![]() |
أخبار جلال الدين بالهند كمان جماعة من أصحاب جلال الدين وأهل عسكره
لما عبروا إليهم حصلوا عند قباجة ملك الهند منهم بنت أمين الملك خلصت إلى مدينة أرجاء من عمله ومنهم شمس الملك وزير جلال الدين حياة أبيه ومنهم قزل خان بن أمين الملك خلص إلى مدينة كلور فقتله عاملها وقتل قباجة شمس الملك الوزير لخبر جلال الدين بأموره وبعث أمين الملك.ولحق بجلال الدين جماعة من أمراء أخيه غياث الدين فقوي بهم وحاصر مدينة كلور وافتتحها وافتتح مدينة ترنوخ كذلك فجمع قباجة للقائه وسار إليه جلال الدين فخام عن اللقاء وهرب وترك معسكره فغنمه جلال الدين بما فيه وسار إلى لهاوون وفيها ابن قباجة ممتنعاً عليه فصالحه على مال يحمله ورحل إلى تشتشان وبها فخر الدين السلاوي نائب قباجة فتلقاه بالطاعة.ثم سار إلى أوجا وحاصرها فصالحوه على المال.ثم سار إلى جانس وهي لشمس الدين اليتمشي من ملوك الهند ومن موالي شهاب الدين الغوري فأطاعه أهلها وأقام بها وزحف إليه ايتش في ثلاثين ألف فارس ومائة ألف راجل وثلاثمائة فيل.وزحف جلال الدين في عساكره وفي مقدمته جرجان بهلوان أزبك واختلفت المقدمتان فلم يمكن اللقاء.وبعث ايتش في الصلح فجنح إليه جلال الدين ثم اجتمع قباجة وايتش وسائر ملوك الهند فخام عن لقائهم ورجع لطلب العراق واستخلف جهان بهلوان الملك على ما ملك من الهند وعبر النهر إلى غزنة فولى عليها وعلى الغور الأمير وفاملك واسمه الحسن فزلف وسار إلى العراق وذلك سنة إحدى وعشرين بعد مقدمه لها بسنتين. أحوال العراق وخراسان في إيالة غياث الدين كان غياث الدين بعد مسير جلال الدين إلى الهند اجتمع إليه شراد العساكر بكرمان وسار بهم إلى العراق فملك خراسان ومازندران كما تقدم وأقام منهمكاً في لذاته.واستبد الأمراء بالنواحي فاستولى قائم الدين على نيسابور وتغلب يقز بن أيلجي بهلوان على شروان وتملك ينال خطا بهاتر ونظام اسفراين ونصرة الدين بن محمد مستبد بنسا كما مر واستولى تاج الدين عمر بن مسعود التركماني على أبيورد وغياث الدين مع ذلك منهمك في لذاته.وسارت إليه عساكر التتر فخرج لهم عن العراق إلى بلاد الجبل واكتسحوا سائر جهاته.واشتط عليه الجند وزادهم في الإقطاع والإحسان فلم يشبعهم وأظهروا الفساد وعاثوا في الرعايا.وتحكمت أم السلطان غياث الدين في الدولة لإغفاله أمرها واقتفت طريقة تركمان خاتون أم السلطان خوارزم شاه وتلقبت بلقبها خداوندجهان إلى أن جاء السلطان جلال الدين فغلب عليه كما قلناه. وصول جلال الدين من الهند إلى كرمان وأخباره بفارس والعراق مع أخيه غياث الدين ولما فارق جلال الدين الهند كما قلناه سنة إحدى وعشرين وسار إلى المفازة وخلص منها إلى كرمان بعد أن لقي بها من المتاعب والمشاق ما لا يعبر عنه وخرج معه أربعة آلاف راكب على الحمير والبقر ووجد بكرمان براق الحاجب نائب أخيه غياث الدين.وكان من خبر براق هذا أنه كان حاجبا لكوخان ملك الخطا وسفر عنه إلى خوارزم شاه فأقام عنده.ثم ظفر خوارزم شاه بالخطا وولاه حجابته.ثم صار إلى خدمة ابنه غياث الدين ترشه بمكران فأكرمه.ولما سار جلال الدين إلى القند ورجع عنه التتر سار غياث الدين لطلب العراق فاستناب براق في كرمان فلما جاء جلال الدين من الهند اتهمه وهم بالقبض عليه فنهاه عن ذلك وزيره شرف الملك فخر الدين علي بن أبي القاسم الجندي خواجها جهان أن يستوحش الناس لذلك.ثم سار جلال الدين إلى شيراز وأطاعه صاحبها برد الأتابك وأهدى له وكان أتابك فارس سعد بن زنكي قد استوحش من غياث الدين فاصطلحه جلال الدين وأصهر إليه في ابنته.ثم سار إلى أصفهان فأطاعه القاضي ركن الدين مسعود بن صاعد وبلغ خبره إلى أخيه غياث الدين وهو بالري فجمع لحربه وبعث جلال الدين يستعطفه.وأهدى له سلب طولي خان بن جنكزخان الذي قتل في حرب بزوان كما مر وفرسه وسيفه ودس إلى الأمراء الذين معه بالاستمالة فمالوا إليه ووعدوه بالمظاهرة ونمي الخبر إلى غياث الدين فقبض على بعضهم ولحق الآخرون بجلال الدين فجاءوا به إلى المخيم فمال إليه أصحاب غياث الدين وعساكره واستولى على مخيمه وذخائره وأمه.ولحق غياث الدين بقلعة سلوقان وعاتب جلال الدين أمه في فراره فاستدعته وأصلحت بينهما ووقف غياث الدين موقف الخدمة لأخيه السلطان جلال الدين وجاء المتغلبون بخراسان والعراق وأذعنوا إلى الطاعة وكانوا من قبل مستبدين على غياث الدين فاختبر السلطان طاعتهم وعمل فيها على شاكلتها والله أعلم. |
استيلاء ابن آبنايخ على نسا
كان نصرة الدين بن محمد قد استولى على نسا بعد ابن عمه اختيار الدين كما مر واستناب في أموره محمد بن أحمد النسائي المنشئ صاحب التاريخ المعتمد عليه في نقل أخبار خوارزم شاه وبنيه فأقام فيها تسع عشرة سنة مستبداً على غياث الدين ثم انتقض عليه وقطع الخطبة له فسرح إليه غياث الدين العساكر مع طوطي بن آبنايخ وأنجده بأرسلان وكاتب المتغلبين بمساعدته فراجع نصرة الدين محمد ين حمزة نفسه وبعث نائبه محمد بن أحمد المنشئ إلى غياث الدين بمال صالحه عليه فبلغه الخبر في طريقه بوصول جلال الدين واستيلائه على غياث الدين فأقام بأصفهان ينتظر صلاح السابلة وزوال الثلج.ثم سار إلى همذان فوجد السلطان غائباً في غزو الأتابك بقطابستي.وكان من خبره أنه صهر إلى غياث الدين على أخته كما قدمنا فهرب بعد خلعه إلى أذربيجان واتفق هو والأتابك سعد وسار إليهما جلال الدين فخالفه الأمير أيغان طائسي إلى همذان وسار إلى جلال الدين وكبسه هنالك فأخذه ثم أمنه وعاد إلى مخيمه ولقيه وافد نصرة الدين على بلاد نسا وما يتاخمها وبعث إلى ابن آبنايخ بالإفراج عن نسا.ثم بلغ الخبر مسير السلطان جلال الدين إلى خوزستان ونواحي بغداد ولما استولى السلطان جلال الدين على أخيه غياث الدين واستقامت أموره سار إلى خوزستان شاتياً وحاصر قاعدتها وبها مظفر الدين وجه السبع مولى الخليفة الناصر.وانتهت سراياه في الجهات إلى بادرايا وإلى البصرة فأوقع بهم تلكين نائب البصرة وجاءت عساكر الناصر مع مولاه جلال الدين قشتمر وخاموا عن اللقاء وأوفد ضياء الملك علاء الدين محمد بن مودود السوي العارض على الخليفة ببغداد عاتباً وكان في مقدمته جهان بهلوان فلقي في طريقه جمعاً من العرب وعساكر الخليفة فرجع وأوقع بهم ورجعوا إلى بغداد.وجيء بأسرى منهم إلى السلطان فأطلقهم واستعد أهل بغداد للحصار وسار السلطان إلى بعقوبا على سبع فراسخ من بغداد.ثم إلى دقوقا فملكها عنوة وخربها وقاتلت بعوثه عسكر تكريت وترددت الرسل بينه وبين مظفر الدين صاحب إربل حتى اصطلحوا واضطربت البلد بسبب ذلك وأفسد العرب السابلة.وأقام ضياء الملك ببغداد إلى أن ملك السلطان مراغة والله تعالى أعلم.أولية الوزير شرف الدين هذا الوزير هو فخر الدين علي بن القاسم خواجة جهان ويلقب شرف الملك أصله من أصفهان وكان أول أمره ينوب عن صاحب الديوان بها وكان نجيب الدين الشهرستاني وزير السلطان وابنه بهاء الملك وزير الجند وفخر الدين هذا يخدمه بها.ثم تمكن من منصب الإفتاء وطمح إلي مغالبة نجيب الدين على الوزارة وسعى عند السلطان بأنه تناول من جبايتها مائتي ألف دينار فسامحه بها السلطان ولم يعرض له.ثم سعى بفخر الدين ثانية فولي وزارة الجند وأقام نجها أربع سنين حتى عبر السلطان إلى بخارى فكثرت به الشكايات فأمر بالقبض عليه فاختفى ولحق بالطالقان إلى أن اتصل بجلال الدين حين كان بغزنة بعد مهلك ابنه فرتبه في الحجابة إلى أن أجاز بحر السند وكان وزيره شهاب الدين الهروي فقتله قباجة ملك الهند كما مر واستوزر جلال الدين مكانه فخر الدين هذا ولقبه شرف الملك ورفع رتبته على الوزراء وموقفه وسائر آدابه وأحواله. عودة التتر إلي الري وهمذان وبلاد الجبل وبعد رجوع التتر المغربة من أذربيجان وبلاد قفجاق وسروان كما قدمناه وخراسان يومئذ فوضى ليس بها ولاة إلا متغلبون من بعض أهلها بعد الخراب الأول والنهب فعمروها فبعث جنكز خان عسكراً آخراً من التتر إليها فنهبوها ثانياً وخربوها وفعلوا في ساوة وقاشان وقم مثل ذلك ولم يكن التتر أولاً أصابوا منها.ثم ساروا إلى همذان فأجفل أهلها وأوسعوها نهباً وتخريباً وساروا في اتباع أهلها إلى أذربيجان وكبسوهم في حدودها فأجفلوا وبعضهم قصد تبريز فسار التتر في اتباعهم وراسلوا صاحبها أزبك ابن البهلوان في إسلام من عنده فبعث بهم بعد أن قتل جماعة منهم وبعث برؤوسهم وصانعهم بما أرضاهم فرجعوا عن بلاده والله تعالى أعلم. وقائع أذربيجان قبل مسير جلال الدين إليها لما رجع التتر من بلاد قفجاق والروس وكانت طائفة من قفجاق لما افترقوا وفروا أمام التتر ساروا إلى دربند شروان واسم ملكه يومئذ رشيد وسألوه المقام في بلاده وأعطوه الرهن على الطاعه فلم يجبهم ريبة بهم فسألوه الميرة فأذن لهم فيها فكانوا يأتون إليها زرافات وتنصح له بعضهم بأنهم يرومون الغدر به وطلب منه الإنجاد بعسكره وسار في أثرهم فأوقع بهم وهم باخلون بالطاعة فرجع ذلك القفجاقي بالعسكر.ثم بلغة أنهم رحلوا من مواضعهم فاتبعهم ثانياً بالعساكر حتى أوقع بهم ورجع إلى رشيد ومعه جماعة منهم مستأمنين وقد اختفى فيهم كبير من مقدميهم وتلاحق به جماعة منهم فاعتزموا على الوثوب فهرب خائفاً ولحق ببلاد شروان واستولت طائفة القفجاق على القلعة وعلى مخلف رشيد فيها من المال والسلاح واستدعوا أصحابهم فلحقوا بهم واعتزموا وقصدوا قلعة الكرج فحاصروها.وخالفهم رشيد إلى القلعة فملكها وقتل من وجد بها منهم فعادوا من حصار تلك المدينة إلى دربند وامتنعت عليهم القلعة فرجعوا إلى تلك المدينة فاكتسحوا نواحيها وساروا إلى كنجة من بلاد أران وفيها مولى لأزبك صاحب أذربيان فراسلوه بطاعة أزبك فلم يجبهم إليها وعلا عليهم ما بدر منهم في الغدر ونهب البلاد واعتذروا بأنهم إنما غدروا شروان لأنه منعهم الجواز إلى صاحب أذربيجان.وعرضوا عليه الرهن فجاءهم بنفسه ولقوه في عمد قليل فعدا عن محال التهمة فبعث بطاعتهم إلى سلطانه وبعث بذلك إلى أزبك وجاء بهم إلى كنجة فأفاض فيهم الخلع والأموال وأصهر إليهم وأنزلهم بجبل كيكلون.وجمع لهم الكرج فآواهم إلى كنجة.ثم سار إليهم أمير من أمراء قفجاق ونال منهم فرجعوا إلى جبل كيكون.وسار القفجاق الذين كبسوهم إلى بلاد الكرج فاكتسحوها وعادوا فاتبعهم الكرج واستنقذوا الغنائم منهم وقتلوا ونهبوا فرحل القفجاق إلى بردعة وبعثوا إلى أمير كنجة في المدد على الكرج فلم يجبهم فطلبوا رهنهم فلم يعطهم فمدوا أيديهم في المسلمين واسترهنوا أضعاف رهنهم.وثار بهم المسلمون من كل جانب فلحقوا بشروان وتحفظهم المسلمون والكرج وغيرهم فأفنوهم وبيع سبيهم وأسراهم بأبخس ثمن وذلك كله سنة تسع عشرة وكانت مدينة بيلقان من بلاد أران فأخربها التتر كما قدمناه وساروا عنها إلى بلاد قفجاق فعاد إليها أهلها وعمروها وسار الكرج في رمضان من هذه السنة إليها فملكوها وقتلوا أهلها وخربوها واستفحل الكرج.ثم كانت بينهم وبين صاحب خلاط غازي بن العادل بن أيوب واقعة هزمهم فيها وأثخن فيهم كما يأتي في دولة بني أيوب.ثم انتقض على شروان شاه ابنه وملك البلاد من يده فسار إلى الكرج واستصرخ بهم وساروا معه فبرز ابنه إليهم فهزمهم وأثخن فيهم فتشاءم الكرج بشروان شاه فطردوه عن بلادهم.واستقر ابنه في الملك واغتبط الناس بولايته وذلك سنة اثنتين وعشرين.ثم سار الكرج من تفليس إلى أذربيجان وأتوها من الأوعار والمضائق يظنون صعوبتها على المسلمين فسار المسلمون وولجوا المضائق إليهم فركب بعضهم بعضاً منهزمين ونال المسلمون منهم أعظم النيل.وبينما هم يتجهزون لأخذهم الثأر من المسلمين وصلهم الخبر بوصول جلال الدين إلى مراغة فرجعوا إلى مراسلة أزبك صاحب أذربيجان في الاتفاق على مدافعته وعاجلهم جلال الدين عن ذلك كما نذكره إن شاء الله تعالى. |
استيلاء جلال الدين على أذربيجان وغزو الكرج
قد تقدم لنا مسير جلال الدين في نواحي بغداد وما ملك منها وما وقع بينه وبين صاحب إربل من الموافقة والصلح.ولما فرغ من ذلك سار إلى أذربيجان سنة اثنتين وعشرين وقصد مراغة أولاً فملكها وأقام بها وأخذ في عمارتها.وكان بغان طابش خال أخيه غياث الدين مقيماً بأذربيجان كما مر فجمع عساكره ونهب البلد وسار إلى ساحل أران فشتى هنالك.ولما عاث جلال الدين في نواحي بغداد كما قدمناه بعث الخليفة الناصر إلى بغان طابس وأغراه بجلال الدين وأمره بقصد همذان وأقطعه إياها وما يفتحه من البلاد فعاجله جلال الدين وصبحه بنواحي همذان على غرة وعاين الجند فسقط في يده وأرسل زوجته أخت السلطان جلال الدين فاستأمنت له فآمنه وجرد العساكر عنه.وعاد إلى مراغة.وكان أزبك بن البهلوان قد فارق تبريز كرسي ملكه إلى كنجة فأرسل جلال الدين إلى أهل تبريز يأمرهم بميرة عسكره فأجابوا إلى ذلك وترددت عساكره إليها فتجمع الناس وشكا أهل تبريز إلى جلال الدين ذلك فأرسل إليهم شحنة يقيم عندهم للنصفة بين الناس.وكانت زوجة أزبك بنت السلطان طغرلبك بن أرسلان وقد تقدم ذكرها في أخبار سلفها مقيمة بتبريز حاكمة في دولة زوجها أزبك.ثم ضجر أهل تبريز من الشحنة فسار جلال الدين إليها وحاصرها خمساً واشتد القتال وعابهم بما كان من إسلام أصحابه إلى التتر فاعتذروا بأن الأمر في ذلك لغيرهم والذنب لهم.ثم استأمنوا فأمنهم وأمر ببنت السلطان طغرل وأبقى لها مدينة طغرل إلى خوي كما كانت وجمع ما كان لها من المال والإقطاع وملك تبريز منتصف رجب سنة اثنتين وعشرين وبعث بنت السلطان طغرل إلى خوي مع خادميه فليح وهلال.وولى على تبريز ربيبها نظام الدين ابن أخي شمس الدين الطغرائي وكان هو الذي داخله في فتحها وأفاض العدل في أهلها وأوصلهم إليها وبالغ في الإحسان إليهم.ثم بلغه آثار الكرج في أذربيجان وأران وأرمينية ودربنذ شروان وما فعلوه بالمسلمين فاعتزم على غزوهم.وبلغه اجتماعهم برون فسار إليهم وعلى مقدمته جهان بهلوان الكنجي فلما تراءى الجمعان وكان الكرج على جبل لم يستهلوه فتسمنت إليهم العساكر الأوعار فانهزموا وقتل منهم أربعة آلاف ويزيدون وأسر بعض ملوكهم واعتصم ملك آخر منهم ببعض قلاعهم فجهز جلال الدين عليها عسكراً لحصارها وبعث عساكره في البلاد فعاثوا فيها واستباحوها. فتح السلطان مدينة كنجة ونكاحه زوجة أزبك لما فرغ السلطان من أمر الكرج واستولى على بلادهم وكان قد ترك وزيره شرف الدين بتبريز للنظر في المصالح وولى عليها نظام الملك الطغرائي فقصد الوزير الوشاية به وكتب إلى السلطان بأنه وعمه شمس الدين داخلوا أهل البلد في الانتقاض وإعادة أزبك لشغل السلطان بالكرج فلما بلغ ذلك إلى السلطان أسره حتى فرغ من أمر الكرج.وترك أخاه غياث الدين نائباً على ما ملك منها وأمره بتدويخ بلادهم وتخريبها وعاد إلى تبرير فقبض على نظام الملك الطغرائي وأصحابه فقتلهم وصادر شمس الدين على مائة ألف وحبسه بمراغة ففر منها إلى أزبك.ثم لحق ببغداد وحج سنة خمس وعشرين.وبلغ السلطان تنصله في المطاف ودعاؤه على نفسه إن كان فعل شيئاً من ذلك فأعاده إلى تبريز ورد عليه أملاكه.ثم بعثت إليه زوجة أزبك في الخطبة وأن أزبك حنث فيها بالطلاق فحكم قاضي تبريز عز الدين القزويني بحلها للنكاح فتزوجها السلطان جلال الدين وسار إليها فدخل في خوي ومات أزبك لما لحقه من الغم بذلك.ثم عاد السلطان إلى تبريز فأقام بها مدة ثم بعث العساكر مع أرخان إلى كنجة من أعمال نقجوان وكان بها أزبك ففارقها وترك بها جلال الدين القمي نائباً فملكها عليه أرخان واستولى على أعمالها مثل وشمكور وبردعة وشنة وانطلقت أيدي عساكره في النهب فشكا أزبك إلى جلال الدين فكتب إلى أرخان بالمنع من ذلك وكان مع أرخان نائب الوزير إلى السلطان فعزل أرخان وذهب مغاضباً إلى أن قتلته الإسماعيلية.وفي أخر رمضان من سنة اثنتين وعشرين توفي الخليفة الناصر لسبع وأربعين سنة من خلافته واستخلف بعده ابنه الظاهر أبو نصر محمد بعهده إليه بذلك كما مر في أخبار الخلفاء. استيلاء جلال الدين على تفليس من الكرج بعد هزيمته إياهم كان هؤلاء الكرج اخوة الأرمن وقد تقدم نسبة الأرمن إلى إبراهيم عليه السلام وكان لهم استطالة بعد الدولة السلجوقية وكانوا من أهل دين النصرانية فكان صاحب أرمن الروم يخشاهم ويدين لهم بعض الشيء حتى إن ملك الكرج كان يخلع عليه فيلبس خلعته.وكان شروان صاحب الدربند يخشاهم وكذلك ملكوا مدينة أرجيش بلاد أرمينية ومدينة فارس وغيرها وحاصروا مدينة خلاط قاعدتها فأسر بها مقدمهم أيواي وفادوه بالرحيل عنهم بعد أن اشترطوا عليه متابعته لهم في قلعة خلاط فبنوها وكذلك هزموا ركن الدولة فليحا أرسلان صاحب بلاد الروم لما زحف لأخيه طغرل شاه بارزن الروم استنجدهم طغرل فأنجدوه وهزموا ركن الدين أعظم ما كان ملكاً واستفحالاً.وكانوا يجوسون خلال أذربيجان ويعيشون في نواحيها.وكان ثغر تفليس من أعظم الثغور طرزاً على من يجاور منذ عهد الفرس وملكه الكرج سنة خمسة عشرة وخمسمائة أيام محمود بن محمود بن ملك شاه ودولة السلجوقية يومئذ أفحل ما كانت وأوسع إيالة وأعمالا فلم يطق ارتجاعه من أيديهم واستولى ايلدكز بعد ذلك وابنه البهلوان على بلاد الجبل والري وأذربيجان وأران وأرمينية وخلاط وجاورهم بكرسيه.ومع ذلك لم يطق ارتجاعه منهم.فلما جاء السلطان جلال الدين إلى أذربيجان وملكها زحف إلى الكرج وهزمهم سنة اثنتين وعشرين.وعاد إلى تبريز في مهمة كما قدمناه.فلما فرغ من مهمة ذلك وكان قد ترك العساكر ببلاد الكرج مع أخيه غياث الدين ووزيره شرف الدين فأغذ السير إليه غازياً من تبريز.وقد جمع الكرج واحتشدوا وأمدهم القفجاق وللكز وساروا للقاء.فلما التقى الفريقان انهزم الكرج وأخذتهم سيوف المسلمين من كل جانب ولم يبقوا على أحد حتى استلحموهم وأفنوهم.ثم قصد جلال الدين تفليس في ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين ونزل قريباً منها وركب يوماً لاستكشاف أحوالها وترتيب مقاعد القتال عليها وأكمن الكمائن حولها.واطلع عليهم في خف من العسكر فطمعوا فيه وخرجوا فاستطرد لهم حتى تورطوا.والتفت عليهم الكمائن فهربوا إلى البلد والقوم في اتباعهم.ونادى المسلمون من داخلها بشعار الإسلام وهتفوا باسم جلال الدين فألقى الكرج بأيديهم وملك المسلمون البلد وقتلوا كل من فيها إلا من اعتصم بالإسلام واستباحوا البلد وامتلأت أيديهم بالغنائم والأسرى والسبايا.وكان ذلك من أعظم الفتوحات.هذه سياقة ابن الأثير في فتح تفليس.وقال النسائي الكاتب إن السلطان جلال الدين سار نحو الكرج فلما وصل نهر أرس مرض واشتد الثلج ومر بتفليس فبرز أهلها للقتال فهزمهم العساكر وأعجلوهم عن دخولها فملكوها واستباحوها وقتلوا من كان فيها من الكرج والأرمن واعتصم أهلها بالقلعة حتى صالحوا على أموال عظيمة فحملوها وتركوهم.انتقض صاحب كرمان ومسير السلطان إليه ولما اشتغل السلطان جلال الدين بشأن الكرج وتفليس طمع براق الحاجب في الانتقاض بكرمان والاستيلاء على البلاد وقد كنا قدمنا خبره وأن غياث الدين استخلف على كرمان عند مسيره إلى العراق وأن جلال الدين لما رجع من الهند ارتاب به وهم بالقبض عليه ثم تركه وأقره على كرمان.فلما انتقض الآن وبلغ خبره إلى السلطان وهو معتزم على قصد خلاط فتركها وأغذ السير إليه واستصحب أخاه غياث الدين ووعد بكرمان وترك مخلفة بكيكلون وترك وزيره شرف الدين بتفليس وأمره باكتساح بلاد الكرج.وقدم إلى صاحب كرمان بالخلع والمقاربة والوعد فارتاب بذلك ولم يطمئن.قصد بعض قلاعه فاعتصم بها ورجع الرسول إلى جلال الدين فلما علم أن المكيدة لم تتم عليه أقام بأصفهان وبعث إليه وأقره على ولايته وعاد.وكان الوزير شرف الدين بتفليس كما قلناه وضاف الحال به من الكرج وأرجف عند الأمراء بكيكلون أن الكرج ناصروه بتفليس فسار أرخان منهم في العساكر إلى تفليس.ثم وصل البشير من نفجوان برجوع السلطان من العراق فأعطاه الوزير أربعة آلاف دينار.ثم افترقت العساكر في بلاد كرج وبها ايواني مقدمهم مع بعض أعيانهم وبعث عسكراً آخر إلى مدينة فرس اشتد عليها الحصار.ثم جر العساكر عليها وعاد إلى تفليس. |
مسير جلال الدين إلى حصار خلاط
كانت خلاط في ولاية الأشر بن العادل بن أيوب وكان نائبه بها حسام الدين علي الموصلي وكان الوزير شرف الدين حين أقام بتفليس عند مسير جلال الدين إلى كرمان ضاقت على عساكره الميرة فبعث عسكراً منهم إلى أعمال أرزن الروم فاكتسحوا نواحيها ورجعوا فمروا بخلاط فخرج نائبها حسام الدين واعترضهم واستنقذ ما معهم من الغنائم.وكتب الوزير شرف الدين بذلك إلى جلال الدين وهو بكرمان فلما عاد جلال الدين من كرمان وحاصر مدينة أنى استقر حسام الدين نائب خلاط للامتناع منه فارتحل وإلى بلاد أنحاز ليأتيه على غرة.ورحل جلال الدين من أنحاز فسار إلى خلاط وحاصر مدينة ملاذ كرد في ذي القعدة من السنة وانتقل منها إلى مدينة خلاط وحاصرها وضيق مخنقها وقاتلها مراراً.واشتد أهل البلد في مدافعته لما يعلمون من سيرة الخوارزمية الألوائية وكانوا متغلبين على الكثير من بسائط أرمينية وأذربيجان فبلغه أنهم أفسدوا البلاد وقطعوا السابلة وأخذوا الضريبة من أهل خوي وخربوا سائر النواحي وكتب إليه بذلك نوابه وبنت السلطان طغرل زوجته فلما رحل عن خلاط قصدهم على غرة قبل أن يصعدوا إلى حصونهم بجبالهم الشاهقة فأحاطت بهم العساكر واستباحوهم واقسموهم بين القتل والغنيمة وعاد إلى تبريز. دخول الكرج مدينة تفليس وإحراقها ولما عاد السلطان من خلاط وغزو التركمان فرق عساكر للمشتى وكان الأمراء أساؤوا السيرة في تفليس وهرب العسكر الذين بها واستلحموا بقيتهم وخربوا البلاد وحرقوها لعجزهم عن حمايتها من جلال الدين وذلك في ربيع سنة أربع وعشرين وستمائة.وعند النسائي الكاتب أن استيلاء الفرنج على تفليس وإحراقهم إياها كان والسلطان جلال الدين على خلاط وأنه لما بلغه ذلك رجع وأغار على التركمان في طريقه لما بلغه من إفسادهم فنهب أموالهم وساق مواشيهم إلى موقان وكان خمسها ثلاثين ألفاً.ثم سار إلى خوي لملاقاة بنت طغرل.ثم سار إلى كنجة فبلغه الخبر بانصراف الكرج عن تفليس بعد إحراقها.قال ولما وصل كنجة قدم عليه هنالك خاموش بن الأتابك أزبك بن البهلوان مؤذياً منطقة بلخش قدر الكف مصنوعاً عليه منقوشاً اسم كيكاوس وجماعة من ملوك الفرس فغير السلطان صناعتها ونقشها على اسمه وكان يلبس تلك المنطقة في الأعياد وأخذها التتر يوم كبسوه وحملت إلى الخان الأعظم ابن جنكزخان بقراقدوم.وأقام خاموش في خدمة السلطان إلى أن صرعه الفقر ولحق بعلاء الملك ملك الإسماعيلية فتوفي عنده.انتهى كلام النسائي. أخبار السلطان جلال الدين مع الإسماعيلية كان السلطان جلال الدين بعد وصوله من الهند ولى أرخان على نيسابور وأعمالها وكان وعده بذلك بالهند فاستخلف عليها وأقام مع السلطان.وكان نائبه بها يتعرض لبلاد الإسماعيلية المتاخمة له بهستان وغيرها بالنهب والقتل فأوفدوا على السلطان وهو بخوي - وقد أمنهم - يشكون من نائب أرخان وأساء عليهم أرخان في المجاورة.ولما عاد السلطان إلى كاسنجة وكان قد أقطعها وأعمالها لأرخان.فلما خيم بظاهرها وثب ثلاثة من الباطنية ويسمون الفداوية لأنهم يقتلون من أمرهم أميرهم بقتله ويأخذون ديتهم منه وقد فرغوا عن أنفسهما فوثبوا به فقتلوه وقتلتهم العامة.وكانت الإسماعيلية قد استولوا على الدامغان أيام الفتنة ووصل رسولهم بعد هذه الواقعة إلى السلطان وهو ببيلقان فطالبهم بالنزول على الدامغان فطلبوا ضمانها بثلاثين ألف دينار وقررت عليهم.وكان الرسول الوافد في خدمة الوزير وهم راجعون إلى أذربيجان فاستخفه الطرب ليلة وأحضر له خمسة من الفداوية معه بالعسكر وبلغ خبرهم السلطان فأمره بإحراقهم.انتهى كلام النسائي.وقال ابن الأثير إن السلطان بعد مقتل أرخان سار في العساكر إلى بلاد الإسماعيلية من الموت إلى كردكوه فاكتسحها وخربها وانتقم منهم وكانوا بعد واقعته قد طمعوا في بلاد الإسلام فكف عاديتهم وقطع أطماعهم وعاد فبلغه أن طائفة من التتر بلغوا الدامغان قريباً من الري فسار إليهم وهزمهم وأثخن فيهم.ثم جاء الخبر بأن التتر متلاحقة لحربه فأقام في انتظارهم في الري انتهى ، ^? قد تقدم لنا أن بنت السلطان طغرل زوجة أزبك بن البهلوان لما ملك السلطان جلال الدين تبريز من يدها أقطعها مدينة خوي ثم تزوجها بعد ذلك كما قدمناه وتركها لما هو فيه من أشغال ملكه فوجدت لذلك ما فقدته من العز والتحكم.قال النسائي الكاتب وأضاف لها السلطان مدينتي سلماس وأرمينية وعين رجلاً لقبض إقطاعها فتنكر لها وأغرى بها الوزير فكاتب السلطان بأنها تداخل الأتابك أزبك وتكاتبه.ثم وصل الوزير إلى خوي فنزل بدارها واستصفى وكانت مقيمة بقلعة طلج فحاصرها وسئلت المضي إلى السلطان فأبى إلا نزولها على حكمه انتهى.وكان أهل خوي مع ذلك قد ضجروا من ملكة جلال الدين وجوره وتسلط عساكره فاتفقت الملكة معهم وكاتبوا حسام الدين الحاجب النائب عن الأشراف بخلاط فسار إليهم في مغيب السلطان جلال الدين بالعراق واستولى على مدينة خوي وأعمالها وما يجاورها من الحصون وكاتبه أهل نقجوان وسلموها له وعاد إلى خلاط واحتمل الملكة بنت طغرل زوجة جلال الدين إلى خلاط إلى أن كان ما نذكره. |
واقعة السلطان مع التتر على أصفهان
ثم بلغ الخبر إلى السلطان بأن التتر زحفوا من بلادهم فيما وراء النهر إلى العراق فسار من تبريز للقائهم وجرد أربعة آلاف فارس إلى الري والدامغان طليعة فرجعوا وأخبروه بوصولهم إلى أصفهان فنهض للقائم واستخلف العساكر على الاستماتة.وأمر القاضي بأصفهان باستنفار العامة وبعث التتر عسكراً إلى الري فبعث السلطان عسكراً لاعتراضهم فأوقعوا بالتتر فنالوا منهم.ثم التقى الفريقان في رمضان سنة خمس وعشرين لرابعة وصولهم إلى أصفهان وانتقض عنه أخوه غياث الدين وجهان بهلوان الكجي في طائفة من العسكر.وانهزمت ميسرة التتر والسلطان في اتباعهم وكانوا قد أكمنوا له فخرجوا من ورائه وثبت واستشهد جماعة من الأمراء وأسر آخرون وفيهم علاء الدولة صاحب يزد.ثم صدق السلطان عليهم الحملة فأفرجوا له وسار على وجهه وانهزمت العساكر فبلغوا فارس وكرمان.ورجعت ميمنة السلطان من قاشان فوجدوه قد انهزم فتفرقوا أشتاتاً وفقد السلطان ثمانية من فرقه.وكان بقاطي بستي مقيماً بأصفهان فاعتزم أهل أصفهان على بيعته.ثم وشل السلطان فاقصروا عن ذلك وتراجع بعض العسكر وسار السلطان فيهم إلى الري.وكان التتر قد حاصروا أصفهان بعد الهزيمة فلما وصل السلطان خرج معه أهل أصفهان فقاتلوا التتر وهزموهم وسار السلطان في اتباعهم إلى الري وبعث العساكر وراءهم إلى خراسان.وعند ابن الأثير أن صاحب بلاد فارس وهو ابن الأتابك سعد الذي ملك بعد أبيه حضر مع السلطان في هذه الواقعة وأن التتر انهزموا أولاً فاتبعهم صاحب فارس حتى إذا أبعدوا انفرد عن العسكر.ورجع عنهم فوجد جلال الدين قد انهزم لانحراف أخيه غياث الدين وأمرائه عنه ومضى إلى شهرم تلك الأيام ثم عاد إلى أصفهان كما ذكرناه.الوحشة بين السلطان جلال الدين وأخيه غياث الدين كان ابتداؤها أن الحسن بن حرميل نائب الغورية بهراة لما قتلته عساكر خوارزم شاه محمد بن تتش وحاصروا وزيره الممتنع بها حتى اقتحموها عليه عنوة وقتلوه هرب محمد بن الحسن بن حرميل إلى بلاد الهند.فلما ملك السلطان جلال الدين وحظي لديه أقامه شحنة بأصفهان.فلما سار السلطان إلى أصفهان للقاء التتر انحرف جماعة من غلمان غياث الدين عنه فصاروا إلى نصرة الدين بن حرميل واسترجعهم منه غياث الدين في بيته وطعنه فأشواه ومات لليال.وأحفظ ذلك السلطان وأقام غياث الدين مستوحشاً فلما كان يوم اللقاء انحرف عن أخيه ولحق بخوزستان وخاطب الخليفة فبعث إليه بثلاثين ألف دينار.وسار من هنالك إلى قلعة الموت عند صلاح الدين شيخ الإسماعيلية.فلما رجع السلطان من وقعة التتر إلى الري سار إلى قلعة الموت وحاصرها فاستأمن علاء الدين إلى السلطان غياث الدين فأمنه وبعث من يأتيه به فامتنع غياث الدين وفارق القلعة واعترضه عساكر السلطان بنواحي همذان وأوقعوا به وأسروا جماعة من أصحابه ونجا إلى براق الحاجب بكرمان فتزوج بأمه كرهاً ونمي إليه أنها تحاول سمه فقتلها وقتل معها جهان بهلوان الكجي وحبس غياث الدين ببعض القلاع.ثم قتله بمحبسه ويقال بل هرب من محبسه ولحق بأصفهان وقتل بأمر السلطان.قال النسائي وقفت على كتاب براق الحاجب إلى الوزير شرف الملك والسلطان بتبريز وهو يعدد سوابقه فعد منها قتله أعدى عدو السلطان والله تعالى ولي التوفيق. انتقاض البهلوانية لما ارتحل السلطان والوزير شرف الملك معه وانتهى إلى همذان بلغه أن الأمراء البهلوانية إجتمعوا بظاهر تبريز يرومون الانتقاض واتبعه خاموش بن الأتابك أزبك من قلعة قوطور وكان مقيماً بها فرجع السلطان إليهم وقدم بين يديه الوزير شرف الملك قريباً من تبريز وهزمهم وقبض على الذين تولوا كبر الفتنة منهم ودخل تبريز قصبتهم وقبض على القاضي المعزول فصادمه قوام الدين الحرادي ابن أخت الطغرائي وصادره وسار السلطان للقاء التتر وأقام الوزير نائباً للبلاد. إيقاع نائب خلاط بالوزير ولما كان ما ذكرناه من مسير حسام الدين نائب خلاط إلى أذربيجان واحتماله زوجة السلطان جلال الدين إلى خلاط امتعض الوزير لذلك فسار إلى موقان من بلاد أران وجمع التركمان وفرق العمال للجباية وطلب الحمل من شروان شاه وهو خمسون ألف دينار فتوقف.وأغار على بلاط فلم يظفر بشيء ورجع إلى أذربيجان.وكانت بنت الأتابك بهلوان في بقجان فارقها مولاها أيدغمش وجاء إلى الوزير فأطمعه فيها وصار الوزير مضمراً الغدر بها وامتنعت عليه.ونزل بالمرج فأكرمته وقربته ورحل إلى حورس من أعمالها وكانت للأشرف صاحب خلاط أيام أزبك فانتشرت أيدي العسكر في تلك الضياع وقاتلها الوزير.وجاء الحاجب صاحب خلاط في عساكره فانهزم الوزير وترك أثقاله وذلك سنة أربع وعشرين.وكان مع الحاجب فخر الدين سام صاحب حلب وهشام الدين خضر صاحب تبريز برم.وكان الوزير " " وتكاليفه فظفر الآن بمخلفه وخلص الوزير إلى أران وسار الحاجب علي في اتباعه.ثم عاد إلى تبريز ومر بخوي فنهبها ثم سار إلى بقجان فملكها ثم تدمر كذلك.وأقام الوزير بتبريز وكان بها الأتابك أزبك متنسكاً منعه أهل تبريز من الدخول وحملوا إليه النفقة.ثم جاء الخبر برجوع السلطان إلى أصفهان بعد الهزيمة كما مر فسار الوزير إلى أذربيجان ولقي ثلاثة من الأمراء جاءوا مدداً له من عند السلطان وأمره بحصار خوي فتأخر إليها وبها نائب الحاجب حسام الدين صاحب خلاط وهو بدر الدين بن صرهنك والحاجب حسام الدين علي منوشهر فنهض إليه الوزير من خوي فتأخر إلى تركري.والتقيا هنالك فانهزم الحاجب ودخل تركري فاعتصم بها وحاصره الوزير وطلب الصلح فلم يسعفه.ورجع الذين كانوا معه بعساكرهم إلى أذربيجان.وأفرج الوزير عن حصار تركري ومر بخوي وقد فارقها ابن صرهنك إلى قلعة قوطور.واستأمن للسلطان من بعد ذلك ودخل الوزير مدينة خوي وصادر أهلها وسار إلى ترمذ ونقجوان ففعل فيهما مثل ذلك وانقطعت إيالة الحاجب صاحب خلاط والله أعلم. |
فتوحات الوزير بأذربيجان وأران
ولما تخلف الوزير عن السلطان صرف همته إلى تمهيد البلاد ومدافعة صاحب خلاط وارتجاع البلاد التي ملك من أذربيجان وأران وفتح القلاع العاصية فكان بينه وبين الحاجب حسام الدين صاحب خلاط ما ذكرناه وهو خلال ذلك يستميل أصحاب القلاع ويفيض فيهم الأموال والخلع حتى أجاب أكثرهم.ثم قبض على ناصر الدين محمد من أمراء البهلوانية وكان معتزلا عند نصرة الدين بن سبكتكين فصادره على مال وتسلم من نائبه قلعة كانت بيده.ثم مات نائب السلطان بكنجة أقسنقر الأتابكي فنهض إليها وقبض على نائبه شمس الدين كرشاسف وصادره وتسلم منه قلعة هردوجار برد من أعمال أران.ثم جهز العساكر لحصار قلعة زونين وبها زوجة السلطان خاموش فأطال حصارها وعرضت عليه نكاحها فأبى.ولما رجع السلطان من العراق تزوجها وولى خادمه سعد الدين على القلعة فأساء إليها وانتزع أملاكها فأخرجوه وعادوا إلى الانتقاض.ولما خلص الوزير من واقعته مع الحاجب نائب خلاط قصد أران فجبى الأموال وجمع واحتشد وقصد قلعة مردانقين وكانت لصهر الوزير ركبة الدين فصانعه بأربعة آلاف دينار حملها إليه.ثم سار إلى قلعة حاجين وبها جلال الدولة ابن أخت أبواني أمير الكرج فصالحه على عشرين ألف دينار وسبعمائة أسير من المسلمين.ثم كانت فتنة البهلوانية فسكنها وسرح الجند عنها.وشرح الخبر عنها أن بعض مماليك أتابك أزبك كان قد أفحش في قتل الخوارزمية بأذربيجان عند زحفهم إلها أيام ذرارهم من التتر فلما ملك السلطان جلال الدين أذربيجان ومحا ملك البهلوانية منها لحق الأمير مقدي هذا بالأشرف بن العادل بن أيوب صاحب الشام وأقام عنده فلما بلغه انهزام الوزير شرف الملك أمام الحاجب حسام الدين نائب الأشرف بخلاط فر من الشام إلى أذربيجان ليقيم مع الأتابكية ومر بالحاجب في خوي فاتبعه وعبر النهر وخاطب من عدوته معتذراً فرجع عنه.ودخل مقدي بلاد قبار وفيها قلاع استولى عليها المنتقضون والعصاة فراسلهم في إقامة الدعوة الأتابكية والبيعة لابن خاموش بن أزبك يستدعونه من قلعة قوطور.واتصل ذلك بالوزير فأقلقه.ثم جاء خبر هزيمة السلطان بأصفهان فازداد قلقاً.وسار الأمير مقدي إلى نصرة الدين محمد بن سبكتكين يدعوه لذلك فلاطفه في القول.وكتب للوزير بالخبر فأجابه بأن يضمن لمقدي ما أحب في مراجعة الطاعة ففعل وجاء به إلى الوزير فأكرمه وخلع عليه وعلى من جاء معه وعاهده العفو عن دماء الخوارزمية.وجاء الخبر برجوع السلطان من أصفهان فارتحل الوزير للقائه ومعه الأمير مقدي وابن سبكتكين وأكرمهما السلطان. أخبار الوزير بخراسان كان صفي الدين محمد الطغرائي وزيراً بخراسان.وأصل خبره أنه كان من قرية كلاجرد وأبوه رئيسها وكان هو حسن الخط ورتبة الأطوار.ثم لحق بالسلطان في الهند وخدم الوزير شرف الملك فلما عادوا إلى العراق ولاه الطغراء.ولما ملك السلطان تفليس من يد الكرج ولى عليها أقسنقر مملوك الأتابك أزبك وأقام صفي الدين في وزارتها فلما حاصرها الكرج هرب أقسنقر وأقام صفي الدين فحاصروه أياماً.ثم أفرجوا ووقع ذلك من السلطان أحسن المواقع وولاه وزارة خراسان فأقام بها سنة.وضجر منه أهلها فلما جاء السلطان إلى الري وأقام بها كثرت به الشكايات ونكبه السلطان واستصفى أمواله وقبض على مواليه وحاشيته وقيدت خيله إلى مرابط السلطان وكانت ثلاثمائة.وخلص من مواليه علي الكرماني إلى قلعة كان حصنها فامتنع بها واستوزر السلطان مكانه تاج الدين البلخي المستوفي وسلم إليه الصفي ليستصفيه ويقلع القلعة من مولاه وشدد في امتحانه.وكان عدوه فلم يظفر منه بشيء.وكان لما نكب طالبه خاتون السلطان بإحضار الجواهر وما ساقه لخدمة الوزير وغيره فأحضر أربعة آلاف دينار ثم كاتب الصفي أرباب الدولة ووعدهم بالأموال فشفعوا فيه وخلصوه وكتب السلطان بخطه بسراحه فجاء واستخلص ماله من الخازن إلا الفصوص فإنه تعذر عليه ردها.وولى السلطان على وزارة نسا محمد بن مودود النسوي العارض من بيت رئاسة بها.ورمت به الحادثة إلى غزنة فلما جاء السلطان من الهند ولاه الإنشاء والحبس وعظم أمره وغص به الوزير شرف الملك.فلما ورد أحمد بن محمد المنشئ الكاتب رسولاً عن نصرة الدين محمد بن حمزة صاحب نسا كما مر ولاه السلطان الإنشاء فارتمض لذلك ضياء الدين وطلب وزارة نسا فولاه السلطان إياها.وأقطع له عشرة آلاف دينار في السنة زيادة على أرزاق الوزارة.وذهب إليها لإقامة وظيفته.واستناب في ديوان العرض مجد الملك النيسابوري.ثم قطع الحمل فعزله السلطان وولى مكانه الكاتب أحمد بن محمد المنشئ وتعرض للسعاية فيه فطرده السلطان وهلك في طرده.خبر بلبان صاحب خلخال كان من أتابكية أزبك.ولما كانت فتنة التتر وخلاء خراسان واستيلاء السلطان جلال الدين على أذربيجان لحق بمدينة خلخال فاستولى عليها وعلى قلاعها وشغل عنه السلطان بأمر العراق وصاحب خلاط.فلما انصرف المسلمون من واقعة السر بالعراق حاصروه بقلعة فيروز أباد حتى استأمن وملكها السلطان وولى عليها حسام الدين بكتاش مولى سعد أتابك فارس.ثم خفف السلطان أثقاله بموقان وتجرد لخلاط وعاقه البرد بارجيش فنهب بعض قلاع.وكان عز الدين الخلخالي في كفر طاب قريباً من أرجيش فلحق بخلاط وجهزه الحاجب إلى أذربيجان يشغلهم بإثارة الفتنة فيها فلم يتم قصده من ذلك فلحق بجبال زنجان وأقام يخيف السابلة.وكتب له السلطان بالأمان.ونزل إلى أصفهان فبعث نائبها شرف الدولة برأسه إلى السلطان.ثم رجع السلطان من كفر طاب إلى خرت برت فنهبها وخربها ووصله خلال ذلك الخبر بوفاة الخليفة الظاهر منتصف ثلاث وعشرين وولاية ابنه المنتصر وجاء كتابه بأخذ البيعة وأن يبعث إليه بالخلع والله تعالى ولي التوفيق لا رب غيره. تنكر السلطان للوزير شرف الدين لما رجعت العساكر إلى موقان وأقام السلطان بخوي شكا إليه أهلها بكثرة مصادرة الوزير لهم واطلع على إساءته للملكة بنت طغرل واستصفائه مالها مع براءتها مما نسب إليها.ثم جاء إلى تبريز فبلغه عنه أكثر من ذلك وهو بقرية كورتان من أعمالها فافتقد رئيسها وكان يخدمه فقيل إن الوزير صادره على ألف دينار لمملوكين.فلما وصل إلى تبريز حبس من أخذها حتى ردها على صاحبها وأسقط عن أهل تبريز خراج ثلاث سنين وكتب لهم بذلك.وكثرت الشناعات على الوزير بما فعله في مغيب السلطان هذا مع ما كان منه في محاربة الإسماعيلية بأن السلطان كاتبه من بغداد بأن يفتش فلول الشام من أجل رسول من عند التتر بعثوه إلى الشام.وقصد بذلك معاتبة الخليفة إن عثر على الرسول فمر به فل من الإسماعيلية فقتلهم واستولى على أموالهم.فلما عاد السلطان إلى أذربيجان وصله رسول علاء الدين ملك الإسماعيلية يعاتبه على ذلك ويطلب المال فنكر السلطان على الوزير ما فعله ووكل به أميرين حتى رد ما أخذ من أموالهم وكانت ثلاثين ألف دينار وعشرة أفراس فانطوى السلطان للوزير من ذلك كله على سخط وأعرض عن خطابه.وكان يكاتب فلا يجاب وعجزت تبريز عن علوفة السلطان فأمر بفتح أهراء الوزير والتصرف فيها.ورجع السلطان إلى موقان فلم يغير عليه شيئاً ووقع له بتناول عشر الخاص فكان يأخذ من عشر العراق سبعين ألف دينار في كل سنة والله أعلم.وصول القفجاق لخدمة السلطان كان للقفجاق على قديم العهد هوى مع قوم هذا السلطان وأهل بيته وكانوا يصهرون إليهم غالباً ببناتهم.ومن أجل ذلك استأصلهم جنكزخان واشتد في طلبهم فلما عاد السلطان من واقعة أصفهان وقد هاله أمر التتر رأى أن يستظهر عليهم بقبائل قفجاق وكان في جملته سبير جنكش منهم فبعثه إليهم يدعوهم لذلك ويرغبهم فيه فأجابوا وجاءت قبائلهم أرسالا.وركب البحر كوركان من ملوكهم في ثلاثمائة من قرابته ووصل إلى الوزير بموقان فشتى بها.ثم جاء السلطان فخلع عليه ورده بوعد جميل في فتح دربند وهو باب الأبواب.ثم أرسل السلطان لصاحب دربند وكان طفلاً وأتابكه يلقب بالأسد يدبر أمره فقدم على السلطان فخلع عليه وأقطع له وملكه العمل على أن يفتح له الدربند.وجهز عساكر وأمراء فلما فصلوا من عنده قبضوا على الأسد وشنوا الغارة على نواحي الباب وأعمل الأسد الحيلة وتخفف من أيديهم وتعذر عليهم ما أرادوه. |
استيلاء السلطان على أعمال كستاسفي
كان علم الوزير يشكر أن السلطان أراد أن ينتصح له ببعض مذاهب الخدمة فسار في العساكر وعبر نهر أزس فاستولى على أعمال كستاسفي من يد شروان شاه.فلما عاد السلطان إلى موقان أقطعها لجلال الدين سلطان شاه بن شروان شاه وكان أسيراً عند الكرج أسلمه أبوه إليهم على أن يزوجوه بنت الملك رسودان بنت تاماد.فلما فتح السلطان بلاد الكرج استخلصه من الأسر ورباه وبقي عنده وأقطعه الآن كستاسفي.وكان أيضاً عند الكرج ابن صاحب أرزن الروم وكان تنصر فزوجوه رسودان بنت تاماد فأخرجه السلطان لما فتح بلاد قدوم شروان شاه كان السلطان ملك شاه بن ألب أرسلان لما ملك أران أطلق الغارة على بلاد شروان فوفد عليه ملكها افريدون بن فرتبريز وضمن حمل مائة ألف دينار في السنة.فلما ملك السلطان جلال الدين أران سنة اثنتين وعشرين وستمائة طلب شروان شاه افريدون بالحمل فاعتل بتغلب الكرج وضعف البلاد فأسقط عنه نصف الحمل.فلما عاد الآن قدم عليه شروان شاه وأهدى له خمسمائة فرس وللوزير خمسين فاستقلها.وأشار على السلطان بحبسه فلم يقبل إشارته ورده بالخلع والتشريف وأسقط عنه من الحمل عشرين ألفاً فبقي ثلاثون قال النسائي الكاتب وأعطاني في التوقيع ألف دينار والله تعالى أعلم. مسير السلطان إلى بلاد الكرج وحصاره قلاع بهرام لما كان السلطان مقيماً بموقان منصرفة من أذربيجان بعث عساكره مع ايلك خان فأغار على بلاد الكرج واكتسحها ومر ببحيرة بتاج فكبسه الكرج وأوقعوا به.وفقد اريطاني وامتعض السلطان لما وقع بعسكره وارتحل لوقته وقد جمع له الكرج فهزمت مقدمتهم وجيء بالأسرى منهم فقتلهم وسار في اتباعهم.ونازل كوري وطالبهم بإطلاق أسرى البحيرة فأطلقوهم.وأخبر أن اريطاني خلص تلك الليلة إلى أذربيجان ثم وجده السلطان في نقجوان.ثم سار إلى بهران الكرجي وقد كان أغار على نواحي كنجة فعاث في أعماله وحاصر قلعة سكان ففتحها عنوة وكذلك قلعة كاك.وبعث الوزير لحصار كوزاني فحاصرها ثلاثة أشهر حتى طلبوا الصلح على مال حملوه فرحل عنهم إلى خلاط والله أعلم. مسير السلطان إلى خلاط وحصارها ولما فرغ السلطان من شأن الكرج قم أثقاله إلى خلاط على طريق قاقروان وسار هو إلى نفجوان وصبح الكرج واستاق مواشيهم.ثم أقام أياماً وقضى أشغال أهل خراسان والعراق ليفرغ لحصار خلاط.قال النسائي الكاتب وحصل لي منهم تلك الأيام ألف دينار.ثم ارتحل إلى خلاط ولحق بعساكره ولقيه رسول من عز الدين أيبك نائب الأشرف بخلاط وقد كان الأشرف بعثه وأمره بالقبض على نائبها حسام الدين علي بن حفاد فقبض عليه ثم قتله غيلة.وبعث إلى السلطان يستخدم إليه بذلك وأن سلطانه الأشرف أمره بطاعة السلطان جلال الدين وبالغ في الملاطفة فأبى السلطان إلا إمضاء ما عزم عليه.وقال إن كان هذا حقاً فابعث إلي بالحاجب فلما سمع هذا الجواب قتله وسار السلطان إلى خلاط ونزل عليها بعد عيد الفطر من سنة ست وعشرين.وجاءه ركن جهان بن طغرل صاحب أرزن الروم فكان معه وحاصرها ونصب عليها المجانيق وأخذ بمخنقها حتى فر أهلها عنها من الجوع وتفرقوا في البلاد.ثم داخله بعض أهلها في أن يمكنهم من بقيتها على أن يؤمنوه ويقطعوه في أذربيجان فأقطعه السلطان سلماس وعدة ضياع هنالك.وأصعد الرجال ليلا إلى الأسوار فقاتلوا الجند بالمدينة وهزموهم وملكوها وأسروا من كان بها وأسروا النصارى وأسد بن عبد الله.وتحصن النائب عز الدين ايبك بالقلعة فأمنه وحبسه بقلعة درقان.فلفا وقعت المراسلة في الصلح قفل لئلا يشترط.وقال ابن الأثير إن مولى من موالي حسام الدين كان هرب إلى السلطان فلما ملك خلاط طلب أن يثأر منه بمولاه فدفعه إليه وقتله ونهب البلد ثلاثاً وسرح السلطان صاحب أرزن وهرب القمهري من محبسه فقتل أسد بن عبد الله المهراني بجزيرته وأقطع السلطان خلاط للأمراء وعاد والله تعالى ولي التوفيق. واقعة السلطان جلال الدين مع الأشرف وكيقباد وانهزامه أمامهما ولما استولى السلطان جلال الدين على خلاط تجهز الأشرف من دمشق وقد كان ملكها وسار لقتال السلطان جلال الدين في عساكر الجزيرة والشام وذلك في سنة تسع وعشرين ولقيه علاء الدين كيقباد صاحب بلاد الروم على سيراس.وكان كيقباد قد خشي من اتصال جهان شاه ابن عمه طغرل صاحب أرزن الروم بالسلطان جلال لما بينهما من العداوة فسار الأشرف وكيقباد من سيراس وفي مقدمة الأشرف عز الدين عمر بن علي من أمراء حلب من الأكراد الهكارية وله صيت في الشجاعة.وجاء السلطان علاء الدين للقائهم فلما تراءى الجمعان حمل عز الدين صاحب المقدمة عليهم فهزمهم وعاد السلطان إلى خلاط.وكان الوزير على ملازكرد يحاصرها فلحق به وارتحلوا جميعاً إلى أذربيجان وأسر ركن الدين جهان شاه بن طغرل.وجيء به إلى ابن عمه علاء الدين كيقباد فجاء إلى أرزن فسلمها وسائر أعمالها.ووصل الأشرف إلى خلاط فوجدها خاوية.ولما رجع السلطان إلى أذربيجان ترك العساكر مع الوزير سكمان وأقام بخوي وخلص الترك في الهزيمة إلى موقان.وتردد شمس الدين التكريتي رسول الأشرف بينه وبين السلطان جلال الدين في الصلح بينهم ودخل فيه علاء الدين صاحب الروم وانعقد بينهم جميعاً وسلم لهم السلطان سر من رأى مع خلاط والله تعالى أعلم. الحواث أيام حصار خلاط منها وفادة نصر الدين أصبهبذ صاحب الجبل مع أرخا من أمراء السلطان يصهر على أخيه فقبض السلطان عليه إلى أن عاد من بلاد الروم منهزماً فأقطعه وأعاده إلى بلاده.ومنها رسالة أخت السلطان وكانت عند دوشي خان أخذها من العيال الذين جاءوا معه وتركمان خاتون من خوارزم وأولدها وكانت تكاتب أخاها بالأخبار فبعثت إليه الآن في الصلح مع خاقان والمصاهرة.وأن يسلم له فيما وراء جيحون فلم يجبها.ومنها وفادة ركن الدين شاه بن طغرل صاحب أرزن الروم وكان في طاعة الأشرف ومظاهر للحاجب نائب خلاط على عداوة السلطان منافرة لابن عمه علاء الدين كيفباد بن كنخسرو صاحب الروم وكان قتل رسول السلطان منقلباً من الروم ومنع الميرة عن العسكر.فله طال حصار السلطان بخلاط استأمن وقدم عليه السلطان فاحتفل لقدومه وأركب الوزير للقائه.ثم خلع عليه ورده إلى بلاده واستدعى منه آلات الحصار فبعث بها.ثم حضر بعد ذلك واقعة الأشرف مع السلطان كما مر.ومنها وصول سعد الدين الحاجب برسالة الخليفة إلى السلطان بالخطبة في أعمالها وأن لا يتعرض لمظفر الدين كوكبرون صاحب إربل ولا للولد صاحب الموصل ولا لشهاب الدين سليمان شاه ملك ولا لعماد الدين بهلوان بن هراست ملك الجبال ويعدهم في أولياء الديوان فامتثل مراسله.وبعث نائب العراق شرف الدين علي بأن ملك العراق لا يتم إلا بطاعة ملك الجبال عماد الدين بهلوان وملك " " سليمان شاه فبعث إليهما السلطان من لاطفهما حتى كانت طاعتهما اختياراً منهما ، ^? وبعث السلطان الحاجب بدر الدين طوطو بن أبنايخ خان فأحسن في تأدية رسالته وجاء بهدية حافلة من عند الخليفة خلعتان للسلطان احداهما جبة وعمامة وسيف هندي مرصع الحلية والأخرى قنع وكمة وفرجية وسيف محلى بالذهب وقلادة مرصعة ثمينة وفرسان رائعان بعدتين كاملتين ونعال لكل واحدة من أربعمائة دينار وترس ذهب مرصع بالجوهر وفيه أحك وأربعون فصاً من الياقوت وبندخستاني في وسطه فيروزجة كبيرة وثلاثون فرساً عربية مجللة بالأطلس الرومي المبطن بالأطلس البغدادي بمقاود الحرير ونعال الذهب لكل واحدة منها ستون ديناراً وعشرون مملوكاً بالعدة والمركوب وعشرة فهو بجلال الأطلس وقلائد الذهب وعشرة صقور بالأكمام المكفنة ومائة وخمسون بقجة في كل واحدة عشرة ثياب وخمس أكر من العنبر مضلعة بالذهب وشجرة من العود الهندي طولها خمسة أذرع وأربع عشرة خلعة نسوانية للخانات من خوالص الذهب وكنائس للخيل تفليسية.وللأمراء ثلاثمائة خلعة لكل أمير خلعة قباء وكمة للوزير عمامة سوداء وقباء وفرجية وسيف هندي واكرتان من العنبر وخمسون ثوباً وبغلة.ولأصحاب الديوان عشرون خلعة في كل خلعة جبة وعمامة وعشرون ثوباً أكثرها أطلس رومي وبغدادي وعشرون بغلة شهباء.ورفعت للسلطان خباء فدخلها ولبس الخلعتين وشفع الرسول في أهل خلاط فاعتذر له السلطان ، ^? ومنها وصول هدية من صاحب الروم ثلاثون بغلا مجللة بثياب الأطلس الخطائي وفرو القندسي والسمور وثلاثون مملوكاً والعدة ومائة فرس وخمسون بغلا.ولما مروا بأذربيجان اعترضهم ركن الدين جهان شاه بن طغرل صاحب أرزن وكان في طاعة الأشرف فأمسك الهدية عنده إلى أن وفد على السلطان بطاعته فأحضرها.ومنها أسار وزير المورخا جاء إلى الجبل المطل على قزوين لحصاد الحشيش على عادته وكان السلطان قد تغير على علاء الدين صاحبهم بسبب أخيه غياث الدين ولحاقه بهم في الموت فسار مقطع سارة إلى ذلك الجبل وأكمن لهم الوزير.وبعث به إلى السلطان وهو يحاصر خلاط فحبسه بقلعة رزمان وهلك لأشهر قلائل.ثم بعض السلطان كاتبه محمد بن أحمد النسائي إلى علاء الدين صاحب قلعة الموت بطلب الخوارج وطلب الخطبة فامتنع منها أولا واحتج عليه بأن أباه جلال الدين الحسن خطب لخوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش والد السلطان فأنكر والتزم أن يبعث إلى الديوان مائة ألف في كل سنة. |
وصول جهان بهلوان أزبك من الهند كان السلطان
لما فصل من الهند بقصد العراق واستخلف على البلاد التي ملكها هنالك جهان بهلوان أزبك فأقام هنالك إلى أن قصده عسكر شمس الدين ايتماش صاحب لهاوون ففارق مكانه وسار إلى بلاد قشمير فزاحموه وطردوه عن البلاد فقصد العراق وتخلف عنه أصحابه وعادوا إلى ايتماش وفيهم الحسن برلق الملقب رجاملك وكاتب جهان عليها ملك العراق بوصوله في سبعمائة فارس فأجاب الحسن رأي السلطان فيه وبعث إليه بعشرة آلاف دينار للنفقة.ووصل توقيع السلطان بأن تحمل إليه عشرون ألفاً وأن يشتي بالعراق يستريح بها من التعب فصادف عود السلطان من بلاد الروم وزحف السلطان إلى أذربيجان فحال قدر الله بينه وبين مرامه وقتل هناك سنة ثمان وعشرين.وصول التتر إلى أذربيجان كان التتر عندما ملكوا ما وراء النهر وزحفوا إلى خراسان فضعضعوا ملك بن خوارزم شاه وانتهوا إلى قاصية البلاد وخربوا ما مروا عليه واكتسحوا ونهبوا وقتلوا.ثم استقر ملكهم بما وراء النهر وعمروا تلك البلاد واختطوا قرب خوارزم مدينة عظيمة تعوض منها.وبقيت خراسان خالية واستبد بالمدن فيها أمراء شبه الملوك يعطون الطاء للسلطان جلال الدين لما جاء من الهند وانفرد جلال الدين بملك العراق وفارس وكرمان وأذربيجان وأران وما وراء ذلك.وبقيت خراسان مجالات لغارات التتر وحروبهم.ثم سارت طائفة منهم سنة خمس وعشرين فكان بينهم وبين جلال الدين لما جاء من الهند المواقعة على أصفهان كما مر.ثم كان بين جلال الدين وبين الأشرف صاحب الشام وعلاء الدين كيقباد صاحب الروم المواقعة سنة سبع وعشرين كما مر وأوهنت من جلال الدين وحلت عرى ملكه.وكان علاء الدين مقدم الإسماعيلية في قلعة الموت فعاد جلال الدين لما أثخن في بلاده وقرر عليه وظائف الأموال فبعث إلى التتر يخبرهم بالهزيمة الكائنة عليه وأنها أوهنته ويحثهم على قصده فساروا إلى أذربيجان أول سنة ثمان وعشرين وبلغ الخبر إلى السلطان بمسيرهم فبعث بوغر من أمرائه طليعة لاستكشاف خبرهم فلقي مقدمتهم فانهزم ولم ينج من أصحابة غيره.وجاء بالخبر فرحل من تبريز إلى موقان وخلف عياله بتبريز لنظر الوزير وأعجله الحال عن أن يبعثهم إلى بعض الحصون.ثم ورد كتاب من حدود زنجان بأن المقدمة التي لقيها بوغر باهر أقاموا بمرج الخان وأنهم سبعمائة فارس فظن السلطان أنهم لا يجاوزونها فسري عنه ورحل إلى موقان فأقام بها وبعث في أحشاد الأميرين بغان شحنة خراسان وأوسمان بهلوان شحنة مازندران وشغل بالصيد.وبينما هو كذلك كبسه التتر بمكانه ونهبوا معسكره وخلص إلى نهر أوس.ثم ورى بقصد كنجة وعطف إلى أذربيجان فتنكر لماهان.وكان عز الدين صاحب قلعة شاهن غاضباً منذ سنين لإغارة الوزير على بلده.فلما نزل السلطان ماهان كان يخدمه بالميرة وبأخبار التتر ثم أنفره آخر الشتاء بمسير التتر إليه من أرجان وأشار عليه بالعود إلى أران لكثرة ما فيها من العساكر وأجناد التركمان متحصنين بها.فلما فارقها وكان الوزير فوق بيوت السلطان وخزائنه في قلاع حسام الدين منهم أرسلان كبير أمراء التركمان بأران وكان قد عمر هنالك قلعة سنك سراخ من أحصن القلاع فأنزل عياله بها وكان مستوحشاً من السلطان فجاهر بالعصيان.وكانت وحشته من السلطان لأمور منها تبذير أمواله في العطاء والنفقة ومنها أنه ظن أن السلطان مجفل إلى الهند فكاتب الأشرف صاحب الشام وكيقباد صاحب الروم فوعدهم من نفسه الطاعة وهما عدوا السلطان.ومنها أنه كاتب قليج أرسلان التركماني فأمره بحفظ حرم السلطان وخزائنه ولا يسلمها إليه.وبعث في الكتاب له والكباس قبله ليغزو الروم.فلما مر السلطان بقلعته بعث إليه يستدعيه فوصل وحمل كفنه في يده فلاطفه السلطان وكايده فظنها مخالصة فاطمأن والله تعالى ولي التوفيق. استيلاء التتر على تبريز وكنجة ولما أجفل السلطان بعد الكبسة من موقان إلى أران بلغ الخبر إلى أهل تبريز فثاروا بالخوارزمية وأرادوا قتلهم ووافقهم بهاء الدين محمد بن بشير فاربك الوزير بعد الطغرياني.وكان الطغرياني رئيس البلد كما مر فمنعهم من ذلك وعدوا على واحد من الخوارزمية وقتلوه فقتل به اثنين من العامة.واجتهد في تحصين تبريز وحراستها وشحنها بالرجال ولم تنقطع كتبه عن السلطان ثم هلك فسلمها العوام إلى التتر ثم ثار أهل كنجة وسلموا بلدهم للتتر وكذا أهل ببلغازة والله أعلم.نكبة الوزير ومقتله لما وصل السلطان إلى قلعة جاربرد بلغه استيحاش الوزير وخشي أن يفر إلى بعض الجهات فركب إلى القلعة موريا بالنظر في أحوالها والوزير معه.وأسر إلى والي القلعة أن يمسك الوزير ويقيده هنالك ففعل.ونزل السلطان فجمع مماليك الوزير وكبيرهم الناصر قشتمر وضمهم إلى أوترخان.ثم نمي إلى والي القلعة أن السلطان مستبدل منه فاستوحش وبعث بخاتم الوزير إلى قشتمر كبير المماليك يقول نحن وصاحبكم متوازرون فمن أحب خدمته فليأت القلعة فسقط في يد السلطان.وكان ابن الوالي في جملته وحاشيته.فأمره السلطان أن يكاتب أباه ويعاتبه ففعل وأجابه بالتنصل من ذلك.فقال له السلطان فليبعث إلي برأس الوزير فبعث به.وكان الوزير مكرماً للعلماء والأدباء مواصلاً لهم كثير الخشية والبكاء متواضعاً منبسطاً في العطاء حتى استغرق أموال الديوان.لولا أن السلطان جذب من عنانه.وكان فصيحاً في لغة الترك وكانت عمالته على التواقيع السلطانية الحمد لله العظيم وعلى التواقيع الديوانية يعتمد ذلك وعلى تواقيعه ارتجاع السلطان كنجة لما ثار أهل كنجة بالخوارزمية كان القائم بأمرهم رجل منهم اسمه بندار وبعث السلطان إليهم رسوله يدعوهم إلى الطاعة فوصلوا قريباً منه وأقاموا.وخرج إليهم الرئيس جمال الدين القمي بأولاده.وامتنع الباقون.ثم وصل السلطان وردد إليهم فلم تغن وبرزوا بعض الأيام للقتال ورموا على خيمته فركب وحمل عليهم فانهزموا وازدحموا في الباب فمنعهم الزحام من إغلاقه فاقتحم السلطان المدينة وقبض على ثلاثين من أهل الفتنة فقتلهم.وجيء ببندار وكان بالغاً في الفساد وكسر سرير الملك الذي نصبه بها محمد بن ملك شاه فمثل به وفصل أعضاءه بين يديه.وأقام السلطان بكنجة نحواً من شهر.ثم سار إلى خلاط مستمداً للأشرف فارتحل الأشرف إلى مصر وعلل بالمواعيد ووصل السلطان في وجهته إلى قلعة شمس وبها أراك بن إيوان الكرجي فخرج وقبل الأرض على البعد.ثم بعث إلى السلطان ما أمر به وبعث السلطان إلى جيرانه من الملوك مثل صاحب حلب وآمد وماردين يستنجدهم بعد يأسه من الأشرف.وجرد عسكراً إلى خرت برت وملطية وأذربيجان فأغاروا في تلك النواحي واستاقوا نعمها لما بين ملكها كيقباد وبين الأشرف من الموالاة فاستوحش جميعهم من ذلك وقعدوا عن نصرته والله تعالى ولي التوفيق. كان السلطان بلغه وهو بخلاط أن التتر ساروا إليه فبعث السلطان الأمير أترخان في أربعة آلاف فارس طليعة فرجع وأخبر أن التتر رجعوا من حدود ملازكرد.وكان الأمراء أشاروا على السلطان " " الانتقال بديار بكر وينجرون إلى أصفهان.ثم جاءه رسول صاحب آمد وزين له قصد بلاد الروم وأطمعه في الاستيلاء عليها ليتصل بالقفجاق ويستظهر بهم على التتر وأنه يمده بنفسه في أربعة آلاف فارس.وكان صاحب آمد يروم الانتقام من صاحب الروم بما ملك من قلاعه فجنح السلطان إلى كلامه وعدل عن أصفهان إلى آمد فنزل بها.وبعث إليه التركمان بالنذير وانهم رأوا نيران التتر بالمنزل الذي كانوا به أمس فاتهم خبرهم وصبحه التتر على آمد وأحاطوا بخيمته قبل أن يركب فحمل عليهم أوترخان حتى كشفهم عن الحركات.وركب السلطان وركض وأسلم زوجته بنت الأتابك سعد إلى أميرين يحملانها إلى حيث تنتهي الحفلة.ثم رد أوترخان والعساكر عنه ليتوارى بانفراده عن عين العدو وسار أوترخان في أربعة آلاف فارس فخلص إلى أصفهان واستولى عليها إلى أن ملكها التتر عليه سنة تسعة وثلاثين.وذهب السلطان مستخفياً إلى باشورة آمد والناس يظنون أن عسكره غدروا به فوقفوا يردونهم فذهب إلى حدود الدربندات وقد ملئت المضايق بالمفسدين.فأشار عليه أوترخان بالرجوع فرجع وانتهى إلى قرية من قرى ميافارقين فنزل في بيدرها وفارقه أوترخان إلى شهاب الدين ثم طلبه الكامل فبعث به إليه محبوساً ثم سقط من سطح فمات وهجم التتر على السلطان بالبيدر فهرب وقتل الذين كانوا معه وأخبر التتر أنه السلطان فاتبعوه.وأدركه اثنان منهم فقتلهما ويئس منه الباقون فرجعوا عنه.وصعد جبل الأكراد فوجدهم مترصدين في الطرق للنهب فسلبوه وهموا بقتله.وأسر إلى بعضهم أنه السلطان فمضى به إلى بيته ليخلصه إلى بعض النواحي ودخل البيت في غيبة بعض سفلتهم وبيده حربة وهو يطلب الثأر من الخوارزمية بأخ له قتل بخلاط فقتله ولم يغن عنه البيت وكانت الوقعة منتصف شوال سنة ثمان وعشرين.هذه سياقة الخبر من كتاب النسائي كاتب السلطان جلال الدين.وأما ابن الأثير فذكر الواقعة وأنه فقد فيها وبقوا أياماً في انتظار خبره ولم يذكر مقتله.وانتهى به التأليف ولم يرد على ذلك.قال النسائي وكان السلطان جلال الدين أسمر قصيراً تركياً شجاعاً حليماً وقوراً لا يضحك إلا تبسماً ولا يكثر الكلام مؤثراً للعدل إلا أنه مغلوب من أجل الفتنة وكان يكتب للخليفة والوحشة قائمة بينهما كما كان أبوه يكتب خادمه المطواع فلان فلما بعث إليه بالخلع عن خلاط كما مر كتب إليه عبده فلان والخطاب بعد ذلك سيدنا ومولانا أمير المؤمنين وإمام المسلمين وخليفة رب العالمين قدوة المشارق والمغارب المنيف على الذروة العليا ابن لؤي بن غالب.ويكتب لملوك الروم ومصر والشام.السلطان فلان بن فلان ليس معها أخوة ولا محبة.وعلامته على تواقيعه النصرة من الله وحده.وعلامته لصاحب الموصل بأحسن خط وشق القلم شقين ليغلظ.ولما وصل من الهند كاتبه الخليفة الجناب الرفيع الخاقاني فطلب الخطاب بالسلطان فأجيب بأنه لم تجر به عادة مع أكابر الملوك فألح في ذلك جين حملت له الخلع فخوطب بالجناب العالي الشاهنشاهي.ثم انتشر التتر بعد هذه الواقعة في سواد آمد وأرزن وميافارقين وسائر ديار بكر فاكتسحوها وخربوها وملكوا مدينة اسعرد عنوة فاستباحوها بعد حصار خمسة أيام ومروا بماردين فامتنعت.ثم وصلوا إلى نصيبين فاكتسحوا نواحيها ثم إلى سنجار وجبالها والخابور.ثم ساروا إلى تدليس فأحرقوها ثم إلى أعمال خلاط فاستباحوا أباكري وارتجيس.وجاءت طائفة أخرى من أذربيجان إلى أعمال إربل ومروا في طريقهم بالتركمان الاموامية والأكراد الجوزقان فنهبوا وقتلوا وخرج مظفر الدين صاحب إربل بعد أن استمد صاحب الموصل فلم يدركهم وعادوا وبقيت البلاد قاعاً صفصفاً والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.وافترق عسكر جلال الدين منكبرس وساروا إلى كيقباد ملك الروم فأثبتهم في ديوانه واستخدمهم.ثم هلك سنة أربع وثلاثين وولي ابنه غياث الدين كنخسرو فارتاب بهم وقبض على كبيرهم وفر الباقون.واكتسحوا ما مروا به وأقاموا مستبدين بأطراف البلاد.ثم استمالهم الصالح نجم الدين أيوب بن الكامل وكان نائباً لأبيه بالبلاد الشرقية حران وكيفا وآمد.واستأذن أباه في استخدامهم فأذن له كما يأتي في أخباره والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق بمنه وفضله. |
الخبر عن دولة بني تتش بن ألب أرسلان ببلاد الشام دمشق وحلب وأعمالها
وكيف تناوبوا فيها القيام بالدعوة العباسية والدعوة العلوية حين انقراض أمرهم قد تقدم لنا استيلاء السلجوقية على الشام لأول دولتهم وكيف سار أتسز بن أرتق الخوارزمي من أمراء السلطان ملك شاه إلى فلسطين ففتح الرملة وبيت المقدس وأقام فيهما الدعوة العباسية ومحا الدعوة العلوية.ثم حاصر دمشق وذلك سنة ثلاث وستين وأربعمائة.ثم أقام يردد الحصار على دمشق حتى ملكها سنة ثمان وستين.وسار إلى مصر سنة تسع وستين وحاصرها وعاد عنها.وولي السلطان ملك شاه بعد أبيه ألب أرسلان سنة خمس وستين فأقطع أخاه تتش بلاد الشام وما يفتحه من تلك النواحي سنة سبعين وأربعمائة فسار إلى حلب وحاصرها.وكان أمير الجيوش بدر الجمالي قد بعث العساكر لحصار دمشق وبها أتسز فبعث بالصريخ إلى تاج الدولة تتش فسار لنصرته وأجفلت عساكر مصر وخرج أتسز لتلقيه فتعلل عليه ببطئه عن تلقيه وقتله واستولى على دمشق وقد تقدم ذلك كله.ثم استولى سليمان بن قطلمش على إنطاكية وقتل مسلم بن قريش.وسار إلى حلب فملكها وسمع بذلك تتش فسار إليها واقتتلا سنة تسع وسبعين وقتل سليمان بن قطلمش في الحرب وسار السلطان ملك شاه إلى حلب فملكها وولى عليها قسيم الدولة أقسنقر جد نور الدين العادل.ثم جاء السلطان إلى بغداد سنة أربع وثمانين وسار إليه أخوه تاج الدين تتش من دمشق وقسيم الدولة أقسنقر صاحب حلب وبوزان صاحب الرها وحضروا معه صنيع المولد النبوي ببغداد فلما وعدوه العود إلى بلادهم أمر قسيم الدولة وبوزان بأن يسيرا بعسكرهما مع تاج الدولة تتش لفتح البلاد بساحل الشام وفتح مصر من يد المستنصر العلوي ومحو الدولة العلوية منها فساروا لذلك.وملك تتش حمص من يد ابن ملاعب وغزة عنوة وأماسية من يد خادم العلوي بالأمان.وحاصر طرابلس وبها جلال الدين ابن عمار فداخل قسيم الدولة أقسنقر وصانعه بالمال في أن يشفع له عند تتش فلم يشفعه فرحل مغاضباً وأجفلوا إلى جبلة وانتقض أمرهم.وهلك السلطان ملك شاه سنة خمس وثمانين ببغداد وقد كان سار إلى بغداد وسار تتش أخوه من دمشق للقائه وبلغه في طريقه خبر وفاته وتنازع ولده محمود وبركيارق الملك فاعتزم على طلب الأمر لنفسه ورجع إلى دمشق فجمع العساكر وقسم العطاء.وسار إلى حلب فأعطاه أقسنقر الطاعة لصغر أولاد ملك شاه والتنازع الذي بينهم وحمل صاحب إنطاكية وبوزان صاحب الرها وحران على طاعته.وساروا جميعاً في محرم سنة ست وثمانين فحاصروا الرحبة وملكوها وخطب فيها تتش لنفسه.ثم ملك نصيبين عنوة واستباحها وأقطعها لمحمد بن مسلم بن قريش.ثم سار إلى الموصل وبها إبراهيم بن قريش بن بدران وبعث إليه في الخطبة على منابره فامتنع وبرز للقائه في ثلاثين ألفاً وكان تتش في عشرة آلاف والتقوا بالمضيع من نواحي الموصل فانهزم إبراهيم وقتل واستبيحت أحياء العرب وقتل أمراؤهم وأرسل إلى بغداد في طلب الخطبة فلم يسعف إلا بالوعد.ثم سار إلى ديار بكر فملكها في ربيع الآخر وسار منها إلى أذربيجان.وكان بركيارق بن ملك شاه قد استولى على الري وهمذان وكثير من بلاد الجبل فسار في العساكر لمدافعته.فلما تقاربا نزع أقسنقر وبوزان إلى بركيارق.وعاد تتش منهزماً إلى الشام وجمع العساكر واستوعب في الحشد.وسار إلى أقسنقر في حلب فبرز إليه ومعه بوزان صاحب الرها وكربوقا الذي ملك الموصل فيما بعد ولقيهم تتش على ستة فراسخ من حلب فانهزموا وجيء بأقسنقر أسيراً فقتله صبراً.ولحق كربوقا وبوزان بحلب فحاصرها تتش وملكها وأخذهما أسيرين.وبعث إلى حران والرها في الطاعة فامتنعوا فقتل بوزان وملكهما وحبس كربوقا بحمص.ثم سار إلى الجزيرة فملكها جميعاً ثم إلى ديار بكر وخلاط ثم أذربيجان ثم همذان.وبعث إلى بغداد في الخطبة.وكان بركيارق يومئذ بنصيبين فعبر دجلة إلى إربل ثم منها إلى بلد سرخاب بن بدر.وسار الأمير يعقوب بن أرتق من عسكر تتش فكبسه وهزمه ونجا إلى أصفهان فكان من خبره ما تقدم.وبعث تتش يوسف بن أرتق التركماني شحنة إلى بغداد فمنع منها فعاث في نواحيها.ثم بلغه مهلك تتش فعاد إلى حلب.وهذه الأخبار كلها قد تقدمت في أول دولة السلجوقية وإنما ذكرناها هنا توطئة لدولة بني تتش بدمشق وحلب والله أعلم. مقتل تتش ولما انهزم بركيارق أمام عمه تتش لحق بأصفهان وبها محمود وأهل دولته فأدخلوه وتشاوروا في قتله ثم أبقوه إلى إبلال محمود من مرضه فقدر هلاك محمود.وبايعوا لبركيارق فبادر إلى أصفهان وقدم أميراً آخر بين يديه لإعداد الزاد والعلوفة وسار هو إلى أصفهان.ورجع تتش إلى الري وأرسل إلى الأمراء بأصفهان يدعوهم ويرغبهم فأجابوه باستبراء أمر بركيارق.ثم ابل بركيارق من مرضه وسار في العساكر إلى الري فانهزم تتش وانهزم عسكره وثبت هو فقتله بعض أصحاب أقسنقر بثأر صاحبه واستقام الأمر لبركيارق والله تعالى أعلم. استيلاء رضوان في تتش على حلب كان تتش لما انفصل من حلب استخلف عليها أبا القاسم الحسن بن علي الخوارزمي وأمكنه من القلعة ثم أوصى أصحابه قبل المصاف بطاعة ابنه رضوان وكتب إليه بالمسير إلى بغداد ونزول دار السلطنة فسار لذلك وسار معه أبو الغازي بن أرتق.وكان أبوه تتش تركه عنده وسار معه " " ومعه محمد بن صالح بن مرداس وغيرهما.وبلغه مقتل أبيه عند هيت فعاد إلى حلب ومعه الأميران الصغيران أبو طالب وبهرام وأمه وزوجها جناح الدولة الحسن بن أفتكين ولحق بهم من المعركة.فلما انتهوا إلى حلب امتنع أبو القاسم بالقلعة ومعه جماعة من المغاربة وهم أكثر جندها فاستمالهم جناح الدولة فثاروا بالقلعة من الليل ونادوا بشعار الملك رضوان واحتاطوا على أبي القاسم فبعث إليه رضوان بالأمان وخطب له على منابر حلب وأعمالها وقام بتدبير دولته جناح الدولة وأحسن السيرة.وخالف عليهم الأمير باغيسيان بن محمد بن أبه التركماني صاحب إنطاكية ثم أطاع وأشار على رضوان بقصد ديار بكر وسار معه لذلك.وجاءهم أمراء الأطراف الذين كان تتش رأسهم فيها وقصدوا سروج فساقهم إليها سلمان بن أرتق وملكها فساروا إلى الرها وبها الفارقليط من الروم كان يضمن البلاد من بوزان.فتحصن بالقلعة ودافعهم ثم غلبوه عليها وملكها.رضوان.وطلبها منه باغيسيان.وخشي جناح الدولة على نفسه فلحق بحلب ورجع رضوان والأمراء على أثره فسار باغيسيان فأقطعها له.ثم سار إلى حران وأميرها قراجا فدس إليهم بعض أهلها بالطاعة واتهم قراجا بذلك ابن المعني من أعيانها كان تتش يعتمد عليه في حفظ البلد فقتله وقتل بني أخيه.ثم فسد ما بين جناح الدولة وباغيسيان وخشي جناح الدولة على نفسه فلحق بحلب ورجع رضوان والأمراء على أثره فسار باغيسيان إلى بلده إنطاكية وسار معه أبو القاسم الخوارزمي ودخل رضوان إلى حلب دار ملكه وكان من أهل دولته يوسف بن أرتق الخوارزمي الذي بعثه تتش إلى بغداد شحنة.وكان " " من الفتيان بحلب وكان متبوعاً وكان يعادي يوسف بن أرتق فجاء إلى جناح الدولة القائم بأمر رضوان ورمى يوسف بن أرتق عنده بأنه يكاتب باغيسيان ويداخله في الثورة واستأذنه في قتله فأذن له وأمده بجماعة من الجند.وكبس يوسف في داره فقتله ونهب ما فيها واستطال على الدولة.وطمع في الاستبداد على رضوان ودس لجناح الدولة أن رضوان أمره بقتله فهرب إلى حمص.وكانت إقطاعاً له واستبد على رضوان ثم تنكر له رضوان سنة تسع وثمانين وأمر بالقبض عليه استيلاء دقاق بن تتش على دمشق كان تتش قد بعث ابنه دقاقاً إلى أخيه السلطان ملك شاه ببغداد فأقام هنالك إلى أن توفي ملك شاه فسار معه ابنه محمود وأمه خاتون الجلالية إلى أصفهان.ثم ذهب عنهم سراً إلى بركيارق ثم لحق بأبيه وحضر معه الواقعة التي قتل فيها.ولما قتل تتش أبوه سار به مولاه تكين إلى حلب فأقام عنده أخيه رضوان وكان بقلعة من قلاعها ساو تكين الخادم من موالي تتش ولاه عليها قبل موته فبعث إلى دقاق يستدعيه للملك فسار إليه وبعث رضوان في طلبه فلم يدركه.ووصل دمشق وكتب إليه باغيسيان صاحب إنطاكية يشير عليه بالاستبداد بدمشق على أخيه رضوان.ووصل معتمد للدولة طغركين مع جماعة من خواص تتش وكان قد حضر المعركة وأسر فخلص الآن من الأسر.وجاء إلى دمشق فلقيه دقاق ومال إليه وحكمه في أمره وداخله في مثل ساوتكين الخادم فقتلوه.ووفد عليهم باغيسيان من إنطاكية ومعه أبو القاسم الخوارزمي فأكرمهما واستوزر الخوارزمي وحكمه في دولته. |
الفتنة بين دقاق وأخيه رضوان
ثم سار رضوان إلى دمشق سنة تسعين وأربعمائة قاصداً انتزاعها من يد دقماق فامتنعت عليه فعاد إلى مالس وقصد الورس فامتنعت عليه فعاد إلى حلب وفارقه باغيسيان صاحب إنطاكية إلى أخيه دقاق وحض على المسير إلى أخيه بحلب فسار لذلك.واستنجد رضوان سكمان ومن سروج في أمم من التركمان.ثم كان اللقاء بقنسرين فانهزمت عساكر دقاق ونهب سوادهم وعاد رضوان.إلى حلب.ثم سعى بينهما في الصلح على أن يخطب لرضوان بدمشق وإنطاكية قبل دقاق فانعقد ذلك بينهما.ثم لحق جناح الدولة بحمص عندما عظمت فيه سعاية المجن كما ذكرناه.وكان باغيسيان منافراً له.فلما فصل من حلب جاء باغيسيان إلى رضوان وصالحه.ثم بعث بعث رضوان المستعلي خليفة العلويين بمصر يعده بالإمداد على أخيه على أن يخطب له على منابره وزين له بعض أصحابه صحة مذهبهم فخطب له في جميع أعماله سوى إنطاكية والمعرة وقلعة حلب.ثم وفد عليه بعد شهرين من هذه الخطب سكمان ببن أرتو صاحب سروج وباغيسيان صاحب إنطاكية فلم يقم بها غير ثلاث حتى وصل الفرنج فحاصروه وغلبوه على إنطاكية وقتلوه كما مر في خبره. استيلاء دقاق على الرحبة كانت الرحبة بيد كربوقا صاحب الموصل فلما قتل كما مر في خبره استولى عليهما قانمار من موالي السلطان ألب أرسلان فسار دقاق بن تتش ملك دمشق وأتابكه طغركين إليها سنة خمس وتسعين وحاصروها فامتنعت عليهم فعادوا عنها.وتوفي قانمار صاحبها في صفر سنة ست وتسعين وقام بأمرها حسن من موالي الأتراك فطمع في الاستبداد وقتل جماعة من أعيان البلد وحبس آخرين.واستخدم جماعة من الجند وطرد آخرين.وخطب لنفسه فسار دقاق إليه وحاصره في القلعة حتى استأمن وخرج إليه وأقطعه بالشام إقطاعات كثيرة وملك الرحبة وأحسن إلى أهلها وولى عليهم ورجع إلى دمشق والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق لا رب غيره. وفاة دقاق وولاية أخيه تلتاش ثم خلعه ثم توفي دقاق صاحب دمشق سنة سبع وتسعين واستقل أتابكه طغركين بالملك وخطب لنفسه سنة ثم قطع خطبته وخطب لتلتاش أخي دقاق صبياً مراهقاً وخوفته أمه من طغركين بزواجه أم دقاق وأنه يميل إلى ابن دقاق من أجل جدته فاستوحش وفارق دمشق إلى بعلبك في صفر سنة ثمان وتسعين.ولحقه ايتكين الحلبي صاحب بصرى وكان ممن حسن له ذلك فعاث في نواحي خوارزم ولحق به أهل الفساد وراسلا هدويل ملك الفرنج فأجابهما بالوعد ولم يوف لهما فسار إلى الرحبة واستولى عليها تلتاش.وقيل إن تلتاش لما استوحش منه طغركين من دخول البلد مضى إلى حصون له وأقام بها.ونصب طغركين الطفل ابن دقاق وخطب له واستبد عليه وأحسن إلى الناس واستقام أمره والله تعالى ولي التوفيق وهو نعم الرفيق. الحرب بين طغركين والفرنج أشهراً كان قمص من قمامصة الفرنج على مرحلتين من دمشق فلج بالغارات على دمشق فجمع طغركين العساكر وسار إليه وجاء معرون ملك القدس وعكا من الفرنج بإنجاد القمص فأظهر الغنية عليه وعاد إلى عكا وقاتل طغركين القمص فهزمه وأحجزه بحصنه.ثم حاصره حتى ملك الحصن عنوة وقتل أهله وأسر جماعته وعاد إلى دمشق ظافراً غانماً.ثم سار إلى حصن رمسة من حصون الشام وقد ملكه الفرنج وبه ابن أخت سميل المقيم على طرابلس يحاصرها فحاصر طغركين حصن رمسة حتى ملكه وقتل أهله من الفرنج وخربه والله أعلم. مسير رضوان صاب حلب لحصار نصيبين ثم إن رضوان صاحب حلب اعتزم على غزو الفرنج واستدعى الأمراء من النواحي لذلك فجاءه أبو الغازي بن أرتق الذي كان شحنة ببغداد وأصفهان وصباوو وألبي بن أرسلان ماش صاحب سنجر وهو صهر جكرمش صاحب الموصل.وأشار أبو الغازي بالمسير إلى بلاد جكرمش للاستكثار بعسكرها وأموالها ووافقه ألبي وساروا إلى نصيبين في رمضان سنة تسع وتسعين وأربعمائة فحاصرها وفيها أميران من قبل جكرمش واشتد الحصار وجرح ألبي بن أرسلان بسهم أصابه فعاد إلى سنجر وأجفل أهل السواد إلى الموصل وعسكر جكرمش بظاهرها معتزماً على الحرب.ثم كاتب أعيان العسكر وحثهم على رضوان.وأمر أصحابه بنصيبين بإظهار طاعته وطلب الصلح معه.وبعث إلى رضوان بذلك والإمداد بما يشاؤه على أن يقبض على أبي الغازي فمال إلى ذلك واستدعى أبا الغازي فخبره أن المصلحة في صلح جكرمش ليستعينوا به في غزو الفرنج وجمع شمل المسلمين فجاوبه أبو الغازي بالمنع من ذلك.ثم قبض عليه وقيده فانتقض التركمان ولجأوا إلى سور المدينة وقاتلوا رضوان.وبعث رضوان بأبي الغازي إلى نصيبين فخرجت منه العساكر لإمداده فافترق منها التركمان ونهبوا ما قدروا عليه.ورحل رضوان من وقته إلى حلب.وانتهى الخبر إلى جكرمش بتل أعفد وهو قاصد حرب القوم فرحل عند ذلك إلى سنجار وبعث إليه رضوان في الوفاء بما وعلى من النجدة فلم يف له.ونازل صهره ألبي بن أرسلان بسنجر وهو جريح من السهم الذي أصابه على نصيبين فخرج إليه ألبي محمولا.واعتذر إليه فأعتبه وأعاده إلى بلده فمات وامتنع أصحابه بسنجار رمضان وشوالا.ثم خرج إليه عم ألبي وصالح جكرمش وعاد إلى الموصل والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق بمنه. استيلاء الفرنج على أفامية كان خلف بن ملاعب الكلابي في حمص وملكها منه تاج الدولة تتش فسار إلى مصر وأقام بها.ثم بعث صاحب أفامية من جهة رضوان بن تتش بطاعته إلى صاحب مصر العلوي فبعث إليها ابن ملاعب وملكها وخلع طاعة العلوية وأقام يخيف السبيل كما كان في حمص فلما ملك الإفرنج سرمين لحق به قاضيها وكان على مذهب الرافضة فكتب إلى ابن الطاهر الصائغ من أكابر الغلا ومن أصحاب رضوان وداخلهم في الفتك بابن ملاعب.ونمي الخبر إليه من أولاده فحلف له القاضي بما اطمأن إليه وتحيل مع ابن الصانع في جند من قبلهم يستأمنون إلى ابن ملاعب ويعطونه خيلهم وسلاحهم ويقيمون للجهاد معه ففعلوا وأنزلهم بربض أفامية.ثم بيته القاضي ليلا بمن معه من أهل سرمين ورفع أولئك الجند من الربض بالحبال وقتلوا ابن ملاعب في بيته وقتلوا ابنه وفر الآخر إلى أبي الحسن بن منقذ صاحب شيزر.وجاء الصانع من حلب إلى القاضي فطرده واستبد بأفامية.وكان بعض أولاد ابن ملاعب عند طغركين وولاه حماية بعض الحصون فعظم ضرره فطلب طغركين فهرب إلى الإفرنج وأغراهم بأفامية ودلهم على عورتها وعدم الأقوات فيها فحاصروها شهراً وملكوها عنوة وقتلوا القاضي والصانع وذلك سنة تسع وتسعين.وقد ذكرنا قبل أن الصانع قتله ابن بديع أيام تتش صاحب حلب إثر مهلك رضوان فالله أعلم أيهما الصحيح.ثم ملك صاحب إنطاكية من الإفرنج حصنا الإمارة بعد حصار طويل فملكه عنوة واستلحم أهله وفعل في ذريته مثل ذلك.ورحل أهل منبج وبالس وتركوهما خاويين وملكوا حيد بالأمان وطلب الفرنج.من أهل الحصون الإسلامية الجزية فأعطوهم ذلك على ضريبة فرضوها عليهم فكان على رضوان في حلب وأعمالها ثلاثون ألف دينار مما على صور سبعة آلاف وعلي ابن منقذ في شيزر أربعة آلاف وعلى حماة ألفا دينار وذلك سنة خمس وخمسمائة. استيلاء طغركين على بصرى قد تقدم لنا سنة سبع وتسعين حال تلتاش بن تتش والخطبة له بعد أخيه دقاق وخروجه من دمشق واستنجاده الفرنج.وأن الذي تولى كبر ذلك كله اسكين الحملي صاحب بصرى فسار طغركين آخر المائة الخامسة إلى بصرى وحاصرها حتى أذعنوا وضربوا له أجلاً للفرنج فعاد إلى دمشق حتى انقضى الأجل فآتوه طاعتهم وملك البلد وأحسن إليهم والله تعالى ولي التوفيق لا رب غيره. غزو طغركين وهزيمته ثم سار طغركين سنه اثنتين وخمسمائة إلى طبرية ووصل إليها ابن أخت بغدوين ملك القدس من الفرنج قاقتتلوا فانهزم المسلمون أولاً فنزل طغركين ونادى بالمسلمين فكروا وانهزم الفرنج وأسر ابن أخت بغدوين.وعرض طغركين عليه الإسلام فامتنع فقتله بيده وبعث بالأسرى إلى بغداد.ثم انعقد الصلح بين طغركين وبغدوين بعد أربع سنين.وسار بعدها طغركين إلى حصن غزة في شعبان من السنة.وكان نبذغ مولى القاضي فخر الملك ثم علي بن عمار صاحب طرابلس فعصى عليه وحاصره الإفرنج وانقطعت عنه الميرة فأرسل إلى طغركين صاحب دمشق أن يمكنه من الحصن فأرسل إليه إسرائيل من أصحابه فملك الحصن وقتل صاحبه ومولى بن عمار غيلة ليستأثر بمخلفه فانتظر طغركين دخول الشتاء وسار إلى الحصن لينظر في أمره.وكان السرداني من الإفرنج يحاصر طرابلس فلما سمع بوصول طغركين حصن الأكمة أغذ السيم إليه فهزمه وغنم سواده.ولحق طغركين بحمص ونازل السرداني غزة فاستأمنوا إليه وملكها وقبض على إسرائيل فادى به أسيراً كان لهم بدمشق منذ سبع سنين ووصل طغركين إلى دمشق.ثم قصد ملك الإفرنج رمسة من أعمال دمشق فملكها وشحنها بالأقوات والحامية فقصدها طغركين بعد أن نمي إليه الخبر بضعف الحامية الذين بها فكبسها عنوة وأسر الإفرنج الذين بها والله سبحانه وتعالى أعلم. |
الساعة الآن 10:13 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |