![]() |
|
|
|
|
كان الجميع يعيش في قرية صغيرة هادئة بعيدة عن ضوضاء المدينة الصاخبة. كل شخص يعمل بجد ونشاط وكأنهم أسرة واحدة. هذا يقلم الأشجار، هذا يقطف الثمار، وهذا يحفر الأرض ليخرج الماء. وكانت أم عدنان تطبخ الطعام لتقدمه لهم، بمساعدة نساء القرية. وفي نهاية الموسم كانوا يقتسمون ما كسبوه من رزق حلال فيما بينهم. كان هناك مصطفى شاب كسول خمول، يدّعي المرض دائماً، يحمل العصا في يده كي يتوكأ عليها وكأنه عجوز طاعن في السن. حتى ملابسه كانت دائماً متسخة ومرقّعة بعدة رقعات، لأنه لا يملك المال لشراء ملابس جديدة. وهو يأكل مما يأكل شباب القرية من طعام أم عدنان، ويستلقي على الأرض تحت ظل الشجرة، ينظر إلى الشباب وهم يعملون ويجدون، ثم يغطّ في نوم عميق، حتى يأتي الطعام، فيوقظه بعض الشباب، ليقوم معهم عندما يأكلون. تضايق الشباب من تصرف مصطفى وقرروا أن يلقنوه درساً لن ينساه أبداً. اتفق الشباب مع أم عدنان أن تضع الطعام خلف المنزل بعيداً عن مصطفى، حتى لا يشعر مصطفى بقدوم الطعام فيستيقظ. انتهى الشباب من تناول الطعام، واستلقوا قليلاً ليرتاحوا ومن ثم يعاودوا نشاطهم من جديد. استيقظ مصطفى عند المغيب، ونظر من حوله فرأى الشباب يعملون بجد ونشاط. شعر مصطفى بالجوع يقرص معدته، اقترب من أم عدنان وهو يتوكأ على عصاه، وسألها عن الطعام. تبسمت أم عدنان وقالت: - لقد أكلنا وشبعنا يا مصطفى، وأنت تغطّ في النوم العميق، ولم يبقَ لدي طعام. غضب مصطفى ولكنه لم يستطع أن يقول شيئاً، لأن شباب القرية كثيراً ما حدثوه عن قيمة العمل، وأن قيمة الإنسان بالعمل وليس بالراحة والاسترخاء. عاد مصطفى إلى مكانه واستلقى مرة أخرى، ولكنه لم يستطع النوم، من شدة جوعه. بقي مصطفى هكذا حتى نام والجوع يقرصه قرصاً شديداً. في اليوم الثاني عاد مصطفى مرة أخرى واستلقى تحت ظل الشجرة ونام، وقد أوصى أم عدنان أن توقظه عندما يحين وقت الطعام. أيضاً هذه المرة تناول الشباب الطعام خلف المنزل ولم يوقظوا مصطفى. استيقظ مصطفى وتلفّت حوله فلم يجد أحداً. أخذ العصى وتوكأ عليها، وبدأ يبحث عن شباب القرية هنا وهناك، حتى وصل إليهم فوجدهم قد انتهوا من طعامهم، وكل واحد منهم قد استلقى ليرتاح قليلاً. غضب مصطفى وجاء إلى أم عدنان وطلب منها الطعام، فقالت له: - الطعام فقط لمن يشتغل ويتعب، وليس لمن ينام ويرتاح تحت ظل الشجرة. أمسك مصطفى معدته وأخذ يصيح من الألم، ولكن دون جدوى، فالطعام قد نفد. في اليوم الثالث، جاء مصطفى مبكراً، ولم يحمل عصاه، وشمّر عن ساعديه، وأخذ يعمل بجد واجتهاد. نظر شباب القرية إلى مصطفى، وفرحوا به فرحاً كبيراً. وعند الظهيرة اقتربت أم عدنان من مصطفى وقالت له: - هيا يا مصطفى إلى الطعام، فأنت تعبت اليوم كثيراً، وتحتاج إلى الطعام يا عزيزي، هيا.. هيا.. |
((2)) http://www.al-fateh.net/images/i-147/7009e9.gif http://www.al-fateh.net/images/i-147/u8715.jpg وقع حصان أحد المزارعين في بئر مياه عميقة ولكنها جافة وأجهش الحيوان بالبكاء الشديد من الألم من أثر السقوط واستمر هكذا عدة ساعات كان المزارع خلالها يبحث الموقف ويفكر كيف يستعيد الحصان؟ ولم يستغرق الأمر طويلاً كي يقنع نفسه بأن الحصان قد أصبح عجوزاً وأن تكلفة استخراجه تقترب من تكلفة شراء حصان آخر هذا إلى جانب أن البئر جافة منذ زمن طويل وتحتاج إلى ردمها بأي شكل. وهكذا نادى المزارع جيرانه وطلب منهم مساعدته في ردم البئر كي يحل مشكلتين في آن واحد، التخلص من البئر الجاف ودفن الحصان وبدأ الجميع بالمعاول والجواريف في جمع الأتربة والنفايات وإلقائها في البئر في بادئ الأمر، أدرك الحصان حقيقة ما يجري حيث أخذ في الصهيل بصوت عال يملؤه الألم وطلب النجدة وبعد قليل من الوقت اندهش الجميع لانقطاع صوت الحصان فجأة وبعد عدد قليل من الجواريف، نظر المزارع إلى داخل البئر وقد صعق لما رآه فقد وجد الحصان مشغولاً بهز ظهره فكلما سقطت عليه الأتربة يرميها بدوره على الأرض ويرتفع هو بمقدار خطوة واحدة لأعلى وهكذا استمر الحال الكل يلقي الأوساخ إلى داخل البئر فتقع على ظهر الحصان فيهز ظهره فتسقط على الأرض حيث يرتفع خطوة بخطوة إلى أعلى وبعد الفترة اللازمة لملء البئر اقترب الحصان للأعلى و قفز قفزة بسيطة وصل بها إلى خارج البئر بسلام |
((3)) استيقظ أبو الغصين ذات صباح، وصار يولولُ ويصيحُ، فاجتمع الجيران، وطرقوا الباب، وقالوا: http://www.al-fateh.net/images/i-148/Im999age1.gif http://www.al-fateh.net/images/i-148/fa7q55.jpg - ما بك؟ هل أصابك مكروه؟ لقد سمعنا صُراخاً؟! فقال لهم: إن قميصي كان منشوراً على حبل الغسيل فوق السطح، ثم هبَّت الريح وقذفت به من فوق. فقالوا: وإذا سقط من فوق؟! فهو مجرد قميص من قماش! فحملق في وجوههم وصاح: أيها الحمقى لو كنتُ فيه كنت وقعتُ معه؟! ما أبْأسَ الحياة مع مغفلين من أمثالكم. ثم أخرجهم وأغلق الباب! وأحضر القميص يتفقده فوجده سليماً وقال: - الحمد لله أنني لم أكن فيه. ثم لبسه وجاء بمبخرة يتبخر بها فاحترق ثوبه، فخاف وصاح فاجتمع الجيران، وقالوا: - ماذا حدث لك؟ قال: احترقتُ، قالوا: ولكنَّا نراك سليماً! قال: كدتُ أحترق بسبب المبخرة. قالوا: اترك البخور، واجعل مكانه عطراً. فقال: أيها الحمقى! تطمعون أن أترك المبخرة لتأخذوها، هيا أخرجوا. ثم خلع ثيابه وجعل يتبخر ويقول: - والله لا أتبخر بعيد اليوم إلا عرياناً. ثم ارتدى ثوبه وخرج إلى السوق واشترى رأساً مشوياً، واشتهى أن يأكل منه، فأكل العينين ثم الأذنين ثم اللسان فالدماغ، ومسح فمه وحمل الباقي إلى أبيه وقال: - جئتك برأس مشوي. فقال أبوه: أين عيناه؟ قال: كان أعمى. قال الأب: فأين أُذناه؟ قال أبو الغصين: كان أصم لا يسمع. قال: فأين لسانه؟ قال: كان أخرس. قال الأب: فأين دماغه؟ قال: كان أقرع، فغضب الأب وقال: رُدَّهُ، أو بَدِّلهُ. قال أبو الغصين: لقد اشتريته بريئاً من كل عيب، فقال الأب: صدقت وإنما العيب فيك!! وخرج بعد العصر إلى ساحة الحي فوجد واحداً من جيرانه يقول: - مَنْ يحسب لي مقدار ما جاءني من محصول؟ فإني لا أجيد الحساب. فقال أبو الغصين: أنا أحسبه لك بأصابعي. قال الرجل: عندي كيسان من شعير، فعقد أبو الغصين الخنصر والبنصر. فقال الرجل: - وعندي كيسان من قمح، فعقد أبو الغصين السبابة والإبهام وترك الأصبع الوسطى؟! فانتبه الرجل وقال: - لماذا لم تحسب الوسطى؟ فقال أبو الغصين: كي لا يختلط القمح بالشعير. فقال الرجل وقد شعر أنه أمام أحمق: - إنك تجيد الحساب! ولولا طريقتك لتعبنا في عزل الحنطة عن الشعير! وعند المساء ضاع أخوه الصغير فخرج مع أحد أصحابه يبحث عنه. رفع صوته وهو يصيح: - ولد ضائع، من رأى ولداً ضائعاً، أبوه له لحيةٌ مصبوغة، فلطمه صاحبه وقال: وهل هذه علامة يُعرفُ بها الصبي أيها الغبي؟ فقال: ماذا أقول؟ قال: اعْطِ علامات مميزة من طول ولون وشعر وثوب. ثم التفت فرأى أخاه خلفه فقال: ويحك أين كنت؟ قال: سمعت صوتك، وأنت تبحث عن صبي لِحيةُ أبيه مصبوغةٌ، فتذكرت أن أبي يصبغُ لحيته، وقلت لعلي أكون أنا الذي تبحثون عنه! فتوقف صاحبه وقال: لقد ابتُليتُ بأسرة من الحمقى! والله لا أتابع معكم.. إنني أخشى أن أضيع ولا تعرفوا لي علامة. فتركهما ومضى. |
((4)) http://www.al-fateh.net/images/i-145/r53e1.jpg http://www.al-fateh.net/images/i-145/Image23.gif قصة: د.طارق البكري رسم: غياد عيساوي http://www.al-fateh.net/images/i-145/g6u.jpg باضت دجاجة بيضة على الطريق.. رأى البيضة عصفور صغير.. تعجب! "ما أكبر هذه البيضة؟؟ أظنّ أنّها تسعني أنا وإخوتي الصغار..!"، قالها باستغراب.. كان العصفور يعرف شكل بيض الطيور.. ولأوّل مرة يشاهد بيضة دجاجة.. عاد إلى أمّه خائفاً.. أخبرها بما رأى.. فضحكت الأم وقالت: هذه بيضة صديقتنا الدجاجة.. فأولادها الكتاكيت أكبر من العصافير.. والدجاجة تكبر بسرعة.. وعشّها أكبر بكثير من عش طائر صغير.. قال العصفور لأمّه: لكنّك حدثتنا سابقاً - أنا وإخوتي - عن النسور وأعشاشها.. والطيور الجارحة وأحجامها.. فخفت أنْ تكون بيضة طير جارح.. قالت الأم: يا بني، إنّ الطيور الجارحة تبني أعشاشها فوق الجبال وفي أعالي الشجر.. أمّا الدجاجة فتبيض على الأرض في عشّ تصنعه بعناية. ومثلها صديقتنا البطة.. وعمتنا النعامة.. لكنّ بيضة النعامة كبيرة جداً.. وهي مثل كل مخلوقات الله تحب أطفالها وتخشى على بيضها من الأخطار... ويبدو أنّ الدجاجة باضت وهي في الطريق.. وربما حاولت نقل البيضة فلم تستطع وأبقتها في مكانها ثم تعود لتجلس عليها وتحرسها حتى تفقس ويخرج منها كتكوت صغير.. قال العصفور لأمه: ما رأيك يا أمي أن نساعد الدجاجة ونوصل البيضة لبيتها؟؟ قالت الأم: فكرة... هيا بنا يا بني.. طار العصفور وأمه.. وراحا يدحرجان البيضة بريشهما الناعم.. يدفع العصفور الصغير البيضة فتتلقاها أمّه.. ثم تدفعها الأم بريشها فيسرع الصغير فيتلقاها.. واستمرا على هذه الحال حتى أوصلا البيضة إلى عش الدجاجة.. كانت الدجاجة تجلس على بيضها.. لما رأت البيضة.. وما فعل العصفور وأمّه ركضت إليهما تشكرهما على فعلهما.. ثمّ عاوناها لتحمل البيضة إلى العش.. ورقدت الدجاجة فوقها تمدّها بالحرارة والعطف حتى يخرج الكتكوت منها... |
http://www.al-fateh.net/images/i-139/e4z.gif بقلم : عبد الودوديوسف رسوم : هيثم حميد ـ1ـ بسم اللهِ الرّحمنِالرحيمِ ألمْ ترَ كَيفَ فعَلَربُّكَ بأصحابِ الفيلِ (1) ألمْ يجعلْ كيدهُمْ في تضليـلٍ (2) وأرسَلَ عليهمْ طيراًأبابيلَ (3) ترميهمْ بحجارةٍ منْ سجيلٍ (4) فَجَعَلهُمْ كَعَصْفٍ مأكولٍ(5) كيف فَعَلَ ربّكَبأصحابِ الفيلِ ؟!! كانَ الملكُ ذو نواسيُشرِفُ بنفسهِ على حفرِ الخنادقِ وإشعالِ النّيرانِ فيها بينما كان عشرونَ ألفاًمن المؤمنينَ بِدينِ السيّدِ المسيحِ ينتظرونَ مَصيراً لم يكونوا يتصوّرونهُ . اشتعلت نجرانُ بالنّيرانِ ، ووصلَ لهيبُها إلى كلِّ مكانٍ ، وأخذَ جُندُ ذي نُواساليهودي يُلقونَ بالمؤمنينَ في الخنادقِ يُحرقونهمْ دونَ رَحمةٍ لأنّهم اتّبعوا دينَالتّوحيدِ الخالصِ الذي جاءَ به الرّسولُ المسيحُ عليهِ الصّلاةِ والسّلام . لكنْهل يتركُ اللهُ الظّالمينَ دُونَ عقابٍ ؟!! لابُدَّ أنْ يُهْلِكَهُمْ كَما أهْلكواأتباعَهُ وَجُنْدَهُ ،لكِنْ متى سَيتمُّ ضلكَ . وأينَ ؟!!... كانت أجواءُ اليمنِ تمتَلئُ بالنّارِ وَالدُّخَانِ ، مَعَ قهقَهاتِ الملكِ الفاجرِ ذِي نُواسٍ . كمَا كانت أنّاتُ المؤمنينَ والشهداءِ تملأُ أجواءَ نجرانَ . وكانت صَحراءُ العربِ تشهدُ فارساً عَبقرياً جَعَلَ اللهُ بَينَ يديهِ بِداية الثّأرِ لأولئكَ المؤمنينَ . كانَ الفارسَ دَوْسٌذُو ثُعْلُبان يَطويْ الصّحراءَ كالبَرقِ ، قَلْبُهُ مَمْلوءٌ بالحَسَراتِ ،وَعيناهُ تَذرِفانِ الدّموعَ عَلى أَهلهِ وأصْحابِهِ وأبنائِهِ الذينَ أحْرَقَهمُ الظّالمُ ذو نواسٍ في نجرانَ . كان قلبُهُ يَشتعلُ بالآلامِ حينَ يذكرُ صُراخَ الأمّهاتِ وبُكاءَ الأطفالِ الذينَ كانت نِيرانُ نجرانَ تأكلُهمْ . كما كانت قهقهاتُ ذي نواسٍ تَغرسُ في دمائهِ أعمقُ الأحزانِ . ماكان دُوسُ ذوثُعلُبانَ يُريدُ أنْ يَستريحَ لحظةً أوْ يأكُلَ زاداً . طارَ منَ اليمنِ إلى الشّامِ ليَلقى هُناكَ قيْصرَ الرّومِ الذيْ كان يزورُ دمشقَ ليثيرهُ على ملكِ اليمنِ ذي نواسٍ وليُقنِعَهُ بإرسالِ جيشٍ يثأرُ لأهلِ نَجرانَ المحَرَّقينَ . عبرَ ذو ثُعلُبانَ بوّابةَ بابِ الجابيةِ في دمشقَ . وغُبارُ الصَّحراءِ يُغطيهُ من رأسِهِ حتى قدميهِ . أسرعَ إلى أوّلِ حمامٍ رآهُ ، دخلَ إليهِ ، ولبسَ ثوبهُ اليَمنيُّ الرَّائعَ الذي أحضرهُ منْ أجلِ مقابلةِ القيصرِ العَظيمِ . وأصلحَ من حَالِ فرَسهِ ، وحملَ سيفهُ ورُمْحَهُ . وتوجّهَ إلى قصرِالقيصرِ العَظيمِ ، لكن كيفَ يَستطيعُ الوصُولَ إليهِ ، اتجهَ إلى الكنيسةِ العُظمى . دخلها وصلّى فيها فأثارَ مَنظرهُ كاهِنَ المعْبدِ ، اقتربَ منهُ ، فقالَ لهُ ذوثعلُبانِ : ـ أنا من اليَمنِ ،إسمي ذو ثعلبانَ ديني المسيحيةُ ، هل أستطيعُ رؤيةَ الكاهنِ الأعظَمِ ؟!! وهذهِهديةٌ تَليقُ بك . وأخرجَ منْ جيبهِ كِيساً مَمْلوءاً بالذّهبِ ، ودفعهُ إليهِ . همس الكاهنُ : ـ سَأوصلكَ إليه فوراً . اتبعني . وبعدَ دقائقَ دخلَ ذوثُعلبانَ إلى الكاهنِ الأعظمِ ، فلمّا وقفَ أمامهُ كسَرَ رُمحهُ ، وخمشَ وَجهَهُ ،وصرخَ : ـ يا للعارِ يَلحقُ بدينِ المسيحِ ، سالتِ الدّماءُ من وَجههِ وأثار مَشهدهُ الكاهنَ الأعظمَ ، صاحَبهِ الكاهنُ: ـ سَنرفعُ عنكَ العارَ يا ذا ثعلبانِ . قل ماذا حدثَ لكَ ؟ . صَرخَ ذُو ثعْلبانَ : ـ يا ليتَ الكارثةَ قدْ وقعتْ بيَ وحدي يا سيّدي .لقد أحرقَ ذو نواسٍ الكافرُ أتباعَ السّيدِ المسيحِفي نجرانَ . ألقى الأطفالَ والنّساءَ والكُهَّانَ في خنادِقِ النّيرانِ . صرخَ الكاهنُ الأعظمُ : ـ يا لثاراتِ الشّهداءِ ، لنْ أنامَ ، ولنْ أتناولَ الطّعامَ حَتّى يُرسلَ معَكَ القيْصرُ أعظمَ جيوشِهِ للثّأرِ للشّهداءِ ، فهيّا معيَ إلى القصْرِ . ما كان ذو ثعْبانَ يظنُّ أنّهُ سَيَصلُ إلى القصرِ بهذِهِ السُّهولةِ . فلمّا دّخلَ القصْرَ معَ الكاهِنِ الأعْظمِ كانَ يُدَبِّرُ خِطّةً ناجحةً لإثارةِ القيصرِ كَما أثارَ الكاهنَ الأعظَمَ . تقدّمَ الكاهنُ فيقاعة القيصر إلى عرشهِ الامبراطوري ، ووقفَ القيصرُ إجلالاً لهُ ، وَوَقفَ الوزراءُ والقادةُ كُلُّهمْ لِوقوفهِ . صرخَ الكاهنُ : ـ يا لثاراتِ الشّهداءِ ؟!! صمَتَ الجميعُ بينما كان ذو ثعلبانَ يُمزقُ ثيابهُ ، وَيَجرحُ وَجههُ . همسَ القيْصرُ : ـ نحنُ لثأرِكَ يامَولانا ، قلْ مل ما تريدُ ونحنُ تحتَ أمرِكَ . صرخَ الكاهنُ : ـ اسمعْ لليَمَن يدَوسٍ ذي ثُعلُبان . فلمّا حدّثهُ ذوثُعلبانَ صرخَ : ـ وَيْلكَ يا ذا نُواس، قدْ حَلّتْ عليكَ اللّعنةُ ، ستأكُلُكَ جُيوشُنا ، وتَنتقمُ لشُهَدائنا . صرخَ القيصرُ وصَوتهُ يَرتجفُ منَ الغَضبِ : ـ اكتب أيّها الوزيرُ كتاباً إلى نجاشي الحَبشةِ كي يُرسلَ إلى اليمنِ أعظمَ جُيوشِهِ ليذبَحَ ذا نواسٍ وليثأرَ للشهداءِ . أعطِ الرسالةَ لذي ثعلبانَ ، وأرسلْ معهُ مائةَ فارسٍ وخادمٍ يسيرونَ معهُ إلى النّجاشي لتنفيذ أمرنا فَوراً . خَرَجَ ذو ثعلبان من بلاطِ القيْصرِ وهوَ يُدمدمُ : ـ بدأ الثأرُ يا ذانُواس . لن أهدأَ حتّى أذبحكَ كمَا ذَبحْتَ المؤمنينَ . سارَ ذو ثعبانَ شهوراًىكاملةً مع فُرسانهِ وخدّامهِ ، كانَ كلَّ يَومٍ يَقرأُ رسالةَ القيصرِ إلى النّجاشي مرّتين . مرّةً حينَ يستيقظُ ، ومرّةً حينَ ينامُ . ولا يكادُ ينتهي منها حتى يقفزَقلبُهُ منَ الفرحِ . كانتْ نفسهُ تهتفُ لهُ : ـ إن كنتَ يا ذانُواسٍ تستطيعُ قتلَ المؤمنينَ الأبرياءِ ، فالله قادرٌ على الانتقامِ منكَ بأيديمنْ همْ أقوى منكَ . كانَ فُرسانهُ يُحيطونَبهِ كالملكِ ، وكانَ بَيْنهمْ قائداً عبقرياً حَقّاً ، وَجهٌ رائعٌ ، وذكاءٌ لامعٌ، ونفسٌ هنيةٌ ، وقلبٌ حزينٌ ، وكفٌّ كريمةٌ . لكن أينَ أنتِ يا حبشةُ؟!! تهيّأ فرسانُ الحبشةِلاستقبالِ وفدِ القيصرِ ، كانَ ذو ثعلبانَ يسيرُ وسطَ المائةِ فارسٍ وقلبُهُ قَلقٌ، ونفسُهُ مملوءةٌ بالمخاوِفِ أنْ يجدَ النّجاشي لنفسهِ عُذراً فلا يلبي طلبَ القيصرِ . صاحَ قائدُ حرسِ القيصرِ عندما دخلَ ذو ثعلبان إلى بلاط النّجاشي : ـ أهلاً برُسلِ القيصرِ ... أمرهمْ على الرّأسِ والعينِ . وقفَ القادةُ كلّهمْفي قاعةِ النّجاشي وهُمْ يُتابعونَ حركاتِ ذي ثعلبان الهادئة اقتربَ من النجاشيوأحنى رَأسهُ ، ورَكعَ على رُكبتيهِ ، وقدّمَ رسالةَ القيْصرِ . ثم وقفَ ينتظرُ . قرأ النّجاشيُ الرّسالةَ ، ثمَّ نظرَ إلى ذي ثعلبان . فوضعَ ذو ثعليانَ أظافِرَهُ في وَجْههِ ... وغرسها حتى سَالتْ منهُ الدّماءُ ، ووقعتْ قطراتُها على الأرضِ عندَقدمي النّجاشيِّ حَمراءَ ساخنةً ، وذرفَ الدَّمعَ وهو يَهمسُ : ـ يا لثاراتِ دينِ المسيحِ ، يا لثاراتِ أهلي وأطفالي وأمّةِ نجرانَ كلِّها . وقفَ النجاشي بقوةٍ ،ثمّ نظرَ إلى يمينهِ وشِمالهِ وتقدّمَ ، فوقفَ الموجودونَ ، كُلَّهمْ لِوقوفهِ صرخَ : ـ على القائدينِ أبرهةَ وأرْياطَ أنْ يُجهِّزا جيشاً كبيراً لغزوِ الكافر ذي نُواسٍ في اليمنِ . صاحَ القائدانِ : ـ سمعاً وطاعةً يامَولايَ . بينما كان النجاشي يقتربُ منْ ذي ثعلبانَ ، ويمسحُ بيدهِ دماءَ وجْههِ ودموعَ عَينيهِ . انحنى ذو ثُعلبان وقبّلَ رِداءَ النجاشي ، فرَفعهُ النجاشي وقال لهُ : ـ سَتكونُ أنتَ ملكَ اليمنِ بعدَ زَوالِ الفاجرِ ذي نواسٍ ، وسأُرسلُ معكَ جَيشاً لمْ ترَ اليمنُ أكبرَ منهُ ، فهلْ يُرضيكَ هذا ؟!!.. همسَ ذو ثعلبانَ : ـ وهل نسيرُ غداً إلى اليمنِ يا مولانا ؟!! أمْ أسبقُ الجيشَ لأُمهّدَ لهُ الطّريقَ . ابتسمَ النجاشيُّ وقال : ـ لا .. لا .. ستذهبُ مَع الجيشِ ، وجيشُنا القويُّ لا يحتاجُ إلى تَمهيدٍ . وسَتقتلُ ذا نواسٍ بيَدَيكَ، وغداً تُسافرونَ إلى اليمنِ إنْ أردتَ ذلك . ركعَ ذو ثعلبانَ مَرةًأُخرى ، وقبّلَ طرفَ رِداءِ النَّجاشيّ ، وانسَحبَ منْ بلاطهِ إلى القصرِ الذّي أمَرَ النَّجاشي أن يَنزلَ فيه . لمْ ينمْ ذو ثعلبان تلكَ اللّيلةَ ، كان يُصلي لله حَمداً وشُكراً ويصقلُ سَيْفهُ ، ويُهيّئ بيدهِ رُمحاً خارقاً ، وتُرساً حبشياً نادراً . ماذا سيَحدُثُ للملكِ الظَّالمِ ذي نواسٍ ؟!! عبَرَ جَيْشُ أبرهةَ وأرياطَ الضّخمُ مَضيقَ بابَ المندبِ إلى اليمنِ وكانَ أوّلَ عابرٍ هو ذو ثعلبانَ ،فلمّا خرجَ منَ البحرِ إلى برِّ اليمنِ ، رفعَ يدهُ برمحهِ ، وغرسهُ في الأرضِ بكلِّ قُوّتهِ وصرخَ : ـ غداً سنثأرُ يا ذا نواس ، سننتقمُ لأرواحِ المؤمنينَ الذينَ أحرقتهمْ في خنَادقِ نجرانَ. وبعدَ أيّامٍ كان جيشُ أبرهةَ وأرياطَ يقفُ أمامَ جيشِ ذي نواسٍ ، وَهيهاتَ لذي ثعلبانَ أن ينتظرَ ،هَجَمَ على ذي نواسٍ ، وَ هَجَمَ الجيشُ كُلُّهُ بَعدهُ . وفي أقلَّ من ساعةٍ انهزمَ جيشُ ذي نواسٍ ، لكنْ هيهاتَ أنْ يُفلتَ من قبضةِ ذي ثعلبانَ ، هَرَبَ ... فلحقهُ ذو ثعلبانَ رَغمَ الجِراح التي كانتْ تملأُ جَسَدَهُ من ضَرَباتِ حُرّاسِ ذينواسٍ وأعوانهِ . كانَ دمهُ يَنزفُ بغزارةٍ لكنَّ رُوحهُ كانتْ أقوى منهُ ، كان يريدُ أنْ يقتلَ ذا نواسٍ مهما كلّف الأمرُ . كان معهُ بعضَ جنودِ الحبشةِ . اقتربوا من البحرِ ، ولمّا لم يجد ذو نواسٍ مفراً ، خاضَ بفرسهِ البحرَ ،بينما كانت سهامُ ذي ثعلبان تلاحقهُ ، فلمّا اختفى في البحرِ غريقاً همسَ ذو ثعلبان : ـ الحمدُ للهِ ، لقدِانتقمَ الله منكَ أيّها الظّالمُ ، فليفرحِ الشّهداءُ المؤمنونَ . ثمَّ سقطَ على الأرضِ ميتاً وهو يبتسمُ . صاحَ القائدُ أبرهةُ : ـ إنّهُ قدّيس . وصاحَ القائدُ أرياطُ : ـ إنهُ أعظم القدّيسينَ إنّهُ ملِكاً كما قال النجاشي . همسَ أبرهةُ : ـ أمَا وقد ماتَ فمنْ سَيكونُ الملكَ بَعدهُ ؟!!. قهقهَ أرياطُ وقالَ : ـ أنا أصبحُ ملكاً يوماً ، وأنتَ تُصبحُ بعدي ملكاً يوماً آخرَ . قهقهَ أبرهةُ وصرخَ : ـ أنا القائدُ الأوّلُ . وصَرَخَ أَرياطُ : ـ بل أنا القائدُ الأوّلُ ، والملكُ لي وحدي . رفعَ أبرهةُ سيفهُ ،ووضعَ أرياطُ يدهُ على خنجرهِ ، وانقسمَ جَيشُ الحبشةِ إلى قسمين وكادت تقعُ بينهما حربٌ مدمرةٌ . صاحَ أبرهةُ : ـ نرسلُ إلى النجاشي ،وننتظرُ أمرَهُ . وصاحَ أرياطُ : ـ سيوليني النجاشي مَلكاً على اليمنِ لا شكّ . صرخَ أبرهةُ وهويبتعدُ : ـ سنرى ...؟!! سنرى؟!!. من سيفوزُ في الحربِ؟؟. لم يكن أبرهةُ يطيقُ أن ينتظرَ عندما علمَ أنَّ القائدَ أرياطَ يتصلُ بقادةِِ جيشِهِ ، ويُغريهمْ بالوقوفِ إلى جانبهِ ، ويعدُهمْ بأعظمِ المناصبِ إنْ همْ وقفوا معهُ ضدّ أبرهة . جمعَ أبرهةُ قادته وقال لهم : ـ إنّ أرياط لا يُريدُ انتظارَ أمرَ النجاشي فلابدَّ أن نقتلهُ . همسَ القادةُ : ـ ونحن معك . لكنَّ أرياطَ كانَ جَيشهُ للقضاءِ على أَبرهةَ . وقفَ الجيشانِ متقابليْنِ صاحَ أَرياطُ : ـ يا أبرهةُ ، تعالَ نَحسمِ المعركةَ دونَ أن تذهبَ دِماءُ جيشِ الحبشةِ في هذه البلاد الغيبةِ . تعالَ للمبارزةِ ، فإمّا أنْ تقتلني وإمّا أن أقتلكَ . أسرعَ أبرهةُ وخلفهُ حارِسهُ عَتودةُ . وهجمَ على أرياطَ يُريدُ قَتلهُ ، لكنَّ سيفَ أرياطَ كان أسرعَمنهُ ، أّصابَ وجهَ أّبرهةَ فقطعَ أنفهُ وشَفتهُ وذقنهُ فَشَرمهُ ، وأسرعَ عَتودةُ حارسُ أبرهةَ إلى أرياطَ ، وغرسَ رُمحهُ في عُنِقِهِ فقتَلَهُ . صاحَ عتودة : ـ الأحباشُ يَدٌ واحدةٌ مع أبرهةَ . فصاحَ الجيشانِ : ـ كُلُّنا مع أبرهةَ . رَكِبَ أبرهةُ إلى قَصرِهِ لِيُداوي فيهِ جِراحهُ ، لكنَّ شفتُهُ بقيتْ مشقُوقَةً فَسمّاهُ العَربُ أبرهةَ الأشرمَ . رسالةٌ من النّجاشي امتلأ قلبُ أبرهة بالخوفِ حِينَ وصلتهُ رسالةٌ من النجاشي يقولُ لهُ فيها : ـ واللهِ سأقتلُكَ ،سَأدوسُ أَرضكَ ، سَأذِلُّكَ ، سَأحلِقُ شعرَ رأسِكَ كالعبيدِ ، كيفَ تقتلُ قائدي أرياطَ ؟!!.. أيّها الأحمقُ ، تُريدُ أنْ يكونَ لكَ مُلكُ اليَمنِ دونَ إذني ،سَأقودُ جَيشاً بِنفسي لأؤدِّبكَ . اشتعلتِ الحُمّى فيجِسمِ أبرهةَ المريضِ خوفاً منَ النّجاشي أن يقتُلهُ أو يعزِلهُ عنْ مُلْكِ اليمنِ فمَاذا يفعل ؟! صرخَ : ـ آتوني بقدرٍ منْذهبٍ . فلمّا أَتوهُ بهِ صاحَ : ـ املؤوهُ مِنْ تُرابِ اليمنِ ، وعطّروهُ . ففعلوا . صرخَ : ـ أيّها الحلاّقُ ،احْلِقْ رأسي كُلّهُ . فلمّا حلقَ لهُ ، صاحَ : ـ هاتوا صُندوقاً مُطَعّماً بالماسِ والجوهرِ . فلمّا أتوهُ به وَضَعَ به شعرهُ ، ثمَّ تناولَ ورقةً وقلماً وكتبَ : ـ سيّدي وَمولايَ النجاشي . دمي فِداؤكَ ، وأنا عَبدُكَ المطيعُ ، أَرسلتُ لكَ تُراباً من أرضِ اليمنِ لِتدوسهُ . وقصَصْتُ لكَ شَعري كلّه كما أحْبَبْتَ لتَبَرَّ بيَمينكَ ، ولاحاجةَ بك أن تَأتيَ إلينا فأنا تحتَ أمركَ ، أنا آتٍ إليكَ عَبداً ذليلاً إنْ أَردتَ ، إنني بانتظارِ أمركَ . ابتسمَ النجاشيُّ حينَ قرأ رسالةَ أبرهةَ ، فأرسلَ إليهِ أنّهُ قدْ رضيَ عنهُ ، وأنّهُ قد عيّنهُ ملكاًعلى اليمنِ . القُلَّيسْ كانَ سرورُ عظيماً بجيشِ الحبشةِ وبأبرهةَ الذّي خلّصهمْ منْ الظّالمِ ذي نواسٍ . أعلنَ المؤمنونَ دِينهمْ ، وبنَوا الكنائسَ في كُلِّ مكانٍ ، لكنَّ ضَنعاءَ لَمْ تكنْ تحوي كنيسةً مَلَكيةً ، وهلْ تقومُ مَملكةٌ دونَ كَنيسةٍ ملكيةٍ . وَكُهّانٍ عِظامٍ؟!!. وتحوّلتْ صنعاءُ كُلُّها إلى ورشةٍ عظيمةٍ لبناءِ كنيسةِ الملكِ أبرهة . وما زالَ البَنّاؤونَ يَرفعونَ بناءَها حتى ناطحتِ السّحابَ ، كانَ النّاسُ يَنظرونَ إليْها فلا يَرونَ آخِرها حتى تقعَ قلانسُهُمْ عنْ رؤوسهمْ . مَلأها أبرهةُ بالكُهّانِ ، فأصبحتْ آيةً من آياتِ الدُّنيا الرّائعةِ ، بناءً لمْ تعرفْ لهُ اليمنُ مَثيلاً إلا قصرَ بلقيسَ العظيمَ الذي أخذَ أبرهةَ أحجارَهُ وَرُخامهُ ومرمرهُ ليَبني بهِ كَنيستهُ الهَائلةِ . كانت قوافلُ قريشٍ تدخلُ صَنعاءَ ، فيَدورُ رجالها حولَ كنيسةِ الُلَّيسِ يَتفرجونَ عليها ويقولونَ : ـ ما أروعها وما أعظمها . لكنهم ما كانوا ليدخلوها لأنّ عندهمُ الكعبةَ بَيتَ اللهِ الذي بناهُ النبيُ إبراهيمُ عَليهِالصّلاةُ والسَّلامُ . دخلَ أبرهةُ كنيستهُ مَعَ وفدِ النجاشيِّ الذّي جَاءَ ليَرى الكَنيسةَ المذهلةَ . وامتلأتْ نفسُ أبرهةَ فَرَحاً بِها وعَادَ الوفدُ إلى النجاشيِّ ليُخبرهُ بمَا رَأى ومَعهُ رسَالةٌ منْ أبرهة . يَقولُ لهُ فيها : ـ أصبحَ شعبُ اليمنِ كُلّهُ على دِينِ المسِيحِ ، وسَأعملُ على إيصالِ ديننا إلى أبعدِ مكانٍ في بلادِ العَربِ ، وسأوافيكَ بالأخبارِ عَن كلِّ انتصارٍ ، وسَأجعلُ العَربَ كُلَّهمْ يَحجّونَ إلى القُلَّيسِ ، وَيتركونَ الحَجَّ إلى الكَعبةِ في مكّة . أبرهةُ الأشرمُ مَاذا يفعلُ ؟! فُوجئَ أهلُ مَكّةَ برسُولِ أبرهةَ إليهمْ ، جَلسوا إليهِ في دَارِ النّدوةِ ، قال لهمْ : ـ إن المَلكَ أبرهةَ يأمركمْ أن تَحُجُّوا إلى كَنيسةِ القُلَّيسِ في صَنعاءَ ، وتتركوا الحجَّ إلى الكعبة في مكةَ . صاحَ عَبدُ المطلبِ : ـ ويْلكَ ، أنتركُ دِينَ إبراهيمَ ، وكعبةَ ربِّنا التي بَناها نبيّهُ ، ونحجُّ إلى كنيسةِ صنعاءَ .. لا .. لا.. لا يمكنُ لهذا أن يكونَ . وضجَّتْ أحياءُ العَربِ كُلُّها بأمرِ أبرهةَ الأشرمِ ، ورَفضوا كلُّهمْ ما أرادهُ . وصلَ الرُّسُلُ إلى إلى أبرهةَ ، وأبلغوهُ ما سمعوهُ من قبائلِ العربِ ، فطارَ صوابُه ،كيفَ ترفضُ العربُ دينهُ وقَدْ أتى ليُنقذَهمْ من الملوكِ الذينَ كانوا يَظلمونهُمْ؟! وَفوجئ أبرهةُ بمَالَمْ يكنْ يَتوقعُهُ . قبلَ أنْ تطلعَ الشّمسُ ، أسرعَ إليهِ وزيرهُ وهمسَ لهُ : ـ سيّدي أبرهة ، كاهنُ كنيسةِ القُلّيسِ يرجو رؤيتكُم . نَهَض أبرهةُلاستقبالهِ بِنفسهِ ، رآهُ يقطرُ وجههُ بالغَضبِ ، عَجِبَ لهُ ، هَمَسَ رئيسُ الكُهّانِ : ـ أدركْ شرفكَ وَشَرفَ دينِكَ يا مولايَ ، دخلَ إلى كنيسةِ القُلّيسِ بَعضُ عَربِ مكّةَ ، فلمّا خَرَجوا وجَدنا في الهيكلِ بقاياهُمْ النّجسةَ ، فهلْ تتصوّرُ أفظعَ من هذهِ الإهانةِ لبيوتِ اللهِ ؟!! صرخَ أبرهةُ : ـ يا ويْلهم ، لابُدَّ أن أؤدِّبهمْ.. لكنَّ حديثهما لم يتمّ حِينَ دَخلَ مجموعة من الكهّانِ يَصرخونَ : ـ كنيسةُ القُليسِ تحترقُ ، أدركنا يا مولانا الكاهِنُ الأعظمُ . ردّدَ أبرهةُ : ـ تحترقْ ؟!! واللهِ لأهدِمنَّ كعبتهمْ ، واللهِ لأنهبنّ بِلادهمْ ، غداً يَروْنَ ماذا سَأصنعُ بهم؟. كانَ غضبُ نجاشيِّ الحبشةِ أشدَّ منْ غضبِ أبرهةَ حينَ علمَ بما حدثَ في كنيسةِ القُلّيسِ . أرسلَ لأبرهةَ جَيشاً ضخماً ، وأرسلَ لهُ أكبرَ أفيالهِ ليَهدمَ بهِ الكعبةَ ، فَلمّا وَصَلَ فيلُ النجاشيِّ إلى صنعاءَ انتشرَ خبرَهُ بَينَ قبائلِ العربِ كُلها . خرجَ جيشُ أبرهةَ الضخمُ مُتوجّهاً من صَنعاءَ إلى مكّةَ ليهدمَ كعبتها ، وَينهبَ أهلها ، ويُجبرَالعربَ على الحَجِّ إلى كنيسةِ القُلّيسِ في صنعاءَ . البطلُ العظيمُ ذونَفْر كانَ النعاسُ يُغالبُ الحارسَ قُماهَةَ ، فقدْ اقتربَ الفجرُ وكادَ النّهارُ يُطلُّ على الدنيا ، لكنّهُ طَرَدَ النَّومَ منْ عينيهِ حينَ رأى مجموعةً منَ الفُرسانِ يَقتربونَ من مضاربِ قبيلتهِ ، أخذَ سَيفهُ ، وأطلقَ كلابهُ ، التّي أسرعتْ تنبحُ بعُنفٍ ، فأيقظتْ رِجالَ القبيلةِ كُلَّهُمْ . خرجوا برماحهمْ وخناجرِهمْ ، وركبوا خيولَهمْ حينما رَأوا أن الفرسانَ القادمينَ ملثمونَ . أسرعَ أحدُ الفرسانِ القادمينَ ، وكشفَ لِثامهُ ، وألقى سَيفهُ أمامَ مَضاربَ القبيلةِ ، فألقى قُماهةُ سَيفهُ واقتربَ منه، همسَ الغريبُ : ـ الملكُ ذو نفرٍ ملكُ قبائلِ اليمنِ قدْ أتاكمْ . هَلّلَ الرِّجالُ : ـ يا مَرحباً بالملكِ، يا مرحباً بالعزيزِ ، الأرضُ أرضُكَ ، والبلادُ بلادكَ . أسرعَ الرِّجالُ إلى النيران فأوقدوها ، وقام النّساءُ يَنقلْنَ المياهَ ، بينما كانَ اليمنيُّ ذو نفرٍ يُعانقُ شيخَ القبيلةِ . همسَ شيخُ القبيلةِ : ـ بكَّرتنا بالخيرِ يامولايَ ؟ همسَ ذو نفر : ـ أتيتُكمْ بخبرِالسّوءِ ، لا بالخيرِ ، أبرهةُ الأشرم الحبشيُّ في طريقهِ الآن إلى مكة ليَهدمَ الكعبةَ فماذا أنتمْ فاعلون ؟!! هتفَ شَيخُ القبيلةِ : ـ ويْلَهُ لنْ يصلَ إلى ما يُريدُ إلاّ على أعناقنا . صاحَ ذو نفرٍ : ـ حَيّاكَ اللهُ ياشيخُ ، فقد اكتملَ منّا جَيشٌ منْ قبائلِ اليمنِ كلّها ، وموعدُنا بعدَ ثلاثةِ أيّامٍ معَ جيشِ أَبرهةَ على مسيرةِ سِتةِ أيامٍ منْ صنعاءَ . هتفَ شيخُ القبيلةِ : ـ سنكونُ معكَ يامَولايَ وإن شئتَ خَرجنا معكَ الآنَ . غادرَ ذو نفرٍ مضاربَ القبيلةِ ، لم يَأكلُ فيها شيئاً فقدْ أقسمَ ألاّ يهنأَ بطعامٍ حتى يَقتلَ أبرهةَالأشرمَ . غابَ في الأفقِ معَ فرسانه الملَثمينَ ، بينما اكنَ رجالُ القَبيلةِ يتفقدونَ سُيوفهمْ ورِماحهمْ ، ويُودِّعونَ أطفالهمْ ، كيْ يَلحقوا بالملكِ ذِينَفْرٍ ، وليُحاربوا مَعهُ أبرهةَ الحَبشي الأشرمَ . ذو نفرٍ هل ينتصرْ؟؟ لمْ يكنْ أبرهةُ الأشرمُ يظنُّ أنّهُ سَيُقاتلُ جَيشاً لهُ شراسةُ جيشِ ذي نَفرٍ وحيلتهِ ، اصطدمَ معهُ فُجأةً ، وكان كلُّ مُقاتلٍ معهُ يَهجُمُ على المائةِ منْ جُنودِ أبرهةَ دُونَ أن يَهابَ . كانت صَرَخاتُ ذونفْرٍِ تَهُزُّ وِجدَانَ كُلِّ رَجلٍ من رِجالهِ : كانَ يصرُخُ مَعَ قرعِ الطبُولِ : ـ منْ كانَ يريدُهَدمَ الكعبةِ فليَهربْ !! من كانَ يرضى أن يُداسَ بيتُ اللهِ فليهربْ !! ما قُتلَ جنديٌّ منجنودِ ذي نَفْرٍ إلاّ وقتلَ عدداً من جُنودِ أبرهةَ . لكنْ هَيهاتَ للعَددِ القليلِ أنْ يثبُتَ أمامَ جيشٍ يَفوقُهُ عَشراتِ المرّاتِ . لكنَّ رَجُلاً واحداً من جيشِ ذي نفرٍ لمْ يهربْ .. ماتوا جميعاً أو أُسِروا ، أمّا هوَ فقد توغَّلَ في جَيشِ العدوِّ يقتلُ جُندهُ حتى تكسّرَ سيفُهُ ورُمحُهُ وخِنجرهُ فأسَرَهُ الجُنودُ وأخذوه فَوراً إلى أَبرهةَ . نظرَ إليهِ أبرهةُساعةً منْ زمانٍ ، ثمّ قالَ لهُ : ـ أراكَ قد جُننتَ يَاذا نفرٍ ؟!.. أَمِثلَ جَيشنا يُحارَبُ ؟!!.. ألا تعرفُ أَننا لا نُغلبُ ، وَلنْ نُغلبَ ؟ همسَ ذو نفرٍ : ـ لو كانَ عِندي رُبعُ جَيشِكَ لما انتصرتَ عليَّ أبداً . صرخَ به أبرهةُ : ـ إننا جُنودُ الرّبِّ يا ذا نفرٍ ، ولنْ يَهزمنا أحدٌ . همسَ ذو نفرٍ : ـ جنودِ الرّبِّ لايَهدمونَ بيتَ اللهِ الذّي بناهُ نَبيّه إبراهيمُ . الربُّ بريئ منكم . صرخَ أبرهةُ : ـ لكنْ بَعدَ أن أهدمَ الكعبةَ ، بيديّ هاتينِ .. وَيرى ذو نفرٍ حِجارتها كومةً أمامَ عَينيهِ . يتبع |
بابا نويل جاء محمد وسها إلى جدهما، وأخذا يسألانه عن شخصية بابا نويل. قال محمد: -ليت بابا نويل يأتي لعندنا ويعطيني الهدايا الجميلة، كما رأيت في أفلام الكارتون. قالت سها: -قالت لي صديقتي في المدرسة أن بابا نويل أعطاها لعبة جميلة في العام الماضي، وهي تنتظر الآن هدية أخرى في هذا العام. نظر الجد إلى حفيديه نظرة حب، وهزّ رأسه قائلاً: -أتدرون يا أحبابي ما معنى بابا نويل؟ قال الحفيدان: -لا ندري يا جدنا الحبيب. أغلق الجد كتاباً كان يقرؤه، وقال لحفيديه: -يا أحبائي.. لو عرفتم معنى بابا نويل لما تمنيتم هذه الأمانيّ. بابا نويل تعني الإله أبونا فهذا الشيخ الكبير ذو اللباس الأحمر واللحية البيضاء الذي يسمونه بابا نويل هو الإله الأب الذي ولد له مولود من مريم وهو عيسى الابن. فيقوم الأب الإله بتوزيع الهدايا في يوم ولادة ابنه عيسى عليه السلام الإله الابن. فغرت سها فاها من هذا الكلام، وقالت: -ما هذا الكلام يا جدي؟! لا يصدقه عقل إنسان، الله جلّ جلاله لم يلد ولم يولد. قال محمد: -يا جدي لو قلت هذا الكلام لأخي الصغير والذي يبلغ العامين فقط، لا يصدق هذا الكلام، بل ويستهزئ به، فكيف بالكبار يتكلمون بهذا الكلام. قالت سها: -ولكن يا جدي بابا نويل شخصية حقيقة تلبس اللباس الأحمر الجميل، فمن هذا الشخص يا جدي إذا لم يكن بابا نويل؟ قال الجد: -بابا نويل شخصية وهمية وقد صنعها الرسام الأمريكي الشهير توماس، وكان ذلك عام 1822والتي شكلت في ذهن الأطفال القصص الأسطورية حول هذه الشخصية، التي تأتي علي عربة من الماس، يجرها زوج من الخيول ذات الأجنحة، والتي تطير ببابا نويل من مكان لآخر ليلة رأس السنة ليوزع هداياه على الأطفال . وصورة بابا نويل هي صورة الرجل في الخمسين من عمره، ذو لحية بيضاء طويلة غليظة، وأنف مدبب، وجسم متين، ووجه أبيض محمر .. قالت سها: -ولكننا نراه في التلفزيون، وصديقتي أخبرتني أن بابا نويل جاء إليها، وقدم لها هدية حلوة. قال الجد: -ومع ذلك أقول لكم أن شخصية بابا نويل شخصية وهمية. إذ كيف يكون بابا نويل هنا في بلدتنا، ونسمع عنه أنه جاء لأطفال أمريكا وأوربا بنفس الوقت. إذن كيف جاء نفس الشخص وفي نفس الوقت وفي كل مكان؟ سكت محمد وسها، وطأطآ رأسيهما خجلاً من هذه الأفكار الطفولية التي تستحوذ على تفكيرهما، ثم قالا بصوت واحد: -لا نريد بابا نويل.. لا نريد بابا نويل.. قال محمد: -لا نريد من يضحك على عقولنا، ويستخفّ بنا.. لا نريد.. |
الساعة الآن 09:27 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |