![]() |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 31 هذه القضية تجعلنا نتكلم عن قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) ونعود للوراء قليلاً (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64))، إذا كانوا يبيتون لربهم فيكون لما يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون أيضاً لربهم (لربهم) هنا ليست خاصة بالبيتوتة إنما هي توصيف حال، هم يبيتون لربهم ويشمون على الأرض هوناً لربهم وتعاملوا مع الجاهلين لربهم فتواضعوا لهم لأنه كلما يجهل الشخص المقابل كلما يزداد المسلم الذي تأسى بالرسول r حِلماً. عباد الرحمن يعملون كل شيء لله فإذن البيتوتة لله أيضاً، (لربهم) أي أنهم يعملون كل أفعالهم لله. يمكن أن تكون اللام في (لله) إلى (مع) فكأنهم يعيشون في معية الله تبارك وتعالى وهذا هدف ويعطي نتيجة جيدة فتخيل أنك تصلي لله وعلينا أن نجربها بركعتين لله، نحن لا نريد أن نبدأ الصلاة ونسرح حتى نسلّم ولم نشعر فيها إلا عند التسليم هذه لا تعني أني صليت. (اللام) في (لله)) تجعل كل عملك خالصاً لوجه الله تعالى وتكون أنت في معية الله تعالى. عندنا حديث بديع يقول فيه الحق سبحانه وتعالى عن عبده " وأنا معه إذا ذكرني فإذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي (إذا كنت في مجلس ليس لله فقال في نفسه سبحان اللخ والحمد ولا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وعلينا أن ننتبه إلى أن نفس العبد غير نفس الله تبارك وتعالى) وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ غير من ملئه (ولو تمكنت في مجلس أن تحوله إلى مجلس علم يذكرك الله تعالى تبارك وتعالى في ملأ غير منهم وهم الملائكة)، وإذا تقرب إليّ عبدي شبراً تقربت إليه ذراعاً- الذراع ضعف الشبر أي شبرين - والحديث كله في المضاعفة، وإذا تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً والباع ضعف الذراع، ذراعين، والأجمل: وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة. الهرولة أسرع يعني كلما تقدم عملاً لله، أي إذا بِتَّ الليل ساجداً لله فانظر بماذا يكافئك الله سبحانه وتعالى؟ هذا شمل الذكر في النفس وفيها تقرب شبر أو ذراع أو باع وأتيت الله ماشياً أو أتيته بكل ما فيك من جوارح، وكل عمل تعمله يتقرب إليه الله تعالى أكثر. لذا نقول للمشاهدين عليهم أن يجربوا بركعتين خالصين لوجه الله يركزون فيهما في قراءة الفاتحة وما تيسر من القرآن وأفكر في الركوع فأسبح بكل قلبي: سبحان ربي العظيم ثلاثاً، سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء وليدعو بما شاءوا من الأدعية لكن بكل اطمئنان ويفكروا في معناه حتى يخرج الكلام من القلب مروراً على اللسان من كل الوجدان والتدبر، بعد أن يسلم لماذا نقول سبحان ربي العظيم؟ لأن الرسول rأمرنا لما نزل قوله تعالى (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) الواقعة) هذا أمر إلهي أن نجعلها في ركوعنا. ولما نسجد (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) الفرقان) لماذا السجود قبل القيام؟ لأن سجداً هنا ليس سجود الصلاة وإنما إطلاق اللفظ بالمعنى اللغوي أي الخشوع والخضوع ولهذا الصلاة ترجمة لهذا الخشوع أنك لما تنزع لركعتي القيام فأنت سجدت قبل أن تركع وقبل أن تسجد قبل أن تقوم، هذا سجود توصيف وحالة، خشوعاً لله وخضوعاً لربهم. نحن نصلي القيام (سجداً) أي خضوعاً وخشوعاً لله تبارك وتعالى وإتباعاً لمحمد r لأنه r لما صلى وقام لله تبارك وتعالى صلى وقام بأمر من ربه ونهانا r عن قيام الليل كله وأمرنا أن نترك وقتاً للنوم (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) الذاريات) هناك وقت للهجوع لكنه قليلاً لذا ننظر في (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) هؤلاء صلّوا اتباعاً للرسول r والأمر للرسول r جاء في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) المزمل) ثم وصّف له (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4)) زد عليه واترك قليلاً للراحة لأنه يريد أن تكون صلاة الفجر مع الجماعة بتركيز لأن البعض قد يأتي لصلاة الصبح وهو نائم فلا يركز في صلاته وهذا غير مقبول لذا القرآن عمل لنا صيانة إحتمال لكل فعل، قُم بوعي وصلّ الصبح بوعي لذا عليك أن تهجع قليلاً. (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) السجدة) الذي يجعلهم يفيقون معرفة ذات الله وعندما تعرف الله تخافه ولما تخافه تعمل بحق هذا الخوف ثم تطمع فيه بوعي ولذا لما وصّف هؤلاء العباد وصفهم بعباد الرحمن ولم يقل عباد الله، (طمعاً) أنت تحتاج لصفة تخفف من حدة الخوف (خوفاً وطمعا) الخوف قد يقضي على البعض وهذا غير متصور في ذهن الناس لأن الناس ابتعدت عن الله. في بحث عن حالات الإكتئاب يقول أن كثيراً من حالات الاكتئاب عند المسلمين تأتي من الخوف من الله، ويخاف من ذنوبه والشيطان يسول له أن ذنوبه كثيرة وأن الله تعالى لن يغفر له فيكتئب ويخاف ويبتعد عن الناس ولا يتعامل معهم فكأن الشيطان ألغى له حالة (طمعاً) ويخرجه من معية الله تبارك وتعالى. سؤال: مسألة يبيتون لربهم سجداً وقياماً ومسألة الأمر للرسول r بقيام الليل في قوله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (20) المزمل) ما هي هذه التقسيمات؟ وهي هي تطوعية أو فرض؟ وهل هي للرسول r أو للمسلمين؟ وهل هي سنة مؤكدة؟ ولماذا يتوب الله تعالى عليهم إذا علم أنهم لن يحصوا الليل؟ هذه الأسئلة منطقية نفهم من الآية (عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ) أنه تاب لما علم فعلم الله تعالى أزلي، توبة الله تبارك وتعالى سابقة على فعلنا، هو علِم أن لن نحصيه فتاب علينا وهذا فضل من الله تعالى فالتوبة سابقة على التقصير المتصور. هناك لازم معنى ومراد في الآية (عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ) دليل أن هناك تقصير، قد يقوم أحدنا الليل كله لكن هل يمكن أن يقوم كل ليلة الليل كله؟ بالطبع لا. هل تناقض الآية في الخطاب للرسول r(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا (79) الإسراء) قوله تعالى (يبيتون لربهم سجداً وقياماً)؟ وهل أقوم الليل لنفسي أو لربي؟ المفترض أني أقوم لربي لكن من عظمة توصيف العلاقة بين الخالق ومخلوقاته أن كل تكليف يؤديه العابد له فضل وثواب يعود بالنفع على العابد نفسه لأن الله تعالى غني عن العالمين، أي أن نتيجة هذه العبادة له. في حياتنا العملية أنت تقوم بالعمل لرئيسك فنتيجة هذا العمل إن لم يعود على رئيس العمل فلن يشكره لكن ما هكذا الحال مع الله تبارك وتعالى أنت تفعل لله وكلما تجوّد الحسنة ترجع لك أنت فلا تعارض بين قوله تعالى (يبيتون لربهم) و (ومن الليل فتهجد به نافلة لك) الاثنين واحد أنت تبيت لله والنتيجة لك لأن يوم القيامة الذين كانوا يستهزؤون على قائم الليل سيكون في موقف يتحسرون عليه. عمر بن الخطاب يقول: الشتاء ربيع المؤمن المؤمن الواعي يمكن أن يأخذ كل شيء لله وتكون النتيجة له. أي يمكن أن يستغله والربيع كلمة عند العرب تبين الاستفادة لأن أجمل الفصول الربيع فيقول عمر أنت يمكن أن تستغل البرد القارس في الشتاء فيكون ربيع عمرك فيقول: "ليل طويل يقمه (طول الليل لم قمت فيه ساعة ستعمل عملاً طيباً فيه ولا يقصد الليل كله) ونهار قصير تصمه" النهار قصير فلا تعطش ولا تجوع، وليل. في الشتاء يكون الليل 12 ساعة وفي الصيف يكون النهار أحياناً 18 ساعة، النهار قصير والجو جميل فلا تعطش ولا تجوع "ونهار قصير تصمه"، "ليل طويل تقمه" طويل تقمه أي إستغل بعضه لا تقمه كله إذا كنت متعوداً أن تنام عشر ساعات نم ثماني ساعات وإجعل ساعتين منهم لله،. الليل يبدأ من بعد صلاة المغرب خذ من بعد العشاء مثلاً ساعة لله تعالى، أقصى ساعات نوم للصبي ثماني ساعات ويجب أن تقل ساعات النمو كلما كبرنا في العمر فأنت على أقصى تقدير خذ ساعتين لله بين قراءة قرآن وصلاة فأنت بهذا تكون بت لله تعالى والنتيجة لك (نافلة). البعض يقول هذا الأمر للرسول r(وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا). الرسول r قال أن الذي يدعو له بعد الأذان بالوسيلة تحل له الشفاعة لكن نسأل هل الرسول كان متوقفاً على الدعاء أم أنه كان يعمل؟ الرسول r قال: فمن سأل الله لي الوسيلة وجبت له مني الشفاعة" ولكنه مع هذا صلّى وأخذ بالأسباب، هل ما يوصله للمقام المحمود دعاء الناس أو عمله؟ بالطبع عمله لذا نقول للناس الذين يقولون أنحج عن الميت؟ أنصوم عن الميت؟ نسألهم ماذا عمل الميت في حياته؟ العمل هو أساس النتيجة والدعاء شيء مكمّل. لو أن الأمة لم تدعو للرسول الوسيلة ولم تسأل الله له الوسيلة هل سيأخذها؟ سيأخذها بإذن الله لكن تواضع من الرسول r أن يطلب منا أن نسأل له الوسيلة، هو عمل ولم يتكل على الدعاء ولم يركن وإنما قام الليل والله تعالى طلب منه أن يخفف والسيدة عائشة تقول له: هون عليك يا رسول ألم يغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيجيبها r: أفلا أحب أن أكون عبداً شكورا؟. إذا كان يعملها طاعة وعبادة قبل أن يغفر فهو يزدها شكراً على ما تم وعلى المغفرة. لذا علينا أن لا نغفل عن معنى ولازم معنى والمراد من قوله تعالى (وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى (41) النجم) سنشرحها لاحقاً بإذن الله. هذا أسلوب يسمى أسلوب القصر، ليس أي سعي سيقبل ثم يجزاه الجزاء الأوفى إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشرّ وحتى نكمل الخطة التي سنمشي عليها في العمل نذكر بآية أخرى (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الكهف) هنا سعي وهنا سعي، هناك سعي ضالّ والناس لا تريد أن يعرف الأخسرين أعمالاً لذا قال تعالى (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (104)) والمصيبة (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا). إذا حللنا هذا اللغز نفهم قول عباد الرحمن (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) الفرقان) هذه آية حاكمة، عباد الرحمن لا يطمئنوا برغم كل ما عملوه، ثم بعدها يقول (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ (68)). هذا توصيف القرآن وتوقيعه في منتهى الإبداع. علينا أن لا نتواكل أن الرسول سيشفع لنا يوم القيامة فلا تركنوا على شفاعة الرسول وإن كانت هي مبتغانا ولكن إفطنوا إلى ما فعله الرسول لما قال له تعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا) لم يركن إلى دعائنا ولكن عمل. للأسف نحن حتى أهملنا الدعاء الذي علمنا إياه الرسول r وكلفنا فيه وهذه قمة التشريف أن يكلفنا الرسول r بالدعاء وهذه نحن مقصرون فيها فكثير منا لا يردد مع الأذان ولا يصلي على النبي بعده ولا يسأل الله تعالى له الوسيلة وعلينا العودة إلى أصل ما كلفنا به الرسول r وهذه قمة التشريف أن يطلب منا نحن العباد الفقراء أن ندعو له ونسأل له الوسيلة. العمل لله والنتيجة لك، على الإنسان أن يعمل ولا يقول أحسن الظن بالله ولا يحسن العمل لأنه لو أحسن الظن بالله لأحسن العمل، هؤلاء تكاسلوا وقالوا نحسن الظن بالله وكذبوا لو أنهم أحسنوا الظن لأحسنوا العمل لأن الظن بالله أن تعرفه وإذا عرفته تخافه وقمة حسن الظن بالله حسن العمل. سؤال: ترتيب صفات عباد الرحمن في سورة الفرقان، المشي ثم البيات لله سجداً وقياماً ثم فجأة ذكر دعاؤهم بصرفهم عن عذاب جهنم لأنهم لم يغتروا بعبادتهم ولم يطمئنوا حتى لا يوقعهم الشيطان ويعتقدوا أن العذاب ليس لهم، هؤلاء العباد يقولون أن عذاب جهنم كان غراماً والمعروف عند الناس أن الغرام هو الحب والإنسان لا يحب إلا الأشياء الجميلة ولا يأتي الغرام مع شيء سيء فكيف يستقيم هذا المنطق مع غرام النار؟ فالإنسان لو أحرقته شمعة يصرخ منها أياماً فما بالك بالنار؟ الناس عندما تسمع غراماً تفهم ما ذكرته في السؤال، علينا أن نفهم المعنى ولازم المعنى والمراد. إذا أحب إنساناً امرأة نقول أنه يحبها، إذا ذكرها دائماً في كل موضوع نقول يعشقها وهي حالة أعلى من الحب وجاء منها ما يفعله النجارون في الخشب إذا أرادوا توصيل قطعتي خشب يسموها عاشق ومعشوق فيجعل فراغات في إحدى القطع لتدخل فيها القطعة الثانية بحيث لا تنفك أبداً، عاشق ومعشوق أي لن يتركوا بعض. لما يبدأ الإنسان يحب يكون سرحاناً فيقال عنه أنه يحبّ، هيمان، الهيام أول درجات التعلق، بعد الهيام يحصل عملية ولع هذه كله في نطاق درجات الحب، ثم عشق يكرر ذكر التي يحبها في كل مكان، لو لم يفارقها نقول عنه غراماً. أخذ العرب هذه الكلمة وقالوا إذا كانت المداوة على الإتصال في الحب تسمى غراماً وإذا كان في مقابل الحب أي الكره يسمى الغريم فالغريم لا يغادر غريمه حتى تستمر المطالبة بالحق، يداوم على المطالبة كأنه ملاصق بغريمه لا يرضى أن يبعد عنه. فإذا أخذناها في الحب والكره، إذا كان غراماً يكون جالساً بمزاجه ويكون سعيداً ولا يريد أن يفارق لكن الغريم صحيح أنه لا يفارق غريمه لكن إذا جاء من يأخذ بحقه يترك غريمه, فالغريم قد يترك الشخص الذي يلازمه لكن في الغرام لا يفترقا. لذا استخدم القرآن لفظ الغرام لأنهم لن يتركوا بعض فالعلاقة بين الكفار والمشركين والنار علاقة ليس فيها مفارقة. الغريم قد يترك غريمه إذا جاء من يعطيه حقه لكن الغرام لن يترك الذي هو مغرم به. القرآن لا يختار لفظة فيها شك أبداً لذا اختار كلمة غرام. هذه تحتاج لوقفة واعية: عباد الرحمن قالوا (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) هل هذا كلامهم أو كلام الله عز وجل؟ وهنا خلاف كبير بين العلماء فالبعض قال أنه كلام عباد الرحمن والبعض قال هي كلام الله تعالى تعقيباً على كلامهم، يجب أن نفهم أن القرآن كله كلام الله تبارك وتعالى، لما نقول (والذين يقولون) عباد الرحمن لكن قبلها نقول: قال الله تعالى (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا)، (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ) هذا قول عباد الرحمن لكن قبلها نقول: قال تعالى في كتابه (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ). (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ) هل المنطق أن أقول (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) أو أن يقولها الله تعالى؟ أنا لو كنت من عباد الرحمن لا أعرف توصيف النار والمنطق يقول أن هذه الآية كلام العليم بحالها الذي خلقها وهو أدرى بها مني وأنا كعبد من عباد الرحمن أخاف منها ولا أريد أن ألفظها ونحن للأسف الآن نشرب النار (بالسجائر والشيشة) والصحابة كانوا يرتعدون إذا سمعوا كلمة النار فقط. لذا علينا أن نذكر أن هذه الآيات قبل أن تكون وصفاً لعباد الرحمن هي من قبيل التحذير - وفي رأيي المتواضع - البشارة فمن أراد أن يكون من عباد الرحمن فهذه أوصافهم والذي سيكون منهم (أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76)) هنا حسنت مستقراً ولا يعرف وصف الجنة إلا الله تعالى وعندما وصفها الرسول r "فيها ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" إذن (حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) على الجنة كلام الله ومن باب أولى (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) على النار كلام الله تعالى، (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ (45) ق). (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) أخذنا من كلمة الغرام هنا لازم معنى الغرام الذي هو الملازمة والدوام وعدم المفارقة ونأخذ كلام الرسول r في أول خطبة عندما جمع قومه فقال: " والله إن الرائد لا يكذب أهله والله لو كذبت الناس كلهم ما كذبتكم ولو غششت الناس كلهم ما غششتكم والله لتموتن كما تنامون ولتبعثنّ كما تستيقظون وإنها إما جنة أبداً وإما نارٌ أبداً" غراماً لا تعني حب وعشق وهيام وإنما أخذنا لازم معنى الغرام أي عدم المفارقة والذي يدخل لا يخرج منها وأيّد ذلك قوله تعالى (إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) لو جلست فيها لحظة تكون ساءت مستقراً ولو بقيت فيها إقامة أبدية تكون ساءت مقاماً، هي ساءت من أول دقيقة فالمستقر سيء والمقام سيء. موقفنا من الجنة والنار في القبر سنأخذها بتفصيل لاحقاً، النعيم في القبر يتلخص في انتظار النعيم والعذاب في القبر يتلخص في إنتظار العذاب وهذا لا يعني أننا ننكر عذاب القبر، القبر فيه عذاب كونه إنتظار للعذاب وهذا أخص العذاب إذا كان العبد مؤمناً يقال: "أفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له باباً إلى الجنة فيقول العبد" رب أقم الساعة، والآخر يقول: أفرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له باباً إلى النار فيقول: رب لا تقم الساعة" لأنه خائف من العذاب، فانتظار العذاب أشد أنواع العذاب. وفي يوم القيامة عندما يطول إنتظار الناس لبدء الحساب فالناس تتمنى أن تنصرف من هذا الموقف ولو إلى النار. إنتظار النعيم أخصّ النعيم وأجمل شيء أن أقول لشخص موقفك بعد قليل سيكون في الجنة فيجلس الشخص مستمتعاً ويبدأ يتخيل ما وصفه الله تعالى في القرآن وما ذكره لنا الرسول rفيكون في القبر مسروراً بانتظار النعيم أما والعياذ بالله إذا قلت للشخص أنه سيكون في النار بعد قليل سيكون خائفاً لأنه يتخيل ما ورد في القرآن والسنة عن أوصاف النار فيكون في عذاب بإنتظار العذاب ولو عذبته الآن لكان أفضل بالنسبة له. وإذا ضربنا مثلاً على هذا أنه عندما يكون هناك امتحان فالطالب الذي لم يدرس يتمنى أن يحصل أي شيء بحيث لا يجري الإختبار لأنه لم يستعد أما الطالب المجتهد المتفوق فهو يحزن إذا حصل شيء عطل الإختبار أو أخره لأنه مستعد تماماً له وقد يضيق صدره ويغتم لأن الإختبار تعطل. توقيع هذا الكلام في قوله تعالى (فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) الحاقة) وهناك نقطة أخطر يجب أن نفهمها على مراد الله، انتظار العذاب يوم القيامة هناك آية في كتاب الله (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30) ق) اختلف العلماء في شرحها والبعض يفهمها أنها تطلب المزيد ولكن السؤال هنا سؤال استنكاري، هل من مزيد يعني لا مزيد، هل من مزيد قد يفهم أنها أن جهنم واسعة لكن من أخص أنواع العذاب يوم القيامة الحشر والضيق لكن في الكلام عن الجنة تجد فيها سعة لكن لما يقول (هَلْ مِن مَّزِيدٍ) يعني لا مكان فالذي يدخل يدخل حشراً في النار، عباد الرحمن فهموها (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) فهموا من القرآن أن عذابها ملازم ليس فيه مفارقة وقالوا هذا الكلام ليثبتوا أنهم من عباد الله وعباد الله سيدخلون الجنة، والمقابل لها أنهم ليسوا من عباد الشيطان أو عباد غير الله فيكون مصيرهم إلى النار. علينا أن ننتبه إلى وصف الرسول r للجنة " فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" القلب يتكرر في كلام الرسول r ليؤكد لنا أن القلب هو الأساس في حياة الإنسان والقرآن الكريم (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) الشعراء) والناس صنفين إما قلب مؤمن ذاكر (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) الرعد) ولم يقل العقول ولم يقل أن الفقه في العقل وإنما قال التعقل والفقه في القلب فمن الطبيعي أن الذي يحنّ للجنة ويتخيلها ويطمع فيها ويحلم بها أن يكون هذا الطمع والحلم والتخيل من هذا القلب المؤمن الذاكر المتقي حتى يصل إلى هذا النعيم وإن كان القلب غير ذلك فيكون جهنم والعياذ بالله مستقره. بُثّت الحلقة بتاريخ 6/2/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 32 سؤال: ما معنى يبيتون؟ قلنا أن بات في اللغة تعني أدركه الليل نام أو لم ينام، يبيتون أي أدركهم الليل سواء ناموا أو لم يناموا بدليل لما نقول بات فلان قلقاً، قلقاً تبين أنه لم ينام وقضى الليل وهو قلق مضطرب فلم ينام. عباد الرحمن سواء ناموا أو لم يناموا فهم سجداً لأن سجداً هنا لا تتعلق بسجود الصلاة وإنما تتعلق بسجود الصلاة وبالخشوع والخضوع في غير الصلاة لله تبارك وتعالى. بمعنى أن الذي يبيت لله تعالى ساجداً خاضعاً خاشعاً لا يمكن أن يرتكب إثماً، يبيتون خاشعين لله تعالى متذكرين الله تعالى والليل عند أهل اللغة والمفسرين غالباً ما تتم فيه الفواحش والمعاصي كالسرقات والزنا وغيرها. عباد الرحمن يبيتون لربهم وأكّد تعالى بكلمة (سجداً) أي خاضعين خائعين لا يرتكبون إثماً ولا فاحشة ولا معصية. لذا نأخذ كلمة (سجداً) بالمعنى العام لها بالخضوع والخشوع ثم (قياما) حددت أنها للصلاة أنهم كانوا (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) الذاريات) (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) السجدة) كل هذه الآيات تبين توصيفهم. سؤال: هل من معاني كلمة (يبيتون لربهم) أن الإنسان يفعّل النية وهو داخل لينام يقول أنا أريد أن أنام بعد أن أنهيت عباداتي لأحصل على قسط من الراحة لأبدأ يومي التالي بنشاط وأقوم لصلاة الفجر وأسعى وأكدّ لرزقي؟ يمكن لنا أن نعرف عقيدة شخص من كلامه لكن لا يمكن أن نحسب هذه العقيدة بالتحديد لأن هذا أمر خاص بالله تبارك وتعالى هو القادر أن يحسبها. ما هي العقيدة؟ أنت تدخل لتنام وأنت متوكل على الله تعالى أنا صليت القيام وعقيدتي أن الرزق والعمل من الله تعالى. الذي يدخل لينام بعد صلاة العشاء والقيام لأنه يريد أن يقوم الصبح ويصلي في وقته ويقوم الليل على مراد الله تعالى لا على مراده هو ولا يصحو ليصلي الفجر الساعة التاسعة لأنه (إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا (103) النساء)، البعض يسأل أصلي القيام ولا أستطيع أن أقوم لصلاة الصبح فنقول له أن الفرض أولاً، هذه المسألة لا يمكن أن أحسبها لأن النوافل طريقة التقرب إلى الله تعالى كما جاء في الحديث القدسي (وما زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل). صلِّ الصبح أولاً وقم الليل ولو بركعتين بعد العشاء مباشرة لأن الليل يبدأ من بعد صلاة المغرب، فإذا صليت العشاء وركعتي سنة العشاء ثم صليت ركعتي قيام ثم الشفع والوتر تكون قد قمت الليل. والذي يريد درجة القرب فعليه بالسجود فقد قال تعالى في القرآن الكريم (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) العلق) السجود يجعلك في معية الله تبارك وتعالى وكما قال r: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، والقرآن الكريم يقول (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) إذا سجدت اقتربت قُرب منزلة لا قرب مكانة. المسلم الواعي لا يفرط في ركعتين في جوف الليل والرسول r يقول " ركعتان في جوف الليل خير لك من الدنيا وما فيها" هاتان الركعتان تكونان خالصتان لله تبارك وتعالى لا رياء فيها لأن جوف الليل لا أحد يراك فيه إلا الله تعالى فلا مجال للرياء فيها. نقول للناس صلوا العشاء والسنة ثم ركعتين القيام والشفع والوتر فإذا قلقت في الليل قم وصلِّ ركعتين واشعر بحلاوتهما وأديّهما بإخلاصه لله تعالى. (يبيتون لربهم) هم وحتى وهم نائمون يبيتون سجداً. هناك من تُعرض عليه المعصية عليه لكنه إما أن يقوم للصلاة أو ينام وكأنه يقول ويُشهد الله تبارك وتعالى أنه لما عرضت عليه المعصية تركها من أجل الله تعالى وتقرباً لله تعالى ولم يتركها وجلس وإنما تركها وصلّى لله تعالى. الآيات في القرآن توضح هذه الأمور (كَلَّا لَا تُطِعْهُ) ولم يكتف فقط بهذا وإنما قال (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) لم يقل لا تطعه فقط وكأنما هذه الآية توصف حال هذا الذي يريد أن ينهى الرسول r عن الصلاة فيقول له (كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19) العلق). إذا ابتعدت عن المعصية لا تكتف بهذا فقط وإنما إعمل عملاً يقربك إلى الله تعالى أكثر وأشهِد الله تعالى أنك تركت المعصية وصلّيت أو نمت ونومك هذا أفضل من المعصية لأنه بهذا يبيت لربه. إذن عباد الرحمن سواء ناموا أو لم يناموا فهم في طاعة الله تعالى، قارن هذا بمن يقضي ليله كله أمام الكمبيوتر في المحادثات واللعب والدردشة وترك قيام الليل هذا لن يتمكن من الذهاب إلى عمله في اليوم التالي، ومن العبادة أن تعمل ويأكل المسلمون من سعيك، وهناك أناس للأسف أدمنت الإنترنت للتسلية فقط لا للمنفعة وخربت بيوت بسبب هذا. والقرآن لما يعرض لنا صفات عباد الرحمن فهو يتحدث عن فئة متميزة جداً في العبودية لله تعالى. سؤال: ما دلالة إختراق ذكر جهنم للترتيب العام في توصيف عباد الرحمن؟ لأن عباد الرحمن يفعلون ما يفعلون وهم خائفون. نحن نتصور أن عباد الرحمن صفاتهم كلها إيجابية ولا يمكن لأي كان أن يصل إليها، كلا، الصفات في متناول كل إنسان فالمولى أثبت لهم صفات ونفى عنهم صفات. الذين يدعون مع الله إلهاً آخر ليسوا من عباد الرحمن وإنما عباد الرحمن هم (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَر (68)) هذا النفي أثبت لهم الإيمان المطلق والمعيّة المطلقة. (يبيتون لربهم) حددت أنهم هم يفعلونها بالنهار لكن القرآن ما ذكرها فإذا كانوا يبيتون لربهم في الليل سجداً وقياماً فما هي حالهم في النهار؟ هذه الحالة من العودية لله أو للرحمن هم عليها ليل نهار. سؤال: لماذا جاءت سجداً قبل قياما؟ كلمة (سجداً) مطلقة وليست سجود الصلاة وإنما الخضوع آناء الليل وأطراف النهار (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) إذا كان هذا في الليل فما بالك بالنهار؟ هم سجداً أيضاً في خضوع وخشوع وهذا الخشوع والخضوع يأتي من أول سُلّم العبادات. الرسول r يعلمنا الوضوء والصلاة وكيف تسمع الأذان لتردد خلف المؤذن وعندنا ثلاث تعلميات من الرسول r فيقول: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا عليّ" كل الناس تسمع الأذان كل يوم لكن كم منهم من يردد خلف المؤذن؟ هذه أوامر من الرسول r عندما نسمع المؤذن علينا أن نقول مثلما يقول فإذا قال الله أكبر الله أكبر نقول الله أكبر الله أكبر وإذا قال أشهد أن لا إله إلا الله نقول أشهد أن لا إله إلا الله وإذا قال حي على الصلاة نقول لا حول ولا قوة إلا بالله ثم عندك تعليمات وهي أن نصلي على الرسول r لأنه من صلّى عليه مرة واحدة صلى الله تعالى بها عليه عشرة ثم تسأل الله تعالى له الوسيلة فإذا صليت عليه وسألت له الوسيلة حلّت لك الشفاعة يوم القيامة، هذا حديث وهناك حديث آخر عندما ينتهي الأذان فتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد r رسولاً وبالاسلام ديناً، غفر الله ذنبك، مع الأذان تقول شيئاً وبعد الأذان تقول كلاماً آخر. وحديث آخر تقول " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه اللهم المقام المحمود" وفي رواية (الذي وعدته) فقط هذه ولا نزيد عليه "إنك لا تخلف الميعاد" كما يقول البعض لأن فيها تطاول على المولى تبارك وتعالى وفيه إدخال للقرآن مع الحديث لأن الرسول r لم يقلها وهي ليست موجودة في أية رواية من روايات الحديث. وعلينا أن لا نخلط القرآن بالحديث، الله تعالى لن يخلف ميعاده مع الرسول r والرسول r لم يقلها أصلاً. كل هذا يبين أنك لما تطبق هذا الكلام أنت تكون من الساجدين أي الخاشعين الخاضعين لأن السجود له منزلة ترفع العبد. هذا يذكرني بما قاله خادم الرسول r ربيعة الأسلمي وكان من أهل الصُفّة الفقراء وكان يخدم الرسول rويروي في الحديث أنه كان يبيت عند الرسول r يأتيه بحاجته ووَضوئه (أي ماء الوضوء) وفي مرة من المرات قال له الرسول r: سلني، فكان الرجل من الذكاء بمكان وفرصة لا تعوض بأن اختار شيئاً عظيماً فقال: أسألك مرافقتك في الجنة ( وعندنا حديث " أنا وكافل اليتيمين في الجنة كهاتين" وأشار بإصبعيه)، فيقول r: أوغير ذلك؟ (يعني اطلب شيئاً أسهل لأن هذه مسألة صعبة) لكن الرجل أصرّ فقال: هوذاك، فقال له r: فأعنّي على نفسك بكثرة السجود" يجب أن نتوقف عند هذه الجملة جيداً: السجود هنا كناية عن الصلاة لكن اختار السجود لدرجة القرب. الجملة (فأعني على نفسك) هل يعين الرسول أو يعين نفسه؟ كأن طلب الرجل من الصعوبة بمكان فإذا أردت أن تسهّل على الرسول r الأمر فأكثِر من السجود. ثم قال (على نفسك) كأن السجود يهذِّب النفس. القضية في هذا الجملة (فأعني على نفسك بكثرة السجود) ليست بكثرة السجود بحد ذاته ولكن كثرة السجود تربي النفس وتؤدبها وتمنعها عن المعاصي والآثام والأوزار فتكون نفساً طائعة فيكون من السهل أن يقول الرسول rهذا معي. فكأن كثرة السجود تهذب النفس وتمنعها عن المعاصي وتجعلك تستحي من إرتكاب المعاصي. الذي نفسه صعبة عليه فهناك أناس تسمع النداء ولا تفعل شيئاً ولا تعيش معنى الخضوع والخشوع في السجود، هذه نفس عاصية. العاصي في اللغة هو الذي يصعب تطويعه وتشكيله. النفس أنواع كما ذكرنا في حلقات سابقة. النفس المطمئنة (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (28) الفجر) هي النفس اللوامة التي تؤنب صاحبها على كل شيء: تسمع نهياً تنتهي عنه، تسمع جملة فتسأل عنها لتستوضح أمور دينها وللأسف كثير من الشباب ضاعوا لأنهم محرجون من السؤال أو لم تُعرض عليهم المسألة من قبل وقد سبق أن سمعنا رجلاً مضى عليه خمسين عاماً لا يعرف ما هو الغسل من الجنابة! هذه قضايا مهمة يجب أن تُعرف وعلينا أن نتعلم كل شيء. الرسول r حسدنا عليه اليهود لأنه علّمنا كيف ندخل الخلاء وكيف نتوضأ وكيف نصلي ويشرحها بالتفصيل. النفس العاصية تحتاج لعلاج لتطويعها والشاعر قال: والنفس تعلم أني لا أصادقها ولست أُرشد إلا حين أعصيها إذا أطاع الإنسان نفسه ضاع والرجل الواعي لا يطيع نفسه دائماً كالأب الواعي الذي يربي ابنه لا يعطي ابنه كل شيء يطلبه. هذه تربية والنفس تحتاج لتربية لتتحول من نفس أمارة إلى نفس لوامة وتحتاج إلى تدريب. وفي علم النفس أنت يمكن أن تعالج نفسك قبل أن تمرض من غير طبيب بأن لا تعطي نفسك كل ما تشتهيها أو تعطيها القليل مما تشتهيه وتربيها. عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عندما اشتهت زوجته بعض الحلوى وكانت قد ادخرت مالاً لتشتريها أمرها بأن تعيد المال لبيت المال وقال لابنه: "كُل نصف بطنك ولا تخلع الثوب إلا إذا بلي" وكان عمر رضي الله عنه يتميز بمسألة التقشف والتزهد: جوع الخليفة والدنيا بقبضته في الزهد منزلة سبحان موليها يوم اشتهت زوجته الحلوى فقال لها من اين لي ثمن الحلوى فأشريها ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به أولى قومي لبيت المال ردّيها تقوى عمر بن الخطاب هي التي بها قرّبه الله تعالى من معيّته. آيات الإنفاق التي تلي حاكمة وفاصلة في الموضوع أنها لا تتكلم عن النقود وإنما تعني الإنفاق بشكل عام. من أراد مرافقة النبي r فيه الجنة فعليه باثنتين: إما كفالة يتيم وإما كثرة السجود وللاحتياط يمكن أن يقوم بهما معاً. سؤال: نتكلم عن السجود والخضوع والخشوع، ونتكلم عن النفس التي لها هوى ويجب أن تمنعها وقال تعالى (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) النازعات) هذه من الآيات الفارقة، (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ) واضحة وكان يمكن أن تكفي لكن هناك من المؤمنين من يأت المعاصي بسبب هوى النفس لذا جاء الأمران مع بعضهما في الآية، خوف مقام ربك قد لا ينهاك تلقائياً عن الهوى فعليك مع خوفك من مقام ربك أن تنهى نفسك عن الهوى ويجب أن يكون الإثنين مع بعض في وقت واحد وفي عمل واحد. سؤال: البعض يقول أننا محتاجون لبعض التقشف والتزهد حتى نربي أنفسنا لأن الرسول r قال: "إخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم" والبعض يقول ألم يقل الله تعالى (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ (32) الأعراف) فكيف نوفق بينهما في ظل قوله تعالى في صفات عباد الرحمن (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)؟ الآية جميلة جداً (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) ثم قال (وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) هذه جملة مهمة جداً. أولاً نؤكد أن هذا الإنفاق لا يتعلق بالنقود فقط لأن الناس عادة ينصرف ذهنها إلى النقود وحتى كلمة مال لما تطلق لا تعني نقود فقط وإنما كلمة مالك تعني كل ما هو لك من نقود وأعيان وصحة. الإسراف قد يكون في كل شيء فهناك إسراف في القرآن بعيد عن المال والنقود تماماً ففي سورة الأعراف قال تعالى في الكلام عن قوم لوط (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (81) الأعراف) هذا إسراف شهوة، الشهوة لها منطق فالشهوة في النساء منطقية لكن أن تكون الشهوة في الرجال فهذا إسراف في الشهوة وحتى مع النساء وإن كانت شهوة منطقية فقد يكون فيها إسراف إذا تجاوزت الحدود. والمسرف في أي شيء سيأتي وقت ويتوقف عن هذا الإسراف رغماً عنه، فالذي يشرب ملعقة واحدة من السكر في الشاي يبقى عليها كل عمره لكن الذي يأخذ سبع ملاعق مع الشاي سيأتي وقت ويتوقف عنه رغماً عنه، والشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى كان يقول أنت مكتوب لك أن تستهلك في حياتك شوالاً من السكر فأنت استهلكته خلال فترة معينة ستتوقف عنه رغماً عنك في بقية حياتك لأنها استنفذت نصيبك منه. (وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) كأنه في النفقة لديك طرفين وكل طرف يشد الآخر، طرف يريدك أن تكون مسرفاً وطرف يريدك أن تكون مقتراً ولكن خير الأمور في الإسلام الوسط. نحلل القضية من القرآن (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) الفرقان) نتكلم عن الاعتدال ونسأل هل الإعتدال أصل أو تهذيب؟ وهل أصل النفس بطبيعتها معتدلة أو مسرفة أو مقترة؟ أصل النفس الشحّ كما جاء في القرآن الكريم (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ). كلمة الشح وردت في القرآن الكريم ثلاث مرات: مرة في سورة النساء (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ (128) النساء) ومرتين بتعبير واحد (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر) و (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16) التغابن)، الأصل (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ) هذا تركيب، ولو وضعنا التركيبان لنشرحهما نجد أن الجملتين مبنيتان لما لم يسمى فاعله (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ) و (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ)، (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ) النفس ليس لها علاقة بأصل العملية لكن عليها أن تتهذب من هذا الذي جُبِلأت عليه. (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ) أي خلقها الله تعالى على جِبِلّة الشح وفي الآيتين الأخريين (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) مبني للمجهول لكن أنت عليك أن تهذب النفس هنا بمسألة بعيدة عن تهذيب النفس وهي التقوى (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) كيف يوق شح نفسه؟ بأن يتقي الله تعالى فالمولى يقيه شح نفسه الذي جبلت عليه الأنفس جميعاً. هذا التركيب اللغوي لازم معناه أن الله تعالى خلق النفس عند الشح (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ) وهو يخلق تعالى النفس خلقها على الشح، طبيعة النفس الشح الذي هو أشد من البخل وهو الحرص الشديد على ما عندك لا تنفق لا في سبيل الله ولا في غيره هذه الجبلة. والذي يتقي الله تعالى يعلّمه المولى كيف ينفق في سبيل الله ويرتقي حتى يصير من عباد الرحمن الذين إذا أنفقوا في كل شيء في المال والطعلم والشهوات لم يسرفوا (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا (29) الإسراء) ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما أي بين الإفراط والتفريط. البخل غير الشح. في اللغة البخل فرع من فروع الشح، فالشح في كل شيء والبخل في النقود، في المال، في الأعيان فلا يقال بخيل في مشاعره وإنما شحيح في مشاعره. البخل يأتي في المال كله النقود وغيرها والشح يكون في المشاعر والأحاسيس فالبخل أحد فروع الشح. البخيل بخيل مال والشحيح شحيح عواطف فالشح عام والبخل خاص. النفس جُبِلت على الشح وعلى المنع والذي رضي الله تعالى عنه يتقرب إلى الله تعالى ببذل المال في سبيل الله ويُنفق. المسألة في الشح نسبية فيقول القرآن (إذا أنفقوا) لم يقل عندما ينفقوا لأن (إذا) تعطي معنى الظرفية أي كلما فعلوا هذا طبيعتهم واحدة يمشون قواماً لا إفراط ولا تفريط، (إذا) للظرف المستقبل كأنهم رتبوا عقيدتهم على هذا، على عدم إسراف وعدم تقتير ويمشي على العهد الذي ربّى نفسه عليه. ما هو الإسراف وما هو التقيتر؟ الإسراف قد يكون جنيهاً واحداً تصرفه في معصية ومليار جنيه في طاعة ليس إسرافاً، ما يصرف في حرام مهما كان قليلاً فهو إسراف وما يصرف في حلال فهو ليس بإسراف مهما كان كثيراً فالمسألة ليست بالكمّ. هذا ليس إسرافاً وإنما قواما لأنه لا إسراف في الطاعات أو الصدقات. عباد الرحمن في حقيقة التوقيع قواماً ولو ظهر أنه ينفق كثيراً. نظرة الناس دائماً غير صحيحة لأنهم ينظرون إلى العملية التي تتم ولا يعرفون الغرض منها أو الهدف منها حتى في رسول الله r نسمع من يقول أنه كان فقيراً ويتيماً والقرآن قال (ألم يجدك يتيماً فآوى) (ووجدك عائلاً فأغنى) كان r يتيماً فآواه الله تعالى وكان r فقيراً فأغناه الله تعالى فكيف أصف الرسول r أنه فقير ويتيم وقد آواه الله تعالى وأغناه؟ كيف أصنف من أعناه الله أنه فقير؟ وكيف أصف من آواه الله أنه يتيم؟ الرسول r كان ينفق ماله في طاعة الله فيبدو وكأنه فقير لكنه كان r يتزهّد لأنهم فهم الأمر. وعمر بن الخطاب وأبو بكر وعثمان وعلي رضي الله عنهم جميعاً تعلموا من معين رسول الله r. إذا قلنا عمر في الشجاعة لا حدود له فهو أخذها من الرسول rيوم التزمه من مجامع ثوبه وقال له إن جئت للخير فأنا لك وإن جئت للشر فأنا لك، فلا نقدم أحداً من الصحابة على رسول الله r فكلهم أخذوا منه r، تقشف عمر بن الخطاب وتزهده كان أستاذه الرسول r، كل الصحابة أخذوا من الرسول r. لذا يجب أن لا نعتمد على نظرتنا نحن وإنما نأخذ من القرآن. في سورة الإسراء قال تعالى (قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا (100) الإسراء) هل التقتير أعلى من الشح؟ التقتير هو الشح وهو الأصل (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ (128) النساء). كيف نواجه الشح والبخل والتقتير طالما هو شائع في كل الأنفس هناك كثير من الناس تصوم وتصلي ولكن يدها ممسكة في الصدقات؟.والبعض يوفر ماله للزمن وللأولاد، ويتساءل هل أوفر أم أصرف وكيف الضمان ضد الزمن؟ بُثّت الحلقة بتاريخ 13/2/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 33 الجهة منفكة في التوقيع. هم كانوا لم يسرفوا ولم يقتروا مما عندهم وكل عصر له نِعَمه، ومن ثم الآية (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) تُصلِح كل زمان ومكان والقرآن الكريم منهج ينطبق في عهد الرسول r إلى يوم القيامة مروراً بصور التقدم والرخاء، وفي عصر الرخاء يجب أن يعي المؤمن أن لا يتنعم بطريقة فاحشة ولكن يتنعم بطريقة وسط وبطريقة تتفق مع الإسلام لأن خير الأمور أوسطها. هكذا يجب أن يكون المؤمن المتقي يدّخر جزءاً من شهوته في الدنيا للآخرة سواء في التنعم، في الزواج، في كل شيء. يعرف أن الدنيا ممر للآخرة، هذا الممر كما قال نوح u عندما قيل له عشت 950 سنة فماذا رأيت؟ قال كأن الدنيا بابان دخلت من واحد وخرجت من الآخر. لذا يجب أن يكون الإنسان واعياً لا يسرف ولا يقتر وإنما عليه أن يكون قواماً بين الطرفين، بين الإفراط والتفريط. البعض يعتقد أن الشهوات مرتبطة بالدنيا فقط، يجب عليك كمسلم متقي أن تدخر بعض شهوتك إلى الآخرة. مثلاً أنت تتنازل عن خمر الدنيا إبتغاء خمر الآخرة، كبحت شهوة لشهوة طاعةً الله تعالى، لم تسرف في الدنيا ولم تذقها حتى تأخذها في الآخرة. الشهوة الباقية ألذ من الشهوة الفانية (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) ق) يجب أن أعمل ليكون الخلود في الجنة. لما أعرف أن الذي يذوق خمر الدنيا وأسرف فيها دون توبة لا خمر له في الآخرة ولا جنة له فأوقفها طاعة لله وتربية للنفس. عيب النفس أنه لو أن الطبيب قال للشخص لا تشرب الخمر لأنها تضرك وتركها يتركها ليس طاعة لله تعالى وإنما ابتغاء دنيا لكن الذي تركها طاعة لله وهو قادر عليها هذا ادّخر شهوته للآخرة. تربية النفس تجعل الإنسان قبل أن يذكره الشيطان بالمعصية عليه أن يذكّر نفسه بشهوته في الآخرة لا تقدر بخمر الدنيا. الذي يشرب الخمر في الدنيا شربها وطعمها ليس حلواً وإنما قبيح سيئ ولكن شربها طاعة لشهواته ولنفسه ولشيطانه. لما يتركها طاعة لله تبارك وتعالى يصدق فيه قوله تعالى (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) الفرقان). على الإنسان أن يتدبر: هل الله أمرني؟ إذا أمرني أتوقف عن المعصية. ساعة المعصية يُنسي الشيطان الإنسان خوفه من الله تعالى وينسيه درجة العقوبة على المعصية فيرتكبها لذا الإنسان الواعي يقف عند قوله تعالى (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) لم يسرفوا ولم يقتروا في الشهوات والمال وفي كل شيء آخر هؤلاء قواما. إدّخر بعض شهواتك للآخرة. والمسلم هو المسلم في كل زمان ومكان يتقي الله تبارك وتعالى والحلال بيّن والحرام بيّن. أن تدخر أنت للآخرة هذه قضية غائبة، أنت تدخر للآخرة بترك الشهوات إدخاراً للآخرة، وبالمال فعندما يأتيك سائل يطلب منك مالاً والشيطان يوسوس لك أن هذا مثلاً يدخن فسيصرف المال على التدخين حتى لا تعطيه المال تذكر أن أداء القرآن في إعطاء السائلين والفقراء والمساكين ومن ذكرهم المولى في الآية لم يقل تعالى أعطهم وإنما أساسها وتوصيفها (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً (245) البقرة) لم يقل أقرض الرجل المسكين أو السائل، إذن وأنت تدخر مالاً تدخر عند من لا تضيع عنده الودائع فأنت لا تعطي الفقير ولا المسكين ولكن تعطي الله تبارك وتعالى. هو مال الله تبارك وتعالى واستخدم لفظ الإقراض لله تعالى وهذا قمة العدالة الإلهية. الله تعالى أعطاك المال فهو لك وأنت مستخلف فيه فأرِ الله تبارك وتعالى ماذا تفعل به؟ (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) المضاعفة يوم القيامة أضعافاً كثيرة ولم يقل ضعفين لأن عطاء الله تعالى بلا حدود وهذا نوع من الإدخار غائب عن الأمة. ادّخر عند الله تبارك وتعالى باطمئنان وبثقة لأن الآية واضحة. توقيع الآية (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) أي من ذا الذي يفهم لدرجة أنه لو أعطى الفقير كأنه أقرض الله تعالى. السيدة عائشة رضي الله عنها هي بعد رسول الله rأكثر من عرف معنى هذه الآية وكانت تسمى بأم الطيب لأنه كانت تعطّر دراهم الصدقة فلما سألوها قالت: لأن الصدقة تقع أول ما تقع في يد الله تعالى وأحبها أن تقع في يد الله معطرة. السيدة عائشة رضي الله عنها فهمت الآية بكل ما فيها (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) الإدخار ليس في الدنيا للدنيا لكن في الدنيا للآخرة والادخار عند الله تعالى يعود عليك أنت بالنفع أضعافاً كثيرة. كذلك مفهوم الرسول r في الشاة التي ذبحت عندما سأل عائشة رضي الله عنها ماذا بقي منها قالت ذهبت كلها وبقي الكتف قال بل بقيت كلها وذهب الكتف لأن (مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ (96) النحل) الذي أعطيناه للفقراء هو الباقي والذي أكلناه هو الذي نفذ. هذا المفهوم غائب عن الناس لأنه (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ (128) النساء) ولم ندرب أنفسنا. ماذا نفعل مع أولادنا لنعلمهم؟ علينا أن نفهم (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) الحشر) (ومن يوق ) أي ومن وقاه الله تعالى بتقواه، درّب أبناءك على التقوى فيقي نفسه شح نفسه لأن الأنفس جُبِلت على الشح إلا من رحم الله تعالى. عندك ولدين تأخذهما معك لتوزيع الصدقات أحدهما يكون كريماً والآخر بخيلاً هذه قضية من عند الله تعالى لأن أحدهما كان يفخر بوالده وهو يعطي والآخر كان يسخر ويتأفف من هذا العطاء. الصلاة والصيام وكل شيء إذا صلّى الإنسان وصام وهو صغير يصلي وهو كبير والذي لم يصلي وهو صغير يستثقل الصلاة وهو كبير وتكون شاقة عليه لأنه لم يتعود عليها وكذلك الزكاة. السائل يقول لك: لله، أنت لا تقرضه وإنما تقرض الله تبارك وتعالى. كل موسم من مواسم دخول المدارس ورمضان يكون عندنا أزمة سيولة ولو توكلت على الله يأتيك مبلغ من المال يسد عنك المسألة وأنت تعلم أن هذا لله تعالى فأنت تجتهد لتقرض مال الله فإذا توكلت على الله تعالى يسد عنك وإذا قلت طلبات الناس كثيرة تجد الأمور لا تسير بشطل جيد فعليك أن تتركها بتوقيع (مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً). سؤال: البعض يخطط استراتيجياً لسنوات طويلة وهم يطبقون هذا للدنيا وليس للآخرة فتجد شاباً في مقتبل العمر تزوج وتأتيه فرصة للعمل بالخارج وفيذهب والمرتب أفضل ويبدأ بحساب ماذا سيدخر هو وزوجته وماذا سيشترون لبيتهم في بلدهم وفي كل إجازة يأخذون شيئاً من الأغراض للشقة التي يجهزها في بلده. هل هذا التخطيط والادخار مطلوب؟ ولم كل الناس ينصرف ذهنها لادخار الدنيا ولا يطبقونها على الآخرة؟ (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) هؤلاء الذين فلحوا. إعمل للدنيا واهمل بجانبها للآخرة. ولو سمعنا لسان حال الميت وهو خارج من بيته محمولاً على الأعناق، الرسول r له توقيع في منتهى الإبداع في هذه المسألة، يقول الرسول r أن الإنسان له في الدنيا ثلاثة رفقاء مال وأهل وعمل، المال لا يخرج من بيتك وأنت محمول على الأعناق، الأهل يحملوك إلى القبر ولا يدخلون معك والعمل هو الوحيد الذي يدخل معك القبر. المال يصاحبنا في الدنيا فقط والأهل أيضاً وكأن لسان حال الميت يقول: يا أهلي لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي جمعت المال من حِلّه وحرامه تركته لكم تتمتعون به بعدي وسأُسأل عنه يوم القيامة وحدي. فهم ساعة يناديهم ربما يسمعون وهذا يكون لسان حاله لأن رأى الحقائق (فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ق) لذلك (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) التغابن) جمعتُ المال وسأتركه لكم تتمتعون به، وسيسأل عن المال من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ فلو كسبه من حرام لا يُصرف يف حلال وإذا كسبت من حلال يُصرف في حلال إلا إذا انفكت الجهة أي إذا ترك المال لأولاده وكان ولده فاسداً يترك له المال الحلال لكن الولد يصرفه في حرام. سؤال: بعض الناس تقوم بأعمال مسفّة ثم تبني بالمال مسجداً لله تعالى وبعض الناس يرفضون الصلاة في هذا المسجد لأنه من مال حرام فما رأيكم؟ إذا جاءني وسألني أنه جاء بالمال من مصدر حرام هل أبني مسجداً أقول له لا. لكن طالما بناه فلا يعود المسجد له، هو طالما كان يبنيه كان له لكن مع أول أذان في المسجد صار المسجد لله تعالى (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) الجن) لذا نقول لا تقولوا مسجد فلان وإنما قولوا مسجد الرحمن، مسجد التقوى أو ما شابه لأن المساجد لله. هل نعكي قراراً بهدم المسجد؟ كلا. لو قال بنيت مسجداً من حرام نقول له سمّه مسجد التقوى ويصلى فيه هذا من وجهة نظري. وهذه قضية يجب أن تفهم لذا نقول للناس إسألوا قبل أن تفعلوا شيئاً ولا تسألوا بعد أن تفعلوا لأنه سيكون قد وقع الذي وقع. نحن لن نتحرى عن الإمام نقول صلّ خلفه وامش وصلاتك صحيحة. الصلاة في هذا المسجد حلال ولو سألنا قبل بناء المسجد لكان أفضل. لو تاب الشخص الذي بنى المسجد قد يكون بناء هذا المسجد مشروع توبة لهذا الشخص لأنه كان بإمكانه أن يبني سينما أو مسرحاً أو غيره ولكنه بنى مسجداً استشعاراً بشيء فلا نمنعه لأننا لسنا بوابين جنة ونار ولا أحد يعرف من في الجنة ومن في النار إلا محمد r بوحي من الله تبارك وتعالى. لو جاءني هذا الرجل أقول له أحسنت بفعلك لكن أين التوبة؟ هو ربما استشعر أنه مقصر والله تعالى وحده عالم بنيته. الآية واضحة لكن علينا أن نطبقها على كل ما لك من أعيان وعقارات ونقود (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا) وضّحها الله تعالى (وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) باتفاق العلماء أنه إذا أنفقت مثل جبل أبي قبيس ذهباً لله فهذا ليس إسرافاً وإن أنفقت جنيهاً في الحرام هذا إسراف، فما كان لله تبارك وتعالى أو في سبيل الله فهذا لا يمكن أن يكون إسرافاً والذي كان في غير طاعة الله تبارك وتعالى فهو إسراف. المسلم الواعي هو الذي يدخر للدنيا والآخرة. البعض يقول أدّخر لأولادي فنقول له إدّخر لنفسك وذكرنا لسان حال الميت. هذه قضية محلولة " إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن" فالمسلم الحق لا يكون مسرفاً فيندم ولا يُقتِّر فيندم. تأمين الأولاد يكون بالتقوى والتربية وحسن الخلق والصفات لا بالمال، تأمين الأولاد يكون بالعلم أن تتركه متعلماً هذا العلم والثقافة ستأتيه بمال حلال لأنه سيعمل وأنا لا أرزق وإنما الروق من الله تبارك وتعالى. أبو بكر الصديق رضي الله عنه كان يأتي بكل ماله في سبيل الله تعالى ولما يسأله r ما تركت لأهلك؟ يقول: تركت لهم الله ورسوله. قمة الوعي أنه ترك لهم رب المال وليس المال. عمر بن الخطاب رضي الله عنه ترك نصف ماله هذا حسن وما فعله أبو بكر أحسن (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26) المطففين). عمر رضي الله عنه بوعي ترك نصف ماله هذا منطقي والأفضل أبو بكر. أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في مسألة القيام قال r لأبي بكر أصبت الحزم وقال لعمر أصبت القوة. في الهجرة أحدهم ترك ماله كله والآخر ترك نصف ماله ولك أنت أن تختار وأنت تعرف نفسك فالعقيدة عليها ينبني العمل والذي نسأل عليه. سؤال: التوصيف التالي لعباد الرحمن (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68)) تحدث سابقاً عن صفات إيجابية فلماذا جاءت هذه التوصيفات بهذا الترتيب؟ عباد الرحمن لا يدعون مع الله إلهاً آخر فالذي يدعو مع الله إلهاً آخر ليس من عباد الرحمن إلا إذا تاب، الذي يزني ليس من عباد الرحمن إلا إذا تاب لذا حديث الرسول r:" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" الإيمان يخرج منه. نسأل هل عباد الرحمن بدأوا عباد رحمن من أول ما خلقوا لم يخطئوا؟ أو دخلوا عباد الرحمن وسط الطريق؟ منهم من بدأ أولاً ومنهم من بدأ وسط الطريق ومنهم من دخل معهم ثم أذنب ثم دخل هذا الذي يخطئ ويتوب وأنا أخشى على هؤلاء أن يخطئ ويموت فمن يضمن أن يعيش ليتوب؟ إذا قال سأفعل هذه المعصية أو العملية الأخيرة ثم أتوب هذا كفر لأنه ادّعى أنه مالك لرزقه وأجله. إذا تحققت هذه الجملة وعمل العملية ومات عليها كان من أهل النار فمن يضمن نفسه؟ إذا عملها وتاب فالمال من هذه العملية الأخيرة سيكون مشكلة. هذا المال حرام وكل ما بُني عليه حرام وهذا ما يسمونه شؤم المعصية أنها تطارد صاحبها لذا لا بد من التوقف والعودة إلى حظيرة عباد الرحمن بسرعة وإلا لا أطمئن. إختار تعالى في الآية أكبر ثلاث كبائر (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) كأن الذي سيكون من عباد الرحمن يمكن أن يشرك لكن لا يمكن أن يكفر، لم يقل تعالى والذين لا يكفرون بالله لأنه ليس متوقعاً من الذي سيكون من عباد الرحمن أن يكفر. إختيار الألفاظ كانت على المنطق الأكثر بعيدٌ أن يكون كفراً ويكون من عباد الرحمن، الأقرب أن يشرك. ممكن أن يكون واحداً من عباد الرحمن ويقول: توكلت على الله وعليك، وللأسف لما حسنوها قالوا توكلت على الله ثم عليك وهذه لا تنفع وهي أيضاً خطأ ولا تنفع وعليك أو ثم عليك ولكن أقول توكلت على الله وحده لأن الآية تقول (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) وأسأله أن يجعلك سبباً لتحقيق هذا الأمر لي. كم من آلهة تعبد من دون الله تعالى بغير حق في هذه الأيام! حب المال والشهوات... الآية لا تتكلم عن الأصنام فقط، نحن قلنا أن الإنفاق بصفته العامة ولا يدعون مع الله إلهاً آخر، البعض يقول أنه يهوى النساء ويحبهم هذا حب عبادة. (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) عبد الله الحق أو عبد الرحمن الحق لا يمكن أن يتطرق لا إلى كفر ولا إلى شرك. الضعف البشري والهوى تجاه شيء معين يكون نوع من الشرك لأنها تأمره وهو يستجيب لها (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه). سُئل الرسول r أي الذنب أعظم؟ قال: الشرك أن تتخذ مع الله إلهاً، قيل ثم أيّ؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قيل ثم أيّ؟ قال أن تزني بحليلة جارك" هذا الحديث توقيع للآية (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) الأولى الشرك والثانية قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والثالثة الزنا، الآية تكلمت في الكبائر الثلاث والرسول r تكلم في الكبائر الثلاث. سؤال: هل يندرج قتل الأولاد ومسألة أن لا ينجب الزوجان كثيراً أو أن تجهض الزوجة مخافة الفقر؟ الذي يجهض امرأته هذا قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد وليس قتلاً خطأ. البعض يحاولون منع الحمل لكن تحمل المرأة مع هذا، هذا ليس غلطة كما يقولون ولكنها قدر الله تعالى أن يحصل الحمل (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) القمر) ولهذا أقول يجب مراجعة الفتوى لأن هذا قتل عمد وليس قتلاً خطأ إلا إذا قال طبيب مسلم واعي أن هناك خطر على الأم أو الولد وأنا أقول يجب أن يكون ثلاثة أطباء لا طبيب واحد، نحتاج لرأي ثلاثة أطباء حاذقين مسلمين يخافون الله تعالى فإذا كنت تعيش في الغرب وليس هناك طبيب مسلم آخذ برأي طبيب مؤتمن. حديث الرسول r أن الرجل يقتل ولده مخافة أن يطعم معه أنت لا ترزق نفسك ولا ترزقه لذا الرسول r لخّص الحديث على الآية تعقيباً وشرحاً لها: أكبر الذنب الشِرك يليه قتل النفس وخصّ rالولد لأن الذي يتجرأ على قتل ولده يتجرأ على قتل غيره ثم الزنا وأخص الزنا بحليلة الجار لأن هذا أخص الزنا ولا يفعله أحد عنده شيء من أخلاق العرب. العقاب وتوصيفه ولماذا ورد الخلود ثم استثنى الله تعالى العقوبات بالتوبة والتوبة سنربطها بحلقات التوبة والاستغفار أن التوبة توبة وإيمان وعمل صالح وليست مجرد كلمات تقال باللسان فإذا أردت أن ترجع إلى موضوع الإيمان لا بد من عملية التوبة وهي عملية متكاملة. بُثّت الحلقة بتاريخ 20/2/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 34 (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) ِإلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)) وقفنا عند مسألة الإنفاق وكيف يمتلك الإنسان الميزان الحساس ليكون قواماً حتى يكون القرش الذي يصرفه في حلال ليس تبذيراً والقرش الذي يصرفه في حرام يكون إسرافاً. وننتقل إلى الذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون فلماذا جاء هذا الترتيب هنا في صفات عباد الرحمن طالما هذه ليست صفاتهم فما دلالة هذا الترتيب؟ هذا السؤال توقف عنده كثير من المفسرين وقالوا كيف يذكر الله تعالى صفات الرحمن ثم ينتقل إلى مثل هذه الكبائر وهذا توقف واعي لمن أراد أن يتدبر القرآن لكن ألفت النظر إلى أنه حينما تصف أنت عباد الرحمن يجب أن تكون الصفات بهذه الطريقة التي وصفهم الله تعالى بها من حيث أنه تعالى بدأ بطبيعة الحياة (وعباد الرحمن الذين يمشون) وبصفاتهم في العلاقة مع الله تبارك وتعالى (والذين يبيتون لربهم) ثم ذكر أكبر الكبائر نافياً صفاتها عنهم (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) هذه كلمة يجب التوقف عليها لنرد على الذين توقفوا في هذا الشأن. أنت تعلم أنه تعالى يذكر الشرك والقتل والزنا، بعيني رأسنا نرى في مسألة الثأر مثلاً من يصلي لله تبارك وتعالى ويقيم الليل لكن عند القتل يقتل فيفصل بين عباداته ومعاملاته فإذا فصل فلن يكون من عباد الرحمن، هذا يجب أن نتوقف عنده جيداً ونحن نسمع في مسألة الثأر أن الذي قتل رجل يصلي ويخاف الله ومن الصالحين لكنه انفعل عند مسألة الثأر. وعادة النساء تحث المقتول له على الأخذ بالثأر. ترتيب الصفات نرجعه لله تعالى ولا نناقش فيه ولا نتوقف عنده ونرجعه لمراد الله تعالى ونخضع أنفسنا لمراد الله تعالى. إذا تابعنا الصفات نجد أنه سبحانه وتعالى رتبها بشكل إبداعي (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) لو أخذنا هذه الصفات بهذا الترتيب تأتي المسألة الأخرى وهي أن الزنا والقتل لا يفعلهما إلا من هو مشرك بالله، هناك مقدمات ونتائج. نقف عند معنى الشرك وهذه المسألة قضية خلافية والبعض وصف الشرك خطأ فمنهم من قال الشرك هو أن تعبد غير الله وهذا غير صحيح لأن الكفر هو أن تعبد غير الله لكن الشرك هو أن تعبد مع الله إلهاً آخر. (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) هذه الصيغة يتكلم عن المشركين ولم تتكلم عن الكافرين لأن عباد الرحمن لا يمكن أن يكفروا ويمكن أن يشركوا فالترتيب منطقي وعباد الرحمن لا يمكن أن يكفروا أبداً (وعباد الرحمن) قلنا أن معناه وأما عباد الرحمن. وقد وصفهم الله تعالى بصفات ولا يمكن أن يكفروا ولكن قد يشركوا بالضغوط التي عليهم بحيث يفصلوا عباداتهم عن معاملاتهم فالذي يأخذ بالثأر ولا يلجأ إلى الشرطة أو القضاء أو ولي الأمر كأنه يجعل هذه الضغوط التي تدفعه للثأر إله فوق الإله أو إله مع الإله. الشرك والقتل سنتكلم عنهما باستفاضة: الشرك هو أن تعبد مع الله أحداً وعبادة غير الله مستحيلة عند عباد الرحمن لذا لم يذكر الكفر في الآية ولكن ذكر الشرك لأنه يمكن غلطة واحدة توقعهم في الشرك. الشرك هو أن يدعو مع الله أحد أياً كان إلهاً أو غيره من تعلق قلبي بشخص أو غيره. هناك قرب بين مفهومي النفاق والشرك وقد تحدث عن صفات المنافقين في بداية سورة البقرة في 13 آية. الشرك أن يدعو مع الله أحد كأن يأمره أحدهم بمعصية فينفذها والبعض يقول أنا عبد مأمور أو رئيسي في العمل طلب مني أو حرّضوني أو ما شابه كما يحصل في مسألة الثأر يحرضوه أن يأخذ بثأر أبيه إذن أن يطيع غير الله حين يأمره بمعصية. إذن أن يدعو مع الله إله آخر وأن يطيع غير الله في معصية والثالثة عامة وشاملة وخطيرة جداً أنه ينصب نفسه إلهاً ويتدخل بنفسه فيما قضى الله ظناً منه أن سيغير ما قضاه الله تعالى وهذه تظهر في ترتيب الآية. مسألة الكفر غير واردة عند المسلم الواعي لكن مسألة الشرك قد ينزلق إليها دون أن يشعر. والشرك ثلاثة أنواع: أولاً أن يدعو مع الله إلهاً آخر والثانية أن يطيع أحداً من البشر بما يخالف شرع الله والثالثة أن ينصب نفسه إلهاً وهذه تظهر جيداً في مسألة القتل وسنشرحها بالتفصيل وأنا أعطيها عنوان أن يعمل لغير وجه الله تعالى. الشرك خطير جداً لأن من المؤمنين من يأتيه وعندنا الشرك الظاهر والشرك الخفي. البعض يذهب إلى ضريح ليقضي حاجة ومهما كان هذا الضريح لا يمكن أن يذهب إليه إلا حالة خاصة وهي ضريح رسول الله r لأن الآية واضحة (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64) النساء) هذه الآية تُصلِ؛ كل زمان ومكان وهذه مسألة لا يمكن أن نتكلم فيها فالرسول r مستثنى من هذه القاعدة ومع ذلك لا نقعل هذه مباشرة نقول الرسول سيغفر لكن استغفر الله لكن ذهابك لضريح الرسول r قد يعظم أجرك عند الله تبارك وتعالى لكن أن أذهب لضريح ولي أو أحداً من آل البيت هذا شرك ظاهر مع تعظيمنا لآل البيت. ونذكر ما علّمه الرسول r لابن عباس يعلمه قاعدة أصولية فقال: يا غلام إني معلّمك كلمات إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك" وفي رواية الترمذي يقول واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وأن النصر مع الصبر واعلم أن مع العسر يسراً رفعت الأقلام وجفت الصحف" وهذه تطبيق للآية (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ (23) الحديد) هذا الحديث يعجبني في قوله وإذا سألت فاسأل الله أي أول ما تفكر فكّر بالله وخذ بالأسباب لكن الغاية هي الله تبارك وتعالى لذا العنوان الأكبر في صفات عباد الرحمن (لا يدعون مع الله إلهاً آخر) لا يدعون هنا ليست الدعاء وإنما لا يلجأون ولا يشاركون مع الله أحد في مشاكلهم ولا في أفراحهم ولا سواها ولا يضعون في مداره أحد سبحانه. الله تبارك وتعالى أحد من الوحدانية لا يكون معه ولا تحته ولا في مداره أحد سبحانه. لذا قال r : إذا سألت فاستعن بالله ونحن في 17 مرة في الفروض عدا النوافل نقول (إياك نعبد وإياك نستعين) فعلينا أن نعي معناها فلنجرب التعامل مع الله تبارك وتعالى الواحد الذي على مداره أحد سبحانه فلنسأل الله ولنتوجه إلى الله تبارك وتعالى. الزمان يدور وينقلب والرسول r كان يتعامل مع اليهود والنصارى وفق الضوابط لكن شرع الله تعالى هو النافذ. بداية حديث الرسول r لابن عباس (إني أعلمك كلمات) كلمات جمع مؤنث سالم يدل على القلة مثل معدودات. إذا حفظت الله لن تسأله لأنه سيحفظك ولست بحاجة لسؤاله فهو يحفظك ولن يدعك تلجأ لأحد (إحفظ الله يحفظك) هذا لا ينفي حصول مشكلة لهذا الشخص لكن الله تعالى يجعله يرضى ويحعله يتقبل المشاكل والابتلاءات وهو راضي. (إحفظ الله تجده تجاهك) في أي مكان أنت فيه تتعرض فيه لمشكلة فالله تعالى معك وفي حديث آخر (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة) وأقول أن إتجاه الإنسان لله تعالى وقت المصائب دليل على قناعته الداخلية بوجود الله تعالى لأنه حتى الكافر إذا لم يعد له سبيل أو كان في ورطة يلجأ إلى الله ويقول يا الله كما في الآية (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ (62) النمل) والله تعالى أرحم من أن لا يجيب المضطر لأن الكافر عندما يضطر يلجأ إلى الله تعالى واجب الوجود وإنما الأصل ويقول يا رب. يغيب عن مفهوم الناس أن مسألة الحفظ معناه أنه يحفظك من أن تزل مع المصيبة أو الفتنة أو الامتحان فلا تزل وتدخل النار. الحديث جاء بعد قاعدتين "إحفظ الله يحفظك إحفظ الله تجده تجاهك" لو حفظت الله تعالى سيقيك ولن يدعك تسأله لأنه سيربيك ويقيك كما قال (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) الطلاق). لذلك قال تعالى (والذين لا يدعون مع الله) من عباد الرحمن من يقع في خطأ ويعمل شرك أو قتل أو زنا وهو من عباد الرحمن وقد يكون من غيرهم. هذه الثلاثية في ذر أكبر ثلاث كبائر. إبن مسعود سأل الرسول r: أي الذنب أعظم؟ قال أن تشرك بالله أحداً فقال إبن مشعود والله إن هذا لكبير ثم قال: ثم أيّ؟ قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك، فقال ثم أي؟ قال أن تزاني حليلة جارك" هذه الثلاث هي نفسها التي وردت في الآية. في حديث آخر يقول r: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا بلى يا رسول الله، فقال: الشرك بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور وقول الزور وكان الرسول متكئاً فاعتدل وقال ألا وقول الزور وكررها حتى قال الصحابة ليته سكت وهذا ليس اعتراضاً على الرسول r وإنما لتوقيع أهمية وخطورة شهادة الزور على الإنسان. والرسول r تكلم عن شهادة الزور وقول الزور والبعض حصر الشهادة بالقول ولكن الشهادة هنا الحضور (لا يشهدون) ليس معناها باللسان فقط وإنما هذه جزئية وفرع من الشهادة. (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ (72)) أي لا يحضرونه كله لا يسمعونه ولا يقولونه لأنهم من عباد الرحمن. فالشرك خطير جداً ويتحقق في كثير من الأفعال وخاصة القتل والزنا. سؤال: يقول تعالى في الآية (وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) هذا الإستثناء (إلا بالحق) فما هو هذا الحق وما هي ضوابطه ومَنْ مِن حقه أن يقتل بالحق؟ وهل يمكن لمن رأى شخصاً يقتل أن يقتله؟ نتكلم على القتل أولاً: القتل والموت وحتى علماء اللغة لم يتمكنوا من وضع تفسير للموت غير أنه نقض الحياة. الموت هو فصل الحياة، الإنسان جسد وروح في الموت بقضاء الله تبارك وتعالى (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (38) الرعد) ولن نتكلم اليوم عن الموت. الموت أن تغادر الروح البدن فلا يعود للبدن قوام حياة مثل السيارة التي فيها موتور وليس فيها بنزين، الروح تغادر البدن فيبلى الجسد ويفني. القتل عكس الموت الجسد يبلى فتخرج الروح لأن الجسد لا يمكن أن يتحملها لأن لا أحد من الذين يقتلون يمكنه أن يمد يده ويأخذ روح الذي يريد قتله لأن الروح سر من أسرار الله تبارك وتعالى وليس من أمر الله فالذي من أمر الله هو القرآن (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) الإسراء) أسأل الناس أن تراجع هذه الآية في سورة الإسراء حتى لا يعترض علينا الناس (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا (52) الشورى) ومن عظمة القرآن أن الروح جاءت فيه بستة معاني الروح: قوام الحياة، جبريل، القرآن، الوحي كله، عيسى، والسكينة وهذا من المشترك اللفظي وبعض المفسرين خلطوا في آية سورة الإسراء أن الروح هي قوام الحياة في الآية (ويسألونك عن الروح). عندما نفسر القرآن بالقرآن كما فعل الشيخ الشنقيطي ونذهب إلى سورة الشورى (وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا) (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ (15) غافر) الوحي كله فالذي من أمر الله تعالى القرآن والوحي أما قوام الحياة فهي من أسرار الله. لماذا يقتل الإنسان إذا كان قادراً أن يخرج الروح؟ لا أحد يمكن أن يعرف مكانها ولا سرها لأنها من أسرار الله تعالى. لذلك القتل أدعى قضية في الشرك لأن القاتل نصب نفسه إلهاً لأن الروح سراً من أسرار الله تبارك وتعالى ولا يعرف سرها إلا الله تعالى لا يقترب منها إلا خالقها لذا كلمة (إلا بالحق) القتل بالحق يتساوى مع الموت أما القتل بغير الحق تدخّل. حصلت قضية مؤخراً في الولد الذي اتُهم بقتل عدد من العائلات، الشرطة قالت أن الولد قتل فقدمته النيابة متهماً للمحكمة بناء على بيان الشرطة فقالت المحكمة جملة هي عنوان للحقيقة وجملة تتسق مع مفهوم القرآن في الموت والقتل وقالت الدلائل الموجودة أمامها لا تكفي أن تحكم عليه بالإعدام وقالت لأن أخطيء بالعفو أرحم من أن أخطيء في العقوبة وهذه المحكمة يجب أن ننحي أمامها وندعو لهؤلاء القضاة والمستشارين أن يثبتهم الله تعالى مدى حياتهم. لا يمكن أن يرى أحد قاتلاً يقتل فيقتله وحتى العدالة يجب أن تتأكد لأن الشاهد قد يكون شاهد زور. أخطر قضية أن تحكم بالإعدام ولذلك حكم الإعدام لا يكون إلا بحكم الدائرة الثلاثية والمفتي رأيه إستشاري وقد تقف المحكمة عند رأيه والمفتى يقرأ القضية من الناحية الشرعية لا القانونية ولا يتدخل إلا إذا أحيلت له الأوراق فيقرأه كله وقد يكون هناك مانع شرعي فيشير إليه المفتي فيرجعون في حكمهم. محامي القتل يجب أن يكون محامي عدل لأن التلاعب بالإجراءات تكون في قضايا المخدرات والتلبس أما في القتل فليس فيه خطأ في الإجراءات هناك قتيل وليس هناك خطأ في الإجراءات ونادر ما يحصل خطأ في الإجراءات. لا يمكن لقاضي أن يقضي بقتل شخص إلا بعد أن يمحص ولذلك يحيل القضية للمفتي حتى لا يكون هناك مانع شرعي لم ينتبه هو له. قد يفلت المجرم من قضية لكن لا يتحمل القاضي أو المفتي وزر قتل أحد وهو مظلوم ولذلك (إلا بالحق). ولذلك القاضي يراجع قضايا الإعدام كثيراً وهناك محكمة ثانية للنقض التي هي درجة مراقبة القانون للتأكد أن حكم الإعدام ليس ظلماً وأن المتهم لن يقتل ظلماً لأنه ليس من السهل أن ينصب أحدهم نفسه إلهاً فيقرر قتل متهم إذا لم يكن متأكداً لأنه (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (32) المائدة) لذا القصاص مقلوب هذا المفهوم. هذه الآية نزلت لبني إسرائيل وهذه نزلت في التوراة لأنهم أول كتاب سماوي والغريب أن هؤلاء الذين نزلت عليهم هذه التعليمات هم الذين يشيعون القتل في العالم ويحرضون على القتل. قتل النفس من أخطر الأمور على وجه الإطلاق لذا نقول أن القتل فيه شرك والذي يقترب من القتل فكأنه يقترب من الشرك والزنا كذلك ولكن الزنا من الشهوة لأنه جعل الشهوة وهواه إلهه لكن القتل أخطر لذا قدمه الله تعالى على الزنا. وجاء بالشرك أولاً لأن قتل النفس والزنا يتضمنون الشرك وعباد الرحمن لا يمكن أن يفعلوا أياً من هذه الكبائر الثلاثة لذا جاءت آية التوبة مباشرة بعد هذه الكبائر الثلاثة (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) الفرقان) جاء الإستثناء، لذا القتل من أخطر الأمور على وجه الأرض أن تزهق روحاً صنعها الله تبارك وتعالى وهي سر من أسراره. مناقشوة إبراهيم مع النمرود لما قال له (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) البقرة) فقال له (قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ) واحد حكمت عليه بالإعدام ثم عفوت عنه فهذا إحياء وآخر حكمت عليه بالإعدام فأعدمته فهذه إماتة، هذه سخافة فجاءه إبراهيم u بقضية واقعية (فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) أما في الآية السابقة النمرود كفر بالله وليس شركاً لأنه عمل نفسه هو إلهاً وعند ذلك يكون كفر بالإله الحق لكن الذي يقتل يكون قد أشرك وقد يكون من الناس من يصلي ويصوم ومن الصالحين ويقوم الليل ويتصدق لكن غلبه الثأر والعادات والتحريض فأنسوه عباداته وأشرك مع الله تبارك وتعالى هواه وعائلته فأقدم على القتل. في الفرق بين القتل والموت يقول تعالى في سورة آل عمران (ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)) برز القتل إلى مضاجعهم فيموتوا. وقال القتل وليس الموت لأن الواقعة واقعة حرب وقتال لا تجد من فقد الروح موتاً في الحروب وإنما قتلاً. حتى لو خاف أحد السيف في وجه آخر فمات من الخوف فهذا قتل أيضاً. في الآية هم مكتوب عليهم القتل فحتى لو كانوا في بيوتهم سيأتي من يقتلهم لأنه كتب عليهم القتل حتى لو لم يخرجوا للقتال لأن أمر الله تعالى لا بد أن ينفذ. بُثّت الحلقة بتاريخ 27/2/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 35 طالما الأجهزة تسهم في حياة المريض فرأيي أن نبقيه على الأجهزة، وأهل الطب أقدر على أن يتكلموا في هذه المسألة. لكن السؤال هل يمكن أن يعود إلى الحياة؟ إذا كان ممكناً وهناك أمل في شفائه تبقى الأجهزة وإذا كان لن يعود إلى الحياة فيؤخذ رأي أقرب أهله إليه وهذا يجب توخي الحذر. هناك حالات بقي المريض خمس سنوات في الغيبوبة ثم أفاق. نسأل الله تعالى أن تكون هذه من باب الرحمة الحقيقة ليس الرحمة المدّعاة كما يطلقون عليها في الغرب. القول الفصل لأهل الطب ورأينا إستشاري أنه طالما هناك إحتمال العودة إلى الحياة تبقى الأجهزة وإلا يسأل أهل الخبرة ونحن لا نفقد الأمل بالله تعالى وهذه مسألة عند الله تعالى ولكل أجل كتاب. أحياناً يكون هناك سيناريو آخر فيقولون لو عاش المريض سيعيش مشلولاً أو معاقاً هذه الحالة نقول أن الإختيارات صعبة لكن الأمل في الله تعالى دائماً. والبعض في الغرب يتعرض أحد الحيوانات لحادث فيقتله صاحبه رأفة به لأنه يتألم، هذه الحالة يرجع فيها إلى الطب البيطري لأن كل حالة تؤخذ على حدة. الحيوان فيه قوام روح وليس روحاً وهذه مسألة يتكلم فيها أهل الطب وبعض الحيوانات يتعالج ويشفى. لو كان بالإمكان إعطاؤه علاج أعطيه وإلا لا أقتله بنفسي. وعند البشر قد يكون أصيب أحدهم بورم يصيب النخاع أو العمود الفقري ويتعذب المريض والأطباء يقولون أن حالته ميؤوس منها ولن تنفع معه أدوية ولا يمكننا سوى إعطاؤه مهدئات فيطلب هذا المريض من الطبيب أن يعطيه حقنة هواء ليرتاح هذه لا تجوز لأنها انتحار وهذا طلب حرام وليس من باب الرحمة وهذا انتحار وتعجّل. في حالات الثأر نقول أنه لا يجوز ويقدم المتهم إلى العدالة ويسلم أهل المقتول لقضاء الله ولا يتدخلون في القتل. والبعض ينتظر حكم الإعدام ويقتلوا القتيل قبل تنفيذ حكم الإعدام وقد يدخلوا أحد معه السجن ليقتله إن لم تحكم عليه المحكمة بالإعدام وهذا حرام لأن القتل ليست وظيفتي أنا ولكن وظيفتي أن أقدمه للمحاكمة والمحكمة تأخذ مجراها ولا يحق لي أن آخذ حقي حتى لو المحكمة أخطأت لأن الحق لا يضيع يوم القيامة. الموت من خصائص الله تعالى لذا الآدمي بنيان الرب ملعون من هدمه. أما القتل دفاعاً عن النفس فموضوع آخر وفي القانون الوضعي حالات الدفاع عن النفس محصورة في القانون وهناك حالات تتجاوز الدفاع عن النفس كأن يدخل عليك أحد معه سلاح فتتمكن من أخذ سلاحه لكن لا تقتله به ما دمت منعته عن القتل فإذا قتلته يعتبر تجاوزاً ويحكم عليه، هذا القانون الوضعي وهذا من الحرص على حياة الناس. كل واحد يأخذ حقه والكلمة الفصل يوم القيامة (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (17) غافر) إذا حصل ظلم في الدنيا فيوم القيامة يوم العدل المطلق وعلى الإنسان أن يفوض أمره إلى الله تعالى ويأخذ حقه يوم القيامة. سؤال: القتل في حالات الزنا: شخص دخل على زوجته فوجدها مع رجل آخر تخونه فيقتل الإثنين دفاعاً عن شرفه، هل من حق هذا الرجل مهما كانت ظروفه أن يطبق العقوبة بيده وكيف يعامله الشرع؟ بالنسبة للشرع الحكيم أنه يحال إلى ولي الأمر. في القانون الوضعي تبحث القضية من جميع جوانبها وفي الثمانيات شهدنا على حالة رجل أجبر زوجته على خلع ملابسها هي ورجل آخر إفتراء عليها ليقتلها لأنه وراءها إرثاً كبيراً. ومن المستحيل أن تلم بالأمر كله وجمع الأدلة والمعلومات لكن لا أحد يعرف خبايا النفوس إلا الله تعالى. في الحكم الشرعي من حقه عندما يفقد عقله أو أعصابه أن يتصرف إن كانت الواقعة حقّ ولا يحاكم على مثل هذا الأمر لأنه فقد وعيه ويعتبر في حالة جنون مؤقت وحالة دفاع عن عرضه. هذه المسائل الله تعالى يقضي بيننا يوم القيامة لأن هذه القضايا شائكة وكلها مرتبطة بما قلناه عن العقيدة والعبودية لله تعالى، هل هو صادق؟ هل هي خائنة؟ العقل هو الذي يحكم القضية هنا فإذا كانت عنده رباطة جأش واستطاع أن يسيطر على نفسه في اللحظة الأولى ثم يطلقها أو يعفو عنها. ومهما كان الإنسان سليم التدبر وسليم العقل يفوض أمره إلى الله فإن الله تعالى لا يضيع عنده شيئ وهذه قضية المؤمن بها يعيش مرتاحاً. والله تعالى أمر من يتهم زوجته بالزنا عليه أن يحضر أربعة شهود لذا نوصي بضبط النفس والكلام النظري غير العملي. رأينا حالة أن شخصاً حُكم عليه بالإعدام مع أنه بريء لكن الله تعالى أظهر القاتل الحقيق يوماً واحداً قبل تنفيذ الحكم. مهما حكمنا فنحن نحكم بالظاهر لكن الله تعالى هو الذي يعلم الظاهر والباطن سبحانه. البعض يفترض أن الرجل إذا رأى زوجته تخونه فحقه أن يقتلها لكن إذا الزوجة رأت زوجها يخونها فلا يحق لها أن تعترض كأن الرجل له شرف والمرأة لا، وهذه مسألة تنافي الإسلام لأن الإسلام يتعامل بالمثل والزاني والزانية لهما حكم واحد ومن حقها أن تطلب الطلاق وتأخذ حقوقها كاملة والبعض تسكت وتصبر وكل لن يضيع حقه عند الله تعالى. حتى الأهل في البيت إذا تأخر ولده في الخارج لا يقلق ويقول هذا رجل وعندما يكبر سيعقل وإذا تأخرت البنت قامت الدنيا. العيب ليس في الإسلام ولكن العيب تطبيق الناس له وكل عرض امرأة هو عرض محمد r وعلينا أن نحافظ عليها ويبقى الإسلام هو الإسلام. سؤال: ما هو الزنا؟ هل هي العملية الجنسية كاملة أم هي النظرة واللقاء والموعد وغيرها من مقدمات الزنا؟ عندما يقول تعالى (ولا يزنون) أي لا يأتون حتى مقدمات الزنا. لذا في التوبة من هذه الكبائر قال تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) ثم قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا) هذه نحتاج لوقت طويل لشرحها حتى نصحح المفاهيم. إذا فعلت المقدمات قد لا تضمن تجنب الزنا نفسه. إجتناب القتل أن لا تحمل سلاحاً خاصة إذا كنت عصبياً ولا تملك نفسك فإذا عاد هذا الرجل إلى الصواب والحكمة يترك السلاح. وكذلك الزنا فالمسلم الواعي يجتنب مقدمات الزنا. هذه مسألة خطيرة والبعض يستغرب من أحكام الإسلام لأنهم ينظرون إلى القضية الكبيرة ويقول هل معقول أن أزني؟ ويخفى عليه أن مقدمات الزنا قد تدفعه في لحظة إلى ارتكاب الزنا، فإذا اجتنب المقدمات ضمنت اجتناب الكبيرة فإذا اجتنب اللقاء والنظرة والموعد يجتنب الكبيرة. (ولا يزنون) أي لا يقربون حتى مقدمات الزنا إرضاء لله تعالى واجتناب الكبيرة يأتي توثيقاً من اجتناب مقدمات الزنا والمسلم الواعي لا يأتي مقدمات الكبيرة والله تعالى حرّم حتى المقدمات والرسول r نهى حتى عن مقدمات الزنا ونذكر الشاب الذي جاء الرسول r يستأذنه في الزنا أنت كمسلم يجب أن تحافظ على عرض أي مسلمة وكل امرأة وكل فتاة هي عرض رسول الله r. والذي يقول أنه لن يقترب من المسلمات ولكن من الأجانب وهذا مرفوض فالزنا هو الزنا وحتى غير المسلمات هي لها عرض أيضاً والإسلام هو الإسلام. مسألة أن البنت إذا كان لها إبن عم أو ابن خال أو غيره فيسمحون له بأن يوصلها المدرسة أو غيره وقد يتحول الكلام بينهما إلى علاقة وزنا ثم يقولن لمذا حصل هذا؟ الله تعالى أمرنا في القرآن أن نجتنب مقدمات الزنا، وفي حالة النساء حدد الله تعالى أن المرأة لا تظهر إلا على المحارم التي ذكرها الله تعالى في القرآن. وهذا كلام الله تعالى وهذه العائلات بتفويتها للصغائر تقع في مصائب كبيرة لأن معظم النار من مستصغر الشرر والرسول r قال: إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن وهذه أمور واضحة وعندما يقول تعالى (ولا يزنون) لا يقصد بها فقط عدم الزنا وإنما اجتناب مقدمات الزنا والمسلم الواعي الحق يحاول أن يجتنب كل ما يدفعه للقيام بهذه الجريمة البشعة التي تهتز لها السموات السبع. سؤال: هنا من يجد أن الضغوط الإجتماعية تدفع الشباب للزنا فهل هذا مبرر؟ كلا هذا ليس مبرراً ولكن حجة يستخدمها الناس ليلقوا باللائمة على الظروف ليبرروا خطاياهم. لكن سيكون دائماً هناك من لم تضغط عليه الظروف لارتكاب هذه الكبيرة ولو أن الكل قد فعل هذا لكان ممكن أن تقول انها الظروف لكن مجرد أن هناك من لم يرضخ للظروف وتمسكت بدينها فهو حجة على الباقين. لذا يوم القيامة اسمه يوم الدين أي يوم الحساب الحق حيث لا ظلم اليوم فالصغائر محاسب عليها (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ (32) النجم) هذه ليست لمماً حتى لو اعتبره الناس هكذا لأن الحلال بين والحرام بين. اللمم هي الأمور التي لا يحاسب عليها وقال تعالى (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) يجب أن تجتنب كل ما يدفع إلى الكبيرة. البعض يضع مقدمات الزنا لمم والسيجارة لمم وغيرها لمم. هناك فرق بين المعصية بتصميم والبعض يضع لنفسه حداً أنه لن يصل إلى الزنا الكامل ولكن يقوم بمقدمات الزنا وهذا كله حرام وهذا كله من الزنا. (وَلَا يَزْنُونَ) التفسير الواضح فيه أن تجتنب حتى المقدمات لهذه الجريمة البشعة. يجب على الإنسان أن يدرأ الشبهات ويجتنب هذا لأن هذه القضية عاقبتها خلود في النار. كل شيء في الإسلام يحتاج إلى تدريب سابق أن يدرب نفسه على عدم الوقوع في صغيرة كما يدرب نفسه على أن لا يقع في كبيرة كما يدرب نفسه على تحمل المصائب. قال تعالى (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) هذا تأكيد على أن عباد الرحمن لا يفعلون هذه الكبائر لهذا بدأ الآية بنفي الصفة عنهم (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) وسابقاً سألنا هل عباد الرحمن هؤلاء بدأوا عباد رحمن أم دخلوا في وسط الطريق أم أنهم وقعوا في واحدة من هذه الكبائر ثم تابوا؟ كل هذه الاحتمالات واردة. ويجب على كل واحد منا أن يقف عند هذه الآية لأنه من يفعل واحدة من ههذ الكبائر أو أكثر يلق أثاماً وهذه الكلمة (أثاماً) تحتاج لوقفة طويلة. الأثام لها تعريف عند اللغويين، (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) هذا بدل اشتمال. الأثام هو مضاعفة العذاب له لأنه ارتكب إحدى هذه الكبائر فما بالك لو ارتكبها كلها؟ لو عمل واحدة يضاعف له العذاب مرة وإذا عمل اثنتين يضاعف العذاب مرتين وإذا عمل الثلاثة يضاعف له العذاب ثلاثة مرات لأن كل شيء يوم القيامة له ميزان وحساب. هذه الآية خطيرة تقشعر لها الأبدان (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) كأن الذي يفعل ذلك ليس عنده عقيدة ولا دين ولم يكرر المولى تعالى ذكر الكبائر أو قال ومن يفعل واحدة منها وإنما قال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ) لأن هذه الكبائر الثلاث خطيرة فالشرك موضوع خطير وللأسف يقع فيه كثير من المسلمين وعلينا أن نضع آيتين في كتاب الله نصب أعيننا وهما في سورة يوسف (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) و(وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) فالشرك موضوع خطير وعلى كل منا كلما عمل عملاً أن يراعي هذه المسألة. (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) الأثام في اللغة هو كالوبال والنكال وزناً ومعنى، والبعض قالوا الأثام إسم للنار، والبعض قالوا وادي في جهنم، وأنا أرى أن الأثام ما ذكره الله تعالى في الآية وهو مضاعفة العذاب (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا). هذه الكبائر أكبر من أن تكون السيئة بسيئة لأنه من أشرك بالله لم يشرك وحده وإنما دعا الناس إلى الشرك والذي يزني لم يزن وحده وإنما دها الناس إليه وعلى الأقل التي يزني بها. في السابق كان إذا تأخر الأولاد خارج البيت فالموضوع خطير والآن الناس تمشي في الشارع شبه عارية ولا يعترض أحد بل يقولون حرية شخصية مع أنه فيه أذى للمجتمع ويجب أن يضرب على يد هؤلاء لأنهم قدوة سيئة في المجتمع. هذا سر مضاعفة العذاب، وتوقيع الرسول r يأتي من القرآن فقال r: "من سنّ في الاسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة". مضاعفة الجزاء أو العذاب نحن لا نعرف كم درجة سيضاعف؟ كلمة يضاعف لا تعني ضعفين وإنما سيضاعف لكن كم مرة ضعف؟ الضعف الواحد مرتين والاثنين أربعة والثلاثة مضاعفة فالذي يُشرك يشرك وراءه ناس والذي يزني زنى على الأقل بواحدة والقتل بغير حق تبدأ ولكن لا تقف مثل موضوع الثأر فترى عائلتين قتلوا بالثأر فأول واحد قتل بغير حق عليه وزر كل من قتل بعده بسبب الثأر. (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (32) المائدة) لو أحد الأشخاص في عائلة توقف وقال أنا لن آخذ بالثأر فهذا كأنما أحيا نفساً فالذي سيتبع الشرع ويتوقف عن القتل لا يدري ما هو جزاؤه يوم القيامة؟ شياطين الإنس للأسف تدفع الناس دفعاً للثأر والقتل، وبعضهم يحمل لآخر الكفن حتى يدفعه للقتل دفعاً. الكبائر الثلاث في الآية بدأت بالشرك لكن الزنا والقتل من الشرك أيضاً. علينا أن نتسامح ونسعى لإيقاف الجرائم بين عائلتين في موضوع الثأر لأنه هذا يضاعف أجره يوم القيامة لأنه يكون أحيا بها الأنفس. في الآية والتي بعدها توبتان (إلا من تاب) و (ومن تاب) تاب وتاب، الأولى تعني أنه رجع للحق فقط فلما كررها مرة ثانية هذا ليس تكراراً بلا سبب وإنما نوع من أنواع الشرح من الله تعالى، (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً) ثم قال (ومن تاب وعمل صالحاً) إذن عندنا توبة إلى الحق وتوبة إلى الله، التوبة إلى الحق جاءت من أن الذي سيفعل هذا كانت توبته سليمة لدرجة أن الله هداه إلى التوبة والتوبة الثانية إلى الله (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) التوبة) فتاب الأولى إلى الحق، إلى الرشد لذا قال وحتى الذي فعل هذا يتوب إلى الله (ومن تاب). بعض المفسرين قالوا أن التوبة الأولى لغير المؤمن والثانية للمؤمن لكن نقول أن توبة غير المؤمن توصيفها إيمان وليس توبة لأنه لم يكن مؤمناً؟ لو جاءك غير مسلم هل نعتبره تائباً أو جاء يعلن إيمانه؟ هذه لا يقال عليها توبة لا عند أهل اللغة ولا أهل التفسير لذا نص الآية ينفي هذا التفسير. الآية تقول (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) الذي يدعو مع الله إلهاً آخر هذا مؤمن لكنه أشرك هذا ليس كافراً وإنما مشركاً والقاتل ليس كافراً والزاني ليس كافراً (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ) ذلك تعود على الكبائر الثلاث أو واحدة منهم. فالزاني أو القاتل كافر فعل أو كافر تطبيق وحديث الرسول r المبدع قال: " لا يزني الزاني وهو مؤمن" لم يقل لا يزني المؤمن لأنه ساعة وقع في الزنا خرج الإيمان منه أو هو خرج من الإيمان، يكون مصلياً ويزني، الكافر لا يؤدي تعلميات الله عز وجل أما الزاني فلم يكفر بالله وقد يزني بين الظهر والعصر ويصلي العصر ويندم ويتوب ثم قد يعود. قال r " لا يزني الزاني وهو مؤمن" يعني ساعة فكر بالزنا خرج من الإيمان قليلاً قليلاً حتى إذا وقع في الزنا يكون قد خرج من الإيمان لذا قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ) يجب أن يعود الإيمان ثانية. لذا كلمة (متابا) جميلة وقلنا أنه ساعة يذهب للإيمان لا يعود منه أبداً. لو تاب متاباً: يعني لن يعود لذا قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) وفي الأولى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا). (ومن تاب وعمل صالحاً) كأن هذا المتاب مكان آمن اثبت فيه تكن مطمئناً ومهما دعاك الشرك أو القتل أو الزنا لن تجيب. ولهذا إعراب (متابا) مفعول مطلق من المصدر الميمي أي تاب ليس توبة وإنما متاباً كأنك أدخلت إنساناً تخاف عليه لتحميه وتكون مطمئناً عليه. كلما زادت مدة مكوثه في المتاب كلما كان أسهل البقاء في المتاب. أسأل الله تعالى أن نطبق هذه الآيات وأن نثبت في التوبة. الشرك موضوع خطير فقد وصفه الله تعالى في القرآن بأن ظلم عظيم (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) لقمان) وفي سورة مريم قال تعالى (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) مريم). بُثّت الحلقة بتاريخ 6/3/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 36 الأسئلة وردت كثيراً في هذه المسألة لكن نقول للناس أن عليهم أن يفرقوا بين السيئة ككتابة والعذاب كتوقيع وليس هناك تعارض والقاعدة الأصولية في الحديث القدسي في كلام الله تعالى لملائكته الكتّبة: إذا همّ عبدي بحسنة " يجب أن نفرق بين الألفاظ في هذا الحديث وبين الآية، بين كتابة الحسنات والسيئات وبين توقيع العذاب، فالقرآن الكريم تكلم عن توقيع العذاب وفي الحديث القدسي يتكلم عن كتابة السيئة ومن مطلق العدالة الإلهية هذا الحديث "إذا هم عبدي بحسنة فاكتبوها" مجرد الهمّ تكتب حسنة وما زلت لم تشرع في الفعل " فإن عملها فاكتبوها عشرة إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء" مجرد أن أهمّ بحسنة تكتب مباشرة حسنة فإذا شرعت فيها تكتب من عشرة إلى سبعمائة ضعف وفي بعض الروايات الله تعالى يضاعف فوق ذلك. الفرق بين الحسنة بمثلها والمضاعفات تعتمد على نية الشخص وهو يقوم بالحسنة، هذه النية هي التي تحدد الدرجات. الفرق من عشرة إلى سبعمائة ضعف وهناك رواية "والله يضاعف لمن يشاء" أي هذا بدون تحديد هذا في الحسنة. المقابل في السيئة فمن رحمة الله تعالى وعظمته أن الحسنة تكتب بمجرد الهم فيها أما السيئة فلا تكتب " إذا همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها" الهمّ في السيئة هي الوسوسة لكن هل استجبت أم لم أستجب؟ "إن عاد عنها خوفاً من الله تبارك وتعالى تكتب حسنة" هذه كلها مرحلة شروع، همّ بالسيئة، مخافة الله عز وجل تكتب له حسنة وحسب القاعدة الحسنة بعشرة إلى سبعمائة ضعف ورجوعه عنها يختلف إن رجع مخافة الشرطة أو مخافة الناس أو مخافة الله تعالى لكن مجرد رجوعه سيأخذ حسنة وإن عملها تكتب سيئة واحدة وإن تاب تبدل السيئة حسنة على قاعدة سورة الفرقان. هذا الكلام كله في كتابة العمل في تسجيل العمل لكن صاحب السيئة في بعض الجرائم يضاعف له العذاب هذا في التوقيع. السيئة لا تكون واحدة أبداً لأن الذي يعمل سيئة يوقع غيره معه فالذي يزني على الأقل يوقع معه واحدة هذا إذا لم يقلّده أحد وقلنا أنه من سنّ في الإسلام حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها. السيئة دائماً معها سيئات ملحقة أقلها الكذب والمال الذي وضع في الحرام وهذا سر مضاعفة العذاب في التوقيع. هي سيئة تكتب سيئة بعدالة الله تعالى لكن جزاؤها يضاعف. في القانون الوضعي إذا ارتكب أحدهم جنحة لأول مرة يختلف جزاؤه عن الذي عاد إلى الجريمة مراراً. لكن هذه لا تقارن بعذاب الآخرة لأنها في الدنيا. أن يعترف الإنسان بذنبه في الدنيا ويأخذ عقابه أفضل من عذاب الآخرة إلا إذا تاب توبة نصوح نقول له لا تعترف على نفسك. المضاعفة لها أساس أن الذي عمل معصية كقاعدة لم يعملها لوحدها وإنما كان معه من شاركه في السيئة أو شجع غيره لفعله أو أباح الفاحشة في المجتمع. في سورة الأعراف عندنا توقيع الجريمة وتوقيع العذاب ونسمع الحوار بين الضالّ والذي أضلّ غيره وهناك فرق بين أن تضل لوحدك أو تضل وتضل غيرك، هذا الكلام يدور يوم القيامة بينهم والمثال في سورة الفرقان قوي جداً ونحن حريصون على كل المسلمين من هذه الكبائر الثلاث: الشرك بالله بما له وما عليه والقتل والزنا والله تعالى أعطانا بها أمثلة ولكنها تقاس عليهم جميع الجرائم والسيئات التي تخرد الناس من صفات عباد الرحمن. الناس خافوا من مضاعفة العذاب. الآيات في سورة الأعراف تشرح الموقف يوم القيامة وتشرح مطلب الذي أضلّه غيره (فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ (38) الأعراف) وسنشرح لاحقاً فلسفة الوقوع في المعصية. آيات سورة الأعراف (يَا بَنِي آَدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آَيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (35) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (36) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولَاهُمْ لِأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (39) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40)) مشهد عظيم وحوار نتمنى أن لا نسمعه لأن كل أمة تدخل في تشريفة وهناك من يستقبل أهل النار ويتمنون لهم ضعفاً من العذاب. هذا مكلب الذي أُضِلوا والغريب أنهم لما طلبوا الضعف أجابهم الله تعالى أن لكل منهم ضعف لأنه لما تتبع الذي أضلك فأنت تشجعه على الإضلال. فهذا الضعف. لو أوقفوهم عن الإضلال لكان توقف لكنهم شجعوهم على الإضلال. سؤال: البعض تعتقد أنهم لن يحاسبوا لأنهم كانوا مستضعفين في الأرض أو مأمورين من قبل رؤوسائهم أو من هم أعلى منهم في السلطة فهل هذه حجة لهم؟ وهل يُعفي هذا من العذاب يوم القيامة؟ (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38)) قال تعالى (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) أول مشهد اللعنة لأنهم أضلوهم، (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا) دخلوا جميعاً وتساووا. موقف بديع يبين قيمة التعبير القرآني (جميعاً) بداية الرد وقد قال تعالى (لكل ضعف)، (قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) أخراهم أي الذين اتّبعوا وأولاهم هم الذي اتُّبِعوا وهذا منتهى العدل لأن الذي أضلّ دخل أولاً. هذا أسلوب جديد من أساليب القرآن المبدعة (قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا) تحول الخطاب لله تعالى والمتوقع أن تقول أخراهم لأولاهم أنتم أضللتمونا مثلاً لكن لجأوا إلى الله تعالى (ربنا) نتوقف عندها: حروف الجر تحل محل بعضها في القرآن، اللام في (لأولاهم) أي قالت أخراهم عن أولاهم كأنهم يشيرون إليهم. البعض يقول قد يقال في غير القرآن: قالت أخراهم لربها ربنا هؤلاء أضلونا". الآية تبين حلول حروف الجر محل بعضها في القرآن (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الماعون) فيقولون الحمد لله الذي قال (عن) ولم يقل (في) لكن هنا (عن) بمعنى (فيه) لكن استخدام (عن) ليظهر أنك لم تكن تصلي وأنت ساه عنها منذ البداية. لم يستطيعوا أن يوجهوا الخطاب لله تعالى من هول الموقف فهو يوجهون الخطاب لله على استحياء لأن هذا الموقف موقف ندم واستحياء ويومها لا وقت للتوبة لأن التوبة لا تنفع إلا قبل فوات الأوان. ثم هم مستاؤون ممن أضلهم فيلجأون إلى من يمكنه أن ينتقم منهم ويشفي غليلهم لكن هنا لا ينفع الندم، هم يقولون لله تعالى هؤلاء يستحقون ضعف العذاب وكأنهم هم يستحقون عذاباً واحداً والذين أضلوهم يستحقون ضعفين والرد من الله تعالى عليهم مبدع (لِكُلٍّ ضِعْفٌ) لم يقل لكل منكم ولكن لكل من ضلّ أو أضلّ فالذي ضلّ أضلّ من غير أن يشعر "ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" فكل من ضلّ بإضلال غيره هو أيضاً سيضل غيره من دون أن يشعر وهذا تسلسل منطقي لأن كل من يضيّ يُضل غيره. (وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) لا تعلمون الحقيقة وتغافلتم عنها ولا تعلمون الواقع الذي كان المفروض أن تعملوه. الآية الأولى في منتهى العدالة تظهر عظمة الإله الحق (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) توقيعها في القرآن أنهم لما يدخلوا النار يُسألون (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) الملك) فيردون ويعترفون (قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (9) الملك) هذا اعتراف كامل منهم (فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) الملك) على باب النار لن يدخل أحد النار قبل أن يُسأل هذا السؤال، في الحديث: "لن يدخل أحدكم الجنة إلا وهو يعلم أنها أولى به من النار ولن يدخل أحدكم النار إلا ويعلم أنها أولى به من الجنة" يدخل النار وهو مقتنع بأنها أولى به لأنه هو الذي اعترف وهو حكم على نفسه (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) لأنهم يعترفون أنهم هم أوقعوا أنفسهم. لذا قال تعالى (لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) لأنهم لو كانوا يعلمون ما فعلوا هذا والرسول r لم يترك لنا أمراً إلا ودلنا عليه حتى أن اليهود حسدونا على هذا الرسول قالوا أن هذا الرجل يعلم أصحابه حتى دخول الخلاء، لم يترك القرآن أو الرسول شيئاً إلا ودلنا عليه. حتى في القانون الوضعي إذا قتل أحدهم لا يمكن أن يقول للمحكمة لم أكن أعرف أن عقوبة القتل الإعدام هذه الحجة بالاعتذار بالجهل مرفوض وكذلك الإعتذار بالجهل بآيات الله تعالى وسنة نبيه r مرفوض. الذي سبّ الرسول r لا يمكن أن يقول أنا لا أعرفه! الذين سبوا الرسول r مؤخراً في الدول الأوروبية وقال لو أن محمداً على قيد الحياة في هولندا لطاردته حتى أخرجه من بلدي لأنه يدعو لقيم العنف والكراهية والقتل. لو افترضنا هذا الرجل جاهلاً ولم يقرأ عن الرسول r أو قرأ معلومات مغلوطة أو أنه يعرف ويكابر من الحقد والغِلّ. أخشى أن يأتي يوم القيامة ويُسأل ونُسأل نحن معه لم لم نفعل شيئاً؟ نحن نفعل ما علينا في حدودنا لكن هذا الذي سبّ يُسأل أنه كما تعلم التقنيات والاختراعات ألم يعرفوا أن يتعلموا عن الرسول r؟ لكن لو كان هناك من المسلمين من فعل شيئاً مسيئاً للإسلام وللرسول r سيحاسب عليه. (لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ) الهمسة التي تخرج من فمك تحاسب عليها، العمل، الحركة، الإشارة، كل شيء يعمه اللطيف الخبير والكتاب فيه كل شيء لذا يلقاه منشوراً (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا (13) الإسراء) كلمة (طائره) تحتاج إلى تدبر ولهذا قال تعالى (أفلا يتدبرون القرآن) لم يقل أفلا تفقهون القرآن. سؤال: الشخص الأوروبي الذي كان على ديانة أخرى بعد أن شرح الله صدره للإسلام يسأل المسلمين أين كنتم ولماذا لم تفلحوا بإيصال الدين لنا؟ هذه تشعرنا أننا نقصرون لكن علينا أن لا نجلد ذاتنا فهناك العديد من الجاليات في أوروبا وأميركا يعملون بجد وإذا كنا قصرنا سنتحمل المسؤولية لكن حتى لو لم نقصر هذا لن يعفي الذين لم يتبعوا هذا الدين. نحن نحتاج لمخاطبة المجتمع المسلم والعربي وبالأخص رجال الأعمال المقتدرين ورجال الأعمال وأهل الشريعة ليكون لنا تواجد في قنوات غربية تتحدث بلغات أجنبية وبمنطق يخاطب العقلية الغربية لأنه لا بد من الوصول للآخر بطريقة منهجه وفكره وهذا مجال نظنه في مجال الجهاد والصدقات الجارية. سؤال: (قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (38) وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (39)) هنا الحجة عليهم. لما تكلمت أخراهم تكلمت مع الله عز وجل ولما تكلمت أولاهم تكلموا مع أخراهم أنتم استجبتم لنا. أخراهم لا تريد الضعف لكن أولاهم قضت عليهم الحجة بأنهم جاءوا بمجرد أن نادوهم ولو أرادوا لامتنعوا فلماذا جاءوا؟ طالما جاءوا فهما يستحقان الضعف من العذاب. ونفس الكلام موجود في كلام الشيطان (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (22) إبراهيم) والكلام في الأعراف مصدّر بالكلام للإنس والجن. أسأل الله تعالى أن يمد في عمري لأني أريد أن أشرح لاحقاً قضية السحر ومفهوم السلطان لأن مصر كلها الآن مسحورة وكأن الشياطين تركوا العالم كله وجاءوا فقط لمصر. فالشيطان يوسوس فقط فقل له لا، لهذا الحجج مقطوعة يوم القيامة والذين غضب الله تعالى عليهم في الدنيا لن يشم رائحة الجنة (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء (40) الأعراف) وهناك من يقول سندخل النار قليلاً ثم نخرج وهذا أيضاً من وساوس الشيطان كي يوقعك في المعاصي لكن هل أنت تتحمل أن تدخل النار ولو قليلاً؟ اليهود قالوا (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً (80) البقرة) المسلم الواعي يبتعد عن مجرد كلمة النار. (وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا (71) مريم) الورود من المشترك اللفظي والرسول r منكم فهل يرد النار؟ الورود يعني المرور لأن الصراط مضروب على النار، شريط مضروب على متن جهنم الذي يمشي على الصراط إما يصل إلى الجنة أو يقع في النار فالذي وصل الجنة مرّ أو ورد على النار (وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ (23) القصص) هنا بمعنى وصل. ورد تأتي بأكثر من معنى. ننتبه إلى الآية (واردها) أي يمر عليها. (وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ (40) الأعراف) الجمل ليس الجمل الحيوان وإنما الحبل الغليظ الذي يستعمل في السفن، فإذا كان الحبل الغليظ المكون من أحبال تمكن من دخول الإبرة فالذين عملوا هذا العمل يدخلون الجنة. الجمل كحيوان لم ترد في القرآن وإنما عبر عنه بالإبل. فالجمل في الآية يعني الحبل الغليظ وكأن هذا الأمر مستحيل لأن الجمل لن يدخل الإبرة العادية وكذلك هؤلاء القوم لن يدخلوا الجنة وكذلك قال في الفرقان (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) الفرقان) ونقيس (مهانا) بـ (متابا) واحدة من الهوان وواحدة من التوبة فإما أن تفعل متابا في الدنيا أو تكون يوم القيامة في مهانا. وكل كلمة في القرآن يحتاج لوقفة. القرآن أداء عظيم يحتاج لنفهمه على مراد الله تعالى فيه. في سورة الفرقان لما نوقع قوله تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا (70)) يضاعف لم يذكر كم ضعف؟ تاب يعني عاد إلى رشده أو إلى الحق أي رجع عن الذي كان فيه سواء كان الشرك أو القتل أو الزنا. نحن عندنا شرح كثير في التفاسير عن هذا الموضوع لكن لم ننتبه أن درجات العبودية لله تنقسم إلى خمسة أقسام: أولا ً: إسلام العقيدة أو الرسالة وهو قول (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله)، ثانياً الإيمان وهو التطبيق لما جاء به الرسول r في كتاب الله، ثالثاً التقوى وهي أن تجتنب أي شيء يقربك من أي معصية رابعاً الإحسان وهي أعلى درجات العبودية وخامساً إسلام الوجه لله. كلام المفسرين كلام بديع لكن يجب أن ننتبه إلى أمر وهو أنهم علقوا الإيمان في الآية (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ) أنه لا يزني الزاني وهو مؤمن، وقعوها أنه كان مؤمناً ووقع في المعصية فعليه أن يجدد إيمانه هذا كلام على العين والرأس ولكن يجب أن ننتبه إلى أن هذه حالة وعلينا أن ننتبه إلى قوله تعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ) كأن الذي يعمل واحدة من هذه الكبائر أنه لم يكن مؤمناً أصلاً وتوقيعها (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14) الحجرات) أنتم مسلمون فقط وانقدتم ظاهراً لمحمد r وتوقيع القرآن بديع في أنه قال (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) تنفي دخول الإيمان إلى الآن مع توقع دخوله بعد الآن وإذا دخل الإيمان لا تشرك ولا تقتل ولا تزني. إسلامهم إسلام ظاهري لأنهم ارتكبوا واحدة من هذه الكبائر فالمؤمن الحق لا يشرك بالله والمؤمن الحق لا يقتل بغير حق والمؤمن الحق لا يزني فإن فعل إحدى هذه الكبائر إما أن يكون مسلم الوجه لله وهو أول درجات العبودية وإما مؤمن فعلاً وضُحِك عليه. أول واحدة يجب أن يدخل في الإيمان حتى لا يقع في إحدى هذه الكبائر والثانية يجدد إيمانه لكن يجب أن نعمل حسابنا على الإحتمال الأول لأن كثيراً من المفسرين لم يحسب له حساباً (إلا من تاب وآمن) كأن القرآن يقول لك أن الذي يفعل واحدة من هذه الكبائر لم يؤمن بدليل قوله تعالى (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا) ثم قال تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) الحجرات) المؤمنون لهم أوصاف وشروط لا تنطبق على ما قالته الأعراب. (إلا من تاب وآمن) هذا مسلم وليس مؤمناً هو مسلم لكن لم يطبق بدليل أنه وقع في كبيرة من هذه الكبائر الثلاث وهذه الكبائر ليست على سبيل الحصر وإنما على سبيل المثال وكل كبيرة معها أشياء ثانية. فالشرك يدخل معه الشرك والنفاق وجاء بالشرك ليحذر أنه قد يكون هناك مسلم يُشرك، يعني أحدهم يقول لك أنا مسلم ثم يقول أنا بهائي لو أحدهم فعل هذا تقول له لست مؤمناً ولو كنت مؤمناً لما قلت هذا. لذا يجب أن نُخرج الأمة من هذه التفريقات من جماعات وفرق وهذا لا يجوز لأن الأمة يجب أن تكون فرقة واحدة تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ولا تأتي يوم القيامة وتقول الشيخ الفلاني أضلني لأن هذا لن ينفع وبإمكانك أن لا تستجيب له ونتذكر قوله تعالى (قالت أخراهم لأولاهم) الإيمان جزء لا يتجزأ والعقيدة واحدة والمنطق يقول أن الحق لا يتعدد، لا يمكن أن يكون لدينا سبعين فرقة وكلهم على الحق الحق واحد ولذا من أسماء الله تعالى الحق لأنه واحد لا يتعدد (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ (32) يونس) طالما تجاوزت الحق لن تجد إلا الضلال لذا الآية (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ) (وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) لم يحدد العمل وإنما تركه بالتنكير وأطلقه. الرسول r لم يطلق مدرسة معينة أو طريقة محمدية وكذلك الصحابة لم يصنع منهم طريقة عمرية أو أبو بكرية لذا علينا أن نتجنب الإختلاف والتفرقة لأن الدين واحد والحق واحد. بُثّت الحلقة بتاريخ 13/3/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 37 العمل الصالح طالما أن الله تبارك وتعالى نكّره فهو يشكل كل ما ذكرته وسر تنكير كلمة عمل أنه يجب أن نفهم ما هي المعصية؟ المعصية هي واحدة من اثنتين: إما فعل محظور أو ترك مأمور. إذا الإنسان فعل المحظور فهناك نوع من أنواع السعي، الحركة، لا يمكن أن يكون مقابل هذه الحركة سكون فكأني بالقرآن يقابل الحركة بحركة وكأن القرآن يحذر بالفراغ وكثير ما وقع الناس في المعاصي بالفراغ. هو يريدك أن تعمل عملاً يمنعك عن ارتكاب معصية وأخص العمل الصالح تصليح ما تم إفساده بالمعصية ثم ينطلق صاحب هذه التوبة إلى الأعمال الصالحة بحيث لا يقع في فراغ يؤدي به إلى المعصية مرة أخرى كأن القرآن يقول لنا أن المعصية حركة فخذ حركة مقابل حركة وفي علم النفس لما نسأل عاصياً لم عملت هذه المعصية يقول لم أجد ما أفعله فوقعت في المعصية ولو شغل نفسه بالعمل الصالح من مجالس علم وصحبة الصالحين لما وقع في المعصية. تنكير العمل تدل على أن الله تعالى خبير بطبائع النفوس ويعرف أن النفس البشرية إذا ركنت إلى السكون تقع في المعصية ويوسوس لها الشيطان لذا الذي يخاف أن يقع في المعاصي عليه أن يشغل نفسه ولا يجلس وحيداً وهذه خلاصة أبحاث علم النفس أن الذي عنده فراغ عاطفي أو نفسي أو شخصي يقع في المعاصي. هذه الآية تعالج المشكلة من جذورها (وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) لما استثنى الباقي بعد الآية (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) متى تبدلت السيئة حسنة؟ بعد التوبة والإيمان والعمل الصالح ليبين أن التوبة ليست كلاماً باللسان أو باللسان والجوارح فقط وإنما باللسان والجوارح والعمل الصالح وقد ذكرها الإمام أبو حامد الغزالي في إحياء علوم الدين في شرحه للتوبة وفيها فلسفة منطقية يقول فيها أن التوبة علم وحال وعمل. العلم هو أن صاحب الذنب يجب أن يقتنع أنه ارتكب ذنباً وأنه ما عمله خطأ فيجب أن يدرك أنه أذنب وأن هذه غلطة يجب أن يستحي منها ولا يمكن أن يواجه غيره بها بدليل أنه يستتر من الناس لما يفعلها لكنه لا يستتر من الله تعالى لذا قلنا أن الذي يفعل المعصية يغيب عن باله في وقتها صفة الرقيب لكن لو أعمل صفة الرقيب فهذا هو العلم ويعرف أن المعصية التي قام بها ذنب كبير. الحال يتقلب بين ماضي عملت فيه معصية وحال مطلوب مني التوبة الآن ومستقبل يجب أن لا أعود إلى هذا الذنب. بعد العلم يجب أن أقلب نفسي بين هذه الأوقات ماضي أنا عملت فيه الذنب وحال أنا أتوب فيه ومستقبل يجب وأنا أتوب من الماضي في هذا الحال أنوية مستقبلاً أن لا أعود وعلى قدر نيتك في المستقبل يكون تبديل السيئة حسنة. السؤال هل تبدل السيئة حسنة مطلقاً؟ إذا رجع إلى المعصية تأكد أنه لم تتم التوبة والسيئة ما زالت سيئة، (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) يعني هؤلاء لن يعودوا ثانية فإذا عدت هذا يعني أن التوبة لم تتم، وهذه لا تكون توبة من معصية اليوم وإنما توبة من التي ادعيت أنك تبت عنها. والكثيرين يخافون ويقولون أنا تبت ولكن لا أشعر أن الله تعالى قبل توبتي فنسأله هل تعود إلى الذنب؟ إذا قال نعم فهذا يعني أنه لم يتب بشكل صحيح وإن قال لا فهذا يعني أن توبته صحيحة بدليل أنه لم يعد إلى الذنب. لا يمكن أن تبدل السيئات حسنات ثم تبدل سيئات؟!. يجب أن أقلب نفسي على الأزمنة الثلاثة: ماضي الذي حصل حصل ولا أبكي على اللبن المسكوب فأتوب الآن لكن أتوب بنية عدم العودة ثانية. وإذا رجعت ثانية هذه تحتاج توبة عن كل الذي فات وكلما عدت إلى نفس المعصية كلما احتجت توبة عن كل ما سبق وإذا لم يعد إلى نفس المعصية تكون توبته من تلك المعصية قد قبلت، وكأن الإنسان يجب أن يعيش في معية الله حتى لا يعصي لذا (وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) لأن لو أدخل العمل الصالح مع التوبة والإيمان لا يقع في المعاصي. سؤال: البعض يحتج بالحديث القدسي: أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنوب إذا عاد وأذنب ومات تكون مصيبة، الآيات وقعها (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) أدخل العمل الصالح لأن العلم والحال حّلت لكن وهو يتوب لم ينو أن لا يعود وهذا شرط من شروط التوبة عند جميع العلماء: الندم على الذي فات وتقلع عن الذنب وتنوي نية صادقة أن لا تعود بدليل أنك تقول: تبت إلى الله ورجعت إلى الله وندمت على ما فعلت وعزمت عزماً صادقاً أن لا أعصي الله إن شاء الله. قد يقول هذه الجملة باللسان فقط ولكن إذا خرجت من القلب لا يقع في المعصية. فالمقياس هو أنك إذا وقعت في نفس المعصية لا تكون توبتك صادقة. الخطاب في الآية (يا أيها الذين آمنوا) ولم يقل يا أيها الذين أذنبوا، يسأل أحدهم هؤلاء آمنوا فلم يحتاجون إلى توبة نصوح؟ كأن الله تعالى يقول أنت آمنت فتب توبة نصوح. التوبة النصوح هي ما قاله المفسرون منهم قالوا توبة نصحت صاحبها بحيث لم يعد إلى الذنب والبعض قال التوبة النصوح من نصُح العسل يعني خلا من الغش، التوبة النصوح لما نجمع كل التفسيرات أن صاحبها لا يرجع إلى نفس الذنب ثانية، نحن بشر ولسنا ملائكة وسنقع في الذنوب لكن علينا التوبة في كل بند توبة نصوحة وإياك أن تتكل على الحديث "أذنب عبدي ذنباً" لأنه قد يموت الإنسان من مرحلة (أذنب عبدي) فيموت قبل أن يتوب. سؤال: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) هل إبدال السيئات يعني أن السيئة كانت مكتوبة سيئة ثم مسحت وصارت حسنة وتضاعف أو أنها تعني إبدال المستقبل بمعنى أن الله تعالى سيبعد التائبين عن الطريق الذي كانوا فيه ويجعل مستقبل حياتك حسنات. الآية تحتمل المعنيين. الذي قال أن السيئات تبدل حسنات نسأله والمستقبل يدخل ضمناً؟ إذا أجاب بنعم نأخذ رأيه وإذا أجاب بالنفي نقول له أنا يهمني المستقبل لأنه كما قال الغزالي أن كلمة الحال تعني الماضي والحاضر والمستقبل، المستقبل العمل الصالح وهل العمل الصالح إصلاح ما حصل فقط أو الإنطلاق بالعمل الصالح والإنشغال به عن المعصية؟ نأخذ الإثنين. لو عندي مليون سيئة وتبت توبة نصوح بفضل الله ستبدل إلى مليون حسنة وتضاعف لكن ماذا يحصل في المستقبل؟ السيئة بدلت حسنة وأنا أريد الحسنة أن تكون سبعمائة ضعف لذا علينا أن نأخذ الرأيين أن الله تعالى بفضله ضمن لنا وإن كان سبحانه لا يلزمه شيء أنه يبدل سيئاتهم حسنات سواء السيئات السابقة التي بدلت حسنات الأن فيها معنى مهم جداً، الرجل تاب توبة نصوحة فهل سيجد نفسه في النار؟ بالطبع لا لأن التوبة النصوحة إن قبلت ستكون في الجنة وإن كنت في الجنة يكون ليس لديك سيئات. ومن باب تشجيع الناس على التوبة أنك لو مت على معصية سيقال لك (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) الإسراء) ستقرأ سيئات فتقول (يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ (25) الحاقة) ولكن لو بدلت السيئات حسنات تقول (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ (19) الحاقة) وتكون من أهل اليمين فتكون تبديل السيئات حسنات مشجعة ومطمئنة. وقلنا أن (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) الفجر) قلنا أن صاحب هذه النفس يطمئن ساعة الموت عندما تأتيه ملائكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ولو لم تبدل سيئاته حسنات لن تأتيه ملائكة بيض الوجوه. فلو تاب توبة نصوح وعمل صالحاً وقبلت توبته تبدل سيئاته حسنات لذا قال (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) الفجر) لا يمكن أن يكون فيها سيئات ولن يكون هناك من لم يعمل سيئات لكنه تاب منها لذا في توقيع حديث الموت الصحيح ملك الموت يقول "اخرجي إلى رحمة من الله" بعكس الكافر تقول له الملائكة " اخرجي إلى سخط من الله" فتتفرق روحه في جسده ولا تخرج إلا كما يخرج السفود من الصوف المبلول أما روح المؤمن فتخرج كما تسيل القطرة من فيّ السقاء وهذا دليل أنه تاب توبة نصوح لأنه لا يمكن أن لا يكون قد عمل سيئات مطلقاً لأنه بشر وليس ملائكة. (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) فالمؤمن يقلب نفسه بين العلم والحال الذي هو ماضي وحال واستقبال وبين عمل أصلح ما فات ولم يعد للذنب ثانية وانطلق في الأعمال التي تشغله عن المعصية لذا قال تعالى (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) على المعنيين اللذين ذكرناهما: إما أن السيئات القديمة صارت حسنات وإما أنها أصحبت كذلك وفي المستقبل هذا الشخص يتوقف ويفكر عند كل معصية ولا يقع في أي معصية يتكون أعماله كلها بإذن الله حسنات. سؤال: هناك من عمل السيئات طوال حياته وجاء عليه وقت تاب توبة نصوح وقبل أن يبدأ بالعمل مات؟ إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. نعود لمسألة توبة العاجز أنه ليس له توبة هذا كلام جهل قد تقوله للعاجز لكن لا تقوله لمن يعلم السر وأخفى سبحانه وسبق أن قلنا أن الله تبارك وتعالى علم ما كان وما يكون وما سوف يكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون. لو سرق أحدهم فقطعوا يديه الإثنين ويقول أنه تاب إلى الله توبة نصوح فيقال له وهل تملك أن تسرق أنت؟ فنقول له الله تعالى أعلم به أنه لو كان قادراً على السرقة فهل سيفعله؟ الذي مات قبل أن يعمل الله تعالى يحاسبه لو كان بقي حياً كيف كان سيعمل. الذي يقول مثلاً أنا مهاجر إلى الله ورسوله لا نعلم نيّته والله تعالى هو الذي سيحاسبه على نيته فهو سبحانه (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) غافر). هو أحس بالذنب وندم عليه وتاب ونوى أن لا يعود ثم مات لو كانت نيته صادقة سيأخذ الأجر كاملاً تماماً كالحي الذي عرضت عليه سيئة فرفضها لأننا نتعامل مع الحسيب الرقيب سبحانه وهو سبحانه أعظم مما نظن لذا نخاف منه أنه رحيم وأنه جبار وأنه قدير ومقتدر لأننا ذكرنا أن صفات الجلال والكمال كل صفة جلال تقابلها صفة كمال فهو رحيم ليس عن ضعف لا توجد صفة ليس لها مقابل عنده سبحانه فهو رحيم وذو انتقام وعزيز صفات الجلال يقابلها صفات كمال وعلينا أن نعمل حساب الإثنين فلا نأخذ صفة الرحمن وننسى أنه الجبار حتى لا نقع في معصية لذا قال تعالى (نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ (50) الحجر). عليك أن ترفض أي معصية حتى لا تكون الأخيرة وتموت عليها لأن الشيطان يريد أن يوقعك في معصية أياً كانت وهو لا يعرف أجلك ولذا يتمنى أن تكون معصيتك هي الأخيرة فتموت عليها. سؤال: لو أحدهم عاش ستين عاماً يعيش في الحلال متقي وفجأة طرأ عليه شيء في عمله قبل أن يحال على المعاش وفي الشهر الأخير قرر أن يأخذ رشوة أو ما شابه فوقع في المحظور واستلم المال ثم مات. هل هذا الرجل الذي أخطأ هذا الخطأ تحت ظرف معين ذهبت كل سنوات طاعته وعبادته؟ نسأل أولاً: ساعة كان يرفض الرشوة هل كان يرفضها عن يقين في الله أو مجرد صدفة؟ لو كان عن يقين بالله لا يأخذ الرشوة لأن الرزق بيد الله وكأن طاعته لله خلال الستين سنة ضيّعها باستهزاء في لحظة وأشركت بالله. فلا تقع في المعصية نتيجة ضيق في التفكير. اليقين كلٌ لا يتجزأ. الذي يقول سأفعل هذه المعصية ثم أتوب هذا من وجهة نظري كفر لأنه كأنه يعتقد أن لن يموت والله تعالى أخبرنا أن الموت يأتي فجأة. لماذا يأتي الموت فجأة؟ لأنه لو قلنا أن ملك الموت ينتظر خارجاً فمن يخرج له؟ لن يخرج أحداً لأن العاصي لن يخرج وحتى غير العاصي يقول لا أخرج وإنما أستعد أكثر. فهذا الشخص الذي سألت عنه لو كان فعلاً متقياً لله فعلاً صادقاً خلال الستين عاماً لن يقع في المعصية إلا إذا كان يدّعي الأمانة فالذي اتقاه ستين عاماً سيكون على يقين أنه سيرزقه (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) الطلاق) وقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) ما أراده الله واقع لا محالة فكن فطناً واعتصم بالله الذي إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون تعني أن الشيء موجود ولكن كلمة (كُن) تعني إظهاره لي. والذي يعيش على يقين بالله ومتوكل عليه حق التوكل لا يتعب أبداً حتى لو وقعت له مصيبة يقول الحمد لله رب العالمين (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ) (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) ويرزقه من حيث لا يحتسب. سؤال: (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) ما الفرق بينها وبين إن الله غفور رحيم؟ وما الفرق في الاستعمالين؟ عندما نسمع كلمة الله أو رب العالمين أو أي كلمة تدل على الإله الحق نأخذه على محمل أنه ليس كمثله شيء. لما نقول كان فلان صادقاً هذا في اللغة يحتمل أنه كان صادقاً والآن ليس صادقاً لكن الفعل (كان) مع الله لا يعني الماضي وإنما تعني الكينونة بما شرعه الله بالتوبة كأني بالقرآن تعالى يقول وكان الله غفوراً رحيماً ساعة شرع التوبة مع أول معصية من البشر وذكرنا أن آدم لما عصى لم يعرف أن يتوب إلى الله وهذا دأب البشر نحن نعرف كيف نخطئ لكن لا نعرف أن نتوب وحتى بعد آدم قال تعالى (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (118) التوبة) ما كانت توبتهم إلا بعد أن تاب الله عليهم بأن هداهم الله إلى التوبة لذا قلنا أن التوبة توبتان توبة من الله عليك فيهديك بها للتوبة التي تتوب بها فيقبل الله توبتك. (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) أي ساعة شرع التوبة لأنه كونه شرع التوبة إن صح التعبير كأني بالله يقول أنه يجب أن نخطئ وعندنا في الحديث: "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم" حتى تعمل صفة التواب لكن لا يمكن أن نقول أنا لا أخطيء لأن هذا مستحيل والذي يقول هذه الكلمة يحتاج إلى توبة لأنه يدّعي شيئاً غير منطقي. كلمة بشر تدل على المعصية ونتذكر آدم عندما أخطأ وقف حتى تلقى من ربه كلمات وساعة تلقى هذه توبة ونزلنا إلى الأرض من الجنة التي هي في الأرض على توبة بفضل من الله تعالى وهذا معنى (وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) فهو سبحانه وتعالى غفور رحيم قبل أن تخطئ وقبل أن يولد البشر ليخطئوا. لما عصى آدم تاب الله عليه فهداه للتوبة وتوقيعها (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) البقرة) أنت بدأت حياتك على التوبة وبدأ الكون من المعصية التي بها شرع التوبة وأنت بدأت حياتك على توبة التي شرعها الله تعالى. الآية (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا): المتاب لن يأتي إلا من شيئين: التوبة والعمل الصالح. لم يذكر في الآية (وآمن) كما في الآية السابقة وإنما قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) أين الإيمان؟ لم يذكر الإيمان هنا يدل على أنه أول إيمان والذي أخطأ لم يكن مؤمناً وإنما كان مسلماً. هناك قال (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) وهنا قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) كأنه لما آمن لن يفعل خطأ تستوجب توبة من معصية التوبة الثانية توبة عن توبة فالإيمان فيها واقع لا يحتاج لذكره. ذكرنا سابقاً أن التوبة توبتان توبة عن معصية وتوبة عن توبة. التوبة عن معصية معنا كلنا والتوبة عن توبة تظهر من خلال رسول الله r " يا أيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة" توبة الرسول r توبة عن توبة لأنه ماذا كان يفعل الرسول r ليستوجب توبة مثل توبتنا؟ توبته هو r عن توبة. التوبة الثانية في سورة الفرقان هي توبة عن توبة لأن السيئات تبدلت حسنات بيقين وهو مؤمن فتوبته إلى الله متاباً لأنه كان صادقاً في التوبة الأولى وآمن الإيمان الذي لن يدعه يكرر المعصية وسيتوب ولكن توبة عن توبة (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ (31) الروم). ثم قال بعدها (وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) الروم) لأنهم مؤمنين. لما كرر التوبة قال تعالى ومن تاب لم يقل إلى الله لأن الذي يتوب ويعمل عملاً صالحاً ولم يعد يحتاج إلى إيمان لأن غلطته لم تكن عن إيمان وإنما عن إسلام فإنه يتوب إلى الله متاباً. كلمة (متاب) مفعول مطلق من المصدر الميمي نقيسها على (مهانا) في (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) لا هذا أي خلود في النار وليست هذه أية توبة وإنما هذه توبة في مكان آمن ولن يخطئ ثانية بإذن الله ولن يجتنب الكبائر (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) ومع هذا سيبقى يستغفر ويتوب. ما أجمل أن تتوب عن توبة، ابق في معية الله ولا ترجع ثانية ولا تخطئ وتب توبة عن توبة كما كان يفعل رسول الله r "أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً" توبته كانت شكراً لله وقرب من الله وليست عن معصية فهو المعصوم r. ما أجمل أن يمر عليك أياماً وأسابيع لا تخطئ فيها ومع هذا تتوب عن توبة وتحمد الله على عدم وقوعك في معصية أو كبائر وقد تكون وقعت في لمم هذه تتوب منها ولذا قال الرسول r يا أيها الناس ولم يقل يا أيها الذين آمنوا لأن عند بعض أهل العلم توبة الكافر رجوعه عن كفره لأن التوب هو الرجوع. لذا قال تعالى (فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) ظهرت كلمة الله مع العمل الصالح كأن التوبة لن تكون إلى الله إلا إذا أتبعتها بالعمل الصالح الذي يدل على عدم المعصية. سؤال: هناك أناس لما تسمع الآية (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ (32) النجم) يقولون نحن لسنا ملائكة ويضعون لأنفسهم حدوداً ويقولون سنعمل اللمم ثم أتوب. هذا إصرار على المعصية. اللمم هو الوقوع في صغيرة بدون قصد لأن في القانون الوضعي هناك فرق بين الجريمة المفاجئة وجريمة مع سبق الإصرار والترصد. لذا عند العلماء هناك معصية مفاجئة ومعصية بتخطيط وهذه عذابها شديد إلا بالتوبة. لكن المعصية المفاجئة صاحبها يرجع لوحده عندما يفيق منها كأن يكون خراجاً من بيته ليحضر درس علم فأخذه أحدهم إلى معصية هذه معصية مفاجئة لم يخطط لها. هذه سيتوب عنها بدون أن يطلب منه أحد ذلك لأنه ليس معتاداً على المعصية أما المعصية مع سبق الإصرار والتوصد يكون مخططاً لها. القرآن تكلم عن التوبة عامة. حتى لو ارتكبت كبيرة فالله غفور رحيم شرع لك التوبة فتُب إلى الله متاباً. (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72)) عودة إلى صفات عباد الرحمن والتوبة دخلت بين آيات وصف عباد الرحمن. ونحن نعمل عملية التوبة هل يكون رجوعي أسهل إذا كانت المعصية مفاجئة من لو أنني عملت المعصية بتخطيط؟ بالتأكيد الذي يخطط يعود سعيداً بمعصيته. وسبق أن قلنا أن موعد التوبة من قريب أي في مجلس المعصية نفسه (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) النساء) يعني يا ليتك تبت في مجلس المعصية وتخرج منه ناقماً عليه ولن تعود له ثانية. حتى يتحقق فينا قول الحق (من قريب). نسأل الله تعالى أن يمهلنا لنتوب، وقبل أن نتوب علينا أن نشكر الله أن أمهلنا لنتوب. بُثّت الحلقة بتاريخ 20/3/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 38 الأمثلة التطبيقة التي يمكن أن تفهم الناس الواقع المعاش والأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الناس سنعرضها على المشاهدين. بعض الناس تستغرب من القتل لكن كثيرين قد يكونوا مسالمين يقعوا تحت ضغوط نفسية في مسألة ثأر أو غيره فيقع في القتل وغيره. ونبدأ بقضية الشرك ونعرض أمثلة تطبيقية لنربط التطبيق بالواقع المعاش. التكبيق يجب أن يكون من القرآن لأنه منهجنا كمسلمين مبني على هذا الكتاب. القضية في الشرك هذه مسألة منفية عن عباد الرحمن، المنطق يقول أن أساس العقيدة في دين الإسلام مبني على التوحيد من آدم إلى أن تقوم الساعة لا يمكن أن تشرك مع الله أحداً. البعض يسأل كيف يعرض عليه الزنا ولا يزني أو الشرك ولا يشرك ونضرب مثلاً من القرآن إبراهيم u تعرف على الإله الحق قبل أن تأتيه الرسالة، توصيف القصة التي حدثت من إبراهيم u وعلينا أن نتوقف مع الآيات كيف توصل إلى الإله الحق وكيف ناقش أهل الكفر ورسول الله r فعل ما فعله إبراهيم بالحرف الواحد: إعتراضه على عبادة الأصنام ووجوه في غار حراء يبحث عن الإله الحق. إبراهيم ناقشهم في كل ما يعتقدونه إلهاً وهو لم يكن يسألأهم هذه الأسئلة إلا لينفي هذه الحقيقة وهي ليست من باب التقرير (هذا ربي) لا تعني أنه موافق على هذا. في سورة الأنعان والأنبياء والشعراء، الكلام قاله إبراهيم قبل البعثة أو بعدها؟ إبراهيم هداه الله تعالى قبل البعثة بدليل أن وقف بين هؤلاء القوم الذين كانوا يعبدون الأصنام هم قالوا هذا ما وجدنا عليه آباءنا أنا إبراهيم فلم يقل هذا الكلام ولو كان التطبيق متسحيلاً في حق البشر لم يقل الله تعالى لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. من يقرأ ما فعله الأنبياء جميعاً يأخذ الإنسان منه عبرة. كلام قوم إبراهيم ينافي المنطق (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) الزمر) هل يحمل المنطق رسالة إلى البشر أنه يجب على الإنسان أن يتعرض لهذا المنطق البشري ليعرض عقيدته ويرى إن كانت عقيدته مشوهة حتى لو لم يكن نبياً؟ قال تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) آل عمران) أنت تعبد إلهاً يخلق ويحيي ويميت وفي مناقشة إبراهيم مع النمرود قال أنا أحيي وأميت فقال له إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من الشمرق فإت بها من المغرب فبهت الذي كفر، يجب أن تسحبه إلى منطقة القدرة حتى يستسلم. يجب أن يتدبر الإنسان فالذي يترك نفسه أنه أتى من أبوين مسلمين قد يقع في الشرك وقد يزني فالله تعالى (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) آل عمران) لما أراد إبراهيم أن يثبت لهم وجود الإله الحق أخذهم للطبيعة، للشمس والقمر وتالناس لم تعبد الشمس وإنما جعلوها رمزاً للإله على الأرض وهذه الأصنام لم تكلف الإنسان شيئاً ولم تنفع الذي عبدها ولم تضر الذي لم يعبدها فهي ليست الإله الحق لأن الإله الحق (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران). ذكرنا سابقاً الفرق بين الدين والديانة وقلنا أن الإسلام هو الشرع العام (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ (19) آل عمران) هذا ليس دين محمد r فقط لأنه آخر حلقة في حلقات الأنبياء (وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ (40) الأحزاب) وهذا آخر وحي من السماء إلى الأرض ومحمد r جاء بديانه مبنية على دين وعيسى وموسى كذلك فالاختلاف ليس في الدين وإنما في الديانة فالذي آمن بموسى في عهد موسى مسلم والذي آمن بعيسى على عهد عيسى مسلم وإيمان المسلم في عهد محمد r لا يصح إلا إذا آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله جميعاً فالذي يؤمن برسالة فيها إفعل ولا تفعل سمعنا وأطعنا فالله تعالى له أوامر يجب أن تنفذها ونواهي يجب أن تنتهي عنها. الله تعالى مالك يوم الدين أي يوم الجزاء وقلنا يجب أن لا نقلو أديان سماوية ولكن ديانات وكل ديانة لها شريععة مختلفة ولكن الشرع واحد لأن الدين عند الله تعالى واحد. الدين واحد من رسالة إلى أخرى أما الديانة والشرع فيختلف باحتلاف الرسل. الله سبحانه وتعالى يخاطب العقل البشري الذي ميز به بني البشر ليمكنوا من عرض الأشياء وهناك آيات كثيرة تتكلم عن أن الإنسان يجب أن يعرض الأمور على عقله حتى قبل وجود الأنبياء. لو نظرنا إلى سورة الأنعام والحوار الذي دار بين إبراهيم u وأبيه آزر (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74) وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79)). ختم إبراهيم الآيات بنفي الشرك عن نفسه (وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80)) الكلام كله عن فكرة الشرك. آدم u نبي واختلفوا هل هو نبي أو رسول. لما عصى آدم ربه فلماذا لم يعصمه الله تعالى أعظمهم جميعاً محمد r وهو أفضل من خلق الله تبارك وتعالى. القرآن أعطانا توجيهاً واضحاً ولو لم يكن الرسول لما قال لنا رب العالمين أن نتخذه قدوة وأسوة. إبراهيم u قال: هل ينفع أن أصنع تمثالاً وأعبده؟ هذا أمر اعترض عليه الرسول r قبل بعثته والثابت عنه أنه لم يعبد صنماً ولم يجلس أمام صنم ولم يحتفل بصنم فما حدث مع الرسول r حدث مع إبراهيم u مع أبيه آزر والمفسرون قالوا هل هو عمه أو أبوه؟ وقف بعض المفسرين وقالوا أن استخدام العرب لكلمة أب متعدد لكن كلام القرآن يجب أن يكون فوق الكلام القرآن يقول لأبيه آزر يعني لا يوجد خلاف. (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آَزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آَلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74)) سؤالي كيف حكم إبراهيم على الذي يفعل بأنه ضلال؟ لأن المطق المجرد يقول أن الإله قادر علي ولست أنا قادراً عليه فالذي نحت التمثال قادر عليه فالذي قُدِر عليه لا يمكن أن يكون معبوداً. الذي أتحكم فيه لا يمكن أن أعبده وإبراهيم قال إنه ضلال لأن الضلال ضد الحق والحق عند الفلاسفة قبل الإسلام عند أهل المنطق واحد لا يتعدد ولذا من اسماء الله تعالى الحق لأنه لا يتعدد. الباطل والضلال يتعدد لكن الحق لا يتعدد. المنطق يقول أنه لا يمكن لكل هؤلاء أن يكونوا آلهة ويوسف u ضرب لصاحبيه في السجن مثالاً بديعاً (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) يوسف) بمنطق قبل الرسالة، يكلمهم بالمنطق: أتعبدون عشرة أو سبعة أم واحد؟ الواحد أفضل لأنه لن يختلف عليّ. لا يوجد إجابة وهو أقنع الإثنين بكلامه بدليل لم يردوا عليه لأنه منطق. في سورة الأنبياء (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (22)) هذا منطق قبل الرسالة والتكليف. الأمثال الشعبية تأتي إما من القرآن أو الحديث فيقول أحدها المركب التي فيها رئيسين تغرق ولو كان في الكون إلهين سيحصل نزاع لأن كل إله له شرع لذا التوحيد هو ما بنيت عليه العقيدة. ونذكر حادثة حصلت في عهد الرسول r أبو طالب عم النبي والكل يعلم كم نصر الله الإسلام على يده وقلنا أن بقاء هذا الرجل على الكفر كانت حكمة لأنه الكفار كانوا يجاملون الرسول فيه. وهو على فراش الموت ذهب إليه الرسول r وكان يحبه جداً ونزلت فيه آية يطمئن بها الرسول أنه ليست في يده وإنما بسابق علم الله فقال يا عم قل لا إله إلا الله أشهد لك بها عند ربي ولم يقل له قل وأن محمداً رسول الله وهذا من ذكاء الرسول r الداعية في هذا الموقف يعمل كما أمره الله تعالى ولا يريد لنفسه إثبات صفة. هذا المثال يوضح في ضلال مبين التي قالها إبراهيم. محمد يقول أنه جاء برسالة فأبو جهل وأبن أمية يقولون أتترك ملة عبد المطلب؟ عبد المطلب نفسه قال إن للبيت رب يحميه ولكن الضلال في كل عصر له جنود. وظل الرسول يرددها إلى أن كان آخر كلام أبو طالب أنه على ملة آبائه فنزلت الآية (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص) ونزلت الآية تنهى الرسول r عن الاستغفار له (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (113) التوبة) نفهم منها أنه لن يجدي الإستغفار حتى إبراهيم قال عنه تعالى (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ (114) التوبة). المسلم الحق عليه أن يجدد التوحيد في كل مرحلة تمر عليه. الآية في سورة يوسف للنهي وليست للإثبات (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف) هذا تحذير فقد تكون مؤمناً ولكن تدخل الشرك مع الإيمان. المنطق المجرد يعرضه القرآن في أكثر من موضع لأصحاب العقول السليمة ليكتشف الناس أن المنطق السليم يرفض الشرك والوثنية والكفر وأن يكون مع الله إلهاً آخر. عند الإغريق كان هناك آلهة متعددة في الأساطير. لكن عندما يكون هناك شركاء ستحصل نزاعات. الوزاعق المعاش الآن هناك أناس تعبد الأصنام لكنهم يعتقدون أن الأصنام هي فقط عبارة عن صخرة أو غريه لكن الصنم قد يكون حب المال أو شخص أو الهوى أو الشهوات بمختلف أنواعها صنم يعبد من دون الله وهذا ما أشرا إليه القرآن (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف) مع إيماتهم بالإله الواحد عنده حب المال وحب الشهوات مع أنه يؤمن ويصلي ويهرب الأموال ويشرب الخمر ويعاشر النساء (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ (23) الجاثية). البعض يعتقد أن الشرك متعلق بالأقوام السابقين فقط. هناك طوائف وملل انقسمت وتفرقت على أشياء معينة في العبادة واحتفوا بأشخاص، عمر بن الخطاب قطع شجرة البيعة حتى لا يتعلق بها الناس وللأسف الخرافة أصبح الناس يعتقدون بها اليوم حتى يخرجوا من موقع الإلتزام فالكل يقول أنه مسحور ليبرر عدم عمله. هناك شرك في أن يذهب البعض للساحر أو الكاهن ليفك السحر. (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف) لذا قال تعالى أن أهل الجنة قلة. التوحيد هو العاصم من النار بدليل إبراهيم دخل النار وقال لها الإله الواحد (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) الأنبياء) شاهِدُنا أن العاصم من النار هو التوحيد. الحوار الذي دار في بداية إلقاء إبراهيم في النار وكيف أرسل الله تعالى جبريل ليسأل إبراهيم ماذا يريد في تلك اللحظة هذه سنقف عندها لاحقاً. قلنا أن المنطق المجرد أن تؤمن بالإله الواحد بعيداً عن إرسال الرسل وفوق المنطق لن يعذب الله تعالى إلا إذا أرسل رسولاً مع أن الفطرة السليمة والمنطق الحق أنه حتى بدون رسول يجب أن يؤمن بالإله الواحد. الرسول r كان يتفكر ويتحنث ويبحث في وجود الإله الحق ولا نقول أنه كان يتعبد. المنطق يقول الإله الحق (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء) وسؤال خزنة النار للذين يدخلون النار (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا (9) الملك) لذا نتمسك بالآية (فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ (185) آل عمران) كأننا بأفكارنا وأعمالنا منا من يفهم ولا يعمل ومنا من يعمل ولا يستمر. الجنة صعبة لكنها بكلمة واحدة بمجرد العودة إلى الله تكون من أهل الجنة حتى لو ارتكبت الكبائر الثلاث (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) الفرقان). الذي يفلت من شياطين الإنس يكون حجة على الذين وقعوا لأنه لم يستسلم وتمسك بالفطرة والتوحيد. لو قال لك أبوك إرم نفسك في البحر تقول له لا أعرف أن أعوم ولا تفعل والمنطق يقول أن الإله واحد لذا لما خرج إبراهيم u ليبحث عن الإله الحق قال (هذا ربي) هذا تنفي الشرك مطلقاً وإنما كأني به يقول: هذا الذي تعبدونه؟! هو نفى عبادة الأصنام وخرج يبحث عن الإله وأول ما رأى كوكباً وهم عملوا لكل كوكب إله يعبد فهذا هو السر الذي قال لهم إبراهيم (هذا ربي) فلما أفل قال لا أحب الآفلين ليست مسألة حب وإنما الإله الحق لا يتغير فإذا تغير الذي ادعى الألوهية فالذي غيّره أولى بالعبودية. إن بدا أن الإله يظهر فلا يظهر دائماً من منا رأى الله؟ لا أحد والقرآن شرح كل هذا وقلنا عندما تكلمنا عن العروج (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18) النجم) واختلف فيها المفسرون فإن كان رآه هذا شأن الله وإن لم يره فهذا شأن الله لكن المهم نحن هل نرى الله ومتى؟ هذه قضية يبكي عليها العارفون. موسى قال (وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) فقال تعالى (قَالَ لَن تَرَانِي (142) الأعراف) أي الآن لن تراني. إبراهيم قال (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ (76)) (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي (77)) المنطق في اختياركم يتغير وطالما يتغير لن ينفع فقال (قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) الأنعام) يهدين ربي إليه يعني أنه لم يبعث بعج لكنه يفعل هذا بفطرته السليمة (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) الروم) الفطرة السليمة تقول الإله واحد ولا يتغير لأنه لو تغيّر فمغيّره أولى بالعبادة. إبراهيم يتفكر وستأتي لحظة إذا لم يهديه فيها ربه سيكون من الضالين. نأتي إلى يوسف عندما اعتمد على عفته وقدرته أنه لا يواجه النساء كلا ولكنه قال (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33) يوسف) لا تعتمد على الفطرة فقط ولكن عندك رسول ومنهج إقرأه وتدبره بوعي والفيصل (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15) الإسراء). المنهج الإبراهيمي ليس خاصاً به وحده وإنما خاص بكل الأنبياء وكل أصحاب الفطرة السليمة وعلينا أن ننتبه أن الصنم ليس فقط ما صنع من الحجارة ولكن قد يكون من البشر أو هوى النفس أو الشهوات. علينا أن نعرض اختلافاتنا على المنطق السليم. ليس المهم أن ننتصر فقط لكن يجب أن نبحث عن المنطق الحق والحقيقة فعلينا أن نسلم بها فالحساب لن يفرق بين شخص وآخر إلا في العقيدة إن كانت سليمة أو غير سليمة. بُثّت الحلقة بتاريخ 27/3/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 39 موقف إبراهيم وهو يتفكر أمام قوم يعبدوا الأصنام وفي كل مرة يجيب بنفسه فماذا نستقريء من منهج إبراهيم u؟ الذي حصل بين إبراهيم وقومه قد يحدث مع الإنسان ونفسه فنأخذ إجابة إبراهيم على ما يدور في تفكير الإنسان: هو بدأ من النجم ثم القمر والشمس ففي أول مرة قال (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) (أفل يعني غاب) وفي الثانية قال (فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) فلما أفلت الشمس تبرأ من الشرك أياً كان فقال (فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ) فأنت عندما تفكر بينك وبين نفسك وتجادلك نفسك بشيء قد يخرجك من منطق العبودية قِف وقل يا ربي إني بريء من هذا. إبراهيم u قال مما تشركون ولم يقل مما تعبدون. في سورة الأنعام وفي سورة الشعراء ذكر إبراهيم وذكر قبله موسى ليقول لنا أن القرآن ليس سرداً تاريخياً وإلا لكان جاء سرد إبراهيم قبل موسى وهذا ليس صدفة ولكن ننظر لمن ذهب كل واحد منهما. موسى uكان ذاهباً لفرعون الذي ادّعى الألوهية فالمناقشة معه في كفر أما إبراهيم فقومه قالوا إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى لا نعبدها عبادة مطلقة وليست الأصنام الله وإنما يقبوهم إلى الله فقضية الكفر أكبر من الشرك لكن الشرك ينتشر أكثر من الكفر. كم من الناس من يقول هو مؤمن ولكنه مشرك، ليس عندنا مؤمن كافر ولكن عندنا مؤمن مشرك وهذا يعتقد أنه يفعل حسناً وقال تعالى عنهم (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) الكهف) لديهم عمل وسعي ويعتقدون أنهم على صواب وهذه الخطورة. القرآن يعكي عبرة وعظة وليس مجرد سرد تاريخي. إبراهيم جارى قومه مرة وثانية وفي الثالثة تبرأ منهم فكأنه يرد على تساؤلات قومه أنه لا يعجبه أياً مما يعبدون (إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) كل إنسان يولد على الفطرة السليمة الإسلام. إبراهيم قالو لقومه أنا سأعبد خالق كل هذه ويغيّر ولا يتغيّر (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) حنيفاً وحدها تعني مائلاً وإبراهيم u مائلاً عن المائل المعوج فهو قمة الاستقامة. هكذا الدين دين الوسطية لا إفراط ولا تفريط وعندما نتدبر الشيوعية والرأسمالية حاولوا تقليد الإسلام فالشيوعية منعوا الربا وهذا من الإسلام والرأسمالية يأخذوا من الإسلام لكنهم لا ينجحوا لأنهم مع الإسلام يوجد شرك لكن الإسلاك لا يعرف إلا إلهاً واحداً يغيّر ولا يتغيّر. البعض يحاول أن يثبت أن القرآن ليس كلام الله تعالى ويعتقدون أن هناك تناقض في القرآن فيقولون ما معنى (كل يوم هو في شأن)؟ اليوم أولاً ليس 24 ساعة وإنما يوم هنا مدة زمنية تعني اللحظة فهو سبحانه وتعالى في كل لحظة في شأن. أحدهم ذهب لعليّ ابن أبي طالب فقال: كيف يحاسبنا الله في وقت واحد؟ قال له عليّ رضي الله عنه كما يرزقكم في وقت واحد. كل واحد فينا حالته متغيره ولكن الذات الإلهية لا تغير بذاتها ولكنه تعالى يغيّر فمثلاً يمكن أن يكون غير مسلم ويدخل الإسلام أو مسلم يخرج من الإسلام. عقيدتنا جميلة جداً (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). إبراهيم حاججهم فقال (قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) الشعراء). وسنخصص حلقات للرد على الشبهات التي يثيرها البعض عن القرآن بعد الانتهاء من حلقات التوبة والاستغفار وشرح الأمانة التي وعدنا بها. إبراهيم يتبرأ من منهج المشركين ومن الشرك فقال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) عندنا إيمان بعيد عن الشرك وعندنا إيمان معه شرك (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106) يوسف). لو قال إبراهيم (وجهت وجهي) لكنه أكمل (وما أنا من المشركين) فلو تدبرنا هذا القول يعني أنه لن يكون مع إيمانه بالله تعالى أدنى شرك. (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (73) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ (75) أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ (76) فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (77) الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83) وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85) وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (86) وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89) الشعراء) حوار إبراهيم مع المشركين وقد أخذ شكلاً مختلفاً عن الآيات السابقة وفيه حديث عن القلب السليم وقلنا أن العقل مكانه القلب، أولي الألباب أي عقل يتدبر بدليل (نزل به الروح الأمين على قلبك) في فترة انقطاع الوحي عن الرسول r فترة لكي يصدق هو أنه نبي ثم جاءت (وأنذر عشيرتك الأقربين) فأولاً هو يصدق أنه نبي ثم عشيرته والفيصل هداية المولى للشخص فمن أعمام الرسول r من نصره ولم يؤمن ومنهم من آمن به ومنهم من كفر. الحجة من القرآن داحضة قاطعة. العناد والكبر أخرجهم عن إلف العادة. عندما أرسل الرسول r الرسائل إلى الملوك منهم من عرف أنه نبي ولكنه من كبره لم يؤمن به ولم يصدقه لأنه لا يريد أن يكون تابعاً بعد أن كان متبوعاً. مضاعفة العذاب يوم القيامة لمن ضلّ وأضلّ. قضية العقيدة تبدأ بجنتين للمتقي وبنارين لغير المتقي وقد تكون أكثر لأنه تعالى قال (يضاعف له العذاب) لكنه لم يحدد كم ضعفاً. منطقية إبراهيم u في الكلام (هل يسمعونكم) لكنهم لم يجيبوا عليه وإنما قالوا (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (74) الشعراء) وهذا يحصل الآن في البدع الذي يبتدعه بعض الناس. للأسف في البرامج التلفزيونية التاريخية هناك أخطاء كثيرة ففي مسلسل خالد بن الوليد في مشهد من معركة استشهد فيها ثلاثة من المسلمين فقال خالد لأصحابه لنقرأ الفاتحة عن أرواحهم وهذا غير صحيح فلم يحدث أن الرسول r قرأ الفاتحة عند موت أحد وإنما كان يستغفر له ويطلب ممن حوله الدعاء للميت. خالد بن الوليد آية من آيات الله فيما حدث في عهد إبراهيم u وفي عهد محمد r. إبراهيم كسّر الأصنام إلا كبيرهم أما محمد r فترك عُبّاد الأصنام يكسرون الأصنام التي كانوا يعبدونها، خالد بن الوليد كان يسجد للات والعزى وأدرك الرسول r أن الحل الذي قام إبراهيم u لن يجدي نفعاً لأن القوم نكسوا بعد أن كسر لهم الأصنام فجعل خالداً يكسر الأصنام وبدل أن كان يسجد لها ويسبحها فكسرها بيده وقال إني رأيت الله قد أهانك. فخالد بن الوليد دليل واضح على صدق مدرسة رسول الله r في الهداية وهذا لا عين أن إبراهيم u أخطأ ولكن لكل مقام مقال وقد بذل مجهوداً فوق الوصف. الرسول r مكلف من الله تعالى فيضع منهجاً ملائماً لهذا العصر وإذا بحثنا نجد أن هذا المنهج هو الذي يصلح كل زمان ومكان أن تعمل في قلب الرجل ولا تفرض عليه والآية واضحة (لا إكراه في الدين) والله تعالى يريد عباده أن يأتوا إليه بحب وإيمان. الدعوة إلى هذا المنهج يدب أن تكون بالحكمة والموعظة الحسنة وعندما نسمع أي توجيه إلهي يجب أن ندعو إليه بكل حكمة ولين لذا قال تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (125) النحل) وقوله تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) آل عمران) ليس من الإسلام أن ننفر الناس أو نتكلم فقط عن النار وعذاب النار وهذا منهج لم يثبت نجاحه على مر العصور. القضية تحتاج إلى عرض بطريقة معينة لأن الإسلام دين الله تبارك وتعالى ونحن ندعو إلى سبيل الله وليس لأنفسنا والإمام الشافعي قال: رأي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. منهج إبراهيم يعتمد على نفي الشرك ثم مخاطبة العقل (هل يسمعونكم) وإبراهيم أخذهم لتوصيف الإله الحق وكيف تكون العبودية للإله الحق؟ على منهج من الله تعالى يكون واضحاً موضوح الشمس، وكل ما عبدوا هم وآباؤهم الأقدمون وتصل إلى آدم (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ) إستثنى رب العالمين لأنه عمل صيانه إحتمال أنه قد يكون هناك أحد من السابقين عبد الله تعالى فلم يُطلق اللفظ. هناك من يجادل ويقول نحن أبناء الطبيعة فما هي الشروط التي يجب أن تنطبق ويعمل الإنسان عقله فيها وهل لو طبقناها نعلم أن هناك إله؟ هناك صفات أثبت إبراهيم u أنه لا تكون إلا لله تعالى فقال (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81)) قال والذي يميتني ولم يقل هو يميتني؟ قال هو في الهداية والطعام والسقيا والشفاء ولم يقلها لا في الموت ولا في الإحياء لأن هذا الضمير هو للتأكيد (هو) ضمير منفصل قال هو يهديني وقال يميتني ثم يحيين لأنه قد يدّعي أحد أنه يطعمك أو يهديك أو يسقيك أو يشفيك ولكن لا يمكن ولم نر من ادّعى أنه خلق أو يحيي أو يميت. هل هناك من ادّعى أنه يخلق؟ لا. من خيبة الناس أنهم لم يتدبروا هذا فالبعض يقول أبي يطعمني وهذا شرك خفي والأصح أن يقول أبي يطعمني من رزق الله تعالى وكذلك الطبيب لا يشفيك إلا بإذن الله تعالى. لماذا لك يقل أمرضني؟ فعل مرض فعل غريب. نقول أكل فلان أي فلان فاعل، لكن عندما نقول مرض فلان فهل فلان أمرض نفسه؟ كلا ولكن توصيف الفاعل في اللغة أحد أمرين إما من فعل الفعل أو من وقعت عليه صفة الفعل لذا قال (فهو يشفين) الطبيب وسيلة وهو لا يشفي وقد يُخطء بعض الأطباء فقد يعطيك دواء ولكن لا تشفى. فالطبيب يعالج إن الطبيب لديه علم يظن به إن كان للمرء في الأيام تأخير حتى إذا ما انتهت أيام رحلته حار الطبيب وخانت العقاقير نفس الدواء الذي أعطاه لمريض وشفي مات به مريضاً آخر لكن الذي أمات هو الله والذي شفى هو الله تعالى. إبراهيم u عندما عرض عرض بطريقة بديعة فلما ذكر الخلق قال (الذي خلقني) لم يقل هو لأنه لم يحدث أن قال أحد أنه خلق. في سورة الأنعام قال (لئن لم يهدني ربي) فهو متأكد أن هدايته لن تكون إلا من الله تعالى (قل إن هدى الله هو الهدى) لذا قال (فهو يهدين) وقال (الذي هو يطعمني) وقال ثم يحييني لأنه لما يموت الإنسان يكون هناك تراخي إلى أن يُبعث (ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره) فأقبره مباشرة بعد الموت لكن يوم القيامة فيها تراخي فجاء بـ (ثم). هنا أيضاً قال (ثم يحيين) كأنه شرح لنا أنه بعد الموت هناك فترة زمنية ثم القيامة. الذي يقول هذا الكلام لا بد أن تكون درجة عقيدتة ملئة في المائة وهو مع ذلك لا يغتر بإيمانه فقال (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) وهذا توصيف قوله r لن يدخل الجنة أحد بعمله فقالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته. فمع كل إيمان إبراهيم u قال (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ) ليس أحد فوق الخطيئة وهي واردة لكل البشر. ثم قال (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) الحكمة أن تبحث عن الصواب والحُكم أن لا تضلّ، مهما أعملت الفطرة السليمة فلا أضمن أن لا أخطيء وإبراهيم u يعتبر نفسه رغم كل ما عنده ليس من الصالحين. قال الإمام الشافعي أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سوياً في البضاعة فقال له الإمام ابن حنبل: تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم سوف يلقون الشفاعة وتكره من تجارته المعاصي وقاك الله من شر البضاعة هذا من تواضع المؤمن الحق أن يضع نفسه تحت أمر الله تعالى فإن اهتدى فمن الله وإن ضل فردّني إلى السبيل. والرسول r رغم أنه غفر الله تعالى له ما تقدم وتأخر من ذنبه زاد في الطاعات شكراً لله تعالى. إبراهيم قال (وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ) اليهود نسبوه لهم والنصارى نسبوه لهم والمسلمون نسبوه لهم فهو فعلاً له ذكر في الآخرين وصار له ذكر في العالمين ولذا في التشهد نصلي عليه الصلاة الإبراهيمية: الله تعالى صلى عليه وبارك عليه وهذه دعوة استجاب لها الله تعالى. الآية (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ) هذه ترد على من قال أن آزر ليس أباه. ثم قال (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) هذا اليوم له توصيف (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ) والذي ينفع (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) القلب السليم الذي عندماعرض عليه الأمر تقبله بالفطرة ولم يجادل ولم يتكبر ولم يعاند كما فعل كفار قريش مع أبو طالب (أتترك ملة عبد المطلب؟). إبراهيم يتكلم في العقيدة لكن عينه على يوم يبعثون وهذا اليوم لا ينفع فيه إلا حالة واحدة (إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) ولا يأخذها الناس على أن قلبه سليم فقط وإنما يجب أن يصدقه العمل الذي يترجم العقيدة السليمة. والشرع العام هو الإسلام وجوهر عقيدة كل الأنبياء الإسلام. والاسلام هو الحجة القاطعة على كل إنسان إلى يوم الدين. بُثّت الحلقة بتاريخ 10/4/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 40 تكلمنا عن الشرك وعرضنا لقصة إبراهيم u وهو يصل إلى الإله الحق بفطرته السليمة والآيات في سورة الروم تتكلم عن فطرة الله التي فطر الناس عليها. الفطرة السليمة عند إبراهيم uهي التي دعته إلى رفض عبادة الأصنام بعيداً عن النبوءة والرسالة. هذه الآيات في سورة الروم توضح كيف يتقي الإنسان الشرك الذي هو سبيل إلى الكفر. لا يمكن أن يشرك الإنسان بالله ويبقى على الشرك وإنما يشرك ويستمر حتى يؤدي به إلى الكفر والعياذ بالله. الآيات توضح السبيل للنجاة من الشرك والكفر على حد سواء (فأقم وجهك للدين حنيفاً) هذه تحتاج لوقفة هل قال أقم وجهك لله أو للدين؟ ووقفة عند حنيفاً. في المعاجم اللغوية حنيفاً أي مائلاً وإبراهيم u قال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) الأنعام) لما سئل من المشركين أو الكفار من ستيعبد؟ قال سأعبد خالق كل من تعبدون أنتم، الذي خلق كل هذا سأعبده ورفض أن يشرك بالله في أي قضية من القضايا التي طرحناها في الحلقة السابقة. وقال (للذي فطر السموات والأرض حنيفاً) لم يقل خلق السموات والأرض فكأن كلمة فطر لها علاقة بالفطرة. الخلق أثبته الله تعالى لنفسه ولغيره (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) المؤمنون) أما فطر أو برأ لم ترد إلا لله تعالى ولم ترد أحسن الفاطرين. الخلق قد يكون من لا شيء أو من شيء فإذا كان في حق الله تعالى فهو يخلق بلا أسباب وبلا أدوات أما مع الآخرين فهو الخلق من شيء والخلق من الصنعة (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ (88) النمل). النجار مثلاً يحتاج لأدوات حتى يصنع خزانة أو ما شابه، هذا خالق لكن من أسباب وأدوات أما الله تبارك وتعالى فيخلق من دون أسباب وبدون مقدمات أو أدوات أو مساعدة أو شريك ولذلك في الحديث القدسي: أنا أغنى الشركاء عن الشرك" وفيه نقطة خطيرة "أنا أغنى الشركاء" كأن الناس عملوا شركاء ولم يعرفوا أن يعبدوا الله تبارك وتعالى إلا من رحم الله تبارك وتعالى ونحن نكرر دائماً أنه يجب أن نعود دائماً إلى آيات سورة يوسف (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ (106)) وهذا هو التحذير لأنه قد يؤمن أحدهم بالله ولكن قد يأتيه شرك مرة بعد مرة فيكفر وهذا الذي تحذر منه آيات سورة الروم. كلمة (حنيفاً) تعني مائلاً أي أعوجاً لكن وإبراهيم uأول من نطق بهذه الكلمة وهو كان مائلاً عن المشرك فأصبح للكلمة بعد إبراهيم معنى اصطلاحي وتعني غاية الإستقامة. أبقى الله تعالى الكلمة وصار لها معنى إصطلاحياً بعيداً عن المعنى اللغوي. (فأقم وجهك للدين حنيفاً) أي مستقيماً وأقم وجهك للدين تعني إجعل قبلتك هذا الدين واقبل منه كل ما يصلح أي اعوجاج عندك بأن تنحرف فطرتك بإدخال معتقدات أو عقيدة تخالف التي فطره الله تعالى عليها. كأن الآية الخطاب فيها موجه للرسول r بأن دع الكافرين والمشركين وتوجه أنت إلى الله تعالى حنيفاً ولما تفعل هذا تكون هذه الفطرة التي فطر الله الناس عليها "ما من مولود إلا يولد على الفطرة" الفطرة السليمة أن تكون متجهاً للإله الحق وهذه تذكرنا بإبراهيم u عندما إتجه إلى الإله الحق وتذكرنا بمحمد r الذي كان يبحث عن الإله الحق. الفطرة السليمة أن تفكر أن للكون إلهاً وهذا الإله يجب أن يُعبَد على مراده هو وليس على مرادنا نحن. أنت تعبد الله تعالى على منهج العبودية من الله تعالى. وذكرنا أنه لا يجب أن نقول كان محمد r يتعبد في الغار لأنه لم يكن لديه منهجاً يتبعه وإنما كان يتحنث وإنما بعد الرسالة صار يتعبد بالمنهج الذي أعطاه إياه الله تعالى. وإذا جاء المنهج من الله تعالى فلا يجب أن تدخل فيه معتقداتك ولا تعمل فيه فكرك أو هواك. ولذلك قال بعدها (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) تبديل الخلق هنا ليس له علاقة بنمص الحواجب والعمليات ولكن معناها لا تبديل لخلق الله أنك إذا بدلت الفطرة السليمة اعوجّت وصار الإعوجاج عن المنهج والبعد عن المنهج يؤدي إلى الشرك والكفر. (لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) فالدين القيم هو أن تعبد إلهاً واحدة وهذه وقّعها يوسف u في قوله (أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) يوسف) كأنه يقول ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون، لا يعلمون أن الحق من الله، لا يعلمون أن الفطرة السليمة من الله ولو أدخلت أقل القليل في العقيدة أو المعتقد فسدت. ماذا نفعل كي يعلم الناس أن كل ما يخالف الفطرة مثل الشذوذ الجنسي وغيره مما يحتج به البعض هي ليست من خلق الله تعالى ويقولون أن هؤلاء فطرتهم هكذا؟ توقيع هذه الآية لما نسمع قوله تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفاً) نسأل كيف؟ يعطينا الله تعالى الطريقة بطريقة تبين أن المنهج نزل إلى الرسول r يطبقه هو أولاً ثم يكلّف به الأمة وهذا جاء في الانتقال من الإفراد إلى الجمع (فأقم وجهك للدين حنيفاً) البعض يقول الخطاب للنبي فقط وكيف لنا أن نفعل مثله وهو نبي؟ ولو كان هذه الحجة صحيحة لقال منيباً إليه لكنه قال تعالى (منيبين إليه) فهذا يعني أن الكلام منسحب على الأمة وهذه الكلمة أعطتنا الطريقة والعلاج وأثبتت أن الكلام موجه للرسول باعتباره نبي هذه الأمة فكأن قوله تعالى (فأقم وجهك) تعني فأقيموا وجوهكم. البعض قد يسأل لم لم يقل فأقيموا وجوهكم؟ لأننا يجب أن نقيم وجوهنا كما أقام الرسول r وجهه لله تعالى فالله سبحانه وتعالى أفرد التوجيه وجمع التوقيع فالذي يقيم وجهه سيفعل مثل النبي r ولذلك (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب) أي من يريد أن يقف وقفة مشرفة بين يدي الله تعالى. كيف أقيم وجهي؟ كلما أردت أن تقيم وجهك إرجع إلى الله تعالى وإلى منهج الله تعالى وطبّقه. نحن عندنا منهج لا نخالفه. لذلك قال تعالى (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) كيف أقيم وجهي؟ منيبين إليه، رجعنا إلى الله تعالى لأن منيباً يعني رجع إلى الله. قلنا تاب يعني رجع إلى الله وأناب ماذا تعني؟ تاب الأولى تعني رجع إلى الله وأناب؟ كلمة ناب سمي ناباً لأنه يقطع كأن التائب عاد إلى الله مرة واحدة من غير أن يقطع ما هو فيه لكن المنيب كأنه يقطع الذي يفعله ورجع إلى الله تعالى. منيبين يعني أنه افترض أنهم سيقعوا في مصيبة وما أجمل من يقطع الشرك ويتوجه إلى الله تعالى لذا قال منيبين إليه هو لم يتوقفوا عما يفعلوه وإنما قطعوه. فالذي يصل إلى الشرك من الصعب أن يرجع لكنه ممكناً أن يعود بالتوبة لكن لو ترك ما في يديه وعاد إلى الله يكون عاد بالإنابة. لو توقف فوراً وعاد إلى الله يكون أناب. منيبين وضحت نهاية الكفر الشرك (ليكفروا) تحتاج لتوضيح واللام فيها ليست للتعليل. منيبين إليه أي من فوركم اقطعوا ما أنتم فيه ولا تكملوا لأنه لو استمروا سينتقلوا من سيئ إلى أسوأ. وهذا سر استخدام كلمة (منيبين إليه) ولا تنتظر إلى غد لأنك لن تضمن عمرك ولو متب لك العمر أنت لا تضمن أن لا تنتقل إلى الشرك. أنت عدت إلى الله وعندما تعود إلى الله وتتوب تغتر بإيمانك وتظن أنك فوق التكليف فالبعض من كثرة ما يصلي يؤجل صلاة العشاء مثلاً لأنه اطمئن إلى عبادته وإيمانه، فإياك أن تغتر بإنابتك إلى الله لذا قال (واتقوه) لأن عليك أن تحافظ على تقوى الله حتى بعد الإنابة. لا يوجد أحد فوق التكليف، منيبين إليه بقطع العمل السيء واتقوه أي حافظوا على تقوى الله لأن فعل التقوى يحتاج إلى مداومة والله تعالى قال لرسوله r(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ (1) الأحزاب) أي دُم على التقوى فإياك أن تغرك الإنابة فلا تتقي لأنك إن لم تتقي ستقع لأن التقوى صناعة وقاية وحاجز بينك وبين محارم الله. مرة يقول تعالى (إتقوا الله) ومرة (إتقوا النار) وفي الحالين تدخل الجنة لكن الله تعالى يريدك أن تعمل وقاية بينك وبين محارم الله والتي نتيجتها أنك لما تتقي الله كأنك اتقيت النار. (واتقوه) مرة قال منيبين إليه بطريقة الإقامة (فأقم وجهك) ومرة بطريقة الإنابة بالتقوى (واتقوه) ومرة بإقامة الصلاة (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) منيبين إليه هي كيف أقيم وجهي لله والإنابة طريقتها أن تتقي الله وتقوى الله تتم بإقامة الصلاة. ولما تفعل كل هذا إياكم والشرك (ولا تكونوا من المشركين) وفي سورة يوسف (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) فكأن الشرك حالة قد تلازم الإنسان حتى وهو في الإيمان فقال (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ) من هم؟ الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً وفرقاً وجماعات لذا نقول لا يصح في الإسلام أن يقول الواحد أن سلفي، أنا مالكي، أنا شافعي، أنا صوفي، هذا كلام فارغ. الذين فرقوا دينهم وهو دين واحد والمشكلة فيما بعد (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)) الكل يعتقد أنه هو صح فقط وننسى أن الأئمة كلهم لم يعملوا منهجاً فوق المنهج الذي جاء به محمد rوإنما فسروا السُنّة، هم قد يكونوا اختلفوا لكن ليس في الأصل وإنما في الفروع، نحن نصلي كما صلى الرسول r وليس كما قال فلان أو غيره. (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) لو وقّعنا هذه الآية على حالنا اليوم للأسف نجد ما في الآية حصل. المفروض أن يكون هناك دين واحد وإمام واحد وسُنّة واحدة لا اختلاف فيها ومن عظمة الرسول r أنه لم يأت بها على منهج واحد وأداء واحد فسُنّة الظهر مثلاً هناك ثلاث احتمالات: إما ركعتين قبل وركعتين بعد وإما أربع ركعات قبل وركعتان بعد وإما أربع ركعات قبل وأربع ركعات بعد والرسول r ترك لنا حرية الاختيار المهم أننا نأخذ مما فعله الرسول r ولم نأت بمنهج من عندنا لأننا بذلك نكون تدخلنا في المنهج الذي وضعه واضع المنهج. أفضل شيء في توصيف المنهج إقامة الصلاة لذا في الحديث الصحيح أن الصلاة عماد الدين وأول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة فسبيل الإنابة التقوى وسبيل التقوى إقامة الصلاة على مراد الله تعالى. (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (33) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (34) أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ (35) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ (36) الروم) الرحمة مطلقة من عند الله (رحمة) وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم لأن السيئة لا تأتي إلا بما قدمت أيدي الناس فلا عقوبة في السيئة إلا بذنب ولا يُرفع إلا بالإنابة (منيبين إليه). نوقّعها بقوله تعالى (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ (41) الروم) لماذا؟ (لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) لم يقل كل الذي عملوا وإنما قال بعض، (لعلّهم) ليست للتمني ولكن الغاية أن يتنبهوا ويرجعوا. والتوقيع في غاية الإبداع قال تعالى (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) ولم يقل الإنسان كأنها تفضح الإنسان فالناس تفضح بعضها أمام بعض. الناس لا تلجأ للإله الحق إلا لما تقع في ورطة التي لا يعرف البشر أن يحلّها. والآية تقول (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ) لم يقل نزل بهم الضر وإنما مجرد مسّ لكنه لجأ إلى الله وهو مشرك أي أنه يعرف أن يقول يا طبيب في المرض ويا محامي في قضية، لكن لما جاء ضّر وهو الشيء الذي لا يقوى عليه البشر قال يا رب فكأن المشرك يلجأ إلى الله في الورطة الشديدة ولو كانت ورطة خفيفة يلجأ إلى الناس. قضية الضرّ لا تُحلّ إلا من عند الله تعالى ولجوء المشرك إلى الله تعالى عند الشدائد أكبر دليل على صدق وجود الإله الحق من قِبَل هذا المشرك أو الكافر. كلمة (مسّ) مجرد مسّ. مثلاً عندما تحدث حرب تقول لو كنا تحضرنا واستعددنا لكن لما يأتي زلزال تقول يا رب لأنه مسّك الضرّ. (وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ) إذا مسهم الضر يلجأون إلى الله تعالى بعد أن يقطعوا ما هم فيه. هذه مثل رجل يسهر كل يوم وفي اليوم التالي عنده قضية فليلة القضية لا يسهر ولا يعصي فأناب عندما مسّه الضر فقط لأنه يريد أم يري الله تعالى أنه منيب إليه. إذا مس الناس ضر دعوا ربهم ليس مجرد دعوة وإنما منيبين إليه وهذا دليل على أنهم يعرفون فعلاً معنى الإنابة. لم يدعوا فقط وإنما أخذوا الوسيلة (منيبين إليه). (ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) لم يقل فأذاقهم دليل على أن الموضوع سيأخذ وقتاً لذا تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة أي ينقذك في الشدة لكن إذا توجهت إليه فقط في الشدة قال تعالى (ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ) التذوق غير الأكل فالتذوق يكون بطرف اللسان أي بمجرد أن ينكشف الغمة يعود ثانية للمعصية ومن صيانة احتمال القرآن قال (إذا فريق منهم بربهم يشركون) وليس كلهم، البعض عندما يمرض ولده يحتار ويدعو الله تعالى أن يوفقه بطبيب جيد فيأتي الطبيب ويُشفى الولد المريض فيقوم الأب بشكر الطبيب قبل أن يشكر الله تعالى لذا قال تعالى (إذا فريق منهم بربهم يشركون) مرة ثانية. قال تعالى (ليكفروا) المفسرون قالوا أنها لام التعليل أو جواب الشرط وفعل الشرط لكن فطن أهل اللغة إلى أنها لام العاقبة، هؤلاء كانوا مشركين والله تعالى أذاقهم رحمة أشركوا ثانية فقالوا: شرك وإنابة وشرك إذن هم معتادون على هذا لذا سينتهي بهم الأمر إلى الكفر (لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ) من رحمة ومنهج الذي كان واضحاً أمامهم ثم لما اذاقهم الله رحمة أشركوا مع الله. (فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) إذا كنت تريد هذه المتعة فتمتع بها لأنه سوف تعلمون في يوم لا ينفع فيه الندم ونوقّعها في آية في أواخر سورة الفجر (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23)) ما قيمة التذكر في ذلك اليوم؟ وهذا كلام قول الرسول r إعملوا، وقول الله تعالى (وقل اعملوا) لا تنتظر أن فلاناً سيحج عنك أو يعتمر عنك أو يقرأ لك القرآن. (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) الفجر) الحياة الحقيقية هي الحيوان (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) العنكبوت) هذه التي يبكى عليه وليست الحياة الدنيا. النتيجة (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) الفجر) لن يحمل عنك أحد شيئاً. والذي يبكي عليه العارفون في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)) يعني أن التي قبلها ليست في جنته (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) لا فائدة من الذكرى الآن لأنه طالما رأى ملائكة الموت يكون الأمر قد انتهى لذلك يجب أن يعي الإنسان هذا التوقيع في القرآن (وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) وقد قال تعالى (فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى (9) الأعلى) لكن الذكرى تنفع الإنسان في حياته. توقيع آخر (حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون) لم يقل حتى سأعمل صالحاً لكنه يتكلم حقيقة، سيفكر لو عاد إذا كان سيعمل أو لا لذا الله تعالى لا يظلم أحداً فأنت الذي أشركت وأنبت ثم أشركت ثانية وكان يجب أن تنيب إليه وتتقيه وتقيم الصلاة لكن لما أشرك ثانية (ليكفروا بما آتيناهم تعلمون) العلم أن تعلم فتعمل لا على مرادك وهواك وإنما على مراد الله تعالى إنابة وتقوى وإقامة الصلاة. لماذا قال إقامة الصلاة دون الصيام أو الحج أو الزكاة مثلاً؟ هذه أركان الإيمان فقد يصوم الإنسان وقد لا يصوم، الحج قد يحج الإنسان وقد لا يحج والفقير لا يزكي لكن الشهادة والصلاة هي من أركان المسلم ولا تسقط عن أي مسلم مهما كان لذا قال (منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة) لأنها لا تسقط عن أي مسلم كأن إقامة الصلاة والتقوى والإنابة هي المنحية من عذاب يوم القيامة ولو أحسنا هذه الثلاثة لا يكون هناك شرك. علينا جميعاً أن نسعى لأن نكون عباد إحسان لا عباد إمتحان فليكن لساننا رطباً بذكر الله تعالى في كل حال في السراء والضراء، في الرخاء وفي الشدة. بُثّت الحلقة بتاريخ 17/4/2007م |
الساعة الآن 12:01 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |