منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 7 - 8 - 2010 04:57 PM

انتقاض طغركين على لسلطان محمد
كان السلطان محمد بن ملك شاه قد أمر مودود بن بوشكين صاحب الموصل بالمسير لغزو الإفرنج لأن ملك القدس تابع الغارات على دمشق سنة ست وخمسمائة واستصرخ طغركين بمودود فجمع العساكر وسار سنة تسع‏.‏ولقيه طغركين بسهلة وقصدوا القدس وانتهوا إلى الإنحوانة على الأردن وجاء بغدوين فنزل قبالتهما على النهر ومعه جوسكين صاحب جيشه واقتتلوا منتصف محرم سنة عشر على بحيرة طبرية فانهزم الإفرنج وقتل منهم كثير وغرق كثير في بحيرة طبرية ونهر الأردن‏.‏ولقيتهم عساكر طرابلس وإنطاكية فاشتدوا وأقاموا بجبل قرب طبرية وحاصرهم المسلمون فيه‏.‏ثم يئسوا من الظفر به فساحوا في بلادهم واكتسحوها وخربوها ونزلوا مرج الصفر‏.‏وأذن مودود للعساكر في العود والراحة ليتهيأوا للغزو‏.‏وسلخ الشتاء ودخل دمشق آخر ربيع من سنة ليقيم عند طغركين تلك المدة‏.‏وصلى معه أول جمعة ووثب عليه باطني بعد الصلاة فطعنه ومات آخر يومه‏.‏واتهم طغركين بقتله وولى السلطان مكانه على الموصل أقسنقر البرسقي فقبض على أياز بن أبي الغازي وأبيه صاحب حصن كيفا فسار بنو أرتق إلى البرسقي وهزموه وتخلص أياز من أسره فلحق أبو الغازي أبوه بطغركين صاحب دمشق وأقام عنده‏.‏وكان مستوحشاً من السلطان محمد لإتهامه بقتل مودود فبعث إلى صاحب إنطاكية من الإفرنج وتحالفوا على المظاهرة وقصد أبو الغازي ديار بكر فظفر به قيرجان بن قراجا صاحب حمص وأسره‏.‏وجاء طغركين لإستنفاذه فحلف قيرجان ليقتلنه إن لم يرجع طغركين إلى بلاده‏.‏وانتظر وصول العساكر من بغداد تحمله فأبطأت فأجاب طغركين إلى إطلاقه‏.‏ثم بعث السلطان محمد العساكر لجهاد الإفرنج والبداءة بقتال طغركين وأبي الغازي فساروا في رمضان سنة ثمان وخمسمائة ومقدمتهم برسق بن برسق صاحب همذان وانتهوا إلى حلب وبعثوا إلى متوليها لؤلؤ الخادم ومقدم عسكرها شمس الخواص يأمرونهما بالنزول عنها‏.‏وعرضوا عليهما كتب السلطان بذلك فدافعا بالوعد واستحثا طغركين وأبا الغازي في الوصول فوصلا في العساكر وامتنعت حلب على العساكر وأظهروا العصيان فسار برسق إلى حماة وهي لطغركين فملكها عنوة ونهبها ثلاثاً‏.‏وسألهما الأمير قيرجان صاحب حمص الصلح وكان جميع ما يفتحه من البلاد له بأمر السلطان فانتقض الأمراء من ذلك وكسلوا عن الغزو‏.‏وسار أبو الغازي وطغركين وشمس الخواص إلى إنطاكية يستنجدون صاحبها دجيل من الإفرنج‏.‏ثم توادعوا إلى انصرام الشتاء ورجع أبو الغازي إلى ماردين وطغركين إلى دمشق‏.‏ثم كان في أثر ذلك هزيمة المسلمين‏.‏واستشهد برسق وأخوه زنكي وقد تقدم خبر هذه الهزيمة في أخبار البرسقي‏.‏ثم قم السلطان محمد بغداد فوفد عليه أتابك طغركين صاحب دمشق في ذي القعدة من سنة تسع مستعيناً فأعانه وأعاده إلى بلده والله سبحانه وتعالى أعلم ، ^? ثم توفي رضوان بن تتش صاحب حلب سنة تسع وخمسمائة وقد كان قتل أخويه أبا طالب وبهرام وكان يستعين بالباطنية في أموره ويداخلهم‏.‏ولما توفي بايع مولاه لؤلؤ الخادم لابنه ألب أرسلان صبياً مغتلماً وكانت في لسانه حبسة فكان يلقب الأخرس‏.‏وكان لؤلؤ مستبداً عليه ولأول ملكه قتل أخويه وكل ملك شاه منهما شقيقه‏.‏وكانت الباطنية كثيرأ في حلب في أيام رضوان حتى خافهم ابن بديع وأعيانها فلما توفي أذن لهم ألب أرسلان في الإيقاع بهم فقبضوا على مقدمهم ابن طاهر الصائغ وجماعة من أصحابهم فقتلوهم وافترق الباقون‏.‏مهلك لؤلؤ الخادم واستيلاء أبي الغازي ثم مقتل ألب أرسلان وولاية أخيه سلطان شاه كان لؤلؤ الخادم قد استولى على قلعة حلب وولى أتابكية ألب أرسلان ابن مولاه رضوان‏.‏ثم تنكر له فقتله لؤلؤ ونصب في الملك أخاه سلطان شاه واستبد عليه‏.‏فلما كان سنة إحدى عشرة سار إلى قلعة جعبر لإجتماع بصاحبها سالم بن مالك فغدر به مماليكه الأتراك وقتلوه عند خرتبرت وأخذوا خزائنه‏.‏واعترضهم أهل حلب فاستعادوا منهم ما أخفوه‏.‏وولى أتابكية سلطان شاه ابن رضوان شمس الخواص بارقياس وعزل لشهر وولي بعده أبو المعالي بن الملحي الدمشقي‏.‏ثم عزل وصودر واضطربت الدولة وخاف أهل حلب من الإفرنج فاستدعوا أبا الغازي بن أرتق وحكموه على أنفسهم‏.‏ولم يجد فيها مالاً فصادر جماعة الخدم وصانع بمالهم الإفرنج حتى صار إلى ماردين بنية العود إلى حمايتها واستخلف عليها ابنه حسام الدين تمرتاش وانقرض ملك رضوان بن تتش من حلب والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

هزيمة طغركين أمام الإفرنج
كان ملك الإفرنج بغدوين صاحب القدس قد توفي سنة اثنتي عشرة وقام بملكهم بعده القمص صاحب الرها الذي كان أسره جكرمس وأطلقه جاولي كما تقدم في أخبارهم‏.‏وبعث إلى طغركين في المهادنة‏.‏وكان قد سار من دمشق لغزوهم فأبى من إجابته وسار إلى طبرية فنهبها واجتمع بقواد المصريين في عسقلان وقد أمرهم صاحبهم بالرجوع إلى رأي طغركين‏.‏ثم عاد إلى دمشق وقصد الإفرنج حصناً من أعماله فاستأمن إليهم أهله وملكوه‏.‏ثم قصدوا أذرعات فبعث طغركين ابنه بوري لمدافعتهم فتنحوا عن أذرعات إلى جبل هناك‏.‏وحاصرهم بوري وجاء إليه أبو طغركين فراسلوه ليفرج عنهم فأبى طمعاً في أخذهم واستماتوا وحملوا على المسلمين حملة صادقة فهزموهم ونالوا منهم ورجع الفل إلى دمشق‏.‏وسار طغركين إلى أبي الغازي بحلب يستنجده فوعده بالنجدة وسار إلى ماردين للحشد‏.‏ورجع طغركين إلى دمشق كذلك وتواعدوا للجبال وسبق الإفرنج إلى حلب وكان بينه وبين أبي المغازي ما نذكره في موضعه من دولة بني أرتق والله سبحانه تعالى ولي التوفيق لا رب غير ، ^? ثم اجتمع الإفرنج سنة عشرين وخمسمائة ملوكهم وقمامصتهم وساروا إلى دمشق ونزلوا مرج الصفر‏.‏وبعث أتابك طغركين بالصريخ إلى تركمان بديار بكر وغيرها وخيم قبالة الإفرنج واستخلف ابنه بوري على دمشق‏.‏ثم ناجزهم الحرب آخر السنة فاشتد القتال وصرع طغركين عن فرسه فانهزم المسلمون وركب طغركين واتبعهم ومضت خيالة الإفرنج في اتباعهم وبقي رجاله التركمان في المعركة‏.‏فلما خلص إليهم رجالة الإفرنج اجتمعوا واستماتوا وحملوا على رجالة الإفرنج فقتلوهم ونهبوا معسكرهم وعادوا غانمين ظافرين إلى دمشق‏.‏ورجت خيالة الإفرنج من اتباعهم منهزمين فوجدوا معسكرهم منهوباً ورجالهم قتلى وكان ذلك من صنع القريب‏.‏

وفاة طغركين وولاية ابنه يوري
ثم توفي أتابك ظغركين صاحب دمشق في صفر سنة اثنتين وعشرين وكان من موالي تاج الدولة تتش وكان حسن السيرة مؤثراً للعدل محباً للجهاد ولقبه ظهير الدين‏.‏ولما توفي ملك بعده ابنه تاج الدولة بوري أكبر أولاده بعهده إليه بذلك وأقر وزير أبيه أبي علي طاهر بن سعد المزدغاني على وزارته‏.‏وكان المزدغاني يرى رأي الرافضية الإسماعيلية‏.‏وكان بهرام ابن أخي إبراهيم الاستراباذي لما قتل عمه إبراهيم ببغداد على هذا المذهب لحق بالشام وملك قلعة بانياس ثم سار إلى دمشق وأقام بها خليفة يدعو إلى مذهبه‏.‏ثم فارقها وملك القدموس وغيره من حصون الجبال وقابل البصرية والدرزة بوادي التيم من أعمال بعلبك سنة اثنتين وعشرين‏.‏وغلبهم الضحاك وقتل بهرام‏.‏وكان المزدغاني قد أقام له خليفة بدمشق يسمى أبا الوفاء فكثر اتباعه وتحكم في البلد وجاء الخبر إلى بوري بأن وزيره المزدغاني والإسماعيلية راسلوا الإفرنج بأن يملكوهم دمشق فجاء إليها وقتل المزدغاني ونادى بقتل الإسماعيلية‏.‏وبلغ الخبر إلى الإفرنج فاجتمع صاحب القدس وصاحب إنطاكية وصاحب طرابلس وسائر ملوك الإفرنج وساروا لحصار دمشق‏.‏واستصرخ تاج الملك بالعرب والتركمان وجاء الإفرنج في ذي الحجة من السنة وبثوا سراياهم للنهب ولإغارة ومضت منها سرية إلى خوارزم فبعث تاج الدولة بوري سرية من المسلمين مع شمس الخواص من أمرائه لمدافعتهم فلقوهم وظفروا بهم واستلحموهم وبلغ الخبر إلى الإفرنج فأجفلوا منهزمين وأحرقوا مخلفهم واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون والله تعالى ولي التوفيق‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 04:59 PM

أسر تاج الملك لدبيس بن صدقة وتمكين عماد الدين زنكي منه
كان بصرخد من أرض الشام أميراً عليها فتوقي سنة خمس وعشرين وخلف سريته واستولت على القلعة وعلمت أنه لا يتم لها استيلاؤها إلا بتزويج رجل من أهل العصابة فوصف لها دبيس فكتبت إليه تستدعيه وهو على البصرة منابذاً للسلطان عندما رجع من عند سنجر فاتخذ الأدلاء‏.‏وسار إلى صرخد فضل به الدليل بنواحي دمشق ونزل على قوم من بني كلاب شرقي الغوطة فحملوه إلى تاج الملك فحبسه وبعث به إلى عماد الدين زنكي يستدعيه ويتهدده على منعه وأطلق سريج بن تاج الملوك والأمراء الذين كانوا مأسورين معه فبعث تاج الملك بدبيس إليه وأشفق على نفسه‏.‏فلما وصل إلى زنكي خالف ظنه وأحسن إليه وسد خلته وبسط أمله‏.‏وبعث فيه المسترشد أيضاً يطلبه وجاء بابن الأنباري وسمع في طريقه بإحسان زنكي إليه فرجع ثم أرسل المسترشد يشفع فيه فأطلق‏.‏


وفاة تاج الملوك بوري صاحب دمشق وولاية ابنه شمس الملوك إسمعيل
كان تاج المولى بوري قد ثار به جماعة من الباطنية سنة خمس وعشرين وطعنوه فأصابته جراحة واندملت‏.‏ ثم انتقضت عليه في رجب من سنة ست وعشرين لأربع سنين ونصف من إمارته وولي بعده ابنه شمس الملوك إسماعيل بعهده إليه بذلك‏.‏ وكان عهد بمدينة بعلبك وأعمالها لابنه الآخر شمس الدولة وقام بتدبير أمره الحاجب يوسف ابن فيروز شحنة دمشق وأحسن إلى الرعية وبسط العدل فيهم والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

ولما تولى شمس الملوك إسماعيل
وسار أخوه محمد إلى بعلبك خرج إليها وحاصر أخاه محمداً بها وملك البلد‏.‏ واعتصم محمد بالحصن وسأل الإبقاء فأبقي عليه ورجع إلى دمشق‏.‏ ثم سار إلى باشاش وقد كان الإفرنج الذين بها نقضوا الصلح وأخذوا جماعة من تجار دمشق في بيروت فسار إليها طاوياً وجه مذهبه حتى وصلها في صفر سنة سبع وعشرين وقاتلها ونقب أسوارها وملكها عنوة ومثل بالإفرنج الذين بها‏.‏ واعتصم فلهم بالقلعة حتى استأمنوا وملكها ورجع إلى دمشق‏.‏ ثم بلغه أن المسترشد زحف إلى الموصل فطمع هو في حماة وسار آخر رمضان وملكها يوم الفطر من غده فاستأمنوا إليه وملكها واستولى على ما فيها‏.‏ ثم سار إلى قلعة شيزر وبها صاحبها من بني منقذ فحاصرها وصانعه صاحبها بمال حمله إليه فأفرج عنه وسار إلى دمشق في ذي القعدة من السنة‏.‏ ثم سار في محرم سنة ثمان وعشرين إلى حصن شقيق في الجبل المطل على بيروت وصيدا وبه الضحاك بن جندل رئيس وادي التيم قد تغلب عليه وامتنع به‏.‏ وتحاماه المسلمون والإفرنج يحتمي من كل طائفة بالأخرى فسار إليه وملكه من وقته‏.‏ وعظم ذلك على الإفرنج فساروا إلى حوران وعاثوا في نواحيها فاحتشد هو واستنجد بالتركمان وسار حتى نزل قبالتهم وجهز العسكر هنالك‏.‏ وخرج في البر وأناخ على طبرية وعكا فاكتسح نواحيها وامتلأت أيدي عسكره بالغنائم والسبي‏.‏ وانتهى الخبر إلى الإفرنج بمكانهم من بلاد حوران فأجفلوا إلى بلادهم وعاد هو إلى دمشق وراسله الإفرنج في تجديد الهدنة فهادنهم‏.‏

مقتل شمس الملوك وولاية أخيه شهاب الدين محمود
كان شمس الملوك سيء السيرة كثير الظلم والعدوان على رعيته مرهف الحد لأهله وأصحابه حتى إنه وثب عليه بعض مماليك جده سنة سبع وعشرين وعلاه بالسيف ليقتله فأخذ وضرب فأقر على جماعة داخلوه فقتلهم وقتل معهم أخاه سونج فتنكر الناس له وأشيع عنه بأنه كاتب عماد الدين زنكي ليملكه دمشق واستحثه في الوصول لئلا يسلم البلد إلى الإفرنج فسار زنكي فصدق الناس الإشاعة وانتفض أصحاب أبيه لذلك وشكرا لأمه فأشفقت ثم تقدمت إلى غلمانه بقتله فقتلوه في ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وقيل إنه اتهم أمه بالحاجب يوسف بن فيروز فاعتزم على قتلها فهرب يوسف وقتلته أمه‏.‏ ولما قتل ولي أخوه شهاب الدين محمود من بعده ووصل أتابك زنكي بعد مقتله فحاصر دمشق من ميدان الحصار وجدوا في مدافعته والإمتناع عليه‏.‏ وقام في ذلك معين الدين أنز مملوك جدي طغركين مقاماً محموداً وجلى في المدافعة والحصار‏.‏ ثم وصل رسول المسترشد أبو بكر بن بهثر الجزري إلى أتابك زنكي يأمره بمسالمة صاحب دمشق الملك ألب أرسلان شهاب الدين محمود وصلحه معه فرحل عن دمشق

ميارى 7 - 8 - 2010 05:00 PM

استيلاء شهاب الدين محمود على حمص
كانت حمص لقيرجان بن قراجا ولولده من بعده والموالي بها من قبلهما وطالبهم عماد الدين زنكي في تسليمها وضايقهم في نواحيها فراسلوا شهاب الدين صاحب دمشق في أن يملكها ويعوضهم عنها بتدمر فأجاب واستولى على حمص وسار إليها سنة ثلاثين وأقطعها لمملوك جده معين الدين أنز وأنزل معه حامية من عسكره ورجع إلى دمشق واستأذنه الحاجب يوسف بن فيروز في العود من تدمر إلى دمشق وقد كان هرب إليها كما قدمناه‏.‏ وكان جماعة من الموالي منحرفين عنه بسبب ما تقدم في مقتل سونج فنكروا ذلك فلاطفهم ابن فيروز واسترضاهم وحلف لهم أنه لا يتولى شيئاً من الأمور‏.‏ ولما دخل رجع إلى حاله فوثبوا عليه وقتلوه وخيموا بظاهر دمشق واشتطوا في الطلب فلم يسعفوا بكلمة فلحقوا بشمس الدولة محمد بن تاج الملوك في بعلبك وبثوا السرايا إلى دمشق فعاثت في نواحيها حتى أسعفهم شهاب الدين بكل ما طلبوه فرجعوا إلى ظاهر دمشق وخرج لهم شهاب الدين وتحالفوا ودخلوا إلى البلد‏.‏ وولى مرواش كبيرهم على العساكر وجعل إليه الحل والعقد في دولته والله اعلم‏.‏

استيلاء عماد الدين زنكي على حمص وغيرها من أعمال دمشق
ثم سار أتابك زنكي إلي حمص في شعبان سنة إحدى وثلاثين وقدم إليه حاجبه صلاح الدين الباغيسياني وهو أكبر أمرائه مخاطباً وإليها معين الدين أنز في تسليمها فلم يفعل‏.‏ وحاصرها فامتنعت عليه فرحل عنها آخر شوال من السنة‏.‏ ثم سار سنة اثنتين وثلاثين إلى نواحي بعلبك فملك حصن المحولي على الأمان وهو لصاحب دمشق‏.‏ ثم سار إلى حمص وحاصرها وعاد ملك الروم إلى حلب فاستدعى الفرنج وملك كثيراً من الحصون مثل عين زربة وتل حمدون وحاصر إنطاكية ثم رجع وأفرج أتايك زنكي حلال ذلك عن حمص‏.‏ ثم عود منازلتها بعد
مسير الروم وبعث إلى شهاب الدين صاحب دمشق يخطب إليه أمه مرد خاتون ابنة جاولي طمعاً في الاستيلاء على دمشق فزوجها له ولم يظفر بما أمنه من دمشق‏.‏ وسلموا له حمص وقلعتها وحملت إليه خاتون في رمضان من السنة والله أعلم‏.‏

مقتل شهاب الدين محمود وولاية أخيه محمد
لما قتل شهاب الدين محمود في شوال سنه ثلاث وثلاثين اغتاله ثلاث من مواليه في مضجعه بخلوته وهربوا فنجا واحد منهم وأصيب الآخران كتب معين الدين أنز إلى أخيه شمس الدين محمد بن بوري صاحب بعلبك بالخير فسارع ودخل دمشق وتبعه الجند والأعيان وفوض أمر دولته إلى معين الدين أنز مملوك جده وأقطعه بعلبك واستقامت أموره‏.‏

استيلاء زنكي على بعلبك وحصاره دمشق
ولما قتل شهاب الدين محمود وبلغ خبره إلى أمه خاتون زوجة أتابك زنكي بحلب عظم جزعها عليه وأرسلت إلى زنكي بالخبر وكان بالجزيرة وسألت منه الطلب بثأر ابنها فسار إلى دمشق واستعدوا للحصار فعدل إلى بعلبك‏.‏ وكانت لمعين الدين أنز كما قلناه وكان أتابك زنكي دس إليه الأموال ليمكنه من دمشق فلم يفعل فسار إلى بلده بعلبك وجد في حربها ونصب عليها المجانيق حتى استأمنوا إليه وملكها في ذي الحجة آخر سنة ثلاث وثلاثين‏.‏ واعتصم جماعة من الجند بقلعتها ثم استأمنوا فقتلهم وأرهب الناس بهم‏.‏ ثم سار إلى دمشق وبعث إلى صاحبها في تسليمها والنزوك عنها على أن يعوضه عنها فلم يجب إلى ذلك فزحف إليها ونزل داريا منتصف ربيع الأول سنة أربع وثلاثين‏.‏ وبرزت إليه عساكر دمشق فظفر بهم وهزمهم ونزل المصلى وقاتلهم فهزمهم ثانياً‏.‏ ثم أمسك عن قتالهم عشرة أيام وتابع الرسل إليه بأن يعوضه عن دمشق ببعلبك أو حمص أو ما يختاره فمنعه أصحابه فعاد زنكي إلى القتال واشتد في الحصار والله سبحانه وتعالى أعلم وبه التوفيق‏.‏

وفاة جمال الدين محمد بن بوري وولاية ابنه مجير الدين أنز
ثم توفي جمال الدين محمد بن بوري صاحب دمشق رابع شعبان سنة أربع وثلاثين وزنكي محاصر بها وهو ومعه في مراوضة الصلح وجمع زنكي فيما عساه أن يقع بين الأمراء من الخلاف فاشتد في الزحف فما وهنوا لذلك وولوا من بعد جمال الدين محمداً ابنه مجير الدين أنز وأقام بتربيته وتدبير دولته معين الدين أنز مدبر دولته‏.‏ وأرسل إلى الإفرنج يستنجدهم على مدافعة زنكي على أن يحاصر قاشاش فإذا فتحها أعطاهم إياها فأجابوا إلى ذلك حذراً من استطالة زنكي بملك دمشق فسار زنكي للقائهم قبل اتصالهم بعسكر دمشق ونزل حوران في رمضان من السنة فخام الإفرنج عن لقائه وأقاموا ببلادهم فعاد زنكي إلى حصار دمشق في شوال من السنة ثم أحرق قرى المرج والغوطة ورحل عائداً إلى بلده‏.‏ ثم وصل الإفرنج إلى دمشق بعد رحيله فسار معهم معين الدين أنز إلى قاشاش من ولاية زنكي ليفتحها ويعطيها للإفرنج كما عاهدهم عليه وقد كان واليها أغار على مدينه صور ولقيه في طريقه صاحب إنطاكية وهو قاصد إلى دمشق لانجاد صاحبها علي زنكي فقتل الوالي ومن معه من العسكر ولجأ الباقون إلى قاشاش وجاء معين الدين أنز أثر ذلك في العساكر فملكها وسلمها للإفرنج‏.‏ وبلغ الخبر إلى أتابك زنكي فسار إلى دمشق بعد أن فرق سراياه وبعوثه على حوران وأعمال دمشق وسار هو متجرداً إليها فصبحها وخرج العسكر لقتاله فقاتلهم عامة يومه‏.‏ ثم تأخر إلى مرج راهط وانتظر بعوثه حتى وصلوا إليه وقد امتلأت أيديهم بالغنائم ورحل عائداً إلى بلده‏.‏ كان الإفرنج منذ ملكوا سواحل الشام ومدنه تسير إليهم أمم الإفرنج من كل ناحية من بلادهم مدداً لهم على المسلمين لما يرونه من تفرد هؤلاء بالشام بين عدوهم‏.‏ وسار في سنة ثلاث وأربعين ملك الألمان من أمراء الإفرنج من بلاده في جموع عظيمة قاصداً بلاد الإسلام لا يشك في الغلب والاستيلاء لكثرة عساكره وتوفر عدده وأمواله‏.‏ فلما وصل الشام اجتمع عساكر الإفرنج الذين له ممتثلين أمره فأمرهم بالمسير معه إلى دمشق فساروا لذلك سنة ثلاث وأربعين وحاصروها فقام معين الدين أنز في مدافعتهم المقام المحمود‏.‏ ثم قاتلهم الإفرنج سادس ربيع الأول من السنة فنالوا من المسلمين بعد الشدة والمصابرة واستشهد ذلك اليوم الفقيه حجة الدين يوسف العندلاوي المغربي وكان عالماً زاهداً‏.‏ وسأله معين الدين يومئذ في الرجوع لضعفه وسنه فقال له قد بعت واشترى مني فلا أقيل ولا أستقيل يشير إلى آية الجهاد وتقدم حتى استشهد عند أسرت على نصف فرسخ من دمشق‏.‏ واستشهد معه خلق وقوي الإفرنج ونزل ملك الألمان الميدان الأخضر‏.‏ وكان عماد الدين زنكي صاحب الموصل قد توفي سنة إحدى وأربعين وولي ابنه سيف الدين غازي الموصل وابنه نور الدين محمود حلب فبعث معين الدين أنز إلى سيف الدين غازي صاحب الموصل يستنجده فجاء لانجاده ومعه أخوه نور الدين وانتهوا إلى مدينة حمص‏.‏ وبعث إلى الإفرنج يتهددهم فاضطروا إلى قتاله وانقسمت مؤنتهم بين الفريقين وأرسل معين الدين إلى الألمان يتهددهم بتسليم البلد إلى ملك المشرق يعني صاحب الموصل وأرسل إلى فرنج الشام يحذرهم من استيلاء ملك الألمان على دمشق فإنه لا يبقى لكم معه مقام في الشام‏.‏ ووعدهم بحصن قاشاش فاجتمعوا إلى ملك الألمان وخوفوه من صاحب الموصل أن يملك دمشق فرحل عن البلد وأعطاهم معين الدين قلعة قاشاش وعاد ملك الألمان إلى بلاده على البحر المحيط في أقصى الشمال والمغرب‏.‏ ثم توفي معين الدين أنز مدبر دولة أتق والمتغلب عليه سنة أربع وأربعين لسنة من حصار ملك الألمان والله أعلم‏.‏

استيلاء نوري الدين محمود العادل على دمشق
وإنقراض بني تتش من الشام كان سيف الدين غازي بن زنكي صاحب الموصل قد توفي سنة أربع وأربعين وملك أخوه قطب الدين وانفرد أخوه الآخر نور الدين محمود بحلب وما يليها‏.‏ وتجرد لطلب دمشق ولجهاد الإفرنج‏.‏ واتفق أن الإفرنج سنة ثمان وأربعين ملكوا عسقلان من يد خلفاء العلوية لضعفهم كما مر في أخبار دولتهم‏.‏ ولم يجد نور الدين سبيلا إلى ارتجاعها منهم لاعتراض دمشق بينه وبينهم‏.‏ ثم طمعوا في ملك دمشق بعد عسقلان‏.‏ وكان أهل دمشق يؤثون إليهم الضريبة فيدخلون لقبضها ويتحكمون فيهم ويطلقون من أسرى الإفرنج الذين بها كل من أراد الرجوع إلى أهله فخشي نور الدين عليها من الإفرنج ورأى أنه إن قصدها استنصر صاحبها عليه بالإفرنج فراسل صاحب مجير الدين واستماله بالهدايا حتى وثق به فكان يغريه بأمرائه الذين يجد بهم القوة على المدافعة واحداً واحداً ويقول له إن فلانا كاتبني بتسليم دمشق فيقتله مجير الدين حتى كان آخرهم عطاء بن حافظ السلمي الخادم وكان شديداً في مدافعة نور الدين فأرسل إلى مجير الدين بمثلها فيه فقبض عليه وقتله‏.‏ فسار حينئذ نور الدين إلى دمشق بعد أن كاتب الأحداث الذين بها واستمالهم فوعدوه وأرسل مجير الدين إلى الإفرنج يستنجده من نور الدين على أن يعطيهم بعلبك فأجابوه وشرعوا في الحشد وسبقهم نور الدين إلى دمشق فثار الأحداث الذين كاتبهم وفتحوا له الباب الشرقي فدخل منه وملكها‏.‏ واعتصم مجير الدين بالقلعة فراسله في النزول عنها وعوضه مدينة حمص فسار إليها ثم عوضه عن حمص بالس فلم يرضها‏.‏ وسار إلى بغداد واختط بها داراً قرب النظامية وتوفي بها‏.‏ واستولى نور الدين على دمشق وأعمالها واستضافها إلى ملكه حتى حلب‏.‏ وانقرض ملك بني تتش من الشام والبلاد الفارسية أجمع والبقاء لله وحده والله مالك الملك لا رب غيره سبحانه وتعالى‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:00 PM

الخبر عن دولة قطلمش وبنيه ملوك قونية
كان قطلمش هذا من عظماء أهل هذا البيت ونسبه مهم مختلف فقيل قطلمش بن بيقو وابن الأثير تارة يقول قطلمش ابن عم طغرلبك وتارة يقول قطلمش بن إسرائيل من سلجوق ولعله بيان ذلك الإجمال‏.‏ ولما انتشر السلجوقية في البلاد طالبين للملك دخل طلمش هذا إلى بلاد الروم وملك قونية وأقصرا ونواحيهما وبعثه السلطان طغرلبك بالعساكر مع قريش بن بدران صاحب الموصل في طلب دبيس بن مزيد عندما أظهر الدولة العلوية في الحلة وأعمالها فهزمهم دبيس والبساسيري كما تقدم في أخبارهم‏.‏ ثم عصى على السلطان ألب أرسلان بعد طغرلبك وقصد الري ليملكه وقاتله ألب أرسلان سنة ست وخمسين فانهزم عسكر قطلمش ووجد بين القتلى فتجمع له ألب أرسلان وقعد للعزاء فيه كما تقدم في أخبارهم‏.‏ وقام بأمره ابنه سليمان وملك قونية وأقصرا وغيرهما من الولاية التي كانت بيد أبيه وافتتح أنطاكيه من يد الروم سنة سبع وسبعين وأربعمائة وقد كانوا ملكوها منذ خمس وخمسين وأربعمائة فأخذها منهم وأضافها إلى ملكه‏.‏ وقد تقم خبر ملكه إياها في دولتهم وكان لمسلم بن قريش صاحب الموصل ضريبة على الروم بإنطاكية فطالب بها سليمان بن قطلمش فامتعض لذلك وأنف منه‏.‏ فجمع مسلم العرب والتركمان لحصار إنطاكية ومعه جق أمير التركمان والتقيا سنة ثمان وسبعين‏.‏ وانحاز جق إلى سليمان فانهزم العرب وسار سليمان بن قطلمش لحصار حلب فامتنعت عليه وسألوه الامهال حتى يكاتب السلطان ملك شاه‏.‏ ودسوا إلى تاج الدولة تتش صاحب دمشق يستدعونه فأغذ السير واعترضه سليمان بن قطلمش على غير تعبئة فانهزم وطعن نفسه بخنجر فمات وغنم تتش معسكره‏.‏ وملك بعده ابنه قليج أرسلان أقام في سلطانه‏.‏ ولما زحف الإفرنج إلى سواحل الشام سنة تسعين وأربعمائة جعلوا طريقهم على القسطنطينية فمنعهم من ذلك ملك الروم حتى شرط عليهم أن يعطوه إنطاكية إذا ملكوها فأجابوا لذلك وعبروا خليج القسطنطينية ومروا ببلاد قليج أرسلان بن سليمان بن قطلمش فلقيهم في جموعه قريباً من قونية فهزموه وانتهوا إلى بلاد ابن ليون الأرمني فمروا منها إلى إنطاكية وبها باغيسيان من أمراء السلجوقية فاستعد للحصار وأمر بحفر الخندق فعمل فيه المسلمون يوماً ثم عمل فيه النصارى الذين كانوا بالبلد من الغد‏.‏ فلما جاءوا للدخول منعهم وقال أنا لكم في مخلفكم حتى ينصرف هؤلاء الإفرنج‏.‏ وزحفوا إليه فحاصروه تسعة أشهر‏.‏ ثم عدا بعض الحامية من سور البلد عليهم فأدخلوهم من بعض مسارب الوادي وأصبحوا في البلد فاستباحوه وركب باغيسيان للصلح فهرب ولقيه حطاب من الأرمن فجاء برأسه إلى الإفرنج وولى عليها بيشمند من زعماء الإفرنج‏.‏ وكان صاحب حلب وصاحب دمشق قد عزما على النفير إلى إنطاكية لمدافعتهم فكاتبهم الإفرنج بالمسالمة وانهم لا يعرضون لغير إنطاكية فأوهن ذلك من عزائمهم وأقصروا عن انجاد باغيسيان‏.‏ وكان التركمان قد انتشروا في نواحي العراق وكان كمستكين بن طبلق المعروف أبوه بالوانشمند ومعناه المعلم عندهم قد ملك سيواس من بلاد الروم مما يلي إنطاكية‏.‏ وكان بملطية مما يحاصرها متغلب آخر من التركمان وبينه وبين الوانشمند حروب فاستنجد صاحب ملطية عليه الإفرنج وجاء بيفل من إنطاكية سنة ثلاث وتسعين في خمسة آلاف فلقيه ابن الوانشمند وهزمه وأخذه أسيراً‏.‏ وجاء الإفرنج لتخليصه فنازلوا قلعة أنكورية وهي أنقرة فأخذوها عنوة‏.‏ ثم ساروا إلى أخرى فيها إسماعيل بن الوانشمند وحاصروها فجمع ابن الوانشمند وقاتلهم وأكمن لهم وكانوا في عدد كثير‏.‏ فلما قاتلهم استطرد لهم حتى خرج عليهم الكمين وكر عليهم فلم يفلت منهم أحد‏.‏ وسار إلى ملطية فملكها وأسر صاحبها وجاءه الإفرنج من إنطاكية فهزمهم‏.‏

استيلاء قليج أرسلان على الموصل
كانت الموصل وديار بكر والجزيرة بيد جكرمش من قواد السلجوقية فمنع الحمل وهم بالانتقاض فأقطع السلطان الموصل وما معها لجاولي بن سكاوو والكل من قوادهم وأمرهم بالمسير لقتال الإفرنج‏.‏ فسار جاولي وبلغ الخبر لجكرمش فسار من الموصل إلى إربل وتعاقد مع أبي الهيجاء بن موشك الكردي الهدباي صاحب أربل وانتهى إلى البواريج فعبر إليه جكرمش دجلة وقاتله فانهزمت عساكر جكرمش وبقي جكرمش واقفاً لفالج كان به فأسره جاولي ولحق الفل بالموصل فنصبوا مكانه ابنه زنكي صبياً صغيراً وأقام بأمره غزغلي مولى أبيه وكانت القلعة بيده وفرق الأموال والخيول‏.‏ واستعد لمدافعة جاولي وكاتب صدقة بن مزيد والبرسقي شحنة بغداد وقليج أرسلان صاحب بلاد الروم يستنجدهم ويعد كلاً منهم بملك الموصل إذا دافعوا عنه جاولي فأعرض صدقة عنه ولم يحتفل بذلك‏.‏ ثم سار جاولي إلى الموصل وحاصرها وعرض جكرمش للقتل أو يسلموا إليه البلد فامتنعوا وأصبح جكرمش في بعض أيام حصارها وسمع جاولي بأن قليج أرسلان سار في عساكره إلى نصيبين فأفرج عن الموصل وسار إلى سنجار وسبق البرسقي إليها بعد رحيل جاولي وأرسل إلى أهلها فلم يجيبوه بشيء‏.‏ وعاد إلى بغداد واستدعى رضوان صاحب دمشق جاولي سكاوو لمدافعة الإفرنج عنه فساروا إليه‏.‏ وخرج من الموصل عسكر جكرمش إلى قليج أرسلان بنصيبين فتحالفوا معه وجاءوا به إلى الموصل فملكها آخر رجب من سنة خمسمائة‏.‏ وخرج إليه ابن جكرمش وأصحابه وملك القلعة من غزغلي وجلس على التخت وخطب لنفسه بعد الخليفة وأحسن إلى العسكر وسار في الناس بالعدل‏.‏ وكان في جملته إبراهيم بن نيال التركماني صاحب آمد ومحمد بن جق التركماني صاحب حصن زياد وهو خرت برت‏.‏ وكان إبراهيم بن نيال قد ولى تتش على آمد حين ولي ديار بكر وكانت بيده‏.‏ وأما خرت برت فكانت بيد القلادروس ترجمان الروم والرها وإنطاكية من أعماله فملك سليمان بن قطلمش إنطاكية‏.‏ وملك فخر الدولة بن جهير ديار بكر فضت القلادروس وملك جق خرت برت من يده‏.‏ وأسلم القلادروس على يد السلطان ملك شاه وأمره على الرها فأقام بها حتى مات‏.‏ وملكها جق هي وما جاورها من الحصون أورثها ابنه محمداً بعد موته والله تعالى ولي التوفيق‏.‏

الحرب بين قليج أرسلان وبين الإفرنج
كان سمند صاحب إنطاكية من الإفرنج قد وقعت بينه وبين ملك الروم بالقسطنطينية وحشة واستحكمت‏.‏ وسار سمند فنهب بلاد الروم وعزم على قصد إنطاكية فاستنجد ملك الروم بقليج أرسلان فأمده بعساكره‏.‏ وسار مع ذلك الروم فهزموا الإفرنج وأسروهم ورجع الفل إلى بلادهم بالشام فاعتزموا على قصد قليج أرسلان بالجزيرة فأتاهم خبر مقتله فأقصروا والله

ميارى 7 - 8 - 2010 05:01 PM

مقتل قليج أرسلان وولاية ابنه مسعود
وقد تقدم لنا استيلاء قليج أرسلان على الموصل وديار بكر وأعمالها وجلوسه على التخت وأن جاولي سكاوو سار إلى سنجار ثم سار منها إلى الرحبة‏.‏ وكان قليج أرسلان خب له بها صاحبها محمد بن السباق من بني شيبان بعد مهلك دقاق وانتقاضه على أبيه‏.‏ فلما حاصرها جاولي بعث إليه رضوان بن تتش صاحب حلب في النجدة على الإفراج لما ساروا إلى بلاده فوعده لانقضاء الحصار‏.‏ وجاء رضوان فحضر عنده واشتد الحصار على أهل الرحبة وغدر بعضهم فأدخل أصحاب جاولي ليلا ونهبوها إلى الظهر‏.‏ وخرج إليه صاحبها محمد الشيباني فأطاعه ورجع عنه‏.‏ وبلغ الخبر إلى قليج أرسلان فسار من الموصل لحرب جاولي واستخلف عليها ابنه ملك شاه صبياً صغيراً مع أمير يدبره‏.‏ فلما انتهى إلى الخابور هرب عنه إبراهيم بن نيال صاحب آمد ولحق ببلده‏.‏ واعتزم قليج أرسلان على المطاولة واستدعى عسكره الذين انجدهم ملك الروم على الإفرنج فجاءوا إليه واغتنم جاولي قلة عسكره فلقيه آخر ذي القعدة من السنة واشتدت الحرب‏.‏ وحمل قليج أرسلان على جاولي بنفسه‏.‏ وصرع صاحب الراية وضرب جاولي بسيفه‏.‏ ثم حمل أصحاب جاولي عليه فهزموه وألقى نفسه في الخابور فغرق‏.‏ وسار جاولي إلى الموصل فملكها وأعاد خطبة السلطان محمد‏.‏ وبعث إليه ملك شاه بن قليج أرسلان وولى مكان قليج أرسلان في قونية وأقصرا وسائر بلاد الروم ابنه مسعود واستقام له ملكها‏.‏

استيلاء مسعود بن قليج أرسلان على ملطية وأعمالها
كانت ملطية وأعمالها وسيواس لابن الوانشمند من التركمان كما مر وكانت بينه وبينهم حروب وهلك كمستكين بن الوانشمند وولي مكانه ابنه محمد‏.‏ واتصلت حروبه مع الإفرنج كما كان أبوه معهم‏.‏ ثم هلك سنة سبع وثلاثين فاستولى مسعود بن قليج أرسلان على الكثير منها وبقي الباقي بيد أخيه باغي أرسلان بن محمد‏.‏

وفاة مسعود بليج وولاية ابنه قليج الآن قرسن
ثم توفي مسعود بن قليج أرسلان سنة إحدى وخمسين وخمسمائة وملك مكانه ابنه قليج أرسلان فكانت بينه وبين باغي أرسلان بن الوانشمند وصاحب ملطية وما جاورها من ملك الروم حروب بسبب أن قليج أرسلان تزوج بنت الملك طليق بن علي بن أبي القاسم فزوجها إليه بجهاز عظيم وأغار عليه باغي أرسلان صاحب ملطية فأخذها بما معها وزوجها بابن أخيه في النون بن محمد بن الوانشمند أن أشار عليها بالردة لينفسخ النكاح‏.‏ ثم عامت إلى الإسلام وزوجها بابن أخيه فجمع قليج أرسلان عساكره وسار إلى باغي أرسلان بن الوانشمند فهزمه باغي أرسلان واستنجد ملك الروم فأمده بعسكر‏.‏ وسار باغي أرسلان خلال ذلك‏.‏ وولي إبراهيم ابن أخيه محمد وملك قليج أرسلان بعض بلاده واستولى أخوه ذو النون بن محمد بن الوانشمند على قيسارية‏.‏ وانفرد شاه بن مسعود أخو قليج أرسلان بمدينة أنكورية وهي أنقرة واستقرت الحال على ذلك‏.‏ ثم وقعت الفتنة بين قليج أرسلان وبين نور الدين محمود بن زنكي وتراجعوا للحرب‏.‏ وكتب الصالح بن رزيك المتغلب على العلوي بمصر إلى قليج أرسلان ينهاه عن ذلك‏.‏ ثم هلك إبراهيم بن محمد بن الوانشمند وملك مكانه أخوه ذو النون وانتقض قليج أرسلان عليه وملك ملطية من يده والله تعالى أعلم‏.‏

مسير نور الدين العادل إلى بلاد قليج أرسلان
ثم سار نور الدين محمود بن زنكي سنة ثمان وستين إلى ولاية قليج أرسلان بن مسعود ببلاد الروم وهي ملطية وسيواس وأقصرا فجاءه قليج أرسلان متنصلا معتذراً فكرمه وثنى عزمه عن قصد بلاده‏.‏ ثم أرسل إليه شفيعاً في ذي النون بن الوانشمند يرد عليه بلاده فلم يشفعه فسار إليه‏.‏ وملك مرعش ونهسنا وما بينهما في ذي القعدة من السنة‏.‏ وبعث عسكراً إلى سيواس فملكوها فمال قليج أرسلان إلى الصلح‏.‏ وبعث إلى نور الدين يستعطفه وقد بلغه عن الفرنج ما أزعجه فأجابه على أن يمده بالعساكر للغزو وعلى أن يبقي سيواس بيد نواب نور الدين وهي لذي النون بن الوانشمند‏.‏ ثم جاءه كتاب الخليفة بإقطاع البلاد ومن جملتها بلاد قليج أرسلان وخلاط وديار بكر‏.‏ ولما مات نور الدين عادت سيواس لقليج أرسلان وطرد عنها نواب في النون‏.‏

مسير صلاح الدين لحرب قليج أرسلان
كان قليج أرسلان بن مسعود صاحب بلاد الروم قد زوج بنته من نور الدين محمود بن قليج أرسلان بن داود بن سقمان صاحب حصن كيفا وغيره من ديار بكر وأعطاه عدة حصون فلم يحسن عشرتها وتزوج عليها وهجر مضجعها وامتعض أبوها قليج أرسلان لذلك‏.‏ واعتزم على غزو نور الدين في ديار بكر وأخذ بلاط فاستجار نور الدين بصلاح الدين بن أيوب واستشفع به فلم يشفعه‏.‏ وتعلل بطلب البلاد التي أعطاه عند المصاهرة فامتعض صلاح الدين لذلك‏.‏ وكان يحارب الإفرنج بالشام فصالحهم وسار في عساكره إلى بلاد الروم‏.‏ وكان الصالح إسماعيل بن نور الدين محمود بالشام فعدل عنه ومر على تل باشر إلى زغبان ولقي بها نور الدين محمد صاحب كيفا‏.‏ وبعث إليه قليج أرسلان رسولاً يقرر غدره بابنته فاغتاظ على الرسول وتوعده بأخذ بلادهم فتلطف له الرسول‏.‏ وخلص معه نجيا فقبح له ما ارتكبه من أجل هذه المرأة من ترك الغزو ومصالحة العدو وجمع العساكر وخساره وأن بنت قليج أرسلان لو بعثت إليه بعد وفاة أبيها تسأل منه النصفة بينها وبين زوجها لكان أحق ما تقصده فامتنعت‏.‏ وعلم أن على نفسه الحق فأمر الرسول أن يصلح بينهم ويكون هو عوناً له على ذلك فداخلهم ذلك الرسول في الصلح على أن يطلق هذه المرأة بعد سنة ويعقد بينهم ذلك‏.‏ ورجع كل إلى بلده ووفى نور الدين بما عقد على نفسه والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:02 PM

قسمه قليج أرسلان أعماله بين ولده وتغلبهم عليه
ثم قسم قليج أرسلان سنة سبع وثمانين أعماله بين ولده فأعطى قونية بأعمالها لغياث الدين كسنجر واقصرا وسيواس لقطب الدين ودوقاط لركن الدين سليمان وأنقرة وهي أنكورية لمحيي الدين وملطية لعز الدين قيصر شاه و ‏"‏ ‏"‏ ولمغيث الدين وقيسارية لنور الدين محمود وأعطى تكسار واماسا لابني أخيه‏.‏ وتغلب عليه ابنه قطب الدين وحمله على انتزاع ملطية من يد قيصر شاه فانتزعها ولحق قيصر شاه بصلاح الدين بن أيوب مستشفعاً به فأكرمه وزوجه ابنة أخيه العادل‏.‏ وشفع له عند أبيه وأخيه فشفعوه وردوا عليه ملطية‏.‏ ثم زاد تغلب ركن الدين وحجر عليه وقتل دائبة في مدينته ‏"‏ ‏"‏ وهو اختيار الدين حسن فخرج سائر بنيه عن طاعته وأخذ قطب الدين أباه وسار به إلى قيسارية ليملكها من أخيه فهرب قليج أرسلان ودخل قيسارية‏.‏ وعاد قطب الدين إلى قونية واقصرا فملكهما وبقي قليج أرسلان ينتقل بين ولده من واحد إلى آخر وهم معرضون عنه حتى استنجد بغياث الدين كسنجر صاحب منهم فأنجده وسار معه إلى قونية فملكها‏.‏ ثم سار إلى أقصرا وحاصرها ثم مرض قليج أرسلان وعاد إلى قونية فتوفي فيها‏.‏ وقيل إنما اختلف ولده عليه لأنه ندم على قسمة أعماله بينهم وأراد إيثار ابنه قطب الدين بجميعها وانتقضوا عليه لذلك وخرجوا عن طاعته وبقي يتردد بينهم وقصد كسنجر وصاحب قونية فأطاعه وخرج معه بالعساكر لحصار محمود أخيه في قيسارية وتوفي قليج أرسلان وهو محاصر لقيسارية ورجع غياث الدين إلى قونية‏.‏

وفاة قليج أرسلان وولاية ابنه غياث الدين
ثم توفي قليج أرسلان بمدينة قونية أو على قيسارية كما مر من الخلاف منتصف ثمان وثمانين لسبع وعشرين سنة من ملكه وكان مهيباً عادلاً حسن السياسة كثير الجهاد‏.‏ ولما توفي واستقل ابنه غياث الدين كسنجر بقونية وما إليها‏.‏ وكان قطب الدين أخوه صاحب اقصرا وسيواس‏.‏ وكان كلما سار من إحداهما إلى الأخرى يجعل طريقه على قيسارية وبها أخوه نور الدين محمود يتلقاه بظاهرها حتى استنام إليه مدة فغدر به وقتله وامتنع أصحابه بقيسارية‏.‏ وكان كبيرهم حسن فقتله مع أخيه ثم أطاعوه وأمكنوه من البلد ومات قطب الدين إثر ذلك‏.‏ ولما توفي قليج أرسلان وولي بعده في قونية ابنه غياث الدين كسنجر وبنوه يومئذ على حالتهم في ولا يهم التي قسمها بينهم أبوهم‏.‏ وملك قطب الدين منهم قيسار بعد أن غدر بأخيه محمود صاحبها‏.‏ ومات قطب الدين إثر ذلك فسار ركن الدين سليماً صاحب دوقاط إلى التغلب على أعمال سلفه ببلاد الروم فسار إلى سيواس واقصرا وقيسارية أعمال قطب الدين فملكها‏.‏ ثم سار إلى قونية فحاصر بها غياث الدين وملكها ولحق غياث الدين بالشام كما يأتي خبره‏.‏ ثم سار إلى نكسار وأماسا فملكهما وسار إلى ملطية سنة سبع وتسعين فملكها من يد معز الدين قيصر شاه ولحق معز الدين بالعادل أبي بكر بن أيوب‏.‏ ثم سار إلى أرزن الروم وكانت لولد الملك محمد بن حليق من بيت ملك قديم وخرج إليه صاحبها ليقرر معه صلحاً فقبض عليه وملك البلد فاجتمع لركن الدين سائر أعمال إخوته ما عدا أنقرة لحصانتها فجمر عليها الكتائب وحاصرها ثلاثاً‏.‏ ثم لحق من قتل أخاه وملك البلد سنة إحدى وستمائة وتوفي هو عقب ذلك والله تعالى أعلم‏.‏

وفاة ركن الدين وولاية ابنه قليج أرسلان
ثم توفي ركن الدين سليمان بن قليج أرسلان أوائل ذي القعدة من تمام سنة إحدى وستمائة وولي بعده ابنه قليج أرسلان فلم تطل مدته‏.‏ وكان ركن الدين ملكاً حازماً شديداً على

استيلاء غياث الدين كسنجر على بلاد الروم من أخيه ركن الدين
كان غياث الدين كسنجر بن قليج أرسلان لما ملك أخوه ركن الدين قرنية من يده لحق بحلب وفيها الظاهر غازي بن صلاح الدين فلم يجد عنده قبولاً فسار إلى القسطنطينية وأكرمه ملك الروم وأصهر إليه بعض البطارقة في ابنته‏.‏ وكانت له قرية حصينة في أعمال قسطنطينية فلما استولى الإفرنج على القسطنطينية سنة ستمائة لحق غياث الدين بقلعة صهره البطريق‏.‏ وبلغ إليه خبر أخيه تلك السنة وبعث إليه بعض الأمراء من قونية يستدعيه للملك فسار إليه واجتمعوا على حصار قونية‏.‏ وخرجت إليهم العساكر منها فهزموه ولحق ببعض البلاد فتحصن بها‏.‏ ثم قام أهل اقصرا بدعوته وطردوا واليهم وبلغ الخبر إلى أهل قونية فثاروا بقليج أرسلان بن ركن الدين وقبضوا عليه واستدعوا غياث الدين فملكوه وأمكنوه من ابن أخيه‏.‏ وكان أخوه قيصر شاه قد لحق بصهره العادل أبي بكر بن أيوب فاستنصر به على أخيه ركن الدين عندما ملك ملطية من يده فأمر له بالرها‏.‏ واستفحل ملك غياث الدين وقصده علي بن يوسف صاحب شميشاط ونظام الدين بن أرسلان صاحب خرت برت وغيرهما‏.‏ وعظم شأنه إلى أن قتله أشكر صاحب قسطنطينية سنة سبع وستمائة والله تعالى ولي التوفيق‏.‏

مقتل غياث الدين كسنجر وولاية ابنه كيكاوس
ولما قتل غياث الدين كسنجر وولي بعده ابنه كيكاوس ولقبوه الغالب بالله‏.‏ وكان عمه طغرل شاه بن قليج أرسلان صاحب أرزن الروم طلب الأمر لنفسه وسار إلى قتال كيكاوس ابن أخيه وحاصره في سيواس وقصد أخوه كيقباد بن كسنجر بلد أنكورية من أعماله فاستولى عليها‏.‏ وبعث كيكاوس صريخه إلى الملك العادل صاحب دمشق فانفذ إليه العساكر وأفرج طغرل عن سيواس قبل وصولهم فسار كيكاوس إلى أنكورية وملكها من يد أخيه كيقباد وحبسه وقتل أمراءه وسار إلى عمه طغرل في أرزن الروم فظفر به سنة عشر وقتله وملك بلاده‏.‏

مسير كيكاوس إلى حلب واستيلاؤه على بعض أعمالها
ثم هزيمته وارتجاع البلد من يده كان الظاهر بن صلاح الدين صاحب حلب قد توفي وملك بعده ابنه طفلاً صغيراً وكان بعض أهل حلب قد لحق بكيكاوس فراراً من الظاهر وأغراه بملك حلب وهون عليه أمرها وملك ما بعدها‏.‏ ولما مات الظاهر قوي عزمه وطمعه في ذلك واستدعى الأفضل بن صلاح الدين من شميشاط للمسير معه على أن تكون الخطبة لكيكاوس والولاية للأفضل في جميع ما يفتحونه من حلب وأعمالها‏.‏ فإذا فتحوا بلاد الجزيرة مثل حران والرها من يد الأشرف لكون ولايتها لكيكاوس وتعاقدوا على ذلك‏.‏ وساروا سنة عشرة فملكوا قلعة زغبان وتسلمها الأفضل على الشرط ثم ملكوا قلعة تل باشي فاستأثر بها كيكاوس وارتاب الأفضل‏.‏ ثم بعث ابن الظاهر صاحب حلب إلى الأشرف بن العادل صاحب الجزيرة وخلاط يستنجده على أن يخطب له بحلب وينقش اسمه على السكة فسار لإنجاده ومعه احياء طيء من العرب فنزل بظاهر حلب‏.‏ وسار كيكاوس والأفضل إلى منبج ولقيت طليعتهم طليعة الظاهر فاقتتلوا‏.‏ وعاد عسكر كيكاوس منهزمين إليه فأجفل وسار الأشرف إلى زغبان وتل باشر وبهما أصحاب كيكاوس فغلبهم عليهما‏.‏ وأطلقهم إلى صاحبهم فأحرقهم بالنار وسلم الأشرف الحصنين إلى شهاب الدين بن الظاهر صاحب حلب وبلغه الخبر بوفاة أبيه الملك العادل بمصر فرجع عن قصد بلاد الروم‏.‏

وفاة كيكاوس وملك أخيه كيقباد
كان كيكاوس بعد الواقعة بينه وبين الأشرف قد اعتزم على قصد بلاد الأشرف بالجزيرة وأتفق مع صاحب آمد وصاحب إربل على ذلك وكانا يخطبان له‏.‏ ثم سار إلى ملطية يشغل الأشرف عن الموصل حتى ينال منها صاحب إربل‏.‏ ومرض في طريقه فعاد‏.‏ ومات سنة ست عشرة وخلف بنيه صغاراً‏.‏ وكان أخوه كيقباد محبوساً منذ أخذه من أنكورية فأخرجه الجند من محبسه وملكوه وقيل بل أخرجه هو من محبسه وعهد إليه‏.‏ ولما ملك خالف عليه عمه صاحب أرزن الروم فوصل يده بالأشرف وعقد معه صلحاً‏.‏ الفتنة بين كيقباد وصاحب آمد من بني أرتق وفتح عدة من حصونه كانت الفتنة قد حدثت بين الأشرف صاحب الجزيرة والمعظم صاحب دمشق وجاء جلال الدين خوارزم من الهند سنة ثلاث وعشرين بعد هروبه أمام التتر فملك أذربيجان وأعتضد به المعظم صاحب دمشق على الأشرف وظاهرهما الملك مسعود صاحب آمد من بني أرتق فأرسل الأشرف إلى كيقباد ملك الروم يستنجده على صاحب آمد والأشرف يومئذ محاصر لماردين فسار كيقباد وأقام على ملطية وجهز العساكر من هناك إلى آمد ففتح حصوناً عدة‏.‏ وعاد صاحب آمد إلى موافقة الأشرف فكتب إلى كيقبا أن يرد عليه ما أخذه فامتنع فبعث عساكره إلى صاحب آمد مدداً على كيقباد‏.‏ وكان محاصراً لقلعة الكحنا فلقيهم وهزمهم وأثخن فيهم وعاد ففتح القلعة والله أعلم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:03 PM

استيلاء كيقباد على مدينة أرزنكان
كان صاحب أرزنكان هذه بهرام شاه من بني الأحدب بيت قديم في الملك وملكها ستين سنة ولم يزل في طاعة قليج أرسلان وولده‏.‏ وتوفي فملك بعده ابنه علاء الدين داود شاه وأرسل عنه كيقباد سنة خمس وعشرين ليعسكر معه فسار إليه وقبض عليه وملك مدينة أرزنكان‏.‏ وكان من حصونه كماح فامتنع نائبه فيه وتهدد داود شاه فبعث إلى نائبه فسلم له الحسن‏.‏ ثم قصد أرزن الروم وبها ابن عمر طغرل شاه بن قليج أرسلان فبعث بن طغرك شاه بطاعته للأشراف واستنجد نائبه بخلاط حسام الدين على فسار إليه فخام كيقباد عن لقائه وعاد من أرزنكان إلى بلاده فوجد العدو من الإفرنج قد ملك قلعة منها تسمى صنوبا مطلة على بحر الخزر فحاصرها براً وبدراً وارتجعها المسلمون والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق‏.‏ فتنة كيقباد مع جلال الدين كان صاحب أرزن الروم وهو ابن عم كيقباد صار إلى طاعة جلال الدين خوارزم شاه وحاصر معه خلاط وفيها أيبك مولى الأشرف فملكها جلال الدين وقتل أيبك كما يأتي في أخباره‏.‏ فخافهما كيقباد صاحب الروم فاستنجد الملك الكامل وهو بدران فأمنه بأخيه الأشرف من دمشق فجمع عساكر الجزيرة والشام وسار إلى كيقباد فلقيه بسيواس واجتمعوا في خمسة وعشرين ألفاً‏.‏ وساروا من سيواس إلى خلاط فلقيهم جلال الدين في نواحي أرزنكان فهاله منظرهم ومضى منهزماً إلى خلاط‏.‏ ثم سار منها إلى أذربيجان فنزلوا عند خوي‏.‏ وسار الأشرف إلى خلاط فوجد جلال الدين قد خربها فعادوا إلى بلادهم وترددت الرسل في الصلح فاصطلحوا‏.‏ كان علاء الدين كيقباد قد استفحل ملكه ببلاد الروم ومد يده إلى ما يجاوره من البلاد فملك خلاط بعد أن دافع عنها مع الأشرف بن العادل جلال الدين خوارزم شاه فنازعه الأشرف في ذلك واستصرخ بأخيه الكامل فسار في العساكر من مصر سنة إحدى وثلاثين‏.‏ وسار معه الملوك من أهل بيته وانتهى إلى النهر الأزرق من تخوم الروم‏.‏ وبعث في مقدمته المظفر صاحب حماة من أهل بيته فلقيه كيقباد وهزمه وحصره في خرت برت وكانت لبني أرتق‏.‏ ورجع الكامل بالعساكر إلى مصر سنة اثنتين وثلاثين وكيقباد في اتباعهم‏.‏ ثم سار إلى حران والرها فملكهما من يد نواب الكامل وولى عليهما من قبله وسار الكامل سنة ثلاث وثلاثين فارتجعهما‏.‏

وفاة كيقباد وملكه ابنه كنخسرو
ثم توفي علاء الدين كيقباد سنة أربع وثلاثين وستمائة وملك بعده ابنه غياث الدين كنخسرو وقارن ذلك انقراض الدولة السلجوقية من ممالك الإسلام واختلال دولة بني خوارزم شاه وخرج التتر من مفازة الترك وراء النهر و استيلاء جنكزخان سلطانهم على الممالك وانتزاعها من يد بني خوارزم شاه‏.‏ وفر جلال الدين آخرهم إلى الهند ثم رجع واستولى على أذربيجان وعراق العجم‏.‏ وكان بنو أيوب يومئذ بممالك الشام وأرمينية كما نذكر ذلك كله في أماكنه إن شاء الله تعالى‏.‏ وانتشر التتر في سائر النواحي وعاثوا فيها وتغلبوا عليها‏.‏ واستفحل ملكهم فسارت منهم طوائف إلى بلاد الروم سنة إحدى وأربعين فبعث غياث الدين كنخسرو بالصريخ إلى بني أيوب وغيرهم من الترك في جواره‏.‏ وجاء المدد من كل جانب فسار للقائهم ولقيتهم المقدمة على قشمير زنجان فانهزمت المقدمة ووصلوا إليه فانهزم ونجا بعياله وذخيرته إلى مدينة على مسيرة شهر من المعترك ونهبوا سواده ومخلفه وانتشروا في نواحي بلاد الروم وعاثوا فيها وتحصن غياث الدين بهذه المدينة واستولى التتر على خلاط وآمد‏.‏ ثم استأمن لهم غياث الدين ودخل في طاعتهم واستقامت أموره معهم إلى أن مات قريباً من رجوعه‏.‏ وملك التتر قيسارية والله أعلم‏.‏

وفاة غياث الدين وولاية ابنه كيقباد
ثم توفي غياث الدين كنخسرو سنة أربع وخمسين وترك ثلاثاً من الولد أكبرهم علاء الدين كيقباد وعز الدين كيكاوس وركن الدين قليج أرسلان‏.‏ وولى علاء الدين كيقباد بعهده إليه وكان يخطب لهم جميعاً وأمرهم واحد‏.‏ وكان جنكزخان ملك التتر قد هلك وكان كرسي سلطانهم بقراقروم وولي مكانه ابنه طلوخان وجلس على كرسيه‏.‏ وهو الخان الأعظم عندهم وحكمه ماض في ملوك الشمال والعراق من أهل بيته وسائر عشيرته‏.‏ ثم هلك طلوخان وولي مكانه في كرسيه ابنه منكوخان فبعث أخاه هلاكو لفتح العراق وبلاد الإسماعيلية سنة خمسين وستمائة فسار لذلك وملك العراقين وبغداد‏.‏ ثم جرد الخان الأعظم منكوخان إلى بلاد الروم سنة أربع وخمسين أميراً من أمراء المغل اسمه بيكو في العساكر فسار إلى أرزن الروم وبها سنان الدين ياقوت مولى السلطان علاء الدين فحاصرها شهرين ونصب عليها المجانيق‏.‏ ثم ملكها عنوة وأعمر ياقوت واستلحم الجند بأسرهم واستبقى الباعة والصناع‏.‏ ثم سار إلى بلاد الروم فملك قيسارية و مسيرة شهر معها ورجع‏.‏ ثم عاد سنة خمس وخمسين وعاث في البلاد واستولى على أكثر من الأولى والله تعالى أعلم‏.‏

وفاة كيقباد وملك أخيه كيكاوس
ولما كثر عيث التتر الذين مع بيكو في مملكة علاء الدين كيقباد واعتزم على المسير إلى الخان الأعظم منكوخان يؤكد الدخول في طاعته ويقتضي مراسمه إلى بيكو ومن معه من المغل بالكف عن البلاد سار من قونية سنة خمس وخمسين ومعه سيف الدين طرنطاي من موالي أبيه‏.‏ واحتمل معه الأموال والهدايا وسار‏.‏ ووثب أخوه عز الدين كيكاوس على أخيه الآخر قليج أرسلان فاعتقله بقونية واستولى على الملك‏.‏ وكتب في أثر أخيه إلى سيف الدين طرنطاي مع بعض الأكابر من أصحابه أن يمكنوه من الهدايا التي معهم يتوجه بها إلى الخان ويردوا علاء الدين فلم يدركوه حتى دخل بلاد الخان ونزل على بعض أمرائه‏.‏ فسعى ذلك الرسول في علاء الدين وطرنطاي بأن معهم سمًا فكبسهم الأمير فوجد شيئاً من المجمودة فعرض عليهم أكلها فامتنعوا فتخيل تحقيق السعاية فسألوه إحضار الأطباء فأزالوا عنه الشك وبعث بهم إلى الخان‏.‏ ومات علاء الدين أثناء طريقة‏.‏ ولما اجتمعوا عند الخان اتفقوا على ولاية عز الدين كيكاوس وأنه أكبر وعقدوا له الصلح مع الخان فكتب له وخلع عليهم‏.‏ ثم كتب بيكو إلى الخان بأن أهل بلاد الروم قاتلوه ومنعوه العبور فأحضر الرسل وعرفهم الخبر فقالوا إذا بلغناهم كتاب السلطان اذعنوا‏.‏ فكتب الخان بتشريك الأميرين عز الدين كيكارس وأخيه ركن الدين قليج أرسلان على أن تكون البلاد قسمة بينهما‏.‏ فمن سيواس إلى القسطنطينية غرباً لعز الدين ومن سيواس إلى أرزن الروم شرقاً المتصلة ببلاد التتر لركن الدين وعلى الطاعة وحمل الأتاوة لمنكوخان ملكهم صاحب الكرسي بقراقروم ورجعوا إلى بلاد الروم وحملوا معه شلوقيقباد إلى أن دفنوه‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:04 PM

استيلاء التتر على قونية
ثم سار بيكو في عساكر المغل إلى بلاد الروم ثالثة فبعث عز الدين كيكاوس العساكر للقائه مع أرسلان أيدغمش من أمرائه فهزمه بيكو وجاء في اتباعه إلى قونية فهرب عز الدين كيكاوس إلى العلايا بساحل البحر فنزل بيكو على قونية وحاصرها حتى استأمنوا إليه على يد خطيبهم‏.‏ ولما حضر إليه أكرمه ورفع منزلته وأسلمت امرأته على يده وأمن أهل البلد‏.‏ ثم سار هلاكو إلى بغداد سنة خمس وستين وبعث عن بيكو وعساكره من بلاد الروم بالحضور معه فاعتذر بالأكراد الذين في طريقه من الغراسلية والياروقية فبعث إليهم هلاكو العساكر فأجفلوا وانتهت العساكر إلى أذربيجان وقد أجفل أهلها أمام الأكراد فاستولوا عليها‏.‏ ورجعوا صحبة بيكو إلى هلاكو فحضر معه فتح بغداد وقد مر خبرها في أخبار الخلفاء‏.‏ ويأتي في أخبار هلاكو ونيال أن بيكو لما بعث هلاكو لم يحضر معه فتح بغداد واستمر على غمره فلما انقضى أمر بغداد بعث إليه هلاكو من سقاه السم فمات لأنه اتهمه بالاستبداد‏.‏ ثم سار هولاكو بعد فتح بغداد إلى الشام سنة ثمان وخمسين وحاصر حلب وبعث عن عز الدين كيكاوس وركن الدين قليج أرسلان وعن معين الدين سليمان البرنواه صاحب دولتهم‏.‏ وكان من خبره أن أباه مهذب الدين علي كان من الديلم وطلب العلم ونبغ فيه‏.‏ ثم تعرض للوزير سعد الدين المستوفي أيام علاء الدين كيقباد يسأله إجراء رزقه‏.‏ وكان وصافاً فاستحسنه وزوجه ابنته فولدت سليمان ونشأ في الدولة‏.‏ ومات سعد الدين المستوفي فرقى السلطان مهذب الدين إلى الوزارة وألقى إليه بالمقاليد‏.‏ وتوفي مهذب الدين وترقى ابنه سليمان مهذب الدولة وكان يلقب معين الدين وترقى في الرتب إلى أن ولي الحجابة وكان يدعى البرنواه ومعناه الحاجب بلغتهم‏.‏ وكان مختصاً بركن الدين فلما حضر معهما عند هلاكو كما قلناه حلا بعينه وقال لركن الدين لا يأتيني في أموركم إلا هذا فرقت حاله إلى أن ملك بلاد الروم أجمع‏.‏ الفتنة بين عز الدين كيكاوس وأخيه قليج أرسلان و

استيلاء قليج أرسلان على الملك
ثم وقعت الفتنة سنة تسع وخمسين بين عز الدين كيكاوس وأخيه ركن الدين قليج أرسلان وسار ركن الدين ومعه البرنواه إلى هلاكو يستمحه على أخيه فأمده بالعساكر وحارب أخاه فهزمه عز الدين أولا ثم أمده هلاكو فانهزم عز الدين ولحق بالقسطنطينية‏.‏ واستولى ركن الدين على سائر الأعمال‏.‏ وهرب التركمان إلى أطراف الجبال والثغور والسواحل وبعثوا إلى هلاكو يطلبون الولاية منه على أحيائهم فولاهم وأذن لهم في اتخاذ الآلة فصاروا ملكوكاً من حينئذ‏.‏ وكان محمد بك أميرهم وأخوه علي بك رديفه فاستدعى هلاكو محمد بك فلم يأته فأمر قليج أرسلان وعساكر التتر الذين معه بقتاله فساروا وقاتلوه فانهزم‏.‏ ثم استأمن إلى السلطان ركن الدين فأمنه وجاء به إلى قونية فقتله واستقر علي بك أميراً على التركمان وأورثها بنيه‏.‏ واستولى التتر على البلاد إلى أن كان ما سنذكره إن شاء الله‏.‏

خبر عز الدين كيكاوس
ولما انهزم عز الدين كيكاوس ولحق بالقسطنطينية أحسن إليه مخاييل الشكري صاحب قسطنطينية وأجرى عليه الرزق‏.‏ وكان معه جماعة من الروم أخواله فحدثتهم أنفسهم بالثورة وتملك القسطنطينية‏.‏ ونمي ذلك عنهم فقبض الشكري عليه وعلى من معه واعتقله ببعض القلاع‏.‏ ثم وقعت بين الشكري وبين منكوتمر بن طغان ملك الشمال من بني دوشي خان بن جنكزخان فتنة وغزا منكوتمر القسطنطينية وعاث في نواحيها فهرب إليه كيكاوس من محبسه فمضى معه إلى كرسيه بصراي فمات هنالك سنة سبع وسبعين‏.‏ وخلف ابنه مسعوداً وخطب منكوتمر ملك صراي أمه فمنعها وهرب عنه ولحق بابقا بن هلاكو ملك العراق فأحسن إليه وأقطعه سيواس وأرزن الروم وأرزنكان فاستقر بها‏.‏

مققل ركن الدين قليج أرسلان وولاية ابنه كنخسرو
كان معين الدين سليمان البرنواه قد استبد على ركن الدين قليج أرسلان‏.‏ ثم تنكر له ركن الدين فخاف سليمان البرنواه على مكان أخيه عز الدين كيكاوس بالقسطنطينية أن يحدث فيه أمراً‏.‏ فلما بلغه خبر كيكاوس واعتقاله بالقسطنطينية أحكم تدبيره في ركن الدولة فقتله غيلة ونصب للملك ابنه غياث الدين في كفالته وتحت حجره واستقل بملك بلاد الروم واستقامت أموره والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

استيلاء الظاهر ملك مصر على قيسارية ومقتل البرنواه
كان هلاكو قد زحف إلى الشام سنة ثمان وخمسين مراراً وزحف ابنه ابقا كذلك وقاتلهم الملك الظاهر صاحب مصر والشام‏.‏ وكان كثيراً ما يخالفهم إلى بلادهم فدخل سنة خمس وسبعين إلى بلاد الروم وأميرها يومئذ من التتر طغا‏.‏ وأمده ابقا بأميرين من التتر وهما كداون وترقوا لحماية بلاد الروم من الظاهر فزحفوا إلى الشام‏.‏ وسار إليهم الظاهر من مصر في مقدمته سقر الأسقر فلقيت مقدمته مقدمتهم على كوكصو فانهزم التتر وتبعهم الظاهر والتقى الجمعان على ابليش فانهزموا ثانية‏.‏ وأثخن فيهم الظاهر بالقتل والأسر إلى قيسارية فملكها‏.‏ وكان البرنواه قد دس إليه واستحثه للوصول إلى بلاده فأقام الظاهر على قيسارية ينتظره وبلغ ملك التتر أبقا خبر الواقعة فزحف في جموع المغل إلى قيسارية بعد منصرف الظاهر إلى بلاده‏.‏ فلما وقف على مصارع قومه وجد على البرنواه وصدقت عنه السعاية فيه وأنه الذي استحث الظاهر لأنه لم ير في المعركة مصرع أحد من بلاد الروم ورجع إلى معسكره ومعه سليمان البرنواه واستبد بملكه‏.‏ والله تعالى ولي التوفيق وهو نعم الرفيق لا رب سواه ولا معبود إلا إياه سبحانه‏.‏

خلع كنخسرو ثم مقتله وولاية مسعود ابن عمه كيكاوس
كان قنطغرطاي بن هلاكو مقيماً ببلاد الروم مع غياث الدين كنخسرو ملك بلاد الروم وصار أمير المغل بها منذ عهد أبقا‏.‏ ولما ولي أحمد تكرار بن هلاكو بعد أخيه أبقو بعث عن أخيه قنطغرطاي فامتنع من الوصول إليه خشية على نفسه‏.‏ ثم حمله غياث الدين على إجابة أخيه وسار معه فقتل تكرار أخاه قنطغرطاي واتهم المغل غياث الدين بأنه علم برأي تكرار فيه واعتمد‏.‏ فلما ولي أرغون بن أبقا بعد تكرار عزل غياث الدين عن بلاد الروم وحبسه بارزنكاي وولي مكانه على المغل ببلاد الروم هولاكو وذلك سنة اثنتين وثمانين‏.‏ وأقام مسعود ملكاً ببلاد الروم سنة ثمان عشرة وسبعمائة وأصابه الفقر وانحل أمره وبقي الملك بها للتتر‏.‏ ثم فشل أمرهم واضمحلت دولتهم إلا بقايا بسيواس من بني أرثا مملوك دمرداش بن جومان‏.‏ واستولى التركمان على تلك البلاد أجمع وأصبح ملكها لهم والله غالب على أمره يؤتي الملك من يشاء وهو العزيز الحكيم‏.‏

الخبر عن بني سكمان موالي السلجوقية
ملوك خلاط وبلاد أرمينية ومصير الملك إلى مواليهم من بعدهم ومبادي أمرهم وتصاريف أحوالهم كان صاحب مزيد من أذربيجان إسماعيل بن ياقوتي بن داود أخو ألب أرسلان وداود أخو طغرلبك كما مر ولقب إسماعيل قطب الدولة‏.‏ وكان له مولى تركي اسمه سكمان بالكاف والقاف‏.‏ وكان ينسب إليه فيقال سكمان القطبي وكان شهماً عادلاً في أحكامه‏.‏ وكانت خلاط وأرمينية لبني مروان ملوك ديار بكر وكانوا في آخر دولتهم قد اشتد عسفهم وظلمهم وساء حال أهل البلد معهم فاجتمع أهل خلاط وكاتبوا سكمان واستدعوه ليملكوه عليهم فسار إليهم سنة اثنتين وخمسمائة إلى ميافارقين من ديار بكر فحاصرها حتى استأمنوا إليه وملكها‏.‏ ثم أمر السلطان محمد شاه بن ملك شاه الأمير مودود بن مزيد ابن صدقة صاحب الموصل بغزو الإفرنج وانتزاع البلاد من أيديهم وأمر أمراء الثغور بالمسير معه فسار معه برسق صاحب همذان وأحمد بك صاحب مراغة وأبو الهيجاء صاحب إربل وأبو الغازي صاحب ماردين وسقمان القطبي صاحب ديار بكر‏.‏ فساروا لذلك وفتحوا عدة حصون وحاصروا الرها فامتنعت عليهم ثم تل باشر كذلك‏.‏ واستدعاهم رضوان بن تتش صاحب حلب ‏"‏ ‏"‏ فلما ساروا إليه امتنع من لقائهم‏.‏ ومرض سكمان القطبي هنالك فرجع عنهم وتوفي في طريقه ببالس‏.‏ وافترقت العساكر وملك خلاط وبلاد أرمينية بعد مهلكه ابنه ظهير الدين إبراهيم وسار فيهم بسيرة أبيه إلى أن هلك سنة إحدى وعشرين‏.‏ وذلك بعده أخوه أحمد بن سكمان عشرة أشهر‏.‏ ثم توفي فنصب أصحابه للملك بأرمينية وخلاط شاه أرمن سكمان ابن أخيه إبراهيم بن وعمد سنة ثمان وعشرين واستبد شاه أرمن وكانت بينه وبين الكرج وقائع‏.‏ وساروا سنة ست وخمسمائة إلى مدينة أنى من أعمال أران فاستباحوها‏.‏ وسار إليهم في العساكر فهزموه ونالوا منه وكانت عنده أخت طليق بن علي صاحب أرزن الروم ووقعت بينه وبين الكرج حرب فانهزم طليق وأسر وبعث شاه أرمن إلى ملك الكرج وفادى طليقاً ورده إلى ملكه بارزن‏.‏ ثم استولى صلاح الدين بن أيوب على مصر والشام واستفحل ملكه وكاتبه مظفر الدين كوكبري وأغراه بملك الجزيرة ووعده بخمسين ألف دينار‏.‏ وسار صلاح الدين إلى سنجار فحاصرها وهو مجمع المسير إلى الموصل وبها يومئذ عز الدين مودود بن زنكي فاستنجد بشاه أرمن صاحب خلاط فبعث شاه أرمن مولاه مكتمر ‏"‏ ‏"‏ إلى صلاح الدين شفيعاً في صاحب الموصل ووفد عليه وهو محاصر لسنجار ولم يشفعه صلاح الدين فرجع عنه مغاضباً‏.‏ وسار شاه أرمن لقتاله واستدعى قطب الدين نجم الدين إلى صاحب ماردين وهو ابن أخيه وابن خال عز الدين‏.‏ وحضر معه دولة شاه بن طغرك شاه بن قليج أرسلان صاحب ‏"‏ ‏"‏‏.‏ وسار سنة ثمان وسبعين وقد ملك صلاح الدين سنجار وافترقت العساكر‏.‏ فلما بلغه سيرهم بعث عن تقي الدين ابن أخيه شاه من حماة فوافاه سريعاً ورحل إلى رأس عين‏.‏ افترقت جموعهم‏.‏ وسار صلاح الدين إلى ماردين فعاث في نواحيها ورجع‏.‏ ثم سار إلى الموصل آخر إحدى وثلاثين وعبر إلى الجزيرة وانتهى إلى حران‏.‏ ولقيه مظفر الدين كوكبري بن زين الدين ولم يف له بالخمسين ألفاً التي وعده بها‏.‏ وأخذ منه حران والرها‏.‏ ثم أطلقه بما نفذه من مكاتبته وأعاد عليه بلدته وسار من حران فحضر عنده عساكر الحصن وداراً ولقيه سنجر شاه صاحب الجزيرة ابن أخي عز الدين مودود مفارقاً لطاعة عمه وسار معه إلى الموصل‏.‏ ولما انتهى إلى مدينة الابلة بعث إليه عز الدين ابن عمه نور الدين محمود وجماعة من أعيان الدولة راغبين في الصلح فأكرمهم واستشار أصحابه من أعيان الدولة فأشار علي بن أحمد المشطوب كبير الهكارية بالامتناع من ذلك فردهم صلاح الدين واعتذر وسار فنزل على فرسخين من الموصل واشتدوا في مدافعته فامتنعوا عليه فندم على عدم الصلح‏.‏ ورجع على علي المشطوب ومن وافقه باللائمة‏.‏ وخاطبه القاضي الفاضل البيساني من مصر وعزله في ذلك‏.‏ وجاء زين الدين يوسف بن زين الدين صاحب إربل وأخوه مظفر الدين كوكبري فتلقاهما بالتركمة وأنزلهما مع الحشود الوافدة بالجانب الشرقي‏.‏ وبعث علي بن أحمد المشطوب الهكاري إلى قلعة الجزيرة من بلاد الهكارية حاصرها واجتمع عليه الأكراد ولم يزل محاصراً لها حتى عاد صلاح الدين من الموصل‏.‏ وأقام صلاح الدين على حصارها مدة‏.‏ وبلغ عز الدين أن نائبه بالقلعة يكاتبه فمنعه من الصعود إليها وكان يقتدي برأي مجاهد الدين وبعثه في الصلح

ميارى 7 - 8 - 2010 05:05 PM

وفاة شاه أرمن سكمان وولاية مكتمر مولي أبيه
ثم توفي شاه أرمن سكمان بن إبراهيم بن سكمان صاحب خلاط سنة ست وسبعين وكان مكتمر مولى أبيه بميافارقين فأسرع الوصول بمن معه من المماليك واستولى على كرسي بني سكمان‏.‏ وولي على ميافارقين أسد الدين برتقش من موالي شاه أرمن‏.‏ وكان البهلوان بن ايلدكز صاحب أذربيجان وهمذان مر بقائد ملوك السلجوقية وقد زوج ابنته من شاه أرمن طمعاً في ملك خلاط‏.‏ فلما توفي شاه أرمن سار إليها في عساكره فكاتب أهل خلاط صلاح الدين بن أيوب ودافعوا كلاً منهما بالآخر‏.‏ وسار صلاح الدين في مقدمته ابن عمه ناصر الدين محمد بن شيركوه ومظفر الدين بن زين الدين وغيرهما‏.‏ ونزلوا قريباً من خلاط فتردد الرسل من صلاح الدين ومن شمس الدين البهلوان إلى أهل خلاط وهم يدافعون الفريقين‏.‏ وكان قد بلغه وفاة صاحبها قطب الدين وأن برتقش نصب ابنه طفلاً صغيراً واستبد عليه فسار صلاح الدين إليها وحاصرها حتى تسلمها على الأمان وأقام مكتمر أميراً بخلاط وطالت مدته وجرت بينه وبين صلاح الدين فتن وحروب إلى أن توفي صلاح الدين سنة تسع وثمانين‏.‏ فأظهر الشماتة به وتسمى عبد العزيز وتلقب سيف الدين وتوفي إثر ذلك والله تعالى أعلم‏.‏

وفاة مكتمر وولاية أقسنقر كان مكتمر لأول ولايته
قد اختص أقسنقر من موالي شاه أرمن وتلقب هزار ديناري وزوجه ابنته وجعله أتابكه فأقام على ذلك مدة‏.‏ ثم استوحش من مكتمر وتربص به حتى إذا توفي صلاح الدين تجهز مكتمر من ميافارقين فأمكنته فيه الفرصة فقتله لعشر سنين من ولايته وذلك بعد وفاة صلاح الدين بشهرين واستبد بملك خلاط وأرمينية واعتقل ابن مكتمر وأمه في بعض القلاع والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

وفاة أقسنقر وولاية محمد بن مكتمر
ثم هلك أقسنقر صاحب خلاط وأرمينية سنة أربع وتسعين لخمس سنين من ملكة وقام بملك خلاط بعده حجر اشتد قطلغ الأرمني ولم يرضه أهل خلاط فوثبوا به لسبعة أيام من ولايته وقتلوه‏.‏ واستدعوا محمد بن مكتمر من محبسه وملكوه ولقبوه الملك المنصور وقام بدولته شجاع الدين قطلغ القفجاقي دوادار شاه أرمن وأقام تحت استبداده إلى سنة ثلاث وستمائة‏.‏ ثم دبر على الدوادار وقبض عليه وكان حسن السيرة فاستوحش لذلك الجند والعامة‏.‏ وعكف بعد نكبة الدوادار على لذاته فاجتمع أهل خلاط والجند وكبيرهم بلبان مملوك شاه أرمن‏.‏ وكتبوا إلى أرتق بن أبي الغازي بن ألبي صاحب ماردين يستدعونه للملك بما كان ابن أخت شاه أرمن‏.‏ وجاهر بلبان بالعصيان إلى ملازكرد واجتمع الجند عليه‏.‏ و استيلاء بلبان على خلاط وأعمالها ولما ملك بلبان مدينة ملازكرد وأعمالها واجتمع عليه الجند وسار يريد خلاط ووصل أرتق بن أبي الغازي صاحب ماردين لموعدهم ونزل قريباً من خلاط فبعث إليه بلبان أن الجند والرعية اتهموني فيك فارجع وإذا ملكت البلد سلمته إليك فتنح قليلا فبعث إليه يتوعده على مقالته وبطئه‏.‏ فعاد إلى ماردين وكان الأشرف موسى بن العادل بن أيوب صاحب الجزيرة وحران لما سمع بمسير أرتق إلى خلاط طمع فيها لنفسه وخشي أن يزداد بملكها قوة عليهم فخالفه إلى ماردين وأقام بتدليس وجبى ديار بكر حتى استوعبها وعاد إلى حران‏.‏ ثم جمع بلبان العساكر وسار إلى خلاط فحاصرها‏.‏ وبرز ابن مكتمر فيمن عنده فانهزم بلبان وعاد إلى ولايته بملازكرد وأرجيش وغيرها‏.‏ ثم جمع ورجع إلى خلاط فحاصرها وضيق عليها وابن مكتمر عاكف على لذاته‏.‏ فلما جهدهم الحصار ثاروا به وقبضوه ومكنوا بلبان منه‏.‏ ودخل إلى خلاط واستولى عليها وعلى سائر أعمالها وحبس ابن مكتمر في قلعة هناك واستبد بملكها‏.‏ وكان الأوحد نجم الدين أيوب بن العادل بن أيوب قد ولي على ميافارقين من قبل أبيه إلى خلاط سنة أربع وستمائة وقصد مدينة سوس وحاصرها وملك ما يجاورها وعجز بلبان عنه‏.‏ ثم ملك سوس وقصد خلاط فبرز له بلبان وهزمه فعاد إلى ميافارقين وجمع واستمد أباه العادل فأمده بالعساكر ونهض إلى خلاط فبرز له بلبان ثانية وهزمه الأوحد وحاصره في خلاط فبعث بليان إلى طغرل يستنجده فانهزم الأوحد أمامهما‏.‏ وسار بلبان مع طغرل إلى مراش فحاصرها وغدر به طغرل وقتله وسار إلى خلاط فمنعه أهلها فسار إلى ملازكرد فمنعوه كذلك فعاد إلى أرزن‏.‏ وأرسل خلاط بطاعتهم إلى الأوحد نجم الدين فجاء وملك خلاط واستولى على أعمالها‏.‏ وزحف الكرج فأغاروا على خلاط وعاثوا في نواحيها والأوحد مقيم بخلاط لم يفارقها‏.‏ وانتقض عليه جماعة من العسكر بحصن رام وساروا إلى مدينة أرجيش فملكوها واجتمع إليهم المفسدون‏.‏ وبعث نجم الدين إلى أبيه العادل يستنجده فأمده بابنه الآخر شرف الدين موسى فحاصر حسن رام حتى استأمن إليه من كان به من الجند ورجع الأشرف إلى عمله بحران والرها واستقر نجم الدين بخلاط‏.‏ ثم سار إلى ملازكرد ليطالع أمورها ويمهدها فثار أهل خلاط بعسكره فأخرجوهم وحصروا أصحاب نجم الدين بالقلعة ونادوا بشعار شاه أرمن وقومه فرجع الأوحد ولاقاه عسكر الجزيرة وحاصر خلاط‏.‏ ثم اختلف أهلها فدخلها عليهم عنوة واستباحها‏.‏ ونقل جماعة من أعيانها إلى ميافارقين وقتل كثيراً منهم هنالك‏.‏ واستكان أهل خلاط بعدها وانمحى منها حكم المماليك بعد أن كانوا مستحكمين فيها يولون ملوكها ويخلعونهم‏.‏ وانقرضت دولة بني سكمان من خلاط وصارت لبني أيوب والبقاء لله وحده والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين وإليه المرجع‏.‏

أخبار الإفرنج
فيما ملكوه من سواحل الشام وثغوره وكيف تغلبوا عليه وبداية أمرهم في ذلك ومصائره قد تقدم لنا أول الكتاب الكلام في أنساب هذه الأمة عند ذكر أنساب الأمم وأنهم من ولد يافث بن نوح ثم من ولد ريفات بن كومر بن يافث أخوة الصقالبة والخزر والترك‏.‏ وقال هروشيوش إنهم من عصر ابن غومر‏.‏ وأما مواطنهم من بلاد المعمور فإنهم من شمالي البحر الرومي من خليج رومة إلى ما وراء النهر غرباً وشمالا وكانوا أولاً يدينون لليونان والروم بالطاعة عند استفحال أمرهم‏.‏ فلما انقرضت دولة أولئك استقل هؤلاء الإفرنج بملكهم وافترقوا دولا مثل دولة القوط بالأندلس والجلالقة بعدهم وملك اللمانين بالتفخيم من جزيرة انكلتره بالبحر المحيط الغربي الشمالي ما يحاذيه ويقابله من المعمور ومثل ملوك إفرنجة وهو عندهم اسم إفرنجة بعينه والجيم ينطقون بها سيناً‏.‏ وهم ما وراء خليج رومة غرباً إلى الثنايا المفضية إلى جزيرة الأندلس في الجبل المحيط من شرقيها وتسمى تلك الثنايا البردت‏.‏ وكانت دولة هؤلاء الإفرنج منهم من أعظم دولهم واستفحل أمرهم بعد الروم وصدراً من دولة الإسلام العربية فسموا إلى ملك بلاد المشرق من ناحيتها‏.‏ وتغلبوا على جزر البحر الرومي في آخر المائة الخامسة‏.‏ وكان ملكهم لذلك العهد بردويل فبعث رجالا من ملوكهم إلى صقلية وملكها من يد المسلمين سنة ثمانين وأربعمائة‏.‏ ثم سموا إلى ملك ما وراء النهر من إفريقية وبلاد الشام والاستيلاء على بيت المقدس وطال ترددهم في ذلك‏.‏ ثم استحثهم وحرضهم عليه فيما يقال خلفاء العبيديين بمصر لما استفحل ملك السلجوقية وانتزعوا الشام من أيديهم وحاصروهم في مصر فيقال إن المستنصر منهم دس إلى الإفرنج بالخروج وتسهيل أمرهم عليه ليحولوا بين السلجوقية وبين مرامهم فتجهز الإفرنج لذلك وجعلوا طريقهم في البر على القسطنطينية‏.‏ ومنعهم ملك الروم من العبور عليه من الخليج حتى شرط عليهم أن يسلموا له إنطاكية لكون المسلمين كانوا أخذوها من مماليكهم فقبلوا شرطه وسهل لهم العبور في خليجه فأجازوا سنة تسعين وأربعمائة في العدد والعدة‏.‏ وانتهوا إلى بلاد قليج أرسلان وجمع للقائهم فهزموه وفر ‏"‏ ‏"‏ بلاد ابن اليون الأرمني ووصلوا إنطاكية وبها باغيسيان من أمراء السلجوقية فحاصروه بها وخذلوا صاحب حلب ودمشق على صريخه بأن لا يقصدوا غير إنطاكية فأسلموه حتى ضاق به الحصار وغدر به بعض الحامية فملك الإفرنج البلاد وهرب باغيسيان فقتل وحمل إليهم رأسه‏.‏ وكان ملوكهم الحاضرون لذلك خمسة بردويل وصنجيل وكبريري والقمص واسمند وهو مقدم العساكر فردوا إليه أمر إنطاكية وبلغ الخبر إلى المسلمين فسافروا إليهم شرقاً وغرباً‏.‏ وسار قوام الدولة كربوقا صاحب الموصل وجمع عساكر الشام وسار إلى دمشق فخرج إليهم دقاق بن تتش وطغتكين أتابك وجناح الدولة صاحب حمص وأرسلان ‏"‏ ‏"‏ صاحب سنجر وسكمان أرتق وغيرهم من الأمراء وزحفوا إلى إنطاكية فحاصروها ثلاثة عشر يوماً‏.‏ ووهن الإفرنج واشتد عليهم الحصار لما جاءهم على غير استعداد وطلبوا الخروج على الأمان فلم يسعفوا‏.‏ ثم اضطرب أمر عساكر المسلمين وأساء كربوقا السيرة فيهم وأزمعوا من استكثاره عليهم ‏"‏ ‏"‏ فخرج الإفرنج إليهم واستماتوا فتخاذل المسلمون وانهزموا من غير قتال حتى ظنها الإفرنج مكيدة فتقاعدوا عن أتباعهم واستشهد من المسلمين ألوف والله تعالى أعلم‏.‏

ميارى 7 - 8 - 2010 05:09 PM

استيلاء الإفرنج على معرة العمان
ثم على بيت المقدس ولما حصلت للإفرنج هذه النكاية في المسلمين طمعوا في البلاد وساروا إلى معرة النعمان وحاصروها‏.‏ واشتد القتال في أسوارها حتى داخل أهلها الجزع فتحصنوا بالدور وتركوا السور فملكه الإفرنج ودخلوا عليهم فاستباحوها ثلاثاً‏.‏ وأقاموا بها أربعين يوماً ثم ساروا إلى غزة وحاصروها أربعة أشهر وامتنعت عليهم فصالحهم ابن منقذ عليها‏.‏ وساروا إلى حمص وحاصروها فصالحهم عليها جناح الدولة‏.‏ وساروا إلى عكا فامتنعت عليهم‏.‏ وكان بيت المقدس قد ملكه السلجوقية وصار لتاج الدولة تتش وأقطعه لسكمان بن أرتق من التركمان‏.‏ فلما كانت واقعة الإفرنج بإنطاكية طمع أهل مصر فيهم وسار الأفضل بن بدر الجمالي المستولي على العلويين بمصر إلى بيت المقدس وبها سكمان وأبو الغازي ابنا أرتق وابن عمهما سوع وابن أخيهما ياقوتي فحاصروه نيفاً وأربعين يوماً ونصبوا عليه نيفاً وأربعين منجنيقاً وملكوه بالأمان سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وأحسن الأفضل إلى سكمان وأبي الغازي وأصحابهما وسرحهم إلى دمشق وعبروا الفرات‏.‏ وأقام سكمان بالرها وسار أبو الغازي إلى العراق واستناب الأفضل عليها افتخار الدولة الذي كان بدمشق فقصده الإفرنج بعد أن حاصروا عكا وامتنعت عليهم فحاصروه أربعين ليلة وافترقوا على جوانب البلد فملكوها من الجانب الشمالي آخر شعبان من السنة‏.‏ واستباحوها وأقاموا فيها أسبوعاً‏.‏ واعتصم بعض المسلمين بمحراب داود وقاتلوا فيه ثلاثاً حتى استأمنوا ولحقوا بعسقلان‏.‏ وأحصى القتلى من الأئمة والعلماء والعباد والزهاد المجاورين بالمسجد فكانوا سبعين ألفاً أو يزيدون وأخذ من المناور المعلقة عند الصخرة أربعون قنديلا من الفضة كل واحد منها ثلاثة آلاف وستمائة وستون درهماً من الفضة زنته أربعون رطلاً بالشامي ومائة وخمسون قنديلا من الصغار وما لا يحصى من غير ذلك‏.‏ وجاء الصريخ إلى بغداد صحبة القاضي أبي سعيد الهروي ووصف في الديوان صورة الواقعة فكثر البكاء والأسف ووسم الخليفة بمسير جماعة من الأعيان والعلماء فيهم القاضي أبو محمد الدامغاني وأبو بكر الشاشي وأبو الوفاء بن عقيل إلى السلطان بركيارق يستصرخونه للإسلام‏.‏ فساروا إلى حلوان وبلغهم اضطراب الدولة السلجوقية وقتل محمد الملك ألب أرسلان المتحكم في الدولة واختلاف السلاطين فعادوا‏.‏ وتمكن الإفرنج من البلاد وولوا على بيت المقدس كندفري من ملوكهم‏.‏ عساكر مصر وحرب الإفرنج

مسير العساكر من مصر لحرب الإفرنج
ولما بلغ خبر الواقعة إلى مصر جمع الأفضل الجيوش والعساكر واحتشد وسار إلى عسقلان‏.‏ وأرسل إلى الإفرنج بالنكير والتهديد فأعادوا الجواب ورحلوا مسرعين فكبسوه بعسقلان على غير أهبه فهزموه‏.‏ واستلحموا المسلمين ونهبوا سوادهم ودخل الأفضل عسقلان وافترق المنهزمون‏.‏ واستبدوا بنحر الحمير ووصل الأفضل من عسقلان إلى مصر ونازلها الإفرنج حتى إيقاع ابن الدانشمند بالإفرنج كان كمسكين بن الدانشمند من التركمان ويعرف بطابلوا‏.‏ ومعنى الدانشمند المعلم كان أبوه يعلم التركمان وتقلبت به الأحوال حتى ملك سيواس وغيرها‏.‏ وكان صاحب ملطية يعاديه فاستنجد عليه اسمند صاحب إنطاكية فجاءه في خمسة آلاف وسار إليه ابن الدانشمند وأسره‏.‏ ثم جاء الإفرنج إلى قلعة أنكورية فملكوها وقتلوا من بها من المسلمين‏.‏ ثم حاصروا إسماعيل بن الدانشمند فلقيهم كمستكين وهزمهم واستلحمهم وكانوا ثلاثمائة ألف‏.‏ ثم ساروا إلى ملطية فملكوها وأسروا صاحبها‏.‏ وزحف إليه أسمند من إنطاكية في الإفرنج فهم بهم ابن الدانشمند‏.‏ فأتاح الله للمسلمين على يده هذا الظهور في مدد متقاربة حتى خلص اسمند من الأسر‏.‏ وجاء إلى إنطاكية والإفرنج بها وبعث إلى قيس والعواصم وما جاورها يطب الإمارة فامتعض المسلمون لذلك وقلدوه بعد العهد الذي التزمه‏.‏ حصار الإفرنج قلعة جبلة كانت جبلة من أعمال طرابلس وكان الروم قد ملكوها وولوا على المسلمين بها ابن رئيسهم منصور بن صليحة يحكم بينهم‏.‏ فلما صارت للمسلمين رجع أمرها لجمال الملك أبي الحسن علي بن عمار المستبد بطرابلس وبقي منصور بن صليحة على عادته فيها‏.‏ ثم توفي منصور فقام إليه أبو محمد عبد الله مقامه وأظهر الشماتة فارتاب به ابن عمار وأراد القبض عليه فعصى هو في جبلة وأقام بها الخطبة العباسية واستنجد عليه ابن عمار دقاق بن تتش فجاءه ومعه أتابك طغركين فامتنع عليهم ورجعوا‏.‏ ثم جاء الإفرنج فحاصروها فامتنعت عليهم أيضاً وشاع أن بركيارق جاء إلى الشام فرحلوا‏.‏ ثم عادوا وأظهروا أن المصريين جاءوا لانجاده فرحلوا‏.‏ ثم عادوا فتقدم للنصارى الذين عنده أن يداخلوا الإفرنج في نقب البلد من بعض أسواره فجهزوا إليهم ثلاثمائة من أعيانهم فرفعهم بالحبال واحداً بعد واحد وهو قاعد على السور حتى قتلهم أجمعين فرحلوا عنه‏.‏ ثم عادوا إليه فهزمهم وأسر منهم كبرانيطل وفادى نفسه منه بمال عظيم ثم ‏"‏ ‏"‏ ابن صليحة وجهده الحصار فأرسل إلى طغركين صاحب دمشق‏.‏ وبعث ابن عمار في طلبه إلى الملك دقاق على أن يدفعه إليه بنفسه دون ماله ويعطيه ثلاثين ألف دينار فلم يفعل‏.‏ وسار ابن صليحة إلى بغداد فوعده إلى وصول رحله من الأنبار فبعث الوزير من استولى عليها فوجد فيها ما لا يحصى من الملابس والعمائم والمتاع وانتزع ذلك كله‏.‏ ولما ملك تاج الملوك جبلة أساء فيها السيرة فراسلوا فخر الملك أبا علي بن عمار صاحب طرابلس واستدعوه لملكها فبعث إليهم عسكراً وقاتلوا تاج الملك ومن معه فهزموه وأخذوه أسيراً وملكوا جبلة بدعوة ابن عمار وحملوا تاج الملك إلى ابن عمار فأحسن إليه وبعث إلى أبيه بدمشق واعتذر له بأنه خاف على جبلة من الإفرنج‏.‏

استيلاء الإفرنج على سروج وقيسارية وغيرهما
ثم سار كبريري ملك الإفرنج من بيت المقدس سنة أربع وتسعين لحصارها فأصابه منهما سهم فقتله فسار أخوه بقدوين في خمسمائة فارس إلى القدس‏.‏ ونهض دقاق صاحب دمشق ومعه جناح الدولة صاحب حمص لاعتراضه فهزموا الإفرنج وأثخنوا فيهم ثم كاتب أهل المدينة الإفرنج وكان أكبرهم ودخل في طاعتهم‏.‏ وكان سقمان بن أرتق صاحب سروج جمع جموعه من التركمان وسار إلى الرها فلقيه الإفرنج وهزموه في ربيع سنة أربع وتسعين‏.‏ وساروا إلى سروج فحاصروهم حتى ملكوها عنوة واستباحوها‏.‏ ثم ملكوا حصن كيفا بقرب عكا عنوة وملكوا أرسوف بالأمان‏.‏ ثم ساروا في رجب إلى قيسارية فملكوها عنوة واستباحوها والله تعالى ولي التوفيق بمنه كرمه‏.‏


الساعة الآن 10:20 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى