 15/12/2009م |
الساعة الآن 04:19 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |