![]() |
سورة العصر : ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب وذلك بعدما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أن يسلم عمرو فقال له مسيلمة ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة ؟ فقال لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال وما هي ؟ فقال " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " ففكر مسيلمة هنيهة ثم قال وقد أنزل علي مثلها فقال له عمرو وما هو ؟ فقال : يا وبر يا وبر إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حفر نقر ثم قال كيف ترى يا عمرو فقال له عمرو ؟ والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب. والوبر دويبة تشبه الهر أعظم شيء فيه أذناه وصدره وباقيه دميم فأراد مسيلمة أن يركب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن . فلم يرج ذلك على عابد الأوثان في ذلك الزمان . وذكر الطبراني من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن عبيد الله بن حصن قال كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها ثم يسلم أحدهما على الآخر : وقال الشافعي رحمه الله : لو تدبر الناس هذه السورة لوسعتهم . العصر : الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خير وشر وقال مالك عن زيد بن أسلم هو العصر والمشهور الأول . وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ فأقسم تعالى بذلك على أن الإنسان لفي خسر أي في خسارة وهلاك . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ { إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } يقول : إلا الذين صدقوا الله ووحدوه , وأقروا له بالوحدانية والطاعة , وعملوا الصالحات , وأدوا ما لزمهم من فرائضه , واجتنبوا ما نهاهم عنه من معاصيه , واستثنى الذين آمنوا عن الإنسان , لأن الإنسان بمعنى الجمع , لا بمعنى الواحد . وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وقوله : { وتواصوا بالحق } يقول : وأوصى بعضهم بعضا بلزوم العمل بما أنزل الله في كتابه , من أمره , واجتناب ما نهى عنه فيه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة { وتواصوا بالحق } والحق : كتاب الله . وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وقوله : { وتواصوا بالصبر } يقول : وأوصى بعضهم بعضا بالصبر على العمل بطاعة الله. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر , قال : ثنا يزيد , قال : ثنا سعيد , عن قتادة { وتواصوا بالصبر } قال : الصبر : طاعة الله . |
اللغز الثامن والعشرون بسؤال تهويلٍ أتت في صدرها وتحدثت عن سابقين تجبروا وعن النهايةِ تخبرُ وبنعمة الإنقاذ من ماءِ الهلاك تذكِّر تصف القيامة يا بشر والعرض آتٍ لا مفر من باليمين كتابُه ربح الحياة ولا وزر أما الذي بشماله أخذ الكتابَ ففي سقر والله أقسم أنه ما كان من قول البشر تنزيل رب العالمين على ختام المرسلين حق من البرالكريم فسبحوا الله العظيم سورة الحاقه بسؤال تهويلٍ أتت في صدرها وتحدثت عن سابقين تجبروا وعن النهايةِ تخبرُ الْحَاقَّةُ (1) مَا الْحَاقَّةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ (3) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ (4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5) وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَىٰ لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ (8) وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ (9) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً (10) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ (11) وبنعمة الإنقاذ من ماءِ الهلاك تذكِّر لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ (12) تصف القيامة يا بشر والعرض آتٍ لا مفر فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَائِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) من باليمين كتابُه ربح الحياة ولا وزر فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24) أما الذي بشماله أخذ الكتابَ ففي سقر وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ (25) وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ (26) يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ (27) مَا أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ ۜ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37) والله أقسم أنه ما كان من قول البشر تنزيل رب العالمين على ختام المرسلين فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ ۚ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43) حق من البرالكريم فسبحوا الله العظيم وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52) من أسباب النزول سورة الحاقة بسم الله الرحمن الرحيم قوله عز وجل: وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ 12 . حدثنا أبـو بكر التميمي، أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر، أخبرنا الوليد بن أبان، أخبرنا العباس الدوري، أخبرنا بشر بن آدم، أخبرنا عبد الله بن الزبير قال: سمعت صالح بن هيثم يقول: سمعت بُريدة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: "إن الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك، وأن أعلمك وتعي وحقّ على الله أن تعي"، فنـزلت: وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ . الْحَاقَّةُ روى أبو الزاهرية عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ إحدى عشرة آية من سورة الحاقة أجير من فتنة الدجال . ومن قرأها كانت له نورا يوم القيامة من فوق رأسه إلى قدمه ) . " الحاقة " يريد القيامة ; سميت بذلك لأن الأمور تحق فيها مَا الْحَاقَّةُ يريد القيامة ; سميت بذلك لأن الأمور تحق فيها ; قاله الطبري . كأنه جعلها من باب " ليل نائم " . وقيل : سميت حاقة لأنها تكون من غير شك . وقيل : سميت بذلك لأنها أحقت لأقوام الجنة , وأحقت لأقوام النار . وقيل : سميت بذلك لأن فيها يصير كل إنسان حقيقا بجزاء عمله . وقال الأزهري : يقال حاققته فحققته أحقه ; أي غالبته فغلبته . فالقيامة حاقة لأنها تحق كل محاق في دين الله بالباطل ; أي كل مخاصم . وفي الصحاح : وحاقه أي خاصمه وادعى كل واحد منهما الحق ; فإذا غلبه قيل حقه . ويقال للرجل إذا خاصم في صغار الأشياء : إنه لنزق الحقاق . ويقال : ماله فيه حق ولا حقاق ; أي خصومة . والتحاق التخاصم . والاحتقاق : الاختصام . والحاقة والحقة والحق ثلاث لغات بمعنى . وقال الكسائي والمؤرج : الحاقة يوم الحق . وتقول العرب : لما عرف الحقة مني هرب . والحاقة الأولى رفع بالابتداء , والخبر المبتدأ الثاني وخبره وهو " ما الحاقة " لأن معناها ما هي . واللفظ استفهام , معناه التعظيم والتفخيم لشأنها ; كما تقول : زيد ما زيد على التعظيم لشأنه . |
اللغز التاسع والعشرون عن ليلة نتكلمُ وبحبها نترنمُ الله أنزل نوره فيها فربي منعمُ ها فرصة يا من شكا العمر القصير ومغنمُ الروح ينزل طائعاً وملائكٌ تتكرمُ عم الأنام سلامُها وبكل خير تُختمُ فانعم بخير عطيةٍ من ربنا يا مسلمُ سورة القدر مقصودها: مقصودها تفصيل الأمر الذي هو أحد قسمي ما ضمنه مقصود " اقرأ " وعلى ذلك دل اسمها لأن الليلة فضلت به ، فهو من إطلاق المسبب على السبب ، وهو دليل لمن يقول باعتبار تفضيل الأوقات لأجل ما كان فيها ، كما قال ذلك اليهودي في اليوم الذي نزل فيه قوله تعالى ) اليوم أكملت لكم دينكم ) [ المائدة : 3 ] وأفرده الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على ذلك وأعلمه أنه صار لنا عيدين : عيدا من جهة كونه يوم عرفة ، وعيدا من جهة كونه يوم جمعة أسباب النزول بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. أخبرنا أبو بكر التميمي أخبرنا عبد الله بن حباب أخبرنا أبو يحيى الرازي أخبرنا إسماعيل العسكري أخبرنا يحيى بن أبي زائدة عن مسلم عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر فتعجب المسلمون من ذلك فأنزل الله تعالى (إِنّا أَنزَلناهُ في لَيلَةِ القَدرِ وَما أَدراكَ ما لَيلَةِ القَدرِ لَيلَةِ القَدرِ خَيرٌ مِن أَلفِ شَهرِ) قال: خير من التي لبس فيها السلاح ذلك الرجل. الآيات التي تحدثت عنها الأبيات عن ليلة نتكلمُ وبحبها نترنمُ الله أنزل نوره فيها فربي منعمُ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ها فرصة يا من شكا العمر القصير ومغنمُ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ الروح ينزل طائعاً وملائكٌ تتكرمُ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ عم الأنام سلامُها وبكل خير تُختمُ فانعم بخير عطيةٍ من ربنا يا مسلمُ سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ السور المشابهة لها في البدء هل تقصد أستاذنا الفاضل البدء بمضمون الآية الأولى؟ كما في سورة الدخان " حم والكتاب المبين لإنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منزلين"؟ هذه فائدة قرأتها بالعام الماضي من أخطاء الناس حول ليلة القدر !!! بقلم فضيلة الشيخ "أبو عبيدة" مشهور بن حسن آل سلمان حفظه الله تعالى ورعاه الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وآله وصحبه ، ومن اهتدى بهديه ، وصلى بصلاته إلى يوم الدين ، قال تعالى : {يوم لا ينفع مال ولا بنون . إلا من أتى الله بقلب سليم }. أما بعد . أخطاء الناس ومخالفاتهم في الصيام والقيام كثيرة شهيرة، سواء في اعتقاداتهم وأحكامهم وممارساتهم، فيظنون – وبعضهم يعتقد – أمورا ليست من الإسلام في شيء تجاه هذا الركن العظيم من أركان الإسلام؛ ويستبدلون – فيه وفي غيره – الذي هو أدنى بالذي هو خير، اتِّباعا لليهود، الذين نهى النبي عن مشابهتهم، وأكد وحث على مخالفتهم. ومن هذه الأخطاء أخطاء تخص ليلة القدر، ونقسمها إلى قسمين: القسم الأول: أخطاء في التصور والاعتقاد؛ ومن ذلك: • اعتقاد كثير من الناس أن لليلة القدر علامات تحصل وتقع لبعض العباد فيها وينسجون حول ذلك خرافات وخزعبلات، فيزعمون أنهم يرون نورا من السماء، أو تفتح لهم فجوة من السماء !! ... إلخ. ورحم الله الحافظ ابن حجر، فإنه ذكر في (( الفتح )) (4 / 266 ) أن الحكمة في إخفاء ليلة القدر حصول الاجتهاد في التماسها، بخلاف ما لو عُيِّنت لها ليلة لاقتصر عليها. ثم نقل عن الطبري أنه اختار أن جميع العلامات غير لازمة فيها، وأنها لا يشترط لحصولها رؤية شيء أو سماعه، وقال: في إخفاء ليلة القدر دليل على كذب من زعم أنه يظهر في تلك الليلة للعيون ما لا يظهر في سائر السنة، إذ لو كان ذلك حقا لم يَخْفَ على كل من قام ليالي السنة فضلا عن ليالي رمضان. • قولهم بأنها رفعت أصلا. وقد حكاه المتولي من الشافعية في كتابه (( التتمة )) عن الرافضة، وحكاه الفاكهاني في (( شرح العمدة)) عن الحنفية !! وهذا تصور فاسد، وخطأ شنيع مبني على فهم مغلوط لقول النبي – لمّا تلاحى رجلان في ليلة القدر – : "إنها رُفعت" !! والرد على هذا الاستدلال من وجهين: الأول: قال العلماء: المقصود بـ "رُفعت" أي: من قلبي، فنسيتُ تعيينها للاشتغال بالمتخاصمين، وقيل: المعنى رُفعت بركتها في تلك السنة، وليس المراد بأنها رُفعت أصلا، ويدل على ذلك ما أخرجه عبدالرزاق في (( مصنًّفه )) (4 / 252 ) عن عبدالله بن يَحْنُس قال: قلت لأبي هريرة: زعموا أن ليلة القدر رُفعت !! قال: كذب من قال ذلك. الثاني: عموم الأحاديث التي فيها الحث على قيامها، وبيان فضلها، كمثل ما أخرجه البخاري وغيره من قوله : "من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه". قال النووي: واعلم أن ليلة القدر موجودة، فإنها تُرى، ويتحققها من شاء الله تعالى من بني آدم كل سنة في رمضان، كما تظاهرت عليه هذه الأحاديث وإخبار الصالحين بها، ورؤيتهم لها أكثر من أن تحصر. قلت: نعم؛ إمكانية معرفة ليلة القدر واردة، فقد تتضافر العلامات التي أخبر بها صلى الله عليه وسلم على إنها ليلة ما من ليالي رمضان، ولعل هذا هو المراد من قول عائشة – فيما أخرجه الترمذي وصححه – قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمتُ أي ليلة القدر ما أقول فيها؟ ففي هذا الحديث – كما يقول الشوكاني في (( نيل الأوطار )) (4 / 303 ) – : "دليل على إمكان معرفة ليلة القدر وبقائها". وقال الزُّرقاني في (( شرحه على الموطأ )) ( 2 / 491 ): "ومن زعم أن المعنى – أي: الوارد في الحديث المذكور – رُفعت أصلا – أي: وجودها – فقد غلط، فلو كان كذلك لم يأمرهم بالتماسها، ويؤيد ذلك تتمة الحديث: " ... وعسى أن يكون خيرا لكم"؛ لأن إخفاءها يستدعي قيام كل الشهر، بخلاف ما لو بقي معرفتها بعينها". فليلة القدر باقية إلى يوم القيامة، وإن كان تحديدها خفيا على وجه يقطع اللبس والغموض، وإن كان الراجح أنها في العشر الأواخر منه، والأدلة ترجِّح أنها ليلة السابع والعشرين، ولكن القطع بذلك على وجه اليقين صعب وعسير، والله أعلم. القسم الثاني: أخطاء في العمل والسلوك: وما يقع فيه الناس في ذلك ليلةَ القدر كثير جدا، ولا يكاد يسلم منها إلا من عصم الله، من ذلك: • البحث والفتش عن تعيينها، والانشغال – برصد أماراتها – عن العبادة والطاعة فيها. فكم نرى بين المصلين من ينشغل بهذا عن تلاوة القرآن والذكر والعلم، فتجد الصالح منهم – قبيل طلوع الشمس – يرقب قرص الشمس ليعلم هل لها شعاع أم لا ؟ وعلى هؤلاء أن يتمعنوا فيما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم :" ... فعسى أن يكون خيرا لكم" ففيه إشارة إلى عدم تعيينها، قال أهل العلم – مستنبطين من هذا القول النبوي أن إخفائها أفضل – قالوا: والحكمة في ذلك: أن يجتهد العبد ويكثر من العمل في سائر الليالي رجاء موافقتها، بخلاف ما لو عُيِّنت له لاقتصر على كثرة العمل في ليلة واحدة ففاته العبادة في غيرها، أو قلَّ فيها عمله، بل استنتج بعضهم منه أن الأفضل لمن عرفها أن يكتمها بدليل أن الله قدَّر لنبيه أنه لم يخبر بها، والخير كله فيما قُدِّر له، فيستحب اتِّباعه في ذلك. • ومما سبق يُعلم خطأ كثير من الناس في إقبالهم على القيام خاصة، – والعبادة عامة – في ليلة السابع والعشرين؛ جازمين – أو شبهَ جازمين – أنها ليلة القدر ( ! ) ثم هجرهم القيام والاجتهاد في الطاعة سائر الليالي؛ ظنا منهم بأن لهم أجر عبادة ما يزيد على ألف شهر في إحياء هذه الليلة حسبُ !! وهذا الخطأ يجعل كثيرا من الناس يغالون في الطاعة في هذه الليلة، فتراهم لا ينامون – بل لا يفتُرُون – عن الصلاة، مع ( مجاهدة ) النفس بعدم النوم، وربما صلى بعضهم – وأطال القيام – وهو يدافع بجهد بالغ النعاس، وقد رأينا بعض من ينام منهم في السجود !! وفي هذا مخالفة لهدي النبي في أمره بعدم عمل ذلك من جهة، وأنه من الآصار والأغلال التي رفعت عنا – بفضل الله ومنِّه – من جهة أخرى. • ومن أخطائهم في هذه الليلة انشغالهم بترتيب الاحتفالات، وإلقاء الكلمات والمحاضرات ( ! )، – وبعضهم ينشغل بالنشيد والتغبير !! – عن الطاعات والقُربات. وترى بعض المتحمسين يطوف بالمساجد لإلقاء آخر الأخبار !! وتحليلها على وجهٍ يُخرج هذه الليلة عن المقصود الشرعي الذي من أجلها شرعت و وجدت. • ومن أخطائهم تخصيص بعض العبادات فيها، كصلاة خاصة لها. وبعضهم يصلي فيها على وجه دائم جماعة – بغير حجة – صلاة التسابيح !! وبعضهم يؤدي في هذه الليلة – بزعم البركة – صلاة حفظ القرآن ! ولا تَثبُت. والمخالفات والأخطاء المتعلقة بليلة القدر – مما يقع فيه الكثير من الناس – متنوعة متكاثرة، لو استقصيناها وتتبعناها لطال بنا القول، وما أوردناه ها هنا نزر يسير، يفيد طلاب العلم، والراغبين بالحق، والباحثين عن الصواب. من أسباب نزول الآيات فى سورة القدر أخبرنا أبو بكر التميمي، أخبرنا عبد الله بن حبان، أخبرنا أبو يحيى الرازي، أخبرنا سهل العسكري، أخبرنا يحيى بن أبي زائدة، عن مسلم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فتعجب المسلمون من ذلك، فأنـزل الله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ قال: خير من التي لبس فيها السلاح ذلك الرجل. القول في تأويل قوله تعالى : إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) . يقول تعالى ذكره: إنا أنـزلنا هذا القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القَدْر، وهي ليلة الحُكْم التي يقضي الله فيها قضاء السنة؛ وهو مصدر من قولهم: قَدَرَ الله عليّ هذا الأمر، فهو يَقْدُر قَدْرا. حدثنا ابن المثنى، قال: ثني عبد الأعلى، قال: ثنا داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس، قال: نـزل القرآن كله مرة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا، فكان الله إذا أراد أن يحدث في الأرض شيئًا أنـزله منه حتى جمعه. حدثنا ابن المثنى قال: ثنا عبد الوهاب، قال: ثنا داود، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: أنـزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، وكان الله إذا أراد أن يوحي منه شيئا أوحاه، فهو قوله: ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) . قال: ثنا ابن أبي عديّ، عن داود، عن عكرِمة، عن ابن عباس، فذكر نحوه ، وزاد فيه. وكان بين أوّله وآخره عشرون سنة. قال ثنا عمرو بن عاصم الكلابي، قال: ثنا المعتمر بن سليمان التيميّ، قال: ثنا عمران أبو العوّام، قال: ثنا داود بن أبي هند، عن الشعبيّ، أنه قال في قول الله: ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) قال: نـزل أول القرآن في ليلة القدر. حدثني يعقوب، قال: ثنا هشيم، قال: أخبرنا حصين، عن حكيم بن جبير، عن ابن عباس، قال: نـزل القرآن في ليلة من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة، ثم فُرِّق في السنين، وتلا ابن عباس هذه الآية: فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ قال: نـزل متفرّقا. حدثني يعقوب، قال: ثنا ابن عُلَية، عن داود، عن الشعبيّ، في قوله: ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) قال: بلغنا أن القرآن نـزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا. حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن مسلم، عن سعيد بن جُبير: أنـزل القرآن جملة واحدة، ثم أنـزل ربنا في ليلة القدر: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ . قال: ثنا جرير، عن منصور، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، في قوله ( إِنَّا أَنـزلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ) قال: أنـزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر، إلى السماء الدنيا، فكان بموقع النجوم، فكان الله ينـزله على رسوله، بعضه في أثر بعض، ثم قرأ: وقالوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا . |
اللغز الثلاثون
تعالى الخالق الصمدُ فليس لأمره حدُ إذا ما قال كن كانت مشيئته فلا ردُ بلا أبوين قد سوى فلم يعجز له قصدُ ومن أمٍ بلا زوجٍ فليس لصنعه عدُّ وهذي سورةٌ فيها من الإعجاز ما فيها نبيٌ قد دعا رغبا وخر لربه رهبا فأكرمه وأعطاه غلاماً صانه الله وأنثى شأنها الطهرُ يشيدُ بطهرها الدهرُ فكانت وابنها آية وفي تسليمها غاية وابراهيم إذ يدعو أباه وليس يمتنعُ عن الأصنام والشركِ يدور بظلمةِ الشكِ وطائفةٍ من الرسلِ كنهرٍ فاض بالعسلِ وأمجادٍ لهم تذكر وأخلاقٍ لهم ثؤثر وفيها مشهدٌ يُبكي لأهل الكفرِ والشركِ بكل مذلةٍ حُفوا وحول جهنمَ التفوا وكان ختامُها مسكا بياناً يدحض الشركَ بتوحيدٍ لبارينا وتنزيهٍ لهادينا سورة مريم السور المشابهة : الاعراف ـيونس ـهود ـيوسف ـالرعد ـابراهيم ـالحجر ـالشعراء ـغافر ـفصلت ـالشورى ـالزخرف ـالنمل ـالقصص ـالعنكبوت ـالروم ـلقمان ـص ـالدخان الجاثية الاحقاف ـق ـالقلم نبى قد دعا رغبا : زكريا وأنثى شأنها طهر : مريم روى محمدبن إسحاق فى السيرة من حديث أم سلمة وأحمدبن حنبل عن ابن مسعودفى قصته الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة أن جعفربن أبى طالب رضى الله عنه قرأ صدر هذه السورة على النجاشى وأصحابه ............ { كهيعص} اختلف المفسرون فى الحروف المقطعة التى فى أوائل السور فمنهى من قال هى مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى الله ولم يفسرها حكاه القرطبى فى تفسيره ومنها من فسرها واختلف هؤلاء فى معناها فقال عبدالرحمن بن زيدبن أسلم إنماهى أسماء السور ........... " ذكررحمة ربك عبده زكريا " أى هذاذكررحمة الله بعبده زكريا وكان نبيا عظيما من أنبياءبنى إسرائيل وفى صحيح البخارى أنه كان نجارا يأكل من عمل يده فى النجارة " إذنادى ربه نداءخفيا " قال بعض المفسرين إنما أخفى دعاءه لئلا ينسب فى طلب الولد إلى الرعونة لكبره ...إن الله يعلم القلب التقى ويسمع الصوت الخفى وقال بعض السلف قام من الليل عليه السلام وقد نام أصحابه فجعل يهتف بربه يقول خفية يارب يارب يارب فقال الله له : لبيك لبيك لبيك .......... خشى أن يتصرف عصباته من بعده فى الناس تصرفا سيئا فسأل الله ولدا يكون نبيا من بعده ليسوسهم بنبوته ما يوحى إليه " فهب لى من لدنك وليا يرثنى " المقصود ميراث النبوة ولهذا قال " ويرث من ال يعقوب " " واجعله رب رضيا " أى مرضيا عندك وعندخلقك تحبه وتحببه إلى خلقك فى دينه وخلقه " بازكريا إنانبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سمبا " هذا الكلام يتضمن محذوفا وهو أنه أجيب إلى ماسأل فى دعائه فقيل له "يازكرياإنانبشرك بغلام اسمه يحيى " وقوله لم نجعل له من قيل سميا أى شبيها قال قتادة وابن جريح وابن زيد أى لم يسم أحد قيله بهذا الاسم وأنثى شأنها الطهر يشيد بطهرها الدهر فكانت وابنها ايه وفى تسليمها غايه ..المقصود { السيدة مريم وابنها عيسى عليه السلام } الايات .." واذكر فى الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا {16}فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا {17}قالت إنى إعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا {18}قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما ذكيا {19}قالت أنى يكون لى غلامولم يمسسنى بشرولم أك بغيا {20}قال كذلك قال ربك ربك هو على هين ولنجعله ءاية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا {21}فحملته فانتبذت به مكانا قصبا {22}..... هى مريم بنت عمران من سلالة داوود عليه السلام وكانت من بيت طاهر طيب فى بنى اسرائيل ونشأت نشأة عظيمة فكانت احدى العابدات الناسكات المشهورات بالعبادة العظيمة والتبتل وكانت فى كفالة زوج اختها زكريا عليه السلام نبى بنى اسرائيل إذ ذاك وعظيمهم الذى يرجعون إليه فى دينهم ورأى لها زكريا من الكرامات الهائلة ما بهره فذكر أنه كان يجد عندها ثمر الشتاء فى الصيف وثمر الصيف فى الشتاء وإبراهيم إذيدعو أباه وليس يمتنع عن الأصنام والشرك يدوربظلمة الشك ....قصة ابراهيم عليه السلام ......... الايات .." واذكر فى الكتاب ابراهيم إنه كان صديقا نبيا {41}إذقال لأبيه باأبت لم تعبدمالا يسمع ولايبصرولايغنى عنك شيئا {42} ياأبت إنى قدجاءنى من العلم مالم يأتك فاتبعنى أهدك صراطا سويا {43} ياأبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا {44} ياأبت إنى أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا {45}................ ..يقول الله تعالى لنبيه محمدصلى الله عليه وسلم : .." واذكرفى الكتاب ابراهيم " واتل على قومك هؤلاء الذين يعبدون الأصنام واذكر لهم ماكان من خبر ابراهيم خليل الرحمن الذين هم من ذريته ويدعون أنهم على ملته ةقد كان صديقا نبيا مع أبيه وقد نهاه عن عبادة الأصنام فقال ياأبت لم تعبدمالا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا أى لا ينفعك ولا يدفع عنك ضررا وطائفة من الرسل كنهرفاض بالعسل وأمجادلهم تذكر وأخلاق لهم تؤثر ......موسى ـ هارون ـ اسماعيل ـإدريس ..عليهم جميعا السلام الايات .." واذكر فى الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا {51}وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا {52}ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا {53}واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعدوكان رسولا نبيا {54}وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عندربه مرضيا{55}واذكرفى الكتاب إدريس إنه كان صديقانبيا {56}ورفعناه مكاناعليا {57}أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية ءادم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم ءايت الرحمن خروا سجدا وبكيا {58} وفيها مشهد يبكى لأهل الكفر والشرك بكل مذلة حفوا وحول جهنم التفوا .....الايات .." فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا {68}ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشدعلى الرحمن عتيا {69}ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا {70} ....أقسم الله تبارك وتعالى بنفسه الكريمة أنه لابد أن يحشرهم جميعاوشياطينهم الذين كانوا يعبدون من دون الله ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ..قال العوفى عن ابن عباس يعنى قعودا وقال السدى قوله جثيا يعنى قياما ...... وبعد ذلك يحبس الأول على الاخر حتى إذا تكاملت العدة أتاهم جميعا ثم بدأ بالأكابرفالأكابر جرما ..... الله تعالى أعلم بمن يستحق من العباد أن يصلى بنار جهنم ويخلد فيها وبمن يستحق تضعيف العذاب وكان ختامها مسكا بيانا يدحض الشرك بتوحيد لبارينا وتنزيه لهادينا .......الايات .." وقالوا اتخذ الرحمن ولدا {88}لقد جئتم شيئا إدا {89}تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا {90}أن دعواللرحمن ولدا {91}وماينبغى للرحمن أن يتخذ ولدا {92}إن كل من فى السموات والأرض إلا ءاتى الرحمن عبدا{93}لقد أحصاهم وعدهم عدا {94}وكلهم ءاتيه يوم القيامة فردا {95}إن الذين امنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا {96}........ ـ فى ختام السورة يخبر الله تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات يغرس لهم فى قلوب عباده الصالحين محبة ومودة وهذا أمر لا بد منه وقد روى ابن جرير أثرا أن هذه الاية نزلت فى هجرة عبد الرحمن بن عوف وهو خطأ فإن هذه السورة بكمالها مكية لم ينزل منها شىء بعد الهجرة ولم يصح سند ذلك ....والله أعلم ... |
اللغز الحادي والثلاثون سورة الناس الله سوى خلقه سبحانه رب البرايا والإله المقتدر وهو الرؤوف بهم ومالك أمرهم عذنا به من شر وسواسٍ حضر فإذا ذكرنا الله يخنس خاسئاً يُخزى بذكر الله يخشى ينكسر من جنةٍ لسنا نرى أشكالهم أو مثلنا من جنسنا نحن البشر السور المشابهة :,. الإخلاص ـالفلق ـالكافرون ـالجن الايات : بسم الله الرحمن الرحيم " قل أعوذ برب الناس {1}ملك الناس {2}إله الناس {3}من شر الوسواس الخناس {4}الذى يوسوس فى صدور الناس {5}من الجنة والناس {6} يقول ابن كثير فى تفسيره : هذه ثلاث صفات من صفات الرب عز وجل ..الربوبية والملك والإلهية فهو رب كل شىء ومليكه وإلهه فجميع الأشياء مخلوقة له مملوكة عبيدله فأمر المستعيذأن يتعوذبالمتصف بهذه الصفات من شر الوسواس الخناس وهو الشيطان الموكل بالإنسان فإنه ما من أحد من بنى ادم إلا وله قرين يزين له الفواحش ولا يألوه جهدا فى الخيال .... قل أعوذ برب الناس " ...يقول تعالى ذكره لنبيه محمدصلى الله عليه وسلم : قل يا محمد أستجير{ برب الناس} تفسير الطبرى .. ـــسورة الناس مثل الفلق لأنها احدى المعوذتين وروى الترمذى عن عقبة بن عامرالجهنى عن النبى صلى الله عليه وسلم : { لقد أنزل الله على ايات لم يُرمثلهن : " قل أعوذبرب الناس ..إلى اخر السورة ..وقل أعوذبرب الفلق إلى اخر السورة ..وقال : هذا حديث حسن صحيح ورواه مسلم .. قل أعوذبرب الناس : أى مالكهم ومصلح أمورهم وإنما ذكر أنه رب الناسوإن كان ربا لجميع الخلق لأمرين : أحدهما لأن الناس معظمون فأعلم بذكرهم أنه رب لهم وإن عظموا ..الثانى لأنه أمر بالاستعاذة من شرهم فأعلم بذكرهم أنه هو الذى يعيذ منهم ..تفسير القرطبى .. إنما قال ملك الناس إله الناس لأن فى الناس ملوكا يذكر أنه ملكهم وفى الناس من يعبد غيره فذكر أنه إلههم ومعبودهم وأنه الذى يجب أن يستعاذبه ويلجأ إليه دون الملوك العظماء { القرطبى } وفى تفسير الطبرى : هو ملك جميع الخلق إنسهم وجنهم وغير ذلك إعلاما منه بذلك من كان يعظم الناس تعظيم المؤمنين ربهم أنه ملك من يعظمه وأن ذلك فى ملكه وسلطانه تجرى عليه قدرته وأنه أولى بالتعظيم وأحق بالتقدير وأحق بالتعبد له من يعظمه ويتعبد له من غيره من الناس .. فإذا ذكرنا الله يخنس خاسئا يخزى بذكر الله يخشى ينكسر ...." من شر الوسواس الخناس" وقال سعيدبن جبيرعن ابن عباس فى قوله : الوسواس الخناس " الشيطان جاثم على قلب ابن ادم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله خنس وكذا قال مجاهد وقتاده وقال المعتمر بن سليمان عن أبيه ذكر لى أن الشيطان الوسواس ينفث فى قلب ابن ادم عند الحزن وعند الفرح فإذا ذكر الله خنس ..وقال العوفى عن ابن عباس فى قوله " الوسواس " قال هو الشيطان يأمر فإذا أطيع خنس .. من جنة لسنا نرى أشكالهم أومثلنا من جنسنانحن البشر ...... الايات " الذى يوسوس فى صدور الناس {5}من الجنة والناس {6} ....... هل يختص هذا ببنى ادم كما هو الظاهر أويعم بنى ادم والجن ؟ فيه قولان : ويكونون قد دخلوا فى لفظ الناس تغليبا ..وقال ابن جرير: وقد استعمل فيهم رجال من الجن فلا بدع فى اطلاق الناس عليهم وقوله تعالى : " من الجنة والناس " هل هو تفصيل لقوله : " الذى يوسوس فى صدور الناس" من شياطين الإنس والجن كما قال تعالى :" وكذلك جعلنا لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا" {تفسير ابن كثير } وفى تفسير القرطبى : " من الجنة والناس" أخبر أن الموسوس قديكون من الناس قال الحسن هما شيطانان أما شيطان الجن فيوسوس فى صدور الناس وأماشيطان الإنس فيأتى علانية وقال قتادة : إن من الجن شياطين وإن من الإنس شياطبن فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن .. وفى تفسير { الطبرى } : الشيطان الوسواس الذى يوسوس فى صدور الناس جنهم وإنسهم فإن قال قائل : فالجن ناس فيقول : الذى يوسوس فى صدور الناس قيل : قدسماهم الله فى هذا الموضع ناسا كما سماهم فى موضع اخر رجالا فقال . " وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من من الجن " فجعل الجن رجالا وكذلك جعل منهم ناسا .. وفى تفسير الجلالين : " من الجنة والناس " بيان للشيطان الموسوس أنه جنى وأنسى . |
اللغز الثاني والثلاثون
ما أنزل الله الكتاب عليه إلا تذكره هذا النبي المصطفى وشفيعنا في الآخره هي سورة من وحي ربي للقلوب الصابره قصت علينا شأن موسى في أمورٍ باهره في بعثه ونجاته من مجرمين جبابره وتعرضت لبلاء آدم والوساوس ماكره والفضل لله اجتباه بتوبة ليطهره ومشاهدٍ لقيامةٍ والناس فيها حائره قد أحضروا لحساب عدلٍ والعزائم خائره وختامها أمر بصبر في انتظار الآخره طه. مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ما أنزل الله الكتاب عليه إلا تذكره هذا النبي المصطفى وشفيعنا في الآخره تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَا الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى هي سورة من وحي ربي للقلوب الصابره وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَاموسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى قصت علينا شأن موسى في أمورٍ باهره وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي في بعثه ونجاته من مجرمين جبابره وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يبلى فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى وتعرضت لبلاء آدم والوساوس ماكره والفضل لله اجتباه بتوبة ليطهره يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ومشاهدٍ لقيامةٍ والناس فيها حائره قد أحضروا لحساب عدلٍ والعزائم خائره قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى وختامها أمر بصبر في انتظار الآخره الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه سورة طه سورة طه مكية في قول الجميع نزلت قبل إسلام عمر رضي الله عنه روى الدارقطني في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال خرج عمر متقلدا بسيف فقيل له إن ختنك قد صبوا فأتاهما عمر وعندهما رجل من المهاجرين يقال له خباب وكانوا يقرءون " طه " فقال : أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرأه وكان عمر رضي الله عنه يقرأ الكتب فقالت له أخته إنك رجس ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فقام عمر رضي الله عنه وتوضأ وأخذ الكتاب فقرأ " طه " وذكره ابن إسحاق مطولا فإن عمر خرج متوشحا سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتله فلقيه نعيم بن عبد الله فقال أين تريد يا عمر ؟ فقال أريد محمدا هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله فقال له نعيم والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر أترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدا ؟ أفلا ترجع إلى أهلك فتقيم أمرهم ؟ فقال وأي أهل بيتي ؟ قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة بنت الخطاب فقد والله أسلما وتابعا محمدا على دينه فعليك بهما قال فرجع عمر عامدا إلى أخته وختنه وعندهما خباب بن الأرت معه صحيفة فيها " طه " يقرئهما إياها فلما سمعوا حس عمر تغيب خباب في مخدع لهم أو في بعض البيت وأخذت فاطمة بنت الخطاب الصحيفة فجعلتها تحت فخذها وقد سمع عمر حين دنا إلى البيت قراءة خباب عليهما فلما دخل قال ما هذه الهينمة التي سمعت ؟ قالا له ما سمعت شيئا قال بلى والله لقد أخبرت أنكما تابعتما محمدا إلى دينه وبطش بختنه سعيد بن زيد فقامت إليه أخته فاطمة بنت الخطاب لتكفه عن زوجها فضربها فشجها فلما فعل ذلك قالت له أخته وختنه نعم قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله فاصنع ما بدا لك ولما رأى عمر ما بأخته من الدم ندم على ما صنع فارعوى وقال لأخته أعطني هذه الصحيفة التي سمعتكم تقرءونها آنفا أنظر ما هذا الذي جاء به محمد وكان كاتبا فلما قال ذلك قالت له أخته إنا نخشاك عليها قال لها لا تخافي وحلف لها بآلهته ليردنها إذا قرأها فلما قال ذلك طمعت في إسلامه فقالت له يا أخي إنك نجس على شركك وأنه لا يمسها إلا الطاهر فقام عمر واغتسل فأعطته الصحيفة وفيها " طه " فلما قرأ منها صدرا قال ما أحسن هذا الكلام وأكرمه ! فلما سمع ذلك خباب خرج إليه فقال له يا عمر والله إني لأرجو أن يكون الله خصك بدعوة نبيه فإني سمعته أمس وهو يقول ( اللهم أيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو الخطاب ) فالله الله يا عمر فقال له عند ذلك فدلني يا خباب على محمد حتى آتيه فأسلم وذكر الحديث من أسباب النـزول قوله عز وجل: طه * مَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى قال مقاتل: قال أبو جهل، والنضر بن الحارث للنبيّ صلى الله عليه وسلم: "إنك لشقيّ بترك ديننا. وذلك لما رأياه من طول عبادته وشدة اجتهاده، فأنـزل الله تعالى هذه الآية. أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أبو يحيى قال: حدثنا العسكري قال: حدثنا أبو مالك، عن جويبر، عن الضحاك قال: لما نـزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم قام هو وأصحابه فصلوا، فقال كفار قريش: ما أنـزل الله تعالى هذا القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم إلا ليشقى به، فأنـزل الله تعالى: طه يقول: يا رجل مَا أَنْـزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى . قوله عز وجل: وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ الآية 131 . أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا شعيب بن محمد البيهقي قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا روح، عن موسى بن عبيدة الربذي قال: أخبرني يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ضيفًا نـزل برسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعاني فأرسلني إلى رجل من اليهود يبيع طعامًا، يقول لك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه نـزل بنا ضيف ولم يلق عندنا بعض الذي نصلحه، فبعني كذا وكذا من الدقيق أو أسلفني إلى هلال رجب، فقال اليهودي: لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن، قال: فرجعت إليه فأخبرته، قال: "والله إني لأمين في السماء أمين في الأض، ولو أسلفني أو باعني لأدّيت إليه، اذهب بدرعي"، ونـزلت هذه الآية تعزيةً له عن الدنيا وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ الآية. مقصودها: مقصودها الإعلام بإمهال المدعوين والحلم عنهم والترفق بهم إلى أن يكونوا أكثر الأمم ، زيادة في الشرف داعيهم ( صلى الله عليه وسلم ) ، وعلى هذا المقصد الشريف دل اسمها بطريق الرمز والإشارة ، لتبيين أهل الفطنة والبصارة ، وذلك بما في أولها من الحروف المقطعة ، وذلك أنه لما كان ختام سورة مريم حاملاً على الخوف من أن تهلك أمته ( صلى الله عليه وسلم ) قبل ظهور أمره الذي أمر الله به ةاشتهار دعوته ، لقلة من آمن به منهم ، ابتدأه سبحانه بالطاء إشارة بمخرجها الذي هو من رأس اللسان وأصول الثنيتين العليين إلى قوة أمر وانتشاره ، وعلوه وكثرة أتباعه ، لأن هذا المخرج أكثر المخارج حروفاً ، وأشدها حركة وأوسعها انتشاراً ، وبما فيها من صفات الجهر والإطباق و الاستعلاء والقلقلة إلى انقلاب ما هو فيه من الإسرار جهراً ، وما هو فيه من الرقة فخامة ، لأنها من حروف التفخيم ، وأنه يستعلي أمره ، وينتشر ذكره ، حتى يطبق جميع الوجود ويقلقل سائر الأمم ، ولكن يكون ذلك . بما تشير إليه الهاء بمخرجها من أقصى الحلق . على حد بعده من طرف اللسان مع طول كبير وتماد كثير ، وبما فيها من صفات الهمس والرخاوة والانفتاح والاستفال والخفاء مع مخافته وضعف كبير ، وهدوء وخفاء عظيم ، ومقاساة شدائد كبار ، مع نوع فخامة واشتهار ، وهو وإن كان اشتهاراً يسيراً يغلب هذا الضعف كله وإن كان قوياً شديداً ، وقراءة الإمالة للهاء تشير إلى شدة الضعف ، وقراءة التفخيم . وهي الأكثر القراء . مشيرة إلى فخامة القدر وقوة الأمر ، بما لهما من الانتفاخ ، وإن رئي أنه ليس كذلك ( إنه ليخافه ملك بني الأصفر ) وإن كان معنى الحرفين : يا رجل ، فهو إشارة إلى قوته وعلو قدره ، وفخامة ذكره ، وانتشار أتباعه وعموم أمره ، وإن كانا إشارة إلى وطء الأرض فهو إلاحة إلى قوة التمكن وعظيم القدرة وبعدد الصيت حتى تصير كلها ملكاً له ولأتباعه ، وملكاً لأمرائه واشياعه . والله أعلم . وذكر ابن الفرات في تأريخه أن هحر الحبشة كانت قي السنة الثامنة من المبعث فالظاهر . على ما يأتي في إسلام عمر رضي الله عنه أن نزول هذه السورة أو أولها كان قرب هجرة الحبشة ، فيكون سبحانه قد رمز له ( صلى الله عليه وسلم ) على ما هو ألذ في محادثة الأحباب ، من صريح الخطاب ، بعدد مسمى الطاء إلى أن وهن الكفار الوهن الشديد . يقع في السنة التاسعة من نزولها ، وذلك في غزوة بدر الموعد في سنة أربع من الهجرة ، وبعدد اسمها إلى أن الفتح الأول يكون في السنة الحاية عشر من نزولها ، وذلك في عمرة الحديبية في ذي القعدة سنة ست من الهجرة عند نزول سورة الفتح ، ورمز له بعدد مسمى الهاء إلى أن مبدأ النصرة بالهجرة في السنة الخامسة من نزولها ، وبعدد اسمها إلى أن نصرة بالفعل يعق في السنة السابعة من نزولها ، وذلك في غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية من الهجرة ، وبعدد حرفي اسمها لا بعدد اسميها إلى أنه في السنة الثالثة عشر من نزولها يكون بفتح الأكبر بالاستعلاء على مكة المشرفة التي كان سبباً قريباً للاستعلاء على جميع الأرض ، وذلك في أواخرها في رمضان سنة ثمان من الهجرة ، وكان تمتمه بفتح الطائف بإرسال وفدهم وإسلامهم وهدم طاغيتهم في سنة تسع ، وهي السنة الرابعة عشرة ، وبعدد اسميهما إلى أن تطبيق أكثر الأرض بالإسلام يكون في السنة الثامنة عشرة من نزولها ، وذلك بخلافة عمر رضي الله عنه في السنة الثالثة عشر من الهجرة . والله أعلم . أسباب النزول بسم اللَّهِ الرحمن الرحيم. قوله عز وجل (طَهَ ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآَنَ لِتَشقى) قال مقاتل: قال: أبو جهل والنضر بن الحرث للنبي صلى الله عليه وسلم: إنك لتشقى بترك ديننا وذلك لما رأياه من طول عبادته واجتهاده فأنزل الله تعالى هذه الآية. أخبرنا أبو بكر الحارثي قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا أبو يحيى قال: حدثنا العسكري قال: حدثنا أبو مالك عن جرير عن الضحاك قال: لما نزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم قام هو وأصحابه فصلوا فقال كفار قريش: ما أنزل الله تعالى هذا القرآن على محمد عليه الصلاة والسلام إلا ليشقى به فأنزل الله تعالى (طَهَ) يقول: يا رجل (ما أَنزَلنا عَلَيكَ القُرآنَ لِتَشقى). قوله تعالى (وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ) الآية. أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي قال: أخبرنا شعيب بن محمد البيهقي قال: أخبرنا مكي بن عبدان قال: حدثنا أبو الأزهر قال: حدثنا روح عن موسى بن عبيدة الزبدي قال: أخبرني يزيد بن عبد الله بن فضيل عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ضيفاً نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني فأرسلني إلى رجل من اليهود يبيع طعاماً يقول لك محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: نزل بنا ضيف ولم يلق عندنا بعض الذي نصلحه فبعني كذا وكذا من الدقيق أو سلفني إلى هلال رجب فقال اليهودي: لا أبيعه ولا أسلفه إلا برهن قال: فرجعت إليه فأخبرته قال: والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه اذهب بدرعي ونزلت هذه الآية تعزية له عن الدنيا (وَلا تَمُدَّنَّ عَينَيكَ إِلى ما مَتَعنا بِهِ أَزواجاً مِنهُم) الآية. * الآيات التي أشارت إليها الابيات ما أنزل الله الكتاب عليه إلا تذكره هذا النبي المصطفى وشفيعنا في الآخره طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى هي سورة من وحي ربي للقلوب الصابره قصت علينا شأن موسى في أمورٍ باهره في بعثه ونجاته من مجرمين جبابره وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى إلى إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا وتعرضت لبلاء آدم والوساوس ماكره والفضل لله اجتباه بتوبة ليطهره وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا إلى قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ومشاهدٍ لقيامةٍ والناس فيها حائره قد أحضروا لحساب عدلٍ والعزائم خائره يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا وختامها أمر بصبر في انتظار الآخره قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى لمسة من اللمسات البيانية: ما الفرق من الناحية البيانية بين قوله تعالى (واصبر نفسك) سورة الكهف وقوله تعالى (وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها)سورة طه؟ اصطبر جاءت في الصلاة لأنها مستمرة كل يوم وزيادة المبنى تفيد زيادة المعنى والصلاة كل يوم في أوقاتها وتأديتها حق أدائها وإتمامها يحتاج إلى صبر كبير لذا جاءت كلمة (اصطبر) للدلالة على الزيادة في الصبر. |
اللغز الثالث والثلاثون
وبرب هذا الصبح عذنا بالعليم من شر ما سواه في الكون العظيم من شر ليل عمنا بظلامه فهو البصير بنا ومولانا الرحيم وبه نعوذ من الذين بسحرهم نفثو بشرٍ نفث شيطانٍ رجيم ونعوذ من شر الذين بحقدهم حسدوا العباد على مقادير الكريم سورة الفلق بسم الله الرحمن الرحيم قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) وبرب هذا الصبح عذنا بالعليم مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) من شر ما سواه في الكون العظيم وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) من شر ليل عمنا بظلامه وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) فهو البصير بنا ومولانا الرحيم وبه نعوذ من الذين بسحرهم نفثو بشرٍ نفث شيطانٍ رجيم وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5) . ونعوذ من شر الذين بحقدهم حسدوا العباد على مقادير الكريم من أسباب النـزول( المعوذتان) الحمد لله وأصلى على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين قال المفسرون: كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتت إليه اليهود، ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبيّ صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها، وكان الذي تولى ذلك لبيد بن الأعصم اليهودي، ثم دسها في بئر لبني زريق يقال لها ذروان، فمرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتثر شعر رأسه ولبث ستة أشهر، يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن، وجعل يذوب ولا يدري ما عراه، فبينما هو نائم ذات يوم إذ أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه، فقال الذي عند رأسه: ما بال الرجل؟ قال: طب، قال: وما الطب؟ قال: سحر، قال: ومن سحره؟ قـال: لبيد بن الأعصم اليهودي، قال: وبم طبه؟ قال: بمشط ومشاطة، قال: وأين هو؟ قال: في جفّ طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان. والجفّ: قشر الطلع، والراعوفة: حجر في أسفل البئر يقوم عليه المائح، فانتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا عائشة أما شعرت أن الله أخبرني بدائي"، ثم بعث عليا والزبير وعمار بن ياسر فنـزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجفّ، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه، وإذا فيه وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر، فأنـزل الله تعالى المعوذتين، فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة، ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم خفة حتى انحلت العقدة الأخيرة، فقام كأنما نشط من عقال، وجعل جبريل عليه السلام يقول: "بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن حاسد وعين، الله يشفيك"، فقالوا: يا رسول الله أو لا نأخذ الخبيث فنقتله؟ فقال: "أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شرًّا". فهذا من حلم رسول الله. قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وهذه السورة وسورة " الناس " و " الإخلاص " : تعوذ بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سحرته اليهود ; على ما تقدم . وقيل : إن المعوذتين كان يقال لهما المقشقشتان ; أي تبرئان من النفاق . وقيل زعم ابن مسعود أنهما دعاء تعوذ به , وليستا من القرآن ; خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت . قال ابن قتيبة : لم يكتب عبد الله بن مسعود في مصحفه المعوذتين ; لأنه كان يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين - رضي الله عنهما - بهما , فقدر أنهما بمنزلة : أعيذكما بكلمات الله التامة , من كل شيطان وهامة , ومن كل عين لامة . قال أبو بكر الأنباري : وهذا مردود على ابن قتيبة ; لأن المعوذتين من كلام رب العالمين , المعجز لجميع المخلوقين ; و " أعيذكما بكلمات الله التامة " من قول البشر بين . وكلام الخالق الذي هو آية لمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين , وحجة له باقية على جميع الكافرين , لا يلتبس بكلام الآدميين , على مثل عبد الله بن مسعود الفصيح اللسان , العالم باللغة , العارف بأجناس الكلام , وأفانين القول . وقال بعض الناس : لم يكتب عبد الله المعوذتين لأنه أمن عليهما من النسيان , فأسقطهما وهو يحفظهما ; كما أسقط فاتحة الكتاب من مصحفه , وما يشك في حفظه وإتقانه لها . فرد هذا القول على قائله , واحتج عليه بأنه قد كتب : " إذا جاء نصر الله والفتح " , و " إنا أعطيناك الكوثر " , و " قل هو الله أحد " وهن يجرين مجرى المعوذتين في أنهن غير طوال , والحفظ إليهن أسرع , ونسيانهن مأمون , وكلهن يخالف فاتحة الكتاب ; إذ الصلاة لا تتم إلا بقراءتها . وسبيل كل ركعة أن تكون المقدمة فيها قبل ما يقرأ من بعدها , فإسقاط فاتحة الكتاب من المصحف , على معنى الثقة ببقاء حفظها , والأمن من نسيانها , صحيح , وليس من السور ما يجري في هذا المعنى مجراها , ولا يسلك به طريقها . " قل أعوذ برب الفلق " روى النسائي عن عقبة بن عامر , قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكب , فوضعت يدي على قدمه , فقلت : أقرئني سورة [ هود ] أقرئني سورة يوسف . فقال لي : [ لن تقرأ شيئا أبلغ عند الله من " قل أعوذ برب الفلق " ] . وعنه قال : بينا أنا أسير مع النبي صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء , إذ غشتنا ريح مظلمة شديدة , فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ " بأعوذ برب الفلق " , و " أعوذ برب الناس " , ويقول : [ يا عقبة , تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما ] . قال : وسمعته يقرأ بهما في الصلاة . وروى النسائي عن عبد الله قال : أصابنا طش وظلمة , فانتظرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج . ثم ذكر كلاما معناه : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي بنا , فقال : قل . فقلت : ما أقول ؟ قال : ( قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي , وحين تصبح ثلاثا , يكفيك كل شيء ) وعن عقبة بن عامر الجهني قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ قل ] . قلت : ما أقول ؟ قال قل : ( قل هو الله أحد . قل أعوذ برب الفلق . قل أعوذ برب الناس - فقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم قال : لم يتعوذ الناس بمثلهن , أو لا يتعوذ الناس بمثلهن ) . وفي حديث أبن عباس " قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس , هاتين السورتين " . وفي صحيح البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى قرأ على نفسه بالمعوذتين وينفث , كلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه , وأمسح عنه بيده , رجاء بركتها . النفث : النفخ ليس معه ريق . قوله تعالى : " الفلق " اختلف فيه ; فقيل : سجن في جهنم ; قاله ابن عباس . وقال أبي بن كعب : بيت في جهنم إذا فتح صاح أهل النار من حره . وقال الحبلي أبو عبد الرحمن : هو اسم من أسماء جهنم . وقال الكلبي : واد في جهنم . وقال عبد الله بن عمر : شجرة في النار . سعيد بن جبير : جب في النار . النحاس : يقال لما اطمأن من الأرض فلق ; فعلى هذا يصح هذا القول . وقال جابر بن عبد الله والحسن وسعيد بن جبير أيضا ومجاهد وقتادة والقرظي وابن زيد : الفلق , الصبح . وقاله ابن عباس . تقول العرب : هو أبين من فلق الصبح وفرق الصبح . وقال الشاعر : يا ليلة لم أنمها بت مرتفقا أرعى النجوم إلى أن نور الفلق وقيل : الفلق : الجبال والصخور تنفرد بالمياه ; أي تتشقق . وقيل : هو التفليق بين الجبال والصخور ; لأنها تتشقق من خوف الله عز وجل . قال زهير : ما زلت أرمقهم حتى إذا هبطت أيدي الركاب بهم من راكس فلقا الراكس : بطن الوادي . وقيل : الرحم تنفلق بالحيوان . وقيل : إنه كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان والصبح والحب والنوى , وكل شيء من نبات وغيره ; قاله الحسن وغيره . قال الضحاك : الفلق الخلق كله ; قال : وسوس يدعو مخلصا رب الفلق سرا وقد أون تأوين العقق قلت : هذا القول يشهد له الاشتقاق ; فإن الفلق الشق . فلقت الشيء فلقا أي شققته . والتفليق مثله . يقال : فلقته فانفلق وتفلق . فكل ما انفلق عن شيء من حيوان وصبح وحب ونوى وماء فهو فلق ; قال الله تعالى : " فالق الحب والنوى " [ الأنعام : 95 ] " فالق الإصباح " [ الأنعام : 96 ]. والفلق أيضا : المطمئن من الأرض بين الربوتين , وجمعه : فلقان ; مثل خلق وخلقان , وربما قال : كان ذلك بفالق كذا وكذا ; يريدون المكان المنحدر بين الربوتين , والفلق أيضا مقطرة السجان . فأما الفلق ( بالكسر ) : فالداهية والأمر العجب ; تقول منه : أفلق الرجل وافتلق . وشاعر مفلق , وقد جاء بالفلق أي بالداهية . والفلق أيضا : القضيب يشق باثنين , فيعمل منه قوسان , يقال لكل واحدة منهما فلق , وقولهم : جاء بعلق فلق ; وهي الداهية ; لا يجرى [ مجرى عمر ] . يقال منه : أعلقت وأفلقت ; أي جئت بعلق فلق . ومر يفتلق في عدوه ; أي يأتي بالعجب من شدته . مقاصد السورة قل أعوذ برب الفلق (1) من شر ما خلق (2) ومن شر غاسق إذا وقب (3) ومن شر النفاثات في العقد (4) ومن شر حاسد إذا حسد (5) أمر بالتعوذ برب هذا الدين ، موافقة لإياك نعبد وإياك نستعين ، من شر ما يقدح فيه بضرر في الظاهر أو في الباطن وهم الخلائق حتى على الفنا في الغنا ، وبدأ بما يعم شياطين الإنس والجن في الظاهر والباطن ، ثم اتبع بما يعم القبيلين ويخص الباطن الذي يستلزم صلاحه صلاح الظاهر ، إعلاما بشرف الباطن على وجه لا يخل بالظاهر ، وفي ذلك إشارة إلى الحث على معاودة القراءة من أول القرآن كما يشير إليه قوله تعالى : { فإذا قرأت القرآن } [ النحل : 98 ] - أي أردت قراءته - { فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } [ النحل : 98 ] فقال تعالى : { قل } أي لكل من يبلغه القول من جميع الخلائق تعليما لهم وأمرا ، فإنهم كلهم مربوبون مقهورون لا نجاة لهم في شيء من الضرر إلا بعصمته سبحانه وتعالى ، فعلى كل منهم أن يفزع أول ما تصيبه المصيبة إلى مولاه القادر على كشفها تصحيحا لتوكله فإنه يرتقي بذلك إلى حال الرضا بمر القضاء ، ولا يأخذ في الاعتماد على جلادته وتدبيره بحوله وقوته فإنه يشتد أسفه ولا يرد ذلك عنه شيئا : { أعوذ } أي أستجير وألتجىء وأعتصم وأحترز . ولما كان هذا المعنى أليق شيء بصفة الربوبية لأن الإعاذة من المضار أعظم تربية قال : { برب الفلق * } أي الذي يربيه وينشىء منه ما يريد ، وهو الشيء المفلوق بإيجاده ظلمة العدم كالعيون التي فلقت بها ظلمة الأرض والجبال ، وكالأمطار التي فلقت بها ظلمة الجو والسحاب ، وكالنبات الذي فلقت به ظلمة الصعيد ، وكالأولاد التي فلقت بها ظلمة الأحشاء ، وكالصبح الذي فلقت به ظلمة الليل ، وما كان من الوحشة إلى ما حصل من ذلك من الطمأنينة والسكون والأنس والسرور إلى غير ذلك من سائر المخلوقات ، قال الملوي : والفلق - بالسكون والحركة كل شيء انشق عنه ظلمة العدم وأوجد من الكائنات جميعها - . وخص في العرف بالصبح فقيل : فلق الصبح ، ومنه قوله تعالى : { فالق الإصباح } [ الأنعام : 96 ] لأنه ظاهر في تغير الحال ومحاكاة يوم القيامة الذي هو أعظم فلق يشق ظلمة الفنا والهلاك بالبعث والإحياء ، فإن القادر على ما قبله بما نشاهده قادر عليه ، لأنه لا فرق ، بل البعث أهون في عوائد الناس لأنه إعادة ، كذا سائر الممكنات ، ومن قدر على ذلك قدر على إعاذة المستعيذ من كل ما يخافه ويخشاه . ولما كانت الأشياء قسمين : عالم الخلق ، وعالم الأمر ، وكان عالم الأمر خيرا كله ، فكان الشر منحصرا في عالم الخلق خاصة بالاستعاذة فقال تعالى معمما فيها : { من شر ما خلق * } أي من كل شيء سوى الله تعالى عز وجل وصفاته ، والشر تارة يكون اختياريا من العاقل الداخل تحت مدلول « لا » وغيره من سائر الحيوان كالكفر والظلم ونهش السباع ولدغ ذوات السموم ، وتارة طبيعيا كإحراق النار وإهلاك السموم . |
اللغز الرابع والثلاثون
يا جنة التسبيح فيضاً جودي إني أبوح بصدرها بسجودي الله أنشأ ما براه مسوياً وهدى العباد بلطفه المعهودِ لم ينس إطعام الدواب فخصها بالماء والمرعى بكف الجودِ ولقد تعهد بالكتاب يصونه في صدر هادينا على التأبيدِ والله يسره لخير شريعةٍ ذكرى لمنتفعٍ بكل سديدِ قد فاز من بالدين زكى نفسه بتواصل التسبيحِ والتحميدِ والناس تؤثر متعة الدنيا ولم تقنع من الدنيا سوى بمزيدِ ولأمر آخرةٍ لأصحاب النهى خيرٌ وأبقى في ديار خلودِ هذي وصايا سطرت من قبلنا فلتعملي يا أمة التوحيدِ سورة الأعلى مقصودها إيجاب التنزيه للأعلى سبحانه وتعالى عن أن يلحق ساحة عظمته شيء من شوائب النقص كاستعجال في أمر من إهلاك اللكافرين أو غيره أو العجز عن البعث أو إهمال الخلق سدى يبغي بعضهم على بعض بغير حساب ، أو أن يتكلم بما لا يطابق الواقع أو بما يقدر أحد أن يتكلم بمثله كما أذنت بذلك الطارق مجملا وشرحته هذه مفصلا ، وعلى ذلك دل كل من اسمها سبح والأعلى الآيات التي أشارت إليها الأبيات يا جنة التسبيح فيضاً جودي إني أبوح بصدرها بسجودي سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الله أنشأ ما براه مسوياً وهدى العباد بلطفه المعهودِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى لم ينس إطعام الدواب فخصها بالماء والمرعى بكف الجودِ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى ولقد تعهد بالكتاب يصونه في صدر هادينا على التأبيدِ سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى والله يسره لخير شريعةٍ ذكرى لمنتفعٍ بكل سديدِ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى قد فاز من بالدين زكى نفسه بتواصل التسبيحِ والتحميدِ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى والناس تؤثر متعة الدنيا ولم تقنع من الدنيا سوى بمزيدِ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ولأمر آخرةٍ لأصحاب النهى خيرٌ وأبقى في ديار خلودِ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى هذي وصايا سطرت من قبلنا فلتعملي يا أمة التوحيدِ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى السور المشابهة لها في البدء: الإسراء ، والحديد ، والحشر ، والصف ، والجمعة ، والتغابن |
اشعار الألغاز للسيد خالد الطبلاوي
جزاه الله خيرا |
|
الساعة الآن 11:16 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |