منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   من أسرار الأسماء فى القرآن (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=28624)

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:41 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
الوكيل

الوكيل هو الموكول إليه والمفوض إليه الأمر، وعليه فلا وكيل على الحقيقة إلا الله تعالى، وهو سبحانه سبب الأسباب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه. ومعلوم أن التوكل هو من أفعال القلوب، فهو إيمان وتصديق، ثم هو توجه ورغبة، وهو قوة عظيمة تشحن الإرادات، كيف لا وهو الركون إلى ركن شديد؟ وما من إنسان إلا ويرغب في وكيل، وما عالم الحسرة والوهن والإحباط وسوء الظن وما إلى ذلك من أمراض القلوب والإرادات إلا من نتائج التوكل على غير الله، من المخلوقات الضعيفة، والكائنات المحتاجة.

تستهل سورة الإسراء بآية تتحدث عن حادثة الإسراء بالرسول عليه السلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم يدهشك أن الآيات التي تلي تتحدث عن إفسادتين لليهود في الأرض المباركة، والذي يهمنا في هذه العجالة الوصية التي أنزلها الله تعالى في التوراة، ثم أنزلها في الآية الثانية من سورة الإسراء : "وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا.." فما السر في هذه الوصية المشددة والمكررة؟ وما علاقتها بالإفساد اليهودي في الأرض المقدسة؟ ويبدو من نصها أنها وصية وتحذير :" ألا تتخذوا من دوني وكيلا.." وقد يكون من أسرارها أن النهايات المفجعة للمجتمعات اليهودية ترجع إلى اعتماد اليهود على وكلاء من عالم الشهادة، وهذا مؤشر على ضعف الإيمان بالله تعالى، وهو دليل أيضا على شدة تعلق هؤلاء بعالم المادة وبالأسباب الأرضية.

إسرائيل شاحاك من الكتاب اليهود الذين يلفتون انتباهك في قربهم من الموضوعية، وهو من القلة التي انتقدت العنصرية الصهيونية، وكشفت حقيقة الكيان الإسرائيلي في فلسطين، وهو يرى أن المذابح التي تعرّض لها اليهود في المجتمعات الغربية ترجع في الأساس إلى التحالفات التي كان يقيمها اليهود مع القوى المتنفذة والظالمة، والعجيب أن هذا الخطأ يتكرر وكأنه قانون في حياة اليهود، على الرغم من أن النتائج كانت دائما مفجعة، وعلى وجه الخصوص عندما تنقضّ الشعوب على جلاديها، والأعجب من هذا أن اليهود لم يستخلصوا العبر، وما زالوا يؤمنون بإمكانية الركون والتوكل على القوى البشرية والمادية، حتى باتت المادة، وبات رأس المال هو المعبود الذي يتوكلون عليه.

عندما شعر اليهود بصعود أمريكا القوة الجديدة وجدناهم يسارعون إلى الهجرة إليها، حتى باتوا في أعلى السلم السياسي والاقتصادي، وأصبح الأمريكي شيئا فشيئا يشعر بوطأة أقدامهم على رقبته، وهذا الشعور قابل للتصاعد على ضوء المعطيات التي تخبرنا بان المجتمع الأمريكي يتحول شيئا فشيئا إلى مجتمع الأقلية المالكة، والأكثرية المغلوبة على أمرها، والتي باتت تشكل الآلة التي تخدم الأسياد، ولديها شعور متفاقم بالغبن والإجحاف. هذا في داخل أمريكا، أما في الخارج فقد بات المجتمع الدولي يشعر بالنفور الشديد من هذا المتطفل، الذي يضرب بسيف المارد الأمريكي، ولا يقيم وزنا لمشاعر الآخرين، ولا يشعر أبدا باحتمال انقلاب الموازين، وتغير الوقائع، بل ينطلق في سلوكه من منطلق أن هذه هي نهاية التاريخ، وبهذا نجدهم يكررون الخطأ، ويقعون في المحذور، وليس بإمكانهم أن يستمعوا إلى رب الناس يحذرهم :" ألا تتخذوا من دوني وكيلا...".

إن هذه الوصية لا تخص اليهود دون غيرهم، وإن كانوا هم الأحوج إليها، ونحن لا نعجب من سلوك اليهود هذا عندما نطلع على تراثهم الديني والثقافي، وإنما العجب كل العجب أن يذهل عن هذه الوصية الربانية بعض من عايش الإسلام، ونهل من القرآن، وتنسم عبير تراثه المفعم بالإيمان والثقة واليقين والتوكل، " ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرا".

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:41 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
أم القــــــرى


جاء في الآية 92 من سورة الأنعام :"وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه، ولتنذر أم القرى ومن حولها.....". وجاء في الآية 7 من سورة الشورى :"وكذلك أوحينا اليك قرآناً عربياً لتنذر أم القرى ومن حولها....." واضح أن "أم القرى" هنا هي مكة. وقد يقال إن المقصود أنها العاصمة بمفهومها المعاصر. وإذا علمنا أن القرآن الكريم قد نزل الى البشرية جمعاء، أصبح من المحتمل أن يكون المقصود ب "من حولهاط هو مجموع الناس. وقد سبق أن بيّنا في حلقة سابقة أن القرآن الكريم يجعل من مكة البؤرة والمركز، والمكان الذي يقاس عليه غيره من الأمكنة، فالمسجد الأقصى هو الاقصى بالنسبة الى مكة، حيث القصي هو المسجد النبوي. وعليه يصح أن يكون المقصود ب (من حولها) مجموع البشرية. واذا كان هذا صحيحاً فما المقصود ب (أم القرى)؟

القرى هو الجمع، ولما كان الناس يجتمعون في صيغة شعوب وقبائل، فقد سميت مجموعاتهم هذه قرى، وسميت كل مجموعة قرية. فالقرية إذن تعبر عن الاجتماع البشري.ولما كان هذا الاجتماع لا بد أن يكون في مكان، فصح ان يسمى مكان الاجتماع قرية. جاء في الآية 59 من سورة الكهف "وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا" لا داعي أن نقول هنا أن المقصود (أهل القرى) لأن القرى تطلق كما قلنا على الاجتماع البشري، وعلى مكان الاجتماع ايضاً. وعليه يحتمل أن يكون المقصود ب (أم القرى) أم الأمم. ومعلوم أن (الأم) هي الأصل الذي يصدر عنه الفرع. وهذا يقودنا إلى القول: إن مكة هي المكان الذي خرج منه الناس إلى باقي بقاع الأرض، أي أن مكة هي أول مكان اجتمع فيه البشر، ومنه صدروا بعد أن تكاثروا. وقد يعني هذا أن مكة هي أول نقطة التقاء للبشرية بالأرض. فهل كانت المكان الذي نزل فيه آدم أول ما نزل؟

جاء في الآية 96 من سورة آل عمران :"إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين". إذا كان أول بيت وضع للناس -لعبادتهم- كان المسجد الحرام في مكة، فهذا يعني أنه مغرق في القدم، ولا يبعد أن يكون قد وضع للناس في فجر البشرية، لأنه بعيد في العقل أن يبقى الناس فترة من الزمن لا يجتمعون على عبادة الله في مكان يجمعهم، مع علمنا أن آدم عليه السلام كان نبيا، أي أن البشرية بدأت مسيرتها بمعرفة الخالق وعبادته، ثم كانت الانحرافات بعد فترة من الزمن، فبعث الله سبحانه وتعالى (نوحاً) كأول رسول للناس.

فإذا قيل إن قلة عدد الناس في البداية لا يحتم وجود مكان يجمعهم للعبادة، بل لا ضرورة لذلك. قلنا نعم هذا ممكن، ولكن إذا عرفنا أن مساحة الكعبة من الداخل لا يزيد كثيراً عن (80 متر مربع) وإذا أدخلنا (الحجر) قد لا تتجاوز (100متر مربع). وعليه كان يمكن أن يكون عدد الذين يحتشدون فيها من أجل العبادة ؟ ولا يتوقع أن تكون أول عبادة على صيغة طواف، وآلا فما معنى المساحة الداخلية، وما معنى أنه مسجد؟ وقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الصحيح عن أول بيت وضع للناس فقال المسجد الحرام. قيل : ثم أي؟ قال المسجد الأقصى……ومعلوم أن المسجد الأقصى لا طواف فيه.

"إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين" لفظه (وضع) تدل على أن الأمر كان بوحي سماوي، وتكليف رباني. أما لفظه (بيت) فتدل على أن العبادة في البداية كانت في داخله. وأما لفظة (للناس) فتشير إلى انه وضع لجميع الناس. وإذا كانت مساحته كما ذكرنا، فان هذا يشير إلى عدد الناس القليل، مما يدل على انه قد وضع في فجر البشرية، أما جملة (للذي ببكة مباركاً) فلها مقام آخر، أن شاء الله؟. وأما جملة (وهدى للعالمين) فتؤكد أنه وضع لجميع البشر. وإذا كان صحيحاً ما توصلنا إليه من أن مكة هي أول مكان أقام فيه البشر وجودهم الاجتماعي، أفلا يصبح فهمنا للأمور التالية أشد وضوحاً :

أ= أن حج الناس كل الناس يكون إلى مكة.

ب= أن آذان إبراهيم عليه السلام بالحج كان من مكة، والى الناس في كل مكان، كما توحي به الآيات الكريمة من سورة الحج.

ج= أن فريضة الحج يخاطب بها الناس، في حين أن أركان الإسلام الأخرى يخاطب بها المؤمن. ثم نجد أن كلمة الناس اكثر ما تكررت نسبياً في صورة الناس، ثم سورة الحج.

د= إن لباس الحاج يكون بسيطاً ويلغي الفوارق، فيعود الناس كما كانوا في أول اجتماع لهم على الأرض فيذكر هذا باخوتهم الإنسانية.

وحتى لا نطيل في مثل هذا المقام ننبه أخيراً إلى أننا لا ندري كيف كانت الطبيعة والمناخ في مكة في تلك العصور السحيقة، والتي لا يدري أحد مداها الحقيقي.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:42 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
إن لبثتم إلا عشرا

جاء في سورة الإسراء :" يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلاً " وجاء في سورة المؤمنون : " قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين، قالوا لبثنا يوماً أو بعض يوم ..." وجاء في سورة يونس :" ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم " هذه الآيات وغيرها تكشف عن حقيقة الشعور الإنساني بسرعة انقضاء الحياة الدنيا، وسرعة مضي عالم البرزخ، فالذاكرة البشرية عندها مشغولة بما هو أهم وبما هو أخطر، ثم إن الدنيا وعالم البرزخ في قانون الآخرة لا تزيد عن وحدة صغيرة من الزمن. كيف لا والنهائي لا يذكر في جانب اللانهائي !!



ثلاث آيات من سورة طه تطرح نسبية الزمن في الإدراك البشري، ليس في الدنيا، ولا في عالم البرزخ، بل في يوم الحشر، ولا ندري كم يستمر هذا اليوم، وإن كانت الأحاديث الشريفة لتنص على طول الموقف، ولكنه في النهاية ينقضي ليكون الخلود الذي لا يتناهى، وعلى وجه الخصوص في عالم السعادة.

يقول تعالى :" يوم ينفخ في الصور ونحشر المجرمين إلى جهنم زرقا، يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا، نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقةً إن لبثتم إلا يوما". الآيات الكريمة تتحدث عن حشر المجرمين وما فيه من ضيق ومعاناة إلى درجة أن تزرق الجلود، وهذا في حدود علمنا ينتج عن نقص الأكسجين والذي يزيد في معاناة المحشورين، وهو أيضاً عند بعض أهل الاختصاص ينتج عن الخوف الشديد الذي لا أمل عنده في النجاة، مما يجعل الدم يندفع باتجاه الجهاز الهضمي بدل أن يندفع إلى الجلد والعضلات . وهذا الواقع المضني يجعل الإنسان حساساً تجاه الأصوات والكلام ومن هنا :" يتخافتون بينهم " فكل واحد منهم يطلب من الآخر أن يغض من صوته، وعلى الرغم من ذلك فإن هناك قضية في غاية الأهمية تجعلهم يتساءلون بينهم بأصوات خافتة، فطول الموقف ورهبته وشدّته تجعلهم يتساءلون عن طول موقفهم، وكم مضى من الوقت، وهنا يتضح أن أقوالهم تتضارب وتتفاوت تفاوتاً كبيراً، وهنا يتدخل البعض ليحد من المبالغات فيقولون:" إن لبثتم إلا عشراً " نعم لم تزد عن هذا الحد.

إنّ الله تعالى أعلم بأقوالهم هذه ومدى مطابقتها للواقع : " نحن أعلم بما يقولون " فهذه الأقوال كلها مجافية للواقع، ولكن أقلهم إجراماً وبالتالي أمثلهم طريقةً وسلوكاً في عالم الحياة الدنيا يذهب إلى أنّ لبثهم لم يتجاوز اليوم :" إن لبثتم إلا يوماً " وهنا ينكشف سر اختلافهم الاختلاف الكبير، فقد ظهر أن إحساس النّاس بالوقت يتفاوت يوم الحشر بتفاوت أعمالهم، ومدى صلاحهم أو فسادهم، وهذا يعني أنّ هول الموقف يتعلق بمدى الصلاح، أي أنّ هناك تناسباً عكسياً بين الصلاح والشعور بهول الموقف ومداه، وعلى ضوء هذا يمكن فهم الأحاديث الشريفة التي تحدثت عن أهوال الموقف يوم القيامة .

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:42 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
أنّى بأرض السلام


تُستهل سورة الإسراء بالحديث حول نبوءة الإفساد الإسرائيلي في الأرض المقدسة، واللافت للانتباه أنّ سورة الكهف تأتي في ترتيب المصحف بعد سورة الإسراء، وتبرز فيها قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح، ويدهشك أنّه لا ذكر في القصة لبني إسرائيل، ولم يعد موسى عليه السلام متبوعاً بل أصبح تابعا، يطلب العلم بتواضع وحرص، ومثل هذا الأمر لم يتكرر في القرآن الكريم. وقد يكون من دلالات ذلك أن على الذين يزعمون أنهم أتباع موسى عليه السلام أن يتواضعوا للحق والحقيقة، وأن يدركوا أن الله تعالى يؤتي فضله من يشاء من عباده. وأنه إذا كانت سورة الإسراء تبرز أحداثاً مستقبلية تبشّر بكسر شوكة اليهود، وتعصم البشرية من عنصريتهم القائمة على الاعتقاد الأسطوري، فإنّ سورة الكهف تدعو هؤلاء إلى الاقتداء بموسى عليه السلام، ولا يكون ذلك إلا باتباع الرسول الخاتم عليه السّلام.

جاء في الروايات التاريخيّة أنّ موسى عليه السلام قضى آخر سنوات حياته في جبال الأردن الغربيّة، المطلة على الأرض المقدسة فلسطين، وورد في الأحاديث الصحيحة أنّه عليه السلام عندما حضرته الوفاة طلب من الله تعالى أن يقربه من الأرض المقدس رمية بحجر، فاستجاب الله تعالى له، ومات عليه السلام قريباً منها، ولم يدخلها. ويبدو أن قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح، والواردة في سورة الكهف، إنما حدثت في السنوات الأخيرة من عمره عليه السلام، بدليل قوله تعالى في سورة الكهف:" وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً". فهو إذن على استعداد أن يمضي دهوراً في طلب العلم، وهذا لا يفعله من هو مكلف بأداء رسالة إلى قومه، مما يعني أنّه قد أتم التبليغ.

جاء في التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور :" ومجمع البحرين لا ينبغي أن يُختلف في أنه في مكان من أرض فلسطين، والأظهر أنه مصب نهر الأردن في بحيرة طبرية ..." وهو هنا يقصد مجمع البحرين المذكور في قصة موسى والعبد الصالح. ويستند ابن عاشور فيما يستند إليه إلى ما ورد من أنّ موسى عليه السلام سار راجلاً مسيرة يوم وليلة، ومن هنا تُستبعد كل الأقوال التي تزعم أن مجمع البحرين في البحر الأحمر، أو في المغرب العربي، أو.. ولدينا أدلة على صواب مذهب ابن عاشور ليس هذا مقامها، ولكنه يكون أقرب إلى الصواب لو قال إن مجمع البحرين هو النهر الذي كان يصل بين بحيرة الحولة وبحيرة طبرية، وكان تواجد موسى عليه السّلام في الجهة الشرقية. وتنص الأحاديث الصحيحة على أن موسى عليه السلام وجد العبد الصالح مغطى بثوب، فسلّم عليه، فرد العبد الصالح قائلاً :" وأنّى بأرضك السّلام ؟! " وورد أيضاً :" وأنّى بأرضٍٍ السلام ؟! ".

هل صحيح أن هذا الاستفهام من العبد الصالح كان لأن المكان خلاء من الناس، أو لكونه مأهولاً بأمّة ليست تحيتهم السلام ؟! الذي نراه أنّ هذا الاستفهام التعجبي كان لأنّ الأرض التي يقفان على مشارفها هي الأرض المباركة، والأرض المقدسة، وبركتها وقدسيتها جزء من وظيفتها الدنيويّة، فهي أرض تنفي خبثها، ولايُعَمّر فيها ظالم، وما يحدث فيها يَعُم خيره البشرية جمعاء، كما جاء في قوله تعالى :" الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ" وعليه كيف يمكن لمثل هذه الأرض أن يكون فيها سلام مع الشّر والظلم، وإلا فما معنى كونها الأرض المطهّرة؟! وإذا كان الله تعالى قد جعل البركة والقدسيّة في كينونتها، فما ذلك إلا لتؤدي دورها الإيجابي في تصحيح المسار البشري، ومن يقرأ تاريخ هذه الأرض يدرك أنها المختارة التي تقصم كل جبّار، وتحضن كل بار، ولا يزال الحق يظهر فيها ويغلب ولكنكم تستعجلون .

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:43 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
بنو إسرائيل

إسرائيل هو نبي الله (يعقوب) عليه السّلام، وبنوه هم أصحاب القصة التي فصّلت في سورة يوسف، ويوسف عليه السلام هو واحد منهم، وهم الذين سمّوا بـ (الأسباط)، وقصتهم الواردة في القرآن الكريم تبين أنهم سكنوا مصر قبل وفاة والدهم عليه السلام، وبعد ما يقارب ال(450) سنة، بُعث موسى عليه السلام لينقذهم من ظلم واضطهاد الفراعنة، ومن هنا بدأت العلاقة بين بني إسرائيل واليهوديّة، واستمرت هذه العلاقة لقرون بين مد وجزر إلى أن انتهت بفك الارتباط بين اليهودية وبني إسرائيل.

بعد وفاة سليمان عليه السلام(953 ق.م)، انقسمت الدولة اليهودية إلى دولتين: إسرائيل في الشمال، ويهوذا في الجنوب. وكان شعب دولة إسرائيل هم أحفاد عشرة من أبناء يعقوب عليه السلام، أمّا دولة يهوذا فشعبها هم أحفاد اثنين من أبنائه عليه السّلام. وكان بين الدولتين حروب وأحقاد، واستشرى الفساد، وعمّت الانحرافات، إلى درجة نكوصهم إلى الوثنية وعبادة الأصنام، حتى لاقوا مصيرهم المحتوم بغزو الآشوريين للدولة الشمالية عام(722 ق.م)، وتمّ سبي الشعب بكامله إلى العراق. وبذلك تمّ إسدال الستار على علاقة عشرة أسباط بالديانة اليهوديّة، ولم يعودوا يهودا، فقد انخرطوا في الشعب الغازي وتأثروا بعقائده، وذابوا فيه.

عام(586 ق.م ) قام الملك البابلي نبوخذ نصّر بتدمير الدولة الجنوبيّة، وسبى من بقي منهم حيّاً إلى العراق أيضا، وبعد سبعين سنة على هذا الحادث، عادت قلة من هؤلاء إلى فلسطين في عهد الملك كورش الفارسي، وقد اضطرت هذه القّلة أن تكثّر عددها بإدخال قسم من أهل البلاد إلى اليهوديّة، وبذلك بدأت اليهودية تنتشر بين من هم من غير بني إسرائيل، واستمر ذلك إلى أن جاء السبي الروماني في العام(70 م)، والعام(135م) فشُتّت شمل اليهود في أرجاء العالم، ثم أخذوا يذوبون في الأمم، في المقابل كان هناك من يتهوّد كما حصل في مملكة بحر الخزر والتي قامت من عام(860م__1016م)، وكما حصل من تهوّد بعض قبائل العرب وغيرهم، واستمر الخروج من اليهودية والدخول إليها عبر القرون مما أدّى إلى انفكاك العلاقة بين اليهودية وبني إسرائيل، فالغالبية العظمى من بني إسرائيل تحوّلوا إلى الإسلام بعد القادسية واليرموك والفتوح الأخرى، أمّا البقية الباقية فتحول معظمها إلى المسيحيّة. ومن هنا لا علاقة اليوم بين اليهودية وبني إسرائيل، ولا صحة للادعاءات التي تزعم بوجود تاريخي لقومية يهودية في فلسطين، لأن اليهودية هي دين اعتنقته شعوب مختلفة. وكلامنا هذا لا يعني أنّه لا يوجد في يهود اليوم من له علاقة نسب ببني إسرائيل القدماء وعلى وجه الخصوص أحفاد أولئك الذين كانوا في الجزيرة العربية زمن نزول الرسالة الإسلاميّة، والذين تحوّل عدد منهم إلى الإسلام وآخرون إلى المسيحيّة عبر قرون مضت.

واليوم يتكرر في وسائل الإعلام الإسرائيلية أخبار البعثات اليهودية التي تسافر إلى أفغانستان للبحث عن أحفاد دولة إسرائيل الأولى، اعتقاداً منهم بأن الأغلبية من الشعب الأفغاني، وهم قبائل البشتون، هم الأسباط العشرة الضائعة، ومعلوم أن هؤلاء من المسلمين السنّة، ولا يبعد أن يكون لهم في المستقبل دور في تحرير فلسطين من سلطان الصهيونية، ليعلم الناس أن العقائد والفلسفات هي التي تصنع الأمم والجماعات، وأن العنصريّات تقوم على الأوهام، وأن الصراع في جوهره بين الحق والباطل، وإذا كانت إسرائيل الأولى تضم شعباً متجانساً من الناحية العرقيّة، فإن إسرائيل اليوم تتألف من سبعين قوميّة يتكلمون تسعين لغة.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:43 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
ثمّ ادعُهنّ

جاء في الآية 260 من سورة البقرة :" وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ... " واضح من السياق أنّ إبراهيم عليه السّلام يطلب أن يرى كيفيّة إحياء الموتى، فهو إذن يؤمن بأنّ الله تعالى يحيي الموتى، ولكن نفسه عليه السلام تتوق إلى معرفة كيفيّة هذا الإحياء، ولكن أنّى لبشر أن يرى الكيفيّة في جوهرها، فلو دبّت الحياة في ميّت والناس ينظرون، أو اجتمعت الأجزاء المتفرقة وهم يبصرون، فهل يعني ذلك أنهم عرفوا كيفيّة إحياء الموتى؟! إنّ جوهر الكيفيّة هو من الأسرار التي تزال تحيّر العقول، ولا تدركها الأبصار، وعليه كيف يمكن أن نُقرّب هذه الحقيقة إلى الأفهام؟ لقد جاء الرّد في الآية نفسها من سورة البقرة : " ... قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً " قال بعض أهل التفسير أنّ معنى كلمة فصُرهنّ أي قطّعهنّ، وهذا عجيب، لأن الصّر فيه معنى الضّم، والتقطيع فيه تفريق. ويبدو أنّ الذي حملهم على هذا قوله تعالى:" ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً " ومعلوم أنّ الواحد هو جزء من الأربعة، والأربعة الطيور يمكن أن تكون أربعة أنواع مجموعها أكثر من أربعة، وقد ورد في سورة الحجر:"وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ، لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ " فهل المقصود بالجزء هنا بعض إنسان أم عدد من النّاس؟! وعليه فلا داعي لأن تُصرف لفظة فصرهنّ عن معناها الذي هو الضّم والتقريب .

" ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً " لو كان المقصود كما يقول البعض من أهل التفسير تفريق قطع الطيور الميتة على الجبال لكان هذا من أعجب العجب، لأن المطلوب رؤية كيفية الإحياء وتجميع الأشلاء، ويكفي لتحقيق المطلوب طير واحد، ولا بد أن يكون قريباً وتحت النّظر، أمّا تفريق الأبعاض على جبال فلا يجعلنا نبصر كيفيّة الإحياء، بل ما الذي يُدرينا عندها أنّها الطيور نفسها التي قُطّعت ؟! وحتى لا نقع في مثل هذه التناقضات لا بُدّ من أخذ المعاني وفق الدلالات الظاهرة، أي أنّه قد طلب من إبراهيم عليه السلام أن يأخذ أربعة من أنواع الطير ويضمها إليه حتى تألفه، وبعد أن تتحقق الألفة يفرقها في رؤوس الجبال التي لا ندري عددها ولا ندري مدى بعدها وقربها، وبعد تفريقها يقف ويدعوها إليه، وسيجد أنها تأتيه طائعة مسرعة. وهذه صورة أصبحت اليوم مألوفة ومتكررة، وعلى وجه الخصوص لدى أهل الخليج الذين يُعَلّمون الصقور كيف تطير في جو السماء، ثم تعود مسرعة عندما تُدعى وتنادى باللغة التي ألفتها واعتادتها.

معلوم أنّ الطيور هي الأشد نفوراً بين الكائنات التي تعايش الإنسان، بل لقد عدّ بعضهم اقتراب الطير من إنسان بعينه نوعاً من الكرامات، إلا أنّ هذه الفطرة في الطير يمكن أن تغيّر بضدها أي بالألفة. وبهذا ينكشف لنا بعض أسرار استغراب الناس إحياء الموتى، فهم فقط يعجبون من غير المألوف، على الرغم من أن الإعجاز يتجلى في كل مظاهر الخلق، فلماذا لا يعجب الناس مثلاً من تكوّن الجنين، ونزوله طفلاً كاملاً؟! إنها الألفة إذن، فلو كان الموتى يعودون إلى الحياة لأصبح ذلك واقعاً مألوفاً لا يدعو إلى العجب . وإذا كان واقع الطير أنه شديد النفور، فقد أمكن تغيير هذا الواقع وأصبح الأمر في دائرة الممكن، وغير المستغرب. إنّ الموت تحلل وتفرّق، أمّا الحياة فتآلف واجتماع، وليس هذا في الكائنات فقط، بل هو أيضاً في المجتمعات البشريّة، فتحلل المجتمع وتفرّق النّاس نذير موت، أمّا التآلف والاجتماع فمن أبرز مظاهر الحياة في المجتمع الانساني .

جاء في سورة ق :" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ "وجاء في سورة الروم:" ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ " قيل لإبراهيم عليه السلام أن يُقرّب إليه الطير ويضمها، وبعد أن تحصل الألفة:" ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً " وهذا سرٌّ آخر، فالقرب الشديد الذي ينتج عنه تآلف يجعل من السهل العودة بعد التفرّق ، فكيف بالله القدير الذي هو أقرب إلينا من حبل الوريد!! خلاصة الأمر أن الموت تفرق وتنافر على مستوى الجسد المادّي، وعلى مستوى علاقة الروح بهذا الجسد. أمّا الحياة فهي تآلف وانجذاب على مستوى الجسد ومكوناته، وعلى مستوى علاقة الروح بهذا الجسد السليم، أي المتآلف، وكلما ازداد القرب ازداد الانجذاب،وكلما ازدادالانجذاب ازداد القرب .

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:44 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
زُيّن للنّاس


جاء في سورة آل عمران "زُيِّن للناس حُبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنْطرة من الذهب والفضة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المآب".

الزّين هو شدة الحسن، والتزيين هو جعل الشيء زيناً، والكلام في الآية الكريمة يتعلق بما فُطر عليه الإنسان من حب الأمور المذكورة، ولذلك حكمة تتعلق بالحياة الدنيا، وبضرورات إعمار الكون، بل إن هذا التزيين من أهم أسس التحضر البشري. وعليه لا صحة لما يقوله بعض أهل التفسير من أن المزيِّن هو الشيطان، بل هي الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، وهذا ما نجده في كل النفوس، وإن تفاوتت في الإيمان والتقوى. ولا يُذم الإنسان في حبه وميله إلى هذه المذكورات، ولكن تأتي المذمة عندما يبالغ الإنسان في اندفاعه فيخرج عن الطور، ويقوده ذلك إلى الاعتداء وتجاوز حدود الله تعالى.

عندما يتزين الإنسان بزينة ما فإنما يقصد أن يظهر بمظهر أحسن من واقعه. والزينة توجِد فرقا بين الحقيقة والواقع الجديد، وكلما اتسعت الفجوة كانت الزينة أشد. وعليه فإن الزينة في الأمور التي ذكرتها الآية الكريمة تتفاوت، فتزيين النساء أشد من تزيين البنين، وتزيين البنين أشد من تزيين الذهب والفضة….. وهكذا. أي أن الآية الكريمة سردت المذكورات تنازلياً. وعندما نقول إن تزيين النساء هو الأشد بين المذكورات فإنما نقصد أن نقول إن الفارق بين واقع النساء وحقيقتهن، وبين صورتهن في عيون الرجال ونفوسهم هو فارق كبير، وعليه تكون الزينة أشد ما تكون في النساء إذا نظرنا إليهن من جهة الرجال. أما إذا نظرنا إلى المرأة بعين المرأة فإننا نكون عندها أقرب إلى الواقع، وبالتالي تكون الزينة أقل.

زينة المرأة في عين الرجل أشد من زينة الرجل في عين المرأة، وعليه فإن الفارق بين ظاهر الرجل وواقعه في عين المرأة أقل بكثير من ظاهر المرأة وواقعها في عين الرجل، وهذا يعني أن خيبة أمل الزوجة أقل من خيبة أمل الزوج، إذا ما حيّدنا العوامل الأخرى، فالرجل حسّي في نظرته إلى المرأة، وعلى وجه الخصوص عندما يتعلق الأمر بالعين والإبصار، ومن هنا لا بد أن تعي المرأة أنها بحاجة أشد إلى الزينة عندما تصبح زوجة. وهذا لا يعني أن الرجل لا يحتاج إلى الزينة، ولكننا نقارن بين فطرتين. وقد نصت الآية الكريمة على تزيين النساء في نفوس الرجال، ولم تنص على تزيين الرجال في عيون النساء ، لأن الكلام هنا عن التزيين الأشد.

نصّت الآية الكريمة على البنين دون البنات، لأن التزيين الفطري في البنين أشد منه في البنات، أي أن الفرق بين واقع البنين الحقيقي وبين موقعهم في نفوس الآباء والأمهات هو أكبر من واقع البنات وموقعهن في نفوس الآباء والأمهات. انظر إلى تفاني الآباء والأمهات، ثم انظر إلى موقف الأبناء من الآباء والأمهات، وعلى وجه الخصوص عند الكبر، ومن هنا كان لا بد من التشديد في الوصية: "إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما، وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا". على الآباء والأمهات إذن أن يدركوا أن هذه حقيقة من حقائق الحياة، وفطرة فطر الله الناس عليها، فالدافع الذي يدفع الأب والأم إلى التفاني في رعاية الولد لا يوجد عند الولد، وهذا لا يعني أن الولد لا يتفانى في رعاية الوالدين، ولكن دوافعه تختلف، وهذا من الأمور التي تميز الإنسان عن باقي الكائنات الحية، فأنت تجد القطة تدافع بشراسة عن صغارها، ولكن هذا الصغير لا يأبه بالأم عندما يكبر، بل قد يعتدي عليها.

أما الذهب والفضة والنقود فإن الفارق بين واقعها وفائدتها للإنسان، وموقعها من نفسه، فهو فارق أقل، أي أن الزينة فيها أقل من النساء والبنين، بمعنى أن حبه لها قريب إلى واقعها من حيث منفعتها وخدمتها له. وتكون الزينة أقل ما تكون في عالم النبات والزراعة، فدرجة حبنا وانشدادنا إلى هذا العالم قريب جدّاً إلى واقعه المنفعي.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:44 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
سليمان عليه السلام


تكرر اسم سليمان عليه السّلام، في القرآن الكريم (17) مرّة، واللافت للانتباه أنّ القرآن الكريم لم ينص على أية علاقة لسليمان عليه السلام ببني إسرائيل، ولا بد من دلالة لهذا السكوت، فالقرآن الكريم قد نصّ على نبوة سليمان عليه السلام وكونه ملكا، ولكنه لم يذكر شيئاً عن قومه، ولا عن الأقوام والأمم التي تبعته وآمنت به عليه السلام، وانضوت تحت لوائه، فكانت من رعاياه. بل إنّ في قصة ملكة سبأ لدلالة واضحة على اتساع ملكه، وعلى تعدد الأمم التي استجابت لدعوته. فلم يكن عليه السلام ملكاً لليهود كما يعتقد الكثير من الناس، متأثرين في ذلك بكتب العهد القديم.

ورد ذكر سليمان عليه السلام باستفاضة في سفر الملوك الأول، والذي يقال إنه قد دوّن في القرن السادس قبل الميلاد، في حين يقال إن سليمان عليه السلام قد مات في القرن العاشر قبل الميلاد. ووردت قصته مفصلة أيضاً في سفر أخبار الأيام الثاني، والذي يقال إنّه قد دوّن في القرن الخامس قبل الميلاد. ولا يستطيع المسلم أن يصدق الكثير مما ورد في هذه الأسفار، فصورة سليمان عليه السلام في القرآن في غاية السمو والجمال، أمّا هذه الأسفار فتزعم أنه - والعياذ بالله- قد عبد الأصنام إرضاءً لزوجاته الوثنيّات، انظر إلى هذا النص من سفر الملوك الأول :" فغضب الربُّ على سليمان، لأن قلبه ضلّ عنه، مع أنّه تجلى له مرتين، ونهاه عن الغواية وراء آلهة أخرى، فلم يطع وصيته، لهذا قال الله لسليمان : لأنّّك انحرفت عني ونكثت عهدي، ولم تطع فرائضي التي أوصيتك بها، فإني حتماً أمزق أوصال مملكتك، وأعطيها لأحد عبيدك إلا أنني لا أفعل هذا في أيّامك …" أمّا صورته عليه السلام في القرآن الكريم فيكفيك ما جاء في سورة ص :" ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنّه أوّاب " .

يبدو أنّ ملك سليمان عليه السلام كان شاملاً لعدد من الأمم التي اتبعت دينه الحق، وانضوت تحت لوائه، وهذا ما جعل المنحرفين من بني إسرائيل يحقدون على هذا النبي الصالح، لأنهم يريدونها مملكة عنصرية، تجعل من اليهود سادة يسخّرون الشعوب لخدمتهم، ثم هم يريدونها يهوديّة تتناقض مع نبوة سليمان وإسلامه لله : " وأسلمت مع سليمان لرب العالمين " . فليس غريباً إذاً أن يشوّه اليهود سيرة هذا النبي الصالح، ويصبّوا عليه جام غضبهم، حتى عندما كتبوا قصّته بعد وفاته بخمسمائة سنة. ومن يتدبر النص الذي اقتبسناه من سفر الملوك الأول يلاحظ أنّهم يحقدون على فترة ملكه، ويجعلون الرّب غاضباً منه، ومقرراً أن يدمّر هذا الملك، وهذا يعني أنه ملك لا يعنيهم، بل يغيظهم !!

وإن صحّ ما ورد في أخبار الملوك الثاني فإن الأمر يصبح أكثر وضوحاً فهذا سليمان عليه السلام يذلهم، وكذلك ابنه رحبعام من بعده، ويصبح الأمر أكثر وضوحاً عندما تعلم أنهم شقّوا الدولة بعد وفاة سليمان عليه السلام بأيّام. تدبّر هذا النص الوارد في أخبار الملوك الثاني والذي إن صحّ يكون عند المسلمين دليلاً آخر على أنّ سليمان عليه السلام لم يكن ملكاً لليهود، بل هو نبي صالح وملك عادل، يرفض العنصريّة ويقمع المنحرفين. هذا هو النص : " فجاء يربعام وكل جماعة إسرائيل وقالوا لرحبعام بن سليمان عليه السلام : إنّ أباك قد أثقل النّير علينا، فخفف أنت الآن من عبء عبودية أبيك وثقل نيره الذي وضعه علينا فنخدمك. فأجابهم بعد أيّام قائلاً : أبي أثقل عليكم النير وأنا أزيد عليه. أبي أدّبكم بالسياط وأنا أؤدبكم بالعقارب فكان أن تمرّدوا، وشقّوا عصا الطاعة، وشقّوا الدولة، فكان ذلك بداية فسادهم وعلوهم المنصوص عليه في التوراة والقرآن الكريم. فقد أرادوها عنصرية غاشمة، ويهوديّة متسلطة، فكان لهم ما أرادوا حتى لاقوا حتفهم، وتحقق فيهم وعد الله الأول. وفي القرن العشرين كان لهم ما أرادوا، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:44 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
ســورة

معلوم لدى المسلمين أنّ القرآن الكريم هو المعجزة الدالة على صدق رسالة الرسول صلى الله عليه وسلّم، وعلى وجه الخصوص إعجازه البياني، وقد تحدى القرآن العرب أن يأتوا بسورة من مثله، ولم يتحدّهم بما هو أقل من سورة، لأن السُّورة كلٌّ متكامل تشتمل على ألوان من العلوم والمعارف والتشريعات والآداب … وغير ذلك. واللافت للانتباه أنّ كلمة (سورة) لم تُذكر في أول خمسين سورة نُزّلت على الرسول عليه السلام ؛ فقد جاء التحدي بعشر سور في سورة هود والتي هي السّورة (52) في ترتيب النُزْول، أمّا التحدي بسورة واحدة فقد جاء في سورة يونس، والتي هي السورة (51) في ترتيب النُزْول. وهذا يعني أنّ العرب قد أَلِفَت معنى قرآن قبل أن تألف معنى سورة . وهناك الكثير من السُّور القصار التي نزلت قبل أن يُسَمِّي القرآن كل قطعة متكاملة باسم سورة. ولا يبعد أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي أطلق اسم سورة، فلمّا أصبح الاسم مألوفاً نزل التحدي بسورة.

السُّورة مشتقة من السُّور، ومعلوم أنّ السُّور في القديم كان يحيط بالمدينة، ثم هو يرتفع كثيرا، بغرض الحماية والحفظ. وقد يكون هذا الارتفاع في السور جعل من بعض معاني (سورة) الدرجة الرفيعة، والمنزلة العالية. يقول النابغة الذبياني في البيت المشهور :

ألم تر أنّ الله أعطاك سورةً ترى كل مَلكْ دونها يتذبذبُ

ومعلوم أنّ بناء السُّور يتم دورة فوقها أخرى، حتى يكتمل. ولا يبعد أن تكون السُّورة هي كل دورة من هذه الدورات، ويُرَجِّح هذا أنّ بعض علماء اللغة قال إن سورة تجمع على سوَر وكذلك سُوْر. وعليه فإن اسم سورة يتضمن : معنى الإحاطة، ومعنى السُّمو والرفعة. ومعنى الإحاطة يتضمن الاشتمال، والتمييز وتحديد المعالم ؛ لأن السُّور يشتمل على المدينة، وما فيها، ثم هو يحدد معالمها ويميزها عما سواها. واللافت للانتباه أنّ أول آية ذكرت فيها كلمة سورة، وهي الآية 38 من سورة يونس، تلتها الآية الآتية : " أم يقولون افتراه، قل فأتوا بسورة مثله، وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (38) بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه …" .

فسور القرآن الكريم تحيط بعلوم شتّى، وهي تسمو وترتفع، وهي تحفظ وتقي. ونحن هنا سنركز فقط على كون السّورة محددة المعالم. يتكون القرآن الكريم من (114) سورة، لم تتجاوز أطول سورة فيها أل 24 صفحة، على اعتبار أنّ كل صفحة تتألف من (260) كلمة في حين كانت أقصر سورة تتكون من (10) كلمات فقط. وباقي السّور تتراوح بين ذلك. وتتكون كل سورة من عدد من الآيات، بحيث يكون متوسط عدد الآيات (4, 12) كلمة. تَقصُر السّور والآيات في المرحلة المكية التي ركّزت أكثر على الجانب العقائدي. وتطول السّور والآيات في المرحلة المدنية، وعلى وجه الخصوص عندما يكون الكلام في الشريعة والأحكام. ومن هذا نستنتج :

أولاً : عندما نخاطب الناس في العقيدة لا بد أن نوجز ونحدد بما يشبه أسلوب الشعارات، بعيداً من التطويل والإسهاب المستخدم لدى الفلاسفة.

ثانياً : الإكثار من الفُصول، والأبواب، والفقرات، يساعد على الفهم ويجذب القارئ بشكل أفضل ويُبرز الأفكار من خلال تحديدها في إطار يفصلها عن غيرها بفاصل محسوس.

ثالثاً : الإطار العام يعطي فكرة كليّة مع غموض في الأجزاء والتفاصيل، وأسلوب التسوير والتقسيم إلى آيات يساعد كثيراً في إدراك الجزء المؤدي إلى إدراك الكل بشكل أوضح وفهم أعمق.

رابعاً : هناك علاقات بين السّور، تشبه العلاقة بين كل دورة وأخرى في البناء حتى يكتمل السّور. ولا يسهل إدراك العلاقة بين سورتين متلازمتين في المصحف، حتى ندرك معاني كل واحدة منهما. والمفسّر المتمرس في معاني القرآن بكامله، هو الأقدر على إدراك العلاقات بين السّور والآيات، ومن هنا نجد أنّ علم تناسب الآيات والسور جاء متأخراً عن علم التفسير.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:45 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
طواف الوجود


المتدبّر لشعائر الحج يلحظ تجلّي الرمزيّة في كل عمل من أعمال الحجيج، وسبق لنا أن أشرنا في مقال سابق إلى بعض رموز ودلالات السّعي بين الصّفا والمروة. ونهدف في هذا المقال لأن نلفت الانتباه إلى بعض رموز الطواف ورمي الجمار، ومعلوم أنّ الطّواف حول الكعبة المشرفة هو من أهم أعمال الحج وأكثرها تكرراً. والطواف صلاة كما جاء في الحديث الشريف، بل إنّ الطواف مقدّم على الصلاة عند البيت الحرام. وإذا كان الطواف سبعة أشواط، فإنّ رمي الجمار يكون سبع حصيات، وإذا كان الطواف يتكرر بشكل لافت، فإنّ رمي الجمار يتكرر أيضاً.

يقوم الكون في جوهره على الحركة، ولا يعرف العلم وجوداً مادياً ساكناً، وإذا كانت الذرّة هي المكوّن الأساسي للمادّة المعروفة، فإنّ صيغة الطواف هي الأبرز في العلاقة بين مكونات الذرّة؛ فالالكترونات في حالة طواف دائم حول النواة، ويكون ذلك في مدارات لا تزيد عن سبعة، وإن وجد المدار الثامن فمن أجل حلّ هذه العلاقة ونقضها. ويدهشك أن تجد أن هذه العلاقة تتجلى أيضاً في المجموعات والمجرّات الفلكيّة، أي أن صيغة الطواف هي الأبرز في خلق الكون، من أصغر ذرّاته إلى أكبر مجرّاته. إنه الانسجام التام والتناسق البديع.

" بسم الله الرحمن الرحيم " هي أول آية في القرآن الكريم، وإذا كانت كل حركة للإنسان في هذا الوجود تصدر باسم الله الذي تتجلى رحمته بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، فستكتمل الصّورة وسيتحقق الانسجام الكامل في حركة الوجود. وإن صحّ التعبير فإن الدين هو الرياضة التي تعلمك كيف تحقق الانسجام مع حركة الكون، لتكتشف أن الكون (سمفونيّة) في غاية الجمال. أمّا الخروج على تعليمات وإرشادات الصانع الحكيم فهي الحركة العشوائيّة التي تجعل الإنسان يظهر كنغمة شاذّة في لحن الكون الرائع، وهذا أمر ملحوظ في حياة البشر.

عندما يجتمع الناس في بيت الله الحرام لتأدية الركن الخامس من أركان الإسلام فإنّ هذا يعني تحقق الآثار المرجوة من القيام بالأركان الأربعة، وإذا كانت الجموع المحتشدة صادقة وهي تعلن :" لبيك اللهم لبيك " فإنّ هذا الإعلان هو تأكيد لرغبة الإنسان في الانسجام مع حركة الكون. ومن هنا نجده يبدأ حجّه بالطواف، ويختمه بالطواف، وبين البداية والخاتمة طواف وطواف. إنّه التعبير العملي عن الاستسلام الكامل، والانسجام التام مع حركة الوجود، إنّه قرار وقناعة الكائن الحر أن ينسجم طواعية مع حركة الكون المستسلم فطرياً. إنّها لحظات جليلة، ويكتمل جلالها عندما يستحضر الحاج هذه الحقيقة، ويدرك أنّه يعيش لحظات الانسجام الكوني.

إذا كان الخير هو الحركة نحو الانسجام الكوني، فإنّ الشر هو الحركة نحو التباين والفوضى، وهو الشذوذ المؤذي، وهو التبعثر المُذهب لجمال الصورة، إنه السير بعكس التيار، لذا لا يمكن لشر أن يدوم، لأنه مناقض للفطرة. ولا يجوز لنا أن ننتظر حتى يلقى الشرّ مصيره باعتباره معاكساً لحركة الوجود، لأننا جزء من هذه الحركة، من هنا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبرز الفروض في الشريعة الإسلامية. وفي الوقت الذي أُعلن فيه انسجامي مع حركة الوجود لا بد أن أنسجم أيضاً مع الوجود في رفضه للباطل، وعليه لا بد أن أمارس عملياً هذا الرفض للباطل، وهذا ما يعلنه الحاج مراراً وهو يرمي الجمار، أو كما يقول الحجّاج :" يرجم إبليس".


الساعة الآن 12:31 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى