![]() |
استيلاء المظفر وخلع أبي المعالي
ثم إن المظفر بن علي الحاجب القائم بأمر أبي المعالي طمع في الإستقلال بأمر البطيحة فصنع كتاباً على لسان صمصام الدولة سلطان بغداد بولايته وجاء به ركابي عليه أثر السفر وهو بدست إمارته فقرأه بحضرتهم وتلقاه بالطاعة.وعزل أبا المعالي وأخرجه مع أمه إلى واسط وكان يصلهما بالنفقة.وأحسن السيرة بالناس وانقرض بيت عمران بن شاهين.ثم عهد إلى ابن أخته علي بن نصر ويكنى أبا الحسن وتلقب بالأمير المختار وبعده إلى ابن أخته الأخرى ويكنى أبا الحسن ويسمى علي بن جعفر. وفاة المظفر وولاية مهذب الدولة ثم توفي الحاجب المظفر صاحب البطيحة سنة ست وسبعين لثلاث سنين من ولايته وولي بعده ابن أخيه أبو الحسن علي بن نصر بعهده إليه كما مر.وكتب إلى شرف الدولة سلطان بغداد بالطاعة فقلده ولقبه مهذب الدولة فأحسن السيرة وبذل المعروف وأجار الخائف فقصده الناس وأصبحت البطيحة معقلاً.واتخذها الأكابر وطناً وبنوا فيها الدور والقصور.وكاتب ملوك الأطراف وصاهره بهاء الدولة بابنته وعظم شأنه واستجار به القادر عندما خاف من الطائع وهرب إليه فأجاره ولم يزل عنده بالبطيحة ثلاث سنين إلى أن استدعي منها بعث ابن واصل على البطيحه وعزل مهذب الدولة كان من خبر أبي العباس بن واصل هذا أنه كان ينوب عن رزبوك الحاجب وارتفع معه ثم ااستوحش منه ففارقه وصار إلى شهراز واتصل بخدمة فولاد وتقدم عنده.ثم قبض علي فولاد فعاد إلى الأهواز ثم أصعد إلى بغداد ثم خرج منها وخدم أبا محمد بن مكرم.ثم انتفل إلى خدمة مهذب الدولة بالبطيحة وتقدم عنده ولما استولي السركرستان على البصرة بعثه مهذب الدولة في العساكر لحربه فقتله وغلبه ومضى إلى شيراز فأخذ سفن محمد بن مكرم وأمواله ورجع إلى أسافل دجلة فتغلب عليها وخلع طاعة مهذب الدولة فأرسل إليه مائة سميرية مشحونة بالمقاتلة فغرق بعضها وأخذ ابن واصل الباقي وعاد إلى الأيله فبعث إليه أبا سعيد بن ماكولا فهزمه ثانية واستولي على ما معه وأصعد إلى البطيحة وخرج مهذب الدولة إلى شجاع بن مروان وابنه صدقة فغدروا به وأخذوا أمواله ولحق بواسط.واستولي ابن واصل على البطيحة وعلى أموال مهذب الدولة وجمع ما كان لزوجه أبنة بهاء الدولة.وبعث إلى أبيها وكانت قد لحقت ببغداد.ثم اضطرب عليه أهل البطائح وبعث سبعمائة فارس إلى البلاد المجاورة فقاتلهم أهلها وظفروا بهم وخشي أبن واصل على نفسه فعاد إلى البصرة وترك البطائح فوضى ونزل البصرة في قوة واستفحال.وخشي أهل النواحي عاديته فسار بهاء الدولة من فارس إلى الأهواز ليتلافى أمره واستدعى عميد الجيوش من بغداد وسيره في العسكر إليه فجاء إلى واسط واستكثر من السفن وسار إلى البطائح.وسار إليه ابن واصل من البصرة فهزمه وغنم ثقله وخيامه ورجع ابن واصل مفلولاً.عود مهذب الدولة إلي البطيحة: ولما أنهزم عميد الجيوش أقام بواسط فجمع عساكر لمعاودة ابن واصل.ثم بلغه أن نائب بن واسط بالبطائح قد خرج مجفلاً فبعث إلى بغداد وبعث بالعساكر وهم بالإنتقاض فاستدعى عميد الجيوش مهذب الدولة من بغداد وبعثه بالعساكر في السفن إلى البطيحة سنة خمس وستين فاستولي عليها واجتمع عليه أهل الولايات وأطاعوه وقرر عليها بهاء الدولة خمسين ألف دينار في كل سنة.وشغل عن ابن واصل بتجهيز العساكر إلى خوزستان وطمع في الملك واجتمع عنده كثير من الديلم وأصناف الأجناد.وسار إلى الأهواز وسير بها الدولة عسكراً للقائه فهزموهم ودخله دار الملك وأخذ ما كان فيها.وبعث إلى بهاء الدولة في الصلح فصالحه وزاد في إقطاعه.ثم بعث بهاء الدولة العسكر للقائه وسار إلى الأهواز وزحف إليها ابن واصل ومعه بدر بن حسنويه فبعث بهاء الدولة الوزير بالبطيحة فهزمه الوزير ثانية فمضى مع حسان بن محال الخفاجي الكوفي وملك إلى الكوفة وملك البصرة وسار ابن واصل إلى دجلة قاصداً بدر بن حسنويه فبلغ جامعين فأنزله أصحاب بدر وكان أصحاب أبي الفتح بن عنان قريباً منه فكبسه وجاء به إلى بغداد فبعثه عميد الجيوش إلى بهاء الدولة فقتله سنة ست وتسعين كما مر في أخبار الدولة. وفاة مهذب الدولة وولاية ابن أخته عبد الله بن نسي ثم توفي مهذب الدولة عبد الله بن علي بن نصر في جمادى سنة ثمان وأربعمائة وكان ابن أخته أبو عبد الله محمد بن نسى قائماً بأموره ومرشحاً للولاية مكانه.وقد اجتمع عليه الجند واستحلفهم لنفسه وبلغه قبل وفاة خاله أن ابنه أبا الحسن أحمد داخل بعض الجند في البيعة له بعد أبيه فاستدعاه وحمله إليه الجند فقبض عليه.ودخلت إليه أمه فخبرته الخبر فلم يزد على الأسف له.وتوفي مهذب الدولة من الغد وولي أبو محمد بن نسى مكانه وقتل أبو الحسين ابن خاله لثلاث من وفاة أبيه. وفاة ابن نسي وولاية السراني ثم توفي أبو عبد الله محمد بن نسى لثلاثة أشهر من ولايته واتفق الجند على ولاية أبي محمد الحسين من بكر السراني من خواص مهذب الدولة فولوه عليهم وبذل لسلطان الدولة ملك بغداد مالاً فأقره على ولايته ، ^? وأقام أبو محمد السراني على البطيحة إلى سنة عشر وأربعمائة وبعث سلطان الدولة صدقة بن فارس المازياري فنكبه وملك البطيحة وبقي عنده أسيراً إلى أن توفي صدقة وخلص على ما يذكر. وفاة صدقة وولاية سابور بن المرزبان ثم توفي صدقة بن فارس المازياري في محرم لإثنتي عشرة سنة من ولايته وكان سابور بن المرزبان بن مردان قائد جيشه.وكان أبو الهيجاء محمد بن عمران بن شاهين قد تنقل بعد موت أبيه في البلاد بمصر وعند بدر بن حسنويه حتى استقر عند الوزير أبي غالب ونفق عنده بما كان لديه من الأدب.عزل سابور وولاية أبي نصر ثم إن أبا نصر بن مردان زاد في المقاطعة ولم يبلغها سابور وتخلى عن الولاية وفارق البطيحة إلى جزيرة بني دبيس واستقر أبو نصر في ولايتها.ثم عادت إلى أبي عبد الله الحسين بن بكر السراني.عصيان أهل البطيحة علي أبي كاليجار وبعث أبو كاليجار سنة ثمان عشرة وزيره أبا محمد بن نابهشاد إلى البطيحة ومقدمها يومئذ أبو عبد الله الحسين ين بكر السراني قعسف بالناس في أموالهم وقسط عليهم مقادير تؤخذ منهم فانجلوا إلى البلاد وعزم الباقون على قتل السراني.ونما الخبر إلى السراني فجاء إليهم واعتذر إليهم وأوعدهم بالمساعدة.وأشار عليه الوزير بإصلاح السفن حتى زحزحها بحيث لا يتمكن منها.ثم وثبوا به فأخرجوه وكان عندهم جماعة من عسكر جلال الدولة محبوسين فأخرجوهم واستعانوا بهم وعادوا إلى الإمتناع الذي كانوا عليه أيام مهذب الدولة فتم لهم ذلك.ثم جاء أبن العبراني فغلب على البطيحة وأخرج منها السراني فلحق بيزيد بن مزيد وأقام بها ابن العبراني سنة ثلاث وثلاثين فزحف إليه أبو نصر بن الهيثم فغلبه عليها ونهبها واستقر في ملكها على ما يؤديه لجلال الدولة. استيلاء أبي كاليجار على البطيحة ولما كانت سنة تسع وثلاثين بعث أبو كاليجار أبا الغنائم أبا السعادات الوزير في عساكر لحصار البطيحة فحاصرها وبها أبو منصور بن الهيثم حتى جنح إلى الصلح واستأمن نفر من أصحابه إلى أبي الغنائم وأخبروه بضعفه وعزمه على الهرب فحفظ عليه الطرق.ولما كان شهر صفر من السنة واقعهم أبو الغنائم فظفر بهم وقتل من أهل البطيحة خلقاً كثيراً وغرقت منهم سفن متعددة وتفرقوا في الآجام وركب ابن الهيثم السفن ناجياً بنفسه وأحرقت ولاية مهذب الدولة بن أبي الخير علي البطيحة ثم كان بعد ذلك لبني أبي الخير ولاية على البطيحة فيما قبل المائة الخامسة و بعدها ولا أدرى ممن هؤلاء بنو أبي الخير إلا أن ابن الأثير قال: كان إسماعيل ولقب المصطنع ومحمد ولقبه المختص هما ابنا أبي الخير ولهما رياسة قومهما.وهلك المختص وقام مكانه ابنه مهذب الدولة.ونازع ابن الهيثم صاحب البطيحة إلى أن غلبه مهذب الدولة أيام كوهرايين الشحنة ببغداد.وكان بنو عمه وعشيرته تحت حكمه.وأقطع السلطان محمد سنة خمس وتسعين وخمسمائة مدينة واسط لصدقة بن مزيد صاحب البطيحة والحلة فضمنها منه مهذب الدولة أحمد بن أبي الخير صاحب البطيحة وفرق أولاده في الأعمال وطالبه صدقة بالأموال وحبسه وضمن حماد ابن عمه واسط.وكان مهذب الدولة يصانع حماد ابن عمه إسماعيل ويداريه وحماد يطمح إلى رياسته فلما هلك كوهرايين نازع حماد مهذب الدولة ابن عمه واجتهد مهذب الدولة في إصلاحه فلم يقدر فجمع النفيس بن مهذب الدولة فهرب حماد إلى صدقة مستجيشاً به فعاد بالجيش وحاربه مهذب الدولة وزاده صدقة المدد فانهزم مهذب الدولة.وهلك أكثر عسكره وقوي طمع حماد.واستمد صدقة فأمده بالعساكر مع مقدم جيشه حميد بن سعيد.وبعث مهذب الدولة لصاحب الجيش بالإقامات والصلات فمال إليه وأصلح ما بينه وبين صدقة.وبعث مهذب الدولة ابنه النفيس إلى صدقة فأصلح بينهم وبين حماد ابن عمهم وكان ذلك أعوام الثلاثين. ولاية نصر بن النفيس والمظفر بن حماد من بعده علي البطيحة ثم كان انتقاض دبيس بن صدقة أيام المسترشد والسلطان محمود وكان البرسقي شحنة ببغداد فانتزع السلطان البطيحة من يد دبيس وأقطعها إلى سحان الخادم مولاه فولي عليها نصر بن النفيس بن مهذب الدولة أحمد بن محمد بن أبي الخير.وأمر السلطان محمود البرسقي بالمسير لقتال دبيس فاحتشد وسار لذلك ومعه نصر بن النفيس صاحب البطيحة وابن عمه المظفر بن حماد بن إسماعيل بن أبي الخير وبينهما من العداوة المتوارثة ما كان بين سلفهما.والتقى البرسقي ودبس وهزمه دبيس وجاءت العساكر منهزمة.وبقي نصر بن النفيس وابن عمه حماد عند ساباط النهر فقتله ولحق بالبطيحة فملكها وبعث إلى دبيس بطاعته وبعث دبيس إلى الخليفة يصانعه بالطاعة على البعد.وبلغ الخبر إلى السلطان محمود فقبض على منصور بن صدقة أخي دبيس وولده فكحلهما فاستشاط دبيس وساء أثره في البلاد وبعث إلى أحيائه بواسط فمنعهم الأتراك الذين بها فبعث مهلهل بن أبي العسكر مقدم عساكره في جيش وكتب إلى المظفر بن حماد صاحب البطيحة بمعاضدته على قتال وسط فتجهز وأصعد وعاجل مهلهل الحرب قبل وصوله فهزمه أهل واسط وغنموا ما معه وكان في جملتها بخط دبيس وصار معهم وساءت آثار دبيس في البلاد ولم يزل حال البطيحة على ذلك.ثم صار أمرها لبني معروف وأجلاهم الخلفاء عنها. إجلاء بني معروف من البطيحة كان بنو معروف هؤلاء أمراء بالبطيحة في آخر المائة السادسة ولا أدري ممن هم فلما استجمع للخلفاء أمرهم وخرجوا عن استبداد ملوك السلجوقية واقتطعوا الأعمال من أيديهم شيئاً فشيئاً فصار لهم الحلة والكوفة وواسط والبصرة وتكريت وهيت والأنبار والحديثة.وجاءت دولة الناصر وبنو معروف على البطيحة وكبيرهم معلي.قال ابن الأثير: وهم قوم من ربيعة كانت غربي الفرات تحت سورا وما يتصل بها من البطائح وكثرت إذاياتهم وإفسادهم في النواحي.وبلغت الشكوى بهم إلى الديوان فأمر الخليفة الناصر مغذا الشريف متولي بلاد واسط أن يسير إلى قتالهم فاستعد لذلك وجمع من سائر تلك الأعمال فسار إليهم سنة ست عشرة بالعير من بلاد البطيحة وفشا القتل بينهم.ثم انهزم بنو معروف وتفرقوا بين القتل والأسر والغرق واستبيحت أموالهم وانتظمت البطيحة في أعمال الناصر ولم يبق بها ملك ولا دولة. دولة بني حسنويه الخبر عن دولة بني حسنويه من الأكراد القائمين بالدعوة العباسية بالدينور والصامغان ومبدأ أمورهم وتصاريف أحوالهم كان حسنويه بن الحسين الكردي من طائفة الأكراد يعرفون بالريزنكاس وعشير منهم يسمون الدويلتية وكان مالكاً قلعة سرياج وأميراً على البررفكان.وورث الملك عن خاليه ونداد وغانم إبني أحمد بن علي وكان صنفهما من الأكراد يسمون العبابية وغلباً على أطراف الدينور وهمذان ونهاوند والصامغان وبعض نواحي أذربيجان إلى حدود شهرزور فملكاها نحواً من خمسين سنة ولكل واحد منهما ألوف من العساكر وتوفي وندور بن أحمد سنة تسع وأربعين وقام مقامه ابنه أبو الغنائم عبد الوهاب إلى أن أسره الشاذجان من طوائف الأكراد وسلموه إلى حسنويه فأخذ قلاعه وأملاكه.وتوفي غانم سنة خمسين وثلثمائة فقام ابنه أبو سالم دسيم مكانه بقلعة فتنان إلى أن أزاله أبو الفتح بن العميد واستصفى قلاعه المسماة بستان وغانم أفاق وغيرهما.وكان حسنويه حسن السيرة ضابطاً لأمره وبني قلعة سرماج بالصخور المهندسة وبني بالدينور جامعاً كذلك وكان كثير الصدقة للحرمين.ولما ملك بنو بويه البلاد واختص ركن الدولة بالري وما يليه كان شيعة ومدداً على عدوه فكان يرعى ذلك ويغضي عن أموره إلى أن وقعت بين ابن مسافر من قواد الديلم وكبارهم وقعة هزمه فيها حسنويه وتحصن بمكان فحاصره فيه وأضرمه عليه ناراً فكاد يهلك.ثم استأمن له فغدر به وامتعض لذلك ركن الدولة وأدركته نعرة العصبية وبعث وزيره أبا الفضل بن العميد في العساكر سنة تسع وخمسين فنزل همذان وضيق على حسنويه ثم مات أبو الفضل فصالحه ابنه أبو الفتح على مال ورجع عنه . |
وفاة حسنويه وولاية ابنه بدر
ثم توفي حسنويه سنة تسع وستين وافترق ولده على عضد الدولة لقتال أخويه محمد وفخر الدولة.وكانوا جماعة أبو العلاء وعبد الرزاق وأبو النجم بدر وعاصم وأبو عدنان وبختيار وعبد الملك.وكان بختيار بقلعة سرماج ومعه الأموال والذخائر فكاتب عضد الدولة ورغب في طاعته ثم رغب عنه فسير إليه عضد الدولة جيشاً وملك قلعته وغيرها من قلاعهم.ولما سار عضد الدولة لقتال أخيه فخر الدولة وملك همذان والري وأضافهما إلى أخيه مؤيد الدولة ولحق فخر الدولة بقابوس بن وشمكير عرج عضد الدولة إلى ولاية حسنويه الكرس فافتتح نهاوند والدينور وسرماج وأخذ ما فيها من ذخائره وكانت جليلة المقدار.وملك معها عمة من قلاع حسنويه ووفد عليه أولاد حسنويه فقبض على عبد الرزاق وأبي العلاء وأبي عدنان واصطنع من بينهم أبا النجم بمر بن حسنويه وخلع عليه وولاه على الأكراد وقواه بالرجال فضبط ملك النواحي وكف عادية الأكراد بها.واستقام أمره فحسد أخواه وأظهر عاصم وعبد الملك منهم العصيان وجمعا الأكراد المخالفين.وبعث عضد الدولة العساكر فأوقعوا بعاصم وهزموه وجاؤوا به أسيراً إلى همذان ولم يوقف له بعد ذلك على خبر وذلك سنة سبعين.وقتل جميع أولاد حسنويه وأقر بدراً على عمله. حروب بدر بن حسنويه وعساكر مشرف الدولة ولما توفي عضد الدولة وملك ابنه صمصام الدولة ثار عليه أخوه مشرف الدولة بفارس ثم ملك بغداد وكان فخر الدولة بن ركن الدولة قد عاد من خراسان إلى مملكة أصفهان والري بعد وفاة أخيه مؤيد الدولة وأوقع بينه وبين مشرف الدولة فكان مشرف الدولة يحقد عليه.فلما استقر ببغداد وانتزعها من يد صمصام الدولة وكان قائده قراتكين الجهشاري مدلاً عليه متحكماً في دولته وكان ذلك يثقل على مشرف الدولة جهزه في العساكر لقتال بدر بن حسنويه يروم إحدى الراحتين فسار إلى بدر سنة سبع وسبعين ولقيه على وادي قرميسين.وانهزم بدر حتى توارى ولم يتلقوه ونزلوا في خيامه ثم كر بدر فأعجلهم عن الركوب وفتك فيهم واحتوى على ما معهم.ونجا قراتكين في فل إلى جسر النهروان فلحق به المنهزمون ودخل بغداد ، ^? واستولي بدر على أعمال الجبل وقويت شوكته واستفحل أمر.ولم يزل ظاهراً عزيزاً وقلد من ديوان الخلافة سنة ثمان وثمانين أيام السلطان بهاء الدولة ولقب ناصر الدولة.وكان كثير الصدقات بالحرمين وكثير الطعام للعرب بالحجاز لخفارة الحاج وكف أصحابه من الأكراد عن إفساد السابلة فعظم محله وصار ذكره. مسير ابن حسنويه لحصار بغداد مع أبي جعفر بن هرمز كان أبو جعفر الحجاج بن هرمز نائباً بالعراق عن بهاء الدولة ثم عزل فدال منه بأبي علي بن أبي جعفر أستاذ هرمز وتلقب عميد الجيوش فأقام أبو جعفر بنواحي الكوفة وقاتل عميد الجيوش فهزمه العميد.ثم جرت بينهما حروب سنة ثلاث وستين وأقاما على الفتنة والإستنجاد بالعرب من بني عقيل وخفاجة وبني أسد وبهاء الدولة مشتغل بحرب ابن واصل في البصرة.واتصل ذلك إلى سنة سبع وتسعين.وكان ابن واصل قد قصد صاحب طريق خراسان وهو قلج ونزل عليه واجتمعا على فتنة عميد الجيوش.وتوفي هذه السنة فولي عميد الجيوش مكانه أبا الفتح محمد بن قلج عنان عدو بدر بن حسنويه.وفحل الأكراد المسامي لبحر في الشؤون وهو من الشادنجان من طوائف الأكراد وكانت حلوان له فغضب لذلك بمر ومال إلى أبي جعفر وجمع له الجموع من الأكراد مثل الأمير هندي بن سعدي وأبي عيسى سادي بن محمد ورام بن محمد وغيرهم.واجتمع له معهم علي بن مزيد الأسدي.وزحفوا جميعاً إلى بغداد ونزلوا على فرسخ منها.ولحق أبو الفتح بن عنان بعميد الجيوش وأقام معه ببغداد حامياً ومدافعاً إلى أن وصل الخبر بهزيمة ابن واصل وظهور بهاء الدولة عليه فأجفلوا عن بغداد وسار أبو جعفر إلى حلوان ومعه أبو عيسى وراسل بهاء الدولة.ثم سار ابن حسنويه إلى ولاية رافع بن معن من بني عقيل يجتمع مع بني المسيب في المقلد وعاث فيها لأنه كان آوى أبا الفتح بن عنان حين أخرجه بدر من حلوان وقرميسين واستولي عليها فأرسل بدر جيشاً إلى أعمال رافع بالجناب ونهبوها وأحرقوها.وسار أبو الفتح بن عنان إلى عميد الجيوش ببغداد فوعده النصر حتى إذا فرغ بهاء الدولة من شأن ابن واصل وقتله أمر عميد الجيوش بالمسير إلى بدر بن حسنويه لإعانته على بغداد وإمداده ابن واصل فسار لذلك ونزل جنديسابور وبعث إليه بدر في الصلح على أن يعطيه ما أنفق على العساكر فحمل إليه ورجع عنه.انتقاض هلال بن بدر بن حسنويه على أبيه وحروبهما كانت أم هلال هذا من الشادنجان رهط أبي الفتح بن عنان وأبي الشوك بن ملهل واعتزلها أبوه لأول ولادته فنشأ مبعداً عن أبيه واصطفى بدر ابنه الآخر أبا عيسى وأقطع هلالاً الصامغان فأساء مجاورة ابن المضاضي صاحب شهرزور وكان صديقًا لبدر فنهاه عن ذلك فلم ينته.وبعث ابن المضاضي يتهدده فبعث إليه أبوه بالوعيد فجمع وقصد ابن المضاضي وحاصره في قلعة شهرزور حتى فتحها.وقتل ابن المضاضي واستباح بيته.فاتسع الخرق بينه وبين أبيه واستمال أصحاب أبيه بدر وكان بدر نسيكاً فاجتمعوا إلى هلال وزحف لحرب أبيه والتقيا على الدينور.وانهزم بدر وحمل أسيراً إلى ابنه هلال فرده في قلعته للعبادة وأعطاه كفايته بعد أن ملك الحصن الذي تملكه بما فيه.لما إستقر بدر بالقلعة حصنها وأرسل إلى أبي الفتح بن عنان وإلى أبي عيسى سادي بن محمد بأستراباذ وأغراهما بأعمال هلال فسار أبو الفتح إلى قرميسين وملكها.وأساء الديلم فاتبعه هلال إليها ووضع السيف في الديلم.وأمكنه ابن رافع من أبي عيسى فعفا عنه وأخذه معه وأرسل بدر من قلعته يستنجد بهاء الدولة فبعث إليه الوزير فخر الملك في العساكر وانتهى إلى سابور خواست.واستشار هلال أبا عيسى بن سادي فأشار عليه بطاعة بهاء الدولة وإلا فالمطاولة وعدم العجلة باللقاء فاتهمه وسار العسكر ليلاً فكبسه.وركب فخر الملك في العساكر وثبت فبعث إليه هلال بأني إنما جئت للطاعة.ولما عاين بدر رسوله طرده وأخبر الوزير أنها خديعة فسر بذلك وانتفت عنه الظنة ببدر.وأمر العساكر بالزحف فلم يكن بأسرع من مجيء هلال أسيراً فطلب منه تسليم القلعة لبدر فأجاب على أن لا يمكن أبوه منه واستأمنت أمه ومن معها بالقلعة فأمنهم الوزير وملك القلعة وأخذ ما فيها من الأموال يقال أربعون ألف بمرة دنانير وأربعمائة ألف بدرة دراهم سوى الجواهر والثياب والسلاح وسلم الوزير فخر الملك القلعة لبدر وعاد إلى بغداد. |
استيلاء ظاهر بن هلال على شهرزور
كان بدر بن حسنويه قد نزل عن شهرزور لعميد الجيوش ببغداد وأنزل بها نوبة فلما كانت سنة أربع وأربعمائة وكان هلال بن بدر معتقلاً سار ابنه ظاهر إلى شهرزور وقاتل عساكر فخر الملك منتصف السنة وملكها من أيديهم وأرسل إليه الوزير يعاتبه ويأمره بإطلاق من أسر من أصحابه ففعل وبقيت شهرزور بيده.مقتل بدر بن حسنويه وابنه هلال ثم سار بدر بن حسنويه أمير الجيل إلى الحسن بن مسعود الكردي ليملك عليه بلاده وحاصره بحصن كوسجة وأطال حصاره فغدر أصحاب بدر وأجمعوا قتله.وتولي ذلك الجورقان من طوائف الأكراد فقتلوه وأجفلوا فدخلوا في طاعة شمس الدولة بن فخم الدولة صاحب همذان.وتولي الحسين بن مسعود تكفين بدر ومواراته في مشهد علي.ولما بلغ ظاهر بن هلال مقتل جده وكان هارباً منه بنواحي شهرزور وجاء لطلب ملكه فقاتله شمس الدولة فهزمه وأسره وحبسه بهمذان واستولي على بلاده.وصار الكرية والشادنجان من الأكراد في طاعة أبي الشوك.وكان أبوه هلال بن بدر محبوساً عند سلطان الدولة ببغداد فأطلقه وجهز معه العساكر ليستعيد بلاده من شمس الدولة فسار ولقيه شمس الدولة فهزمه وأسره وقتله ورجعت العساكر منهزمة إلى بغداد.وكان في ملك بدر سابور خواست والدينور وبروجرد ونهاوند وأستراباذ وقطعة من أعمال الأهواز وما بين ذلك من القلاع والولايات.وكان عادلاً كثير المعروف عظيم الهمة.ولما هلك هو وابنه هلال بقي حافده ظاهر محبوساً عند شمس الدولة بهمذان. مقتل ظاهر بن هلال واستيلاء أبي الشوك على بلادهم ورياستهم كان أبو الفتح محمد بن عنان أمير الشادنجان من الأكراد وكانت بيده حلوان وأقام عليها أميراً وعلى قومه عشرين سنة.وكان يزاحم بدر بن حسنويه وبنيه في الولايات والأعمال بالجيل.وهلك سنة إحدى وأربعمائة وقام مكانه ابنه أبو الشوك وطلبته العساكر من بغداد فقاتلهم وهزموه فامتنع بحلوان إلى أن أصلح حاله مع الوزير فخر الملك لما قدم العراق بعد عميد الجيوش من قبل بهاء الدولة.ثم إن شمس الدولة بن فخر الدولة ابن بويه أطلق ظاهر بن هلال بن بدر من محبسه بعد أن استخلفه على الطاعة وولاه على قومه وعلى بلاده بالجبل وأبو الشوك صاحب حلوان والسهل وبينهما المنافسة القديمة فجمع ظاهر وحارب أبا الشوك فهزمه.وقتل سعدي بن محمد أخاه ثم جمع ثانية فانهزم أبو الشوك أيضاً وامتنع بحلوان وملك ظاهر عامة البسيط وأقام بالنهروان.ثم تصالحا وتزوج ظاهر أخت أبي الشوك فلما أمنه ظاهر وثب عليه أبو الشوك فقتله بثأر أخيه سعدي ودفنه أصحابه بمقابر بغداد وملك سائر الأعمال ونزل الدينور.ولما استولي علاء الدولة بن كاكويه على همذان سنة أربع عشرة عندما هزم عساكر شمس الدولة بن بويه واستبد عليه سار إلى الدينور فملكها من يد أبي الشوك ثم إلى سابور خواست وسائر تلك الأعمال.وسار في طلب أبي الشوك فأرسل إليه مشرف الدولة سلطان بغداد وشفع فيه فعاد عنه علاء الدولة.ولما زحف الغز إلى بلاد للري سنة عشرين وأربعمائة وملكوا همذان وعاثوا في نواحيها إلى أستراباذ وقرى الدينور خرج إليهم أبو الفتح بن أبي الشوك وقاتلهم فهزمهم وأسر منهم جماعة.ثم عقد الصلح معهم على إطلاق أسراهم ورجعوا عنه.ثم استولي أبو الشوك سنة ثلاثين على قرميسين من أعمال الجبل وقبض على صاحبها من الأكراد الترهية وسار أخوه إلى قلعة أرمينية فاعتصم بها من أبي الشوك وكانت لهم مدينة خولنجان فبعث إليها عسكرًا فلم يظفروا وعاثوا عنها.ثم جهز آخر وبعثهم ليومهم يسابقون جندهم ومروا بأرمينية فنهبوا ربضها وقاتلوا من ظفروا به وانتهوا إلى خولنجان فكبسوها على حين غفلة.واستأمن إليهم أهلها وتحصن الحامية بقلعة وسط البلد فحاصروها وملكوها عليهم في ذي القعدة من السنة. الفتنة بين أبي الفتح بن أبي الشوك وعمه مهلهل كان أبو الفتح بن أبي الشوك نائباً عن أبيه بالدينور واستفحل بها وملك قلاعاً عدة وحمى أعماله من الغز فأعجب بنفسه ورأى التفوق على أبيه.وسار في شعبان سنة إحدى وثلاثين إلى قلعة بكورا من قلاع الأكراد وصاحبها غائب وبها زوجته فراسلت مهلهلاً لتسلم له القلعة نكاية لأبي الفتح وكانت حلة مهلهل في نواحي الصامغان فانتظر حتى عاد أبو الفتح عن القلعة.وجمر العساكر لحصارها.وسار إليها أبو الفتح فوري له عن قصده ورجع فأتبعه أبو الفتح فقاتله عمه مهلهل ثم ظفر به وأسره وحبسه.وجمع أبو الشوك وقصد شهرزور وحاصرها.ثم قصد بلاد مهلهل وطال الأمر ولج مهلهل في شأنه وأغرى علاء الدولة بن كاكويه ببلد أبي الفتح فملك عليه الدينور وقرميسين سنة إثنتين وثلاثين.ثم سار أبو الشوك إلى دقوقا وقدم إليها ابنه سعدي فحاصرها وجاء على أثره فنقبوا سورها وملكها عنوة ونهب بعض البلد وأخذت أسلحة الأكراد وثيابهم وأقام أبو الشوك بها ليلة.ثم بلغه أن أخاه سرخاب بن محمد قد أغار على مواضع من ولايته فخاف على البندنجين.ورجع وبعث إلى جلال الدولة سلطان بغداد يستنجده فبعث إلى العساكر وأقاموا عنده وسار مهلهل إلى علاء الدولة بن كاكويه يستصرخه على أخيه أبي الشوك على الإعتصام بقلعة السيروان.ثم بعث إلى علاء الدولة يعرض له بالرجوع إلى جلال الدولة صاحب بغداد فصالحه على أن يكون الدينور لعلاء الدولة ورجع عنه.ثم سار أبو الشوك إلى شهرزور فحاصرها وعاث في سوادها وحصر قلعة بيزاز شاه فدافعه أبو القاسم بن عياض عنها ووعده بخلاص ابنه أبي الفتح من أخيه مهلهل فسار من شهرزور إلى نواحي سند من أعمال أبي الشوك.ولما بعث إليه ابن عياض بالصلح مع أخيه أبي الشوك إمتنع فسار أبو الشوك من حلوان إلى الصامغان.ونهب ولاية مهلهل كلها.وأجفل مهلهل بين يديه.ثم تردد الناس بينهما في الصلح وعاد عنه أبو الشوك. |
استيلاء نيال أخي طغرلبك على ولاية أبي الشوك
ثم سار إبراهيم نيال بأمر أخيه طغرلبك من كرمان إلى همذان فملكها ولحق كرساشف بن علاء الدولة بالأكراد الجورقان وكان أبو الشوك حينئذ بالدينور ففارقها إلى قرميسين وملكها نيال.وسار في أتباعه إلى قرميسين ففارقها إلى حلوان وترك كل من في عسكره من الديلم والأكراد الشادنجان.وسار إليها نيال وملكها عليهم عنوة واستباحها وفتك في العسكر ولحق فلهم بأبي الشوك في حلوان فقدم أهله وذخيرته إلى قلعة السيروان وأقام.ثم سار نيال إلى الصيمرة فملكها ونهبها وأوقع بالأكراد المجاورين لها في الجورقان فانهزموا.وكان عندهم كرساشف بن علاء الدولة فلحق.ببلد شهاب الدولة وشرد أهلها في البلاد ووصل إليها نيال آخر شعبان فملكها وأحرقها وأحرق دار أبي الشوك وسارت طائفة من الغز في أثر جماعة منهم فأدركوهم بخانقين فغنموا ما معهم وانتشر الغز في تلك النواحي.وتراسل أبو الشوك وأخوه مهلهل.وكان ابنه أبو الفتح قد مات في سجن مهلهل فبعث مهلهل ابنه وحلف له أنه لم يقتله وإن ثبت فاقتل أبا الغنائم بثأره فقبل ورضي واصطلحا على دفاع نيال عن أنفسهما.وكان أبو الشوك قد أخذ ممتلكات سرخاب أخيه ما عدا قلعة دوربلونة وتقاطعا لذلك فسار سرخاب إلى البندنجين وبها سعدي بن أبي الشوك ففارقها سعدي إلى أبلة ونهبها سرخاب. وفاة أبي الشوك وقيام أخيه مهلهل مقامه ثم توفي أبو الشوك فارس بن محمد سنة سبع وثلاثين بقلعة السيروان من حلوان وقام مقامه أخوه مهلهل واجتمع إليه الأكراد ماثلين إليه عن ابن أخيه سعدي بن أبي الشوك فلحق سعدي بنيال أخي طغرلبك يستدعيه لملك البلاد.ولما استولي مهلهل بعد موت أخيه أبي الشوك وكان نيال عندما غدا من حلوان ولي على قرميسين بدر بن ظاهر بن هلال بن بدر بن حسنويه فسار إليها مهلهل سنة ثمان وثلاثين فهرب بدر عنها وملكها.وبعث ابنه محمداً إلى الدينور وبها عساكر نيال فهزمهم وملكها. استيلاء سعدي بن أبي الشوك على أعمالهم بدعوة السلجوقية ولما ملك مهلهل بعد أخيه أبي الشوك تزوج بأم سعدي وأهله وأساء معاملة الأكراد الشادنجان فراسل سعدي نيال وسار إليه بالشادنجان فبعث معهم عسكراً من الغز سنة تسع وثلاثين فملك حلوان وخطب فيها لإبراهيم نيال.ورجع إلى مابدشت فخالفه عمه مهلهل إلى حلوان فملكها وقطع منها خطبة نيال فعاد سعدي إلى عمه سرخاب فكبسه ونهب حلله.وسير إلى البندنجين جمعاً فقبضوا على نائب سرخاب ونهبوها.وصعد سرخاب إلى قلعة دوربلونة وعاد سعدي إلى قرميسين وبعث مهلهل ابنه بدراً إلى حلوان فملكها فجمع سعدي وأكثر من الغز.وسار فملك حلوان وتقدم إلى عمه مهلهل فلحق بتيرازشاه من قلاع شهرزور واستباح الغز سائر تلك النواحي وحاصر سعدي تيرازشاه ومعه أحمد بن ظاهر قائد نيال ونهب الغز حلوان.وأراد مهلهل أن يسير إلى ابن أخيه فتكاسلوا ثم قطع سعدي البندنجين لأبي الفتح نجن دارم على أن يحاصر معه عمه سرخاب بقلعة دوربلونة فساروا إليها وكانت ضيقة المسلك فدخلوا المضيق فلم يخلصوا وأسر سعدي وأبو الفتح وغيرهما من الأعيان ورجع الغز عن تلك النواحي بعد أن كانوا ملكوها.نكبة سرخاب واستيلاء نيال على أعمالهم كلها ثم إن سرخاب لما قبض سعدي ابن أخيه أبي الشوك غاضبه ابنه أبو العسكر وإعتزله وكان سرخاب قد أساء السيرة في الأكراد فاجتمعوا وقبضوا عليه وحملوه إلى نيال فاقتلع عينه وطالبه بإطلاق سعدي بن أبي الشوك فأطلقه أبو العسكر ابنه واستحلفه على السعي في خلاص أبيه سرخاب فانطلق سعدي واجتمع عليه كثير من الأكراد.وسار إلى نيال فاستوحش منه وسار إلى الدسكرة وكاتب أبا كاليجار بالطاعة.ثم سار إبراهيم نيال إلى قلعة كلجان وامتنعت عليهم.ثم حاصروا قلعة دوربلونة فتقدمت طائفة إلى البندنجين فنهبوها.وسار إبراهيم فيها بالنهب والقتل والعقوبة في المصادرة حتى يموتوا.وتقدمت طائفة إلى الفتح فهرب وترك حلله فعرجوا عليها واتبعوه فقاتلهم وظفر بهم وبعث مستنجداً فلم ينجدوه فعبر وأمر بنزول حلله إلى جانب الغز.وكان سعدي بن أبي الشوك نازلاً على فرسخين من باجس فكبسه الغز فهرب وترك.حلله وغنمها الغز ونهبوا تلك الأعمال والدسكرة والهارونية وقصر سابور.وتقسم أهلها بين القتل والغرق والهلاك بالبرد.ووصل سعدي إلى دبال ولحق منها بأبي الأغردبيس بن مزيد فأقام عنده.وحاصر نيال قلعة السيروان وضيق عليها وضربت سراياه في البلاد وانتهت إلى قرب تكريت.ثم استأمن أهل قلعة السيروان إلى نيال فملكها وأخذ منها ذخيرة سعدي وولي عليها من أصحابه ثم مات صاحب قلعة السيروان وبعث وزيره إلى شهرزور فملكها وهرب مهلهل وأبعد في الهرب وحاصر عسكر نيال قلعة هواز شاه.ثم راسل مهلهل أهل شهرزور بالتوثب بالغز الذين عندهم فقتلوهم ورجع قائد نيال ففتك فيهم.ثم سار الغز المقيمون بالبندنجين إلى نهر سليلي وقاتلوا أبا دلف القاسم بن محمد الجاواني فهزمهم وظفر بهم وغنم ما معهم.وسار في ذي الحجة جمع من الغز إلى بلد علي بن القاسم فعاثوا فيها فأخذ عليهم المضيق فأوقع بهم واسترد ما غنموه.ولم يزل أحمد بن ظاهر قائد نيال محاصراً قلعة تيرازشاه في شهرزور إلى أن دخلت سنة أربعين ووقع الموتان في عسكره.واستمد نيال فلم يمده فرحل عنها إلى مايدشير.وبلغ ذلك مهلهلاً فبعث أحد أولاده إلى شهرزور فملكها وأجفل الغز من السيروان.وسارت عساكر بغداد إلى حلوان وحاصروا قلعتها ولم يظفروا فنهبوا مخلف الغز وخربوا الأعمال وسار مهلهل إلى بغداد فأنزل أهله وأمواله بها وأنزل حلله على ستة فراسخ منها فسار عسكر من بغداد إلى البندنجين وقاتلوا الغز الذين بها فهزمهم الغز وقتلوهم جميعاً.بقية أخبار مهلهل وابن أبي الشوك وانقراض أمرهم ثم سار مهلهل أخو أبي الشوك إلى السلطان طغرلبك سنة ثلاث وأربعين فأحسن إليه وأقره على إقطاعه السيروان ودقوقا وشهرزور والصامغان وسعى في أخيه سرخاب وكان محبوساً عنده فأطلقه وسوغه قلعة الماهكي وكانت له فسار إليها وأقطع سعدي بن أبي الشوك الرادندبين.ثم بعثه سنة ست وأربعين في عسكر من الغز إلى نواحي العراق فنزل بمابدشت وسار منها إلى أبي دلف الجاواني فهرب بين يديه وأدركه فنهب أمواله وفلت بنفسه.وكان خالد ابن عمه مع الوزير ومطر ابني علي بن معن العقيلي فوفد أولادهم على سعدي يشكون مهلهلاً فوعدهم النصر ورجعهم من عنده فاعترضهم أصحاب مهلهل فأسرهم بنو عقيل ففداهم مهلهل وأوقع بهم على تل عكبرا ونهبهم فساروا إلى سعدي وهو بسامراء.واتبع عمه مهلهلاً وظفر به وأسره وأسر مالكاً ابنه ورد غنائم بني عقيل ورجع إلى حلوان.واضطربت بغداد واجتمعت عساكر الملك الرحيم ومعهم أبو الأغردبيس بن مزيد يسعى عند سعدي في أبيه.وكان ابن سعدي عند السلطان طغرلبك رهينة فرده على أبيه عوضاً عن مهلهل وأمره بإطلاق مهلهل فامتعض لذلك سعدي وعصى على طغرلبك.وسار إلى حلوان فامتنعت عليه وأقام يتردد بين رشقباد والبردان.وأظهر مخالفة طغرلبك ورجع إلى طاعة الملك الرحيم فبعث طغرلبك العساكر بدران بن مهلهل إلى شهرزور ووجد إبراهيم بن إسحق من قواده فأوقعوا به ومضى إلى قلعة رشقباد.وسار بدر بن مهلهل إلى شهرزور ورجع إبراهيم بن إسحق إلى حلوان فأقام بها.ثم نهض سنة ست وأربعين إلى الدسكرة فنهبها واستباحها وسار إلى رشقباد وهي قلعة سعدي وفيها ذخيرته وفي القلعة البردان فامتنعت عليه فخرب أعمالها ووهن الديلم في كل ناحية.وبعث طغرلبك أبا علي بن أبي كاليجار صاحب البصرة في عسكر من الغز إلى الأهواز فملكها ونهبها الغز ولقي الناس منهم عيثاً بالنهب والمصادرة.وأحاطت دعوة طغرلبك ببغداد من كل ناحية.وانقرض الأكراد من أعمالهم واندرجوا في جملة السلطان طغرلبك.وتلك الأيام نداولها بين الناس والله يؤتي ملكه من يشاء والله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا راد لأمره.بسم الله الرحمن الرحيم الخبر عن الدولة السلجوقية من الترك المستولين على ممالك الإسلام ودوله بالمشرق كلها إلى حدود مصر مستبدين على الخليفة ببغداد من خلافة القائم إلى هذا الزمان وما كان لهم من الملك والسلطان في أقطار العالم وكيف فعلوا بالعلماء وحجروهم وما تفرع عن دولتهم من الدول قد تقدم لنا ذكر أنساب الأمم والكلام في أنساب الترك وأنهم من ولد كومر بن يافث أحد السبعة المذكورين من بني يافث في التوراة وهم ماواق وماذاي وماغوغ وقطوبال وماشخ وطيراش.وعد ابن إسحاق منهم ستة ولم يذكر ماذاي.وفي التوراة أيضاً أن ولد كومر ثلاثة توغرما واشكان وريعات.ووقع في الإسرائيليات أن الإفرنج من ريعات والصقالبة من اشكان والخزر من توغرما.والصحيح عند نسابة الإسرائيلين أن الخزر هم التركمان.وشعوب الترك كلهم من ولد كومر ولم يذكر من أي ولده الثلاثة والظاهر أنهم من توغرما.وزعم بعض النسابة أنهم من طيراش بن يافث.ونسبهم ابن سعيد إلى ترك بن غامور بن سويل والظاهر أنه غلط.وأن غامور تصحيف كما مر.وأما سويل فلم يذكر أحد أنه من بني يافث وقد مر ذكر ذلك كله.والترك أجناس كثيرة وشعوب فمنهم الروس والإعلان ويقال إبلان والخفشاخ وهم القفجق والهياطلة والخلج والغز الذين منهم السلجوقية والخطا وكانوا بأرض طمغاج.ويمك والقور وتزكس واركس والططر ويقال الطغرغر وأنكر وهم مجاورون للروم.واعلم أن هؤلاء الترك أعظم أمم العالم وليس في أجناس البشر أكثر منهم ومن العرب في جنوب المعمور وهؤلاء في شماله قد ملكوا عامة الأقاليم الثلاثة من الخامس والسادس والسابع في نصف طوله مما يلي المشرق.فأول مواطنهم من الشرق على البدر بلاد الصين وما فوقها جنوباً إلى الهنك وما تحتها شمالاً إلى سد يأجوج ومأجوج.وقد قيل إنهم من شعوب الترك وآخر مواطنهم من جهة الغرب بلاد الصقالبة المجاورين للإفرنج مما يلي رومة إلى خليج القسطنطينية.وأول مواطنهم من جهة الجنوب بلاد القور المجاورة للنهر ثم خراسان وأذربيجان وخليج القسطنطينية وآخرها من الشمال بلاد فرغانة والشاش وما وراءها من البلاد الشمالية المجهولة لبعدها.وما بين هذه الحدود من بلاد غزنة ونهر جيحون وما بخفافيه من البلاد وخوارزم ومفاوز الصين.وبلاد القفجق والروس حفافي خليج القسطنطينية من جهة الشمال الغربي قد اغتمر لهذه البسائط.منهم أمم لا يحصيهم إلا خالقهم رحالة متنقلون فيها مستنجعين مساقط الغيث في نواحيه يسكنون الخيام المتخذة من اللبود لشدة البرد في بلادهم فقروا عليها.ومر بديار بكر وخرج إليه صاحبها نصر بن مروان وحمل مائة ألف دينار لنفقته فلما سمع أنه قبضها من الرعايا ردها عليه ثم مر بناهرو وأمنها وأطاف على السور وجعل يمسحه بيده ويمر بها على خدوده تبركاً بثغر المسلمين ثم مر بالرها وحاصرها فامتنعت عليه.ثم سار إلى حلب فبعث إليه صاحبها محمود ريغول القائد الذي عنده يخبر بطاعته وخطبته ويستعفيه من الخروج إليه منكراً منه الأذى وبحي على خير العمل فقال لا بد من خروجه. واشتد الحصار فخرج محمود ليلاً مع أمه بنت وثاي الهنى متطارحاً على السلطان فأكرم مقدمها وخلع عليه وأعاده إلى بلده. |
غزاة السلطان ألب أرسلان إلى خلاط وأسر ملك الروم
كان ملك الروم بالقسطنطينية لهذا العهد اسمه أرمانوس وكان كثيراً ما يخيف ثغور المسلمين.وتوجه في سنة اثنتين وستين في عساكر كثيرة إلى الشام ونزل على مدينة منبج واستباحها.وجمع له محمود بن صالح بن مرداس الكلابي وابن حسان الطائي قومهما ومن إليهم من العرب فهزمتهم الروم.ثم رجع أرمانوس إلى القسطنطينية واحتشد الروم والفرنج والروس والكرج ومن يليهم من العرب والطوائف وخرج إلى بلاد كرد من أعمال خلاط.وكان السلطان ألب أرسلان بمدينة حوف من أذربيجان منقلباً من حلب فبعث بأهله وأثقاله إلى همذان مع وزيره نظام الملك وسار هو في خمسة عشر ألف مقاتل وتوخه نحوهم متهيأ.ولقيت مقدمته الروس فهزموهم وجاءوا بملكهم أسيراً إلى السلطان فجدعه وبعث أسلابهم إلى نظام الملك.ثم توجه إلى سمرقند ففارقها ألتكير وأرسل في الصلح ويعتذر عن تومق فصالحه ملك شاه وأقطع بلخ وطخارستان لأخيه شهاب الدين مكين إلى خراسان ثم إلى الري.فتنة قاروت بك صاحب كرمان ومقتله كان بكرمان قاروت بك أخو السلطان ألب أرسلان أميراً عليها فلما بلغه وفاة أخيه سار إلى الري لطلب الملك فسبقه إليها السلطان ملك شاه ونظام الملك ومعهما مسلم بن قريش ومنصور بن دبيس وأمراء الأكراد.والتقوا على نهرمان فانهزم قاروت بك وجيء به إلى أمام سعد الدولة كوهراس فقتله خنقاً.وأمر كرمان بسير بنيه وبعث إليهم بالخلع وأقطع العرب والأكراد مجازاة لما أبلوا في الحرب.وقد كان السلطان ألب أرسلان شافعاً فيه على الخليفة فلقيهم خبر وفاة ألب أرسلان في طريقهم فمروا إلى ملك شاه وسبق إليه مسلم بطاعته.وأما بهاء الدولة منصور بن دبيس فإن أباه أرسله بالمال إلى ملك شاه فلقيه سائراً للحرب فشهدها معه.ثم توفي أياز أخو السلطان ملك شاه ببلخ سنة خمس وستين فكفله ابنه ملك شاه إلى سنة سبع وستين.وتوفي القائم منتصف شعبان منها لخمس وأربعين سنة من خلافته ولم يكن له يومئذ ولد وإنما كان له حافد وهو المقتدي عبد الله بن محمد.وكان أبوه محمد بن القائم ولي عهده وكان يلقب ذخيرة الدين ويكنى أبا العباس.وتوفي سنة " " وعهد القائم لحافده فلما توفي اجتمع أهل الدولة وحضر مؤيد الملك بن نظام الملك والوزير فخر الدولة بن جهير وابنه عميد الدولة والشيخ أبو إسحاق الشيرازي ونقيب النقباء طراد وقاضي القضاة الدامغاني فبايعوه بالخلافة لعهد جده إليه بذلك.وأقر فخر الدولة بن جهير على الوزارة وبعث ابنه عميد الدولة إلى السلطان ملك.شاه لأخذ بيعته والله الموفق للصواب. استيلاء السلجوقية على دمشق وحصارها مصر ثم استيلاء تتش بن السلطان ألب أرسلان على دمشق قد تقدم لنا ملك أتسز الرملة وبيت المقدس وحصاره دمشق سنة إحدى وستين ثم عاد عنها وجعل يتعاهد نواحيها بالعيث والإفساد كل سنة.ثم سار إليها في رمضان سنة سبع وستين وحاصرها ثم عاد عنها وهرب منها أميرها من قبل المستنصر العلوي صاحب مصر المعلى بن حيدرة لأنه كثر عسفه بالجند والرعية وظلمه فثاروا به فهرب إلى بانياس ثم إلى صور ثم إلى مصر فحبس ومات بها محبوساً.واجتمعت المصامدة بدمشق وولي عليهم أنصار بن يحيى المصمودي ويلقب نصير الدولة.وغلت الأقوات عندهم واضطربوا فعاد إليها أتسز في شعبان سنة ثمان وستين فاستأمنوا إليه وعوض انتصاراً منها بقلعة بانياس ومدينة يافا من الساحل ودخلها في ذي القعدة وخطب بها للمقتدي ومنع من النداء بحي على خير العمل وتغلب على كثير من مدن الشام.ثم سار سنة تسع وستين إلى مصر وحاصرها وضيق عليها.واستنجد المستنصر بالبوادي من نواحيها فوعدوه بالنصر.وخرج بدر الجمالي في العساكر التي كانت بالقاهرة وجاء أهل البلاد لميعادهم فنهزم أتسز وعساكره ونجا إلى بيت المقدس فوجدهم قد بمخلفه فتحصنوا منه بالمعاقل فافتتحها عليهم عنوة واستباحها حتى قتلهم في المسجد.وقد تقدم ضبط هذا الاسم وأنه عند أهل الشام انسيس والصحيح أتسز وهو اسم تركي.ثم إن السلطان ملك شاه اقطع أخاه تتش بن ألب أرسلان بلاد الشام وما يفتحه من تلك النواحي سنة سبعين وأربعمائة فقصد حلب أولاً وحاصرها ومعه جموع من التركمان.وكان بدر الجمالي المستولي على مصر قد بعث العساكر لحصار دمشق وبها أتسز فبعث إلى تتش وهو على حلب يستنجده فسار إليه وأخرت عساكر مصر عنه منهزمين.ولما وصل إلى دمشق قعد أتسز على لقائه وانتظر قدومه فلقيه عند السور وعاتبه على ذلك فتساهل في العذر فقتله ثم سار في سنة اثنتين وسبعين إلى حلب فحاصرها أياماً وأفرج عنها وملك مراغة والبيرة وعاد إلى دمشق.وخالفه مسلم بن قريش إلى حلب فملكها كما تقدم في أخباره وضمنها للسلطان ملك شاه فولاه إياها.وسار مسلم بن قريش فحاصرها آخر سنة أربع وسبعين.ثم أفرج عنها فخرج تتش وقصد طرسوس من الساحل فافتتحها ورجع.ثم حاصرها مسلم ثانية سنة تسع وسبعين.وبلغه أن تاج الدولة تتش سار إلى بلاد الروم غازياً فخالفه إلى دمشق وحاصرها معه العرب والأكراد.وبعث إليه العلوي صاحب مصر بعده بالمدد.وبلغ الخبر إلى تتش فكر راجعاً وسبقه إلى دمشق فحاصرها أياماً.ثم خرج إليه تتش في جموعه فهزمه واضطرب أمره ووصله الخبر بانتقاض أهل حران فرحل من مرج الصفر راجعاً إلى بلاده.ثم سار أمير الجيوش من مصر في العساكر إلى دمشق سنة ثمان وسبعين وحاصرها فامتنعت عليه ورجع.فلحقوا بأخيه تكش في " " فقوي به وأظهر العصيان واستولى على مرو الروذ ومرو الساهجان وغيرهما وسار إلى نيسابور طامعاً في ملك خراسان.وبلغ الخبر إلى السلطان فسبقه إلى نيسابور فرجع تتش وتحصن بترمذ.وحاصره السلطان حتى سأل الصلح وأطلق من كان في أسره من.عسكر السلطان ونزل عن ترمذ وخرج إليه فأكرمه.ثم عاود العصيان سنة سبع وسبعين وملك مرو الروذ ووصل قريباً من سرخس وحاصر قلعة هناك لمسعود ابن الأمير فاخر.وتحيل أبو الفتوح الطوسي صاحب نظام وهو بنيسابور على ملطفة وضعوها على شبه خط نظام الملك يخاطب فيها صاحب القلعة بأنه واصل في ركاب السلطان ملك شاه وأنه مصالح للقلعة.وتعرض حاملها لأهل المعسكر حتى أخفوا كتابه بعد الضرب والعرض على القتل.وحدثهم بمثل ما في الصحيفة وأن السلطان وعساكره في الري فأجفلوا لوقتهم إلى قلعة ربح.وخرج أهل الحصن فأخذوا ما في العسكر وجاء السلطان بعد ثلاثة أشهر فحاصره في قلعته حتى افتتحها وحده ودفعه إلى ابنه أحمد فتسلمه وحبسه فخرجا من يمينه معه. سفارة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي عن الخليفة كان الخليفة المقتدي وكان عميد العراق أبو الفتح بن أبي الليث يسيء معاملة الخليفة فبعث المقتدي الشيخ أبا إسحاق الشيرازي إلى السلطان ملك شاه ووزيره نظام الملك بأصفهان شاكياً من العميد.فسار الشيخ لذلك ومعه الإمام أبو بكر الشاشي وغيره من الأعيان.ورأى الناس عجباً في البلاد التي يمر بها من إقبال الخلق عليه وازدحامهم على محفته يتمسحون بها ويلثمون أذيالها وينشرون موجودهم عليها من الدراهم والدنانير لأهلها والمصنوعات لأهل الصنائع والبضائع للتجار والشيخ في ذلك يبكي وينتحب.ولما حضر عند السلطان أظهر المحرمة وأجابه إلى جميع ما طلبه.ورفعت يد العميد عن كل ما يتعلق بالخليفة.وحضر الشيخ مجلس نظام الملك فجرت بينه وبين إمام الحرمين مناظرة خبرها معروف. اتصال بني جهير بالسلطان ملك شاه ومسير فخر الدولة لفتح ديار بكر كان فخر الدولة أبو نصر بن جهير وزير المقتدي قد عزل سنة إحدى وسبعين على يد نظام الملك ولحق به ابنه عميد الدولة واسترضاه فرضي نظام الملك وشفع إلى الخليفة فاعتمد عميد الدولة دون أبيه كما تقدم في أخبار الخلفاء.ثم أرسل المقتدي سنة أربع وسبعين فخر الدولة إلى ملك شاه يخطب له ابنته فسار إلى أصفهان وعقد له نكاحها على خمسين ألف دينار معجلة وعاد إلى بغداد.ثم عزل المقتل ابنه عميد الدولة عن الوزارة سنة ست وسبعين وكانوا قد علقوا بخطة من نظام الملك فبعث عن نفسه وعن ملك شاه يطلب حضور بني جهير عندهم فساروا بأهليهم فعظمت حظوظهم عند السلطان.وعقد لفخر الدولة على ديار بكر وبعث معه العساكر لفتحها من يد بني مروان وأذن له اتخاذ الآلة وأن يخطب لنفسه وبكتب اسمه على السكة فسار في العساكر السلطانية. |
استيلاء ابن جهير على الموصل
ولما سار فخر الدولة ابن جهير لفتح ديار بكر استنجد ابن مروان مسلم بن قريش وشرط له أمراً وتحالفاً على ذلك واجتمعا لحرب ابن جهير.وبعث السلطان الأمير أرتق بن أكسك في العساكر مدداً لابن جهير فجنح ابن جهير إلى الصلح وباعد أرتق إلى القتال فهزم العرب والأكراد وغنم معسكرهم.ونجا مسلم بن قريش إلى آمد وأحاطت به العسكر فلما اشتد مخنقه راسل الأمير أرتق في الخروج على مال بذله له فقبله وكانت له حراسة الطريق فخرج إلى الرقة.وسار ابن جهير إلى ميافارقين وفارقه منصور بن مزيد وابنه صدقة فعاد منها إلى خلاط.ولما بلغ السلطان انحصار مسلم في آمد بعث عميد الدولة في جيش كثيف إلى الموصل ومعه أقسنقر قسيم الدولة الذي أقطعه بعد ذلك حلب.وساروا إلى الموصل فلقيهم أرتق ورجع معهم.ولما نزلوا على الموصل بعث عميد الدولة إلى أهلها بالترغيب والترهيب فأذعنوا واستولى عليها وجاء السلطان في عساكره إلى بلاد مسلم بن قريش وقد خلص من الحصار وهو مقيم قبالة الرحبة فبعث إليه مؤيد الكتاب ولاطف السلطان واسترضاه ووفد إليه بالقوارح ورده السلطان إلى أعماله وعاد لحرب أخيه تتش الذي ذكرناه آنفاً. فتح سليمان بن قطلمش إنطاكية كان سليمان بن قطلمش بن إسرائيل بن سلجوق قد ملك قرسة واقصرا وأعمالها من بلاد الروم إلى الشام.وكانت إنطاكية بيد الروم من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.وكان ملكها لعهده الفردروس فأساء السيرة إلى جنده ورعاياه وتنكر لابنه وحبسه فداخل الشحنة في تمكين سليمان من البلد فاستدعوه سنة سبع وسبعين فركب إليها البدر وخرج إلى البر في أقرب السواحل إليها في ثلاثمائة ألف فارس ورجل كثير.وسار في جبال وأوعار فلما انتهى إلى السور وأمكنه الشحنة من تسنم السور دخل البلد وقاتل أهلها فهزمهم وقتل كثيراً منهم.ثم عفا عنهم وملك القلعة وغنم من أموالهم ما لا يحصى.وأحسن إلى أهلها وأمر لهم بعمارة ما خرب وأرسل إلى السلطان ملك شاه بالفتح.ثم بعث إليه مسلم بن قريش يطلب منه ما كان يحمل إليه الفردروس ملك إنطاكية من المال ويخوفه معصية السلطان فأجابه بتقرير الطاعة للسلطان وبأن الجزية لا يعطيها مسلم فسار مسلم ونهب نواحي إنطاكية فنهب سليمان نواحي حلب.ثم جمع سليمان العرب والتركمان وسار لنواحي إنطاكية ومعه جماهير التركمان.وجمع سليمان كذلك والتقيا آخر صفر سنة ثمان وسبعين وانحاز جق إلى سليمان فانهزمت العرب وقتل مسلم وسار سليمان بن قطلمش إلى حلب وحاصرها فامتنعت عليه وأرسل إليه ابن الحثيثي العباسي كبير حلب بالأموال وطالبه أن يمهل حتى يكاتب السلطان ملك شاه ودس إلى تاج الدولة تتش صاحب دمشق يستدعيه لملكها فجاء لذلك ومعه أرسوس أكسك وكان خائفاً على نفسه من السلطان ملك شاه لفعلته في أمر فاستجار بتتش وأقطعه المورس وسار معه لهذه الحرب.وبادر سليمان بن قطلمش إلى اعتراضهم وهم على تعبية.وأبلى أرتق في هذه الحروب وانهزم سليمان وطعن نفسه بخنجر فمات وغنم تتش معسكره وبعث إلى ابن الحثيثي العباسي فيما استدعاه إليه فاستمهله إلى مشورة السلطان ملك شاه وأغلظ في القول فغضب تتش وداخله بعفض أهل البلد فتسورها وملكها.واستجار ابن الحثيثي بالأمير أرتق فأجاره وسمع له. استيلاء ابن جهير على ديار بكر ثم بعث ابن جهير سنة ثمان وسبعين ابنه زعيم الرؤساء أبا القاسم إلى حصار آمد ومعه جناح الدولة أرسلان فحاصرها واقتلع شجرها وضيق عليها حتى جهدهم الجوع.وغدر بعض العامة في ناحية من سورها ونادى بشعار السلطان واجتمع إليه العامة لما كانوا يلقون من عسف العمال النصارى فبادر زعيم الرؤساء إلى البلد وملكها وذلك في المحرم.وكان أبوه فخر الدولة محاصراً لميافارقين ووصل إليه سعد الدولة كوهرائين شحنة بغداد بمدد العساكر فاشتد الحصار وسقطت من السور ثلمة في سادس جمادى فنادوا بشعار السلطان ومنعوا ابن جهير من البلد.واستولى على أموال بني مروان وبعثها مع ابنه زعيم الرؤساء إلى السلطان فسار مع كوهرائين إلى بغداد.ثم فارقه إلى السلطان بأصفهان.ولما انقضى أمر ميافارقين بعث فخر الدولة جيشاً إلى جزيرة ابن عمر فحاصرها وقام بعض أهلها بدعوة السلطان وفتحوا مما يليهم باباً قريباً دخل منه العسكر فملكوا البلد.وانقرضت دولة بني مروان من ديار بكر والبقاء لله.ثم أخذ السلطان ديار بكر من فخر الدولة بن جهير وسار إلى الموصل فأقام بها إلى أن توفي سنة ثلاث وثمانين. استيلاء السلطان ملك شاه على حلب وولاية أقسنقر عليها لما ملك تاج الدولة تتش مدينة حلب وكان بها سالم بن ملك بن مروان ابن عم مسلم بن قريش وامتنع بالقلعة وحاصره تتش سبعة عشر يوماً حتى وصل الخبر بمقدم أخيه السلطان ملك شاه وقد كان ابن الحثيثي كتب إليه يستدعيه لما خاف من تتش فسار من أصفهان منتصف تسع وسبعين وفي مقدمته برشق وبدران وغيرهما من الأمراء.ومر بالموصل في رجب.ثم سار إلى هراة وبها ابن الشاطئ فملكها وأقطعها لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش وأقطعه معها مدينة الرحبة وأعمالها وحران وشروج والرقة وخابور وزوجه أخته زليخا خاتون.ثم سار إلى الرها وافتتحها من الروم وكانوا اشتروها من ابن عطية كما مر.وسار إلى قلعة جعفر فملكها وقتل من كان بها من بني قشير وكان صاحبها جعفر أعمى وكان يخيف السابلة هو وولده فأزال ضررهم.ثم ملك منبج وعبر الفرات إلى حلب فأجفل تتش عن المدينة ودخل " " ومعه الأمير أرتق.ورجع إلى دمشق فلما وصل السلطان إلى حلب ملكها ثم إلى القلعة فملكها من سالم بن ملك على أن يعطيه قلعة جعفر فلم تزل بيد عقبه إلى أن ملكها منهم نور الدين الشهيد.ثم بعث إليه نصر بن علي بن منقذ الكناني بالطاعة فأقره على شيزر وتسلم منه اللاذقية وبعرطاف وأفامية ورجع.ثم رجع السلطان بعد أن ولي على حلب قسيم الدولة أقسنقر.ورغب إليه أهل حلب أن يعفيهم من ابن الحثيثي فأخرجه عنهم إلى ديار بكر وتوفي بها.ثم رجع السلطان إلى بغداد فدخلها في ذي الحجة من سنته ونزل بدار المملكة وأهدى للخليفة هدايا كثيرة.واجتمع بالخليفة ليلا.ثم دخل إليه في مجلسه نهاراً وأفيضت عليه الخلع.وسلم أمراء السلجوقية على الخليفة ونظام الملك قائم يقربهم واحداً واحداً ويعرف بهم.ثم صرح المقتدي للسلطان ملك شاه بالتفويض وأوصاه بالعدل فقبل يده ووضعها على عينيه وخلع الخليفة على نظام الملك وجاء إلى مدرسته التي فيها الحديث وأملى. |
خبر الزفاف
قد قدمنا أن السلطان ملك شاه زوج ابنته من الخليفة المقتدي سنة أربع وسبعين بخطبة الوزير بن جهير فلما كان سنة ثمانين في المحرم نقل جهازها للزفاف إلى دار الخلافة على مائة وثلاثين جملا مجللة بالديباج الرومي أكثرها ذهب وفضة ومعه ثلاث عماريات ومعها أربع وسبعون بغلا مجللة بأنواع الديباج المكي وقلائدها الذهب وعلى ستة منها اثنا عشر صندوقاً من فضة مملوءة بالحلي والجواهر ومهد عظيم من ذهب.وسار بين يدي الجهاز سعد الدولة كوهرائين والأمير أرتق وغيرهما من الأمراء والناس ينثرون عليهم الدنانير والثياب.وبعث الخليفة وزيره أبا شجاع إلى زوجة السلطان تركمان خاتون ومعه خادمه ظفر بمحفة لم ير مثلها ومعهم ثلاثمائة من الشمع الموكف ومثلها مشاعل.وأوقدت الشموع في دكاكين الحريم الخلافي.وقال الوزير لخاتون سيدنا أمير المؤمنين يقول إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وقد أذن في نقل الوديعة إلى داره فقالت سمعاً وطاعة.ومشى بين يديها أعيان الدولة مع كل واحد الشمع والمشاعل يحملها الفرسان.ثم جاءت المأمون من بعدهم في محفة مجللة عليها من الذهب والجواهر ما لا يحد ويحيط بالمحفة مائتا جارية من الأتراك على مراكب رائعة.وأولم الخليفة وليمة لم يسمع بمثلها.ثم أطلع للناس من الغد سماط مائدة عليها أربعون ألفاً من السكر وخلع على أعيان العسكر وعلى جميع الحواشي. استيلاء السلطان ملك شاه على ما وراء النهر كان صاحب سمرقند لهذا العهد من الخانية أحمد خان بن خضر خان أخي شمس الملك الذي كان أميراً عليها وعمته خاتون زوجة ملك شاه.وكان رديء السيرة فبعثوا إلى السلطان يسألونه الرجوع إلى إيالته.وجاء بذلك مفتي سمرقند أبو طاهر الشافعي قدم حاجاً وأسر ذلك إلى السلطان فسار من أصفهان سنة اثنتين وثمانين ومعه رسول الروم بالخراج المقدر عليهم فاستعجم وأحضر للفتح.ولما انتهى إلى خراسان جمع العساكر وعبر النهر بجيوش لا تحصى وأخذ ما في طريقه من البلاد.ثم انتهى إلى بخارى فملكها وما جاورها.ثم سار إلى سمرقند فحاصرها وأخذ بهجتها ثم رماها بالمنجنيق وثلم سورها ودخل من الثلمة وملك البلد.واختفى أحمد خان ثم جيء به أسيراً فأطلقه وبعث به إلى أصفهان وولى على سمرقند أبا طاهر عميد خوارزم وسار إلى كاشغر فبلغ إلى نور وكمن وبعث إلى كاشغر بالخطبة وضرب السكة فأطاع وحضر عند السلطان فأكرمه وخلع عليه وأعاده إلى بلده.ورجع السلطان إلى خراسان.وكان بسمرقند عساكر يعرفون بالحكلية فأرادوا الوثوب بالعميد نائب السلطان فلاطفهم ولحق ببلده خوارزم. عصيان سمرقند وفتحها ثانياً كان مقدم الحكلية بسمرقند اسمه عين الدولة وخاف السلطان لهذه الحادثة فكاتب يعقوب تكين أخا ملك كاشعر وكانت مملكته تعرف بارياسي فاستحضره وملكه.ثم شكر له يعقوب وحمل أعداءه من الرعية على طلب الثأر منه وقتله بفتاوي الفقهاء واستبد بسمرقند وسار السلطان ملك شاه إليها سنة اثنتين وثمانين.فلما انتهى إلى بخارى هرب يعقوب إلى فرغانة ولحق بولايته.وجاء بعسكره مستأمنين إلى السلطان فلقوه بالطواويس من قرى بخارى ووصل السلطان إلى سمرقند وولي عليها الأمير انز وأرسل لعساكر في طلب يعقوب وأرسل إلى ملك كاشغر بالجد في طلبه.وشغب على يعقوب عساكره ونهبوا خزائنه ودخل على أخيه كاشغر مستجيراً به.وبعث السلطان في طلبه منه فتردد بين المخافة والأنفة.ثم غلب عليه الخوف فقبض على أخيه يعقوب وبعثه مع ابنه وأصحابه إلى السلطان وأمرهم أن يسملوه في طريقه فإن قنع السلطان بذلك وإلا أسلموه إليه فلما قربوا على السلطان وعزموا على سمله بلغهم الخبر بأن طغرل بن نيال أسرى في ثمانين فرسخاً بعساكر لا تحصى فكبس ملك كاشغر وأسره فأطلقوا يعقوب.ثم خشي السلطان شأن طغرل بن نيال وكثرة عساكره فرجع على البلد ودس تاج الملك في استصلاح يعقوب فشفع له ورده إلى كاشغر ورد الطغرل ورجع هو إلى خراسان.ثم قدم إلى بغداد سنة أربع وثمانين العزمة الثانية ووجد عليه أخوه تاج الدولة تتش صاحب الشام وقسيم الدولة أقسنقر صاحب حلب وبوران صاحب الرها عمال الأطراف وأقام صنيع الميلاد ببغداد وتأنق بما لم يعهد مثله وأمر وزيره نظام الملك وأمراءه ببناء الدور ببغداد لنزلهم ورجع إلى أصفهان. استيلاء تتش على حمص وغيرها من سواحل الشام لما قدم السلطان سنة أربع وثمانين وفد عليه أمراء الشام كما قدمنا فلما انصرفوا من عنده أمر أخاه تاج الدولة تتش أن يذهب لدولة العلويين من ساحل الشام ويفتح بلادهم.وأمر أقسنقر وبوراق أن يسيرا لانجاور.فلما رجعوا إلى دمشق سار إلى حمص وبها صاحبها ابن ملاعب وقد عظم ضرره وضرر ولده على الناس فحاصرها وملكها.ثم سار إلى قلعة عرفة فملكها عنوة ثم إلى قلعة أفامية فاستأمن إليه خادم كان بها فأرسل إلى أمراء تتش في إصلاح حاله فسدوا عليه المذاهب فأرسل إلى وزير أقسنقر يسعى له عند صاحبه وعمل له على ثلاثين ألف دينار ومثلها عروضاً فجنح إلى مصالحته واختلف مع تتش على ذلك وأغلظ كل منهما لصاحبه في القول فرحل أقسنقر مغاضباً واضطر الباقون إلى الرحيل وانتقض أمرهم. ملك اليمن كان فيمن حضر عند السلطان ببغداد كما قدمناه عثمان جق أمير التركمان صاحب قرمسيس وغيرها فأمره السلطان أن يسير في جموع التركمان للحجاز واليمن فيظهر أمرهم هناك.وفوض إلى سعد الدولة كوهرائين شحنة بغداد فولى عليهم أميراً اسمه ترشك.وسار إلى الحجاز فاستولى عليه وأساء السيرة فيه حتى جاء أمير الحجاز محمد بن هاشم مستغيثاً منهم.ثم ساروا سنة خمس وثمانين إلى اليمن وعاثوا في نواحيه وملكوا عدن وأساؤوا السيرة في أهلها وأهلكوا ترشك سابع دخولها وأعاده أصحابه إلى بغداد فدفنوه بها ، ^? ثم ارتحل السلطان ملك شاه إلى بغداد سنة خمس وثمانين فانتهى إلى أصفهان في رمضان وخرج نظام الملك من بيته بعد الإفطار عامداً إلى خيمته فاعترضه بعض الباطنية في صورة متظلم فلما استدناه لسماع شكواه طعنه بخنجر فأشواه.وعثر الباطني في أطناب الخيام ودخل نظام الملك الخيمة فمات لثلاثين سنة من وزارته.واهتاج عسكره فركب إليه السلطان وسكن الناس ويقال إن السلطان ملك شاه وضع الباطني على قتله لما وقع منه ومن بنيه من الدالة والتحكم في الدولة.وقد كان السلطان دس على ابنه جمال الدين من قتله سنة خمس وسبعين.كان بعض حواشي السلطان سعى به فسطا به جمال الدين وقتله فأحقد السلطان بذلك وأخذ عميد خراسان فقتله خنقاً فدس لخادم من خدم جمال الدين بذلك وأنهم إذا تولوا قتله بأنفسهم كان أحفظ لنعمتهم فسقاه الخادم سماً ومات.وجاء السلطان إلى نظام الملك وأغراه به.وما زال بطانة السلطان يغضون منه ويحاولون السعاية فيه إلى أن ولي حافده عثمان بن جمال الملك على مرو وبعث السلطان إليها كردن من أكابر المماليك والأمراء شحنة.ووقعت بينه وبين عثمان منازعة في بعض إلأيام فأهانه وحبسه ثم أطلقه.وجاء إلى السلطان شاكياً فاستشاط غضباً وبعث فخر الملك ألب أرسلان إلى نظام الملك وأغراه به وما زال يقول إن كنت تابعاً فقف عند حدك وإن كنت شريكي في سلطاني فافعل ما بدا لك.وقرر عليه فعل حافده وسائر بنيه في ولايتهم وأرسل معه نكبرذ من خواصه ثقة على ما يؤديه من القول ويجيبه الآخر فانبسط لسان نظام الملك يعدد الوسائل منه والمدافعة عن السلطان وجمع الكلمة وفتح الأمصار في كلام طويل حملته عليه الدالة.وقال في آخره إن شاء فله مؤيد مروآتي ومتى أطعت هذه زالت تلك فليأخذ حذره.ثم زاد في انبساطه وقال قولوا عني ما أردتم فإن توبيخكم نتأ في عضدي.ومضى نكبرد فصدق السلطان الخبر وجاء الآخرون وحاولوا الكتمان فلم يسعهم لما وشى نكبرد بجلية القول فصدقوه كما صدقه.ومات نظام الملك بعدها بقليل ومات السلطان بعده بنحو شهر.وكان أصل نظام الملك من طوس من أبناء الدهاقين اسمه أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق ذهبت نعمة آبائه وماتوا فنشأ يتيماً.ثم تعلم وحذق في العلوم والصنائع وعلق بالخدم السلطانية في بلاد خراسان وغزنة وبلخ.ثم لازم خدمة أبي علي بن شاذان وزير ألب أرسلان.ومات ابن شاذان فأوصى به السلطان ألب أرسلان.وعرفه كفايته فاستخدمه فقام بالأمور أحسن قيام فاستوزره.ثم هلك السلطان ألب أرسلان وهو في وزارته.ثم استوزره ملك شاه بعد أبيه وكان عالماً جواداً صفوحاً مكرماً للعلماء وأهل الدين ملازماً لهم في مجلسه.شيد المدارس وأجرى فيها الجرايات الكثيرة.وكان يملي الحديث وكان ملازماً للصلوات محافظاً على أوقاتها.وأسقط في أيامه كثيراً من المكوس والضرائب وأزال لعن الأشعرية من المنابر بعد أن فعله الكندري من قبله وحمل عليه السلطان طغرلبك وأجراهم مجرى الرافضة وفارق إمام الحرمين وأبو القاسم القشيري البلاد من أجل ذلك فلما ولي ألب أرسلان حمله نظام الملك على إزالة ذلك ورجع العلماء إلى أوطانهم.ومناقبه كثيرة وحسبك من عكوف العلماء على مجلسه وتدوينهم الدواوين باسمه.فعل ذلك إمام الحرمين وأشباهه.وأما مدارسه فقد بنى النظامية ببغداد وناهيك بها ورتب الشيخ أبا إسحاق الشيرازي للتدريس بها.وتوفي سنة ست وسبعين فرتب ابنه مؤيد الملك مكانه أبا سعيد المتولي فلم يرضه نظام الملك وولى فيها الإمام أبا نصر الصباغ صاحب الشامل ومات أبو نصر في شعبان من تلك السنة فولي أبو سعيد من سنة ثمان وسبعين ومات فدرس بعده الشريف العلوي أبو القاسم الدبوسي وتوفي سنة اثنتين وثمانين وولي تدريسه بعدها أبو عبد الله الطبري والقاضي عبد الوهاب الشيرازي بالنوبة يوماً بيوم.ثم ولي تدريسها الإمام أبو حامد الغزالي سنة أربع وثمانين واتصل حكمها على ذلك.وفي أيامه عكف الناس على العلم واعتنوا به لما كان من حسن أثره في ذلك والله أعلم ، ^? ثم لما سار السلطان بعد مقتل نظام الملك إلى بغداد ودخلها آخر رمضان وكان معه في الدولة أبو الفضل الهروستماني وزير زوجته الخاتون الجلالية من الملوك الخانية فيما وراء النهر وكان من أشد الناس سعاية في نظام الملك وعزم السلطان أن يستوزره لأول دخوله بغداد فعاقت المنية عن ذلك وطرقه المرض ثالث الفطر وهلك منتصف شوال سنة خمس وثمانين.وكانت زوجته تركمان خاتون الجلالية عنده في بغداد وابنها محمود غائباً في أصفهان فكتمت موته وسارت بشلوه إلى أصفهان وتاج الملك في خدمتها.وقدمت بين يديها قوام الدين كربوقا الذي ولي الموصل من بعد وأرسلته بخاتم السلطان إلى مستحفظ القلعة فملكها وجاءت على أثره وقد أفاضت الأموال في الأمراء والعساكر ودعتهم إلى بيعة ولدها محمود وهو ابن أربع سنين فأجابوا إلى ذلك وبايعوه.وأرسلت إلى المقتدر في الخطبة له فأجابها على أن يكون الأمير أنز قائماً بتدبير الملك ومجد الملك مشيراً وله النظر في الأعمال والجباية فنكرت ذلك أمه خاتون وكان السفير أبا حامد الغزالي فقال لها إن الشراع لا يجيز ولاية ابنك فقبلت الشرط وخطب له آخر شوال سنة خمس وثلاثين وأرسلت تركمان خاتون إلى أصفهان في القبض على بركيارق فحبس بأصفهان.وكان السلطان ملك شاه من أعظم ملوك السلجوقية ملك من الصين إلى الشام ومن أقصى الشام إلى اليمن وحمل إليه ملوك الروم الجزية ومناقبه عظيمة مشهورة. كان بركيارق أكبر أولاد السلطان ملك شاه وكانت أمه زبيدة بنت ياقوتي بن داود وياقوتي عم ملك شاه.ولما حبس بركيارق وخافت عليه أمه زبيدة دست لمماليك نظام الملك فتعصبوا له وكانت خاتون غائبة ببغداد مع ابنها محمود لفقد سلطانه فوثب المماليك النظامية على سلاح لنظام الملك بأصفهان.وأخرجوا بركيارق من محبسه وخطبوا له وبلغ الخبر إلى خاتون فسارت من بغداد.وطلب العسكر تاج الملك في عطائهم فهرب إلى قلعة بوجين لينزل منها الأموال وامتنع فيها ونهب العسكر خزائنه وساروا إلى أصفهان وقد سار بركيارق والنظامية إلى الري فأطاعه أرغش النظامي في عساكره وفتحوا قلعة طغرل عنوة وبعثت خاتون العساكر لقتال بركيارق فنزع إليه سبكرد وكمستكن الجاندار وغيرهما من أمراء عساكره ولقيهم بركيارق فهزمهم وسار في أثرهم إلى أصفهان فحاصرهم بها.وكان عز الملك بأصفهان وكان والياً على خوارزم فحضر عند السلطان قبل مقتل أبيه وبقي هناك بعد وفاة السلطان فخرج إلى بركيارق ومعه جماعة من إخوانه فاستوزره بركيارق وفوض إليه الأمور كما كان أبوه. |
مقتل تاج الملك
وهو أبو الغنائم المرزبان بن خسرو فيروز كان وزيراً لخاتون وابنها.ولما هرب إلى قلعة بوجين خوفاً من العسكر كما قدمنا وملكت خاتون أصفهان عاد إليها واعتذر بأن صاحب القلعة حبسه فقبلت عذره وبعثته مع العساكر لقتال بركيارق.فلما انهزموا حمل أسيراً عنده وكان يعرف كفاءته فأراد أن يستوزره وكان النظامية ينافرونه ويتهمونه بقتل نظام الملك وبذل فيهم أموالا فلم يغنه ووشوا به فقتلوه في المحرم سنة ست وثمانين.وكان كثير الفضائل جم المناقب وإنما غطى على محاسنه ممالأته على قتل نظام الملك.وهو الذي بنى تربة الشيخ أبي إسحاق الشيرازي والمدرسة بإزائها ورتب بها أبا بكر الشاشي محرساً.مهلك محمود ثم هلك السلطان محمود وهو محاصر بأصفهان لسنة من ولايته واستقل بركيارق بالملك.منازعة تتش ألب أرسلان وأخباره إلى حين انهزامه كان تاج الدولة تتش أخو السلطان ملك شاه صاحب الشام وسار إلى لقاء أخيه ملك شاه ببغداد قبيل موته فلقيه خبر موته بهيت فاستولى عليها وعاد إلى دمشق فجمع العساكر وبذل الأموال وأخذ في طلب الملك فبدأ بحلب ورأى صاحبها قسيم الدولة أقسنقر اختلاف ولد ملك شاه وحقرهم فأطاع تاج الدولة تتش وتبعه في طاعته.وبعث إلى باعي يسار صاحب إنطاكية والر مران صاحب الرها وحران يشير عليهما بمثل ذلك فأجاباه وخطبوا لتاج الدولة تتش في بلادهم وساروا معه إلى الرحب فملكها ثم إلى نصيبين فملكها واستباحها وسلمها لمحمد بن شرف الدولة مسلم بن قريش.وساروا إلى الموصل وقدم عليه الكافي بن فخر الدولة بن جهير من جزيرة ابن عمر فاستوزره وكانت الموصل قد ملكها علي بن شرف الدولة مسلم بن قريش وأمه صفية عمة ملك شاه وأطلقت تركمان خاتون عمه إبراهيم فجاء وملك الموصل من يده كما تقدم في أخبار بني المقلد فبعث إليه تتش في الخطبة وأن يهيئ له الطريق إلى بغداد فامتنع وزحف لحربه فانهزم العرب وسيق إبراهيم أسيراً إلى تتش في جماعة من أمراء العرب فقتلوا صبراً ونهبت أموالهم واستولى تتش على الموصل وغيرها.واستناب عليها علي بن مسلم وهو ابن صفية عمة أبيه.وبعث إلى بغداد في الخطبة ووافقه كوهرائن الشحنة وحرر الجواب بانتظار الرسل من العسكر فسار تتش إلى ديار بكر فملكها.ثم سار إلى أذربيجان وزحف بركيارق يعتذر من سعيه مع تتش فعزله بركيارق بسعاية كمستكن الجاندار بقسيم الدولة وأقام عوضه شحنة ببغداد الأمير مكرد وأعطاه إقطاعه وسار إلى بغداد.ثم رده من دقوقا الكلام بلغه عنه وقتله وولى على شحنة بغداد فتكين حب ، ^? كان إسماعيل بن ياقوتي بن داود بن عم ملك شاه وخال بركيارق أميراً على أذربيجان فبعثت تركمان خاتون إليه فأطمعته في الملك وأنها تتزوج به فجمع جموعاً من التركمان وغيرهم وسار لحرب بركيارق فلقيه عند كرخ ونزع عنه مكرد إلى بركيارق فانهزم إسماعيل إلى أصفهان فخطبت له خاتون وضربت اسمه على الدنانير بعد ابنها محمود.وأرادت العقد معه فمنعها الأمير أنز مدبر الدولة وصاحب العسكر وخوفهم وفارقهم.ثم أرسل أخته زبيدة أم بركيارق فأصلحت حاله مع ابنها وقدم عليه فأكرهه.واجتمع به رجال الدولة كمستكن الجاندار وأقسنقر وبوران وكشفوا سره في طلب الملك.ثم قتلوه وأعلموا بركيارق فأهدر دمه.مهلك توران شاه بن قاروت بك كان توران شاه بن قاروت بك صاحب فارس وأرسلت خاتون الجلالية الأمير أنز لفتح فارس سنة سبع وثمانين فهزمه أولا.ثم أساء السيرة مع الجند فلحقوا بتوران شاه وزحف إلى أنز فهزمه واسترد البلد من يده وأصاب توران شاه في المعركة بسهم هلك منه بعد شهرين. وفاة المقتدي وخلافة المستظهر وخطبته لبركيارق ثم توفي المقتدي منتصف محرم سنة سبع وثمانين وكان بركيارق قد قدم بغداد بعد هزيمة عمه تتش فخطب له وحملت إليه الخلع فلبسها وعرض التقليد على المقتدي فقرأه وتدبره وعلم فيه وتوفي فجأة وبويع لابنه المستظهر بالخلافة فأرسل الخلع والتقليد إلى بركيارق وأخذت عليه البيعة للمستظهر. استيلاء تتش على البلاد بعد مقتل أقسنقر ثم هزيمة بركيارق لما عاد تتش منهزماً من أذربيجان جمع العساكر واحتشد الأمم وسار من دمشق إلى حلب سنة سبع وثمانين واجتمع قسيم الدولة أقسنقر وبوران وجاء كربوقا مدداً من عند بركيارق وساروا لحرب تتش ولقوه على ستة فراسخ من حلب فهزمهم وأخذ أقسنقر أسيراً فقتله ولحق كربوقا وبوران بحلب واتبعهما تتش فحاصرهما وملك حلب وأخذهما أسيرين وبعث إلى حران والرها في الطاعة فامتنعوا فبعث إليهم برأس بوران وملك البلدين وبعث بكربوقا إلى حمص فحبسه بها.وسار إلى الجزيرة فملكها ثم إلى ديار بكر وخلاط فملكها ثم إلى أذربيجان.ثم سار إلى همذان ووجد بها فخر الدولة بن نظام الملك جاء من خراسان إلى بركيارق فلقيه الأمير قماج من عسكر محمود بأصفهان فنهب ماله ونجا إلى همذان فصادف بها تتش فأراد قتله وشفع فيه باغي يسار وأشار بوزارته لميل الناس إلى بيته واستوزره.وكان بركيارق قد سار إلى أقسيس فخالفه تتش إلى أذربيجان وهمذان فسار بركيارق من نصيبين وعبر دجلة من فوق الموصل إلى إربل.فلما تقارب العسكران أشرف الأمير يعقوب بين أنق من عسكر تتش فكبس بركيارق وهزمه ونهب سواط ولم يبق معه إلا برسق وكمستكن الجاندار والبارق من أكابر الأمراء فلجأوا إلى أصفهان وكانت خاتون أم محمود قد ماتت فمنعه محمود وأصحابه من الدخول.ثم خرج إليه محمود وأدخله إلى أصفهان واحتاطوا عليه وأرادوا أن يسلموه فمرض محمود فأبقوه. مقتل تتش واستقلال برقيارق بالسلطان ثم مات محمود منسلخ شوال سنة سبع وثمانين واستولى بركيارق على أصفهان.وجاء مؤيد الملك بن نظام الملك فاستوزره عوض أخيه عز الملك وكان قد توفي بنصيبين فكاتب مؤيد الملك الأمراء واستمالهم فرجعوا إلى بركيارق وكشف جمعه.وبعث تاج الملك تتش بعد هزيمة بركيارق يوسف بن أنق التركماني شحنة إلى بغداد في جمع من التركمان فمنع من دخول بغداد.وزحف إليه صدقة بن مزيد صاحب الخلة فقاتله في يعقوب وانهزم صدقة إلى الحلة ودخل يوسف بن أنق بغداد وأقام بها.وكان تتش لما هزم بركيارق سار إلى همذان وقد تحصن بها بعض الأمراء فاستأمن إليه واستولى على همذان وسار في نواحي أصفهان وإلى مرو.وراسل الأمراء بأصفهان يستميلهم فأجابوه بالمقاربة والوعد وبركيارق مريض.فلما أفاق من مرضه خرج إلى جرباذقان واجتمع إليه من العسكر ثلاثون ألفاً ولقيه تتش فهزمه بركيارق وقتله بعض أصحاب أقسنقر بثأر صاحبه.وكان فخر الملك بن نظام الملك أسيراً عنده فانطلق عند هزيمته واستقامت أمور بركيارق وبلغ الخبر إلى يوسف. |
استيلاء كربوقا على الموصل
قد كنا قدمنا أن تاج الدولة تتش أسر قوام الدولة أبا سعيد كربوقا وحبسه بعد ما قتل أقسنقر بوزان فأقام محبوساً بحلب إلى أن قتل تتش واستولى رضوان ابنه على حلب فأمره السلطان بركيارق بإطلاقه لأنه كان من جهة الأمير أنز فأطلقه رضوان وأطلق أخاه التوسطاش فاجتمعت عليهما العساكر.وكان بالموصل علي بن شرف الدولة مسلم منذ ولاه عليها تتش بعد وقعة المضيع.وكان بنصيبين أخوه محمد بن مسلم ومعه مروان بن وهب وأبو الهيجاء الكردي وهو يريد الزحف إلى الموصل فكاتب كربوقا واستدعاه للنصرة ولقيه على مرحلتين من نصيبين فقبض عليه كربوقا وسار إلى نصيبين وحاصرها أربعين يوماً وملكها.ثم سار إلى الموصل فامتنعت عليه فتحول عنها إلى بلد وقتل بها محمد بن شرف الدولة تغريقاً وعاد إلى حصار الموصل ونزل منها على فرسخ واستنجد علي بن مسلم بالأمير مكرس صاحب جزيرة ابن عمر فجاء لانجاده واعترضه التوسطاش فهزمه.ثم سار إلى طاعة كربوقا وأعانه على حصار الموصل.ولما اشتد بصاحبه علي بن مسلم الحصار بعد تسعة أشهر هرب عنها ولحق بصدقة بن مزيد.ودخل كربوقا إلى الموصل وعاث التوسطاش في أهل البلد ومصادرتهم واستطال على كربوقا فأمر بقتله ثالثة دخوله سنة تسع وثمانين.وسار كربوقا إلى الرحبة فملكها وعاد فأحسن السيرة في أهل الموصل ورضوا عنه.واستقامت أموره. استيلاء أرسلان أرغون أخي السلطان ملك شاه على خراسان ومقتله كان أرسلان أرغون مقيماً عند أخيه السلطان ملك شاه ببغداد فلفا مات وبويع ابنه محمود سار إلى خراسان في سبعة من مواليه واجتمعت عليه جماعة وقصد نيسابور فامتنعت عليه فعاد إلى مرو وكان بها شحنة الأمير قودر من موالي السلطان ملك شاه وكان أحد الساعين في قتل نظام الملك فمال إلى طاعه أرغون وملكة البلد.وسار إلى بلخ وكان بها فخر الدين بن نظام الملك ففر عنها ووصل إلى همذان ووزر لتاج الدولة تتش كما مر.وملك أرسلان أرغون بلخ وترمذ ونيسابور وسائر خراسان وأرسل إلى السلطان بركيارق وزيره مؤيد الملك في تقرير خراسان عليه بالضمان كما كانت لجده داود ما عدا نيسابور فاعرض عنه بركيارق لاشتغاله بأخيه محمود وعمه تتش.ثم عزل بركيارق مؤيد الملك عن الوزارة بأخيه فخر الملك.واستولى فخر الملك ألب أرسلان على الأمور فقطع أرسلان مراسلة بركيارق فبعث حينئذ عمه بورسوس في العساكر لقتاله فانهزم أرسلان إلى بلخ وأقام بورسوس بهراة وسار أرسلان إلى مرو وفتحها عنوة وخربها واستباحها.وسار إليه بورسوس من هراة سنة ثمان وثمانين وكان معه مسعود بن تاخر الذي كان أبو مقدم عساكر داود ومعه ملك شاه من أعاظم الأمراء فبعث إليه أرسلان واستماله.فمال إليه ووثب لمسعود بن تاخر وابنه فقتلهما في خيمته فضعف أمر بورسوس وانفض الناس عنه وجيء به أسيراً إلى أخيه أرسلان أرغون فحبسه بترمذ.ثم قتله في محبسه بعد سنة.وقتل أكابر خراسان وخرب أسوارها مثل سودان ومرو الشاهجان وقلعة سرخس ونهاوند ونيسابور وصادر وزيره عماد الملك بن نظام الملك على ثلاثمائة ألف دينار.ثم قتله واستبد بخراسان وكان مرهف الحد كثير العقوبة لمواليه وأنكر على بعضهم يوماً بعض فعلاته وهو في خلوة وضربه فطعنه الغلام بخنجر معه فقتله وذلك في المحرم من سنة تسعين. ولاية سنجر على خراسان ولما قتل أرسلان أرغون ملك أصحابه من بعده صبياً صغيراً من ولده! وكان السلطان بركيارق قد جهز العساكر لخراسان للقتال ومعه الأتابك قماج ووزيره علي.بن الحسن الطغرائي.وانتهى إليه مقتل أرسلان بالدامغان فأقاموا حتى لحقهم السلطان بركيارق وساروا إلى نيسابور فملكها في جمادى سنة تسعين وأربعمائة وملك سائر خراسان وسار إلى بلخ.وكان أصحاب أرسلان قد هربوا بابنه الذي نصبوه للملك إلى جبل طخارستان وبعثوا يستأمنون له ولهم فأمنهم السلطان وجاءوا بالصبي في آلاف من العساكر فأكرمه السلطان وأقطعه ما كان لأبيه أيام ملك شاه وانفض عنه العسكر الذين كانوا معه وافترقوا على أمراء السلطان وأفردوه فضمته أم السلطان إليها وأقامت من يتولى رتبته وسار السلطان إلى ترمذ فملكها وخطب له بسمرقند ودانت له البلاد وأقام على بلخ m0 ور المخالدين بخراسان لما كان السلطان بخراسان خالف عليه محمود بن سليمان من قرابته ويعرف بأمير أميران.وسار إلى بلخ واستمد صاحب غزنة من بني سبكتكين فأمده بالعساكر والذيول على أن يخطب له فيما يفتح من خراسان فقويت شوكته فسار إليه الملك سنجر وكبسه فأنهزم وجيء به أسيراً فسمله.ولما انصرف السلطان عن خراسان سار نائب خوارزم واسمه أكنجي في اتباعه وسبق إلى مرو فتشاغل بلذاته وكان بها الأمير تورد قد تشاغل عن السلطان واعتذر بالمرض فداخل بارقطاش من الأمراء في قتل أكنجي صاحب خوارزم فكبسه في طائفة من أصحابه وقتلوه وساروا إلى خوارزم فملكوها مظهرين أن السلطان ولا هما عليها.وبلغ الخبر إلى السلطان وكان قد بلغه في طريقه خروج الأمير أنز بفارس عن طاعته فمضى إلى العراق وأعاد داود الحبشي بن التونطاق في العساكر لقتالهما فسار إلى العراق من هراة وأقام في انتظار العسكر فعاجلاه فهرب أمامهما.وهرب جيحون وتقدم بارقطاش قبل تودن وقاتله فهزمه داود وأسره وبلغ الخبر إلى تودن فثار به عسكره ونهبوا أثقاله ولحق بسنجار فقبض عليه صاحبها.ثم أطلقه فلحق بالملك سنجر ببلخ فقتله سنجر وأفرغ هو طاعته في نظمه وجمع العساكر على طاعته.ثم مات قريباً وبقي بارقطاش أسيراً عند داود إلى أن قتل. بداية دولة بني خوارزم شاه كان أبو شكين مملوكا لبعض أمراء السلجوقية واشتراه من بعض أهل غرشقان فدعي أبا شكين غرشه ونشأ على حال مرضية وكان مقدماً.وولد له ابنه محمد فأحسن تأديبه وتقدم هو بنفسه.ولما سار الأمير داود الحبشي إلى خراسان كما مر سار محمد في جملته فلما مهد خراسان وأزال الخوارج نظر فيمن يوليه خوارزم وكان نائبها أكنجي قد قتله كما مر فوقع اختياره على محمد بن أبي شكين فولاه ولقبه خوارزم شاه فحسنت سيرته وارتفع محله.واقره السلطان سنجر وزاده عناية بقدر كفايته واضطلاعه.وغاب في بعض الأيام عن خوارزم فقصدها بعض ملوك الأتراك.وكان طغرلتكين محمد الذي كان أبوه أكنجي نائباً بخوارزم وبادر محمد بن أبي شكين إلى خوارزم بعد أن استمد السلطان سنجر وسار بالعساكر مدداً له.وتقدم محمد بن أبي شكين فتأخر الأتراك إلى منقشلاع.ورحل طغرلتكين إلى جرجان وازداد محمد بذلك عناية عند سنجر.ولما توفي ولي ابنه من بعده أتسز وأحسن السيرة.وكان قد قاد الجيوش أيام أبيه وباشر الحروب فملك مدينة منقشلاع.ولما توفي اختصه السلطان سنجر وكان يصاحبه في أسافاره وحروبه.واتصل الملك في بني محمد بن أبي شكين خوارزم وكانت لهم الدولة.وتمت دولة بني ملك شاه وعليها كان ظهور الططر بعد المائة السادسة ومنهم أخذوا المائة كما سيأتي في أخبارهم. |
استيلاء الإفرنج على إنطاكية وغيرها من سواحل الشام
كان الإفرنج قد ظهر أمرهم في هذه السنين وتغلبوا على صقلية واعتزموا على قصد الشام وملك بيت المقدس.وأرادوا المسير إليها في البر فراسلوا ملك الروم.بالقسطنطينية أن يسهل لهم الطريق إلى الشام فأجابهم على أن يعطوه إنطاكية فعبروا خليج القسطنطينية سنة تسعين وأربعمائة.وسار أرسلان بن سليمان بن قطلمش صاحب مرقية وبلاد الروم لمدافعتهم فهزموه.ثم مروا ببلاد ابن ليون الأرمني ووصلوا إلى إنطاكية فحاصروها تسعة أشهر وصاحبها يومئذ باغي سياه فأحسن الدفاع عنها.ثم تبوؤا البلد بمداخلة بعض الحامية أصعدهم السور بعد أن رغبوه بالأموال والإقطاع.وجاءوا إلى السور فدلهم على بعض المخادع ودخلوا منه ونفخوا البوق فخرج باغي سياه هارباً حتى إذا كان على أربعة فراسخ راجع نفسه وندم فسقط مغشياً عليه.ومر به أرمني فحمل رأسه إلى إنطاكية وذلك سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ، ^? واجتمعت عساكر المسلمين وزحفوا إلى إنطاكية من كل ناحية ليرتجعوها من الإفرنج وجاء قوام الدين كربوقا إلى الشام واجتمعت عليه العساكر بمرج دابق فكان معه دقاق بن تتش وطغرلتكين أتابك وجناح الدولة صاحب حمص وأرسلان تاش صاحب سنجار وسقمان بن أرتق وغيرهم.وساروا إلى إنطاكية فنازلوها واستوحش الأمراء من كربوقا وأنفوا من ترفعه عليهم.وضاق الحصار بالإفرنج لعدم الأقوات لأن المسلمين عاجلوهم عن الاستعداد فاستأمنوا كربوقا فمنعهم الأمان وكان معهم من الملوك بردويل ونجيل وكمدمري والقمص صاحب الرها وسمند صاحب إنطاكية وهو مقدم العساكر فخرجوا مستأمنين وضربوا مصياف وتخاذل الناس لما كان في قلوبهم من الأضغان لكربوقا فتمت الهزيمة عليهم.وآخر من انهزم سقمان بن أرتق واستشهد منهم العرب وغنم العدو سوادهم بما فيه.وساروا إلى معرة النعمان فملكوها وأفحشوا في استباحتها.ثم ساروا إلى غزة فحاصروها أربعة أشهر وامتنعت عليهم.وصالحهم ابن منقذ على بلدة شيزر وحاصروا حمص فصالحهم صاحبها جناح الدولة.ثم ساروا إلى عكا فامتنعت عليهم وكان هذا بداية الإفرنج بسواحل الشام.ويقال إن المصريين استنابوا رجلا يعرف بافتخار الدولة من خلفاء العميد بن نصر لما خشوا من السلجوقية عند استيلائهم على الشام إلى غزة وزحف الاقسيس من أمرائهم إلى مصر وحاصرها وراسلوا الإفرنج واستدعوهم لملك الشام لينشلوهم عن أنفسهم ويحولوا بينهم وبين مصر والله سبحانه وتع إلى أعلم. انتقاض الأمير أنز وقتله لما سار السلطان بركيارق إلى خراسان ولى على بلاد فارس الأمير أنز وكانت قد تغلبت الشوانكار واستظهروا بإيران شاه بن قاروت بك صاحب كرمان.فلما سار إليهم أنز قاتلوه فهزموه ورجع إلى أصفهان فاستأذن السلطان فأمره بالمقام هناك وولاه إمارة العراق.وكانت العساكر في جواره بطاعته وجاء مؤيد الملك بن نظام الملك من بغداد على الحلة فأغراه بالخلاف وخوفه غائلة بركيارق وأشار عليه بمكاتبة محمد بن ملك شاه وهو في كنجة.وشاع عنه ذلك فازداد خوفه وجمع العساكر وسار من أصفهان إلى الري.وجاهر السلطان بالخلاف وطلب منه أن يسلم إليه فخر الملك ألب أرسلان.وبينما هو في ذلك إذ هجم عليه ثلاثة نفر من الأتراك المولدين بخوارزم من جنده فطعنوه فقتلوه واهتاج عسكره فنهبوا خزائنه وحمل شلوه إلى أصفهان فدفن بها.واشتهر خبر قتله وحمل إلى السلطان في أحواز الري وهو سائر لقتاله فسر بذلك هو وفخر الملك ألب أرسلان وذلك في سنة اثنتين وتسعين.وكان محمود المذاهب كبير المناقب.ولما قتل هرب اصهنر صبار إلى دمشق فأقام بها مدة.ثم قدم على استيلاء الفرنج على بيت المقدس كان بيت المقدس لتاج الدولة تتش وأقطعه الأمير سقمان بن أرتق التركماني وكان تتش ملكه من يد العلويين أهل مصر.فلما وهن الأتراك بواقعة إنطاكية طمع المصريون في ارتجاعه.وسار صاحب دولتهم الأفضل بن بدر الجمالي وحاصر الأمير سقمان وأخاه ابلغازي وابن أخيهما ياقوتي وابن عمهما سونج ونصب المجانيق فثلموا سوره ثم ملكوه بالأمان لأربعين يوماً من حصاره في شعبان سنة تسع وثمانين وأحسن الأفضل إلى سقمان وابلغازي ومن معهما وأطلقهم فأقام سقمان ببلد الرها.وسار ابلغازي إلى العراق وولى الأفضل على بيت المقدس افتخار الدولة من أمرائهم ورجع إلى مصر فلما رجع الإفرنج من عكا وجاءوا إلى بيت المقدس فحاصروه أربعين يوماً واقتحموه من جهة الشمال آخر شعبان من سنة اثنتين وتسعين وعاثوا في أهله.واعتصم فلهم بمحراب داود عليه السلام ثلاثاً حتى استأمنوا وخرجوا ليلاً إلى عسقلان.وقتل بالمسجد سبعون ألفاً أو يزيدون من المجاورين فيهم العلماء والزهاد والعباد وأخذوا نيفاً وأربعين قنديلا من الفضة زنة كل واحد ثلاثة آلاف وستمائة درهم ومائة وخمسين قنديلا من الصفار وتنوراً من الفضة زنته أربعون رطلاً بالشامي وغير ذلك مما لا يحصى ووصل الصريخ إلى بعداد مستغيثين فأمر المقتدي أن يسير إلى السلطان بركيارق أبو محمد الدامغاني وأبو بكر الشاشي وأبو القاسم الزنجاني وأبو الوفاء بن عقيد وأبو سعد الحلواني وأبو الحسين بن السماك.فساروا إلى بركيارق يستصرخونه للمسلمين فانتهوا إلى حلوان وبلغهم مقتل مجد الملك ألب أرسلان وفتنة بركيارق مع أخيه محمد فرجعوا وتمكن الإفرنج من البلاد.ونحن عازمون على إفراد أخبارهم بالشام وما كان لهم فيه من الدولة على حكم أخبار الدول في كتابنا. ظهور السلطان محمد بن ملك شاه والخطبة له ببغداد وحروبه مع أخيه بركيارق كان محمد وسنجر شقيقين وكان بركيارق استعمل سنجر على خراسان.ثم لحق به محمد بأصفهان وهو يحاصرها سنة ثمان وثمانين فأقطعه كنجة وأعمالها وأنزل معه الأمير قطلغ تكين أتابك وكانت كنجة من أعمال أران وكانت لفضلون فانتزعها ملك شاه وأقطعه استراباذ.وولى على أران سرهناسا وتكين الخادم.ثم ضمن فضلون بلاده وأعيد إليها.فلما قوي رجع إلى العصيان فسرح إليه ملك شاه الأمير بوزان فغلبه على البلاد وأسره ومات ببغداد سنة أربع وثمانين.وأقطع ملك شاه بلاد أران أصحاب باغي سياه صاحب إنطاكية.ولما مات باغي سياه رجع ابنه إلى ولاية أبيه.ثم أقطع السلطان بركيارق كنجة وأعمالها لمحمد كما قلناه سنة ست وثمانين.ولما اشتدوا واستفحل قتل أتابك قطلغ تكين واستولى على بلاد أران كلها ولحق مؤيد الملك عبد الله بن نظام الملك بعد مقتل صاحبه أنز فاستخلصه وقربه وأشار عليه مؤيد الملك فطلب الأمر لنفسه فخطب له بأعماله واستوزر مؤيد الملك.وقارن ذلك مقتل مجد الملك البأرسلاني المتغلب في دولة بركيارق فاستوحش أصحابه لذلك ونزعوا إلى محمد وساروا جميعاً إلى الري وكان بركيارق قد سبقهم إليها.واجتمع إليه الأمير نيال بن أبي شكين الحامي من أكابر الأمراء وعز الملك بن نظام الملك.ولما بلغه مسير أخيه محمد إليه رجع إلى أصفهان فمنعوه من الدخول فسار إلى خوزستان وملك محمد الري في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين ووجد بها زبيدة أم بركيارق قد تخلفت عن ابنها فحبسها مؤيد الملك وصادرها.ثم قتلها خنقاً بعد أن تنصح له أصحابه في شأنها فلم يقبل.وكان سعد الدولة كوهرائين شحنة بغداد قد استوحش من بركيارق فاتفق هو وكربوقا صاحب الموصل وجكرمش صاحب جزيرة ابن عمر وسرخاب بن بدر صاحب كنكسون وساروا إلى السلطان محمد بقم فخلع عليهم ورد كوهرائين إلى بغداد في شأن الخطبة فخطب له بالخليفة ولقبه حياة الدين والدنيا وسار كربوقا وجكرمش مع السلطان محمد إلى أصفهان والله سبحانه وتع إلى أعلم. مقتل البأرسلاني كان أبو الفضل سعد البأرسلاني ويلقب مجد الملك متحكماً عند السلطان بركيارق ومتحكماً في دولته.ولما فشا القتل في أمرائه من الباطنية استوحشوا ونسبوا ذلك للبأرسلاني وكان من أعظم من قتل منهم الأمير برسق فاتهم ابنه زنكي وأقبورني البأرسلاني في قتله ونزعوا عن بركيارق إلى السلطان محمد فاجتمع الأمراء ومقدمهم أمير الحيرة لكابك وطغايرك من الروز وبعثوا إلى بني برسق يستدعونهم للطلب بثار أبيهم فجاءوا واجتمعوا قريباً من همذان ووافقهم العسكر جميعاً على ذلك وبعثوا إلى بركيارق يطلبون البأرسلاني فامتنع وأشار عليه البأرسلاني بإجابتهم لئلا يفعلوا ذلك بغير رأي السلطان فيكون وهناً على الدولة فاستحلفهم السلطان فدفعه إليهم فقتله الغلمان قبل أن يتصل بهم وسكنت الفتنة وحمل رأسه إلى مؤيد الملك.واستوحش الأمراء لذلك من بركيارق وأشاروا عليه بالعودة إلى الري ويكفونه قتال أخيه محمد فعاد متشاغلاً ونهبوا سرادقه وساروا إلى أخيه محمد ولحق بأصفهان.ثم لحق رستاق كما تقدم. |
الساعة الآن 10:09 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |