![]() |
ثـوب المنصـور
قال أبان بن صدقة: دخلتُ يومـاً على الخليفة المنصور وعليّ ثوب جديد من خـَزّ أسود، والمنصور في قـُباءٍ قديم رثّ. فجعل ينظر إليّ، فضاقت عليّ الدنيا، وقلت في نفسي إني أخطأت خطأ عظيمـاً. فلما كان من غد، دخلتُ في قباء رثّ. فقال لي المنصور: أما عندك أحسن من هذا تلبسه أمام المنصور؟ قلت: بلى، ولكني رأيت أمير المؤمنين البارحة يلبس قباء رثـّا وكان عليّ قباء جديد، فضاقت عليّ الأرض إذ كان لباسي أفضل من لباسه. فقال المنصور: لا تفعل. إلبس خير ما عندك في خدمتي ليتبيـّن الناس إحساني إليك. أما عني فإن الناس يعلمون أني أقدر على أشرف اللباس وإن لم ألبس. من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلـّكان |
جـارية ابن السمـاك
تكلم ابن السماك يوماً وجارية له تسمع. فلما دخل قال لها: كيف سمعت كلامي؟ قالت: ما أحسنه لولا أنك تكثِر ترْدادَه! قال: أُردِّده حتى يفهمَه من لم يفهمْه. قالت: إلى أن يَفهمَه من لم يَفهمْه يكون قد مَلـَّه مَن فهمَه. |
جارية الفقـيـه الفــقـيـر
كان في مجلس المروروذي الفقيه شابٌ أريب من المتفقّهة. وحدث أن غاب عن المجلس أياما فلما سأل عنه المروروذي أخبروه أنه مشغول بأمرٍ قطعه عن حضور مجلسه. فأحضره وسأله عن حاله، فذكر الشاب أنه كان قد اشترى جارية لنفسه، وأن النفقة قد انقطعت به وضاقت يده في تلك السنة لانقطاع الرزق عنه من بلده، و كان عليه دين لجماعة من التجار، فلم يجد سبيلا إلى قضائه غير أن يبيع الجارية. فلما باعها وتركت داره، تشوّق إليها واستوحش من بُعدها عنه، حتى لم يعد بمقدوره أن يشتغل بفقه أو بغيره من شدة تعلق قلبه بها. ثم ذكر أن ابن أبي حامد صاحب بيت المال هو الذي اشترى الجارية. فمضى المروروذي إلى ابن أبي حامد ومعه الشاب. فحين استأذن عليه أذن له في الحال وقام إلى المروروذي واستقبله وأكرمه غاية الإكرام. فلما سأله عن حاله وعما جاء له، أخبره المروروذي بخبر الشاب الفقيه وبيعه للجارية، وسأله أن يقبل الذي دفعه فيها ويرد الجارية على صاحبها. بيد أن ابن أبي حامد لم يكن عنده علم بأمر الجارية. فقد كانت امرأته اشترتها ولم تخبره بذلك. فاستأذن ضيفيه وقام فدخل على امرأته يسألها عن جارية اشتُريت في سوق النخاسين، وصادف أن امرأته كانت جالسة والجارية حاضرة وهم يصلحون وجهها وقد ألبسوها الثياب الحسان والحلي. فقالت: ياسيدي هذه هي الجارية التي تسأل عنها. فسرّ بذلك أعظم السرور لرغبته في قضاء حاجة المروروذي، وعاد إليه فقال: خفت ألا تكون الجارية في داري. وهي بحمد الله عندنا والأمر للشيخ أعزه الله فيها. ثم أمر بإحضار الجارية. فلما جاءت تغير وجه الفتى تغيرا شديدا من فرط حبه لها. فقال له ابن أبي حامد: هذه جاريتك؟ قال: نعم. قال: فخذها بارك الله لك فيها. فدعا له المروروذي وشكره، وأخرج ثلاثة آلاف درهم، وهو الثمن الذي بيعت به الجارية، وسأله قبض المال فأبى ابن أبي حامد أن يأخذه. قال المروروذي: إنما جئناك نسألك ردّها ولم نقصد أخذها على هذا الوجه. فقال ابن أبي حامد : هذا رجل فقيه وقد باعها لأجل فقره وحاجته. ومتى استردّها وهو على فقره خيف عليه أن يبيعها ثانية إلى من لا يرضى أن يردّها عليه وقد وهبتُ للجارية ما عليها من الحلي والثياب، فإن احتاج إلى نفقة باع منها. فلما نهض المروروذي والفتى ليودعاه، قال ابن أبي حامد: أريد أن أسألها قبل انصرافها معكما عن شيء … يا جارية، أيّما أحبّ إليك: نحن أو مولاك هذا؟ فقالت الجارية: يا سيدي، أما أنتم فإني أدعو الله أن يحسن جزاءكم على ما فعلتموه بي ووهبتموني إياه. وأما مولاي هذا فوالله لو أعطيتموني به الدنيا ما سلوت عنه ولو كان في ملكي وأنا فقيرة لا أجد عندي ما أقتات به، ما بعته بالرغائب العظيمة مثلما باعني. من كتاب "المنتظم" لابن الجوزي. |
حـب الدّنيـا
قال جعفر الخلدي: من أراد أن يستكتم سرّا له، فليستكتم رويم بن أحمد، فإنه كتم حب الدنيا أربعين سنة. فقيل له: كيف؟ قال: كان يتصوف أربعين سنة. ثم وُلـِّيَ بعد ذلك إسماعيل بن إسحاق قضاء بغداد، وكانت بينهما مودة وكيدة. فجذبه إليه، وجعله وكيلاً على بابه. فترك الصوفية والتصوف والتوكل، ولبس الخز والقصيب، وركب الحمير والبغال، وأكل الطيبات وبنى الدور. وإذا هو كان يكتم حب الدنيا حين كان عاجزاً عن أن يحوزها، فلما وجدها أظهر ما كان يكتم من حبها. من كتاب "نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة" للتنوخي. |
حـج عنـه ملــك
كان عبد الله بن المبارك، صاحب أبي حنيفة رضي الله عنهما، يحج سنة، ويغزو أخرى، حدّث عن نفسه قال: لما كانت السنة التي أحج فيها، خرجت بخمسمائة دينار إلى موقف الجمال بالكوفة لأشتري جملاً، فرأيت امرأة على بعض الطريق تنتف ريش بطة، أحسبها ميتة، فتقدمت إليها وقلت: لـِمَ تفعلين هذا؟ فقالت: يا عبد الله، لا تسألني عما لا يعنيك، فوقع في خاطري من كلامها شيء، فألححت عليها فقالت: يا عبد الله، قد ألجأتني إلى كشف سري إليك. ثم قالت: يرحمك الله، أنا امرأة علوية، ولي أربع بنات، مات أبوهن من قريب، وهذا اليوم الرابع ما أكلن شيئاً، وقد حلت لنا الميتة، فأخذت هذه البطة أصلحها وأحملها إلى بناتي، فقلت في نفسي ويحك يا ابن المبارك، أين أنت من هذه؟ أبسطي حجرك، فصببت الدنانير في طرف إزارها، وهي مطرقة لا تلتفت، وقلت لها: عودي إلى بيتك، فاستعيني بهذه الدنانير على إصلاح شأنك، ونزع الله من قلبي شهوة الحج في هذا العام، ثم تجهزت إلى بلادي، وأقمت حتى حج الناس وعادوا، فخرجت أتلقى جيراني وأصحابي، فصار كل من أقول له: قبل الله حجتك، وشكر سعيك، يقول لي: وأنت قبل الله حجتك وسعيك، إنـّا قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا، وأكثرَ الناس عليّ في القول، فبتُّ مفكراً في ذلك، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وهو يقول يا عبد الله لا تعجب فإنك أغثت ملهوفة من ولدي، فسألت الله أن يخلق على صورتك ملكاً يحج عنك. |
حَجَـر الذّبـاب
حدّث رجل خراساني من بعض أصحاب الصّنعة، ممن كان يعرف بالأحجار الخواصيّة، قال: اجتزت ببائع في الطريق بمصر، فرأيت عنده حجرًا أعرفه، يكون وزنه خمسة دراهم، مليح المنظر. وكنت أعرف أن خاصيته في طرد الذباب، وكنت في طلبه منذ سنين كثيرة. فحين رأيته ساومته فيه، فاستام عليَّ به خمسة دراهم، فلم أماكسه ودفعتها إليه. فلما حصلت في يده، وحصل الحجر في يدي، أقبل يسخر مني ويقول: يجيء هؤلاء الحمير لا يدرون إيش يعطون، ولا إيش يأخذون! هذه الحصاة رأيتها منذ أيام مع صبي، فوهبت له دانق فضـّة وأخذتها، وقد اشتراها هذا الأحمق مني بخمسة دراهم! فرجعت إليه وقلت له: يجب أن أعرّفك أنك أنت الأحمق، لا أنا. قال: كيف؟ قلت: قم معي حتى أعرّفك ذلك. فأقمته ومضينا حتى اجتزنا ببائع يبيع التمر في قصعة، والذّباب محيط بها. فنحّيت الرجل بعيدًا من القصعة، وجعلت الحجر عليها، فحين استقرَّ عليها طار جميع الذباب وتركته ساعة وهي خالية من الذباب، ثم أخذت الحجر، فرجع الذباب. ثم رددته فصار وفعلت ذلك ثلاث مرات. ثم خبّأت الحجر، وقلت: يا أحمق، هذا حجر الذباب، وقد قدمت في طلبه من خراسان، يجعله الملوك عندنا على موائدهم فلا يقربها الذباب، ولا يحتاجون إلى مذبّة ولا إلى مروحة. واللّه لو لم تبعني إيـّاه إلا بخمسمائة دينار لاشتريته منك! فشهق شهقة قدّرت أنه تَلف، ثم أفاق منها بعد ساعة وافترقنا. من كتاب "نشوار المحاضرة" للتنوخي. |
حـذاء أبي القاسـم
كان لأبي القاسم الطُّنْبوري حذاء لبسه سبع سنين، كلما تَقَطّع منه موضع جعل مكانه رقعةً إلى أن صار في غاية الثِّقل، وصار الناسُ يضربون به المثل. واتفق أنه دخل يوما سوق الزُّجاج، فقال له سمسار: يا أبا القاسم، قد قدِم إلى بغداد اليوم تاجرٌ من حَلَب، ومعه حِمْلُ زجاج مُذَهّب قد كَسَدَ. فاشتَرِه منه وأنا أبيعه لك بعد مدة فتكسِبُ به المثل مِثلَين. فمضى أبو القاسم واشتراه بستين دينارا. ثم إنه دخل إلى سوق العطارين، فصادفه سمسار آخر وقال له: يا أبا القاسم، قد قَدِم إلينا اليوم من نَصيبين تاجر يبيع ماء ورد. ولِعَجَلَةِ سفره يمكن أن تشتريه منه رخيصًا، وأنا أبيعه لك فيما بعد فتكسِبُ به المثل مِثلين. فاشتراه أبو القاسم بستين دينارا أخرى، وملأ به الأواني الزجاجية المذهبة، ووضعها على رف من رفوف بيته. ثم إنه دخل الحمام يغتسل، فقال له بعض أصدقائه: يا أبا القاسم، غَيِّر حذاءك هذا فإنه في غاية الشناعة. وأنت ذو مال بحمد الله. فقال له أبو القاسم: الحق معك. ثم إنه خرج من الحمام ولبس ثيابه، فرأى بجانب حذائه حذاء آخر جديدا. فظن أن صديقه من كرمه قد اشتراه هدية له، فلبسه ومضى إلى بيته. وكان ذلك الحذاء الجديد للقاضي، وقد جاء في ذلك اليوم إلى الحمام. فلما خرج فتّش عن حذائه فلم يجده. فسأل الناس: ألم يترك من لبس حذائي عوضه شيئا؟ ففتشوا فلم يجدوا سوى حذاء أبي القاسم، فعرفوه إذ كان يُضرب به المثل. فأرسل القاضي خدمه فكبسوا بيت أبي القاسم، فوجدوا حذاء القاضي عنده. فأخذوه فضربه القاضي تأديبا له، وحبسه مدة، وغرّمه بعض المال، ثم أطلقه. وخرج أبو القاسم من الحبس وأخذ حذاءه وهو غضبان عليه، ومضى إلى نهر دجلة فألقاه فيه، فغاص في الماء. وأتى بعض الصيادين ورمى شبكته، فطلع الحذاء فيها! فلما رآه الصياد عرفه، وظن أنه وقع من أبي القاسم في دجلة. فحمله وأتى به بيته فلم يجده. ونظر فرأى نافذة في البيت مفتوحة فرمى الحذاء منها، فسقط على الرف الذي عليه الأواني الزجاجية فوقع، وتكسّرت الأواني وتبدّد ماء الورد! وجاء أبو القاسم ونظر إلى ما حدث، فلطم وجهه وجعل يبكي ويلعن الحذاء. ثم إنه قام في الليل ليحفر له حفرة يدفنه فيها ويرتاح منه، فسمع الجيران حسّ الحفر فظنوا أن لصا ينقب عليهم، فقبضوا عليه وأحضروه إلى الحاكم فحبسه، ولم يُطلقه حتى غَرِم بعض المال. ثم خرج من السجن فحمل حذاءه إلى الخان فرماه في الكنيف، فَسَدَّ قصبتَه ففاض! وضجر الناس من الرائحة الكريهة وبحثوا عن السبب فوجدوا حذاء فتأمّلوه، فإذا هو حذاء أبي القاسم! فحملوه إلى الوالي وأخبروه بما وقع، فوبّخ الوالي أبا القاسم وغرّمه مالا لتصليح الكنيف، ثم أُطلق. وخرج أبو القاسم والحذاء معه. وقال في نفسه: والله ما عدتُ أفارق هذا الحذاء! ثم إنه غسله وجعله على سطح بيته حتى يجفّ. فرآه كلب فظنّه رِمَّةً فحمله وعبر به إلى سطح آخر، فسقط الحذاء على رأس رجل في الطريق فآلمه وجرحه جرحا بليغا. وفتشوا لمن الحذاء فعرفوا أنه لأبي القاسم! ورفعوا الأمر إلى الحاكم فألزمه بالعِوَض والقيام بلوازم المجروح مُدَّةَ مرضه. ثم إن أبا القاسم أخذ الحذاء، ومضى به إلى القاضي وقال له: أريد من مولانا القاضي أن يكتب بيني وبين هذا الحذاء مبارأة شرعية على أنه ليس مني ولستُ منه، وأن كلا منا بريء من صاحبه، وأنه مهما يفعله هذا الحذاء لا أؤاخذ أنا به! من كتاب "مجاني الأدب". |
حُرقـَة بنت النعمـان
مرَّ زياد بن أبيه بالحيرة، فرأى ديراً هناك، فسأل: لمن هذا الدير، فقيل له: أنه دير حـُرقـَة بنت النعمان بن المنذر، فقال: مـِيلوا بنا إليه لنسمع كلامها، فلما وصلوا، قال لها الخادم: كـَلمي الأمير، فقالت: أؤجز أم أطيل، قال: بل أوجزي، قالت: كنا كأهل بيت طلعت الشمس علينا، وما على الأرض أحد أعز منا، فما غابت تلك الشمس، حتى رحمنا عدونا. ثم قالت: أيها الأمير، ما من دار امتلأت سروراً، إلا امتلأت بعد ذلك ثبوراً، فأمر لها بأوساق من شعير، فقالت: أطعمتك يد شبعاء جاعت، ولا أطعمتك يد جوعاء شبعت، فقال زياد لشاعر معه: قيـِّد هذا الكلام ليدرس فقال: فتـىً ذاق طعم الخيـر منذ قريب سل الخيرَ أهل الخيرِ قِدْماً ولا تسل |
حسـن السياســة
كتب الوليد بن عبد الملك إلى الحجاج بن يوسف، يأمره أن يكتب إليه بسيرته، فكتب إليه: إني أيقظت رأيي، وأنمت هواي، فأدنـَيـْت السيد المطاع في قومه، ووليت الحـَرِبَ الحازم في أمره، وقلـَّدت الخراج الموفـّر لأمانته، وقسمت لكل خصم من نفسي قسماً، وأعطيه حظاً من لطيف عنايتي ونظري، وصرفت السيف إلى النـَّطـِف المسيء، والثواب إلى المحسن البريء، فخاف المريب صولة العقاب، وتمسك المحسن بحظه من الصواب. |
حضانـة الولــد
تخاصم أبو الأسود الدؤلي "واضع النحو" مع امرأته إلى القاضي على غلامهما منه، أيهما أحق بحضانته؟ فقالت المرأة: أنا أحق بها، لأنني حملته تسعة أشهر، ثم وضعته، ثم أرضعته إلى أن ترعرع بين أحضاني كما تراه مراهقـاً. فقال أبو الأسود: أيها القاضي، حملتـُه قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه، فإن كان لها بعض الحق فيه، فـَلـِيَ الحق كله أو جله. فقال القاضي: أجيبي أيتها المرأة على دفاع زوجك. فقالت: لئن حمله خـِفـّا، فقد حملته ثقلاً، ولئن وضعه شهوة، فقد وضعته كرهـاً. فنظر القاضي إلى أبي الأسود وقال له: ادفع إلى المرأة غلامها ودعني من سجعك |
الساعة الآن 02:14 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |