![]() |
زَقْفَيـْلَم
كان لدى أبي عَلْقَمَة النَّحْوِيّ غلام يخدُمه. فأراد أبو علقمة الدخول في بعض حوائجه، فقال له: يا غلام، أصَقَعَتِ العَتَارِيف؟ فقال له الغلام: زَقْفَيْلم. قال أبو علقمة: وما زقفيلم؟ قال له: وما معنى صقعت العتاريف؟ قال: قلت لك أصاحت الديوك؟ قال: وأنا قلت لك لم يصح منها شيء! من كتاب "معجم الأدباء" لياقوت. |
زهــد وإيثــار(1)
روي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أنه صرَّ أربعمائة دينار وقال للغلام: "اذهب بها إلى أبي عـُبـَيدة بن الجراح، ثم تربـَّص عنده في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع". فذهب بها الغلام إليه، وقال له: يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: "اجعل هذه في بعض حوائجك" فقال له: "وصله الله ورحمه". ثم دعا بجارية وقال لها: "اذهبي بهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه السبعة إلى فلان، حتى أنفذها". فرجع الغلام إلى عمر وأخبره، فوجده قد أعد مثلها إلى معاذ بن جبل، وقال له: انطلق بها إلى معاذ بن جبل وانظر ما يكون من أمره. فذهب إليه وقال له كما قال لأبي عبيدة بن الجراح، ففعل معاذ مثل ما فعل أبو عبيدة، فرجع الغلام وأخبر عمر فقال "إنهم إخوة بعضهم من بعض" رضي الله عنهم أجمعين. |
زهـد وإيثــار (2)
بينما كان أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، ماراً بسوق البصرة، وكان معه غلامه (قنبر)، فوقف أمام غلام يبيع أثواباً. فقال: يا غلام، عندك ثوبان بخمسة دراهم؟ فقال: نعم، فأعطى غلامه ثوباً بثلاثة دراهم، وأخذ لنفسه الثوب ذي الدرهمين. فقال له الغلام: خذ هذا أنت، فإنك تعلو المنبر وتخطب الناس. فقال له أمير المؤمنين: وأنت شاب، ولك بشرة الشباب، وأنا أستحي من ربي، أن أتفضل عليك، فإني سمعت رسول اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم، يقول: "ألبسوهم مما تلبسون، وأطعموهم مما تأكلون". |
سـاحرُ النيـل
كان أبو جعفر النحاس، النحويّ المصريّ، من أهل العلم بالفقه والقرآن، رحل إلى العراق، وسمع من الزَّجَّاج، وأخذ عنه النحوَ وأكثر. وله مصنّفات في القرآن، منها كتاب الإعراب، وكتاب المعاني، وهما كتابان جليلان أغنيا عما صُنِّف قبلهما في معناهما، وكتاب تفسير أبيات كتاب سيبويه، ولم يُسبَق إلى مثله، وكل من جاء من بعده استمدَّ منه. جلس يومًا على دَرَج المقياس بمصر على شاطئ النيل وهو في مَدِّه وزيادته، ومعه كتاب العَروض، هو يقطّع منه بحرًا. فسمعه بعض العوام، فقال: هذا يسحر النيل حتى لا يزيد، فتغلو الأسعار! ثم دَفَع النحاسَ برجله، فذهب في المدّ، فلم يُوقَفْ له على خبر. من كتاب "إنباه الرواة على أنباه النّحاة" للقفطي. |
سـارقو البطيـخ
حكى ابن حمدون النديم أن الخليفة المعتضد العباسي كان قد شرط علينا أنّا إذا رأينا منه شيئـًا ننكره نقول له، وإن اطـّلعنا على عيب واجهناه به. فقلت له يومًا: يا مولانا، في قلبي شيء أردت سؤالك عنه منذ سنين. قال: ولم أخّرته إلى اليوم؟ قلت: لاستصغاري قدري ولهيبة الخلافة. قال: قل ولا تخف. قال: اجتاز مولانا ببلاد فارس، فتعرّض الغلمانُ للبطيخ الذي كان في تلك الأرض، فأمرتَ بضربهم وحبسهم، وكان ذلك كافيًا. ثم أمرتَ بصلبهم، وكان ذنبهم لا يجوز عليه الصَّلب. فقال: أَوَتحسب أن المصلَّبين كانوا أولئك الغلمان؟ وبأي وجه كنت ألقى اللّه تعالى يوم القيامة لو صلبتهم لأجل البطيخ؟ وإنما أمَرَت بإخراج قوم من قطّاع الطريق كان وجب عليهم القتل، وأمرتُ أن يُلْبَسوا أقبية الغلمان وملابسهم إقامة للهيبة في قلوب العسكر، ليقولوا: إذا صلَب أخصّ غلمانه على غَصْب البطيخ، فكيف يكون على غيره؟ وكنت قد أمرت بتلثيمهم ليستتر أمرهم على الناس. من كتاب "فوات الوفيات" لابن شاكر الكتبي. |
سـعر الزَّيـت
حدّث أبو عبد الله بن أبي عوف التاجر، قال: ضاق صدري في وقت من الأوقات ضيقًا شديدًا لا أعرف سببه، فتقدّمتُ إلى من حمل لي طعامًا كثيرًا وفاكهة وعدة من جواريّ إلى بستان لي على نهر عيسى، وأمرت غلماني وأصحابي أن لا يجيئني أحد منهم بخبر يشغل قلبي ولو ذهب مالي كله، ولا يكاتبني. وعملت على أن أقيم في البستان بقية أسبوعي أتفرّج مع أولئك الجواري. لما قربت من البستان، استقبلني ساعٍ معه رسائل. فقلت له: من أين وردت؟ فقال: من الرقـّة. أردت أن أقف على كتبه وأخبار الرقة وأسعارها. فقلت: أنت قريب من بستان لي، فتعال معي حتى تستريح الليلة في البستان، وأغيّر حالك، وأطعمك، وتدخل بغداد غدًا. فقال: نعم. ومشى معي راجعًا حتى دخلنا البستان، فأمرتُ من فيه أن يُدخله حمّامًا، ويغيّر ثيابه ببعض ثياب غلماني ويطعمه. فابتدأوا معه في ذلك. وتقدَّمتُ إلى غلام لي فسرق كتبه، وجاءني بها ففتحتها، وقرأت جميع ما فيها، وعرفت من أسرار التجار الذين يعاملونني شيئًا كثيرًا، وتفرّجت بذلك. ووجدت جميع الكتب تنصح التجار بأن يتمسّكوا بما في أيديهم من الزيت، ولا يبيعوا منه شيئًا، فإنه قد غلا عندهم وعَزّ. فأنفَذْت إلى وكلائي في الحال فاستدعيتهم، وقلت لهم: خذوا من فلان الصيرفي وفلان الصيرفيّ كل ما عندهم من الدنانير والدراهم الساعة، ولا ينقضي اليوم إلا وتبتاعون كل ما تقدرون عليه من الزيت، واكتبوا إليّ عند انقضاء النهار بالصورة. فمضوا. فلما كان العشاء جاءني خبرهم بأنهم قد ابتاعوا زيتًا بثلاثة آلاف دينار. فكتبت إليهم بقبض ألوف دنانير أُخر، وبشراء كل ما يقدرون عليه من الزيت. وأصبحنا، فدفعت إلى الساعي ثلاثة دنانير، وقلت له: إن أقمتَ عندي دفعت إليك ثلاثة دنانير أخرى. فقال: أَفعل. وجاءتني رقعة أصحابي بأنهم ابتاعوا زيتًا بأربعة آلاف دينار، وأن سعره قد غلا لطلبهم إياه. فكتبت بأن يبتاعوا كل ما يقدرون عليه وإن كان السعر قد زاد. وشاغلتُ الرسول اليوم الثالث، ودفعتُ إليه في اليومين ستة دنانير، وأقام ثلاثة أيام، وابتاع أصحابي بثلاثة آلاف دينار أخرى. وجاءوني عشيّا فقالوا: كان ما ابتعناه اليوم زائدًا على ما قبله في السـِّعر، في كل عشرة نصف درهم، ولم يبق في السوق شيء يفكـِّر فيه. فصرفت الرسول. وأقمت في بستاني أيامًا، ثم عدت إلى داري، وقد قرأ التجار الكتب، وعرفوا خبر الزيت بالرقة، فجاءوني يهرعون ويبذلون في الزيت زيادة اثنين في العشرة، فلم أبع، فبذلوا زيادة ثلاثة في العشرة، فلم أبع. ومضى على ذلك نحو من شهر، فجاءوني يطلبون زيادة خمسة وستة، فلم أفعل. فجاءوا بعد أيام يعرضون شراء الزيت بعشرين ألف دينار، فبعته. ونظرت، فلم يكن لضيق صدري وانفرادي في البستان ذلك اليوم سبب إلا ما أحبّه الله تعالى، أن يوصل إليّ ربح عشرة آلاف دينار! من كتاب "نشوار المحاضرة" للتنوخي. |
سياسـة وكياســة
بلغ بعض الملوك سياسة ملك آخر. فكتب إليه: قد بلغتَ من حسن السياسة مبلغاً لم يبلغه ملك في زمانك، فأفدني الذي بلغت به ذلك. فكتب إليه: لم أهزل في أمر ولا نهي، ولا وعد ولا وعيد، واستكفيت أهل الكفاية. وأَثـْبتُ على الغـَناء لا على الهوى. وأودعت القلوب هيبة لم يشبها مقت، ووُدَّا لم يشبه كذب، وعممت القوت، ومنعت الفضول. |
شجاعـة ودهــاء
كان لعبد الله بن الزبير أرض قريبة من أرض لمعاوية، فيها عبيد له من الزنوج يعمرونها، فدخلوا في أرض عبد الله، فكتب إلى معاوية: أما بعد، فإنه يا معاوية، إن لم تمنع عبيدك من الدخول في أرضي، وإلا كان لي ولك شأن. فلما وقف معاوية على الكتاب، دفعه إلى ابنه يزيد، فلما قرأه، قال له: ما ترى؟ قال: أرى أن تـُنفذ إليه جيشاً أوله عنده وآخره عندك يأتونك برأسه، فقال: يا بني، عندي خير من ذلك، عليّ بدواة وقرطاس، وكتب: وقفت على كتابك يا ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم، وساءني والله ما ساءك، والدنيا هينة عندي في جنب رضاك، وقد كتبت على نفسي رقماً بالأرض والعبيد، وأشهدت عليّ فيه، ولتُضف الأرض إلى أرضك، والعبيد إلى عبيدك والسلام. فلما وقف عبد الله على كتاب معاوية، كتب إليه: وقفت على كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه، فلا عدم الرأي الذي أحله من قريش هذا المحل والسلام. فلما وقف معاوية على كتاب عبد الله، رماه إلى ابنه يزيد، فلما قرأه اصفر وجهه، فقال له معاوية: يا بني. إذا رُميت بهذا الداء، فداوه بهذا الدواء. |
شربة ماء
طلب هارون الرشيد ماء، فلما أراد شربه قال له ابن السماك: مهلاً يا أمير المؤمنين! بقرابتك من رسول اللّه، لو مُنِعتَ هذه الشَّرْبة، بكم كنت تشتريها؟ قال: بنصف مُلْكي. قال: اشرب. فلما شرب قال: أسألك بقرابتك من رسول اللّه، لو مُنعتَ خروجها من بدنك بماذا كنت تشتريها؟ قال الرشيد: بجميع مُلكي. قال له ابن السماك: إن مُلْكًا لا يساوي شربة ماء وخروج بولة لجَديرٌ أن لا يُنافَسَ فيه! من كتاب "الكامل في التاريخ" لابن الأثير |
شَـرْطُ نظـْمِ الشِّـعر
استأذن أبو نواس خلفًا الأحمر في نظم الشعر، فقال له: لا آذن لك في عمل الشعر إلا أن تحفظ ألف مقطوع للعرب ما بين أرجوزة وقصيدة ومقطوعة. فغاب عنه مدة وحضر إليه، فقال له: قد حفظتُها. فقال له خلف الأحمر: أَنشِدْها. فأنشده أكثرها في عدة أيام. ثم سأله أن يأذن له في نظم الشعر، فقال له: لا آذن لك إلا أن تنسى هذه الألف أرجوزة كأنك لم تحفظها. فقال له: هذا أمرٌ يصعب عليَّ، فإني قد أتقنت حفظها. فقال له: لا آذن لك إلا أن تنساها. فذهب أبو نواس إلى بعض الأديرة، وخلا بنفسه، وأقام مدّة حتى نسيها. ثم حضر فقال: قد نسيتها حتى كأن لم أكن حفظتها قط. فقال له خلف: الآن انظم الشِّعر! من كتاب "أخبار أبي نواس" لابن منظور. |
الساعة الآن 09:20 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |