منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 7 - 8 - 2010 03:07 PM

إجلاء القارغلية من وراء النهر
لما ملك ما وراء النهر سمرقند وبخارى جقري خان بن حسين تكين من بيت الخانية وأمره ستة تسع وخمسين طفيلاء الترك القارغلية من أعمال بخارى وسمرقند إلى كاشغر وإلزامهم الفلاحة ومجانبة حمل السلاح فامتنعوا من ذلك‏.‏وألح عليهم جقري خان فامتنعوا واجتمعوا لحربه‏.‏وسار إلى بخارى فبعث إليهم بالوعظ في ذلك والوعد الجميل بخلال ما جمع بقراخان وكبسهم على بخارى فانهزموا وأثخن فيهم وقطع دابرهم وأجلاهم عن نواحي سمرقند وصلحت تلك النواحي والله أعلم‏.‏

دولة الغورية الخبر
عن دولة الغورية القائمين بالدولة العباسية بعد بني سبكتكين وما كان لهم من السلطان والدولة وابتداء أمرهم ومصائر أحوالهم كان بنو الحسين أيام سبكتكين ملوكاً على بلاد الغور لبني سبكتكين وكانت لهم شدة وشوكة‏.‏وكان منهم لآخر دولة بني سبكتكين أربعة أمراء قد اشتهروا واستفحل ملكهم‏:‏ وهم محمد وشورى والحسين شاه وسام بنو الحسين ولا أدري إلى من ينسب الحسين وأظنهم إلى بهرام شاه آخر ملوك بني سبكتكين والتحم به فعظم شأنه‏.‏ثم كانت الفتنة بين بهرام وأخيه أرسلان فمال محمد إلى أرسلان وارتاب به بهرام لذلك‏.‏ثم انقضى أمر أرسلان وسار محمد بن الحسين في جموعه إلى غزنة سنة ثلاث وأربعين موريًا بالزبارة وهو يريد الغدر به وشعر بذلك بهرام فحبسه ثم قتله واستوحش الغورية لذلك‏.‏مقتل محمد بن الحسين الغوري وولاية أخيه الحسين شاه ثم أخيه شوري ولما قتل محمد ولي من بعده أخوه شاه بن الحسين ثم كانت الوقعة‏.‏وملك بعده أخوه شورى بن الحسين وأجمع الأخذ بثأر أخيه من بهرام شاه فجمع له وسار إلى غزنة سنة ثلاث وأربعين فملكها‏.‏وفارقها بهرام شاه إلى بلاد الهند فجمع عسكره التي هناك ورجع إلى غزنة وعلى مقدمته السلار بن الحسين وأمير هندوخان إبراهيم العلوي‏.‏وسار شورى للقائه فانفض عنه عسكر غزنة إلى بهرام شاه فانهزم وأسره بهرام ودخل غزنة في محرم سنة أربع وأربعين وصلب شورى على باب غزنة واستقر في ملكه‏.‏

مقتل شوري بن الحسين وولايه أخيه علاء الدين بن الحسين
واستيلاؤه علي غزنة وانتزاعها منه لما هلك شورى بن الحسين ملك الغور من بعده أخوه الحسين ويلقب علاء الدولة‏.‏واستولي على جبال الغور ومدينه بيروزكوه المجاورة لأعمال غزنة من بلاد الهند وهي تقارب في اتساعها بلاد خراسان فاستفحل ملكه وطمع في ملك خراسان‏.‏وسار إلى هراة باستدعاء أهلها فحاصرها ثلاثاً ثم ملكها بالأمان وخطب فيها للسلطان سنجر وسار إلى بلخ وبها الأمير قماج من قبل السلطان سنجر فغدر به أصحابه فملك علاء الدولة بلخ وسار إلى السلطان سنجر وقاتله وظفر به فأسره‏.‏ثم خلع عليه ورده إلى بيروزكوه‏.‏ثم سار علاء الدين يريد غزنة سنة سبع وأربعين ففارقها صاحبها بهرام شاه وملكها علاء الدولة وأحسن السيرة واستخلف عليهم أخاه سيف الدولة وعاد إلى بلاد الغور فلما جاء فصل الشتاء وسد الثلج المسالك كتب أهل غزنة إلى بهرام شاه واستدعوه فلما وصل وثبوا بسيف الدولة وصلبوه وبايعوا لبهرام شاه وملكوه عليهم كما كان‏.‏لما استفحل أمر علاء الدولة واستفحل ملكه استعمل على البلاد العمال وكان فيمن ولاه بلاد الغور ابنا أخيه سالم بن الحسين وهما غياث الدين وشهاب الدين فأحسنا السيرة في عملهما ومال إليهما الناس وكثرت السعاية فيهما عند عمهما بأنهما يريدان الوثوب فبعث عنهما فامتنعا فجهز إليهما العساكر فهزماها وأظهرا عصيانه وقطعا خطبته فسار إليهما فقاتلاه قتالاً شديداً حتى انهزم فاستأمن إليهما فأجلساه على التخت وقاما بخدمته‏.‏وزوج غياث الدين أحدهما بنتاً له وبقي مستبداً على عمه علاء الدولة ثم عهد إليه بالأمر من بعده ومات‏.‏

وفاة علاء الدولة وولاية غياث الدين ابن أخيه من بعده
وتغلب الغز على غزنة ثم توفي علاء الدولة ملك الغورية سنة ست وخمسين وقام بالأمر من بعده يروزكوه غياث الدين أبو الفتح ابن أخيه سالم وطمع الغز بموته في ملك غزنة فملكوها من يده وبقي غياث الدين في كرسيه ببيروزكوه وأعمالها وابنه سيف الدين محمد في بلاد الغور‏.‏ثم أساء السيرة الغز في غزنة بعد مقامهم فيها خمس عشرة سنة واستفحل أمر غياث الدين فسار إلى غزنة سنة إحدى وسبعين في عساكر الغورية‏.‏والخلج والخراسانية ولقي الغز فهزمهم وملك غزنة من أيديهم‏.‏وسار إلى كرمان وشنوران فملكهما وكرمان هذه بين غزنة والهند وليست كرمان المعروفة ثم سار غياث الدين إلى لهاور ليملكها من يد خسروشاه بن بهرام فبادر خسروشاه إلى نهر المد ومنعه العبور منه فرجع وملك ما يليه من جبال الهند وأعمال الأثغار وولي غزنة أخاه شهاب الدين ورجع إلى بيروزكوه‏.‏

استيلاء شهاب الدين الغوري على لهاور ومقتل خسروشاه صاحبها
ولما ولي شهاب الدين الغوري غزنة أحسن السيرة فيهم وافتتح جبال الهند مما يليه فاستفحل ملكه وتطاول إلى ملك لهاور قاعدة الهند من يد خسروشاه فسار سنة تسع وسبعين في عساكر خراسان والغور وعبر إليها وحاصرها وبذل الأمان لخسروشاه وأنكحه ابنته وسوغه ما يريد من الإقطاع على أن يخرج إليه ويخطب لأخيه فأبى من ذلك وبقي شهاب الدين يحاصره حتى ضاق مخنقه بالحصار‏.‏وخذله أهل البلد فبعث بالقاضي والخطيب يستأمنان له فأمنه ودخل شهاب الدين البلد وبقي خسروشاه عنده مكرماً‏.‏وبعد شهرين وصل الأمر من غياث بإنقاذ خسروشاه إليه فارتاب من ذلك فأمنه شهاب الدين وحلف له وبعث به وبأهله وولده مع جيش يحفظونهم فلما وصلوا بلاد الغور حبسهم غياث الدين ببعض قلاعه فكان آخر العهد به وبابنه‏.‏

استيلاء غياث الدين على هراة وغيرها من خراسان
ولما إستقر ملك غياث الدين بلهاور كتب إلى أخيه شهاب الدين الذي تولي فتحها أن يقيم الخطبة له ويلقبه بألقاب السلطان فلقبه غياث الدنيا والدين معين الإسلام والمسلمين قسيم أمير المؤمنين‏.‏ولقب أخاه شهاب الدين بعز الدين‏.‏ثم لما فرغ شهاب الدين من أمور لهاور وصار إلى أخيه غياث الدين ببيروزكوه واتفق رأيهما على المسير إلى هراة من خراسان سار في العساكر فحاصرها وبها عسكر السلطان سنجر وأمراؤه فاستأمنوا إليها وملكا هراة‏.‏وسار إلى بوشنج فملكها ثم إلى باذغيس كذلك‏.‏وولي غياث الدين على ذلك وعاد إلى بيروزكوه وشهاب الدين إلى غزنة ظافرين غانمين‏.‏

فتح أجرة على يد شهاب الدين
لما عاد شهاب الدين إلى غزنة راح بها أياماً حتى استراحت عساكره‏.‏ثم سار غازياً إلى بلاد الهند سنة سبع وأربعين وحاصر مدينة أجرة وبها ملك من ملوكهم فلم يظفر منه بطائل فراسل امرأة الملك في أنه يتزوجها إذا ملك البلد فأجابت بالعذر ورغبت في ابنتها فأجاب فقتلت زوجها بالسم وملكته البلد فأخذ الصبية وأسلمت وحملها إلى غزنة ووسع عليها الجراية ووكل بها من يعلمها القرآن حتى توفت والدتها وتوفت هي من بعدها لعشر سنين‏.‏ولما ملك البلد سار في نواحي الهند فدوخها وفتح الكثير منها وبلغ منها ما لم يبلغه حروب شهاب الدين مع الهنود وفتح دلهي وولاية قطب الدين آيبك عليها ولما اشتدت نكاية شهاب الدين في بلاد الهند تراسل ملوكهم وتلاوموا بينهم وتظاهروا على المسلمين وحشدوا عساكرهم من كل جهة وجاؤوا بقضهم وقضيضهم في حكم امرأة ملكت عليهم وسار هو في عساكره من الغورية والخلج والخلنجية والخراسانية وغيرهم والتقوا فمحض الله المسلمين وأئخن فيهم الكفرة بالقتل‏.‏وضرب شهاب الدين في يده اليسرى فشلت وعلى رأسه فسقط عن فرسه وحجز بينهم الليل وحمله جماعة من غلمانه إلى منجاته ببلده‏.‏وسمع الناس بنجاته فتباشروا ووفدوا عليه من كل جهة وبعث إليه أخوه غياث الدين بالعساكر وعذله في عجلته‏.‏ثم ثارت الملكة ثانياً إلى بلاد شهاب الدين بالعساكر وبعثت إلى شهاب الدين بالخروج عن أرض الهند إلى غزنة فأجاب إلى ذلك بعد أن يستأذن أخاه غياث الدين وينظر جوابه‏.‏وأقاموا على ذلك وقد حفظ الهنود مخاضات النهر بينهم وهو يحاول العبور فلا يجد وبينما هو كذلك جاء بعض الهنود فدله على مخاضة فاستراب به حتى عرفه قوم من أهل أجرة والملتان‏.‏وبعث الأمير الحسن بن حرميد الغوري في عسكره كثيف وعبر تلك المخاضة ووضع السيف في الهنود فأجفل الموكلون بالمخاضات‏.‏وعبر شهاب الدين وباقي العساكر وأحاطوا بالهنود ونادوا بشعار الإسلام فلم ينج منهم إلا الأقل وقتلت ملكتهم وأسروا منهم أمماً‏.‏وتمكن شهاب الدين بعدها من بلاد الهند وحملوا له الأموال وضربت عليهم الجزية فصالحوه وأعطوه الرهن عليها‏.‏وأقطع قطب الدين آيبك مدينة دلهي وهي كرسي الممالك التي فثحها وأرسل عسكراً من الخلج مختارين ففتحوا من بلاد الهند ما لم يفتحه أحد حتى قاربوا حدود الصين من جهه الشرق وذلك كله سنة ثمان وأربعين وخمسمائة‏.‏

مقتل ملك الغور محمد بن علاء الدين
قد تقدم لنا أن محمد بن علاء الدين ملك الغور بعد أبيه وأقام مملكاً عليها‏.‏ثم سار سنه ثمان وخمسين بعد أن احتفل في الإحتشاد وجمع العساكر وقصد بلخ وهي يومئذ للغز فزحفوا إليه‏.‏وجاءهم بعض العيون بأنه خرج من معسكره لبعض الوجوه في خف من الجند فركبوا لإعتراضه ولقوه فقتلوه في نفر من أصحابه وأسروا منهم آخرين ونجا الباقون إلى المعسكر فارتحلوا هاربين إلى بلادهم وتركوا معسكرهم بما فيه فغنمه الغز وانقلبوا إلى بلخ ومروا ظافرين غانمين‏.‏

الفتنة بين الغورية وبين خوارزم شاه على ما ملكوه من بلاد خراسان
رجعا إلى خراسان سنة سبع وأربعين فملكا هراة وبوشنج وباذغيس وغيرها وذلك عند انهزام سنجر أمام الغز وافترق ملكه بين أمرائه ومواليه فصاروا طوائف وأظهرهم خوارزم شاه بن أنس بن محمد بن أنوشر تكين صاحب خوارزم‏.‏فلما كان سنة خمس وسبعين قام بأمره ابنه سلطان شاه ونازعه أخوه علاء الدين تكش فغلبه على خوارزم‏.‏وخرج سلطان شاه إلى مرو فملكها من يد الغز‏.‏ثم أخرجوه منها فاستجاش بالخطا وأخرجهم من مرو وسرخس ونسا وأبيورد وملكها جميعاً وصرف الخطا إلى بلادهم‏.‏وكتب إلى غياث الدين أن ينزل له عن هراة وبوشنج وباذغيس وما ملكه من خراسان وهدده على ذلك فراجعه بإقامة الخطبة له بمرو وسرخس وما ملكه من خراسان فامتعض لذلك سلطان شاه وسار إلى بوشنج فحاصرها وعاث في نواحيها‏.‏وجهز غياث الدين عساكره مع صاحب سجستان وابن أخته بهاء الدين سام بن باميان لغيبة أخيه شهاب الدين في الهند فساروا إلى خراسان وكان سلطان شاه يحاصر هراة فخام عن لقائهم ورجع إلى مرو وعاث في البلاد في طريقه وأعاد الكتاب إلى غياث الدين بالتهديد فاستقدم أخاه شهاب الدين من الهند فرجع مسرعاً وساروا إلى خراسان‏.‏وجمع سلطان شاه جموعاً ونزل الطالقان وترددت الرسل بين سلطان شاه وغياث الدين حتى جنح إلى الصلح وجاء رسول سلطان شاه لإتمام العقد فقام شهاب الدين العلوي وقال‏:‏ لا يكون هذا أبداً ولا تصالحوه‏.‏وقام شهاب الدين ونادى في معسكره بالحرب والتقدم إلى مرو الروذ‏.‏وتواقع الفريقان فانهزم سلطان شاه ودخل إلى مرو في عشرين فارساً‏.‏وبلغ الخبر إلى أخيه فسار لتعرضه عن جيحون‏.‏وسمع سلطان شاه بتعرض أخيه له فرجع عن جيحون وقصد غياث الدين فأكرمه وأكرم أصحابه وكتب أخوه علاء الدين في رده إليه وكتب إلى نائب هراة يتهدده فامتعض غياث الدين لذلك وكتب إلى خوارزم شاه بأنه مجير وشفيع له ويطلب بلاده وميراثه من أبيه ويضمن له الصلح مع أخيه سلطان شاه‏.‏وطلب منه مع ذلك أن يخطب له بخوارزم ويزوج أخته من شهاب الدين فامتعض علاء الدين لذلك وكتب بالتهديد فسرح غياث الدين جميع عساكره مع سلطان شاه إلى خوارزم شاه وكتب إلى المؤيد أبيه صاحب نيسابور يستنجده فجمع عساكره وقام في إنتظارهم‏.‏وسمع بذلك علاء الدين تكش وهو زاحف للقاء أخيه سلطان شاه وعساكر الغورية فخشي أن يخالفوه إلى خوارزم وكر إليها راجعاً‏.‏واحتمل أمواله وعبر إلى الخطا وقدم فقهاء خوارزم في الصلح والصهر ووعظه الفقهاء وشكوا إليه بأن علاء الدين ستجيش بالخطا فإما أن تتخذ مرو كرسياً لك فتمنعنا منهم أو تصالحه فأجاب الصلح وترك معاوضة البلاد ورجع إلى كرسيه‏.‏غزوة شهاب الدين إلى الهند وهزيمة المسلمين بعد الفتح ثم غزوته الثانية وهزيمة الهنود وقتل ملكهم وفتح أجمير كان شهاب الدين قد سار سنة ثلاث وثمانين إلى الهند وقصد بلاد أجمير وتعرف بولاية السواك واسم ملكهم كوكه فملك عليهم مدينة تبرنده ومدينة أسرستي وكوه رام فامتعض الملك وسار للقاء المسلمين ومعه أربعة عشر فيلاً ولقيهم شهاب الدين في عساكر المسلمين فانهزمت ميمنته وميسرته وحمل على الفيلة فطعن منها واحداً ورمي بحربة في ساعده فسقط عن فرسه‏.‏وقاتل أصحابه عليه فخلصوه وانهزموا ووقف الهنود بمكانهم‏.‏ولما أبعد شهاب الدين عن المعركة نزف من جرحه الدم فأصابه الغشي وحمله القوم على أكتافهم في محفة اتخذوها من اللبود ووصلوا به إلى لهاور‏.‏ثم سار منها إلى غزنة فأقام إلى سنة ثمان وثمانين وخرج من غزنة غازياً لطلب الثأر من ملك الهند ووصل إلى برساور‏.‏وكان وجوه عسكره في سخطة منه منذ انهزموا عنه في النوبة الأولى فحضروا عنده واعتذروا ووعدوا من أنفسهم الثبات وتضرعوا في الصفح فقبل منهم وصفح عنهم وسار حتى انتهى إلى موضع المصاف الأول وتجاوزه بأربع مراحل وفتح في طريقه بلاداً‏.‏وجمع ملك الهند وسار للقائه فكر راجعاً إلى أن قارب بلاد الإسلام بثلاث مراحل ولحقه الهنود قريباً من بربر فبعث شهاب الدين سبعين ألفاً من عسكره ليأتوا العدو من ورائهم وواعدهم هو الصباح وأسرى هو ليله فصابحهم فذهلوا وركب الملك فرسه للهروب فتمسك به أصحابه فركب الفيل واستماتت قومه عنده وكثر فيهم القتل وخلص إليه المسلمون فأخذوه أسيراً وأحضروه عند شهاب الدين فوقف بين يديه وجذبوا بلحيته حتى قبل الأرض‏.‏ثم أمر به فقتل ولم ينج من الهنود إلا الأقل‏.‏وغنم المسلمون جميع ما معهم وكان في جملة الغنائم الفيول‏.‏ثم سار شهاب الدين إلى حصنهم الأعظم وهو أجمير ففتحه عنوة وملك جميع البلاد التي تقاربه وأقطعها كلها لمملوكه آيبك نائبه في دلهي وعاد إلى غزنة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:08 PM

غزوة بناوس ومقتل ملك الهند
ثم فتح بهنكر كان شهاب الدين ملك غزنة قد أمر مملوكه قطب الدين آيبك خليفته على دلهي أن يغزو بلاد الهند من ناحيته فسار فيها ودوخها وعاث في نواحيها‏.‏وسمع ملك بناوس وهو أكبر ملوك الهند وولايته من تخوم الصين إلى بلاد ملاوا طولاً ومن البحر الأخضر إلى عشرة أيام من لهاور عرضاً‏.‏وتلك البلاد من أيام السلطان محمود مقيمون على إسلامهم فاستنفر معه مسلمون كانوا في تلك البلاد فسار إلى شهاب الدين سنة تسعين والتي على ماحون نهر كبير يقارب دجلة فاقتتلوا ونزل الصبر‏.‏ثم نصر الله المسلمين واستلحهم الهنود وقتل ملكهم وكثر السبي في جواريهم والأسرى من أبنائهم وغنموا منهم تسعين فيلاً‏.‏وهرب بقية الفيول وقتل بعضها‏.‏ودخل شهاب الدين بلاد بناوس وحط من خزائنها ألفاً وأربعمائة حمل وعاد إلى غزنة ثم سار سنة إثنتين وتسعين إلى بلاد الهند وحاصر قلعة بهنكر حتى تسلمها على الأمان ورتب فيها الحامية‏.‏وسار إلى قله كواكير وبينهما خمس مراحل يعترضها نهر كبير فحاصرها شهراً حتى صالحوه على مال يحملونه فحملوا إليه حمل فيل من الذهب فرحل عنهم إلى بلاد أبي رسود فأغار ونهب وسبي وأسر وعاد إلى غزنة ظافراً‏.‏

استيلاء الغورية على بلخ وفتنتهم مع الخطا بخراسان
كان الخطا قد غلبوا على مدينة بلخ وكان صاحبها تركياً اسمه أزبة يحمل إليهم الخراج كل سنة وراء النهر‏.‏فتوفي أزبة سنة أربع وتسعين‏.‏وكان بهاء الدين سام بن محمد بن مسعود صاحب باميان من قبل خاله غياث الدين فسار إلى بلخ وقطع الحمل للخطا وخطب لغياث الدين‏.‏وصارت من جملة بلاد الإسلام بعد أن كانت في طاعة الكفار فامتعض الخطا لذلك واعتزموا على فتنة الغورية‏.‏واتفق أن علاء الدين تكش صاحب خوارزم بعث إليهم يغريهم ببلاد غياث الدين‏.‏وكان سبب ذلك أنه ملك الري وهمذان وأصفهان وما بينهما وتعرض لعساكر الخليفة وطلب الخطبة والسلطنه ببغداد مكان ملوك السلجوقية فبعث الخليفة يشكوه إلى غياث الدين يقبح فعله وينهاه عن قصد العراق ويتهدده بسلطان شاه وأخذ بلاده فأنف من ذلك وبعث إلى الخطا يغريهم ببلاده فجهز ملك الخطا جيشاً كثيفاً مع مقدم عساكره وعبروا النهر إلى بلاد الغور‏.‏وسار علاء الدين تكش إلى طوس لحصارها لأن غياث الدين عاجز عن الحركه بعلة النقرس فعاثوا في بلاده ما شاء الله وحاصر الخطا بهاء الدين فاشتدت الحرب وثبت المسلمون‏.‏وجاء المدد من عند غياث الدين ثم حملوا جميعاً على الخطا هزموهم إلى جيحون وألقي الكثير منهم أنفسهم في الماء فهلك منهم نحو إثني عشر ألفاً وعظم الأمر على ملك الخطا وبعث إلى علاء الدين تكش صاحب خوارزم يطوقه الذنب ويطالبه بدية القتلى من أصحابه‏.‏وألزمه الحضور عنده فبعث علاء الدين تكش يشكو ذلك إلى غياث الدين فرد جوابه باللوم على عصيان الخليفة ودعا ذلك علاء الدين إلى الفتنة مع الخطا وانتزاعه بخارى من أيديهم كما يأتي في أخبارهم‏.‏

استيلاء الغورية على ملك خوارزم شاه بخراسان
ثم توفي علاء الدين تكش صاحب خوارزم وكان قد ملك بعض خراسان وبلاد الري والبلاد الجبالية فولي بعده ابنه قطب الدين ولقب علاء لدين بلقب أبيه وولي علاء الدين أخاه علي شاه خراسان وأقطعه نيسابور‏.‏وكان هندوخان ابن أخيهما ملك شاه فخاف عمه فلحق بمرو وجمع الجموع‏.‏وبعث إليه عمه محمد العسكر مع جنقر التركي فهرب هندوخان ولحق بغياث الدين مستنجداً به على عمه فأكرمه ووعده‏.‏ودخل جنقر إلى مرو وحمل منها ولدخان وأمه مكرمين إلى خوارزم‏.‏وأرسل غياث الدين إلى صاحب الطالقان محمد بن خربك بأن يتهدد جنقر فسار من الطالقان واستولي على مرو الروذ وبعث إلى جنقر يأمره بالخطبة بمرو لغياث الدين أو يفارقها فأساء الجواب ظاهراً واستأمن إلى غياث الدين سراً ، ^? ولما علم غياث الدين بذلك قوي طمعه في البلاد وكتب إلى أخيه شهاب الدين بالمسير إلى خراسان فسار من غزنة في عساكره في منتصف سنة ست وتسعين‏.‏ولما انتهى إلى الطالقان استحثه جنقر صاحب مرو للبلد وأخبره بطاعته حتى إذا وصل إليه خرج في العساكر فقاتله وهزمه شهاب الدين وزحف بالفيلة إلى السور فاستأمن من جنقر وخرج إليه وملك شهاب الدين مرو وبعث بالفتح إلى غياث الدين فجاء إلى مرو وبعث جنقر إلى هراة مكرماً وسلم مرو إلى هندوخان بن ملك شاه المستنجد به وأوصاه بالإحسان إلى أهلها‏.‏وسار إلى سرخس فحاصرها ثلاثاً وملكها على الأمان وأرسل إلى علي شاه نائب علاء الدين محمد بنيسابور وينذره الحرب إن امتنع من الطاعة فاستعد للحصار وخربوا العمائر بظاهرها وقطعوا الأشجار وحمل محمود بن غياث الدين فضايق البلد وملك جانبها ورفع راية أبيه على وحمل شهاب الدين عن الناحية الأخرى فسقط السور بين يديه وملك البلد ونهب الجند عامتها‏.‏ثم نادوا بالأمان ورفع النهب واعتصم الخوارزميون بالجامع فأخرجهم أهل البلد إلى غياث الدين‏.‏ثم سار إلى قهستان فذكر له عن قرية في نواحيها أن أهلها إسماعيلية فدخلها وقتل المقاتلة وسبي الذرية وخرب القرية‏.‏ثم سار إلى مدينة أخرى ذكر له عنها مثل ذلك وأرسل صاحب قهستان إلى غياث الدين يستغيثون من شهاب الدين ويذكرونه العهد فأرسل غياث الدين إلى أخيه شهاب الدين بالرجوع عنهم طوعاً أو كرهاً ووصل الرسول بذلك فامتنع فقطع طنب خيمته ورحل العسكر فرحل شهاب الدين كرهاً ورجع إلى غزنة‏.‏

فتح نهرواكد من الهند
لما رجع شهاب الدين من خراسان غاضباً من فعل أخيه لم يعرج على غزنة ودخل بلاد الهند غازياً سنة ثمان وتسعين‏.‏وبعث في مقدمته مملوكه قطب الدين آيبك ولقيه عساكر الهند دون نهرواكد فهزمهم آيبك واستباحهم وتقدم إلى نهرواكد فملكها عنوة‏.‏وفارقها ملكها وجمع ورأى شهاب الدين أنه لا يقوم بحمايتها إلا مقامه فيها فصالح ملكها على مال يؤديه إليه عنها ورجع إلى غزنة‏.‏

إعادة علاء الدين محمد صاب خوارزم ما أخذه الغورية من خراسان
لما فصل الغورية عن خراسان وملكوا ما ملكوه منها وسار شهاب الدين إلى الهند غازياً بعث علاء الدين محمد صاحب خوارزم إلى غياث الدين يعاتبه على ما فعل في خراسان ويطلب إعادة بلده ويهدده باستدعاء عساكر الخطا فصانعه في الخطا حتى قدم شهاب الدين فطمع بالمصانعة‏.‏وبعث إلى نائبهم بخراسان يأمره بالرحيل عن نيسابور ويتهدده فكتب إلى غياث الدين بذلك وبميل أهل نيسابور إلى عدوهم فوعده النصر‏.‏وسار إليه علاء الدين صاحب خوارزم آخر سنة تسع وتسعين فلما انتهى إلى نسا وأبيورد هرب هندوخان ابن أخيه ولحق بغياث الدين في فيروزكوه وملك علاء الدين مدينة مرو‏.‏وسار إلى نيسابور وحاصرها شهرين فلما أبطأ عن نائبها المدد من غياث الدين استأمن لصاحب خوارزم وخرج إليه هو وأصحابه فأحسن إليهم وطلب علاء الدين أن يسعى في الصلح بينه وبين غياث الدين وأخيه فوعده بذلك وسار إلى هراه فأقام بها ولم يمض إلى غياث الدين سخطه لتأخر المدد عنه‏.‏واختص صاحب خوارزم الحسن بن حرميل من أعيان الغورية واستحلفه أن يكون معه عند غياث الدين‏.‏ثم سار إلى سرخس وبها الأمير زنكي فحاصره أربعين يوماً وتعددت بينهما حروب‏.‏ثم بعث ابنه زنكي بأن يتأخر عن البلد قليلاً حتى يخرج هو وأصحابه فتأخر بأصحابه وخرج زنكي فشحن البلد بالأقوات والحطب وأخرج من ضاق به الحصار‏.‏وتحصن فندم صاحب خوارزم على تأخره وجهز عسكراً لحصاره ورجع‏.‏فلما بعد سار محمد بن خربك من الطالقان وأرسل إلى زنكي بأن يكبس العسكر الذي عليه ونذر بذلك أهل العسكر فأفرجوا عن سرخس‏.‏وخرج زنكي ولقي محمد بن خربك في مرو وجبوا خراج تلك الناحية وبعث إليهم صاحب خوارزم عسكراً من الثلاثة آلاف فارس فلقيهم محمد بن خربك في تسعمائة فهزمهم وغنم معسكرهم وعاد صاحب خوارزم إلى بلده وأرسل إلى غياث الدين في الصلح فأجابه مع أمير من أكابر الغورية اسمه الحسن بن محمد المرغني فقبض عليه صاحب خوارزم وحبسه‏.‏ومرغن من قرى الغور‏.‏حصار هراة لما بعث صاحب خوارزم إلى غياث الدين في الصلح وجاء عند الحسن المرغني تبين عنه المغالطة فحبسه وسار إلى هراه وحاصرها وكان بها إخوان من خدمة السلطان شاه تكش فكتبا إلى صاحب خوارزم ووعداه بالثورة له في البلد وكانا يليان مفاتح الأبواب وأمور الحصار من داخل فاطلع الأمير الحسن المرغني المحبوس عند صاحب خوارزم على أمرهما فبعث بذلك إلى أخيه عمر صاحب هراة فاعتقلهما‏.‏وبعث غياث الدين العساكر مدداً لهراة مع ابن أخته ألب غازي فنزل على خمسة فراسخ منها ومنع الميرة عن عسكر صاحب خوارزم فبعث صاحب خوارزم عسكراً إلى الطالقان للغاره عليها فقاتلهم الحسن بن خربك فظفر بهم ولم يفلت منهم أحد‏.‏ثم سار غياث الدين في عساكره ونزل قريباً‏.‏من هراة فاعتزم صاحب خوارزم على الرحيل بعد حصار أربعين يوماً لهزيمة أصحابه بالطالقان ومسير العساكر مع ألب غازي ثم مسير غياث الدين ثم توقعه عود شهاب الدين من الهند‏.‏وكان قد وصل إلى غزنة منتصف ثمان وتسعين فراسل أمير هراة وصالحه على مال حمله إليه وأرتحل عن البلد وبلغ الخبر شهاب الدين وجاء إلى طوس وشتى بها عازماً على حصار خوارزم فجاء الخبر بوفاة أخيه غياث الدين فأثنى عزمه وسار إلى هراة‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:08 PM

وفاة غياث الدين وانفراد شهاب الدين بالملك
ثم توفي غياث الدين أبو الفتح محمد بن سام صاحب غزنة وبعض خراسان وفيروزكوه ولهاور ودهلي من الهند‏.‏وكان أخوه شهاب الدين بطوس كما ذكرنا فسا إلى هراة وأظهر وفاة أخيه وجلس للعزاء‏.‏وخلف غياث الدين ابنا اسمه محمود فلقب غياث الدين‏.‏ولما سار شهاب الدين عن طوس استخلف بمرو الأمير محمد بن خربك وبعث إليه صاحب خوارزم العساكر فبيتهم ولم ينج منهم إلا القليل وأنفذ بالأسارى والرؤوس إلى هراة‏.‏وأعاد إليه صاحب خوارزم الجيوش في منصور التركي فلقيهم على عشرة فراسخ من مرو فهزموه وحاصروه خمسة عشر يوماً حتى استأمن إليهم وخر فقتلوه‏.‏وترددت الرسل بين شهاب الدين وصاحب خوارزم في الصلح فلم يتفق بينهما أمر‏.‏ولما اعتزم شهاب الدين على العود إلى غزنة ولي على هراة ابن أخته ألب غازي وقلد علاء الدين محمد الغوري مدينة فيروزكوه وبلد الغور وجعل إليه حرب خراسان وأمور المملكة‏.‏وجاءه محمود ابن أخيه غياث الدين فولاه على بست وأسفرايين وتلك الناحية وأبعده عن الملك جملة‏.‏وكانت لغياث الدين زوجة مغنية شغف بها وتزوجها فقبض عليها شهب الدين وضربها ضرباً مبرحاً وضرب ولدها غياث الدين‏.‏وزوج أختها واستصفاهم وغربهم إلى بلاد الهند‏.‏وكانت بنت مدرسة ودفنت فيها أباها فخربها ونبش قبور ثم ورمي بعظامهم‏.‏وكان غياث الدين ملكاً عظيماً مظفراً على قلة حروبه فإنه كان قليل المباشره للحروب وكان ذا هيبة جواداً حسن العقيدة كثير الصدقة‏.‏بنى بخراسان وغيرها المساجد والمدارس للشافعية وبنى الخوانك في الطرق وبنى على ذلك الأوقاف الكثيرة وأسقط المكوس‏.‏وكان لا يتعرض إلى مال أحد ومن مات ووارثه غائب دفعه إلى‏.‏أمناء التجار من أهل بلده ليوصلوه إلى ورثته فإن لم يجد تاجراً ختم عليه القاضي إلى أن يصل مستحقه‏.‏وإن كان لا وارث له تصدق عنه بماله‏.‏وكان يحسن إلى أهل البلد إذا ملكها ويفرض الأعطيات للفقهاء كل سنة من خزائنه ويفرق الأموال على الفقراء ويصل العلوية والشعراء‏.‏وكان أديباً بليغاً بارع الخط ينسخ المصاحف ويفرقها في المدارس التي بناها‏.‏وكان شافعي المذهب من غير تعصب لهم ويقول‏:‏ التعصب في المذاهب هلاك‏.‏فتنة الغورية مع محمل بن تكش صاحب خوارزم وحصار هراة ثم حصارهم خوارزم وحروب شهاب الدين مع الخطا لما هلك غياث الدين ملك أخوه شهاب الدين بعده فطمع محمد بن تكش صاحب خوارزم في إرتجاع هراة‏.‏وكان قد راسل شهاب الدين في الصلح فلم يتم‏.‏وسار شهاب الدين عن غزنة إلى لهاور غازياً فسار حينئذ محمد بن تكش إلى هراة منتصف سنة ستمائة وحاصرها وكان بها ألب غازي ابن أخت شهاب الدين‏.‏وطال حصارها إلى سلخ شعبان وقتل بين الفريقين خلق‏:‏ منهم رئيس خراسان المقيم يومئذ بمشهد طوس‏.‏وكان الحسين بن حرميل من أعيان الغورية بجوربان وهو إقطاعه فمكر بصاحب خوارزم وأظهر له الموالاة‏.‏وأشار بأن يبعث إليه فوارس يعطيهم بعض الفيلة‏.‏وقعد لهم هو والحسين بن محمد المرغني بالمراصد فاستلحموهم‏.‏ثم مات ألب غازي وضجر صاحب خوارزم محمد من الحصار فارتحل إلى سرخس وحاصرها وبلغت هذه الأخبار شهاب الدين ببلاد الهند فكر راجعاً وقصد مدينة خوارزم فأغذ محمد بن تكش السير من سرخس ونزل أثقاله وسبقه إليها وقاتله الخوارزمية قتالاً شديداً وفتكوا فيه‏.‏وهلك من الغورية جماعة‏:‏ منهم الحسين بن محمد المرغني وأسر جماعة من الخوارزمية فأمر شهاب الدين بقتلهم‏.‏ثم بعث خوارزم شاه إلى الخطا يستنجدهم أن يخالفوا شهاب الدين إلى بلاد الغورية فساروا إليها‏.‏ولما سمع شهاب الدين كر راجعاً إلى البلاد فلقي مقدمه عسكرهم بصحراء آيدخوي في صفر سنة إحدى وستمائة فأوقع بهم وأثخن فيهم وجاءت ساقتهم على أثر ذلك فلم يكن لشهاب الدين بهم قبل فانهزم ونهبت أثقاله وقتل الكثير من أصحابه ونجا في الفل إلى آيدخوي وحاصروه حتى أعطاهم بعض الفيلة وخلص‏.‏وكثر الأرجاف في بلاد الغور بمهلكه ووصل إلى الطالقان في سبعة نفر وقد لحق بها نائبها الحسين بن حرميل ناجماً من الوقعة فاستكثر له من الزاد والعلوفة وكفاه مهمه‏.‏وكان مستوحشاً مع من استوحش من الأمراء بسبب إنهزامهم عن شهاب الدين فحمله شهاب الدين إلى غزنة تأنيساً له واستحجبه‏.‏ولما وقع الأرجاف بموت شهاب الدين جمع مولاه تاج الدين العسكر وجاء إلى غزنة طامعاً في ملكها فمنعه مستحفظها فرجع إلى إقطاعه وأعلن بالفساد وأغرى بالخلج من الترك فكثر عيثهم وكان له مولى آخر أسمه آيبك فلحق بالهند عند نجاته من المعركة وأرجف بموت السلطان واستولي على المتان وأساء فيها السيرة‏.‏فلما وصل خبر شهاب الدين جمع تاج الدين الذر وهو مملوك إشتراه شهاب الدين الناس من سائر النواحي‏.‏ثم جمع شهاب الدين لغزو الخطا والثأر منهم‏.‏

حروب شهاب الدين مع بني كوكر والتتراهية
كان بنو كوكر هؤلاء موطنين في الجبال بين لهاور والملتان معتصمين بها لمنعتها وكانوا في طاعة شهاب الدين يحملون إليه الخراج فلما وقع الأرجاف بموته انتقضوا وداخلوا صاحب جبل الجودي وغيره من أهل الجبال في ذلك وجاهروا بالعيث والفساد وقطع السابلة ما بين غزنة ولهاور وغيرها‏.‏وبعث شهاب الدين إلى محمد بن أبي علي لهاور والملتان يأمره بحمل المال بعد أن قتل مملوكه آيبك‏.‏قال‏:‏ ومهد البلاد فاعتذر بنو كوكر فبعث شهاب الدين مملوكه آيبك إلى بني كوكر يتهددهم على الطاعة فقال كبيرهم‏:‏ لو كان شهاب الدين حياً لكان هو المرسل إلينا واستخفوا أمر آيبك فعاد الرسول بذلك فأمر شهاب الدين بتجهيز العساكر في قرى سابور‏.‏ثم عاد إلى غزنة في شعبان سنة إحدى وستمائة ونادى بالمسير إلى الخطا‏.‏ورجع بنو كوكر إلى حالهم من إخافة السابلة ودخل معهم كثير من الهنود في ذلك وخشي على انتقاض البلاد فأثنى عزمه عن الخطا وسار إلى غزنة وزحف إلى جبال بني كوكر في ربيع الأول سنة إثنتين‏.‏ولما انتهى إلى قرى سابور أغذ السير وكبس بني كوكر في محالهم وقد نزلوا من الجبال إلى البسيط يرومون اللقاء فقاتلوه يوماً إلى الليل وإذا بقطب الدين آيبك في عساكره منادين بشعار الإسلام فحملوا عليهم وانهزموا ليقتلوا بكل مكان‏.‏واستنجوا بأجمة فأضرمت عليهم ناراً وغنم المسلمون أهاليهم وأموالهم حتى بيع المماليك خمسة بدينار‏.‏وقتل كبير بني كوكو الذي كان مملكاً عليهم وقصد دانيال صاحب الجند الجودي وسار إليها فأقام بها منتصف رجب وهو يستنفر الناس‏.‏ثم عاد نحو غزنة وأرسل بهاء الدين سام صاحب باميان بالنفير إلى سمرقند وأن يتخذ الجسر لعبور العساكر‏.‏وكان أيضاً ممن دعاه هذا الأرجاف إلى الإنتقاض التتراهية وهم قوم من أهل الهند بنواحي قرى سابور دينهم المجوسية ويقتلون بناتهم بعد النداء عليهن للتزويج فإذا لم يتزوجها أحد قتلوها وتزوج المرأة عندهم بعدة أزواج‏.‏وكانوا يفسدون في نواحي قرى سابور ويكثرون الغارة عليها وأسلم طائفة منهم آخر أيام شهاب الدين الغوري‏.‏ثم انتقضوا عند هذا الأرجاف وخرجوا إلى حدود سوران ومكران وشنوا الغارة على المسلمين فسار إليهم الخلخي نائب تاج الدين الذي بتلك الجهة فأوقع بهم وأثخن فيهم وبعث برؤوس الأعيان منهم فعلقت ببلاد الإسلام وصلح أمر البلاد‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:09 PM

مقتل شهاب الدين الغوري وافتراق المملكة بعده
من لهاور عائداً إلى غزنة عازماً على قصد الخطا بعد أن استنفر أهل الهند وأهل خراسان فلما نزل بدميل قريباً من لهاور طرق خيمته جماعة من الدعار فقتلوا بعض الحرس وثار بهم الناس وذهل باقي الحرس بالهيعة فدخل منهم البعض على شهاب الدين وضربوه في مصلاه وقتلوه ساجداً وقتلوا عن آخرهم أول شعبان سنة إثنتين وستمائة‏.‏فيقال إن هذه الجماعة من الكوكرية الذين أحفظهم ما فعل بهم ويقال من الإسماعيلية لأنهم كانوا غلوا منه وكانت عساكره تحاصر قلاعهم‏.‏ولما قتل اجتمع الأمراء عند وزيره مؤيد الدين خواجا سحتا واتفقوا على حفظ المال إلى أن يقوم بالأمر من يتولاه من أهله‏.‏وتقدم الوزير إلى أمير العسكر بضبط العسكر وحملت جنازة شهاب الدين في المحفة وحملوا خزائنه وكانت ألفين ومائتي حمل‏.‏وتطاول الموالي مثل صونج صهر الذر وغيره إلى نهب المال فمنعهم الأمراء الكبار وصرفوا الجند الذين إقطاعهم عند قطب الدين آيبك ببلاد الهند أن يعودوا إليه وساروا إلى غزنة متوقعين البيعة على الملك بين غياث الدين محمود ابن السلطان غياث الدين وبين بهاء الدين سام صاحب باميان ابن أخت شهاب الدين فيملك الخزانة والأتراك يريدون طريق سوران ليقربوا من فارس‏.‏وكان هوى الوزير مؤيد الملك مع الأتراك فلم يزل بالغورية حتى إذا وصلوا طريق كرمان ساروا عليها ولقوا بها مشقة من غارات التتراهية واقعان وغيرهم‏.‏ولما وصلوا إلى كرمان استقبلهم تاج الدين الذر ونزل عن فرسه وقبل الأرض بين يدي المحفة‏.‏ثم كشف عن وجهه فمزق ثيابه وأجد بالبكاء حتى رحمه الناس‏.‏وكان شهاب الدين شجاعاً قرماً عادلاً كثير الجهاد‏.‏وكان القاضي بغزنة يحضر داره أربعة أيام في كل أسبوع فيحكم بين الناس وأمراء الدولة ينففون أحكامه وإن رافع أحد خصمه إلى السلطان سمع كلامه ورده إلى القاضي وكان شافي المذهب‏.‏

قيام الذر بدعوة غياث الدين محمود ابن السلطان
غياث الدين كان تاج الدين الذر من موالي شهاب الدين وأخصهم به فلما قتل طمع في ملك غزنة وأظهر القيام بدعوة غياث الدين محمود ابن السلطان غياث الدين وأنه كتب إليه بالنيابة عنه بغزنة لشغله بأمر حران‏.‏وتسلم الخزائن من الوزير وسار إلى غزنة فدفن شهاب الدين بتربته في المدرسة التي أنشأها وذلك في شعبان من سنة إثنتين وستمائة وأقام بغزنة‏.‏مسير بهاء الدين سام إلى غزنة وموته وملك بهاء الدين ابنه بعده غزنة كان بهاء الدين قد أقطع باميان ابن عمه شمس الدين محمد بن مسعود عندما ملكها وأنكحه أخته فولدت ابنا هو سام وكان له ابن آخر من امرأة تركية اسمه عباس فلما مات ملك ابنه الأكبر عباس فغضب غياث الدين شهاب الدين لإبن أختهما وعزلوا عباساً وولوه مكانه على باميان فعظم شأنه وجمع الأموال وترشح للملك بعد أخواله لميل أمراء الغز إليه بعد أخواله‏.‏فلما قتل شهاب الدين كان في قلعة غزنة نائب اسمه أميردان فبعث ابنه إلى بهاء الدين محمود ابن السلطان غياث الدين وابن حرميل عامل هراة بحفظ أعمالها وإقامة الخطبة له بها‏.‏والغورية والأتراك على ما ذكرناه من الإختلاف فسار في عساكره إلى غزنة ومعه ابنا علاء الدين وأمرهما جميعاً بالمسير إلى غزنة وبلاد الهند‏.‏فلما مات ثار ابناه في غزنة وخرج أمراء الغورية لغياث الدين وتلقوهما والأتراك معهم مغلبين فملكوا البلد ونزلوا دار السلطنة مستهل رمضان من سنة إثنتين وستمائة واعتزم الأتراك على منعهم وعاد لهم الأمير مؤيد الملك لإشتغال غياث الدين منهم بابن حرميل عامل هراة فلم يرجعوا ونبذوا إلى علاء الدين وأخيه العهد وآذنوهما بالحرب إن لم يرجعا فبعثا إلى تاج الدين الذر وهو بإقطاعه يستدعيانه ويرغبانه بالأموال والمراتب السلطانية والترغيب في الدولة‏.‏

استيلاء الذر على غزنة
كان الذر بكرمان لما بلغه مقتل شهاب الدين تسلم الأموال والخزائن من الوزير وأظهر دعوة غياث الدين ابن مولاه السلطان غياث الدين‏.‏وسار بهاء الدين سام من باميان كما ذكرنا‏.‏ومات في طريقه وملك ابنه علاء الدين غزنة كما ذكرنا واستعطف الأتراك وبعث إلى الذر يرغبه ويسترضيه فأبى من طاعته وأساء الرد عليه وسار عن كرمان في عساكر كثيفة من الترك والخلخ والغز وغيرهم‏.‏وبعث إلى علاء الدين وأخيه بالنذير فأرسل علاء الدين وزيره ووزير ابنه صلة إلى باميان وبلخ وترمذ ليحتشد العساكر وبعث الذر إلى الأتراك الذين بغزنة بأن مولاهم غياث الدين اجتمعت جماعة الغورية والأتراك فالتقوا في رمضان ونزع الأتراك إلى الذر فانهزم محمد بن حدورون وأسر‏.‏ودخل عسكر الذر المدينة فنهبوا بيوت الغورية والباميانية‏.‏واعتصم علاء الدين بالقلعة وخرج جلال الدين في عشرين فارساً إلى باميان وحاصر الذر القلعة حتى استأمن علاء الدين في المسير من غزنة إلى باميان‏.‏ولما نزل من القلعة تعرض له بعض الأتراك فأرجلوه عن فرسه وسلبوه فبعث إليه الذر بالمال والمركب والثياب فوصل إلى باميان فشرع في الإحتشاد وأقام الذر بغزنة يظهر طاعة غياث الدين ويترحم على شهاب الدين ولم يخطب له ولا لأحد‏.‏وقبض على داود والي القلعة بغزنة‏.‏وأحضر القضاة والفقهاء وكان رسول الخليفة مجد الدين أبو علي بن الربيع الشافعي مدرس النظامية ببغداد وفد على شهاب الدين رسولاً من قبل الخليفة وأحضره الذر ذلك اليوم وشاورهم بالجلوس على التخت والمخاطبة بالألقاب السلطانية‏.‏وأمضى ذلك واستوحش الترك حتى بي الكثير منهم وكان هناك جماعة من ولد ملوك الغور وسمرقند فأنفوا من خدمته وانصرفوا إلى علاء الدين وأخيه في باميان وأرسل غياث الدين محمود أن يصهر إليه في بنته بابنه فأبى من ذلك‏.‏ثم جاء في عسكر من الغوريين من باميان وأرسل غياث الدين وفرق في أهلها الأموال واستوزر مؤيد الملك فوزر له على كره‏.‏

أخبار غياث الدين بعد مقتل عمه
لما قتل السلطان شهاب الدين كان غياث الدين محمود ابن أخيه السلطان غياث الدين في إقطاعه ببست‏.‏وكان شهاب الدين قد ولي على بلاد الغور علاء الدين محمد بن أبي علي من أكابر بيوت الغورية وكان إمامياً غالياً فسار إلى بيروزكوه يسابق إليها غياث الدين وكان الأمراء الغورية أميل إلى غياث الدين وكذا أهل بيروز كوه فلما دخل خوارزم دعا محمد المرغني ومحمد بن عثمان من أكابر الغورية واستحلفهم على قتال محمد بن تكش صاحب خوارزم‏.‏وأقام غياث الدين بمدينة بست ينتظر مال الأمر لصاحب باميان لأنهما كان بينهما العهد من أيام شهاب الدين إن تكون خراسان لغياث الدين وغزنة والهند لبهاء الدين صاحب باميان بعد موت شهاب الدين فلما بلغه موت شهاب الدين دعا لنفسه وجلس على الكرسي في رمضان سنة ثلاث وستمائة واستخلف الأمراء الذين في أثره فأدركوه وجاؤوا به وملك بيروزكوه وقبض على جماعه من أصحاب علاء الدين ولما دخل بيروزكوه جاء إلى الجامع فصلى فيه‏.‏ثم ركب إلى دار أبيه فسكنها وأعاد الرسوم وقدم عليه عبد الجبار محمد بن العشير إلى وزير أبيه فاستوزره واقتفى بأبيه في العدل والإحسان‏.‏ثم كاتب ابن حرميل بهراة ولاطفه في الطاعة وكان ابن حرميل لما بلغه مقتل السلطان بهراة خشي عادية خوارزم شاه في أعيان البلد وغيرهم واستحلفهم على الإنجاد والمساعدة وقال القاضي وابن زياد يحلف كل الناس إلا ابن غياث الدين وينتظر عسكر خوارزم شاه وشعر غياث الدين بذلك من بعض عيونه فاعتزم على المسير إلى هراة‏.‏واستشار ابن حرميل القاضي وابن زياد فأشارا عليه بطاعة غياث الدين على مكر ابن حرميل وميله إلى خوارزم شاه‏.‏وحثه على قصد هراة ليكون ذلك حجة عليه ففعل وبعث به مع ابن زياد‏.‏ثم كاتب غياث الدين صاحب الطالقان وصاحب مرو يستدعيهما فتوقفوا عن إجابته‏.‏فقال أهل مرو صاحبها‏:‏ إن لم تسلم البلد إلى غياث الدين وتتوجه وإلا سلمناك وقيدناك وأرسلناك إليه فاضطر إلى المجيء إلى فيروزكوه فخلع عليه غياث الدين ووفر له الإقطاع وأقطع الطالقان لسونج مولي أبيه المعروف بأمير شكار‏.‏

استيلاء خوارزم شاه على بلد الغورية بخراسان
كان الحسن بن حرميل نائب الغورية بهراة منتقضاً عليهم كما ذكرنا ومداخلاً لخوارزم شاه في الباطن واستدعى العساكر من عنده وبعث ابن زياد يستوثق له من غياث الدين وأقام يقدم رجلاً ويؤخر أخرى‏.‏ووصل ابن زياد بالولاية والخلع فلم يثنه ذلك عما هو فيه من المكاذبة لهم‏.‏ثم وصل عسكر خوارزم شاه فتلقاهم وأكرمهم‏.‏وبلغه أن خوارزم شاه في أثرهم على أربع فراسخ من بلخ فندم في أمره ورد إليه عسكره وبلغ غياث الدين عسكر خوارزم شاه ووصولهم إلى هراة فاستدعى ابن حرميل فقبض على أملاكه ونكب أصحابه‏.‏ورد أقطاعه فاعتزم أهل هراة على القبض عليه‏.‏وكتب القاضي وابن زياد بذلك إلى غياث الدين‏.‏ونمي الخبر إلى ابن حرميل فخشي على نفسه منهم وأوهمهم أنه يكاتب غياث الدين وطلبهم في الكتاب مع رسوله وأوصى الرسول أن يعدل إلى طريق خوارزم شاه ولحق بهم فردهم وأصبحوا على البلد لرابعة يوم من سفر الرسول فأدخلهم ابن حرميل البلد وأمكنهم من أبوابها‏.‏وقبض على ابن زياد وسمله وأخرج القاضي فلحق بغياث الدين في بيروزكوه ونمي الخبر بذلك إلى غياث الدين فاعتزم على المسير بنفسه فبلغه سير علاء الدين صاحب باميان إلى غزنة فاقتصر عن ذلك وأقام ينتظر شأنه مع الذر‏.‏وأما بلخ فإن خوارزم شاه لما بلغه مقتل شهاب الدين أطلق أسرى الغوريين الذين كانوا عنده وخلع عليه واستألفهم‏.‏وبعث أخاه علي شاه في العساكر إلى بلخ فقاتله عمر بن الحسين الغوري نائبها‏.‏ونزل منها على أربعة فراسخ‏.‏وجاء خوارزم شاه مدداً بنفسه آخر سنة إثنتين وستمائة فحاصرها فاستمد عمر بن الحسين علاء الدين وجلال الدين من باميان وشغلوا عنه بغزنة فأقام خوارزم شاه محاصراً له أربعين يوماً وكان عنده محمد بن علي بن بشير وأطلقه في أسرى الغورية وأقطعه فبعثه إلى عمر بن الحسين صاحب بلخ في الطاعة فأبى من ذلك واعتزم خوار شاه على المسير إلى هراة‏.‏ثم بلغه ما وقع بين الذر وبين علاء الدين وجلال الدين وأن الذر أسرهما وأن عمر بن الحسين صاحب بلخ أبى ذلك فأعاد عليه ابن بشير فلم يزل ويفتل له في الذروة والغارب حتى أطاع صاحب خوارزم وخطب له‏.‏وخرج إليه فخلع عليه وأعاده إلى بلده في سلخ ربيع سنة ثلاث‏.‏ثم سار إلى جورقان ليحاصرها وبها علي بن أبي علي فوقعت المراوضة بينهما‏.‏ثم انصرف عن جورقان وتركها لإبن حرميل واستدعى عمر بن الحسين الغوري وصاحب بلخ فقبض عليه وبعثه إلى خوارزم ومضي إلى بلخ فملكها وولي عليها جعفراً التركي ورجع إلى خوارزم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:10 PM

استيلاء علاء الدين ثانياً على غزنة
ثم انتزاع الذر إياها من يده قد تقدم لنا استيلاء الذر على غزنة وإخراجه علاء الدين وجلال الدين منها باميان فأقاما بها شهرين ولحق كثير من الجند بعلاء الدين صاحبهم وأقام الذر بغزنة متوقفاً عن الخطبة لغياث الدين يروم الإستبداد وهو يعلل الأتراك برجوع رسوله من عند غياث الدين مخافة أن ينفضوا عنه‏.‏فلما ظفر بعلاء الدين وملك القلعة أظهر الأسف وجلس على الكرسي‏.‏وجمع علاء الدين وجلال الدين العساكر وساروا من باميان إلى غزنة وسرح الذر عساكره للقائهما فهزماها وأثخناها‏.‏وهرب الذر إلى بلد كرمان واتبعه بعض العسكر فقاتلهم ودفعهم‏.‏وسار علاء الدين وأخوه إلى غزنة وملكوها وأخذوا خزانة شهاب الدين التي كان الذر أخذها من يد الوزير مؤيد الدين عند مقدمه بجنازة شهاب الدين إلى كرمان كما مر‏.‏ثم اعتزم علاء الدين وأخوه على العود إلى غزنة وأهلها متوقعون النهب من عسكرهم والفيء‏.‏وكان بينهم رسول الخليفة مجد الدين بن الربيع مدرس النظامية جاء إلى شهاب الدين فقتل وهو عنده وأقام بغزنة فقصده أهل غزنة يشفع فيهم فشفع وسكن الناس‏.‏وعاد علاء الدين وأخوه إلى غزنة‏.‏ثم وقع بينهما تشاجر على إقتسام الخزانة وعلى وزارة مؤيد الملك فندم الناس على طاعتهما‏.‏وسار جلال الدين ومعه عباس إلى باميان وبقي علاء الدولة بغزنة وأساء وزيره السيرة في الجند والرعية ونهب الأموال حتى باعوا أمهات أولادهم‏.‏ويشكون فلا يشكيهم أحد فسار في جموع الأتراك والغز والغورية فكبسهم آيدكن الشرفي مولى شهاب الدين في ألفين وملك كرمان‏.‏وجاء الذر أثر ذلك وأنكر على آيدكن وملك كرمان وأحسن إلى أهلها‏.‏وبلغ الخبر إلى علاء الدين بغزنة فبعث وزيره إلى أخيه جلال الدين في باميان وكانت عساكر الغورية قد فارقوه ولحقوا بغياث الدين ووصل الذر آخر سنة إثنتين وستمائة إلى غزنة فملكها وامتنع علاء الدين بالقلعة فسكن الذر الناس وأمنهم وحاصروا القلعة‏.‏وجاء الخبر إلى الذر بأن جلال الدين قادم عليك بعساكره ولحق سليمان بن بشير بغياث الدين ببيروزكوه فأكرمه وجعله أمير داره وذلك في صفر سنة ثلاث‏.‏وسار الذر فلقي جلال الدين وهزمه وسيق أسيراً إليه‏.‏ورجع إلى غزنة وتهدده علاء الدين بقتل الأسرى إن لم يسلم القلعة‏.‏وقتل منهم أربعمائة أسير فبعث علاء الدين يستأمنه فأمنه‏.‏ولما خرج قبض على وزيره عماد الملك وقتله وبعث إلى غياث الدين بالفتح‏.‏انتقاض عباس في باميان ثم رجوعه إلي الطاعة لما أسر علاء الدين وجلال الدين كما قلناه في غزنة وصل الخبر إلى عمهما عباس في باميان ومعه وزير أبيهما‏.‏وسار الوزير إلى خوارزم شاه يستنجده على الذر ليخلص صاحبيه فاغتنم عباس غيبته وملك القلعة وكان مطاعاً‏.‏وأخرج أصحاب علاء الدين وجلال الدين فرجع الوزير من طريقه فحاصره بالقلعة وكان مطاعاً في تلك الممالك من لدن بهاء الدين ومن بعده فلما خلص جلال الدين من أسر الذر وصل إلى مدينة باميان واجتمع مع الوزير وبعثوا إلى عباس ولاطفوه حتى نزل عما كان استولي عليه من القلاع وقال إنما أردت حفظها من خوارزم شاه‏.‏

استيلاء خوارزم شاه على ترمذ ثم الطالقان من يد الغورية وبها ابنه
وقدم إليه محمد بن بشير بما كان من نزول أبيه عن بلخ وأنه انتظم في أهل دولته وبعثه إلى خوارزم مكرماً ورغبه بالإقطاع والمواعيد وكان قد ضاق ذرعه من الخطا ووهن من أسر الذر أصحابه بغزنة فأطاع واستأمن‏.‏وملك خوارزم شاه ترمذ ورأى أن يسلمها للخطا ليتمكن بذلك من خراسان ثم يعود عليهم فينتزعها منهم‏.‏ولما فرغ من ذلك سار إلى الطالقان وبها سونج نائباً عن غياث الدين محمود وأرسل من يستميله فلج وسار الحربه حتى إذا إلتقيا نزل عن فرسه وسأل العفو فذمه بذلك وأخذ ما كان بالطاقان بعض أصحابه وسار إلى قلاع كاكوين وسوار فخرج إليه حسام الدين علي بن أبي علي صاحب كاكوين وقاتله وطالبه في تسليم البلاد فأبى‏.‏وسار خوارزم شاه هراة ونزل بظاهرها وابن حرميل في طاعته فكف عساكره عن أهل هراة ولقيه هنالك رسول غياث الدين بالهدايا‏.‏ثم سار ابن حرميل إلى أسفرايين في صفر وقد كان صاحبها سار إلى غياث الدين فحاصرها حتى استأمن إليه وملك البلد‏.‏ثم أرسل إلى صاحب سجستان بطاعة خوارزم والخطبة له فأجاب إلى ذلك بعد أن طلبه في ذلك غياث الدين فامتنع‏.‏وعند مقام خوارزم شاه على هراة عاد إليها القاضي صاعد بن الفضل الذي كان ابن حرميل أخرجه منها فلحق بشهاب الدين‏.‏ثم رجع من عنده إلى خوارزم شاه فسعي به ابن حرميل عنده حتى سجنه بقلعة زوزن وولي على القضاء بهراة خبر غياث الدين مع الذر وآيبك مولي أبيه لما ملك الذر غزنة وأسر علاء الدين وأخاه جلال الدين كتب إليه غياث الدين يأمره بالخطبه وطاول في ذلك فبعث إليه يستحثه بأمر الخطيب بالترحم على شهاب الدين والخطبة لنفسه فاستراب الأتراك به وبعث هو يشترط على غياث الدين العتق فأجابه ذلك بعد توقف‏.‏وكان عزمه على أن يصالح خوارزم شاه ويستمده على الذر فلما طلب العتق أعتقه وأعتق قطب الدين آيبك مملوك عمه شهاب الدين ونائبه ببلاد الهند وأرسل إلى كل منهما هدية ورد الخبر واستمر الذر على مراوغته وآيبك على طاعته فاستمد غياث الدين س شاه على الذر فأمده على أن يرد ابن حرميل صاحب إلى طاعته وأن يقسم الغنيمة أثلاثاً بينهما وبين العسكر‏.‏وبلغ الخبر إلى الذر فسار إلى بكتاباد فملكها ثم إلى بست وأعمالها كذلك وقطع خطبة غياث الدين منها وأرسل إلى صاحب سجستان بقطع خطبة خوارزم شاه وإلى ابن حرميل كذلك ويتهددهما وأطلق جلال الدين صاحب باميان وزوجه بنته وبعث معه خمسة آلاف فارس من آيدكين مملوك شهاب الدين ليعيدوا جلال الدين إلى ملكه بباميان‏.‏وينزلوا ابن عمه فلما سار معه آيدكين أغراه بالعود إلى غزنة وأعد الأتراك مجمعون على خلاف الذر فلم يجبه جلال الدين إلى ذلك فرجع عنه آيدكين إلى إقطاعه بكابل ولقيه رسول من قطب الدين آيبك إلى الذر يتهدده على عصيانه على غياث الدين ويأمره بالخطبة له ووصل معه الهدايا والألطاف إلى غياث الدين وأشار عليه آيبك بإجابة خوارزم إلى جميع ما طلب حتى يفرغ من أمر غزنة‏.‏وكتب إلى آيبك يستأذنه في المسير إلى غزنة ومحاربة الذر فأذن له بمحاربته ووصل آيدكين في رجب سنة ثلاث وخطب لغياث الدين بغزنة وامتنعت عليه القلعة فنهب البلد ووصل الخبر إلى الذر بشأن آيدكين في غزنة ومراسلة آيبك له ففت ذلك في عضده وخطب لغياث الدين في بكتاباد وأسقط اسمه ورحل إلى غزنة فرحل آيدكين عنها إلى بلد الغور وأقام في تمواز وكتب إلى غياث الدين بالخبر وأنفذ إليه أموالاً فبعث إليه غياث الدين بالخلع وأعتقه وخاطبه بملك الأمراء‏.‏وسار غياث الدين إلى بست وأعمالها فاستردها وأحسن إلى أهلها وأقام الذر بغزنة‏.‏

مقتل ابن حرميل واستيلاء خوارزم شاه على هراة
كان ابن حرميل كما قدمناه استدعى عسكر خوارزم شاه إلى هراة وأنزلهم معه بهراة فساء أمرهم في الناس وكثر عيثهم فحبسهم وبعث إلى خوارزم شاه بصنيعهم ويعدده وكان مشتغلاً بقتال الخطا فكتب إليه يحسن فعله ويستدعي الجند الذين حبسهم‏.‏وبعث إلى عز الدين خلدك أن يحتال في القبض على ابن حرميل فسار في ألفي فارس وكان خلدك أيام السلطان سنجر والياً على هراة فلما قدم خرج ابن حرميل لتلقيه فنزل كل واحد منهما إلى صاحبه وأمر خلدك أصحابه بالقبض على ابن حرميل فقبضوا عليه‏.‏وانفض عنه أصحابه إلى المدينة فأمر الوزير خواجة الصاحب بغلق الأبواب والإستعداد للحصار ونادى بشعار غياث الدين محمود فحاصره خلدك وبذل له الأمان وتهدده بقتل ابن حرميل وخاطبه بذلك ابن حرميل ففعل وكتب بالخبر إلى خوارزم شاه فبعث ولاته بخراسان يأمرهم بحصار هراة فساروا في عشرة آلاف وامتنعت هراة عليهم‏.‏وكان ابن حرميل قد حصنها بأربعة أسوار محكمة وخندق وشحنها بالميرة وصار يعدهم إلى حضور خوارزم شاه وأسروه أياماً حتى فادى نفسه ورجع إلى خوارزم كما يذكر في أخبار دولته‏.‏وأرجف بموته في خراسان فطمع أخوه علي شاه في طبرستان وكزل خان في نيسابور إلى الإستبداد بالملك فلما وصل خوارزم شاه هرب أخوه علي شاه ولحق بشهاب الدين في بيروزكوه فتلقاه وأكرمه‏.‏وسار خوارزم شاه إلى نيسابور وأصلح أمرها واستعمل عليها وسار إلى هراة وعسكره على حصارها وقيل للوزير قد وصل خوارزم شاه لما وعدته‏.‏وتحدث في ذلك جماعة من أهل البلد فقبض عليهم ووقعت بذلك هيعة وشعر بها خوارزم شاه فزحف إلى السور وخرب برجين منه ودخل البلد فملكه وقتل الوزير وولي على هراة من قبله وذلك سنة خمس وستمائة ورجع إلى قتال الخطا‏.‏لما ملك خوارزم شاه مدينة هراة وولي عليها خاله أمير ملك وأمره أن يسير إلى بيروزكوه ويقبض على صاحبها غياث الدين محمود بن غياث الدين الغوري وعلى أخيه علي شاه بن خوارزم شاه فسار أمير ملك واستأمن له محمود فأمنه وخرج إليه هو وعلي شاه فقبض عليهما أمير ملك وقتلهما ودخل فيروزكوه سنة خمس وستمائة‏.‏وصارت خراسان كلها لخوارزم شاه‏.‏

استيلاء خوارزم شاه على غزنة وأعمالها
ولما استولي خوارزم شاه على عامة خراسان وملك باميان وغيرها أرسل إلى تاج الدين الذر صاحب غزنة في الخطبة والسكة وأن يقرر الصلح على غزنة بذلك فشاور أهل دولته وفيهم قطلوتكين من موالي شهاب الدين وهو النائب عن الذر بغزنة فأشار عليه بطاعته وأعاد الرسول بالإجابة وخطب له وسار عن غزنة متصدياً‏.‏وبعث قطلوتكين إلى خوارزم شاه سراً أن يبعث إليه من يسلمه غزنة فجاء بنفسه وملك غزنة‏.‏وهرب الذر إلى لهاور‏.‏ثم أحضر خوارزم شاه قطلوتكين وقتله بعد أن استصفاه وحصل منه على أموال جمة وولي على غزنة ابنه جلال الدين وذلك سنة ثلاث عشرة وستمائة ورجع إلى بلده‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:11 PM

استيلاء الذر على لهاور ومقتله
قباجة من موالي شهاب الدين وله معها ملتان وآمد والدبيل إلى ساحل البحر وله من العسكر خمسة عشر ألف فارس وجاءه الذر في ألف وخمسمائة فقاتله على التعبئة ومعه الفيلة فانهزم الذر أولا وأخذت فيوله‏.‏ثم كانت له الكرة وحمل فيل له على علم قباجة بإغراء الفيال وصدق هو الحملة فانهزم قباجة وعسكره وملك الذر مدينة لهاور ثم سار إلى الهند ليملك مدينة دلهي وغيرها من بلاد المسلمين وكان قطب الدين آيبك صاحبها قد مات ووليها بعده مولاه شمس الدين فسار إليه والتقيا عند مدينة سمابا واقتتلا فانهزم الذر وعسكره وأسر فقتل‏.‏وكان محمود السيرة في ولايته كثير العدل والإحسان إلى الرعية لا سيما التجار والغرباء وكان بملكه انقراض دولة الغورية والبقاء لله وحده‏.‏

دولة الديلم
الخبر عن دولة الديلم وما كان لهم من الملك والسلطان في ملة الإسلام ودولة بني بويه منهم المتغلبين على الخلفاء العباسيين ببغداد وأولية ذلك ومصائده قد تقدم لنا نسب الديلم في أنساب الأمم وأنهم من نسل ماذاي بن يافث وماذاي معدود في التوراة من ولد يافث‏.‏وذكر ابن سعيد ولا أدري عمن نقله‏:‏ إنهم من ولد سام بن باسل بن آشور بن سام وآشور مذكور في التوراة من ولد سام‏.‏وقال‏:‏ إن الموصل من جرموق بن آشور والفرس والكرد والخزر من إيران بن آشور والنبط والسوريان من نبيط بن آشور‏.‏وهكذا ذكر ابن سعيد والله أعلم‏.‏والجيل عند كافة النسابين إخوانهم على كل قول من هذه الأقوال وهم أهل جيلان جميعاً عصبية واحدة من سائر أحوالهم‏.‏ومواطن هؤلاء الديلم والجيل بجبال طبرستان وجرجان إلى جبال الري وكيلان وحفافي البحيرة المعروفة ببحيرة طبرستان من لدن أيام الفرس وما قبلها ولم يكن لهم ملك فيما قبل الإسلام‏.‏ولما جاء الله بالإسلام وانقرضت دولة الأكاسرة واستفحلت دولة العرب وافتتحوا الأقاليم بالمشرق والمغرب والجنوب والشمال كما مر في الفتوحات وكان من لم يدخل من الأمم في دينهم دان لهم بالجزيه وكان هؤلاء الديلم والجيل على دين المجوسية ولم تفتح أيام الفتوحات وإنما كانوا يؤدون الجزية‏.‏وكان سعيد بن العاص قد صالحهم على مائة ألف في السنة وكانوا يعطونها وربما يمنعونها ولم يأت جرجان بعد سعيد أحد وكانوا يمنعون الطريق من العراق إلى خراسان على قومس‏.‏ولما ولي يزيد بن المهلب خراسان سنة ست وثمانين للهجرة ولم يفتح طبرستان ولا جرجان وكان يزيد بن المهلب يعيره بذلك إذا قصت عليه أخباره في فتوحات بلاد الترك ويقول‏:‏ ليست هذه الفتوح بشيء والشأن في جرجان التي قطعت الطريق وأفسدت قومس ونيسابور فلما ولاه سليمان بن عبد الملك خراسان سنة تسع وتسعين أجمع على غزوها ولم تكن جرجان يومئذ مدينة إنما هي جبال ومحاصر يقوم الرجل على باب منها فيمنعه‏.‏وكانت طبرستان مدينة وصاحبها الأصبهبد‏.‏ثم سار إلى جرجان مولاه فراسة وسار الهادي إليهما وحاصرهما حتى استقاما على الطاعة‏.‏ثم بعث المهدي سنة ثمان وتسعين يحيي الحرشي في أربعين ألفا من العساكر فنزل طبرستان وأذعن الديلم‏.‏ثم لحق بهم أيام الرشيد يحيى بن عبد الله بن حسن المثني فأجاروه وسرح الرشيد الفضل بن يحيى البرمكي لحربهم فسار إليهم سنة خمس وتسعين ومائة فأجابوه إلى التمكين منه على مال شرطوه وعلى أن يجيء بخط الرشيد وشهادة أهل الدولة من كبار الشيعة وغيرهم فبذل لهم المال وكتب الكتاب‏.‏وجاء الفضل بيحيى فحبسه عند أخيه جعفر حسبما هو مذكور في أخباره‏.‏وفي سنة تسع وثمانين كتب الرشيد وهو بالري كتاب الأمان لسروين بن أبي قارن ورندا هرمز بارخشان صاحب الديلم وبعث بالكتاب مع حسن الخادم إلى طبرستان فقدم بارخشان ورندا هرمز وأكرمهما الرشيد وأحسن إليهما وضمن رندا هرمز الطاعة والخراج عن سروين بن أبي قارن‏.‏ثم مات سروين وقام مكانه ابنه شهريار ثم زحف سنة إحدى وثمانين عبد الله بن خرداذبة وهو عامل طبرستان إلى البلاد والسيزر من بلاد الديلم فافتتحها وافتتح سائر بلاد طبرستان وأنزل شهريار بن سروين عنها‏.‏وأشخص مازيار بن قارن ورندا هرمز إلى المأمون وأسر أبا ليلى‏.‏ثم مات شهريار بن سروين سنة عشر وقام مكانه ابنه سابور فحاربه مازيار بن قارن بن رندا هرمز وأسره ثم قتله‏.‏ثم انتقض مازيار على المعتصم وحمل الديلم وأهل تلك الأعمال على بيعته كرهاً وأخذ رهنهم وجبي خراجهم وخرب أسوار آمل وسارية ونقل أهلها إلى الجبال وبني على حدود جرجان سوراً من طميس إلى البحر مسافة ثلاثة أميال وحصنه بخندق‏.‏وكانت الأكاسرة بنته سداً على طبرستان من الترك‏.‏وقد نقل أهل جرجان إلى نيسابور وأملي له في انتقاضه الأفشين مولي المعتصم وكبير دولته طمعه في ولاية خراسان بما كان يضطغن ابن طاهر صاحب خراسان فدس إليه بذلك كتاباً ورسالة حتى امتعض‏.‏وجهز عبد الله بن طاهر العساكر لحربه مع عمه الحسن ومولاه حيان بن جبلة‏.‏وسرح المعتصم العساكر يردف بعضها بعضاً حتى أحاطوا بجباله من كل ناحية وكان قارن بن شهريار أخو مازيار على سارية فدس إلى قواد ابن طاهر بالرجوع من كل ناحية وكان قارن قد أتى إلى الطاعة والنزول لهم عن سارية على أن يملكوه جبال آبائه وأسجل له ابن طاهر بذلك فقبض على عمه قارن في جماعة من قواد مازيار وبعث بهم فدخل قواد ابن طاهر جبال قارن وملكوا سارية‏.‏ثم استأمن إليهم قوهيار أخو مازيار ووعدهم بالقبض على أخيه على أن يولوه مكانه فأسجل له ابن طاهر بذلك فقبض على أخيه مازيار وبعث به إلى المعتصم ببغداد فصلبه واطلع منه على دسيسة الأفشين مولاه فنكبه وقتله‏.‏ووثب مماليك مازيار بقوهيار فثاروا منه بأخيه وفروا إلى الديلم فاعترضتهم العساكر وأخفوا جميعاً‏.‏ويقال‏:‏ إن الذي كان غدر بمازيار هو ابن عمه كان يضطغن عليه عزله عن بعض جبال طبرستان وكان مولاه ورأيه عن رأيه‏.‏ثم تلاشت الدعوة العباسية بعد المتوكل وتقلص ظلها‏.‏واستبد أهل الأطراف بأعمالهم وظهرت دعاة العلوية في النواحي إلى أن ظهر بطبرستان أيام المستعين الحسن بن زيد الداعي العلوي من الزيدية وقد مر ذكره وكان على خراسان محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر وقد ولي على طبرستان عمه سليمان بن عبد الله بن طاهر فكان محمد بن أوس ينوب عنه مستبداً عليه فأساء السيرة وانتقض لذلك بعض عمال أهل الأعمال ودعوا جيرانهم الديلم إلى الإنتقاض‏.‏وكان محمد بن أوس قد دخل بلادهم أيام السلم وأثخن فيها بالقتل والسبي فلما استنجدهم أولئك الثوار لحرب سليمان ونائبه محمد بن أوس نزعوا لإجابتهم واستدعوا الحسن بن زيد من مكانه وبايعوه جميعاً وزحفوا به إلى آمل فملكوها‏.‏ثم ساروا إلى سارية فهزموا عليها سليمان وملكوها‏.‏ثم استولى الحسن الداعي على طبرستان وكانت له ولأخيه بعده الدولة المعروفة كما هو معروف في أخبارهم أقامت قريباً من أربعين سنة ثم انقرضت بقتل محمد بن زيد‏.‏ودخل الديلم الحسن الأطروش من ولد عمر بن زين العابدين وكان زيدي المذهب فنزل فيما وراء السعيد دوى إلى آمل ولبث في الديلم ثلاث عشرة سنة وملكهم يومئذ حسان بن وهشوذان وكان يدعوهم إلى الإسلام ويأخذ منهم العشر ويدافع عنهم ملكهم ما استطاع فأسلم على يديه منهم خلق كثير وبني لهم المساجد وزحف بهم إلى قزوين فملكها وسالوس من ثغور المسلمين فأطاعوه وملك آمل ودعاهم إلى غزو طبرستان وهي في طاعة ابن سامان فأجابوه وساروا إليها سنة إحدى وثلاثمائة‏.‏وبرز إليها عاملها ابن صعلوك فهزمه الأطروش واستلحم سائر أصحابه ولحق ابن صعلوك بالري ثم سار إلى بغداد‏.‏واستولي الأطروش على طبرستان وأعمالها وقد ذكرنا دولته وأخبارها في دول العلوية وكان استظهاره على أمره بالديلم وقواده في حروبه وولاته على أعماله منهم ثم قتله جيوش السعيد بن سامان سنة أربع وثلاثمائة ودال الأمر بين عقبه قواد الديلم كما هو مذكور في أخبارهم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:11 PM

الخبر عن دولة الديلم وتغلبهم على أعمال الخلفاء بفارس والعراقين
كان للديلم جماعة من القواد بهم استظهر الأطروش وبنوه على أمرهم‏:‏ منهم سرخاب بن وهشوذان أخو حسان وهو معدود في ملوكهم وكان صاحب جيش أبي الحسين بن الأطروش ثم أخوه علي ولاه المقتدر على أصفهان ثم ليلى بن النعمان من ملوكهم أيضاً وكان قائداً للأطروش وولاه بعده صهره الحسن المعروف بالداعي الصغير على جرجان‏.‏ثم ماكان بن كالي وهو ابن عم سرخاب وحسان ابني وهشوذان وولاه أبو الحسين بن الأطروش مدينة أستراباذ وأعمالها‏.‏ثم كان دون هؤلاء جماعة أخرى من القواد فمنهم من أصحاب ماكان بن كالي أسفار بن شيرويه ومرداويج بن زيار بن بادر وأخوه وشمكير ولشكري‏.‏ومن أصحاب مرداويج بنو بويه الملوك الأعاظم ببغداد والعراقين وفارس‏.‏ولما تلاشت دولة العلوية واستفحل هؤلاء القواد أعقابهم في طبرستان وجرجان وكانت خراسان عند تقلص الدولة العباسية على الأطراف قد غلب عليها المار وملكها من يد بني طاهر‏.‏ثم نازعه فيها بنو سامان والداعي العلوي فأصبحت مشاعاً بينهم‏.‏ثم انفرد بها ابن سامان وكل منهم يعطي طاعة معروفة للخلفاء‏.‏ومركز ابن سامان وراء النهر وخراسان في أطراف مملكتهم‏.‏وزاد تقلص الخلافة عما وراءها فتطاول ملوك الديلم هؤلاء قواد الدولة العلوية بطبرستان إلى ممالك البلاد وتجافوا عن أعمال ابن سامان لقوة سورته واستفحال ملكه‏.‏وساروا في الأرض يرومون الملك وانتشروا في النواحي وتغلب كل منهم على ما دفع إليه من البلاد‏.‏وربما تنازعوا بعضها فكانت لهم دون طبرستان وجرجان بلاد الري وظفر بنو بويه منهم بملك فارس والعراقين‏.‏وحجر الخلفاء ببغداد فذهبوا بفضل القديم والحديث وكانت لهم الدولة العظيمة التي باهى الإسلام بها سائر الأمم حسبما نذكر ذلك كله في أخبار دولتهم‏.‏أخبار ليلي بن النعمان ومقتله كان ليلى بن النعمان من قواد الديلم وكان أولاد الأطروش ينعتونه في كتابهم إليه المؤيد لدين الله المنتصر لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏وكان كريماً شجاعاً قد ولاه الحسن بن القاسم الداعي الصغير على جرجان بعد الأطروش سنة ثمان وثلاثمائة فسار من جرجان إلى الدامغان وهي في طاعة ابن سامان وعليها مولاه قراتكين فبرزوا إليه وقاتلوه فهزمهم وأثخن فيهم وعاد إلى جرجان فابتني أهل الدامغان حصناً يمتنعون به‏.‏وسار قراتكين إلى ليلى فبرز إليه من جرجان وقاتله على عشرة فراسخ فانهزم قراتكين وأثخن في عسكره وسار إليه فارس مولى قراتكين فأكرمه وزوجه أخته وكثرت أجناده وضاقت أمواله فأغراه أبو حفص القاسم بن حفص بنيسابور وأمره الحسن الداعي بالمسير إليها فسار وملكها آخر ثمان وثلاثمائة وخطب بها للداعي‏.‏وأنفذ السعيد نصر بن سامان عساكره من بخارى مع قواده حمويه بن علي ومحمد بن عبد الله البلغمي وأبو حفص بنيسابور وأبو الحسن صعلوك وسيجور الدواني فقاتلوا ليلى بن النعمان عن طوس وهزموه فلحق بآمل واختفى فيها وجاءه بقراخان وأخرجه من الإختفاء وأنفذ بالخبر إلى حمويه فأمره بقتله وتأمين أصحابه فقتل وحمل رأسه إلى بغداد وذلك في ربيع سنة تسع وثلاثمائة‏.‏وبقي فارس غلام قراتكين بجرجان وكاد قراتكين إلى جرجان فاستأمن إليه مولاه فارس فقتله قراتكين وانصرف عن جرجان‏.‏

أخبار سرخاب بن وهشوذان ومهلكه
وقيام مكان بن كالي بمكانه كان سرخاب بن وهشوذان الديلمي من قواد الأطروش وبنيه وبايع لأبي الحسن بن الأطروش الناصر بعد مهلك أبيه بطبرستان وأستراباذ وكان صاحب جيشه‏.‏ولما انصرف قراتكين عن جرجان بعد مهلك ليلى بن النعمان سار إليها أبو الحسن بن الأطروش وسرخاب فملكوها وأنفذ السعيد نصر بن سامان سنة عشر سيجور الدواني في أربعة آلاف فارس لقتاله ونزل على فرسخين من جرجان وحاصرها أشهراً ثم برزوا إليه وأكمن لهم سيجور كميناً فتباطأ الكمين وانهزم سيجور واتبعه سرخاب‏.‏ثم خرج الكمين بعد حين وانهزم أبو الحسن إلى أستراباذ وترك جرجان واتبعه سرخاب في الفل بمخلفه ومخلف أصحابه ورجع سيجور إلى جرجان فملكها‏.‏ثم مات سرخاب ولحق ابن الأطروش بسارية فأقام بها واستخلف ماكان بن كالي وهو ابن عم سرخاب فسار محمد بن عبيد الله البلغمي وسيجور لحصاره وأقاموا عليه طويلاً‏.‏ثم بذلوا له مالاً على أن يخرج لهم عنها فتقوم لهم بذلك حجة عند ابن سامان ثم يعود ففعل ذلك وخرج إلى سارية ثم نزل إلى الشمانية عن أستراباذ وولوا عليها بقراخان فعاد إليها ماكان وملكها ولحق بقراخان بأصحابه في نيسابور‏.‏

بداية أسفار بن شيرويه وتغلبه على جرجان ثم طبرستان
كان أسفار هذا من الديلم من أصحاب ماكان بن كالي وكان سيء الخلق صعب العشرة وأخرجه ماكان من عسكره فاتصل ببكر بن محمد بن اليسع في نيسابور وهو عامل عليها من قبل ابن سامان فأكرمه واختصه بالعساكر سنة خمس عشرة لفتح جرجان‏.‏وكان ماكان بن كالي يومئذ بطبرستان وولي على جرجان أبا الحسن بن كالي واستراب بأبي علي بن الأطروش فحبسه بجرجان فجعله عنده في البيت وقام ليلة إليه ليقتله فأظفر الله العلوي به وقتله وتسرب من الدار‏.‏وأرسل من الغد إلى جماعة من القواد فجاؤوا إليه وبايعوه وألبسوه القلنسوة وولي على جيشه علي بن خرشية وكاتبوا أسفار بن شيرويه بذلك وهو في طريقه إليهم واستدعوه فاستأذن بكر بن محمد وسار إليهم وسار علي بن خرشية في القيام بأمر جرجان بدعوة العلوي الذي معهم وضبط ناحيتها‏.‏وسار إليهم ماكان بن كالي في العساكر من طبرستان وقاتلوه فهزموه واتبعوه إلى طبرستان فملكوها من يده وقاموا بها‏.‏ثم هلك أبو علي الأطروش وعلي بن خرشية صاحب الجيش وانفرد أسفار بطبرستان‏.‏وسار بكر بن محمد بن اليسع إلى جرجان فملكها وأقام فيها دعوة نصر بن سامان‏.‏ثم رجع ماكان إلى طبرستان وبها أسفار فحاربه وغلبه وملك طبرستان من يده ولحق أسفار بجرجان فأقام بها عند بكر بن اليسع إلى أن توفي بكر فولاه السعيد على جرجان سنة خمس عشرة‏.‏ثم ملك نصر بن سامان الري بولاية المقتدر وولي عليها محمد بن علي بن صعلوك فطرقه المرض في شعبان سنة ست عشرة وكاتب الحسن الداعي أسفار ملك جرجان بولاية نصر بن سامان فاستدعى مرداويج بن زيار من ملوك الجبل وجعله أمير جيشه وسار إلى طبرستان فملكها‏.‏لما استولي أسفار على طبرستان ومرداويج معه وكان يومئذ على الري وملكها من يد صعلوك كما ذكرناه‏.‏واستولي على قزوين وزنجان وأبهر وقم والكرخ ومعه الحسن بن القاسم الداعي الصغير وهو قائم بدعوته‏.‏فلما خالفه أسفار إلى طبرستان وملكها واستضافها إلى جرجان سار إليه ماكان والداعي والتقوا بسارية واقتتلوا وانهزم ماكان وقتل الداعي وكانت هزيمته بتخاذل الديلم عنه فإن الحسن كان يشتد عليهم في النهي عن المنكر فنكروه واستقدموا خال مرداويج من الجبل واسمه هزر سندان‏.‏وكان مع أحمد الطويل بالدامغان فمكروا بالداعي واستقدامه للإستظهار به وهم يضمرون تقديمه عوض ماكان ونصب أبي الحسن بن الأطروش عوض الحسن الداعي ودس إليه بذلك أحمد الطويل صاحب الدامغان بعد موت صعلوك فحذرهم حتى إذا قدم هزرسندان أدخله مع قواد الديلم إلى قصره بجرجان‏.‏ثم قبض عليهم وقتلهم جميعا وأمر أصحابه بنهب أموالهم فامتعض لذلك سائر الديلم وأقاموا على مضض حتى إذا كان يوم لقائه أسفار خذلوه فقتل‏.‏وفر ماكان واستولي أسفار على ما كان لهم من الري وقزوين وزنجان وأبهر وقم والكرخ واستضافها إلى طبرستان وجرجان وأقام فيها دعوة السعيد بن سامان‏.‏ونزل سارية واستعمل على الري هارون بن بهرام صاحب جناح وكان يخطب فيها للأبي جعفر العلوي فاستدعاه إليه وزوجه من آمل‏.‏وجاء أبو جعفر لوليمته مع جماعة من العلويين فكبسهم أسفار وبعث بهم إلى بخارى فحبسهم بها إلى أن خلصوا مع يحيى أخي السعيد وكانوا في فتية حسبما ذكرناه‏.‏ولما فرع أسفار من الري تطاول إلى قلعة الموت ليحضن بها عياله وذخيرته وكانت لسياه جشم بن مالك الديلمي ومعناه الأسود العين فاستقدمه أسفار وولاه قزوين وسأله في ذلك فأجابه فنقل عياله إليها وسرب الرجال إليهم لخدمتهم حتى كملوا مائة‏.‏ثم استدعاه فقبض عليه وثار أولئك بالقلعة فملكوها وكان في طريقه إلى الري استأمن إليه صاحب جبلي نهاوند وقم ابن أمير كان فملكها ومر بسمنان فامتنع منه صاحبها محمد بن جعفر وبعث إليه من الري بعض أصحابه فاستأمن إليه وخدعه حتى قتله وتدلى من ظهر القلعة‏.‏ثم استفحل أمر أسفار وانتقض على السعيد بن سامان وأراد أن يتتوج ويجلس على سرير الذهب واعتزم على حرب ابن سامان والخليفة فبعث المقتدر العساكر إلى قزوين مع هارون ابن غريب الحال فقاتله أسفار وهزمه‏.‏ثم سار ابن سامان إلى نيسابر لحربه فأشار على أسفار وزيره مطرف بن محمد الجرجاني بمسالمته وطاعته وبذل الأموال له فقبل إشارته وبعث بذلك إلى ابن سامان‏.‏وتلطف أصحابه في رجوعه إلى ذلك فرجع وشرط عليه الخطبة والطاعة فقبل وانتظم الحال بينهما ورجع إلى السطوه بأهل الري‏.‏ولما كانوا عابوا عليه عسكر القتال ففرض عليهم الأموال وعسف بهم وخص أهل قزوين بالنهب لما تولوا من ذلك وسلط عليهم الديلم فضاقت بهم الأرض‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:12 PM

مقتل أسفار وملك مرداويج
كان مرداويج بن زياد من قواد أسفار وكان قد سئم عسفه وطغيانه كما سئمه الناس وبعثه أسفار إلى صاحب سميران الطر الذي ملك أذربيجان بعد ذلك يدعوه إلى طاعت ففاوضه في أمر أسفار وسوء سيرته في الناس واتفقا على الوثوب عليه به فأجابوه وفيهم مطرف بن محمد وزيره فسار هو وسلار إليه وبلغه الخبر فثار به الجند فهرب إلى الري وكتب إلى ماكان بن كالي بطبرستان يستألفه على أسفار فسار إليه ماكان فهرب أسفار كل بيهق إلى بست ثم دخل مفازة الري قاصداً قلعة الموت التي حصن بها أهله وذخيرته وتخلف عنه بعض أصحابه في المفازة وجاء إلى مرداويج يخبره فسار إليه وتقدم به يديه بعض القواد فلقي أسفار وسأله عن قواده فأخبره أن مرداويج قتلهم فسر بذلك‏.‏ثم حمله القائد إلى مرداويج فأراد أن يحبسه بالري فحذره بعض أصحابه غائلته فأمر بقتله ورجع إلى الري‏.‏ولما قتل أسفار تنقل مرداويج في البلاد يملكها فملك قزوين ثم الري ثم همذان ثم كنكور ثم الدينور ثم دجرد ثم قم ثم قاشان ثم أصفهان ثم جرباد واستفحل ملكه وعتا وتكبر وجلس على سرير الذهب وأجلس أكابر قواده على سرير الفضة وتقدم لعسكره بالوقوف على البعد منه ونودي بالخطاب بينهم وبين حاجبه‏.‏

استيلاء مرداويج على طبرستان وجرجان
قد ذكرنا أن الإلفة الواقعة بين مرداويج وماكان وتظاهرهما على أسفار حتى قتل وثبت مرداويج في الملك واستفحل أمره فتطاول إلى ملك طبرستان وجرجان‏.‏وسار إليهما سنة ست عشرة فانهزم ماكان أمامه واستولي مرداويج على طبرستان وولي عليها أسفهسلان وأمر على عسكره أبا القاسم وكان حازماً شجاعاً‏.‏ثم سار إلى جرجان فهرب عامل ماكان عنها وملكها مرداويج وولي عليها صهره أبا القاسم المذكور خليفة عنه ورجع إلى أصفهان‏.‏ولحق أبو القاسم وهزمه فرجع السائر إلى الديلم ولحق ماكان بنيسابور واستمد أبا علي بن المظفر صاحب جيوش ابن سامان فسار معه في عساكره إلى جرجان فهزمهما أبو القاسم ورجعا إلى نيسابور‏.‏ثم سار ماكان إلى الدامغان فدفعه عنها أبو القاسم فعاد إلى خراسان‏.‏

استيلاء مرداويج على همذان والجبل وحروبه مع عساكر المقتدر
لما ملك مرداويج بلاد الري أقبلت الديلم إليه فأفاض فيهم العطاء وعظمت عساكره فلم تكفه جباية أعماله وامتدت عينه إلى الأعمال التي تجاوره فبعث إلى همذان سنة تسع عشرة جيشاً كثيفاً مع ابن أخته وبها محمد بن خلف وعسكر المقتدر فاقتتلوا وأعان على همذان عسكر الخليفة فظفروا بعسكر مرداويج وقتلوا ابن أخته فسار إليهم مرداويج من الري‏.‏وهرب عسكر الخليفة من همذان ودخلها عنوة فأثخن فيهم واستلحمهم وسباهم ثم أمنهم وزحفت إليه عساكر المقتدر مع هارون ابن غريب الحال فهزمهم بنواحي همذان وملك بلاد الجبل وما وراء همذان وبعث قائداً من أصحابه إلى الدينور ففتحها عنوة وبلغت عساكره نحو حلوان وامتلأت أيديهم من الذهب والسبي ورجعوا‏.‏

خبر االشكري في أصفهان
كان لشكري بن الديلم ومن أصحاب أسفار واستأمن بعد قتله إلى المقتدر وصار في جند هارون ابن كريب الحال‏.‏ولما انهزم هارون أمام مرداويج سنة تسع عشرة أقام في قرقلنين ينتظر مدد المقتدر‏.‏وبعث لشكري هذا إلى نهاوند يجيئه بمال منها فتغلب عليها وجمع بها جنداً ثم مضى إلى أصفهان في منتصف السنة وبها أحمد بن كيغلغ فحاربه وهزمه وملك أصفهان ودخل إليها عسكره‏.‏وأقام هو بظاهرها فرأى لشكري فقصده يظنه من بعض جنده أي أحمد فلما تراءى دافع أحمد بن كيغلغ عن نفسه فقتل وهرب أصحابه ورجع ابن كيغلغ إلى أصفهان‏.‏ثم بعث مرداويج عسكراً آخر إلى أصفهان سنة تسع عشرة فملكوها وجددوا مساكن أحمد بن عبد العزيز بن أبي دلف فنزلها وعسكره يومئذ أربعون أو خمسون ألفاً‏.‏ثم بعث عسكراً إلى الأهواز وخوزستان فملكوها وجبوا أعمالها وبعث إلى المقتدر وضمن هذه البلاد بمائتي ألف دينار في كل سنة فقررت عليه وأقطعه المقتدر همذان ورماه الكوفة‏.‏قدوم وشمكير على أخيه مرداويج وفي سنة ست عشرة بعث مرداويج رسوله من الجند ليأتيه بأخيه وشمكير فبعث إليه وأبلغه رسالة أخيه وأعمه بمقامه في الملك فاستبعد ذلك ثم استغربه ونكر على أخيه مشايعته للمسودة لأن الديلم والجيل كانوا شيعة للعلوية بطبرستان فلم يزل الرسول حتى سار به إلى أخيه‏.‏فخرج به إلى قزوين وألبسه السواد بعد مراوضة‏.‏وقدم على أخيه بدوياً حافياً مستوحشاً فلم يكن إلا أن رهف الملك أعطافه فأصبح أرق الناس حاشية وأكثر الناس معرفة بالسياسة‏.‏

خبر مرداويج مع ابن سلمان على جرجان
كان أبو بكر المظفر صاحب جيوش ابن سامان بخراسان قد غلب على جرجان وانتزعها من ملكه مرداويج فلما فرغ مرداويج من أمر خوزستان والأهواز رجع إلى الري وسار منها إلى جرجان فخرج ابن المظفر عن جرجان إلى نيسابور وبها يومئذ السعيد نصر بن سامان فسار لمدافعة مرداويج عن جرجان وكاتب محمد بن عبد الله البلغمي من قواد ابن سامان مطرف بن محمد وزير مرداويج واستماله‏.‏وشعر بذلك فقتل وزيره وبعث إليه البلغمي يعدله في قصد جرجان ويطوق ذلك بالوزير مطرف ويذكره حقوق السعيد بن سامان قبله وقصور قدرته عنه ويشير عليه بالنزول له عن جرجان وتقرير المال عليه بالري فقبل مرداويج إشارته وعاد عن جرجان وانتظم الحال بينهما‏.‏

بداية أمر بني بويه
وكانوا إخوة ثلاثة أكبرهم عماد الدولة أبو الحسن علي وركن الدولة الحسن ومعز الدولة أبو الحسن أحمد‏.‏لقبهم بهذه الألقاب الخلفاء عندما ملكوا الأعمال وقلدوهم إياها على ما نذكر بعد‏.‏وهم الذين تولوا حجر الخلفاء بعد ذلك ببغداد كما يأتي‏.‏وأبوهم أبو شجاع بويه بن قناخس‏.‏وللناس في نسبهم خلاف‏:‏ فأبو نصر بن ماكولا ينسبهم إلى كوهي بن شيرزيك الأصغر بن شيركوه بن شيرزيك الآكبر ابن سران شاه بن سيرقند بن سيسانشاه بن سير بن فيروز بن شروزيل بن سنساد بن هراهم جور وبقية النسب مذكور في ملوك الفرس‏.‏وابن مشكويه قال‏:‏ يزعمون أنهم من ولد يزدجرد بن شهريار آخر ملوك الفرس‏.‏والحق أن هذا النسب مصنوع تقرب إليهم به من لا يعرف طبائع الأنساب في الوجود ولو كان نسبهم ذا خلل في الديلم لم تكن لهم تلك الرياسة عليهم وإن كانت الأنساب قد تتغير وتخفى وتنتقل من شعب إلى شعب ومن قوم إلى قوم فإنما هو بطول الأعصار وتناقل الأجيال واندراس الأزمان والأحقاب‏.‏وأما هؤلاء فلم يكن بينهم وبين يزدجرد وانقطاع الملك من الفرس إلا ثلاثمائة سنة فيها سبعة أجيال أو ثمانية أجيال ميزت فيها أنسابهم وأحصيت أعقابهم‏.‏فكيف يحرك مثل هذه الأنساب الخفاء في مثل هذه الأعصار‏.‏وإن قلنا كان نسبهم إلى الفرس ظاهراً منع ذلك من رياستهم على الديلم فلا شك في هذه التقادير في ضعة هذا النسب والله أعلم‏.‏وأما بدايتهم فإنهم كانوا من أوسط الديلم نسباً وحالاً‏.‏وفي أخبارهم أن أباهم أبا شجاع كان فقيراً وأنه رأى في منامه أنه يبول فخرج من ذكره نار عظيمة فاستضاءت الدنيا بها فاستطالت وارتفعت إلى السماء‏.‏ثم افترقت ثلاث شعب ومن كل شعب عدة شعب فاستضاءت الدنيا بها والناس خاضعون لتلك النيران‏.‏وأن عابراً عبر له الرؤيا بأنه يكون له ثلاثة أولاد يملكون الأرض ويعلو ذكرهم في الآفاق كما علت النار ويولد لهم ملوك بقدر الشعب‏.‏وأن أبا شجاع استبعد ذلك واستنكره لما كانوا عليه من توسط الحال في المعيشة فرجع المعبر إلى السؤال عن وقت مواليدهم فأخبروه بها وكان منجماً فعدل طوالعهم وقضي لهم جميعاً بالملك فوعدوه وانصرف ، ولما خرج قواد الديلم لملك البلاد وانتشروا في الأعمال مثل ليلى وماكان وأسفار ومرداويج خرج مع كل واحد منهم جموع من الديلم رؤوس وأتباع وخرج بنو أبي شجاع هؤلاء في جملة قواد ماكان فلما اضطرب أمره وغلبه مرداويج عن طبرستان وجرجان مرة بعد مرة لحق آخراً بنيسابور مهزوماً فاعتزم بنو بويه على فراقه واستأذنوه في ذلك وقالوا إنما نفارقك تخفيفاً عليك فإذا صلح أمرك عدنا إليك‏.‏وساروا إلى مرداويج وتبعتهم جماعة من قواد ماكان فقبلهم مرداويج وقلد كل واحد منهم ناحية من نواحي الجبل‏.‏وقلد علي بن بويه كرمس وكتب لهم العهود بذلك‏.‏وساروا إلى الري وبها يومئذ أخوه وشمكير ومعه وزيره الحسين بن محمد العميد والد أبي الفضل‏.‏ثم بدا لمرداويج في ولاية هؤلاء القواد المستأمنة فكتب إلى أخيه وشمكير ووزيره العميد بردهم عن تلك الأعمال‏.‏وكان علي بن بويه قد أسلف عند العميد يداً في بغلة فارهة عرضها للبيع واستأمنها العميد فوهبها له فرعى له العميد هذه الوسيلة‏.‏فلما قرأ كتاب مرداويج دس إلى ابن بويه بأن يغذ السير إلى عمله فسار من حينه‏.‏وغدا وشمكير على بقية القواد فاستعاد العهود من أيديهم وأمر ابن بويه فأشار عليه أصحابه بترك ذلك لما فيه من الفتنة فتركه ، ^? ولما وصل عماد الدولة إلى كرج ضبط أمورها وأحسن السياسة في أهلها وأعمالها وقتل جماعة من الخرمية كانوا فيها وفتح قلاعهم وأصاب فيها ذخائر كثيرة فأنفقها في جنده فشاع ذكره وحمدت سيرته‏.‏وكتب أهل الناحية إلى مرداويج بالنبأ فغص وجاء من برستان إلى الري وأطلق مالاً لجماعة من قواده على كرج فاستمالهم عماد الدولة حسن إليهم فأقاموا عنده‏.‏واستراب مرداويج فكتب إلى عماد الدولة في استدعائهم‏.‏فدافعه وحفرهم منه فحفروا‏.‏ثم استأمن إليه سيراذ من أعيان قواد مرداويج فكثف جمعه به معه وسار إلى أصفهان وبها المظفر بن ياقوت من قبل القاهر في عشرة آلاف مقاتل على خراجها أبو علي بن رستم فاستأذنهما في الإنحياز إليهما والدخول في طاعة خليفة فأعرضا عنه‏.‏ومات خلال ذلك ابن رستم وبرز ابن ياقوت من أصفهان لمدافعته استأمن إليه من كان مع ابن ياقوت من الجيل والديلم ثم لقيه عماد الدولة في تسعمائة وهزمه وملك أصفهان‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:13 PM

استيلاء ابن بويه على أرجان وأخواتها
ثم على شيراز وبلاد فارس ولما بلغ خبر أصفهان إلى مرداويج اضطرب وكتب إلى عماد الدولة بن بويه يعاتبه ويستميله ويطلب منه إظهار طاعته ويمدده بالعساكر في البلاد والأعمال ويخطب له بها‏.‏وجهز له أخاه وشمكير في جيش كثيف ليكبسه وهو مطمئن إلى تلك الرسالة‏.‏وشعر بن بويه بالمكيدة فرحل عن أصفهان بعد أن جباها شهرين وسار إلى أرجان وبها أبو بكر بن ياقوت من أصفهان والياً عليها ففصل عنها‏.‏ولما ملك ابن بويه أرجان كاتبه أهل شيراز يستدعونه إليهم وعليهم يومئذ ياقوت عامل الخليفة وثقلت وطأته عليهم وكثر ظلمه فاستدعوا ابن بويه وخام عن المسير إليهم فأعادوا إليه الكتاب بالحث على ذلك وأن مرداويج طلب الصلح من ياقوت فعاجل الأمر قبل أن يجتمعا فسار إلى النوبندجان في ربيع سنة إحدى وعشرين وسبقته إليها مقدمة ياقوت في ألفين من شجعان قومه‏.‏فلما وافاهم ابن بويه انهزموا إلى كرمان وجاءهم ياقوت هنالك في جميع أصحابه‏.‏وأقام عماد الدولة بالنوبندجان وبعث أخاه ركن الدولة الحسن إلى كازرون وغيرها من أعمال فارس فلقي هنالك عسكراً لياقوت فهزمهم وجبي تلك الأعمال ورجع إلى أخيه بالأموال‏.‏ثم وقعت المراسلة بين مرداويج وياقوت في الصلح وسار وشمكير إليه عن أخيه فخشيهما عماد الدولة وسار من نوبندجان إلى أصطخر ثم إلى البيضاء وياقوت في اتباعه‏.‏وسبقه ياقوت إلى قنطرة على طريق كرمان فصحه عن عبوره واضطره للحرب فتحاربوا واستأمن جماعة من أصحاب ابن بويه إلى ياقوت فقتلهم خشيه الباقون واستماتوا‏.‏وقدم ياقوت أمام عساكره رجالة بقوار النفط فلما أشعلوها وقذفت أعادتها الريح عليهم فعلقت بهم فاضطربوا وخالطهم أصحاب ابن بويه في موقفهم وكانت الدبرة على ياقوت‏.‏ثم صعد إلى ربوة ونادى في أصحابه بالرجوع فاجتمع إليه نحو أربعة آلاف فارس وأراد الحملة عليهم لإشتغالهم بالنهب ففطنوا له وتركوا النهب وقصدوه فانهزم واتبعوهم فأثخنوا فيهم‏.‏وكان معز الدولة أحمد بن بويه من أشد الناس بلاء في هذه الحرب ابن تسع عشرة سنة لم يطر شاربه ثم رجعوا إلى السواد فنهبوه وأسروا جماعة منهم فأطلقهم ابن بويه وخيرهم فاختاروا المقام عنده فأحسن إليهم‏.‏ثم سار إلى شيراز فأمنها ونادى بالمنع من الظلم واستولي على سائر البلاد وعرفوه بذخائر في دار الإمارة وغيرها من ودائع ياقوت وذخائر بني الصفار فنادى في الجند بالعطاء وأزاح عللهم وامتلأت خزائنه‏.‏وكتب إلى الراضي وقد أفضت إليه الخلافة وإلى وزيره أبي علي بن مقلة تقرير البلاد عليه بألف ألف درهم فأجيب إلى ذلك وبعثوا إليه بالخلع واللواء‏.‏وكان محمد بن ياقوت قد فارق أصفهان عند خلع القاهر وولاية الراضي وبقيت عشرين يوما دون أمير فجاء إليها وشمكير وملكها فلما وصل الخبر إلى مرداويج باستيلاء ابن بويه على فارس سار إلى أصفهان للتدبير عليه وبعث أخاه وشمكير إلى الري‏.‏

استيلاء ماكان بن كالي على الري
قد ذكرنا في دولة بني سامان أن أبا علي محمد بن إلياس كان سنة إثنتين وعشرين بكرمان منتقضاً على السعيد فبعث إليه في هذه السنة جيشاً كثيفاً فاستولي على كرمان وأقام فيها الدعوة لإبن سامان‏.‏وكان أصل محمد بن إلياس من أصحاب السعيد فسخطه وحبسه ثم أطلقه بشفاعة البلغمي‏.‏وبعث مع صاحب خراسان محمد بن المظفر إلى جرجان حتى إذا خرج أخوه السعيد من محبسهم وبايعوا ليحيى منهم كان محمد بن إلياس معهم حتى تلاشى أمرهم ففارقه ابن إلياس من نيسابور إلى كرمان فاستولي عليها إلى هذه الغاية فأزاله عنها ماكان ولحق بالدينور وأقام ماكان والياً بكرمان بدعوة بني سامان‏.‏

مقتل مرداويج وملك أخيه وشمكير من بعده
لما استفحل أمر مرداويج كما قلنا عتا وتجبر وتتوج بتاج مرصع على هيئة تاج كسرى وجلس على كرسي الذهب وأجلس أكابر قواده على كراسي الفضة واعتزم على قصد العراق والمدائن وقصور كسرى وأن يدعى بشاه‏.‏وكان له جند من الأتراك كان كثير الإساءة إليهم ويسميهم الشياطين والمردة فثقلت وطأته على الناس وخرج ليلة الميلاد من سنة ثلاث وعشرين إلى جبال أصفهان وكانوا يسمونها ليلة الوقود لما يضرم فيها من النيران فأمر بجمع الحطب على الجبل من أوله إلى آخره أمثال الجبال والتلال وجمع ألفي طائر من الغوبان والحدآت وجعل النفط في أرجلها ليضرم الجبل ناراً حتى يضيء الليل ، ^? بقرة وثلاثة آلاف كبش وعشرة آلاف من الدجاج وأنواع الطير وما لا يحصى من أنواع الحلوى وهيأ ذلك كله ليأكل الناس ثم يقوموا إلى مجلس الشرب والندمان فتشعل النيران‏.‏ثم ركب آخر النهار ليطوف على ذلك كله بنفسة فاحتقره وسخط من تولى ترتيبه ودخل خيمته مغضباً ونام فأرجف القواد بموته فدخل إليه وزيره العميد وأيقظه وعرفه بما الناس فيه فخرج وجلس على السماط وتناول لقمتين ثم ذهب وعاد إلى مكانه فقام في معسكره بظاهر أصفهان ثلاثاً لا يظهر للناس‏.‏ثم قام في اليوم الرابع ليعود إلى قصره بأصفهان فاجتمعت العساكر ببابه وكثر صهيل الخيل ومراحها فاستيقظ لكثرة الضجيج فازداد غضبه وسأل عن أصحاب الدواب فقيل إنها للأتراك نزلوا للخدمة وتركوها بين يدي الغلمان فأمر أن تحل عنها السروج وتجعل على ظهور الأتراك ويقودونهم إلى أصطبلات الخيل ومن أمتنع من ذلك ضرب فأمسكوا ذلك على أقبح الهيئات واصطنعوا ذلك عليه واتفقوا على الفتك به في الحمام‏.‏وكان كورتكين يحرسه في خلوته وحمامه فسخطه ذلك اليوم وطرده فلم يتقدم إلى الحرس لمراعاته وداخلوا الخادم الذي يتولى خدمته في الحمام في أن يفقده سلاحه وكان يحمل خنجراً فكسر حديد الخنجر وترك النصاب لمرداوبج فلم يجد له حداً فأغلق باب الحمام ودعمه من ورائه بسرير الخشب الذي كان صاعداً عليه فصعدوا إلى السطح وكسروا الجامات ورموه بالسهام فانحجر في زوايا الحمام وكسروا الباب عليه وقتلوه‏.‏ وكان الذي تولى كبر ذلك جماعة من الأتراك وهم‏:‏ توزون الذي صار بعد ذلك أمير الأمراء ببغداد ويارق بن بقراخان ومحمود بن نيال الترجمان ويحكم الذي ولي إمارة الأمراء قبل تورون‏.‏ولما قتلوه خرجوا إلى أصحابهم فركبوا ونهبوا قصر مرداويج وهربوا وكان الديلم والجيل بالمدينة فركبوا في أثرهم فلم يدركوا منهم إلا من وقفت دابته فقتلوهم وعادوا لنهب الخزائن فوجدوا العميد قد أضرمها ناراً‏.‏ثم اجتمع الديلم والجيل وبايعوا أخاه وشمكير بن زيار وهم بالري وحملوا معهم جنازة مرداويج فخرج وشمكيهر وأصحابه لتلقيهما على أربع فراسخ حفاة ورجع العسكر الذي كان بالأهواز إلى وشمكير واجتمعوا عليه وتركوا الأهواز لياقوت فملكها وقام وشمكيهر بملك أخيه مرداويج في الديلم والجيل وأقام بالري وجرجان في ملكه‏.‏وكتب السعيد بن سامان إلى محمد بن المظفر صاحب خراسان وإلى ماكان بن كالي صاحب كرمان بالمسير إلى جرجان والري فسار ابن المظفر إلى قومس ثم إلى بسطام وسار ماكان على المفازة إلى الدامغان واعترضه الديلم من أصحاب وشمكير في جيش كثيف فهزموهم ولحق بنيسابور أخر ثلاث وعشرين وجعلت ولايتها لماكان بن كالي فأقام بها‏.‏وسار أبو علي بن إلياس إلى كرمان بعد انصراف ماكان عنها فملكها وصفت له بعد حروب شديده طويلة مع جيوش السعيد بن سامان وكان له الظفر آخراً‏.‏وأما الأتراك الذين قتلوا مرداويج فافترقوا في هزيمتهم فرقتين‏.‏فسارت فرقة إلى عماد الدولة بن بويه وهم الأقل وفرقة إلى الجيل مع يحكم وهم الأكثر فجبوا خراج الدينور وغيره‏.‏ثم ساروا إلى النهروان وكاتبوا الراضي في المسير إلى بغداد فأذن لهم وأستراب الحجرية بهم فردهم الوزير أبن مقلة إلى بلد الجيل وأطلق لهم مالاً فلم يرضوا به فكاتبهم ابن رائق وهو يومئذ صاحب واسط البصرة فلحقوا به وقدم عليهم يحكم فكاتب الأتراك من أصحاب مرداويج فقدم عليه منهم عدة وافرة واختص يحكم وتولاه ونعته بالرائقي نسبة إليه وأمره أن يرسمها في كتابه‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 03:14 PM

مسير معز الدولة في بويه إلى كرمان وهزيمته
لما ملك عماد الدولة بن بويه وأخوه ركن الدولة بلاد فارس والجيل بعثا أخاهما الأصغر معز الدولة إلى كرمان خالصة له فسار في العسكر إليها سنة أربع وعشرين واستولي على السيرجان‏.‏وكان إبراهيم بن سيجور الدواني قائد ابن سامان يحاصر محمد بن إلياس بن اليسع في قلعته هنالك‏.‏فلما بلغه خبر معز الدولة سار من كرمان إلى خراسان وخرج محمد بن إلياس من القلعة التي كان محاصراً بها إلى مدينة قم على طرف المفازة بين كرمان وسجستان فسار إلى جيرفت وهي قصبة كرمان‏.‏وجاء رسول علي بن أبي الزنجي المعروف بعلي بن كلونة أمير القفص والبلوص كان هو وسلفه متغلبين على تلك الناحية ويعطون طاعتهم للأمراء والخلفاء على البعد ويحملون إليهم المال‏.‏فلما جاء رسوله بالمال امتنع معز الدولة من قبوله إلا بعد دخول جيرفت فلما دخل جيرفت صالحه وأخذ رهنه على الخطبة له‏.‏وكان علي بن كلونة قد نزل بمكان صعب المسلك على عشرة فراسخ من جيرفت فأشار على معز الدولة بعض أصحابه أن يغمر به ويكبسه ففعل ذلك وأتى لعلي كلونة عيونه بالخبر فأرصد جماعة لمعز الدولة بمضيق في طريقه فلما مر بهم سارياً ثاروا به من جوانبه وقتلوا من أصحابه وأسروا وأصابته جراح كثيرة وقطعت يده اليسرى من نصف الذراع وأصابع يده اليمنى وسقط بين القتلى‏.‏وبلغ الخبر إلى جيرفت فهرب أصحابه منها وجاء علي بن كلونة فحمله من بين القتلى إلى جيرفت وأحضر الأطباء لعلاجه‏.‏وكتب إلى أخيه عماد الدولة يعتذر ويبذل الطاعة فأجابه وأصلحه‏.‏وسار محمد بن إلياس من سجستان إلى بلد خبابة فتوجه إليه معز الدولة وهزمه وعاد ظافراً ومر بابن كلونة فقاتله وهزمه وأثخن في أصحابه وكتب إلى أخيه عماد الدولة بخبره مع ابن إلياس وابن كلونة فبعث إليه قائداً من قواده واستقدمه إليه بفارس فأقام عنده بإصطخر إلى أن قدم عليهم أبو عبد الله البريدي منهزماً من ابن رائق ويحكم المتغلبين على الخلافة ببغداد فبعث عماد الدولة أخاه معز الدولة وجعل له ملك العراق عوضاً عن ملك كرمان كما يذكر بعد‏.‏

استيلاء ماكان على جرجان وانتقاضه على ابن سامان
قد ذكرنا انهزام ماكان على جرجان أيام بانجين الديلمي ورجوعه إلى نيسابور فأقام بها ثم بلغ الخبر بمهلك بانجين بجرجان فاستأذن ماكان محمد بن المظفر في الخروج لإتباع بعض أصحابه هرب عنه وطالبه به عارض الجيش فأذن له وسار إلى أسفرايين وبعث معه جماعة من عسكره إلى جرجان فاستولي عليها‏.‏ثم أظهر لوقته الإنتقاض على ابن المظفر‏.‏وسار إليه بنيسابور فتخاذل أصحابه وهرب عنها إلى سرخس وعاد عنها ماكان خوفاً من إجتماع العساكر عليه وذلك في رمضان سنة أربع وعشرين ، ^?

دولة بني بويه الخبر
عن دولة بني بويه من الديلم المتغلبين على العراقين وفارس والمستبدين على الخلفاء ببغداد من خلافة المستكفي إلى أن صاروا في كفالتهم وتحت حجرهم إلى انقراض دولتهم وأولية ذلك ومصائره قد تقدم لنا التعريف ببني بويه وذكر نسبهم وهم من قواد الديلم الذين تطاولوا للإستيلاء على أعمال الخلفاء العباسيين ولما لم يروا عنها مدفعاً ولا لها حامية فتنقلوا في نواحيها وملك كل واحد منهم أعمالاً منها‏.‏واستولي بنو بويه على أصفهان والري ثم انعطفوا على بلاد فارس فملكوا أرجان وما إليها‏.‏ثم استولوا على شيراز وأعمالها وأحاطوا بأعمال الخلافة بنواحي بغداد من شرقها وشمالها وكانت الخلافة قد طرقها الإعلال وغلب عليها الموالي والصنائع‏.‏وقد كان أبو بكر محمد بن رائق عاملاً بواسط واضطرب حال الراضي ببغداد فاستقدمه وقلده إمارة الجيوش ونعته أمير الأمراء‏.‏وكان بنو البريدي في خوزستان والأهواز فغضوا به ووقعت الوحشة بينه وبينهم فبعث ابن رائق بدراً الخرشني ويحكم الذي نزع إليه أتراك مرداويج فساروا في العسكر لقتال ابن البريدي واستولوا على الأهواز سنة خمس وعشرين ولحق ابن البريدي بعماد الدولة بن بويه لما ملك العراق وسهل عليه أمره‏.‏وذلك عند رجوع أخيه معز الدولة من استيلاء معز الدولة بن بويه على الأهواز لما لحق أبو عبد الله البريدي بعماد الدولة ناجياً من الأهواز مستنجداً له بعث أخاه معز الدولة في العساكر بعد أن أخذ منه ابنيه أبا الحسن محمداً وأبا جعفر الفياض رهناً‏.‏وسار معز الدولة سنة ست وعشرين فانتهى إلى أرجان ويحكم جاء للقائهم وانهزم أمامهم إلى الأهواز فأقام بها وأنزل بها بعض عسكره في عسكر مكرم فقاتلوا معز الدولة ثلاثة عشر يوماً‏.‏ثم انهزموا إلى تستر فرحل معز الدولة إلى عسكر مكرم وأنفذ ابن البريدي خليفته إلى الأهواز‏:‏ ثم بعث إلى معز الدولة بأن ينتقل إلى السوس ويبعد عنه فيؤمن له الأهواز فعذله وزيره أبو جعفر الصيمري وغيره من أصحابه وأروه أن البريدي يخادعه فامتنع معز الدولة من ذلك وبلغ اختلافهم إلى يحكم فبعث عسكراً من قبله فاستولي على الناس وجند نيسابور وبقية الأهواز بيد ابن البريدي وعسكر مكرم بيد عز الدولة‏.‏وضاق حال جنده وتحدثوا في الرجوع إلى فارس فواعدهم لشهر وكتب إلى أخيه عماد الدولة بالخبر فبعث إليه مدداً من العسكر فعادوا واستولوا على الأهواز‏.‏وسار‏.‏يحكم من واسط فاستولي على بغداد وقلده الراضي إمارة الأمراء وهرب ابن رائق فاختفى ببغداد‏.‏

انتزاع وشمكير وأصفهان من يد ركن الدولة ومسيره إلى واسط
ثم استرجاعه أصفهان قد ذكرنا وشمكير المستولي بعد أخيه مرداويج على الري وكان عماد الدولة استولي على أصفهان ودفعها إلى أخيه ركن الدولة فبعث إليها وشمكير سنة سبع وعشرين جيشاً كثيفاً من الري فملكوها من يده وخطبوا فيها لشمكير‏.‏ثم سار وشمكير إلى قلعة الموت فملكها ورجع فلحق ركن الدولة بإصطخر وجاءه هنالك رسول أخيه معز الدولة من الأهواز بأن ابن البريدي أنفذ جيشاً إلى السوس وقتل قائدها من الديلم وأن الوزير أبا جعفر الصيمري كان على خراجها محتصراً بقلعة السوس فسار ركن الدولة إلى السوس وهرب عساكر ابن البريدي بين يديه‏.‏ثم سار إلى واسط ليستولي عليها لأنه قد خرج عن أصفهان وليس له ملك يستقل به فنزل بالجانب الشرقي وسار الراضي ويحكم من بغداد لحربه فاضطرب أصحابه واستأمن جماعة منهم لإبن البريدي فخام ركن الدولة عن اللقاء ورجع إلى الأهواز فسار إلى أصفهان وهزم عسكر وشمكير بها وملكها وكان هو وأخوه عماد الدولة بعثا لإبن محتاج صاحب خراسان يحرضانه على ماكان ووشمكير واتصلت بينهم مودة‏.‏

مسير معز الدولة إلى واسط والبصرة
كان ابن البريدي بالبصرة وواسط قد صالح يحكم أمير الأمراء ببغداد وحرضه على المسير إلى الجبل ليرجعها من يد ركن الدولة بن بويه ويسير هو إلى الأهواز فيرتجعها من يد معز الدولة‏.‏واستمد يحكم فأمده بخمسمائة رجل وسار إلى حلوان في انتظاره‏.‏وأقام ابن البريدي يتربص به وينتظر أن يبعد عن بغداد فيهجم هو عليها وعلم يحكم بذلك فرجع إلى بغداد ثم سار إلى واسط فانتزعها من يد ابن البريدي وذلك لسنة ثمان وعشرين‏.‏وولي الخلافة المتقي وكان ظل الدولة العباسية قد تقفص حتى قارب التلاشي والإضمحلال وتحكم على الدولة بعد مولاة ابن رائق وابن البريدي الذي كان يزاحمه في التغلب على الدولة فبعث عساكره من البصرة إلى واسط فسرح إليه يحكم العساكر مع مولاه تورون فهزمهم وجاء يحكم على أثره ولقيه خبر هزيمتهم واستقام أمره وطفق يتصدى في تلك النواحي إلى أن عرض له بعض الأكراد ممن له عنده ثأر وهو منفرد عن عسكره فقتله وافترق أصحابه فلحق جماعة من الأتراك بالشام ومقدمهم تورون‏.‏وولي الباقون عليهم يكسك مولى يحكم وكان الديلم عند مقتله قد ولوا عليهم باسوار بن ملك بن مسافر بن سلار وسلار جده صاحب شميران الطرم الذي داخل مرداويج في قتل أسفار وملك ابنه محمد بن مسافر بن سلار إذربيجان فكانت له ولولده بها دولة‏.‏ووقعت الفتنة بين الديلم والأتراك فقتله الأتراك وولي الديلم مكانه كورتكين ولحقوا بابن البريدي فزحف بهم إلى بغداد‏.‏ثم تنكروا واتفقوا مع الأتراك على طرده فلحقوا بواسط واستفحل الديلم وغلبوا الأتراك وقتل كورتكين كثيراً من الديلم واستبد بإمرة الأمراء ببغداد‏.‏ثم جاء تورون من الشام بابن رائق وهزم كورتكين الديلم وقتل أكثرهم وانفرد ابن رائق بأمرة الأمراء ببغداد سنة إثنتين وثلاثمائة‏.‏وكان ابن البريدي في هذه الفترة بعد يحكم قد استوي على واسط فبعث إليه ابن رائق واستوزره ففعل على أن يقيم بمكانه ويستخلف ابن شيرزاد ببغداد‏.‏ثم سار إليهم إلى واسط فهرب ابن رائق والمقتفي إلى الموصل وتخلف عنهم تورون وعاث أصحاب ابن البريدي في بغداد فشكا له الناس‏.‏ولما وصل المقتفي ولي ابن حمدان إمرة الأمراء بمكانه وقصدوا بغداد فهرب وخالفه تورون إلى المقتنفي وابن حمدان وملكوا بغداد‏.‏وسار سيف الدولة أمام ابن البريدي وخرج ناصر الدولة في أتباعه فنزل المدائن وانكشف سيف الدولة أمام ابن البريدي حتى انتهوا إلى أخيه ناصر الدولة بالمدائن فأمده ورجع فهزم ابن البريدي وغلبه على واسط فملكها ولحق ابن البريدي بالبصرة وأقام سيف الدولة بواسط ينتظر المدد ليسير إلى البصرة‏.‏وجاءه أبو عبد الله الكوفي بالأموال فشغب عليه الأتراك في طلب المال وثاروا به ومقدمهم تورون فهرب إلى بغداد وهم في اتباعه وكان أخوه قد انصرف إلى بغداد ثم إلى الموصل فلحق به‏.‏ودخل تورون بغداد وولي الأمر ثم استوحش من المقتفي وتربص مسيره إلى واسط لقتال ابن البريدي وسار إلى الموصل سنة إحدى وثلاثين ومعز الدولة بن بويه في أثناء هذا كله مقيم بالأهواز مطل على بغداد وأعمال الخليفة يروم التغلب عليها وأخوه عماد الدولة بفارس وركن الدولة بأصفهان والري فلما سار المقتفي من الرقة إلى تورون خلعه وسمله ونصب المكتفي‏.‏وقد قدمنا هذه الأخبار كلها مستوعبة في أخبار الدولة العباسية وإنما أعدناها توطئة لإستيلاء بني بويه على بغداد واستبدادهم على الجلالقة‏.‏ثم عاد معز الدولة إلى واسط سنة ثلاث وثلاثين فسار تورون والمستكفي لدفاعه ففارقها وعاد إلى الأهواز‏.‏


الساعة الآن 10:15 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى