![]() |
حفـظ الســر
قال الوليد لأبيه: إن أمير المؤمنين أسرّ إليّ حديثاً ولا أراه يطوي عنك أفلا أحدثك به؟ قال: لا يا بني إن من كتم السر كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، فلا تكن مملوكاً بعد أن كنت مالكاً. |
حق المودّة وحق السلطان
حدّث سليمان بن وهب قال: لما نكبني الخليفة الواثق قال للوزير ابن عبد الملك الزيات: عَذِّب سليمان وضَيِّقْ عليه وصادِرْه وطالبْه بالأموال. فألبسني ابن عبد الملك الزيات جبّة صوف، وقيّدني وضيّق عليّ، وكان يُحضرني في دار الواثق ويخاطبني أغلظ مخاطبة، ويهددني ويعاملني أقبح معاملة وأشنعها، فيكتب المخبرون بذلك إلى الواثق فيُعجبه. فإذا كان الليل أمر ابنُ عبد الملك الزيات بنزع قيودي وتغيير ثيابي، ويأنس بي ويأكل ويشرب معي، ويشاورني في أموره، ويُفضي إليّ بأسراره. فإذا كان وقت انصرافي عنه، ضرب بيده على كتفي وقال: يا سليمان، هذا حق المودّة وذاك حق السلطان، لا تنكر هذا ولا تنكر ذاك. فإذا كان في غد عاد إلى تهديدي والتضييق عليّ وكأنه لا يعرفني. من كتاب "المستجاد من فعلات الأجواد" للتنوخي. |
حكاية الإخشيد مع المُطَمِّع
أمر الإخشيد بهدم المواخير ودور المقامرين والقبض عليهم. وأُدخِل عليه جماعة من المقامرين وعُرضوا عليه، وفيهم شيخ حسن الهيئة. فقال الإخشيد: وهذا الشيخ مقامر؟!! فقالوا له: هذا يُقال له "المُطَمِّع". فقال الإخشيد: وما المُطَمِّع؟ قالوا: هو سبب رواج حال دار القمار، وذلك أن المقامر إذا خسر ما معه من مال، قال له المُطَمِّع: "العب على ردائك فلعلك تغلب"، فإذا ذهب رداؤه قال له: "العب على قميصك حتى تغلب به"، وهكذا حتى يبلغ نعليه، بل وربما اقترض له مالاً حتى يخسره. ولهذا الشيخ من صاحب دار القمار جراية يأخذها كل يوم لقاء صنعه هذا. فضحك الإخشيد وقال: يا شيخ، تُب إلى الله من هذا. فتاب الرجل، فأمر له الإخشيد بثوب ورداء وألف درهم وقال: يُجْرَى عليه في كل شهر عشرة دنانير. فدعا له الشيخ وشكره وخرج. فقال الإخشيد: رُدُّوه! فلما لحقوا به وردُّوه قال الإخشيد: خذوا منه ما أعطيناه، وأبطحوه، واضربوه ستمائة جلدة. ثم قال للشيخ: تطميعنا خير أم تطميعك؟ من كتاب "المُغْرِب في حُلَى المَغْرب" لابن سعيد الأندلسي. |
حكاية المهدي مع الأعرابي
خرج الخليفة المهدي للصيد، فَبَعُدَ به فرسه عن أصحابه حتى وصل إلى خباء أعرابي وقد ناله جوع وعطش. فقال للأعرابي: هل من قِرًى؟ فأخرج له قرص شعير فأكله، ثم أخرج له فَضلةً من لبن فسقاه منها، ثم أتاه بنبيذ فسقاه. فلما شرب المهدي قال: أتدري من أنا؟ قال: لا. قال: أنا من خدم أمير المؤمنين الخاصة. قال الأعرابي: بارك الله لك في موضعك. ثم سقاه من النبيذ مرة أخرى. فلما شرب قال: يا أعرابي! أتدري من أنا؟ قال: زعمت أنك من خدم أمير المؤمنين الخاصة. قال: لا. أنا من قواد أمير المؤمنين. قال الأعرابي: رَحُبَتْ بلادُك وطاب مرادُك. ثم سقاه الثالثة، فلما فرغ قال: يا أعرابي! أتدري من أنا؟ قال: زعمت أنك من قواد أمير المؤمنين. قال: لا. ولكنني أمير المؤمنين. فأخذ الأعرابي منه النبيذ وأراقه على الأرض وقال: إليك عني! فوالله لو شربت الرابعة لادّعيت أنك رسول الله. من كتاب "المستطرف من كل فن مستظرف" للأبشيهي. |
حكم القاضي لا يحل حراماً
تنازع رجلان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم في مال، وادعى كل منهما أنه صاحبه، فرفعا أمرهما إلى النبي، ولم تكن لأحدهما بينة تثبت حقه، فوعظهما الرسول، قبل أن يقضي بينهما، عسى أن يرجع المبطل منهما، فقال ما معناه: إنما أنا بشر مثلكم، لا أعلم الغيب، ولا ما خفي في الضمائر، إلا ما يوحي به الله إليّ من القرآن وأمور الشرع، فإذا حكمت، فسيكون حكمي مبنياً على ما يظهر لي من قولكما، والله يتولى محاسبتكما على السرائر، وربما كان أحدكما أفصح تعبيراً، وأقوى تأثيراً، يصوغ الحجج، ويجلو الغامض، لحذقه وطول مرانه وسرعة بديهته، فأحكم له، وهو في الواقع ليس بصاحب الحق، ويكون الآخر دونه في القدرة على الدفاع والحوار، فيقع في نفسي أنه مبطل، فأرفض دعواه وهو محق، فمن قضيت له بحق أخيه، فإنما أقضي له بقطعة من النار، إن نفعته في الدنيا، فسيصلى نار جهنم في الآخرة، وتكون عاقبة أمره خسراً، وخير له أن يترك الحق لصاحبه ولا يستحله، فبكى الرجلان من شدة التأثر، وتنازل كل منهما عن حقه للآخر، دفعاً للشبهة عن نفسه، ودرءاً لعذاب النار يوم القيامة. |
حـِلـْم المعتضــد
قال عبيد الله بن سليمان: كنت يومـاً بحضرة الخليفة المعتضد وخادم من خدمه بيده المذبـّة. فبينما هو يذبّ إذ ضرب بالمذبـّة قلنسوة المعتضد فسقطت على الأرض. فكدتُ أصعق إعظامـاً لما حدث، والمعتضد على حاله لم يتغيـّر ولم ينكر شيئـاً. ثم دعا غلامـاً فقال له: هذا الغلام قد نعس. فزِد في عدد خدم المذبة، ولا تنكر عليه فعله. قلت: والله يا أمير المؤمنين ما سمعت بمثل هذا، ولا ظننتُ أن حلمـاً يسع مثله. فقال: هل يجوز غير هذا؟ أنا أعلم أن هذا الناعس لو دار في خلده ما جرى لذهب عقله وتلف. وإنما ينبغي أن يلحق الإنكار بالمتعمد لا بالساهي أو الغالط. من كتاب "المنتظم" لابن الجوزي |
حمّاد الرّاوية والشِّعر (1)
كان المفضَّل الضَّبِّي يقول: قد سُلِّط على الشِّعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبداً. فقيل له: وكيف ذلك؟ أيخطئ في روايته أم يلحق؟ قال: ليته كان كذلك، فإن أهل العلم يردّون من أخطأ إلى الصواب. لا، ولكنه رجل عالم للغات العرب وأشعارها، ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يُشبه به مذاهبَ رجلٍ ويُدخله في شعره، ويُحمل ذلك عنه في الآفاق، فتختلط أشعار القدماء، ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد، وأين ذلك! وقد حُكي أن الخليفة المهديّ قال يومًا للمفضَّل: إني رأيتُ زهير بن أبي سلْمى افتتح قصيدته بأن قال: دَعْ ذا وعَدِّ القول في هَرِم ولم يتقدم له قبل ذلك قول، فما الذي أمر نفسه بتركه؟ فقال له المفضّل: ما سمعتُ يا أمير المؤمنين في هذا شيئًا، إلا أني توهمته كان يفكر في قول يقوله، فعدل عنه إلى مدح هَرِم وقيل دع ذا، أو كان مفكراً في شيء من شأنه فتركه وقال دع ذا، أي دع ما أنت فيه من فكر وعَدِّ القول في هرم. فدعا المهدي بحماد الراوية فسأله عن مثل ما سأل عنه المفضَّل، فقال حماد: ليس هكذا قال زهير يا أمير المؤمنين. قال: فكيف قال؟ فأنشده: لمن الدّيـار بقُنّة الحَــجْرِ أَقْوَيْن مُذْ حجـج ومُذْ دَهــْر قَـفْر بمُنْدَفَع النـحائت من ضَفْوَى أُوُلات الضّال والسرْ دع ذا وعدِّ القول في هرم خيرِ الكهـول وسيـد الحَضر فأقبل المهديّ عليه فقال له: قد بلغني عنك خبر لا بدّ من استحلافك عليه. فحلف له حمّاد بما توثّق منه. فقال المهدي: اصدُقَني عن حال هذه الأبيات ومَن أضافها إلى زهير فأقرّ له حماد حينئذ أنه قائلها! من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني. |
حمّاد الرّاوية والشِّعر (2)
حدّث الطِّرِمَاح الشاعر قال: أنشدتُ حمادا الراوية في مسجد الكوفة قوْلي: بان الخليط بسُحْرَةٍ فَتَبَدَّدُوا وهي ستون بيتًا. فسكتَ ساعة ولا أدري ما يريد، ثم أقبل عليّ فقال: أهذه لك؟ قلت: نعم! قال: ليس الأمر كما تقول. ثم ردّها عليّ كلَّها وزيادة عشرين بيتًا زادها فيها في وقته! فقلت له: ويحك! إن هذا الشعر قلتُه منذ أيام ما اطّلع عليه أحد! قال: قد والله قلتُ أنا هذا الشعر منذ عشرين سنة. فقلت: لله عليّ حِجّة حافيًا راجلاً إن جالستُكَ بعد هذا أبداً! فأخذ قبضة من حَصَى المسجد وقال: لله عليّ بكل حصاة من هذا الحصى مائةُ حِجّة إن كنتُ أبالي! من كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصبهاني. |
حـوار طـريــف
حـُكي أن أعرابياً مرَّ بآخر فقال له: من أين أقبلت يا ابن عم؟ فقال: من الثـَّنية، قال: هل أتيتنا بخير؟ فقال: سل عما بدا لك. قال: كيف علمك بحيي؟ قال: أحسن العلم. قال: هل لك علم بكلبي نـَفاع. قال: حارس الحي؟ قال: فبأم عثمان. قال: ومن مثل أم عثمان؟ قال: فبعثمان؟ قال: وأبيك إنه جرو الأسد. قال: فبجملنا السقاء؟ قال: والله إن سنامه ليخرج من الغبيط. قال: فبالدار؟ قال: وأبيك إنها لخصيبة الجناب عامرة الفناء، ثم قام عنه ناحية وقعد يأكل ولا يدعوه، فمر كلب فصاح به، وقال: يا ابن العم أين هذا الكلب من نفاع. قال: يا أسفا على نفاع. مات. قال: وما أماته؟ قال: أكل من لحم الجمل السقاء فاغتص بعظم منه فمات. قال: إنا لله، أو قد مات الجمل، فما أماته؟ قال: عثر بقبر أم عثمان فانكسرت رجله. فقال: ويلك أماتت أم عثمان؟ قال: أي والله علمت أنه أماتها لأسف على عثمان. قال: ويلك أمات عثمان؟ قال: أي وعهد الله قد سقطت عليه الدار. فرمى الأعرابي بطعامه، وأخذ ينتف لحيته، ويقول إلى أين أذهب؟ فيقول الآخر: إلى النار، وجعل يلتقط الطعام ويأكله ويهزأ به ويضحك ويقول: لا أرغم الله إلا أنف اللئام. |
حيـــاء
قال عمرو بن بحر الجاحظ: الحياء لباس سابغ، وحجاب واق، وستر من العيب، وأخو العفاف، وحليف الدين، ورقيب من العصمة، وعين كالئة، تذود عن الفحشاء، وتنهى عن ارتكاب الأرجاس، وسبب إلى كل جميل. وقال حكيم: لا ترض قول امرئ حتى ترضى فعله، ولا ترض فعله حتى ترضى عقله، ولا ترض عقله حتى ترضى حياءه، فإن ابن آدم مجبول على أشياء من كرم ولؤم، فإذا قوي الحياء قوي الكرم، وإذا ضعف الحياء، قوي اللؤم. وقال آخر: لا يزال الوجه كريماً ما دام حياؤه، ولم يـُرق باللجاجة ماؤه، وقال شاعر: ورب قبيحة ما حال بينـي وبيـن ركوبهــا إلا الحيــاء فكان هو الدواء لها ولكن إذا ذهــب الحيـاء فـلا دواء |
الساعة الآن 01:51 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |