![]() |
صـورة عالِـم
ولد عبد الرحمن بن أبي بكر، المعروف بابن الأسيوطي، في مستهل رجب سنة 849 هـ (1445م). وأمُّه أمة تركية، نشأ يتيما، وحفظ القرآن وألفية النحو، ثم قرأ في بعض المتون الفقهية، وتتلمذ زمنا يسيرا جدا على الشيخ الشرف المناوي الذي تألم من جلوس عبد الرحمن في مقدمة الحلقة، ولمح له بضرورة تأدّبه حيث قال له: كنا ونحن صغارا لا نجلس إلا خلف الحلقة. وكلمات أخرى من هذا النمط. فانقطع عبد الرحمن عن دروسه. ثم لازمني دهرا، ومدحني في نظم ونثر كما بينه في موضع آخر. ومما كتب به إليّ في نثر طويل: "وقد تطفّلنا على شمول سخائه، وأنَخْنَا ركاب شِدّتنا برحاب رخائه …" إلى آخر مثل هذا الكلام. ثم ساعده البلقيني حتى باشر تدريس الفقه بالجامع الشيخوني رغم أنه لم يمعن الطلب في الفقه. وداخله الغرور والخيلاء فتمشيخ وخاض في فنون عديدة، ولا يزال يسترسل حتى قال إنه رُزق التبحّر في سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعاني والبيان والبديع، وأنه لم يبقى من آلات الاجتهاد شيء إلا عرفه. وقد ذكر أن تصانيفه زادت على ثلاثمائة كتاب، رأيت بعضها فإذا منها ما لا يزيد عن ورقة واحدة، وأما ما هو أقل من كراسة فكثير. وقد اختلس جل كتبه من التصانيف المتقدمة التي يجهلها الناس في زماننا هذا. فكان يغيّر فيها قليلا، ويقدّم ويؤخر، وينسبها لنفسه، ويهوّل في مقدّماتها حتى يتوهّم الجاهل أنه واسع العلم. وليته إذا اختلس لم يمسخها. ولو نسخها كما هي لكان أنفع. وكان أول ما ألفه كتاب في تحريم المنطق أخذه من مصنَّف لابن تيمية. فقام عليه الفضلاء من أهل العلم، ولولا تدخلي وتلطفي بالجماعة لحدث ما لا خير فيه. ثم إنه لزم الأمير إينال الأشقر حتى قرّره في تدريس الحديث بالشيخونية، وفي مشيخة التصوف بتربة برقوق، وغير ذلك. ومن وقتها وهو يطلق لسانه في شيوخه ومن فوقهم، مع أن بعضهم كان يحسن إليه سيما في زمن الغلاء، وبعضهم كان فيما مضى يعطيه في كل أسبوع دينارا حسبما اعترف به عن نفسه. وقد قال عن القاضي العضد أنه لا يصلح أن يكون قطعة في نَعْل ابن الصلاح، وطعن في السيد الرضي في النحو، وحرّم على تلاميذه النظر في كتبي! وألف كتابا سمّاه "الكاوي في الرد على السخاوي" في مسائل لم أتكلم فيها! فسبحان قاسم العقول! وقد أقرّ على نفسه بأن الحساب أعسر شيء، وأبعده عن ذهنه، وأنه إذا نظر في مسألة تتعلق به فكأنما يحاول أن يحمل جبلا. وهذا هو أدل دليل على بلادته، إذ أن فن الحساب فن ذكاء كما قال بعض الأساتذة. وهو مع ذلك يقول: "لقد كملت عندي بحمد الله آلات الاجتهاد، ولو شئت أن أكتب في كل مسألة فقهية كتابا بأدلتها النقلية والقياسية وأجوبتها والمقارنة بين اختلاف المذاهب لقدرت على ذلك"! وقد عرض عليه البعض أن يجمعوا له العلماء ليناظروه، فإن اعترفوا بعلمه وتميزه وافقوا على دعواه. فلم يقبل وسكت. وهو كثير المجازفة: جاءني مرة وزعم أنه قرأ مسند الشافعي على القمصي. ثم لم يلبث أن زارني القمصي، فلما سألته عن ذلك أنكر. وقال مرة إنه حفظ بعض المنهاج الأصلي، وفي مرة أخرى أنه حفظه كله! وصدق من قال: آفة الكذب النسيان. وقد أفرد بعضهم كتابا سمّاه "المفصّل في الرد على المغفل"! ولو أني شرحْتُ أمره تفصيلا لكان خروجا عن الحدّ. وبالجملة فهو رجل معروف بالهوس والترفّع حتى على أمّه التي كانت كثيرة الشكوى منه. وقد ساعده الخليفة حتى استقر في مشيخة البيبرسية بعد الشيخ البكري. فلما كانت سنة 898 قام عليه الشيخ أبو النجا بن الشيخ خلف، ففضحه وأظهر نقصه وبيّن للناس أخطاءه، فذلّ إلى الغاية، وخمد من وقتها بل جمد، ورام ستر نفسه فقال أنه ترك الإفتاء، وكان قبلها لو جيء إليه بفُتيا وهو مشرف على الغرق لأخذها ليكتب عليها! ثم زعم للناس أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يأمر خليفته الصدّيق بحبسه سنة حتى يرجع إلى الإفتاء، غير أنه استغفر واعتذر بأنه قد التزم بتركه! من كتاب "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" للسخاوي. |
ضميـر ناقـد
لما عزم الفتح بن خاقان الأندلسي على تصنيف كتاب "قلائد العقيان"، أرسل إلى كل واحد من أهل الأدب والشعر والبلاغة في الأندلس يعرّفُه عَزْمَه، ويسأله أن يرسل إليه شيئا من شعره ونثره ليذكره في كتابه وكان الأدباء يعرفون شَرَّه وبذاءة لسانه ويخافونه، فأرسلوا إليه مع شعرهم أو نثرهم صُرَرَ الدنانير. فكلُّ من أَرْضَتْهُ صلته أحسن في كتابه وصفَه وصِفَته وأثنى على أدبه، وكل من تغافل عن بِرِّه هجاه وثَلَبهُ. وكان ابن الصائغ أحد أركان العلم والبيان، شديد العناية بعلم الأوائل وكانوا يشبِّهونه بالمغرب بابن سينا بالمشرق. فلما وصلتْه رسالة ابن خاقان تهاون بها ولم يعرها اهتماما لاحتقاره شأن صاحبها. فما كان من ابن خاقان إلا أن كتب عنه في "قلائد العقيان": "وأما ابن الصائغ فهو رَمَدُ جَفْن الدين، وكَمَدُ نفوس المهتدين، فكر في أجرام الأفلاك و حدود الأقاليم، ورفض كتاب الله العليّ العظيم ونبذه وراء ظهره ثاني عِطْفِه، وأراد إبطال ما لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، واقتصر على الهيئة، وأنكر أن تكون إلى الله الرجعةُ والفيئة، مع مَنْشَأٍ ذميم ولؤم أصل وخيم، وصورةٍ شوّهها الله وقبحها، وطَلْعَةٍ إذا أبصرها الكلبُ نبحها…." مع كلام طويل من هذا النوع. فلما بلغ ابن الصائغ ما كتبه عنه ابن خاقان، بادر فأرسل إليه مالا طائلا. وإذ ألّف ابن خاقان بعد ذلك كتابه "ذيل شعراء الأندلس"، افتتحه بذكر ابن الصائغ، وأثنى عليه فيه ثناء جميلا فقال: "أبو بكر بن الصائغ، بَدْرُ فَهْمٍ طالع، وبرهان علم قاطع، تَفَرَّحت بعِطرِه الأعصار، وتطيّبتْ بذكره الأمصار، مع نزاهة النفس وصَوْنها، وبُعْدِ الفساد من كَوْنها، والتحقيق الذي هو للإيمان بالله شقيق، والجِدُّ الذي يَخْلُقُ العُمرُ وهو مُسْتَجِدّ، قد جرى في كل ميدان فأحسن كل الإحسان، له أدبٌ يودّ عُطارِدُ أن يَلْتَحِفَه، يزيل من النفس حُزنَها وكَمَدَها ….." مع كلام طويل من هذا النوع! من كتاب "معجم الأدباء" لياقوت. |
طـالـوت الفقـيه
في أيام الحكم بن هشام، أمير الأندلس، ائتمر العلماء ليخلعوه، ثم جَيـَّشـُوا لقتاله. فأخذ الحكم في جمع الجنود، وهزم الثوار في وقعة هائلة شنيعة، وقبض على عدد من العلماء فضـُربت أعناقهم، ولاذ عدد آخر بالفرار. وكان ممن فرّ طالوت بن عبد الجبار المعافري. اختفى سنة عند يهوديّ، ثم خرج وقصد الوزير أبا البسـّام ليختفي عنده. فما كان من الوزير إلا أن توجـّه إلى الحكم بن هشام ليخبره بشأنه. قال: ما رأي الأمير في كبش سمين؟ فقال الحكم: ما الخبر؟ قال: طالوت عندي. فأمر الحكم بالقبض عليه وإحضاره من دار الوزير. فلما أُحضر قال له الحكم: يا طالوت، لو أن أباك أو ابنك مـَلـَك هذه الدار، أكنتَ فيها في الإكرام والبرّ على ما كنتُ أفعلُ معك؟ ألم أفعل كذا؟ ألم أَمـْشِ في جـِنازة امرأتك، ورجعت معك بعدها إلى دارك؟ أفما رضيتَ إلا بسفك دمي؟ فقال الفقيه في نفسه: لا أجد أنفعَ من الصدق. ثم قال: لقد أبغضتـُكَ لله فلم يـُجـْدِ ما صنعتَ معي لغير الله. فوجـَم الخليفة ساعة ثم قال: انصرف في حفظ الله، ولستُ بتاركٍ بـِرَّك. ولكن، أين ظـَفـِر بك الوزير أبو البسـّام؟ قال طالوت: أنا أَظـْفـَرْتـُه بنفسي. قصدتـُه لأختفي عنده. قال الحكم: فأين كنتَ قبل ذلك؟ قال: في دار يهوديّ أخفاني لله مدة سنة. فأطرق الخليفة مليـّا، ثم رفع رأسه إلى أبي البسـّام وقال: حفظه يهوديّ وستر عليه لمكانه من العلم والدين، وغدرتَ به أنت حين قصدك للاختفاء عندك. لا أرانا الله لك وجهـًا. ثم طرد الوزير، وزاد في إحسانه لليهودي. من كتاب "سير أعلام النبلاء" للذهبي. |
طعـام جعـفر الملاّح
ركب الخليفة المقتدر يوماً على غفلة وعبر إلى بستان الخلافة في نفر من الخدم والغلمان. وتشاغل أصحاب الموائد والطباخون بحمل الآلات فتأخـّر إعداد الطعام. وجاع المقتدر فعجل في طلب الطعام، فقيل له لم يـُحمل بعد. فقال: هاتوا ما فرغوا من طهيه. فخرج الخدم متحيرين لا يجسرون أن يعودوا فيقولون ما جاء شيء. فسمعهم جعفر ملاّح زورق المقتدر، فقال: إن كان يقبل مولانا أن يأكل طعام الملاّحين، فمعى ما يكفيه. فمضوا فذكروا ذلك للخليفة، فقال: هاتوا ما معه! فأخرج جعفر من الزورق جدياَ بارداً وإداماً وأرغفة سميد جيدة، وكل ذلك نظيف. وإذا هو طعام يـُعمل لجعفر في منزله في كل يوم، ويـُحمل إليه، فيأكله في موضعه من زورق الخليفة ويلازم الخدمة. فلما حـُمل إلى المقتدر استنظفه فأكل منه واستطابه. وجاءت الأطعمة من مطبخه فقال المقتدر: ما آكل اليوم إلا من طعام جعفر الملاح! وأتمّ أكله منه، وأمر بتفرقة الطعام من مطبخه على من حضر. ثم قال: قولوا لجعفر هات الحلواء! فقال جعفر: نحن لا نعرف الحلواء! قال المقتدر: ما ظننت أن في الدنيا من يأكل طعامـاً لا حلواء بعده! فقال الملاح: حلواؤنا التمر، فإن رضي أمير المؤمنين أحضرتـُه. فقال المقتدر: لا، هذا حلواء صعب لا أطيقه. أَحـْضرونا من حلوائنا. فلما فرغ من طعامه قال لغلمانه: اعملوا في كل يوم طعاماً يُنفق عليه ما بين عشرة دنانير إلى مائتي درهم، وسلـّموه إلى جعفر الملاح ويكون برسم الزورق أبداً، فإن ركبتُ يوماً على غفلة كما ركبت اليوم، أجد الطعام معدّا. وإن غربت الشمس ولم أركب كان الطعام لجعفر. فكان الطعام يـُعمل له كل يوم إلى أن قُتل المقتدر، وما ركب المقتدر بعد ذلك اليوم على غفلة ولا احتاج إليه! من كتاب "تاريخ بغداد" للخطيب البغدادي. |
ظلمتنـي وظلمتـه
يُروى أن المأمون انحرف عن سهل بن هارون المشهور بالبلاغة والحكمة. فدخل عليه سهلٌ يوماً فقال: يا أمير المؤمنين، إنك ظلمتني وظلمتَ فلاناً الكاتب. فقال: ويلك! وكيف؟ قال: رفعتَه فوق قدره، ووضعتني دون قدري، إلا أنك له في ذلك أشد ظلماً. قال المأمون: كيف؟ قال: لأنك أقمتَه مقام هُزْء، وأقمتني مقام رحمة. من كتاب "سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون" لابن نباتة. |
عبـد الله بـن الزبيـر
مر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بصبية يلعبون. فلما رأوه فروا جميعاً، إلا غلاماً صغيراً بقي مكانه لم يبرحه. فأقبل عليه عمر وسأله: يا غلام، لـِمَ لـَمْ تفر كما فرَّ زملاؤك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، لم أرتكب ذنباً فأخافك، وليست الطريق ضيقة فأوسعها لك. |
عبد الملك بن مروان وامرأته
غَضِبَتْ عاتكة بنت يزيد على زوجها الخليفة عبد الملك بن مروان، وكانت أحبَّ خلق الله إليه. فَحَجَبَتْهُ وأغلقتْ بابها دونه. فشقّ ذلك عليه، وشكاه إلى خاصّته، وأعيته الحِيَل فيها، ولم يدر كيف يسترجع رضاها عنه. فقال له عمرو بن هلال: ما لي عندك إن رَضِيتْ عنك؟ قال عبد الملك: ما تشاء. فأتى عمرو بابها واستأذن. فلما أذنت له قال: قد عَرَفْتِ مكاني من أمير المؤمنين، وقد وقع لي أمرٌ شنيع، فقد قَتَل أَحَدُ ابْنَيَّ الآخر، ويريد الخليفة أن يقتل الآخر به. وقد استعطفتُه وتوسَّلتُ إليه أن يعفو عنه حتى لا أفقد بموته ابنيّ معاً فلم يسمع قولي. وقد رجوتُ أن يُحْيي الله ابني على يديك. فقومي إلى أمير المؤمنين كلميه فيه وإلا قتله الساعة. فاضطربتْ وقالت: إني غَضْبَى عليه ولا أكلمه. فبكى عمرو وقال: أفيموت ابني إذن؟! أفيموت ابنيَّ معاً؟! ولم يزل بها حتى أشفقت عليه وقامت معه إلى عبد الملك، فأخذت برجله وقبّلتها، ورجته أن يعفو عن ابن عمرو. قال عبد الملك: هو لك وقد عفوت عنه. ولم يبرحا حتى اصطلحا. فلما خرجت قال الخليفة لعمرو: حُكمُك؟ قال: مزرعة بعبيدها وما فيها، وألف دينار. قال: ذلك لك. من كتاب "ربيع الأبرار ونصوص الأخبار" للزمخشري. |
عجـائبُ طـبِّ الإفرنـج
من عجائب طب الإفرنج أن صاحب المُنَيْطِرَة (وهو منهم) كتب إلى عمّي يطلب منه إنفاذَ طبيبٍ يداوي مرضى من أصحابه. فأرسل إليه طبيبًا نصرانيًا يقال له ثابت. فما غاب عشرة أيام حتى عاد. فقلنا له: ما أسرعَ ما داويتَ المرضى! قال: أَحْضَروا عندي فارسا قد طلعتْ في رجله دُمّلة، وامرأةً قد لحقها نشاف (مرض عقلي) فعملت للفارس لُبيخة. ففتحتُ الدّمّلة وصَلُحَت. وحميتُ المرأةَ ورطبتُ مزاجَها. فجاءهم طبيبٌ إفرنجي فقال لهم: هذا ما يعرف شيئًا، يداويهم؟ وقال للفارس: أيّما أحبُّ إليك: تعيشُ برجلٍ واحدة، أو تموتُ برجلين؟ قال: أعيش برجل واحدة. قال: أحضروا لي فارسًا قويًا وفأسًا قاطعًا. فحضر الفارسُ والفأسُ وأنا حاضر. فحطّ ساقه على قرمة خشب، وقال للفارس: أضرِب رجلَه بالفأس ضربةً واحدة تقطعُها. فضربه، وأنا أراه، ضربًة واحدة. فما انقطعت. فضربه ضربةً ثانية فسال مخُّ الساق ومات من ساعته. وأبصر المرأة فقال: هذه امرأة في رأسها شيطانٌ قد عشقها. احلقوا شعرَها! فحلقوه. وعادت تأكل من مآكلهم الثومَ والخَرْدَل، فزاد بها النّشاف. فقال: الشيطانُ قد دخل في رأسها. فأخذ الموسى، وشق رأسها صليبًا وسلخ وسطَه حتى ظهر عظمُ الرأس، وحكّه بالمِلح فماتت في وقتها. فقلت لهم: بقي لكم إليّ حاجة؟ قالوا: لا. فجئتُ وقد تعلمتُ من طبّهم ما لم أكن أعرفُه! من "كتاب الاعتبار" لأسامة بن منقذ. |
عَـدْلُ الوزيـر
كان أبو شجاع الهمذاني، وزيرُ الخليفة المقتدي، رجلاً ديِّنا كثير الخيرَ والبرّ والصدقة. ومن مناقبه أنه لما وقعت الفتنُ بين السُّنَّة والشيعة بحيّ الكَرْخ ببغداد، تغاضى عن إراقة الدماء غاية التغاضي، حتى قال له المقتدي: إن الأمور لا تمشي بهذا اللين الذي تستعمله، وقد أطمعت الناس بحلمك وتجاوزك. ولا بد من هدم دور عشرة من كبار أهل الكرخ حتى تقوم السياسة وتسكن هذه الفتن. فأرسل الوزير إلى المحتسب، وقال له: قد أمر الخليفة بهدم دور عشرة من كبار أهل الكرخ، ولا تمكنني مراجعته فيهم. وما آمن أن يكون فيهم بريء من إثارة الفتنة غير مستحق للمؤاخذة، أو أن تكون الدار ليست ملكاً له. فأريد أن تبعث رجالك إلى الحيّ وتشتري دور عشرة من كبار قاطنيه. فإذا صارت هذه الدور لي هدمتُها، وأسلم بذلك من الإثم ومن سخط الخليفة. ونَقَدَه الثمن في الحال، ففعل المحتسب ذلك، ثم أرسل بعد ذلك مَنْ هدمها. من كتاب "الفخري" لابن طباطبا. |
عظـــات
قال حكيم أديب، وناصح أمين: إِياك وصحبة الملوك، فإنك إن لازمتهم ملوك، وإن تركتهم أذلوك، يستعظمون في الثواب رد الجواب، ويستصغرون في العتاب ضرب الرقاب. وقيل لحكيم من الذي لا يخاف أحداً؟ فقال: الذي لا يخافه أحد، فمن عدل في حكمه، وكفَّ عن ظلمه، نصره الحق، وحسنت لديه النـُّعمى، وأقبلت عليه الدنيا، فتهنـَّى بالعيش، واستغنى عن الجيش، وملك القلوب، وأمن الحروب، وصارت طاعته فرضاً، وظلت رعيته جنداً، وإن أول العدل أن يبدأ الرجل بنفسه، فيلزمها كل خلة زكية، وخصلة رضية، في مذهب سديد، ومكسب حميد، ليسلم عاجلاً، ويسعد آجلاً. وأول الجور، أن يعمد إليها فيجنبها الخير، ويعوِّدها الشر، ويـُلبسها الآثام، ويغبغبها المدام، ليعظم وزرها، ويقبح ذكرها. |
الساعة الآن 04:59 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |