منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   السيرة النبوية (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=9451)

ميارى 30 - 8 - 2010 05:44 PM

أمر الهدنة
إرسال قريش سهيلاً إلى الرسول للصلح ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ قال الزهري ‏:‏ ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو ، أخا بني عامر بن لؤي ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا له ‏:‏ ائت محمداً فصالحه ، ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامة هذا ، فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً ‏.‏
فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً ، قال ‏:‏ قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل ‏.‏ فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام ، وتراجعا ، ثم جرى بينهما الصلح ‏.‏
عمر ينكر على الرسول الصلح ‏:‏
فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب ، وثب عمر بن الخطاب ، فأتى أبا بكر ، فقال ‏:‏ يا أبا بكر ، أليس برسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى ، وألسنا بالمسلمين ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى ، قال ‏:‏ أوليسوا بالمشركين ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى ، قال ‏:‏ فعلام نعطي الدنية في ديننا ‏؟‏ قال أبو بكر ‏:‏ يا عمر الزم غرزه ، فإني أشهد أنه رسول الله ؛ قال عمر ‏:‏ وأنا أشهد أنه رسول الله ‏.‏
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏:‏ يا رسول الله ألست برسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى ، قال ‏:‏ أولسنا بالمسلمين ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى ، قال ‏:‏ أوليسوا بالمشركين ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى ، قال ‏:‏ فعلام نعطي الدنية في ديننا ‏؟‏ قال ‏:‏ أنا عبدالله ورسوله ، لن أخالف أمره ، ولن يضيعني ‏!‏
قال ‏:‏ فكان عمر يقول ‏:‏ ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق ، من الذي صنعت يومئذ ‏!‏ مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً ‏.‏
علي يكتب شروط الصلح ‏:‏
قال ‏:‏ ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال ‏:‏ اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ؛ قال ‏:‏ فقال سهيل ‏:‏ لا أعرف هذا ، ولكن أكتب باسمك اللهم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اكتب باسمك اللهم ، فكتبها ‏.‏
ثم قال ‏:‏ اكتب ‏:‏ هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ؛ قال ‏:‏ فقال سهيل ‏:‏ لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ؛ قال ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو ، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض ، على أنه من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه ، وإن بيننا عيبة مكفوفة ، وأنه لا إسلال ولا إغلال ، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه ‏.‏
دخول خزاعة في عهد محمد وبني بكر في عهد قريش ‏:‏
فتواثبت خزاعة فقالوا ‏:‏ نحن في عقد محمد وعهده ، وتواثبت بنو بكر فقالوا ‏:‏ نحن في عقد قريش وعهدهم ، وأنك ترجع عنا عامك هذا ، فلا تدخل علينا مكة ، وأنه إذا كان عام قابل ، خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك ، فأقمت بها ثلاثاً معك سلاح الراكب ، السيوف في القرب ، لا تدخلها بغيرها ‏.‏
ما أهم الناس من الصلح ومجيء أبي جندل ‏:‏
فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو ، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد ، قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح ، لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع ، وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه دخل على الناس من ذلك أمرٌ عظيم ، حتى كادوا يهلكون ‏.‏
فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه ، وأخذ بتلبيبه ؛ ثم قال ‏:‏ يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا ؛ قال ‏:‏ صدقت ، فجعل ينتره بتلبيبه ، ويجره ليرده إلى قريش ، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته ‏:‏ يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني ‏؟‏ فزاد ذلك الناس إلى ما بهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يا أبا جندل ؛ اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً ، وأعطيناهم على ذلك ، وأعطونا عهد الله ، وإنا لا نغدر بهم ‏.‏
قال ‏:‏ فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ، ويقول ‏:‏ اصبر يا أبا جندل ، فإنما هم المشركون ، وإنما دم أحدهم دم كلب ‏.‏ قال ‏:‏ ويدني قائم السيف منه ‏.‏ قال ‏:‏ يقول عمر ‏:‏ رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه ؛ فضن الرجل بأبيه ، ونفذت القضية ‏.‏
من شهدوا على الصلح ‏:‏
فلما فرغ ‏(‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏)‏ من الكتاب أشهد على الصلح رجالاً من المسلمين ورجالاً من المشركين ‏:‏ أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعبدالرحمن بن عوف ، وعبدالله بن سهيل بن عمرو ، وسعد بن أبي وقاص ، ومحمود بن مسلمة ، ومكرز بن حفص ، وهو يومئذ مشرك ، وعلي بن أبي طالب ، وكتب ، وكان هو كاتب الصحيفة ‏.‏
نحر الرسول وحلق فاقتدى به الناس ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطرباً في الحل ، وكان يصلي في الحرم ، فلما فرغ من الصلح قدم إلى هدية فنحره ، ثم جلس فحلق رأسه ، وكان الذي حلقه ، فيما بلغني ، في ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي ؛ فلما رأى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون ‏.‏
دعوة الرسول للمحلقين ثم للمقصرين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال ‏:‏ حلق رجال يوم الحديبية ، وقصر آخرون ‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يرحم الله المحلقين ، قالوا ‏:‏ والمقصرين يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ يرحم الله المحلقين ؛ قالوا ‏:‏ والمقصرين يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ والمقصرين ؛ فقالوا ‏:‏ يا رسول الله ‏:‏ فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين دون المقصرين ‏؟‏ قال ‏:‏ لم يشكوا ‏.‏
أهدِى الرسول جملاً فيه برة من فضة ‏:‏
وقال عبدالله بن أبي نجيح ‏:‏ حدثني مجاهد ، عن ابن عباس ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هداياه جملاً لأبي جهل ، في رأسه برة من فضة ، يغيظ بذلك المشركين ‏.‏
نزول سورة الفتح ‏:‏
قال الزهري في حديثه ‏:‏ ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه ذلك قافلاً ،حتى إذا كان بين مكة والمدينة ، نزلت سورة الفتح ‏:‏ ‏(‏ إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، ويتم نعمته عليك ، ويهديك صراطاً مستقيماً ‏)‏ ‏.‏
ذكر البيعة ‏:‏
ثم كانت القصة فيه وفي أصحابه ، حتى انتهى من ذكر البيعة ، فقال جل ثناؤه ‏:‏ ‏(‏ إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ، يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً ‏)‏ ‏.‏
ذكر من تخلف ‏:‏
ثم ذكر من تخلف عنه من الأعراب ، ثم قال حين استفزهم للخروج معه فأبطئوا عليه‏:‏ ‏(‏ سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا ‏)‏ ‏.‏ ثم القصة عن خبرهم ، حتى انتهى إلى قوله ‏:‏ ‏(‏ سيقولون المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ، يريدون أن يبدلوا كلام الله ، قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل ‏)‏ ‏.‏ ثم القصة عن خبرهم وما عرض عليهم من جهاد القوم أولى البأس الشديد ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال ‏:‏ فارس ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم ، عن الزهري أنه قال ‏:‏ أولوا البأس الشديد حنيفة مع الكذاب ‏.‏
ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فأنزل السكينة عليهم ، وأثابهم فتحاً قريباً ‏.‏ ومغانم كثيرة يأخذونها ، وكان الله عزيراً حكيماً ‏.‏ وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه ، وكف أيدي الناس عنكم ، ولتكون آية للمؤمنين ويهيدكم صراطاً مستقيماً‏.‏ وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديراً ‏)‏ ‏.‏
ذكر كف الرسول عن القتال ‏:‏
ثم ذكر محبسه وكفه إياه عن القتال ، بعد الظفر منه بهم ، يعني ‏:‏ النفر الذين أصاب منهم وكفهم عنه ، ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ، وكان الله بما تعملون بصيراً ‏)‏ ‏.‏ ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ‏)‏ ‏.‏
تفسير ابن هشام لبعض الغريب ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏المعكوف المحبوس ، قال أعشى بني قيس بن ثعلبة ‏:‏
وكأن السموط عكفه السلك * بعطفي جيداء أم غزال ‏.‏
وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏(‏ ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ‏)‏ ، والمعرة ‏:‏ الغرم ، أي ‏:‏ أن تصيبوا منهم ‏(‏ معرة ‏)‏ بغير علم فتخرجوا ديته ، فأما إثم فلم يخشه عليهم ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏بلغني عن مجاهد أنه قال ‏:‏ نزلت هذه الآية في الوليد بن الوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، وأبي جندل بن سهيل ، وأشباههم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم قال تبارك وتعالى ‏:‏ ‏(‏ إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ، حمية الجاهلية ‏)‏ يعني ‏:‏ سهيل بن عمرو حين حمي أن تكتب بسم الله الرحمن الرحيم وأن محمداً رسول الله ، ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى ‏)‏ ، وكانوا أحق بها وأهلها ‏:‏ أي التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ‏.‏
ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا ‏)‏ ‏.‏ أي ‏:‏ لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رأى ، أنه سيدخل مكة آمنا لا يخاف ؛ يقول ‏:‏ محلقين رءوسكم ، ومقصرين معه لا تخافون ، فعلم من ذلك ما لم تعلموا ، فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً ، صلح الحديبية ‏.‏
يقول الزهري ‏:‏ فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس ؛ فلما كانت الهدنة ، ووضعت الحرب ، وآمن الناس بعضهم بعضاً، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة ، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه ، ولقد دخل تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربع مائة ، في قول جابر بن عبدالله ، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف ‏.‏
ما جرى عليه أمر قوم من المستضعفين بعد الصلح
مجيء أبي بصير إلى المدينة وطلب قريش له ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية ، وكان ممن حبس بمكة ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب فيه أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب الثقفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعثا رجلاً من بني عامر بن لؤي ، ومعه مولى لهم ، فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الأزهر والأخنس ‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر ، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، فانطلق إلى قومك ؛ قال ‏:‏ يا رسول الله ، أتردني إلى المشركين يفتنونني في ديني ‏؟‏ قال ‏:‏ يا أبا بصير انطلق فإن الله تعالى سيجعل ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً‏.‏
قتل أبي بصير للعامري ومقالة الرسول في ذلك ‏:‏
فانطلق معهما ، حتى إذا كان بذي الحليفة ، جلس إلى جدار ، وجلس معه صاحباه ، فقال أبو بصير ‏:‏ أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر ‏؟‏ فقال ‏:‏ نعم أنظر إليه ‏؟‏ قال ‏:‏ انظر إن شئت ‏.‏ قال ‏:‏ فاستله أبو بصير ، ثم علاه به حتى قتله ‏.‏
وخرج المولى سريعاً حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم طالعاً قال ‏:‏ إن هذا الرجل قد رأى فزعاً ؛ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ويحك ‏!‏ ما لك ‏؟‏ قال ‏:‏ قتل صاحبكم صاحبي فوالله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحاً بالسيف ، حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، وفت ذمتك ، وأدى الله عنك ، أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت بديني أن أفتن فيه ، أو يعبث بي ‏.‏ قال ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال ‏!‏
اجتماع المحتبسين إلى أبي بصيرة وإيذاؤهم قريشاً وإيواء الرسول لهم ‏:‏
ثم خرج أبو بصير حتى نزل العيص ، من ناحية ذي المروة ، على ساحل البحر ، بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام ، وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير ‏:‏ ‏"‏ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال ‏!‏ ‏"‏ ، فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص ، فاجتمع إليه منهم قريب من سبعين رجلاً ، وكانوا قد ضيقوا على قريش ، لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه ، لا تمر بهم عير إلا اقتطعوها ، حتى كتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل بأرحامها إلا آواهم فلا حاجة لهم فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل بأرحامها إلا آواهم ، فلا حاجة لهم بهم ، فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدموا عليه المدينة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏أبو بصير ثقفي ‏.‏
أراد سهيل ودي أبي بصير وشعر موهب في ذلك ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما بلغ سهيل بن عمرو قتل أبي بصير صاحبهم العامري ، أسند ظهره إلى الكعبة ، ثم قال ‏:‏ والله لا أؤخر ظهري عن الكعبة حتى يودي هذا الرجل ؛ فقال أبو سفيان بن حرب ‏:‏ والله إن هذا لهو السفه ، والله لا يودي ‏(‏ ثلاثاً ‏)‏ ‏.‏
فقال في ذلك موهب بن رياح أبو أنيس ، حليف بني زهرة ‏:‏
- قال ابن هشام ‏:‏أبو أنيس أشعري -
أتاني عن سهيل ذرء قول * فأيقظني وما بي من رقاد
فإن تكن العتاب تريد مني * فعِاتبني فما بك من بعادي
أتوعدني وعبد مناف حولي * بمخزوم ألهفا من تعادي
فإن تغمز قناتي لا تجدني * ضعيف العود في الكرب الشداد
أسامي الأكرمين أبا بقومي * إذا وطئ الضعيف بهم أرادي
هم منعوا الظواهر غير شك * إلى حيث البواطن فالعوادي
بكل طمرة وبكل نهد * سواهم قد طوين من الطراد
لهم بالخيف قد علمت معد * رواق المجد رفع بالعماد
شعرابن الزبعرى في الرد على موهب ‏:‏
فأجابه عبدالله بن الزبعرى فقال ‏:‏
وأمسى موهب كحمار سوء * أجاز ببلدة فيها ينادي
فإن العبد مثلك لا يناوي * سهيلاً ضل سعيك من تعادي
فاقصر يا ابن قين السوء عنه * وعد عن المقالة في البلاد
ولا تذكر عتاب أبي يزيد * فهيهات البحور من الثماد

ميارى 30 - 8 - 2010 05:48 PM

أمر المهاجرات بعد الهدنة
هجرة أم كلثوم إلى رسول وإباؤه ردها ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وهاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في تلك المدة ، فخرج أخواها عمارة والوليد ابنا عقبة ، حتى قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألانه أن يردها عليهما بالعهد الذي بينه وبين قريش في الحديبية ، فلم يفعل ، أبى الله ذلك ‏.‏
سؤال ابن هنيدة لعروة عن آية المهاجرات ورده عليه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني الزهري ، عن عروة ابن الزبير ، قال ‏:‏ دخلت عليه يكتب كتابا إلى ابن أبي هنيدة ، صاحب الوليد بن عبدالملك ، وكتب إليه يسأله عن قول الله تعالى ‏:‏ ‏(‏ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن ، الله أعلم بإيمانهن ، فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار ، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن ، وآتوهم ما أنفقوا ، ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ، ولا تمسكوا بعصم الكوافر ‏)‏ ‏.‏
تفسير ابن هشام لبعض الغريب ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏واحدة العصم ‏:‏ عصمة ، وهي الحبل والسبب ‏.‏ قال أعشى بني قيس بن ثعلبة ‏:‏
إلى المرء قيس نطيل السرى * ونأخذ من كل حي عصم ‏.‏
وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏
(‏ واسألوا ما أنفقتم ، وليسألوا ما أنفقوا ، ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم ‏)‏ ‏.‏
عود إلى جواب عروة ‏:‏
قال ‏:‏ فكتب إليه عروة بن الزبير ‏:‏ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صالح قريشاً يوم الحديبية على أن يرد عليهم من جاء بغير إذن وليه ؛ فلما هاجر النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الإسلام ، أبى الله أن يرددن إلى المشركين إذا هن امتحن بمحنة الإسلام ، فعرفوا أنهن إنما جئن رغبة في الإسلام ، وأمر برد صدقاتهن إليهم إن احتبسن عنهم ، إن هم ردوا على المسلمين صداق من حبسوا عنهم من نسائهم ، ذلكم حكم الله يحكم بينكم ، والله عليم حكيم ‏.‏
فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء ورد الرجال ، وسأل الذي أمره الله به أن يسأل من صدقات نساء من حبسوا منهن ، وأن يردوا عليهم مثل الذي يردون عليهم ، إن هم فعلوا ‏.‏
ولولا الذي حكم الله به من هذا الحكم لرد رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء كما رد الرجال ، ولولا الهدنة والعهد الذي كان بينه وبين قريش يوم الحديبية لأمسك النساء ، ولم يردد لهن صداقاً ، وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد ‏.‏
سؤال ابن إسحاق الزهري عن آية المهاجرات ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وسألت الزهري عن هذه الآية ، وقول الله عز وجل فيها ‏:‏ ‏(‏ وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتهم ، فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ، واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون ‏)‏ ‏.‏ فقال ‏:‏ يقول ‏:‏ إن فات أحداً منكم أهله إلى الكفار ، ولم تأتكم امرأة تأخذون بها مثل يأخذون منكم ، فعوضوهم من فيء إن أصبتموه ؛ فلما نزلت هذه الآية ‏:‏ ‏(‏ يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات ‏)‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ إلى قول الله عز وجل ‏:‏ ‏(‏ ولا تمسكوا بعصم الكوافر ‏)‏ ‏.‏
كان ممن طلق عمر بن الخطاب ، طلق امرأته قريبه بنت أبي أمية بن المغيرة ، فتزوجها بعده معاوية بن أبي سفيان ، وهما على شركهما بمكة ، وأم كلثوم بنت جرول أم عبيد الله بن عمر الخزاعية ، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة بن غانم ، رجلاً من قومه وهما على شركهما ‏.‏
بشرى فتح مكة وتعجل بعض المسلمين ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏حدثنا أبو عبيدة ‏:‏ أن بعض من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له لما قدم المدينة ‏:‏ ألم تقل يا رسول الله إنك تدخل مكة آمنا ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى ، أفقلت لكم من عامي هذا ‏؟‏ قالوا ‏:‏ لا ، قال ‏:‏ فهو كما قال لي جبريل عليه السلام ‏.‏
ذكر المسير إلى خيبر في المحرم سنة سبع
الخروج إلى خيبر ‏:‏
قال محمد بن إسحاق ‏:‏ ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة حين رجع من الحديبية ، ذا الحجة وبعض المحرم ، وولي تلك الحجة المشركون ، ثم خرج في بقية المحرم إلى خيبر ‏.‏
استعمال نميلة على المدينة ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ واستعمل على المدينة نميلة بن عبدالله الليثي ، ودفع الراية إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وكانت بيضاء ‏.‏
ارتجاز ابن الأكوع ودعاء الرسول له واستشهاده ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي الهيثم بن نصر بن دهر الأسلمي أن أباه حدثه ‏:‏ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في مسيره إلى خيبر لعامر بن الأكوع ‏:‏ وهو عم سلمة بن عمرو بن الأكوع ، وكان اسم الأكوع سنان ‏:‏ انزل يا ابن الأكوع ، فخذ لنا من هناتك ، قال ‏:‏ فنزل يرتجر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏
والله لولا الله ما اهتدينا * ولا تصدقنا ولا صلينا
إنا إذا قوم بغوا علينا * وإن أرادوا فتنة أبينا
فأنزلن سكينة علينا * وثبت الأقدام إن لاقينا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يرحمك الله ؛ فقال عمر بن الخطاب ‏:‏ وجبت والله يا رسول الله ، لو أمتعتنا به ‏!‏ فقتل يوم خيبر شهيداً ، وكان قتله ، فيما بلغني أن سيفه رجع عليه وهو يقاتل ، فكلمه كلماً شديداً ، فمات منه ؛ فكان المسلمون قد شكوا فيه ، وقالوا ‏:‏ إنما قتله سلاحه حتى سأل ابن أخيه سلمة بن عمرو بن الأكوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، وأخبره بقول الناس ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنه لشهيد وصلى عليه فصلى عليه المسلمون ‏.‏
دعاء الرسول لما أشرف على خيبر ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني من لا أتهم ، عن عطاء بن أبي مروان الأسلمي ، عن أبيه ، عن أبي معتب بن عمرو ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أشرف على خيبر قال لأصحابه ، وأنا فيهم ‏:‏ قفوا ، ثم قال ‏:‏ ‏"‏ اللهم رب السماوات وما أظللن ، ورب الأرضين وما أقللن ، ورب الشياطين وما أظللن ، ورب الرياح وما أذرين ، فإنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ، ونعوذ بك من شر أهلها وشر ما فيها ، أقدموا بسم الله ‏"‏ ‏.‏ قال ‏:‏ وكان يقولها عليه السلام لكل قرية دخلها ‏.‏
فرار أهل خيبر لما رأوا الرسول ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك ، قال ‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قوما لم يغر عليهم حتى يصبح ، فإن سمع أذاناً أمسك ، وإن لم يسمع أذاناً أغار ‏.‏
فنزلنا خيبر ليلاً ، فبات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أصبح لم يسمع أذاناً، فركب وركبنا معه ، فركبت خلف أبي طلحة ، وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستقبلنا عمال خيبر غادين ، قد خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم ، فلما رأوا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم والجيش ، قالوا ‏:‏ محمد والخميس معه ‏!‏ فأدبروا هراباً ، فقال رسول الله صلى الله ليه وسلم ‏:‏ الله أكبر ، خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏حدثنا هارون عن حميد ، عن أنس بمثله ‏.‏
منازل الرسول في طريقة إلى خيبر ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج من المدينة إلى خيبر سلك على عصر ، فبنى له فيها مسجد ، ثم على الصهباء ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ، حتى نزل بواد يقال له الرجيع ، فنزل بينهم بين غطفان ، ليحول بينهم وبين أن يمدوا أهل خيبر، وكانوا لهم مظاهرين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
غطفان ومحاولتهم معونة خيبر ثم انخذا لهم ‏:‏
فبلغني أن غطفان لما سمعت بمنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر جمعوا له ، ثم خرجوا ليظاهروا يهود عليه ، حتى إذا ساروا منقلة سمعوا خلفهم في أمولاهم وأهليهم حساً ، ظنوا أن القوم قد خالفوا إليهم ، فرجعوا على أعقابهم ، فأقاموا في أهليهم وأموالهم ، وخلوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين خيبر ‏.‏
افتتاح رسول الله الحصون ‏:‏
وتدنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الأموال يأخذها مالاً مالا ، ويفتتحها حصناً حصنا ، فكان أول حصونهم افتتح حصن ناعم ، وعنده قتل محمود بن مسلمة ، ألقيت عليه منه رحا فقتلته ، ثم القموص ، حصن بني أبي الحقيق ‏.‏
وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا ، منهن صفية بنت حيي بن أخطب ، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ، وبنتي عم لها ؛ فاصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه ‏.‏
وكان دحية بن خليفة الكلبي قد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية ، فلما أصفاها لنفسه أعطاه ابنتي عمها ، وفشت السبايا من خيبر في المسلمين ‏.‏
نهى الرسول يوم خيبر عن أشياء ‏:‏
وأكل المسلمون لحوم الحمر الأهلية من حمرها ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنهى الناس عن أمور سماها لهم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالله بن عمرو بن ضمرة الفزاري عن عبدالله بن أبي سليط ، عن أبيه ، قال ‏:‏ أتانا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الحمر الإنسية ، والقدور تفور بها ، فكفأناها على وجوهها ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن مكحول ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاهم يومئذ عن أربع ‏:‏ إتيان الحبالى من السبايا ، وعن أكل الحمار الأهلي ، وعن أكل كل ذي ناب من السباع ، وعن بيع المغانم حتى تقسم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني سلام بن كركرة ، عن عمرو بن دينار ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، ولم يشهد جابر خيير ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نهى الناس عن أكل لحوم الحمر ، أذن لهم في أكل لحوم الخيل ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي مرزوق مولى تجيب ، عن حنش الصنعاني ، قال ‏:‏ غزونا مع رويفع بن ثابت الأنصاري المغرب ، فافتتح قرية من قرى المغرب يقال لها ‏:‏ جربة ، فقام فينا خطيباً ، فقال ‏:‏ يا أيها الناس ، إني لا أقول فيكم إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله فينا يوم خيبر ، قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏:‏ لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقى ماؤه زرع غيره ، يعني ‏:‏ إتيان الحبالى من السبايا ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يصيب امرأة من السبي حتى يستبرئها ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه ، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يلبس ثوبا من فيء المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط ، أنه حدث عن عبادة بن الصامت قال ‏:‏ نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن أن نبيع أو نبتاع تبر الذهب بالذهب العين وتبر الفضة بالورق العين ؛ وقال ‏:‏ ابتاعوا تبر الذهب بالورق العين ، وتبر الفضة بالذهب العين ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتدنى الحصون والأموال ‏.‏
شأن بني سهم الأسلميين
فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدثه بعض أسلم ‏:‏ أن بني سهم من أسلم ‏:‏ أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ‏:‏ والله يا رسول الله لقد جهدنا وما بأيدينا من شيء ؛ فلم يجدوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يعطيهم إياه ‏.‏
فقال ‏:‏ اللهم إنك قد عرفت حالهم وأن ليست بهم قوة ، وأن ليس بيدي شيء أعطيهم إياه ، فافتح عليهم أعظم حصونها عنهم غناء ، وأكثرها طعاماً وودكاً ، فغدا الناس ، ففتح الله عز وجل حصن الصعب بن معاذ ، وما بخيبر حصن كان أكثر طعاماً وودكاً منه ‏.‏
مقتل مرحب اليهودي ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم ما افتتح ، وحاز من الأموال ما حاز ، انتهوا إلى حصنيهم الوطيح والسلالم ، وكان آخر حصون أهل خيبر افتتاحاً ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وكان شعار أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم يوم خيبر ‏:‏ يا منصور أمت أمت ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالله بن سهل بن عبدالرحمن بن سهل ، أخو بني حارثة ، عن جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ خرج مرحب اليهودي من حصنهم ، قد جمع سلاحه ، يرتجز وهو يقول ‏:‏
قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب
أطعن أحياناً وحيناً أضرب * إذا الليوث أقبلت تحرب
إن حماى للحمى لا يقرب *
وهو يقول ‏:‏ من يبارز ‏؟‏ فأجابه كعب بن مالك ، فقال ‏:‏
قد علمت خيبر أني كعب * مفرج الغمي جرئ صلب
وإذ شبت الحرب تلتها الحرب * معي حسام كالعقيق عضب
نطؤكم حتى يذل الصعب * نعط الجزاء أو يفيء النهب
بكف ماض ليس فيه عتب *
قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني أبو زيد الأنصاري ‏:‏
قد علمت خيبر أني كعب * وأنني متى تشب الحرب
ماض على الهول جريء صلب * معي حسام كالعقيق غضب
بكف ماض ليس فيه عتب * ندككم حتى يذل الصعب
قال ابن هشام ‏:‏ومرحب من حمير ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالله بن سهل ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال ‏:‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لهذا ‏؟‏ قال محمد بن مسلمة ‏:‏ أنا له يا رسول الله ، أنا والله الموتور الثائر ، قتل أخي بالأمس ؛ فقال ‏:‏ فقم إليه ، اللهم أعنه عليه ‏.‏
قال ‏:‏ فلما دنا أحدهما من صاحبه ، دخلت بينهما شجرة عمرية من شجر العشر ، فجعل أحدهما يلوذ بها من صاحبه ، كلما لاذ بها منه اقتطع صاحبه بسيفه ما دونه منها ، حتى برز كل واحد منها لصاحبه ، وصارت بينهما كالرجل القائم ، ما فيها فنن ، ثم حمل مرحب على محمد بن مسلمة ، فضربه ، فاتقاه بالدرقة ، فوقع سيفه فيها ، فعضت به فأمسكته ، وضربه محمد بن مسلمة حتى قتله ‏.‏
مقتل ياسر أخو مرحب ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم خرج بعد مرحب أخوه ياسر ، وهو يقول ‏:‏ من يبارز ‏؟‏ فزعم هشام بن عروة أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر ، فقالت أمه صفية بنت عبدالمطلب ‏:‏ يقتل ابني يا رسول الله ‏!‏ قال ‏:‏ بل ابنك يقتله إن شاء الله ‏.‏ فخرج الزبير فالتقيا ، فقتله الزبير ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني هشام بن عروة ‏:‏ أن الزبير كان إذا قيل له ‏:‏ والله إن كان سيفك يومئذ لصارماً عضباً ، قال ‏:‏ والله ما كان صارماً ، ولكني أكرهته ‏.‏
شأن علي يوم خيبر ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن أبيه سفيان ، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع ، قال ‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه برايته ، وكانت بيضاء ، فيما قال ابن هشام ‏:‏ إلى بعض حصون خيبر ، فقاتل ، فرجع ولم يك فتح ، وقد جهد ؛ ثم بعث الغد عمر بن الخطاب ، فقاتل ، ثم رجع ولم يك فتح ، وقد جهد ‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، ليس بفرار ‏.‏
قال ‏:‏ يقول سلمة ‏:‏ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضوان الله عليه ، وهو أرمد ، فتفل في عينه ، ثم قال ‏:‏ خذ هذه الراية ، فامض بها حتى يفتح الله عليك ‏.‏
قال ‏:‏ يقول سلمة ‏:‏ فخرج والله بها يأنح ، يهرول هرولة ، وإنا لخلفه نتبع أثره ، حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن ، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن ، فقال ‏:‏ من أنت ‏؟‏ قال‏:‏ أنا علي بن أبي طالب ‏.‏
قال ‏:‏ يقول اليهودي ‏:‏ علوتم وما أنزل على موسى ، أو كما قال ‏.‏ قال ‏:‏ فما رجع حتى فتح الله على يديه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني عبدالله بن الحسن ، عن بعض أهله ، عن أبي رافع ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ خرجنا مع علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم برايته ؛ فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم ، فضربه رجل من يهود ، فطاح ترسه من يده ، فتناول على عليه السلام بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ، ثم ألقاه من يده حين فرغ ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي ، أنا ثامنهم ، نجهد على أن نقلب ذلك الباب ، فما نقلبه ‏.‏
حديث أبي اليسر كعب بن عمرو ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي ، عن بعض رجال بني سلمة عن أبي اليسر كعب بن عمرو ، قال ‏:‏ والله إنا لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر ذات عشية ، إذ أقبلت غنم لرجل من يهود تريد حصنهم ، ونحن محاصروهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من رجل يطعمنا من هذا الغنم ‏؟‏
قال أبو اليسر ‏:‏ فقلت ‏:‏ أنا يا رسول الله ؛ قال ‏:‏ فافعل ؛ قال ‏:‏ فخرجت أشتد مثل الظليم ، فلما نظر إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً قال ‏:‏ اللهم أمتعنا به ‏.‏
قال ‏:‏ فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحصن ، فأخذت شاتين من أخراها ، فاحتضنتهما تحت يدي ، ثم أقبلت بهما أشتد ، كأنه ليس معي شيء ، حتى ألقيتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ فذبحوهما فأكلوهما ‏.‏
فكان أبو اليسر من أخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلاكاً ‏.‏ فكان إذا حدث هذا الحديث بكى ، ثم قال ‏:‏ أمتعوا بي ، لعمري ، حتى كنت من أخرهم هلكاً ‏.‏
أمر صفية أم المؤمنين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم القموص ، حصن بني أبي الحقيق ، أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بنت حيي بن أخطب ، وبأخرى معها ، فمر بهما على قتلى من قتلى يهود ، فلما رأتهم التي مع صفية صاحت ، وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها ‏.‏
فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ اعزبوا عني هذه الشيطانة ، وأمر بصفية فحيزت خلفه ، وألقى عليها رداءه ؛ فعرف المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اصطفاها لنفسه ‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال ، فيما بلغني ، حين رأى بتلك اليهودية ما رأى ، أنزعت منك الرحمة يا بلال ، حين تمر بامرأتين علي قتلى رجالهما ‏؟‏
وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع ابن أبي الحقيق ، أن قمراً وقع في حجرها ، فعرضت رؤياها على زوجها ، فقال ‏:‏ ما هذا إلا أنك تمنين ملك الحجاز محمداً ، فلطم وجهها لطمة خضر عينها منها ‏.‏ فأتي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبها أثر منه ، فسألها ما هو ‏؟‏ فأخبرته هذا الخبر ‏.‏

ميارى 30 - 8 - 2010 05:52 PM

عقوبة كنانة بن الربيع ‏:‏
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكنانة بن الربيع ، وكان عنده كنز بني النضير ، فسأله عنه ، فجحد أن يكون يعرف مكانه ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من يهود ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إني رأيت كنانة يطيف بهذه الخربة كل غداة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لكنانة ‏:‏ أرأيت إن وجدناه عندك ، أأقتلك ‏؟‏
قال ‏:‏ نعم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخربة فحفرت ، فأخرج منها بعض كنزهم ، ثم سأله عما بقي ، فأبى أن يؤديه ‏.‏
فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير بن العوام ، فقال ‏:‏ عذبه حتى تستأصل ما عنده ، فكان الزبير يقدح بزندٍ في صدره ، حتى أشرف على نفسه ، ثم دفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى محمد بن مسلمة ، فضرب عنقه بأخيه محمود بن مسلمة ‏.‏
مصالحة الرسول أهل خيبر ‏:‏
وحاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أهل خيبر في حصنيهم الوطيح والسلالم ، حتى إذا أيقنوا بالهلكة ، سألوه أن يسيرهم وأن يحقن لهم دماءهم ، ففعل ‏.‏
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حاز الأموال كلها ‏:‏ الشق ونطاة والكتيبة وجميع حصونهم ، إلا ما كان من ذينك الحصنين ‏.‏
فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يسيرهم ، وأن يحقن دماءهم ، ويخلوا له الأموال ، ففعل ‏.‏
وكان فيمن مشى بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود ، أخو بني حارثة ، فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وقالوا ‏:‏ نحن أعلم بها منكم ، وأعمر لها ‏.‏
فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف ، على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم ؛ فصالحه أهل فدك على مثل ذلك ، فكانت خيبر فيئاً بين المسلمين ، وكانت فدك خالصةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأنهم لم يجلبوا عليها بخيل ولا ركاب ‏.‏
أمر الشاة المسمومة ‏:‏
فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدت له زينب بنت الحارث ، امرأة سلام بن مشكم ، شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏
فقيل لها ‏:‏ الذراع ؛ فأكثرت فيها من السم ، ثم سمت سائر الشاة ، ثم جاءت بها ؛ فلما وضعتها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تناول الذراع ، فلاك منها مضغة ، فلم يسغها ، ومعه بشر بن البراء بن معرور ، قد أخذ منها كما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فأما بشر فأساغها ‏.‏
وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلفظها ، ثم قال ‏:‏ إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم ، فاعترفت ؛ فقال ‏:‏ ما حملك على ذلك ‏؟‏ قالت ‏:‏ بلغت من قومي ما لم يخف عليك ، فقلت ‏:‏ إن كان ملكاً استرحت منه ، وإن كان نبياً فسيخبر ، قال ‏:‏ فتجاوز عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ومات بشر من أكلته التي أكل ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى ، قال ‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه ، ودخلت أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده ‏:‏ يا أم بشر ، إن هذا الأوان وجدت فيه انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر ‏.‏
قال ‏:‏ فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيداً مع ما أكرمه الله به من النبوة ‏.‏
رجوع الرسول إلى المدينة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر انصرف إلى وادي القرى ، فحاصر أهله ليالي ، ثم انصرف راجعا إلى المدينة ‏.‏
مقتل غلام رفاعة الذي أهداه للرسول ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني ثور بن يزيد ، عن سالم ، مولى عبدالله بن مطيع ، عن أبي هريرة ، قال ‏:‏ فلما انصرفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادي القرى نزلنا بها أصيلا مع مغرب الشمس ، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام له ، أهداه له رفاعة بن زيد الجذامي ، ثم الضبيني ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ جذام ، أخو لخم ‏.‏
قال ‏:‏ فوالله إنه ليضع رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه سهم غرب فأصابه فقتله ؛ فقلنا ‏:‏ هنيئاً له الجنة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ كلا ، والذي نفس محمد بيده ، إن شملته الآن لتحترق عليه في النار ، كان غلها من فيء المسلمين يوم خيبر ‏.‏
قال ‏:‏ فسمعها رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتاه فقال ‏:‏ يا رسول الله ، أصبت شراكين لنعلين لي ؛ قال ‏:‏ فقال ‏:‏ يقد لك مثلهما من النار ‏.‏
ابن مغفل وجراب شحم أصابه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم ، عن عبدالله بن مغفل المزني ، قال ‏:‏ أصبت من فئ خيبر جراب شحم ، فاحتملته على عاتقي إلى رحلي وأصحابي ‏.‏
قال ‏:‏ فلقيني صاحب المغانم الذي جعل عليها ، فأخذ بناحيته وقال ‏:‏ هلم هذا تقسمه بين المسلمين ؛ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا والله لا أعطيكه ؛ قال ‏:‏ فجعل يجاذبني الجراب ‏.‏
قال ‏:‏ فرآنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نصنع ذلك ‏.‏ قال ‏:‏ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكاً ، ثم قال لصاحب المغانم ‏:‏ لا أبا لك ، خل بينه وبينه ‏.‏ قال ‏:‏ فأرسله ، فانطلقت به إلى رحلي وأصحابي فأكلناه ‏.‏
بناء الرسول بصفية وحراسة أبي أيوب للقبة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما أعرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية ، بخيبر أو ببعض الطريق ، وكانت التي جملتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومشطتها وأصلحت من أمرها أم سليم بنت ملحان ، أم أنس أبن مالك ‏.‏
فبات بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له ، وبات أبو أيوب خالد بن زيد ، أخو بني النجار متوشحاً سيفه ، يحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويطيف بالقبة ، حتى أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأى مكانه قال ‏:‏ ما لك يا أبا أيوب ‏؟‏ قال ‏:‏ يا رسول الله ، خفت عليك من هذه المرأة ، وكانت امرأة قد قتلت أباها وزوجها وقومها ، وكانت حديثة عهد بكفر ، فخفتها عليك ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ اللهم احفظ أبا أيوب كما بات يحفظني ‏.‏
تطوع بلال للحراسة وغلبة النوم عليه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، قال ‏:‏ لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ، فكان ببعض الطريق ، قال ‏:‏ من آخر الليل ‏:‏ من رجل يحفظ علينا الفجر لعلنا ننام ‏؟‏ قال بلال ‏:‏ أنا يا رسول الله أحفظه عليك ‏.‏
فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل الناس فناموا ، وقام بلال يصلي ، فصلى ما شاء الله عز وجل أن يصلي ‏.‏ ثم استند إلى بعيره ، واستقبل الفجر يرمقه ، فغلبته عينه ، فنام فلم يوقظهم إلا مس الشمس ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول أصحابه هب ، فقال ‏:‏ ماذا صنعت بنا يا بلال ‏؟‏
قال ‏:‏ يا رسول الله ، أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك ؛ قال ‏:‏ صدقت ؛ ثم اقتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيره غير كثير ، ثم أناخ فتوضأ ، وتوضأ الناس ثم أمر بلالاً فأقام الصلاة ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ؛ فلما سلم أقبل على الناس فقال ‏:‏ إذ نسيتم الصلاة فصلوها إذا ذكرتموها ، فإن الله تبارك وتعالى يقول ‏:‏ ‏(‏ أقم الصلاة لذكري ‏)
شعر لابن القيم في فتح خيبر ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني ، قد أعطى ابن لقيم العبسي ، حين افتتح خيبر ، ما بها من دجاجة أو داجن وكان فتح خيبر في صفر ، فقال ابن لقيم العبسي في خيبر ‏:‏
رميت نطاة من الرسول بفيلق * شهباء ذات مناكب وفقار
واستيقنت بالذل لما شيعت * ورجال أسلم وسطها وغفار
صبحت بني عمرو بن زرعة غدوة * والشق أظلم أهله بنهار
جرت بأبطحها الذيول فلم تدع * إلا الدجاج تصيح في الأسحار
ولكل حصن شاغل من خيلهم * من عبد أشهل أو بني النجار
ومهاجرين قد اعلموا سيماهم * فوق المغافر لم ينوا لفرار
ولقد علمت ليغلبن محمد * وليثوين بها إلى أصفار
فرت يهود يوم ذلك في الوغى * تحت العجاج غمائم الأبصار
تفسير ابن هشام لبعض الغريب ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏فرت ‏:‏ كشفت ، كما تفر الدابة بالكشف عن أسنانها ؛ يريد كشفت عن جفون العيون غمائم الأبصار ، يريد الأنصار ‏.‏
شهود النساء خيبر وحديث المرأة الغفارية ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وشهد خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء من نساء المسلمين ، فرضخ لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفيء ، ولم يضرب لهن بسهم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني سليمان بن سحيم ، عن أمية بن أبي الصلت ، عن امرأة من بني غفار ، قد سماها لي ، قالت ‏:‏ أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نسوة من بني غفار ، فقلن ‏:‏ يا رسول الله ، قد أردنا أن نخرج معك إلى وجهك هذا ، وهو يسير إلى خيبر ، فنداوي الجرحى ، ونعين المسلمين بما استطعنا ؛ فقال ‏:‏ على بركة الله ‏.‏
قالت ‏:‏ فخرجنا معه ، وكنت جارية حدثه ، فأردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم على حقيبة رحله ‏.‏ قالت ‏:‏ فوالله لنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصبح وأناخ ، ونزلت عن حقيبة رحله ، وإذا بها دم مني ، وكانت أول حيضة حضتها ‏.‏
قالت ‏:‏ فتقبضت إلى الناقة واستحييت ، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بي ورأى الدم ، قال ‏:‏ ما لك ‏؟‏ لعلك نفست ؛ قالت ‏:‏ قلت ‏:‏ نعم ؛ قال ‏:‏ فأصلحي من نفسك ، ثم خذي إناء من ماء ، فاطرحي فيه ملحاً ثم اغسلي به ما أصاب الحقيبة من الدم ، ثم عودي لمركبك ‏.‏
قالت ‏:‏ فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر ، رضخ لنا من الفيء ، وأخذ هذه القلادة التي ترين في عنقي فأعطانيها ، وعلقها بيده في عنقي ، فوالله لا تفارقني أبداً ‏.‏
قالت ‏:‏ فكانت في عنقها حتى ماتت ، ثم أوصت أن تدفن معها ‏.‏ قالت ‏:‏ وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحاً ، وأوصت به أن يجعل في غسلها حين ماتت ‏.‏
شهداء خيبر من بني أمية ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وهذه تسمية من استشهد بخيبر من المسلمين ، من قريش ، ثم من بني أمية بن عبد شمس ، ثم من حلفائهم ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن بكير بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد ، وثقيف بن عمرو ، ورفاعة بن مسروح ‏.‏
من بني أسد ‏:‏
ومن بني أسد بن عبدالعزى ‏:‏ عبدالله الهبيب ، ويقال ‏:‏ ابن الهبيب ، فيما قال ابن هشام ، ابن أهيب بن سحيم بن غيره ، من بني سعد ابن ليث ، حليف لبني أسد ، وابن أختهم ‏.‏
من الأنصار ‏:‏
ومن الأنصار ثم من بني سلمة ‏:‏ بشر بن البراء بن معرور ، مات من الشاة التي سم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وفضيل بن النعمان ‏.‏ رجلان ‏.‏
من زريق ‏:‏
ومن بني زريق ‏:‏ مسعود بن سعد بن قيس بن خلده بن عامر بن زريق ‏.‏
من الأوس ‏:‏
ومن الأوس ثم من بني عبدالأشهل ‏:‏ محمود بن مسملة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث ، حليف لهم من بني حارثة ‏.‏
من بني عمرو ‏:‏
ومن بني عمرو بن عوف ‏:‏ أبو ضياح بن ثابت بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو بن عوف ؛ والحارث بن حاطب ؛ وعروة بن مرة بن سراقة ؛ وأوس بن القائد ؛ وأنيف بن حبيب ؛ وثابت بن أثلة ؛ وطلحة ‏.‏
من غفار ‏:‏
ومن بني غفار ‏:‏ عمارة بن عقبة ، رمي بسهم ‏.‏
من أسلم ‏:‏
ومن أسلم ‏:‏ عامر بن الأكوع ؛ والأسود الراعي ، وكان اسمه أسلم ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ الأسود الراعي من أهل خيبر ‏.‏
من بني زهرة ‏:‏
ومن استشهد بخيبر فيما ذكر ابن شهاب الزهري ، من بني زهرة ‏:‏ مسعود بن ربيعة ، حليف لهم من القارة ‏.‏
من الأنصار ‏:‏
ومن الأنصار بني عمرو بن عوف ‏:‏ أوس بن قتادة ‏.‏
أمر الأسود الراعي في حديث خيبر
إسلامه واستشهاده ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان من حديث الأسود الراعي ، فيما بلغني أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر لبعض حصون خيبر ، ومعه غنم له ، كان فيها أجيراً لرجل من يهود ‏.‏
فقال ‏:‏ يا رسول الله ، أعرض علي الإسلام فعرضه عليه ، فأسلم - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقر أحداً أن يدعوه إلى الإسلام ، ويعرضه عليه - فلما أسلم قال ‏:‏ يا رسول الله ، إني كنت أجيراً لصاحب هذه الغنم ، وهي أمانة عندي ، فكيف أصنع بها ‏؟‏ قال ‏:‏ اضرب في وجوهها فإنها سترجع إلى ربها - أو كما قال -
فقال الأسود ، فأخذ حفنة من الحصى ، فرمى بها في وجوهها ، وقال ‏:‏ ارجعي إلى صاحبك ، فوالله لا أصحبك أبداً ، فخرجت مجتمعة ، كأن سائقاً يسوقها ، حتى دخلت الحصن ، ثم تقدم إلى ذلك الحصن ليقاتل مع المسلمين ، فأصابه حجر فقتله ، وما صلى لله صلاة قط ‏.‏
فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوضع خلفه ، وسجي بشملة كانت عليه ، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه نفر من أصحابه ، ثم أعرض عنه ، فقالوا ‏:‏ يا رسول الله ، لم أعرضت عنه ‏؟‏ قال ‏:‏ إن معه الآن زوجتيه من الحور العين ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأخبرني عبدالله بن أبي نجيح أنه ذكر له ‏:‏ أن الشهيد إذا ما أصيب تدلت له زوجتاه من الحور العين ، عليه تنفضان التراب عن وجهه ، وتقولان ‏:‏ ترب الله وجه من تربك ، وقتل من قتلك ‏.‏
أمر الحجاج بن علاط السلمي
حيلته في جمع ماله من مكة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما فتحت خيبر ، كلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الحجاج بن علاط السلمي ثم البهزي ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إن لي بمكة مالاً عند صاحبتي أم شيبة بنت أبي طلحة - وكانت عنده ، له منها معرض بن الحجاج ومال متفرق في تجار أهل مكة ، فأذن لي يا رسول الله ؛ فأذن له ، قال ‏:‏ إنه لا بد لي يا رسول الله من أن أقول ؛ قال ‏:‏ قل ‏.‏
قال الحجاج ‏:‏ فخرجت حتى إذا قدمت مكة وجدت بثينة البيضاء رجالاً من قريش يتسمعون الأخبار ، ويسألون عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد بلغهم نه قد سار إلى خيبر ، وقد عرفوا أنها قرية الحجاز ، ريفا ومنعة ورجالاً ، فهم يتحسسون الأخبار ، ويسألون الركبان ، فلما رأوني قالوا ‏:‏ الحجاج بن علاط - قال ‏:‏ ولم يكونوا علموا بإسلامي عنده والله الخبر - أخبرنا يا أبا محمد ، فإنه قد بلغنا أن القاطع قد سار إلى خيبر ، وهي بلد يهود وريف الحجاز ‏.‏
قال ‏:‏ قلت ‏:‏ قد بلغني ذلك وعندي من الخبر ما يسركم ؛ قال ‏:‏ فالتبطوا بجنبي ناقتي يقولون ‏:‏ إيه يا حجاج ؛ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ هزم هزيمة لم تسمعوا بمثلها قط ، وقتل أصحابه قتلاً لم تسمعوا بمثله قط ، وأسرمحمد أسراً ، وقالوا ‏:‏ لا نقتله حتى نبعث به إلى أهل مكة ، فيقتلوه بين أظهرهم بمن كان أصاب من رجالهم ‏.‏
قال ‏:‏ فقاموا وصاحوا بمكة ، وقالوا ‏:‏ قد جاءكم الخبر ، وهذا محمد إنما تنتظرون أن يقدم به عليكم ، فيقتل بين أظهركم ‏.‏
قال ‏:‏ قلت ‏:‏ أعينوني على جمع مالي بمكة وعلى غرمائي ، فإني أريد أن أقدم خيبر ، فأصيب من فل محمد وأصحابه قبل أن يسبقني التجار إلى ما هنالك ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ من فيء محمد ‏.‏
العباس يستوثق من خبر الحجاج ويفاجئ قريشاً ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ قال ‏:‏ فقاموا فجمعوا لي مالي كأحث جمع سمعت به ‏.‏ قال ‏:‏ وجئت صاحبتي فقلت ‏:‏ مالي ، وقد كان لي عندها مال موضوع ، لعلي ألحق بخيبر ، فأصيب من فرص البيع قبل أن يسبقني التجار ‏.‏
قال ‏:‏ فلما سمع العباس بن عبدالمطلب الخبر ، وجاءه عني ، أقبل حتى وقف إلى جنبي وأنا في خيمة من خيام التجار ، فقال ‏:‏ يا حجاج ، ما هذا الخبر الذي جئت به ‏؟‏
قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ وهل عندك حفظ لما وضعت عندك ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم قال ‏:‏ قلت ‏:‏ فاستأخر عني حتى ألقاك على خلاء ، فأني في جمع مالي كما ترى ، فانصرف عني حتى أفرغ ‏.‏ قال ‏:‏ حتى إذا فرغت من جمع كل شيء كان لي بمكة ، وأجمعت الخروج ، لقيت العباس ، فقلت ‏:‏ احفظ علي حديثي يا أبا الفضل ، فإني أخشى الطلب ثلاثاً ، ثم قل ما شئت ، قال ‏:‏ افعل ‏.‏
قلت ‏:‏ فإني والله لقد تركت ابن أخيك عروساً على بنت ملكهم ، يعني ‏:‏ صفية بنت حيي ، ولقد افتتح خيبر ، وانتثل ما فيها ، وصارت له ولأصحابه ؛ فقال ‏:‏ ما تقول يا حجاج ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ إي والله ، فاكتم عني ، ولقد أسلمت وما جئت إلا لآخذ مالي ، فرقا من أن أغلب عليه ، فإذا مضت ثلاث فأظهر أمرك ، فهو والله على ما تحب
قال ‏:‏ حتى إذا كان اليوم الثالث لبس العباس حلة له ، وتخلق ، وأخذ عصاه ، ثم خرج حتى أتى الكعبة ، فطاف بها ، فلما رأوه قالوا ‏:‏ يا أبا الفضل ، هذا والله التجلد الحر المصيبة ؛ قال ‏:‏ كلا والله الذي حلفتم به ، لقد افتتح محمد خيبر وترك عروساً على بنت ملكهم ، وأحرز أموالهم وما فيها فأصبحت له ولأصحابه ؛ قالوا ‏:‏ من جاءك بهذا الخبر ‏؟‏
قال ‏:‏ الذي جاءكم بما جاءكم به ، ولقد دخل عليكم مسلماً ، فأخذ ماله ، فانطلق ليلحق بمحمد وأصحابه ، فيكون معه ؛ قالوا ‏:‏ يا لعباد الله ‏!‏ انفلت عدو الله ، أما والله لو علمنا لكان لنا وله شأن ؛ قال ‏:‏ ولم ينشبوا أن جاءهم الخبر بذلك ‏.‏
شعر حسان في يوم خيبر ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان مما قيل من الشعر في يوم خيبر قول حسان بن ثابت ‏:‏
بئسما قاتلت خيابر عما * جمعوا من مزارع ونخيل
كرهوا الموت فاستبيح حماهم * وأقروا فعل اللئيم الذليل
أمن الموت يهبوا فإن الموت * موت الهزال غير جميل
شعر حسان في عذر أيمن لتخلفه عن خيبر ‏:‏
وقال حسان بن ثابت أيضاً ، وهو يعذر أيمن ابن أم أيمن بن عبيد ، كان قد تخلف عن خيبر ، وهو من بني عوف بن الخزرج ، وكانت أمه أم أيمن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي أم أسامة بن زيد ، فكان أخا أسامة لأمه ‏:‏
على حين أن قالت لأيمن أمه * جبنت ولم تشهد فوارس خيبر
وأيمن لم يجبن ولكن مهره * أضر به شرب المديد المخمر
ولولا الذي قد كان من شان مهره * لقاتل فيهم فارسا غير أعسر
ولكنه قد صده فعل مهره * وما كان منه عنده غير أيسر
قال ابن هشام ‏:‏أنشدني أبو زيد هذه الأبيات لكعب بن مالك ، وأنشدني ‏:‏
ولكنه قد صده شأن مهره وما * وما كان لولا ذاكم بمقصر
شعر ناجية في يوم خيبر
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال ناجية بن جندب الأسلمي ‏:‏
يا لعباد الله فيم يرغب * ما هو إلا مأكل ومشرب
وجنة فيها نعيم معجب *
وقال ناجية بن جندب الأسلمي أيضاً ‏:‏
أنا لمن أنكرني ابن جندب * يا رب قرن في مكري أنكب
طاح بمغدي أنسر وثعلب *
قال ابن هشام ‏:‏ وأنشدني بعض الرواة للشعر قوله ‏:‏ في مكرى ، وطاح بمغدي ‏.‏
شعر كعب بن مالك في يوم خيبر ‏:‏
وقال كعب بن مالك في يوم خيبر ، فيما ذكر ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري ‏:‏
ونحن وردنا خيبرا وفروضه * بكل فتى عاري الأشاجع مذود
جواد لدى الغايات لاواهن القوى * جريء على الأعداء في كل مشهد
عظيم رماد القدر في كل شتوة * ضروب بنصل المشرفي المهند
يرى القتل مدحا إن أصاب شهادة * من الله يرجوها وفوزاً بأحمد
يذود ويحمي عن ذمار محمد * ويدفع عنه باللسان وباليد
وينصره من كل أمر يريبه * يجود بنفس دون نفس محمد
يصدق بالأنباء بالغيب مخلصا * يريد بذاك الفوز والعز في غد
ذكرمقاسم خيبر وأموالها
الشق ونطاة والكتيبة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكانت المقاسم على أقوال خيبر ، على الشق ونطاة والكتيبة فكانت الشق ونطاة في سهمان المسلمين ، وكانت الكتيبة خمس الله ، وسهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وسهم ذوي القربى واليتامى والمساكين ، وطعم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، وطعم رجال مشوا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أهل فدك بالصلح ، منهم محيصة بن مسعود ، أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين وسقاً من شعير ، وثلاثين وسقاً من تمر ، وقسمت خيبر على أهل الحديبية ، من شهد خيبر ، ومن غاب عنها ، ولم يغب عنها إلا جابر بن عبدالله ابن عمرو بن حرام ، فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضرها ، وكان وادياها ، وادي السريرة ووادي خاص ، وهما اللذان قسمت عليهما خيبر ، وكانت نطاة والشق ثمانية عشر سهماً ، نطاة من ذلك خمسة أسهم ، والشق ثلاثة عشر سهماً ، وقسمت الشق ونطاة على ألف سهم ، وثمان مائة سهم ‏.‏
عدة من قسمت عليهم خيبر ‏:‏
وكانت عدة الذين قسمت عليهم خيبر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف سهم وثمان مائة سهم ، برجالهم وخيلهم ، الرجال أربع عشرة مائة ، والخيل مئتا فارس ؛ وكان لكل فرس سهمان ، ولفارسه سهم ؛ وكان لكل راجل سهم ؛ فكان لكل سهم رأس جمع إليه مائة رجل ، فكانت ثمانية عشر سهماً جمع ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وفي يوم خيبر عرب رسول الله صلى الله عليه وسلم العربي من الخيل ، وهجن الهجين ‏.‏
قسمة الأسهم على أربابها ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فكان علي بن أبي طالب رأساً ، والزبير بن العوام ، وطلحة بن عبيد الله وعمر بن الخطاب ، وعبدالرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي ، أخو بني العجلان ، وأسيد بن حضير ، وسهم الحارث بن الخزرج ، وسهم ناعم ، وسهم بني بياضة ، وسهم بني عبيد ، وسهم بني حرام من بني سلمة ، وعبيد السهام ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وإنما قيل له عبيد السهام لما اشترى من السهام يوم خيبر ، وهو عبيد بن أوس ، أحد بني حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وسهم ساعدة ، وسهم غفار وأسلم ، وسهم النجار وسهم حارثة ، وسهم أوس ‏.‏
فكان أول سهم خرج من خيبر بنطاة سهم الزبير بن العوام ، وهو الخوع ، وتابعه السرير ؛ ثم كان الثاني سهم بياضه ، ثم كان الثالث سهم أسيد ثم كان الرابع سهم بني الحارث بن الخزرج ، ثم كان الخامس سهم ناعم لبني عوف بن الخزرج ومزينة وشركائهم ، وفيه قتل محمود بن مسلمة ؛ فهذه نطاة ‏.‏
ثم هبطوا إلى الشق ، فكان أول سهم خرج منه سهم عاصم بن عدي ، أخي بني العجلان ، ومعه كان سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم سهم عبدالرحمن بن عوف ، ثم سهم ساعدة ، ثم سهم النجار ، ثم سهم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ‏.‏
ثم سهم طلحة بن عبيد الله ، ثم سهم غفار وأسلم ، ثم سهم عمر بن الخطاب ، ثم سهما سلمة بن عبيدة وبني حرام ، ثم سهم حارثة ، ثم سهم عبيد السهام ، ثم سهم أوس ، وهو سهم اللفيف ، جمعت إليه جهينة ومن حضر خيبر من سائر العرب ؛ وكان حذوه سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي كان أصابه في سهم عاصم بن عدي ‏.‏
ثم قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتيبة ، وهي وادي خاص بين قرابته وبين نسائه ، وبين رجال المسلمين ونساء أعطاهم منها ، فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة ابنته مائتي وسق ، ولعلي بن أبي طالب منه مائة وسق ، ولأسامة بن زيد مائتي وسق ، وخمسين وسقاً من نوى ‏.‏
ولعائشة أم المؤمنين مائتي وسق ، ولأبي بكر بن أبي قحافة مائة وسق ، ولعقيل بن أبي طالب مائة وسق وأربعين وسقاً ، ولبني جعفر خمسين وسقاً ، ولربيعة بن الحارث مائة وسق ‏.‏
وللصلت بن مخرمة وابنيه مائة وسق ، للصلت منها أربعون وسقاً ، ولأبي نبقة خمسين وسقاً ، ولركانه بن عبد يزيد خمسين وسقاً ، ولقيس بن مخرمة ثلاثين وسقاً ، ولأبي القاسم بن مخرمة أربعين وسقاً ، ولبنات عبيدة بن الحارث وابنة الحصين بن الحارث مائة وسق ، ولبني عبيد بن عبد يزيد ستين وسقاً ، ولابن أوس بن مخرمة ثلاثين وسقاً ‏.‏
ولمسطح بن أثاثة وابن إلياس خمسين وسقاً ، ولأم رميثة أربعين وسقاً ، ولنعيم بن هند ثلاثين وسقاً ، ولبحينة بنت الحارث ثلاثين وسقاً ، ولعجير بن عبد يزيد ثلاثين وسقاً ، ولأم الحكم ثلاثين وسقاً ، ولجمانة بنت أبي طالب ثلاثين وسقاً ، ولابن الأرقم خمسين وسقاً ، ولعبدالرحمن بن أبي بكر أربعين وسقاً ‏.‏
ولحمنة بنت جحش ثلاثين وسقاً ، ولأم الزبير أربعين وسقاً ، ولضباعة بنت الزبير أربعين وسقاً ، ولابن أبي خنيس ثلاثين وسقاً ، ولأم طالب أربعين وسقاً ، ولأبي بصرة عشرين وسقاً ، ولنميلة الكلبي خمسين وسقاً ، ولعبدالله بن وهب وابنتيه تسعين وسقاً ، لابنيه منها أربعين وسقاً ، ولأم حبيب بنت جحش ثلاثين وسقاً ، ولملكوم بن عبدة ثلاثين وسقاً ، ولنسائه صلى الله عليه وسلم سبع مائة وسق ‏.‏
بسم الله الرحمن الرحيم
عهد الرسول إلى نسائه بنصيبهن في المغانم ‏:‏
ذكر ما أعطى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه من قمح خيبر ‏:‏ قسم لهن مائة وثمانين وسقاً ، ولفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وثمانين وسقاً ، ولأسامة بن زيد أربعين وسقاً ، وللمقداد بن الأسود خمسة عشر وسقاً ، ولأم رميثة خمسة أوسق ‏.‏
شهد عثمان بن عفان وعباس وكتب ‏.‏
ما أوصى به الرسول عند موته ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني صالح بن كيسان ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود قال ‏:‏ لم يوص رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته إلا بثلاث ، أوصى للرهاويين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللداريين بحاد مائة وسق من خيبر ، وللسبائيين ، وللأشعريين بحاد مائة وسق من خيبر ‏.‏
وأوصى بتنفيذ بعث أسامة بن زيد بن حارثة ؛ وألا يترك بجزيرة العرب دينان ‏.‏
أمرفدك في خبر خيبر
مصالحة الرسول أهل فدك ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك ، حين بلغهم ما أوقع الله تعالى بأهل خيبر ، فبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصالحونه على النصف من فدك ، فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطائف ، أو بعد ما قدم المدينة ، فقبل ذلك منهم ، فكانت فدك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خالصة ، لأنه لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب ‏.‏
تسمية النفر الداريين الذين أوصى لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر
نسبهم ‏:‏
وهم بنو الدار بن هانئ بن حبيب بن نمارة بن لحم ، الذين ساروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشام ‏:‏ تميم بن أوس ونعيم بن أوس أخوه ، ويزيد بن قيس ، وعرفة بن مالك ، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالرحمن ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ عزة بن مالك ‏:‏ وأخوه مران بن مالك ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ مروان بن مالك ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وفاكه بن نعمان ، وجبلة بن مالك ، وأبو هند بن بر ، وأخوه الطيب بن بر ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله ‏.‏
خرص ابن رواحة على أهل خيبر ‏:‏
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني عبدالله بن أبي بكر يبعث إلى أهل خيبر عبدالله بن رواحة خارصاً بين المسلمين ويهود ، فيخرص عليهم ، فإذا قالوا ‏:‏ تعديت علينا ، قال ‏:‏ إن شئتم فلكم ، وإن شئتم فلنا ، فتقول يهود ‏:‏ بهذا قامت السماوات والأرض ‏.‏
وإنما خرص عليهم عبدالله بن رواحة عاماً واحداً ، ثم أصيب بمؤتة يرحمه الله ، فكان جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو بني سلمة ، هو الذي يخرص عليهم بعد عبدالله بن رواحة ‏.‏
مقتل ابن سهل ودية الرسول إلى أهله ‏:‏
فأقامت يهود على ذلك ، لا يرى بهم المسلمون بأساً في معاملتهم ، حتى عدوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن سهل ، أخي بني حارثة ، فقتلوه ، فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون عليه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني الزهري عن سهل بن أبي حثمة ؛ وحدثني أيضاً بشير بن يسار ، مولى بني حارثة ، عن سهل بن أبي حثمة ، قال ‏:‏ أصيب عبدالله بن سهل بخيبر ، وكان خرج إليها في أصحاب له يمتار منها تمراً ، فوجد في عين قد كسرت عنقه ، ثم طرح فيها ‏.‏
قال ‏:‏ فأخذوه فغيبوه ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا له شأنه ، فتقدم إليه أخوه عبدالرحمن بن سهل ، ومعه ابنا عمه حويصة ومحيصة ابنا مسعود ، وكان عبدالرحمن من أحدثهم سناً ، وكان صاحب الدم ، وكان ذا قدم في القوم ، فلما تكلم قبل ابني عمه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الكبر الكبر ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ كبر كبر - فيما ذكر مالك بن أنس - فسكت ؛ فتكلم حويصة ومحيصة ، ثم تكلم هو بعد ، فذكروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قتل صاحبهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أتسمون قاتلكم ، ثم تحلفون عليه خمسين يميناً فنسلمه إليكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ يا رسول الله ما كنا لنحلف على ما لا نعلم ؛ قال ‏:‏ أفيحلفون بالله خمسين يميناً ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ثم يبرءون من دمه ‏؟‏
قالوا ‏:‏ يا رسول الله ، ما كنا لنقبل أيمان يهود ، ما فيهم من الكفر أعظم من أن يحلفوا على إثم ، قال ‏:‏ فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده مائة ناقة ‏.‏
قال سهل ‏:‏ فوالله ما أنسى بكرة منها حمراء ضربتني وأنا أحوزها ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ، عن عبدالرحمن بن بجيد بن قيظي ، أخي بني حارثة ، قال محمد بن إبراهيم ‏:‏ وأيم الله ، ما كان سهل بأكثر علماً منه ، ولكنه كان أسن منه ؛ إنه قال له ‏:‏ والله ما هكذا كان الشأن ‏!‏ ولكن سهلاً أوهم ، ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، احلفوا على ما لا علم لكم به ‏.‏
ولكنه كتب إلى يهود خيبر حين كلمته الأنصار ‏:‏ أنه قد وجد قتيل بين أبياتكم فدوه ، فكتبوا إليه يحلفون بالله ما قتلوه ، ولا يعلمون له قاتلاً ، فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده ‏.‏
قال بن إسحاق ‏:‏ وحدثثي عمرو بن شعيب مثل حديث عبدالرحمن بن بجيد ، إلا أنه قال في حديثه ‏:‏ دوه أو ائذنوا بحرب ‏.‏ فكتبوا يحلفون بالله ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً ؛ فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده ‏.‏
إجلاء اليهود عن خيبر أيام عمر ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وسألت ابن شهاب الزهري ‏:‏ كيف كان إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود خيبر نخلهم ، حين أعطاهم النخل على خرجها ، أبت ذلك لهم حتى قبض ، أم أعطاهم إياها للضرورة من غير ذلك ‏.‏
فأخبرني ابن شهاب ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم افتتح خيبر عنوة بعد القتال ، وكانت خيبر مما أفاء الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقسمها بين المسلمين ، ونزل من نزل من أهلها على الجلاء بعد القتال ‏.‏
فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏:‏ إن شئتم دفعت إليكم هذه الأموال على أن تعملوها ، وتكون ثمارها بيننا وبينكم ، وأقركم ما أقركم الله ، فقبلوا ، فكانوا على ذلك يعملونها ‏.‏
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث عبدالله بن رواحة ، فيقسم ثمرها ، ويعدل عليهم في الخرص ، فلما توفى الله نبيه صلى الله عليه وسلم ، أقرها أبو بكر رضي الله تعالى عنه ، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم ، على المعاملة التي عاملهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى توفي ؛ ثم أقرها عمر رضي الله عنه صدراً من إمارته ‏.‏
ثم بلغ عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ في وجعه الذي قبضه الله فيه ‏:‏ لا يجتمعن بجزيرة العرب دينان ؛ ففحص عمر ذلك ، حتى بلغه الثبت ، فأرسل إلى يهود ، فقال ‏:‏ إن الله عز وجل قد أذن في جلائكم ، قد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ لايجتمعن بجزيرة العرب دينان ؛ فمن كان عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود فليأتني به ، أنفده له ، ومن لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليهود ، فليتجهز للجلاء ، فأجلى عمر من لم يكن عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني نافع ، مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن عمر قال ‏:‏ خرجت أنا والزبير والمقداد بن الأسود إلى أموالنا بخيبر نتعاهدها ، فلما قدمنا تفرقنا في أموالنا ، قال ‏:‏ فعدي علي تحت الليل ، وأنا نائم على فراشي ففدعت يداي من مرفقي ‏.‏
فلما أصبحت استصرخ علي صاحباي ، فأتياني فسألاني ‏:‏ من صنع هذا بك ‏؟‏ فقلت ‏:‏ لا أدري ، قال ‏:‏ فأصلحا من يدي ، ثم قدما بي على عمر رضي الله عنه ؛ فقال ‏:‏ هذا عمل يهود ، ثم قام في الناس خطيباً فقال ‏:‏ أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عامل يهود خيبر على أنا نخرجهم إذا شئنا ، وقد عدوا على عبدالله بن عمر ، ففدعوا يديه كما قد بلغكم ، مع عدوهم على الأنصاري قبله ، لا نشك أنهم أصحابه ليس لنا هناك عدو غيرهم ، فمن كان له مال بخيبر فليلحق به ، فإني مخرج يهود ، فأخرجهم ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 03:16 AM

السيرة النبوية / المجلد الخامس
 
قسمة عمر لوادي القرى بين المسلمين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عبدالله بن مكنف أخي بني حارثة ، قال ‏:‏ لما أخرج عمر يهود من خيبر ركب في المهاجرين والأنصار ، وخرج معه جبار بن صخر بن أمية بن خنساء ، أخو بني سلمة ، وكان خارص أهل المدينة وحاسبهم - ويزيد بن ثابت ، وهما قسما خيبر بين أهلها ، على أصل جماعة السهمان ، التي كانت عليها ‏.‏
وكان ما قسم عمر بن الخطاب من وادي القرى ، لعثمان بن عفان خطر ، ولعبدالرحمن بن عوف خطر ، ولعمر بن أبي سلمة خطر ، ولعامر بن أبي ربيعة خطر ، ولعمرو بن سراقة خطر ، ولأشيم خطر ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ ولأسلم ولبني جعفر خطر ، ولمعيقيب خطر ، ولعبدالله بن الأرقم خطر ، ولعبدالله وعبيد الله خطران ، ولابن عبدالله ابن جحش خطر ، ولابن البكير خطر ، ولمعتمر خطر ، ولزيد بن ثابت خطر ، ولأبي بن كعب خطر ، لمعاذ بن عفراء خطر ، ولأبي طلحة وحسن خطر ، ولجبار بن صخر خطر ، ولجابر بن عبدالله بن رئاب خطر ، ولمالك بن صعصعة وجابر بن عبدالله بن عمرو خطر ، ولابن حضير خطر ، ولابن سعد بن معاذ خطر ، ولسلامة بن سلامة خطر ، ولعبدالرحمن بن ثابت وأبي شريك خطر ، ولأبي عبس بن جبر خطر ، ولمحمد بن مسلمة خطر ، ولعبادة بن طارق خطر ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويقال ‏:‏ لقتادة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولجبر بن عتيك نصف خطر ، ولابني الحارث بن قيس نصف خطر ، ولابن حزمة والضحاك خطر ، فهذا ما بلغنا من أمر خيبر ووادي القرى ومقاسمهما ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏الخطر ‏:‏ النصيب ، ويقال ‏:‏ أخطر لي فلان خطراً
تم بعون الله الجزء الرابع من السيرة النبوية لابن هشام ويليه إن شاء الله الجزء الخامس وأوله قدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة والمهاجرين معه أعان الله على إتمامه
بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب من الحبشة وحديث المهاجرين إلى الحبشة
فرح الرسول بقدوم جعفر ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏وذكر سفيان بن عيينة عن الأجلح ، عن الشعبي ‏:‏ أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح خيبر ، فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عينيه ، والتزمه وقال ‏:‏ ما أدري بأيهما أنا أسر ‏:‏ بفتح خيبر ، أم بقدوم جعفر‏؟‏

مهاجرة الحبشة الذين قدم بهم عمرو بن أمية ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان من أقام بأرض الحبشة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي عمرو بن أمية الضمري ، فحملهم في سفينتين ، فقدم بهم عليه وهو بخيبر بعد الحديبية ‏.‏

من بني هاشم ‏:‏
من بني هاشم بن عبد مناف ‏:‏ جعفر بن أبي طالب بن عبدالمطلب معه امرأته أسماء بنت عميس الخثعمية ؛ وابنه عبدالله بن جعفر ، وكانت ولدته بأرض الحبشة ‏.‏ قتل جعفر بمؤتة من أرض الشام أميراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، رجل ‏.‏

من بني عبد شمس ‏:‏
ومن بني عبد شمس بن عبد مناف ‏:‏ خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ، معه امرأته أمينة بنت خلف بن أسعد - قال ابن هشام ‏:‏ويقال ‏:‏ همينة بنت خلف - وابناه سعيد بن خالد ، وأمة بنت خالد ، ولدتهما بأرض الحبشة ‏.‏
قتل خالد بمرج الصفر في خلافة أبي بكر الصديق بأرض الشام ؛ وأخوه عمرو بن سعيد بن العاص ، معه امرأته فاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكناني ، هلكت بأرض الحبشة ‏.‏ قتل عمرو بأجنادين من أرض الشام في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ‏.‏
شعر لسعيد بن العاص لابنه عمرو ‏:‏
ولعمرو بن سعيد يقول أبوه سعيد بن العاص بن أمية أبو أحيحة ‏:‏
ألا ليت شعري عنك يا عمرو سائلاً * إذا شب واشتدت يداه وسلحا
أتترك أمر القوم فيه بلابل * تكشف غيظاً كان في الصدر موجحا
شعر أبان بن العاص لأخويه خالد وسعيد ، ورد خالد ‏:‏
ولعمرو وخالد يقول ‏:‏ أخوهما أبان بن سعيد بن العاص ، حين أسلما ، وكان أبوهم سعيد بن العاص هلك بالظريبة ، من ناحية الطائف ، هلك في مال له بها ‏:‏
ألا ليت ميتا بالظريبة شاهد * لما يفتري في الدين عمرو وخالد
أطاعا بنا أمر النساء فأصبحا * يعينان من أعدائنا من نكايد
فأجابه خالد بن سعيد فقال ‏:‏
أخي ما أخي لا شاتم أنا عرضه * ولا هو من سوء المقالة مقصر
يقول إذا اشتدت عليه أموره * ألا ليت ميتا بالظريبة ينشر
فدع عنك ميتا قد مشى لسبيله * وأقبل على الأدنى الذي هو أفقر
ومعيقيب بن أبي فاطمة ، خازن عمر بن الخطاب على بيت مال المسلمين وكان إلى آل سعيد بن العاص ؛ وأبو موسى الأشعري عبدالله ابن قيس ، حليف آل عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، أربعة نفر ‏.‏

من بني أسد ‏:‏
ومن بني أسد بن عبدالعزى بن قصي ‏:‏ الأسود بن نوفل بن خويلد ‏.‏ رجل ‏.‏

من بني عبدالدار ‏:‏
ومن بني عبدالدار بن قصي ‏:‏ جهم بن قيس بن عبد شرحبيل ، معه ابناه عمرو بن جهم وخزيمة بن جهم ، وكانت معه امرأته أم حرملة بنت عبدالأسود هلكت بأرض الحبشة ، وابناه لها ‏.‏ رجل ‏.‏

من بني زهرة ‏:‏
ومن بني زهرة بن كلاب ‏:‏ عامر بن أبي وقاص ، وعتبة بن مسعود ، حليف لهم من هذيل ‏.‏ رجلان ‏.‏

من بني تيم ‏:‏
ومن بني تيم بن مرة بن كعب ‏:‏ الحارث بن خالد بن صخر ، وقد كانت معه امرأته ريطة بنت الحارث بن جبيلة ، هلكت بأرض الحبشة ‏.‏ رجل ‏.‏

من بني جمح ‏:‏
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ‏:‏ عثمان بن ربيعة بن أهبان ‏.‏ رجل ‏.‏

من بني سهم ‏:‏
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ‏:‏ محمية بن الجزء ، حليف لهم من بني زبيد ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جعله على خمس المسلمين ‏.‏ رجل ‏.‏

من بني عدي ‏:‏
ومن بني عدي بن كعب بن لؤي ‏:‏ معمر بن عبدالله بن نضلة ‏.‏ رجل ‏.‏

من بني عامر ‏:‏
ومن بن عامر بن لؤي بن غالب ‏:‏ أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس ؛ ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس ، معه امرأته عمرة بنت السعدي بن وقدان بن عبد شمس ، رجلان ‏.‏

من بني الحارث ‏:‏
ومن بني الحارث بن فهر بن مالك ‏:‏ الحارث بن عبد قيس بن لقيط ‏.‏ رجل ‏.‏ وقد كان حمل معهم في السفينتين نساء من نساء من هلك هنالك من المسلمين ‏.‏

عدة من حملهم مع عمرو بن أمية ‏:‏
فهؤلاء الذين حمل النجاشي مع عمرو بن أمية الضمري في السفينتين ، فجميع من قدم في السفينتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة عشر رجلاً ‏.‏

سائر مهاجرة الحبشة ‏:‏
وكان ممن هاجر إلى أرض الحبشة ، ولم يقدم إلا بعد بدر ، ولم يحمل النجاشي في السفينتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن قدم بعد ذلك ، ومن هلك بأرض الحبشة من مهاجرة الحبشة‏:‏
من بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ‏:‏ عبيد الله بن جحش بن رئاب الأسدي ، أسد خزيمة ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، معه امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وابنته حبيبة بنت عبيد الله ، وبها كانت تكنى أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وكان اسمها رملة ‏.‏

تنصر ابن جحش بالحبشة وخلف الرسول على امرأته ‏:‏
خرج مع المسلمين مهاجراً ، فلما قدم أرض الحبشة تنصر بها وفارق الإسلام ، ومات هنالك نصرانياً ، فخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأته من بعده أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة ، قال ‏:‏ خرج عبيد الله بن جحش مع المسلمين مسلماً ، فلما قدم أرض الحبشة تنصر ، قال ‏:‏ فكان إذا مر بالمسلمين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ فتحنا وصأصأتم ‏.‏ أي ‏:‏ قد أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ولم تبصروا بعد ‏.‏
وذلك أن ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه للنظر صأصأ قبل ذلك ، فضرب ذلك له ولهم مثلاً ‏:‏ أي أنا قد فتحنا أعيننا فأبصرنا ، ولم تفتحوا أعينكم فتبصروا ، وأنتم تلتمسون ذلك ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقيس بن عبدالله ، رجل من بني أسد بن خزيمة ، وهو أبو أمية بنت قيس التي كانت مع أم حبيبة ، وامرأته بركة بنت يسار ، مولاة أبي سفيان بن حرب ، كانتا ظئري عبيد الله بن جحش ؛ وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، فخرجا بهما معهما حين هاجرا إلى أرض الحبشة ‏.‏ رجلان ‏.‏

من بني أسد ‏:‏
ومن بني أسد بن عبدا لعزى بن قصي ‏:‏ يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قتل يوم حنين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شهيداً ؛ وعمر بن أمية بن الحارث بن أسد ، هلك بأرض الحبشة ‏.‏ رجلان ‏.‏

من بني عبدالدار ‏:‏
ومن بني عبدالدار بن قصي ‏:‏ أبو الروم بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار ؛ وفراس بن النضر بن الحارث بن كلدة بن علقة بن عبد مناف بن عبدالدار ‏.‏ رجلان ‏.‏

من بني زهرة ‏:‏
ومن بني زهرة بن كلاب بن مرة ‏:‏ المطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، معه امرأته رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم ، هلك بأرض الحبشة ، ولدت له هنالك عبدالله بن عبدالمطلب ، فكان يقال ‏:‏ إن كان لأول رجل ورث أباه في الإسلام ، رجل ‏.‏


من بني تيم ‏:‏
ومن بني تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ‏:‏ عمرو بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم ، قتل بالقادسية مع سعد بن أبي وقاص ‏.‏ رجل ‏.‏

من بني مخزوم ‏:‏
ومن بني مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب ‏:‏ هبار بن سفيان بن عبدالأسد ‏.‏ قتل بأجنادين من أرض الشام ، في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ، وأخوه عبدالله بن سفيان ، قتل عام اليرموك بالشام ، في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يشك فيه أقتل ثم أم لا ؛ وهشام بن أبي حذيفة ابن المغيرة ‏.‏ ثلاثة نفر ‏.‏

من بني جمح
ومن بني جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب ، حاطب بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح ، وابناه محمد والحارث ، معه امرأته فاطمة بنت المجلل ‏.‏
هلك حاطب هنالك مسلماً ، فقدمت امرأته وابناه ، وهي أمهما ، في إحدى السفينتين ؛ وأخوه حطاب بن الحارث ، معه امرأته فكيهة بنت يسار ، هلك هنالك مسلماً، فقدمت امرأته فكيهة في إحدى السفينتين ،
وسفيان بن معمر بن حبيب ، وابناه جنادة وجابر ، وأمهما معه حسنة، وأخوهما لأمهما شرحبيل بن حسنة ؛ وهلك سفيان وهلك ابناه جنادة وجابر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‏.‏ ستة نفر ‏.‏

من بني سهم ‏:‏
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ‏:‏ عبدالله بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم الشاعر ، هلك بأرض الحبشة ، وقيس بن حذافة بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، وأبو قيس بن الحارث بن قيس بن عدي بن سعد بن سهم ، قتل يوم اليمامة في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ‏.‏
وعبدالله بن حذافة بن قيس بن سعد بن سهم ، وهو رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى ؛ والحارث بن الحارث بن قيس بن عدي ؛ ومعمر بن الحارث بن قيس بن عدي ؛ وبشر بن الحارث بن قيس بن عدي ؛ وأخ له من أمه من بني تميم ، يقال له ‏:‏ سعيد بن عمرو ، قتل بأجنادين في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ‏.‏
وسعيد بن الحارث بن قيس ، قتل عام اليرموك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، والسائب بن الحارث بن قيس ، جرح بالطائف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقتل يوم فحل في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ويقال ‏:‏ قتل يوم خيبر ، يشك فيه ‏.‏
وعمير بن رئاب بن حذيفة بن مهمش بن سعد بن سهم ، قتل بعين التمر مع خالد بن الوليد ، منصرفه من اليمامة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه ‏.‏ أحد عشر رجلاً ‏.‏

من بني عدي ‏:‏
ومن بني عدي بن كعب بن لؤي ‏:‏ عروة بن عبدالعزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب ، هلك بأرض الحبشة ، وعدي بن نضلة بن عبدالعزى بن حرثان ، هلك بأرض الحبشة ‏.‏ رجلان ‏.‏

تولية عمر النعمان على ميسان ثم عزله ‏:‏
وقد كان مع عدي ابنه النعمان بن عدي ، فقدم النعمان مع من قدم من المسلمين من أرض الحبشة ، فبقي حتى كانت خلافة عمر بن الخطاب ، فاستعمله على ميسان ، من أرض البصرة ، فقال أبياتاً من شعر ، وهي ‏:‏
ألا هل أتى الحسناء أن حليلها * بميسان يسقى في زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية * ورقاصة تجثو على كل منسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني * ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوءه * تنادمنا في الجوسق المتهدم
فلما بلغت أبياته عمر ، قال ‏:‏ نعم والله إن ذلك ليسوءني ، فمن لقيه فليخبره أني قد عزلته ، وعزله ‏.‏
فلما قدم عليه اعتذر إليه وقال ‏:‏ والله يا أمير المؤمنين ، ما صنعت شيئاً مما بلغك أني قلته قط ، ولكني كنت امرأ شاعراً ، وجدت فضلاً من قول ، فقلت فيما تقول الشعراء ؛ فقال له عمر ‏:‏ وأيم الله ، لا تعمل لي على عمل ما بقيت ، وقد قلت ما قلت ‏.‏

من بني عامر ‏:‏
ومن بني عامر بن لؤي بن غالب بن فهر ‏:‏ سليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر ، وهو كان رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي الحنفي باليمامة ‏.‏ رجل ‏.‏

من بني الحارث ‏:‏
ومن بني الحارث بن فهر بن مالك ‏:‏ عثمان بن غنم بن زهير بن أبي شداد ؛ وسعد بن عبد قيس بن لقيط بن عامر بن أمية بن الحارث بن فهر، وعياض بن زهير بن أبي شداد ‏.‏ ثلاثة نفر ‏.‏
فجميع من تخلف عن بدر ، ولم يقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، ومن قدم بعد ذلك ، ومن لم يحمل النجاشي في السفينتين ، أربعة وثلاثون رجلاً ‏.‏

الهالكون منهم ‏:‏
وهذه تسمية جملة من هلك منهم ومن أبنائهم بأرض الحبشة ‏:‏
من بني عبد شمس ‏:‏
من بني عبد شمس بن عبد مناف ‏:‏ عبيد الله بن جحش بن رئاب ، حليف بني أمية ، مات بها نصرانياً ‏.‏
من بني أسد ‏:‏
ومن بني أسد بن عبدالعزى بن قصي ، عمرو بن أمية بن الحارث بن أسد
من بني جمح ‏:‏
ومن بني جمح ‏:‏ حاطب بن الحارث ؛ وأخوه حطاب بن الحارث ‏.‏
من بني سهم ‏:‏
ومن بني سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب ‏:‏ عبدالله بن الحارث بن قيس ‏.‏
من بني عدي ‏:‏
ومن بني عدي بن كعب بن لؤي ‏:‏ عروة بن عبدالعزى بن حرثان بن عوف ، وعدي بن نضلة ‏.‏ سبعة نفر ‏.‏
من الأبناء ‏:‏
ومن أبنائهم من بني تيم بن مرة ‏:‏ موسى بن الحارث بن خالد بن صخر بن عامر ‏.‏ رجل ‏.‏
مهاجرات الحبشة ‏:‏
وجميع من هاجر إلى أرض الحبشة من النساء ، من قدم منهن ومن هلك هنالك ست عشرة امرأة ، سوى بناتهن اللاتي ولدن هنالك ، من قدم منهن ومن هلك هنالك ، ومن خرج به معهن حين خرجن ‏:‏
من قريش ‏:‏
من قريش ، من بني هاشم ‏:‏ رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
من بني أمية ‏:‏
ومن بني أمية ‏:‏ أم حبيبة بنت أبي سفيان ، مع ابنتها حبيبة ، خرجت بها من مكة ، ورجعت بها معها ‏.‏
ومن بني مخزوم ‏:‏
ومن بني مخزوم ‏:‏ أم سلمة بنت أمية ، قدمت معها بزينب ابنتها من أبي سلمة ولدتها هنالك ‏.‏
من بني تيم ‏:‏
ومن بني تيم بن مرة ‏:‏ ريطة بنت الحارث بن جبيلة ، هلكت بالطريق ، وبنتان لها كانت ولدتهما هنالك ‏:‏ عائشة بنت الحارث ، وزينب بنت الحارث ، هلكن جميعاً ، وأخوهن موسى بن الحارث ، من ماء شربوه في الطريق ، وقدمت بنت لها ولدتها هنالك ، فلم يبق من ولدها غيرها ، يقال لها ‏:‏ فاطمة ‏.‏
من بني سهم ‏:‏
ومن بني سهم بن عمرو ‏:‏ رملة بنت أبي عوف بن ضبيرة ‏.‏
من بني عدي ‏:‏
ومن بني عدي بن كعب ‏:‏ ليلى بنت أبي حثمة بن غانم ‏.‏
من بني عامر ‏:‏
ومن بني عامر بن لؤي ‏:‏ سودة بنت زمعة بن قيس ؛ وسهلة بنت سهيل ابن عمرو ، وابنة المجلل ، وعمرة بنت السعدي بن وقدان ، وأم كلثوم بنت سهيل بن عمرو ‏.‏
من غرائب العرب ‏:‏
ومن غرائب العرب ‏:‏ أسماء بنت عميس بن النعمان الخثعمية ؛ وفاطمة بنت صفوان بن أمية بن محرث الكنانية ، وفكيهة بنت يسار ، وبركة بنت يسار ، وحبيبة ، أم شرحبيل بن حسنة ‏.‏
أبناؤهم بالحبشة ‏:‏
وهذه تسمية من ولد من أبنائهم بأرض الحبشة ‏.‏
من بني عبد شمس ‏:‏
ومن بني عبد شمس ‏:‏ محمد بن أبي حذيفة ، وسعيد بن خالد بن سعيد ، وأخته أمة بنت خالد ‏.‏
من بني مخزوم ‏:‏
ومن بني مخزوم ‏:‏ زينب بنت أبي سلمة بن الأسد ‏.‏
من بني زهرة ‏:‏
ومن بني زهرة ‏:‏ عبدالله بن عبدالمطلب بن أزهر ‏.‏
من بني تيم ‏:‏
ومن بني تيم ‏:‏ موسى بن الحارث بن خالد ، وأخواته عائشة بنت الحارث ، وفاطمة بنت الحارث ، وزينب بنت الحارث ‏.‏

الذكور منهم ‏:‏
الرجال منهم خمسة ‏:‏ عبدالله بن جعفر ، ومحمد بن أبي حذيفة ، وسعيد بن خالد ، وعبدالله بن عبدالمطلب ، وموسى بن الحارث ‏.‏

الإثاث منهم ‏:‏
ومن النساء خمس ‏:‏ أمة بنت خالد ، وزينب بنت أبي سلمة ، وعائشة وزينب وفاطمة ، بنات الحارث بن خالد بن صخر ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 03:20 AM

عمرة القضاء في ذي القعدة سنة سبع
خروج الرسول معتمراً في ذي القعدة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من خيبر ، أقام بها شهري ربيع وجماديين ورجبا وشعبان وشهر رمضان وشوالاً ، يبعث فيما بين ذلك من غزوة وسراياه صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج في ذي القعدة في الشهر الذي صده فيه المشركون معتمراً عمرة القضاء ، مكان عمرته التي صدوه عنها ‏.‏
ابن الأضبط على المدينة ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ واستعمل على المدينة عويف بن الأضبط الديلي ‏.‏
سبب تسميتها بعمرة القصاص ‏:‏
ويقال لها عمرة القصاص ، لأنهم صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة في الشهر الحرام من سنة ست ، فاقتص رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، فدخل مكة في ذي القعدة ، في الشهر الحرام الذي صدوه فيه ، من سنة سبع ‏.‏
وبلغنا عن ابن عباس أنه قال ‏:‏ فأنزل الله في ذلك ‏:‏ ‏(‏ والحرمات قصاص ‏)‏ ‏.‏
خروج المسلمين الذين صدوا أولا معه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وخرج معه المسلمون ممن كان صد معه في عمرته تلك ، وهي سنة سبع ، فلما سمع به أهل مكة خرجوا عنه ، وتحدثت قريش بينها أن محمداً وأصحابه في عسرة وجهد وشدة ‏.‏
سبب الهرولة بين الصفا والمروة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني من لا أتهم ، عن ابن عباس ، قال ‏:‏ صفوا له عند دار الندوة لينظروا إليه وإلى أصحابه ؛ فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد اضطبع بردائه ، وأخرج عضده اليمنى ، ثم قال ‏:‏ رحم الله امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة ، ثم استلم الركن ، وخرج يهرول ويهرول أصحابه معه ، حتى إذا واراه البيت منهم ، واستلم الركن اليماني ، مشى حتى يستلم الركن الأسود ، ثم هرول كذلك ثلاثة أطواف ، ومشى سائرها ‏.‏
فكان ابن عباس يقول ‏:‏ كان الناس يظنون أنها ليست عليهم ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما صنعها لهذا الحي من قريش الذي بلغه عنهم ، حتى إذا حج حجة الوداع فلزمها ، فمضت السنة بها ‏.‏
ارتجاز ابن رواحة وهو يقود ناقة الرسول ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة في تلك العمرة دخلها وعبدالله بن رواحة آخذ بخطام ناقته يقول ‏:‏
خلوا بني الكفار عن سبيله * خلوا فكل الخير في رسوله
يا رب إني مؤمن بقيلة * أعرف حق الله في قبوله
نحن قتلناكم على تأويله * كما قتلناكم على تنزيله
ضربا يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله
قال ابن هشام ‏:‏ نحن قتلناكم على تأويله إلى آخر الأبيات ، لعمار بن ياسر في غير هذا اليوم ، والدليل على ذلك أن ابن رواحة إنما أراد المشركين ، والمشركون لم يقروا بالتنزيل وإنما يقتل على التأويل من أقر بالتنزيل ‏.‏
زواج الرسول بميمونة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني أبان بن صالح وعبدالله بن أبي نجيح ، عن عطاء بن أبي رباح ومجاهد أبي الحجاج ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة بنت الحارث في سفره ذلك وهو حرام ، وكان الذي زوجه إياها العباس بن عبدالمطلب ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وكانت جعلت أمرها إلى أختها أم الفضل ، وكانت أم الفضل تحت العباس ، فجعلت أم الفضل أمرها إلى العباس ، فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم ‏.‏
إرسال قريش حويطباً إلى الرسول يطلب منه الخروج من مكة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاثاً ، فأتاه حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل ، في نفر من قريش ، في اليوم الثالث ، وكانت قريش قد وكلته بإخراج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة ؛ فقالوا له ‏:‏ إنه قد انقضى أجلك ، فاخرج عنا ؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم ، وصنعنا لكم طعاماً فحضرتموه قالوا ‏:‏ لا حاجة لنا في طعامك ، فاخرج عنا ‏.‏ فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلف أبا رافع مولاه على ميمونة ، حتى أتاه بها بسرف فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هنالك ، ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ذي الحجة ‏.‏
ما نزل من القرآن في عمرة القضاء ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ فأنزل الله عز وجل عليه ، فيما حدثني أبو عبيدة ‏:‏ ‏(‏ لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق ، لتدخلن المسجد الحرام آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون ، فعلم ما لم تعلموا ، فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً ‏)‏ يعني ‏:‏ خيبر ‏.‏
http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif ذكر غزوة مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان ومقتل جعفر وزيد وعبدالله بن رواحة
قال ابن إسحاق ‏:‏ فأقام بها بقية ذي الحجة ، وولي تلك الحجة المشركون ، والمحرم وصفرا وشهري ربيع ، وبعث في جمادى الأولى بعثه إلى الشام الذين أصيبوا بمؤتة ‏.‏
http://www.al-eman.com/islamlib/images/up.gif بعث الرسول إلى مؤتة واختياره الأمراء ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال ‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثة إلى مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان ، واستعمل عليهم زيد بن حارثة وقال ‏:‏ إن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب على الناس ، فإن أصيب جعفر فعبدالله ابن رواحة على الناس ‏.‏
ومن بني عدي بن كعب ‏:‏ ليلى بنت أبي حثمة بن غانم ‏.‏
بكاء ابن رواحة مخافة النار وشعره للرسول ‏:‏
فتجهز الناس ثم تهيئوا للخروج ، وهم ثلاثة آلاف ، فلما حضر خروجهم ودع الناس أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا عليهم ‏.‏ فلما ودع عبدالله بن رواحة من ودع من أمراء رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى ؛ فقالوا ‏:‏ ما يبكيك يا ابن رواحة ‏؟‏ فقال ‏:‏ أما والله ما بي حب الدنيا ولا صبابة بكم ، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله عز وجل ، يذكر فيها النار ‏(‏ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضياً ‏)‏ فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود ؛ فقال المسلمون ‏:‏ صحبكم الله ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين ؛ فقال عبدالله بن رواحة ‏:‏
لكنني أسأل الرحمن مغفرة * وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة * بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقال إذا مروا على جدثي * أرشده الله من غاز وقد رشدا
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم إن القوم تهيئوا للخروج ، فأتى عبدالله بن رواحة رسول الله صلى الله عليه وسلم فودعه ، ثم قال ‏:‏
فثبت الله ما آتاك من حسن * تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا
إني تفرست فيك الخير نافلة * الله يعلم أني ثابت البصر
أنت الرسول فمن يحرم نوافله * والوجه منه فقد أزرى به القدر
قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني بعض أهل العلم بالشعر هذه الأبيات ‏:‏
أنت الرسول فمن يحرم نوافله * والوجه منه فقد أزرى به القدر
فثبت الله ما آتاك من حسن * في المرسلين ونصرا كالذي نصروا
إني تفرست فيك الخير نافلة * فراسة خالفت فيك الذي نظروا يعني المشركين ؛ وهذه الأبيات في قصيدة له ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم خرج القوم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا ودعهم وانصرف عنهم ، قال عبدالله بن رواحة ‏:‏
خلف السلام على امرئ ودعته * في النخل خير مشيع وخليل
تخوف الناس من لقاء هرقل وشعر ابن رواحة يشجعهم ‏:‏
ثم مضوا حتى نزلوا معان ، في أرض الشام ، فبلغ الناس أن هرقل قد نزل مآب ، من أرض البلقاء ، في مائة ألف من الروم ، وانضم إليهم من لخم وجذام والقين وبهراء وبلى مائة ألف منهم ، عليهم رجل من بلى ثم أحد إراشة ، يقال له ‏:‏ مالك بن زافلة ‏.‏
فلما بلغ ذلك المسلمين أقاموا على معان ليلتين يفكرون في أمرهم وقالوا ‏:‏ نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا بالرجال ، وإما أن يأمرنا بأمره ، فنمضي له ‏.‏
تشجيع ابن رواحة للناس على القتال ‏:‏
قال ‏:‏ فشجع الناس عبدالله بن رواحة ، وقال ‏:‏ يا قوم ، والله إن التي تكرهون ، للتي خرجتم تطلبون الشهادة ، وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به ، فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة ‏.‏
قال ‏:‏ فقال الناس ‏:‏ قد والله صدق ابن رواحة ‏.‏ فمضى الناس فقال عبدالله بن رواحة في محبسهم ذلك ‏:‏
جلبنا الخيل من أجإ وفرع * تغر من الحشيش لها العكوم
حذوناها من الصوان سبتا * أزل كأن صفحته أديم
أقامت ليلتين على معان * فأعقب بعد فترتها جموم
فرحنا والجياد مسومات * تنفس في مناخرها السموم
فلا وأبى مآب لنأتينها * وإن كانت بها عرب وروم
فعبأنا أعنتها فجاءت * عوابس والغبار لها بريم
بذي لجب كأن البيض فيه * إذا برزت قوانسها والنجوم
فراضية المعيشة طلقتها * أسنتها فتنكح أو تئيم
قال ابن هشام ‏:‏ ويروى جلبنا الخيل من آجام قرح ، وقوله ‏:‏ فعبأنا أعنتها عن غير ابن إسحاق ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم مضى الناس ، فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدث عن زيد بن أرقم ، قال ‏:‏ كنت يتيماً لعبدالله بن رواحة في حجره ، فخرج بي في سفره ذلك مردفي على حقيبة رحله ، فوالله إنه ليسير ليلة إذ سمعته وهو ينشد أبياته هذه ‏:‏
إذا أديتني وحملت رحلي * مسيرة أربع بعد الحساء
فشأنك أنعم وخلاك ذم * ولا أرجع إلى أهلي ورائي
وجاء المسلمون وغادروني * بأرض الشام مشتهى الثواء
وردك كل ذي نسب قريب * إلى الرحمن منقطع الإخاء
هنالك لا أبالي طلع بعل * ولا نخل أسافلها رواء
فلما سمعتهن منه بكيت ‏.‏ قال ‏:‏ فخفقني بالدرة ، وقال ‏:‏ ما عليك يا لكع أن يرزقني الله شهادة وترجع بين شعبتي الرحل ‏!‏
قال ‏:‏ ثم قال عبدالله بن رواحة في بعض سفره ذلك وهو يرتجز ‏:‏
يا زيد زيد اليعملات الذبل * تطاول الليل هديت فانزل
لقاء الروم ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فمضى الناس ، حتى إذا كانوا بتخوم البلقاء لقيتهم جموع هرقل ، من الروم والعرب ، بقرية من قرى البلقاء يقال لها مشارف ، ثم دنا العدو ، وانحاز المسلمون إلى قرية يقال لها مؤتة ، فالتقى الناس عندها ، فتعبأ لها المسلمون ، فجعلوا على ميمنتهم رجلاً من بني عذرة ، يقال له ‏:‏ قطبة بن قتادة ، وعلى ميسرتهم رجلاً من الأنصار يقال له ‏:‏ عباية بن مالك ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ عبادة بن مالك ‏.‏
مقتل زيد بن حارثة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم التقى الناس واقتتلوا ، فقاتل زيد بن حارثة براية رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شاط في رماح القوم ‏.‏
إمارة جعفر ومقتله ‏:‏
ثم أخذها جعفر فقاتل بها ، حتى إذا ألحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء ، فعقرها ، ثم قاتل القوم حتى قتل ‏.‏ فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر في الإسلام ‏.‏
وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال ‏:‏ حدثني أبي الذي أرضعني ، وكان أحد بني مرة بن عوف ، وكان في تلك الغزوة غزوة مؤتة قال ‏:‏ والله لكأني أنظر إلى جعفر حين اقتحم عن فرس له شقراء ، ثم عقرها ثم قاتل حتى قتل وهو يقول ‏:‏
يا حبذا الجنة واقترابها * طيبة وبارداً شرابها
والروم قد دنا عذابها * كافرة بعيدة أنسابها
علي إذا لاقيتها ضرابها *
قال ابن هشام ‏:‏ وحدثني من أثق به من أهل العلم ‏:‏ أن جعفر بن أبي طالب أخذ اللواء بيمينه فقطعت ، فأخذه بشماله فقطعت ، فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فأثابه الله بذلك جناحين في الجنة يطير بهما حيث شاء ‏.‏ ويقال ‏:‏ إن رجلاً من الروم ضربه يومئذ ضربة ، فقطعه بنصفين ‏.‏
مقتل عبدالله بن رواحة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال ‏:‏ حدثني أبي الذي أرضعني ، وكان أحد بني مرة بن عوف ، قال ‏:‏ فلما قتل جعفر أخذ عبدالله بن رواحة الراية ، ثم تقدم بها ، وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ، ويتردد بعض التردد ، ثم قال ‏:‏
أقسمت يا نفس لتنزلنه * لتنزلن أو لتكرهنه
إن أجلب الناس وشدوا الرنه * ما لي أراك تكرهين الجنة
قد طال ما قد كنت مطمئنة * هل أنت إلا نطفة في شنه
وقال أيضاً ‏:‏
يا نفس إلا تقتلي تموتي * هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت * إن تفعلي فعلهما هديت
يريد صاحبيه ‏:‏ زيداً وجعفراً ؛ ثم نزل فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم فقال ‏:‏ شد بهذا صلبك ، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت ، فأخذه من يده ثم انتهس منه نهسة ، ثم سمع الحطمة في ناحية الناس ، فقال ‏:‏ وأنت في الدنيا ‏!‏ ثم ألقاه من يده ، ثم أخذ سيفه فتقدم ، فقاتل حتى قتل ‏.‏
إمارة خالد وحسن تصرفه ‏:‏
ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم أخو بني العجلان ، فقال ‏:‏ يا معشر المسلمين اصطلحوا على رجل منكم ، قالوا ‏:‏ أنت ، قال ‏:‏ ما أنا بفاعل ‏.‏
فاصطلح الناس على خالد بن الوليد ؛ فلما أخذ الراية دافع القوم ، وحاشى بهم ، ثم انحاز وانحيز عنه ، حتى انصرف بالناس ‏.‏
الرسول يتنبأ بما حدث ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما أصيب القوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني ‏:‏ أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيداً ؛ ثم أخذها جعفر فقاتل بها حتى قتل شهيداً ؛ قال ‏:‏ ثم صمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار ، وظنوا أنه قد كان في عبدالله بن رواحة بعض ما يكرهون ، ثم قال ‏:‏ ثم أخذها عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيداً ‏.‏
ثم قال ‏:‏ لقد رفعوا إلى الجنة ،فيما يرى النائم ، على سرر من ذهب ، فرأيت في سرير عبدالله بن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه ، فقلت ‏:‏ عم هذا ‏؟‏ فقيل لي ‏:‏ مضيا وتردد عبدالله بعض التردد ، ثم مضى ‏.‏
حزن الرسول على جعفر ووصيته بآله ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن أم عيسى الخزاعية ، عن أم جعفر بن محمد بن جعفر بن أبي طالب ، عن جدتها أسماء بنت عميس ، قالت ‏:‏ لما أصيب جعفر وأصحابه دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دبغت أربعين منا - قال ابن هشام ‏:‏ ويروى أربعين منيئة - وعجنت عجيني ، وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم ‏.‏
قالت ‏:‏ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ائتني ببني جعفر ؛ قالت ‏:‏ فأتيته بهم فتشممهم وذرفت عيناه ، فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ما يبكيك ‏؟‏ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، أصيبوا هذا اليوم ‏.‏
قالت ‏:‏ فقمت أصيح ، واجتمعت إلي النساء ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ، فقال ‏:‏ لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاماً ، فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم ‏.‏
وحدثني عبدالرحمن بن القاسم بن محمد ، عن أبيه ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت ‏:‏ لما أتى نعي جعفر عرفنا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحزن ‏.‏
قالت ‏:‏ فدخل عليه رجل فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إن النساء عنيننا وفتننا ؛ قال ‏:‏ فارجع إليهن فأسكتهن ‏.‏ قالت ‏:‏ فذهب ثم رجع ، فقال له مثل ذلك - قال ‏:‏ تقول وربما ضر التكلف أهله - قالت ‏:‏ قال ‏:‏ فاذهب فأسكتهن ، فإن أبين فاحث في أفواههن التراب ، قالت ‏:‏ وقلت في نفسي ‏:‏ أبعدك الله ‏!‏ فوالله ما تركت نفسك وما أنت بمطيع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ قالت ‏:‏ وعرفت أنه لا يقدر على أن يحثي في أفواههن التراب ‏.‏
شعر قطبة في قتله ابن زافلة في غزوة مؤتة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد كان قطبة بن قتادة العذري ، الذي كان على ميمنة المسلمين ، قد حمل على مالك بن زافلة فقتله ، فقال قطبة بن قتادة ‏:‏
طعنت ابن زافلة بن الإرا * ش برمح مضى فيه ثم انحطم
ضربت على جيده ضربة * فمال كما مال غصن السلم
وسقنا نساء بني عمه * غداة رقوقين سوق النعم
قال ابن هشام ‏:‏ قوله ‏:‏ ابن الإراش عن غير ابن إسحاق ‏.‏
والبيت الثالث عن خلاد بن قرة ؛ ويقال ‏:‏ مالك بن رافلة ‏:‏
ما قالته كاهنة حدس ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد كانت كاهنة من حدس حين سمعت بجيش رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً ، قد قالت لقومها من حدس ، وقومها بطن يقال لهم ‏:‏ بنو غنم أنذركم قوماً خزراً ، ينظرون شزراً ، ويقودون الخيل تترى ، ويهريقون دما عكراً ، فأخذوا بقولها ، واعتزلوا من بين لخم ؛ فلم تزل بعد أثرى حدس ‏.‏ وكان الذين صلوا الحرب يومئذ بنو ثعلبة ، بطن من حدس ، فلم يزالوا قليلاً بعد ‏.‏ فلما انصرف خالد بالناس أقبل بهم قافلاً ‏.‏
الرسول يلتقي بالأبطال ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير قال ‏:‏ لما دنوا من حول المدينة تلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ‏.‏
قال ‏:‏ ولقيهم الصبيان يشتدون ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مقبل مع القوم على دابة ، فقال ‏:‏ خذوا الصبيان فاحملوهم ، وأعطوني ابن جعفر ‏.‏ فأتي بعبدالله فأخذه فحمله بين يديه ‏.‏
قال ‏:‏ وجعل الناس يحثون على الجيش التراب ، ويقولون ‏:‏ يا فرار ، فررتم في سبيل الله ‏!‏ قال ‏:‏ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ليسوا بالفرار ، ولكنهم الكرار إن شاء الله تعالى ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عامر بن عبدالله بن الزبير ، عن بعض آل الحارث بن هشام ‏:‏ وهم أخواله عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ قالت أم سلمة لامرأة سلمة بن هشام بن العاص بن المغيرة ‏:‏ ما لي لا أرى سلمة يحضر الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع المسلمين ‏؟‏
قالت ‏:‏ والله ما يستطيع أن يخرج ، كلما خرج صاح به الناس يا فرار ، فررتم في سبيل الله ، حتى قعد في بيته فما خرج ‏.‏
ما قيل من الشعر في غزوة مؤتة ما قاله ابن المسحر
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد قال فيما كان من أمر الناس وأمر خالد ومخاشاته بالناس وانصرافه بهم ، قيس بن المسحر اليعمري ، يعتذر مما صنع يومئذ وصنع الناس ‏.‏
فوالله لا تنفك نفسي تلومني * على موقفي والخيل قابعة قبل
وقفت بها لا مستجيرا فنافذا * ولا مانعا من كان حم له القتل
على أنني آسيت نفسي بخالد * ألا خالد في القوم ليس له مثل
وجاشت إلي النفس من نحو جعفر * بمؤتة إذ لا ينفع النابل النبل
وضم إلينا حجزتيهم كليهما * مهاجرة لا مشركون ولا عزل
فتبين قيس ما اختلف فيه الناس من ذلك في شعره ، أن القوم حاجزوا وكرهوا الموت ، وحقق انحياز خالد بمن معه ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ فأما الزهري فقال فيما بلغنا عنه ‏:‏ أمر المسلمون عليهم خالد بن الوليد ، ففتح الله عليهم ، وكان عليهم حتى قفل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏.‏
حسان بن ثابت يبكي شهداء مؤتة
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان مما بكى به أصحاب مؤتة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قول حسان بن ثابت ‏:‏
تأوبني ليل بيثرب أعسر * وهم إذا ما نوم الناس مسهر
لذكرى حبيب هيجت لي عبرة * سفوحا وأسباب البكاء التذكر
بلى إن فقدان الحبيب بلية * وكم من كريم يبتلى ثم يصبر
رأيت خيار المؤمنين تواردوا * شعوب وخلفا بعدهم يتأخر
فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا * بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر
وزيد وعبدالله حين تتابعوا * جميعاً وأسباب المنية تخطر
غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم * إلى الموت ميمون النقيبة أزهر
أغر كضوء البدر من آل هاشم * أبي إذا سيم الظلامة مجسر
فطاعن حتى مال غير موسد * لمعترك فيه قنا متكسر
فصار مع المستشهدين ثوابه * جنان وملتف الحدائق أخضر
وكنا نرى في جعفر من محمد * وفاء وأمراً حازماً حين يأمر
فما زال في الإسلام من آل هاشم * دعائم عز لا يزلن ومفخر
هم جبل الإسلام والناس حولهم * رضام إلى طود يروق ويقهر
بها ليل منهم جعفر وابن أمه * علي ومنهم أحمد المتخير
وحمزة والعباس منهم ومنهم * عقيل وماء العود من حيث يعصر
بهم تفرج اللأواء في كل مأزق * عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر
هم أولياء الله أنزل حكمه * عليهم ، وفيهم ذا الكتاب المطهر

شعر كعب بن مالك في غزوة مؤتة ‏:‏
وقال كعب بن مالك ‏:‏
نام العيون ودمع عينك يهمل * سحاً وكف الطباب المخضل
في ليلة وردت علي همومها * طورا أحن وتارة أتململ
واعتادني حزن فبت كأنني * ببنات نعش والسماك موكل
وكأنما بين الجوانح والحشى * مما تأوبني شهاب مدخل
وجدا على النفر الذين تتابعوا * يوما بمؤتة أسندوا لم ينقلوا
صلى ا لإله عليهم من فتية * وسقى عظامهم الغمام المسبل
صبروا بمؤتة للإله نفوسهم * حذر الردى ومخافة أن ينكلوا
فمضوا أمام المسلمين كأنهم * فنق عليهن الحديد المرفل
إذ يهتدون بجعفر ولوائه * قدام أولهم فنعم الأول
حتى تفرجت الصفوف وجعفر * حيث التقى وعث الصفوف مجدل
فتغير القمر المنير لفقده * والشمس قد كسفت وكادت تأفل
قرم علا بنيانه من هاشم * فرعا أشم وسؤدداً ما ينقل
قوم بهم عصم الإله عباده * وعليهم نزل الكتاب المنزل
فضلوا المعاشر عزة وتكرما * وتغمدت أحلامهم من يجهل
لا يطلقون إلى السفاه حباهم * ويرى خطيبهم بحق يفصل
بيض الوجوه ترى بطون أكفهم * تندى إذا اعتذر الزمان الممحل
يهديهم رضي الإله لخلقه * وبجدهم نصر النبي المرسل

حسان يبكي جعفراً بعد غزوة مؤتة ‏:‏
وقال حسان بن ثابت يبكي جعفر بن أبي طالب رضى الله عنه ‏:‏
ولقد بكيت وعز مهلك جعفر * حب النبي على البرية كلها
ولقد جزعت وقلت حين نعيت لي * من للجلاد لدى العقاب وظلها
بالبيض حين تسل من أغمادها * ضربا وإنهال الرماح وعلها
بعد ابن فاطمة المبارك جعفر * خير البرية كلها وأجلها
رزءاً وأكرمها جميعاً محتداً * وأعزها متظلما وأذلها
للحق حين ينوب غير تنحل * كذباً ، وأنداها يداً وأقلها
فحشا ، وأكثرها إذا ما يجتدى * فضلاً ، وأبذلها ندى وأبلها
بالعرف غير محمد لا مثله * حي من أحياء البرية كلها
حسان يبكي زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة بعد مؤتة ‏:‏
وقال حسان بن ثابت في يوم مؤتة يبكي زيد بن حارثة وعبدالله بن رواحة ‏:‏
عين جودي بدمعك المنزور * واذكري في الرخاء أهل القبور
واذكري مؤتة وما كان فيها * يوم راحوا في وقعة التغوير
حين راحوا وغادروا ثم زيداً * نعم مأوى الضريك والمأسور
حب خير الأنام طرا جميعا * سيد الناس حبه في الصدور
ذاكم أحمد الذي لا سواه * ذاك حزني له معا وسروري
إن زيدا قد كان منا بأمر * ليس أمر المكذب المغرور
ثم جودي للخزرجي بدمع * سيداً كان ثم غير نزور
قد أتانا من قتلهم ما كفانا * فبحزن نبيت غير سرور

قول أحد الشعراء بعد رجوعه من مؤتة ‏:‏
وقال شاعر من المسلمين ممن رجع من غزوة مؤتة
كفى حزنا أني رجعت وجعفر * وزيد وعبدالله في رمس أقبر
قضوا نحبهم لما مضوا لسبيلهم * وخلفت للبلوى مع المتغبر
ثلاثة رهط قدموا فتقدموا * إلى ورد مكروه من الموت أحمر

تسمية شهداء مؤتة ‏:‏
وهذه تسمية من استشهد يوم مؤتة ‏.‏

من بني هاشم ‏:‏
من قريش ، ثم من بني هاشم ‏:‏ جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ، وزيد بن حارثة رضي الله عنه ‏.‏

من بني عدي ‏:‏
ومن بني عدي بن كعب ‏:‏ مسعود بن الأسود بن حارثة بن نضلة ‏.‏

من بني مالك ‏:‏
ومن بني مالك بن حسل ‏:‏ وهب بن سعد بن أبي سرح ‏.‏

من الأنصار ‏:‏
ومن الأنصار ثم من بني الحارث بن الخزرج ‏:‏ عبدالله بن رواحة ، وعباد بن قيس ‏.‏
ومن بني غنم بن مالك بن النجار ‏:‏ الحارث بن النعمان بن أساف بن نضلة ابن عبد بن عوف بن غنم ‏.‏
ومن بني مازن بن النجار ‏:‏ سراقة بن عمرو بن عطية بن خنساء ‏.‏
من ذكرهم ابن هشام ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وممن استشهد يوم مؤتة ، فيما ذكر ابن شهاب ‏:‏
من بني مازن بن النجار ‏:‏ أبو كليب وجابر ، ابنا عمرو بن زيد بن عوف ابن مبذول وهما لأب وأم ‏.‏
ومن بني مالك بن أفصى ‏:‏ عمرو وعامر ، ابنا سعد بن الحارث بن عباد ابن سعد بن عامر بن ثعلبة بن مالك بن أفصى ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ أبو كلاب وجابر ، ابنا عمرو ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 03:22 AM

ذكر الأسباب الموجبة للسير إلى مكة وذكر فتح مكة في شهر رمضان سنة ثمان
القتال بين بكر وخزاعة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بعثه إلى مؤتة جمادى الآخرة ورجبا ‏.‏
ثم إن بني بكر بن عبد مناة بن كنانة عدت على خزاعة ، وهم على ماء لهم بأسفل مكة يقال له ‏:‏ الوتير ، وكان الذي هاج ما بين بني بكر وخزاعة أن رجلاً من بني الحضرمي ، واسمه مالك بن عباد - وحلف الحضرمي يومئذ إلى الأسود بن رزن - خرج تاجراً ، فلما توسط أرض خزاعة ، عدوا عليه فقتلوه ، وأخذوا ماله ‏.‏
فعدت بنو بكر على رجل من بني خزاعة فقتلوه ، فعدت خزاعة قبيل الإسلام على بني الأسود بن رزان الديلي - وهم منخر بني كنانة وأشرافهم - سلمى وكلثوم وذؤيب - فقتلوهم بعرفة عند أنصاب الحرم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني رجل من بني الديل ، قال ‏:‏ كان بنو الأسود بن رزن يودون في الجاهلية ديتين ديتين ، ونودي دية دية ، لفضلهم فينا ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فبينا بنو بكر وخزاعة على ذلك حجز بينهم الإسلام ، وتشاغل الناس به ‏.‏ فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، كان فيما شرطوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وشرط لهم ‏.‏
كما حدثني الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، وغيرهم من علمائنا ‏:‏ أنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم فليدخل فيه ، فدخلت بنو بكر في عقد قريش وعهدهم ، ودخلت خزاعة في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما كانت الهدنة اغتنمها بنو الديل من بني بكر من خزاعة ، وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأراً بأولئك النفر الذين أصابوا منهم ببني الأسود بن رزن ، فخرج نوفل بن معاوية الديلي في بني الديل ، وهو يومئذ قائدهم ، وليس كل بني بكر تابعه حتى بيت خزاعة وهم على الوتير ، ماء لهم ، فأصابوا منهم رجلاً ، وتحاوزوا واقتتلوا ‏.‏
ورفدت بني بكر قريش بالسلاح ، وقاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفياً ، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم ، فلما انتهوا إليه ، قالت بنو بكر ‏:‏ يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم ، إلهك إلهك ، فقال ‏:‏ كلمة عظيمة ، لا إله له اليوم ، يا بني بكر أصيبوا ثأركم ، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم ، أفلا تصيبون ثأركم فيه ؛ وقد أصابوا منهم ليلة بيتوهم بالوتير رجلاً ، يقال له ‏:‏ منبه ‏.‏
وكان منبه رجلاً مفؤداً خرج هو ورجل من قومه يقال له ‏:‏ تميم بن أسد ، وقال له منبه ‏:‏ يا تميم انج بنفسك ، فأما أنا فوالله إني لميت ، قتلوني أو تركوني ، لقد أنبت فؤادي ، وانطلق تميم فأفلت ، وأدركوا منبها فقتلوه ، فلما دخلت خزاعة مكة ، لجئوا إلى دار بديل بن ورقاء ، ودار مولى لهم يقال له ‏:‏ رافع فقال تميم بن أسد يعتذر من فراره من منبه ‏:‏
شعر تميم يعتذر من فراره عن منبه ‏:‏
لما رأيت بني نفاثة أقبلوا * يغشون كل وتيرة وحجاب
صخراً ورزناً لا عريب سواهم * يزجون كل مقلص خناب
وذكرت ذحلاً عندنا متقادما * فيما مضى من سالف الأحقاب
ونشيت ريح الموت من تلقائهم * ورهبت وقع مهند قضاب
وعرفت أن من يثقفوه يتركوا * لحما لمجرية وشلو غراب
قومت رجلا لا أخاف عثارها * وطرحت بالمتن العراء ثيابي
ونجوت لا ينجو نجائي أحقب * علج أقب مشمر الأقراب
تلحى ولو شهدت لكان نكيرها * بولاً يبل مشافر القبقاب
القوم أعلم ما تركت منبها * عن طيب نفس فاسألي أصحابي
قال ابن هشام ‏:‏ وتروى لحبيب بن عبدالله الأعلم الهذلي ‏.‏ وبيته ‏:‏ وذكرت ذحلا عندنا متقادما ، عن أبي عبيدة ، وقوله ‏:‏ خناب ، وعلج أقب مشمر الأقراب عنه أيضاً ‏.‏
شعر الأخزر فيما وقع بين خزاعة وبكر
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال الأخزر بن لعط الديلي ، فيما كان بين كنانة وخزاعة في تلك الحرب ‏:‏
ألا هل أتى قصوى الأحابيش أننا * رددنا بني كعب بأفوق ناصل
حبسناهم في دارة العبد رافع * وعند بديل محبسا غير طائل
بدار الذليل الأخذ الضيم بعدما * شفينا النفوس منهم بالمناصل
حبسناهم حتى إذا طال يومهم * نفحنا لهم من كل شعب بوابل
نذبحهم ذبح التيوس كأننا * أسود تبارى فيهم بالقواصل
هم ظلمونا واعتدوا في مسيرهم * وكانوا لدى الأنصاب أول قاتل
كأنهم بالجزع إذ يطردونهم * بفا ثور حفان النعام الجوافل
بديل بن عبد مناة يرد على الأخزر‏:‏
فأجابه بديل بن عبد مناة بن سلمة بن عمرو بن الأجب ، وكان يقال له ‏:‏ بديل بن أم أصرم ، فقال ‏:‏
تفاقد قوم يفخرون ولم ندع * لهم سيداً يندوهم غير نافل
أمن حنيفة القوم الألى تزدريهم * تجيز الوتير خائفا غير آئل
وفي كل يوم نحن نحبو حباءنا * لعقل ولا يحبى لنا في المعاقل
ونحن صبحنا بالتلاعة داركم * بأسيافنا يسبقن لوم العواذل
ونحن منعنا بين بيض وعتود * إلى خيف رضوى من مجر القنابل
ويوم الغميم قد تكفت ساعيا * عبيس فجعناه بجلد حلاحل
أإن أجمرت في بيتها أم بعضكم * بجعموسها تنزون أن لم نقاتل
كذبتم وبيت الله ما إن قتلتم * ولكن تركنا أمركم في بلابل
قال ابن هشام ‏:‏ قوله ‏:‏ غير نافل ، وقوله ‏:‏ إلى خيف رضوى ، عن غير ابن إسحاق ‏.‏
شعر حسان في الحرب بين كنانة وخزاعة ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وقال حسان بن ثابت في ذلك ‏:‏
لحا الله قوما لم ندع من سراتهم * لهم أحدا يندوهم غير ناقب
أخصيي حمار مات بالأمس نوفلاً * متى كنت مفلاحاً عدو الحقائب
خزاعة تستنجد بالرسول ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما تظاهرت بنو بكر وقريش على خزاعة ، وأصابوا منهم ما أصابوا ، ونقضوا ما كان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد والميثاق بما استحلوا من خزاعة ، وكانوا في عقده وعهده ، خرج عمرو بن سالم الخزاعى ، ثم أحد بني كعب ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان ذلك مما هاج فتح مكة ، فوقف عليه وهو جالس في المسجد بين ظهراني الناس ، فقال ‏:‏
يا رب إني ناشد محمدا * حلف أبينا وأبيه الأتلدا
قد كنتم ولدا وكنا والدا * ثمت أسلمنا فلم ننزع يدا
فانصر هداك الله نصرا اعتدا * وادع عباد الله يأتوا مددا
فيهم رسول الله قد تجردا * إن سيم خسفا وجهه تربدا
في فيلق كالبحر يجري مزبدا * إن قريشا أخلفوك الموعدا
ونقضوا ميثاقك الموكدا * وجعلوا لي في كداء رصدا
وزعموا أن لست أدعوا أحدا * وهم أذل وأقل عددا
هم بيتونا بالوتير هجدا * وقتلونا ركعا سجدا
يقول ‏:‏ قتلنا وقد أسلمنا ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويروى أيضاً ‏:‏
فانصر هداك الله نصرا أيدا *
قال ابن هشام ‏:‏ ويروى أيضاً ‏:‏
نحن ولدناك فكنت ولدا *
قال ابن إسحاق ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نصرت يا عمرو بن سالم ‏.‏ ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء ، فقال ‏:‏ إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب ‏.‏
ذهاب ابن ورقاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم شاكياً وتعرف أبي سفيان أمره ‏:‏
ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأخبروه بما أصيب منهم ، وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم ، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس ‏:‏ كأنكم بأبي سفيان قد جاءكم ليشد العقد ، ويزيد في المدة ‏.‏
ومضى بديل بن ورقاء وأصحابه حتى لقوا أبا سفيان بن حرب بعسفان ، قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليشد العقد ، ويزيد في المدة ، وقد رهبوا الذين صنعوا ‏.‏
فلما لقي أبو سفيان بديل بن ورقاء ، قال ‏:‏ من أين أقبلت يا بديل ‏؟‏ وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال ‏:‏ تسيرت في خزاعة في هذا الساحل ، وفي بطن هذا الوادي ؛ قال ‏:‏ أو ما جئت محمداً ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ؛ فلما راح بديل إلى مكة ، قال أبو سفيان ‏:‏ لئن جاء بديل المدينة لقد علف بها النوى ، فأتى مبرك راحلته ، فأخذ من بعرها ففته ، فرأى فيه النوى ، فقال ‏:‏ أحلف بالله لقد جاء بديل محمداً ‏.‏
خروج أبي إلى المدينة سفيان للصلح وإخفاقة ‏:‏
ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان ؛ فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه ؛ فقال ‏:‏ يا بنية ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني ‏؟‏
قالت ‏:‏ بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس ، ولم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال ‏:‏ والله لقد أصابك يا بنية بعدي شر ‏.‏
ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه ، فلم يرد عليه شيئاً ، ثم ذهب إلى أبي بكر ، فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ ما أنا بفاعل ، ثم أتى عمر بن الخطاب فكلمه ، فقال ‏:‏ أأنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ‏.‏
ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها ، وعندها حسن بن علي ، غلام يدب بين يديها ، فقال ‏:‏ يا علي إنك أمس القوم بي رحماً ، وإني قد جئت في حاجة ، فلا أرجعن كما جئت خائباً ، فاشفع لي إلى رسول الله ؛ فقال ‏:‏ ويحك يا أبا سفيان ‏!‏ والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه ‏.‏
فالتفت إلى فاطمة ، فقال ‏:‏ يا ابنة محمد ، هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس ، فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر ‏؟‏
قالت ‏:‏ والله ما بلغ بني ذلك أن يجير بين الناس ، وما يجير أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ يا أبا الحسن ، إني أرى الأمور قد اشتدت علي ، فانصحني ؛ قال ‏:‏ والله ما أعلم لك شيئاً يغني عنك شيئاً ، ولكنك سيد بني كنانة ، فقم فأجر بين الناس ، ثم الحق بأرضك ؛ قال ‏:‏ أو ترى ذلك مغنياً عني شيئاً ‏؟‏
قال ‏:‏ لا والله ، ما أظنه ، ولكني لا أجد لك غير ذلك ‏.‏ فقام أبو سفيان في المسجد ، فقال ‏:‏ أيها الناس إني أجرت بين الناس ‏.‏ ثم ركب بعيره فانطلق ، فلما قدم على قريش ، قالوا ‏:‏ ما وراءك ‏؟‏
قال ‏:‏ جئت محمداً فكلمته ، فوالله ما رد علي شيئاً ، ثم جئت ابن أبي قحافة ، فلم أجد فيه خيراً ، ثم جئت ابن الخطاب فوجدته أدنى العدو
قال ابن هشام ‏:‏ أعدى العدو ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم جئت علياً فوجدته ألين القوم ، وقد أشار علي بشيء صنعته ، فوالله ما أدري هل يغني ذلك شيئاً أم لا ‏؟‏ قالوا ‏:‏ وبم أمرك ‏؟‏ قال ‏:‏ أمرني أن أجير بين الناس ، ففعلت ؛ قالوا ‏:‏ فهل أجاز لك محمد ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ، قالوا ‏:‏ ويلك ‏!‏ والله إن زاد الرجل على أن لعب بك ، فما يغني عنك ما قلت ‏.‏ قال ‏:‏ لا والله ، ما وجدت غير ذلك ‏.‏
الاستعداد لفتح مكة ‏:‏
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاز ، وأمر أهله أن يجهزوه ، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي الله عنها ، وهي تحرك بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال ‏:‏ أي بنية ‏:‏ أأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجهزوه ‏؟‏
قالت ‏:‏ نعم فتجهز ، قال ‏:‏ فأين ترينه يريد ‏؟‏ قالت ‏:‏ لا والله ما أدري ‏.‏ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة ، وأمرهم بالجد والتهيؤ ، وقال ‏:‏ اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها ‏.‏ فتجهز الناس ‏.‏
حسان يحث الناس على فتح مكة ‏:‏
فقال حسان بن ثابت يحرض الناس ، ويذكر مصاب رجال خزاعة ‏:‏
عناني ولم أشهد ببطحاء مكة * رجال بني كعب تحز رقابها
بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم * وقتلى كثير لم تجن ثيابها
ألا ليت شعري هل تنالن نصرتي * سهيل بن عمرو وخزها وعقابها
وصفوان عود حن من شفراسته * فهذا أوان الحرب شد عصابها
فلا تأمننا يا بن أم مجالد * إذا احتلبت صرفا وأعصل نابها
ولا تجزعوا منا فإن سيوفنا * لها وقعة بالموت يفتح بابها
قال ابن هشام ‏:‏ قول حسان ‏:‏ بأيدي رجال لم يسلوا سيوفهم ، يعني ‏:‏ قريشاً ؛ وابن أم مجالد ، يعني ‏:‏ عكرمة بن أبي جهل ‏.‏
كتاب حاطب يحذر أهل مكة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير وغيره من علمائنا ، قالوا ‏:‏ لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم المسير إلى مكة ، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأمر في السير إليهم ‏.‏
ثم أعطاه امرأة زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة ، وزعم لي غيره أنها سارة ، مولاة لبعض بني عبدالمطلب وجعل لها جعلاً على أن تبلغه قريشاً ، فجعلته في رأسها ، ثم فتلت عليه قرونها ، ثم خرجت به ‏.‏
الخبر من السماء بما فعل حاطب ‏:‏
وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء بما صنع حاطب ، فبعث علي بن أبي طالب والزبير بن العوام رضي الله عنهما ، فقال ‏:‏ أدركا امرأة قد كتب معها حاطب بن أبي بلتعة بكتاب إلى قريش ، يحذرهم ما قد أجمعنا له في أمرهم فخرجا حتى أدركاها بالخليقة ، خليقة بني أبي أحمد ، فاستنزلاها ، فالتمسا في رحلها ، فلم يجدا شيئاً ‏.‏
فقال لها علي بن أبي طالب ‏:‏ إني أحلف بالله ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاكذبنا ، ولتخرجن لنا هذا الكتاب أو لنكشفنك ، فلما رأت الجد منه ، قالت ‏:‏ أعرض فأعرض فحلت قرون رأسها ، فاستخرجت الكتاب منها ، فدفعته إليه ‏.‏
فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطباً ، فقال ‏:‏ يا حاطب ما حملك على هذا ‏؟‏ فقال ‏:‏ يا رسول الله ، أما والله إني لمؤمن بالله ورسوله ، ما غيرت ولا بدلت ، ولكني كنت امرأ ليس لي في القوم من أصل ولا عشيرة ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهل ، فصانعتهم عليهم ‏.‏
فقال عمر بن الخطاب ‏:‏ يا رسول الله ، دعني فلأضرب عنقه ، فإن الرجل قد نافق ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وما يدريك يا عمر ، لعل الله قد اطلع إلى أصحاب بدر يوم بدر ، فقال ‏:‏ اعملوا ما شئتم ، فقد غفرت لكم ‏.‏
فأنزل الله تعالى في حاطب ‏:‏ ‏(‏ يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ‏)‏ إلى قوله ‏:‏ ‏(‏ قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه ، إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله ، كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ‏)‏ ‏.‏ ‏.‏ ‏.‏ إلى آخر القصة ‏.‏
خروج الرسول إلى مكة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، عن عبدالله بن عباس ، قال ‏:‏ ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لسفره ، واستخلف على المدينة أبا رهم ، كلثوم بن حصين بن عتبة بن خلف الغفاري ، وخرج لعشر مضين من رمضان ، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصام الناس معه ، حتى إذا كان بالكديد ، بين عسفان وأمج أفطر ‏.‏
تلمس قريش أخباره عليه السلام ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين ، فسبعت سليم ، وبعضهم يقول ألفت سليم ، وألفت مزينة ، وفي كل القبائل عدد وإسلام ، وأوعب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرون والأنصار ، فلم يتخلف عنه منهم أحد ‏.‏
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ، وقد عميت الأخبار عن قريش ، فلم يأتهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولايدرون ما هو فاعل ‏.‏
وخرج في تلك الليالي أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء ، يتحسسون الأخبار ، وينظرون هل يجدون خبراً أو يسمعون به ، وقد كان العباس بن عبدالمطلب لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الطريق ‏.‏
هجرة العباس ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ لقيه بالجحفة مهاجراً بعياله ، وقد كان قبل ذلك مقيماً بمكة على سقايته ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عنه راض ، فيما ذكر ابن شهاب الزهري ‏.‏
إسلام أبي سفيان بن الحارث وعبدالله بن أبي أمية ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً بنيق العقاب ، فيما بين مكة والمدينة ، فالتمسا الدخول عليه ، فكلمته أم سلمة فيهما ، فقالت ‏:‏ يا رسول الله ، ابن عمك وابن عمتك وصهرك ؛ قال ‏:‏ لا حاجة لي بهما ، أما ابن عمي فهتك عرضي ، وأما ابن عمتي وصهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال ‏.‏
قال ‏:‏ فلما خرج الخبر إليهما بذلك ، ومع أبي سفيان بني له ‏.‏ فقال ‏:‏ والله ليأذنن لي أو لأخذن بيدي بني هذا ، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشاً وجوعاً ؛ فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لهما ، ثم أذن لهما ، فدخلا عليه ، فأسلما ‏.‏
ما أنشده أبو سفيان في إسلامه ‏:‏
وأنشد أبو سفيان بن الحارث قوله في إسلامه ، واعتذر إليه مما كان مضى منه ، فقال ‏:‏
لعمرك إني يوم أحمل راية * لتغلب خيل اللات خيل محمد
لكالمدلج الحيران أظلم ليله * فهذا أواني حين أهدي وأهتدي
هداني هاد غير نفسي ونالني * مع الله من طردت كل مطرد
أصد وأنأى جاهداً عن محمد * وأدعى وإن لم أنتسب من محمد
هم ما هم من لم يقل بهواهم * وإن كان ذا رأي يلم ويفند
أريد لأرضيهم ولست بلائط * مع القوم ما لم أهد في كل مقعد
فقل لثقيف لا أريد قتالها * وقل لثقيف تلك ‏:‏ غيري أوعدي
فما كنت في الجيش الذي نال عامراً * وما كان عن جرا لساني ولا يدي
قبائل جاءت من بلاد بعيدة * نزائع جاءت من سهام وسردد
قال ابن هشام ‏:‏ ويروى ‏:‏ ودلني على الحق من طردت كل مطرد ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فزعموا أنه حين أنشد رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله ‏:‏ ونالني مع الله من طردت كل مطرد ، ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره ، وقال ‏:‏ أنت طردتني كل مطرد ‏.‏
إسلام أبي سفيان على يدي العباس بن عبدالمطلب ‏:‏
فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران ، قال العباس بن عبدالمطلب ‏:‏ فقلت ‏:‏ واصباح قريش ، والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه ، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر ‏.‏
قال ‏:‏ فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، فخرجت عليها ‏.‏ قال ‏:‏ حتى جئت الأراك ، فقلت ‏:‏ لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة ، فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة ‏.‏
قال ‏:‏ فوالله إني لأسير عليها ، وألتمس ما خرجت له ، إذ سمعت كلام أبي سفيان وبديل بن ورقاء ، وهما يتراجعان ، وأبو سفيان يقول ‏:‏ ما رأيت كالليلة نيراناً قط ولا عسكراً ، قال ‏:‏ يقول بديل ‏:‏ هذه والله خزاعة حمشتها الحرب ‏.‏ قال ‏:‏ يقول أبو سفيان ‏:‏ خزاعة أذل وأقل من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها ‏.‏
قال ‏:‏ فعرفت صوته ، فقلت ‏:‏ يا أبا حنظلة ، فعرف صوتي ، فقال ‏:‏ أبو الفضل ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ نعم ، قال ‏:‏ ما لك ‏؟‏ فداك أبي وأمي ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ ويحك يا أبا سفيان ، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس ، واصباح قريش والله ، قال ‏:‏ فما الحيلة ‏؟‏ فداك أبي وأمي ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأمنه لك ؛ قال ‏:‏ فركب خلفي ورجع صاحباه ‏.‏
قال ‏:‏ فجئت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين ، قالوا ‏:‏ من هذا ‏؟‏ فإذا رأوا بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عليها ، قالوا ‏:‏ عم رسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته ‏.‏
حتى مررت بنار عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال ‏:‏ من هذا ‏؟‏ وقام إلي ؛ فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة ، قال ‏:‏ أبا سفيان عدو الله ‏!‏ الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ، ثم خرج يشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وركضت البغلة ، فسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء ‏.‏
قال ‏:‏ فاقتحمت عن البغلة ، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل عليه عمر ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، هذا أبو سفيان أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد ، فدعني فلأضرب عنقه ‏.‏
قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، إني قد أجرته ، ثم جلست إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت برأسه ، فقلت ‏:‏ والله لا يناجيه الليلة دوني رجل ؛ فلما أكثر عمر في شأنه ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ مهلاً يا عمر ، فوالله أن لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف ؛ فقال ‏:‏ مهلا يا عباس ، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم ، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم ‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اذهب به يا عباس إلى رحلك ، فإذا أصبحت فأتني به ؛ قال ‏:‏ فذهبت به إلى رحلي ، فبات عندي ، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ ويحك يا أبا سفيان ‏!‏ ألم يأن لك أن تعلم أنه لا إله إلا الله ‏؟‏
قال ‏:‏ بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك ‏!‏ والله قد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني شيئاً بعد ، قال ‏:‏ ويحك يا أبا سفيان ‏!‏ ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ بأبي أنت وأ مي ، ما أحملك وأكرمك وأوصلك ‏!‏ أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً ‏.‏
فقال له العباس ‏:‏ ويحك ‏!‏ أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله قبل أن تضرب عنقك ‏.‏ قال ‏:‏ فشهد شهادة الحق ، فأسلم ‏.‏
قال العباس ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فاجعل له شيئاً ، قال ‏:‏ نعم ، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يا عباس ، أحبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل ، حتى تمر به جنود الله فيراها ‏.‏
قال ‏:‏ فخرجت حتى حبسته بمضيق الوادي ، حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أحبسه ‏.‏
عرض الجيش على أبي سفيان ‏:‏
قال ‏:‏ ومرت القبائل على راياتها ، كلما مرت قبيلة قال ‏:‏ يا عباس من هذه ‏؟‏ فأقول ‏:‏ سليم ، فيقول ‏:‏ ما لي ولسليم ، ثم تمر القبيلة فيقول ‏:‏ يا عباس ، من هؤلاء ‏؟‏ فأقول ‏:‏ مزينة ، فيقول ‏:‏ ما لي ولمزينة ، حتى نفذت القبائل ، ما تمر به قبيلة إلا يسألني عنها ، فإذا أخبرته بهم ، قال ‏:‏ ما لي ولبني فلان ، حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء ‏.‏
كتيبته صلى الله عليه وسلم في فتح مكة ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وإنما قيل لها الخضراء لكثرة الحديد وظهوره فيها ‏.‏
قال الحارث بن حلزة اليشكري ‏:‏
ثم حجرا أعنى ابن أم قطام * وله فارسية خضراء
يعنى ‏:‏ الكتيبة ، وهذا البيت في قصيدة له ، وقال حسان بن ثابت الأنصاري ‏:‏
لما رأى بدراً تسيل جلاهه * بكتيبة خضراء من بلخزرج
وهذا البيت في أبيات له قد كتبناها في أشعار يوم بدر ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فيها المهاجرون والأنصار ، رضي الله عنهم ، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد ، فقال ‏:‏ سبحان الله ‏:‏ يا عباس من هؤلاء ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار قال ‏:‏ ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة ؛ والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيماً ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا أبا سفيان ، إنها النبوة ، قال ‏:‏ فنعم إذن ‏.‏
أبو سفيان يحذر أهل مكة ‏:‏
قال ‏:‏ قلت ‏:‏ النجاء إلى قومك ، حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته ‏:‏ يا معشر قريش ، هذا محمد جاءكم فيما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، فقامت إليه هند بنت عتبة ، فأخذت بشاربه ، فقالت ‏:‏ اقتلوا الحميت الدسم الأحمس ، قبح من طليعة قوم ‏!‏ ‏.‏
قال ‏:‏ ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ؛ قالوا ‏:‏ قاتلك الله ‏!‏ وما تغنى عنا دارك ؛ قال ‏:‏ ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن ، فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد ‏.‏
وصوله عليه السلام إلى ذي طوى ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالله بن أبي بكر ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى ذي طوى وقف على راحلته معتجراً بشقة برد حبرة حمراء ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضع رأسه تواضعاً لله حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح ، حتى إن عثنونه ليكاد يمس واسطة الرحل ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 03:25 AM

إسلام أبي قحافة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه ، عن جدته أسماء بنت أبي بكر ، قالت ‏:‏ لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي طوى قال أبو قحافة لابنه من أصغر ولده ‏:‏ أي بنية ، اظهري بي على أبي قبيس ؛ قالت ‏:‏ وقد كف بصره ؛ قالت ‏:‏ فأشرفت به عليه ، فقال ‏:‏ أي بنية ، ماذا ترين ‏؟‏
قالت ‏:‏ أرى سواداً مجتمعاً ، قال ‏:‏ تلك الخيل ؛ قالت ‏:‏ وأرى رجلاً يسعى بين يدي ذلك مقبلاً ومدبراً ، قال ‏:‏ أي بنية ، ذلك الوازع ، يعني ‏:‏ الذي يأمر الخيل ويتقدم إليها ؛ ثم قالت ‏:‏ قد والله انتشر السواد ‏.‏
قالت ‏:‏ فقال ‏:‏ قد والله إذن دفعت الخيل ، فأسرعي بي إلى بيتي ، فانحطت به ، وتلقاه الخيل قبل أن يصل إلى بيته ، قالت ‏:‏ وفي عنق الجارية طوق من ورق ، فتلقاها رجل فيقتطعه من عنقها ‏.‏
قالت ‏:‏ فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، ودخل المسجد ، أتى أبو بكر بأبيه يقوده ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه ‏؟‏
قال أبو بكر ‏:‏ يا رسول الله ، هو أحق أن يمشي إليك من أن تمشي إليه أنت ؛ قال ‏:‏ قالت ‏:‏ فأجلسه بين يديه ، ثم مسح صدره ، ثم قال له ‏:‏ أسلم ، فأسلم ؛ قال ‏:‏ فدخل به أبو بكر وكأن رأسه ثغامة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ غيروا هذا من شعره ‏.‏
ثم قام أبو بكر فأخذ بيد أخته ، وقال ‏:‏ أنشد الله والإسلام طوق أختي ، فلم يجبه أحد ؛ قالت ‏:‏ فقال ‏:‏ أي أخيه ، احتسبي طوقك ، فوالله إن الأمانة في الناس اليوم لقليل ‏.‏
دخول مكة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي نجيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرق جيشه من ذي طوى ، أمر الزبير بن العوام أن يدخل في بعض الناس من كدى ، وكان الزبير على المجنبة اليسرى ، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كداء ‏.‏
المهاجرون يخشون من شدة سعد بن عبادة على قريش ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فزعم بعض أهل العلم أن سعداً حين وجه داخلاً ، قال ‏:‏ اليوم يوم الملحمة ، اليوم تستحل الحرمة ؛ فسمعها رجل من المهاجرين - قال ابن هشام ‏:‏ هو عمر بن الخطاب - فقال ‏:‏ يا رسول الله ‏:‏ اسمع ما قال سعد بن عبادة ، ما نأمن أن يكون له في قريش صولة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب ‏:‏ أدركه ، فخذ الراية منه فكن أنت الذي تدخل بها ‏.‏
طريق الفتح ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد حدثني عبدالله بن أبي نجيح في حديثه ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر خالد بن الوليد ، فدخل من الليط ، أسفل مكة في بعض الناس ، وكان خالد على المجنبة اليمنى ، وفيها أسلم وسليم وغفار ومزينة وجهينة وقبائل من قبائل العرب ‏.‏
وأقبل أبو عبيدة بن الجراح يالصف من المسلمين ينصب لمكة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذاخر ، حتى نزل بأعلى مكة ، ضربت له هنالك قبته ‏.‏
من تعرض للمسلمين من أهل مكة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي نجيح وعبدالله بن أبي بكر ‏:‏ أن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو كانوا قد جمعوا ناساً بالخندمة ليقاتلوا ، وقد كان حماس بن قيس بن خالد ، أخو بني بكر ، يعد سلاحاً قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويصلح منه ؛ قالت له امرأته ‏:‏ لماذا تعد ما أرى ‏؟‏ قال ‏:‏ لمحمد وأصحابه ؛ قالت ‏:‏ والله ما أراه يقوم لمحمد وأصحابه شيء ؛ قال ‏:‏ والله إني لأرجو أن أخدمك بعضهم ، ثم قال ‏:‏
إن يقبلوا اليوم فما لي علة * هذا سلاح كامل وأله
وذو غرارين سريع السلة *
ثم شهد الخندمة مع صفوان وسهيل وعكرمة ؛ فلما لقيهم المسلمون من أصحاب خالد بن الوليد ، ناوشوهم شيئاً من قتال ، فقتل كرز بن جابر ، أحد بني محارب بن فهر ، وخنيس بن خالد بن ربيعة بن أصرم ، حليف بني منقذ ، وكانا في خيل خالد بن الوليد فشذا عنه فسلكا طريقاً غير طريقه فقتلا جميعاً ، قتل خنيس بن خالد قبل كرز بن جابر فجعله كرز بن جابر بين رجليه ، ثم قاتل عنه حتى قتل ، وهو يرتجز ويقول ‏:‏
قد علمت صفراء من بني فهر * نقية الوجه نقية الصدر
لأضربن اليوم عن أبي صخر*
قال هشام ‏:‏ وكان خنيس يكنى أبا صخر ، فقال ابن هشام ‏:‏ خنيس بن خالد من خزاعة ‏.‏
ما قاله حماس من الشعر يوم الفتح ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني عبدالله بن أبي نجيح وعبدالله بن أبي بكر ، قالا ‏:‏ وأصيب من جهينة سلمة بن الميلاء ، من خيل خالد بن الوليد ؛ وأصيب من المشركين ناس قريب من أثني عشر رجلاً ، أو ثلاثة عشر رجلاً ، ثم انهزموا فخرج حماس منهزما حتى دخل بيته ، ثم قال لامرأته ‏:‏ أغلقي علي بابي ؛ قالت ‏:‏ فأين ما كنت تقول ‏؟‏ فقال ‏:‏
إنك لو شهدت يوم الخندمة * إذ فر صفوان وفر عكرمة
وأبو يزيد قائم كالموتمة * واستقبلهم بالسيوف المسلمة
يقطعن كل ساعد وجمجمة * ضرباً فلا يسمع إلا غمغمة
لهم نهيت خلفنا وهمهمة * لم تنطقي في اللوم أدنى كلمة
قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني بعض أهل العلم بالشعر قوله ‏:‏ كالموتمه ، وتروى للرعاش الهذلي ‏.‏
شعار المسلمين يوم فتح مكة ‏:‏
وكان شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة و حنين والطائف ، شعار المهاجرين ‏:‏ يا بني عبدالرحمن ، وشعار الخزرج ‏:‏ يا بني عبدالله ، وشعار الأوس ‏:‏ يا بني عبيد الله ‏.‏
من أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلهم ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين ، حين أمرهم أن يدخلوا مكة ، أن لا يقاتلوا إلا من قاتلهم ، إلا أنه قد عهد في نفر سماهم أمر بقتلهم وإن وجدوا تحت أستار الكعبة ، منهم عبدالله بن سعد ، أخو بني عامر بن لؤي ‏.‏
سبب أمر الرسول بقتل سعد وشفاعة عثمان فيه ‏:‏
وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله لأنه قد كان أسلم ، وكان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي ، فارتد مشركاً راجعاً إلى قريش ، ففر إلى عثمان بن عفان ، وكان أخاه للرضاعة ، فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن الناس وأهل مكة ‏.‏ فاستأمن له فزعموا أن رسول الله صمت طويلاً ، ثم قال ‏:‏ نعم ، فلما انصرف عنه عثمان ، قال رسول الله ‏:‏ لمن حوله من أصحابه ‏:‏ لقد صمت ليقوم إليه بعضكم فيضرب عنقه ‏.‏ فقال رجل من الأنصار ‏:‏ فهلا أومأت إلي يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ إن النبي لا يقتل بالإشارة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ثم أسلم بعد ، فولاه عمر بن الخطاب بعض أعماله ، ثم ولاه عثمان بن عفان بعد عمر ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وعبدالله بن خطل ، رجل من بني تيم بن غالب ‏:‏ إنما أمر بقتله أنه كان مسلماً ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً ، وبعث معه رجلاً من الأنصار ، وكان معه مولى له يخدمه ، وكان مسلماً ، فنزل منزلاً ، وأمر المولى أن يذبح له تيساً ، فيصنع له طعاماً ، فنام ، فاستيقظ ولم يصنع له شيئاً ، فعدا عليه فقتله ، ثم ارتد مشركاً ‏.‏
أسماء من أمر الرسول بقتلهم وسبب ذلك ‏:‏
وكانت له قينتان ‏:‏ فرتنى وصاحبتها ، وكانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتلهما معه ‏.‏
والحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي ، وكان ممن يؤذيه بمكة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وكان العباس بن عبدالمطلب حمل فاطمة وأم كلثوم ، ابنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة يريد بهما المدينة ، فنخس بهما الحويرث بن نقيذ ، فرمى بهما إلى الأرض ‏.‏
قال ابن إسحاق ومقيس بن حبابة ‏:‏ وإنما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بقتله لقتل الأنصاري الذي كان قتل أخاه خطأ ، ورجوعه إلى قريش مشركاً ‏.‏
وسارة ، مولاة لبعض بني عبدالمطلب ‏.‏ وعكرمة بن أبي جهل ‏.‏
وكانت سارة ممن يؤذيه بمكة ؛ فأما عكرمة فهرب إلى اليمن ، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، فاستأمنت له من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمنه ، فخرجت في طلبه إلى اليمن ، حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم ‏.‏
وأما عبدالله بن خطل ، فقتله سعيد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي ، اشتركا في دمه ‏.‏
وأما مقيس بن حبابة فقتله نميلة بن عبدالله ، رجل من قومه ، فقالت أخت مقيس في قتله ‏:‏
لعمري لقد أخزى نميلة رهطه * وفجع أضياف الشتاء بمقيس
فلله عينا من رأى مثل مقيس * إذا النفساء أصبحت لم تخرس
وأما قينتا ابن خطل فقتلت إحداهما ، وهربت الأخرى ، حتى استؤمن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ، فأمنها ‏.‏
وأما سارة فاستؤمن لها فأمنها ، ثم بقيت حتى أوطأها رجل من الناس فرساً في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها ‏.‏
وأما الحويرث بن نقيذ فقتله علي بن أبي طالب ‏.‏
قصة الرجلين اللذين أمنتهما أم هانئ وصلاة الفتح في بيتها ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني سعيد بن أبي هند ، عن أبي مرة ، مولى عقيل ابن أبي طالب ، أن أم هانئ بنت أبي طالب قالت ‏:‏ لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة ، فر إلي رجلان من أحمائي ، من بني مخزوم ، وكانت عند هبيرة بن أبي وهب المخزومي ‏.‏
قالت ‏:‏ فدخل علي علي بن أبي طالب أخي ، فقال ‏:‏ والله لأقتلنهما ، فأغلقت عليهما باب بيتي ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بأعلى مكة ، فوجدته يغتسل جفنة إن فيها لأثر العجين ، وفاطمة ابنته تستره بثوبه ، فلما اغتسل أخذ ثوبه فتوشح به ، ثم صلى ثماني ركعات من الضحى ثم انصرف إلي ‏.‏
فقال ‏:‏ مرحباً وأهلاً يا أم هانئ ، ما جاء بك ‏؟‏ فأخبرته خبر الرجلين وخبر علي ؛ فقال ‏:‏ قد أجرنا من أجرت ، وأمنا من أمنت ، فلا يقتلهما ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ هما الحارث بن هشام ، وزهير بن أبي أمية بن المغيرة ‏.‏
الرسول يدخل البيت الحرام ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عبيد الله بن عبدالله بن أبي ثور ، عن صفية بنت شيبة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل مكة ، واطمأن الناس ، خرج حتى جاء البيت ، فطاف به سبعاً على راحلته ، يستلم الركن بمحجم في يده ؛ فلما قضى طوافه ، دعا عثمان بن طلح ، فأخذ منه مفتاح الكعبة ، ففتحت له ، فدخلها ، فوجد فيها حمامة من عيدان ، فكسرها بيده ثم طرحها ، ثم وقف على باب الكعبة وقد استكف له الناس في المسجد ‏.‏
ما قاله عليه السلام على باب الكعبة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب الكعبة ، فقال ‏:‏ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، صدق وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ألا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سانة البيت وسقاية الحاج ، ألا وقتيل الخطأ شبه العمد بالسوط والعصا ، ففيه الدية مغلظة ، مائة من الإبل ، أربعون منها في بطونها أولادها ‏.‏
يا معشر قريش ، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية ، وتعظمها بالآباء ، الناس من آدم ، وآدم من تراب ، ثم تلا هذه الآية ‏:‏ ‏(‏ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، إن أكرمكم عند الله أتقاكم ‏)‏ ‏.‏‏.‏‏.‏ الآية كلها ‏.‏
ثم قال ‏:‏ يا معشر قريش ، ما ترون أني فاعل فيكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ خيراً أخ كريم ، وابن أخ كريم ، قال ‏:‏ اذهبوا فأنتم الطلقاء ‏.‏
إقرار أمر السدانة لعثمان بن طلحة ‏:‏
ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فقام إليه علي بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أين عثمان بن طلحة ‏؟‏ فدعي له ، فقال ‏:‏ هاك مفتاحك يا عثمان ، اليوم يوم بر ووفاء ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وذكر سفيان بن عيينة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي ‏:‏ إنما أعطيكم ما ترزءون لا ما ترزءون ‏.‏
طمسه صلى الله عليه وسلم ما كان في الكعبة من الصور ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وحدثني بعض أهل العلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل البيت يوم الفتح ، فرأى فيه صور الملائكة وغيرهم ، فرأى إبراهيم عليه السلام مصورا في يده الأزلام يستقسم بها ، فقال ‏:‏ قاتلهم الله ، جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام ، ما شأن إبراهيم والأزلام ‏!‏ ‏(‏ ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنفياً مسلماً ، وما كان من المشركين ‏)‏ ‏.‏ ثم أمر بتلك الصور كلها فطمست ‏.‏
مكان صلاته عليه السلام من البيت ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وحدثني ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة ومعه بلال ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلف بلال ، فدخل عبدالله بن عمر على بلال ، فسأله ‏:‏ أين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ ولم يسأله كم صلى ؛ فكان ابن عمر إذا دخل البيت مشى قبل وجهه ، وجعل الباب قبل ظهره ، حتى يكون بينه وبين الجدار قدر ثلاث أذرع ، ثم يصلي ، يتوخى بذلك الموضع الذي قال له بلال ‏.‏
إسلام عتاب والحارث بن هشام وسببه ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وحدثني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، دخل الكعبة عام الفتح ومعه بلال ، فأمره أن يؤذن ، وأبو سفيان بن حرب وعتاب بن أسيد والحارث بن هشام جلوس بفناء الكعبة ، فقال عتاب بن أسيد ‏:‏ لقد أكرم الله أسيداً ألا يكون سمع هذا ، فيسمع منه ما يغيظه ‏.‏ فقال الحارث بن هشام ‏:‏ أما والله لو أعلم أنه محق لاتبعته ، فقال أبو سفيان ‏:‏ لا أقول شيئاً ، لو تكلمت لأخبرت عني هذه الحصى ، فخرج عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ قد علمت الذي قلتم ، ثم ذكر ذلك لهم ؛ فقال الحارث وعتاب ‏:‏ نشهد أنك رسول الله ، والله ما اطلع على هذا أحد كان معنا ، فنقول أخبرك ‏.‏
خراش يقتل ابن الأثوع ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني سعيد بن أبي سندر الأسلمي ، عن رجل من قومه ، قال ‏:‏ كان معنا رجل يقال له أحمر بأسا ، وكان رجلاً شجاعاً ، وكان إذا نام غط غطيطاً منكراً لا يخفى مكانه ، فكان إذا بات في حيه بات معتنزاً فإذا بيت الحي صرخوا يا أحمر ، فيثور مثل الأسد ، لا يقوم لسبيله شيء ‏.‏
فأقبل غزي من هذيل يريدون حاضره ، حتى إذا دنوا من الحاضر ، قال ابن الأثوع الهذلي ‏:‏ لا تعجلوا علي حتى أنظر ، فإن كان في الحاضر أحمر فلا سبيل إليهم ، فإن له غطيطاً لا يخفى ، قال ‏:‏ فاستمع فلما سمع غطيطه مشى إليه حتى وضع السيف في صدره ، ثم تحامل عليه حتى قتله ، ثم أغاروا على الحاضر ، فصرخوا يا أحمر ولا أحمر لهم ‏.‏
فلما كان عام الفتح ، وكان الغد من يوم الفتح ، أتي ابن الأثوع الهذلي حتى دخل مكة ينظر ويسأل عن أمر الناس ، وهو على شركه ، فرأته خزاعة ، فعرفوه ، فأحطوا به وهو إلى جنب جدار من جدر مكة ، يقولون ‏:‏ أأنت قاتل أحمر ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، أنا قاتل أحمر فمه ‏؟‏ قال ‏:‏ إذ أقبل خراش بن أمية مشتملاً على السيف ، فقال ‏:‏ هكذا عن الرجل ، ووالله ما نظن إلا أنه يريد أن يفرج الناس عنه ‏.‏
فلما انفرجنا عنه حمل عليه فطعنه بالسيف في بطنه ، فوالله لكأني أنظر إليه وحشوته تسيل من بطنه ، وإن عينيه لترنقان في رأسه ، وهو ‏:‏ يقول أقد فعلتموها يا معشر خزاعة ‏؟‏ حتى انجعف فوقع ‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يا معشر خزاعة ، ارفعوا أيديكم عن القتل ، فقد كثر القتل إن نفع ، لقد قتلتم قتيلاً لأدينه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالرحمن بن حرملة الأسلمي ، عن سعيد بن المسيب ، قال ‏:‏ لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع خراش بن أمية ، قال ‏:‏ إن خراشاً لقتال ؛ يعيبه بذلك ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 03:27 AM

أبو شريح يذكر عمرو بن الزبير بحرمة مكة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي شريح الخزاعي ، قال ‏:‏ لما قدم عمرو بن الزبير مكة لقتال أخيه عبدالله بن الزبير ، جئته ، فقلت له ‏:‏ يا هذا ، إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين افتتح مكة ، فلما كان الغد من يوم الفتح عدت خزاعة على رجل من هذيل فقتلوه وهو مشرك ‏.‏
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً ، فقال ‏:‏ يا أيها الناس ، إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام من حرام إلى يوم القيامة ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر ، أن يسفك فيها دماً ، ولا يعضد فيها شجراً ، لم تحلل لأحد كان قبلي ، ولا تحل لأحد يكون بعدي ، ولم تحلل لي إلا هذه الساعة ، غضبا على أهلها ‏.‏ ألا ، ثم قد رجعت كحرمتها بالأمس ، فليبلغ الشاهد منكم الغائب ‏.‏
فمن قال لكم ‏:‏ إن رسول الله قد قاتل فيها ، فقولوا ‏:‏ إن الله قد أحلها لرسوله ، ولم يحللها لكم ، يا معشر خزاعة ارفعوا أيديكم عن القتل ، فلقد كثر القتل إن نفع ، لقد قتلتم قتيلاً لأدينه ، فمن قتل بعد مقامي هذا فأهله بخير النظرين ‏:‏ إن شاءوا فدم قاتله ؛ وإن شاءوا فعقله ‏.‏
ثم ودى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قتلته خزاعة ؛ فقال عمرو لأبي شريح ‏:‏ انصرف أيها الشيخ ، فنحن أعلم بحرمتها منك ، إنها لا تمنع سافك دم ، ولا خالع طاعة ، ولا مانع جزية ، فقال أبو شريح ‏:‏ إني كنت شاهداً وكنت غائباً ، لقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ شاهدنا غائبنا ، وقد أبلغتك ، فأنت وشأنك ‏.‏
أول قتيل وداه عليه السلام يوم الفتح ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وبلغني أن أول قتيل وداه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح جنيدب بن الأكوع ، قتلته بنو كعب ، فوداه بمائة ناقة ‏.‏
تخوف الأنصار من بقاء الرسول بمكة ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وبلغني عن يحيى بن سعيد ‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم حين افتتح مكة ودخلها ، قام على الصفا يدعو الله ، وقد أحدقت به الأنصار ، فقالوا فيما بينهم ‏:‏ أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ فتح الله عليه أرضه وبلده يقيم بها ‏؟‏
فلما فرغ من دعائه قال ‏:‏ ماذا قلتم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ لا شيء يا رسول الله ؛ فلما يزل بهم حتى أخبروه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏:‏ معاذ الله ‏!‏ المحيا محياكم ، والممات مماتكم ‏.‏
كسر الأصنام ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وحدثني من أثق به من أهل الرواية في إسناد له ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله ، عن ابن عباس ، قال ‏:‏ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح على راحلته ، فطاف عليها وحول البيت أصنام مشدودة بالرصاص ، فجعل النبي صلى الله عيه وسلم يشير بقضيب في يده إلى الأصنام ويقول ‏:‏ ‏(‏ جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً ‏)‏ فما أشار إلى صنم منها في وجهه إلا وقع لقفاه ، ولا أشار إلى قفاه ، إلا وقع لوجهه ، حتى ما بقي منها صنم إلا وقع ؛ فقال تميم بن أسد الخزاعي في ذلك ‏:‏
وفي الأصنام معتبر وعلم * لمن يرجوا الثواب أو العقابا
إسلام فضالة ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وحدثني أن فضالة بن عمير بن الملوح الليثي أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت عام الفتح ؛ فلما دنا منه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أفضالة ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم فضالة يا رسول الله ؛ قال ‏:‏ ماذا كنت تحدث به نفسك ‏؟‏
قال ‏:‏ لا شيء ، كنت أذكر الله ؛ قال ‏:‏ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال ‏:‏ استغفر الله ، ثم وضع يده على صدره ، فسكن قلبه ؛ فكان فضالة يقول ‏:‏ والله ما رفع يده عن صدري حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه ‏.‏
قال فضالة ‏:‏ فرجعت إلى أهلي ، فمررت بامرأة كنت أتحدث إليها ، فقالت ‏:‏ هلم إلي الحديث ، فقلت ‏:‏ لا ، وانبعث فضالة يقول ‏:‏
قالت هلم إلى الحديث فقلت لا * يأبى عليك الله والإسلام
لوما رأيت محمداً وقبيله * بالفتح يوم تكسر الأصنام
لرأيت دين الله أضحى بينا * والشرك يغشى وجهه الإظلام
الأمان لصفوان بن أمية ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني محمد بن جعفر ، عن عروة بن الزبير ، قال ‏:‏ خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن ، فقال عمير بن وهب ‏:‏ يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومه ، وقد خرج هارباً منك ، ليقذف نفسه في البحر ، فأمنه ، صلى الله عليك ؛ قال ‏:‏ هو آمن ؛ قال ‏:‏ يا رسول الله ، فأعطني آية يعرف بها أمانك ‏.‏
فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة ، فخرج بها عمير حتى أدركه ، وهو يريد أن يركب في البحر ، فقال ‏:‏ يا صفوان ، فداك أبي وأمي ، الله الله في نفسك أن تهلكها ، فهذا أمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به ؛ قال ‏:‏ ويحك ‏!‏ أغرب عني فلا تكلمني ‏.‏
قال ‏:‏ أي صفوان ، فداك أبي وأمي ، أفضل الناس ، وأبر الناس ، وأحلم الناس ، وخير الناس ، ابن عمك ، عزه عزك ، وشرفه شرفك ، وملكه ملكك ، قال ‏:‏ إني أخافه على نفسي ، قال ‏:‏ هو أحلم من ذاك وأكرم ‏.‏ فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال صفوان ‏:‏ إن هذا يزعم أنك قد أمنتنى ، قال ‏:‏ صدق ؛ قال ‏:‏ فاجعلني فيه بالخيار شهرين ؛ قال ‏:‏ أنت بالخيار فيه أربعة أشهر ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وحدثني رجل من قريش من أهل العلم أن صفوان قال لعمير ‏:‏ ويحك ‏!‏ اغرب عني ، فلا تكلمني ، فإنك كذاب ، لما كان صنع به ، وقد ذكرناه في آخر حديث يوم بدر ‏.‏
إسلام عكرمة وصفوان ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني الزهري ‏:‏ أن أم حكيم بنت الحارث بن هشام ، وفاختة بنت الوليد - وكانت فاختة عند صفوان بن أمية ، وأم حكيم عند عكرمة بن أبي جهل - أسلمتا ؛ فأما أم حكيم فاستأمنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لعكرمة ، فأمنه ، فلحقت به باليمن ، فجاءت به ؛ فلما أسلم عكرمة وصفوان أقرهما رسول الله صلى الله عليه سلم عندهما على النكاح الأول ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني سعيد بن عبدالرحمن بن حسان بن ثابت ‏:‏ قال ‏:‏ رمى حسان ابن الزبعرى وهو بنجران ببيت واحد ما زاده عليه ‏:‏
لا تعدمن رجلاً أحلك بغضه * نجران في عيش أحذ لئيم
فلما بلغ ذلك ابن الزبعرى خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ، فقال ‏:‏ حين أسلم ‏:‏
يا رسول المليك إذ لساني * راتق ما فتقت إذ أنا بور
إذ أباري الشيطان في سنن الغي * ومن مال ميله مثبور
آمن اللحم والعظام لربي * ثم قلبي الشهيد أنت النذير
إنني عنك زاجر ثم حيا * من لؤي وكلهم مغرور
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال عبدالله بن الزبعري أيضاً حين أسلم ‏:‏
منع الرقاد بلابل وهموم * والليل معتلج الرواق بهيم
مما أتاني أن أحمد لامني * فيه فبت كأنني محموم
يا خير من حملت على أوصالها * عيرانة سرح اليدين غشوم
إني لمعتذر إليك من الذي * أسديت إذ أنا في الضلال أهيم
أيام تأمرني بأغوى خطة * سهم وتأمرني بها مخزوم
وأمد أسباب الردى ويقودني * أمر الغواة وأمرهم مشئوم
فاليوم آمن بالنبي محمد * قلبي ومخطئ هذه محروم
مضت العداوة وانقضت أسبابها * ودعت أواصر بيننا وحلوم
فاغفر فدى لك والداي كلاهما * زللي فانك راحم مرحوم
وعليك من علم المليك علامة * نور أغر وخاتم مختوم
أعطاك بعد محبة برهانه * شرفا وبرهان الإله عظيم
ولقد شهدت بأن دينك صادق * حق وأنك في العباد جسيم
والله يشهد أن أحمد مصطفى * مستقبل في الصالحين كريم
قرم علا بنيانه من هاشم * فرع تمكن في الذرا وأروم
قال ابن هشام ‏:‏ وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له ‏.‏
هبيرة يبقى على كفره وما قاله من الشعر في إسلام زوجته ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأما هبيرة بن أبي وهب المخزومي فأقام بها حتى مات كافراً ، كانت عنده أم هانئ بنت أبي طالب ، واسمها هند ، وقد قال حين بلغه إسلام أم هانئ ‏:‏
أشاقتك هند أم أتاك سؤالها * كذاك النوى أسبابها وانفتالها
وقد أرقت في رأس حصن ممنع * بنجران يسري بعد ليل خيالها
وعاذلة هبت بليل تلومني * وتعذلني بالليل ضلالها
وتزعم أني إن أطعت عشيرتي * سأردى وهل يردين إلا زيالها
فإني لمن قوم إذا جد جدهم * على أي حال أصبح اليوم حالها
وإني لحام من وراء عشيرتي * إذا كان من تحت العوالي مجالها
وصارت بأيديها السيوف كأنها * مخاريق ولدان ومنها ظلالها
وإني لأقلي الحاسدين وفعلهم * على الله رزقي نفسها وعيالها
وإن كلام المرء في غير كنهه * لكالنبل تهوى ليس فيها نصالها
فإن كنت قد تابعت دين محمد * وعطفت الأرحام منك حبالها
فكوني على أعلى سحيق بهضبة * ململمة غبراء يبس بلالها
قال ابن إسحاق ‏:‏ ويروى ‏:‏ وقطعت الأرحام منك حبالها ‏.‏
عدة من فتح مكة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف ‏.‏ من بني سليم سبع مائة ‏.‏ ويقول بعضهم ‏:‏ ألف ؛ ومن بني غفار ‏:‏ أربع مائة ، ومن أسلم ‏:‏ أربع مائة ، ومن مزينة ‏:‏ ألف وثلاثة نفر ، وسائرهم من قريش والأنصار وحلفائهم ، وطوائف العرب من تميم وقيس وأسد ‏.‏
شعر حسان في فتح مكة ‏:‏
وكان مما قيل من الشعر في يوم الفتح قول حسان بن ثابت الأنصاري ‏:‏
عفت ذات الأصابع فالجواء * إلى عذراء منزلها خلاء
ديار من بني الحسحاس قفر * تعفيها الروامس والسماء
وكانت لا يزال بها أنيس * خلال مروجها نعم وشاء
فدع هذا ، ولكن من لطيف * يؤرقنى إذا ذهب العشاء
لشعثاء التي قد تيمته * فليس لقلبه منها شفاء
كأن خبيئة من بيت رأس * يكون مزاجها عسل وماء
إذا ما الأشربات ذكرن يوماً * فهن لطيب الراح الفداء
نوليها الملامة إن ألمنا * إذا ما كان مغث أو لحاء
ونشربها فتتركنا ملوكا * وأسداً ما ينهنهنا اللقاء
عدمنا خيلنا إن لم تروها * تثير النقع موعدها كداء
ينازعن الأعنة مصغيات * على أكتافها الأصل الظماء
تظل جيادنا متمطرات * يلطمهن بالخمر النساء
فإما تعرضوا عنا اعتمرنا * وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لجلاد يوم * يعين الله فيه من يشاء
وجبريل رسول الله فينا * وروح القدس ليس له كفاء
وقال الله قد أرسلت عبداً * يقول الحق إن نفع البلاء
شهدت به فقوموا صدقوه * فقلتهم لا نقوم ولا نشاء
وقال الله قد سيرت جنداً * هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معد * سباب أو قتال أو هجاء
فنحكم بالقوافي من هجانا * ونضرب حين تختلط الدماء
ألا أبلغ أبا سفيان عني * مغلغلة فقد برح الخفاء
بأن سيوفنا تركتك عبداً * وعبدالدار سادتها الإماء
هجوت محمداً وأجبت عنه * وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء * فشركما لخيركما الفداء
هجوت مباركا براً حنيفاً * أمين الله شيعته الوفاء
أمن يهجو رسول الله منكم * ويمدحه وينصره سواء ‏؟‏
فإن أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء
لساني صارم لا عيب فيه * وبحري لا تكدره الدلاء
قال ابن هشام ‏:‏ قالها حسان يوم الفتح ‏.‏ ويروي ‏:‏ لساني صارم لا عتب فيه ‏.‏
وبلغني عن الزهري أنه قال ‏:‏ لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء يلطمن الخيل بالخمر تبسم إلى أبي بكر الصديق رضى الله عنه ‏.‏
أنس بن زنيم يعتذر مما قاله ابن سالم ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال أنس بن زنيم الديلي يعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مما كان قال فيهم عمرو بن سالم الخزاعي ‏:‏
أأنت الذي تهدى معد بأمره * بل الله يهديهم وقال لك اشهد
وما حملت من ناقة فوق رحلها * أبر وأوفي ذمة من محمد
أحث على خير وأسبغ نائلا * إذا راح كالسيف الصقيل المهند
وأكسى لبرد الخال قبل ابتذاله * وأعطى لرأس السابق المتجرد
تعلم رسول الله أنك مدركي * وأن وعيداً منك كالأخذ باليد
تعلم رسول الله أنك قادر * على كل صرم متهمين ومنجد
تعلم بأن الركب ركب عويمر * هم الكاذبون المخلفو كل موعد
ونبوا رسول الله أني هجوته * فلا حملت سوطي إلي إذن يدي
سوى أنني قد قلت ويل أم فتية * أصيبوا بنحس لا بطلق وأسعد
أصابهم من لم يكن لدمائهم * كفاء فعزت عبرتي وتبلدي
فإنك قد أخفرت إن كنت ساعيا * بعبد بن عبدالله وابنة مهود
ذويب وكلثوم وسلمى تتابعوا * جميعا فإلا تدمع العين أكمد
وسلمى ليس حي كمثله * وأخوته وهل ملوك كأعبد ‏؟‏
فإني لا دينا فتقت ولا دما * هرقت تبين عالم الحق واقصد
ما قاله بديل في الرد على ابن زنيم ‏:‏
فأجابه بديل بن عبد مناف ابن أم أصرم ، فقال ‏:‏
بكى أنس رزنا فأعوله البكا * فألا عدياً إذ تطل وتبعد
بكيت أبا عبس لقرب دمائها * فتعذر إذ لا يوقد الحرب موقد
أصابهم يوم الخنادم فتية * كرام فسل ، منهم نضيل ومعبد
هنالك إن تسفح دموعك لا تلم * عليهم وإن لم تدمع العين فاكمدوا
قال ابن هشام ‏:‏ وهذه الأبيات في قصيدة له ‏.‏
شعر بجير بن زهير في يوم الفتح ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم الفتح ‏:‏
نفى أهل الحبلق كل فج * مزينة غدوة وبنو خفاف
ضربناهم بمكة يوم فتح النبي * الخير بالبيض الخفاف
صبحناهم بسبع من سليم * وألف من بنى عثمان واف
نطا أكتافهم ضربا وطعنا * ورشقا بالمريشة اللطاف
ترى بين الصفوف لها حفيفا * كما انصاع الفواق من الرصاف
فرحنا والجياد تجول فيهم * بأرماح مقومة الثقاف
فأبنا غانمين بما اشتهينا * وآبوا نادمين على الخلاف
وأعطينا رسول الله منا * مواثقنا على حسن التصافي
وقد سمعوا مقالتنا فهموا * غداة الروع منا بانصراف
شعر عباس بن مرداس في فتح مكة ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وقال عباس بن مرداس السلمي في فتح مكة ‏:‏
منا بمكة يوم فتح محمد * ألف تسيل به البطاح مسوم
نصروا الرسول وشاهدوا أيامه * وشعارهم يوم اللقاء مقدم
في منزل ثبتت به أقدامهم * ضنك كأن الهام فيه الحنتم
جرت سنابكها بنجد قبلها * حتى استقاد لها الحجاز الأدهم
الله مكنه له وأذله * حكم السيوف لنا وجد مزحم
عود الرياسة شامخ عرنينه * متطلع ثغر المكارم خضرم

ميارى 1 - 9 - 2010 03:29 AM

إسلام عباس بن مرداس
سبب إسلام ابن مرداس ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وكان إسلام عباس بن مرداس ، فيما حدثني بعض أهل العلم بالشعر ، وحديثه أنه كان لأبيه مرداس وثن يعبده ، وهو حجر كان يقال له ضمار ، فلما حضر مرداس قال لعباس ‏:‏ أي بني ، اعبد ضمار فإنه ينفعك ويضرك ، فبينا عباس يوماً عند ضمار ، إذ سمع من جوف ضمار منادياً يقول ‏:‏
قل للقبائل من سليم كلها * أودى ضمار وعاش أهل المسجد
إن الذي ورث النبوة والهدى * بعد ابن مريم من قريش مهتدى
أودى ضمار وكان يعبد مرة * قبل الكتاب إلى النبي محمد
فحرق عباس ضمار ، ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ‏.‏

شعر جعدة في يوم الفتح ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وقال جعدة بن عبدالله الخزاعي يوم فتح مكة ‏:‏
أكعب بن عمرو دعوة غير باطل * لحين له يوم الحديد متاح
أتيحت له من أرضه وسمائه * لتقتله ليلا بغير سلاح
ونحن الألى سدت غزال خيولنا * ولفتا سددناه وفج طلاح
خطرنا وراء المسلمين بجحفل * ذوي عضد من خيلنا ورماح
وهذه الأبيات في أبيات له ‏.‏

شعر بجيد في فتح مكة ‏:‏
وقال بجيد بن عمران الخزاعي ‏:‏
وقد أنشأ الله السحاب بنصرنا * ركام صحاب الهيدب المتراكب
وهجرتنا في أرضنا عندنا بها * كتاب أتى من خير ممل وكاتب
ومن أجلنا حلت بمكة حرمة * لندرك ثأراً بالسيوف القواضب
مسير خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة ومسير علي لتلافي خطأ خالد
وصاة الرسول له وما كان منه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حول مكة السرايا تدعو إلى الله عز وجل ، ولم يأمرهم بقتال ، وكان ممن بعث خالد بن الوليد ، وأمره أن يسير بأسفل تهامة داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، فوطئ بني جذيمة ، فأصاب منهم ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وقال عباس بن مرداس السلمي في ذلك ‏:‏
فإن تك أمرت في القوم خالدا * وقدمته فإنه قد تقدما
بجند هداه الله أنت أميره * نصيب به في الحق من كان أظلما
قال ابن هشام ‏:‏ وهذان البيتان في قصيدة له في حديث يوم حنين ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال ‏:‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد حين افتتح مكة داعياً ، ولم يبعثه مقاتلاً ، ومعه قبائل من العرب ‏:‏ سليم بن منصور ، ومدلج بن مرة ، فوطئوا بني جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة ، فلما رآه القوم أخذوا السلاح ، فقال خالد ‏:‏ ضعوا السلاح فإن الناس قد أسلموا ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني بعض أصحابنا من أهل العلم من بني جذيمة ‏:‏ قال ‏:‏ لما أمرنا خالد أن نضع السلاح قال رجل منا يقال له جحدم ‏:‏ ويلكم يا بني جذيمة ‏!‏ إنه خالد والله ‏!‏ ما بعد وضع السلاح إلا الإسار ، وما بعد الإسار إلا ضرب الأعناق ، والله لا أضع سلاحي أبداً ‏.‏
قال ‏:‏ فأخذه رجال من قومه ، فقالوا ‏:‏ يا جحدم ، أتريد أن تسفك دماءنا ‏؟‏ إن الناس أسلموا ووضعوا السلاح ، ووضعت الحرب ، وأمن الناس ‏.‏ فلم يزالوا به حتى نزعوا سلاحه ، ووضع القوم السلاح لقول خالد ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني حكيم بن حكيم ، عن أبي جعفر محمد بن علي ، قال ‏:‏ فلما وضعوا السلاح أمر بهم خالد عند ذلك ، فكتفوا ، ثم عرضهم على السيف ، فقتل من قتل منهم ؛ فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، رفع يديه إلى السماء ، ثم قال ‏:‏ اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ‏.‏

الرسول يتبرأ من فعل خالد ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏حدثني بعض أهل العلم ، أنه حدث عن إبراهيم بن جعفر المحمودي ، قال ‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ رأيت كأني لقمت لقمة من حيس فالتذذت طعمها ، فاعترض في حلقي منها شيء حين ابتلعتها ، فأدخل علي يده فنزعه ‏.‏
فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه ‏:‏ يا رسول الله ، هذه سرية من سراياك تبعثها ، فيأتيك منها بعض ما تحب ، ويكون في بعضها اعتراض ، فتبعث علياً فيسهله ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وحدثني أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ هل أنكر عليه أحد ‏؟‏ فقال ‏:‏ نعم ، قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة ، فنهمه خالد ، فسكت عنه ، وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب ، فراجعه ، فاشتدت مراجعتهما ، فقال عمر بن الخطاب ‏:‏ أما الأول يا رسول الله فابني عبدالله ، وأما الآخر فسالم ، مولى أبي حذيفة ‏.‏

إرساله صلى الله عليه وسلم علياً بدية بني جذيمة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني حكيم بن حكيم ، عن أبي جعفر محمد بن علي قال ‏:‏ ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال ‏:‏ يا علي ، اخرج إلى هؤلاء القوم ، فانظر في أمرهم ، واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك ‏.‏
فخرج علي حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال ، حتى أنه ليدي لهم ميلغة الكلب ، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه ، بقيت معه بقية من المال ، فقال لهم علي رضوان الله عليه حين فرغ منهم ‏:‏ هل بقي لكم بقية من دم أو مال لم يود لكم ‏؟‏
قالوا ‏:‏ لا ، قال ‏:‏ فإني أعطيكم هذه البقية من هذا المال ، احتياطاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما يعلم ولا تعلمون ، ففعل ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ‏:‏ فقال ‏:‏ أصبت وأحسنت ‏!‏ قال ‏:‏ ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة قائماً شاهراً يديه ، حتى إنه ليرى مما تحت منكبيه ، يقول ‏:‏ اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد ، ثلاث مرات ‏.‏

معذرة خالد في قتال القوم ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد قال بعض من يعذر خالداً ‏:‏ إنه قال ‏:‏ ما قاتلت حتى أمرني بذلك عبدالله بن حذافة السهمي ، وقال ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقاتلهم لامتناعهم من الإسلام ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ قال أبو عمرو المدني ‏:‏ لما أتاهم خالد ، قالوا ‏:‏ صبأنا صبأنا ‏.‏

ما وقع بين عبدالرحمن بن عوف وخالد بن الوليد ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد كان جحدم قال لهم حين وضعوا السلاح ورأى ما يصنع خالد ببني جذيمة ‏:‏ يا بني جذيمة ، ضاع الضرب ، قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه ‏.‏
قد كان بين خالد وبين عبدالرحمن بن عوف ، فيما بلغني ، كلام في ذلك ، فقال له عبدالرحمن بن عوف ‏:‏ عملت بأمر الجاهلية في الإسلام ‏.‏ فقال ‏:‏ إنما ثأرت بأبيك ‏.‏
فقال عبدالرحمن ‏:‏ كذبت ، قد قتلت قاتل أبي ، ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة ، حتى كان بينهما شر ‏.‏ فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ مهلاً يا خالد ، دع عنك أصحابي ، فوالله لو كان لك أحد ذهباً ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته ‏.‏

ما كان بين قريش وبني جذيمة في الجاهلية ‏:‏
وكان الفاكه بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، وعوف بن عبد مناف بن عبدالحارث بن زهرة ، وعفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس قد خرجوا تجاراً إلى اليمن ، ومع عفان ابنه عثمان ، ومع عوف ابنه عبدالرحمن ‏.‏
فلما أقبلوا حملوا مال رجل من بني جذيمة بن عامر ، كان هلك باليمن ، إلى ورثته ، فادعاه رجل منهم يقال له خالد بن هشام ، ولقيهم بأرض بني جذيمة قبل أن يصلوا إلى أهل الميت ، فأبوا عليه ، فقاتلهم بمن معه من قومه على المال ليأخذوه ، وقاتلوه ، فقتل عوف بن عبد عوف ، والفاكه بن المغيرة ، ونجا عفان أبي العاص وابنه عثمان ، وأصابوا مال الفاكه بن المغيرة ، ومال عوف بن عبد عوف ، فانطلقوا به ‏.‏
وقتل عبدالرحمن بن عوف خالد بن هشام قاتل أبيه ، فهمت قريش بغزو بني جذيمة ، فقالت بنو جذيمة ‏:‏ ما كان مصاب أصحابكم عن ملأ منا ، إنما عدا عليهم قوم بجهالة ، فأصابوهم ولم نعلم ، فنحن نعقل لكم ما كان قبلنا من دم أو مال ، فقبلت قريش ذلك ، ووضعوا الحرب ‏.‏

ما قيل من الشعر فيما كان بين خالد وجذيمة ‏:‏
وقد قال قائل من بني جذيمة ، ويعضهم يقول ‏:‏ امرأة يقال لها سلمى ‏:‏
ولولا مقال القوم للقوم أسلموا * للاقت سليم يوم ذلك ناطحا
لما صعهم بسر وأصحاب جحدم * ومرة حتى يتركوا البرك ضابحا
فكائن ترى يوم الغمصياء من فتى * أصيب ولم يجرح وقد كان جارحا
ألظت بخطاب الأيامى وطلقت * غداتئذ منهن من كان ناكحا
قال ابن هشام ‏:‏ قوله ‏:‏ بسر ، وألظت بخطاب ، عن غير ابن إسحاق ‏.‏

ما قاله عباس بن مرداس في الرد على ما قيل ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فأجابه عباس بن مرداس ، ويقال بل الجحاف بن حكيم السلمي ‏:‏
دعي عنك تقوال الضلال كفى بنا * لكبش الوغى في اليوم والأمس ناطحا
فخالد أولى بالتعذر منكم * غداة علا نهجا من الأمر واضحا
معانا بأمر الله يزجي إليكم * سوانح لا تكبو له وبوارحا
نعوا مالكا بالسهل لما هبطنه * عوابس في كأبي الغبار كوالحا
فإن نك أثكلناك سلمى فمالك * تركتم عليه نائحات ونائحا
ما قاله الجحاف رداً على ما قيل أيضاً ‏:‏
قال الجحاف بن حكيم السلمي ‏:‏
شهدن مع النبي مسومات * حنينا وهي دامية الكلام
وغزوة خالد شهدت وجرت * سنابكهن بالبلد الحرام
نعرض للطعان إذا التقينا * وجوها لا تعرض للطام
ولست بخالع عني ثيابي * إذا هز الكماة ولا أرامي
ولكني يجول المهر تحتي * إلى العلوات بالعضب الحسام

خبر ابن أبي حدرد مع بني جذيمة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن الزهري ، عن ابن أبي حدرد الأسلمي ، قال ‏:‏ كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد ، فقال لي ‏:‏ فتى من بني جذيمة ، وهو في سني ، وقد جمعت يداه إلى عنقه برمة ، ونسوة مجتمعات غير بعيد منه ، يا فتى ؛ فقلت ‏:‏ ما تشاء ‏؟‏
قال ‏:‏ هل أنت آخذ بهذه الرمة ، فقائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضى إليهن حاجة ، ثم تردني بعد ، فتصنعوا بي ما بدا لكم ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ والله ليسير ما طلبت ‏.‏ فأخذت برمته فقدته بها ، حتى وقف عليهن ، فقال ‏:‏ اسمي حبيش على نفد من العيش ‏:‏
أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم * بحلية أو ألفيتكم بالخوانق
ألم يك أهلاً أن ينول عاشق * تكلف إدلاج السرى والودائق
فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا * أثيبي بود قبل إحدى الصفائق
أثيبي بود قبل أن تشحط النوى * وينأى الأمير بالحبيب المفارق
فإني لا ضيعت سر أمانة * ولا راق عيني عنك بعدك رائق
سوى أن ما نال العشيرة شاغل * عن الود إلا أن يكون التوامق
قال ابن هشام ‏:‏ وأكثر أهل العلم بالشعر ينكر البيتين الأخيرين منها له ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ، عن الزهري عن ابن أبي حدرد الأسلمي ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ وأنت فحييت سبعاً وعشراً ، وتراً وثمانياً تترى ‏.‏ قال ‏:‏ ثم انصرفت به فضربت عنقه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني أبو فراس بن أبي سنبلة الأسلمي ، عن أشياخ منهم ، عمن كان حضرها منهم ، قالوا ‏:‏ فقامت إليه حين ضربت عنقه ، فأكبت عليه ، فما زالت حتى ماتت عنده ‏.‏

شعر رجل من بني جذيمة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال رجل من بني جذيمة ‏:‏
جزى الله عنا مدلجا حيث أصبحت * جزاءة بؤسى حيث سارت وحلت
أقاموا على أقضاضنا يقسمونها * وقد نهلت فينا الرماح وعلت
فوالله لولا دين آل محمد * لقد هربت منهم خيول فشلت
وما ضرهم أن لا يعينوا كتيبة * كرجل جراد أرسلت فاشمعلت
فإما ينيبوا أو يثوبوا لأمرهم * فلا نحن نجزيهم بما قد أضلت
ما أجابه به وهب الليثي ‏:‏
فأجابه وهب رجل من بني ليث فقال ‏:‏
دعونا إلى الإسلام والحق عامراً * فما ذنبنا في عامر إذ تولت
وما ذنبنا في عامر لا أبا لهم * لأن سفهت أحلامهم ثم ضلت
شعر رجل من بني جذيمة ‏:‏
وقال رجل من بني جذيمة ‏:‏
ليهنئ بني كعب مقدم خالد * وأصحابه إذ صبحتنا الكتائب
فلاترة يسعى بها ابن خويلد * وقد كنت مكفيا لو أنك غائب
فلا قومنا ينهون عنا غواتهم * ولا الداء من يوم الغميصاء ذاهب
شعر غلام جذمى هارب أمام خالد ‏:‏
وقال غلام من بني جذيمة ، وهو يسوق بأمه وأختين له وهو هارب بهن من جيش خالد ‏:‏
رخين أذيال المروط واربعن * مشي حييات كأن لم يفزعن
إن تمنع اليوم نساء تمنعن *
ما ارتجز به غلمة من جذيمة ‏:‏
وقال غلمة من بني جذيمة ، يقال لهم ‏:‏ بنو مساحق ، يرتجزون حين سمعوا بخالد ، فقال أحدهم ‏:‏
قد علمت صفراء بيضاء الإطل * يحوزها ذو ثلة وذو إبل
لأغنين اليوم ما أغنى رجل *
وقال الآخر ‏:‏
قد علمت صفراء تلبي العرسا * لا تملأ الحيزوم منها نهسا
لأضربن اليوم ضربا وعسا * ضرب المجلين مخاضا قعسا
وقال الآخر ‏:‏
أقسمت ما إن خادر ذو لبده * شثن البنان في غداة برده
جهم المحيا ذو سبال ورده * يرزم بين أيكة وجحده
ضار بتأكال الرجال وحده * بأصدق الغداة مني نجده

ميارى 1 - 9 - 2010 03:32 AM

مسير خالد بن الوليد لهدم العزى
خالد يهدم العزى
ثم بعث رسول الله صلى اله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى العزى ، وكانت بنخلة ، وكانت بيتا يعظمه هذا الحي من قريش وكنانة ومضر كلها ، وكانت سدنتها وحجابها بني شيبان من بني سليم حلفاء بني هاشم ، فلما سمع صاحبها السلمي بمسير خالد إليها ، علق عليها سيفه ، وأسند في الجبل الذي هي فيه وهو يقول ‏:‏
أيا عز شدي لا شوى لها * على خالد ألقى القناع وشمري
يا عز إن لم تقتلي المرء خالداً * فبوئي بإثم عاجل أو تنصري
فلما انتهى إليها خالد هدمها ، ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، قال ‏:‏ أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من شهر رمضان سنة ثمان ‏.‏
غزوة حنين في سنة ثمان بعد الفتح
اجتماع هوازن ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم وما فتح الله عليه من مكة ، جمعها مالك بن عوف النصري ، فاجتمع إليه مع هوازن ثقيف كلها ، واجتمعت نصر وجشم كلها ، وسعد بن بكر ، وناس من بني هلال ، وهم قليل ، ولم يشهدها من قيس عيلان إلا هؤلاء ، وغاب عنها فلم يحضرها من هوازن كعب ولا كلاب ، ولم يشهدها منهم أحد له اسم ‏.‏
وفي بني جشم دريد بن الصمة شيخ كبير ، ليس فيه شيء إلا التيمن برأيه ومعرفته بالحرب ، وكان شيخاً مجرباً ، وفي ثقيف سيدان لهم ، في الأحلاف قارب بن الأسود بن مسعود بن معتب ، وفي بني مالك ذو الخمار سبيع بن الحارث بن مالك ، وأخوه أحمر بن الحارث ، وجماع أمر الناس إلى مالك بن عوف النصري ‏.‏
فلما أجمع السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حط مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ، فلما نزل بأوطاس اجتمع إليه الناس ، وفيهم دريد بن الصمة في شجار له يقاد به ‏.‏
ما أشار به دريد بن الصمة ‏:‏
فلما نزل قال ‏:‏ بأي واد أنتم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بأوطاس ، قال ‏:‏ نعم مجال الخيل ‏!‏ لا حزن ضرس ، ولا سهل دهس ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ‏؟‏
قالوا ‏:‏ ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وأبناءهم ‏.‏ قال ‏:‏ أين مالك ‏؟‏ قيل ‏:‏ هذا مالك ودعي له ، فقال ‏:‏ يا مالك ، إنك قد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام ، ما لي أسمع رغاء البعير ، ونهاق الحمير ، وبكاء الصغير ، ويعار الشاء ‏؟‏
قال ‏:‏ سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم ، قال ‏:‏ ولم ذاك ‏؟‏ قال ‏:‏ أردت أن أجعل خلف كل رجل منهم أهله وماله ، ليقاتل عنهم ، قال ‏:‏ فأنقض به ، ثم قال ‏:‏ راعي ضأن والله ‏!‏ وهل يرد المنهزم شيء ‏؟‏ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ‏.‏
ثم قال ‏:‏ ما فعلت كعب وكلاب ‏؟‏ قالوا ‏:‏ لم يشهدها منهم أحد ، قال ‏:‏ غاب الحد والجد ، ولو كان يوم علاء ورفعة لم تغب عنه كعب ولا كلاب ، ولوددت أنكم فعلتم ما فعلت كعب وكلاب ، فمن شهدها منكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ عمرو بن عامر ، وعوف بن عامر، قال ‏:‏ ذانك الجذعان من عامر ، لا ينفعان ولا يضران ؛ يا مالك ، إنك لم تصنع بتقديم البيضة بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئاً ، ارفعهم إلى متمنع بلادهم وعليا قومهم ، ثم الق الصباء على متون الخيل فإن كانت لك لحق بك من وراءك ، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك ‏.‏
قال ‏:‏ والله لا أفعل ذلك ، إنك قد كبرت وكبر عقلك ‏.‏ والله لتطيعنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري ‏.‏ وكره أن يكون لدريد بن الصمة فيها ذكر أو رأي ؛ فقالوا ‏:‏ أطعناك ؛ فقال دريد بن الصمة ‏:‏ هذا يوم لم أشهده ولم يفتني ‏:‏
ياليتني فيها جذع * أخب فيها وأضع
أقود وطفاء الزمع * وكأنها شاة صدع
قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر قوله ‏:‏
يا ليتني فيها جذع *
الملائكة وعيون مالك بن عوف ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم قال ‏:‏ مالك للناس ‏:‏ إذا رأيتموهم فاكسروا جفون سيوفكم ، ثم شدوا شدة رجل واحد ‏.‏
قال ‏:‏ وحدثني أمية بن عبدالله بن عمرو بن عثمان أنه حدث ‏:‏ أن مالك بن عوف بعث عيوناً من رجاله ، فأتوه وقد تفرقت أوصالهم ، فقال ‏:‏ ويلكم ‏!‏ ما شأنكم ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ رأينا رجالاً بيضاً على خيل بلق ، فوالله ما تماسكنا أن أصابنا ما ترى ، فوالله ما رده ذلك عن وجهه أن مضى على ما يريد ‏.‏
بعث عبدالله بن أبي حدرد عيناً على خزاعة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما سمع بهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم عبدالله بن أبي حدرد الأسلمي ، وأمره أن يدخل في الناس ، فيقيم فيهم حتى يعلم علمهم ، ثم يأتيه بخبرهم ‏.‏
فانطلق ابن أبي حدرد ، فدخل فيهم ، فأقام فيهم ، حتى سمع وعلم ما قد أجمعوا له من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسمع من مالك وأمر هوازن ما هم عليه ، ثم أقبل حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ، فأخبره الخبر فقال عمر ‏:‏ كذب ابن أبي حدرد ، فقال ابن أبي حدرد ‏:‏ إن كذبتني فربما كذبت بالحق يا عمر ، فقد كذبت من هو خير مني ‏.‏
فقال عمر ‏:‏ يا رسول الله ، ألا تسمع ما يقول ابن أبي حدرد ‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ قد كنت ضالاً ، فهداك الله يا عمر ‏.‏
استعارة الرسول أدراع صفوان ‏:‏
فلما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى هوازن ليلقاهم ، ذكر له أن عند صفوان بن أمية أدراعاً له وسلاحاً ، فأرسل إليه وهو يومئذ مشرك ‏.‏
فقال ‏:‏ يا أبا أمية ، أعرنا سلاحك هذا نلق فيه عدونا غداً ، فقال صفوان ‏:‏ أغصبا يا محمد ‏؟‏ قال ‏:‏ بل عارية ومضمونة حتى نؤديها إليك ؛ قال ‏:‏ ليس بهذا بأس فأعطاه مائة درع بما يكفيها من السلاح ، فزعموا أن رسول الله صلى اله عليه وسلم سأله أن يكفيهم حملها ، ففعل ‏.‏
من أمره عليه السلام على مكة ‏:‏
قال ‏:‏ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ألفان من أهل مكة مع عشرة آلاف من أصحابه الذين خرجوا معه ، ففتح الله بهم مكة ، فكانوا اثني عشر ألفاً ، واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس على مكة ، أميراً على من تخلف عنه من الناس ، ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على وجهه يريد لقاء هوازن ‏.‏
قصيدة ابن مرداس ‏:‏
فقال عباس بن مرداس السلمي ‏:‏
أصابت العام رعلاً غول قومهم * وسط البيوت ولون الغول ألوان
يا لهف أم كلاب إذ تبيتهم * خيل ابن هوذة لا تنهى وإنسان
لا تلفظوها وشدوا عقد ذمتكم * أن ابن عمكم سعد ودهمان
لن ترجعوها وإن كانت مجللة * ما دام في النعم المأخوذ ألبان
شنعاء جلل من سوآتها حضن * وسال ذو شوغر منها وسلوان
ليست بأطيب مما يشتوي حذف * إذ قال ‏:‏كل شواء العير جوفان
وفي هوازن قوم غير أن بهم * داء اليماني فإن لم يغدروا خانوا
فيهم أخ لو وفوا أو بر عهدهم * ولو نهكناهم بالطعن قد لانوا
أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها * مني رسالة نصح فيه تبيان
أني أظن رسول الله صابحكم * جيشا له في فضاء الأرض أركان
فيهم أخوكم سليم غير تارككم * والمسلمون عباد الله غسان
وفي عضادته اليمنى بنو أسد * والأجربان بنو عبس وذبيان
تكاد ترجف منه الأرض رهبته * وفي مقدمه أوس وعثمان
قال ابن إسحاق ‏:‏ أوس وعثمان ‏:‏ قبيلا مزينة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ من قوله ‏:‏ أبلغ هوازن أعلاها وأسفلها ، إلى آخرها في هذا اليوم ، وما قبل ذلك في غير هذا اليوم ، وهما مفصولتان ، ولكن ابن إسحاق جعلهما واحدة ‏.‏
قصة ذات أنواط ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني ابن شهاب الزهري ، عن سنان بن أبي سنان الدؤلي ، عن أبي واقد الليثي ، أن الحارث بن مالك ، قال ‏:‏ خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهد بالجاهلية ، قال ‏:‏ فسرنا معه إلى حنين ، قال ‏:‏ وكانت كفار قريش ومن سواهم من العرب لهم شجرة عظيمة خضراء ، يقال لها ‏:‏ ذات أنواط ، يأتونها كل سنة فيعلقون أسلحتهم عليها ، ويذبحون عندها ، ويعكفون عليها يوماً ‏.‏
قال ‏:‏ فرأينا ونحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سدرة خضراء عظيمة ، قال ‏:‏ فتنادينا من جنبات الطريق ‏:‏ يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ‏.‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ الله أكبر ، قلتم ، والذي نفس محمد بيده ، كما قال قوم موسى لموسى ‏:‏ ‏(‏ اجعل لنا إلها كما لهم آلهة ، قال إنكم قوم تجهلون ‏)‏ ‏.‏ إنها السنن ، لتركبن سنن من كان قبلكم ‏.‏
ثبات الرسول وبعض الصحابة في لقاء هوازن ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ لما استقبلنا وادي حنين انحدرنا في واد من أودية تهامة أجوف حطوط ، إنما ننحدر فيه انحداراً ، قال ‏:‏ وفي عماية الصبح ، وكان القوم قد سبقونا إلى الوادي ، فكمنوا لنا في شعابه وأحنائه ومضايقه ، وقد أجمعوا وتهيئوا وأعدوا ، فوالله ما راعنا ونحن منحطون إلا الكتائب قد شدوا علينا شدة رجل واحد ، وانشمر الناس راجعين ، لا يلوي أحد على أحد ‏.‏
وانحاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات اليمن ، ثم قال ‏:‏ أين أيها الناس ‏؟‏ هلموا إلي ، أنا رسول الله ، أنا محمد بن عبدالله ‏.‏
قال ‏:‏ فلا شيء ، حملت الإبل بعضها على بعض ، فانطلق الناس ، إلا أنه قد بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته ‏.‏
من ثبت معه صلى الله عليه وسلم ‏:‏
وفيمن ثبت معه من المهاجرين أبو بكر وعمر ، ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبدالمطلب ، وأبو سفيان بن الحارث ، وابنه ، والفضل بن العباس ، وربيعة بن الحارث ، وأسامة بن زيد ، وأيمن بن عبيد ، قتل يومئذ ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏اسم ابن أبي سفيان بن الحارث جعفر ، واسم أبي سفيان المغيرة ؛ وبعض الناس يعد فيهم قثم بن العباس ، ولا يعد ابن أبي سفيان ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ ورجل من هوزان على جمل له أحمر ، بيده راية سوداء في رأس رمح له طويل ، أمام هوازن ، وهوازن خلفه ، إذا أدرك طعن برمحه ، وإذا فاته الناس رفع رمحه لمن وراءه فاتبعوه ‏.‏
أبو سفيان بن حرب وبعض الناس يشمت بالمسلمين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما انهزم الناس ، ورأى من كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من جفاة أهل مكة الهزيمة ، تكلم رجال منهم بما في أنفسهم من الضغن ، فقال أبو سفيان بن حرب ‏:‏ لا تنتهي هزيمتهم دون البحر ، وإن الأزلام لمعه في كنانته ‏.‏
وصرخ جبلة بن الحنبل - قال ابن هشام ‏:‏ كلدة بن الحنبل - وهو مع أخيه صفوان بن أمية مشرك في المدة التي جعل له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ألا بطل السحر اليوم ‏!‏ فقال له صفوان ‏:‏ اسكت فض الله فاك ، فوالله لأن يربني رجل من قريش أحب إلى من أن يربني رجل من هوازن ‏.‏
حسان يهجو كلدة ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وقال حسان بن ثابت يهجو كلدة ‏:‏
رأيت سواداً من بعيد فراعني * أبو حنبل ينزو على أم حنبل
كأن الذي ينزو به فوق بطنها * ذراع قلوص من نتاج ابن عزهل
أنشدنا أبو زيد هذين البيتين ، وذكر لنا أنه هجا بهما صفوان بن أمية ، وكان أخا كلدة لأمه ‏.‏
شيبة بن طلحة يحاول قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة ، أخو بني عبدالدار ، قلت ‏:‏ اليوم أدرك ثأري من محمد ، وكان أبوه قتل يوم أحد ، اليوم أقتل محمداً ، قال ‏:‏ فأدرت برسول الله لأقتله ، فأقبل شيء حتى تغشى فؤداي ، فلم أطق ذاك ، وعلمت أنه ممنوع مني ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بعض أهل مكة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين فصل من مكة إلى حنين ، ورأى كثرة من معه من جنود الله ‏:‏ لن نغلب اليوم من قلة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وزعم بعض الناس أن رجلاً من بني بكر قالها ‏.‏
النصر للمسلمين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني الزهري ، عن كثير بن العباس ، عن أبيه العباس بن عبدالمطلب ، قال ‏:‏ إني لمع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذ بحكمة بغلته البيضاء قد شجرتها بها ، قال ‏:‏ وكنت امرأ جسيماً شديد الصوت ‏.‏
قال ‏:‏ ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين رأى ما رأى من الناس ‏:‏ أين أيها الناس ‏؟‏ فلم أر الناس يلوون على شيء ، فقال ‏:‏ يا عباس ، اصرخ يا معشر الأنصار ‏:‏ يا معشر أصحاب السمرة ، قال ‏:‏ فأجابوا ‏:‏ لبيك لبيك ‏!‏ قال ‏:‏ فيذهب الرجل ليثني بعيره ، فلا يقدر على ، ذلك فيأخذ درعه فيقذفها في عنقه ؛ ويأخذ سيفه ترسه ، ويقتحم عن بعيره ، ويخلي سبيله ، فيؤم الصوت ، حتى ينتهي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
حتى إذا اجتمع إليه منهم مائة ، استقبلوا الناس ، فاقتتلوا ، وكانت الدعوى أول ما كانت ‏:‏ يا للأنصار ‏.‏ ثم خلصت أخيراً ‏:‏ يا للخزرج ‏.‏
وكانوا صبراً عند الحرب ، فأشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركائبه ‏.‏ فنظر إلى مجتلد القوم وهم يجتلدون ، فقال ‏:‏ الآن حمي الوطيس ‏.‏
قتل علي صاحب راية هوازن ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن بن جابر ، عن أبيه جابر بن عبدالله ، قال ‏:‏ بينا ذلك الرجل من هوزان صاحب الراية على جمله يصنع ما يصنع ، إذ هوى له علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ورجل من الأنصار يريدانه ، قال ‏:‏ فيأتيه علي بن أبي طالب من خلفه ، فضرب عرقوبي الجمل ، فوقع على عجزه ، ووثب الأنصاري على الرجل ، فضربه ضربة أطن قدمه بنصف ساقه ، فانجعف عن رحله ، قال ‏:‏ واجتلد الناس ، فوالله مارجعت راجعة الناس من هزيمتهم حتى وجدوا الأسارى مكتفين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
قال ‏:‏ والتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، وكان ممن صبر يومئذ مع رسول اله صلى الله عليه وسلم ، وكان حسن الإسلام حين أسلم ، وهو أخذ بثفر بغلته ، فقال ‏:‏ من هذا ‏؟‏ قال ‏:‏ أنا ابن أمك يا رسول الله ‏.‏
أم سليم في المعركة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التفت فرأى أم سليم بنت ملحان ‏:‏ وكانت مع زوجها أبي طلحة وهي حازمة وسطها ببرد لها ، وإنها لحامل بعبدالله بن أبي طلحة ، ومعها جمل أبي طلحة ، وقد خشيت أن يعزها الجمل ، فأدنت رأسه منها ، فأدخلت يدها في حزامته مع الخطام ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أم سليم ‏؟‏
قالت ‏:‏ نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك كما تقتل الذين يقاتلونك ، فإنهم لذلك أهل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أو يكفي الله يا أم سليم ‏؟‏ قال ‏:‏ ومعها خنجر ، فقال لها أبو طلحة ‏:‏ ما هذا الخنجر معك يا أم سليم ‏؟‏ قالت ‏:‏ خنجر أخذته إن دنا مني أحد من المشركين بعجته به قال ‏:‏ يقول أبو طلحة ‏:‏ ألا تسمع يا رسول الله ما تقول أم سليم الرميصاء ‏.‏
شعر مالك بن عوف يوم حنين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين وجه إلى حنين ، قد ضم بني سليم الضحاك بن سفيان الكلابي ، فكانوا إليه ومعه ، ولما انهزم الناس قال مالك بن عوف يرتجز بفرسه ‏:‏
أقدم محاج إنه يوم نكر * مثلي على مثلك يحمى ويكر
إذا أضيع الصف يوما والدبر * ثم احزألت زمر بعد زمر
كتائب يكل فيهن البصر * قد أطعن الطعنة تقذى بالسبر
حين يذم المستكين المنجحر * وأطعن النجلاء تعوي وتهر
لها من الجوف رشاش منهمر * تفهق تارات وحينا تنفجر
وثعلب العامل فيها منكسر * يا زيد يا بن همهم أين تفر
قد نفد الضرس وقد طال العمر * قد علم البيض الطويلات الخمر
أني في أمثالها غير غمر * إذ تخرج الحاصن من تحت الستر
وقال مالك بن عوف أيضاً ‏:‏
أقدم محاج إنها الأساوره ولا تغرنك رجل نادره *
قال ابن هشام ‏:‏ وهذان البيتان لغير مالك بن عوف في غير هذا اليوم ‏.‏
من قتل قتيلاً فله سلبه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، أنه حدث عن أبي قتادة الأنصاري قال ‏:‏ وحدثني من لا أتهم من أصحابنا عن نافع مولى بني غفار أبي محمد عن أبي قتادة ، قالا ‏:‏ قال أبو قتادة ‏:‏ رأيت يوم حنين رجلين يقتتلان ‏:‏ مسلماً ومشركاً ، قال ‏:‏ وإذا رجل من المشركين يريد أن يعين صاحبه المشرك على المسلم ‏.‏
قال ‏:‏ فأتيته ، فضربت يده ، فقطعتها ، واعتنقني بيده الأخرى ، فوالله ما أرسلني حتى وجدت ريح الدم - ويروى ‏:‏ ريح الموت ، فيما قال ابن هشام - وكاد يقتلني ، فلولا أن الدم نزفه لقتلني ، فسقط ، فضربته فقتلته ، وأجهضني عنه القتال ، ومر به رجل من أهل مكة فسلبه ‏.‏
فلما وضعت الحرب أوزارها وفرغنا من القوم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من قتل قتيلاً فله سلبه ، فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، والله لقد قتلت قتيلاً ذا سلب ، فأجهضني عنه القتال ، فما أدري من استلبه ‏؟‏ فقال رجل من أهل مكة ‏:‏ صدق يا رسول الله ، وسلب ذلك القتيل عندي ، فأرضه عني من سلبه ،
فقال أبو بكر الصديق رضى الله عنه ‏:‏ لا والله ، لا يرضيه منه ، تعمد إلى أسد من أسد الله ، يقاتل عن دين الله ، تقاسمه سلبه ‏!‏ اردد عليه سلب قتيله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ صدق اردد عليه سلبه ‏.‏ فقال أبو قتادة ‏:‏ فأخذته منه ، فبعته ، فاشتريت بثمنه مخرفاً ، فإنه لأول مال اعتقدته ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم ، عن أبي سلمة ، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك ، قال ‏:‏ لقد استلب أبو طلحة يوم حنين وحده عشرين رجلاً ‏.‏
الملائكة تحضر القتال ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني أبي إسحاق بن يسار ، أنه حدث عن جبير بن مطعم ، قال ‏:‏ رأيت قبل هزيمة القوم والناس يقتتلون مثل البجاد الأسود ، أقبل من السماء حتى سقط بيننا وبين القوم ، فنظرت ، فإذا نمل أسود مبثوث قد ملأ الوادي ، لم أشك أنها الملائكة ، ثم لم يكن إلا هزيمة القوم ‏.‏
هزيمة هوازن ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما هزم الله المشركين من أهل حنين ، وأمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ، قالت امرأة من المسلمين ‏:‏
قد غلبت خيل الله خيل اللات * والله أحق بالثبات
قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني بعض أهل العلم بالرواية للشعر ‏:‏
غلبت خيل الله خيل اللات * وخيله أحق بالثبات
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما انهزمت هوازن استحر القتل من ثقيف في بني مالك ، فقتل منهم سبعون رجلاً تحت رايتهم ، فيهم عثمان بن عبدالله بن ربيعة بن الحارث بن حبيب ، وكانت رايتهم مع ذي الخمار ، فلما قتل أخذها عثمان بن عبدالله ، فقاتل بها حتى قتل ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأخبرني عامر بن وهب بن الأسود ، قال ‏:‏ لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله ، قال ‏:‏ أبعده الله ‏!‏ فإنه كان يبغض قريشاً ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ‏:‏ أنه قتل مع عثمان بن عبدالله غلام له نصراني أغرل ، قال ‏:‏ فبينا رجل من الأنصار يسلب قتلى ثقيف ، إذ كشف العبد يسلبه ، فوجده أغرل ‏.‏ قال ‏:‏ فصاح بأعلى صوته ‏:‏ يا معشر العرب ‏:‏ يعلم الله أن ثقيفا غرل ‏.‏
قال المغيرة بن شعبة ‏:‏ فأخذت بيده ، وخشيت أن تذهب عنا في العرب ، فقلت ‏:‏ لا تقل ذاك ، فداك أبي وأمي ، إنما هو غلام لنا نصراني ‏.‏ قال ‏:‏ ثم جعلت أكشف له عن القتلى ، وأقول له ‏:‏ ألا تراهم مختنين كما ترى ‏!‏
هروب قارب بن الأسود مع قومه يوم حنين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكانت راية الأحلاف مع قارب بن الأسود ، فلما انهزم الناس أسند رايته إلى شجرة ، وهرب هو وبنو عمه وقومه من الأحلاف ، فلم يقتل من الأحلاف غير رجلين ‏:‏ رجل من غيرة ، يقال له ‏:‏ وهب ، وآخر من بني كبة ، يقال له ‏:‏ الجلاح ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه قتل الجلاح ‏:‏ قتل اليوم سيد شباب ثقيف ، إلا ما كان من ابن هنيدة ، يعني بابن هنيدة الحارث بن أويس ‏.‏
شعر عباس بن مرداس في هجاء قارب وقومه ‏:‏
فقال عباس ابن مرداس السلمي يذكر قارب بن الأسود وفراره من بني أبيه ، وذا الخمار وحبسه قومه للموت ‏:‏
ألا من مبلغ غيلان عني * وسوف - إخال - يأتيه الخبير
وعروة إنما أهدى جوابا * وقولاً غير قولكما يسير
بأن محمداً عبد رسول * لرب لا يضل ولا يجور
وجدناه نبياً مثل موسى * فكل فتى يخايره مخير
وبئس الأمر أمر بني قسي * بوج إذ تقسمت الأمور
أضاعوا أمرهم ولكل قوم * أمير والدوائر قد تدور
فجئنا أسد غابات إليهم * جنود الله ضاحية تسير
يؤم الجمع جمع بني قسي * على حنق نكاد له نطير
وأقسم لو هم مكثوا لسرنا * إليهم بالجنود ولم يغوروا
فكنا أسد لية ثم حتى * أبحناها وأسلمت النصور
ويوم كان قبل لدى حنين * فأقلع والدماء به تمور
من الأيام لم تسمع كيوم * ولم يسمع به قوم ذكور
قتلنا في الغبار بني حطيط * على راياتها والخيل زور
ولم يك ذو الخمار رئيس قوم * لهم عقل يعاقب أو مكير
أقام بهم على سنن المنايا * وقد بانت لمبصرها الأمور
فأفلتمن نجا منهم جريضاً * وقتل منهم بشر كثير
ولا يغني الأمور أخو التواني * ولا الغلق الصريرة الحصور
أحانهم وحان وملكوه * أمورهم وأفلتت الصقور
بنو عوف تميح بهم جياد * أهين لها الفصافص والشعير
فلولا قارب وبنو أبيه * تقسمت المزارع والقصور
ولكن الرياسة عمموها * على يمن أشار به المشير
أطاعوا قاربا ولهم جدود * وأحلام إلى عز تصير
فإن يهدوا إلى الإسلام يلفوا * أنوف الناس ما سمر السمير
وإن لم يسلموا فهم أذان * بحرب الله ليس لهم نصير
كما حكت بني سعد وحرب * برهط بني غزية عنقفير
كأن بني معاوية بن بكر * إلى الإسلام ضائنة تخور
فقلنا أسلموا إنا أخوكم * وقد برأت من الإحن الصدور
كأن القوم إذ جاءوا إلينا * من البغضاء بعد السلم عور
قال ابن هشام ‏:‏ غيلان ‏:‏ غيلان بن سلمة الثقفي ، وعروة ‏:‏ عروة بن مسعود الثقفي ‏.‏
مقتل دريد ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما انهزم المشركون ، أتوا الطائف ومعهم مالك بن عوف ، وعسكر بعضهم بأوطاس ، وتوجه بعضهم نحو نخلة ، ولم يكن فيمن توجه نحو نخلة إلا بنو غيرة من ثقيف ، وتبعت خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلك في نخلة من الناس ، ولم تتبع من سلك الثنايا ‏.‏
فأدرك ربيعة بن رفيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمال ابن عوف بن امرؤ القيس ، وكان يقال له ‏:‏ ابن الدغنة وهي أمه ، فغلبت على اسمه ، ويقال ‏:‏ ابن لذعة فيما قال ابن هشام ‏:‏ - دريد بن الصمة ، فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة ، وذلك أنه في شجار له ، فإذا برجل ، فأناح به ، فإذا شيخ كبير ، وإذا هو دريد بن الصمة ولا يعرفه الغلام ‏!‏
فقال له دريد ‏:‏ ماذا تريد بي ‏؟‏ قال ‏:‏ أقتلك ، قال ‏:‏ ومن أنت ‏؟‏ قال ‏:‏ أنا ربيعة بن رفيع السلمي ، ثم ضربه بسيفه ، فلم يغن شيئاً ، فقال ‏:‏ بئس ما سلحتك أمك ‏!‏ خذ سيفي هذا من مؤخر الرحل ، وكان الرحل في الشجار ، ثم أضرب به ، وارفع عن العظام ، وأخفض عن الدماغ ، فإني كنت كذلك أضرب الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصمة ، فرب والله يوم قد منعت فيه نساءك ‏.‏
فزعم بنو سليم أن ربيعة لما ضربه فوقع تكشف ، فإذا عجانه وبطون فخذيه ، مثل القرطاس من ركوب الخيل أعراء ؛ فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه ، فقالت ‏:‏ أما والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثاً ‏.‏
شعر عمرة بنت دريد في مقتل أبيها ‏:‏
فقالت عمرة بنت دريد في قتل ربيعة دريداً ‏:‏
لعمرك ما خشيت على دريد * ببطن سميرة جيش العناق
جزى عنه الإله بني سليم * وعقتهم بما فعلوا عقاق
وأسقانا إذا قدنا إليهم * دماء خيارهم عند التلاقي
فرب عظيمة دافعت عنهم * وقد بلغت نفوسهم التراقي
ورب كريمة أعتقت منهم * وأخرى قد فككت من الوثاق
ورب منوه بك من سليم * أجبت وقد دعاك بلا رماق
فكان جزاؤنا منهم عقوقا * وهما ماع منه مخ ساقي
عفت آثار خيلك بعد أين * بذي بقر إلى فيف النهاق
وقالت عمرة بنت دريد أيضاً ‏:‏
قالوا قتلنا دريدا قلت قد صدقوا * فظل دمعي على السربال ينحدر
لولا الذي قهر الأقوام كلهم * رأت سليم وكعب كيف تأتمر
إذن لصبحهم غباً وظاهرة * حيث استقرت نواهم جحفل ذفر
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال اسم الذي قتل دريداً ‏:‏ عبدالله بن قنيع بن أهبان بن ثعلبة بن ربيعة ‏.‏
استشهاد أبي عامر الأشعري ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثار من توجه قبل أوطاس أبا عامر الأشعري ، فأدرك من الناس بعض من انهزم ، فناوشوه القتال ، فرمي أبو عامر بسهم فقتل ؛ فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ، وهو ابن عمه ، فقاتلهم ، ففتح الله على يديه وهزمهم ، فيزعمون أن سلمة بن دريد هو الذي رمى أبا عامر الأشعري بسهم ، فأصاب ركبته ، فقتله ، فقال ‏:‏
إن تسألوا عني فإني سلمه * ابن سمادير لمن توسمه
أضرب بالسيف رءوس المسلمه *
دعاء الرسول لبني رئاب ‏:‏
وسمادير ‏:‏ أمه ‏.‏
واستحر القتل من بني نصر في بني رئاب ، فزعموا أن عبدالله بن قيس - وهو الذي يقال له ابن العوراء ، وهو أحد بني وهب بن رئاب - قال ‏:‏ يا رسول الله ، هلكت بنو رئاب ‏.‏
فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ اللهم اجبر مصيبتهم ‏.‏
شعر لمالك بن عوف يوم حنين ‏:‏
وخرج مالك بن عوف عند الهزيمة ، فوقف في فوارس من قومه ، على ثنية من الطريق ، وقال لأصحابه ‏:‏ قفوا حتى تمضي ضعفاؤكم ، وتلحق أخراكم ‏.‏ فوقف هناك حتى مضى من كان لحق بهم من مهزمة الناس ؛ فقال مالك بن عوف في ذلك ‏:‏
ولولا كرتان على محاج * لضاق على العضاريط الطريق
ولولا كر دهمان بن نصر * لدى النخلات مندفع الشديق
لآبت جعفر وبنو هلال * خزايا محقبين على شقوق
قال ابن هشام ‏:‏ هذه الأبيات لمالك بن عوف في غير هذا اليوم ‏.‏ ومما يدلك على ذلك قول دريد بن الصمة في صدر هذا الحديث ‏:‏ ما فعلت كعب وكلاب ‏؟‏ فقالوا له ‏:‏ لم يشهدها منهم أحد ‏.‏ وجعفر بن كلاب ‏.‏ وقال مالك بن عوف في هذه الأبيات ‏:‏ لآبت جعفر وبنو هلال ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 03:35 AM

لقاء الزبير بعض المنهزمين ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وبلغني أن خيلا طلعت ومالك وأصحابه على الثنية ، فقال لأصحابه ‏:‏ ماذا ترون ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ نرى قوماً واضعي رماحهم بين آذان خيلهم ، طويلة بوادهم ؛ فقال ‏:‏ هؤلاء بنو سليم ، ولا بأس عليكم منهم ؛ فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادي ‏.‏
ثم طلعت خيل أخرى تتبعها ؛ فقال لأصحابه ‏:‏ ماذا ترون ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نرى قوماً عارضي رماحهم أغفالاً على خيلهم ؛ فقال ‏:‏ هؤلاء الأوس والخزرج ، ولا بأس عليكم منهم ‏.‏
فلما انتهوا إلى الثنية سلكوا طريق بني سليم ‏.‏ ثم طلع فارس ؛ فقال لأصحابه ‏:‏ ماذا ترون ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نرى فارساً طويل الباد ، واضعاً رمحه على عاتقه ، عاصباً رأسه بملاءة حمراء فقال ‏:‏ هذا الزبير بن العوام واحلف باللات ليخالطنكم ، فاثبتوا له ‏.‏ فلما انتهى الزبير إلى أصل الثنية أبصر القوم ، فصمد لهم ، فلم يزل يطاعنهم حتى أزاحهم عنها ‏.‏
شعر سلمة بن دريد في فراره يوم حنين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال سلمة بن دريد وهو يسوق بامرأته حتى أعجزهم ‏:‏
نسيتني ما كنت غير مصابة * ولقد عرفت غداة نعف الأظرب
أني منعتك والركوب محبب * ومشيت خلفك مثل مشي الأنكب
إذ فر كل مهذب ذي لمة * عن أمه وخليله لم يعقب
من حديث أبي عامر الأشعري ومقتله يوم حنين ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وحدثني من أثق به من أهل العلم بالشعر ، وحديثه ‏:‏ أن أبا عامر الأشعري لقي يوم أوطاس عشرة أخوة من المشركين ، فحمل عليه أحدهم ، فحمل عليه أبو عامر وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول ‏:‏ اللهم اشهد عليه ، فقتله أبو عامر ؛ ثم حمل عليه آخر ، فحمل عليه أبو عامر ، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول ‏:‏ اللهم اشهد عليه ، فقتله أبو عامر ‏:‏ ثم جعلوا يحملون عليه رجلاً رجلاً ، ويحمل أبو عامر وهو يقول ذلك ، حتى قتل تسعة ، وبقي العاشر ، فحمل على أبي عامر ، وحمل عليه أبو عامر ، وهو يدعوه إلى الإسلام ويقول ‏:‏ اللهم اشهد عليه ؛ فقال الرجل ‏:‏ اللهم لا تشهد علي ، فكف عنه أبو عامر فأفلت ؛ ثم أسلم بعد فحسن إسلامه ‏.‏ فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآه قال ‏:‏ هذا شريد أبي عامر ‏.‏
ورمى أبا عامر أخوان ‏:‏ العلاء وأوفى ابنا الحارث ، من بني جشم بن معاوية ، فأصاب أحدهما قلبه ، والآخر ركبته ، فقتلاه ‏.‏ وولي الناس أبو موسى الأشعري فحمل عليهما فقتلهما ؛ فقال رجل من بني جشم بن معاوية يرثيهما ‏:‏
إن الرزية قتل العلاء * وأوفى جميعا ولم يسندا
هما القاتلان أبا عامر * وقد كان ذا هبة أربدا
هما تركاه لدى معرك * كأن على عطفه مجسدا
فلم تر في الناس مثليهما * أقل عثارا وأرمى يدا
نهيه عليه السلام عن قتل الضعفاء ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بعض أصحابنا ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر يومئذ بامرأة وقد قتلها خالد بن الوليد ، والناس متقصفون عليها فقال ‏:‏ ما هذا ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ امرأة قتلها خالد بن الوليد ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض من معه ‏:‏ أدرك خالداً ، فقل له ‏:‏ إن رسول الله ينهاك أن تقتل وليداً أو امرأة أو عسيفاً ‏.‏
الشيماء أخت الرسول ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني بعض بني سعد بن بكر ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ ‏:‏ إن قدرتم على بجاد ، رجل من بني سعد بن بكر ، فلا يفلتنكم ، وكان قد أحدث حدثاً ، فلما ظفر به المسلمون ساقوه وأهله ، وساقوا معه الشيماء ، بنت الحارث بن عبدالعزى أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ، فعنفوا عليها في السياق ؛ فقالت للمسلمين ‏:‏ تعلموا والله أني لأخت صاحبكم من الرضاعة ؛ فلم يصدقوها حتى أتوا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
إكرامه عليه السلام أخته الشيماء ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني يزيد بن عبيد السعدي ، قال ‏:‏ فلما انتهى بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت ‏:‏ يا رسول الله ، إني أختك من الرضاعة ؛ قال ‏:‏ وما علامة ذلك ‏؟‏
قالت ‏:‏ عضة عضضتنيها في ظهري وأنا متوركتك ؛ قال ‏:‏ فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم العلامة ، فبسط لها رداءه ، فأجلسها عليه ، وخيرها ، وقال ‏:‏ إن أحببت فعندي محبة مكرمة ، وإن أحببت أن أمتعك وترجعي إلى قومك فعلت ؛ فقالت ‏:‏ بل تمتعني وتردني إلى قومي ‏.‏
فمتعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وردها إلى قومها ‏.‏ فزعمت بنو سعد أنه أعطاها غلاما له يقال له مكحول ، وجارية ، فزوجت أحدهما الأخرى ، فلم يزل فيهم من نسلهما بقية ‏.‏
ما أنزل الله في حنين ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وأنزل الله عز وجل في يوم حنين ‏:‏ ‏(‏ لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ‏)‏ إلى قوله ‏:‏ ‏(‏ وذلك جزاء الكافرين ‏)‏ ‏.‏
شهداء حنين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وهذه تسمية من استشهد يوم حنين من المسلمين ‏:‏
من قريش ‏:‏ ثم من بني هاشم ‏:‏ أيمن بن عبيد ‏.‏
ومن بني أسد بني عبدالعزى ‏:‏ يزيد بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، جمح به فرس له يقال له الجناح ، فقتل ‏.‏
ومن الأنصار ‏:‏ سراقة بن الحارث بن عدي ، من بني العجلان ‏.‏
ومن الأشعريين ‏:‏ أبو عامر الأشعري ‏.‏
سبايا حنين وأموالها ‏:‏
ثم جمعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا حنين وأموالها ، وكان على المغانم مسعود بن عمرو الغفاري ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبايا والأموال إلى الجعرانة ، فحبست بها ‏.‏
شعر بجير يوم حنين ‏:‏
وقال بجير بن زهير بن أبي سلمى في يوم حنين ‏:‏
لولا الإله وعبده وليتم * حين استخف الرعب كل جبان
بالجزع يوم حبا لنا أقراننا * وسوابح يكبون للأذقان
من بين ساع ثوبه في كفه * ومقطر بسنابك ولبان
والله أكرمنا وأظهر ديننا * و أعزنا بعبادة الرحمن
والله أهلكهم وفرق جمعهم * و أذلهم بعبادة الشيطان
قال ابن هشام ‏:‏ ويروى فيها بعض الرواة ‏:‏
إذ قام عم نبيكم ووليه * يدعون يا لكتيبة الإيمان
أين الذين هم أجابوا ربهم * يوم العريض وبيعة الرضوان
شعر لعباس بن مرداس يوم حنين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال عباس بن مرداس في يوم حنين ‏:‏
إني والسوابح يوم جمع * وما يتلو الرسول من الكتاب
لقد أحببت ما لقيت ثقيف * بجنب الشعب أمس من العذاب
هم رأس العدو من أهل نجد * فقتلهم ألذ من الشراب
هزمنا الجمع جمع بني قسي * وحكت بركها ببني رئاب
وصرما من هلال غادرتهم * بأوطاس تعفر بالتراب
ولو لاقين جمع بني كلاب * لقام نساؤهم والنقع كابي
ركضنا الخيل فيهم بين بس * إلى الأورال تنحط بالنهاب
بذى لجب رسول الله فيهم * كتيبته تعرض للضراب
قال ابن هشام ‏:‏ قوله ‏:‏ تعفر بالتراب ‏:‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏
عطية بن عفيف النصري يرد على شعر عباس بن مرداس ‏:‏
فأجابه عطية بن عفيف النصري ، فيما حدثنا ابن هشام ، فقال ‏:‏
أفاخرة رفاعة في حنين * وعباس ابن راضعة اللجاب
فإنك والفجار كذات مرط * لربتها وترفل في الإهاب
قال ابن إسحاق ‏:‏ قال عطية بن عفيف هذين البيتين لما أكثر عباس على هوازن في يوم حنين ‏.‏ ورفاعة من جهينة ‏.‏
شعر آخر لابن مرداس في يوم حنين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال عباس بن مرداس أيضاً ‏:‏
يا خاتم النباء إنك مرسل * بالحق كل هدى السبيل هداكا
إن الإله بنى عليك محبة * في خلقه ومحمداً سماكا
ثم الذين وفوا بما عاهدتهم * جند بعثت عليهم الضحاكا
رجلاً به ذرب السلاح كأنه * لما تكنفه العدو يراكا
يغشى ذوي النسب القريب وإنما * يبغى رضا الرحمن ثم رضاكا
أنبيك أني قد رأيت مكرة * تحت العجاجة يدمغ الإشراكا
طوراً يعانق باليدين وتارة * يفرى الجماجم صارما بتاكا
يغشى به هام الكماة ولو ترى * منه الذي عاينت كان شفاكا
وبنو سليم معنقون أمامه * ضربا وطعنا في العدو دراكا
يمشون تحت لوائه وكأنهم * أسد العرين أردن ثم عراكا
ما يرتجون من القريب قرابة * إلا لطاعة ربهم وهواكا
هذي مشاهدنا التي كانت لنا * معروفة وولينا مولاكا
وقال عباس بن مرداس أيضاً ‏:‏
إما ترى يا أم فروة خيلنا * منها معطلة تقاد وظلع
أوهى مقارعة الأعادي دمها * فيها نوافذ من جراح تنبع
فلرب قائلة كفاها وقعنا * أزم الحروب فسربها لا يفزع
لا وفد كالوفد الألى عقدوا لنا * سببا بحبل محمد لا يقطع
وفد أبو قطن حزابة منهم * وأبو الغيوث وواسع والمقنع
والقائد المائة التي وفى بها * تسع المئين فتم ألف أقرع
جمعت بنو عوف ورهط مخاشن * ستا وأحلب من خفاف أربع
فهناك إذ نصر النبي بألفنا * عقد النبي لنا لواء يلمع
فزنا برايته وأورث عقده * مجد الحياة وسودداً لا ينزع
وغداة نحن مع النبي جناحه * ببطاح مكة والقنا يتهزع
كانت إجابتنا لداعى ربنا * بالحق منا حاسر ومقنع
في كل سابغة تخير سردها * داود إذ نسج الحديد وتبع
ولنا على بئري حنين موكب * دمغ النفاق وهضبة ما تقلع
نصر النبي بنا وكنا معشرا * في كل نائبة نضر وننفع
ذدنا غداتئذ هوازن بالقنا * والخيل يغمرها عجاج يسطع
إذ خاف حدهم النبي وأسندوا * جمعا تكاد الشمس منه تخشع
تدعى بنو جشم وتدعى وسطه * أفناء نصر والأسنة شرع
حتى إذا قال الرسول محمد * أبني سليم قد وفيتم فارفعوا
رحنا ولولا نحن أجحف بأسهم * بالمؤمنين وأحرزوا ما جمعوا
وقال عباس بن مرداس أيضاً في يوم حنين ‏:‏
عفا مجدل من أهله فمتالع * فمطلا أريك قد خلا فالمصانع
ديار لنا يا جمل إذ جل عيشنا * رخي وصرف الدار للحي جامع
حبيبة ألوت بها غربة النوى * لبين فهل ماض من العيش راجع
فإن تبتغي الكفار غير ملومة * فإني وزير للنبي وتابع
دعاني إليهم خير وفد علمتهم * خزيمة والمرار منهم وواسع
فجئنا بألف من سليم عليهم * لبوس لهم من نسج داود رائع
نبايعه بالأخشبين وإنما * يد الله بين الأخشبين نبايع
فجسنا مع المهدي مكة عنوة * بأسيافنا والنقع كاب وساطع
عدنية والخيل يغشى متونها * حميم وآن من دم الجوف ناقع
ويوم حنين حين سارت هوازن * إلينا وضاقت بالنفوس الأضالع
صبرنا مع الضحاك لا يستفزنا * قراع الأعادي منهم والوقائع
أمام رسول الله يخفق فوقنا * لواء كخذروف السحابة لا معض
عشية ضحاك بن سفيان معتص * بسيف رسول الله والموت كانع
نذود أخانا عن أخينا ولو نرى * مصالاً لكنا الأقربين نتابع
ولكن دين الله دين محمد * رضينا به فيه الهدى والشرائع
أقام به بعد الضلالة أمرنا * وليس لأمر حمه الله دافع
وقال عباس بن مرداس أيضاً في يوم حنين ‏:‏
تقطع باقي وصل أم مؤمل * بعاقبة واستبدلت نية خلفا
وقد حلفت بالله لا تقطع القوى * فما صدقت فيه ولا برت الحلفا
خفافية بطن العقيق مصيفها * وتحتل في البادين وجرة فالعرفا
فإن تتبع الكفار أم مؤمل * فقد زودت قلبي على نأيها شغفا
وسوف ينبيها الخبير بأننا * أبينا ولم نطلب سوى ربنا حلفا
وأنا مع الهادي النبي محمد * وفينا ولم يستوفها معشر ألفا
بفتيان صدق من سليم أعزة * أطاعوا فما يعصون من أمره حرفا
خفاف وذكوان وعوف تخالهم * مصاعب زافت في طروقتها كلفا
كأن النسيج الشهب والبيض ملبس * أسوداً تلاقت في مراصدها غضفا
بنا عز دين الله غير تنحل * وزدنا على الحي الذي معه ضعفا
بمكة إذ جئنا كأن لواءنا * عقاب أرادت بعد تحليقها خطفا
على شخص الأبصار تحسب بينها * إذا هي جالت في مراودها عزفا
غداة وطئنا المشركين ولم نجد * لأمر رسول الله عدلا ولا صرفا
بمعترك لا يسمع القوم وسطه * لنا زجمة إلا التذامر والنقفا
ببيض تطير الهام عن مستقرها * ونقطف أعناق الكماة بها قطفا
فكائن تركنا من قتيل ملحب * وأرملة تدعو على بعلها لهفا
رضا الله ننوي لا رضا الناس نبتغي * ولله ما يبدو جميعا وما يخفى
وقال عباس بن مرداس أيضاً ‏:‏
ما بال عينك فيها عائر سهر * مثل الحماطة أغضى فوقها الشفر
عين تأوبها من شجوها أرق * فالماء يغمرها طوراً وينحدر
كأنه نظم در عند ناظمة * تقطع السلك منه فهو مئتثر
يا بعد منزل من ترجو مودته * ومن أتى دونه الصمان فالحفر
دع ما تقدم من عهد الشباب فقد * ولى الشباب وزار الشيب والزعر
واذكر بلاء سليم في مواطنها * وفي سليم لأهل الفخر مفتخر
قوم هم نصروا الرحمن واتبعوا * دين الرسول وأمر الناس مشتجر
لا يغرسون فسيل النخل وسطهم * لا تخاور في مشتاهم البقر
إلا سوابح كالعقبان مقربة * في دارة حولها الأخطار والعكر
تدعى خفاف وعوف في جوانبها * وحي ذكوان لا ميل ولا ضجر
الضاربون جنود الشرك ضاحية * ببطن مكة والأرواح تبتدر
حتى دفعنا وقتلاهم كأنهم * نخل بظاهرة البطحاء منقعر
ونحن يوم حنين كان مشهدنا * للدين عزا وعند الله مدخر
إذ نركب الموت مخضرا بطائنه * والخيل ينجاب عنها ساطع كدر
تحت اللواء مع الضحاك يقدمنا * كما مشى الليث في غاباته الخدر
في مأزق من مجر الحرب كلكلها * تكاد تأفل منه الشمس والقمر
وقد صبرنا بأوطاس أسنتنا * لله ننصر من شئنا وننتصر
حتى تأوب أقوام منازلهم * لولا المليك ولولا نحن ما صدروا
فما ترى معشراً قلوا ولا كثروا * إلا قد أصبح منا فيهم أثر
وقال عباس بن مرداس أيضاً ‏:‏
يا أيها الرجل الذي تهوي به * وجناء مجمرة المناسم عرمس
إما أتيت على النبي فقل له * حقاً عليك إذا اطمأن المجلس
يا خير من ركب المطي ومشى * فوق التراب إذا تعد الأنفس
إنا وفينا بالذي عاهدتنا * والخيل تقدع بالكماة وتضرس
إذ سال من أفناء بهثة كلها * جمع تظل به المخارم ترجس
حتى صبحنا أهل مكة فيلقا * شهباء يقدمها الهمام الأشوس
من كل أغلب من سليم فوقه * بيضاء محكمة الدخال وقونس
يروي القناة إذا تجاسر في الوغى * وتخاله أسداً إذا ما يعبس
يغشى الكتيبة معلما وبكفه * عضب يقد به ولدن مدعس
وعلى حنين قد وفى من جمعنا * ألف أمد به الرسول عرندس
كانوا أمام المؤمنين دريئة * والشمس يومئذ عليهم أشمس
نمضي ويحرسنا الإله بحفظه * والله ليس بضائع من يحرس
ولقد حبسنا بالمناقب محبسا * رضي الإله به فنعم المحبس
وغداة أوطاس شددنا شدة * كفت العدو وقيل منها ‏:‏ يا احبسوا
تدعو هوازن بالأخاوة بيننا * ثدي تمد به هوازن أيبس
حتى تركنا جمعهم وكأنه * عير تعاقبه السباع مفرس
قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني خلف الأحمر قوله ‏:‏ وقيل منها يا احبسوا ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال عباس بن مرداس أيضاً ‏:‏
نصرنا رسول الله من غضب له * بألف كمي لا تعد حواسره
جملنا له في عامل الرمح راية * يذود بها في حومة الموت ناصره
ونحن خضبناها دما فهو لونها * غداة حنين يوم صفوان شاجره
وكنا على الإسلام ميمنة له * وكان لنا عقد اللواء وشاهره
وكنا له دون الجنود بطانة * يشاورنا في أمره ونشاوره
دعانا فسمانا الشعار مقدما * وكنا له عونا على من يناكره
جزى الله خيرا من نبي محمداً * وأيده بالنصر والله ناصره
قال ابن هشام ‏:‏ أنشدني من قوله ‏:‏ وكنا على الإسلام ‏.‏ إلى آخرها ، بعض أهل العلم بالشعر ، ولم يعرف البيت الذي أوله ‏:‏ حملنا له في عامل الرمح راية ، وأنشدني بعد قوله ‏:‏ وكان لنا عقد اللواء وشاهره ، ونحن خضبناه دما فهو لونه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال عباس بن مرداس أيضاً ‏:‏
من مبلغ الأقوام أن محمدا * رسول الإله راشد حيث يمما
دعا ربه واستنصر الله وحده * فأصبح قد وفى إليه وأنعما
سرينا وواعدنا قديداً محمداً * يؤم بنا أمراً من الله محكما
تماروا بنا في الفجر حتى تبينوا * مع الفجر فتيانا وغابا مقوما
على الخيل مشدودا علينا دروعنا * ورجلا كدفاع الأتي عرمرما
فإن سراة الحي إن كنت سائلا * سليم وفيهم منهم من تسلما
وجند من الأنصار لا يخذلونه * أطاعوا فما يعصونه ما تكلما
فإن تك قد أمرت في القوم خالدا * وقدمته فإنه قد تقدما
بجند هداه الله أنت أميره * تصيب به في الحق من كان أظلما
حلفت يمينا برة لمحمد * فأكملتها ألفا من الخيل ملجما
وقال نبي المؤمنين تقدموا * وحب إلينا أن نكون المقدما
وبتنا بنهي المستدير ولم يكن * بنا الخوف إلا رغبة وتحزما
أطعناك حتى أسلم الناس كلهم * وحتى صبحنا الجمع أهل يلملما
يضل الحصان الأبلق الورد وسطه * ولا يطمئن الشيخ حتى يسوما
سمونا لهم ورد القطا زفة ضحى * وكل تراه عن أخيه قد أحجما
لدن غدوة حتى تركنا عشية * حنينا وقد سالت دوافعه دما
إذا شئت من كل رأيت طمرة * وفارسها يهوي ورمحا محطما
وقد أحرزت منا هوازن سربها * وحب إليها أن نخيب ونحرما
شعر ضمضم بن الحارث في يوم حنين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال ضمضم بن الحارث بن جشم بن عبد بن حبيب بن مالك بن عوف بن يقظة بن عصية السلمي في يوم حنين ، وكانت ثقيف أصابت كنانة بن الحكم بن خالد بن الشريد ، فقتل به محجنا وابن عم له ، وهما من ثقيف ‏:‏
نحن جلبنا الخيل من غير مجلب * إلى جرش من أهل زيان والفم
نقتل أشبال الأسود ونبتغي * طواغي كانت قبلنا لم تهدم
فإن تفخروا بابن الشريد فإنني * تركت بوج مأتما بعد مأتم
أباتهما بابن الشريد وغره * جواركم وكان غير مذمم
تصيب رجالاً من ثقيف رماحنا * وأسيافنا يكلمنهم كل مكلم
وقال ضمضم بن الحارث أيضاً ‏:‏
أبلغ لديك ذوي الحلائل آية * لا تأمنن الدهر ذات خمار
بعد التي قالت لجارة بيتها * قد كنت لو لبث الغزي بدار
لما رأت رجلا تسفع لونه * وغر المصيفة والعظام عواري
مشط العظام تراه آخر ليله * متسربلا في درعه لغوار
إذ لا أزال على رحالة نهدة * جرداء تلحق بالنجاد إزاري
يوما على أثر النهاب وتارة * كتبت مجاهدة مع الأنصار
وزهاء كل خميلة أزهقتها * مهلاً تمهله وكل خبار
كيما أغير ما بها من حاجة * وتود أني لا أؤوب فجار
شعر أبي خراش يرثي ابن عمه زهير بن العجوة ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ حدثني أبو عبيدة ، قال ‏:‏ أسر زهير بن العجوة الهذلي يوم حنين ، فكتف ، فرآه جميل بن معمر الجمحي ، فقال له ‏:‏ أأنت الماشي لنا بالمغايظ ‏؟‏ فضرب عنقه ؛ فقال أبو خراش الهذلي يرثيه ، وكان ابن عمه ‏:‏
عجف أضيافي جميل بن معمر * بذي فجر تأوي إليه الأرامل
طويل نجاد السيف ليس بجيدر * إذا اهتز واسترخت عليه الحمائل
تكاد يداه تسلمان إزاره * من الجود لما أذلقته الشمائل
إلى بيته يأوي الضريك إذا شتا * ومستنبح بالي الدريسين عائل
تروح مقرورا وهبت عشية * لها حدب تحتثه فيوائل
فما بال أهل الدار لم يتصدعوا * وقد بان منها اللوذعي الحلاحل
فأقسم لو لاقيته غير موثق * لآبك بالنعف الضباع الجيائل
وإنك لو واجهته إذ لقيته * فنازلته أو كنت ممن ينازل
لظل جميل أفحش القوم صرعة * ولكن قرن الظهر للمرء شاغل
فليس كعهد الدار يا أم ثابت * ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل
وعاد الفتى كالشيخ ليس بفاعل * سوى الحق شيئا واستراح العواذل
وأصبح إخوان الصفا كأنما * أهال عليهم جانب الترب هائل
فلا تحسبي أني نسيت لياليا * بمكة إذا لم نعد عما نحاول
إذ الناس ناس والبلاد بغرة * وإذ نحن لا تثنى علينا المداخل
شعر مالك بن عوف يعتذر عن فراره يوم حنين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال مالك بن عوف وهو يعتذر يومئذ من فراره ‏:‏
منع الرقاد فما أغمض ساعة * نعم بأجزاع الطريق مخضرم
سائل هوازن هل أضر عدوها * وأعين غارمها إذا ما يغرم
وكتيبة لبستها بكتيبة * فئتين منها حاسر وملأم
ومقدم تعيا النفوس لضيقه * قدمته وشهود قومي أعلم
فوردته وتركت إخوانا له * يردون غمرته وغمرته الدم
فإذا انجلت غمراته أورثنني * مجد الحياة ومجد غنم يقسم
كلفتموني ذنب آل محمد * والله أعلم من أعق وأظلم
وخذلتموني إذ أقاتل واحداً * وخذلتموني إذ تقاتل خثعم
وإذا بنيت المجد يهدم بعضكم * لا يستوي بان وآخر يهدم
وأقب مخماص الشتاء مسارع * في المجد ينمى للعلى متكرم
أكرهت فيه ألة يزنية * سمحاء يقدمها سنان سلجم
وتركت حنته ترد وليه * وتقول ليس على فلانة مقدم
ونصبت نفسي للرماح مدججا * مثل الدرية تستحل وتشرم
شعر لرجل من هوازن يذكر سلام قومه بعد الهزيمة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال قائل في هوازن أيضاً ، يذكر مسيرهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مالك بن عوف بعد إسلامه ‏:‏
أذكر مسيرهم للناس إذ جمعوا * ومالك فوقه الرايات تختفق
ومالك مالك ما فوقه أحد * يوم حنين عليه التاج يأتلق
حتى لقوا الباس حين الباس يقدمهم * عليهم البيض والأبدان والدرق
فضاربوا الناس حتى لم يروا أحداً * حول النبي وحتى جنه الغسق
ثمت أنزل جبريل بنصرهم * من السماء فمهزوم ومعتنق
منا ولو غير جبريل يقاتلنا * لمنعتنا إذن أسيافنا العتق
وفاتنا عمر الفاروق إذ هزموا * بطعنة بل منها سرجه العلق
شعر امرأة من جشم ترثي أخوين لها أصيبا يوم حنين ‏:‏
وقالت امرأة من بني جشم ترثي أخوين لها أصيبا يوم حنين ‏:‏
أعيني جودا على مالك * معا والعلاء ولا تجمدا
هم القاتلان أبا عامر * وقد كان ذا هبة أربدا
هما تركاه لدى مجسد * ينوء نزيفا وما وسدا

شعر زيد بن صحار في هجاء قريش ‏:‏
وقال أبو ثواب زيد بن صحار ، أحد بني سعد بن بكر ‏:‏
ألا هل أتاك أن غلبت قريش * هوازن والخطوب لها شروط
وكنا يا قريش إذا غضبنا * يجيء من الغضاب دم عبيط
وكنا يا قريش إذا غضبنا * كأن أنوفنا فيها سعوط
فأصبحنا تسوقنا قريش * سياق العير يحدوها النبيط
فلا أنا إن سئلت الخسف آب * ولا أنا إن ألين لهم نشيط
سينقل لحمها في كل فج * وتكتب في مسامعها القطوط
ويروى ‏:‏ الخطوط ، وهذا البيت في رواية أبي سعد ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ أبو ثواب زياد بن ثواب ‏.‏ وأنشدني خلف الأحمر قوله ‏:‏ يجيء من الغضاب دم عبيط ، وآخرها بيتا عن غير ابن إسحاق ‏.‏

عبدالله بن وهب يرد على شعر ابن أبي ثواب ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فأجابه عبدالله بن وهب رجل من بني تميم ، ثم من بني أسيد ، فقال ‏:‏
بشرط الله نضرب من لقينا * كأفضل ما رأيت من الشروط
وكنا يا هوازن حين نلقى * نبل الهام من علق عبيط
بجمعكم وجمع بني قسي * نحك البرك كالورق الخبيط
أصبنا من سراتكم وملنا * بقتل في المباين والخليط
به الملتاث مفترش يديه * يمج الموت كالبكر النحيط
فإن تك قيس عيلان غضابا * فلا ينفك يرغمهم سعوطي

شعر خديج بن العوجاء في يوم حنين ‏:‏
وقال خديج بن العوجاء النصري ‏:‏
لما دنونا من حنين ومائه * رأينا سوادا منكر اللون أخصفا
بملمومة شهباء لو قذفوا بها * شماريخ من عزوى إذن عاد صفصفا
ولو أن قومي طاوعتني سراتهم * إذن لما لقينا المعارض المتكشفا
إذن ما لقينا جند آل محمد * ثمانين ألفا واستمدوا بخندفا

ميارى 1 - 9 - 2010 03:39 AM

ذكر غزوة الطائف بعد حنين في سنة ثمان
فلول ثقيف ‏:‏
ولما قدم فل ثقيف الطائف أغلقوا عليهم أبواب مدينتها ، وصنعوا الصنائع للقتال ‏.‏
المتخلفون عن حنين والطائف ‏:‏
و لم يشهد حنينا ولا حصار الطائف عروة بن مسعود ، ولا غيدن بن سلمة ، كانا بجرش يتعلمان صنعة الدبابات والمجانيق والضبور ‏.‏
شعر كعب بن مالك في غزوة الطائف ‏:‏
ثم سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف حين فرغ من حنين ؛ فقال كعب بن مالك ، حين أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى الطائف ‏:‏
قضينا من تهامة كل ريب * وخيبر ثم أجممنا السيوفا
نخيرها ولو نطقت لقالت * قواطعهن ‏:‏ دوسا أو ثقيفا
فلست لحاضن إن لم تروها * بساحة داركم منا ألوفا
وننتزع العروش ببطن وج * وتصبح دوركم منكم خلوفا
ويأتيكم لنا سرعان خيل * يغادر خلفه جمعا كثيفا
إذا نزلوا بساحتكم سمعتم * لها مما أناخ بها رجيفا
بأيديهم قواضب مرهفات * يزرن المصطلين بها الحتوفا
كأمثال العقائق أخلصتها * قيون الهند لم تضرب كتيفا
تخال جدية الأبطال فيهم * غداة الزحف جادياً مدوفا
أجدهم أليس لهم نصيح * من الأقوام كان بنا عريفا
يخبرهم بأنا قد جمعنا * عناق الخيل والنجب الطروفا
وأنا قد أتيناهم بزحف * يحيط بسور حصنهم صفوفا
رئيسهم النبي وكان صلبا * نقي القلب مصطبرا عزوفا
رشيد الأمر ذو حكم وعلم * وحلم لم يكن نزقا خفيفا
نطيع نبينا ونطيع رباً * هو الرحمن كان بنا رءوفا
فإن تلقوا إلينا السلم نقبل * ونجعلكم لنا عضدا وريفا
وإن تأبوا نجاهدكم ونصبر * ولا يك أمرنا رعشا ضعيفا
نجالد ما بقينا أو تنيبوا * إلى الإسلام إذعانا مضيفا
نجاهد لا نبالي من لقينا * أأهلكنا التلاد أم الطريفا
وكم من معشر ألبوا علينا * صميم الجذم منهم والحليفا
أتونا لا يرون لهم كفاء * فجدعنا المسامع والأنوفا
بكل مهند لين صقيل * يسوقهم بها سوقا عنيفا
لأمر الله والإسلام حتى * يقوم الدين معتدلا حنفيا
وتنسى اللات والعزى وود * ونسلبها القلائد والشنوفا
فأمسوا قد أقروا واطمأنوا * ومن لا يمتنع يقبل خشوفا
كنانة بن عبد ياليل يرد على كعب بن مالك ‏:‏
فأجابه كنانة ابن عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، فقال ‏:‏
من كان يبغينا يريد قتالنا * فإنا بدار معلم لانريمها
وجدنا بها الأباء من قبل ما ترى * وكانت لنا أطواؤها وكرومها
وقد جربتنا قبل عمرو بن عامر * فأخبرها ذو رأيها وحليمها
وقد علمت إن قالت الحق أننا * إذا ما أبت صعر الخدود نقيمها
نقومها حتى يلين شريسها * ويعرف للحق المبين ظلومها
علينا دلاص من تراث محرق * كلون السماء زينتها نجومها
نرفهها عنا ببيض صوارم * إذا جردت في غمرة لا نشيمها
شعر شداد بن عارض في المسير إلى الطائف ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال شداد بن عارض الجشمي في مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف ‏:‏
لا تنصروا اللات إن الله مهلكها * وكيف ينصر من هو ليس ينتصر
إن التي حرقت بالسد فاشتعلت * ولم يقاتل لدى أحجارها هدر
إن الرسول متى ينزل بلادكم * يظعن وليس بها من أهلها بشر
الطريق إلى الطائف ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فسلك رسول الله صلى الله عليه وسلم على نخلة اليمانية ، ثم على قرن ، ثم على المليح ، ثم على بحرة الرغاء من لية ، فابتنى بها مسجداً فصلى فيه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عمرو بن شعيب ‏:‏ أنه أقاد يومئذ ببحرة الرغاء ، حين نزلها ، بدم ، وهو أول دم أقيد به في الإسلام ، رجل من بني ليث قتل رجلا من هذيل ، فقتلته به ‏.‏
وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو بلية ، بحصن مالك بن عوف فهدم ، ثم سلك في طريق يقال لها الضيقة ، فلما توجه فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عن اسمها ، فقال ‏:‏ ما اسم هذه الطريق ‏؟‏
فقيل له ‏:‏ الضيقة ، فقال ‏:‏ بل هي اليسرى ، ثم خرج منها على نخب ، حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة ‏:‏ قريباً من مال رجل من ثقيف ، فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إما أن تخرج ، وإما أن نخرب عليك حائطك ؛ فأبى أن يخرج ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأخرابه ‏.‏
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل قريباً من الطائف ، فضرب به عسكره ، فقتل به ناس من أصحابه بالنبل ، وذلك أن العسكر اقترب من حائط الطائف ، وكانت النبل تنالهم ، ولم يقدر المسلمون على أن يدخلوا حائطهم ، أغلقوه دونهم ؛ فلما أصيب أولئك النفر من أصحابه بالنبل وضع عسكره عند مسجده الذي بالطائف اليوم ، فحصرهم بضعاً وعشرين ليلة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ سبع عشرة ليلة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ومعه امرأتان من نسائه ، إحداهما أم سلمة بنت أبي أمية ، فضرب لهما قبتين ، ثم صلى بين القبتين ‏.‏
ثم أقام ، فلما أسلمت ثقيف بني على مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية بن وهب بن معتب ابن مالك مسجداً ، وكانت في ذلك المسجد سارية ، في ما يزعمون ، لا تطلع الشمس عليها يوماً من الدهر إلا سمع لها نقيض ، فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقاتلهم قتالاً شديداً وتراموا بالنبل ‏.‏
أول من رمى بالمنجنيق في الإسلام ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ ورماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمنجنيق ‏.‏
حدثني من أثق به ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من رمى في الإسلام بالمنجنيق ، رمى أهل الطائف ‏.‏
يوم الشدخة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حتى إذا كان يوم الشدخة عند جدار الطائف ، دخل نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت دبابة ، ثم زحفوا إلى جدار الطائف ليخرقوه ، فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار ، فخرجوا من تحتها ، فرمتهم ثقيف بالنبل ، فقتلوا منهم رجالاً ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع أعناب ثقيف ، فوقع الناس فيها يقطعون ‏.‏
أبو سفيان بن حرب والمغيرة يتفاوضان مع ثقيف ‏:‏
وتقدم أبو سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة إلى الطائف ، فناد يا ثقيفاً ‏:‏ أن أمنونا حتى نكلمكم فأمنوهما ، فدعوا نساء من نساء من قريش وبني كنانة ليخرجن إليهما ، وهما يخافان عليهن السباء ، فأبين ، منهن آمنة بنت أبي سفيان ، كانت عند عروة بن مسعود ، له منها داود بن عروة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال إن أم داود ميمونة بنت أبي سفيان ، كانت عند أبي مرة بن عروة بن مسعود ، فولدت له داود بن مرة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ والفراسية بنت سويد بن عمرو بن ثعلبة ، لها عبدالرحمن بن قارب ، والفقيمية أميمة بنت الناسي أمية بن قلع ؛ فلما أبين عليهما ، قال لهما ابن الأسود بن مسعود ‏:‏ يا أبا سفيان ويا مغيرة ، ألا أدلكما على خير مما جئتما له ، إن مال بني الأسود بن مسعود حيث قد علمتما ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الطائف ، نازلا بواد يقال له العقيق ، ليس بالطائف مال أبعد رشاء ، ولا أشد مؤنة ، ولا أبعد عمارة من مال بني الأسود ، وإن محمداً إن قطعه لم يعمر أبداً ، فكلماه فليأخذ لنفسه ، أو ليدعه لله والرحم ، فإن بيننا وبينه من القرابة ما لا يجهل ؛ فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه لهم ‏.‏
أبو بكر يفسر رؤيا الرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
وقد بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق ‏:‏ وهو محاصر ثقيفاً ‏:‏ يا أبا بكر ، إني رأيت أني أهديت لي قعبة مملوءة زبداً ، فنقرها ديك ، فهراق ما فيها ‏.‏ فقال أبو بكر ‏:‏ ما أظن أن تدرك منهم يومك هذا ما تريد ‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وأنا لا أرى ذلك ‏.‏
ارتحال المسلمين عن الطائف ‏:‏
ثم إن خويلة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمية ، وهي امرأة عثمان ، قالت ‏:‏ يا رسول الله ، أعطني إن فتح الله عليك الطائف حلي بادية بنت غيلان بن مظعون بن سلمة ، أو حلي الفارعة بنت عقيل ، وكانتا من أحلى نساء ثقيف ‏.‏
فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها ‏:‏ وإن كان لم يؤذن لي في ثقيف يا خويلة ‏؟‏ فخرجت خويلة ، فذكرت ذلك لعمر بن الخطاب ، فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال يا رسول الله ‏:‏ ما حديث حدثتنيه خويلة ، زعمت أنك قتله ‏؟‏ قال ‏:‏ قد قلته ؛ قال ‏:‏ أو ما أذن لك فيهم يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ‏.‏ قال ‏:‏ أفلا أؤذن بالرحيل ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى ‏.‏ قال ‏:‏ فأذن عمر بالرحيل ‏.‏
عيينة بن حصن وما كان يرغب فيه من نساء ثقيف ‏:‏
فلما استقام الناس نادى سعيد بن عبيد بن أسيد بن أبي عمرو بن علاج ‏:‏ ألا إن الحي مقيم ‏.‏ قال ‏:‏ يقول عيينة بن حصن ‏:‏ أجل ، والله مجدة كراماً ؛ فقال له رجل من المسلمين ‏:‏ قاتلك الله يا عيينة ، أتمدح المشركين بالامتناع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد جئت تنصر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏!‏
فقال ‏:‏ إني والله ما جئت لأقاتل ثقيفاً معكم ، ولكني أردت أن يفتح محمد الطائف ، فأصيب من ثقيف جارية أتطئها ، لعلها تلد لي رجلاً فإن ثقيفاً قوم مناكير ‏.‏
عبيد الطائف ينزلون إلى المسلمين ‏:‏
ونزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في إقامته ممن كان محاصراً بالطائف عبيد ، فأسلموا ، فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
عتقاء ثقيف ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم ، عن عبدالله بن مكدم ، عن رجال من ثقيف ، قالوا ‏:‏ لما أسلم أهل الطائف تكلم نفر منهم في أولئك العبيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا ، أولئك عتقاء الله ؛ وكان ممن تكلم فيهم الحارث بن كلدة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ وقد سمى ابن إسحاق من نزل من أولئك العبيد ‏.‏
شعر للضحاك بن سفيان وسببه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد كانت ثقيف أصابت أهلا لمروان بن قيس الدوسي ، وكان قد أسلم ، وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ثقيف ، فزعمت ثقيف ، وهو الذي تزعم به ثقيف أنها من قيس ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمروان بن قيس ‏:‏ خذ يا مروان بأهلك أول رجل من قيس تلقاه ، فلقي أبي بن مالك القشيري ، فأخذه حتى يؤدوا إليه أهله ، فقام في ذلك الضحاك بن سفيان الكلابي ، فكلم ثقيفاً حتى أرسلوا أهل مروان ، وأطلق لهم أبي بن مالك ، فقال الضحاك بن سفيان في شيء كان بينه وبين أبي بن مالك ‏:‏
أتنسى بلائي يا أبي بن مالك * غداة الرسول معرض عنك أشوس
يقودك مروان بن قيس بحبله * ذليلا كما قيد الذلول المخيس
فعادت عليك من ثقيف عصابة * متى يأتهم مستقبس الشر يقبسوا
فكانوا هم المولى فعادت حلومهم * عليك وقد كادت بك النفس تيأس
قال ابن هشام ‏:‏ يقبسوا عن غير ابن إسحاق ‏.‏
الشهداء يوم الطائف ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وهذه تسمية من استشهد من المسلمين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف ‏.‏
من قريش ‏:‏
من قريش ، ثم من بني أمية بن عبد شمس ‏:‏ سعيد بن سعيد بن العاص بن أمية ، وعرفطة بن جناب ، حليف لهم ، من الأسد بن الغوث ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ويقال ‏:‏ ابن حباب ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ومن بني تيم بن مرة ‏:‏ عبدالله بن أبي بكر الصديق ، رمى بسهم ، فمات منه بالمدينة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
ومن بنى مخزوم ‏:‏ عبدالله بن أبي أمية بن المغيرة ، من رمية رميها يومئذ ‏.‏
ومن بني عدي بن كعب ‏:‏ عبدالله بن عامر بن ربيعة ، حليف لهم ‏.‏
ومن بني سهم بن عمرو ‏:‏ السائب بن الحارث بن قيس بن عدي ، وأخوه عبدالله بن الحارث ‏.‏
ومن بني سعد بن ليث ‏:‏ جليحة بن عبدالله ‏.‏
واستشهد من الأنصار ‏:‏ من بني سلمة ‏:‏ ثابت بن الجذع ‏.‏
ومن بني مازن بن النجار ‏:‏ الحارث بن سهل بن أبي صعصعة ‏.‏
ومن بني ساعدة ‏:‏ المنذر بن عبدالله ‏.‏
ومن الأوس ‏:‏ رقيم بن ثابت بن ثعلبة بن زيد بن لوذان بن معاوية ‏.‏
فجميع من استشهد بالطائف من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنا عشر رجلاً ، سبعة من قريش ، وأربعة من الأنصار ، ورجل من بني ليث ‏.‏
قصيدة بجير بن زهير في حنين والطائف ‏:‏
فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطائف بعد القتال والحصار ، قال بجير بن زهير بن أبي سلمى يذكر حنيناً والطائف ‏:‏
كانت علالة يوم بطن حنين * وغداة أوطاس ويوم الأبرق
جمعت بإغواء هوازن جمعها * فتبددوا كالطائر المتمزق
لم يمنعوا منا مقاما واحداً * إلا جدارهم وبطن الخندق
ولقد تعرضنا لكيما يخرجوا * فتحصنوا منا بباب مغلق
ترتد حسرانا إلى رجراجة * شهباء تلمع بالمنايا فيلق
ملمومة خضراء لو قذفوا بها * حضنا لظل كأنه لم يخلق
مشى الضراء على الهراس كأننا * قدر تفرق في القياد وتلتقى
في كل سابغة إذا ما استحصنت * كالنهي هبت ريحه المترقرق
جدل تمس فضولهن نعالنا * من نسج داود وآل محرق
أبو سفيان بن حرب والمغيرة يتفاوضان مع ثقيف ‏:‏
أمر أموال هوازن وسباياها وعطايا المؤلفة قلوبهم منها وإنعام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ‏:‏
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف عن الطائف على دحنا حتى نزل الجعرانة فيمن معه من الناس ، ومعه من هوازن سبي كثير ، وقد قال له رجل من أصحابه يوم ظعن عن ثقيف ‏:‏ يا رسول الله ادع عليهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اللهم اهد ثقيفا وأت بهم ‏.‏
وفد هوازن إلى الرسول ومفاوضته
ثم أتاه وفد هوازن بالجعرانة ، وكان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سبي هوازن ستة آلاف من الذراري والنساء ، ومن الإبل والشاء ما لا يدري ما عدته ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو ‏:‏ أن وفد هوازن أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسلموا ، فقالوا ‏:‏ يا رسول الله إنا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك ‏.‏ فامنن علينا ، من الله عليك ، قال ‏:‏ وقام رجل من هوازن ، ثم أحد بني سعد بن بكر ، يقال له زهير ، يكنى أبا صرد ، فقال ‏:‏ يا رسول الله إنما في الحظائر عماتك وخالاتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك ، ولو أنا ملحنا للحارث بن أبي شمر أو للنعمان بن المنذر ، ثم نزل منا بمثل الذي نزلت به ، رجونا عطفه وعائدته علينا ، وأنت خير المكفولين ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويروى ولو أنا مالحنا الحارث بن أبي شمر ، أو النعمان بن المنذر ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده عبدالله بن عمرو ، قال ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم أم أموالكم ‏؟‏ ‏.‏
فقالوا ‏:‏ يا رسول الله خيرتنا بين أموالنا وأحسابنا ، بل ترد إلينا نساءنا وأبناءنا ، فهو أحب إلينا ، فقال لهم ‏:‏ أما ما كان ولبني عبدالمطلب فهو لكم ، وإذا ما أنا صليت الظهر ، بالناس فقوموا ‏:‏ فقولوا إنا نستشفع برسول الله إلى المسلمين ، وبالمسلمين إلى رسول الله في أبنائنا ونسائنا ، فسأعطيكم عند ذلك ، وأسأل لكم ‏.‏
فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس الظهر ، قاموا فتكلموا بالذي أمرهم به ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وأما ما كان لي ولبني عبدالمطلب فهو لكم ‏.‏
فقال المهاجرون ‏:‏ وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
وقالت الأنصار ‏:‏ وما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه فقال الأقرع بن حابس ‏:‏ أما أنا وبنو تميم فلا ‏.‏ وقال عيينة بن حصن ‏:‏ أما أنا وبنو فزارة فلا ‏.‏ وقال عباس بن مرداس ‏:‏ أما أنا وبنو سليم فلا ‏.‏
فقالت بنو سليم ‏:‏ بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
قال ‏:‏ يقول ‏:‏ عباس بن مرداس لبني سليم وهنتموني ‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي ، فله بكل إنسان ست فرائض من أول سبي أصيبه ، فردوا إلى الناس أبناءهم ونساءهم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني أبو وجزة يزيد بن عبيد السعدي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى علي بن أبي طالب رضي الله عنه جارية يقال لها ريطة بنت هلال بن حيان بن عميرة بن هلال بن ناصرة بن قصية بن نصر ابن سعد بن بكر ، وأعطى عثمان بن عفان جارية ، يقال لها زينب بنت حيان بن عمرو بن حيان ، وأعطى عمر بن الخطاب جارية فوهبها لعبدالله بن عمر ابنه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني نافع مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله بن عمر ، قال ‏:‏ بعثت بها إلى أخوالي من بني جمح ، ليصلحوا لي منها ويهيئوها ، حتى أطوف بالبيت ، ثم آتيهم وأنا أريد أن أصيبها إذا رجعت إليها ‏.‏
قال ‏:‏ فخرجت من المسجد حين فرغت ، فإذا الناس يشتدون ، فقلت ‏:‏ ما شأنكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ رد علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءنا وأبناءنا ، فقلت ‏:‏ تلكم صاحبتكم في بني جمح ، فاذهبوا فخذوها ، فذهبوا إليها فأخذوها ‏.‏
عيينة والعجوز التي أخذها
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأما عيينة بن حصن فأخذ عجوزا من عجائز هوازن ، وقال حين أخذها ‏:‏ أرى عجوزا إني لأحسب لها في الحي نسبا ، وعسى أن يعظم فداؤها ‏.‏
فلما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم السبايا بست فرائض ، أبى أن يردها ، فقال له زهير أبو صرد ‏:‏ خذها عنك فوالله ما فوها ببارد ، ولا ثديها بناهد ، ولا بطنها بوالد ، ولا زوجها بواجد ، ولا درها بماكد ، فردها بست فرائض حين قال له زهير ما قال ؛ فزعموا أن عيينة لقي الأقرع بن حابس ، فشكا إليه ذلك ، فقال ‏:‏ إنك والله ما أخذتها بيضاء غزيرة ولا نصفا وثيرة

ميارى 1 - 9 - 2010 03:41 AM

أمر مالك بن عوف وإسلامه وشعره في ذلك
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن ، وسألهم عن مالك بن عوف ما فعل ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ هو بالطائف مع ثقيف ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أخبروا مالكا أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله ‏.‏ وأعطيته مائة من الإبل ‏.‏
فأتى مالك بذلك فخرج إليه من الطائف وقد كان مالك خاف ثقيفا على نفسه أن يعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال ، فيحبسوه ، فأمر براحلته فهيئت له ، وأمر بفرس له ، فأتى به إلى الطائف ، فخرج ليلاً ، فجلس على فرسه ، فركضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس ، فركبها فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فأدركه بالجعرانة أو بمكة ، فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل ، وأسلم فحسن إسلامه ؛ فقال مالك بن عوف حين أسلم ‏:‏
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله * في الناس كلهم بمثل محمد
أوفى وأعطى للجزيل إذا اجتدى * ومتى تشأ يخبرك عما في غد
وإذا الكتيبة عردت أنيابها * بالسمهري وضرب كل مهند
فكأنه ليث على أشباله * وسط الهباءة خادر في مرصد
فاستعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه ، وتلك القبائل ‏:‏ ثمالة ، وسلمة ، وفهم ، فكان يقاتل بهم ثقيفا ، لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه ، حتى ضيق عليهم ؛ فقال أبو محجن بن حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي ‏:‏
هابت الأعداء جانبنا * ثم تغزونا بنو سلمة
وأتانا مالك بهم * ناقضا للعهد والحرمة
وأتونا في منازلنا * ولقد كنا أولى نقمه
تقسيم الفيء
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من رد سبايا حنين إلى أهلها ، ركب واتبعه الناس يقولون ‏:‏ يا رسول الله ، اقسم علينا فيئنا من الإبل والغنم ، حتى ألجئوه إلى شجرة ، فاختطفت عنه رداءه ؛ فقال ‏:‏ أدوا علي ردائي أيها الناس ، فوالله أن لو كان لكم بعدد شجر تهامة نعما لقسمته عليكم ، ثم ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً ولا كذاباً ، ثم قام إلى جنب بعير ، فأخذ وبرة من سنامه ، فجعلها بين إصبعيه ، ثم رفعها ثم قال ‏:‏
أيها الناس ، والله مالي من فيئكم ولا هذه الوبرة إلا الخمس ، والخمس مردود عليكم ، فأدوا الخياط والمخيط ، فإن الغلول يكون على أهله عاراً وناراً وشناراً يوم القيامة ‏.‏
قال ‏:‏ فجاء رجل من الأنصار بكبة من خيط شعر ، فقال ‏:‏ يا رسول الله أخذت هذه الكبة أعمل بها برذعة بعير لي دبر ، فقال ‏:‏أما نصيبي منها فلك قال ‏:‏ أما إذا بلغت هذا فلا حاجة لي بها ، ثم طرحها من يده ‏.‏
لا غلول في المغنم
قال ابن هشام ‏:‏وذكر زيد بن أسلم عن أبيه ‏:‏
أن عقيل بن أبي طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت شيبة بن ربيعة ، وسيفه متلطخ دماً ، فقالت ‏:‏ إني قد عرفت أنك قد قاتلت ، فماذا أصبت من غنائم المشركين ‏؟‏ فقال ‏:‏ دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك ، فدفعها إليها ، فسمع منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ من أخذ شيئا فليرده ، حتى الخياط والمخيط ‏.‏
فرجع عقيل ، فقال ‏:‏ ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت ، فأخذها فألقاها في الغنائم ‏.‏
إعطاء النبي المؤلفة قلوبهم من الغنائم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم ، وكانوا أشرافاً من أشراف الناس ، يتألفهم ويتألف بهم قومهم ، فأعطى أبا سفيان بن حرب مائة بعير ، وأعطى ابنه معاوية مائة بعير ، وأعطى حكيم بن حزام مائة بعير ، وأعطى الحارث بن الحارث بن كلدة أخا بني عبدالدار مائة بعير ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏نصير بن الحارث بن كلدة ويجوز أن يكون اسمه الحارث أيضاً ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأعطى الحارث بن هشام مائة بعير ، وأعطى سهيل ابن عمرو مائة بعير ، وأعطى حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس مائة بعير ، وأعطى العلاء بن جارية الثقفي حليف بني زهرة مائة بعير ، وأعطى عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر مائة بعير ،وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة بعير ،وأعطى مالك بن عوف النصري مائة بعير ، وأعطى صفوان بن أمية مائة بعير ، فهؤلاء أصحاب المئين ‏.‏
وأعطى دون المائة رجالا من قريش ، منهم مخرمة بن نوفل الزهري ، وعمير بن وهب الجمحي ، وهشام بن عمرو أخو بني عامر بن لؤي ، لا أحفظ ما أعطاهم ، وقد عرفت أنها دون المائة ، وأعطى سعيد بن يربوع ابن عنكشة بن عامر بن مخزوم خمسين من الإبل ، وأعطى السهمي خمسين من الإبل ،
قال ابن هشام ‏:‏واسمه عدي بن قيس ‏.‏
شعر عباس بن مرداس يستصغر ما أعطى
قال ابن هشام ‏:‏وأعطى عباس بن مرداس أباعر ، فسخطها فعاتب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عباس بن مرداس يعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
كانت نهابا تلافيتها * بكري على المهر في الأجرع
وإيقاظي القوم أن يرقدوا * إذا هجع الناس لم أهجع
فأصبح نهبي ونهب العبيد * بين عيينة والأقرع
وقد كنت في الحرب ذا تدْرَإ * فلم أعط شيا ولم أمنع
إلا أفائل أعكيتها * عديد قوائمها الأربع
وما كان حصن ولا حابس * يفوقان شيخي في المجتمع
وما كنت دون امرئ منهما * ومن تضع اليوم لا يرفع
قال ابن هشام ‏:‏أنشدني يونس النحوي ‏.‏
فما كان حصن ولا حابس * يفوقان مرداس في المجتمع
إرضاء الرسول له
قال ابن إسحاق ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اذهبوا به فاقطعوا عني لسانه ، فأعطوه حتى رضي ‏.‏ فكان ذلك قطع لسانه الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وحدثني بعض أهل العلم ‏:‏
أن عباس بن مرداس أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أنت القائل ‏:‏
فأصبح نهبي ونهب العبيـ * ـد بين الأقرع وعيينة
فقال أبو بكر الصديق ‏:‏ بين عيينة والأقرع ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ هما واحد ، فقال أبو بكر ‏:‏ أشهد أنك كما قال الله‏:‏ ‏(‏ وما علمناه الشعر وما ينبغي له ‏)‏ ‏.‏
توزيع غنائم حنين على المبايعين من قريش ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏وحدثني من أثق به من أهل العلم في استشهاد له عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة ، عن ابن عباس ، قال ‏:‏ بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم من قريش وغيرهم ، فأعطاهم يوم الجعرانة من غنائم حنين ‏.‏
من بني أمية بن عبد شمس ‏:‏ أبو سفيان بن حرب بن أمية ، وطليق بن سفيان بن أمية ، وخالد بن أسد بن أبي العيص بن أمية ‏.‏
ومن بني عبدالدار بن قصي ‏:‏ شيبة بن عثمان بن أبي طلح بن عبد أتعزى بن عثمان بن عبدالدار ، وأبو السنابل بن أعكك بن الحارث بن عميلة بن السباق ، بن عبدالدار وعكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف ابن عبدالدار ‏.‏
ومن بني مخزوم بن يقظة ‏:‏ زهير بن أبي أمية بن المغيرة ، والحارث بن هشام بن المغيرة ، وخالد بن هشام بن المغيرة ، وهشام بن الوليد بن المغيرة ، وسفيان بن الأسد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، والسائب بن أبي السائب بن عائذ بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ‏.‏
ومن بني عدي بن كعب ‏:‏ مطيع بن الأسود بن حارثة بن نضلة ، وأبو جهم بن حذيفة بن غانم ‏.‏
ومن بني جمح بن عمرو ‏:‏ صفوان بن أمية بن خلف ، وأحيحة بن أمية ابن خلف ، وعمير بن وهب بن خلف ‏.‏
ومن بني سهم ‏:‏ عدي بن قيس بن حذافة ‏.‏
ومن بني عمر بن لؤي ‏:‏ حويطب بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود ، وهشام بن عمرو بن ربيعة بن الحارث بن حبيب ‏.‏
ما أعطاه لرجال من أفناء القبائل ‏:‏
ومن أفناء القبائل ‏:‏ من بني بكر بن مناة بن كنانة ‏:‏ نوفل بن معاوية بن عروة بن صخر بن رزن بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل ‏.‏
ومن بني قيس ، ثم من بني عامر بن صعصعة ، ثم من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ‏:‏ علقمة بن علاثة بن عوف بن الأحوص بن جعفر بن كلاب ، ولبيد بن ربيعة بن مالك بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كلاب ‏.‏
ومن بني عامر بن ربيعة ‏:‏ خالد بن هوذة بن ربيعة بن عمرو بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة ، وحرملة بن هوذة بن ربيعة بن عمرو ‏.‏
ومن بني نصر بن معاوية مالك بن عوف بن سعيد بن يربوع
ومن بني سليم بن منصور ‏:‏ عباس بن مرداس بن أبي عامر ، أخو بني الحارث بن بهثة بن سليم ‏.‏
ومن بني غطفان ، ثم من بني فزارة ‏:‏ عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ‏.‏
ومن بني تميم ثم من بني حنظلة ‏:‏ الأقرع بن حابس بن عقال ، من بني مجاشع بن دارم ‏.‏
لماذا لم يعط جعيل بن سراقة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ‏:‏
أن قائلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه ‏:‏ يا رسول الله ، أعطيت عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس مائة مائة ، وتركت جعيل بن سراقة الضمري ‏!‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أما والذي نفس محمد بيده لجعيل بن سراقة خير من طلاع الأرض ، كلهم مثل عيينة بن حصن والأقرع بن حابس ، ولكني تألفتهما ، ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه ‏.‏
اعتراض ذي الخويصرة المنافق على قسمته صلى الله عليه وسلم ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر ، عن مقسم أبي القاسم ، مولى عبدالله بن الحارث بن نوفل ، قال ‏:‏
خرجت أنا وتليد بن كلاب الليثي ، حتى أتينا عبدالله بن عمرو بن العاص وهو يطوف بالبيت معلقا نعله بيده ، فقلنا له هل حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كلمه التميمي يوم حنين ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، جاء رجل من بني تميم ، يقال له ذو الخويصرة ، فوقف عليه وهو يعطي الناس ، فقال ‏:‏ يا محمد قد رأيت ما صنعت في هذا اليوم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أجل فكيف رأيت ‏؟‏ فقال ‏:‏ لم أرك عدلت ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال ‏:‏ ويحك إذا لم يكن العدل عندي فعند من يكون ‏!‏
فقال عمر بن الخطاب ‏:‏ يا رسول الله ألا أقتله ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا دعه فإنه سيكون له شيعة يتعمقون في الدين ، حتى يخرجوا منه كما يخرج السهم من الرمية ينظر في النصل ، فلا يوجد شيء ، ثم في القدح ، فلا يوجد شيء ،ثم في القدح ، فلا يوجد شيء ثم في الفوق ، فلا يوجد شيء سبق الفرث والدم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن علي بن الحسين أبو جعفر بمثل حديث أبي عبيدة ، وسماه ذا الخويصرة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي نجيح عن أبيه ، بمثل ذلك ‏.‏
شعر حسان بن ثابت في حرمان الأنصار ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ولما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى في قريش وقبائل العرب ، ولم يعط الأنصار شيئاً ، قال حسان بن ثابت يعاتبه في ذلك ‏:‏
زادت هموم فماء العين منحدر * سحا إذا حفلته عبرة درر
وجداً بشماء إذ شماء بهكنة * هيفاء لا دنس فيها ولا خور
دع عنك شماء إذ كانت مودتها * نزرا وشر وصال الواصل النزر
وأت الرسول فقل يا خير مؤتمن * للمؤمنين إذا ما عدد البشر
علام تدعى سليم وهي نازحة * قدام قوم هم آووا وهم نصروا
سماهم الله أنصارا بنصرهم * دين الهدى وعوان الحرب تستعر
وسارعوا في سبيل الله اعترفوا * للنائبات وما خاموا وما ضجروا
والناس ألب علينا فيك ليس لنا * إلا السيوف أطراف القنا وزر
نخالد الناس لا نبقي على أحد * ولا نضيع من توحي به السور
ولا تهمر جناة الحرب نادينا * ونحن حين تلظى نارها سعر
كما رددنا ببدر دون ما طلبوا * أهل النفاق وفينا ينل الظفر
ونحن جندك يوم النعف من أحد * إذ حربت بطرا أحزابها مضر
فما ونينا وما خمنا وما خبروا * منا عثارا وكل الناس قد عثروا
وجد الأنصار من حرمانهم واسترضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏حدثني زياد بن عبدالله ،قال ‏:‏ حدثنا ابن إسحاق قال ‏:‏ وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن أبي سعيد الخدري قال ‏:‏
لما أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطى من تلك العطايا ، في قريش وفي قبائل العرب ، ولم يكن في الأنصار منها شيء ، وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم ، حتى كثرت منهم القالة حتى قال قائلهم ‏:‏ لقي والله رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه ‏.‏
عتاب النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار ‏:‏
فدخل عليه سعد بن عبادة ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إن هذا الحي من الأنصار قد وجدوا عليك في أنفسهم ، لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت ، قسمت في قومك ، وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب ، ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيء ‏.‏
قال ‏:‏ فأين أنت من ذلك يا سعد ‏؟‏ قال ‏:‏ يا رسول الله ، ما أنا إلا من قومي ‏.‏ قال ‏:‏ فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة ‏.‏
قال ‏:‏ فخرج سعد ، فجمع الأنصار في تلك الحظيرة ‏.‏ فجاء رجال من المهاجرين فتركهم ، فدخلوا ، وجاء آخرون فردهم ‏.‏
فلما اجتمعوا له أتاه سعد ، فقال ‏:‏ قد اجتمع لك هذا الحي من الأنصار ، فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال ‏:‏
يا معشر الأنصار ، ما قاله بلغني عنكم ، وجدة وجدتموها علي في أنفسكم ‏؟‏ ألم آتكم ضلالاً فهداكم الله ، وعالة فأغناكم الله ، وأعداء فألف الله بين قلوبكم ‏!‏
قالوا ‏:‏ بلى ، الله ورسوله أمن وأفضل ‏.‏
ثم قال ‏:‏ ألا تجيبونني يا معشر الأنصار ‏؟‏
قالوا ‏:‏ بماذا نجيبك يا رسول الله ‏؟‏ الله ولرسوله المن والفضل ‏.‏
قال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أما والله لو شئتم لقلتم ، فلصدقتم ولصدقتم ‏:‏ أتيتنا مكذباً فصدقناك ، ومخذولاً فنصرناك ، وطريداً فآويناك وعائلاً فآسيناك ، أوجدتم يا معشر الأنصار في أنفسكم في لعاعة من الدنيا تألفت بها قوما ليسلموا ، ووكلتكم إلى إسلامكم ‏.‏
ألا ترضون يا معشر الأنصار ، أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعوا برسول الله إلى رحالكم ‏؟‏ فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعباً وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار ‏.‏ اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار ‏.‏
قال ‏:‏ فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم ، وقالوا رضينا برسول الله قسماً وحظاً ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتفرقوا ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 03:43 AM

عمرة الرسول من الجعرانة واستخلافه عتاب بن أسيد على مكة وحج عتاب بالمسلمين سنة ثماني
اعتمار الرسول واستخلافه ابن أسيد على مكة
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة معتمراً ، وأمر ببقايا الفيء فحبس بمجنة ، بناحية مر الظهران ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمرته انصرف راجعاً إلى المدينة ، واستخلف عتاب بن أسيد على مكة ، وخلف معه معاذ بن جبل ، يفقه الناس في الدين ، ويعلمهم القرآن ، واتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببقايا الفيء ‏.‏
رزق عتاب بن أسيد والي مكة
قال ابن هشام ‏:‏وبلغني عن زيد بن أسلم أنه قال ‏:‏
لما استعمل النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة رزقه كل يوم درهماً ، فقام فخطب الناس ، فقال ‏:‏
أيها الناس أجاع الله كبد من جاع على درهم ، فقد رزقني رسول الله صلى الله عليه وسلم درهماً كل يوم فليست بي حاجة إلى أحد ‏.‏
زمان هذه العمرة
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكانت عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة ، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في بقية ذي القعدة أو ذي الحجة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة لست ليال بقين من ذي القعدة فيما زعم أبو عمرو المدني ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحج الناس تلك السنة على ما كانت العرب تحج عليه ، وحج بالمسلمين تلك السنة عتاب بن أسيد ، وهي سنة ثمان ، وأقام أهل الطائف على شركهم وامتناعهم في طائفهم ، ما بين ذي القعدة إذ انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شهر رمضان من سنة تسع ‏.‏
أمر كعب بن زهير بعد الانصراف عن الطائف
تخويف بجير على أخيه كعب ونصيحته له ‏:‏
ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من منصرفه عن الطائف كتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى أخيه بن زهير يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجالا بمكة ، ممن كان يهجوه ويؤذيه ، وأن من بقي من شعراء قريش ابن الزبعرى وهبيرة بن أبي وهب ، قد هربوا في كل وجه ، فإن كانت لك في نفسك حاجة ، فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه لا يقتل أحداً جاءه تائباً ، وإن أنت لم تفعل فانج إلى نجائك من الأرض ؛ وكان كعب بن زهير قد قال ‏:‏
ألا أبلغا عني بجيرا رسالة * فهل لك فيما قلت ويحك هل لكا
فبين لنا إن كنت لست بفاعل * على أي شيء غير ذلك دلكا
على خلق لم ألف يوما أبا له * عليه وما تلفي عليه أبا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف * ولا قائل إما عثرت لعالكا
سقاك بها المأمون كأسا روية * فأنهلك المأمون منها وعلكا
قال ابن هشام ‏:‏ويروي ‏(‏ المأمور ‏)‏ ‏.‏ وقوله ‏(‏ فبين لنا ‏)‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏
و أنشدني بعض أهل العلم بالشعر وحديثه ‏:‏
من مبلغ عني بجيرا رسالة * فهل لك فيما قلت بالخيف هل لكا
شربت مع المأمون كأسا روية * فأنهلك المأمون منها وعلكا
وخالفت أسباب الهدى واتبعته * على أي شيء ويب غيرك دلكا
على خلق لم تلف أما ولا أبا * عليه ولم تدرك عليه أخا لكا
فإن أنت لم تفعل فلست بآسف * ولا قائل إما عثرت لعا لكا
قال ‏:‏ وبعث بها إلى بجير ، فلما أتت يجيرا كره أن يكتمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنشده إياها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لما سمع ‏(‏ سقاك بها المأمون ‏)‏ صدق وإنه لكذوب ، أنا المأمون ‏.‏ ولما سمع ‏(‏ على خلق لم تلف أما ولا أبا عليه ‏)‏ قال ‏:‏ أجل لم يلف عليه أباه ولا أمه ‏.‏
ثم قال بجير لكعب ‏:‏
من مبلغ كعبا فهل لك في التي * تلوم عليها باطلا وهي أحزم
إلى الله لا العزى ولا اللات وحده * فتنجوا إذا كان النجاء وتسلم
لدى يوم ينجو وليس بمفلت * من الناس إلا طاهر القلب مسلم
فدين زهير وهو لا شيء دينه * ودين أبي سلمى علي محرم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وإنما يقول كعب ‏:‏ ‏(‏ المأمون ‏)‏ ويقال ‏:‏ ‏(‏ المأمور ‏)‏ في قول ابن هشام ، لقول قريش الذي كانت تقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
كعب بن زهير وقصيدته الشهيرة بانت سعاد
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما بلغ كعبا الكتاب ضاقت به الأرض ، وأشفق على نفسه ، وأرجف به من كان في حاضره من عدوه ، فقالوا ‏:‏ هو مقتول فلما لم يجد من شيء بداً ، قال قصيدته التي يمدح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
وذكر فيها خوفه ، وإرجاف الوشاة به من عدوه ، ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة ، كما ذكر لي ، فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صلى الصبح ، فصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ هذا رسول الله فقم إليه فاستأمنه ‏.‏
فذكر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس إليه ، فوضع يده في يده ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعرفه ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إن كعب بن زهير قد جاء ليستأمن منك تائباً مسلماً ، فهل أنت قابل منه إن أنا جئتك به ‏؟‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نعم ‏.‏ قال ‏:‏ أنا يا رسول الله كعب بن زهير ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‏:‏
أنه وثب عليه رجل من الأنصار ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، دعني وعدو الله أضرب عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ دعه عنك ، فإنه قد جاء تائباً نازعاً عما كان عليه قال ‏:‏ فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار ، لما صنع به صاحبهم ، وذلك أنه لم يتكلم فيه رجل من المهاجرين إلا بخير ، فقال في قصيدته التي قال حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول * متيم إثرها لم يفد مكبول
وما سعاد غداة البين إذ رحلوا * إلا أغن غضيض الطرف مكحول
هيفاء مقبلة عجزاء مدبرة * لا يشتكي قصر منها ولا طول
تجلو عوارض ذي ظلم إذا ابتسمت * كأنه منهل بالراح معلول
شجت بذي شبم من ماء محنية * صاف بأبطح أضحى وهو مشمول
تنفي الرياح القذى عنه وأفرطه * من صوب غادية بيض يعاليل
فيا لها خلة لو أنها صدقت * بوعدها أو لو أن النصح مقبول
لكنها خلة قد سيط من دمها * فجع وولع وأخلاف وتبديل
فما تدوم على حال تكون بها * كما تلون في أثوابها الغول
وما تمسك بالعهد الذي زعمت * إلا كما يمسك الماء الغرابيل
فلا يغرنك ما منت وما وعدت * إن الأماني والأحلام تضليل
كانت مواعيد عرقوب لها مثلا * وما مواعيدها إلا الأباطيل
أرجو وآمل أن تدنو مودتها * وما إخال لدينا منك تنويل
أمست سعاد بأرض لا يبلغها * إلا العتاق النجيبات المراسيل
ولن يبلغها إلا عذافرة * لها على الأين إرقال وتبغيل
من كل نضاخة الذفري إذا عرقت * عرضتها طامس الأعلام مجهول
ترمي النجاد بعيني مفرد لهق * إذا توقدت الحزان والميل
ضخم مقلدها فعم مقيدها * في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
غلباء وجناء علكوم مذكرة * في دفها سعة قدامها ميل
وجلدها من أطوم ما يؤيسه * طلح بضاحية المتنين مهزول
حرف أخوها أبوها من مهجنة * وعمها خالها قوداء شمليل
يمشي القزاد عليها ثم يزلقه * منها لبان وأقراب زهاليل
عيرانة قذفت بالنحض عن عرض * مرفقها عن بنات الزور مفتول
كأنما فات عينيها ومذبحها * من خطمها ومن اللحيين برطيل
تمر مثل عسيب النخل ذا خصل * في غارز لم تخونه الأحاليل
قنواء في حرتيها للبصير بها * عتق مبين وفي الخدين تسهيل
تخدي على يسرات وهي لاحقة * ذوابل مسهن الأرض تحليل
سمر العجايات يتركن الحصى زيما * لم يقهن رءوس الأكم تنعيل
كأن أوب ذراعيها وقد عرقت * وقد تلفع بالقور العساقيل
يوما يظل به الحرباء مصطخدا * كأن ضاحيه بالشمس مملول
وقال للقوم حاديهم وقد جعلت * ورق الجنادب يركضن الحصا قيلوا
شد النهار ذراعا عيطل نصف * قامت فجاوبها نكد مثاكيل
نواحة رخوة الضبعين ليس لها * لما نعى بكرها الناعون معقول
تفري اللبان بكفيها ومدرعها * مشقق عن تراقيها رعابيل
تسعى الغواة جنابيها وقولهم * إنك يا بن أبي سلمى لمقتول
وقال كل صديق كنت آمله * لا ألهينك إني عنك مشغول
فقلت خلوا سبيلي لا أبا لكم * فكل ما قدر الرحمن مفعول
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته * يوما على آلة حدباء محمول
نبئت أن رسول الله أوعدني * والعفو عند رسول الله مأمول
مهلا هداك الذي أعطاك نافلة القرآن * فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم * أذنب ولو كثرت في الأقاويل
لقد أقوم مقاما لو يقوم به * أرى واسمع ما لو يسمع الفيل
لظل يرعد إلا أن يكون له * من الرسول بإذن الله تنويل
حتى وضعت يميني ما أنازعه * في كف ذي نقمات قيله القيل
فلهو أخوف عندي إذ أكلمه * وقيل إنك منسوب ومسئول
من ضيغم بضراء الأرض مخدره * في بطن عثر غيل دونه غيل
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما * لحم من الناس معفور خراديل
إذا يساور قرنا لا يحل له * أن يترك القرن إلا وهو مفلول
منه تظل سباع الجو نافرة * ولا تمشي بواديه الأراجيل
ولا يزال بواديه أخو ثقة * مضرج البز والدرسان مأكول
إن الرسول لنور يستضاء به * مهند من سيوف الله مسلول
في عصبة من قريش قال قائلهم * ببطن مكة لما أسلموا زولوا
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف * عند اللقاء ولا ميل معازيل
شم العرانين أبطال لبوسهم * من نسج داود في الهيجا سرابيل
بيض سوابغ قد شكت لها حلق * كأنها حلق القفعاء مجدول
ليسوا مفاريح إن نالت رماحهم * قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا
يمشون مشي الجمال الزهر يعصمهم * حزب إذا عرد السود التنابيل
لا يقع الطعن إلا في نحورهم * وما لهم عن حياض الموت تهليل
قال ابن هشام ‏:‏قال كعب هذه القصيدة بعد قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وبيته ‏(‏ حرف أخوها أبوها ‏)‏ وبيته ‏(‏ يمشي القراد ‏)‏ وبيته ‏(‏ عيرانة قذفت ‏)‏ وبيته ‏(‏ تمر مثل عسيب النخل ‏)‏ وبيته ‏(‏ تفري اللبان ‏)‏ وبيته ‏(‏ إذا يساور قرنا ‏)‏ وبيته ‏(‏ ولا يزال بواديه ‏)‏ ‏:‏ عن غير ابن إسحاق
كعب يسترضي الأنصار بمدحهم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال عاصم بن عمر بن قتادة ‏:‏
فلما قال كعب ‏(‏ إذا عرد السود التنابيل ‏)‏ وإنما يريدنا معشر الأنصار ، لما كان صاحبنا صنع به ما صنع ، وخص المهاجرين من قريش من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بمدحته ، غضبت عليه الأنصار ، فقال بعد أن أسلم يمدح الأنصار ، ويذكر بلاءهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وموضعهم من اليمن ‏:‏
من سره كرم الحياة فلا يزل * في مقنب من صالحي الأنصار
ورثوا المكارم كابرا عن كابر * إن الخيار هم بنو الأخيار
المكرهين السمهري بأذرع * كسوالف الهندي غير قصار
والناظرين بأعين محمرة * كالجمر غير كليلة الأبصار
والبائعين نفوسهم لنبيهم * للموت يوم تعانق وكرار
والذائدين الناس عن أديانهم * بالمشرفي وبالقنا الخطار
يتطهرون يرونه نسكا لهم * بدماء من علقوا من الكفار
دربوا كما دربت ببطن خفية * غلب الرقاب من الأسود ضواري
وإذا حللت ليمنعوك إليهم * أصبحت عند معاقل الأعفار
ضربوا عليا يوم بدر ضربة * دانت لوقعتها جميع نزار
لو يعلم الأقوام علمي كله * فيهم لصدقني الذين أماري
قوم إذا حوت النجوم فإنهم * للطارقين النازلين مقاري
في الغر من غسان من جرثومة * أعيت محافرها على المنقار
قال ابن هشام ‏:‏ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حين أنشده بانت سعاد ‏(‏ فقلبي اليوم متبول ‏)‏ لولا ذكرت الأنصار بخير ، فإنهم لذلك أهل ، فقال كعب هذه الأبيات ، وهي في قصيدة له ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وذكر لي عن علي بن زيد بن جدعان أنه قال ‏:‏
أنشد كعب بن زهير رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ‏:‏
‏(‏ بانت سعاد فقلبي اليوم متبول ‏)‏

ميارى 1 - 9 - 2010 03:46 AM

غزوة تبوك في رجب سنة تسع
التهيؤ للغزو ‏:‏
قال ‏:‏ حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام قال زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال ‏:‏
ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم ‏.‏ وقد ذكر لنا الزهري ويزيد بن رومان وعبدالله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم من علمائنا ، كل حدث في غزوة تبوك ما بلغه عنها ، وبعض القوم يحدث ما لا يحدث ‏:‏ بعض أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم ، وذلك في زمان من عسرة الناس ، وشدة من الحر ، وجدب من البلاد ، وحين طابت الثمار ، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم ، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه ؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يخرج في غزوة إلاكنى عنها ، وأخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد له ، إلا ما كان من غزوة تبوك ، فإنه بينها للناس ، لبعد الشقة ، وشدة الزمان ، وكثرة العدو الذي يصمد له ، ليتأهب الناس لذلك أهبته ، فأمر الناس بالجهاز وأخبرهم أنه يريد الروم ‏.‏
ائذن لي ولا تفتني
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو في جهازه ذلك للجد بن قيس أحد بني سلمة ‏:‏ يا جد ، هل لك العام في جلاد بني الأصفر ‏؟‏ فقال ‏:‏ يا رسول الله ، أو تأذن لي ولا تفتني فوالله لقد عرف قومي أنه ما من رجل بأشد عجبا بالنساء مني ، وإني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ‏:‏ قد أذنت لك ‏.‏
ففي الجد بن قيس نزلت هذه الآية‏:‏ ‏(‏ ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ‏)‏‏.‏ أي ‏:‏ إن كان إنما خشي الفتنة من نساء بني الأصفر ، وليس ذلك به فما سقط فيه من الفتنة أكبر ، بتخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والرغبة بنفسه عن نفسه ، يقول تعالى ‏:‏ وإن جهنم لمن ورائه ‏.‏
شأن المنافقين ‏:‏
وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض ‏:‏ لا تنفروا في الحر ، زهادة في الجهاد ، وشكا في الحق ، وإرجافا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تبارك وتعالى فيهم ‏:‏ ‏(‏ وقالوا لا تنفروا في الحر ، قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون ‏.‏ فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون ‏)‏ ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وحدثني الثقة عمن حدثه عن محمد بن طلحة بن عبدالرحمن ، عن إسحاق بن إبراهيم بن عبدالله بن حارثة عن ، أبيه عن جده ، قال ‏:‏
بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ناسا من المنافقين يجتمعون في بيت سويلم اليهودي ، وكان بيته عند جاسوم ، يثبطون الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فبعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم طلحة بن عبيد الله في نفر من أصحابه ، وأمره أن يحرق عليهم بيت سويلم ، ففعل طلحة فاقتحم الضحاك بن خلفة من ظهر البيت ، فانكسرت رجله ، واقتحم أصحابه فافلتوا ‏.‏ فقال الضحاك في ذلك ‏:‏
كادت وبيت الله نار محمد * يشيط بها الضحاك وابن أبيرق
وظلت وقد طبقت كبس سويلم * أنوء على رجلي كسيرا ومرفقي
سلام عليكم لا أعود لمثلها * أخاف ومن تشمل به النار يحرق
حض الأغنياء على النفقة
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جد في سفره ، وأمر الناس بالجهاز والانكماش ، وحض أهل الغنى على النفقة والحملان في سبيل الله ، فحمل رجال من أهل الغنى واحتسبوا ، وأنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة ، لم ينفق أحد مثلها ‏.‏
ما أنفقه عثمان ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏حدثني من أثق به ‏:‏
أن عثمان ابن عفان أنفق في جيش العسرة في غزوة تبوك ألف دينار ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اللهم أرض عن عثمان فإني عنه راض ‏.‏
البكاءون والمعذرون والمخلفون ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم إن رجالا من المسلمين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم البكاءون ، وهم سبعة نفر من الأنصار وغيرهم من بني عمرو بن عوف ‏:‏ سالم بن عمير ، وعلبة بن زيد أخو بن حارثة ، وأبو ليلى عبدالرحمن بن كعب ، وأخو بني مازن بن النجار ، وعمرو بن حمام بن الجموح ، أخو بني سلمة ، عبدالله بن المغفل المزني ، - وبعض الناس يقول ‏:‏ بل هو عبدالله بن عمرو المزني - وهرمي بن عبدالله أخو بني واقف ، وعرباض بن سارية الفزاري ، فاستحملوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا أهل حاجة ، فقال ‏:‏ لا أجد ما أحملكم عليه ‏.‏ فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏
فبلغني أن ابن يامين بن عمر بن كعب النضري لقي أبا ليلى عبدالرحمن بن كعب وعبدالله بن مغفل وهما يبكيان ، فقال ‏:‏ ما يبكيكما ‏؟‏ قالا ‏:‏ جئنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملنا فلم نجد عنده ما يحملنا عليه ، وليس عندنا ما نتقوى به على الخروج معه ؛ فأعطاهما ناضجا له فارتحلاه ، وزودهما شيئا من تمر ، فخرجا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وجاءه المعذرون من الأعراب ، فاعتذروا إليه فلم يعذرهم الله تعالى ، وقد ذكر لي أنهم نفر من بني غفار ‏.‏
ثم استتب برسول الله صلى الله عليه وسلم سفره ، وأجمع السير وقد كان نفر من المسلمين أبطأت بهم النية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى تخلفوا عنه عن غير شك ولا ارتياب ؛ منهم كعب بن مالك بن أبي كعب ، أخو بني سلمة ، ومرارة بن الربيع ، أخو بني عمرو بن عوف ، وهلال بن أمية ، أخو بن واقف ، وأبو خيثمة ، أخو بني سالم بن عوف ، وكانوا نفر صدق ، لا يتهمون في إسلامهم ‏.‏
فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عسكره على ثنية الوداع ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏واستعمل على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري ‏.‏
وذكر عبدالعزيز بن محمد الدراوردي عن أبيه ‏:‏
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل على المدينة ، مخرجه إلى تبوك ، سباع بن عرفطة ‏.‏
تخلف المنافقين عن تبوك ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وضرب عبدالله ابن أبي معه على حدة عسكره أسفل منه نحو ذباب ، وكان فيما يزعمون ليس بأقل العسكرين ‏.‏
فلما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم تخلف عنه عبدالله بن أبي ‏.‏ فيمن تخلف من المنافقين وأهل الريب ‏.‏
المنافقون يرجفون بعلي
وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، إلى أهله وأمره بالإقامة فيهم فأرجف به المنافقون ،وقالوا ‏:‏ ما خلفه إلا استثقالا له ، وتخففا منه ، فلما قال ذلك المنافقون ‏:‏ أخذ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه سلاحه ، ثم خرج حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجرف ، فقال ‏:‏ يا نبي الله زعم المنافقون انك إنما خلفتني أنك استثقلتني ، وتخففت مني ؛ فقال ‏:‏ كذبوا ‏.‏ ولكني خلفتك لما تركت ورائي ، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك ، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي ، فرجع علي إلى المدينة ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه سعد ‏:‏
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي هذه المقالة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم رجع المدينة ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سفره ‏.‏
أبو خيثمة وعمير بن وهب يلحقان بالرسول
ثم إن أبا خيثمة رجع بعد أن سار رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً إلى أهله في يوم حار ، فوجد امرأتين له في عريشين لهما في حائطه ، قد رشت كل واحدة منهما عريشها ، وبردت له فيه ماء ، وهيأت له فيه طعاما ، فلما دخل قام على باب العريش ، فنظر إلى امرأتيه وما صنعتا له ، فقال ‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الضح والريح والحر ، وأبو خيثمة في ظل بارد ، وطعام مهيأ ، وامرأة حسناء ، في ماله مقيم ، ما هذا بالنصف ‏.‏
ثم قال والله لا أدخل عريش واحدة منكما حتى ألحق برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهيئا لي زادا ، ففعلتا ‏.‏ ثم قدم ناضحه فارتحله ثم خرج في طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى أدركه حين نزل بتبوك ، وقد كان أدرك أبا خيثمة عمير بن وهب الجمحي في الطريق ، يطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم فترافقا ، حتى إذا دنوا من تبوك ، قال أبو خيثمة لعمير بن وهب ‏:‏ إن لي ذنباً ، فلا عليك أن تخلف عني حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ففعل ، حتى إذا دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نازل بتبوك ، قال الناس ‏:‏ هذا راكب على الطريق مقبل ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ كن أبا خيثمة ؛ فقالوا ‏:‏ يا رسول الله ، هو والله أبو خيثمة ، فلما أناخ أقبل فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أولى لك يا أبا خيثمة ‏.‏ ثم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر ‏.‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خيراً ، ودعا له بخير ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وقال أبو خيثمة في ذلك شعراً ، واسمه مالك بن قيس ‏:‏
لما رأيت الناس في الدين نافقوا * أتيت التي كانت أعف وأكرما
وبايعت باليمنى يدي لمحمد * فلم أكتسب إثما ولم أغش محرما
تركت خضيبا في العريش وصرمة * صفايا كراما بسرها قد تحمما
وكنت إذا شك المنافق أسمحت * إلى الدين نفسي شطره حيث يمما
ما حدث بالحجر
قال ابن إسحاق ‏:‏
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر نزلها ، واستقى الناس من بئرها ‏.‏ فلما راحوا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا تشربوا من مائها شيئا ، ولا تتوضئوا منه للصلاة ، وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل ، ولا تأكلوا منه شيئا ، ولا يخرجن أحد منكم الليلة إلا ومعه صاحب له ‏.‏
ففعل الناس ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن رجلين من بني ساعدة خرج أحدهما لحاجته ، وخرج الآخر في طلب بعير له ، فأما الذي ذهب لحاجته فإنه خنق على مذهبه ؛ وأما الذي ذهب في طلب بعيره فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيئ ‏.‏فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ‏:‏
ألم أنهكم أن يخرج منكم أحد إلا ومعه صاحبه ، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي أصيب على مذهبه فشفي ، وأما الآخر الذي وقع بجبلي طيئ ، فإن طيئا أهدته لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة ‏.‏
والحديث عن الرجلين عن عبدالله بن أبي بكر ، عن عباس بن سهل بن سعد الساعدي ، وقد حدثني عبدالله بن أبي بكر أن قد سمى له العباس الرجلين ، ولكنه استودعه إياهما ،فأبى عبدالله أن يسميهما لي ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏بلغني عن الزهري أنه قال ‏:‏
لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر سجى ثوبه على وجهه ، واستحث راحلته ، ثم قال ‏:‏ لا تدخلوا بيوت الذين ظلموا إلا وأنتم باكون ، خوفاً أن يصيبكم مثل ما أصابهم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏
فلما أصبح الناس ولا ماء معهم شكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل الله سبحانه سحابة ، فأمطرت حتى ارتوى الناس ، واحتملوا حاجتهم من الماء ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ، عن رجال من بني عبدالأشهل ، قال ‏:‏ قلت لمحمود ‏:‏
هل كان الناس يعرفون النفاق فيهم ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، والله إن كان الرجل ليعرفه من أخيه ومن أبيه ومن عمه وفي عشيرته ، ثم يلبس بعضهم بعضا على ذلك ، ثم قال محمود ‏:‏ لقد أخبرني رجال من قومي عن رجل من المنافقين معروف نفاقه ، كان يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث سار ، فلما كان من أمر الناس بالحجر ما كان ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعا ، فأرسل الله السحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس ، قالوا ‏:‏ أقبلنا عليه نقول ‏:‏ ويحك ‏.‏ هل بعد هذا شيء ‏!‏ قال ‏:‏ سحابة مارة ‏.‏
تقول ابن اللصيت
قال ابن إسحاق ‏:‏
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سار حتى إذا كان ببعض الطريق ضلت ناقته ، فخرج أصحابه في طلبها ، وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من أصحابه ، يقال له عمارة بن حزم ، وكان عقبياً بدرياً ، وهو عم بني عمرو بن حزم وكان في رحله زيد بن اللصيت القينقاعي ، وكان منافقا ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويقال ابن لصيب بالباء ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رجال من بني عبدالأشهل قالوا ‏:‏
فقال زيد بن اللصيت ، وهو في رحل عمارة ، وعمارة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أليس محمد يزعم أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء ، وهو لا يدري أين ناقته ‏؟‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمارة عنده ‏:‏ إن رجلا قال ‏:‏
هذا محمد يخبركم أنه نبي ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته ، وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله ، وقد دلني الله عليها ، وهي في الوادي ، في شعب كذا وكذا ، وقد حبستها شجرة بزمامها ، فانطلقوا حتى تأتوني بها فذهبوا فجاءوا بها ، فرجع عمارة بن حزم إلى رحله ، فقال ‏:‏ والله لعجب من شيء حدثناه رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا ، عن مقالة قائل أخبره الله عنه بكذا وكذا ، للذي قال زيد بن اللصيت ، فقال رجل ممن كان في رحل عمارة ولم يحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد والله قال هذه المقالة قبل أن تأتي ‏.‏
فأقبل عمارة على زيد يجأ في عنقه ويقول ‏:‏ إلي عباد الله ، إن في رحلي لداهية وما أشعر ، أخرج أي عدو الله من رحلي ، فلا تصحبني ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فزعم بعض الناس أن زيدا تاب بعد ذلك ، وقال بعض الناس لم يزل متهما بشر حتى هلك ‏.‏
خبر أبي ذر في غزوة تبوك
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا ، فجعل يتخلف عنه الرجل ، فيقولون ‏:‏ يا رسول الله ، تخلف فلان ، فيقول ‏:‏ دعوه ، فإن يك فيه خير فسيلحقه الله تعالى بكم ، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه ، حتى قيل ‏:‏ يا رسول الله ، قد تخلف أبو ذر ، وأبطأ به بعيره ؛ فقال ‏:‏ فإن يك فيه خير فسيلحقه الله بكم ، وإن يك غير ذلك فقد أراحكم الله منه ، وتلوم أبو ذر على بعيره ، فلما أبطأ عليه ، أخذ متاعه فحمله على ظهره ‏.‏
ثم خرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ماشياً ، ونزل رسول الله في بعض منازله ، فنظر ناظر من المسلمين فقال‏:‏ يا رسول الله إن هذا الرجل يمشي على الطريق وحده ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ كن أبا ذر ‏.‏ فلما تأمله القوم قالوا ‏:‏ يا رسول الله ، هو والله أبو ذر ‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ رحم الله أبا ذر ، يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ‏.‏
موت أبي ذر ودفنه في الربذة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني بريدة بن سفيان الأسلمي ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن عبدالله بن مسعود ، قال ‏:‏
لما نفى عثمان أبا ذر إلى الربذة ، وأصابه بها قدره ، لم يكن معه أحد إلا امرأته وغلامه ، فأوصاهما أن اغسلاني وكفناني ، ثم ضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم فقولوا هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه فلما مات فعلا ذلك به ثم وضعاه على قارعة الطريق ‏.‏
وأقبل عبدالله بن مسعود في رهط من أهل العراق عمار فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل تطؤها ، وقام إليهم الغلام ، فقال ‏:‏ هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعينونا على دفنه ‏.‏
قال ‏:‏ فاستهل عبدالله بن مسعود يبكي ويقول ‏:‏ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ‏.‏
ثم نزل هو أصحابه فواروه ، ثم حدثهم عبدالله بن مسعود حديثه ، وما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى تبوك ‏.‏
تخويف المنافقين المسلمين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ قد كان رهط من المنافقين منهم وديعة بن ثابت ، أخو بني عمرو بن عوف ، ومنهم رجل من أشجع ، حليف لبني سلمة ، يقال له ‏:‏ مخشن بن حمير ‏.‏
- قال ابن هشام ‏:‏ويقال مخشي - يشيرون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى تبوك ، فقال بعضهم لبعض ‏:‏ أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضا ‏!‏ والله لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال ، إرجافا وترهيبا للمؤمنين ، فقال مخشن بن حمير ‏:‏
والله لوددت أني أقاضى على أن يضرب كل رجل منا مائة جلدة ، وإنا ننفلت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه ‏.‏
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - لعمار بن ياسر ‏:‏ أدرك القوم ، فإنهم قد احترقوا ، فسلهم عما قالوا ، فإن أنكروا فقل ‏:‏ بلى ، قلتم كذا وكذا ‏.‏ فانطلق إليهم عمار ، فقال ذلك لهم ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون إليه ، فقال وديعة بن ثابت ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على ناقته ، فجعل يقول وهو أخذ بحقبها ‏:‏ يا رسول الله ، إنما كنا نخوض ونلعب ؛ فأنزل الله عز وجل ‏:‏ ‏(‏ ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ‏)‏ ‏.‏
وقال مخشن بن حمير ‏:‏ يا رسول الله ، قعد بي اسمي واسم أبي ، وكان الذي عفى عنه في هذه الآية مخشن بن حمير ، فتسمى عبدالرحمن ، وسأل الله تعالى أن يقتله شهيداً لا يعلم بمكانه ، فقتل يوم اليمامة ، فلم يوجد له أثر ‏.‏
الصلح مع صاحب أيلة
ولما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أتاه يحنة بن رؤبة ، صاحب أيلة ، فصالح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه الجزية ، وأتاه أهل جرباء وأذرح ، فأعطوه الجزية ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم كتابا فهو عندهم ‏.‏
كتابه لصاحب أيلة
فكتب ليحنة بن رؤبة ‏.‏
بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ، ليحنة بن رؤبة وأهل أيلة ، سفنهم وسيارتهم في البر والبحر ‏:‏ لهم ذمة الله ، وذمة محمد النبي ، ومن كان معهم من أهل الشام ، وأهل اليمن ، وأهل البحر ، فمن أحدث منهم حدثا ، فإنه لا يحول ماله دون نفسه ، وإنه طيب لمن أخذه من الناس ، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يردونه ، ولا طريقا يريدونه ، من بر أو بحر ‏.‏
خالد يأسر أكيدر دومة
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خالد بن الوليد ، فبعثه إلى أكيدر دومة ، وهو ‏:‏ أكيدر بن عبدالملك رجل من كندة كان ملكا عليها ، وكان نصرانيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد ‏:‏
إنك ستجده يصيد البقر ‏.‏
فخرج خالد حتى إذا كان من حصنه بمنظر العين ، وفي ليلة مقمرة صائفة ، وهو على سطح له ، ومعه امرأته ، فباتت البقر تحك بقرونها باب القصر ، فقالت له امرأته ‏:‏ هل رأيت مثل هذا قط ‏؟‏ قال ‏:‏ لا والله ‏!‏ قالت ‏:‏ فمن يترك هذه ‏؟‏ قال ‏:‏ لا أحد ‏.‏
فنزل فأمر بفرسه ، فأسرج له ، وركب معه نفر من أهل بيته ، فيهم أخ يقال له حسان ، فركب وخرجوا معه بمطاردهم ‏.‏
فلما خرجوا تلقتهم خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذته ، وقتلوا أخاه ، وقد كان عليه قباء من ديباج مخوص بالذهب ، فاستلبه خالد ، فبعث به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل قدومه به عليه ‏.‏
من نعيم الجنة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن أنس بن مالك ، قال ‏:‏
رأيت قباء أكيدر حين قدم به على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعل المسلمون يلمسونه ، بأيديهم ويتعجبون منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أتعجبون من هذا ‏؟‏ فوالذي نفسي بيده ، لمناديل سعد بن معاذ في الجنة أحسن من هذا ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم إن خالداً قدم بأكيدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحقن له دمه ، وصالحه على الجزية ، ثم خلى سبيله فرجع إلى قريته ، فقال رجل من طيئ ‏:‏ يقال له بجير بن بجرة ، يذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالد ‏:‏ إنك ستجده يصيد البقر ، وما صنعت البقر تلك الليلة حتى استخرجته ، لتصديق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
تبارك سائق البقرات إني * رأيت الله يهدي كل هادى
فمن يك حائدا عن ذي تبوك * فإنا قد أمرنا بالجهاد
فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك بضع عشرة ليلة ، لم يجاوزها ، ثم انصرف قافلاً إلى المدينة ‏.‏
وادي المشقق وماؤه
وكان في الطريق ماء يخرج من وشل ، ما يروي الراكب والركبين والثلاثة بواد يقال له وادي المشقق ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
من سبقنا إلى ذلك الوادي فلا يستقين منه شيئا حتى نأتيه ، قال ‏:‏ فسبقه إليه نفر من المنافقين ، فاستقوا ما فيه ، فلما أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقف عليه فلم ير فيه شيئا ‏.‏
فقال ‏:‏ من سبقنا إلى هذا الماء ، فقيل له ‏:‏ يا رسول الله فلان وفلان ، فقال ‏:‏ ألم أنههم أن يستقوا منه شيئا حتى آتيه ‏!‏ ثم لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودعا عليهم ، ثم نزل فوضع يده تحت الوشل ، فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب ، ثم نضحه به ، ومسحه بيده ، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما شاء الله أن يدعو به ، فانخرق من الماء - كما يقول من سمعه - ما إن له حسا كحس الصواعق ‏.‏
فشرب الناس واستقوا حاجتهم منه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لئن بقيتم أو من بقي منكم ، لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه ‏.‏
ذو البجادين ودفنه وتسميته ‏:‏
قال ‏:‏ وحدثني محمد بن إبراهيم ابن الحارث التيمي ، أن عبدالله بن مسعود كان يحدث ، قال ‏:‏
قمت من جوف الليل ، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، قال ‏:‏ فرأيت شعلة من نار في ناحية العسكر ، قال ‏:‏ فاتبعتها أنظر إليها ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر ، وعمر ، وإذا عبدالله ذو البجادين المزني قد مات ، وإذا هم قد حفروا له ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وأبو بكر وعمر يدنيانه إليه ، وهو يقول ‏:‏ أدنيا إلى أخاكما ، فدلياه إليه فلما هيأه لشقه قال ‏:‏
اللهم إني أمسيت راضيا عنه فارض عنه ‏.‏ قال ‏:‏ يقول عبدالله بن مسعود ‏:‏ يا ليتني كنت صاحب الحفرة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وإنما سمي ذا البجادين لأنه كان ينازع إلى الإسلام ، فيمنعه قومه من ذلك ، ويضيقون عليه ، حتى تركوه في بجاد ليس عليه غيره ، والبجاد ‏:‏ الكساء الغليظ الجافي ‏.‏
فهرب منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان قريبا منه شق بجاده باثنين فاتزر بواحد ، واشتمل بالآخر ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له ‏:‏ ذو البجادين لذلك ، والبجاد أيضا ‏:‏ المسح ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏قال امرؤ القيس ‏:‏
كأن أبانا في عرانين ودقة * كبير أناس في بجاد مزمل
حديث أبي رهم في تبوك
قال ابن إسحاق ‏:‏ وذكر ابن شهاب الزهري ، عن ابن أكيمة الليثي ، عن ابن أخي أبي رهم الغفاري ، أنه سمع أبا رهم كلثوم بن الحصين ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين بايعوا تحت الشجرة ، يقول ‏:‏
غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك ، فسرت ذات ليلة معه ، ونحن بالأخضر قريباً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وألقى الله علينا النعاس ، فطفقت أستيقظ وقد دنت راحلتي من راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيفزعني دنوها منه ، مخافة أن أصيب رجله في الغرز ، فطفقت أحوز راحلتي عنه ، حتى غلبتني عيني في بعض الطريق ونحن في بعض الليل فزاحمت راحلتي راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجله في الغرز ، فما استيقظت إلا بقوله ‏:‏ حس ، فقلت ‏:‏ يا رسول الله استغفر لي ‏.‏
فقال ‏:‏ سر ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألني عمن تخلف من بني غفار ، فأخبره به ، فقال وهو يسألني ‏:‏ ما فعل النفر الحمر الطوال الثطاط ‏.‏ فحدثته بتخلفهم ‏.‏ قال ‏:‏ فما فعل النفر السود الجعاد القصار ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ والله ما أعرف هؤلاء منا ‏.‏ قال ‏:‏ بلى الذين لهم نعم بشبكة شدخ ، فتذكرتهم في بني غفار ولم أذكرهم حتى ذكرت أنهم رهط من أسلم كانوا حلفاء فينا ، فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، أولئك رهط من أسلم حلفاء فينا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ما منع أحد أولئك حين تخلف أن يحمل علي بعير من إبله امرأ نشيطا في سبيل الله ، إن أعز أهلي علي أن يتخلف عني المهاجرون من قريش والأنصار وغفار وأسلم ‏.‏
أمر مسجد الضرار عند القفول من غزوة تبوك ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏
ثم أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بذي أوان ، بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار ، وكان أصحاب مسجد الضرار قد كانوا أتوه وهو يتجهز إلى تبوك ، فقالوا ‏:‏ يا رسول الله ، إنا قد بنينا مسجدا لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة والليلة الشاتية ، وإنا نحب أن تأتينا ، فتصلي لنا فيه ؛ فقال إني على جناح سفر ، وحال شغل ، أو كما قال صلى الله عليه وسلم ، ولو قد قدمنا إن شاء الله لأتيناكم ، فصلينا لكم فيه ‏.‏
فلما نزل بذي أوان أتاه خبر المسجد ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ابن الدخشم ، أخا بني سالم بن عوف ومعن بن عدي ، أو أخاه عاصم بن عدي ، أخا بني العجلان ، فقال ‏:‏ انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله ، فأهدماه وحرقاه ، فخرجا سريعين حتى أتيا بني سالم بن عوف ، وهم رهط مالك بن الدخشم ، فقال مالك لمعن ‏:‏ أنظرني حتى أخرج إليك بنار من أهلي ‏.‏ فدخل إلى أهله ، فأخذ سعفا من النخل ، فأشعل فيه ناراً ثم خرجا يشتدان حتى دخلاه وفيه أهله ، فحرقاه وهدماه ، وتفرقوا عنه ، ونزل فيهم من القرآن ما نزل ‏:‏‏(‏ والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين ‏)‏ إلى آخر القصة ‏.‏
وكان الذين بنوه أثنى عشر رجلا ‏:‏ خزام بن خالد ، من بني عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف ، ومن داره أخرج مسجد الشقاق ، وثعلبة ابن حاطب من بني أمية بن زيد ، ومعتب بن قشير من بني ضبيعة بن زيد ، وأبو حبيبة بن الأزعر ، من بني ضبيعة بن زيد ، وعباد بن حنيف ، أخو سهل بن حنيف ، من بني عمرو بن عوف ، وجارية بن عامر ، وابناه مجمع بن جارية ، وزيد بن جارية ، ونبتل بن الحارث ، من بني ضبيعة ، وبحزج ، من بني ضبيعة ، وبجاد بن عثمان ، من بني ضبيعة ، ووديعة بن ثابت ، وهو من بني أمية بن زيد رهط أبي لبابة بن عبدالمنذر ‏.‏
مساجد الرسول صلى الله عليه وسلم ‏:‏
وكانت مساجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بين المدينة إلى تبوك معلومة مسماة ‏:‏ مسجد بتبوك ، ومسجد بثينة مدران ، ومسجد بذات الزراب ، ومسجد بالأخضر ، ومسجد بذات الخطمي ، ومسجد بألاء ، ومسجد بطرف البتراء ،من ذنب كواكب ، ومسجد بالشق ، شق تارا ، ومسجد بذي الجيفة ، ومسجد بصدر حوضى ، ومسجد بالحجر ، ومسجد بالصعيد ، ومسجد بالوادي ، اليوم ، وادي القرى ، ومسجد بالرقعة من الشقة ، شقة بني عذرة ، ومسجد بذي المروة ، ومسجد بالفيفاء ، ومسجد بذي خشب‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 03:48 AM

أمر الثلاثة الذين خلفوا وأمر المعذرين في غزوة تبوك
نهي الرسول عن كلام الثلاثة المتخلفين
وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقد كان تخلف عنه رهط من المنافقين ، وتخلف أولئك الرهط الثلاثة من المسلمين من غير شك ولا نفاق ، كعب بن مالك ، ومرارة بن الربيع ، وهلال بن أمية ‏.‏
فقال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ‏:‏ لا تكلمن أحدا من هؤلاء الثلاثة ، وأتاه من تخلف عنه من المنافقين فجعلوا يحلفون له ويعتذرون ، فصفح عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يعذرهم الله ولا رسوله ، واعتزل المسلمون كلام أولئك النفر الثلاثة ‏.‏
حديث كعب بن مالك عن تخلفه وصاحبيه
قال ابن إسحاق ‏:‏ فذكر الزهري محمد بن مسلم بن شهاب ، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن كعب بن مالك ‏:‏ أن أباه عبدالله وكان قائد أبيه حين أصيب بصره ، قال ‏:‏ سمعت أبي كعب بن مالك يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وحديث صاحبيه قال ‏:‏
ما تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها قط ، غير أني كنت قد تخلفت عنه في غزوة بدر ، وكانت غزوة لم يعاتب الله ولا رسوله أحدا تخلف عنها ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما خرج يريد عير قريش ، حتى جمع الله بينه وبين عدوه على غير ميعاد ‏.‏
ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة ، وحين تواثقنا على الإسلام وما أحب أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت غزوة بدر هي أذكر في الناس منها ‏.‏
قال ‏:‏ كان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزوة ، ووالله ما اجتمعت لي راحلتان قط حتى اجتمعتا في تلك الغزوة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها إلا ورى بغيرها ، حتى كانت تلك الغزوة ، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد ، واستقبل سفراً بعيداً ، واستقبل غزوة عدو كثير ، فجلى للناس أمرهم ، ليتأهبوا لذلك أهبته ، وأخبرهم خبره بوجهه الذي يريد ، والمسلمون من تبع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ، لا يجمعهم كتاب حافظ ، يعني بذلك الديوان ، يقول ‏:‏ لا يجمعهم ديوان مكتوب ‏.‏
قال كعب‏:‏ فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أنه سيخفي له ذلك ما لم ، ينزل فيه وحي من الله ، وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزوة ، حين طابت الثمار ، وأحبت الظلال ، فالناس إليها صعر ، فتجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتجهز المسلمون معه ، وجعلت أغدو لأتجهز معهم ، فأرجع ولم أقض حاجة ، فأقول في نفسي أنا قادر على ذلك إذا أردت ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى شمر الناس بالجد ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا ، والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئاً ، فقلت ‏:‏
أتجهز بعده بيوم أو يومين ، ثم ألحق بهم ، فغدوت بعد أن فصلوا لأتجهز ، فرجعت ولم أقض شيئا ، ثم غدوت فرجعت ولم أقض شيئا ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا ، وتفرط الغزو ، فهممت أن أرتحل ، فأدركهم ، وليتني فعلت ، فلم أفعل ، وجعلت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم ، فيحزنني أني لا أرى رجلاً مغموصا عليه في النفاق ، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء ،
ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك ، فقال وهو جالس في القوم بتبوك ‏:‏
ما فعل كعب بن مالك ‏؟‏ فقال رجل من بني سلمة ‏:‏ يا رسول الله ، حبسه برداه ، والنظر في عطفيه ‏.‏
فقال له معاذ بن جبل ‏:‏ بئس ما قلت ‏!‏ والله يا رسول الله ، ما علمنا منه إلا خيراً ، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك ، حضرن بثي ، فجعلت أتذكر الكذب ، وأقول ‏:‏
بماذا أخرج من سخطة رسول الله صلى الله عليه وسلم غداً ، وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي ، فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما زاح عني الباطل ، وعرفت أني لا أنجو منه إلا بالصدق ، فأجمعت أن أصدقه ‏.‏
وصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان إذا قدم من سفر ، بدأ بالمسجد ، فركع فيه ركعتين ، ثم جلس للناس ، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون ، فجعلوا يحلفون له ويعتذرون ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فيقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وإيمانهم ، ويستغفر لهم ، ويكل سرائرهم إلى الله تعالى ‏.‏
حتى جئت فسلمت عليه ؛ فتبسم ، تبسم المغضب ، ثم قال لي ‏:‏ تعاله ، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي ‏:‏ ما خلفك ، ألم تكن ابتعت ظهرك ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ إني يا رسول الله ، والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا ، لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ، ولقد أعطيت جدلاً ، لكن والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديثا كذباً لترضين عني ، وليوشكن الله أن يسخطك علي ، ولئن حدثتك حديثاً صدقاً تجد علي فيه ، إني لأرجو عقباي من الله فيه ، ولا والله ما كان لي عذر ، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك ‏.‏
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أما هذا فقد صدقت فيه ، فقم حتى يقضي الله فيك ‏.‏
فقمت ، وثار معي رجال من بني سلمة ، فاتبعوني ، فقالوا لي ‏:‏والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا ، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به إليه المخلفون ، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك ، فوالله ما زالوا بي حتى أردت أن أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكذب نفسي ، ثم قلت لهم ‏:‏
هل لقي هذا أحد غيري ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم ، رجلان قالا مثل مقالتك ، وقيل لهما مثل ما قيل لك ، قلت ‏:‏ من هما ‏؟‏ قالوا ‏:‏ مرارة بن الربيع العمري ، من بني عمرو بن عوف ، وهلال بن أبي أمية الواقفي ، فذكروا لي رجلين صالحين ، فيهما أسوة فصمت حين ذكروهما لي ‏.‏
ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا أيها الثلاثة ، من بين من تخلف عنه ، فاجتنبنا الناس ، وتغيروا لنا ، حتى تنكرت لي نفسي والأرض ، فما هي بالأرض التي كنت أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة ‏.‏
فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما ، وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم ، فكنت أخرج وأشهد الصلوات مع المسلمين ، وأطوف بالأسواق ولا يكلمني أحد ، وآتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة ، فأقول في نفسي ‏:‏ هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ‏؟‏ ثم أصلي قريباً منه ، فأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي ، وإذا التفت نحوه أعرض عني ‏.‏
حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين ، مشيت حتى تسورت جدار حائط أبي قتادة ‏.‏ وهو ابن عمي ، وأحب الناس إلي ، فسلمت عليه ، فوالله ما رد علي السلام ‏.‏
فقلت ‏:‏ يا أبا قتادة ‏:‏ أنشدك بالله ، هل تعلم أني أحب الله ورسوله ‏؟‏ فسكت ، فعدت فناشدته ، فسكت عني ، فعدت فناشدته ، فسكت عني ، فعدت فناشدته ، فقال ‏:‏ الله ورسوله أعلم ، ففاضت عيناي ووثبت فتسورت الحائط ، ثم غدوت إلى السوق ، فبينا أنا أمشي بالسوق إذا نبطي يسأل عني من نبط الشام ، ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة ، يقول ‏:‏ من يدل على كعب بن مالك ‏؟‏ قال ‏:‏ فجعل الناس يشيرون له إلي ، حتى جاءني فدفع إلي كتاباً من ملك غسان ، وكتب كتاباً في سرقة من حرير فإذا فيه ‏:‏
‏(‏ أما بعد ‏:‏ فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، ولم يجعلك الله بدار هوان ، ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك ‏)‏‏.‏
قال ‏:‏ قلت حين قرأتها ، وهذا من البلاء أيضا ، قد بلغ بي ما وقعت فيه أن طمع في رجل من أهل الشرك ، قال ‏:‏ فعمدت بها إلى تنور فسجرته بها ‏.‏
فأقمنا على ذلك حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين ، إذا رسول رسول الله يأتيني ، فقال ‏:‏
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ أطلقها أم ماذا ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ، بل اعتزلها ولا تقربها ، وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك ، فقلت لامرأتي ‏:‏ الحقي بأهلك ، فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما هو قاض ‏.‏
قال ‏:‏ وجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ‏:‏ يا رسول الله ، إن هلال بن أمية شيخ كبير ضائع ، لا خادم له ، أفتكره أن أخدمه ‏؟‏ قال ‏:‏
لا ، ولكن لا يقربنك ؛ قالت ‏:‏ والله يا رسول الله ، ما به من حركة إلي ، والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا ، ولقد تخوفت على بصره ‏.‏
قال ‏:‏ فقال لي بعض أهلي ‏:‏ لو استأذنت رسول الله لامرأتك ، فقد أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه ، قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ والله لا أستأذنه فيها ، ما أدري ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لي في ذلك إذا استأذنته فيها ، وأنا رجل شاب ‏.‏
قال ‏:‏ فلبثنا بعد ذلك عشر ليال ، فكمل لنا خمسون ليلة ، من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامنا ، ثم صليت الصبح ، صبح خمسين ليلة ، وعلى ظهر بيت من بيوتنا ، على الحال التي ذكر الله منا ، قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت ، وضاقت علي نفسي ، وقد كنت ابتنيت خيمة في ظهر سلع ، فكنت أكون فيها إذ سمعت صوت صارخ أوفى على ظهر سلع ، يقول بأعلى صوته ‏:‏ يا كعب بن مالك ، أبشر ، قال ‏:‏ فخررت ساجداً ، وعرفت أن قد جاء الفرج ‏.‏
توبة الله على المخلفين ‏:‏
قال ‏:‏ وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى الفجر ، فذهب الناس يبشروننا ، وذهب نحو صاحبي مبشرون ، وركض رجل إلى فرساً ، وسعى ساع من أسلم ، حتى أوفى على الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس ‏.‏
فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني ، نزعت ثوبي فكسوتهما إياه ، بشارة ، والله ما أملك يومئذ غيرهما ، واستعرت ثوبين فلبستهما ، ثم انطلقت أتيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتلقاني الناس يبشرونني بالتوبة ، يقولون ‏:‏
ليهنك توبة الله عليك ، حتى دخلت المسجد ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله الناس ، فقام إلي طلحة بن عبيد الله ، فحياني وهنأني ، ووالله ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره ‏.‏ قال ‏:‏ فكان كعب بن مالك لا ينساها لطلحة ‏.‏
قال كعب ‏:‏ فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لي ووجهه يبرق من السرور ‏:‏ أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ أمن عندك يا رسول الله ، أم من عند الله ‏؟‏
قال ‏:‏ بل من عند الله ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استبشر كأن وجهه قطعة قمر ، قال ‏:‏ وكنا نعرف ذلك منه ‏.‏
قال ‏:‏ فلما جلست بين يديه ، قلت ‏:‏ يا رسول الله ، إن من توبتي إلى الله عز وجل ، أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ، وإلى رسوله ‏.‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أمسك عليك بعض مالك ، فهو خير لك ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ إني ممسك سهمي الذي بخيبر ‏.‏
وقلت يا رسول الله ، إن الله قد نجاني بالصدق ، وإن من توبتي إلى الله ، أن لا أحدث إلا صدقاً ما حييت ، والله ما أعلم أحدا من الناس أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أفضل مما أبلاني الله ، والله ما تعمدت من كذبة منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ،وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي ‏.‏
ما نزل في ساعة العسرة والمخلفين
وأنزل الله تعالى ‏:‏ ‏(‏ لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رءوف رحيم وعلى الثلاثة الذين خلفوا ‏)‏ إلى قوله ‏:‏ ‏(‏ وكونوا مع الصادقين ‏)‏ ‏.‏
ما نزل في المعذرين
قال كعب ‏:‏ فوالله ما أنعم الله علي نعمة قط بعد أن هداني للإسلام كانت أعظم في نفسي من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ، أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا ، فإن الله تبارك وتعالى قال في الذين كذبوه حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد ‏:‏ قال ‏(‏ سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ‏)‏ ‏.‏
قال ‏:‏ وكان خلفنا أيها الثلاثة عن أمر هؤلاء الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين حلفوا له ليعذرهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا ، حتى قضى الله فيه ما قضى فبذلك قال الله تعالى ‏:‏ ‏(‏ وعلى الثلاثة الذين خلفوا ‏)
وليس الذي ذكر الله من تخليفنا لتخلفنا عن الغزوة ، ولكن لتخليفه إيانا ، وإرجائه أمرنا عمن حلف له ، واعتذر إليه فقبل منه ‏.‏
أمر وفد ثقيف وإسلامها في شهر رمضان سنة تسع
قدوم عروة بن مسعود عليه صلى الله عليه وسلم مسلما
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من تبوك ، في رمضان وقدم عليه في ذلك الشهر وفد ثقيف ‏.‏
وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انصرف عنهم ، اتبع أثره عروة بن مسعود الثقفي ، حتى أدركه قبل أن يصل إلى المدينة ، فأسلم ، وسأله أن يرجع إلى قومه بالإسلام ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما يتحدث قومه ‏:‏ إنهم قاتلوك ، وعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم ، فقال عروة ‏:‏ يا رسول الله ، أنا أحب إليهم من أبكارهم ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويقال من أبصارهم ‏.‏
دعوة قومه إلى الإسلام وقتلهم إياه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان فيهم كذلك محبباً مطاعاً ، فخرج يدعو قومه إلى الإسلام رجاء أن لا يخالفوه ، لمنزلته فيهم ، فلما أشرف لهم على علية له ، وقد دعاهم إلى الإسلام ، وأظهر لهم دينه ، رموه بالنبل من كل وجه ، فأصابه سهم فقتله ، فتزعم بنو مالك أنه قتله رجل منهم ، يقال له أوس بن عوف أخو بني سالم بن مالك ، وتزعم الأحلاف أنه قتله رجل منهم ، من بني عتاب بن مالك ، يقال له ، وهب بن جابر ، فقيل لعروة ‏:‏ ما ترى في دمك قال ‏:‏
كرامة أكرمني الله بها ، وشهادة ساقها الله إلي ، فليس في إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يرتحل عنكم ، فادفنوني معهم ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيه ‏:‏ إن مثله في قومه لكمثل صاحب ياسين في قومه ‏.‏
إرسال ثقيف وفدا إليه صلى الله عليه وسلم
ثم أقامت ثقيف بعد قتل عروة أشهراً ، ثم إنهم ائتمروا بينهم ، ورأوا أنه لا طاقة لهم بحرب من حولهم من العرب ، وقد بايعوا وأسلموا ‏.‏
حدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ‏:‏
أن عمرو بن أمية ، أخا بني علاج ، كان مهاجراً لعبد ياليل بن عمرو ، الذي بينهما شيء ، وكان عمرو بن أمية من أدهى العرب ، فمشى إلى عبد ياليل بن عمرو ، حتى دخل داره ‏.‏
ثم أرسل إليه أن عمرو بن أمية يقول لك ‏:‏ أخرج إلي ، قال ‏:‏ فقال عبد ياليل للرسول ‏:‏ ويلك أعمرو أرسلك إلي ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، وها هو ذا واقفا في دارك ، فقال إن هذا الشيء ما كنت أظنه ، لعمرو كان أمنع في نفسه من ذلك ، فخرج إليه فلما رآه رحب به ، فقال له عمرو ‏:‏ إنه قد نزل بنا أمر ليست معه هجرة ، إنه قد كان من أمر هذا الرجل ما قد رأيت ، قد أسلمت العرب كلها ، وليست لكم بحربهم طاقة ، فانظروا في أمركم ‏.‏
فعند ذلك ائتمرت ثقيف بينها ، وقال بعضهم لبعض ‏:‏ أفلا ترون أنه لا يأمن لكم سرب ، ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع ، فأتمروا بينهم ، وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً ، كما أرسلوا عروة ، فكلموا عبد ياليل بن عمرو بن عمير ، وكان سن عروة بن مسعود ، وعرضوا ذلك عليه فأبى أن يفعل ، وخشي أن يصنع به إذا رجع كما صنع بعروة ‏.‏
فقال ‏:‏ لست فاعلاً حتى ترسلوا معي رجالاً فأجمعوا أن يبعثوا معه رجلين من الأحلاف ، وثلاثة من بني مالك ، فيكونوا ستة ، فبعثوا مع عبد ياليل الحكم بن عمرو بن وهب بن معتب وشرحبيل ابن غيلان بن سلمة بن معتب ، ومن بني مالك عثمان بن أبي العاص بن بشر بن عبد دهمان ، أخا بني يسار ، وأوس بن عوف ، أخا بني سالم بن عوف ، ونمير بن خرشة بن ربيعة أخا بني الحارث ‏.‏
فخرج بهم عبد ياليل ، وهو ناب القوم وصاحب أمرهم ، ولم يخرج بهم إلا خشية من مثل ما صنع بعروة بن مسعود ، لكي يشغل كل رجل منهم إذا رجعوا إلى الطائف رهطه ‏.‏
طلبهم من الرسول أمورا فرفضها ‏:‏
فلما دنوا من المدينة ونزلوا قناة ، ألفوا بها المغيرة بن شعبة ، يرعى في نوبته ركاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت رعيتها نوبا على أصحابه صلى الله عليه وسلم ، فلما رآهم ترك الركاب عند الثقفيين ، وضبر يشتد ، ليبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره عن ركب ثقيف أن قد قدموا يريدون البيعة والإسلام ، بأن يشرط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم شروطاً ، ويكتتبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً في قومهم وبلادهم وأموالهم ‏.‏
فقال أبو بكر للمغيرة ‏:‏ أقسمت عليك بالله ، لا تسبقني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أكون أنا أحدثه ، ففعل المغيرة ، فدخل أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بقدومهم عليه ، ثم خرج المغيرة إلى أصحابه فروح الظهر معهم ، وعلمهم كيف يحيون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يفعلوا إلا بتحية الجاهلية ‏.‏
ولما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب عليهم قبة في ناحية مسجده ، كما يزعمون فكان خالد بن سعيد بن العاص هو الذي يمشي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اكتتبوا كتابهم ، وكان خالد هو الذي كتب كتابهم بيده ، وكانوا لا يطعمون طعاماً ، يأتيهم من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأكل منه خالد ، حتى أسلموا وفرغوا من كتابهم ‏.‏
وقد كان فيما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدع لهم الطاغية ، وهي اللات ، لا يهدمها ثلاث سنين ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم ، فما برحوا يسألونه سنة سنة ، ويأبى عليهم حتى سألوا شهرا واحدا بعد مقدمهم ، فأبي عليهم أن يدعها شيئا مسمى ، وإنما يريدون بذلك فيما يظهرون أن يتسلموا بتركها من سفهائهم ونسائهم وذراريهم ، ويكرهون أن يروعوا قومهم بهدمها حتى يدخلهم الإسلام ، فأبي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يبعث أبا سفيان بن حرب ، والمغيرة بن شعبة فيهدماها ‏.‏
وقد كانوا سألوه مع ترك الطاغية أن يعفيهم من الصلاة ، وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
أما كسر أوثانكم بأيديكم ، فسنعفيكم منه ، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه ، فقالوا ‏:‏ يا محمد ، فسنؤتيكها وإن كانت دناءة ‏.‏
تأمير عثمان بن أبي العاص على ثقيف
فلما أسلموا وكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابهم ، أمر عليهم عثمان بن أبي العاص ، وكان من أحدثهم سنا ، وذلك أنه كان أحرصهم على التفقه في الإسلام ، وتعلم القرآن ‏.‏
صوم وفد ثقيف ما تبقى من رمضان وخدمة بلال إياهم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عيسى بن عبدالله بن عطية بن سفيان بن ربيعة الثقفي عن بعض وفدهم قال ‏:‏
كان بلال يأتينا حين أسلمنا وصمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بقي من رمضان بفطرنا ، وسحورنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأتينا بالسحور ، وإنا لنقول ‏:‏ إن لنرى الفجر قد طلع ، فيقول ‏:‏ قد تركت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتسحر ، لتأخير السحور ‏:‏ يأتينا بفطرنا ، وإنا لنقول ‏:‏ ما نرى الشمس كلها ذهبت بعد ‏:‏ فيقول ‏:‏ ما جئتكم حتى أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يضع يده في الجفنة ، فيلتقم منها ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏بفطورنا وسحورنا ‏.‏
عهده صلى الله عليه وسلم لعثمان بن أبي العاص حين تأميره على ثقيف
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني سعيد بن أبي هند عن مطرف بن عبدالله بن الشخير ، عن عثمان بن أبي العاص ، قال ‏:‏
كان من أخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثني على ثقيف أن قال ‏:‏ يا عثمان تجاوز في الصلاة ، واقدر الناس بأضعفهم ، فإن فيهم الكبير ، والصغير ، والضعيف ، وذا الحاجة ‏.‏
هدم اللات
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما فرغوا من أمرهم ، وتوجهوا إلى بلادهم راجعين ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة ، في هدم الطاغية ‏.‏ فخرجا مع القوم ، حتى إذا قدموا الطائف أراد المغيرة بن شعبة أن يقدم أبا سفيان ، فأبى ذلك أبو سفيان عليه ، وقال ‏:‏ ادخل أنت على قومك ؛ وأقام أبو سفيان بماله بذي الهدم ، فلما دخل المغيرة بن شعبة علاها يضربها بالمعول ، وقام قومه دونه بنو معتب خشية أن يرمي أو يصاب كما أصيب عروة ، وخرج نساء ثقيف حسرا يبكين عليها ويقلن ‏:‏
لتبكين دفاع * أسلمها الرضاع
لم يحسنوا المصاع
قال ابن هشام ‏:‏لتبكين عن غير ابن إسحاق ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ يقول أبو سفيان والمغيرة يضربها بالفأس ‏:‏ واها لك ‏!‏ آها لك ‏!‏ فلما هدمها المغيرة وأخذ مالها وحليها أرسل إلى أبي سفيان وحليها مجموع ، وما لها من الذهب والجزع ‏.‏
من أول من أسلم من ثقيف
وكان أبو مليح بن عروة وقارب ابن الأسود قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفد ثقيف ، حين قتل عروة ، يريدان فراق ثقيف وأن لا يجامعاهم على شيء أبداً ، فأسلما فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وخالكما أبا سفيان بن حرب ؛ فقالا ‏:‏وخالنا أبا سفيان ابن حرب ‏.‏
سؤال أبي المليح وقارب بن الأسود قضاء دينهما من مال اللات
فلما أسلم أهل الطائف ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان والمغيرة إلى هدم الطاغية ، سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو مليح بن عروة أن يقضي عن أبيه عروة ديناً كان عليه من مال الطاغية ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نعم ، فقال له ، قارب بن الأسود ، وعن الأسود يا رسول الله فاقضه ، وعروة والأسود أخوان لأب وأم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
إن الأسود مات مشركا ‏.‏ فقال قارب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يا رسول الله ، لكن تصل مسلما ذا قرابة ، يعني نفسه ، إنما الدين علي ، وإنما أنا الذي أطلب به ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان أن يقضي دين عروة والأسود من مال الطاغية ؛ فلما جمع المغيرة مالها قال لأبي سفيان ‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمرك أن تقضي عن عروة والأسود دينهما ، فقضى عنهما ‏.‏
كتابه عليه السلام لثقيف
وكان كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لهم ‏:‏
بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ من محمد النبي رسول الله ، إلى المؤمنين ‏:‏ إن عضاه وج وصيده ، لا يعضد من وجد يفعل شيئاً من ذلك فإنه يجلد وتنزع ثيابه ، فإن تعدى ذلك فإنه يؤخذ فيبلغ به إلى النبي محمد ، وإن هذا أمر النبي محمد رسول الله ‏.‏
وكتب خالد بن سعد بأمر الرسول محمد بن عبدالله ، فلايتعده أحد ، فيظلم نفسه فيما أمر به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 03:51 AM

حج أبي بكر بالناس سنة تسع واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه بتأدية أول براءة عنه
تأمير أبي بكر على الحج
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شهر رمضان وشوالا وذا القعدة ، ثم بعث أبا بكر أميراً على الحج من سنة تسع ، ليقيم للمسلمين حجهم ، والناس من أهل الشرك على منازلهم من حجهم ‏.‏ فخرج أبو بكر رضى الله عنه ومن معه من المسلمين ‏.‏
نزول سورة براءة في نقض ما بين المسلمين والمشركين ونزلت براءة في نقض ما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين من العهد ، الذي كانوا عليه فيما بينه وبينهم ‏:‏ أن لا يصد عن البيت أحد جاءه ، ولا يخاف أحد في الشهر الحرام ‏.‏
وكان ذلك عهداً عاماً بينه وبين الناس من أهل الشرك ، وكانت بين ذلك عهود بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قبائل العرب خصائص ، إلى آجال مسماة ، فنزلت فيه وفيمن تخلف من المنافقين عنه في تبوك ، وفي قول من قال منهم ، فكشف الله تعالى فيها سرائر أقوام كانوا يستخفون بغير ما يظهرون ، منهم من سمى لنا ومنهم من لم يسم لنا فقال عز وجل‏:‏
(‏ براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين ‏)‏ أي ‏:‏ لأهل العهد العام من أهل الشرك ‏(‏ فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله ‏)‏ أي ‏:‏ بعد هذه الحجة ‏(‏ فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم إلا الذين عاهدتم من المشركين ‏)‏ أي ‏:‏
العهد الخاص إلى الأجل المسمى ‏(‏ ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين فإذا انسلخ الأشهر الحرم ‏)‏ يعني الأربعة التي ضرب لهم أجلا (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تأبوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم وإن أحد من المشركين ‏)‏ أي ‏:‏ من هؤلاء الذين أمرتك بقتلهم ‏(‏ استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون ‏)‏ ‏.‏
ثم قال ‏:‏ ‏(‏ كيف يكون للمشركين ‏)‏ الذين كانوا هم وأنتم على العهد العام ، أن لا يخيفوكم ولا يخيفوهم في الحرمة ، ولا في الشهر الحرام ‏(‏ عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ‏)‏ وهي قبائل من بني بكر الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم يوم الحديبية ، إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، فلم يكن نقضها إلا هذا الحي من قريش ، وهي الديل من بني بكر بن وائل الذين كانوا دخلوا في عقد قريش وعهدهم ‏.‏
فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض من بني بكر إلى مدته ‏(‏ فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين ‏)‏ ‏.‏
ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ كيف وإن يظهروا عليكم ‏)‏ أي ‏:‏ المشركين الذين لا عهد لهم إلى مدة من أهل الشرك العام ‏(‏ لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة ‏)‏ ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏الإل ‏:‏ الحلف ‏.‏ قال أوس بن حجر ، أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم ‏:‏
لولا بنو مالك والإل مرقبة * ومالك فيهم الآلاء والشرف
وهذا البيت في قصيدة له ، وجمعه آلال قال الشاعر ‏:‏
فلا إل من الآلال بيني * وبينكم فلا تألن جهدا
والذمة ‏:‏ العهد ، قال الأجدع بن مالك الهمداني ، وهو أبو مسروق الأجدع الفقيه ‏.‏
وكان علينا ذمة أن تجاوزوا * من الأرض معروفا إلينا ومنكرا
وهذا البيت في ثلاثة أبيات له ‏.‏ وجمعها ذمم ‏.‏
(‏ يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون ، اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون ‏.‏ لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون ‏)‏ أي ‏:‏ قد اعتدوا عليكم ‏(‏ فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون ‏)‏ ‏.‏
اختصاص علي بتأدية براءة ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف ، عن أبي جعفر محمد بن علي رضوان الله عليه ، أنه قال ‏:‏
لما نزلت براءة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان بعث أبا بكر الصديق ليقيم للناس الحج ، قيل له ‏:‏ يا رسول الله لو بعثت بها إلى أبي بكر ، فقال ‏:‏ لا يؤدي عني إلا رجل من أهل بيتي ‏.‏ ثم دعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال له ‏:‏ اخرج بهذه القصة من صدر براءة ، وأذن في الناس يوم النحر إذا اجتمعوا بمنى ، أنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو له إلى مدته ‏.‏
فخرج علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء ، حتى أدرك أبا بكر بالطريق ، فلما رآه أبو بكر بالطريق قال ‏:‏ أأمير أم مأمور ‏؟‏ فقال بل ‏:‏ مأمور ثم مضيا ، فأقام أبو بكر للناس الحج والعرب إذ ذاك في تلك السنة على منازلهم من الحج ، التي كانوا عليها في الجاهلية ‏.‏
حتى إذا كان يوم النحر ، قام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فأذن في الناس بالذي أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أيها الناس ، إنه لا يدخل الجنة كافر ، ولا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ومن كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فهو إلى مدته ؛ وأجل الناس أربعة أشهر من يوم أذن فيهم ، ليرجع كل قوم إلى مأمنهم أو بلادهم ، ثم لا عهد لمشرك ولا ذمة إلا أحد كان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلى مدة ، فهو له إلى مدته ‏.‏ فلم يحج بعد ذلك العام مشرك ولم يطف بالبيت عريان ‏.‏
ثم قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فكان هذا من براءة فيمن كان من أهل الشرك من أهل العهد العام وأهل المدة إلى الأجل المسمى ‏.‏
الأمر بجهاد المشركين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم أمر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بجهاد أهل الشرك ، ممن نقض من أهل العهد الخاص ، ومن كان من أهل العهد العام ، بعد الأربعة الأشهر التي ضرب لهم أجلا إلا أن يعدو فيها عاد منهم ، فيقتل بعدائه ، فقال ‏:‏
(‏ ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله ‏)‏ أي ‏:‏ بعد ذلك ‏(‏ على من يشاء والله عليم حكيم أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون ‏)‏ ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وليجة ‏:‏ دخيل ، وجمعها ولائج وهو من ولج يلج ، أي ‏:‏ دخل يدخل ، وفي كتاب الله عز وجل ‏:‏ ‏(‏ حتى يلج الجمل في سم الخياط ‏)‏ أي ، يدخل يقول لم يتخذوا دخيلا من دونه يسرون إليه غير ما يظهرون ، نحو ما يصنع المنافقون ، يظهرون الإيمان للذين آمنوا ‏(‏ وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ‏)‏ قال الشاعر ‏:‏
وأعلم بأنك قد جعلت وليجة * ساقوا إليك الحتف غير مشوب
القرآن يرد على قريش ادعاءهم عمارة البيت
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم ذكر قول قريش ‏:‏ إنا أهل الحرم ، وسقاة الحاج ، وعمارة هذا البيت ، فلا أحد أفضل منا ؛ فقال ‏:‏ ‏(‏ إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر ‏)‏ أي ‏:‏ أن عمارتكم ليست على ذلك ، وإنما يعمر مساجد الله ، أي ‏:‏ من يعمرها بحقها ‏(‏ من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وأتى الزكاة ولم يخش إلا الله ‏)‏ أي ‏:‏ فأولئك عمارها ‏(‏ فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ‏)‏ وعسى من الله ‏:‏ حق ‏.‏
قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله ‏)‏ ‏.‏
ثم القصة عن عدوهم ، وما أنزل الله تعالى من نصره بعد تخاذلهم ، ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة ‏)‏ وذلك أن الناس قالوا ‏:‏ لتنقطعن عنا الأسواق ، فلتهلكن التجارة ، وليذهبن ما كنا نصيب فيها من المرافق ، فقال الله عز وجل ‏:‏ ‏(‏ وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله ‏)‏ أي ‏:‏ من وجه غير ذلك ‏(‏ إن شاء إن الله عليم حكيم قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ‏)‏ أي ‏:‏ ففي هذا عوض مما تخوفتم من قطع الأسواق ، فعوضهم الله بما قطع عنهم بأمر الشرك ، ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب ، من الجزية ‏.‏
ما نزل في أهل الكتابين ‏:‏
ثم ذكر أهل الكتابين بما فيهم من الشر والفرية عليه ، حتى انتهي إلى قوله تعالى ‏:‏ ‏(‏ إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ‏)‏ ‏.‏
ما نزل في النسيء ‏:‏
ثم ذكر النسيء وما كانت العرب أحدثت فيه ‏.‏ والنسيء ‏:‏ ما كان يحل مما حرم الله تعالى من الشهور ، ويحرم مما أحل الله منها ، فقال ‏:‏ إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ‏)‏ أي ‏:‏ لا تجعلوا حرامها حلالاً ، ولا حلالها حراماً ، أي كما فعل أهل الشرك ‏(‏إنما النسيء ‏)‏ الذي كانوا يصنعون ‏(‏ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين ‏)‏ ‏.‏
ما نزل في تبوك ‏:‏
ثم ذكر تبوك وما كان فيها من تثاقل المسلمين عنها ، وما أعظموا من غزو الروم حين دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهادهم ، ونفاق من نافق من المنافقين ، حين دعوا إلى ما دعوا إليه من الجهاد ، ثم ما نعى عليهم من إحداثهم في الإسلام ، فقال تعالى ‏:‏
(‏ يا أيها الذين أمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ‏)‏ ، ثم القصة إلى قوله تعالى ‏:‏ ‏(‏ يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ‏)‏ إلى قوله تعالى ‏:‏ ‏(‏ إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار ‏)‏ ‏.‏
ما نزل في أهل النفاق ‏:‏
ثم قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، يذكر أهل النفاق ‏:‏ ‏(‏ لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون ‏)‏ أي ‏:‏ إنهم يستطيعون ‏(‏ عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين ‏)‏ إلى قوله ‏(‏ لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالاً ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم) ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏أوضعوا خلالكم ‏:‏ ساروا بين أضعافكم ، فالأيضاع ‏:‏ ضرب من السير أسرع من المشي ، قال الأجدع بن مالك الهمداني ‏:‏
يصطادك الوحد المدل بشأوه * بشريج بين الشد والأيضاع
وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان الذين استأذنوه من ذوي الشرف ، فيما بلغني ، منهم عبدالله بن أبي ابن سلول ، والجد بن قيس ، وكانوا أشرافاً في قومهم ، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معه فيفسدوا عليه جنده ، وكان في جنده قوم أهل محبة لهم ، وطاعة فيما يدعونهم إليه ، لشرفهم فيهم ‏.‏ فقال تعالى ‏:‏ ‏(‏ وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين لقد ابتغوا الفتنة من قبل ‏)‏ أي ‏:‏ من قبل أن يستأذنوك ، ‏(‏ وقلبوا لك الأمور ‏)‏ أي ‏:‏ ليخذلوا عنك أصحابك ، ويردوا عليك أمرك ‏(‏ حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا ‏)‏ وكان الذي قال ذلك ، فيما سمي لنا الجد بن قيس ، أخو بني سلمة ، حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جهاد الروم ‏.‏ ثم كانت القصة إلى قوله تعالى ‏:‏ ‏(‏ لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ‏)‏ أي ‏:‏ إنما نيتهم ورضاهم وسخطهم لدنياهم ‏.‏
ما نزل في أصحاب الصدقات ‏:‏
ثم بين الصدقات لمن هي ، وسمي أهلها فقال ‏:‏ ‏(‏ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ‏)‏ ‏.‏
ما نزل فيمن آذوا الرسول صلى الله عليه وسلم ‏:‏
ثم ذكر غشهم وأذاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‏:‏ ‏(‏ ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ‏)‏ ‏.‏ وكان الذي يقول تلك المقالة ، فيما بلغني ، نبتل بن الحارث ، أخو بني عمرو بن عوف ، وفيه نزلت هذه الآية ، وذلك أنه كان يقول ‏:‏ إنما محمد أذن من حدثه شيئا صدقه ، يقول الله تعالى ‏:‏ ‏(‏ قل أذن خير لكم ‏)‏ أي ‏:‏ يسمع الخير ويصدق به ‏.‏
ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ‏)‏ ثم قال ‏:‏ ‏(‏ ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون ‏)‏ إلى قوله تعالى ‏:‏ ‏(‏ إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة ‏)‏ وكان الذي قال هذه المقالة وديعة بن ثابت ، أخو بني أمية بن زيد من بني عمرو بن عوف ، وكان الذي عفي عنه ، فيما بلغني ، مخشن بن حمير الأشجعي حليف بني سلمة ، وذلك أنه أنكر منهم بعض ما سمع ‏.‏
ثم القصة من صفتهم حتى انتهى إلى قوله تعالى ‏:‏ ‏(‏ يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله ‏)‏ إلى قوله ‏(‏ من ولي ولا نصير ‏)‏ وكان الذي قال تلك المقالة الجلاس بن سويد بن صامت ، فرفعها عليه رجل كان في حجره ، يقال له ‏:‏ عمير بن سعد فأنكرها وحلف بالله ما قالها ، فلما نزل فيهم القرآن تاب ونزع ، وحسنت حاله وتوبته ، فيما بلغني ‏.‏
ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ‏)‏ وكان الذي عاهد الله منهم ثعلبة بن حاطب ، ومعتب بن قشير ، وهما من بني عمرو بن عوف ‏.‏
ثم قال ‏:‏ ‏(‏ الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم ‏)‏ وكان المطوعون من المؤمنين في الصدقات عبدالرحمن بن عوف ، وعاصم بن عدي ، أخا بني العجلان ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رغب في الصدقة ، وحض عليها ، فقام عبدالرحمن بن عوف فتصدق بأربعة آلاف درهم ، وقام عاصم بن عدي فتصدق بمائة وسق من تمر ، فلمزوهما ، وقالوا ‏:‏ ما هذا إلا رياء ، وكان الذي تصدق بجهده أبو عقيل ، أخو بني أنيف ، أتى بصاع من تمر ، فأفرغها في الصدقة ، فتضاحكوا به ، وقالوا ‏:‏ إن الله لغني عن صاع أبي عقيل ‏.‏
ثم ذكر قول بعضهم لبعض ، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد ، وأمر بالسير إلى تبوك ، على شدة الحر ، وجدب البلاد ، فقال تعالى ‏:‏ ‏(‏ وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حراً لو كانوا يفقهون فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ‏)‏ إلى قوله ‏:‏ ‏(‏ ولا تعجبك أموالهم وأولادهم ‏)‏ ‏.‏
ما نزل بسبب الصلاة على ابن أبي
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني الزهري عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس قال ‏:‏
سمعت عمر بن الخطاب ، يقول ‏:‏ لما توفي عبدالله بن أبي دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه ، فقام إليه ، فلما وقف عليه يريد الصلاة ، تحولت حتى قمت في صدره ، فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، أتصلى على عدو الله عبدالله بن أبي بن سلول ‏؟‏ القائل كذا يوم كذا ، والقائل كذا يوم كذا ‏؟‏ أعدد أيامه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى إذا أكثرت قال ‏:‏ يا عمر ، أخر عني إني قد خيرت فاخترت ، قد قيل لي ‏:‏ ‏(‏ استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ‏)‏ فلو أعلم إني إن زدت على السبعين غفر له لزدت ‏.‏
قال ‏:‏ ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومشى معه حتى قام على قبره ، حتى فرغ منه ، قال ‏:‏ فعجبت لي ولجرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ورسوله أعلم ‏.‏ فوالله ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان ‏:‏ ‏(‏ ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون ‏)‏ فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ، حتى قبضة الله تعالى ‏.‏
ما نزل في المستأذنين والمعذرين والبكائين ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم ‏)‏ وكان ابن أبي من أولئك ، فنعى الله ذلك عليه ، وذكره منه ، ثم قال تعالى ‏:‏
(‏ لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا الله ورسوله ‏)‏ إلى أخر القصة ‏.‏
وكان المعذرون - فيما بلغني - نفرا من بني غفار منهم خفاف بن أيماء بن رحضة ، ثم كانت القصة لأهل العذر ، حتى انتهى إلى قوله ‏:‏ ‏(‏ ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزناً ألا يجدوا ما ينفقون ‏)‏ وهم البكاءون ‏.‏
ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ‏)‏ الخوالف ‏:‏ النساء ‏.‏
ثم ذكر حلفهم للمسلمين واعتذراهم فقال ‏:‏ ‏(‏ فأعرضوا عنهم ‏)‏ إلى قوله تعالى ‏:‏ ‏(‏ فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ‏)‏ ‏.‏
ما نزل في منافقي الأعراب ‏:‏
ثم ذكر الأعراب ومن نافق منهم وتربصهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين ، فقال ‏:‏ ‏(‏ ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق ‏)‏ أي ‏:‏ من صدقة أو نفقة في سبيل الله ‏(‏ مغرماً ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء والله سميع عليم ‏.)‏
ما نزل في المخلصين من الأعراب ‏:‏
ثم ذكر الأعراب أهل الإخلاص والإيمان منهم ، فقال ‏:‏ ‏(‏ ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله وصلوات الرسول ألا إنها قربة لهم ‏)‏ ‏.‏
ما نزل في السابقين من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان
ثم ذكر السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، وفضلهم ، وما وعدهم الله من حسن ثوابه إياهم ، ثم ألحق بهم التابعين لهم بإحسان ، فقال ‏:‏ ‏(‏ رضي الله عنهم ورضوا عنه ‏)‏ ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ‏)‏ أي ‏:‏ لجوا فيه وأبوا غيره ‏(‏ سنعذبهم مرتين ‏)‏ والعذاب الذي أوعده الله تعالى مرتين ، فيما بلغني ، غمهم بما هم فيه من أمر الإسلام ، وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة ، ثم عذابهم في القبور إذا صاروا إليها ، ثم العذاب العظيم الذين يردون إليه ، عذاب النار والخلد فيه ‏.‏ ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم ‏)‏ ‏.‏
ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ‏)‏ إلى أخر القصة ، ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ‏)‏ وهم الثلاثة الذين خلفوا ، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم حتى أتت من الله توبتهم ، ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ والذين اتخذوا مسجداً ضراراً ‏)‏ إلى أخر القصة ، ثم قال تعالى ‏:‏ ‏(‏ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ‏)‏ ثم كان قصة الخبر عن تبوك ، وما كان فيها إلى أخر السورة ‏.‏
وكانت براءة تسمى في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وبعده المبعثرة ، لما كشفت من سرائر الناس ‏.‏ وكانت تبوك أخر غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
حسان يعدد مغازيه صلى الله عليه وسلم شعرا ‏:‏
وقال حسان بن ثابت يعدد مغازي الأنصار مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ويذكر مواطنهم معه في أيام غزوه ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وتروى لابنه عبدالرحمن بن حسان ‏.‏
ألست خير معد كلها نفرا * ومعشرا إن هم عموا وإن حصلوا
قوم هم شهدوا بدرا بأجمعهم * مع الرسول فما ألوا وما خذلوا
وبايعوه فلم ينكث به أحد * منهم ولم يك في إيمانهم دخل
ويوم صبحهم في الشعب من أحد * ضرب رصين كحر النار مشتعل
ويوم ذي قرد يوم استثار بهم * على الجياد فما خاموا وما نكلوا
وذا العشيرة جاسوها بخيلهم * مع الرسول عليها البيض والأسل
ويوم ودان أجلوا أهله رقصا * بالخيل حتى نهانا الحزن والجبل
وليلة طلبوا فيها عدوهم * لله والله يجزيهم بما عملوا
وغزوة يوم نجد ثم كان لهم * مع الرسول بها الأسلاب والنفل
وليلة بحنين جالدوا معه * فيها يلعهم بالحرب إذ نهلوا
وغزوة القاع فرقنا العدو به * كما تفرق دون المشرب الرسل
ويوم بويع كانوا أهل بيعته * على الجلاد فآسوه وما عدلوا
وغزوة الفتح كانوا في سريته * مرابطين فما طاشوا وما عجلوا
ويوم خيبر كانوا في كتيبته * يمشون كلهم مستبسل بطل
بالبيض ترعش في الأيمان عارية * تعوج في الضرب أحيانا وتعتدل
ويوم سار رسول الله محتسبا * إلى تبوك وهم راياته الأول
وساسة الحرب إن حرب بدت لهم * حتى بدا لهم الإقبال والقفل
أولئك القوم أنصار النبي وهم * قومي أصير إليهم حين أتصل
ماتوا كراما ولم تنكث عهودهم * وقتلهم في سبيل الله إذ قتلوا
قال ابن هشام ‏:‏عجز أخرها بيتا عن غير ابن إسحاق ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال حسان بن ثابت أيضا ‏:‏
كنا ملوك الناس قبل محمد * فلما أتى الإسلام كان لنا الفضل
وأكرمنا الله الذي ليس غيره * إله بأيام مضت ما لها شكل
بنصر الإله والرسول ودينه * وألبسناه اسما مضى ما له مثل
أولئك قومي خير قوم بأسرهم * فما عد من خير فقومي له أهل
يربون بالمعروف معروف من مضى * وليس عليهم دون معروفهم قفل
إذا اختبطوا لم يفحشوا في نديهم * وليس على سؤالهم عندهم بخل
وإن حاربوا أو سالموا لم يشبهوا * فحربهم حتف وسلمهم سهل
وجارهم موف بعلياء بيته * له ما ثوى فينا الكرامة والبذل
وحاملهم موف بكل حمالة * تحمل لا غرم عليها ولا خذل
وقائلهم بالحق إن قال قائل * وحلمهم عود وحكمهم عدل
ومنا أمير المسلمين حياته * ومن غسلته من جنابته الرسل
قال ابن هشام ‏:‏وقوله ‏(‏ وألبسناه اسماً ‏)‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال حسان بن ثابت أيضا ‏:‏
قومي أولئك إن تسألي * كرام إذا الضيف يوما ألم
عظام القدور لأيسارهم * يكبون فيها المسن السنم
يؤاسون جارهم في الغنى * ويحمون مولاهم إن ظلم
فكانوا ملوكا بأرضيهم * ينادون عضبا بأمر غشم
ملوكا على الناس لم يملكوا * من الدهر يوما كحل القسم
فأنبوا بعاد وأشياعها * ثمود وبعض بقايا إرم
بيثرب قد شيدوا في النخيل * حصونا ودجن فيها النعم
نواضح قد علمتها اليهو * د عل إليك وقولا هلم
وفما اشتهوا من عصير القطاف * والعيش رخوا على غيرهم
فسرنا إليهم بأثقالنا * على كل فحل هجان قطم
جنبنا بهن جياد الخيول * قد جللوها جلال الأدم
فلما أناخوا بجنبي صرار * وشدوا السروج بلي الحزم
فما راعهم غير معج الخيول * والزحف من خلفهم قددهم
فطاروا سراعا وقد أفزعوا * وجئنا إليهم كأسد الأجم
على كل سلهبة في الصيان * لا يشتكين نحول السأم
وكل كميت مطار الفؤاد * أمين الفصوص كمثل الزلم
عليها فوارس قد عودوا * قراع الكماة وضرب البهم
ملوك إذا غشموا في البلا * د لا ينكلون ولكن قدم
فأبنا بساداتهم والنساء * وأولادهم فيهم تقتسم
ورثنا مساكنهم بعدهم * وكنا ملوكا بها لم نرم
فلما أتانا الرسول الرشيد * بالحق والنور بعد الظلم
قلنا صدقت رسول المليك * هلم إلينا وفينا أقم
فنشهد أنك عبد الإله * أرسلت نورا بدين قيم
فإنا وأولادنا جنة * نقيك وفي مالنا فاحتكم
فنحن أولئك إن كذبوك * فناد نداء ولا تحتشم
وناد بما كنت أخفيته * نداء جهارا ولا تكتتم
فطار الغواة بأسيافهم * إليه يظنون أن يخترم
فقمنا إليهم بأسيافنا * نجالد عنه بغاة الأمم
بكل صقيل له ميعة * رقيق الذباب عضوض خذم
إذا ما يصادف صم العظا * م لم ينب عنها ولم ينثلم
فذلك ما ورثتنا القروم * مجدا تليدا وعزا أشم
إذا مر نسل كفى نسله * وغادر نسلا إذا ما انفصم
فما إن من الناس إلا لنا * عليه وإن خاس فضل النعم
قال ابن هشام ‏:‏أنشدني أبو زيد الأنصاري بيته ‏:‏
فكانوا ملوكا بأرضيهم * ينادون غضبا بأمر غشم
وأنشدني ‏:‏
بيثرب قد شيدوا في النخيل * حصونا ودجن فيها النعم
وبيته ‏(‏ وكل كميت مطار الفؤاد ‏)‏ عنه ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 03:53 AM

ذكر سنة تسع وتسميتها سنة الوفود ونزول سورة الفتح
انقياد العرب وإسلامهم
قال ابن إسحاق ‏:‏ لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وفرغ من تبوك ، وأسلمت ثقيف ، وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏حدثني أبو عبيدة ‏:‏ أن ذلك في سنة تسع ، وأنها كانت تسمى سنة الوفود ‏.‏
إذا جاء نصر الله والفتح
قال ابن إسحاق ‏:‏ وإنما كانت العرب تربص بالإسلام أمر هذا الحي من قريش ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن قريشاً كانوا إمام الناس وهاديهم ، وأهل البيت الحرام ، وصريح ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ، وقادة العرب لا ينكرون ذلك ‏.‏ وكانت قريش هي التي نصبت لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلافه ، فلما افتتحت مكة ، ودانت له قريش ، ودوخها الإسلام ، وعرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا عداوته ، فدخلوا في دين الله كما قال عز وجل أفواجا يضربون إليه من كل وجه يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏ إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً ‏)‏ أي ‏:‏ فاحمد الله علي ما أظهر من دينك واستغفره إنه كان توابا ‏.‏
قدوم وفد بني تميم ونزول سورة الحجرات ‏:‏
رجال الوفد
فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفود العرب ، فقدم عليه عطارد بن حاجب بن زرارة بن عدس التميمي ، في أشراف بني تميم ، منهم الأقرع بن حابس التميمي ، والزبرقان بن بدر التميمي ، أحد بني سعد ، وعمرو بن الأهتم ، والحبحاب بن يزيد ‏.‏
الحتات وما أخذه معاوية من ميراثه ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏الحتات وهو الذي آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين معاوية بن أبي سفيان ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد آخى بين نفر من أصحابه من المهاجرين ، بين أبي بكر وعمر ، وبين عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف ، وبين طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام ، وبين أبي ذر الغفاري والمقداد بن عمرو البهراني ، وبين معاوية بن أبي سفيان والحتات بن يزيد المجاشعي ، فمات الحتات عند معاوية في خلافته ، فأخذ معاوية ما ترك وراثة بهذه الأخوة ، فقال الفرزدق لمعاوية ‏:‏
أبوك وعمي يا معاوية أورثا * تراثا فيحتاز التراث أقاربه
فما بال ميراث الحتات أكلته * وميراث حرب جامد لك ذائبه
وهذان البيتان في أبيات له ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏
وفي وفد بني تميم نعيم بن يزيد ،وقيس بن الحارث ، وقيس بن عاصم ، أخو بني سعد ، في وفد عظيم من بني تميم ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وعطارد بن حاجب ، أحد بني دارم بن مالك بن حنظلة ابن زيد مناة بن تميم ، والأقرع بن حابس ، أحد بني دارم بن مالك ، والحتات بن يزيد ، أحد بني دارم بن مالك ، والزبرقان بن بدر ، أحد بني بهدلة بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، وعمرو بن الأهتم ، أحد بني منقر بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم ، وقيس بن عاصم أحد بني منقر بن عبيد بن الحارث ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ومعهم عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، وقد كان الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن شهدا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنيناً والطائف ‏.‏
أصحاب الحجرات وطلبهم المفاخرة ‏:‏
فلما قدم وفد بني تميم كانا معهم ، فلما دخل وفد بني تميم المسجد نادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء حجراته ‏:‏ أن اخرج إلينا يا محمد ، فآذى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم من صياحهم ، فخرج إليهم ، فقالوا ‏:‏ يا محمد جئناك نفاخرك ، فأذن لشاعرنا وخطيبنا ؛ قال ‏:‏ قد أذنت لخطيبكم فليقل ‏:‏
كلمة عطارد يفتخر قومه
فقام عطارد بن حاجب فقال ‏:‏
الحمد لله الذي له علينا الفضل المن ،وهو أهله الذي جعلنا ملوكاً ، ووهب لنا أموالاً عظاما ، نفعل فيها المعروف ، وجعلنا أعز أهل المشرق ، وأكثره عدداً ، وأيسره عدة ، فمن مثلنا في الناس وأولي فضلهم ‏؟‏ فمن فاخرنا فليعدد مثل ما عددنا ، ولو نشاء لأكثرنا الكلام ،ولكنا نحيا من الإكثار فيما أعطانا ، وإنا نعرف بذلك ‏.‏
أقول هذا لأن تأتوا بمثل قولنا ، وأمر أفضل من أمرنا ‏.‏ ثم جلس ‏.‏
ثابت بن قيس يرد على عطارد
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس ، أخي بني الحارث بن الخزرج ‏:‏ قم فأجب الرجل في خطبته ، فقام ثابت ، فقال ‏:‏
الحمد لله الذي السماوات والأرض خلقه ، قضى فيهن أمره ، ووسع كرسيه علمه ، ولم يك شيء قط إلا من فضله ، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكاً ، واصطفى من خير خلقه رسولا ، أكرمه نسبا ، وأصدقه حديثاً ، وأفضله حسباً ، فأنزل عليه كتابه ، وائتمنه على خلقه ، فكان خيرة الله من العالمين ، ثم دعا الناس إلى الإيمان به ، فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوو رحمه ، أكرم الناس حسباً وأحسن الناس وجوها ، وخير الناس فعالا ‏.‏
ثم كان أول الخلق إجابة ، واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن ، فنحن أنصار الله ووزراء رسوله ، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه ، ومن كفر جاهدناه في الله أبداً ، وكان قتله علينا يسيراً ‏.‏ أقول قولي هذا واستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات ، والسلام عليكم ‏.‏
شعر الزبرقان يفتخر بقومه
فقام الزبرقان بن بدر فقال ‏:‏
نحن الكرام فلا حي يعادلنا * منا الملوك وفينا تنصب البيع
وكم قسرنا من الأحياء كلهم * عند النهاب وفضل العز يتبع
ونحن نطعم عند القحط مطعمنا * من الشواء إذا لم يؤنس القزع
بما ترى الناس تأتينا سراتهم * من كل أرض هويا ثم تصطنع
فننحر الكوم عبطا في أرومتنا * للنازلين إذا ما أنزلوا شبعوا
فلا ترانا إلى حي نفاخرهم * إلا استفادوا فكانوا الرأس يقتطع
فمن يفاخرنا في ذاك نعرفه * فيرجع القوم والأخبار تستمع
إنا أبينا ولا يأبى لنا أحد * إنا كذلك عند الفخر نرتفع
قال ابن هشام ‏:‏
ويروى ‏:‏
منا الملوك وفينا تقسم الربع
ويروى ‏:‏
من كل أرض هوانا ثم نتبع
رواه لي بعض بن تميم ، وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها للزبرقان ‏.‏
حسان يرد على الزبرقان
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان حسان غائباً فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال حسان ‏:‏ جاءني رسوله ، فأخبرني أنه إنما دعاني لأجيب شاعر بني تميم ، فخرجت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أقول ‏:‏
منعنا رسول الله إذ حل وسطنا * على أنف راض من معد وراغم
منعناه لما حل بين بيوتنا * بأسيافنا من كل باغ وظالم
ببيت حريد عزه وثراؤه * بجابية الجولان وسط الأعاجم
هل المجد إلا السودد العود والندى * وجاه الملوك واحتمال العظائم
قال فلما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقام شاعر القوم ، فقال ما قال ‏:‏ عرضت في قوله ، وقلت على نحو ما قال ‏:‏ قال ‏:‏ فلما فرغ الزبرقان ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت ‏:‏ قم يا حسان ، فأجب الرجل فيما قال ‏.‏ فقام حسان ، فقال ‏:‏
إن الذوائب من فهر وأخوتهم * قد بينوا سنة للناس تتبع
يرضى بهم كل من كانت سريرته * تقوى الإله وكل الخير يصطنع
قوم إذا حاربوا ضروا عدوهم * أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا
سجية تلك منهم غير محدثة * إن الخلائق فاعلم شرها البدع
إن كان في الناس سباقون بعدهم * فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
لا يرقع الناس ما أوهت أكفهم * عند الدفاع ولا يوهون ما رقعوا
إن سابقوا الناس يوما فاز سبقهم * أو وازنوا أهل مجد بالندى متعوا
أعفة ذكرت في الوحي عفتهم * لا يطبعون ولا يرديهم طمع
لا يبخلون على جار بفضلهم * ولا يمسهم من مطمع طبع
إذا نصبنا لحي لم ندب لهم * كما يدب إلى الوحشية الذرع
نسمو إذا الحرب نالتنا مخالبها * إذا الزعانف من أظفارها خشعوا
لا يفخرون إذا نالوا عدوهم * وإن أصيبوا فلا خور ولا هلع
كأنهم في الوغى والموت مكتنع * أسد بحليه في أرساغها فدع
خذ منهم ما أتى عفوا إذا غضبوا * ولا يكن همك الأمر الذي منعوا
فإن في حربهم فاترك عداوتهم * شرا يخاض عليه السم والسلع
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم * إذا تفاوتت الأهواء والشيع
أهدى لهم مدحتي قلب يؤازره * فيما أحب لسان حائك صنع
فإنهم أفضل الأحياء كلهم * إن جد بالناس جد القول أو شمعوا
قال ابن هشام ‏:‏أنشدني أبو زيد ‏.‏
يرضى بها كل من كانت سريرته * تقوى الإله وبالأمر الذي شرعوا
شعر أخر للزبرقان بن بدر
وقال ابن هشام ‏:‏ حدثني بعض أهل العلم بالشعر من بني تميم ، أن الزبرقان بن بدر ، لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد تميم ، قام فقال ‏:‏
أتيناك كيما يعلم الناس فضلنا * إذا احتفلوا عند احتضار المواسم
بأنا فروع الناس في كل موطن * وأن ليس في أرض الحجاز كدارم
وأنا نذود المعلمين إذا انتخوا * ونضرب رأس الأصيد المتفاقم
وأن لنا المرباع في كل غارة * نغير بنجد أو بأرض الأعاجم
شعر أخر لحسان في الرد على الزبرقان
فقام حسان بن ثابت ، فأجابه فقال ‏:‏
هل المجد إلا السودد العود والندى * وجاه الملوك واحتمال العظائم
نصرنا وآوينا النبي محمدا * على أنف راض من معد وراغم
بحي حريد أصله وثراؤه * بجابية الجولان وسط الأعاجم
نصرناه لما حل وسط ديارنا * بأسيافنا من كل باغ وظالم
جعلنا بنينا دونه وبناتنا * وطبنا له نفسا بفيء المغانم
ونحن ضربنا الناس حتى تتابعوا * على دينه بالمرهفات الصوارم
ونحن ولدنا من قريش عظيمها * ولدنا نبي الخير من آل هاشم
بني دارم لا تفخروا إن فخركم * يعود وبالا عند ذكر المكارم
هبلتم علينا تفخرون وأنتم * لنا خول ما بين ظئر وخادم
فإن كنتم جئتم لحقن دمائكم * وأموالكم أن تقسموا في المقاسم
فلا تجعلوا لله ندا وأسلموا * ولا تلبسوا زيا كزي الأعاجم
إسلام الوفد ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما فرغ حسان بن ثابت من قوله ، قال الأقرع بن حابس ‏:‏وأبى ، إن هذا الرجل لمؤتى له ، لخطيبه أخطب من خطيبنا ، ولشاعره أشعر من شاعرنا ، ولأصواتهم أحلى من أصواتنا ، فلما فرغ القوم أسلموا ، وجوزهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن جوائزهم ‏.‏
شعر ابن الأهتم في هجاء قيس
وكان عمرو بن الأهتم قد خلفه القوم في ظهرهم ، وكان أصغرهم سناً ، فقال قيس بن عاصم ، وكان يبغض عمرو بن الأهتم ‏:‏ يا رسول الله ، إنه قد كان رجل منا في رحالنا ، وهو غلام حدث ، وأزرى به ، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما أعطى القوم ، فقال عمرو بن الأهتم حين بلغه أن قيسا قال ذلك ، يهجوه ‏:‏
ظللت مفترش الهلباء تشتمني * عند الرسول فلم تصدق ولم تصب
سدناكم سوددا رهوا وسوددكم * باد نواجذه مقع على الذنب
قال ابن هشام ‏:‏ بقي بيت واحد تركناه ، لأنه أقذع فيه ‏.‏
ما نزل من القرآن في وفد بني تميم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وفيهم نزل من القرآن ‏:‏ ‏(‏ إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ‏)‏ ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 03:55 AM

قصة عامر بن الطفيل وأربد بن قيس في الوفادة عن بني عامر
رؤساء الوفد ‏:‏
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني عامر ، فيهم عامر بن الطفيل وأربد بن قيس بن جزء بن خالد بن جعفر ، وجبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ، وكان هؤلاء الثلاثة رؤساء القوم وشياطينهم ‏.‏
عامر يدبر الغدر بالرسول ‏:‏
فقدم عامر بن الطفيل عدو الله ، على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يريد الغدر به ، وقد قال له قومه ‏:‏ يا عامر ، إن الناس قد أسلموا فأسلم ، قال ‏:‏ والله لقد كنت آليت أن لا أنتهي حتى تتبع العرب عقبي ، أفأنا أتبع عقب هذا الفتى من قريش ‏!‏ ثم قال لأربد ‏:‏ إذا قدمنا على الرجل ، فإني سأشغل عنك وجهه ، فإذا فعلت ذلك فاعله بالسيف ‏.‏
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال عامر بن الطفيل ‏:‏ يا محمد ، خالني ، قال ‏:‏ لا والله ، حتى تؤمن بالله وحده ، قال ‏:‏ يا محمد ، خالني ، وجعل يكلمه وينتظر من أربد ما كان أمره به فجعل أربد لا يخير شيئاً ، قال ‏:‏ فلما رأى عامر ما يصنع أربد ، قال ‏:‏ يا محمد خالني ، قال ‏:‏ لا حتى تؤمن بالله وحده لا شريك له ‏.‏
فلما أبي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ أما والله لأملأنها عليك خيلاً ورجالاً ‏.‏
فلما ولي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اللهم اكفني عامر بن الطفيل ‏.‏
فلما خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عامر لأربد ‏:‏ ويلك يا أربد ‏!‏ أين ما كنت أمرتك به ‏؟‏ والله ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف عندي على نفسي منك ، وأيم الله لا أخافك بعد اليوم أبداً ، قال ‏:‏ لا أبا لك ‏!‏ لا تعجل علي ، والله ما هممت بالذي أمرتني به من أمره إلا دخلت بيني وبين الرجل ، حتى ما أرى غيرك أفأضربك بالسيف ‏؟‏ ‏.‏
موت عامر بدعاء الرسول عليه ‏:‏
وخرجوا راجعين إلى بلادهم ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعون في عنقه ، فقتله الله في بيت امرأة من بني سلول ، فجعل يقول ‏:‏ يا بني عامر ، أغدة كغدة البكر في بيت امرأة من بني سلول ‏!‏ ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويقال أغدة كغدة الإبل ، وموتا في بيت سلولية ‏!‏ ‏.‏
موت أربد بصاعقة
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم خرج أصحابه حين واروه ، حين قدموا أرض بني عامر شاتين ، فلما قدموا أتاهم قومهم ، فقالوا ‏:‏ ما وراءك يا أربد ‏؟‏
قال ‏:‏ لا شيء والله ، لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنه عندي الآن ، فأرميه بالنبل حتى أقتله ، فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين معه جمل له يتبعه ، فأرسل الله تعالى عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما ‏.‏وكان أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة لأمه ‏.‏
ما نزل في عامر وأربد
قال ابن هشام ‏:‏ وذكر زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن ابن عباس قال ‏:‏ وأنزل الله عز وجل في عامر وأربد ‏(‏ الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد ‏)‏ إلى قوله ‏:‏ ‏(‏ وما لهم من دونه من وال ‏)‏ ‏.‏
قال ‏:‏ المعقبات هي من أمر الله يحفظون محمداً ، ثم ذكر أربد وما قتله الله به فقال ‏:‏ ‏(‏ ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء ‏)‏ إلى قوله ‏:‏ ‏(‏ شديد المحال ‏)‏ ‏.‏
شعر لبيد في بكاء أربد ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فقال لبيد يبكي أربد ‏:‏
ما إن تعدى المنون من أحد * لا والد مشفق ولا ولد
أخشى على أربد الحتوف ولا * أرهب نوء السماك والأسد
فعين هلا بكيت أربد إذ * قمنا وقام النساء في كبد
إن يشغبوا لا يبال شغبهم * أو يقصدوا في الحكوم يقتصد
حلو أريب وفي حلاوته * مر لطيف الأحشاء والكبد
وعين هلا بكيت أربد إذ * ألوت رياح الشتاء بالعضد
وأصبحت لاقحا مصرمة * حتى تجلت غوابر المدد
أشجع من ليث غابة لحم * ذو نهمة في العلا ومنتقد
لا تبلغ العين كل نهمتها * ليلة تمسي الجياد كالقدد
الباعث النوح في مآتمه * مثل الظباء الأبكار بالجرد
فجعني البرق والصواعق بالفارس * يوم الكريهة النجد
والحارب الجابر الحريب إذا * جاء نكيبا وإن يعد يعد
يعفو على الجهد والسؤال كما * ينبت غيث الربيع ذو الرصد
كل بني حرة مصيرهم * قل وإن أكثرت من العدد
إن يغبطوا يهبطوا وإن أمروا * يوما وإن فهم للهلاك والنفد
قال ابن هشام ‏:‏بيته ‏(‏ والحارب الجابر الحريب ‏)‏ عن أبي عبيدة ، وبيته ‏(‏ يعفو على الجهد ‏)‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال لبيد أيضا يبكي أربد ‏:‏
ألا ذهب المحافظ والمحامي * ومانع ضيمها يوم الخصام
وأيقنت التفرق يوم قالوا * تقسم مال أربد بالسهام
تطير عدائد الأشراك شفعا * ووترا والزعامة للغلام
فودع بالسلام أبا حريز * وقل وداع أربد بالسلام
وكنت إمامنا ولنا نظاما * وكان الجزع يحفظ بالنظام
وأربد فارس الهيجا إذ ما * تقعرت المشاجر بالفئام
إذا بكر النساء مردفات * حواسر لا يجئن على الخدام
فواءل يوم ذلك من أتاه * كما وأل المحل إلى الحرام
ويحمد قدر أربد من عراها * إذا ما ذم أرباب اللحام
وجارته إذا حلت لديه * لها نفل وحظ من سنام
فإن تقعد فمكرمة حصان * وإن تظعن فمحسنة الكلام
وهل حدثت عن أخوين داما * على الأيام إلا ابني شمام
وإلا الفرقدين وآل نعش * خوالد ما تحدث بانهدام
قال ابن هشام ‏:‏وهي في قصيدة له ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال لبيد أيضا يبكي أربد ‏:‏
انع الكريم للكريم أربدا * انع الرئيس واللطيف كبدا
يحذي ويعطي ماله ليحمدا * أدما يشبهن صوارا أبداً
السابل الفضل إذا ما عددا * ويملأ الجفنة ملئا مددا
رفها إذا يأتي ضريك وردا * مثل الذي في الغيل يقرو جمدا
يزداد قربا منهم أن يوعدا * أورثتنا تراث غير أنكدا
غبا ومالا طارفا وولدا * شرخا صقورا يافعا وأمردا
وقال لبيد أيضا ‏:‏
لن تفنيا خيرات أربد * فابكيا حتى يعودا
قولا هو البطل المحامي * حين يكسون الحديدا
ويصد عنا الظالمين * إذا لقينا القوم صيدا
فاعتاقه رب البرية * إذ رأى أن لا خلودا
فثوى ولم يوجع ولم * يوصب وكان هو الفقيد
وقال لبيد أيضا‏:‏
يذكرني بأربد كل خصم * ألد تخال خطته ضرارا
إذا اقتصدوا فمقتصد كريم * وإن جاروا سواء الحق جارا
ويهدي القوم مطلعا إذا ما * دليل القوم بالموماة حارا
قال ابن هشام ‏:‏أخرها بيتا عن غير ابن إسحاق ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال لبيد أيضا ‏:‏
أصبحت أمشي بعد سلمي بن مالك * وبعد أبي قيس وعروة كالأجب
إذا ما رأى ظل الغراب أضجه * حذارا على باقي السناسن والعصب
قال ابن هشام ‏:‏وهذان البيتان في أبيات له ‏.‏
قدوم ضمام بن ثعلبة وافدا عن بني سعد بن بكر
قال ابن إسحاق ‏:‏ وبعث بنو سعد بن بكر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا منهم يقال له ضمام بن ثعلبة
إسلامه ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني محمد بن الوليد بن نويفع عن كريب ، مولى عبدالله بن عباس ، عن ابن عباس قال ‏:‏
بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدم عليه وأناخ بعيره على باب المسجد ، ثم عقله ، ثم دخل إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ‏.‏
وكان ضمام رجلاً جلداً أشعر ذا غديرتين ، فأقبل حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ، فقال ‏:‏ أيكم ابن عبدالمطلب قال ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أنا ابن عبدالمطلب ‏.‏
قال ‏:‏ أمحمد ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ‏.‏ قال ‏:‏ ياابن عبدالمطلب ، إني سائلك ومغلظ عليك في المسألة ، فلا تجدن في نفسك ، قال ‏:‏ لا أجد في نفسي ، فسل عما بداً لك ‏.‏
قال ‏:‏ أنشدك الله ، إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من كائن بعدك ، آلله بعثك إلينا رسولا ‏؟‏ قال ‏:‏ اللهم نعم ‏.‏
قال ‏:‏ فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لا نشرك به شيئا ، وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون معه ‏؟‏ قال ‏:‏ اللهم نعم ‏.‏
قال ‏:‏ فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك ، وإله من هو كائن بعدك ، آلله أمرك أن تصلى هذه الصلوات الخمس ‏؟‏ قال ‏:‏ اللهم نعم ‏.‏
قال ‏:‏ ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة ‏:‏ الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها ، ينشده عند كل فريضة منها كما ينشده في التي قبلها ، حتى إذا فرغ ، قال ‏:‏ فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، وسأؤدي هذه الفرائض ، وأجتنب ما نهيتني عنه ، ثم لا أزيد ولا أنقص ، ثم انصرف إلى بعيره راجعاً ‏.‏
قال ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إن صدق ذو العقيصتين دخل الجنة ‏.‏
دعوة قومه للإسلام
قال فأتى بعيره فأطلق عقاله ، ثم خرج حتى قدم على قومه ، فاجتمعوا إليه ، فكان أول ما تكلم به أن قال ‏:‏ بئست اللات والعزى ‏!‏ قالوا ‏:‏ مه ، يا ضمام اتق البرص ، اتق الجنون ، قال ‏:‏ ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان ، إن الله قد بعث رسولاً ، وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمداً عبده ورسوله ، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ، وما نهاكم عنه ، قال ‏:‏ فوالله ما أمسى من ذلك اليوم في حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً ‏.‏
قال ‏:‏ يقول عبدالله بن عباس ‏:‏ فما سمعنا بوافد قدم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة ‏.‏
قدوم الجارود في وفد عبدالقيس
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارود بن عمرو بن خنش أخو عبدالقيس ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏الجارود بن بشر بن المعلى في وفد عبدالقيس وكان نصرانياً
إسلامه
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني من لا أتهم عن الحسن قال ‏:‏
لما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمه ، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، ودعاه إليه ، ورغبه فيه ، فقال ‏:‏
يا محمد إني قد كنت على دين ، وإني تارك ديني لدينك ، أفتضمن لي ديني ‏؟‏ قال ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نعم ، أنا ضامن أن قد هداك الله إلى ما هو خير منه ‏.‏
قال ‏:‏ فأسلم وأسلم أصحابه ، ثم سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحملان ، فقال ‏:‏ والله ما عندي ما أحملكم عليه ، قال ‏:‏ يا رسول الله ، فإن بيننا وبين بلادنا ضوال من ضوال الناس ، أفنتبلغ عليها إلى بلادنا ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ، إياك وإياها ‏.‏ فإنما تلك حرق النار ‏.‏
موقفه من ردة قومه
فخرج من عنده الجارود راجعاً إلى قومه ، وكان حسن الإسلام ، صلباً على دينه ، حتى هلك وقد أدرك الردة ، فلما رجع من قومه من كان أسلم منهم إلى دينهم الأول مع الغرور بن المنذر بن النعمان بن المنذر ، قام الجارود فتكلم ، فتشهد شهادة الحق ، ودعا إلى الإسلام فقال ‏:‏ أيها الناس إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، وأكفر من لم يشهد ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويروى ‏:‏ وأكفي من لم يشهد ‏.‏
إسلام المنذر بن ساوى
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث العلاء بن الحضرمي قبل فتح مكة إلى المنذر بن ساوى العبدي ، فأسلم فحسن إسلامه ، ثم هلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ردة أهل البحرين ، والعلاء عنده أميراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم على البحرين ‏.‏
قدوم وفد بني حنيفة ومعهم مسيلمة الكذاب
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد بني حنيفة ، فيهم مسيلمة بن حبيب الحنفي الكذاب ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏مسيلمة بن ثمامة ، ويكنى أبا ثمامة ‏.‏
ما طلبه مسيلمة الكذاب من الرسول صلى الله عليه وسلم ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فكان منزلهم في دار بنت الحارث امرأة من الأنصار ، ثم من بني النجار ، فحدثني بعض علمائنا من المدينة أن بني حنيفة أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم تستره بالثياب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ، معه عسيب من سعف النخل ، في رأسه خوصات ، فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم يسترونه بالثياب ، كلمه وسأله ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لو سألتني هذا العسيب ما أعطيتكه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد حدثني شيخ من بني حنيفة من أهل اليمامة أن حديثه كان على غير هذا ‏.‏
زعم أن وفد بني حنيفة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلفوا مسيلمة في رحالهم ، فلما أسلموا ذكروا مكانه ، فقالوا ‏:‏ يا رسول الله ، إنا قد خلفنا صاحبا لنا في رحالنا ، وفي ركابنا يحفظها لنا ، قال ‏:‏ فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل ما أمر به للقوم ؛ وقال ‏:‏
أما إنه ليس بشركم مكاناً أي ‏:‏ لحفظه ضيعة أصحابه ، وذلك الذي يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
تنبؤ مسيلمة
قال ‏:‏ ثم انصرفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاءوه بما أعطاه ، فلما انتهوا إلى اليمامة ، ارتد عدو الله وتنبأ وتكذب لهم ، وقال ‏:‏ إني قد أشركت في الأمر معه ‏.‏ وقال لوفده الذين كانوا معه ‏:‏ ألم يقل لكم حين ذكرتموني له أما إنه ليس بشركم مكاناً ، ما ذاك إلا لما كان يعلم أني قد أشركت في الأمر معه ، ثم جعل يسجع لهم الأساجيع ، ويقول لهم ‏:‏ فيما يقول مضاهاة للقرآن ‏:‏ ‏(‏ لقد أنعم الله على الحبلى ، أخرج منها نسمة تسعى ، من بين صفاق وحشى ‏)‏ وأحل لهم الخمر والزنا ، ووضع عنهم الصلاة ، وهو مع ذلك يشهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه نبي ، فأصفقت معه حنيفة على ذلك ، فالله اعلم أي ذلك كان ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 03:58 AM

قدوم زيد الخيل في وفد طيئ
إسلامه
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد طيئ ، فيهم زيد الخيل ، وهو سيدهم ، فلما انتهوا إليه كلموه وعرض عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، فأسلموا ، فحسن إسلامهم ؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حدثني من لا أتهم من رجال طيئ ‏:‏
ما ذكر لي رجل من العرب بفضل ثم جاءني ، إلا رأيته دون ما يقال فيه ، إلا زيد الخيل ، فإنه لم يبلغ كل ما كان فيه ‏.‏ ثم سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ زيد الخير ، وقطع له فيدا وأرضين معه ؛ وكتب له بذلك ‏.‏
موت زيد الخير
فخرج من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى قومه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إن ينج زيد من حمى المدينة فإنه قال ‏:‏ قد سماها رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم غير الحمى ، وغير أم ملدم ، فلم يثبته ، فلما انتهى من بلد نجد إلى ماء من مياهه ، يقال له فردة أصابته الحمى بها فمات ، ولما أحس زيد بالموت قال ‏:‏
أمرتحل قوم المشارق غدوة * وأترك في بيت بفردة منجد
ألا رب يوم لو مرضت لعادني * عوائد من لم يبر منهن يجهد
فلما مات عمدت امرأته إلى ما كان معه من كتبه ، التي قطع له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحرقتها بالنار ‏.‏
قدوم عدي بن حاتم
هربه أولا إلى الشام فرارا من الإسلام
وأما عدي بن حاتم فكان يقول ، فيما بلغني ‏:‏ ما من رجل من العرب كان اشد كراهية لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني ، أما أنا فكنت امرأ شريفاً ، وكنت نصرانياً ، وكنت أسير في قومي بالمرباع ، فكنت في نفسي على دين ، وكنت ملكاً في قومي ، لما كان يصنع بي ‏.‏
فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته ، فقلت لغلام كان لي عربي ، راعيا لإبلي ‏:‏ لا أبا لك أعدد لي من إبلي أجمالا ذللاً سماناً ‏.‏ فاحتبسها قريباً مني ، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطىء هذه البلاد فآذني ؛ ففعل ؛ ثم إنه أتاني ذات غداة ، فقال ‏:‏ يا عدي ما كنت صانعاً إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن ، فإني قد رأيت رايات ، فسألت عنها ، فقالوا ‏:‏ هذه جيوش محمد ، قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ فقرب إلي أجمالي ، فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ، ثم قلت ‏:‏ ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام ، فسلكت الجوشية ، ويقال ‏:‏ الحوشية ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر ، فلما قدمت الشام أقمت بها ‏.‏
أسر الرسول ابنة حاتم
وتخالفني خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتصيب ابنة حاتم ، فيمن أصابت ، فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيئ ، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم هربي إلى الشام ، قال ‏:‏ فجعلت بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد ، كانت السبايا يحبسن فيها ، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقامت إليه ، وكانت امرأة جزلة ، فقالت ‏:‏ يا رسول الله ، هلك الولد ، وغاب الوافد ، فامنن علي من الله عليك ‏.‏ قال ‏:‏ من وافدك ‏؟‏ قالت ‏:‏ عدي بن حاتم ‏.‏ قال ‏:‏ الفار من الله ورسوله ‏؟‏
قالت ‏:‏ ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني ، حتى إذا كان من الغد مر بي ، فقلت له مثل ذلك وقال لي مثل ما قال بالأمس ‏.‏
قالت ‏:‏ حتى إذا كان بعد الغد مر بي ، وقد يئست منه ، فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه ، قالت ‏:‏ فقمت إليه ، فقلت ‏:‏
يا رسول الله ، هلك الوالد ، وغاب الوافد ، فامنن علي من الله عليك ‏.‏ فقال صلى الله عليه وسلم ‏:‏ قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة ، حتى يبلغك إلى بلادك ، ثم آذنيني ‏.‏
فسألت عن الرجل الذي أشار إلى أن أكلمه ، فقيل ‏:‏ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ‏.‏
وأقمت حتى قدم ركب من بلي أو قضاعة ، قالت ‏:‏ وإنما أريد أن آتي أخي بالشام ‏.‏ فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، قد قدم رهط من قومي ، لي فيهم ثقة وبلاغ ‏.‏ قالت ‏:‏ فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحملني ، وأعطاني نفقة ، فخرجت معهم حتى قدمت الشام ‏.‏
نصيحة ابنة حاتم أخاها بالإسلام
قال عدي ‏:‏ فوالله إني لقاعد في أهلي إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلي تَؤُمُّنا ، قال ‏:‏ فقلت ابنة حاتم ‏.‏ قال ‏:‏ فإذا هي هي ، فلما وقفت علي انسحلت تقول ‏:‏ القاطع الظالم ، احتملت بأهلك وولدك ، وتركت بقية والدك عورتك ‏!‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ أي أخيه لا تقولي إلا خيرا ، فوالله ما لي من عذر لقد صنعت ما ذكرت ‏.‏ قال ‏:‏ ثم نزلت فأقامت عندي ، فقلت لها ‏:‏ وكان امرأة حازمة ، ماذا ترين في أمر هذا الرجل ‏؟‏ قالت ‏:‏ أرى والله أن تلحق به سريعاً ، فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله ، وإن يكن ملكاً فلن تذل في عز اليمن ، وأنت أنت ‏.‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ والله إن هذا الرأي ‏.‏
إسلام عدي بعد قدومه على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فدخلت عليه وهو في مسجده ، فسلمت عليه ، فقال ‏:‏ من الرجل ‏؟‏ فقلت ‏:‏ عدي بن حاتم ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق بي إلى بيته ، فوالله إنه لعامد بي إليه ، إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة ، فاستوقفته ، فوقف لها طويلاً تكلمه في حاجتها ‏.‏
قال ‏:‏ قلت في نفسي ‏:‏ والله ما هذا بملك ‏!‏
قال ‏:‏ ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا دخل في بيته ، تناول وسادة في أدم محشوة ليفا ، فقذفها إلي ، فقال ‏:‏ اجلس على هذه ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ بل أنت فاجلس عليها ، فقال ‏:‏ بل أنت ، فجلست عليها ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض ‏.‏
قال ‏:‏ قلت في نفسي ‏:‏ والله ما هذا بأمر ملك ‏.‏
ثم قال ‏:‏ إيه يا عدي بن حاتم ، ألم تك ركوسيا ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ بلى ، قال ‏:‏ أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ بلى ، قال ‏:‏ فإن ذلك يكن يحل لك في دينك ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ أجل والله ‏.‏
وقال ‏:‏ وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ‏.‏
ثم قال ‏:‏ لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم ، فوالله ليوشكن المال أن يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ،
ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم ، وقلة
عددهم ، فوالله ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت ، لا تخاف ‏.‏
ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم ، وأيم الله ، ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم ، قال ‏:‏ فأسلمت ‏.‏
وكان عدي يقول ‏:‏ قد مضت اثنتان وبقيت الثالثة ، والله لتكونن ، قد رأيت القصور البيض من أرض بابل قد فتحت ، وقد رأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها ، لا تخاف حتى تحج هذا البيت ، وأيم الله لتكون الثالثة ، ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه ‏.‏
قدوم فروة بن مسيك المرادي
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقدم فروة بن مسيك المرادي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقاً لملوك كندة ، ومباعداً لهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
يوم الردم بين همدان ومراد
وقد كان قبيل الإسلام بين مراد وهمدان وقعة ، أصابت فيها همدان من مراد ما أرادوا ، حتى أثخنوهم في يوم كان يقال له ‏:‏ يوم الردم ، فكان الذي قاد همدان إلى مراد الأجدع بن مالك في ذلك اليوم ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏الذي قاد همدان في ذلك اليوم مالك بن حريم الهمداني ‏.‏
شعر فروة بن مسيك في يوم الردم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وفي ذلك اليوم يقول فروة بن مسيك ‏:‏
مررنا على لفاة وهن خوص * ينازعن الأعنة ينتحينا
فإن نغلب فغلابون قدما * وإن نغلب فغير مغلبينا
وما إن طبنا جبن ولكن * منايانا وطعمة آخرينا
كذاك الدهر دولته سجال * تكر صروفه حينا فحينا
فبينا ما نسر به ونرضى * ولو لبست غضارته سنينا
إذ انقلبت به كرات دهر * فألفيت الألى غبطوا طحينا
فمن يغبط بريب الدهر منهم * يجد ريب الزمان له خؤونا
فلو خلد الملوك إذن خلدنا * ولو بقي الكرام إذن بقينا
فأفنى ذلكم سروات قومي * كما أفنى القرون الأولينا
قال ابن هشام ‏:‏أول بيت منها ، وقوله ‏:‏ ‏(‏ فإن نغلب ‏)‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏
قدوم فروة على الرسول صلى الله عليه وسلم وماقاله من الشعر ‏:‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما توجه فروة بن مسيك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مفارقاً لملوك كندة قال ‏:‏
لما رأيت ملوك كندة أعرضت * كالرجل خان الرجل عرق نسائها
قربت راحلتي أؤم محمدا * أرجو فواضلها وحسن ثرائها
قال ابن هشام ‏:‏أنشدني أبو عبيدة ‏:‏ ‏(‏ أرجو فواضله وحسن ثنائها ‏)‏ ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - ‏:‏ يا فروة هل ساءك ما أصاب قومك يوم الردم ‏؟‏ قال ‏:‏ يا رسول الله ، من ذا يصيب قومه مثل ما أصاب قومي يوم الردم لا يسوءه ذلك ‏!‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أما إن ذلك لم يزد قومك في الإسلام إلا خيراً ‏.‏
واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مراد وزيد ومذحج كلها ‏.‏ وبعث معه خالد بن سعيد بن العاص على الصدقة ، فكان معه في بلاده حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
قدوم عمرو بن معديكرب في أناس من بني زبيد
إسلام عمرو ‏:‏
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن معديكرب في أناس من بني زبيد ، فأسلم ، وكان عمرو قد قال لقيس بن مكشوح المرادي ، حين انتهى إليهم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يا قيس ، إنك سيد قومك ، وقد ذكر لنا أن رجلاً من قريش يقال له محمد قد خرج بالحجاز ، يقول إنه نبي ، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه ، فإن كان نبياً كما يقول ، فإنه لن يخفي عليك ، وإذا لقيناه اتبعناه ، وإن كان غير ذلك علمنا علمه ، فأبي عليه قيس ذلك ، وسفه رأيه ، فركب عمرو بن معديكرب حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلم ، وصدقه ، وآمن به ‏.‏
ما قاله عمرو فيما أوعده به قيس بن مكشوح
فلما بلغ ذلك قيس بن مكشوح ، أوعد عمراً ، وتحطم عليه ، وقال ‏:‏ خالفني وترك رأيي ؛ فقال عمرو بن معديكرب في ذلك ‏:‏
أمرتك يوم ذي صنعاء * أمرا باديا رشده
أمرتك باتقاء الله * والمعروف تتعده
خرجت من المنى مثل * الحمير غره وتده
تمناني على فرس * عليه جالسا أسده
علي مفاضة كالنهي * أخلص ماءه جدده
ترد الرمح منثني السنان * عوائرا قصده
فلوا لاقيتني للقيت * ليثا فوقه لبدة
تلاقي شنبثا شثن البراثن * ناشزا كتده
يسامي القرن إن قرن * تيممه فيعتضده
فيأخذه فيرفعه * فيخفضه فيقتصده
فيدمغه فيحطمه * فيخضمه فيزدرده
ظلوم الشرك فيما أحرزت * أنيابه ويده
قال ابن هشام ‏:‏أنشدني أبو عبيدة ‏:‏
أمرتك يوم ذي صنعاء * أمرا بينا رشده
أمرتك باتقاء الله * تأتيه وتتعده
فكنت كذي الحمير غرره * مما به وتده
ارتداد عمرو بعد موت الرسول
قال ابن إسحاق ‏:‏ فأقام عمرو بن معديكرب في قومه من بني زبيد ‏.‏ وعليهم فروة بن مسيك ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد عمرو بن معديكرب ، وقال حين ارتد ‏:‏
وجدنا ملك فروة شر ملك * حمارا ساف منخره بثفر
وكنت إذا رأيت أبا عمير * ترى الحولاء من خبث وغدر
قال ابن هشام ‏:‏قوله ‏:‏ ‏(‏ بشفر ‏)‏ عن أبي عبيدة ‏.‏
قدوم الأشعث بن قيس في وفد كندة
إسلامه ومن معه
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعث بن قيس ، في وفد كندة فحدثني الزهري بن شهاب أنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانين راكباً من كندة ، فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده ، وقد رجلوا جممهم وتكحلوا ، وعليهم جبب الحبرة ، وقد كففوها بالحرير ، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ ألم تسلموا ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بلى ، قال ‏:‏ فما بال هذا الحرير في أعناقكم ‏؟‏ قال ‏:‏ فشقوه منها ، فألقوه ‏.‏
انتسابهم إلى آكل المرار
ثم قال الأشعث بن قيس ‏:‏ يا رسول الله ، نحن بنو آكل المرار ، وأنت ابن آكل المرار ، قال ‏:‏ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ‏:‏ ناسبوا بهذا النسب العباس بن عبدالمطلب ، وربيعة بن الحارث ‏.‏
وكان العباس وربيعة رجلين تاجرين ، وكانا إذا شاعا في بعض العرب ، فسئلا ممن هما ‏.‏ قالا نحن بنو آكل المرار ، يتعززان بذلك ، وذلك أن كندة كانوا ملوكاً ، ثم قال لهم ‏:‏ لا بل نحن بنو النضر بن كنانة ، لا نقفوا أمنا ، ولا ننتفي من أبينا ، فقال الأشعث بن قيس ‏:‏
هل فرغتم يا معشر كندة ‏؟‏ والله لا اسمع رجلا يقولها إلا ضربته ثمانين ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ الأشعث بن قيس من ولد آكل المرار من قبل النساء ، وآكل المرار ‏:‏ الحارث بن عمرو بن حجر بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندى ؛ ويقال ‏:‏ كندة ، وإنما سمي آكل المرار ، لأن عمرو بن الهبولة الغساني أغار عليهم ، وكان الحارث غائبا ، فغنم وسبى ، وكان فيمن سبى أم أناس بنت عوف بن محلم الشيباني ، امرأة الحارث بن عمرو ، فقالت لعمرو في مسيره ‏:‏ لكأني برجل أدلم أسود ، كأن مشافره مشافر بعير آكل مرار قد أخذ برقبتك ، تعني الحارث ، فسمى آكل المرار ‏.‏ والمرار ‏:‏ شجر ‏.‏
ثم تبعه الحارث في بني بكر بن وائل ، فلحقه فقتله ، واستنقذ امرأته ، وما كان أصاب ، فقال الحارث بن حلزة اليشكري لعمرو بن المنذر ، وهو عمرو بن هند اللخمي ‏:‏
وأقدناك رب غسان بالمنذر * كرها إذ لا تكال الدماء
لأن الحارث الأعرج الغساني قتل المنذر أباه ، وهذا البيت في قصيدة له ‏.‏
وهذا الحديث أطول مما ذكرت ، وإنما منعني من استقصائه ما ذكرت من القطع ‏.‏
ويقال ‏:‏ بل آكل المرار ‏:‏ حجر بن عمرو بن معاوية ، وهو صاحب هذا الحديث ، وإنما سمي آكل المرار ، لأنه أكل هو وأصحابه في تلك الغزوة شجرا يقال له المرار ‏.‏
قدوم صرد بن عبدالله الأزدي مسلما
إسلامه
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم صرد بن عبدالله الأزدي ، فأسلم ، وحسن إسلامه ، في وفد من الأزد ، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم على من أسلم من قومه ، وأمره أن يجاهد بمن أسلم من كان يليه من أهل الشرك ، من قبل اليمن ‏.‏
قتاله أهل جرش
فخرج صرد بن عبدالله يسير بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزل بجرش ، وهي يومئذ مدينة مغلقة ، وبها قبائل من قبائل اليمن ، وقد ضوت إليهم خثعم ، فدخلوها معهم حين سمعوا بسير المسلمين إليهم ، فحاصروهم فيها قريباً من شهر ، وامتنعوا فيها منه ثم رجع عنهم قافلاً ، حتى إذا كان إلى جبل لهم يقال له شكر ، ظن أهل جرش أنه إنما ولي عنهم منهزما ، فخرجوا في طلبه ، حتى إذا أدركوه عطف عليهم ، فقتلهم قتلاً شديداً ‏.‏
أخبار الرسول بما حدث
وقد كان أهل جرش بعثوا رجلين منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة يرتادان وينظران ، فبينا هما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية بعد صلاة العصر ، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ بأي بلاد الله شكر ‏؟‏ فقام إليه الجرشيان ، فقالا ‏:‏ يا رسول الله ، ببلادنا جبلاً يقال له كشر ، وكذلك يسميه أهل جرش ، فقال ‏:‏ إنه ليس بكشر ، ولكنه شكر ، قالا ‏:‏ فما شأنه يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ إن بدن الله لتنحر عنده الآن ‏.‏
قال ‏:‏ فجلس الرجلان إلى أبي بكر ، أو إلى عثمان ، فقال لهما ‏:‏ ويحكما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لينعى لكما قومكما ، فقوما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاسألاه أن يدعو الله أن يرفع عن قومكما ، فقاما إليه ، فسألاه ذلك ، فقال ‏:‏ اللهم ارفع عنهم ‏.‏ فخرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعين إلى قومهما ، فوجدا قومهما قد أصيبوا يوم أصابهم صرد بن عبدالله ، في اليوم الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ، وفي الساعة التي ذكر فيها ما ذكر ‏.‏
إسلام أهل جرش
وخرج وفد جرش حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلموا ، وحمى لهم حول قريتهم ، على أعلام معلومة ، للفرس والراحلة وللمثيرة ، وبقرة الحرث ، فمن رعاه من الناس فمالهم سحت ، فقال في تلك الغزوة رجل من الأزد ، وكانت خثعم تصيب من الأزد في الجاهلية ، وكانوا يعدون في الشهر الحرام ‏:‏
يا غزوة ما غزونا غير خائبة * فيها البغال وفيها الخيل والحمر
حتى أتينا حمرا في مصانعها * وجمع خثعم قد شاعت لها النذر
إذا وضعت غليلا كنت أحمله * فما أبالي أدانوا بعد أم كفروا

ميارى 1 - 9 - 2010 03:59 AM

قدوم رسول الله ملوك حمير بكتابهم
قدوم رسول ملوك حمير
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ملوك حمير ، مقدمة من تبوك ، ورسولهم إليه بإسلامهم ، الحارث بن عبد كلال ، ونعيم بن عبد كلال ، والنعمان ، قيل ذي رعين ومعافر وهمدان ؛ وبعث إليه زرعة ذو يزن مالك بن مرة الرهاوي بإسلامهم ، ومفارقتهم الشرك وأهله ‏.‏
كتاب الرسول إليهم فكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏
من محمد رسول الله النبي ، إلى الحارث بن عبد كلال ، وإلى نعيم بن عبد كلال ، وإلى النعمان قيل ذي رعين ومعافر وهمدان ‏.‏
أما بعد ذلكم ‏:‏ فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ‏.‏
أما بعد ‏:‏ فإنه قد وقع بنا رسولكم منقلبنا من أرض الروم ، فلقينا بالمدينة ، فبلغ ما أرسلتم به ، وخبرنا ما قبلكم ، وأنبأنا بإسلامكم وقتلكم المشركين ، وأن الله قد هداكم بهداه ، إن أصلحتم وأطعتم الله ورسوله ، وأقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وأعطيتم من المغانم خمس الله ، وسهم الرسول وصفيه ، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار ، عشر ما سقت العين وسقت السماء ، وعلى ما سقى الغرب نصف العشر ‏.‏
وأن في الإبل الأربعين ابنة لبون ، وفي ثلاثين من الإبل ابن لبون ذكر ، وفي كل خمس من الإبل شاة ، وفي كل عشر من الإبل شاتان ، وفي كل أربعين من البقر بقرة ، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع ، جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها ، شاة ‏.‏
وأنها فريضة الله التي فرض على المؤمنين في الصدقة ، فمن زاد خيرا فهو خير له ، ومن أدى ذلك ، وأشهد على إسلامه ، وظاهر المؤمنين على المشركين ، فإنه من المؤمنين ، له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، وله ذمة الله وذمة رسوله ‏.‏
وإنه من أسلم من يهودي أو نصراني ، فإنه من المؤمنين ، له ما لهم ، وعليه ما عليهم ، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا يرد عنها ، وعليه الجزية ، على كل حال ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، دينار واف ، من قيمة المعافر ، أو عوضه ثيابا ‏.‏
فمن أدى ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه له ذمة الله وذمة رسوله ، ومن منعه فإنه عدو لله ولرسوله ‏.‏
أما بعد ‏:‏ فإن رسول الله محمداً النبي ، أرسل إلى زرعة ذي يزن ، أن إذا أتاكم رسلي فأوصيكم بهم خيراً ، معاذ بن جبل ، وعبدالله بن زيد ، ومالك بن عبادة ، وعقبة بن نمر ، ومالك بن مرة ، وأصحابهم ، وأن اجمعوا ما عندكم من الصدقة والجزية من مخالفيكم ، وأبلغوها رسلي ، وأن أميرهم معاذ بن جبل ، فلا ينقلبن إلا راضيا ‏.‏
أما بعد ‏:‏ فإن محمداً يشهد أن لا إله إلا الله وأنه عبده ورسوله ، ثم أن مالك بن مرة الرهاوي ، قد حدثني أنك أسلمت من أول حمير ، وقتلت المشركين ، فأبشر بخير ، وآمرك بحمير خيراً ، ولا تخونوا ولا تخاذلوا ، فإن رسول الله هو ولي غنيكم وفقيركم ، وأن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته ، إنما هي زكاة يزكى بها على فقراء المسلمين وابن السبيل ‏.‏
وأن مالكاً قد بلغ الخبر ، وحفظ الغيب ، وآمركم به خيراً ، وإني قد أرسلت إليهم من صالحي أهل وأولي دينهم وأولي علمهم ، وآمرك بهم خيراً ، فإنهم منظور إليهم ،والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 04:01 AM

وصية الرسول معاذا حين بعثه إلى اليمن
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين بعث معاذاً أوصاه ، وعهد إليه ، ثم قال له ‏:‏
يسر ولا تعسر ، وبشر ولا تنفر ، وإنك ستقدم على قوم من أهل الكتاب ، يسألونك ما مفتاح الجنة ‏؟‏ فقل ‏:‏ شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، فخرج معاذ ، حتى إذا قدم اليمن قام بما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتته امرأة من أهل اليمن ، فقالت ‏:‏ يا صاحب رسول الله ، ما حق زوج المرأة عليها ‏؟‏ قال ‏:‏ ويحك ‏!‏ إن المرأة لا تقدر على أن تؤدي حق زوجها ، فأجهدي نفسك في أداء حقه ما استطعت ، قال ‏:‏ والله لئن كنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك لتعلم ما حق الزوج على المرأة ‏.‏ قال ‏:‏ ويحك ‏!‏ لو رجعت إليه فوجدته تنثعب منخراه قيحاً ودماً فمصصت ذلك حتى تذهبيه ما أديت حقه ‏.‏
إسلام فروة بن عمرو الجذامي
إسلامه
قال ابن إسحاق ‏:‏ وبعث فروة بن عمرو النافرة الجذامي ، ثم النفاثي ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رسولا بإسلامه ، وأهدى له بغلة بيضاء ، وكان فروة عاملاً للروم على من يليهم من العرب ، وكان منزله معان وما حولها من أرض الشام ‏.‏
حبس الروم له وشعره ومقتله
فلما بلغ الروم ذلك من إسلامه ، طلبوه حتى أخذوه ، فحبسوه عندهم ، فقال في محبسه ذلك ‏:‏
طرقت سليمى موهنا أصحابي * والروم بين الباب والقروان
صد الخيال وساءه ما قد رأى * وهممت أن أغفى وقد أبكاني
لا تكحلن العين بعدي إثمدا * سلمى ولا تدين للإتيان
ولقد علمت أبا كبيشة أنني * وسط الأعزة لا يحص لساني
فلئن هلكت لتفقدن أخاكم * ولئن بقيت لتعرفن مكاني
ولقد جمعت أجل ما جمع الفتى * من جودة وشجاعة وبيان
فلما أجمعت الروم لصلبه على ماء لهم ، يقال له عفراء بفلسطين ، قال‏:‏
ألا هل أتى سلمى بأن حليلها * على ماء عفراء فوق إحدى الرواحل
على ناقة لم يضرب الفحل أمها * مشذبة أطرافها بالمناجل
فزعم الزهري بن شهاب أنهم لما قدموه ليقتلوه ، قال ‏:‏
بلغ سراة المسلمين بأنني * سلم لربي أعظمي ومقامي
ثم ضربوا عنقه ، وصلبوه ، على ذلك الماء ، يرحمه الله تعالى ‏.‏
إسلام بني الحارث بن كعب على يدي خالد بن الوليد لما سار إليهم
دعوة خالد الناس إلى الإسلام وإسلامهم
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ، في شهر ربيع الآخر أو جمادى الأولى ، سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بنجران ، وأمره أن يدعوهم إلى الإسلام ، قبل أن يقاتلهم ثلاثاً ، فإن استجابوا ، فاقبل منهم وإن لم يفعلوا فقاتلهم ‏.‏
فخرج خالد حتى قدم عليهم ، فبعث الركبان يضربون في كل وجه ، ويدعون إلى الإسلام ، ويقولون ‏:‏ أيها الناس ، أسلموا تسلموا ‏.‏
فأسلم الناس ، ودخلوا فيما دعوا إليه ، فأقام فيهم خالد يعلمهم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وبذلك كان أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هم أسلموا ولم يقاتلوا ‏.‏
كتاب خالد إلى الرسول يسأله أمره
ثم كتب خالد بن الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ لمحمد النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من خالد بن الوليد ، السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله هو ‏.‏
أما بعد ‏:‏ يا رسول الله صلى الله عليك ، فإنك بعثتني إلى بني الحارث بن كعب ، وأمرتني إذا أتيتهم ألا أقاتلهم ثلاثة أيام ، وأن أدعوهم إلى الإسلام ، فإن أسلموا ، أقمت فيهم ، وقبلت منهم ، وعلمتهم معالم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه ، وإن لم يسلموا قاتلتهم ، وإني قدمت عليهم فدعوتهم إلى الإسلام ثلاثة أيام ، كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعثت فيهم ركباناً قالوا ‏:‏
يا بني الحارث ، أسلموا تسلموا ، فأسلموا ولم يقاتلوا ، وأنا مقيم بين أظهرهم ، آمرهم بما أمرهم الله به ، وأنهاهم عما نهاهم الله عنه ، وأعلمهم معالم الإسلام ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى يكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،والسلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ‏.‏
رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خالد ‏:‏
فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ من محمد النبي رسول الله إلى خالد بن الوليد ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ‏.‏
أما بعد فإن كتابك جاءني مع رسولك تخبر أن بني الحارث بن كعب قد أسلموا قبل أن تقاتلهم ، وأجابوا إلى ما دعوتهم إليه من الإسلام ، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبدالله ورسوله ، وأن قد هداهم الله بهداه ، فبشرهم وأنذرهم ، وليقبل معك وفدهم ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ‏.‏
قدوم خالد مع وفدهم على الرسول
فأقبل خالد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل معه بني الحارث بن كعب ، منهم قيس بن الحصين ذي الغصة ، ويزيد بن عبدالمدان ، ويزيد بن المحجل ، وعبدالله بن قراد الزيادي ، وشداد بن عبدالله القناني ، وعمرو بن عبدالله الضبابي ‏.‏
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم معهم
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآهم ، قال ‏:‏ من هؤلاء القوم الذين كأنهم رجال الهند ‏؟‏ قيل ‏:‏ يا رسول الله ، هؤلاء رجال بني الحارث بن كعب ، فلما وقفوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلموا عليه ، وقالوا ‏:‏
نشهد أنك رسول الله وأنه لا إله إلا الله ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ وأنا اشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ‏.‏
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ أنتم الذين إذا زجروا استقدموا ، فسكتوا ، فلم يراجعه منهم أحد ، ثم أعادها الثانية ، فلم يراجعه منهم أحد ، ثم أعادها الثالثة ، فلم يراجعه منهم أحد ، ثم أعادها الرابعة ، فقال يزيد بن عبدالمدان ‏:‏ نعم ، يا رسول الله ، نحن الذين إذا زجروا استقدموا ، قالها أربع مرار ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
لو أن خالداً لم يكتب إلي أنكم أسلمتم ولم تقاتلوا ، لألقيت رءوسكم تحت أقدامكم ، فقال يزيد بن عبدالمدان ‏:‏ أما والله ما حمدناك ولا حمدنا خالداً ؛ قال ‏:‏ فمن حمدتم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ حمدنا الله عز وجل الذي هدانا بك يا رسول الله ، قال ‏:‏ صدقتم ‏.‏
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ بم كنتم تغلبون من قاتلكم في الجاهلية ، قالوا ‏:‏ لم نكن نغلب أحداً ، قال ‏:‏ بلى ، قد كنتم تغلبون من قاتلكم ، قالوا ‏:‏ كنا نغلب من قاتلنا يا رسول الله إنا كنا نجتمع ولا نفترق ، ولا نبدأ أحدا بظلم ، قال ‏:‏ صدقتم وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني الحارث بن كعب قيس بن الحصين ‏.‏
فرجع وفد بني الحارث إلى قومهم في بقية من شوال، أو في صدر ذي القعدة ، فلم يمكثوا بعد أن رجعوا إلى قومهم إلا أربعة أشهر ، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورحم وبارك ، ورضي وأنعم ‏.‏
الرسول يبعث عمرو بن حزم بعهده إليهم
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث إليهم بعد أن ولى وفدهم عمرو بن حزم ، ليفقههم في الدين ، ويعلمهم السنة ومعالم الإسلام ، ويأخذ منهم صدقاتهم ، وكتب له كتاباً عهد إليه فيه عهده ، وأمره فيه بأمره ‏.‏
بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ هذا بيان من الله ورسوله ،يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ، عهد من محمد النبي رسول الله لعمرو بن حزم ، حين بعثه إلى اليمن ، أمره بتقوى الله في أمره كله ، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ، وأمره أن يأخذ بالحق كما أمره الله ، وأن يبشر الناس بالخير ، ويأمرهم به ، ويعلم الناس القرآن ، ويفقههم فيه ، وينهى الناس ‏.‏
فلا يمس القرآن إنسان إلا وهو طاهر ، ويخبر الناس بالذي لهم ، والذي عليهم ، ويلين للناس في الحق ، ويشتد عليهم في الظلم ، فإن الله كره الظلم ، ونهى الناس عنه ، فقال ‏:‏ ‏(‏ ألا لعنة الله على الظالمين ‏)‏ ويبشر الناس بالجنة وبعملها ، وينذر الناس النار وعملها ، ويستأنف الناس حتى يفقهوا في الدين ، ويعلم الناس معالم الحج وسنته وفريضته ، وما أمر الله به ، والحج الأكبر ‏:‏ الحج الأكبر ، والحج الأصغر‏:‏ هو العمرة ‏.‏
وينهى الناس أن يصلي أحد في ثوب واحد صغير ، إلا أن يكون ثوبا يثنى طرفيه على عاتقيه ، وينهى الناس أن يحتبي أحد في ثوب واحد ، يفضي بفرجه إلى السماء ، وينهى أن يعقص أحد شعر رأسه في قفاه ، وينهى إذا كان بين الناس هيج عن الدعاء إلى القبائل والعشائر ، وليكن دعواهم إلى الله عز وجل وحده لا شريك له ، فمن لم يدع إلى الله ، ودعا إلى القبائل والعشائر فليقطفوا بالسيف ، حتى تكون دعواهم إلى الله وحده لا شريك له ‏.‏
ويأمر الناس بإسباغ الوضوء وجوههم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى الكعبين ، ويمسحون برؤوسهم كما أمرهم الله ‏.‏
وأمر بالصلاة لوقتها ، وإتمام الركوع والسجود والخشوع ، ويغلس بالصبح ، ويهجر بالهاجرة حين تميل الشمس ، وصلاة العصر والشمس في الأرض مدبرة ، والمغرب حين يقبل الليل ، لا يؤخر حتى تبدو النجوم في السماء ، والعشاء أول الليل ‏.‏
وأمر بالسعي إلى الجمعة إذا نودي لها ، والغسل عند الرواح إليها ‏.‏
وأمره أن يأخذ من المغانم خمس الله ، وما كتب على المؤمنين في الصدقة من العقار عشر ما سقت العين وسقت السماء ، وعلى ما سقى الغرب نصف العشر ، وفي كل عشر من الإبل شاتان ، وفي كل عشرين أربع شياه ، وفي كل أربعين من البقر بقرة ، وفي كل ثلاثين من البقر تبيع ، جذع أو جذعة ، وفي كل أربعين من الغنم سائمة وحدها ، شاة ، فإنها فريضة الله التي افترض على المؤمنين في الصدقة ، فمن زاد خيراً فهو خير له ‏.‏
وأنه من أسلم من يهودي أو نصراني إسلاماً خالصاً من نفسه ، ودان بدين الإسلام ، فإنه من المؤمنين ، له مثل ما لهم ، وعليه مثل ما عليهم ، ومن كان على نصرانيته أو يهوديته فإنه لا يرد عنها ، وعلى كل حالم ‏:‏ ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، دينار واف أو عوضه ثياباً ، فمن أدى ذلك فإن له ذمة الله وذمة رسوله ، ومن منع ذلك فإنه عدو لله ولرسوله وللمؤمنين جميعا ، صلوات الله على محمد ، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته ‏.‏
قدوم رفاعة بن زيد الجذامي
إسلامه وحمله كتاب الرسول إلى قومه ‏:‏
وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدنة الحديبية ، قبل خيبر ، رفاعة بن زيد الجذامي ، ثم الضبيبي ، فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً ، وأسلم فحسن إسلامه ، وكتب له رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً إلى قومه وفي كتابه ‏:‏
كتاب الرسول إلى قوم رفاعة بن زيد ‏:‏
بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ هذا كتاب من محمد رسول الله لرفاعة بن زيد ‏.‏
إني بعثته إلى قومه عامة ، ومن دخل فيهم ، يدعوهم إلى الله وإلى رسوله ، فمن أقبل منهم ففي حزب الله وحزب رسوله ، ومن أدبر فله أمان شهرين ‏.‏
فلما قدم رفاعة على قومه أجابوا وأسلموا ، ثم ساروا إلى الحرة ‏:‏ حرة الرجلاء ، ونزلوها ‏.‏
قدوم وفد همدان
من رجال الوفد ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏ وقدم وفد همدان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثني من أثق به ، عن عمرو بن عبدالله بن أذينة العبدي ، عن أبي إسحاق السبيعي ، قال ‏:‏
قدم وفد همدان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهم مالك بن نمط ، وأبو ثور ، وهو ذو المشعار ، ومالك بن أيفع ، وضمام بن مالك السلماني ، وعميرة بن مالك الخارفي ، فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من تبوك ، وعليهم مقطعات الحبرات ، والعمائم العدنية ، برحال الميس على المهرية والأرحبية ، ومالك بن نمط ورجل أخر يرتجزان بالقوم ، يقول أحدهما ‏:‏
همدان خير سوقة وأقيال * ليس لها في العالمين أمثال
محلها الهضب ومنها الأبطال * لها إطابات بها وآكال
ويقول الآخر ‏:‏
إليك جاوزن سواد الريف * في هبوات الصيف والخريف
مخطمات بحبال الليف *
خطبة مالك بن نمط بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم
فقام مالك بن نمط بين يديه ، فقال ‏:‏ يا رسول الله نصية من همدان ، من كل حاضر وباد ، أتوك على قلص نواج متصلى بحبائل الإسلام ، لا تأخذهم في الله لومة لائم ، من مخلاف خارف ويام وشاكر أهل السود والقود ، أجابوا دعوة الرسول ، وفارقوا الآلهات والأنصاب ، عهدهم لا ينقض ما أقامت لعلع ، وماجرى اليعفور بصلع ‏.‏
فكتب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابًا فيه ‏:‏
كتابه صلى الله عليه وسلم لهم
بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ هذا كتاب من رسول الله محمد ، لمخلاف خارف ، وأهل جناب الهضب ، وحقاف الرمل ، مع وافدها ذي المشعار مالك بن نمط ، ومن أسلم من قومه ، على أن لهم فراعها ووهاطها ، ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ، يأكلون علافها ، ويرعون عافيها ، لهم بذلك عهد الله وذمام رسوله ، وشاهدهم المهاجرون والأنصار ، فقال في ذلك مالك بن نمط ‏:‏
ذكرت رسول الله في فحمة الدجى * ونحن بأعلى رحرحان وصلدد
وهن بنا خوص طلائح تغتلي * بركبانها في لاحب متمدد
على كل فتلاء الذراعين جسرة * تمر بنا مر الهجيف الحفيدد
حلفت برب الراقصات إلى منى * صوادر بالركبان من هضب قردد
بأن رسول الله فينا مصدق * رسول أتى من عند ذي العرش مهتدي
فما حملت من ناقة فوق رحلها * أشد على أعدائه من محمد
وأعطى إذا ما طالب العرف جاءه * وأمضى بحد المشرفي المهند
ذكر الكذابين مسيلمة الحنفي والأسود العنسي
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقد كان تكلم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذابان ، مسيلمة بن حبيب باليمامة في بني حنيفة ، والأسود بن كعب العنسي بصنعاء ‏.‏
تحقق رؤياه صلى الله عليه وسلم فيها
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط ، عن عطاء بن يسار ، أو أخيه سليمان بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، قال ‏:‏سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب الناس على منبره ، وهو يقول ‏:‏
أيها الناس إني قد رأيت ليلة القدر ، ثم أنسيتها ، ورأيت في ذراعي سوارين من ذهب ، فكرهتهما فنفختهما فطار ، فأولتهما هذين الكذابين صاحب اليمن ، وصاحب اليمامة ‏.‏
الرسول يتحدث عن الدجالين
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم عن أبي هريرة ، أنه قال ‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون دجالاً ، كلهم يدعي النبوة ‏.‏
خروج الأمراء والعمال على الصدقات
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعث أمراءه وعماله على الصدقات إلى كل ما أوطأ الإسلام من البلدان ، فبعث المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة إلى صنعاء ، فخرج عليه العنسي وهو بها ‏.‏
وبعث زيد بن لبيد ، أخا بني بياضة الأنصاري إلى حضرموت وعلى صدقاتها ،
وبعث عدي بن حاتم على طيئ ، وصدقاتها وعلى بني أسد ‏.‏
وبعث مالك بن نويرة - قال ابن هشام ‏:‏ اليربوعي - على صدقات بني حنظلة ‏.‏
وفرق صدقة بني سعد على رجلين منهم ، فبعث الزبرقان بن بدر على ناحية منها ، وقيس بن عاصم على ناحية ، وكان قد بعث العلاء بن الحضرمي على البحرين ، وبعث علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى أهل نجران ، ليجمع صدقتهم ويقدم عليه بجزيتهم ‏.‏
كتاب مسيلمة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقد كان مسيلمة بن حبيب قد كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله ، سلام عليك ؛ أما بعد فإني قد أشركت في الأمر معك ، وإن لنا نصف الأرض ، ولقريش نصف الأرض ، ولكن قريشاً قوم يعتدون ‏.‏
فقدم عليه رسولان له بهذا الكتاب ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني شيخ من أشجع ، عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي ، عن أبيه نعيم ، قال ‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لهما حين قرأ كتابه ‏:‏
فما تقولان أنتما ، قالا ‏:‏ نقول كما قال ‏:‏ فقال ‏:‏ أما والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما ‏.‏
جوابه صلى الله عليه وسلم على مسيلمة
ثم كتب إلى مسيلمة ‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم ‏:‏ من محمد رسول الله ، إلى مسيلمة الكذاب ، السلام على من ابتع الهدى ‏.‏ أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ‏.‏
وذلك في أخر سنة عشر ‏.‏
تم بعون الله الجزء الخامس من سيرة ابن هشام ، ويليه إن شاء الله الجزء السادس ، وأوله حجة الوداع أعان الله على إتمامه ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 04:04 AM

السيرة النبوية / المجلد السادس والأخير
 

حجة الوداع
تجهز الرسول
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو القعدة ، تجهز للحج ، وأمر الناس بالجهاز له ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن محمد ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت ‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحج لخمس ليال بقين من ذي القعدة ‏.‏
استعماله على المدينة أبا دجانة
قال ابن هشام ‏:‏فاستعمل على المدينة أبا دجانة الساعدي ، ويقال ‏:‏ سباع بن عرفطة الغفاري ‏.‏
حكم الحائض في الحج
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالرحمن بن القاسم ، عن أبيه القاسم بن محمد ، عن عائشة ، قالت ‏:‏ لا يذكر ولا يذكر الناس إلا الحج ، حتى إذا كان بسرف وقد ساق رسول الله صلى الله عليه وسلم معه الهدي وأشراف من أشراف الناس ، أمر الناس أن يحلوا بعمرة ، إلا من ساق الهدي ، قالت ‏:‏ وحضت ذلك اليوم ، فدخل علي وأنا أبكي ، فقال ‏:‏ مالك يا عائشة ‏؟‏ لعلك نفست ‏؟‏ قالت ‏:‏ قلت ‏:‏ نعم ، والله لوددت أني أخرج معكم عامي في هذا السفر ؛ فقال ‏:‏ لا تقولن ذلك ، فإنك تقضين كل ما يقضي الحاج ، إلا أنك لا تطوفين بالبيت ‏.‏
قالت ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، فحل كل من كان لا هدي معه ، وحل نساؤه بعمرة ‏.‏
فلما كان يوم النحر أتيت بلحم بقر كثير ، فطرح في بيتي ، فقلت ‏:‏ ما هذا ‏؟‏ قالوا ‏:‏ ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر ‏.‏
حتى إذا كانت ليلة الحصبة ، بعث بي رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخي عبدالرحمن بن أبي بكر ، فأعمرني من التنعيم ، مكان عمرتي التي فاتتني ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني نافع ، مولى عبدالله بن عمر ، عن عبدالله ابن عمر ، عن حفصة بنت عمر ، قالت ‏:‏ لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه أن يحللن بعمرة ، قلن ‏:‏ فما يمنعك يا رسول الله أن تحل معنا ‏؟‏ فقال ‏:‏ إني أهديت ولبدت ، فلا أحل حتى أنحر هديي ‏.‏
موافاة علي في قفوله من اليمن رسول الله في الحد
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي نجيح ‏.‏
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث عليا رضى الله عنه إلى نجران ، فلقيه بمكة وقد أحرم ، فدخل على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنها ، فوجدها قد حلت وتهيأت ، فقال ‏:‏ ما لك يا بنت رسول الله ، قالت ‏:‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحل بعمرة فحللنا ‏.‏
إشراكه صلى الله عليه وسلم عليا في هديه
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما فرغ من الخبر عن سفره ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ انطلق فطف بالبيت ، وحل كما حل أصحابك ، قال ‏:‏ يا رسول الله ، إني أهللت كما أهللت ‏:‏ فقال ‏:‏ ارجع فاحلل كما حل أصحابك ، قال ‏:‏ يا رسول الله ، إني قلت حين أحرمت ‏:‏ اللهم إني أهل بما أهل به نبيك وعبدك رسولك محمد صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ فهل معك من هدي ‏؟‏ قال ‏:‏ لا ‏.‏ فأشركه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏في هديه
وثبت على إحرامه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى فرغا من الحج ، ونحر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهدى عنهما ‏.‏
شكوى جند علي منه رضى الله عنه وسببها
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يحيى بن عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي عمرة ، عن بريد بن طلح بن يزيد بن ركانة ، قال ‏:‏
لما أقبل علي رضي الله عنه من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، تعجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستخلف على جنده الذين معه رجل من أصحابه ، فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي رضى الله عنه ، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم ، فإذا عليهم الحلل ، قال ‏:‏ ويلك ‏!‏ ما هذا ‏؟‏
قال ‏:‏ كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس ؛ قال ‏:‏ ويلك ‏!‏ انزع قبل أن تنتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏ قال ‏:‏ فانتزع الحلل من الناس ، فردها في البز ، قال ‏:‏ وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني عبدالله بن عبدالرحمن بن حزم بن معمر بن حزم عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة ، عن عمته زينب بنت كعب ، وكانت عند أبي سعيد الخدري ، عن أبي سعيد الخدري ، قال ‏:‏ اشتكى الناس علياً رضوان الله عليه ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيبا ، فسمعته يقول ‏:‏ أيها الناس ، لا تشكوا علياً ، فوالله إنه لأخشن في ذات الله ، أو في سبيل الله من أن يشكى ‏.‏
خطبة الوداع
قال ابن إسحاق ‏:‏ ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حجة ، فأرى الناس مناسكهم ، وأعلمهم سنن حجهم ، وخطب الناس خطبته التي بين فيها ما بين ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال ‏:‏
أيها الناس ، اسمعوا قولي ، فإني لا أدرى لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً أيها الناس ، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا ، وكحرمة شهركم هذا ، وإنكم ستلقون ربكم ، فيسألكم عن أعمالكم ، وقد بلغت ، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ‏.‏
وإن كل ربا موضوع ، ولكن لكم رؤوس أموالكم ، لا تظلمون ولا تظلمون ، قضى الله أنه لا ربا ، وإن ربا عباس بن عبدالمطلب موضوع كله ‏.‏
وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع ، وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب ، وكان مسترضعا في بني ليث ، فقتلته هذيل ، فهو أول ما أبداً به من دماء الجاهلية ‏.‏
أما بعد ‏:‏ أيها الناس ، فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبداً ، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضى به مما تحقرون من أعمالكم ، فاحذروه على دينكم ‏.‏
أيها الناس ، إن النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ، ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله ، فيحلوا ما حرم الله ، ويحرموا ما أحل الله ، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متوالية ، ورجب مضر ، الذي بين جمادى وشعبان ‏.‏
أما بعد ‏:‏ أيها الناس ، فإن لكم على نسائكم حقاً ، ولهن عليكم حقاً ، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن ، فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضربا غير مبرح ، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف ‏.‏
واستوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً ، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمات الله ، فاعقلوا أيها الناس قولي ، فإني قد بلغت ‏.‏
وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً ، أمراً بيناً ، كتاب الله وسنة نبيه ‏.‏
أيها الناس ، اسمعوا قولي واعقلوه ، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم ، وأن المسلمين إخوة ، فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه ، فلا تظلمن أنفسكم ؛ اللهم هل بلغت ‏.‏
فذكر لي أن الناس قالوا ‏:‏ اللهم نعم ‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ اللهم اشهد ‏.‏
من كان يردد قوله صلى الله عليه وسلم رافعا صوته ليسمع الناس
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال كان الرجل الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة ، ربيعة بن أمية بن خلف قال ‏:‏
يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ قل ‏:‏ يا أيها الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ هلا تدرون أي شهر هذا ‏؟‏ فيقول لهم ‏:‏ فيقولون ‏:‏ الشهر الحرام ، فيقول ‏:‏ قل لهم ‏:‏ إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة شهركم هذا ،
ثم يقول ‏:‏ قل ‏:‏ يا أيها الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ هل تدرون أي بلد هذا ‏؟‏ قال ‏:‏ فيصرخ به ، قال ‏:‏ فيقولون ‏:‏ البلد الحرام قال ‏:‏ فيقول ‏:‏ قل لهم ‏:‏ إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم ، إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة بلدكم هذا ‏.‏
قال ‏:‏ ثم يقول ‏:‏ قل ‏:‏ يا أيها الناس ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ هل تدرون أي يوم هذا ‏؟‏ قال ‏:‏ فيقوله لهم ‏.‏ فيقولون ‏:‏ يوم الحج الأكبر ، فيقول ‏:‏ قل لهم ‏:‏ إن الله قد حرم عليكم دماءكم وأموالكم ، إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا ‏.‏
ما ذكره عمرو بن خارجة من قوله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب الأشعري عن عمرو بن خارجة قال ‏:‏
بعثني عتاب بن أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة ، فبلغته ، ثم وقفت تحت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن لغامها ليقع على رأسي ، فسمعته وهو يقول ‏:‏
أيها الناس ، إن الله أدى إلى كل ذي حق حقه ، وإنه لا تجوز وصية لوارث ، والولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة الناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ‏.‏
تعاليم الرسول عليه السلام للحاج
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي نجيح ‏:‏
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وقف بعرفة قال ‏:‏ هذا الموقف للجبل الذي هو عليه ، وكل عرفة موقف ‏.‏ وقال حين وقف على قزح صبيحة المزدلفة ‏:‏ هذا الموقف ، وكل المزدلفة موقف ‏.‏ ثم لما نحر بالمنحر بمنى ، قال ‏:‏ هذا المنحر وكل منى منحر ‏.‏
فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج وقد أراهم مناسكهم ، وأعلمهم ما فرض الله عليهم من حجهم ‏:‏ من الموقف ، ورمى الجمار ، وطواف بالبيت ، وما أحل لهم من حجهم ‏:‏ وما حرم عليهم ، فكانت حجة البلاغ ، وحجة الوداع ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحج بعدها ‏.‏
بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين
قال ابن إسحاق ‏:‏
ثم قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم وصفر ، وضرب على الناس بعثاً إلى الشام ،وأمر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة مولاه ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس ، وأوعب مع أسامة بن زيد المهاجرون الأولون ‏.‏
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك
قال ابن هشام ‏:‏
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى الملوك رسلا من أصحابه وكتب معهم إليهم يدعوهم إلى الإسلام ‏.‏
ما حدث للحواريين حينما اختلفوا على عيسى عليه السلام
قال ابن هشام ‏:‏حدثني من أثق به عن أبي بكر الهذلي قال ‏:‏
بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه ذات يوم بعد عمرته التي صد عنها يوم الحديبية ، فقال ‏:‏
أيها الناس ، إن الله قد بعثني رحمة وكافة ، فلا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم ، فقال أصحابه ‏:‏ وكيف اختلف الحواريون يا رسول الله ‏؟‏ قال ‏:‏ دعاهم إلى الذي دعوتكم إليه، فأما من بعثه مبعثاً قريباً فرضي وسلم ، وأما من بعثه مبعثاً بعيداً فكره وجهه وتثاقل ، فشكا ذلك عيسى إلى الله ، فأصبح المتثاقلون وكل واحد منهم يتكلم بلغة الأمة التي بعث إليها ‏.‏
أسماء الرسل وأسماء من أرسل إليهم
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلاً من أصحابه ، وكتب معهم كتباً إلى الملوك يدعوهم فيها إلى الإسلام ‏.‏
فبعث دحية بن خليفة الكلبي ، إلى قيصر ملك الروم ‏.‏
وبعث عبدالله بن حذافة السهمي ، إلى كسرى ملك الفرس ‏.‏
وبعث عمرو بن أمية الضمري ، إلى النجاشي ملك الحبشة ‏.‏
وبعث حاطب بن أبي بلتعة ، إلى المقوقس ملك الإسكندرية ‏.‏
وبعث عمرو بن العاص السهمي ، إلى جيفر وعياد ابني الجلندي الأزديين ملكي عمان ‏.‏
وبعث سليط بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي ، إلى ثمامة بن أثال ، وهوذة بن علي الحنفيين ، ملكي اليمامة ‏.‏
وبعث العلاء بن الحضرمي ، إلى المنذر بن ساوى العبدي ملك البحرين ‏.‏
وبعث شجاع بن وهب الأسدي ، إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك تخوم الشام ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏بعث شجاع بن وهب ، إلى جبلة بن الأيهم الغساني ، وبعث المهاجر ابن أبي أمية المخزومي ، إلى الحارث بن عبد كلال الحميري ، ملك اليمن ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏أنا نسيت سليطا وثمامة وهوذة والمنذر ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني يزيد بن أبي حبيب المصري ، أنه وجد كتاباً فيه ذكر من بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البلدان ، وملوك العرب والعجم ، وما قال لأصحابه حين بعثهم ،قال ‏:‏ فبعثت به إلى محمد بن شهاب الزهري فعرفه ، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه فقال لهم ‏:‏
إن الله بعثني رحمة وكافة ، فأدوا عني يرحمكم الله ، ولا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى بن مريم ؛ قالوا ‏:‏ وكيف يا رسول الله كان اختلافهم ‏؟‏ قال ‏:‏ دعاهم لمثل ما دعوتكم له ، فأما من قرب به فأحب وسلم ، وأما من بعد به فكره وأبى ، فشكا ذلك عيسى منهم إلى الله ، فأصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين وجه إليهم ‏.‏
أسماء رسل عيسى عليه السلام
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان من بعث عيسى بن مريم عليه السلام من الحواريين والأتباع ، الذين كانوا بعدهم في الأرض ‏:‏ بطرس الحواري ، ومعه بولس ، وكان بولس من الأتباع ، ولم يكن من الحواريين ، إلى رومية ، وأندرائس ومنتا إلى الأرض التي يأكل أهلها الناس ، وتوماس ، إلى أرض بايل من أرض المشرق ، وفيلبس إلى أرض قرطاجنة ، وهي أفريقية ؛ ويحنس إلى أفسوس ، قرية الفتية أصحاب الكهف ؛ ويعقوبس إلى أوراشلم ، وهي إيلياء قرية بيت المقدس ، وابن ثلماء إلى الأعرابية ، وهي أرض الحجاز ؛ وسيمن إلى أرض البربر ، ويهوذا ، ولم يكن من الحواريين ، جعل مكان يودس ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 04:36 AM

ذكر جملة الغزوات
بسم الله الرحمن الرحيم
قال حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ‏:‏ قال ‏:‏ حدثنا زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ‏:‏
وكان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه سبعا وعشرين غزوة ، منها غزوة ودان ، وهي غزوة الأبواء ، ثم غزوة بواط ، من ناحية رضوى ، ثم غزوة العشيرة ، من بطن ينبع ، ثم غزوة بدر الأولى ، يطلب كرز بن جابر ، ثم غزوة بدر الكبرى ، التي قتل الله فيها صناديد قريش ، ثم غزوة بني سليم ، حتى بلغ الكدر ، ثم غزوة السويق ، يطلب أبا سفيان بن حرب ، ثم غزوة غطفان ، وهي غزوة ذي أمر ، ثم غزوة بحران ، معدن بالحجاز ، ثم غزوة أحد ، ثم غزوة حمراء الأسد ، ثم غزوة بني النضير ، ثم غزوة ذات الرقاع من نخل ، ثم غزوة بدر الآخرة ، ثم غزوة دومة الجندل ، ثم غزوة الخندق ، ثم غزوة بني قريظة ، ثم غزوة بني لحيان من هذيل ، ثم غزوة ذي قرد ، ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة ، ثم غزوة الحديبية ، لا يريد قتالا ، فصده المشركون ‏.‏
ثم غزوة خيبر ، ثم غزوة القضاء ، ثم غزوة الفتح ، ثم غزوة حنين ، ثم غزوة الطائف ، ثم غزوة تبوك ‏.‏
قاتل منها في تسع غزوات ‏:‏ بدر ، وأحد ، والخندق ، وقريظة ، والمصطلق ، وخيبر ، والفتح ، وحنين ، والطائف ‏.‏
ذكر جملة السرايا والبعوث
وكانت بعوثه صلى الله عليه وسلم وسراياه ثمانيا وثلاثين ، من بين بعث وسرية ‏:‏ غزوة عبيدة بن الحارث أسفل من ثنية ذي المروة ، ثم غزوة حمزة بن عبدالمطلب ساحل البحر ، من ناحية العيص ؛ وبعض الناس يقدم غزوة حمزة قبل غزوة عبيدة ، وغزوة سعد بن أبي وقاص الخرار ، وغزوة عبدالله بن جحش نخلة ، وغزوة زيد بن حارثة القردة ، وغزوة محمد بن مسلمة كعب بن الأشرف ، وغزوة مرثد بن أبي مرثد الغنوي الرجيع ، وغزوة المنذر بن عمرو بئر معونة ، وغزوة أبي عبيدة بن الجراح ، ذا القصة ،من طريق العراق ‏.‏
وغزوة عمر بن الخطاب تربة من أرض بني عامر ، وغزوة علي بن أبي طالب اليمن ، وغزوة غالب بن عبدالله الكلبي ،كلب ليث ، بالكديد ، فأصاب بني الملوح ‏.‏
غزوة غالب بن عبدالله الليثي بني الملوح
وكان من حديثها أن يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس ،حدثني عن مسلم بن عبدالله بن خبيب الجهني ، عن المنذر عن جندب بن مكيث الجهني ، قال ‏:‏
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم غالب بن عبدالله الكلبي ، كلب بن عوف ابن ليث ، في سرية كنت فيها ، وأمره أن يشن الغارة على بني الملوح ، وهم بالكديد ، فخرجنا حتى إذا كنا بقديد لقينا الحارث بن مالك ، وهو ابن البرصاء الليثي ، فأخذناه ، فقال ‏:‏
إني جئت أريد الإسلام ما خرجت إلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقلنا له ‏:‏ إن تك مسلماً فلن يضيرك رباط ليلة ، وإن تك على غير ذلك كنا قد استوثقنا منك ، فشددناه رباطاً ثم خلفنا عليه رجلا من أصحابنا أسود ، وقلنا له ‏:‏ إن عازك فاحتز رأسه ‏:‏
ما فعله ابن مكيث في هذه الغزوة
قال ‏:‏ ثم سرنا حتى أتينا الكديد عند غروب الشمس ، فكنا في ناحية الوادي وبعثني أصحابي ربيئة لهم ، فخرجت حتى أتى تلا مشرفا على الحاضر ، فأسندت فيه ، فعلوت على رأسه ، فنظرت إلى الحاضر ، فوالله إني لمنبطح على التل ، إذ خرج رجل منهم من خبائه ، فقال لامرأته ‏:‏ إني لأرى على التل سواداً ما رأيته في أول يومي ، فانظري إلى أوعيتك هل تفقدين منها شيئاً ، لا تكون الكلاب جرت بعضها ‏.‏
قال ‏:‏ فنظرت ، فقالت ‏:‏ لا ، والله ما أفقد شيئاً ، قال فناوليني قوسي وسهمين ، فناولته ، قال ‏:‏ فأرسل سهماً فوالله ما أخطأ جنبي ، فأنزعه ، فأضعه ، وثبت مكاني ، قال ‏:‏ ثم أرسل الآخر ، فوضعه في منكبي ، فأنزعه فأضعه ، وثبت مكاني ، فقال لامرأته ‏:‏ لو كان ربيئة لقوم لقد تحرك ، لقد خالطه سهماي ، لا أبا لك ، إذا أصبحت فابتغيهما ، فخذيهما ، لا يمضغهما علي الكلاب ‏.‏ قال ‏:‏ ثم دخل ‏.‏
غنائم المسلمين في هذه الغزوة
قال ‏:‏ وأمهلناهم ، حتى إذا اطمأنوا وناموا ، وكان في وجه السحر ، شننا عليهم الغارة ، قال ‏:‏ فقتلنا واستقنا النعم ، وخرج صريخ القوم فجاءنا دهم لا قبل لنا به ، ومضينا بالنعم ، ومررنا بابن البرصاء وصاحبه ‏.‏ فاحتملناهما معنا ؛ قال ‏:‏ وأدركنا القوم ، حتى قربوا منا ، قال ‏:‏ فما بيننا وبينهم إلا وادي قديد ، فأرسل الله الوادي بالسيل من حيث شاء تبارك وتعالى ، من غير سحابة نراها ، ولا مطر ، فجاء بشيء ليس لأحد به قوة ، ولا يقدر على أن يجاوزه ، فوقفوا ينظرون إلينا ، وإنا لنسوق نعمهم ، ما يستطيع منهم رجل أن يجيز إلينا ، ونحن نحدوها سراعاً ، حتى فتناهم ، فلم يقدروا على طلبنا ‏.‏
قال ‏:‏ فقدمنا بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
شعار المسلمين في هذه الغزوة
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني رجل من أسلم ، عن رجل منهم ‏:‏
أن شعار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان تلك الليلة ‏:‏ أمت أمت ‏.‏ فقال راجز من المسلمين وهو يحدوها ‏:‏
أبى أبو القاسم أن تعزبي * في خضل نباته مغلولب
صفرا أعاليه كلون المذهب *
قال ابن هشام ‏:‏ويروى ‏:‏ ‏(‏ كلون الذهب ‏)‏ تم خبر الغزاة ، وعدت إلى ذكر تفاصيل السرايا والبعوث ‏.‏
تعريف ببعض الغزوات
قال ابن إسحاق ‏:‏
وغزوة على بن أبي طالب رضى الله عنه بني عبدالله بن سعد من أهل فدك ،وغزوة أبي العوجاء السلمي أرض بني سليم ، أصيب بها هو وأصحابه جميعاً ، وغزوة عكاشة بن محصن الغمرة ، وغزوة أبي سلمة بن عبدالأسد قطنا ، ماء من مياه بني أسد ، من ناحية نجد ، قتل بها مسعود بن عروة ، وغزوة محمد بن مسلمة أخي بني حارثة ، القرطاء من هوزان ، وغزوة بشير بن سعد بني مرة بفدك ، وغزوة بشير بن سعد ، ناحية خيبر ، وغزوة زيد بن حارثة الجموم ، من أرض بني سليم ، وغزوة زيد بن حارثة ، جذام من أرض خشين ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏عن نفسه والشافعي عن عمرو بن حبيب عن ابن إسحاق من أرض حسمى ‏.‏
غزوة زيد بن حارثة إلى جذام
قال ابن إسحاق ‏:‏
وكان من حديثهما كما حدثني من لا أتهم ، عن رجال من جذام ، كانوا علماء بها ، أن رفاعة بن زيد الجذامي ، لما قدم على قومه من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوهم إلى الإسلام ، فاستجابوا له ، لم يلبث أن قدم دحية ابن خليفة الكلبي من عند قيصر صاحب الروم ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه معه تجارة له ، حتى إذا كانوا بواد من أوديتهم ، يقال له ‏:‏ شنار أغار على دحية بن خليفة الهنيد بن عوص ، وابنة عوص بن الهنيد الضلعيان ‏.‏
والضليع ‏:‏ بطن من جذام ، فأصابا كل شيء كان معه ، فبلغ ذلك قوما من الضبيب ، رهط رفاعة بن زيد ، ممن كان أسلم وأجاب ، فنفروا إلى الهنيد وابنه ، فيهم من بني الضبيب النعمان بن أبي جعال ، حتى لقوهم ، فاقتتلوا ، وانتمى يومئذ قرة بن أشقر الضفاري ثم الضلعي ، فقال ‏:‏
أنا ابن لبنى ، ورمى النعمان بن أبي جعال بسهم ، فأصاب ركبته ؛ فقال ‏:‏ حين أصابه ‏:‏خذها وأنا ابن لبنى ، وكانت له أم تدعى لبنى ، وقد كان حسان بن ملة الضبيني قد صحب دحية بن خليفة قبل ذلك ، فعلمه أم الكتاب ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويقال ‏:‏ قرة بن أشقر الضفاري ، وحيان بن ملة ‏.‏
انتصار المسلمين
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني من لا أتهم عن رجال من جذام قال فاستنقذوا ما كان في يد الهنيد وابنه ، فردوه على دحية ، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره خبره ، واستسقاه دم الهنيد وابنه ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم زيد بن حارثة ، وذلك الذي هاج غزوة زيد جذام ، وبعث معه جيشا ، وقد وجهت غطفان من جذام ووائل ، ومن كان من سلامان ، وسعد بن هذيم ، حين جاءهم رفاعة بن زيد ، بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى نزلوا الحرة ‏:‏
حرة الرجلاء ، ورفاعة بن زيد بكراع ربة ، لم يعلم ، ومعه ناس من بني الضبيب ، وسائر بني الضبيب ، بوادي مدان ، من ناحية الحرة ، مما يسيل مشرقاً ، وأقبل جيش زيد بن حارثة من ناحية الأولاج ، فأغار بالماقص من قبل الحرة ، فجمعوا ما وجدوا من مال أو ناس ، وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بني الأحنف ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏من بني الأجنف ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ في حديثه ‏:‏
ورجلا من بني الخصيب فلما سمعت بذلك بنو الضبيب والجيش بفيفاء مدان ركب نفر منهم ، وكان فيمن ركب معهم حسان بن ملة ، على فرس لسويد بن زيد ، يقال لها ‏:‏ العجاجة وأنيف بن ملة على فرس لملة يقال لها ‏:‏ رغال ، وأبو زيد بن عمرو ، على فرس يقال لها ‏:‏ شمر ، فانطلقوا ، حتى إذا دنوا من الجيش ، قال أبو زيد وحسان لأنيف بن ملة ‏:‏ كف عنا وانصرف ، فإنا نخشى لسانك ، فوقف عنهما ، فلم يبعدا منه حتى جعلت فرسه تبحث بيديها وتوثب ، فقال ‏:‏
لأنا أضن بالرجلين منك بالفرسين ، فأرخى لها حتى أدركهما ، فقالا له ‏:‏ أما إذا فعلت ما فعلت فكف عنا لسانك ، ولا تشأمنا اليوم ، فتواصوا أن لا يتكلم منهم إلا حسان بن ملة ، وكانت بينهم كلمة في الجاهلية قد عرفها بعضهم من بعض ، إذا أراد أحدهم أن يضرب بسيفه قال ‏:‏ بوري أو ثوري ، فلما برزوا على الجيش ، أقبل القوم يبتدرونهم ، فقال لهم حسان ‏:‏ إنا قوم مسلمون ، وكان أول من لقيهم رجل على فرس أدهم ، فأقبل يسوقهم ‏.‏
فقال أنيف ‏:‏ بوري فقال حسان ‏:‏ مهلا ، فلما وقفوا على زيد بن حارثة ، قال حسان ‏:‏ إنا قوم مسلمون ، فقال له زيد ‏:‏ فاقرءوا أم الكتاب ، فقرأها حسان ، فقال زيد بن حارثة ‏:‏ نادوا في الجيش إن الله قد حرم علينا ثغرة القوم التي جاءوا منها إلا من ختر ‏.‏
قدوم جذام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏
وإذا أخت حسان بن ملة ، وهي امرأة أبي وبر بن عدي بن أمية بن الضبيب في الأسارى ، فقال له زيد ‏:‏ خذها وأخذت بحقويه ، فقالت أم الفزر الضلعية ‏:‏ أتنطلقون ببناتكم ، وتذرون أمهاتكم ‏؟‏
فقال أحد بني الخصيب ‏:‏ إنها بنو الضبيب وسحر ألسنتهم سائر اليوم ، فسمعها بعض الجيش ، فأخبر بها زيد بن حارثة ، فأمر بأخت حسان ، ففكت يداها من حقويه ، وقال لها ‏:‏ اجلسي مع بنات عمك حتى يحكم الله فيكن حكمه ‏.‏
فرجعوا ، ونهي الجيش أن يهبطوا إلى واديهم الذي جاؤوا منه ، فأمسوا في أهليهم ، واستعتموا ذودا لسويد بن زيد ، فلما شربوا عتمتهم ركبوا إلى رفاعة بن زيد ، وكان ممن ركب إلى رفاعة بن زيد تلك الليلة ، أبو زيد بن عمرو ،وأبو شماس بن عمرو ، وسويد بن زيد ، وبعجة بن زيد ، وبرذع بن زيد ، وثعلبة بن زيد ، ومخرمة بن عدي ، وأنيف بن ملة ، وحسان بن ملة ، حتى صبحوا رفاعة بن زيد بكراع ربة ، بظهر الحرة ، على بئر هنالك من حرة ليلى ، فقال له حسان بن ملة ‏:‏
إنك لجالس تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرها كتابك الذي جئت به ‏!‏ فدعا رفاعة بن زيد بجمل له ، فجعل يشد عليه رحله ، وهو يقول ‏:‏
هل أنت حي أو تنادي حيا *
ثم غدا وهم معه بأمية بن ضفارة أخي الخصيبي المقتول ، مبكرين من ظهر الحرة ، فساروا إلى جوف المدينة ثلاث ليال ، فلما دخلوا المدينة وانتهوا إلى المسجد ، نظر إليهم رجل من الناس ، فقال ‏:‏ لا تنيخوا إبلكم فتقطع أيديهن ، فنزلوا عنهن وهن قيام ، فلما دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآهم ألاح إليهم بيده ‏:‏
أن تعالوا من وراء الناس ، فلما استفتح رفاعة بن زيد المنطق ، قام رجل من الناس ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إن هؤلاء قوم سحرة ، فرددها مرتين ، فقال ‏:‏ رفاعة بن زيد رحم الله من لم يحذنا في قومه هذا إلا خيراً ‏.‏
ثم دفع رفاعة بن زيد كتابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان كتبه له فقال ‏:‏ دونك يا رسول الله قديما كتابه ، حديثاً غدره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
اقرأه يا غلام ، وأعلن ، فلما قرأ كتابه استخبره ، فأخبروهم الخبر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ كيف اصنع بالقتلى ‏؟‏ ‏(‏ ثلاث مرات ‏)‏ ‏.‏ فقال رفاعة ‏:‏ أنت يا رسول الله أعلم ، لا نحرم عليك حلالاً ولا نحلل لك حراماً ‏.‏
فقال أبو زيد بن عمرو ‏:‏ أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ، ومن قتل فهو تحت قدمي هذه ‏.‏
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ صدق أبو زيد ، اركب معهم يا علي ‏.‏ فقال له رضى الله عنه ‏:‏ إن زيدا لن يطيعني يا رسول الله ، قال ‏:‏ فخذ سيفي هذا ، فأعطاه سيفه ، فقال علي ‏:‏ ليس لي يا رسول الله راحلة أركبها ، فحملوه على بعير لثعلبة بن عمرو ، يقال له ‏:‏ مكحال ‏.‏
فخرجوا فإذا رسول لزيد بن حارثة على ناقة من إبل أبي وبر ، يقال لها ‏:‏ الشمر ، فأنزلوه عنها ‏.‏
فقال ‏:‏ يا علي ، ما شأني ‏؟‏ فقال ‏:‏ مالهم ،عرفوه فأخذوه ، ثم ساروا فلقوا الجيش بفيفاء الفحلتين ، فأخذوا ما في أيديهم ، حتى كانوا ينزعون لبيد المرأة من تحت الرحل ، فقال أبو جعال حين فرغوا من شأنهم ‏:‏
وعاذلة ولم تعذل بطب * ولولا نحن حش بها السعير
تدافع في الأسارى بابنتيها * ولا يرجى لها عتق يسير
ولو وكلت إلى عوص وأوس * لحار بها عن العتق الأمور
ولو شهدت ركائبنا بمضر * تحاذر أن يعل بها المسير
وردنا ماء يثرب عن حفاظ * لربع إنه قرب ضرير
بكل مجرب كالسيد نهد * على أقتاد ناجية صبور
فدى لأبي سليمى كل جيش * بيثرب إذ تناطحت النحور
غداة ترى المجرب مستكينا * خلاف القوم هامته تدور
قال ابن هشام ‏:‏قوله ‏:‏ ‏(‏ ولا يرجى لها عتق يسير ‏)‏ وقوله ‏:‏ ‏(‏ عن العتق الأمور ‏)‏ عن غير ابن إسحاق ‏.‏
تمت الغزاة ، وعدنا إلى تفصيل ذكر السرايا والبعوث
غزوة زيد الطرف
قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة زيد بن حارثة أيضا الطرف من ناحية نخل ، من طريق العراق ‏.‏
غزوة زيد بن حارثة بني فزارة
وغزوة زيد بن حارثة أيضا وادي القرى ، لقي به بني فزارة ، فأصيب بها ناس من أصحابه ، وارتث زيد من بين القتلى ، وفيها أصيب ورد بن عمرو بن مداش ، وكان أحد بني سعد بن هذيل ، أصابه أحد بني بدر ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏سعد بن هذيم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما قدم زيد بن حارثة إلى أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزو بني فزارة ، فلما استبل من جراحته بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني فزارة في جيش فقتلهم بوادي القرى ، وأصاب فيهم ، وقتل قيس بن المسحر اليعمري مسعدة بن حكمة بن مالك بن حذيفة بن بدر ، وأسرت أم قرفة ، فاطمة بنت ربيعة بن بدر ، كانت عجوزاً كبيرة عند مالك بن حذيفة بن بدر ، وبنت لها ،وعبدالله بن مسعدة ، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر أن يقتل أم قرفة ، فقتلها قتلاً عنيفاً ، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابنة أم قرفة ،وبابن مسعدة ‏.‏
وكانت بنت أم قرفة لسلمة بن عمرو بن الأكوع ، كان هو الذي أصابها ، وكانت في بيت شرف من قومها ، كانت العرب تقول ‏:‏ ‏(‏ لو كنت أعز من أم قرفة ما زدت ‏)‏ فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمة ، فوهبها له ، فأهداها لخاله حزن بن أبي وهب ، فولدت له عبدالرحمن بن حزن ‏.‏
فقال قيس بن المسحر في قتل مسعدة ‏:‏
سعيت بورد مثل سعي ابن أمه * وإني بورد في الحياة لثائر
كررت عليه المهر لما رأيته * على بطل من آل بدر مغاور
فركبت فيه قعضبيا كأنه * شهاب بمعراة يذكى لناظر
غزوة عبدالله بن رواحة لقتل اليسير بن رزام
وغزوة عبدالله ابن رواحة خيبر مرتين ، إحداهما التي أصاب فيها اليسير بن رزام ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويقال بن رازم ‏.‏
وكان من حديث اليسير بن رزام أنه كان بخيبر يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن رواحة في نفر من أصحابه ، منهم عبدالله بن أنيس ، حليف بني سلمة ، فلما قدموا عليه كلموه ، وقربوا له ، وقالوا له ‏:‏ إنك إن قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملك وأكرمك ، فلم يزالوا به حتى خرج معهم في نفر من يهود ، فحمله عبدالله بن أنيس على بعيره ‏.‏
حتى إذا كان بالقرقرة من خيبر ، على ستة أميال ، ندم اليسير بن رزام على مسيره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففطن به عبدالله بن أنيس وهو يريد السيف ، فاقتحم به ، ثم ضربه بالسيف ، فقطع رجله ، وضربه اليسير بمخرش في يده من شوحط فأمه ، ومال كل رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على صاحبه من يهود فقتله ، إلا رجلا واحدا أفلت على رجليه ، فلما قدم عبدالله بن أنيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تفل على شجته ، فلم تقح ولم تؤذه ‏.‏
غزوة ابن عتيك خيبر
غزوة عبدالله بن عتيك خيبر ، فأصاب بها أبا رافع بن أبي الحقيق ‏.‏
غزوة عبدالله بن أنيس لقتل خالد بن سفيان بن نبيح الهذلي
وغزوة عبدالله بن أنيس خالد بن سفيان بن نبيح ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه وهو بنخلة أو بعرنة ، يجمع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ليغزوه ، فقتله ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال ‏:‏ قال عبدالله بن أنيس ‏:‏
دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ إنه قد بلغني أن ابن سفيان بن نبيح الهذلي يجمع لي الناس ليغزوني ، وهو بنخلة أو بعرنة ، فأته فاقتله ‏.‏
قلت ‏:‏ يا رسول الله ، انعته لي حتى أعرفه ‏.‏ قال ‏:‏ إنك إذا رأيته أذكرك الشيطان ، وآية ما بينك وبينه أنك إذا رأيته وجدت له قشعريرة ‏.‏
قال ‏:‏ فخرجت متوشحاً سيفي ، حتى دفعت إليه وهو في ظعن يرتاد لهن منزلا ، وحيث كان وقت العصر ، فلما رأيته وجدت ما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من القشعريرة ، فأقبلت نحوه وخشيت أن تكون بيني وبينه مجاولة تشغلني عن الصلاة ، فصليت وأنا أمشى نحوه وأومي برأسي ‏.‏
فلما انتهيت إليه ، قال ‏:‏ من الرجل ‏؟‏ قلت ‏:‏ رجل من العرب ، سمع بك وبجمعك لهذا الرجل ، فجاءك لذلك ‏.‏
قال ‏:‏ أجل إني لفي ذلك ، قال ‏:‏ فمشيت معه شيئاً حتى إذا أمكنني حملت عليه بالسيف ، فقتلته ثم خرجت ، وتركت ظعائنه منكبات عليه ، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرآني ، قال ‏:‏ أفلح الوجه ؛ قلت ‏:‏ قد قتلته يا رسول الله ، قال ‏:‏ صدقت ‏.‏
الرسول يهدي عصا لابن أنيس
ثم قام بي فأدخلني بيته فأعطاني عصا ، فقال ‏:‏ أمسك هذه العصا عندك يا عبدالله بن أنيس ، قال ‏:‏ فخرجت بها على الناس ، فقالوا ‏:‏ ما هذه العصا ‏؟‏ قلت ‏:‏ أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمرني أن أمسكها عندي ، قالوا ‏:‏ أفلا ترجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتسأله لم ذلك ‏؟‏
قال ‏:‏ فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت ‏:‏ يا رسول الله ، لم أعطيتني هذه العصا ‏؟‏ قال ‏:‏ آية بيني وبينك يوم القيامة ‏.‏ إن أقل الناس المتحضرون يومئذ ، قال ‏:‏ فقرنها عبدالله بن أنيس بسيفه ، فلم تزل معه حتى مات ، ثم أمر بها فضمت في كفنه ، ثم دفنا جميعا ‏.‏
شعر ابن أنيس في قتله ابن نبيح
قال ابن هشام ‏:‏وقال عبدالله ابن أنيس في ذلك ‏:‏
تركت ابن ثور كالحوار وحوله * نوائح تفري كل جيب مقدد
تناولته والظعن خلفي وخلفه * بأبيض من ماء الحديد مهند
عجوم لهام الدارعين كأنه * شهاب غضى من ملهب متوقد
أقول له والسيف يعجم رأسه * أنا ابن أنيس فارسا غير قعدد
أنا ابن الذي لم ينزل الدهر قدره * رحيب فناء الدار غير مزند
وقلت له خذها بضربة ماجد * حنيف على دين النبي محمد
وكنت إذا هم النبي بكافر * سبقت إليه باللسان وباليد
تمت الغزاة ، وعدنا إلى خبر البعوث ‏.‏
بعض غزوات أخر
قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة زيد بن حارثة ، وجعفر بن أبي طالب ، و عبدالله بن رواحة ، مؤتة من أرض الشام ، فأصيبوا بها جميعا ، وغزوة كعب بن عمير الغفاري ، ذات أطلاح إلى أرض الشام ، أصيب بها هو وأصحابه جميعا ، وغزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بني العنبر من بني تميم ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 04:38 AM

غزوة عيينة بن حصن بني تميم
وكان من حديثهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إليهم ، فأغار عليهم ، فأصاب منهم أناساً ، وسبى منهم أناساً ‏.‏
فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ‏:‏ أن عائشة قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ يا رسول الله ، إن علي رقبة من ولد إسماعيل ‏.‏ قال ‏:‏ هذا سبي بني العنبر يقدم الآن فنعطيك منهم إنسانا فتعتقينه ‏.‏
سبي وقتلى بني العنبر
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما قدم بسبيهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ركب فيهم وفد من بني تميم ، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، منهم ربيعة بن رفيع ، وسبرة بن عمرو ، والقعقاع بن معبد ، ووردان بن محرز ، وقيس بن عاصم ، ومالك بن عمرو ، والأقرع بن حابس ، وفراس بن حابس ‏.‏
فكلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ، فأعتق بعضاً ، وأفدى بعضاً ، وكان ممن قتل يومئذ من بني العنبر‏:‏ عبدالله ، وأخوان له بنو وهب ، وشداد بن فراس ، وحنظلة بن دارم ‏.‏
وكان ممن سبى من نسائهم يومئذ ، أسماء بنت مالك ، وكاس بنت أري ، ونجوة بنت نهد ، وجميعة بنت قيس ، وعمرة بنت مطر ‏.‏
شعر سلمى في ذلك
فقالت في ذلك اليوم سلمى بنت عتاب ‏:‏
لعمري لقد لاقت عدي بن جندب * من الشر مهواة شديدا كئودها
تكفنها الأعداء من كل جانب * وغيب عنها عزها وجدودها
شعر الفرزدق في ذلك ‏:‏
قال ابن هشام ‏:‏وقال الفرزدق في ذلك ‏:‏
وعند رسول الله قام ابن حابس * بخطة سوار إلى المجد حازم
له أطلق الأسرى التي في حباله * مغللة أعناقها في الشكائم
كفى أمهات الخالفين عليهم * غلاء المفادي أو سهام المقاسم
وهذه الأبيات في القصيدة له ، وعدي بن جندب من بني العنبر ، والعنبر ابن عمرو بن تميم ‏.‏
غزوة غالب بن عبدالله أرض بني مرة
قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة غالب بن عبدالله الكلبي - كلب ليث - أرض بني مرة ، فأصاب بها مرداس بن نهيك ، حليفا لهم من الحرقة ، من جهينة ، قتله أسامة بن زيد ، ورجل من الأنصار ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏الحرقة فيما حدثني أبو عبيدة ‏:‏
أسامة بن زيد يقتل مرداس
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان من حديثه عن أسامة بن زيد قال ‏:‏
أدركته أنا ورجل من الأنصار ، فلما شهرنا عليه السلاح ، قال ‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله ، قال ‏:‏ فلم ننزع عنه حتى قتلناه ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخبرناه خبره ، فقال ‏:‏ يا أسامة من لك بلا إله إلا الله ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا رسول الله ، إنه إنما قالها تعوذا بها من القتل ، قال ‏:‏ فمن لك بها يا أسامة ‏؟‏ قال ‏:‏ فوالذي بعثه بالحق ما زال يرددها علي حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن ، وأني كنت أسلمت يومئذ ، وإني لم أقتله ‏.‏
قال ‏:‏ قلت ‏:‏ أنظرني يا رسول الله ، إني أعاهد أن لا أقتل رجلاً يقول ‏:‏ لا إله إلا الله أبداً ، قال ‏:‏ تقول بعدي يا أسامة ‏؟‏ قال قلت بعدك ‏.‏
غزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل
وغزوة عمرو بن العاص ذات السلاسل من أرض بني عذرة ، وكان من حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه يستنفر العرب إلى الشام ، وذلك أن أم العاص بن وائل كانت امرأة من بلي ، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يستألفهم لذلك ، حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلسل ، وبذلك سميت تلك الغزوة ، غزوة ذات السلاسل ‏.‏
فلما كان عليه خاف ، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده ، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين ، فيهم أبو بكر وعمر ، وقال لأبي عبيدة حين وجهه ‏:‏
لا تختلفا ، فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه ، قال له عمرو ‏:‏ إنما جئت مدداً لي ؛ قال أبو عبيدة ‏:‏ لا ، ولكنى على ما أنا عليه ، وأنت على ما أنت عليه ‏.‏
وكان أبو عبيدة رجلاً ليناً سهلاً ، هيناً عليه أمر الدنيا ، فقال له عمرو ‏:‏ بل أنت مدد لي ، فقال أبو عبيدة ‏:‏ يا عمرو ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي ‏:‏ لا تختلفا ، وإنك إن عصيتني أطعتك ، قال ‏:‏ فإني الأمير عليك ، وأنت مدد لي ، قال ‏:‏ فدونك ‏.‏ فصلى عمرو بالناس ‏.‏
وصية أبي بكر رافع بن أبي رافع
قال ‏:‏ وكان من الحديث في هذه الغزاة ، أن رافع بن أبي رافع الطائي ، وهو رافع بن عميرة ، كان يحدث - فيما بلغني - عن نفسه ، قال ‏:‏ كنت امرأ نصرانياً وسميت سرجس ، فكنت أدل الناس وأهداهم بهذا الرمل ، كنت أدفن الماء في بيض النعام بنواحي الرمل في الجاهلية ، ثم أغير على إبل الناس ن فإذا أدخلتها الرمل غلبت عليها ، فلم يستطع أحد أن يطلبني فيه ، حتى أمر بذلك الماء الذي خبأت في بيض النعام فأستخرجه ، فأشرب منه ، فلما أسلمت خرجت في تلك الغزوة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص إلى ذات السلاسل ؛ قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ والله لأختارن لنفسي صاحبا ، قال ‏:‏
فصحبت أبا بكر ، قال ‏:‏ فكنت معه في رحله ، قال ‏:‏ وكانت عليه عباءة له فدكية ، فكان إذا نزلنا بسطها ، وإذا ركبنا لبسها ، ثم شكها عليه بخلال له ، قال ‏:‏ وذلك الذي له يقول أهل نجد حين ارتدوا كفاراً ‏:‏ نحن نبايع ذا العباءة ‏!‏ ‏.‏
قال ‏:‏ فلما دنونا من المدينة قافلين ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا أبا بكر ، إنما صحبتك لينفعني الله بك ، فانصحنى ، وعلمنى ، قال ‏:‏ لو لم تسألني ذلك لفعلت ‏.‏
قال ‏:‏ آمرك أن توحد الله ، ولا تشرك به شيئاً ، وأن تقيم الصلاة ، وأن تؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت ، وتغتسل من الجنابة ، ولا تتأمر على رجل من المسلمين أبداً ‏.‏
قال ‏:‏ قلت ‏:‏ يا أبا بكر ، أما أنا والله فأني أرجو أن لا أشرك بالله أحد أبداً ، وأما الصلاة فلن أتركها أبداً إن شاء الله وأما الزكاة فإن يك لي مال أؤدها إن شاء الله ، وأما رمضان فلن أتركه أبداً إن شاء الله ، وأما الحج فإن أستطع أحج إن شاء الله تعالى ، وأما الجنابة فسأغتسل منها إن شاء الله ‏.‏
وأما الإمارة ، فإني رأيت الناس يا أبا بكر لا يشرفون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بها ، فلم تنهاني عنها ‏؟‏ قال ‏:‏ إنك إنما استجهدتني لأجهد لك ، وسأخبرك عن ذلك ‏:‏
إن الله عز وجل بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بهذا الدين ، فجاهد عليه حتى دخل الناس فيه طوعاً وكرهاً ، فلما دخلوا فيه كانوا عواذ الله وجيرانه ، وفي ذمته ، فإياك لا تخفر الله في جيرانه ، فيتبعك الله في خفرته ، فإن أحدكم يخفر جاره ، فيظل ناتئا عضله ، غضباً لجاره أن أصيبت له شاة أو بعير ، فالله أشد غضباً لجاره ، قال ‏:‏ ففارقته على ذلك ‏.‏
قال ‏:‏ فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر أبو بكر على الناس ، قال ‏:‏ قدمت عليه ، فقلت له ‏:‏ يا أبا بكر ألم تك نهيتني عن أن أتأمر على رجلين من المسلمين ‏؟‏ قال ‏:‏ بلى ، وأنا الآن أنهاك عن ذلك ؛ قال ‏:‏ فقلت له ‏:‏ فما حملك على أن تلي أمر الناس ‏؟‏ قال ‏:‏ لا أجد من ذلك بداً ، خشيت على أمة محمد صلى الله عليه وسلم الفرقة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏
أخبرني يزيد بن أبي حبيب ، أنه حدث عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال ‏:‏ كنت في الغزاة التي بعث فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن العاص ، إلى ذات السلاسل ، قال ‏:‏ فصحبت أبا بكر وعمر ، فمررت بقوم على جزور لهم قد نحروها ، وهم لا يقدرون على أن يعضوها ، وقال ‏:‏ وكنت امرأ لبقاً جازراً ، قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ أتعطوني منها عشيراً على أن أقسمها بينكم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم ، قال ‏:‏ فأخذت الشفرتين فجزأتها مكاني ، وأخذت منها جزءاً ، فحملته إلى أصحابي ، فاطبخناه فأكلناه ‏.‏
فقال لي أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ‏:‏ أني لك هذا اللحم يا عوف ‏؟‏ قال ‏:‏ فأخبرتهما خبره ، فقالا ‏:‏ والله ما أحسنت حين أطعمتنا هذا ، ثم قاما يتقيآن ما في بطونهما من ذلك ؛ قال ‏:‏ فلما قفل الناس من ذلك السفر ، كنت أول قادم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ فجئته وهو يصلي في بيته ، قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، قال ‏:‏ أعوف بن مالك ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ نعم ، بأبي أنت وأمي ، قال ‏:‏ أصاحب الجزور ‏؟‏ ولم يزدني رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك شيئاً ‏.‏
غزوة ابن أبي حدرد بطن إضم وقتل محلم بن جثامة عامر بن الأضبط الأشجعي
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني يزيد بن عبدالله بن قسيط عن القعقاع بن عبدالله بن أبي حدرد عن أبيه عبدالله ابن أبي حدرد ، قال ‏:‏
بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إضم في نفر من المسلمين ، فيهم أبو قتادة الحارث بن ربعي ، ومحلم بن جثامة بن قيس ، فخرجنا حتى إذا كنا ببطن إضم ‏.‏
مر بنا عامر بن الأضبط الأشجعي ، على قعود له ، ومعه متيع له ، ووطب من لبن ، قال ‏:‏ فلما مر بنا سلم علينا بتحية الإسلام ، فأمسكنا عنه وحمل عليه محلم بن جثامة ، فقتله لشيء كان بينه وبينه ، وأخذ بعيره ، وأخذ متيعه ، قال ‏:‏ فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبرناه الخبر ، نزل فينا ‏:‏ ‏(‏ يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا ‏)‏ إلى أخر الآية ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏قرأ أبو عمرو بن العلاء ‏(‏ ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ‏)‏ لهذا الحديث
من اختصم في دم ابن الأضبط
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال ‏:‏ سمعت زياد بن ضميرة بن سعد السلمي يحدث ، عن عروة بن الزبير ، عن أبيه ، عن جده ، وكانا شهدا حنيناً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر ثم عمد إلى ظل شجرة ، فجلس تحتها ، وهو بحنين ، فقام إليه الأقرع بن حابس ، وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، يختصمان ، في عامر بن الأضبط الأشجعي ‏:‏ عيينة يطلب بدم عامر ، وهو يومئذ رئيس غطفان ، والأقرع بن حابس يدفع عن محلم بن جثامة ، لمكانه من خندف ، فتداولا الخصومة عند رسول الله صلى لله عليه وسلم ، ونحن نسمع فسمعنا ، عيينة بن حصن ، وهو يقول ‏:‏ والله يا رسول الله ، لا أدعه حتى أذيق نساءه من الحرقة مثل ما أذاق نسائي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول ‏:‏ بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا ، وهو يأبى عليه ، إذ قام رجل من بني ليث ، يقال له ‏:‏ مكيثر قصير مجموع - قال ابن هشام ‏:‏مكيل - فقال ‏:‏
والله يا رسول الله ما وجدت لهذا القتيل شبها في غرة الإسلام إلا كغنم وردت فرميت أولاها ، فنفرت أخرها ، اسنن اليوم ، وغير غداً ، قال ‏:‏ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال ‏:‏ بل تأخذون الدية خمسين في سفرنا هذا ، وخمسين إذا رجعنا ، قال ‏:‏ فقبلوا الدية ‏.‏
قال ‏:‏ ثم قالوا ‏:‏ أين صاحبكم هذا يستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ قال ‏:‏ فقام رجل آدم ضرب طويل ، عليه حلة له ، قد كان تهيأ للقتل فيها ، حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له ‏:‏ ما اسمك ‏؟‏ قال ‏:‏ أنا محلم بن جثامة ، قال ‏:‏ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم قال ‏:‏ اللهم لا تغفر لمحلم بن جثامة ، ثلاثا ‏.‏ قال ‏:‏ فقام وهو يتلقى دمعه بفضل ردائه ، قال ‏:‏ فأما نحن فنقول فيما بيننا ‏:‏ إنا لنرجو أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استغفر له ، وأما ما ظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا ‏.‏
من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني من لا أتهم ،عن الحسن البصري قال ‏:‏
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس بين يديه ‏:‏ أمنته بالله ثم قتلته ‏!‏ ثم قال له المقالة التي قال ؛ قال ‏:‏ فوالله ما مكث محلم بن جثامة إلا سبعاً حتى مات ، فلفظته ، والذي نفس الحسن بيده ، الأرض ، ثم عادوا له ، فلفظته الأرض ، ثم عادوا فلفظته ، فلما غلب قومه عمدوا إلى صدين ، فسطحوه بينهما ، ثم رضموا عليه الحجارة حتى واروه ‏.‏
قال ‏:‏ فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه ، فقال ‏:‏ والله إن الأرض لتطابق على من هو شر منه ولكن الله أراد أن يعظكم في حرم ما بينكم بما أراكم منه ‏.‏
دية ابن الأضبط
قال ابن إسحاق ‏:‏ وأخبرنا سالم أبو النضر ، أنه حدث أن عيينة بن حصن وقيسا حين قال الأقرع بن حابس وخلا بهم ، يا معشر ، قيس منعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلاً يستصلح به الناس ، أفأمنتم أن يلعنكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيلعنكم الله بلعنته ، أو أن يغضب عليكم فيغضب الله عليكم بغضبه ‏؟‏ والله الذي نفس الأقرع بيده لتسلمنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فليصنعن فيه ما أراد ، أو لآتين بخمسين رجلاً من بني تميم يشهدون بالله كلهم ‏:‏ لقتل صاحبكم كافراً ، ما صلى قط ‏.‏ فلأطلن دمه ‏.‏ فلما سمعوا ذلك قبلوا الدية ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ محلم في هذا الحديث كله عن غير ابن إسحاق ، وهو محلم بن جثامة بن قيس الليثي ‏.‏
وقال ابن إسحاق ‏:‏ ملجم فيما حدثناه زيادة عنه ‏.‏
غزوة ابن أبي حدرد لقتل رفاعة بن قيس الجشمي
قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة ابن أبي حدرد الأسلمي الغابة ‏.‏
وكان من حديثها فيما بلغني عمن لا أتهم ،عن ابن أبي حدرد ، قال ‏:‏
تزوجت امرأة من قومي ، وأصدقتها مائتي درهم قال ‏:‏ فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستعينه على نكاحي ؛ فقال ‏:‏ وكم أصدقت ‏؟‏ فقلت ‏:‏ مائتي درهم يا رسول الله ، قال ‏:‏ سبحان الله لوكنتم تأخذون الدراهم من بطن واد ما زدتم ، الله ما عندي ما أعينك به ‏.‏
قال ‏:‏ فلبثت أياما وأقبل رجل من بني جشم ، يقال له ‏:‏ رفاعة بن قيس أو قيس بن رفاعة ، في بطن عظيم من بني جشم ، حتى نزل بقومه ومن معه بالغابة ، يريد أن يجمع قيسا على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ذا اسم في جشم وشرف ، قال ‏:‏ فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلين معي من المسلمين ، فقال ‏:‏ أخرجوا إلى هذا الرجل حتى تأتوا منه بخبر وعلم ‏.‏
قال ‏:‏ وقدم لنا شارفاً عجفاء ، فحمل عليها أحدنا والله ما قدمت به ضعفاً حتى دعمها الرجال من خلفها بأيديهم ، حتى استقلت وما كادت ، ثم قال ‏:‏ تبلغوا عليها واعتقبوها ‏.‏
ما استعان به ابن أبي حدرد من هذه الغزوة في زواجه
قال ‏:‏فخرجنا ومعنا سلاحنا من النبل والسيوف ، حتى إذا جئنا قريباً من الحاضر عُشَيْشِيّة مع غروب الشمس ‏.‏ قال ‏:‏ كمنت في ناحية ، وأمرت صاحبي ، فكمنا في ناحية أخرى من حاضر القوم ، وقلت لهما ‏:‏ إذا سمعتماني قد كبرت وشددت في ناحية العسكر فكبرا وشدا معي ، قال ‏:‏ فوالله إنا لكذلك ننتظر غرة القوم ، أو أن نصيب منهم شيئا ‏.‏ قال ‏:‏ وقد غشينا الليل حتى ذهبت فحمة العشاء ، وقد كان لهم راع قد سرح في هذا البلد ، فأبطأ عليهم حتى تخوفوا عليه ‏.‏
قال ‏:‏ فقام صاحبهم ذلك رفاعة بن قيس ، فأخذ سيفه فجعله في عنقه ، ثم قال ‏:‏ والله لأتبعن أثر راعينا هذا ، ولقد أصابه شر ، فقال له نفر ممن معه ‏:‏ والله لا تذهب نحن نكفيك ، قال ‏:‏ والله لا يذهب إلا أنا ، قالوا ‏:‏ فنحن معك ، قال ‏:‏ والله لا يتبعني أحد منكم ‏.‏
قال ‏:‏ وخرج حتى يمر بي ‏.‏ قال ‏:‏ فلما أمكنني نفحته بسهمي ، فوضعته في فؤاده ، قال ‏:‏ فوالله ما تكلم ووثبت عليه فاحتززت رأسه ‏.‏ قال ‏:‏ وشددت في ناحية العسكر ، وكبرت ، وشد صاحباي وكبرا ‏.‏ قال ‏:‏ فوالله ما كان إلا النجاء ممن فيه عندك ، عندك بكل ما قدروا عليه من نسائهم وأبنائهم ، وما خف معهم من أموالهم ‏.‏
قال ‏:‏ واستقنا إبلا عظيمة ، وغنما كثيرة ، فجئنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ وجئت برأسه أحمله معي ، قال ‏:‏ فأعانني رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك الإبل بثلاثة عشر بعيراً في صداقي ، فجمعت إلى أهلي ‏.‏
غزوة عبدالرحمن بن عوف إلى دومة الجندل
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح ، قال ‏:‏ سمعت رجلاً من أهل البصرة يسأل عبدالله بن عمر بن الخطاب ، عن إرسال العمامة من خلف الرجل إذا اعتم ، قال ‏:‏ فقال عبدالله ‏:‏ سأخبرك إن شاء الله عن ذلك بعلم ‏:‏ كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعبدالرحمن بن عوف ، وابن مسعود ، ومعاذ بن جبل ، وحذيفة بن اليمان ، وأبو سعيد الخدري ، وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
إذ أقبل فتى من الأنصار ، فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جلس ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، صلى الله عليك ، أي المؤمنين أفضل ‏؟‏ فقال ‏:‏ أحسنهم خلقاً قال ‏:‏ فأي المؤمنين أكيس ‏؟‏ قال ‏:‏ أكثرهم ذكراً للموت ، وأحسنهم استعداداً له ، قبل أن ينزل به أولئك الأكياس ، ثم سكت الفتى ، وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ يا معشر المهاجرين ، خمس خصال إذا نزلن بكم ، وأعوذ بالله أن تدركوهن ، إنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع ، التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ، ولم ينقصوا المكيال والميزان ، إلا أخذوا بالسنين ، وشدة المؤنة ، وجور السلطان ، ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم ، إلا منعوا القطر من السماء ، فلولا البهائم ما مطروا ، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدو من غيرهم ، فأخذ بعض ما كان في أيديهم ، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ، وتجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم ‏.‏
إلباسه صلى الله عليه وسلم العمامة لابن عوف
ثم أمر عبدالرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثة عليها ، فأصبح وقد اعتم بعمامة من كرابيس سوداء ، فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، ثم نقضها ، ثم عممه بها ، وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك ، ثم قال ‏:‏ هكذا يا ابن عوف فاعتم ، فإنه أحسن وأعرف ، ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه ، فحمد الله تعالى وصلى على نفسه ، ثم قال ‏:‏
خذه يا ابن عوف ، اغزوا جميعا في سبيل الله ، فقاتلوا من كفر بالله ، لاتغلوا ، ولا تغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليدا ، فهذا عهد الله ، وسيرة نبيه فيكم ، فأخذ عبدالرحمن بن عوف اللواء ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏فخرج إلى دومة الجندل ‏.‏
غزوة أبي عبيدة بن الجراح إلى سيف البحر
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، عن أبيه ، عن جده عبادة بن الصامت ، قال ‏:‏
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية إلى سيف البحر ، عليهم أبو عبيدة بن الجراح ، وزودهم جرابا من تمر ، فجعل يقوتهم إياه ، حتى صار إلى أن يعده عليهم عداً ، قال ‏:‏ ثم نفد التمر ، حتى كان يعطي كل رجل منهم كل يوم تمرة ، قال ‏:‏ فقسمها يوماً بيننا ، قال ‏:‏ فنقصت تمرة عن رجل فوجدنا فقدها ذلك اليوم ‏.‏
قال ‏:‏ فلما جهدنا الجوع ، أخرج الله لنا دابة من البحر ، فأصبنا من لحمها وودكها ، وأقمنا عليها عشرين ليلة ، حتى سمنا وابتللنا ، وأخذ أميرنا ضلعا من أضلاعها ، فوضعها على طريقه ، ثم أمر بأجسم بعير معنا ، فحمل عليه أجسم رجل منا ، قال ‏:‏ فجلس عليه ، قال ‏:‏ فخرج من تحتها وما مست رأسه ‏.‏ قال فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره خبرها ، وسألناه عما صنعنا في ذلك من أكلنا إياه ، فقال رزق رزقكموه الله ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 04:40 AM

بعث عمرو بن أمية الضمري لقتال أبي سفيان بن حرب وما صنع في طريقه
قال ابن هشام ‏:‏
ومما لم يذكره ابن إسحاق من بعوث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسراياه بعث عمرو بن أمية الضمري ، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما حدثني من أثق به من أهل العلم ، بعد مقتل خبيب بن عدي وأصحابه إلى مكة ، وأمره أن يقتل أبا سفيان بن حرب ، وبعث معه جبار صخر الأنصاري ، فخرجا حتى قدما مكة ، وحبسا جمليهما بشعب من شعاب يأجج ، ثم دخلا مكة ليلاً ‏.‏
فقال جبار لعمرو ‏:‏ لو أنا طفنا بالبيت ، وصلينا ركعتين ‏؟‏ فقال عمرو ‏:‏ إن القوم إذا تعشوا جلسوا بأفنيتهم ، فقال ‏:‏ كلا ، إن شاء الله ‏.‏ فقال عمرو ‏:‏ فطفنا بالبيت ، وصلينا ، ثم خرجنا نريد أبا سفيان ، فوالله إنا لنمشي بمكة إذ نظر إلى رجل من أهل مكة فعرفني ، فقال عمرو بن أمية ‏:‏ والله إن قدمها إلا لشر ؛ فقلت لصاحبي ‏:‏ النجاء ، فخرجنا نشتد ، حتى أصعدنا في جبل ، وخرجوا في طلبنا ، حتى إذا علونا الجبل ، يئسوا منا ، فرجعنا ، فدخلنا كهفا في الجبل ، فبتنا فيه وقد أخذنا حجارة فرضمناها دوننا ‏.‏
فلما أصبحنا غدا رجل من قريش يقود فرسا له ويخلي عليها ، فغشينا ونحن في الغار ، فقلت ‏:‏ إن رآنا صاح بنا فأخذنا فقتلنا ‏.‏
قال ‏:‏ ومعي خنجر قد أعددته لأبي سفيان ، فأخرج إليه فأضربه على ثديه ضربة ، وصاح صيحة أسمع أهل مكة ، وأرجع فأدخل مكاني ، وجاءه الناس يشتدون وهو بأخر رمق ، فقالوا ‏:‏ من ضربك ‏؟‏ فقال ‏:‏ عمرو بن أمية ، وغلبه الموت ، فمات مكانه ‏.‏ ولم يدلل على مكاننا ، فاحتملوه ‏.‏
فقلت لصاحبي ‏:‏ لما أمسينا النجاء ؛ فخرجنا ليلا من مكة نريد المدينة ، فمررنا بالحرس وهم يحرسون جيفة خبيب بن عدي ؛ فقال أحدهم ‏:‏ والله ما رأيت كالليلة أشبه بمشية عمرو بن أمية ، لولا أنه بالمدينة ، لقلت ‏:‏ هو عمرو بن أمية ‏.‏ قال ‏:‏ فلما حاذى الخشبة شد عليها ، فأخذها فاحتملها ، وخرجا شداً ، وخرجوا وراءه ، حتى أتى جرفا بمهبط مسيل يأجج ، فرمى بالخشبة في الجرف ، فغيبه الله عنهم ، فلم يقدروا عليه ، قال ‏:‏
وقلت لصاحبي ‏:‏ النجاء النجاء ، حتى تأتي بعيرك فتقعد عليه ، فإني سأشغل عنك القوم ، وكان الأنصاري لا رجلة له ‏.‏
قال ومضيت حتى أخرج على ضجنان ، ثم أويت إلى جبل ، فأدخل كهفا ، فبينا أنا فيه إذ دخل علي شيخ من بني الديل أعور ، في غنيمة له ، فقال ‏:‏ من الرجل ‏؟‏ فقلت ‏:‏ من بني بكر ، فمن أنت ‏؟‏ قال ‏:‏ من بني بكر ، فقلت ‏:‏ مرحبا فاضطجع ، ثم رفع عقيرته ، فقال ‏:‏
ولست بمسلم ما دمت حيا * ولا دان لدين المسلمينا
فقلت في نفسي ‏:‏ ستعلم ، فأمهلته حتى إذا نام أخذت قوسي ، فجعلت سيتها في عينه الصحيحة ، ثم تحاملت عليه حتى بلغت العظم ، ثم خرجت النجاء ، حتى جئت العرج ، ثم سلكت ركوبة ، حتى إذا هبطت النقيع ، إذا رجلان من قريش من المشركين ، كانت قريش بعثتهما عينا إلى المدينة ينظران ويتحسسان ، فقلت ‏:‏ استأسرا ، فأبيا ، فأرمي أحدهما بسهم فأقتله ، واستأسر الآخر ، فأوثقه رباطا ، وقدمت به المدينة ‏.‏
سرية زيد بن حارثة إلى مدين
قال ابن هشام ‏:‏وسرية زيد بن حارثة إلى مدين ‏.‏
ذكر ذلك عبدالله بن حسن بن حسن ، عن أمه فاطمة بنت الحسين بن علي عليهم رضوان الله ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث زيد بن حارثة نحو مدين ، ومعه ضميرة ، مولى علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، وأخ له ، قالت ‏:‏ فأصاب سبياً من أهل ميناء ، وهي السواحل ، وفيها جماع من الناس ، فبيعوا ففرق بينهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه سلم وهم يبكون ، فقال ‏:‏ ما لهم ‏؟‏ فقيل ‏:‏ يا رسول الله فرق بينهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لا تبيعوهم إلا جميعا ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏أراد الأمهات والأولاد ‏.‏
سرية سالم بن عمير لقتل أبي عفك
قال ابن إسحاق ‏:‏ وغزوة سالم بن عمير لقتل أبي عفك ، أحد بني عمرو بن عوف ثم بني عبيدة ، وكان قد نجم نفاقه ، حين قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحارث ابن سويد بن صامت ، فقال ‏:‏
لقد عشت دهرا وما إن أرى * من الناس دارا ولا مجمعا
أبر عهودا وأوفى لمن * يعاقد فيهم إذا ما دعا
من أولاد قيلة في جمعهم * يهد الجبال ولم يخضعا
فصدعهم راكب جاءهم * حلال حرام لشتى معا
فلو أن بالعز صدقتم * أو الملك تابعتم تبعا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من لي بهذا الخبيث ، فخرج سالم بن عمير ، أخو بني عمرو بن عوف ، وهو أحد البكائين ، فقتله ‏؟‏ فقالت أمامة المزيرية في ذلك ‏:‏
تكذب دين الله والمرء أحمدا * لعمرو الذي أمناك أن بئس ما يمني
حباك حنيف أخر الليل طعنة * أبا عفك خذها على كبر السن
غزوة عمير بن عدي الخطمي لقتل عصماء بنت مروان
وغزوة عمير بن عدي الخطمي عصماء بنت مروان ، وهي من بني أمية بن زيد ، فلما قتل أبو عفك ، نافقت فذكر عبدالله بن الحارث بن الفضيل ، عن أبيه ، قال ‏:‏ وكانت تحت رجل من بني خطمة ، يقال له يزيد بن زيد ، فقالت تعيب الإسلام وأهله ‏:‏
باست بني مالك والنبيت * وعوف وباست بني الخزرج
أطعتم أتاويَّ من غيركم * فلا من مراد ولا مذحج
ترجونه بعد قتل الرءوس * كما يرتجي مرق المنضج
ألا أنف يبتغي غرة * فيقطع من أمل المرتجي
قال فأجابها حسان بن ثابت فقال ‏:‏
بنو وائل وبنو واقف * وخطمة دون بني الخزرج
متى ما دعت سفها ويحها * بعولتها والمنايا تجي
فهزت فتى ماجدا عرقه * كريم المداخل والمخرج
فضرجها من نجيع الدماء * بعد الهدو فلم يحرج
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك ‏:‏ ألا أخذ لي من ابنة مروان ‏؟‏ فسمح ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عمير بن عدي الخطمي ، وهو عنده ، فلما أمسي من تلك الليلة سرى عليها في بيتها فقتلها ، فقال ‏:‏ ثم أصبح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏ يا رسول الله ، إني قد قتلتها ‏.‏ فقال ‏:‏ نصرت الله ورسوله يا عمير ، فقال ‏:‏ هل علي شيء من شأنها يا رسول الله ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا ينتطح فيها عنزان ‏.‏
فرجع عمير إلى قومه ، وبنو خطمة يومئذ كثير موجهم في شأن بنت مروان ، ولها يومئذ بنون خمسة رجال ، فلما جاءهم عمير بن عدي من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ يا بني خطمة ، أنا قتلت ابنة مروان ، فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون ، فذلك اليوم أول ما عز الإسلام في دار بني خطمة ، وكان يستخفي بإسلامهم فيهم من أسلم ، وكان أول من أسلم من بني خطمة عمير بن عدي ، وهو الذي يدعى القارئ ، و عبدالله بن أوس ، وخزيمة بن ثابت ، وأسلم يوم قتلت ابنة مروان ، رجال من بني خطمة ، لما رأوا من عز الإسلام ‏.‏
أسر ثمامة بن أثال الحنفي وإسلامه
بلغني عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة أنه قال ‏:‏
خرجت خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخذت رجلا من بني حنيفة لا يشعرون من هو ، حتى أتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏
أتدرون من أخذتم ‏؟‏ هذا ثمامة بن أثال الحنفي ، أحسنوا إساره ، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ، فقال ‏:‏ اجمعوا ما كان عندكم من طعام ، فابعثوا به إليه ، وأمر بلقحته أن يغذى عليه بها ويراح ، فجعل لا يقع من ثمامة موقعا ، ويأتيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول ‏:‏ أسلم يا ثمامة ، فيقول ‏:‏ إيها يا محمد ، إن تقتل تقتل ذا دم ، وإن ترد الفداء فسل ما شئت ، فمكث ما شاء الله أن يمكث ‏.‏
ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم يوما ‏:‏ أطلقوا ثمامة ، فلما أطلقوه خرج حتى أتى البقيع ، فتطهر فأحسن طهوره ، ثم أقبل فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام ، فلما أمسى جاءوه بما كانوا يأتونه من الطعام ، فلم ينل منه إلا قليلاً ، وباللقحة فلم يصب من حلابها إلا يسيرا ، فعجب المسلمون من ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك ‏:‏
مم تعجبون ‏؟‏ أمن رجل أكل أول النهار في معي كافر ، وأكل أخر النهار في معي مسلم ، إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء ، وإن المسلم يأكل في معي واحد ‏.‏ قال ابن هشام ‏:‏
فبلغني أنه خرج معتمراً ، حتى إذا كان ببطن مكة ، لبى فكان أول من دخل مكة يلبي ، فأخذته قريش ، فقالوا ‏:‏ لقد اجترأت علينا ، فلما قدموه ليضربوا عنقه ، قال قائل منهم ‏:‏ دعوه فإنكم تحتاجون إلى اليمامة لطعامكم ، فخلوه ، فقال الحنفي في ذلك ‏:‏
ومنا الذي لبى معلنا بمكة معلنا * برغم أبي سفيان في الأشهر الحرم
وحدثت أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلم ‏:‏ لقد كان وجهك أبغض الوجوه إلي ، ولقد أصبح وهو أحب الوجوه إلي ، وقال في الدين والبلاد مثل ذلك ‏.‏
ثم خرج معتمراً ، فلما قدم مكة قالوا ‏:‏ أصبوت يا ثمام ‏؟‏ فقال ‏:‏ لا ، ولكنى اتبعت خير الدين ، دين محمد ، ولا والله لا تصل إليكم حبة من اليمامة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج إلى اليمامة ، فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئاً ، فكتبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ إنك تأمر بصلة الرحم ، وإنك قد قطعت أرحامنا ، وقد قتلت الأباء بالسيف ، والأبناء بالجوع ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه أن يخلي بينهم وبين الحمل ‏.‏
سرية علقمة بن مجزز
وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز ‏.‏
لما قتل وقاص بن مجزز المدلجي يوم ذي قرد ، سأل علقمة بن مجزز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعثه في آثار القوم ، ليدرك ثأره فيهم ‏.‏
فذكر عبدالعزيز بن محمد عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان ، عن أبي سعيد الخدري ، قال ‏:‏
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علقمة بن مجزز - قال أبو سعيد الخدري ‏:‏ وأنا فيهم - حتى إذا بلغنا رأس غزاتنا أو كنا ببعض الطريق ، أذن لطائفة من الجيش ، واستعمل عليهم عبدالله بن حذافة السهمي ، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت فيه دعابة ، فلما كان ببعض الطريق أوقد ناراً ، ثم قال للقوم ‏:‏
أليس لي عليكم السمع والطاعة ‏؟‏ قالوا ‏:‏ بلى ، قال أفما أنا آمركم بشيء إلا فعلتموه ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم ، قال ‏:‏ فإني أعزم عليكم بحقي وطاعتي إلا تواثبتم في هذه النار ، قال ‏:‏ فقام بعض القوم يحتجز ، حتى ظن أنهم واثبون فيها ، فقال ‏:‏ لهم اجلسوا ، فإنما كنت أضحك معكم ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قدموا عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ من أمركم بمعصية منهم فلا تطيعوه ‏.‏
وذكر محمد بن طلحة أن علقمة بن مجزز رجع هو وأصحابه ولم يلق كيدا ‏.‏
سرية كرز بن جابر لقتل البجليين الذين قتلوا يسارا
حدثني بعض أهل العلم ، عمن حدثه ، عن محمد بن طلحة ، عن عثمان بن عبدالرحمن ، قال ‏:‏
أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة محارب وبني ثعلبة ، عبداً يقال له ‏:‏ يسار فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في لقاح له كانت ترعى في ناحية الجماء ، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من قيس كبة من بجيلة ، فاستوبئوا ، وطلحوا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ لو خرجتم إلى اللقاح فشربتم من ألبانها وأبوالها ، فخرجوا إليها ‏.‏
فلما صحوا وانطوت بطونهم ، عدوا على راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم يسار ، فذبحوه ، وغرزوا الشوك في عينيه ، واستاقوا اللقاح ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم كرز بن جابر ، فلحقهم فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مرجعه من غزوة ذي قرد ، فقطع أيديهم وأرجلهم ، وسمل أعينهم ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 04:41 AM

غزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن
وغزوة علي بن أبي طالب رضوان الله عليه إلى اليمن غزاها مرتين ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏قال أبو عمرو المدني ‏:‏
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب إلى اليمن ، وبعث خالد بن الوليد في جند أخر ، وقال ‏:‏ إن التقيتما فالأمير علي بن أبي طالب ‏.‏
وقد ذكر ابن إسحاق بعث خالد بن الوليد في حديثه ، ولم يذكره في عدة البعوث والسرايا ، فينبغي أن تكون العدة في قوله تسعة وثلاثين ‏.‏
بعث أسامة بن زيد إلى أرض فلسطين وهو آخر البعوث
قال ابن إسحاق ‏:‏ وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة إلى الشام ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم ، من أرض فلسطين ، فتجهز الناس ، وأوعب مع أسامة المهاجرون الأولون ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏وهو أخر بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
ابتداء شكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ فبينا الناس على ذلك ابتُدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكواه الذي قبضه الله فيه ، إلى ما أراد به من كرامته ورحمته ، في ليال بقين من صفر ، أو في أول شهر ربيع الأول ، فكان أول ما ابتُدىء به من ذلك ، فيما ذكر لي ، أنه خرج إلى بقيع الغرقد ، من جوف الليل ، فاستغفر لهم ، ثم رجع إلى أهله ، فلما أصبح ابتُدىء بوجعه من يومه ذلك ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن عمرو ، عن عبيد الله بن جبير ، مولى الحكم بن أبي العاص عن عبدالله بن عمرو بن العاص ، عن أبي مويهبة ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏
بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جوف الليل ، فقال ‏:‏ يا أبا مويهبة ، إني قد أمرت أن أستغفر لأهل هذا البقيع ، فانطلق معي ، فانطلقت معه ، فلما وقف بين أظهرهم ، قال ‏:‏ السلام عليكم يا أهل المقابر ، ليهنىء لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، يتبع أخرها أولها ، الآخرة شر من الأولى ‏.‏
ثم أقبل علي ، فقال ‏:‏ يا أبا مويهبة ، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة ؛ فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة ، قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ بأبي أنت وأمي ، فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها ، ثم الجنة ، قال ‏:‏ لاوالله يا أبا مويهبة لقد اخترت لقاء ربي والجنة ‏.‏ ثم استغفر لأهل البقيع ، ثم انصرف ‏.‏ فبدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي قبضه الله فيه ‏.‏
تمريضه في بيت عائشة
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يعقوب بن عتبة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، قالت ‏:‏ رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع ، فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي ، وأنا أقول ‏:‏ وارأساه ، فقال ‏:‏ بل أنا والله يا عائشة وارأساه ‏.‏
قالت ‏:‏ ثم قال ‏:‏ وما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك وكفتك ، وصليت عليك ودفنتك ‏؟‏ قالت ‏:‏ قلت ‏:‏ والله لكأني بك لو قد فعلت ذلك ، لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك ، قالت ‏:‏ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتتام به وجعه ، وهو يدور على نسائه ، حتى استعز به ، وهو في بيت ميمونة ، فدعا نساءه ، فاستأذنهن في أن يمرض في بيتي ، فأذن له ‏.‏
ذكر أزواجه صلى الله عليه وسلم
عددهن وأسماؤهن
قال ابن هشام ‏:‏وكن تسعاً عائشة بنت أبي بكر ، وحفصة بنت عمر بن الخطاب ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب ، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة ، وسودة بنت زمعة بن قيس ، وزينب بنت جحش بن رئاب ، وميمونة بنت الحارث بن حزن ، وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بنت حيي بن أخطب ، فيما حدثني غير واحد من أهل العلم ‏.‏
زواجه خديجة
وكان جميع من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ‏:‏ خديجة بنت خويلد ، وهي أول من تزوج ، زوجه إياها أبوها خويلد بن أسد ، ويقال أخوها عمرو بن خويلد ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرين بكرة ، فولدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولده كلهم إلا إبراهيم ، وكانت قبله عند أبي هالة بن مالك ، أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم حليف بني عبدالدار ، فولدت له هند بن أبي هالة ، وزينب بنت أبي هالة ، وكانت قبل أبي هالة عند عتيق بن عابد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، فولدت له عبدالله ، وجارية ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏جارية من الجواري ، تزوجها صيفي بن أبي رفاعة ‏.‏
عائشة
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر الصديق بمكة ، وهي بنت سبع سنين ، وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع سنين أو عشر ، ولم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها ، زوجه إياها أبوها أبو بكر ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم ‏.‏
سودة
تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ، زوجه إياها سليط بن عمرو ، ويقال أبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس ود بن نصر بن مالك بن حسل ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ ابن إسحاق يخالف هذا الحديث ، يذكر أن سليطا وأبا حاطب كانا غائبين ، بأرض الحبشة في هذا الوقت ‏.‏
وكانت قبله عند السكران بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود ابن نصر بن حسل ‏.‏
زينب بنت جحش
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية زوجه إياها أخوها أبو أحمد بن جحش وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم ، وكانت قبله عند زيد بن حارثة ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففيها أنزل الله تبارك وتعالى ‏:‏ ‏(‏ فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ‏)‏ ‏.‏
أم سلمة
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزومية ، واسمها هند ، زوجه إياها سلمة بن أبي سلمة ابنها ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فراشا حشوه ليف ، وقدحا ، وصحيفة ، ومجشة ، وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبدالأسد ، واسمه عبدالله فولدت له سلمة ، وزينب ، ورقية ‏.‏
حفصة
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب ، زوجه إياها أبوها عمر بن الخطاب ، وأصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم ، وكانت قبله عند خنيس بن حذافة السهمي ‏.‏
أم حبيبة
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة ، واسمها رملة بنت أبي سفيان بن حرب ، زوجه إياها خالد بن سعيد بن العاص ، وهما بأرض الحبشة ، وأصدقها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة دينار ، وهو الذي كان خطبها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت قبله عند عبيد الله بن جحش الأسدي ‏.‏
جويرية بنت الحارث
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية ، كانت في سبايا بني المصطلق من خزاعة ، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس الأنصاري ، فكاتبها على نفسها ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها ، فقال لها ‏:‏ هل لك في خير من ذلك ‏؟‏ قالت ‏:‏ وما هو ‏؟‏ قال ‏:‏ أقضي عنك كتابتك ، وأتزوجك ، فقالت ‏:‏ نعم ، فتزوجها ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏حدثنا بهذا الحديث زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير عن ، عروة عن ، عائشة ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏
ويقال لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق ، ومعه جويرية بنت الحارث ، فكان بذات الجيش ، دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة ، وأمره بالاحتفاظ بها ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته ، فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء ، فرغب في بعيرين منها ، فغيبهما في شعب من شعاب العقيق ،ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال ‏:‏
يا محمد أصبتم ابنتي ، وهذا فداؤها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ فأين البعيران اللذان غيبت بالعقيق في شعب كذا وكذا ، فقال الحارث ‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك رسول الله ، صلى الله عليك ، فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله تعالى ، فأسلم الحارث ، وأسلم معه ابنان له ، وناس من قومه ، وأرسل إلى البعيرين ، فجاء بهما ، فرفع الإبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ودفعت إليه ابنته جويرية ، فأسلمت وحسن إسلامها ، وخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها ، فزوجه إياها ، وأصدقها أربع مائة درهم ، وكانت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ابن عم لها ، يقال له عبدالله ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويقال اشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثابت بن قيس ، فأعتقها ، وتزوجها ، وأصدقها أربعمائة درهم ‏.‏
صفية بنت حيي
وتزوج رسول الله صفية بنت حيي بن أخطب ، سباها من خيبر ، فاصطفاها لنفسه ، وأولم رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمة ، ما فيها شحم ولا لحم ، كان سويقاً وتمراً ، وكانت قبله عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق ‏.‏
ميمون بنت الحارث
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حزن بن بحير بن هزم بن رويبة بن عبدالله بن هلال بن عامر بن صعصعة ، زوجه إياها العباس بن عبدالمطلب ، وأصدقها العباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم ، وكانت قبله عند أبي رهم بن عبدالعزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ؛ ويقال إنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك أن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم انتهت إليها وهي على بعيرها ، فقالت ‏:‏ البعير وما عليه لله ولرسوله ، فأنزل الله تبارك وتعالى ‏:‏ ‏(‏ وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي ‏)‏ ‏.‏
ويقال إن التي وهبت نفسها للنبي زينب بنت جحش ، ويقال أم شريك ، غزية بنت جابر بن وهب من بني منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي ، ويقال بل هي امرأة من بني سامة بن لؤي ، فأرجأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
زينب بنت خزيمة
وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبدالله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة ، وكانت تسمى أم المساكين ، لرحمتها إياهم ورقتها عليهم ، زوجه إياها قبيصة بن عمرو الهلالي ، وأصدقها رسول الله أربعمائة درهم ، وكانت قبله عند عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب بن عبد مناف ، وكانت قبل عبيدة عند جهم بن عمرو بن الحارث ، وهو ابن عمها ‏.‏
فهؤلاء اللاتي بنى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ، فمات قبله منهن ثنتان ‏:‏ خديجة بنت خويلد ، وزينت بنت خزيمة ، وتوفي عن تسع ، قد ذكرناهن في أول هذا الحديث ، وثنتان لم يدخل بهما أسماء بنت النعمان الكندية ، تزوجها فوجد بها بياضاً ، فمتعها وردها إلى أهلها ، وعمرة بنت يزيد الكلابية ، وكانت حديثة عهد بكفر ، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ منيع عائذ الله ، فردها إلى أهلها ‏.‏ ويقال إن التي استعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم كندية بنت عم لأسماء بنت النعمان ، ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاها ، فقالت ‏:‏ إنا قوم نؤتى ولا نأتي ، فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهلها ‏.‏
القرشيات منهن القرشيات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ست ‏:‏ خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، وعائشة بنت أبي بكر بن أبي قحافة بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، وحفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبدالعزى بن عبدالله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي ، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ، وسودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي ‏.‏
العربيات وغيرهن والعربيات وغيرهن سبع ‏:‏
زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان ابن أسد بن خزيمة ، وميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن هزم بن رويبة بن عبدالله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوزان بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ، وزينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبدالله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية ، وجويرية بنت الحارث ابن أبي ضرار الخزاعية ، ثم المصطلقية ، وأسماء بنت النعمان الكندية ، وعمرة بنت يزيد الكلابية ‏.‏
ومن غير العربيات ‏:‏ صفية بنت حيي بن أخطب ، من بني النضير ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 04:43 AM

تمريض رسول الله في بيت عائشة
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني يعقوب بن عتبة عن محمد بن مسلم الزهري ، عن عبيد الله بن عتبة ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت ‏:‏
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشى بين رجلين من أهله ‏:‏ أحدهما الفضل ابن العباس ، ورجل أخر ،عاصبا رأسه ، تخط قدماه ،حتى دخل بيتي ‏.‏ قال عبيد فحدثت هذا الحديث عبدالله بن العباس فقال ‏:‏ هل تدري من الرجل الآخر ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا ، قال ‏:‏ علي بن أبي طالب ‏.‏
اشتداد المرض
ثم غمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واشتد به وجعه ، فقال ‏:‏ هريقوا على سبع قرب من أبار شتى ، حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم ‏.‏ قالت ‏:‏ فأقعدناه في مخضب لحفصة بنت عمر ، ثم صببنا عليه الماء حتى طفق يقول ‏:‏ حسبكم حسبكم ‏.‏
خطبة للنبي وتفضيله أبا بكر
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال الزهري حدثني أيوب بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر ، ثم كان أول ما تكلم به أنه صلى على أصحاب أحد ، واستغفر لهم ، فأكثر الصلاة عليهم ، ثم قال ‏:‏
إن عبداً من عباد الله خيره الله بين الدنيا بين ما عنده ،فاختار ما عند الله ، قال ‏:‏ ففهمها أبو بكر ، وعرف أن نفسه يريد ، فبكى ، وقال ‏:‏ بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا ، فقال ‏:‏ على رسلك يا أبا بكر ، ثم قال ‏:‏ انظروا هذه الأبواب اللافظة في المسجد ، فسدوها إلا بيت أبي بكر ، فأني لا أعلم أحداً كان أفضل في الصحبة عندي يدا منه ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏ويروى إلا باب أبي بكر ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالرحمن بن عبدالله ، عن بعض آل أبي سعيد بن المعلى ‏:‏
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ في كلامه هذا ‏:‏ فإني لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكن صحبة وإخاء إيمان حتى يجمع الله بيننا عنده ‏.‏
أمره بإنفاذ بعث أسامة
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ،وغيره من العلماء ‏:‏
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد ، وهو في وجعه ، فخرج عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر ، وقد كان الناس قالوا ‏:‏ في إمرة أسامة ‏:‏ أمر غلاماً حدثاً على جلة المهاجرين والأنصار ‏.‏
فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ، ثم قال ‏:‏ أيها الناس أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله ، وإنه لخليق للإمارة ، وإن كان أبوه لخليقاً لها ‏.‏
قال ‏:‏ ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وانكمش الناس في جهازهم ، واستعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه ، فخرج أسامة ، وخرج جيشه معه حتى نزلوا الجرف ، من المدينة على فرسخ ، فضرب به عسكره ، وتتام إليه الناس ، وثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقام أسامة والناس ، لينظروا ما الله قاض في رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
وصايته بالأنصار
قال ابن إسحاق ‏:‏
قال الزهري وحدثني عبدالله بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم صلى واستغفر لأصحاب أحد ، وذكر من أمرهم ما ذكر ، مع مقالته يومئذ ‏:‏
يا معشر المهاجرين ، استوصوا بالأنصار خيراً ، فإن الناس يزيدون ، وإن الأنصار على هيئتها لا تزيد ، وأنهم كانوا عيبتي التي أويت إليها ، فأحسنوا إلى محسنهم ، وتجاوزوا عن مسيئهم ‏.‏
قال عبدالله ‏:‏ ثم نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل بيته ، وتتام به وجعه حتى غمر ‏.‏
شأن اللدود
قال عبدالله فاجتمع إليه نساء من نسائه ‏:‏ أم سلمة ، وميمونة ، ونساء من نساء المسلمين ، منهن أسماء بنت عميس ، وعنده العباس عمه ، فأجمعوا أن يلدوه ، وقال العباس ‏:‏لألدنه ‏.‏ قال ‏:‏ فلدوه ، فلما أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ من صنع هذا بي ‏؟‏ قالوا ‏:‏ يا رسول الله ، عمك ، قال ‏:‏هذا دواء أتى به نساء جئن من نحو هذه الأرض ، وأشار نحو أرض الحبشة ، قال ‏:‏ ولم فعلتم ذلك ‏؟‏
فقال عمه العباس ‏:‏ خشينا يا رسول الله أن يكون بك ذات الجنب ، فقال ‏:‏ إن ذلك لداء ما كان لله عز وجل ليقذفني به ، لا يبق في البيت أحد إلا لد إلا عمي ، فلقد لدت ميمونة وإنها لصائمة ، لقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عقوبة لهم بما صنعوا به ‏.‏
دعاؤه لأسامة بالإشارة
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني سعيد بن عبيد بن السباق ، عن محمد بن أسامة ، عن أبيه أسامة بن زيد ، قال ‏:‏
لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أصمت فلا يتكلم فجعل يرفع يده إلى السماء ثم يضعها علي ، فأعرف أنه يدعو لي ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال ابن شهاب الزهري حدثني عبيد بن عبدالله بن عتبة ، عن عائشة ،قالت ‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيراً ما أسمعه يقول ‏:‏ إن الله لم يقبض نبيا حتى يخيره ، قالت ‏:‏ فلما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان أخر كلمة سمعتها وهو يقول ‏:‏ بل الرفيق الأعلى من الجنة ، قالت ‏:‏ فقلت ‏:‏ إذا والله لا يختارنا ، وعرفت أنه الذي كان يقول لنا ‏:‏ إن نبياً لم يقبض حتى يخير ‏.‏
أبو بكر يصلي بالناس
قال الزهري وحدثني حمزة بن عبدالله ابن عمر ،أن عائشة قالت ‏:‏ لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ مروا أبا بكر فليصل بالناس ، قالت ‏:‏ قلت ‏:‏ يا نبي الله إن أبا بكر رجل رقيق ، ضعيف الصوت ، كثير البكاء إذا قرأ القرآن ، قال ‏:‏ مروه فليصل بالناس ‏.‏قالت ‏:‏ فعدت بمثل قولي ، فقال ‏:‏
إنكن صواحب يوسف ، فمروه فليصل بالناس ، قالت ‏:‏ فوالله ما أقول ذلك إلا أني كنت أحب أن يصرف ذاك عن أبي بكر ، وعرفت أن الناس لا يحبون رجلاً قام مقامه أبداً ، وأن الناس سيتشاءمون به في كل حدث كان ، فكنت أحب أن يصرف ذلك عن أبي بكر ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال ابن شهاب حدثني عبدالملك بن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ، عن أبيه ، عن عبدالله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد قال ‏:‏
لما استعز برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده في نفر من المسلمين ، قال ‏:‏ دعاه بلال إلى الصلاة ، فقال ‏:‏ مروا من يصلي بالناس ‏.‏ قال ‏:‏فخرجت فإذا عمر في الناس ، وكان أبو بكر غائباً ، فقلت ‏:‏ قم يا عمر ، فصل بالناس ، قال ‏:‏ فقام ، فلما كبر ، سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته ، وكان عمر رجلاً مجهراً ، قال ‏:‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
فأين أبو بكر ‏؟‏ يأبى الله ذلك والمسلمون ، يأبى الله ذلك والمسلمون ، قال ‏:‏ فبعث إلى أبي بكر ، فجاء بعد أن صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس ، قال ‏:‏ قال عبدالله بن زمعة ‏:‏ قال لي عمر ‏:‏ ويحك ‏!‏ ماذا صنعت بي يا بن زمعة ، والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرك بذلك ، ولولا ذلك ما صليت بالناس ، قال ‏:‏ قلت ‏:‏ والله ما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك ، ولكني حين لم أرى أبا بكر ، رأيتك أحق من حضر بالصلاة بالناس ‏.‏
اليوم الذي قبض الله فيه رسول صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال الزهري حدثني أنس بن مالك ‏:‏
أنه لما كان يوم الإثنين الذي قبض الله فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، خرج إلى الناس ، وهم يصلون الصبح ، فرفع الستر ، وفتح الباب ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام على باب عائشة ، فكاد المسلمون يفتنون في صلاتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه ، فرحا به ، وتفرجوا ، فأشار إليهم أن اثبتوا على صلاتكم ؛ قال ‏:‏ فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سروراً لما رأى من هيئتهم في صلاتهم ، وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن هيئة منه تلك الساعة ‏.‏ قال ‏:‏ ثم رجع وانصرف الناس وهم يرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أفرق من وجعه ، فرجع أبو بكر إلى أهله بالسنح ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏
وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث عن القاسم بن محمد ‏:‏
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، حين سمع تكبير عمر في الصلاة ‏:‏ أين أبو بكر ‏؟‏ يأبى الله ذلك والمسلمون ، فلولا مقالة قالها عمر عند وفاته ، لم يشك المسلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخلف أبا بكر ، ولكنه قال عند وفاته ‏:‏ إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني ، وإن أتركهم فقد تركهم من هو خير مني ، فعرف الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحداً ، وكان عمر غير متهم على أبي بكر ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني أبو بكر بن عبدالله بن أبي مليكة قال ‏:‏ لما كان يوم الاثنين ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عاصباً رأسه إلى الصبح ، وأبو بكر يصلى بالناس ، فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرج الناس ، فعرف أبو بكر أن الناس لم يصنعوا ذلك إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنكص عن مصلاه ، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظهره ، وقال ‏:‏ صل بالناس ، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ، فصلى قاعداً عن يمين أبي بكر ، فلما فرغ من الصلاة ، أقبل على الناس ، فكلمهم رافعا صوته ، حتى خرج صوته من باب المسجد ، يقول ‏:‏
أيها الناس سعرت النار ، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم ، وإني والله ما تمسكون علي بشيء ، إني لم أحل إلا ما أحل القرآن ، ولم أحرم إلا ما حرم القرآن ‏.‏
قال ‏:‏ فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلامه ، قال له أبو بكر ‏:‏ يا نبي الله ، إني أراك قد أصبحت بنعمة من الله وفضل كما تحب ، واليوم يوم بنت خارجة ، أفآتيها ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج أبو بكر إلى أهله بالسنح ‏.‏
شأن علي والعباس قبل وفاته
قال ابن إسحاق ‏:‏ قال الزهري وحدثني عبدالله بن كعب بن مالك ، عن عبدالله بن عباس ، قال ‏:‏خرج يومئذ علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على الناس من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له الناس ‏:‏ يا أبا حسن ، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ قال ‏:‏ أصبح بحمد الله بارئاً ، قال ‏:‏
فأخذ العباس بيده ، ثم قال ‏:‏ يا علي ، أنت والله عبد العصا بعد ثلاث ، أحلف بالله لقد عرفت الموت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما كنت أعرفه في وجوه بني عبدالمطلب ، فانطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن كان هذا الأمر فينا عرفناه ، وإن كان في غيرنا أمرناه ، فأوصى بنا الناس ‏.‏ قال ‏:‏ فقال له علي ‏:‏ إني والله لا أفعل ، والله لئن منعناه لا يؤتيناه أحد بعده ‏.‏
فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أشتد الضحاء من ذلك اليوم ‏.‏
سواك الرسول قبل وفاته
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يعقوب بن عتبة ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة قال ‏:‏ قالت ‏:‏ رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم حين دخل من المسجد ، فاضطجع في حجري ، فدخل علي رجل من آل بكر ، وفي يده سواك أخضر ، قالت ‏:‏ فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه في يده نظرا عرفت أنه يريده ، قالت ‏:‏ فقلت ‏:‏ يا رسول الله أتحب أن أعطيك هذا السواك ‏؟‏ قال ‏:‏ نعم ، قالت ‏:‏ فأخذته فمضغته له حتى لينته ، ثم أعطيته إياه ، قالت ‏:‏ فاستن به كأشد ما رأيته يستن بسواك قط ، ثم وضعه ، ووجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثقل في حجري ، فذهبت أنظر في وجهه فإذا بصره قد شخص ، وهو يقول ‏:‏ بل الرفيق الأعلى من الجنة ، قالت ‏:‏ فقلت ‏:‏ خيرت فاخترت والذي بعثك بالحق ، قالت ‏:‏ وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، قال ‏:‏ سمعت عائشة تقول ‏:‏
مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري ، وفي دولتي ، لم أظلم فيه أحداً ، فمن سفهي وحداثة سني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو في حجري ، ثم وضعت رأسه على وسادة ، وقمت ألتدم مع النساء ، وأضرب وجهي ‏.‏
مقالة عمر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ قال الزهري وحدثني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة قال ‏:‏ لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قام عمر بن الخطاب ، فقال ‏:‏ إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله قد توفي ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه ، كما ذهب موسى بن عمران ، فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ، ثم رجع إليهم بعد أن قيل قد مات ، ووالله ليرجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رجع موسى ، فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم زعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات ‏.‏
شأن أبي بكر بعد وفاته صلى الله عليه وسلم
قال ‏:‏ وأقبل أبو بكر ، حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر ، وعمر يكلم الناس ، فلم يلتفت إلى شيء حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مسجى في ناحية البيت ، عليه برد حبرة ، فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال ‏:‏ ثم أقبل عليه فقبله ، ثم قال ‏:‏
بأبي أنت وأمي ، أما الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها ، ثم لن تصيبك بعدها موتة أبداً ، قال ‏:‏ ثم رد البرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج ، وعمر يكلم الناس ، فقال ‏:‏
على رسلك يا عمر ، أنصت ، فأبي إلا أن يتكلم ، فلما رآه أبو بكر لا ينصت أقبل على الناس ، فلما سمع الناس كلامه أقبلوا عليه ، وتركوا عمر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال ‏:‏
أيها الناس ، إنه من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبدالله فإن الله حي لا يموت ، قال ‏:‏ ثم تلا هذه الآية ‏(‏ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشاكرين ‏)‏ قال ‏:‏فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن هذه الآية نزلت حتى تلاها أبو بكر يومئذ ‏.‏
قال وأخذها الناس عن أبي بكر ، فإنما هي في أفواههم ، وقال ‏:‏ فقال أبو هريرة ‏:‏ قال عمر ‏:‏ والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها ، فعقرت حتى وقعت إلى الأرض ما تحملني رجلاي ، وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 04:44 AM

أمر سقيفة بني ساعدة
الاختلاف بين المهاجرين والأنصار
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم انحاز هذا الحي من الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، واعتزل علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله في بيت فاطمة ، وانحاز بقية المهاجرين إلى أبي بكر ، وانحاز معهم أسيد بن حضير ، في بني عبدالأشهل ، فأتي آت إلى أبي بكر وعمر ،فقال ‏:‏
إن هذا الحي من الأنصار مع سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة ، قد انحازوا إليه ، فإن كان لكم بأمر الناس حاجة فأدركوا قبل أن يتفاقم أمرهم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم يفرغ من أمره ، قد أغلق دونه الباب أهله ، قال عمر ‏:‏ فقلت ‏:‏ لأبي بكر انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، حتى ننظر ما هم عليه ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وكان من حديث السقيفة حين اجتمعت بها الأنصار أن عبدالله بن أبي بكر حدثني ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود ، عن عبدالله بن عباس ، قال ‏:‏ أخبرني عبدالرحمن بن عوف ، قال ‏:‏
وكنت في منزله بمنى أنتظره ، وهو عند عمر في أخر حجة حجها عمر ، قال فرجع ‏:‏ عبدالرحمن بن عوف من عند عمر فوجدني في منزله بمنى أنتظره ، وكنت أقرئه القرآن ، قال ابن عباس ‏:‏ فقال لي عبدالرحمن بن عوف ‏:‏
لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين ، فقال ‏:‏ يا أمير المؤمنين هل لك في فلان يقول ‏:‏ والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، والله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة فتمت ‏.‏
قال ‏:‏ فغضب عمر ، فقال ‏:‏ إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس ، فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم ‏.‏
قال عبدالرحمن ‏:‏ فقلت ‏:‏ يا أمير المؤمنين ، لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغائهم ، وإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس ، وإني أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطير بها أولئك عنك كل مطير ، ولا يعوها ولا يضعوها على مواضعها ، فأمهل حتى تقدم المدينة ، فإنها دار السنة ، وتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس ، فتقول ما قلت بالمدينة متمكنا ، فيعي أهل الفقه مقالتك ، ويضعوها على مواضعها ‏.‏
قال ‏:‏ فقال عمر ‏:‏ أما والله إن شاء الله لأقومن بذلك أول مقام أقومه بالمدينة ‏.‏
عمر يذكر البيعة لأبي بكر
قال ابن عباس فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة ، فلما كان يوم الجمعة عجلت الرواح حين زالت الشمس ، فأجد سعيد بن زيد بن عمر بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر ، فجلست حذوه تمس ركبتي ركبته ، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب ، فلما رأيته مقبلاً ، قلت لسعيد بن زيد ‏:‏ ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف ، قال فأنكر علي سعيد بن زيد ذلك ، وقال ‏:‏ ما عسى أن يقول مما لم يقل قبله
، فجلس عمر على المنبر ، فلما سكت المؤذنون ، قام ، فأثنى على الله بما هو أهل له ، ثم قال ‏:‏
أما بعد ‏:‏ فإني قائل لكم اليوم مقالة قد قدر لي أن أقولها ، ولا أدرى لعلها بين يدي أجلي ، فمن عقلها ووعاها فليأخذ بها حيث انتهت به راحلته ، ومن خشي أن لا يعيها فلا يحل لأحد أن يكذب علي ‏.‏
إن الله بعث محمداً ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها وعلمناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان يقول قائل ‏:‏
والله ما نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء ، وإذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف ‏.‏
ثم إنا قد كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله ‏:‏ ‏(‏ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم ‏)‏ ، ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏:‏ لا تطروني كما أطري عيسى ابن مريم ، وقولوا عبدالله ورسوله ‏.‏
ثم إنه قد بلغني أن فلانا قال ‏:‏ والله لو قد مات عمر بن الخطاب لقد بايعت فلانا ، فلا يغرن امرأ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فتمت ، وإنها قد كانت كذلك إلا أن الله قد وقى شرها ، وليس فيكم من تنقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر ، فمن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين فإنه ، لا بيعة له هو ، ولا الذي بايعه تغرة أن يقتلا ‏.‏
إنه كان من خبرنا حين توفي الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن الأنصار خالفونا ، فاجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة ، وتخلف عنا علي بن أبي طالب ، والزبير بن العوام ، ومن معهما ، واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، فقلت لأبي بكر ‏:‏
انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار ، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا منهم رجلان صالحان ، فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم ، وقال ‏:‏ أين تريدون يا معشر المهاجرين ‏؟‏ قلنا ‏:‏ نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار ، قالا ‏:‏ فلا عليكم ألا تقربوهم يا معشر المهاجرين ، اقضوا أمركم ‏.‏
قال ‏:‏ قلت ‏:‏ والله لنأتينهم ، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة ، فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل ، فقلت ‏:‏ من هذا ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ سعد بن عبادة ، فقلت ‏:‏ ما له ‏؟‏ فقالوا ‏:‏ وجع ‏.‏
فلما جلسنا تشهد خطيبهم ، فأثنى على الله بما هو له أهل ، ثم قال ‏:‏ أما بعد ‏:‏ فنحن أنصار الله ، وكتيبة الإسلام ، وأنتم يا معشر المهاجرين ، رهط منا ، وقد دفت دافة من قومكم ، قال ‏:‏ وإذا هم يريدون أن يحتازونا من أصلنا ، ويغصبونا الأمر ‏.‏
فلما سكت أردت أن أتكلم ، وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني ، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر ، وكنت أداري منه بعض الحد ، فقال أبو بكر ‏:‏ على رسلك يا عمر ، فكرهت أن أغضبه ، فتكلم وهو كان أعلم مني ، وأوقر ، فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني من تزويري إلا قالها قي بديهته ، أو مثلها أو أفضل حتى سكت ‏.‏
قال ‏:‏ أما ما ذكرتم فيكم من خير فأنتم له أهل ، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحي من قريش ، هم أوسط العرب نسبا ودارا ، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين ، فبايعوا أيهما شئتم ، وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح ، وهو جالس بيننا ، ولم أكره شيئا مما قاله غيرها ، كان والله أن أقدم فتضرب عنقي ، لا يقربني ذلك إلى أثم ، أحب إلي من أن أتأمر على قوم فيهم أبو بكر ‏.‏
قال قائل من الأنصار ‏:‏ أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب ، منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش ، قال ‏:‏ فكثر اللغط ، وارتفعت الأصوات ، حتى تخوفت الاختلاف ، فقلت ‏:‏ ابسط يدك يا أبا بكر ، فبسط يده فبايعته ، ثم بايعه المهاجرون ، ثم بايعه الأنصار ، ونزونا على سعد بن عبادة ، فقال قائل منهم ‏:‏ قتلتم سعد بن عبادة ، قال ‏:‏ فقلت ‏:‏ قتل الله سعد بن عبادة ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ قال الزهري أخبرني عروة بن الزبير ‏:‏
أن أحد الرجلين اللذين لقوا من الأنصار حين ذهبوا إلى السقيفة عويم بن ساعدة ، والآخر معن بن عدي ، أخو بني العجلان ، فأما عويم بن ساعدة فهو الذي بلغنا أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الذين قال الله عز وجل لهم ‏:‏ ‏(‏ فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ‏)‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ نعم المرء منهم عويم بن ساعدة ، وأما معن بن عدي ، فبلغنا أن الناس بكوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفاه الله عز وجل ، وقالوا ‏:‏ والله لوددنا أن متنا قبله ، إنا نخشى أن نفتتن بعده ، قال معن بن عدي ‏:‏ لكني والله ما أحب أني مت قبله حتى أصدقه ميتا كما صدقته حياً ، فقتل معن يوم اليمامة شهيداً في خلافة أبي بكر ، يوم مسيلمة الكذاب ‏.‏
خطبة عمر بعد البيعة لأبي بكر
قال ابن إسحاق ‏:‏ حدثني الزهري ، قال ‏:‏ حدثني أنس بن مالك قال ‏:‏لما بويع أبو بكر في السقيفة ، وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر ، فقام عمر ، فتكلم قبل أبي بكر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، بما هو أهله ، ثم قال ‏:‏ أيها الناس ، إني كنت قلت لكم أمس مقالة ما كانت مما وجدتها في كتاب الله ، ولا كانت عهداً عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكني قد كنت أرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدبر أمرنا ، يقول ‏:‏ يكون آخرنا وإن الله قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن اعتصمتم به هداكم الله لما كان هداه له ، وإن الله قد جمع أمركم على خيركم ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وثاني اثنين إذ هما في الغار ، فقوموا فبايعوه ، فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة ، بعد بيعة السقيفة ‏.‏
خطبة أبي بكر بعد البيعة
فتكلم أبو بكر ، فحمد الله ، وأثنى عليه بالذي هو أهله ثم قال ‏:‏ أما بعد ‏:‏ أيها الناس ، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم ، فإن أحسنت فأعينوني ، وإن أسأت فقوموني ، الصدق أمانة ، والكذب خيانة ، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله ، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى أخذ الحق منه إن شاء الله ، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء ، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله ، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم ، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني حسين بن عبدالله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال ‏:‏
والله إني لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامد إلى حاجة له ، وفي يده الدرة ، وما معه غيري ، قال ‏:‏ وهو يحدث نفسه ، ويضرب وحشي قدمه بدرته ، قال ‏:‏ إذا التفت إلي ، فقال ‏:‏ يا ابن عباس هل تدري ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏؟‏ قال ‏:‏ قلت ‏:‏ لا أدري ، يا أمير المؤمنين ، أنت أعلم ‏.‏
قال ‏:‏ فإنه والله أن كان الذي حملني على ذلك إلا أني كنت أقرأ هذه الآية ‏(‏ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ‏)‏ فوالله إن كنت لأظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبقى في أمته حتى يشهد عليها بأخر أعمالها ، فإنه للذي حملني على أن قلت ما قلت ‏.‏

ميارى 1 - 9 - 2010 04:46 AM

جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنه
من تولى غسله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما بويع أبو بكر رضى الله عنه أقبل الناس على جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء ، فحدثني عبدالله بن أبي بكر ، وحسين بن عبدالله ، وغيرهما من أصحابنا ، أن علي بن أبي طالب ، والعباس بن عبدالمطلب ، والفضل بن العباس ، وقثم بن العباس ، وأسامة بن زيد ، وشقران ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم الذين ولوا غسله ‏.‏
وإن أوس بن خولي أحد بني عوف بن الخزرج قال لعلي بن أبي طالب ‏:‏ أنشدك الله يا علي ، وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أوس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأهل بدر ، قال ‏:‏ ادخل فدخل ‏.‏
فجلس وحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسنده علي بن أبي طالب إلى صدره ، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه معه ، وكان أسامة بن زيد ، وشقران ، مولاه هما اللذان يصبان الماء عليه ، وعلي يغسله ، قد أسنده إلى صدره ، وعليه قميصه يدلكه به من ورائه ، لا يفضي بيده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
وعلي يقول ‏:‏ بأبي أنت وأمي ، ما أطيبك حياً وميتاً ، ولم ير من رسول الله شيء مما يرى من الميت ‏.‏
كيفية غسله صلى الله عليه وسلم
وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن عائشة قالت ، لما أرادوا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا فيه فقالوا ‏:‏ والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه ، كما نجرد موتانا ، أو نغسله وعليه ثيابه ‏؟‏ قالت ‏:‏ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم ، حتى ما منهم رجل إلا ذقنه في صدره ، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت ، لا يدرون من هو ، أن اغسلوا النبي وعليه ثيابه ، قالت ‏:‏ فقاموا إلى رسول الله ، فغسلوه وعليه قميصه ، يصبون الماء فوق القميص ، ويدلكونه والقميص دون أيديهم ‏.‏
تكفينه صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ فلما فرغ من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كفن في ثلاثة أثواب ، ثوبين صحاريين ، وبرد حبرة ، أدرج فيها إدراجاً ‏.‏ كما حدثني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، والزهري عن ،علي بن الحسين ‏.‏
قبره صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني حسين بن عبدالله ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال ‏:‏ لما أرادوا أن يحفروا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو عبيدة بن الجراح ، يضرح كحفر أهل مكة ، وكان أبو طلحة زيد بن سهل ، هو الذي يحفر لأهل المدينة ، يلحد فدعا العباس رجلين فقال لأحدهما ‏:‏ اذهب إلى أبي عبيدة بن الجراح ، وللأخر اذهب إلى أبي طلحة ، اللهم خر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوجد صاحب أبي طلحة أبا طلحة ، فجاء به فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
الصلاة عليه ودفنه صلى الله عليه وسلم
فلما فرغ من جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الثلاثاء ، وضع في سريره في بيته ، وقد كان المسلمون اختلفوا في دفنه ، فقال قائل ‏:‏ ندفنه في مسجده ، وقال قائل ‏:‏ بل ندفنه مع أصحابه ، فقال أبو بكر ‏:‏ إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ‏:‏ ما قبض نبي إلا دفن حيث يقبض ، فرفع فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي عليه ، فحفر له تحته ، ثم دخل الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون عليه أرسالاً ، دخل الرجال حتى إذا فرغوا أدخل النساء ، حتى فرغ النساء أدخل الصبيان ، ولم يؤم الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ‏.‏
ثم دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وسط الليل ليلة الأربعاء ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن امرأته فاطمة بنت عمارة ، عن عمرة بنت عبدالرحمن بن سعد بن زرارة ، عن عائشة رضى الله عنها ، قالت ‏:‏
ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي ، من جوف الليل من ليلة الأربعاء ‏.‏
قال محمد بن إسحاق ‏:‏ وقد حدثتني فاطمة هذا الحديث ‏.‏
من تولى دفنه صلى الله عليه وسلم
قال محمد بن إسحاق ‏:‏ وكان الذين نزلوا في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، علي بن أبي طالب ، والفضل بن عباس ، وقثم بن عباس ، وشقران ، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
وقد قال أوس بن خولي لعلي بن أبي طالب ‏:‏ يا علي أنشدك الله ، وحظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له ‏:‏ انزل ، فنزل مع القوم ، وقد كان مولاه شقران حين وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حفرته ، وبنى عليه ، قد أخذ قطيفة ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويفترشها ، فدفنها في القبر ، وقال ‏:‏ والله لا يلبسها أحد بعدك أبداً ‏.‏
قال ‏:‏ فدفنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏.‏
أحدث الناس عهدا به صلى الله عليه وسلم
وقد كان المغيرة بن شعبة يدعى أنه أحدث الناس عهدا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول ‏:‏ أخذت خاتمي فألقيته في القبر ، وقلت ‏:‏ إن خاتمي سقط مني ، وإنما طرحته عمداً لأمس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكون أحدث الناس عهداً به صلى الله عليه وسلم ‏.‏
قال ابن إسحاق ‏:‏ فحدثني أبي إسحاق بن يسار ، عن مقسم أبي القاسم مولى عبدالله بن الحارث نوفل ، عن مولاه عبدالله بن الحارث ، قال ‏:‏ اعتمرت مع علي بن أبي طالب رضوان الله عليه في زمان عمر ، أو زمان عثمان ، فنزل على أخته أم هانىء بنت أبي طالب ، فلما فرغ من عمرته ، رجع فسكب له غسل ، فاغتسل ، فلما فرغ من غسله ، دخل عليه نفر من أهل العراق ، فقالوا ‏:‏
يا أبا الحسن جئنا نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه ، قال ‏:‏ أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم ، أنه كان أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا ‏:‏ أجل عن ذلك جئنا نسألك ، قال ‏:‏ كذب قال ‏:‏ أحدث الناس عهداً برسول الله صلى الله عليه وسلم قثم بن عباس ‏.‏
التحذير من اتخاذ القبور مساجد
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني صالح بن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة أن عائشة حدثته ، قالت ‏:‏
كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة سوداء حين اشتد به وجعه ، قالت ‏:‏ فهو يضعها مرة على وجهه ، ومرة يكشفها عنه ، ويقول ‏:‏ قاتل الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر من ذلك على أمته ‏.‏
آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال ابن إسحاق ‏:‏ وحدثني صالح ابن كيسان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة ، عن عائشة قالت ‏:‏
كان أخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال ‏:‏ لا يترك بجزيرة العرب دينان ‏.‏
افتتان المسلمين بعد موته
قال ابن إسحاق ‏:‏ ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عظمت به مصيبة المسلمين ، فكانت عائشة - فيما بلغني - تقول ‏:‏ لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ارتد العرب ، واشرأبت اليهودية والنصرانية ، ونجم النفاق ، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية ، لفقد نبيهم صلى الله عليه وسلم ، حتى جمعهم الله على أبي بكر ‏.‏
قال ابن هشام ‏:‏حدثني أبو عبيدة ، وغيره من أهل العلم ، أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ هموا بالرجوع عن الإسلام ، وأرادوا ذلك حتى خافهم عتاب بن أسيد فتوارى ، فقام سهيل بن عمرو فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ‏:‏ إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة ، فمن رابنا ضربنا عنقه ، فتراجع الناس ، وكفوا عما هموا به ، وظهر عتاب بن أسيد ‏.‏
فهذا المقام الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله لعمر بن الخطاب ، إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمه ‏.‏
شعر حسان بن ثابت في رثاء الرسول
وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما حدثنا ابن هشام ، عن أبي زيد الأنصاري ‏:‏
بطيبة رسم للرسول ومعهد * منير وقد تعفو الرسوم وتهمد
ولا تمتحى الآيات من دار حرمة * بها منبر الهادي الذي كان يصعد
وواضح آثار وباقي معالم * وربع له فيه مصلى ومسجد
بها حجرات كان ينزل وسطها * من الله نور يستضاء ويوقد
معارف لم تطمس على العهد آيها * أتاها البلى فالآي منها تجدد
عرفت بها رسم الرسول وعهده * و قبرا بها واراه في الترب ملحد
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت * عيون ومثلاها من الجفن تسعد
يذكرن آلاء الرسول وما أرى * لها محصيا نفسي فنفسي تبلد
مفجعة قد شفها فقد أحمد * فظلت لآلاء الرسول تعدد
وما بلغت من كل أمر عشيره * ولكن لنفسي بعد ما قد توجد
أطالت وقوفا تذرف العين جهدها * على طلل القبر الذي فيه أحمد
فبوركت يا قبر الرسول وبوركت * بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد
وبورك لحد منك ضمن طيبا * عليه بناء من صفيح منضد
تهيل عليه الترب أيد وأعين * عليه وقد غارت بذلك أسعد
لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة * عشية علوه الثرى لا يوسد
وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم * وقد وهنت منهم ظهور وأعضد
يبكون من تبكي السماوات يومه * ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
وهل عدلت يوما رزية هالك * رزية يوم مات فيه محمد
تقطع فيه منزل الوحي عنهم * وقد كان ذا نور يغور وينجد
يدل على الرحمن من يقتدي به * وينقذ من هول الخزايا ويرشد
إمام لهم يهديهم الحق جاهدا * معلم صدق إن يطيعوه يسعدوا
عفوا عن الزلات يقبل عذرهم * وإن يحسنوا فالله بالخير أجود
وإن ناب أمر لم يقوموا بحمله * فمن عنده تيسير ما يتشدد
فبينا هم في نعمة الله بينهم * دليل به نهج الطريقة يقصد
عزيز عليه أن يجوروا عن الهدى * حريص على أن يستقيموا ويهتدوا
عطوف عليهم لا يثني جناحه * إلى كنف يحنو عليهم ويمهد
فبينا هم في ذلك النور إذ غدا * إلى نورهم سهم من الموت مقصد
فأصبح محمودا إلى الله راجعا * يبكيه حتى المرسلات ويحمد
وأمست بلاد الحرم وحشا بقاعها * لغيبة ما كانت من الوحي تعهد
قفارا سوى معمورة اللحد ضافها * فقيد يبكينه بلاط وغرقد
ومسجده فالموحشات لفقده * خلاء له فيه مقام ومقعد
وبالجمرة الكبرى له ثم أوحشت * ديار وعرصات وربع ومولد
فبكى رسول الله يا عين عبرة * ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد
وما لك لا تبكين ذا النعمة التي * على الناس منها سابغ يتغمد
فجودي عليه بالدموع وأعولي * لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد
وما فقد الماضون مثل محمد * و لا مثله حتى القيامة يفقد
أعف وأوفى ذمة بعد ذمة * و أقرب منه نائلا لا ينكد
وأبذل منه للطريف وتالد * إذ ضن معطاء بما كان يتلد
وأكرم صيتا في البيوت إذا انتمى * وأكرم جدا أبطحيا يسود
وأمنع ذروات وأثبت في العلا * دعائم عز شاهقات تشيد
وأثبت فرعا في الفروع ومنبتا * وعودا غذاه المزن فالعود أغيد
رباه وليدا فاستتم تمامه * على أكرم الخيرات رب ممجد
تناهت وصاة المسلمين بكفه * فلا العلم محبوس ولا الرأي يفند
أقول ولا يلقى لقولي عائب * من الناس إلا عازب العقل مبعد
وليس هواي نازعا عن ثنائه * لعلي به في جنة الخلد أخلد
مع المصطفى أرجو بذاك جواره * وفي نيل ذاك اليوم أسعى وأجهد
وقال حسان بن ثابت أيضا يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
ما بال عينك لا تنام كأنما * كحلت ما فيها بكحل الأرمد
جزعا على المهدي أصبح ثاويا * يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
وجهي يقيك الترب لهفي ليتني * غيبت قبلك في بقيع الغرقد
بأبي وأمي من شهدت وفاته * في يوم الاثنين النبي المهتدي
فظللت بعد وفاته متبلدا * متلددا يا ليتني لم أولد
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم * يا ليني صبحت سم الأسود
أو حل أمر الله فينا عاجلا * في روحة من يومنا أو من غد
فتقوم ساعتنا فنلقي طيبا * محضا ضرائبه كريم المحتد
يا بكر آمنة المبارك بكرها * ولدته محصنة بسعد الأسعد
نورا أضاء على البرية كلها * من يهد للنور المبارك يهتدي
يا رب فاجمعنا معا ونبينا * في جنة تثني عيون الحسد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا * يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد
والله اسمع ما بقيت بهالك * إلا بكيت على النبي محمد
يا ويح أنصر النبي ورهطه * بعد المغيب في سواء الملحد
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا * سودا وجوههم كلون الإثمد
ولقد ولدناه وفينا قبره * وفضول نعمته بنا لم نجحد
والله أكرمنا به وهدى به * أنصاره في كل ساعة مشهد
صلى الإله ومن يحف بعرشه * والطيبون على المبارك أحمد
قال ابن إسحاق ‏:‏ وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏
نب المساكين أن الخبر فارقهم * مع النبي تولي عنهم سحرا
من ذا الذي عنده رحلي وراحلتي * ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا
أم من نعاتب لا نخشى جنادعه * إذ اللسان عتا في القول أو عثرا
كان الضياء وكان النور نتبعه * بعد الإله وكان السمع والبصرا
فليتنا يوم واروه بملحده * وغيبوه وألقوا فوقه المدرا
لم يترك الله منا بعده أحدا * ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا
ذلت رقاب بني النجار كلهم * وكان أمرا من أمر الله قد قدرا
واقتسم الفيء دون الناس كلهم * وبددوه جهارا بينهم هدرا
وقال حسان بن ثابت يبكي رسول الله صلى الله عليه سلم أيضا ‏:‏
آليت ما في جميع الناس مجتهدا * مني إليه بر غير إفناد
تالله ما حملت أنثى ولا وضعت * مثل الرسول نبي الأمة الهادي
ولا برا الله خلقا من بريته * أوفى بذمة جار أو بميعاد
من الذي كان فينا يستضاء به * مبارك الأمر ذا عدل وإرشاد
أمسى نساؤك عطلن البيوت فما * يضربن فوق قفا ستر بأوتاد
مثل الرواهب يلبسن المباذل قد * أيقن بالبؤس بعد النعمة البادي
يا أفضل الناس إني كنت في نهر * أصبحت منه كمثل المفرد الصادي
قال ابن هشام ‏:‏عجز البيت الأول عن غير ابن إسحاق ‏.‏
خاتمة
تم بعون الله وحسن توفيقه ، الجزء السادس من السيرة النبوية لابن هشام أبي محمد عبدالملك بن هشام أبي محمد عبدالملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري البصري المتوفي عام 213 الموافق لعام 828 م وبتمامه يتم الكتاب ‏.‏
وكان الفراغ من تحقيقها ومراجعتها وكتابة فهارسها صباح يوم الجمعة 29 جمادى الآخرة عام 1410 ه الموافق 26 يناير 1990 م وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين‏.‏
الخاتمة
نرجو من الله حسنها ‏.‏‏.‏
يقول العبد الفقير إلى رحمة ربه القدير ، الذي حرم من نعيمه أهل البعد ، المتكرم بإدخال أهل طاعته الجنة ، فهم أهل السعد ، الخائف وعيد ربه ، الراجي منه الوعد ‏.‏ أبو محمد طه بن عبدالرؤوف سعد ، وأنا معترف بتقصيري وعيوبي وقلة حيلتي وكثرة ذنوبي ، طالبا إلى الله علام الغيوب أن يتوب علي ويغفر ذنوبي ‏.‏
الحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ‏.‏
والصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله ، صلى الله عليك وعلى آلك وأصحابك والتابعين وتابعيهم بإحسان ، ومن نهج نهجك وسار على سبيلك ، واتبع سنتك إلى يوم لا ينفع مال ولا بنون ، إلا من أتى الله بقلب سليم ‏.‏
فمهما يقول المؤرخون ، ومهما يصف الواصفون ، فأنت أعز وأكرم ، لأنهم لا يستطيعون أن يحلوك مكانا رفعك الله إليه ‏.‏
يقول تعالى ‏(‏ وإنك لعلى خلق عظيم ‏)‏ فلتكف الأقلام ولتصمت الألسنة ، فلن توفيك الأقلام حقك ، ولا تستطيع الألسنة أن تقدرك حق قدرك ‏ ‏(‏ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش ‏)
نهاية الكتاب
انتهى الكتاب بحمد الله تعالى

أبو جمال 3 - 9 - 2010 06:58 AM

الأخت الفاضله ميارى
الموضوع شيق جدا عن السيرة النبوية وقد قرأت الصفحة الاولى ولي عوده لكي اتم قراءة ماتبقى في الصفحات التاليه
لا يسعني الا ان ادعو الله ان يبارك بك وثيبك على هذا العطاء بإذنه تعالى
جزاك الله خيرا بكل حرف

أرب جمـال 3 - 9 - 2010 10:25 PM

غاليتي ميارى

لا أدري من أين أبدأ ومن أين انتهي في بوح اعجابي بك وبكل مواضيعك التي تثري بها المنتدى
كا ما اقدر ان اقوله لك: جزاك الله عنا الخير واثابك احسن الثواب وجعل لك من مل ضيق فرجا ووفق لما فيه الخير والمنفعة والصلاح
شكرا لا تكفيك غاليتي
ابقاك الله لنا ذخرا وسندا

أرب

أبو جمال 3 - 10 - 2010 05:42 PM

اختي ميارى
وعدتك في ردي بالعودة وها انا عدت لأكمل ما بدأت واشكرك على هذا المرجع الرائع عن السيرة النبوية العطره
بارك الله فيك واثابك ونفع بك


الساعة الآن 08:02 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى