![]() |
[align=justify]قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (1)
رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (2) . إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (3) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (4) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ اللَّهْوِ وَمِنْ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (5) . فتلك هي الآيات التجارية في القرآن ( كما ذكرت في موضوع الرسالة ) , و على ضوءها و ظلالها يكون محتوى هذا البحث و مضمونه , و لم يتطرق إلى الآيات الأخرى التي بمعنى التجارة - و إن لم تذكر الكلمة ( التجارة ) - خشية الإطالة المملة و حتى لا يتشعب الموضوع إلى ما لا نهاية له , لأن الحديث عن القرآن حديث لا ينتهي حتى يرث الله الأرض و من عليها و هو خير الوارثين . الفصل الثاني : الآيات بمعنى التجارة تقدم الكلام عن معنى التجارة في اللغة , وهي بمعنى البيع و الشراء . وفي القرآن ذكرت كلمات أخرى غير كلمة التجارة لكن بمعناها , مثل كلمة البيع و الشراء و ما اشتق منهما و هي : __________ (1) التوبة : 24 (2) النور : 37 (3) فاطر : 29 (4) الصف : 10 (5) الجمعة : 11[/align] |
[align=justify]الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (1) , إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (2), يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (3), أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ (4) , وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (5), إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (6), فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَنْ
__________ (1) البقرة : 275) (2) التوبة : 111 (3) الجمعة : 9 (4) البقرة : 86 (5) البقرة : 207 (6) آل عمران : 77[/align] |
[align=justify]يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (1), وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ ,ٍ وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (2),
هذه الآيات كلها اشتملت على كلمة البيع و الشراء و ما اشتق منهما , و قد عرف الراغب عن معنى البيع فقال : البيع: إعطاء المثمن وأخذ الثمن، والشراء: إعطاء الثمن وأخذ المثمن، ويقال للبيع: الشراء، وللشراء البيع، وذلك بحسب ما يتصور من الثمن والمثمن، وعلى ذلك قوله عز وجل: {وشروه بثمن بخس} ، ووأبعت الشيء: عرضته، نحو قول الشاعر: *فرسا فليس جوادنا بمباع * (3) الفصل الثالث : أقسام التجارة , وفيه مطالب : المطلب الأول : التقسيم من حيث المكي و المدني الراجح عند العلماء في تعريف المكي و المدني هو الاعتبار بوقت النزول , أي هل نزلت هذه الآية أو السورة قبل الهجرة أو بعد الهجرة ؟ فالأول يسمى بالمكي و إن نزلت خارج مكة , و الثاني يسمى بالمدني و إن نزلت خارج المدينة . __________ (1) النساء :74 (2) يوسف : 20-21 (3) الراغب الأصفهاني , مفردات ألفاظ القرآن , مادة بيع ج 1 ص 131[/align] |
[align=justify]
وفي هذا قال السيوطي(1) : ( اعلم أن للناس في المكي والمدني اصطلاحات ثلاثة: أشهرها أن المكي ما نزل قبل الهجرة، والمدني ما نزل بعدها سواء نزل بمكة أم بالمدينة عام الفتح أوعام حجة الوداع أم بسفر من الأسفار ) (2). و بالنسبة إلى الآيات التي فيها كلمة التجارة , فمعظمها في سور مدنية , إلا سورة فاطر . فالسور المدنية هي : البقرة , و النساء , و التوبة , و النور , و الصف , و الجمعة . و المكية هي : فاطر , أما سورة الصف فمختلف فيها بين كونها مكية أو مدنية (3). فالتجارة كثر ذكرها في السور المدنية لعل السر في ذلك تثبيت المؤمنين التجار على أنها وسيلة من الوسائل المهمة في الجهاد حيث لا تشغلهم عن الغاية الأسمى و الأهم ألا وهي ذكر الله و عبادته. المطلب الثاني : التقسيم من حيث سبب النزول أكثر القرآن نزل بدون سبب , وفي هذا القسم أحاول أن أميز بين الآيات التجارية التي نزلت بسبب من التى نزلت بدون سبب . فإن معرفة سبب النزول يعين على فهم الآيات . ومن حكمته كذلك بيان الحكمة التي دعت إلى تشريع حكم من الأحكام و إدراك مراعاة الشرع للمصالح العامة في علاج الحوادث رحمة للأمة (4). من ثماني آيات التي ذكرت التجارة ثلاث منها لها سبب النزول , و هي الآية التي في سورة التوبة , و الصف , و الجمعة . و لم أجد للآيات الأخرى سببا النزول __________ (1) جلال الدين السيوطي هو جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن الكمال أبي بكر بن محمد سابق الدين الخضيري الأسيوطي الشافعي ولد سنة 849 هـ / 1445م وتوفي سنة 911هـ / 1505 من كبار علماء المسلمين. من ويكيبيديا (2) جلال الدبن السيوطي , الإتقان في علوم القرآن , ج 1 ص 23 , المكتبة العصرية , تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم , سنة الطبع , 1408 - 1988 . (3) مناع القطان , مباحث في علوم القرآن , ص 50 , مكتبة وهبة , الطبعة الحادية عشرة , سنة 2000 . (4) المرجع السابق , ص 75 .[/align] |
[align=justify]وهذه هي أسباب النزول للآيات التجارية في التوبة و الصف و الجمعة :
قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (1) , نزلت الآية حينما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة , جعل الرجل يقول لأبيه والأبُ لابنه والأخُ لأخيه والرجل لزوجته : إنا قد أمِرنا بالهجرة؛ فمنهم من تسارع لذلك ، ومنهم من أبى أن يهاجر ، فيقول : والله لئن لم تخرجوا إلى دار الهجرة لا أنفعكم ولا أنفق عليكم شيئاً أبداً . ومنهم من تتعلّق به امرأته وولده ويقولون له : أنشدك بالله ألاّ تخرج فنضيع بعدك؛ فمنهم من يَرِقّ فيَدَع الهجرة ويقيم معهم؛ فنزلت { ياأيها الذين آمَنُواْ لاَ تتخذوا آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ إَنِ استحبوا الكفر عَلَى الإيمان (2)} . يقول : إن اختاروا الإقامة على الكفر بمكة على الإيمان بالله والهجرة إلى المدينة . { وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ } بعد نزول الآية { فأولئك هُمُ الظالمون } . ثم نزل في الذين تخلّفوا ولم يهاجروا : { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ } وهي الجماعة التي ترجع إلى عقَدْ واحد كعقدِ العشرة فما زاد؛ ومنه المعاشرة وهي الاجتماع على الشيء (3). يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (4) . __________ (1) التوبة : 24 (2) التوبة : 23 (3) القرطبي , الجامع لأحكام القرآن , ج (4) الصف :10 [/align] |
[align=justify]نزلت في عثمان بن مظعون(1)؛ وذلك أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أذِنت لي فطلّقتُ خَوْلة ، وَتَرهَّبْتُ واخْتَصَيْتُ وَحرَّمْتُ اللّحم ، ولا أنام بليل أبداً ، ولا أُفطر بنهار أبداً! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " «إنّ مِن سُنَّتي النكاح ولا رَهْبَانِية في الإسلام إنما رهبانِيةُ أمتي الجهادُ في سبيل الله وخِصاءُ أُمتي الصومُ ولا تُحَرِّموا طيبات ما أحلّ الله لكم . ومِنْ سُنَّتي أنام وأقوم وأفْطِر وأصوم فمن رَغِب عن سُنَّتي فليس مني» . فقال عثمان : والله لَوددْتُ يا نبي الله أي التجارات أحبّ إلى الله فأتّجر فيها " ؛ فنزلت (2). وعن أبي هريرة قال : قالوا : لو كنا نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله ؟ فنزلت(3) .
وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (4) . __________ (1) عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الجمحي. أسلم أول الإسلام، بعد ثلاثة عشر رجلاً، وهاجر إلى الحبشة هو وابنه السائب الهجرة الأولى مع جماعة من المسلمين، ( أسد الغابة , لابن الأثير , 2\255) (2) شمس الدين القرطبي , الجامع لأحكام القرآن , ص 5600 من الشاملة (3) محمد بن علي الشوكاني , فتح القدير الجامع بين فني الرواية و الدراية من علم التفسير , دار إحياء التراث العربي , بيروت , بلا سنة الطبع , ج 5 ص 223. (4) الجمعة : 11[/align] |
[align=justify]عن قتادة(1) : "بينما رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يخطب الناس يوم الجمعة، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: كم أنتم؟ فعدّوا أنفسهم فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة؛ ثم قام في الجمعة الثانية فجعل يخطبهم؛ قال سفيان: ولا أعلم إلا أن في حديثه ويعظهم ويذكرهم، فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال: كم أنتم، فعدّوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة؛ ثم قام في الجمعة الثالثة فجعلوا يتسللون ويقومون حتى بقيت منهم عصابة، فقال كم أنتم؟ فعدّوا أنفسهم، فإذا اثنا عشر رجلا وامرأة، فقال: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوِ اتَّبَعَ آخِرُكمْ أوَّلَكُمْ لالْتَهَبَ عَلَيْكُمُ الْوَادِي نَارًا" ، وأنزل الله عزّ وجلّ:( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ) (2).
المطلب الثالث : التقسيم من حيث المعنى و التوجه جاء في كتاب بصائر ذوي التمييز أن التجارة ذكرها الله تعالى فى ستَّة مواضع (3), هي : تجارة غُزَاة المجاهدين بالرُّوح، والنفْس، والمال: {هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} إِلى قوله: {بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُم}. تجارةُ المنافقين فى بَيْع الهدى بالضَّلالة: {اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ}. تجارة قراءَة القرآن: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ} إِلى قوله: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ}. __________ (1) قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز البصرى ، توفى سنة 118 هجرية مفسر حافظ ، كان عالما بالحديث ورأسا فى العربية ، مات بواسط فى الطاعون. من موسوعة الأعلام (2) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري , جامع البيان في تأويل القرآن , دار الكتب العلمية , الطبعة الأولى سنة 1412- 1992 , ج 6 ص (3) الفيروزابادى , بصائر ذوي التمييز فى لطائف الكتاب العزيز , ج 1 ص 380 , من مكتبة المشكاة[/align] |
[align=justify]تجارة عُبّاد الدّنيا بتضييع الأَعمال، فى استزادة الدرهم والدّينار: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا}.
فى معاملة الخَلْق بالبيع والشِّرَى: {إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ}. تجارة خواصّ العباد بالإِعراض عن كلّ تجارة دنيويّة: {رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ}. ولم يذكر التجارة التي في البقرة و التوبة لعلهما داخلتان في القسم الخامس , وهي التجارة الموجودة بين الناس من المعاملة في البيع و الشراء . و من الأسباب التي مرت , نستطيع أن نجمع و نقول إن التجارة تنقسم إلى اتجاهين اثنين أو قسمين على وجه العموم , هما : التجارة بالمعنى الحقيقي وهي التي ذكرت في الرابع و الخامس , و التجارة بالمعنى المجازي وهي التي ذكرت في الأول و الثاني و الثالث . و المعنى الحقيقي هي المبادلة بالشيئ كما تقدم في تعريف التجارة , أما المعنى المجازي فمفهوم من قوله تعالى في البقرة { فَمَا رَبِحَت تجارتهم } و ذكر التجارة هو للمجاز ، لَمَّا استعمل الاشتراء في معاملتهم أتبعه ما يشاكله تمثيلاً لخسارتهم (1) . و مفهوم أيضا من قوله في سورة فاطر { يَرْجُونَ تجارة لَّن تَبُورَ } فالتجارة هنا مستعارة لأعمالهم من تلاوة وصلاة وإنفاق , ووجه الشبه مشابهة ترتب الثواب على أعمالهم بترتب الربح على التجارة .والمعنى : ليرجوا أن تكون أعمالهم كتجارة رابحة (2). { تجارة } أي معاملة مع الله تعالى لنيل ربح الثواب على أن التجارة مجاز عما ذكر ، وجعل بعضهم التجارة مجازاً عن تحصيل الثواب بالطاعة (3) . __________ (1) ناصر الدين أبو الخير عبدالله بن عمر بن محمد البيضاوي , أنوار التنزيل وأسرار التأويل , ج 1 ص 36 من موقع التفاسير www.altafsir.com (2) ابن عاشور , التحرير والتنوير , ص 479 , من موقع التفاسير www.altafsir.com (3) الألوسي ,[/align] |
[align=justify]و تطلق التجارة على جزاء الأعمال من الله على وجه المجاز (1) ، ومنه قوله تعالى : { هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (2)} , وقوله في سورة فاطر: { يَرْجُونَ تجارة لَّن تَبُورَ }(3).
إذن الآيات التجارية في القرآن قسمان , قسم بمعنى التجارة الحقيقية من المبادلة بين الناس في معاملتهم اليومية , و قسم بمعنى التجارة مع الله تعالى , يعني التجارة المجازية . لأن التجارة في عرف الناس و عاداتهم هي كائنة بينهم فقط , ولم يتصوروا وجودها بين الخالق و المخلوق مع أن هناك وجه الشبه بين التجارتين حيث توجد المبادلة في كليهما . و الله أعلم . و أود من هذا البحث كشف المزيد في البيان عن كلتي التجارة في القرآن , من حيث الرأسمال المطلوب و المرابح المرجوة , كما لا ننسى كيف تتم هاتان التجارتان ؟ ماهي الكيفية ؟ أسئلة كثيرة , نحاول الجواب عنها في الأبواب الآتية . الفصل الرابع : سر استعمال كلمة التجارة في القرآن السؤال هنا لماذا استعمل الله هذه الكلمة ( التجارة ) ؟ الجواب لمشابهة العمل الصالح التجارةَ في طلب النفع من ذلك العمل ومزاولته والكد فيه ، ووصف التجارة بأنها تنجي من عذاب أليم في سورة الصف { هَلْ أَدُلُّكمْ على تجارة تُنجِيكُم مّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (4)} لقصد الصراحة بهذه الفائدة لأهميتها وليس الإِنجاء من العذاب من شأن التجارة فهو من مناسبات المعنى الحقيقي للعمل الصالح (5). __________ (1) فتح القدير , ج 1 ص 457 . (2) الصف : 10 (3) فاطر : 29 (4) الصف : 10 (5) ابن عاشور , التحرير والتنوير , ج 15 ص 67 , من موقع التفاسير [/align] |
[align=justify]و الله تعالى يخاطب عباده بما يفهمون , و التجارة من الأشياء التي يزاولونها و يفعلونها كل يوم في حياتهم , فيعرفونها جيدا . و يكون الأسلوب أقرب إلى الفهم حيث استعيرت الكلمة السائرة و المشهورة بين المخاطبين , كما أن التمثيل بالتجارة أقوى و أشد تأثيرا و أوضح تصورا , و هذا الأمر له مكانته في نفوس القارئين و السامعين .
الفصل الخامس : الفرق بين التجارة و البيع ذكر الله هاتين الكلمتين في آية وحدة , و هي قوله في سورة النور : فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ , رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ , لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ,(1) . هل هناك فرق بينهما ؟ و قد تقدم أن معنى التجارة هو البيع , فلما ذكرت الكلمة و معناها في نفس الوقت إذا لم يكو الفرق موجودا ؟ إفراد البيع بالذكر مع اندراجه تحت التجارة للإيذان بإنافته على سائر أنواعها لأن ربحه متيقن ناجز وربح ما عداه متوقع في ثاني الحال عند البيع فلم يلزم من نفي إلهاء ما عداه نفي إلهائه ولذلك كرر كلمة { لا } لتذكير النفي وتأكيده ، وجوز أن يراد بالتجارة المعاوضة الرابحة وبالبيع المعاوضة مطلقاً فيكون ذكره بعدها من باب التعميم بعد التخصيص للمبالغة ، وقيل أن المراد بالتجارة هو الشراء لأنه أصلها ومبدؤها فلا تخصيص ولا تعميم ، وقيل : المراد بالتجارة الجلب لأنه الغالب فيها فهو لازم لها عادة (2). __________ (1) النور : 36-38 (2) شهاب الدين محمود ابن عبدالله الألوسي , روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني , ج 13 ص 453 , من الشاملة .[/align] |
الساعة الآن 10:06 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |