![]() |
إعادة الخطبة ببغداد لبركيارق
ولما سار بركيارق إلى خوزستان ومعه نيال بن أبي شكين الحسامي مع عسكره سار من هنالك إلى واسط ولقيه صدقة بن مزيد صاحب الحفة.ثم سار إلى بغداد وكان سعد الدولة كوهرائين الشحنة على طاعة محمد فخرج عن بغداد ومعه أبو الغازي بن أرتق وغيره وخطب لبركيارق ببغداد منتصف صفر سنة ثلاث وتسعين بعد أن فارقها كوهرائين وأصحابه.وبعثوا إلى السلطان محمد ومؤيد الملك يستحثونهما فأرسلا إليهم كربوقا صاحب الموصل وجكرمش صاحب جزيرة ابن عمر يستكثرون بهم في المدافعة.وطلب جكرمش من كوهرائين السير لبلده خشية عليها فأذن له.ثم يئس كوهرائين وأصحابه من محمد فبعثوا إلى بركيارق بطاعتهم فخرج إليهم واسترضاهم ورجع إلى بغداد وقبض على عميد الدولة بن جهير وزير الخليفة وطالبه بما أخذ هو وأبوه من الموصل وديار بكر أيام ولايتهم عليها فصادرهم على مائة وستين ألف دينار.واستوزر الأغر أبا المحاسن عبد الجليل بن علي بن محمد الدهستاني وخلع الخليفة على بركيارق.المصاف الأول بين بركيارق ومحمد ومقتل كوهرائين وهزيمة بركيارق والخطبة لمحمد ثم سار بركيارق من بغداد لحرب أخيه محمد ومر بشهرزور فاجتمع إليه عسكر كثير من التركمان وكاتب رئيس همذان يستحثه فركب وسار للقاء أخيه على فراسخ من همذان في أول رجب من سنه ثلاث وتسعين وفي ميمنته كوهرائين وعز الدولة بن صدقة بن مزيد وسرخاب بن بدر وفى ميسرته كربوقا.وفي ميمنة محمد بن أضر وابنه أياز وفي ميسرته مؤيد الملك والنظامية.ومعه في القلب أمير سسرخو شحنة أصفهان.فحمل كوهرائين عن الميمنة على مؤيد الملك والنظامية فهزمهم وانتهى إلى خيامهم فنهبها.وحملت ميمنة محمد على عيسرة بركيارق فانهزموا.وحمل محمد على بركيارق فهزمه ووف محمد مكانه وعاد كوهرائين من طلب المنهزمين فكبا به فرسه فقتل.وجيء بالأغر أبي المحاسن يوسف وزير بركيارق أسيراً فكرمه مؤيد الملك ونصب له خيمة وبعثه إلى بغداد في الخطبة لمحمد فخطب له منتصف رجب من السنة.وكانت أولية سعد الدولة كوهرائين انه كان خادماً للملك أبي كاليجار بن بويه وجعله في خدمة أبنه أبي نصر.ولما حبسه طغرلبك مضى معه إلى قلعة طغرل فلما مات انتقل إلى خدمة السلطان ألب أرسلان وترقى عنده وأقطعه واسط وجعله شحنة بغداد وحضر يوم قتله فوقله بنفسه.ثم أرسله ملك شاه إلى بغداد في الخطبة وجاء بالخلع والتقليد وحصل له من نفوذ الأمر واتباع الناس ما لم يصل لغيره إلى أن قتل في هذه المعركة وولي شحنة بغداد بغداد أبلغمازي بن أرتق. مسير بركيارق إلى خراسان وانهزامه من أخيه سنجر ومقتل الأمير داود حبشي أمير خراسان لما انهزم بركيارق من أخيه محمد خلص في الفل إلى الري واجتمع له جموع من شيعته فسار إلى خراسان وانتهى إلى أسفراين.وكتب الأمير داود حبشي إلى التونطاق يستدعيه من الدامغان وكان أميراً على معظم خراسان وعلى طبرستان وجرجان فأشار عليه بالمقام بنيسابور فقصدها.وقبض على عميدها أبي محمد وأبي القاسم بن إمام الحرمين.ومات أبو القاسم في محبسه مسموماً.ثم زحف سنجر إلى الأمير داود فبعث إلى بركيارق يستدعيه لنجدته فسار إليه والتقى الفريقان بظاهر بوشنج وفي ميمنة سنجر الأمير برغش وفي ميسرته الأمير كوكر.ومعه في القلب الأمير رستم فحمل بركيارق على رستم فقتله وانقض الناس على سنجر وكاد ينهزم.وأخذ بركيارق أم سنجر أسيرة وشغل أصحاب بركيارق بالنهب فحمل عليهم برغش وكوكر فانهزموا واستمرت الهزيمة على بركيازق وهرب الأمير داود فجيء به إلى برغش أسيراً فقتله.وسار بركيارق إلى جرجان ثم إلى الدامغان ودخل البرية.ثم استدعاه أهل أصفهان وجاءه جماعة من الأمراء منهم جاول صباوو وسبقه محمد إلى أصفهان فعدل عنها إلى عسكر مكرم.المصاف الثاني بين بركيارق ومحمد وهزيمة محمد وقتل وزيره مؤيد الملك والخطبة لبركيارق لما انهزم بركيارق أمام سنجر سنة ثلاث وتسعين وسار إلى أصفهان فوجد أخاه محمداً قد سبقه إليها فعدل عنها إلى خوزستان ونزل إلى عسكر مكرم.وقدم عليه هناك الأميران زنكي والبكي ابنا برسق سنة أربع وتسعين وساروا معه إلى همذان.وهرب إليه الأمير أياز في خمسة آلاف من عسكر محمد لأن أميراً آخر مات في تلك الأيام وظنوا أن مؤيد الملك دس عليه وزيره فسمه.وكان أياز في جملة أمير أضر فقتل الوزير المتهم ولحق بركيارق.ثم وصل إليه سرخاب بن كنجر وصاحباه فاجتمع له نحو من خمسين ألف فارس.ولقيه محمد في خمسة عشر ألفاً واستأمن أكثرهم إلى بركيارق يوم المصاف أول جمادى الأخيرة سنة أربع وتسعين.واستولت الهزيمة على محمد وجيء بمؤيد الملك أسيراً فوبخه ثم قتله بيده لأنه كان سيىء السيرة مع الأمراء كثير الحيل في تدبير الملك.ثم بعث الأغر أبو المحاسن وزير بركيارق أبا إبراهيم الاستراباذي لاستقصاء أموال مؤيد الملك وذخائره ببغداد فحمل منها ما لا يسعه الوصف.يقال إنه وجد في ذخائره ببلاد العجم قطعة بلخش زنتها أربعون مثقالا.واستوزر محمد بعده خطيب الملك أبا منصور محمد بن الحسين.ثم سار السلطان بركيارق إلى الري ووفد عليه هنالك كربوقا صاحب الموصل ودبيس بن صدقة وأبوه يومئذ صاحب الحفة.وسار السلطان قافلا إلى جرجان وبحث إلى أخيه سنجر يستجديه فبعث إليه ما أقامه.ثم طلبه في المحد فسار إليه سنجر من خراسان.ثم سارا جميعاً إلى الدامغان فخرباها وسار إلى الري واجتمعت عليه النظامية وغيرهم فكثرت جموعهم.وكان بركيارق بعد الظفر قد فرق عساكره لضيق الميرة ورجع دبيس بن صدقة إلى أبيه.وخرج بأذربيجان داود بن إسماعيل بن ياقوتي فبعث لقتاله قوام الدولة كربوقا في عشرة آلاف واستأذنه أياز في المسير إلى ولايته بهمذان ويعود بعد الفطر فبقي في قلة من العساكر.فلما بلغه قرب أخيه محمد وسنجر اضطرب حاله وسار إلى همذان ليجتمع مع أياز فبلغه أنه قد راسل أخاه محمداً وأطاعه فعاد إلى خوزستان.ولما انتهى إلى تستر استدعى ابن برسق وكان من جملة أياز فلم يحضر وتأخر فأمنه فسار نحو العراق فلما بلغ حلوان لحق به أياز وكان راسل محمداً فلم يقبله.وبعث عساكره إلى همذان فلحق بهمذان أياز.وأخذ محمد محلة أياز بهمذان وكانت كثيراً من كل صنف وصودر أصحابه " " بهمذان بمائة ألف دينار.وسار بركيارق وأياز إلى بغداد فدخلها منتصف ذي القعدة من سنة أربع وتسعين وطلب من الخليفة المال للنفقة فبعث إليه بعد المراجعة بخمسين ألف دينار.وعاث أصحاب بركيارق في أموال الناس وضجروا منه ووفد عليه أبو محمد عبد الله بن منصور المعروف بابن المصلحية قاضي جبلة من سواحل الشام منهزماً من الإفرنج بأموال جليلة المقدار فأخذها بركيارق منه.وقد تقدم خبر ابن المصلحية في دولة العباسيين.ثم بعث وزير بركيارق الأغر بالمحاسن إلى صدقة بن مزيد صاحب الحلة في ألف ألف دينار يزعم أنها تخلفت عنده من ضمان البلاد وتهدده عليها فخرج عن طاعة بركيارق وخطب لمحمد أخيه.وبعث إليه بركيارق في الحضور والتجاوز عن ذلك.وضمن له أياز جميع مطالبه فأبى إلا أن يدفع الوزير واستمر على عصيانه وطرد عامل بركيارق عن الكوفة واستضافها إليه. |
مسير بركيارق عن بغداد ودخول محمد وسنجر إليها
ولما استولى السلطان محمد وأخوه سنجر على همذان سار في اتباع بركيارق إلى حلوان فقدم عليه هنالك أبو الغازي ابن أرتق في عساكره وخدمه وكثرت جموعه فسار إلى بغداد وبركيارق عليل بها فاضطرب أصحابه وعبروا به إلى الجانب الغربي.ووصل محمد إلى بغداد آخر سنة أربع وتسعين وتراءى الجمعان بشاطئ دجلة وجرت بينهم المراماة والنشاب وكان عسكر محمد ينادون عسكر بركيارق يا باطنية.ثم سار بركيارق إلى واسط ونهب عسكره جميع ما مروا عليه ودخل محمد إلى دار المملكة ببغداد وجاءه توقيع المستظهر بالاستبشار بقدومه وخطب له.ونزل الملك سنجر بدار كوهرائين ووفد على السلطان محمد ببغداد صدقة صاحب الحلة في محرم سنة خمس وسبعين. مقتل بركيارق الباطنية كان هؤلاء الباطنية قد ظهروا بالعراق وفارس وخراسان وهم القرامطة والدعوة بعينها دعوتهم إلا أنهم سموا في هذه الأجيال بالباطنية والإسماعيلية والملاحدة والفداوية.وكل اسم منها باعتبار فالباطنية لأنهم يبطنون دعوتهم والإسماعيلية لانتساب دعوتهم في أصلها لإسماعيل بن الإمام جعفر الصادق.والملاحدة لأن بدعتهم كلها إلحاد.والفداوية لأنهم يفادون أنفسهم بالمال على قتل من يسلطون.والقرامطة نسبة إلى قرمط منشئ دعوتهم.وكان أصلهم من البحرين في المائة الثالثة وما بعدها.ثم نشأ هؤلاء بالمشرق أيام ملك شاه فأول ما ظهروا بأصفهان.واشتد في حصار بركيارق وأخيه محمود وأمه خاتون فيها.ثم ثارت عامة أصفهان بهم بإشارة القضاة وأهل الفتيا فقتلوهم في كل جهة وحرقوهم بالنار.ثم انتشروا واستولوا على القلاع ببلاد العجم كما تقدم في أخبارهم.ثم أخذ بمذهبهم نيران شاه بن بدران شاه بن قاروت بك صاحب كرمان حمله عليه كاتب من أهل خوزستان يسمى أبا زرعة.وكان بكرمان فقيه من الحنفية يسمى أحمد بن الحسين البلخي مطاعاً في الناس فخشي من نكيره فقتله فهرب عنه صاحب جيشه وكان شحنة البلد ولحق بالسلطان محمد ومؤيد الملك بأصفهان.وثار الجند بعده بتيران شاه فسار إلى مدينة كرمان فمنعه أهلها ونهبوه فقصد قلعة سهدم واستجار بصاحبها محمد بهستون.وبعث أرسلان شاه عساكر لحصارها فطرده بهستون وبعث مقدم العساكر في طلبه فجيء به أسيراً وبأبي زرعة الكاتيب معه فقتلهما أرسلان شاه واستولى على بلاد كرمان.وكان بركيارق كثيراً ما يسلطهم على من يريد قتله من الأمراء مثل أنز شحنة أصفهان وأرغش وغيرهم فأمنوا جانبه وانتشروا في عسكره واغروا الناس ببدعتهم وتجاوزوا إلى التهديد عليها حتى خافهم أعيان العسكر.وصار بركيارق يصرفهم على أعدائه والناس يتهمونه بالميل إليهم فاجتمع أهل الدولة وعذلوا بركيارق في ذلك فقبل نصيحتهم وأمر بقتل الباطنية حيث كانوا فقتلوا وشردوا كل مشرد.وبعث إلى بغداد بقتل أبي إبراهيم الاستراباي الذي بعثه أبو الأغر لاستقصاء أموال مؤيد الملك وكان يتهم بمذهبهم فقتل.وقتل بالعسكر الأمير محمد من ولد علاء الدين بن كاكويه وهو صاحب مدينة تيرد وكان يتهم بمذهبهم.وسعى بالكيا الهراسي مدرس النظامية أنه باطني فأمر السلطان محمد بالقبض عليه حتى شهد المستظهر ببراءته وعلو درجته في العلم فأطلقه وحسمت علة الباطنية بين الجمهور.وبقي أمرهم في القلاع التي ملكوها إلى أن انقرضوا كما تقدم في أخبارهم مستوفى.المصاف الثالث بين بركيارق ومحمد والصلح بينهما ولما رحل بركيارق عن بغداد إلى واسط ودخل إليها السلطان محمد أقام بها إلى منتصف المحرم من سنة خمس وتسعين.ثم رحل إلى همذان وصحبه السلطان سنجر لقصد خراسان موضع إمارته وجاءت الأخبار إلى المستظهر باعتزام بركيارق على المسير إلى بغداد ونقل له عنه قبائح من أقواله وأفعاله فاستدعى السلطان محمداً من همذان وقال أنا أسير معك لقتاله فقال محمد أنا أكفيكه يا أمير المؤمنين ورجع ورتب ببغداد أبا المعالي شحنة وكان بركيارق لما سار من بغداد إلى واسط هرب أهلها منه إلى الزبيدية ونزل هو بواسط عليلا فلما أفاق أراد العبور.إلى الجانب الشرقي فلم يجد سفناً ولا نواتية.وجاءه القاضي أبو علي الفارسي إلى العسكر واجتمع بالأمير أياز والوزير فاستعطفهما لأهل واسط وطلب إقامة الشحنة بينهم فبعثاه وطلبا من القاضي من يعبر فأحضر لهم رجالاً عبروا بهم.فلما صاروا في الجانب الشرقي نهب العسكر البلد فجاء القاضي واستعطفهم فمنعوا النهب.واستأمن إليهم عسكر واسط فأمنوهم.وسار بركيارق إلى بلاد نج برسق في الأهواز وساروا معه ثم بلغه مسير أخيه محمد عن بغداد فسار في اتباعه إلى نهاوند إلى أن أدركه وتصافوا ولم يقتتلوا لشدة البرد.ثم عاودوا في اليوم الثاني كذلك.وكان الرجل يخرج لقريبه من الصف الآخر فيتصافحان ويتساءلان ويفترقان ، ^? ثم جاء الأمير بكراج وعبر من عسكر محمد إلى الأمير أياز والوزير الأغر فاجتمعوا وعقدوا الصلح بين الفريقين على أن السلطان بركيارق لا يعترض أخاه محمداً في الطبل وتكون المكاتبة بينهما من الوزيرين ولا يعارض أحد من العسكر في قصد أيهما شاء.والملك محمد يضرب له ثلاث نوب ويكون له من البلاد حرة وأعمالها وأذربيجان وديار بكر والجزيرة والموصل ويمده بركيارق بالعساكر على من يمتنع عليه منها.وتحالفا على ذلك وافترقا.وكان العقد في ربيع الأول سنة خمس وتسعين.وسار بركيارق إلى ساوة ومحمد إلى استراباذ وكل أمير على إقطاعه.والله سبحانه وتع إلى أعلم. انتقاض الصلح والمصاف الرابع بين السلطانين وحصار محمد بأصفهان لما انصرف السلطان محمد إلى استراباذ وكان اتهم الأمراء الذين سعوا في الصلح بالخديعة فسار إلى قزوين ودس إلى رئيسها لأن يصنع صنيعاً ويدعوه إليه مع الأمراء ففعل وجاء السلطان إلى الدعوة.وقد تقدم إلى أصحابه بحمل السلاح ومعه يشتمك وافتكين من أمرائه فقبض عليهما وقتل يشمك وسمل افتكين.وورد عليه الأمير نيال بن أنشوكس الحسامي نازعاً عن أخيه بركيارق ، ^? ولما التقى الفريقان حمل سرخاب بن كيخسرو " " الديلمي صاحب ساوة على نيال الحسامي فهزمه واتبعه عامة العسكر واستولت الهزيمة على عسكر محمد.ومضى بعضهم إلى طبرستان وبعضهم إلى قزوين وذلك في جمادى من سنة خمس وتسعين لأربعة أشهر من المصاف قبله.ولحق محمد في الفل بأصفهان ومعه نيال الحسامي وأصفهان في حكمه فحضنها وسد ما ثلم من سورها وأعمق الخندق وفرق الأمراء في الأسوار وعلى الأبواب ونصب المجانيق.وجاء بركيارق في خمسة عشر ألف مقاتل فأقام محاصراً للبلد حتى اشتد الحصار وعدمت الأقوات.واستقرض محمد المال للجند من أعيان البلدة مرة بعد أخرى فلما جهده الحصار خرج من البلد ومعه الأمير نيال وترك باقي الأمراء.وبعث بركيارق الأمير أياز في عسكر لطلبه فلم يدركه وقيده بل أدركه وذكره العهد فرجع عنه بعد أن أخذ رايته وجشره وثلاثة أحمال من المال.ولما خرج محمد عن أصفهان طمع المفسدون والسوادية في نهبها فاجتمع منهم ما يزيد على مائة ألف وزحفوا بالسلالم والذبابات وطموا الخندق وصعدوا في السلالم بإشارة أهل البلد وجدوا في دفاعهم وعادوا خائبين.ورحل بركيارق آخر ذي القعدة من سنة خمس وتسعين واستخلف على البلاد القديم الذي يقال له شهرستان مرشد الهراس في ألف فارس مع ابنه ملك شاه وسار إلى همذان.وفي هذا الحصار قتل وزير بركيارق الأغر أبو المحاسن عبد الجليل الدهستاني عرض له يوماً بعض الباطنية عندما ركب من خيمته لباب السلطان طعنه طعنات وتركه بآخر رمق وقتل غلام من غلمان بعض المكوس للوزير ثار فيه بمولاه.وكان كريماً واسع الصدر وولي الوزارة على حين فساد القوانين وقلة الجباية فكان يضطر لأخذ أموال الناس بالإخافة فنفرت الصفوة منه.ولما مات استوزر بركيارق بعده الخطير أبا منصور الميبذي كان وزيراً لمحمد وقد وكله في الحصار ببعض الأبواب فبعث إليه محمد نيال بن أبي شكين يطالبه بالأموال لإقامة العسكر فخرج من الباب ليلا ولحق ببلده وامتنع بقلعتها فأرسل السلطان بركيارق إليها عساكر وحاصروها حتى استأمن وجاء عند قتل وزيره الأغر.فاستوزره بركيارق مكانه والله تع إلى أعلم بغيبه. مسير صاحب البصرة إلى واسط كان صاحب البصرة لهذا العهد إسماعيل بن أرسلان حين كان السلطان ملك شاه شحنة بالري وولاه عليها عندما اضطر أهلها وعجز الولاة عنهم فحسنت كفايته وأثخن فيهم وأصلح أمورها.ثم عزل عنها وأقطع السلطان بركيارق البصرة للأمير قماج وكان ممن لا يفارقه فاختار إسماعيل لولاية البصرة.ثم نزع قماج عن بركيارق وانتقل إلى خراسان فحدثت إسماعيل نفسع بالاستبداد بالبصرة وانتقض وزحف إليه مهذب الدولة بن أبي الخير من البطيحة ومعقل بن صدقة بن منصور بن الحسين الأسدي من الجزيرة في العساكر والسفن فقاتلوه في مطاري.وقتل معقل بسهم أصابه فعاد ابن أبي الخير إلى البطيحة فأخذ إسماعيل السفن وذلك سنة إحدى وتسعين.أسرهما واستفحل أمره بالبصرة.وبنى قلعة بالأبلة وقلعة الشاطئ قبالة مطاري.وأسقط كثيراً من المكوس واتسعت إمارته لشغل السلاطين بالفتنة.وملك المسبار أضافها إلى ما بيده.ولما كان سنة خمس وتسعين طمع في واسط وداخل بعض أهلها وركب إليها السفن إلى نعما جار وخيم عليها بالجانب الشرقي أياماً.ودافعوه فارتحل راجعاً حتى ظن خلاء البلد من الحامية فدس إليها من يضرم النار بها ليرجعوا فرجع عنهم.فلما دخل أصحابه البلد فتك أهل البلد فيهم وعاد إلى البصرة منهزماً فوجد الأمير أبا سعيد محمد بن نصر بن محمد صاحب الأعمال لعمان وجنايا وشيراز وجزيرة بني نفيس محاصراً للبصرة.وكان أبو سعيد قد استبد بهذه الأعمال منذ سنين.وطمع إسماعيل في الاستيلاء على أعماله وبعث إليها السفن في البدر فرجعوا خائبين فبعث أبو سعيد خمسين من سفنه في البحر فظفروا بأصحاب إسماعيل واتفقوا معهم على الصلح ولم يقع منه وفاء به فسار أبو سعيد بنفسه في مائة سفينة.وأرسى بفوهة نهر الأبلة ووافق دخول إسماعيل من واسط فتزاحفوا براً وبحراً.فلما رأى إسماعيل عجزه عن المقاومة كتب إلى ديوان الخليفة بضمان البلد.ثم تصالحا ووقعت بينهما المهادنة وأقام إسماعيل مستبداً بالبصرة إلى أن ملكها من يده صدقة بن مزيد في المائة الخامسة كما مر في أخباره وهلك برامهرمز.وفاة كربوقا صاحب الموصل واستيلاء جكرمش عليها واستيلاء سقمان بن أرتق على حصن كيفا كان السلطان بركيارق أرسل كربوقا إلى أذربيجان لقتال موعود بن إسماعيل بن ياقوتي الخارج بها سنة أربع وتسعين فاستولى على أكثر أذربيجان من يده.ثم توفي منتصف ذي القعدة سنة خمس وتسعين وكان معه أصبهيذ صباوو بن خمارتكين وسنقرجة من بعده.وأوصى الترك بطاعته فسار سنقرجة إلى الموصل واستولى عليها.وكان أهل الموصل لما بلغهم وفاة كربوقا قد استدعوا موسى التركماني من موضع نيابته عن كربوقا بحصن كيفا للولاية عليهم فبادر إليهم وخرج سنقرجة للقائه فظن أنه جاء إليه وجرت بينهما محاورات.ورد سنقرجة الأمر إلى السلطان فآل الأمر بينهما إلى المطاعنة.وكان مع موسى منصور بن مروان بقية أمراء ديار بكر.وضرب سنقرجة فأبان رأسه وملك موسى البلد.ثم زحف جكرمش صاحب جزيرة ابن عمر إلى نصيبين فملكها وخالفه موسى إلى الجزيرة فبادر إليه جكرمش وهزمه.واتبعه إلى الموصل فحاصره بها فبعث موسى إلى سقمان بن أرتق بديار بكر يستنجده على أن يعطيه حصن كيفا فسار سقمان إليه.وأفرج عنه جكرمش.وخرج موسى للقاء سقمان فقتله مواليه ورجع سقمان إلى كيفا.وجاء جكرمش إلى الموصل فحاصرها وملكها صلحاً واستلحم قتلة موسى.ثم استولى بعد ذلك على الخابور وأطاعه العرب والأكراد.وأيمما سقمان بن أرتق فسار بعد مقتل موسى إلى حصن كيفا واستمر بيده.قال ابن الأثير وصاحبها الآن في سنة خمس وعشرين وستمائة محمود بن محمد بن الفراء.وكان صاحبها سنة عشرين وستمائة غازي بن قرا أرسلان بن داود بن سقمان بن أرتق والله تعالى أعلم. |
أخبار نيال بالعراق
كان نيال بن أبي شتكين الحسامي مع السلطان محمد بأصفهان لما حاصرها بركيارق بعد المصاف الرابع سنة خمس وتسعين فلما خرج محمد من الحصار إلى أذربيجان ومعه نيال استأذنه في قصد الري ليقيم بها دعوتهم وسار هو وأخوه علي وعسف بأهل الري وصادرهم.وبعث السلطان بركيارق الأمير برسق بن برسق في ربيع من سنة ست وتسعين فقاتله وهزمه واستولى برسق على الري وأعاده على ولاية بقزوين وسلك نيال على الجبال وهلك كثير من أصحابه وخلص إلى بغداد فأكرهه المستظهر وأظهر طاعة السلطان محمد.وتحالف هو وأبو الغازي وسقمان بن أرتق على مناصحة السلطان محمد وساروا إلى صدقة بن مزيد بالحفة فاستحلفوه على ذلك.ثم إن نيال بن أبي شتكين عسف بأهل بغداد وتسلط عليهم وصادر العمال فاجتمع الناس إلى أبي الغازي بن أرتق.وكان نيال صهره على أخته التي كانت زوجاً لتتش لا وطلبوا منه أن يشفع لهم عنده.وبعث المستظهر إليه قاضي القضاة أبا الحسن الدامغاني بالنهي عما يرتكبه فأجاب وحلف.ثم نكث فأرسل المستظهر إلى صدقة بن مزيد يستدعيه فوصل في شوال من السنة واتفق مع نيال على الرحيل من بغداد.ورجع إلى حلته وترك ولده دبيساً يزعج نيال للخروج فسار نيال إلى أوان وعاث في السابلة وأقطع القرى لأصحابه.وبعث إلى صدقة فأرسل إليه العساكر وخرج فيها أبو الغازي بن أرتق وأصحاب المستظهر فسار نيال إلى أذربيجان ورجعوا عنه. ولاية كمستكين النصيري شحنة بغداد وفتنته مع أبي الغازي وحربه كال أبو الغازي بن أرتق شحنة بغداد ولاه عليها السلطان محمد عند مقتل كوهرائين.ولما ظهر الآن بركيارق على محمد وحاصره بأصفهان.ونزل بركيارق همذان وأرسل إلى بغداد كمستكين النصيري في ربيع سنة ست وتسعين.وسمع أبو الغازي بمقدمه قاستدعى أخاه سقمان بن أرتق من حصن كيفا يستنجده وسار إلى صدقة بن مزيد فخالفه على النصرة والمدافعة.ورجع إلى بغداد ووصل إليه أخو سقمان بعد أن نهب في طريقه.ووصل كمستكين إلى قرقيسيا ولقيه شيعة بركيارق وخرج أبو الغازي وسقمان عن بغداد ونهب قرى دجيل واتبعتهما العساكر.ثم رفعت عنهما وأرسل كمستكين إلى صدقة صاحب المحلة فامتنع عن طاعة برقيارق وسار من الحلة إلى صرصر وقطع خطبة بركيارق وعبر بغداد واقتصر على الدعاء للخليفة وبعث صدقة إلى أبي الغازي وسقمان يعرفهما بوصوله وهما بالحرني وجاء إلى دجيل ونهب القرى واشتد فسادهم.وأضر ذلك بحال بغداد في غلاء الأسعار.وجاء أبو الغازي وسقمان ومعهما دبيس بن صدقة فخيموا بالرملة وقاتلهم العامة ففتكوا فيهم.وبعث المستظهر قاضي القضاة أبا الحسن الدامغاني ولاج الرؤساء بن الرحلات إلى صدقة بن مزيد بمراجعة الطاعة فشرط خروج كمستكين عن بغداد فأخرجه المستظهر إلى النهروان.وعاد صدقة إلى الحلة وأعيدت خطبة السلطان محمد ببغداد.ثم سار كمستكين النصيري إلى واسط وخطب فيها لبركيارق ونهب عسكره سوادها فسار صدقة وأبو الغازي إليه وأخرجاه من واسط.وتحصن بدجلة فقصده صدقة فانفض عنه أصحابه ورجع إلى صدقة بالأمان فأكرمه وعاد إلى بركيارق.وأعيدت خطبة السلطان محمد بواسط وبعده لصدقة وأبي الغازي وولى كل واحد فيها ولده.وعاد أبو الغازي إلى بغداد وعاد صدقة إلى الحلة وبعث ابنه منصوراً مع أبي الغازي يطلب الرضا من المستظهر لأنه كان سخطه من أجل هذه الحادثة.المصاف الخامس بين بركياق ومحمد كان السلطان محمد لما سار عن كنجة وبلاد أران استخلف بها الأمير غزغلي وأقام بها في طائفة من عسكره مقيماً خطبة السلطان محمد في جميع أعماله إلى زنجان من آخر أذربيجان.فلما انحصر محمد بأصفهان سار غزغلي لإنجاده ومعه منصور بن نظام الملك ومحمد ابن أخيه مؤيد الملك فانتهوا إلى الري وملكوها آخر خمس وتسعين.ولقوا السلطان محمداً بهمذان عندما خرج من أصفهان ومعه نيال بن أبي شتكين وأخوه علي وأقاموا معه بهمذان.ثم جاء الخبر بمسير بركيارق إليهم فتوجه السلطان محمد قاصداً شروان وانتهى إلى أذربيجان فبعث إليه مودود بن إسماعيل بن ياقوتي الذي كان بركيارق قتل أباه إسماعيل وكانت أخت مودود هذا تحت محمد وكان له طائفة من أعمال أذربيجان فاستدعى محمداً ليظاهره على بركيارق فسار إليه وانتهى إلى سقمان.وتوفي مودود في ربيع سنة ست وتسعين واجتمع عساكره على السلطان محمد وفيهم سقمان القطي ومحمد بن ياغي سياه الذي كان أبوه صاحب إنطاكية.ونزل أرسلان بن السبع الأحمر فسار إليهم بركيارق وقاتلهم على خراسان.وسار أياز من عسكر بركيارق وجاء من خلف السلطان محمد فانهزم محمد وأصحابه ولحق بارقيش من أعمال خلاط.ولقيه الأمير علي صاحب أرزن الروم فمضى إلى أصفهان وصاحبها منوجهر أخو فضلون الروادي ثم سار إلى هرمز.وأما محمد بن مؤيد الملك ابن نظام الملك فنجا من الوقعة إلى ديار بكر ثم إلى جزيرة ابن عمر ثم إلى بغداد.وكان أيام أبيه مقيماً ببغداد في جوار المدرسة النظامية فشكى إلى أبيه وخاطب كوهرائين بالقبض عليه فاستجار بدار الخلافة ولحق سنة اثنتين وتسعين بمجد الملك ألب أرسلاني وأبوه بكنجة عند السلطان محمد فلما خطب السلطان محمد لنفسه واستوزر أباه مؤيد الملك ولحق محمد هذا بأبيه ثم قتل أبوه وبقي في جملة السلطان محمد. استيلاء ملك بن بهرام على مدينة عانة كان ملك بن بهرام بن أرتق بن أخي أبي الغازي بن أرتق مالكاً مدينة سروج فملكها الفرنج من يده فسار عنها إلى عانة وغلب عليها بني العيش بن عيسى من خلاط وكانت لهم فقصدوا صدقة بن مزيد مستنجدين به فأنجدهم وجاء معهم فرحل ملك بن بهرام والتركمان عنها ودخلها بنو العيش وأخذ صدقة رهائنهم وعاد إلى الحلة فرجع ملك إليها في الذي رجل من التركمان وحاربها قليلا.ثم عبر المخاضة وملكها واستباح أهلها ومضى إلى هيت ورجع عنها.الصلح بين السلطانين بركيارق ومحمد ثم استقر الأمر آخراً بالسلطان بركيارق في الري وكان له الجبال وطبرستان وخوزستان وفارس وديار بكر والجزيرة والحرمين ولمحمد أذربيجان وبلاد أران وأرمينية وأصفهان والعراق جميعاً غير تكريت والبطائح بعضها وبعضها والبصرة لهما جميعاً وخراسان لسنجر من جرجان إلى ما وراء النهر يخطب فيها لأخيه محمد.وله من بعده والعساكر كلهم يتحكمون.عليهم بسبب الفتنة بينهما.وقد تطاول الفساد وعم الضرر واختلفت قواعد الملك فأرسل بركيارق إلى أخيه محمد في الصلح مع فقيهين من أماثل الناس ورغباه في ذلك وأعاد معهما رسلا آخرين.وتقرر الأمر بينهما أن يستقر محمد على ما بيده سلطاناً ولا يعارضه بركيارق في الطبل ولا يذكر اسمه في أعمال محمداً وأن المكاتبة تكون بين الوزيرين والعساكر بالخيار في خدمة من شاؤوا منهما.ويكون للسلطان محمد من النهر المعروف بأستراباذ إلى باب الأبواب وديار بكر والجزيرة والموصل والشام والعراق بلاد صدقة بن مزيد وبقية الممالك الإسلامية وتحالفا على ذلك وانتظم الأمر وأرسل السلطان محمد إلى أصحابه بأصفهان بالخروج عنها لأخيه بركيارق واستدعاهم إليه فأبوا وجنحوا إلى خدمة بركيارق.وساروا إليه بحريم السلطان محمد الذي كانوا معهم فأكرمهم بركيارق ودلهم إلى صاحبهم.وحضر أبو الغازي بالديوان ببغداد.وسار المستظهر في الخطبة لبركيارق فخطب له سنة سبع وتسعين وكذلك بواسط.وكان أبو الغازي قبل ذلك في طاعة محمد فأرسل صدقاً إلى المستظهر يعذله في شأنه ويخبره بالمسير لإخراجه من بغداد.ثم سار صدقة ونزل عند الفجاج.وخرج أبو الغازي إلى عقرقوبا.وبعث لصدقة بأنه إنما عدل عن طاعة محمد للصلح الواقع بينه وبين أخيه وأنهما تراضيا على أن بغداد لبركيارق وأنا شحنة بها وإقطاعي حلوان فلا يمكنني التحول عن طاعة بركيارق فقبل منه ورجع إلى الحلة.وبعث المستظهر في ذي القعدة سنة سبع وتسعين بالخلع للسلطان بركيارق والأمير أياز والوزير الخطير واستحلفهم جميعاً وعاد إلى بغداد والله سبحانه ولي التوفيق.حرب سقمان وجكرمش الإفرنج قد تقم لنا |
استيلاء الإفرنج على معظم بلاد الشام وشغل الناس عنهم بالفتنة
وكانت حران لقراجا من مماليك ملك شاه.وكان غشوماً فخرج منها لبعض مذاهبه وولى عليها الأصفهاني من أصحابه فعصي فيها وطرد أصحاب قراجا منها ما عدا غلاماً تركياً اسمه جاولي جعله مقدم العسكر وأيس به فقرره وتركه وملك حران.وسار الإفرنج إليها وحاصروها.وكان بين جكرمش صاحب جزيرة ابن عمر وسقمان صاحب كيفا حروب وسقمان يطالبه بقتل ابن أخيه فانتدبا لنصر المسلمين واجتمعا على الخابور وتحالفا.وسار سقمان في سبعة آلاف من التركمان وجكرمش في ثلاثة آلاف من الترك والعرب والأكراد والتقوا بالإفرنج على نهر بلخ فاستطرد لهم المسلمون نحو فرسخين ثم كروا عليهم فغنموا فيهم وقتلوا سوادهم.وأخذ القمص بردويل صاحب الرها أسره تركماني من أصحاب سقمان في نهر بلخ.وكان بيمند صاحب إنطاكية من الإفرنج وطنكري صاحب الساحل منهم قد كمنا وراء الجبل ليأتيا المسلمين من ورائهم عند المعركة.فلما عاينوا الهزيمة كمنوا بقية يومهم ثم هربوا فاتبعهم المسلمون واستلحموهم وأسروا منهم كثيراً وفلت بيمند وطنكري بدماء أنفسهم.ولما حصل الظفر للمسلمين عصي أصحاب جكرمش باختصاص سقمان وشق ذلك عليه وأراد أصحابه " " فأبى حذراً من افتراق المسلمين ورحل وفتح في طريقه غدة حصون.وسار جكرمش إلى حران ففتحها.ثم سار إلى الرها فحاصرها خمس عشرة ليلة وعاد إلى الموصل.وقاد من القمص بخمسة وثلاثين ألف ديناراً ومائة وستين أسيراً من المسلمين ، ^? ثم توفي السلطان بركيارق بن ملك شاه بنزدجرد في أوائل ربيع الآخر سنة ثمان وتسعين لاثنتي عشرة سنة ونصف من ملكه جاء إليها عليلا من أصفهان واشتد مرضه ببروجرد فولى عهده لابنه ملك شاه وعمره نحو من خمس سنين.وخلع عليه وجعل الأمير أياز كافله وأوصى أهل الدولة بالطاعة والمساعدة.وبعثهم إلى بغداد فأدركهم خبر وفاته بالطريق.ورجع أياز حتى دفنه بأصفهان وجمع السرادقات والخيام والجثر والشمسية لابنه ملك شاه.وكان بركيارق قد لقي في ملكه من الرخاء والشدة والحرب والسلم ما لم يلقه أحد.فلما استقر " " واستقامت سعادته أدركته المنية.ولما توفي خطب لابنه ملك شاه ببغداد وكان أبو الغازي قد سار من بغداد إليه وهو بأصفهان يستحثه إلى بغداد.وجاء معه فلما مات سار مع ابنه ملك شاه والأمير أياز إلى بغداد وركب الوزير أبو القاسم علي بن جهير فلقيهم به " " مالي.وحضر أبو الغازي والأمير طغايرك بالديوان وطلبا الخطبة لملك شاه فخطب له ولقب بألقاب جده ملك شاه. حصار السلطان محمد الموصل لما انعقد الصلح بين بركيارق ومحمد واختص كل منهما أعماله وكانت أذربيجان في قسمة محمد رجع محمد إلى أذربيجان ولحق به سعد الملك أبو المحاسن الذي كان نائباً بأصفهان بعد أن أبلى في المدافعة عنها.ثم سلمها بعد الصلح إلى نواب بركيارق واستوزره فأقام محمد إلى صفر من سنة ثمان وتسعين.ثم سار يريد الموصل على طريق مراغة ورحل وبلغ الخبر إلى جكرمش فاستعد للحصار وأدخل أهل الضاحية إلى البلد وحاصره محمد.ثم بعث له يذكره ما استقر عليه بينه وبين أخيه وأن الموصل والجزيرة له وعرض عليه خط بركيارق بذلك وبإيمانه عليه ووعده أن يقرها في عمالته فقال له جكرمش إن السلطان كتب إلي بعد الصلح بخلاف ذلك فاشتد في حصاره واشتد أهل البلد في المدافعة ونفس الله عنهم برخص الأسعار.وكان عسكر جكرمش مجتمعين قريباً من الموصل وكانوا يغزون على أطراف العسكر ويمنعون عنهم الميرة.ثم وصل الخبر عاشر جمادى الأولى بوفاة السلطان بركيارق فاستشار جكرمش أهل البلد فردوا النظر إليه واستشار الجند فأشاروا بطاعة السلطان محمد فأرسل إليه بذلك واستدعى وزيره سعد الملك فدخل عليه وأشار عليه بلقاء السلطان فخرج إليه على كره من أهله البلد فتلقاه السلطان بالكرامة وأعاده سريعاً إلى البلد ليطمئن الناس. استيلاء السلطان محمد على بغداد وخلع ملك شاه ابن أخيه ومقتل أياز قد كنا قدمنا صلح بركيارق وأخيه محمد من أنه يستقل بركيارق بالسلطنة وينفرد محمد بالأعمال التي ذكرنا وموت بركيارق أثر ذلك وتقديم ابنه ملك شاه ببغداد.فوصل الخبر بذلك إلى محمد وهو يحاصر الموصل فأطاعه جكرمش وسار محمد إلى بغداد ومعه جكرمش وسقمان القطبي مولى قطب الدولة إسماعيل بن ياقوتي عم ملك شاه ومحمد وغيرهما من الأعراء وجمع صدقة صاحب الحفة العساكر وبعث ابنه بدران ودبيسا إلى محمد يستحثانه وجاء السلطان محمد إلى بغداد فاعتزم الأمير أياز أتابك ملك شاه على دفاعه وخيم خارج بغداد وأشار عليه بذلك أصحابه وخالفهم وزيره أبا المحاسن الضبعي وأبلغ قي النصيحة له بطاعة السلطان فأقام متردداً ونزل محمد بالجانب الغربي وخطب له هنالك منفرداً ولهما معا في بعض الجوامع.واقتصر على سلطان العالم في بعضها.ورجع أياز إلى استحلاف الأمراء ثانياً فوقف بعضهم وقال لا فائدة في إعادة اليمين.وارتاب أياز عندها وبعث وزيره الضبعي أبا المحاسن لعقد الصلح مع السلطان واستحلافه فقرأ على وزيره سعد الملك أبي المحاسن سعد بن محمد فدخل معه إلى السلطان وأجابه إلى ما طلب.وجاء معه من الغد قاضي القضاة والمفتيان واستحلفاه لأياز وللأمراء فحلف إلا أن ينال الحسامي و " " وقال أما ملك شاه فهو ابني وأنا أبوه.وجاء أياز من الغد وقارن وصول صدقة بن مزيد فأنزلهما واحتفى بهما وذلك آخر جمادى الأولى من سنة ثمان وتسعين.ثم احتفل أياز بعدها في عمل صنيع للسلطان في بيته وهي دار كوهرائين وأهدى إليه تحفاً من جملتها حبل البلخش الذي أخذه من تركة نظام الملك بن مؤيد الملك.واتفق أن أياز تقدم لمواليه بلبس السلاح ليعرضهم على السلطان وكان عندهم مصفعان فألبسوه درعاً تحت ثيابه وتناولوه بالنخس فهرب عنهم ودخل في حاشية السلطان مذعوراً فلمسوه فإذا الدرع تحت ثيابه فارتابوا.ونهض السلطان إلى داره ثم دعا الأمراء بعد ذلك بأيام " " فاستشارهم في بعث يبعثهم إلى ديار بكر " " أن أرسلان بن سليمان بن قطلمش قصدها فاتفقوا على الإشارة بمسير أياز وطلب هو أن يكون معه صدقة بن مزيد فأسعفه السلطان بذلك واستدعاهما لانفاذ ذلك.وقد أرصد في بعض المخادع بطريقهم جماعة لقتل أياز فلما مر بهم تعاورته سيوفهم وقطع رأسه وهرب صدقة وأغمي على الوزير.وهرب عسكر أياز فنهبوا داره.وأرسل السلطان من دفعهم عنها.وسار السلطان من بغداد إلى أصبهان وهذا أياز من موالي لسلطان ملك شاه.ثم سار في جملة ملك آخر فساء.وأما الضبعي وزير أياز فاختفى أشهراً.ثم حمل إلى الوزير سعد الملك في رمضان فلما وصل كان ذلك سبب رياسته بهمذان. استيلاء سقمان بن أرتق على ماردين لا موته كان هذا الحصن في ديار بكر أقطعه السلطان بركيارق لمغن كان عنده وكان حواليها خلق كثير من الأكراد يغيرون عليها ويخيفون سابلتها.واتفق أن كربوقا خرج من الموصل لحصار آمد وكانت لبعض التركمان فاستنجد بسقمان فسار لإنجاده.ولقب كربوقا ومعه زنكي بن أقسنقر وأصحابه وأبلوا ذلك اليوم بلاء شديداً فانهزم وأسر أبن أخيه ياقوتي بن أرتق فحبسه بقلعة ماردين عند المغني فبقي مدة محبوساً.وكثر خروج الأكراد بنواحي ماردين فبعث ياقوتي إلى المغني يسأله أن يطلقه ويقيم عنده بالريف لدفاع الأكراد ففعل وصار يغير عليهم في سائر النواحي إلى خلاط.وصار بعذر أجنا القلعة يخرجون للإغارة فلا يهيجهم.ثم حدثته نفسه بالتوثب على القلعة فقبض عليهم بعض الأيام بعد مرجعه من الإغارة ودنا من القلعة وعرضهم للقتل إن لم يفتحها أهلوهم ففتحوها وملكها.وجمع الجموع وسار إلى نصيبين وإلى جزيرة ابن عمر وهي لجركمش فكبسه جكرمش وأصحابه وأصابه في الحرب سهم فقتله.وبكاه جكرمش وكان تحت ياقوتي بنت عمه سقمان فمضت إلى أبيها.وجمعت التركمان وجاء " " بهم إلى نصيبين لطلب الثأر فبعث إليه جكرمش ما أرضاه من المال في ديته فرجع.وأقام بماردين بعد ياقوتي أخوه على طاعة جكرمش وخرج منها لبعض المذاهب وكتب نائبه بها إلى عمه سقمان بأنه تملك ماردين على جكرمش فبادر إليها سقمان واستولى عليها وعوض عنها ابن أخيه جبل جور وأقامت ماردين في حكمه مع حصن كيفا واستضاف إليها نصيبين.ثم بعث إليها فخر الملك بن عمار صاحب طرابلس يستنجده على الإفرنج وكان استبد بها على الخلفاء العبيديين أهل مصر.وثار له الإفرنج عندما ملكوا سواحل الشام فبعث بالصريخ إلى سقمان بن أرتق سنة ثمان وتسعين فأجابه.وبينما هو يتجه للمسير وافاه كتاب طغتكين صاحب دمشق المستبد بها من موالي بني تتش يستدعيه لحضور وفاته خوفاً على دمشق من الفرنج فأسرع السير معتزماً على قصد طرابلس وبعدها فانتهى إلى القريتين وندم طغتكين على استدعائه وجعل يدبر الرأي مع أصحاد في صرفه.ومات هو بالقريتين فكفاهم الله تع إلى أمره.وقد كان أصحابه عندما أيقن بالموت أشاروا عليه بالعودة إلى كيفا فامتنع وقال هذا جهاد وإن مت كان لي ثواب شهيد. |
خروج منكبرس على السلطان محمد ونكبته
كان منكبرس بن يورس بن ألب أرسلان مقيماً بأصفهان وانقطعت عنه المواد من السلطان فخرج إلى نهاوند ودعا لنفسه وكاتب الأمراء بني برسق بخوزستان وبعثوا به إلى طاعته.وكان أخوهم زنكي عند السلطان محمد فقبض عليه وكاتب أخوته في التدبير على منكبرس فأرسلوا إليه بالطاعة حتى جاءهم فقبضوا عليه بخوزستان وبعثوا به إلى أصبهان فاعتقل مع ابن تتش وأطلق زنكي بن برسق وأعيد إلى مرتبته.وكانت إقطاع بني برسق الأسير وسابور وخوزستان وغيرها ما بين الأهواز وهمذان فعوضهم عنها بالدينور مقتل فخر الملك بن نظلم الملك قد ذكرنا قبل أن فخر الملك بن نظام الملك كان وزيراً لتتش ثم حبسه.ولما هزمه بركيارق وجده في محبسه أطلقه وكان أخوه مؤيد الملك وزيراً له فمال إليه فخر الدولة بسعاية مجد الملك الب أرسلاني وأستوزره سنة ثمان وثمانين.ثم فارق وزارته ولحق بسنجر بن ملك شاه بخراسان فاستوزره.فلما كان في آخر المائة الخامسة جاء باطني يتظلم إلى باب داره فأدخله يسمع شكواه فطعنه بخنجر فقتله وأمر السلطان سنجر بضربه فأقر على جماعة من الناس وقتل. ولاية جاولي سكاوو على الموصل وموت جكرمش كان جاولي سكاوو قد أستولى على ما بين خوزستان وفارس فعمر قلاعها وحصنها وأساء السيرة في أهلها.فلما استقل السلطان محمد بالملك خافه جاولي وأرسل السلطان إليه الأمير مودود بن أنوتكين فتحصن منه جاولي وحاصره مودود ثمانية أشهر.ودس جاولي إلى السلطان بطلب غيره فأرسل إليه خاتمه مع أمير آخر فسار إليه بأصفهان وجهزه في العساكر لجهاد الإفرنج بالشام واسترجاع البلاد منهم.وكان جكرمش صاحب الموصل قد قطع الحمل فأقطع السلطان الموصل وديار بكر والجزيرة لجاولي فسار إلى الموصل وجعل طريقه على البواريح فاستباحها أياماً.ثم سار إلى إربل وكان صاحبها أبو الهيجاء بن برشك الكردي الهرباني إلى جكرمش يستحثه فسار في عسكر الموصل والتقوا قريباً من إربل فانهزم أصحاب جكرمش.وكان يحمل في المحفة " " فقاتل عنده غلمانه وأحمد بن قاروت بك فخرج وانهزم إلى الموصل ومات.وجيء بجكرمش فحبسه ووصل من الغد إلى الموصله فولوا ازنكين ين جكرمش.وأقام بالجزيرة وقام بأمره غرغلي مولى مولى أبيه.وفرق الأموال والخيول وكتب إلى قليج أرسلان صاحب بلاد الروم وكان قد شيد الموصل وبنى أسوارها وحصنها بالخندق.وبينما هو كذلك سار إليه قليج أرسلان من بلاد الروم باستدعاء غرغلي كما تقدم.وانتهى إلى نصيبين فرحل جاولي عن الموصل.ثم جاء البرسقي شحنة بغداد ونزل عن الموصل وخاطبهم فلم يجيبوه فرجع من يومه.وسار قليج أرسلان من نصيبين إلى الموصل وتأخر عنها جاولي إلى سنجار واجتمع أبو الغازي بن أرتق وجماعة من عسكر جكرمش.وجاء صريخ رضوان بن تتش من الشام على الإفرنج فسار إلى الرحبة وبعث أهل الموصل وعسكر جكرمش إلى قليج أرسلان بنصيبين واستحلفوا فحلف وجاء إلى الموصل فملكها في منتصف ختام المائة الخامسة.وخلع على ابن جكرمش وخطب لنفسه بعد الخليفة.وقطع خطبة السلطان محمد وأحسن إلى العسكر.وأخذ القلعة من غرغلي فولى جكرمش.وأقر القاضي أبا محمد عبد الله بن القاسم الشهرزوري على القضاء.وجعل الرئاسة لأبي البركات محمد بن خميس.وكان في جملة فلهم أرسلان إبراهيم بن نيال التركماني صاحب آمد ومحمد بن حموا صاحب خرتبرت.كان إبراهيم بن نيال ولاه تتش على آمد فبقيت بيده.وكان ابن حموا ملك خرتبرت من يد القلادروس ترجمان الروم.كانت له الرها وإنطاكية فملك سليمان قطلمش إنطاكية وبقيت له الرها وخرتبرت وأسلم القلادروس الرها.فلما ولي فخر الدولة بن جهير ديار بكر ضعف القلادروس عن الرها على يد ملك شاه وأمره عليها.ولما سار جاولي إلى الرحبة قاصداً صريخ رضوان بن تتش نزل عليها آخر رمضان من السنة وحاصرها وبها محمد بن السباق من بني شيبان ولاه عليها دقاق فاستبد بها وخطب لقليج أرسلان فحاصره جاولي وكتب إلى رضوان يستدعيه ويعده بالمسير معه للدفاع فجاء رضوان وحاصر معه الرحبة.ثم دس إلى جاولي جماعة من حامية الأسوار فوثبوا بها ودخلوا.وملك البلد وأبقى على محمد الشيباني وسار معه.ثم إن قليج أرسلان لما فرغ من أمر الموصل ولى عليها ابنه ملك شاه في عسكر ومعه أمير يدبره وسار إلى قتال جاولي ورجع عنه إبراهيم بن نيال إلى بلده آمد من الخابور فبعث إلى بلده في الحشد فعاجله جاولي بالحرب والتقوا في آخر ذي القعدة من السنة وانهزم أصحاب قليج أرسلان على دفاعه.وأعاد الخطبة للسلطان واستصفى أصحاب جكرمش.ثم سار إلى الجزيرة وبها حبيس بن جكرمش ومعه غرغلي من موالي أبيه فحاصره مدة ثم صالحه على ستة آلاف دينار ورجع إلى الموصل وأرسل ملك شاه من قليج أرسلان إلى السلطان محمد والله سبحانه وتع إلى أعلم. مقتل صدقة بن مزيد ولما استوحش صدقة بن مزيد صاحب الحلة من السلطان محمد سار إليه السلطان وملك أعماله ولقيه صدقة فهزمه السلطان وقتل في المعركة كما ذكرنا ذلك في أخبار صدقة في دولة ملوك الحلة والله سبحانه وتع إلى أعلم.قدوم ابن عمار صاحب طرابلس على السلطان محمد كان فخر الدولة أبو علي بن عمار صاحب طرابلس استبد بها على العبيديين فلما ملك الإفرنج سواحل الشام زعموا عليها الحصار فضاقت أحوالها.فلما انتظم الأمر للسلطان محمد واستقام ملكه قصده فخر الملك بن عمار صريخاً للمسلمين بعد أن استخلف على طرابلس ابن عمه ذا المناقب وفرق في الجند عطاءهم لستة أشهر ورتب الجامكية في مقاعدهم للقتال وسار إلى دمشق فلقيه طغتكين أتابك وخيم بظاهرها أياماً ورحل إلى بغداد فأركب السلطان الأمراء لتلقيه ولم يدخر عنه براً ولا كرامة وكذلك الخليفة.وأتحف السلطان بهدايا وذخائر نفيسة وطلب النجدة وضمن النفقة على العسكر فوعده بالنصر وأقام.ثم لقي الأمير حسين بن أتابك طغتكين ليسير بالعساكر إلى الموصل مع الأمير مودود لقتال صدقة جاولي ثم يسير حسين معه إلى الشام.ثم رحل السلطان عن بغداد سنة إحدى وخمسمائة لقتال صدقة واستدعى ابن عمار وهو بالنهروان فودعه.وسار معه الأمير حسين إلى دمشق وكان ابن عمار لما سار عن طرابلس استخلف عليها ابن عمه ذا المناقب فانتقض واجتمع مع أهل طرابلس على إعادة الدولة العلوية وبعثوا إلى الأفضل بن أمير الجيوش المستبد على الدولة بمصر بطاعتهم ويسألون الميرة فبعث إليهم شرف الدولة بن أبي الطيب والياً ومعه الزاد من الأقوات والسلام فدخل البلد وقبض على أهل ابن عمار وأصحابه واستصفى ذخائرهم وحمل الجميع إلى مصر في البحر. |
استيلاء مودود بن أبي شتكين على الموصل من يد جاولي
قد تقدم لنا استيلاء جاولي على الموصل من يد قليج بن أرسلان وابن جكرمش وهلاكهما على يده.واستفحل ملكه بالموصل وجعل السلطان محمد بن ألية ولاية ما يفتحه من البلاد له فقطع الحمل عن السلطان واستنفره لحرب صدقة فلم ينفر معه.وداخل صدقة بأنه معه فلما فرغ السلطان من أمر صدقة بعث مودود بن أبي شتكين في العساكر وولاه الموصل وبعث معه الأمراء ابن برشق وسقمان القطبي وأقسنقر البرسقي ونصر بن مهلهل بن أبي الشوك الكردي وأبو الهيجاء صاحب إربل مدداً فوصلوا الموصل وخيموا عليها فوجدوا جاولي قد استعد للحصار وحبس الأعيان وخرج عن البلد وترك بها زوجته هي وابنه برسق في ألف وخمسمائة مقاتل فأحسن في مصادرة الناس.واشتد عليهم الحصار فلما كان المحرم سنة اثنتين خرج بعض الحامية من فرجة من السور وأدخلوا منها مودود والعساكر وأقامت زوجة جاولي بالقلقة ثمانية أيام.ثم استأمنت وخرجت إلى أخيها يوسف بن برسق بأموالها واستولى مودود على الموصل وأعمالها.وأما جاولي فلما سار عن الموصل وحمل معه القمص الذي كان أسره بنعمان وأخذه منه جكرمش وسار به إلى نصيبين.وسأل من صاحبها أبو الغازي بن ارتق المظاهرة على السلطان فلم يجبه إلى ذلك ورحل عن نصيبين إلى ماردين بعد أن ترك ابنه مقيماً مع الحامية فتبعه جاولي ودخل عليه وحده بالقلعة متطارحاً عليه فأجابه وسار معه إلى نصيبين ثم إلى سنجار وحاصراها فامتنعت عليهما.ثم هرب أبو الغازي ليلاً إلى نصيبين وتركه فسار جاولي إلى الرحبة وأطلق القمص بردويل لخمس سنين من الصرة على مال قرره عليه وأسرى من المسلمين يطلقهم وعلى النصرة مهما طلبه.وأرسل إلى سالم بن مالك بقلعة جعفر حتى جاء ابن خالته جوسكر صاحب تل باشر من زعماء الفرنج وكان أسر مع القمص فافتدى بعشرين ألف دينار وأقام جوسكر رهينة وسار القمص إلى إنطاكية.ثم أطلق جاولي جوسكر وأخذ رهناً عنه صهره وصهر القمص وبعثه في إتمام ما ضمن.ولما وصل إلى إنطاكية أعطاه شكري صاحبها ثلاثين ألف دينار وخيلاً وسلاحاً وغير ذلك.وكانت الرها وسروج بيد القمص.ولما أسر ملك جكرمش الرها من أصحابه طلبها منه الآن فلم يجبه فخرج القمص مغاضباً له ولحق بتل باشر وقدم عليه جوسكر عندما أطلقه جاولي.ثم سار إليهما شكري يعاجلهما قبل اجتماع أمرهما فحاصرهما أياماً ورجع القمص وجوسكر على حصون إنطاكية واستمد أبو سيل الأرمني صاحب رعيان وكيسوم والقلاع شمالي حلب فأنجدهم بألف فارس.وسار إليهم شكري وحضر البترك وشهد جماعة من القسيسين والبطارقة أن أسمند خال شكري قال له عند ما ركب البحر إلى بلاده أعد الرها إلى القمص إذا خلص من الأسر فحكم البترك بإعادتها فأعادها تاسع صفر من السنة وعبر القمص الفرات ليرفع إلى جاولي المال والأسرى كما شرط له.وكان جاولي لما أطلق القمص سار إلى الرحبة ولقيه أبو النجم بدران وأبو كامل منصور وكانا مقيمين بعد قتل أبيهما عند سالم بن مالك فاستنجداه ووعداه أن يسير معهما إلى الحلة واتفقوا على تقديم أبي الغازي تكين.ثم قدم عليهم أصبهبذ صباوو وقد أقطعه السلطان الرحبة فأشار على جاولي بقصد الشام لخلوها عن العساكر والتجنب عن العراق وطريق السلطان فقبل إشارته وأحصر على الرحبة.ثم وفد عليه صريخ سالم بن مالك صاحب جعفر يستغيث به من بني نمير وكان حيوش البصري قد نزل على ابن سالم بالرقة وملكها وسار إليه رضوان من حلب فصالحه بنو نمير بالمال.ورجع عليهم فاستنجد سالم الآن جاولي فجاء وحاصر بني نمير بالرقة سبعين يوماً.فأعطوه مالا وخيلا ورحل عنهم واعتذر لسالم.ثم وصل جاولي إلى الأمير حسين بن أتابك قطلغ تكين كان أبوه أتابك السلطان محمد بكنجة فقتله وتقدم ولده هذا عند السلطان وبعثه مع ابن عمار ليصلح أمر جاولي وتسير العساكر كلها إلى الجهاد مع ابن عمار فأجاب جاولي لذلك وقال لحسين سر إلى الموصل ورحل العساكر عنها وأنا أعطيك ولدي رهينة وتكون الجباية لوال من قبل السلطان فجاء حسين إلى العساكر قبل أن يفتحوها فكلهم أجاب إلا الأمير موعود فإنه امتنع من الرحيل إلا بإذن من السلطان.وأقام محاصراً لها حتى افتتحها وعاد ابن قطلغ إلى السلطان فأحسن الاعتذار عن جاولي.وسار جاولي إلى بالس فملكها من أصحاب رضوان بن تتش وقتل جماعة من أهلها فيهم القاضي محمد بن عبد العزيز بن إلياس وكان فقيها صالحاً ، ^? ثم سار رضوان بن دقاق لحرب جاولي واستمد شكري صاحب إنطاكية فأمده بنفسه وبعث إلى القمص بالرها يستمده وترك له مال المفاداة فجاء إليه بنفسه ولحقه بمنبج.وجاء الخبر إلى جاولي باستيلاء مودود وعساكر السلطان على الموصل وعلى خزائنه فاضطرب أمره وانفض عنه كثير من أصحابه منهم زنكي بن أقسنقر وبكتاش.وبقي معه أصبهبذ صباوو وبدران بن صدقة وابن جكرمش وانضم إليه كثير من المتطوعة ونزل تل باشر وأتى عسكر رضوان وشكري وكاد أن يهزمهم لولا أن أصحابه ساروا عنه وسار في أتباعهم فأبوا عليه فمضى منهزماً.وقصد اصبهبذ الشام وبدران بن صدقة قلعة جعفر وابن جكرمش جزيرة ابن عمر وقتل من المسلمين خلق ونهب صاحب إنطاكية سوادهم.وهرب القمص وجوسكر إلى تل باشر.وكان المنهزمون من المسلمين يمرون بهم فيكرمونهم ويجيزونهم إلى بلادهم.ولحق جاولي بالرحبة فلقي بها سرايا مودود صاحب الموصل وخفي عنهم فارتاب في أمره ولم ير الخير له من قصد السلطان محمد ثقة بما ألقى إليه حسين بن قطلغ تكين في شأنه فأوغر في السير ولحق بالسلطان قريباً من أصفهان.ونزل حسين بن قطلغ فدخل به إلى السلطان فأكرمه وطلب منه بكتاش ابن عمه تتش واعتقله بأصفهان. |
مقتل مودود بن أنوتكين صاحب الموصل
كان السلطان محمد قد أمر مودوداً صاحب الموصل سنة خمس وخمسمائة بالمسير لقتال الإفرنج وأمده بسقمان القطبي صاحب ديار بكر وأرمينية وأياكي وزنكي ابني برسق أمراء همذان وما جاورها والأمير أحمد بك أمير مراغة وأبو الهيجاء صاحب إربل والأمير أبو الغازي صاحب ماردين وبعث إليه أياز مكانه فسار إلى سنجار وفتحوا حصوناً للإفرنج وحاصروا مدينة الرها فامتنعت عليهم وأقام الإفرنج على الفرات بعد أن طرقوا أعمال حلب فعاثوا فيها.ثم حاصر العساكر الإسلامية قلعة باشر فامتنعت ودخلوا إلى حلب فامتنع رضوان من لقائهم فعادوا ومات سقمان القطبي في دلاس فحمله أصحابه في تابوت إلى بلاده.واعترضهم أبو الغازي بن أرتق ليأخذهم فهزموه.ثم افترقت العساكر بمرض ابن برسق ومسير أحمد بن صاحب مراغة إلى السلطان لطلب بلاد سقمان القطبي واجتمع قطلغتكين صاحب دمشق بمودود ونزل معه على نهر القاضي.وسمع الإفرنج بافتراق العساكر فسارو إلى ماميا.وجاء السلطان ابن منقذ صاحب شيزر إلى مودود وقطلغتكين وحصرهما على الجهاد.ونزلوا جميعاً على شيزر ونزل الفرنج قبالتهم.ثم رأوا قوة المسلمين فعادوا إلى أفامية.ثم سار مودود سنة ست إلى الرها وسروج فعاث في نواحيها فكبسه جوسكر صاحب تلك باشر في الإفرنج ونال منه ، ^? ثم اجتمع المسلمون سنة سبع للجهاد باستنجاد قطلغتكين صاحب دمشق لمودود فاجتمع معه بمنزل صاحب سنجار وأياز بن أبي الغازي وعبروا الفرات إلى قطلغتكين وقصدوا القدس فسار إليهم صاحبها بقزوين ومعه جوسكر ومعه تل باشر على جيشه.ونزلوا الأردن واقتتلوا قريباً من طبرية فانهزم الإفرنج وقتل كثير منهم وغرق كثير في بحيرة طبرية ونهر الأردن وغنم المسلمون سوادهم.ثم لقيهم عسكر طرابلس وإنطاكية من الفرنج فاستعانوا بهم وعاودوا الحرب ونزلوا في جبل طبرية فحاصرهم فيه المسلمون ثم ساروا فعاثوا في بلاد الإفرنج ما بين عكا إلى القدس.ثم نزلوا دمشق وفرق مودود عساكره ووعدهم العود من قابل للجهاد.ودخل دمشق ليستريح عند قطلغتكين فصلى الجمعة في الجامع فطعنه باطني فأثواه وهلك لآخر يومه.واتهم قطلغتكين به وقتل الباطني من يومه.ولما بلغ الخبر السلطان بقتل مودود ولى على الموصل وأعمالها أقسنقر البرقي سنة ثمان وخمسمائة وبعث معه ابنه الملك مسعود في جيش كثيف وأمره بجهاد الإفرنج وكتب إلى الأمراء بطاعته فوصل إلى الموصل واجتمعت إليه عساكر النواحي فيهم عماد الدين زنكي بن أقسنقر ونمير صاحب سنجار.وسار البرسقي إلى جزيرة ابن عمر فأطاعه نائب مودود بها.ثم سار إلى ماردين فأطاعه أبو الغازي صاحبها وبعث ابنه ثم رحل إلى سميساط بعد أن خرب نواحي الرها وسروج وسميساط وكانت مرعش للإفرنج هي وكيسوم ورعيان وكان صاحبها كراسك.واتفقت وفاته وملكت زوجته بعده فراسلت البرسقي بالطاعة وبعث إليها رسوله فأكرمته ورجعته إلى البرسقي بالهدايا والطاعة.وفر عنها كثير من الإفرنج إلى إنطاكية.ثم قبض البرسقي على أياز بن أبي الغازي لاتهامه إياه في الطاعة فسار إليه أبو الغازي في العساكر وهزمه واستنقذ ابنه أياز من أسره كما ثرى في أخبار دولة أبي الغازي وبنيه.وبعث السلطان يهدده فوصل يده بقطلغتكين صاحب دمشق والفرنج وتحالفوا على التظاهر.ورجع أبو الغازي إلى ديار بكر فسار إليه قزجان بن مراجا صاحب حمص وقد تفرق عنه أصحابه فظفر به وأسره.وجاء قطلغتكين في عساكره وبعث إلى قزجان في إطلاقه قامتنع وهم بقتله فعاد عنه قطلغتكين إلى دمشق.وكان قزجان قد بعث إلى السلطان بخبره وانتظر من يصل في قتله فأبطأ عليه فأطلق أبا الغازي بعد أن توثق منه بالخلف وأعطاه ابنه أياز رهينة.ولما خرج سار إلى حلب وجمع التركمان وحاصر قزجان في طلب ابنه إلى أن جاءت عساكر السلطان. مسير العساكر لقتال أبي الغازي وقطلغتكين والجهاد بعدهما ولما كان ما ذكرناه من عصيان أبي الغازي وقطلغتكين على السلطان محمد وقوة الفرنج على المسلمين جهز السلطان جيشاً كثيراً مقدمهم الأمير برسق صاحب همذان ومعه الأمير حيوس بك والأمير كشغرة وعساكر الموصل والجزيرة وأمرهم بقتال أبي الغازي وقطلغتكين.فإذا فرغوا منهما ساروا إلى الفرنج فارتجعوا البلاد من أيديهم فساروا لذلك في رمضان من سنة ثمان وعبروا الفرات عند الرقة.وجاءوا إلى حلب وطلبوا من صاحبها لؤلؤ الخادم ومن مقدم العسكر المعروف بشمس الخواص تسليم حلب بكتاب السلطان في ذلك فتعلل عليهم وبعث إلى أبي الغازي وقطلغتكين بالخبر واستنجدهما فسار إليه في الذين وامتنعت حلب على عساكر السلطان فسار برسق بالعساكر إلى حماة وهي لقطلغتكين فملكها عنوة وسلمها إلى قرجان صاحب حمص بعهد السلطان له بذلك في كل ما يفتحونه من البلاد فثقل ذلك على الأمراء وتخاذلوا وتسلم قرجان حماة من برسق وأعطاه ابن أبي الغازي ابنه رهينة عنده.ثم سار أبو الغازي وقطلغتكين وشمس الخواص إلى إنطاكية مستنجدين بصاحبها بردويل وجاءهم بعد ذلك بغدوين صاحب القدس وصاحب طرابلس وغيرهما من الإفرنج واتفقوا على تأخير الحرب إلى انصرام الشتاء.واجتمعوا بقلعة أفامية وأقاموا شهرين وانصرم الشتاء والمسلمون مقيمون فوهنت عزائم الإفرنج وعادوا إلى بلادهم.وعاد أبو الغازي إلى ماردين وقطلغتكين إلى دمشق وسار المسلمون إلى كفر طاب من بلاد الإفرنج فحاصروه وملكوه عنوة وأسروا صاحبه واستلحموا من فيه.ثم ساروا إلى قلعة أفامية فامتنعت عليهم فعادوا إلى المعرة.وفارقهم حيوس بك إلى مراغة فملكه.وسارت العساكر من المعرة إلى حلب وقدموا أثقالهم وخيامهم فصادفهم بردويل صاحب إنطاكية في خمسمائة فارس وألفي راجل صريخاً لأهل كفر طاب.وصادف مخيم العسكر ففتك فيهم وفعل الأفاعيل وهم متلاحقون.وجاء الأمير برسق وعاين مصارعهم وأشار عليه أخوته بالنجاء بنفسه فنجا بنفسه.واتبعهم الإفرنج ورجعوا عنهم على فرسخ وعاثوا في المسلمين في كل ناحية.وقتل أياز بن أبي الغازي قتله الموكلون به.وجاء أهل حلب وغيرها من بلاد المسلمين ما لم يحتسبوه ويئسوا من النصرة ورجعت العساكر منهزمه إلى بلادها وتوفي برسق زنكي سنة عشر بعدها. ولاية حيوس بك ومسعود ابن السلطان محمد على الموصل ثم أقطع السلطان الموصل وما كان بيد أقسنقر البرسقي للأمير حيوس بك وبعث معه ابنة مسعوداً وأقام البرسقي بالرحبة وهي إقطاعه إلى أن توفي السلطان محمد. ولاية جاولي سكو على فارس وأخباره فيها ووفاته كان جلوقي سكاو لما رجع إلى السلطان محمد ورضي عنه ولاه فارس وأعمالها وبعث معه ابنه جعفري بك طفلاً كما فصل من الرضاع.وعهد إليه بإصلاحها فسار إليها ومر بالأمير بلحاجي في بلاده كليل وسرماة وقلعة اصطخر وكان من مماليك السلطان ملك شاه فاستدعاه للقاء جعفري بك.وتقدم إليه بأمر يأمر بالقبض عليه فقبض عليه ونهبت أمواله وكان أهله وذخائره في قلعة اصطخر وقد استناب فيها وزيره الخيمي ولم يمكنه إلا من بعض أهله فلما وصل جاولي إلى فارس ملكها منه وجعل فيها ذخائره.ثم أرسل إلى خسرو وهو الحسين بن مبارز صاحب نسا وأمير الشوامكار من الأكراد فاستدعاه للقاء جعفري بك من السلطان خشية مما وقع لبلداجي فأعرض عنه وأظهر الرجوع إلى السلطان ومضى رسول بخبره فبشر بانصرافه عن فارس فما أدى إليه الخبر إلا وجاولي قد خالطهم رجع من طريقه وأوغر في السير إليهم.ثم هرب خسرو إلى عدالج وفتك جاولي في أصحابه وماله.ثم سار جاولي إلى مدينة نسا فملكها ونهب جهرم وغيرها وسار إلى خسرو فامتنع عليه بحصنه فرجع إلى شيراز وأقام بها.ثم سار إلى كازرون فملكها وحاصر أبا سعيد بن محمد في قلعته مدة عامين وراسله في الصلح فقتل الرسول مرتين.ثم اشتد عليه الحصار واستأمن فأمنه وملك الحصن.ثم استوحش من جاولي فهرب وقبض على ولده وجيء به أسيراً فقتل.ثم سار جاولي إلى دار أبجرد فهرب صاحبها إلى كرمان وصاحبها أرسلان شاه بن كرمان شاه بن أرسلان بك بن قاروت بك فسار جاولي إلى حصار دار أبجرد فامتنعت عليه فخرج إلى البرية.ثم جاءهم من طريق كرمان كأنه مدد لهم من صاحب كرمان فأدخلوه فملك البلد واستلحم أهله.ثم سار إلى كرمان وبعث إلى خسرو مقدم الشوذكان يستدعيه للمسير ومعه فلم يجد بداً من موافقته.وجاء وصاحبه إلى كرمان وبعث إلى ملك كرمان.بإعادة الشوذكان الذين عنده فبعث بالشفاعة فيهم فاستخلص السلطان للرسول بالإحسان وحثه على صاحبه ووعده بأن يرد العساكر عن وجهه ويخذلهم عنه ما استطاع.وانقلب عنه إلى صاحبها في عساكر كرمان مع وزيره بالسيرجان فتراءى لهم أن جاولي عازم على مواصلتهم وانه مستوحش من اجتماع العساكر بالسيرجان.وأشار عليه بالرجوع فرجعوا وسار جاولي في أثر الرسول وحاصر حصناً بطرف كرمان فارتاب ملك كرمان بخبر الرسول.ثم اطلع عليه من غير جامعة فقتلة ونهب أمواله وبمعث العساكر لقتاله.واجتمع معهم صاحب الحصنن المحاصر وسلك بهم غير الجادة.وسمع جاولي بخبرهم فأرسل بعض الأمراء ليأتيه بالخبر فلم يجد بالجادة أحداً فرجع وأخبره أن عسكر كرمان قد رجع فاطمأن ولم يكن إلا قليل حتى بيتته عساكر كرمان في شوال سنة ثمان وخمسمائة فانهزم وفتكوا فيه قتلاً وأسراً وأدركه خسرو بن أبي سعد الذي كان قتل أباه فلما رآهما خاف عنهما فآنساه وأبلغاه إلى مأمنه بمدينة نسا ولحقه عساكره وأطلق ملك كرمان الأسرى وجهزهم إليه.وبينما هو يجهز العساكر لكرمان لأخذ ثأره توفي جعفري بك ابن السلطان في ذي الحجة من تسع لخمس سنين من عمره فقطعه ذلك عن معاداة كرمان.ثم بعث ملك كرمان إلى السلطان ببغداد في منع جاولي عنه فقال لا بد أن تسلم الحصن إلى حاصره جاولي في حد كرمان وانهزم عليه وهو حصن فرح.ثم توفي جاولي في ربيع سنة عشر فأمنوا إعادته والله سبحانه وتع إلى أعلم ، ^? |
وفاة السلطان محمد وملك ابنه محمود
ثم توفي السلطان محمد بن ملك شاه آخر ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من ملكه بعد أن أجلس ولده محموداً على الكرسي قبل وفاته بعشر ليال.وفوض إليه أمور الملك فلما توفي نفذت وصيته لابنه محمود فأمره فيها بالعدل والإحسان وخطب له ببغداد وكان مناهز الحلم.وكان السلطان محمد شجاعاً عادلا حسن السيرة وله آثار جميلة في قتال الباطنية وقد مر ذكرها في أخبارهم ولما ولي قام بتدبير دولته الوزير أبو منصور وأرسل إلى المستظهر في طلب الخطبة ببغداد له في منتصف المحرم من سنة اثنتي عشرة.وأقر طهرون شحنة على بغداد وقد كان السلطان محمد ولاه عليها سنة اثنتين وخمسمائة.ثم عاد البرسقي وقاتله وانهزم إلى عسكر السلطان محمود على الحلة دبيس بن صدقة.وقد كان عند السلطان محمد منذ قتل أبوه صدقة وأحسن إليه وأقطعه.وولى على الحلة سعيد بن حميد العمري صاحب جيش صدقة.فلما توفي رغب من ابنه السلطان محمود بالعودة إلى الحلة فأعاده واجتمع عليه العرب والأكراد. وفاة المستظهر وخلافة ابنه المسترشد ثم توفي المستظهر بن المقتدي سنة اثنتي عشرة وخمسمائة منتصف ربيع الآخر ونصب للخلافة ابنه المسترشد واسمه الفضل وقد تقدم ذلك في أخبار الخلفاء. خروج مسعود ابن السلطان محمد على أخيه محمود تقدم لنا أن السلطان ولى على الموصل ابنه مسعوداً ومعه حيوس بك وأن السلطان محموداً ودبيس بن صدقة سارا إلى الحلة.فلما توفي السلطان محمد وولي ابنه محمود وسار مسعود من الموصل مع أتابك حيوس بك ووزيره فخر الملك علي بن عمار وقسيم الدولة وزنكي بن أقسنقر صاحب سنجار وأبي الهيجاء صاحب إربل وكرباوي بن خراسان صاحب البوازيج وقصدوا الحلة فدافعهم دبيس فرجعوا إلى بغداد.وسار البرسقي إلى قتالهم فبعث إليه حيوس بك بأنهم إنما جاءوا لطلب الصريخ على دبيس صاحب الحلة فاتفقوا وتعاهدوا ونزل مسعود بدار الملك ببغداد.وجاء الخبر بوصول عماد الدين منكبرس الشحنة.وقد كان البرسقي هزم ابنه حسيناً كما مر فسار بالعساكر إلى البرسقي فلما علم بدخول مسعود إلى بغداد عبر دجلة من النعمانية إلى دبيس بن صدقة فاستنجده.وخرج مسعود وحيوس بك والبرسقي ومن معهم للقائهم وانتهوا إلى المدائن فأتتهم الأخبار بكثرة جموع منكبرس ودبيس فرجعوا وأجازوا نهر صرصر ونهبوا السواد من كل ناحية.وبعث المسترشد إلى مسعود والبرسقي " " والحث على الموادعة والصلح وجاءهم الخبر بأن منكبرس ودبيس بعثا مع منصور أخي دبيس وحسين بن أرز وبني منكبرس عسكراً لحماية بغداد فرجع البرسقي إلى بغداد ليلا ومعه زنكي بن أقسنقر وترك ابنه عز الدين مسعوداً على العسكر بصرصر فالتقى " " ومنع عسكر منكبرس من العبور وأقام يومين.ثم وافاه كتاب ابنه بأن الصلح تم بين الفريقين بعده ففشل وعبر إلى الجانب الغربي ومنصور وحسين في أثره ونزلا عند جامع السلطان وخيم البرسقي عند القنطرة القبلية وخيم مسعود وحيوس بك عند المارستان ودبيس ومنكبرس تحت الرقة وعز الدين مسعود بن البرسقي عند منكبرس منفرداً عن أبيه.وكان سبب انعقاد الصلح أن حيوس بك أرسل إلى السلطان محمود يطلب الزيادة له وللملك مسعود فأقطعهما أذربيجان.ثم وصل الخبر بمسيرهما إلى بغداد فاستشعر منهما العصيان وجهز العساكر إلى الموصل فكتب إليه رسوله وبذلك ووقع الكتاب بيد منكبرس الشحنة فبعث إليه وضمن له إصلاح الحال له وللسلطان مسعود.وكان منكبرس متزوجاً بأم السلطان مسعود واسمها سرجهان فكان يؤثر مصلحته فاستقر الصلح واتفقوا على إخراج البرسقي من بغداد إلى الملك وأقام عنده واستقر منكبرس شحنة بغداد وساء أثره في الرعية وتعرض لأموال الناس وحرمهم وبلغ الخبر إلى السلطان محمود فاستدعاه إليه فبقي يدافع.ثم سار خوفاً من عامة بغداد والله سبحانه وتع إلى أعلم. خروج الملك طغرل على أخيه السلطان محمود كان الملك طغرك بن السلطان محمد عند وفاة أبيه مقيماً بقلعة سرجهان وكان أبوه أقطعه سنة أربع سماوة وآوة وزنجان وجعل أتابكه الأمير شيركير الذي حاصر قلاع الإسماعيلية كما مر في أخبارهم وكان عمره يومئذ عشراً فأرسل السلطان محمد الأمير كسعدي أتابكاً له وأعجله إليه وكان كسعدي حاقداً عليه فحمل طغرل على العصيان ومنعه من المجيء إلى أخيه وانتهى ذلك إلى محمود فأرسل إلى أخيه بتحف وخلع وثلاثين ألف دينار ومواعد جميلة فلم يصيخوا إليها وأجابه كسعدي أننا في الطاعة ومعترصون لمراسم الملك فسار إليهم السلطان مغذاً ليكبيسهم وجعل طريقه على قلعة شهران التي فيها ذخائر طغرل وأمواله.ونمي الخبر إلى طغرل وكسعدي فخرجا من العسكر في خفية قاصدين شهران وأخلى الطريق عنها لما سبق من اللطف فوقعا على قلعة سرجهان.وجاء السلطان إلى العسكر فأخذ خزائن أخيه طغرك وفيها ثلاثمائة ألف دينار.ثم أقام بزنجان أياماً ولحق منها بالري ولحق طغرك وكسعدي بكنجة واجتمع إليه أصحابه وتمكنت الوحشة بينه وبين أخيه ، ^? |
فتنة السلطان محمود مع عمه سنجو
ولما توفي السلطان محمود وبلغ الخير إلى أخيه سنجر بخراسان أظهر من الجزع والحزن ما لم يسمع بمثله حتى جلس للعزاء على الرماد وأاغلق بابه سبعاً.ثم سمع بولاية ابنه محمود فنكر ذلك وعزم على قصد بلاد الجبل والعراق وطلب السلطنة لنفسه مكان أخيه.وكان قد سار إلى غزنة سنة ثمان وخمسين وفتحها وتنكر لوزيره أبي جعفر محمد بن فخر الملك أبي المظفر بن نظام الملك لما بلغه أنه أخذ عليه الرشوة من صاحب غزنة ليثنيه عن قصهه إليه وفعل مثل ذلك بما وراء النهر وامتحن أهل غزنة بعد فتحها وأخذ منها أموالا عظيمة وشكا إليه الأمراء إهانته إياهم قلما عاد إلى بلخ قبض عليه وقتله واستصفى أمواله وكانت لا يعبر عنها كان فيها من العين وحده ألف ألفط دينار مرتين واستوزر بعد شهاب الإسلام عبد الرزاق أبي أخي نظام الملك وكان يعرف بابن الفقير فلما مات أخوه السلطان لمحمد عزم على طلب الأمر لنفسه ثم إن السلطان محموداً بعث إليه يصطنعه بالهدايا والتحف وضمن له ما يزيد عن مائتي ألف دينار كل سنة وبعث في ذلك شرف الدين أنو شروان ببن خالد وفخر الدين طغرل فقال لهما سنجران ابن أخي صغير وقد تحكم عليه وزيره وعلى ابن عمر الحاجب فلا بد من المسير وبعث في مقدمته الأمير أنز.وسار السلطان محمود وبعث في مقدمته الحاجب علي بن محمد وكان حاجب أبيه قبله فلما تقاربت المقدمتان بعث الحاجب علي بن عمر إلى الأمير أنز وهو بجرجان بالعتاب ونوع من الوعيد فتأخر في جرجان فلحقته بعض العساكر ونالوا منه.ورجع الحاجب إلى السلطان محمود بالري فشكر له فعله وأقاموا بالري.ثم ساروا إلى كرمان وجاءته الأمداد من العراق مع منكبرس ومنصور بن صدقه أخي دبيس وأمراء فسار إلى همذان وتوفي وزيره الربيب فاستوزر أبا طالب الشهيري.ثم سار السلطان في عشرين ألفاً وثمانية عشر فيلا ومعه ابن الأمير أبي الفضل صاحب سجستان وخوارزم شاه محمد والأمير أنز والأمير قماج وكرشاسف بن ضرام بن كاكويه صاحب برد وهو صهره على أخته وكان خصيصاً بالسلطان محمد فاستدعاه بعد موته سنجر وتأخر عنه وأقطع بلده لقراجا السامر فبادر إليه وتراجعوا بقرب ساوة في جمادى ثالث عشر فسبقت عساكر السلطان محمود إلى الماء من أجل المسافة التي بين ساوة وخواسان ، ^? وكانت عساكر السلطان ثلاثين ألفاً ومعه الحاجب علي بن عمر وحنكنرس وأتابك غزغلي وبنو برسق وأقسنقر البخاري وقراجا الساني ومعه سبعمائة حمل من السلاح.فعندما اصطفوا جلى الحرب انهزم عساكر السلطان سنجر ميمنة وميسرة وثبت هو في القلب والسلطان محمود قبالته.وحمل السلطان سنجر في الذيلة فانهزمت عساكر السلطان محمود وأسر أتابك غزغلي وكان يكاتب السلطان سنجر بأنه يحمل إليه ابن أخيه فعاتبه على ذلك ثم قتله.ونزل سنجر في خيام محمود واجتمع إليه أصحابه ونجا محمود من الواقعة وأرسل دبيس بن صدقة للمسترشد في الخطبة لسنجر فخطب له أواخر جمادى الأولى من السنة وقطعت خطبة محمود.ثم إن السلطان سنجر رأى قلة أصحابه وكثرة أصحاب محمود فراسله في الصلح وكانت تحضه على ذلك والدته فامتنع ولحق البوسقي بسنجر وكان عند الملك مسعود بأذربيجان من يوم خروجه من بغداد فسار سنجر من همذان إلى الكرخ وأعاد مراسلة السلطان محمود في الصلح ووعده بولاية عهده فأجاب وتحالفا على ذلك.وسار محمود إلى عمه سنجر في شعبان بهدية حافلة ونزل على جذته فتقبل منه سنجر وقدم له خمسة أفراس عربية.وكتب لعماله بالخطبة لمحمود بعده في جميع ولايته و إلى بغداد بمثل ذلك.وأعاد عليه جميع ما أخفه من بلاده سوى الري وصار محمود في طاعة عمه سنجر.ثم سار منكبرس عن السلطان محمود إلى بغداد رب دبيس بن صدقة من منعه من دخولها فعاد ووجه الصلح بين الملكين قد أسفر فقصد السلطان سنجر مستجيراً به من الاستبداد عليه ومسيره لشحنة بغداد من غير إذنه.ثم إن الحاجب علي بن عمر ارتفعت منزلته في دولته وكثرت سعاية الأمراء عنه فأضمر السلطان نكبته فاستوحش وهرب إلى قلعة له كان ينزل بها أهله وأمواله وسار منها إلى خوزستان.وكانت بنو برسق أسوري وابن أخويه أرغوي بن ملتكي وهدد بن زنكي بعثوا عسكراً يصدونه عن بلادهم ولقوه قريباً من تستر فهزموه وجاءوا به أسيراً.وكاتبوا السلطان محموداً بأمرهم فأمرهم بقتله وحمل رأسه إليه.ثم أمر السلطان سنجر بإعادة مجاهد الدين تهددوا إلى شحنة بغداد فعاد إليها وعزل نائب دبيس بن صدقة. استبداد علي بن سكمان بالبصرة كان السلطان محمد قد أقطع البصرة للأمير أقسنقر البخاري واستخلف عليها سنقر الشامي فأحسن السيرة.فلما توفي السلطان محمد وثب عليه غزغلي مقدم الأتراك الإسماعيلية - وكان يحج بالناس منذ سنين - وسنقر ألبا وملكا البصرة من يده وحبساه وذلك سنة إحدى وهم سنقر ألبا بقتله فعارضه غزغلي فلم يرجع وقتله.فقتله غزغلي به وسكن الناس.وكان بالبلد أمير اسمه علي بن سكمان حج بالناس وغالب عن هذه الواقعة فغض غزغلي لتمام الحج على يده وخشي أن يثأر منهم بسنقر ألبا لتقدمه عليهم فأوغر إلى عرب البرية فنهب الحاج وانثنى علي بن سكمان في الدفاع عنهم إلى أن قارب البصرة والعرب يقاتلونه فبعث إليه غزغلي بالمنع من البصرة فقصد القرى أسفل دجلة وصدق الحملة على العرب فهزمهم.ثم سار إليه غزغلي وقاتله فأصابه سهم فمات وسار علي بن سكمان إلى البصرة وملكها وكاتبه أقسنقر البخاري وصاحب عمان بالطاعة وأقر نوابه على أعماله وكان عند السلطان وطلبه أن يوليه البصرة فأبى وبقي ابن سكمان مستبدا بالبصرة إلى أن بعث السلطان أقسنقر البخاري إلى البصرة سنة أربع عشرة فملكها من علي بن سكمان.الكرج استيلاء الكرج على تفليس كان الكرج قديماً يغيرون على أذربيجان وبلاد أران.قال ابن الأثير والكرج هم الخزر وقد بينا الصحيح من ذلك عند ذكر الأنساب.وأن الخزر هم التركمان إلا أن يكون الكرج من بعض شعوبهم فيمكن.ولما استفحل ملك السلجوقية أمسكوا عن الإغارة على البلاد المجاورة لهم.فلما توفي السلطان محمد رجعوا إلى الغارة فكانت سراياهم وسرايا القفجاق تغير على البلاد.ثم اجتمعوا وكانت بلد الملك طغرك وهي أران ونقجوان إلى أوس مجاورة لهم فكانوا يغيرون عليها إلى العراق لملك بغداد.ونزل على دبيس بن صدقة فسار هو وأتابك كبغري ودبيس بن صدقة وأبي الغازي بن أرتق.وسار في ثلاثين ألفاً إلى الكرج والقفجاق فاضطرب المسلمون وانهزموا وقتل منهم خلق وتبعهم الكفار عشرة فراسخ.وعادوا عنهم وحاصروا مدينة تفليس وأقاموا عليها سنة وملكوها عنوة سنة خمس عشرة ووصل صريخهم سنة ست عشرة إلى السلطان محمود بهمذان فسار لصريخهم وأقام بمدينة تبريز وأنفذ عساكره إلى الكرج فكان من أمرها ما يذكر إن شاء الله تع إلى.الحرب بين السلطان محمود وأخيه مسعود قد تقدم لنا مسير مسعود إلى العراق وموت أبيه السلطان محمد وما تقرر بينهما من الصلح ورجوعه إلى الموصل بلده وأن السلطان محموداً زاده أذربيجان ولحق به قسيم الدولة البرسقي عندما طرده عن شحنة بغداد فأقطعه مسعود مراغة مضافة إلى الرحبة.وكاتب دبيس حيوس بك أتابك مسعود يحرضه على نكبة البرسقي وأنه يباطن السلطان محموداً ووعده على ذلك بالأموال وحرضهم على طلب الأمر لمسعود ليقع الاختلاف فيحصل له علو الكلمة كما حصل لأبيه في فتنة بركيارق ومحمد.وشعر البرسقي بسعاية دبيس فخشي على نفسه ولحق بالسلطان محمود فقبله وأعلى محله.ثم اتصل بالملك مسعود الأستاذ أبو إسماعيل الحسين بن علي الأصفهاني الطغرائي وكان ابنه أبو الوليد محمد بن أبي إسماعيل يكتب الطغراء للملك مسعود فلما وصل أبوه استوزره مسعود وعزل أبا علي بن عمار صاحب طرابلس سنة ثلاث عشرة فأغرى مسعوداً بالخلاف على أخيه السلطان محمود فكتب إليهم السلطان بالترغيب والترهيب قأظهروا أمرهم وخاطبوا الملك مسعوداً بالسلطان وضربوا له النوب الخمس وإغذوا إليه السير وهو في خف من العسكر فسار إليهم قي خمسة عشر ألفا وفي مقدمته البرسقي.ولقيهم بعقبة أستراباز منتصف ربيع الأول سنة أربع عشرة فانهزم الملك مسعود وأصحابه وأسر جماعة من أعيانهم منهم الأستاذ أبو إسماعيل الطغرائي وزير الملك مسعود فأمر السلطان محمود بقتله وقال ثبت عندي فساد عقيدته وكان قتله لسنة من وزارته.وكان كاتباً شاعراً يميل إلى صناعة الكيمياء وله فيها تصانيف معدودة.ولما انهزم الملك مسعود لحق ببعض الجبال على اثني عشر فرسخاً من المعركة فاختفى فيه مع غلمان صغار وبعث يستأمن إلى أخيه فأرسل إليه أقسنقر البرسقي يؤمنه ويجيء به إليه وخالفه إليه بعض الأمراء فحرضه على اللحاق بالموصل وأذربيجان ومكاتبة دبيس ومعاودة الحرب فسار معه لذلك.وجاء البرسقي إلى مكانه الأول فلم يجنه فاتبعه إلى أن أدركه على ثلاثين فرسخاً وأعلمه حال أخيه من الرضا عنه وأعاده فرجع ولقيه العساكر بأمر السلطان محمود وأنزله عند أمه.ثم أحضره وهش له وبكى وخلطه بنفسه وذلك لثمانية وعشرين يوماً من الخطبة بأذربيجان وأما حيوس بك الأتابك فافترق عن السلطان من المعركة وسار إلى الموصل وجمع الغلال من سوادها.واجتمعت إليه العساكر وبلغه فعل السلطان مع أخيه فسار إلى الزاب مورياً بالصيد.ثم أجد السير إلى السلطان بهمذان فأمنه وأحسن إليه وبلغ الخبر بالهزيمة إلى دبيس وهو بالعراق فنهب البلاد وأخربها وبعث إليه السلطان فلم يصغ إلى كتابه ، ^? ولاية أقسنقر البرسقي على الموصل ثم على واسط وشحنة العراق ولما وصل حيوس بك إلى السلطان محمود بعثه إلى أخيه طغرل وأتابك كبغري فسار إلى كنجة وبقي أهل الموصل فوضى من غير وال وكان أقسنقر البرسقي قد أبلى في خدمة السلطان محمود ورد إليه أخاه مسعوداً يوم الهزيمة فعرف له حق نصحه وحسن أثره فأقطعه الموصل وأعمالها وما يضاف إليها كسنجار والجزيرة فسار إليها سنة خمس عشرة وتقدم إلى سائر الأمراء بطاعته.وأمره بمجاهدة الإفرنج واسترجاع البلاد منهم فوصل إلى الموصل وقام بتدبيرها وإصلاح أحوالها.ثم أقطعه سنة ست عشرة بعدها مدينة واسط وأعمالها مضافة إلى الموصل وجعله شحنة بالعراق فاستخلف عماد الدين زنكي بن أقسنقرة وبعثه إليها فسار إليها في شعبان من السنة. |
مقتل حيوس بك والوزير الشهيرمي
ثم إن السلطان بعد وصول حيوس بك بعثه لحرب أخيه طغرل كما قلناه وأقطعه أذربيجان فتنكر له الأمراء وأغروا به السلطان فقتله على باب هرمز في رمضان سنة عشر وأصله تركي من موالي السلطان محمد وكان عادلاً حسن السيرة ولما ولي الموصل والجزيرة وكان الأكراد بتلك الأعمال انتشروا وكثرت قلاعهم وعظم فسادهم فقصدهم وفتح كثيراً من قلاعهم كبلد الهكارية وبلد الزوزن وبلد النكوسة وبلد التخشيبة وهربوا منه في الجبال والشعاب والمضايق وصلحت السابلة وأمن الناس.وأما الوزير الكمال أبو طالب الشهيرمي فإنه برز مع السلطان دبيس إلى همذان وخرج في موكبه وضاق الطريق فتقدم الموكب بين يديه فوثب عليه باطني وطعنه بسكين فأنفنه واتبعه الغلمان فوثب عليه آخر فجذبه عن سرجه وطعنه طعنات ، ^? وشردهم الناس عنه فوثب آخر فجذبه وذلك لأربع سنين من وزارته.وكان سيئ السيرة ظلوماً غشوماً كثير المصادرات.ولما قتل رفع السلطان ما كان أحدث من المكوس. رجوع طغرل إلى طاعة أخيه السلطان محمود قد ذكرنا عصيان طغرل على أخيه السلطان محمود بالري سنة ثلاث عشرة وأن السلطان محمود سار إليه وكبسه فلحق برجهان.ثم لحق منها بكنجة وبلاد أران ومعه أتابك كبغري فاشتدت شوكته وقصد التغلب على بلاد أذربيجان وهلك كبغري في شوال سنة خمس عشرة ولحق بأقسنقر الأرمني صاحب مراغة ليقيم له الأتابكية وحرضه على قتال السلطان محمود فسار معه إلى مراغة ومروا بأردبيل فامتنعت عليهم فساروا إلى هرمز.وجاءهم الخبر هنالك بأن السلطان محمود بعث الأمير حيوس بك إلى أذربيجان وأقطعه البلاد وأنه وصل إلى مراغة في عسكر كثيف فساروا عن هرمز إلى خونج وانتقض عليهم وراسلوا الأمير شيركير الذي كان أتابك طغرل أيام أبيه يستنجد به.وكان كبغري الأتابك قبض عليه بعد السلطان محمد ثم أطلقه السلطان سنجر وعاد إلى أبهر وزنجان وكانت إقطاعه فأجاب داعيهم وسار أمامهم إلى أبهر ولم يتم أمرهم فراسلوا السلطان في الطاعة وعاد طغرل إلى أخيه وانتظم أمرهم ، ^? وكان وزير السلطان محمود شمس الملك بن نظام الملك وكان حظياً عنده فكثرت سعاية أصحابه فيه.وكان ابن عمه الشهاب أبو المحاسن وزير السلطان سنجر فتوفي واستوزر سنجر بعده أبا طاهر القمي عدواً لبني نظام الملك فأغرى السلطان سنجر حتى أمر السلطان محمود بنكبته فقبض عليه ودفعه إلى طغرل فحبسه بقلعة جلجلال.ثم قتله بعد ذلك وكان أخوه نظام الدين أحمد قد استوزره المسترشد وعزل به جلال الدين أبا علي بن صدقة فلما بلغه نكبة شمس الملك ومقتله عزل أخاه نظام الدين وأعاد ابن صدقة إلى وزارته والله سبحانه وتعالى أعلم. ظفر السلطان بالكرج ثم وفد سنة سبع عشرة على السلطان محمود جماعة من أهل دنباوند وشروان يستصرخونه على الكرج ويشكون ما يلقون منهم فسار لصريخهم.ولما تقارب الفئتان هم السلطان بالرجوع وأشار به وزيره شمس وتطارح عليه أهل شروان فأقام وباتوا على وجل.ثم وقع الاختلاف بين الكرج وقفجاق واقتتلوا ليلتهم ورحلوا منهزمين وعاد السلطان إلى همذان والله تع إلى أعلم. عزل البرسقي عن شحنة العراق وولاية برتقش الزكوي كان الخليفة المسترشد قد وقعت بينه وبين دبيس بن صدقة حروب شديدة بنواحي المباركة من أطراف عانة وكان البرسقي معه وانهزم دبيس فيها هزيمة شنيعة كما مر في أخباره وقصد غزنة صريخاً فلم يصرخوه فقصد المنتفق وسار بهم إلى البصرة فدخلوها واستباحوها وقتلوا سلمان نائبها فأرسل الخليفة إلى البرسقي بالنكير على إهمال أمر دبيس حتى فتك في البصرة فسار البرسقي إليه وهرب دبيس فلحق بالإفرنج وجاء معهم لحصار حلب فامتنعت فلحق بطغرل بن السلطان محمد يستحثه لقصد العراق كما مر ذلك في أخبار دبيس.وبقيت في نفس المسترشد عليه.ولحق بها أمثالها فتنكر له وبعث إلى السلطان محمود في عزله فعزله وأمره بالعود إلى الموصل لجهاد الإفرنج ووصل نائب برتقش إلى بغداد وأقام بها الشحنة وبعث السلطان ابناً له صغيراً ليكون معه على الموصل وسار البرسقي به ووصل الموصل وقام بولايتها.بداية أمر بني أقسنقر وولاية عماد الدين زنكي على البصرة كان عماد الدين زنكي في جملة البرسقي ولما أقطعه السلطان واسط بعث عليها زنكي فأقام فيها أياماً.ثم كان مسير البرسقي إلى البصرة في أتباع دبيس.فلما هرب دبيس عنها بعث البرسقي إليها عماد الدين زنكي فأقام بحمايتها ودفع العرب عنها.ثم استدعاه البرسقي عندما سار إلى الموصل فضجر من تلون الأحوال عليه واختار اللحاق بأصفهان فقدم استيلاء البرسقي على حلب لما سار دبيس إلى الإفرنج حرضه على حلب وأن ينوب فيها عنهم ووجدهم قد ملكوا مدينة صور وطمعوا في بلاد المسلمين.وساروا مع دبيس إلى حلب فحاصروها حتى جهد أهلها الحصار وبها يومئذ تاس بن " " ابن أرتق فاستنجد بالبرسقي صاحب الموصل وشرط عليهم أن يمكنوه من القلعة ويسلموها إلى نوابة.وسار إلى إنجادهم فأجفل عنهم الإفرنج ودخل إلى حلب فأصلح أمورها.ثم سار إلى كفر طاب فملكها من الإفرنج.ثم سار إلى قلعة إعزاز من أعمال حلب وصاحبها جوسكين فحاصرها وسارت إليه عساكر الإفرنج فانهزم وعاد إلى حلب فخلف فيها ابنه مسعوداً وعبر الفرات إلى الموصل. مسير طغرل ودبيس إلى العراق ولما ارتحل الإفرنج عن حلب فارقهم دبيس ولحق بالملك طغرل فتلقاه بالكرامة والمبرة وأغراه بالعراق وضمن له ملكه فساروا لذلك سنة تسع عشرة وانتهوا إلى دقوقا فكتب مجاهد الدين بهروز من تكريت إلى المسترشد بخبرهم فتجهز للقائهم وأمر برتقش الزكوي أن يتجهز معه خامس صفر وانتهى إلى الخالص وعدل طغرل ودبيس إلى طريق خراسان ثم نزلوا رباط جلولاء.ونزل الخليفة بالدسكرة في مقدمته الوزير جلال الدين ابن صدقة.وسار دبيس إلى جسر النهروان لحفظ المقابر وقد كان رأيه مع طغرل أن يسير طغرل إلى بغداد فيملكها وتقدم دبيس في انتظاره فقعد به المرض عن لحاقه وغشيتهم أمطار أثقلتهم عن الحركات.وجاء دبيس إلى النهروان طريحاً من التعب والبرد والجوع.واعترضوا ثلاثين حملا للخليفة جاءت من بغداد بالملبوس والمأكول فطعموا وأكلوا وناموا في دفء الشمس وإذا بالمسترشد قد طلع عليهم في عساكره بلغه الخبر بأن دبيساً.وطغرل خالفوه إلى بغداد فاضطرب عسكره وأجفلوا راجعين إلى بغداد فلقوا في طريقهم دبيساً كما ذكرنا على ديالي غرب النهروان وقف الخليفة عليه فقتل دبيس الأرض واستعطف حتى هم الخليفة بالعفو عنه ثم وصل الوزير ابن صدقة فثناه عن رأيه ووقف دبيس مع برتقش الزكوي يحادثه.ثم شغل الوزير بمد الجسر للعبور فتسلل دبيس ولحق بطغرل.وعاد المسترشد إلى بغداد ولحق طغرل ودبيس بهمذان فعاثوا في أعمالها وصادروا أهلها.وخرج إليهم السلطان محمود فانهزموا بين يديه ولحقوا بالسلطان سنجر بخراسان شاكين من المسترشد وبرتقش الشحنة والله أعلم بغيبه وأحكم. مقتل البرسقي وولاية ابنه عز الدين على الموصل ثم إن المسترشد تنكر للشحنة برتقش وتهدده فلحق بالسلطان محمود في رجب سنة عشرين فأغراه بالمسترشد وخوفه غائلته وأنه تعود الحروب وركب العيث ويوشك أن يمتنع عنك ويستصعب عليك فاعتزم السلطان على قصد العراق وبعث إليه الخليفة يلاطفه في الرد لغلاء البلاد وخرابها ويؤخره إلى حين صلاحها فصدق عنده حديث الزكوي وسار مجداً فعبر المسترشتد بأهله وولده وأولاد الخلفاء إلى الجانب الغربي في ذي القعدة راحلا عن بغداد والناس باكون لفراقه.وبلغ ذلك إلى السلطان فشق عليه وأرسل يستعطفه في العودة إلى داره فشرط عليه الرجوع عن العراق في القوت كما شرط أولاً فغضب السلطان وسار نحو بغداد والخليفة بالجانب الغربي ثم أرسل خادمه عفيفاً إلى واسط يمنع عنها نواب السلطان فسار إليه عماد الدين زنكي من البصرة وهزمه وفتك في عسكره قتلا وأسراً.وجمع المسترشد السفن إليه وسد أبواب قصره ووكل حاجب الباب ابن الصاحب بدار الخلافة.ووصل السلطان إلى بغداد في العاشر من ذي الحجة ونزل باب الشماسية.وأرسل المسترشد في العود والصلح وهو يمتنع.وجرت بين العسكرين مناوشة.ودخل جماعة من عسكر السلطان إلى دار الخليفة ونهبوا التاج أول المحرم سنة إحدى وعشرين وخمسمائة فضج العامة لذلك ونادوا بالجهاد وخرج المسترشد من سرادقه ينادي بأعلى صوته.وضربت الطبول ونفخت البوقات ونصب الجسر وعبر الناس دفعة وعسكر السلطان مشتغلون بالنهب في دور الخلافة والأمراء وكان في دار الخلافة ألف رجل كامنون في السرداب فخرجوا عند ذلك ونالوا من عسكر السلطان وأسروا جماعة من أمرائه.ونهب العامة دور وزير السلطان وأمرائه وحاشيته وقتل منهم خلق.وعبر المسترشد إلى الجانب الشرقي في ثلاثين ألف مقاتل من أهل بغداد والسواد.ودفع السلطان وعسكره عن بغداد وحفر عليها الخنادق واعتزموا على كبس السلطان فأخافهم أبو الهيجاء الكردي صاحب إربل ركب للقتال فلحق بالسلطان ووصل عماد الدين زنكي من البصرة في جيش عظيم في البر والبحر أذهل الناس برؤيته فخام المسترشد عن اللقاء.وتردد الرسل بينهما فأجاب إلى الصلح وعفا السلطان عن أهل بغداد وأقام بها إلى عاشر ربيع الآخر.وأهدى إليه المسترشد سلاحاً وخيلا وأموالا ورحل إلى همذان.وولى زنكي بن أقسنقر شحنة بغداد ثقة بكفايته واستقامت أحواله مع الخليفة.وأشار به أصحابه ورأوا أنه يرفع الخرق ويصلح الأمر فولاه على ذلك مضافاً إلى ما بيده من البصرة وواسط وسار إلى همذان وقبض في طريقه على وزيره أبي القاسم علي بن الناصر الشادي اتهمه بممالأة المسترشد لكثرة سعيه في الصلح فقبض عليه واستدعى شرف الدولة أنو شروان بن خالد من بغداد فلحقه بأصفهان في شعبان واستوزره عشرة أشهر ثم عزله ورجع إلى بغداد وبقي أبو القاسم محبوساً إلى أن جاء السلطان سنجر إلى الري فأطلقه وأعاده إلى وزارة السلطان محمود آخر اثنتين وعشرين. وفاة عز الدين بن البرسقي وولاية عماد الدين زنكي على الموصل وأعمالها ثم استيلاؤه على حلب ولما استولى عز الدين على الموصل وأعمالها واستفحل أمره طمحت همته إلى الشام فاستأذن السلطان في المسير إليه.وسار إلى دمشق ومر بالرحبة فحاصرها وملكها.ثم مات إثر ذلك وهو عليها وافترقت عساكره وشغلوا عن دفنه.ثم دفن بعد ذلك ورجعت العساكر إلى الموصل وقام بالأمر مملوكه جاولي.ونصب أخاه الأصغر وأرسل إلى السلطان يطلب تقرير الولاية له.وكان الرسول في ذلك القاضي بهاء الدين أبو الحسن علي الشهرزوري وصلاح الدين محمد الباغسياني أمير حاجب البرسقي واجتمعا بنصير الدين جعفر مولى عماد الدين زنكي وكان بينه وبين صلاح الدين سر فخوفهما جعفر بن جاولي وحملهما على طلب عماد الدين زنكي وضمن لهما عنه الولايات والإقطاع فأجابوه وجاء بهما إلى الوزير شرف الدين أنو شروان بن خالد فقالا له إن الجزيرة والشام قد تمكن منهما الإفرنج من حدود ماردين إلى عريش وكان البرسقي يكفهم وقد قتل وولده صغير ولا بد للبلد ممن يضطلع بأمرها ويدفع عنها وقد خرجنا عن النصيحة إليكم فبلغ الوزير مقالتهما إلى السلطان فأحضرهما واستشارهما فذكرا جماعة منهم عماد الدين زنكي وبدلا عنه مقرباً إلى خزانة السلطان مالا جزيلا فولاه السلطان لما يعلم من كفايته وولى مكانه شحنة العراق مجاهد الدين بهروز صاحب تكريت وسار عماد الدين زنكي فبدأ بالبواريح وملكها ثم سار إلى الموصل وتلقاه جاولي مطيعاً وعاد إلى الموصل في خدمته فدخلها في رمضان وأقطع جاولي الرحبة وبعثه إليها وولى نصير الدين جعفراً قلعة الموصل وسائر القلاع وجعل صلاح الدين محمد الباغسياني أمير صاحب وولى بهاء الدين الشهرزوري قضاء بلاده جميعاً وزاده أملاكاً وإقطاعاً وشركه في رأيه.ثم سار إلى جزيرة ابن عمر وقد امتنع بها مماليك البرسقي فجد في قتالهم وكانت دجلة تحول بينه وبين البلد فعبر بعسكره الماء سبحاً واستولى على المسافة التي بين دجلة والبلد وهزم من كان فيها من الحامية حتى أحجزهم بالبلد وضيق حصارهم فاستأمنوا وأمنهم.ثم سار إلى نصيبين وهي لحسام الدين تمرتاش بن أبي الغازي صاحب ماردين فحاصرها واستنجد حسام الدين ابن عمه ركن الدولة داود بن سكمان بن أرتق صاحب كيفا فأنجده بنفسه وأخذ في جمع العساكر.وبعث تمرتاش ماردين إلى نصيبين يعرف العساكر بالخبر وأن العساكر واصلة إليهم عن خمسة أيام وكتبه في رقعة وعلقها في جناح طائر فاعترضه عسكر زنجي وصادره وقرأ زنكي الرقعة وعوض الخمسة أيام بعشرين يوماً وأطلق الطائر بها إلى البلد فقرؤوا الكتاب وأسقط في أيديهم واستطالوا العشرين واستأمنوا لعماد الدين زنكي فأمنهم وملك نصيبين وسار عنها إلى سنجار فملكها صلحاً وبعث العساكر إلى الخابور فملكها.ثم سار إلى حران وخرج إليه أهل البلد بطاعتهم وكانت الرها وسروج والميرة ونواحيها للإفرنج وعليها جرسكين صاحب الرها فكاتب زنكي وهادنه ليتفرغ للجهاد بعد.ثم عبر الفرات إلى حلب في المحرم سنة اثنتين وعشرين وقد كان عز الدين مسعود بن أقسنقر البرسقي لما سار عنها إلى الموصل بعد قتل أبيه استخلف عليها قرمان من أمرائه.ثم عزله بآخر اسمه قطلغ أبه وكتب له إلى قرمان فمنعه إلا أن يرى العلامة التي بينه وبين عز الدين بن البرسقي فعاد قطلغ إلى مسعود ليجيء بالعلامة فوجده قد مات بالرحبة فعاد إلى حلب وأطاعه رئيسها فضائل بن بديع والمقدمون بها واستنزلوا قرمان من القلعة على ألف دينار أعطوه إياها وملك قطلغ القلعة منتصف إحدى وعشرين.ثم ساءت سيرته وظهر ظلمه وجوره.وكان بالمدينة بدر الدولة سليمان بن عبد الجبار بن أرتق وكان ملكها قبل وخلع عنها فدعاه الناس إلى البيعة وثاروا بقطلغ فامتنع بالقلعة فحاصروه.وجاء مهيار صاحب منبج وحسن صاحب مراغة لإصلاح أمرهم فلم يتفق وطمع الإفرنج في ملكها.وتقدم جوسكين بعسكره إليها فدافعوه بالمال.ثم وصل صاحب إنطاكية فحاصرهم إلى آخر السنة وهم محاصرون القلعة فلما ملك عماد الدين زنكي الموصل والجزيرة والشام فأطاعوا وسار عبد الجبار وقطلغ إلى عماد الدين بالموصل وأقام أحد الأميرين بحلب حتى بعث عماد الدين زنكي صاحبه صلاح الدين محمد الباغسياني في عسكر فملك القلعة ورتب الأمور وولى عليها.وجاء عماد الدين بعساكره في أثره وملك في طريقه منبج ومراغة.ثم دخل حلب وأقطع أعمالها الأجناد والأمراء وقبض على قطلغ أبه وسلمه لابن بديع فكحله فمات.واستوحش ابن بديع فهرب إلى قلعة جعفر وأقام عماد الدين مكانه في رئاسة حلب أبا الحسن علي بن عبد الرزاق. |
الساعة الآن 01:01 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |