![]() |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 120 المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبة الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. منهج القرآن في تناول الأمور والعبر يحتاج تلقِّي لا يمكن أن نتخيل أن يأتي إلينا ملك لكل إنسان ويسقيه الفلسفة والفكر والمنهج، فأين التعب والمشقة والمجهود المبذول الذي تثاب عليه؟ وهذا المنهج وهذه الطريقة في التعاطي والتعامل مع القرآن الكريم هي التي تكلمنا عنها في اللقاء السابق وقلنا أننا نحتاجها لتغيير صورة الآخر عن الإسلام. فنحن نرى أنه لا يوجد شئ أجمل من الإسلام لكن الآخر لا يرى هذا وأعتقد أن هذا تقصير وسيحاسبنا عليه المولى عز وجل وسنفرد حلقة خاصة لهذا الموضوع مع رجال الدعوة ورجال العلم ورجال الأعمال والأغنياء ورجال الإعلام لأننا نحتاج منظومة عمل وخطة عمل أعاننا الله عليها إن شاء الله. قضية التوبة قضية كبيرة وطويلة وكل مرة تقرأ فيها القرآن الكريم إذا قرأتها قراءة مختلفة يفتح المولى عز وجل عليك بمعانٍ مختلفة مثال/ نحن نتكلم عن التوبة وأول توبة هي توبة آدم عليه السلام لأنه صاحب أول معصية، إذا وقفنا اليوم وقفة مع الشروط التي وضعها المولى عز وجل أو الإتفاقية التي سأسميها (اتفاقية الجنة) ستسكن أنت وزوجك في الجنة وافعل كذا ولا تفعل كذا. هل هذه الشروط لها علاقة بمفهوم الخطيئة ومفهوم التوبة؟ توصيف معصية آدم نسيان وقلة عزيمة ونسمع معاً آيات من سورة (طه) (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا * وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى * فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى * إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى * فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى * فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) [115-127] أولاً هناك مجموعة من الوعود إن جاز التعبير من المولى عز وجل لآدم كأنها تمثل شبه اتفاق والمفروض أنها تضمن الحاجات الأساسية لأي إنسان سيسكن في مكان تم توصيفه أنه جنة. ما علاقة هذه الضرورات بنوع الإمتحان؟ فأول آية سمعناها (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا) ثم (وَإِذْ قُلْنَا) هنا أمر بالسجود وعندما عصى إبليس جاء أول توصيف لآدم عليه السلام أن إحذر، هذا عدو لك ولزوجك (فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى) إذا خرجت سيكون هذا سبب شقائك ويمكن أن يكون هذا هو الذي يعيشه الناس الآن في الحياة الدنيا. الوقفة هنا (إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى) لن تجوع أو تعرى فلا تحمل هم هذا (وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى) لن تشعر بالعطش ولا باختلاف الفصول فما علاقة هذه الوعود أو الضمانات الإلهية إن جاز التعبير بالخطيئة؟ ألم تكن هذه الضمانات كافية لآدم وحواء لئلا يأكلا من هذه الشجرة؟ والمولى عز وجل حذره إذا خرجت من الجنة ستشقى بينما وسوسة الشيطان تقول ستخلد وملك لا يبلى، منطقياً هل يوجد ملك أفضل من أن أكون غير مكلف بعمل وأتنعم بالأكل والشرب والمتعة في جنة أعطاها لي المولى عز وجل؟ كيف أخطئ؟! د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. الذي تقوله هو حال الإنسان اليوم إذا اتبع الأوامر والنواهي، فالذي تقوله فلسفته هي: قال الله وقال الشيطان. لكي لا نقول أن آدم اتبع الشيطان سنتبع التوصيف القرآني أن آدم نسي وإرادته ضعفت بمعنى أن نسيان أوامر الله وضعف الإرادة يدفعك للمعصية، لكن ماذا نسي آدم؟ هذا ليس النسيان المطلق بمعنى أن لم يتذكر لأن الذين فسروها بهذا المعنى ضيعوا معاني القرآن. في تصورك أنت ماذا نسي آدم؟ المقدم: ممكن أولا أنه نسي تحذير المولى عز وجل أن الشيطان عدوه، أو نسي الأمر بعدم الأكل من الشجرة، نسي العقوبة التي ستترتب على عصيانه للأمر الإلهي. د هداية: كل هذه البدائل مردود عليها بالقرآن لأنه على الأقل ساعة أمرهم بالأكل في سورة الأعراف (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) [20] فهو ذكرهم بالأمر حين قال (ما نهاكما)، إذن نسي ليس معناها أنه لم يتذكر. نسي هنا بمعنى ترك الأمر وهذا هو المقصود في الآية. المقدم: ولماذا سُمي ترك الأمر نسيان؟ د هداية: لأنك تركت الأمر المضمون على أمر غير مضمون (كلام الله وكلام الشيطان) فمن واهب الجنة التي أنت فيها؟! الله عز وجل وهو الذي يقول افعل ولا تفعل. الكلام الذي نقوله زمان للناس أن صاحب الصنعة أعلم بها بمعنى أنك لا بد أن تأخذ أوامر الله على أنه صاحب الخلقة وهو أعلم بها. عندما توصف النسيان من نفس الأيات (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) فالجملة الأخيرة تشرح النسيان ما معنى (تُنسى) في الآية؟! المقدم: بمعنى النسيان من رحمة الله د هداية: فهل (تُنسى) بمعنى أن المولى لا يذكره؟! لا فهو يعذبه وهذا دليل على أنه لم ينساه، لكن (تُنسى) بمعنى (تُترك) بعيدا عن رحمة الله مثلما تركت أنت أوامر الله، إذن نسي بمعنى ترك أمر الله تبارك وتعالى رغم أنه أمر الله الذي خلقك. نحن كبشر نختلف جميعاً عن آدم عليه السلام فهو أول الخلق وهو أكثر إنسان يدرك أنه مخلوق لله فأحياناً ينسى البشر هذه النقطة لكن كيف ينساها آدم؟! فهو سبحانه خلقك ولأنك أول الخلق أسجدلك الملائكة وهذه فيها معاني كبيرة جداً، ثم أن المولى عز وجل ذكرك وإبليس ذكرك فقال له المولى هذا عدو لك لذلك النسيان معناها أنك تركت هذا الأمر . المقدم: وإبليس ذكره بأن هناك نهي وقال (ما نهاكما) . د هداية: السؤال هنا لماذا ذكره الشيطان بهذا؟! (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ) أغراهم بالملك لكي ينسيهم النهي، كان لا بد أن يتذكر آدم عند كلمة (ما نهاكما) لكن الشيطان أغراهم بشئ يشغلهم عن النهي. نحن اتفقنا أن تكون هذه الحلقة لتوضح للناس لماذا أعصي؟ المقدم: لماذا كان هذا مغرياً بالنسبة لآدم وحواء؟ د هداية: الشيطان كيف يجعل الناس تقع في المعصية؟! يعظِّم لهم اللذة المؤقتة ينسيهم أنها مؤقتة ويزين لهم اللذة ويعظمها، فلو قلتها لك بهذه الطريقة ستنتبه لكلمة مؤقتة. وعلى هذا يكون عمل إبليس في القلب بحيث تكون اللذة هي منتهى الموسوس إليه الآن . المقدم: هذا الذي يمكن أن نسميه القيمة النسبية. د هداية: النسبية الآن عالية جدا نسيت أنت كلمة المؤقتة ولا ترى أمامك سوى اللذة. لذلك عندما أرد على إبليس لا أرد بالنسبية بل بالذي يبقى بعد المعصية وهو المرارة، ولذلك الأعذار المحتملة في رد الرجل الذي وقع في المعصية تبين لك هل هذا الرجل سيتوب أم لا؟ المقدم: مثلا في موضوع السجائر عندما نذكر بعض المدخنين أحيانا بالمردود الطبي وأنها تسبب السرطان، وأحيانا نذكرهم بالجانب الديني أنها معصية بل وكبيرة من الكبائر أنك تكفر بنعمة الله في الصحة والمال فمن أغرب الردود التي نسمعها "لكني أحبها". فهذا لا ينوي التوبة إلى أن يشاء الله. ونريد أن ندرس أسلحة الشيطان جيدا حتى نطبق الأمر الإلهي (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) ، كيف نفعل هذا ؟ تابعونا بعد الفاصل . --------فاصل--------- المقدم: لا بد أن نعرف كيف يعمل عدونا حتى نعرف كيف نجتنب أسلحته. وهذا بالضبط ما نفعله عندما نكتشف فيروساً جديداً نحاول أن نكتشف الخلية ونحاول وضع مضادات لتبطل عمله. فلا بد للإنسان الواعي أن يفعل هذا مع الشيطان بأن يعرف كيف يعمل ويبطل أسلحته. مسألة اللذة المؤقتة تعتبر مدخل بأنه ينسيك كلمة المؤقتة . د هداية: ويعظم لك اللذة فلا بد أن تقلب أنت هذه الفكرة وعندما يعرض عليك لذة تفكر أنت هل هي باقية أم مؤقتة؟ وماذا يعقبها؟ وهل هي حلال أم حرام؟ لا بد أن تتم المناقشة بهذه الطريقة، وهذا الأمر نبهنا إليه المولى عز وجل وأعطاه لآدم في بداية التكليف وقال له (فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ) وانتبه أنه لا يوجد سوى آدم وحواء في هذه الفترة بمعنى أن آدم لا يشغله أولاده أو أي شئ، أي أن الجنة مضمونة. فهذه الآيات معروضة لهذا، فنحن نطمئن أن علاء يصلي أو محمد يصوم، لا تطمئن لأن الحرب قائمة بيننا وبين الشيطان إلى يوم الدين وهو يستخدم كل أسلحته فلا بد أن نجيش الأنفس ونستعد لهذه الحرب فأنت إذا دخلت أي حرب على أنك ستنتصر فستنهزم. لا بد أن تسمع الآية كاملة (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) فأنت تعرف أنه عدو إذا لم تتخذه كذلك سيظل هو عدو وواضح ويعمل لكنك لم تتخذه عدواً. المقدم: وهذا هو السر في أن كثير من الناس تقع لأنها لم تتخذ الشيطان عدواً رغم أن القرآن يحكي وعلى لسان إبليس عليه اللعنة (لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [الحجر:39] (ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ) [الأعراف:17] . د هداية: نحن تركنا كل هذا وقلنا لمس ومس وسحر فالذي نعمل عليه نحن الآن هو لم يَقُله لا يفعله أنت وهمت به الناس وهو لا يفعله المقدم: وألصقت به ما لم يقله د هداية: لم يقله ولا يفعله إنما هذا فعل مغفل ونصاب هل إبليس يستحي؟! فهل يوجد أكثر من أن يقول لآدم (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ)؟ بعض المفسرين فسَّروا نسي بمعنى أنه غفل عن النهي ولم يذكره وهي ليست كذلك بدليل أن المولى ذكره وإبليس ذكره فقال المولى عز وجل عل لسانه (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا) فهل يوجد من يغتر بانتصاره بهذه الطريقة ؟! فالآية خطيرة ولا بد من تدبرها. المقدم: إبليس عرف غلطته عندما قال له المولى عز وجل (مَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ) [الأعراف:13] فعرف أن موضوع التكبر على أمر الله يُخرج من الجنة، عندما وصفنا غلطة إبليس قلنا أنه رد الأمر على الآمر د هداية: هذا كفر القمة المقدم: فكأنه وهو يذكر آدم وحواء بالنهي يتعمد ذلك إذ ربما يصل بهم لنفس درجته في المعصية وهي رد الأمر فيكونوا بذلك فعلوا مثلما فعل هو وتكبروا على أمر الله ويطردوا كما طُرد هو من رحمة الله. د هداية: لا. هو فعل ذلك لكي لا يكون لهم عذر عن المعصية. إذا وقفنا وقفة هنا وسألت أي إنسان عصى لماذا فعلت هذا الذنب؟ ما هي احتمالات الرد؟! ثلاثة احتمالات أساسية وكل منها لها احتمالات فرعية أولاً: يقول لم أفعلها وهنا احتمالين إما أن يكون صادقاً وإما أن يكون كاذباً فإن كنت صادقاً فهناك أمل في التوبة فأنا سألتك لماذا فعلت هذا الذنب؟ فتقول لم أفعله إذا كنت كاذباً لا يوجد أمل في التوبة أما إذاكنت صادق فلو عملت ذنب آخر هناك أمل في التوبة لأن هذا إنسان صادق. ثانياً: تقول عملت هذا الذنب من أجل كذا (التبرير)، وهذا التبرير إما أن يكون بصدق أو بدون صدق فلو كان بدون صدق فهو يبرر من أجل التبرير وهذه ليست الحقيقة فهذا لا أمل في توبته. ثالثاً: وهنا تكون المصيبة الذي يقول فعلت الذنب وما المانع؟ وما شأنك أنت؟ لا تدري أهذا استهبال أم هو فعلا أهبل؟! لأنه لا يعتبر أنه ذنب وهذه بلوى. المقدم: هل هو يقول هذا لأنه لا يعلم أنه ذنب فعلا أم أن هذا نوع من المجاهرة ؟ د هداية: هذه هي الاحتمالات إذا كان لا يرى أنها ذنب فسهل جداً أن تشرح له ويتوب، أما إذا كان نوع من المجاهرة فهذا لا أمل في توبته، فالذي يقول ما شأنك أنت؟ وهل نصَّبت نفسك قيم على المجتمع؟ هذا إنسان لا فائدة منه . المقدم: وللأسف هذا النوع انتشر في السنوات الأخيرة بشكل كبير فتجد كثيراً من الناس ومنهم شخصيات عامة يسهمون إسهامات سلبية جداً في المجتمع وعندما تتحدث إليهم يردوا بنفس الرد ويدَّعوا أن بينهم وبين الله عمار. وهنا سؤال منطقي هل إذا وُجدت إنسانة بينها وبين الله عمار تفعل أشياء حرام وترتدي ملابس غير شرعية ؟! د هداية: فطريقة الرد تبين إذا كان هذا الشخص سيتوب أم لا فكما قلت إذا كان هناك محلل يجلس ويسمع الحوار يعرف إذا كان هذا الشخص سيتوب أم لا. المقدم: نفترض أن هناك صنف آخر يعترف بالذنب وأعلم أنه خطأ د هداية: هنا يوجد ثلاثة احتمالات. المقدم: لكن ظروف الحاجة وأني كنت محتاج (التبرير)، لكني بعد أن فكرت في الموضوع قلت إن الله غفور رحيم فقلت لنفسي أن المولى سيسامحني وسأتوب. د هداية: تكملة الذي قلته فالثلاث احتمالات هي: أولاً: أنا أعرف أنها غلطة ويسكت ثانياً: أنا أعرف أنها غلطة، ولن أفعلها ثانية . كل هذا إما يتوب أو لا ، لكن الذي سيتوب بحق هو الاحتمال الثالث: أنا أعرف أنها غلطة وقبل أن يقول لن أفعلها ثانية يقول وأنا نادم جداً. تذكر عندما قلت أن الرازي اختار لفظا للندم رائعاً (القلب احترق ندماً على الفعل) فأنا تعجبني لفظة احتراق القلب لأن الندم فيها في القمة لدرجة أنه لا يريد أن يتكلم في هذه المعصية، وهذا عكس كلام بعض علماء النفس الذين قالوا أنه لا يريد أن يتكلم فيها لأنه سيعود لها لا بالعكس فلو أن الندم شديد ولا يريد أن يتكلم فيها لأنه ينوي أن لا يعود لهذه المعصية أبداً. المقدم: لا يريد أحد أن يذكره بها . د هداية: فأحيانا يكون كلام علماء النفس جميل جدا وأحيانا أخرى يغفلوا بعض النقط. أريد أن أوصف للناس كيف يقول إبليس لآدم (ما نهاكما) ويذكره إذن أحيانا عندا يعرض عليك الذنب من ضمن كلمة وسوس أو زين يذكرك بشئ يجعلك تطمئن للوسوسة. فعندما يقول (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا) فهو يبرر له فالذي يُعرض عليه الذنب - بعيدا عن مثال آدم - يقول لنفسه هذا يذكرني بقال الله وقال الرسول فأكيد هذا ليس حراما . فأحيانا من تلبيس إبليس أن يدخل من ناحية شرعية. المقدم: في مثال آدم عليه السلام هل كان من خبث إبليس أن يجعل في الشئ الذي زين به ملمح يبين أن هذا يمكن أن يخرجك يا آدم أنت وحواء من سيطرة المولى عز وجل . د هداية: هذا وارد . المقدم: فقال لهم مرة (إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ) . د هداية: انتبه لكلمة ملكين تندرج تحت ماذا؟ إذا أصبحت مَلَك لن يكون هناك تكليف لا أوامر ولا نواهي. وهذا تدليس لكن بطريقة فيها احتيال بارع وتحدث لبعض الناس عندما تسأله لماذا شربت الخمر أول مرة؟ فيقول أنا فكرت في أن أجرِّب لكي لا أشرب فالشيطان قال له إذهب لكي تعرف لكي لا تفعل، بمعنى هو يذهب ليشاهد فقط. المقدم: كانت تستوقفني مشاهد للأسف كانت الأعمال الدرامية تقدمها لناس لم تشرب الخمر ولا مرة في عمرها ثم ذهب لحفلة أو سهرة وكنوع من الضيافة يقدموا له كأس الخمر فيقول أسف أنا لا أشرب، وتحت ضغط من المضيف يشرب أول كأس . د هداية: أو يقول له هذا شئ خفيف لن يُسكر وعندما تسمع كلام القرآن وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم تجده رد على هذا فقال صلى الله عليه وسلم: (ما كان كثيره مُسكر فملء الفرق منه حرام) يعني أقل القليل حرام، فأنت لا تشرب لآنه حرام ليس لأنه يُسكر أو لا. إذا كان هذا النوع الكثير منه يُسكر فمجرد أنك تلمسه أو تذوقه حرام. فالرسول صلى الله عليه وسلم عمل صيانة احتمال لهذا العرض فقال (ما كان كثيره مُسكر فملء الفرق منه حرام) نتعلم نحن أن هذا عن كل مُسكر ومُفتر. إذن النهي عن مجرد الشئ ليس عن إنه يُسكر أم لا، بل نحن نمتنع لأن الله ورسوله قال حرام. هذه الآية (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا) القرآن يعرضها لنا لكي يعرفك تلبيس إبليس حتى على آدم عليه السلام وهو نبي. وفي النهاية أكل والتزيين و الوسوسة جاءت بنتيجة لكي لا نحسب أنفسنا أقوياء ولن نقع. فإذا المولى قال لا تقرب إذن لا تقرب، افعل افعل لاتفعل لاتفعل، ولا تتفلسف لأن من أدرى بالصنعة؟! خالقها سبحانه وتعالى جل في علاه فلا تحسب نفسك بطلا ثم تقع فأنت لن تكون أقوى من آدم عليه السلام . وانتبه للآية فهي تبين أنه عندما توجه بالوسوسة ليس إلى حواء بل إلى آدم أو إليهما لكنه لم ينفرد بحواء لنبرِّئ حواء من هذه التهمة الإسرائيلية تماما. المقدم: لكن هو للأسف الشديد أفلح في العرض ووضع مغريات رغم أنه ذكره أن الشجرة منهي عنها وممنوعة لكن قال له هذه شجرة خلد وستظل في الجنة أبد الآبدين وملك لا يبلى وهذا أيضا فيه معنى الخلود ويمكن لو نظرنا الآن سنجد هاجس لبعض رجال العلم والبحوث أنها تتكلم عن فكرة الخلود وسيجد المتابع لأعمال هوليود والخيال العلمي شيئا من هذا وقصص تتكلم عن فكرة أن الإنسان سيستطيع أن يسافر في الزمن ويخلدفي الزمن ، وأن شخصيات معينة فيها شيئا من الشذوذ عن الفطرة ستستطيع أن تعيش عبر القرون ولا تموت مهما تُضرب بالرصاص ففكرة الخلود هذه فكرة تؤرق الناس بشكل أو بآخر لدرجة أن هناك من الناس الآن تعمل على إخفاء معالم الشيخوخة على اعتبار أنها تسبب الموت للإنسان باستبدال أنسجة أو تعاطي عقاقير بحيث لا يصاب الإنسان بالشيخوخة خصوصا مع الثورة الجينية والهندسة الجينية فسبحان الله من عهد آدم حتى الآن وهذا الهاجس موجود عند الناس. نحن ندرس أسلحة إبليس لكي نتقي شره كيف نفعل هذا تابعونا بعد الفاصل على طريق الهداية. --------فاصل--------- المقدم: هل يوجد أسلحة مضادة لأسلحة إبليس؟ وما هو التطبيق الواقعي والفعلي على أرض الواقع للأمر الإلهي (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) كيف نتخذه عدوا؟ هل من ضمن المداخل أن أستبدل شئ بشئ آخر؟ فالذي يعمل معصية مهما كانت الأسباب والأعذار في النهاية يحصل على تصور مبدئي أن هذه اللذة متعة كبيرة جدا والمنفعة الحدية لها كبير وبمجرد أن يفعلها يعقبها ندم ، وعندنا في كلام النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يترك معصية مرضاة لله وطاعة لله يبدله المولى في قلبه حلاوة إيمان هل يمكننا أن نقول أن حلاوة الإيمان هذه إذا تذوقناها سنجدها أحلى بكثير من حلاوة المعصية المؤقتة؟ د هداية: قبل كلام الرسول صلى الله عليه وسلم يوجد قرآن فالمولى عندما يوجهني ويقول (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) ما الذي يجب أن أرد به أنا؟! المقدم: كيف أتخذ الشيطان عدواً؟ د هداية: بالضبط أريد منهج والمنهج بين أيدينا (قال الله وقال الرسول) فالشيطان إذا دخل لي من مدخل أرد عليه بقال الله وقال الرسول. هذا يستلزم قراءة القرآن ليس لآخذ ثواب ولا لمجرد القراءة بل قراءة القرآن لفهم القرآن وتعلمه وتدبره والعمل به، فلا بد أن أقرأ القرآن يوميا بتركيز. الكلام الذي نشرحه نحن للناس أتينا به من القرآن نتيجة قراءة وتدبر، فإذا لم نتدبر القرآن لن نعرف نتكلم في الموضوع فأولاً بدأنا في الآيات من سورة طه ثم دخلنا على سورة الأعراف كيف ولماذا فعلنا هذا؟! عندما أشرح أن النسيان في سورة طه ليس مقصوداً به النسيان المطلق أو النسيان اللغوي ثم ذهبنا لسورة الأعراف ووجدنا أن الشيطان ذكَّرهم (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا) إذن النسيان هنا مثل الذي في سورة طه قال عز وجل (فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) وهو يعذبه إذن هو ليس ينساه وإنما هنا النسيان بمعنى الترك. ولذلك معنى النسيان في اللغة ترك أوامر الله ليس أنك لا تذكرها. فمثلاً السارق كونه يختبئ فهو يعرف أن هذا خطأ لأنه إذا كان أهبل سيمد يده في جيب علاء ويخرج منه المال لأنه أهبل لا يدرك أن هذا خطأ فعلاء سيضحك من فعله بينما السارق يحتال عليك لكي لا تراه إذن هو ليس أهبل ويعرف أنه خطأ وحرام ويوجد عقوبة . المقدم: ما عدا الهجَّامين يقف أمامك ويرفع السلاح في وجهك ويسرق الذي معك . د هداية: هذا هو التبجح لكن الذي وضع يده في جيبك بدون سلاح فأنت تدرك أنه أهبل . المقدم: لو طبقنا حدود الله لن يكون هناك هجَّامين ولا غيرهم بمعنى لو قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف سيختلف الوضع ، لكننا نفرح فقط بأن هذا مسجل خطر وهذا 10 سوابق . د هداية: المولى وضع الحدود لهذا لكن متى يطبق الحد؟ بعد إقامة الشرع. لا بد أن تُفهِّم الناس لفترة أن الذي سيسرق ستُقطع يده، لأنك عندما تقطع يده تكون أنذرت وقد أعذر من أنذر، فأهم من إقامة الحد تطبيق الشرع . المقدم: لا أدري لماذا يخاف الناس من كلمة تطبيق الشرع؟ د هداية: لأنهم يفهموا أن الشرع هو إقامة الحد فنحن منذ عام 1975م ونحن ننادي بتطبيق الشريعة والناس لا تفهم أن تطبيق الشريعة هو أن الرجل لا يسرق . المقدم: وأن الناس تكون على خلق فالمولى عز وجل لن يفرح عندما تُقطع يد فلان. د هداية: البعد عن المنهج يُضيِّع المجتمع، البعد عن الكتاب والكتاب لا يعنيه إقامة الحد إلا بعد إقامة الشرع. يعني المنهج الإلهي يقيم الحد بعد تطبيق الشرع بدليل أنه في عام الرمادة تعطل حد السرقة هل انتشرت السرقة؟! لا لماذا؟! لأن الناس كانت تعلمت أن السرقة حرام. أنت عطلت الحد نعم لكننا لم نسمع شكوى في المجتمع أن الناس كلها تسرق بل على العكس الناس تعلمت الشرع. الشرع الحنيف أني لا أسرق أن يوجد بداخلي وازع بأن أحافظ على ممتلكات غيري لكي يحافظ غيري على ممتلكاتي وهذه النقطة قالها الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه عندما كان يشرح القرآن قال أن المولى نهى غيرك عن السرقة ونهاك عن السرقة ونهى غيرك عن الزنا ونهاك عن الزنا مثلما نهاك نهى غيرك فهذا يطمئنك . المقدم: أنني لن أغتصب حق من حقوق الآخرين وغيري لن يغتصب حقي . د هداية: هذا هو الشرع ليس الحد أما الذي يجور على الشرع بعد ذلك هذا الذي يقام عليه الحد لكن بعد أن شرعت الشرع . المقدم: نقدر نقول للبخلاء والذين لا يخرجون زكاة أموالهم أنه يسهم في تخريج حرامي للمجتمع . د هداية: أو يجوَّع مسلماً فالاثنين موجودين بسبب بخله. المقدم: يعني الناس التي يأتي لها الأكل ساخن بالطائرة من مطاعم فرنسا وهم يعلموا أنه يوجد من يبحث على بقايا الطعام داخل صناديق القمامة. د هداية: أيضا الشيخ الشعراوي علمنا أنك لو وجدت مسلماً جائعاً فهناك مسلم لم يُخرج زكاته هذه معادلة غير محسوبة وإذا فكرت فيها ستجدها مضبوطة، وإذا رأيت مسلماً يسرق تعرف أن هناك مسلم لم يوظفه فلو وظفته كفيته، فهذا الذي اكتفينا بأن سجلناه خطر ولم نوظفه ثم ماذا؟ ولذلك المجتمع لا بد أن يتكافل في هذا. مفهوم الزكاة عبارة عن فكرة تكافل في المجتمع وهذه الفكرة الغرب طبقها ونحن لم نطبقها. المقدم: فهم يصرفوا إعانة بطالة للذي لا يعمل. د هداية: وهذا هو التكافل. شاهدي في الكلام أن كل تلبيس لإبليس لا بد أن يقابله من المسلم الواعي رد وقلنا زمان لو أن آدم تشارو هو حواء وهذا مثال تطبيقي لما أكلا لو انتبهت للآيات (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ، فَأَكَلَا) لا يوجد تفكير. المقدم: لم يتشارو معها أو يأخذ رأيها في هل هذا حلال أم حرام . د هداية: هنا دور الزوج والزوجة الدور الذي يغيب عن مجتمعنا الآن (التشاور) عندما يُعرض علينا أمر وهذا الأمر سيعود على البيت بالسلب أو الإيجاب لابد من التشاور وعدم الإستبداد بالرأي لأنه تأتي لنا حالات استبداد بالرأي من الطرفين وهذا خطأ . عندما تُعرض عليا معصية أتكلم بقال الله وقال الرسول لأنه من تبجحه دخل في الأمر الإلهي ولم يخف إبليس من أن يتذكر آدم أن المولى هو الذي قال لأنه دخل له من منطقة الخلد والملك فعظَّم له هذا وقلل له أنها معصية. المقدم: هل نستطيع أن نقول أن من ضمن الأسلحة وخصوصا في مجتمعنا الحالي أن المعصية أصبحت سهلة جداً وممكن أن تصل إليها وأنت في غرفتك عن طريق النت ومثلما يوجد علم يوجد أيضاً فجور وأمامك هذا وذاك . د هداية: ما الذي يمنعك أنت عن الفجور؟ المقدم: تقوى الله وأن المولى رقيب. د هداية: فالشيطان أسلحته جاهزة. المقدم: وأنا أشعر أن الناس أصبحت تستسهل المعصية كيف هذا؟! د هداية: هؤلاء الذين ليس عندهم قال الله وقال الرسول هذه لا تعمل معهم . المقدم: هل ممكن يكون من ضمن النصائح أن نقول للناس برمجوا الكمبيوتر بأن يضعوا بسم الله الرحمن الرحيم أو آية قرآنية مع بداية فتح الجهاز. د هداية: ما الذي جعل النت يصل إلى ما وصل إليه الآن؟! المتميزين في البرمجة من الفريق الآخر، الفريق المسلم لا بد أن يدخل ويضع على هذه المواقع الآيات والأحاديث. المقدم: أعجبتني فكرة لبعض الشباب أنهم كانوا يبحثوا ويتصيدوا المواقع الإباحية ويدخلوا عليها مادة من عندهم ويكتبوا عليها مهم جداً يجب أن تراه فيفتحها الشخص الذي يدخل على هذه المواقع فيفاجأ بآية قرآنية وصوت يقول له ألا تتقي الله! واعتبروا هذا نوع من الجهاد الإلكتروني . د هداية: بالضبط فأنا أبحث عن هذا اللفظ هذا هو الجهاد في هذا المجال بأن تعمل أولاً نوع من التشويق كما قلت ثم يفتح فيجد (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102] وتُقال بصوت مؤثر أو تكتب مع الصوت، أكيد هناك حلول وأن الناس عندها وازع إيماني. هو لما تجرأ في مدخله وقال (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا) كان مُستغل نقطة عند آدم وهي الفضول فلا بد ألا نغفل هذا الجانب. فكما قلنا لو أن الأمر الإلهي عندك ألف شجرة وممنوع من 999 وستأكل من شجرة واحدة كان لا بد أن يُنفذ لأنه أمر إلهي بدون حساب ولا تبرير لأن الإيمان هو الإيمان بالغيب. ونحن عندما نتناقش مع بعضنا في قضية نقف عند الآية أو الحديث ونسلم. لو أن الأمر كان كما قلت ونسمع أن آدم عصى نلتمس له عذر أنها شجرة واحدة وهو في جنة واسعة. إقلب المثال فهو مُنع من شجرة واحدة وهذا الأمر الإلهي كان غرضه أنه يلفت اتنباهنا أن المعصية تقع حتى مع عدم وجود تبرير فالممنوع واحد فقط وتريد أيضاً تبرير لواحدة فقط هذه هي النقطة التي لم يغفلها لإبليس اسمع الجملة (وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ) فآدم صدقه لأنه دخل له من العنصر المتبقي في التبرير وصدقه وما الذي كان يكفي هنا؟! المقدم: طالما أن المولى أمر هذا يكفي. د هداية: كفاني إيماناً أن الله منع، أن الله أمر وهذا الذي أريد أن يقوله الناس في كل معصية تُعرض علينا . المقدم: كان كثير من غير المسلمين في الغرب يسألون هذا السؤال عن شرب الخمر مثلا فيقولوا أننا متفهمين أنكم لا تشربوا الخمر لأنها مضرة بالصحة وبالكبد لكن الخنزير ليس له مبرر . د هداية: ردك هنا يسكته تقول له أنا لم أمتنع عنها لأنها تهدر الصحة وأضرب له مثالاً يضايقه مثلا أقول له فلان يشرب الخمر وصحته جيدة أنا امتنعت عنها إرضاءً للمولى عز وجل ليس لها علاقة بالصحة فليس المفروض أن أكون طبيب أو مهندس أو عالم، الفيصل عند المؤمن أن الله قال افعل ولا تفعل. كذلك في الصلاة عندما يأتي شخص ويقول أن الصلاة رياضة أقول له أني لا أصلي لأنها رياضة بدليل أنها لو كانت رياضة فعندما أُصاب بالإنزلاق امتنع عن الصلاة لكن الصلاة تكون واقفاً أو قاعداً أو مضجعاً ويوجد بعض الأنواع من الإنزلاق الغضروفي يأمر فيها الطبيب المريض بأن يصلي واقفاً فقط دون أن يركع أو يسجد. الشاهد في الكلام أن الصلاة أمر إلهي بعيداً عن أنها رياضة. وكنا زمان اعترضنا على سؤال جاء لنا في رمضان بأن الحكمة من الصيام أن يشعر الغني بالفقير وكان ردنا إذن الفقير لا يصوم! هذا لا يصح فأنت تبرر لله تبارك وتعالى ما لم يطلب منك أن تبرره. فالأمر الإلهي مجرد عن التبرير، فيصل المؤمن أن الله قال افعل ولا تفعل (الأمر الإلهي) وبالتالي المعصية في النواهي مجردة عن سبب الوسوسة أو التزيين لو عملنا هذا سننجح فيما عرضه الله على آدم ووقع فيه فيجب أن نعرف لماذا عُرضت علينا القصة في القرآن. المقدم: في الختام القصص التي يعرضها لنا القرآن لنا لكي نأخذ عبرة ونتعلم لكي يصل لنا المعنى فأول تكليف لآدم كان اختبار طاعة مجرد بدون تبرير وسنركز في الحلقة القادمة على فكرة الرقيب وكيف تشعر دائما أنه موجود فأحياناً ننسى أن الرقيب يرانا ومطلع علينا كيف لا أنساها وأفعل هذه الصفة دائما هذا ما سنعرفه في المرة القادمة ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 22/12/2009م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 121 إعمال أو تفعيل صفة الرقيبالمقدم: بسم الله الرحمن الرحيم ، الاحبه الكرام ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية ، دائما يخطئ الإنسان فالمعاصي لا تقف لكن عملية التوبة هي التي تحل هذه المشكلة مع البشر . صفةالرقيب ودورها في تقليل حجم ومساحة المعاصي أو المساحة التي يعطيها الإنسان لنفسه لكي تنتهي المعركة مع الشيطان للأسف بمعصية . هل نعرف نحن كيف نفعِّل صفة الرقيب لكي نمنع المعاصي ؟ في الآية رقم واحد في سورة النساء فيها كلمة رقيب وكذلك في سورة ق ، والأحزاب ، والمائدة ، وهود إما كلمة رقيب أو الرقيب وسنتعرض لهذه الآيات لنرى كيف تكلم القرآن الكريم عن صفة الرقيب نسمع معا الآيات (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1] التعدد في الإسلام وبعدها في الآية رقم (2) تكلم عن اليتامى وبعدها تكلم عن موضوع تعدد الزوجات (فانكحوا ما طاب لكم ) الآية التي يتحدث فيها كثير من الناس ، وكنا نسمع عن تعدد الزوجات والآن أصبحنا نسمع عن تعدد الأزواج كما كتبت كاتبة سعودية في الجرائد تقول أنا وأزواجي الأربعة وقامت عليها الدنيا ولم تقعد بعض الناس كفَّرتها وبعضهم قال أنها تستهزئ بالدين ، ولا أدري لماذا هناك كثير من النساء عندهم مشكلة في قبول فطرة الله ؟! فحسب قراءتي لما كتبته هذه الكاتبة تحاول أن توصل رسالة للرجال أنه كما هو مؤلم للرجل أن تكون زوجته مع رجل غيره فلماذا لا تتخيلوا أنه مؤلم أيضا للمرأة أن يكون هناك ثلاث نساء أخريات يشاركنها زوجها الذي تحبه ؟ فكلامها يخالف الفطرة . د هداية: بل كلامها يخالف العقيدة وليس الفطرة فهذه المسألة لكي نتكلم فيها هي لها محاذير ليست مطلقة أولا الإسلام حدد ولم يعدد هذا رقم واحد وهذا هو الخطأ الأكبر الذي يتحدثون فيه فهو عندما يقول أربعة بعدما كانت مفتوحة إذن فهو يحدد ثم إن مسألة الأربعة هذه بمحاذير ولها ظروف ووضع معين والمسألة ليست مطلقة . والكلام في هذا الموضوع يدل على جهل المتكلم سواء هي أو غيرها فأنا لا أعرفها لكن هذا الكلام يدل على جهل لأنك لابد أن تنتبه أنك تتكلم في عقيدة وكلمة شرع يعني إله وهنا تكمن خطورة الكلام . المقدم: تعالوا نتكلم عن صفة الرقيب هنا المولى عز وجل يخاطب الناس كلها ويتكلم عن التقوى ويذكِّر أنه سبحانه خلق كل هذا التعدد وكل هذا الإختلاف من نفس واحدة وخلق منها زوجها وأن كل الرجال والنساء إلى يومنا هذا من هذا النسل وأن هذا النسل جاء من نفس واحدة ويؤكد على التقوى مرة ثانية (واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ) هل مفهوم الرقابة هنا متعلق بالموضوعات التي طرحت في الآية أم هو مفهوم مطلق والمولى بعدما ضرب بعض الأمثلة يذكِّر بصفة الرقيب . د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد ، كل ما فيه كلمة رقيب أو الرقيب ستجد أمامها إما نصح بالتقوى أو عرض لقضية المشاهدة أو العمل بوجه عام وهذا اتضح في سورة النساء والمائدة وق وانتبه لأن كلمة الرقيب جاءت حوالي خمس مرات في القرآن وجاءت مرة واحد فقط على الإنسان عندما قال شعيب عليه السلام (وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) [هود:93] بعدها كانت للملك (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18] وهذه مهمة جدا في شرحها ، ثم جاءت مع الحق تبارك وتعالى وهو الرقيب المطلق إن صح التعبير وتظهر أكثر في سورة المائدة عن سورة النساء في مسألة كنه الإله الحق مع البشر ، وأنت تسأل هل هو الرقيب مطلقا ؟ نعم طبعا لكن انتبه أنه قبل أن يقولها قال اتقوا الله ، ومثلما قلت في المقدمة أني إذا أخذت المساحة المسموحة لي في الكون مع اعتبار صفة الرقيب أكيد ستقل المعاصي لكن الحرب التي بيننا وبين الشيطان أنه نجح في لحظة معينة أن ينسيك هذه الصفة ، ينسيك أنك مراقب يعني مثلا إذا اشتغل علاء في مكان وهو يعرف أنه يوجد كاميرات بالتأكيد سيظل يعمل ويعمل إلى أن فجأة قيل له أن الكاميرات أغلقت فبالتأكيد سيأخذ راحته بعض الشئ فلو انتبهنا لهذه النقلة أني أتخيل نفسي أني أعمل أمام كاميرا - ولله المثل الأعلى - أو أن أفيق إلى أن هذه الكاميرا لن تغلق (الرقيب لا يغيب) هذا هو الفيصل - الذي سيظهر في سورة المائدة - الفرق بين الإنسان والمولى عز وجل . د هداية: بالضبط (وما تقرب عبدي بشئ أحب إليّ مما افترضته عليه ، وما زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه) إذن أنت تفعل الطاعات والفروض وتريد بعدها أن تزيد من حب الله لك وليس حبك أنت لله فحبك أنت لله لا يقدم ولا يؤخر حقيقة والآية قالت هذا وإذا تكلمنا بوضوح فالمثال الذي ضربته هل عندما يدخل علاء غرفة فيها كاميرا ليعمل كما لو كانت الغرفة بدون رقابة ؟! لا يمكن المقدم: سأقول لك الجدال الذي يقال هنا نجد من يقول أنا سأفعل الصواب لأني رجل محترم ولا أنتظر رقابة عليّ فلو كان هناك كاميرا أو بدون سأتصرف نفس التصرفات . المقدم: سنتكلم في نقطتين بإذن الله الأولى علاقة هذا بالموضوع الذي تحدثنا عنه في الحلقة السابقة عن نسيان آدم وكيف نسي بينما الشيطان يذكِّره عندما قال (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ) [الأعراف:20] فهو يذكره وهل هو نسي صفة الرقيب أم ماذا نسي بالضبط ؟! النقطة الثانية أن صفة الرقيب هذه تعطي ملمح عند الناس أن العلاقة بيننا وبين الله هي مجرد علاقة خوف مطلقة فقط ، وتجد كثيرا في الإعلام انتقادات للخطاب الديني أو طريقة كلام بعض الشيوخ أنه يستخدم اسلوب الترهيب فقط وتصوير المولى عز وجل أنه جبار متكبر لا هم له إلا تعذيب الناس والوصول بحياتهم إلى نار جهنم دون الكلام عن الجانب الآخر وهو الترغيب . فنريد أن نتكلم عن علاقتنا بالمولى عز وجل بين الترغيب والترهيب والموضوع في الأصل هو جنة ونار مخلوقين ليس نحن من فعل هذا لكن هناك بعض الناس تريد الخطاب الديني لا يتكلم مطلقا عن النار لا يتكلم عن الخوف من المولى عز وجل ويتكلم فقط عن الحب فالحب شيء جميل لكن هل المفروض أن أنسى تماما أن هناك تخويف ؟! د هداية: لا شك أن هذا المطلب يدفع إلى الرذيلة لأنه يريد أن ينفلت فانتبه معي إذا اختلفنا مع بعضنا يكون مرجعنا هو كتاب الله فهل الكتاب يتكلم عن الحب فقط أم أن الكتاب أعطى لكل شئ حق بنسب محددة فتكلم عن العقيدة ، وتكلم عن التقوى ، وعن العلاقة التي بينك وبين الحق تبارك وتعالى ، وتكلم عن الحب وأعطى ملحوظة مهمة جدا لم ينتبهوا إليها وهي (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران:31] فالأهم هنا هو أن يحبك المولى ، ومن هم الذين يحبهم المولى ؟! المقدم: الذي يسير على المنهج د هداية: هذه إجابة شخص يريد أن يجادل فأنت من أين؟! من المنهج فلو رجعنا لأول نقطة ودائما أذكر بها أن آدم عليه السلام عرف كيف يعصي لكن لم يعرف كيف يتوب فلولا منهج الله تبارك وتعالى لن نستطيع فعل أي شيء . الخطأ دائما يكون مني أنا والفضل والرحمة والتوبة من الله تبارك وتعالى ، ولو انتبهت لحرف (عن) في آية (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:104] (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى:25] هذا هو السر فيها لم يقل من عباده لماذا؟! فهذه فيها كلام كثير ولا أريد أن أتطرق إليها الآن لأنها مهمة جدا فنحن بدون المنهج لا نساوي شيئاً ، بدون القرآن لا نساوي شيئاً ، وبدون اتباعنا لشرع الله وسنة رسول الله لا نساوي شيئاً. ونعود للرقيب فهذه آية في مطلع سورة يقول فيها المولى عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) لماذا لم يقل اتقوا الله ليعطي لك فضل ربوبية . المقدم: وألحق به صفة الخلق . د هداية: بالضبط لأن هناك عطاء (رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) وهذه الآية هي التي عملوا فيها مشكلة أنها خلقت من ضلع وهذا كلام فارغ . المقدم: نحن نقول كل الآراء وفضيلتك تحدد الرأي الذي ترتاح له . د هداية: ليس الذي أرتاح له وإنما الرأي الذي تكلم به القرآن (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات:49] المقدم: هل المقصود بالنفس الواحدة هي نفس آدم ؟! د هداية: لا المقصود ما خلق منه آدم وحواء . المقدم: ولماذا قال بعدها وخلق منها ؟! د هداية: أي من نفسها ، من طبيعتها ، من مادتها . المقدم: أي يتكلم عن حال المادة من طين وحمإ مسنون ... د هداية: بدليل أنه عندما قال (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم) يكلم ذكر وأنثى فهو خلق كل الناس ذكر وأنثى من نفس واحدة ، وهي أصل المادة التي جاء منها آدم وحواء . المقدم: سنقف عند نقطة مهمة نبدأ بها الحوار بعد الفاصل أنه في النهاية المولى عز وجل يتكلم عن التقوى ويربطها بمفهوم الرقابة . د هداية: فهو يطالبني بها وكأنه يعطيني الشرع وأريد أن أتحدث بعد الفاصل عن الفرق بين الحد والشرع المقدم: نسأل هذا السؤال ونجيب بعد الفاصل . --------فاصل--------- الفرق بين تطبيق الشرع وإقامة الحد المقدم: ما الفرق بين الشرع والحد ؟! د هداية: الفرق كبير فنحن طبعا كان لنا مطلب بتطبيق الشريعة الإسلامية هنا الشريعة الإسلامية ماذا يُعنى بها ؟! ليس قطع يد السارق لكن أن الرجل لا يسرق فالشريعة أنك تعلمني أن السرقة حرام وتظل تشرحها على مدار فترة والذي يسرق بعدها تقطع يده فهذا حد وليس الشرع هذا حد بعد تطبيق الشرع . فأنا كمسلم لا يعنيني قطع يد السارق ولكن الذي يعنيني في الحقيقة هو أن الرجل لا يسرق المقدم: كان هناك معنى لقطع الأيادي في القرآن الكريم أنه ليس المقصود به فقط هو البتر ولكن هو قطع الوسائل التي تصل بالأيادي إلى السرقة أني أقطع الطرق وأضع رقابة وأنهي الفوضى د هداية: هذا من لازم المعنى المقدم: أنك لابد أن توعي الناس كما تفضلت وقلت وتنصحهم وتخوفهم ثم بعد ذلك الذي يسرق نقطع يده. د هداية: نحن إذا أعملنا التقوى وأعملنا صفة الرقيب ستقل المعاصي فأنا لابد كبشر أن أدرس كيف يعمل إبليس فيعجبني في أسئلتك مسألة أنا اليوم لماذا أقع في المعصية ؟! المقدم: إما النفس أو إبليس . د هداية: بالضبط في الحقيقة النفس أخطر من إبليس ؛ لأن عندما يدخل إبليس لفلان لو أن فلان هذا نفسه طائعة يكون صعب على إبليس ولا يستطيع الدخول له . كثير من الناس تعطي إبليس أكبر من حجمه ويقولوا كلمة غريبة جدا (الشيطان شاطر) لا فهو ليس شاطر فالقرآن قال في تعريف كيد الشيطان (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76] فالمسألة مهمة في أنك تعطي له أكبر من حجمه فيضحك هو عليك ، فلو وجد الشيطان نفس طائعة لا يستطيع أن ينفد منها لماذا ؟! لأنه إذا حاول أن يدخل ستقف له بماذا ؟! أنا سأقف له بما تعلمته في شرع الله تبارك وتعالى إذا قال لي افعل كذا أقول له لا هذا حرام وكلما حاول أن يبرر لي الفعل أرد عليه بآية فستقف المسألة . أنا لماذا أفعل هذا ؟! لأني فهمت من كتاب الله تبارك وتعالى ما معنى (اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) فالصياغة القرآنية خطيرة والتوقيع القرآني في منتهى الإبداع . المقدم: تكلمنا عن قطع اليد والسرقة فمن وجهة نظركم هل السرقة هي أسهل المعاصي أم الزنا ، وما أكثرها انتشارا خاصة أن كلمة السرقة كما هي مستقرة في الذهن هي التي كانت تُرسم زمان في الكاريكاتير في هيئة رجل يرتدى فانلة مخططة ويضع قناع ويمسك في يده (طفاشة) مفاتيح ؟! لكن اليوم الرجل الذي يسرق قوت الناس فهو حرامي وأي مسؤول يجلس على كرسي ويأخذ ما لا يحق له أو يرتشي فهو أيضا سارق وهذا نوع من السرقة ، هل نطالب بتطبيق الحد على هؤلاء أيضا لو طبقنا حدود قطع اليد ؟! د هداية: طبعا فلو طبقنا الشريعة الإسلامية لكن الذي يعنيني كما اتفقنا أننا اشتغلنا عامين مثلا لكي نقيم الحد بعدها فلا يصح أن أطبق التشريع اليوم وأقيم الحد اليوم . تطبيق الشريعة يعنيني أنا أن الرجل لا يسرق وكما ضربت المثال زمان برجل سرق مليون جنيه من علاء فقلت لعلاء لا تقلق سأقطع يده ماذا استفدت أنت ؟! فالذي يهم علاء فعلا أن ماله يظل معه وأن يكون آمناً في مجتمعه . المقدم: يوجد بعض الناس تريد العكس فمثلا في مسألة الدَّيْن عندما تتوسط عند الدائن وتقول له اصبر أو أعد جدولة الدين فأنت أخذت حكم بالسجن على المدين وأنت تعرف أنه متعسر وإذا سجن أنت لن تستفيد ، فيقول أنا أريد أن أسجنه. د هداية: هذا هو التعسف في أخذ الحق فالقرآن والشريعة لم تترك شيئاً وانتبه تطبيق الشريعة يعفيك من كل هذا أن الرجل سيتعلم كيف يمهل المعسر ، وكيف لا يتعسف ، وكيف يتسامح ، وكيف يتنازل فكل هذا في الشريعة ولذلك لو أنت تريد تطبيق الحد بعد تطبيق الشريعة أقول أعطني فرصة خمس سنوات لكي أشرح وأنذر ويمكن خلال الخمس سنوات عندما تريد بعدها تطبيق الحد لا تجد أحداً لتطبق عليه الحد لأني اشتغلت بطريق صحيحة . المقدم: يوجد بعض الناس تقول أن أحوال المجتمعات الإسلامية غير منضبطة وبها فساد كثير لأننا خرجنا عن شرع الله . د هداية: أنت تسأل ما أخطر المعاصي ؟! أنا أرى أن أخطر المعاصي هو الكذب ، وهذه رؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يصف المؤمن بالكاذب، وافق على مسألة الجبن والبخل لكن رفض الكذب لماذا؟! لأن الكذب يدفع لكل المعاصي وكل الكبائر مثلا الرجل الذي لا يكذب يخاف أن يفعل شيئاً مخالفاً لأنك لو سألته سيقول الصدق، وهذا لا يمكن فمن المستحيل أن أكون أنا لا أكذب ثم أسرق فيسألني علاء أين كنت؟ فأقول له كنت أسرق لأني لا أكذب ولذلك لن أسرق لأني لن أستطيع أن أقول أنا سارق ، والذي يتدبر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في رد الكذب وبصرامة يفهم أن الصدق هو الذي يدفع إلى اجتناب المعاصي وهذا ما جعل الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا) المسألة فيها معاناة ليست سهلة. ومسألة التحري هذه للنقطة التي تتحدث فيها أنا لن أسرق لأني لا أكذب ، ولن أزني لأني لا أكذب ، ولن أقتل لأني لا أكذب ، وإذا تابعت أحوال الناس تجد أن الذي لا يكذب يعيش في راحة ويريح من حوله فعندما تحدث مشكلة في مجموع القوم مثلا يقولوا اسألوا علاء . المقدم: لأن الكل يعرف أنه لا يكذب . د هداية: ولهذا قلت أنه يريح من حوله فعلاء يعرف أنه سيسأل اليوم فيجلس في بيته ولا يخرج لكي لا يسأل ، ساعتها يدرك الناس أن الموضوع الذي سيسألوا فيه علاء حدث بالفعل وهو لم يأت لكي لا يُسأل عن فلان لأنه يعرف أن فلان فعل كذا إذن هو أصبح مصدر ثقة . المقدم: لكن علاء إذا كان يعرف أنه سيُسأل ولم يأت فيكون كتم شهادة د هداية: لا هم سيقابلوه بعد ذلك فهو لن يجلس في بيته لمدة عام وعندما يسألوه بعدها هل فلان فعل كذا ؟ فيرد لكنهم عرفوا طالما أنه لم يأت إذن فالموضوع حدث ، حتى طريقته تريح من حوله . المقدم: هناك نقطة مهمة جدا في مسألة الشرع والحد ستجد أن هناك آراء مختلفة مثلا من يقول أن القرآن نزل منذ أكثر من 14 قرن اليوم والمفروض أن نطبق الشريعة بدون تأجيل ونطبق الحدود أيضاً . وهناك رأي آخر يقول أن هذا منهج قرآني وإلهي في التشريع حتى المسلمين المولى عز وجل أمهلهم فرصة لتطبيق شرائع معينة قبل الحدود بل فرائض معينة كتكليفات أساسية مثل الصوم الذي لم يفرض من أول يوم نزل فيه القرآن الكريم ، كذلك الصلاة . د هداية: تريد أن تقول مثلا الطريقة الإلهية في تحريم الخمر المقدم: بالضبط فكرة الإمهال أننا نمهل الناس ونجهزهم . د هداية: أنا أقول أمهلهم مع تطبيق الشرع يعني أطبق الشرع اليوم لكن أمهلهم في الحد ، فأنا أطالب هم يطبقوا أو لا يطبقوا هذه مشكلتهم فأنا لا أستطيع أن أمهل في التطبيق لكن الإمهال في إقامة الحد هذا مطلب لصالح الناس وفعلا لو كنت مسلماً حقيقياً فأطبق الحد الذي أمر به المولى عز وجل لكن الذي أريد أن أقوله أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يشتهي إقامة الحد بدليل أنه رد ماعز لعلّك، لعلّك، لعلّك، فالرسول لم يفرح لأنه سيَرجِم فهو يتمنى صلى الله عليه وسلم أنه لا يقيم ولا أقصد لا يقيم بمعنى يعطل لكن هو يتمنى أن الناس تستقيم بدليل أنه ردّ الغامدية وردّ ماعز ولذلك قال فيهما أن كل منهما تاب توبة تكفي أمة . المقدم: لكن لابد أن يكون عنصر الردع موجوداً في المجتمع . د هداية: لابد من هذا تذكر معي كيف كان العصر الأول في الإسلام ؟! ثم تابع الوضع إلى الآن ستجد الوضع يزداد سوءا المقدم: يوجد تدهور د هداية: بشناعة والذي يحاول أن يفعل الذي أقوله أن يعيش ويسترجع هذا العصر يقولوا له أنت تريد أن تعيشنا في عصر الرسول . المقدم: وهل تطول أن تعيش في عصر الرسول؟! د هداية: بالضبط هذا هو الرد الصحيح ، لكن هو يريد أن يستهزئ لماذا ؟! لأنه يريد أن ينفلت لأنك إذا قلت شرع وسنة وكذا وكذا تجد تضييق . المقدم: لماذا نجد النخبة المثقفة من علماء ورجالات الدين صامتين أمام هذه القضايا ؟! فنجد الكثير منهم ينشغلوا في الإفتاء في قضايا أخرى مثل كرة القدم وهل يصوم اللاعبون أم لا ؟ ويتركوا هذه القضايا الخطيرة مثل مسألة الحكم بشرع الله . وبسبب صمتنا الطويل هذا بدأنا نسمع من قوى واتجاهات فكرية أخرى أشياء تخالف عقيدتنا فقرأت مؤخرا بعض أن منظمات حقوق الإنسان تطالب بإلغاء عقوبة الإعدام باعتبارها غير إنسانية وكيف نقتل نفساً بشرية خلقها الله؟ وأشياء من هذا القبيل فهم يريدون إلغاء مسألة الردع والعقوبة بما يخالف شرع الله وبهذا يُلغي الإسلام ويُلغى شرع الله. خطورة الأخذ بالثأر على المجتمع ككل د هداية: أنت تتحدث في نقطة هي نفس المثال الذي قلته وأنت تتابع تدهور العصور من بعد عصر الرسول إلى الآن وإذا استمرينا بهذه الطريقة ستجد هذه النعرات . المسألة أولا أن الشيطان ينجح مع هؤلاء الناس بأن يجعلهم يخرجوا عن الشرع ثم يقلب النعرة يعني مثلا نحن نطالب بتطيبق الشرع وبعضنا يطالب بإقامة الحدود وهذا جزء لا يفهم في المقابل تجد العكس فهؤلاء لا يطلبوا فقط عدم إقامة الحد بل يريد أن يطلق المسألة مثل إلغاء عقوبة الإعدام وتسمع مبرراتهم بأن هذه نفس بشرية لكنه قتل وهذا هو القصاص الذي وضعه المولى عز وجل في شرعه فالإعدام إذا انتبهت إليه هو حد من الحدود والقصاص في القتل واضح لو طبقته بما يرضي الله تبارك وتعالى ستقل جريمة القتل . المقدم: والثأر وكل هذا ؟ د هداية: لماذا لم تنجح فكرة الثأر ؟! لأنك لا تطبق الشرع بأن تشرح للرجل ألا يقتل ، خذ مفهوم كلامي ومقلوبه المقدم: لابد أن تغير أفكار كثيرة جدا د هداية: أول نقطة تكلمه فيها هل أنت مسلم ؟! إذن فأنت عندما تقتل أنت بهذا تلغي شرع المولى عز وجل فيقول فماذا أفعل ؟! نقول له ولي الأمر وانتبه هذا الذي ستقتله سيُعدم فأنت تخالف الناموس الكوني للشريعة التي أنزلها الله تبارك وتعالى، مثلا أنت قتلته لأنه قتل أخاك لو لم تقتله كان القاضي سيحكم عليه بالإعدام بل لو أنت مسلم حق تترك القضية تفتح على الرأي العام وليرى الناس هذا الرجل وهو يحكم عليه بالإعدام لأجل الردع إنما عندما تقتله أصبح هناك خراب في عائلتين لكن المجتمع لم يستفد شيئاً . الشاهد في كلامي أنك إذا سكت عن تطبيق الشرع ستظهر لك هذه النعرات . المقدم: ونظل كما قلت ننتقل من عصر إلى عصر في تدهور د هداية: من سيئ إلى أسوأ وإلى أسوأ حتى يأتي علينا عصر الذي يتمنى فيه الرجل أن يخرج من هذه الدنيا على مرضاة الله وهو يشك في هذه المسألة أيضاً . لأن الفتن أصبحت أمامك والدافع أمامك أن رجال الشريعة لا يتكلموا ، أن القائمين على أمر الدين لا يتكلموا . المقدم: وهذا هو المحزن للأسف فمسألة من يتولى المنصب أصبحت هل نختار الأصلح أم أنها وراثة ؟! فالمسألة تتدهور منذ أن أصبح الموضوع بدلا من اختيار الأصلح والأنسب أصبح ملك عضد في الخلافة الإسلامية ، ومنذ أن أصبح السيف في ناحية والذهب في ناحية ثم قيل إن أمير المؤمنين هذا فمن قال نعم فهذا (الذهب) ومن قال لا فهذا (السيف) ولا حول ولا قوة إلا بالله . فاصل ونواصل . --------فاصل--------- المقدم: أول آية في سورة النساء فيها تركيب (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) د هداية: والتركيب هنا بديع وانتبه إلى أن (كان) هنا من الكينونة ليس فعل ماض ، طالما قال رقيبا إذن كان تعمل كفعل ناقص التي هي من أخوات كان ليس التام لكنه في الحقيقة كل (كان) أو أي من أخواتها إذا جاءت مع الله تبارك وتعالى تعني معنى الكينونة ليس الفعل المنتهي ، ليست بمعنى أنه كان الله رقيبا والآن ليس رقيباً. والذي تقوله صفة الرقيب بالألف واللام أي الصفة المطلقة لم تأت إلا في المائدة وستظهر أكثر في المائدة في مسألة الفرق بين البشر والمولى عز وجل لأني كما قلت فشعيب عليه السلام قال هذا (وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) فهي مع البشر رقيب لكن عندما تأتي في حق الله تبارك وتعالى تكون الرقيب بالألف واللام . المقدم: وعيسى عليه السلام تكلم على نقطتين الشهادة والرقابة . د هداية: الكلمات التي بين عيسى عليه السلام وبين المولى عز وجل ستبين أنه قال عليه السلام كنت عليهم شهيدا لم يقل رقيبا رغم أنه كان يستطيع أن يقول مثل شعيب (وَارْتَقِبُواْ إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) لماذا لم يقل رقيب ؟! ثم قال وأنت الرقيب وفي النهاية أنت على كل شئ شهيد . ليتنا نفتح المصاحف لنرى عظمة الصياغة القرآنية بين البشر وبين الحق تبارك وتعالى الحق الأعظم . تفسير خواتيم سورة المائدة تفعيل صفة الرقيب في العقيدة المقدم: نسمع الآيات معا خواتيم سورة المائدة (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [116-117] عندي أولا سؤال منطقي عن توقيت هذا الحوار متى دار ؟! د هداية: فتح الله عليك ، أريد أن أوضح في البداية أن هناك اختلاف كبير بين المفسرين في موضوع الزمن لكن الغالب في العقيدة عندنا أن هذا الكلام سيحدث يوم القيامة وأن المولى عز وجل صاغه بالفعل الماضي قياسا على (أَتَى أَمْرُ اللهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل:1] (أتى) فعل ماض و (لا تستعجلوه) يعني لم يحدث بعد ، يريد أن يقول أن هناك قاعدة في الصياغة اللغوية أن ما قال عنه الله أنه سيحدث اعتبره حدث المقدم: ممكن يكون هناك رأي آخر يقول أن كلمة السر التي تحل هذه الإشكالية (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) فمن الممكن أن يكون هذا الحوار دار ساعة وفاة عيسى عليه السلام د هداية: بالضبط هناك من قال هذا وانتبه أنك إذا أردت أن تلم بالتفسير لكي تفسر آية لابد أن تفتح ما لا يقل عن 27 تفسير فتجد الكلام الذي قلته هذا وتبدأ تقسم المفسرين طبقات والطريقة الصحيحة وأنت تعمل أن تأخذ التفسيرين بالترتيب الزمني بتاريخ وفاة كل واحد لأنك ستجد هناك نقل كامل وهذه تظهر كثيرا ، فهناك من قال أن هذا الحوار حدث ساعة توفى الله تبارك وتعالى عيسى عليه السلام لكن ما قيمته ساعة موت عيسى ؟! فالمشكلة ليست في عيسى عليه السلام المشكلة فيمن اتبعه المشكله فيمن اعتبره إلهاً فهذه لا تحدث إلا يوم القيامة . المقدم: أي اتخاذ الناس عيسى ومريم العذراء إلهين د هداية: هل هذه مشكلة عيسى ومريم عليهما السلام أم مشكلة الناس ؟! المقدم: الناس الذين ظنوا هذا د هداية: إذن فهذا الكلام لا يصح إلا إذا كان هؤلاء الناس حاضرين لابد أن يكون المتهم موجوداً فكل كلام عيسى عليه السلام هو رد على ما قالوه المقدم: هو برَّأ نفسه . د هداية: لماذا يسأله المولى وهو يعلم سبحانه وتعالى ؟! لأنه في حضور هؤلاء . فكيف أختار أنا بين الرأيين ؟! الذين قالوا أن هذا الكلام حدث ساعة وفاة عيسى عليه السلام أقول لهم لا تفيد فهذا الكلام لهؤلاء وليس لعيسى إنما القضية عند هؤلاء . المقدم: إذن فهذا مشهد يوم القيامة أمام الأتباع الذين ظنوا أن عيسى إله وأن العذراء في مرتبة الآلهة فالسؤال هنا ليس لعيسى وإنما بمعنى هل أنت قلت لهؤلاء الناس - في حضورهم - هذا الكلام . د هداية: هنا هؤلاء سيعرفوا ماذا ؟! أنه عندما قال عيسى هذا الكلام وتأتي أنت وتقرأ كتابك لا تؤلف لأن الموضوع انتهى وانتبه ماذا قال في آخر الآيات (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [119] من هم الصادقين ؟! المقدم: الرسل والأنبياء د هداية: بالضبط إياك أن تفهمها غير ذلك لأننا عندنا آية في القرآن فيها ابداع لغوي قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119] لم يقل من الصادقين لأن المنيّة ليست بيدي لكن المعيّة بيدي فأنا لا أستطيع أن أكون من الصادقين لأن الصادقين مطلقا هم الأنبياء والمرسلين فقال (هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) الصادقين هم الأنبياء الذين منهم عيسى عليه السلام . المقدم: ما معنى ينفعُ ؟! د هداية: انتبه أنا اليوم مُرسل برسالة وعندك هنا كلمات لو فسرتها لك سترد على هذا السؤال ، فيما تنفعهم ؟! أنني مكلف برسالة فعندما يسألني المولى عز وجل هذا السؤال هنا عيسى عليه السلام يرد وقائع . المقدم: أن ما حدث من تغيير أو تبديل في العقيدة لست أنا المسئول عنه د هداية: هل قال: ما قلت لهم إلا ما قلت لي ؟! المقدم: لا، إلا ما أمرتني د هداية: ما الفرق ؟! عندما تشرحها لغة هي ما قلت إلا قولا أمرتني به لكن عندما صيغت قال أمرتني لماذا ؟! لأنه كرسول متلقي رسالة ليبلغها يعتبر أن كل قول هو أمر لا يستطيع أن يحيد عنه والصياغة هنا تبين عظمة البلاغة القرآنية . أنت كنت تريد أن نشرح صفة الرقيب لماذا ؟! لأن هدفك أن تقلل المعاصي والمولى هنا أعمل صفة الرقيب في العقيدة وهذه نقطة مهمة جدا والذي لا ينتبه إليه الناس أن هذه العقيدة هي التي تحركك للصواب أو الخطأ والعقيدة تبدأ من ماذا ؟! (من إلهك؟) وهذا أول سؤال في القبر من ربك؟ بكاف الخطاب ولذلك يوجد هنا ألفاظ بعض المفسرين قالوا لماذا قال نفس ونفس ؟! (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) ما الذي جعل عيسى عليه السلام يضع نفسه أما نفس الله تبارك وتعالى؛ هذا لأجل مسألة المكنون (العقيدة) وقلت زمان أننا نستطيع أن نغير لإناس الكلى أو القلب لكن لن نستطيع أن نغيّر ضميره أين هو الضمير من الجسم ؟! في مكنون النفس، وأين العقيدة ؟! في مكنون النفس لذلك يوجد هنا ألفاظ في منتهى الإبداع . المقدم: عندي أسئلة كثيرة في هاتين الآيتين (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ) عند النصارى اتخذوا عيسى إله أو ابن إله لكن لم يقولوا صراحة عن مريم العذراء إله وإنما أسموها أم الرب بزعمهم؟! د هداية: وهذا السؤال مطروح عند بعض المفسرين وهذه نقطة أريد أن أسهلها على الناس مثلا عندما تقول عن فلان (فلان بيخيب) لكنه لا يعرف حتى كيف يخيب ونحن نصلح له الغلطة التي أخطأ فيها كأنهم لم يعرفوا حتى كيف يخطئوا . المقدم: يعني بالمنطق أن أم الإله هي أيضا إله . د هداية: فهو يريد أن يقول أنه لو كان إله لا يمكن أن يكون له أم فلو اعتبرت أن له أم هذا فرض غير منضبط ولو أنك اعتبرته إله كنت اعتبرت أن أمه أيضا إله لكان الكلام أصبح منطقياً فهو يريد أن يقول أن الإله لا يولد ولذلك في تعريف الإله عندك أنت في سورتي الكافرون والإخلاص وأهل اللغة من المفسرين يعتبرون أن الكافرون هي الإخلاص الأولى والإخلاص هي الإخلاص الثانية كأنه ينفي أن هناك ند للإله والثانية يُعرِّف لك الإله فالإله لم يلد ولم يولد . المقدم: يعني من صفاته أنه لا يصح أن يولد طالما أنه وُلد إذن فهو ليس إله . د هداية: وعندما يقولوا مثلا أن عيسى ابن مريم إله إذن لابد أن تكون أمه أيضا إله أو أن هذه القضية غير منضبطة فهو يصيغها (أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ) لو أن عيسى هو الذي يوجههم حاشاه صلى الله عليه وسلم سيقول لهم أنا إله وأمي إله ، وهذا الكلام لا يقال . مسألة ظهور مريم العذراء في مصر المقدم: لذلك أنا جاءتني رسائل بالبريد الإلكتروني من ناس تسأل عن ما قيل أنه ظهور للسيدة العذراء مريم وتسآءلوا لماذا السيدة مريم العذراء هي التي تظهر؟ إن كان هذا ظهور حقا وليس تلاعب بالليزر أو بالإضاءة لأسباب معينة قد تكون سياسية وقد تكون إيمانية الله أعلم فأنا لا أتهم أحدا ولا أحب أن أطعن في عقائد الآخرين فكل واحد حر فيما يعتقد، فلماذا لا يظهر أو يتجلى المسيح عليه السلام نفسه لكي يتفقد أحوال الرعية أو يشتاق لمصر التي مكث فيها ثلاث سنوات ونصف أو يدعم الأقباط كما قالوا ؟! د هداية: هذا تساؤل منطقي وليس سؤالاً، بوضوح شديد جدا أنا أتكلم في هذا الموضوع مع المسلمين الذين يسألوا عن هذا الكلام لأني أنا لا أستطيع أن أشرح عقيدة النصارى فعقيدة النصارى تشرحها الكنيسة ولها ما لها وعليها ما عليها مع النصارى هم أحرار، لكن نحن كمسلمين ليس عندنا مسألة الظهور أو أن مريم تظهر لأنك إذا قلت لي أن مريم تظهر سأسألك أسئلة لن تستطيع أن تجيب عنها فهل هي تظهر بجسدها كاملا ؟! أم ظهور بالروح ؟! أم ظهور بالروح والبدن ؟! أم أن هذا إسراء ؟! أو ما القصة بالتحديد . فإذا قلت مصباح أو حمامة فلماذا حمامة كانت تأتي هي بنفسها ؟! هل هناك إله أرسلها أم أنها لها ذاتية في الظهور ؟! أنا شاهدت حلقة وكان فيها أكثر من مذهب على ما أذكر لكني أذكر أن قس إنجيلي تكلم في هذا الموضوع وأعجبني جدا كلامه لأنه تكلم بمنطقية الأمور وقال الفرض الذي افترضته أنت وهو لماذا لم يظهر عيسى ؟! وكذلك قال كيف تظهر؟ . السؤال مني أنا الآن هل هي تظهر بالروح أم بالروح والجسد؟! أم أن هذا إسراء أو على شاكلة الإسراء ؟! وانتبه لأنه إذا أجاب أحد عن هذا السؤال فكل رد عليه 10000 سؤال الذي أريد أن أقطع به الكلام أنني كمسلم لله تبارك وتعالى عقيدتي تقول أن مريم هي أم عيسى عليه السلام عبدُ الله ورسولُه لا ظهور لها ولا ظهور لأي شخصية لا يوجد عندنا هذا الكلام . المقدم: ممكن أن تكون الطبيعة الشرق أوسطية أنك تتمسح دائما في الأولياء والصالحين . د هداية: أنا أتكلم للمسلمين فعقيدتنا ترفض ذلك رفضا قاطعا واحدا لا يقبل أي شك المقدم: جزاكم الله كل خير وأنا كنت أنتظر هذا الرد القاطع وسنكمل المسيرة إن شاء الله في طريق الهداية أعاننا الله وإياكم إن شاء الله ، ونراكم على خير سلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 29/12/2009م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 122 شرح خواتيم سورة المائدة الآيات 116 ،117 ،118 المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم ، الاحبه الكرام ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. مازلنا مع مشوار التوبة ومع وقفة مهمة جدا في إعمال صفة الرقيب . صفة الرقيب للمولى عز وجل تحدد المساحة التي تعطيها لنفسك أو للشيطان ليتغلب عليك ، وهل سترجع وتتوب بسرعة أم لا ؟ وخاصة أن صفة الرقيب متعلقة بجزء مهم جدا في العقيدة وهو أنك لم ترى الله عز وجل ولم ترى الملائكة (الحَفَظَة ، الكَتَبَة) ، ولم ترى الجنة ، ولم ترى النار ولا تعرف يوم القيامة والبعث والنشور ، فهذا كله غيب لكنه يدخل في صميم عقيدتك كمسلم وكمؤمن لأن هذا هو جوهر الإيمان ، وإلا كان من السهل أن يوسوس لك الشيطان بما أنك لم ترى شيئا إذن فهذا الكون ليس له خالق أو إله ، وكلنا سنموت وسندفن في التراب ولا يوجد حساب أو سؤال . الرقيب هي صفة أو اسم قد يبدو للبعض أنها بسيطة بينما هي جوهر العقيدة وجوهر التوحيد . جاءت كلمة الرقيب في أكثر من موضع في القرآن الكريم في سورة النساء والأحزاب والمائدة وق وهود ، وتحدثنا في الحلقة السابقة عن سورة النساء وأيضا خواتيم المائدة التي ذكرت فيها الرقيب بالألف واللام . وتحدثنا عن الحوار الذي بين المولى عز وجل وسيدنا عيسى عليه السلام ، وقلنا أن هناك وقفات عند كلمتي الرقيب والشهيد ، وعن نفس الله عز وجل وعن نفس عيسى عليه السلام . وقلنا أيضا أن هناك وقفات تتعلق بجوهر العقيدة الصحيحة خصوصا مسألة الرقابة الإلهية. وأريد أن أبدأ من أول الآيات (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ) [المائدة:116] . وكنا تحدثنا في الحلقة السابقة عن مسألة أن الناس اتخذت عيسى عليه السلام إلهاً ولم يقولوا أن مريم إله لماذا قال القرآن هنا أن الأم والابن اتخذوا إلهين ونريد أن نؤكد على هذا المعنى مرة ثانية . د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد ، وأؤكد في البداية أننا نتكلم في هذه الآيات من وجهة نظر عقيدة الإسلام عن رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) وأن الإسلام عندنا لا يختلف عن الإسلام عند عيسى أو موسى أو نوح إلى آدم عليه السلام بنص قول الله تبارك وتعالى في قرآنه (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران:19] و (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران:85] فعقيدة الإسلام أو عقيدة التوحيد عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هي امتداد لعقيدة الإسلام عند سائر الأنبياء والمرسلين لكننا نشرح في قرآننا من وجهة نظر العقيدة الإسلامية فأنا أتكلم كمسلم وفي قرآني، لا أتكلم في الإنجيل ولا في التوراه. فعندما يسمع المسلم (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى) إذ هنا لها عمل لغوي معناها واذكر إذ قال الله لعيسى، مثلما قال قي سورة يوسف (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ) يعني (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ * إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ) [3 ،4] أي اذكر يا محمد (صلى الله عليه وسلم) ساعة قال يوسف كذا، وهنا اذكر يا محمد ساعة يقول الله لعيسى يوم القيامة كذا ؛ لأننا اخترنا من آراء المفسرين أن هذا الكلام سيقع يوم القيامة (راجع حلقة/ التوبة والإستغفار(121)) لكنه يصاغ بصيغة الفعل الماضي لأنه ما قال الله أنه سيقع فهو واقع لا محالة لذلك فهو يصاغ بصيغة الماضي على اعتبار تحقق وقوعه . بعض المفسرين توقفوا عند الملحوظة التي قلتها وليس كلهم فقالوا أن الناس أي اليهود الذين أدركهم عيسى ساعة قال لهم (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم) [الصف:6] هم اتخذوه إله أو ابن إله على اختلاف العقائد عندهم لكن لم يقل أحد منهم أن مريم إله فالمولى عز وجل يضع الأمور في نصابها أن الإله لا يكون له أم من البشر فلو اتخذوها أنها أم إله إذن فهي تكون أيضا إله ، وهذا الكلام لا يصح ، فالجهة منفكة في المنطق هنا لأنه لا يمكن أن يكون إله أمه من البشر ولو اعتبرت أمه إله هنا المولى يسأل عيسى عليه السلام هل أنت قلت ذلك ؟! تبين هنا أن الكلام جاء على لسان عيسى عليه السلام لأنه مرسل من الله تبارك وتعالى . فلا يوجد عندنا احتمال أن تكون مريم تكلمت فهي ليست نبياً ولا رسولاً ؛ لأن أيضا هناك بعض المفسرين اختلفوا في هذه النقطة هل هي نبي أو هل هي رسول ؟! وهذا اختلاف لمجرد الفكر لا بأس به. فالمولى عز وجل يسأله (أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ) كأني بالله تبارك وتعالى يؤكد أن المرسل هو عيسى عليه السلام إذن فالذي محتمل أن يكون قال هذا للناس هو عيسى عليه السلام فلما يثبت أنه ليس عيسى فمن أين أتى الضلال ؟! من الناس . المقدم: ليس من عيسى عليه السلام د هداية: ليس من عيسى ولا من مريم . (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ) اسمع رد عيسى عليه السلام . المقدم: أول كلمة سبحانك (قَالَ سُبْحَانَكَ) د هداية: لماذا ؟! لأن المسألة هنا أصبحت العقيدة تشوبها شائبة عدم تنزيه المولى تبارك وتعالى باتخاذ إله إما معه أو من دونه . فقال له أنت منزه عندي كأني بكلمة سبحانك تضع الأمور في نصابها . المقدم: كان من الممكن لو كنا نتكلم عن صياغة عادية وليست إلهية سيكون الحوار هل أنت قلت هذا ؟ لا لم أقل د هداية: وقلناها سابقا أن عندما أسألك لماذا فعلت المعصية ؟! سيكون هناك أعذار ومن ردك سيتبين موقفك الحقيقي (راجع حلقة/ التوبة والإستغفار (120)) قياسا على هذا رد عيسى عليه السلام ولله المثل الأعلى . فكانت أول كلمة في رده سبحانك كأني بالله عند الأنبياء منزه عن الشريك وعن المثل وعن الند . المقدم: وأن هذه المقولة تكاد السموات يتفطرن لها أن تقول أن لله ولد . د هداية: فهذه مصيبة أن يكون له ولد أو أن إله يتصور أن يكون له أم ، ومثلما قلنا أن المولى عز وجل في سورة الإخلاص الأولى (الكافرون) قال (لا أعبد ، ولا أنتم عابدون ، ولا أنا عابد ، ولا أنتم عابدون) ثم قال في سورة الإخلاص أنه لم يلد ولم يولد ، بعدما تكلم عن وقعه تكلم عن كنهه كنه الإله الحق أنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، أي لا يكافئه أحد ولا يدانيه ولا يماثله . فكلمة سبحانك هذه تضع الأمور في نصابها قال (قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ) يعني إن كان هذا وارد (فَقَدْ عَلِمْتَهُ) لأنك أنت سبحانك تعلم كل شئ فهو أكد بهذا الرد أن السؤال لمجرد اثبات الخطأ عند الناس المقدم: أريد أن أقف وقفة عند أسلوب كلام عيسى عليه السلام أحيانا عندما تقرأ في الأناجيل وتجد كلام يحتمل أنه روي عن عيسى عليه السلام تلمح فيه أسلوب بياني معين فسبحان الله هذه الآية بنفس أسلوب كلام عيسى عليه السلام (قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) هذه التركيبة أسلوب كلام عيسى . د هداية: بالضبط ، والأخطر منها التي تليها (إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) بمعنى لو وارد أن أقول مثل هذا الكلام - وهو ليس وارد طبعا فبكلمة سبحانك لا يصح ، وبالذي قبلها (مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ) يعني أنا ليس من حقي ، لأن الحق عندي أن أقول مضمون الرسالة لا يصح أن يضيف نبي أو رسول للرسالة - فلو أن هذا الكلام وارد أن أقوله إذن فسأقوله من عندي وهذا لا يصح . (فَقَدْ عَلِمْتَهُ) تعطيك فروض كثيرة للعلم ، علم الله تبارك وتعالى علم مطلق لكنه ليس مجرداً بمعنى أنه عليم ومهيمن لا يصح أن يرسل رسول برسالة وهذا الرسول يؤلف . فهو ليس عليماً فحسب بل هو عليم ومهيمن - فكل الصفات مكملة - إذن فهو يستطيع أن يمنعه لكنه من الأساس عندما اختاره غير وارد أن يخطئ مثل هذا الخطأ ولا يفكر مثل هذا الفكر. ثم إنه قال (إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) لماذا ؟! ما هو التعليل ؟! المقدم: (تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ) د هداية: هذه الجملة خطيرة جدا ، لماذا قال نفسي ونفسك ؟! لماذا اختار النفس ولم يقل تعلم أنت ؟! لأن النفس غير مرئية وعندما سألتك أين العقيدة وأين الضمير بداخلك ساعات نشير للعقل والرسول (صلى الله عليه وسلم) أشار ناحية القلب . المقدم: لكنه ليس عضواً ملموساً . د هداية: بالضبط ، لا نستطيع أن نغيره مثلا إن مرض ، ولذلك النفس المريضة في الطب النفسي عندما يعطوا أدوية تكون موجهة إلى المخ لكن ليس لها عضو ولذلك مدارس الطب النفسي وعلم النفس أن العلاج أفضل من الأدوية لأنها تركيبة والفكر والكلام يحلها . فمعنى كلمة تعلم ما نفسي أنك ليس فقط تعلم الذي يحدث بل تعلم منذ أن نويت أنا أن أقول هذا الكلام فبقدرتك تستطيع أن تمنعني ، فالكلام له بعد في هيمنة الله تبارك وتعالى مثال / ولله المثل الأعلى نفترض أن عيسى عليه السلام سيفعل هذا هل المولى عز وجل سيعلم عندما يفعل عيسى عليه السلام ؟! المقدم: لا من قبل هذا د هداية: منذ أن حدثته نفسه أن يفعل هذا ، فيريد أن يقول له أنت تعلمها ليس فقط إن قلتها بل منذ أن كانت فكرة تدور في رأسي ، فبهذا وبكلمة سبحانك يثبت قدرة الله تبارك وتعالى في أنه لا يحدث شئ في كونه إلا بعلمه . ولذلك قلنا أن هذا الإله الحق لا يُعبد إلا بإذنه ولا يُعصى إلا بعلمه ، فعلاء مثلا عندما يجهز لرسالة الدكتوراه تكون في البداية مجرد فكرة ويناقشها مع الدكتور المشرف على رسالته ، يعني هي في البداية مجرد فكرة ثم تدخل في حيز التنفيذ . الله تبارك وتعالى في الحقيقة يعلمها قبل أن تكون فكرة ؛ لأنه ساعة خلق علاء يعلم أن علاء سيحضر رسالة دكتوراه سنة 2002 مثلا ، ولذلك قال له سبحانك يعني نزهه في مسألة أن الناس اتخذوا معه أو من دونه إله ، فأنا كرسول بلَّغت الرسالة من صميم قول الحق تبارك وتعالى (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) [النور:54] [العنكبوت:18] المقدم: لذلك قال في الآية التي تليها (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) وفي هذه الآية وقفات كثيرة لكن تابعونا بعد الفاصل --------فاصل--------- المقدم: لا زلنا في سورة المائدة [116 ،117] عيسى عليه السلام في السياق القرآني يكمل الحوار مع المولى عز وجل ويقول (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) هنا يوجد أكثر من وقفة أولا قال ما أمرتني ولم يقل ما قلت لي لماذا ؟! د هداية: الآية توقيعها (ما قلت أنا إلا ما قلته أنت لي) لكن عيسى عليه السلام أوقع القول من الله تبارك وتعالى موضع الأمر . المقدم: هل من الممكن أن تكون هذه رسالة لبني البشر أنك حتى لو لم تكن نبي فأي كلمة تصدر من الله تمثل بالنسبة لك أمر ؟! د هداية: ممكن شخص يقول الآن أنتم مسلمين فلماذا تتحدثون عن عيسى عليه السلام ؟! لا بد أن نلفت الأنظار إلى أن الإسلام عند محمد (صلى الله عليه وسلم) لا يختلف عن الإسلام عند عيسى أو موسى أو نوح أو ابراهيم إلى آدم عليه السلام . المقدم: الإسلام بمعناه الشامل الواسع ، إسلام الوجه لله ، التسليم بوجود إله ، والتسليم بمنهجه وشرعه . د هداية: التسليم بمنهج الله في أي عصر ، إلا أن المسلمين عند رسول الله محمد رسالته تختلف عن سائر الرسالات لأنها الرسالة الخاتمة آخر الرسالات ، العمل فيها يختلف عن كل الرسالات ، خواتيم البقرة تعلمنا هذه المسألة (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [285] يعني أنا كمسلم عند رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) لا يصح إسلامي إن كفرت بعيسى أو بموسى المقدم: لكن آمنت بعيسى على أساس أنه نبي وليس ابن لله د هداية: بالضبط ، أنا مؤمن بكل القرآن الذي عُرض فيه النصارى واليهود وكل الديانات إلى آدم عليه السلام ، وإيماني بعيسى على أنه عبد الله وسورله ، وإيماني بموسى على أنه عبد الله ورسوله ، وإيماني بإبراهيم ونوح ، يعني عقيدتي تختلف في أن الأمر عندنا مكتمل فتأخذ كل نبي على وضعه ، ولذلك ليس من قبيل الصدفة أن يعرض لنا القرآن قصة بني إسرائيل وماذا قيل لهم وماذا كان ردهم ؟ يعني حتى دخل في نواياهم . هنا نفس الموضوع عند عيسى عليه السلام فكلام عيسى عليه السلام يوضح الذي أقوله . لماذا هذا الكلام عندنا في القرآن ؟! لأن إيماني أنا لن يكتمل إلا إذا آمنت بكل الأنبياء والمرسلين قبل محمد (صلى الله عليه وسلم) . المقدم: عندي ملحوظة لماذا الكلام حول هذه المواضيع عندما يتناول القرآن الكريم عقائد الآخرين يكون فيه حساسية ؟! فتجد إتهامات جاهزة بإزدراء الدين المسيحي ولإثارة الفتنة الطائفية . رغم أن الدراسات المقارنة للديانات والرسالات موجودة في كل مكان في الدنيا ، ففي جامعات أوروبا يوجد دراسات تشرح الإسلام فيوضحوا إيجابياته وسلبياته من وجهة نظرهم ، وبعيدا عن هذا كيف يرون هم محمداً (صلى الله عليه وسلم) ؟! نحن نقول أنه هو النبي الخاتم وهم يقولوا أنه ليس بنبي إما أنه ألف هذا الكلام أو أنه كذاب أو أو أو ، لماذا لم نعتبر نحن أن هذا إزدراء ؟! يعني أنا أرى أن ما يحدث على الساحة نوع من الإرهاب الفكري فحرية العلم والبحث العلمي وعرض الآراء المختلفة موجودة في كل مكان حتى في الغرب الذي أغلبيته مسيحية هناك دراسات للأناجيل المختلفة المعترف بها من حيث أوجه الإتفاق ونقاط الإختلاف ، ومن حيث التغيرات التي حدثت في ألفاظ الإنجيل من اللغة الأصلية التي نزل بها إلى الآن . فكل هذا موجود ويوجد علماء متخصصين يكتبون في هذا في نقد القرآن والإسلام ونقد العقيدة المسيحية ونقد للعقيدة اليهودية وكل هذا موجود في جامعات ومعامل أبحاث العالم . ومتاح أيضا عمل الندوات لبحث علمي ليس هدفه الإثارة وليس هدفه إزدراء الآخرين ولكن هو نقاش وبحث علمي ، لماذا يتاح ذلك في كل مكان إلا في مصر ؟! فهل ممكن أن نحذف آيات من القرآن حتى لا نضايق ناس آخرين ليست على هواهم هذه الآيات ، فالقرآن تكلم عن اليهود والنصارى والمولى عز وجل هو الذي قال أن الذي يقول كذا وأشرك بي يكون قد كفر فهل أنا كبشر أستطيع أن أقتطع من القرآن الكريم حتى لا نضايق أحداً ؟! د هداية: القضية أن تعرض لقرآنك دون النظر إلى غيره من الكتب لذلك أنا في بداية كلامي قلت أنني أعرض هذا الكلام من خلال القرآن الذي لا يملك فيه مخلوق أن يحذف أو يضيف وليس من حق أحد أن يتكلم في هذا ، ولذلك السؤال الذي افترضته لماذا يعرض لنا القرآن هذا القصص؟! لأني أنا كمسلم إيماني بمحمد لن يكتمل إلا إذا آمنت بعيسى لكن إيماني بعيسى عليه السلام على مراد الله تبارك وتعالى فيه ، وبموسى على مراد الله تبارك وتعالى فيه ، وهكذا إلى آدم عليه السلام . فالقضية هنا ستجد أنك لو استعرضت الكلام ستجد أن هناك في القرآن الكريم احتمالات لما حدث من عهد عيسى عليه السلام إلى بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) ، فلو أخذت الكلام بعقل مفتوح وقلب مفتوح ستجد أن الكلام واضح . لماذا لم يقل عيسى (ماقلته) وقال (ما أمرتني) ؟! لأن عيسى كرسول يعتبر أن فحوى الرسالة أمر من الله تبارك وتعالى فتبدلت الكلمة ونحن عندما نعربها نقول : ما قلت إلا ما قلته أمرا ، التي صيغت في القرآن (ما أمرتني) لأن هذا قول لكن عيسى عليه السلام يعتبره أمر من الله تبارك وتعالى فيريد أن يقول له أنا لن أخالف أمراً. المقدم: مفعول مطلق مبين للنوع . د هداية: ولذلك قال (قَالَ سُبْحَانَكَ) في البداية . المقدم: تنزيه المولى عز وجل د هداية: بالضبط نزَّه المولى تبارك وتعالى قبل أن يتكلم ويرد على السؤال ؛لأنك إذا انتبهت فالمولى عز وجل ساقه سؤالاً (أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ) . وقلنا أننا اخترنا الرأي الذي يقول أن هذا الكلام سيقع يوم القيامة لأن الرأي الذي يقول أنه حدث مع عيسى ساعة توفاه الله لن يكون لها معنى ، أين الناس ؟! المقدم: فهو سبحانه يعلم أن عيسى لم يقل لكنه يريد أن يُسمع الناس د هداية: لأن الحساب يوم القيامة للناس وأقولها وأكررها دائما ليس من سبيل الصدفة أن يكون أول سؤال في القبر لأي مخلوق (من ربك ؟) وهنا عندما يقول له (أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ) هذا فحوى سؤال من ربك ؟! المقدم: وفحواه أيضا هو كلام عيسى عليه السلام (أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) د هداية: يعني الذي أرسلني أنا اتخذته رباً وهو في الأصل رب الجميع ، ولذلك هذا فحوى أول سؤال في القبر ، يعني تخيل رجل سُئل من ربك؟ في القبر قال: عيسى ، هذا هو الشرك . المقدم: المشكلة أنهم لا يعلموا هذا د هداية: كل شخص حر وانتبه فإن من عظمة هذا الإله الحق أنه (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة:256] بل إن المولى عز وجل قال آية في منتهى الإبداع قال (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) [الكهف:29] لكن ما الفيصل ؟! المقدم: أين الحساب ؟ د هداية: بالضبط أنه عرض عليك الأمر ، وهذا الكلام أيضا إجابة على سؤال لماذا هذا الكلام في قرآننا ؟! لكي تكون عقيدة علاء مطهرة من أي فكر شائب . المقدم: ولكي تكون أبلغت للكل أن قرآن آخر الزمان يقول هذا وأنت الذي رفضت أن تُعمل عقلك وتعتقد . د هداية: هذا موضوع آخر وهذه حريتك والنقطة الأهم أمن المسلمين من لا يفكر في مثل هذه الأمور ، فهناك احتمالين أمامنا الأول : أنه لا يفكر فيها ومتخذ الله إلهاً واحداً حقاً إذن أهلا وسهلا والثاني: أنه لا يفكر في هذه الأمور والعقيدة ليست راسخة عنده فهذه مصيبة ، ولذلك القرآن عرض هذا الكلام . المقدم: لكي ينبه الناس ضعاف العقيدة . د هداية: أنا أقول هذا لأنك تجد بعض الناس تقول أن الإسلام أبسط من هذا ولماذا تعرض هذه الأمور ؟! أقول لأن الله تبارك وتعالى عرضها ، فلو لم تكن لها فائدة ما كانت تضمنتها أكثر من سورة من سور القرآن الكريم ، إذا كان من الممكن إهمالها أو إلغائها لما ذكرت في سورة النساء ولا المائدة ولا في هود فطالما أنها عرضت بهذه الطريقة في أكثر من آية وأكثر من سورة فهي إذن لها فائدة كبيرة . المقدم: ولها وقع . د هداية: وقع في توصيف العقيدة عندك فأنت على ماذا بنيت عقيدتك ؟! وإذا قلت أنا ليس لي دخل بعيسى إذن فماذا تعتبر عيسى بالنسبة لك ؟! أو تقول ليس لي دخل بموسى فأنا لست في زمن موسى فماذا تعتبر موسى ؟! فهذا هو الذي لا يعرفوه أنني سأُسأل عن عقيدتي التي هي (من ربك ؟) (ما دينك ؟) (ما قولك في هذا الرجل ؟) وهذا سؤال كل عصر المقدم: كالذي ولد ومات على عهد موسى . د هداية: منذ آدم إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) ثم السؤال الرابع وهذا هو الأهم إذا أجبت عن الأسئلة السابقة (ما عملك ؟ أو ما علمك ؟) وفي كل عصر تكون الإجابة قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت ، أو لم أقرأ . المقدم: وصدقت بمعنى عملت د هداية: بالضبط يعني عملت وهذا ما أؤكد عليه في كل حلقة فالمسألة لا تتوقف عند حد القول فقط بل تتعدى إلى حد العمل ، ولذلك ليس من قبيل الصدفة أن يقول المولى عز وجل (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:105] فالقرآن مترتب بعضه على بعض . المقدم: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) فالمولى توصيفه عند عيسى عليه السلام أنه ربه ورب الناس كلها ، أنا أذكر في إنجيل يوحنا على لسان عيسى يقول للناس أنا إنسان قد كلمتكم بالحق الذي أرسله به الله، هل يوجد كلام أوضح من هذا ؟! عيسى يقول أنه إنسان - وهذا أول إعتراف على لسانه وهذا في إنجيل يوحنا الذي يعترفون به - وأن له إلهاً أرسله فأصبح رسولاً . د هداية: أنا لا أريد أن أدخل في الأناجيل ولأطمئنك هناك أكثر من إصحاح يحمل هذا المعنى وهذا رصدته عندي ، نفس الكلام الموجود في إنجيل يوحنا موجود في إنجيل متَّى ، ومرقص بنفس المعاني . لو أننا نتكلم بما يرضي الله في كل زمان ومكان ونستعرض مثلما قلت مقارنة الديانات ستجد أن الله تبارك وتعالى هو الله في كل زمان ومكان في عقيدة أنزلها الله تبارك وتعالى . المقدم: لن يغير رأيه أو كلامه . د هداية: لا يعقل أن يرسل الله رسولا يقول أنه واحد ثم يرسل رسولا يقول أنه ثلاثة لا يمكن بالمنطق ، فهذه مسألة لا تحتاج مناقشة . المقدم: حتى قبل محمد (صلى الله عليه وسلم) لو قارنا فترة موسى وفترة عيسى عليهما السلام . د هداية: أنا أسألك سؤالاً واضحاً هل يعقل في أي زمان أو مكان من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة وهذا بالمنطق بعيدا عن الديانات أن يرسل إلهاً حق بشيء ثم يرسل ويقول عكس ما قاله ؟! بالمنطق المجرد المقدم: لا يعقل هذا د هداية: طالما أنه إله حق إذن فلا تتغير عقيدته ولا شرعه وهذا معنى (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران:19] أي إن الشرع العام عند الله الإسلام ليس إسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) وإنما إسلام الشرع الحاكم لكل الرسالات التي آخرها رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) ، فالذي يتغير منطقا هي الرسالات حسب كل عصر لكن هذه الرسالات يحكمها شرع عام . المقدم: وجوهر واحد . إذن المسألة هي مسألة إنتصار للذات ليس للحقيقة يعني لو كان هناك يد مخلصة من اتباع الديانات المختلفة لكان هذا الطرح أن المفروض أننا كلنا اتباع إخوة فكل الأنبياء والرسل إخوة من عند إله واحد فكيف يكون الاتباع أعداء ؟! فإذا كانت النية مخلصة ونعمل لجان علمية تدرس نقاط الاتفاق والإختلاف وتقول الأدلة العلمية عبر التاريخ ونصل لنتيجة تبين الحقيقة وليس نتيجة تبين أنني على صواب والآخر على خطأ فلو كانت النيات هكذا بالتأكيد ستحل كثير من المشاكل التي توجد بقاع العالم ، وستختفي الحروب العقائدية ، لكن أنا بدأت كلامي بإذا وإذا هذه فيها كلام كثير بعد الفاصل . --------فاصل--------- المقدم: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) عندي سؤال وإشكالية صغيرة يقول عيسى عليه السلام للمولى عز وجل أنا لم أقل إلا ما أمرتني به ويكمل ويقول وأنا كنت عليهم شهيداً ما دمت أنا فيهم ولما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم فهل المولى أصبح رقيباً عليهم فقط بعدما توفي عيسى عليه السلام ؟! د هداية: هذا السؤال يكون صحيحاً لو كان قال عيسى وأنا رقيب عليهم ما دمت فيهم ، لكنه قال شهيد فلما تسمعها أنت (كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ) تفهم أنه هو الرقيب من قبل ذلك وإلى قيام الساعة ، لأنه لم يقل صفة رقيب في حقه بل قال شهيد لماذا ؟! الشهيد من شهد أو شاهد أي علم أو عاين لكن رقيب فيها دخول داخل النفس والنية وهذه لا تكون لبشر . لماذا قلت أنا الآن الشهيد بفرعيها ؟! لأنه سيقول (وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فعيسى كان شهيداً من البشر فشهادته محدودة لكن عندما تأتي في حق الله هنا يكون شهيداً بذاته بكنهه فهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهذه لا تقال على بشر. إذن فكلمة الرقيب توسطت شهيدان: الشهيد الأولى هو عيسى عليه السلام ببشريته ، والشهيد الثانية لله تبارك وتعالى هنا تختلف الصفة فالفاعل يغير معنى الكلمة . فعيسى عندما كان شهيداً فهو شهيد على ماذا ؟! أنه عندما يقول للرجل أسلم وقل لا إله إلا الله عيسى رسول الله يقول له أسلمت ويقول لا إله إلا الله عيسى رسول الله ولو نفاقا ، فعيسى يكون شاهداً على القول . المقدم: لكن من الذي يعلم إذا كان قالها حقا أم نفاقا ؟! د هداية: الرقيب الشهيد ولذلك الرقيب لا تقال إلا لله ، وكذلك كلمة رقيب لما قيلت على لسان شعيب كانت بدون الألف واللام وهذه نقطة مهمة فهنا رقيب بوصف شعيب من البشر يعني مراقب من البشر فسيكون هناك حدود لهذه الرقابة وإذا اختلف الفاعل وأصبح الفاعل هو الله سواء في الرقيب أو الشهيد ستكون مطلقة تكون رقابة مطلقة تتعدى المعاينة إلى الذات والنفس ، مثل (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18] المقدم: هل هنا كلمة رقيب تعود على المولى عز وجل ؟! د هداية: لا ، تعود على الملك الذي يسجل والملك هنا توصيفه في القرآن (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10-12] يعلمون ظاهر الأمور هذا الرجل صلى ، صام ، زكى لكن إخلاصا أم لا ؟! لا يعرفون . لذلك هذا التوصيف لا يكون إلا في حق الله تبارك وتعالى أنه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور . عندما انتقل الإسلام من مكة إلى المدينة ماذا فعل يهود المدينة ؟! أظهروا إسلاما واضمروا كفرا فأصبحوا منافقين (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ) وانظر إلى المشاكلة التي تليها (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ) ثم قال له (اللّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) فالاستهزاء الحقيقي واقع عليهم ، فالمنافق يتخيل أنه يضحك عليك والمولى عز وجل وضعك معه سبحانه (يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ) أصبح المؤمن الذي يأخذ الكلام من المنافق في معية الله . فعيسى هنا يتكلم بمنطق إلهي هو رقيب في حدود بشريته واختار ألفاظاً تناسب المتكلم وقال أنا لم أقل لهم إلا الذي أمرتني به وأنا طول ما أنا عايش شهيد عليهم ما معنى شهيد لو أخذناها بفلسفة ؟! أي أنا أعمل وأبلغ وأشهد أن هذا الرجل أسلم لكن أنا ليس لي دخل كعيسى عليه السلام لا في حياتي ولا في مماتي هو يؤمن حق أم لا ، التي هي (لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية:22] في حق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهي تنسحب أيضا على أي رسول أو نبي مكلف برسالة أو بنبوءة فهو كرسول لا يستطيع أن يجبر أحداً على الإيمان (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص:56] يعني عندما يحب الرسول أحداً ويحب أن يهديه الله لكن هل المولى كتب له الهداية أم لا ؟! هذا موضوع آخر وكما أقول دائما لا يعبد إلا بإذنه ولا يعصى إلا بعلمه لأنه إله المقدم: ختام الآية 117 الكلام في الآية كلها عن البشر لكن في آخرها قال وأنت على كل شئ شهيد ولم يقل على كل نفس لماذا ؟! د هداية: هو يقصد أنه كرسول يعرض وأمامه المتلقي أي النفس التي تقصدها ، الذي بين الإثنين حالة إيمانية بأن يجعل الله شهيداً عليه هو كمبلغ للرسالة هل هو بلغ بطريقة صحيحة أم لا ؟! لأن عيسى عليه السلام افترض أن الذي أمامه ممكن يرد ويقول أن عيسى لم يعرض بطريقة صحيحة فبكلمة شيء أدخل نفسه ونفس المتلقي والحالة الإيمانية بينهما المقدم: وكذلك كلمة شيء أشمل وأوسع تشمل كل مخلوقات الله من غير البشر د هداية: من عهد عيسى قبله وبعده وهذه صيانة احتمال اللفظ القرآن أي أنت على كل شيء شهيد ليس في وقتي فقط بل على كل وهذه الآية أيضا تصون احتمال أن عيسى بلغ رسالته ولم يقصر بمعنى أن عيسى عليه السلام ساعة عرض عليهم كان المولى أيضا شهيد بينهم . المقدم: الآية (118) (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) د هداية: مطلق الرحمة من الرحمن ورسله (صلى الله عليهم وسلم) فهذه الآية كثير من الناس يفهمها بمقلوبها ، قل لي أنت كيف يفهمها الناس ؟ المقدم: يعني أن عيسى يفوض أمره لله فهم يستحقون العذاب لأنهم غيروا وأشركوا وقالوا أن المولى له ولد وبالتالى إن عذبتهم فحق عليهم هذا وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم . د هداية: المفهوم الحق هو عليه السلام لا يريدهم أن يُعَذَّبوا ، بالعكس المقدم: كأنه يسأل الله لهم الرحمة د هداية: بالضبط لماذا ؟! فهذا المعنى موجود في كلمة عبادك فهو يقول (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ) تبدو في الظاهر أن عيسى يريد أن يقول أنك إن عذبتهم فهذا حقك لأنهم أخطأوا ، انتبه إلى أن عيسى برَّأ نفسه معرفة بواطن في كلمة أنه شهيد وليس رقيباً ، فهو يقول له (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ) لأن المولى ساعة خلق كتب في كتاب عنده (إن رحمتي سبقت غضبي) يعني أنا أرى أن عيسى هنا يستغفر لهم لكن عند العقيدة ليس له دخل في هذا المقدم: يوجد حوار المولى عز وجل يخاطب فيه الملائكة (لو خلقتموهم لرحمتموهم) د هداية: إن صح الحديث ، أنا أكلمك في الحديث الصحيح (ساعة خلق الله الخلق كتب في كتاب عنده إن رحمتي سبقت غضبي) فعندما يكون هناك رحمة وغضب ما الذي يسبق ؟! المقدم: الرحمة د هداية: إذن وقعها على هذه الآية . وليس معنى هذا أني أقول أن الكافر في الجنة لا لكني أبين لماذا جاءت الصياغة بهذه الطريقة من عيسى لأنه يعرف أن رحمة المولى عز وجل تسبق الغضب فالذي جاءت عقيدته خطأ بعيدا عن تكوينه بمعنى أن المسألة ليست في يده هذا يغفر له الله مثل الذي لم تصل له رسالة لكن هناك بعض الناس من المسلمين يظلموا عيسى عليه السلام في هذا المفهوم . المقدم: هناك أحيانا اختلافات في اسلوب بعض الأنبياء والرسل هناك رسل آخرين عندما تعرضوا لنفس التغيير في العقيدة (وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) [نوح:26] بينما عيسى تلمح أن هناك رقة في القلب فكلهم رسل وأنبياء لكن من السرد القرآني تحب بعض الأنبياء وأعتقد أن هذا الحب من اكتمال إيمان المسلم . د هداية: أنا زمان قلت كلمة إياكم أن ينسحب كرهكم لليهود إلى موسى عليه السلام لأني ألمح ذلك في بعض الأقوال المقدم: يوجد بعض الناس هداهم الله عملوا لعبة على النت موسى ضد المسيح والمسيح ضد محمد ومن ينتصر على من؟ والمفروض أنهم أخوة ونحن نحبهم جميعا نفس الحب د هداية: ساعة سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كلام عيسى وكلام إبراهيم بكى وقال أمتي أمتي فالناس تفهم من هذا الحديث أن الرسول أرحم منهم ، لا فهو أخذ الرحمة من الإثنين . إذا وضعنا الآية بميزان لغوي (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ ) كلام منطقي لأنه إذا وقع العذاب هل سيكون الله ظالماً ؟! لا، على لسان عيسى أجرى الله تبارك وتعالى منطقا قرآنيا مثال / عنما قالت إمرأة العزيز وما أبرئ نفسي في الآية عندما تكتبها هل تكتب قالت إمرأة العزيز ؟! المقدم: لا أكتب قال الله د هداية: قال الله تعالى فهنا الكلام على لسان عيسى لكنه قول الله تبارك وتعالى فلا يمكن أن يكون عيسى يرمي الكرة في ملعبهم مثلما نسمعها لا هذا كلام قرآني إذا وقع العذاب من الله هل يكون بتقصير عيسى ؟! لا المقدم: بتقصير الناس د هداية: بلا شك فعيسى أدى رسالته فهو اعتبر الكلام أمراً المقدم: لا زال عندي أسئلة كثيرة لعل أهمها أنه في نهاية الآية قال (العزيز الحكيم) لماذا هذا الإختيار؟ نكمل في الحلقة القادمة بإذن الله وأذكركم بالآية التالية (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [119] وأذكركم أن هذا المشوار كله لإرساء دعائم العقيدة السليمة وهو مشوار طويل لكنه يستحق لأن ثمنه الجنة . ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 5/1/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 123 شرح آية (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم ، الاحبه الكرام ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. في الحلقات السابقة تم طرح موضوعات كثيرة ومن خلال التعليقات والأسئلة نتواصل معكم . وهناك أسئلة كثيرة عن مسألة النفس والآية في سورة النساء يقول فيها المولى عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [1] الناس تسأل وتقول أن هذه النفس هي نفس آدم وخلق منها زوجها أي حواء وبالتالي هذا إثبات ودليل من القرآن أن حواء خلقت من ضلع آدم حسب فهم كثير من الناس ، فما قصة هذه النفس الواحدة والأنفس التي خلقها الله من سلالة آدم عليه السلام إلى قيام الساعة؟! وسنتحدث أيضا عن نفس عيسى عليه السلام وعن أسئلة كثيرة ومعا خطوة بخطوة نبدأ في تصحيح العقيدة ، لأن العقيدة السليمة عند قراءة القرآن مهمة جداً . الشيء الإيجابي أن الناس بدأت تسأل أسئلة مختلفة بالنسبة لمستوى الأسئلة فبعد أن كانت الناس تسأل إما عن بعض الرؤى أو بعض الآداب الإسلامية مثل الأكل باليمين ونمص الحاجب بدأت الناس تنظر لقرآنها نظرة عميقة وفيها بحث عن الفلسفة والفكرة من وراء النص ، والشيء الآخر أنه أحيانا يطرح في برنامج طريق الهداية أشياء تخالف ما كانوا يظنون لكن رأي الناس في هذا أنه من الجيد أن يكون لدينا شجاعة في طرح الجديد والتغيير ، فيجب أن نغير أفكارنا التي لا تتفق مع صحيح المنهج ونسير على طريق الهداية . نبدأ معا في مسألة النفس وقلنا أن أول آية في سورة النساء تتحدث عن خلق الناس من نفس واحدة ، المولى عز وجل عندما يقول للناس أمر إلهي واضح (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم) ما فائدة أنه يُذكر البشرية أنه خلق الكل من نفس واحدة ما دلائل هذا في موضوع التقوى ؟! فهل هذا بمعنى أن المولى عز وجل في طيات الصياغة البيانية يرسل رسالة لبني البشر أن انتبهوا في خلافاتكم واختلافاتكم أنكم خلقتم من نفس واحدة ؟! أو أن هذا أيضا دليل على القدرة الإلهية التي خلقت كل شيء بكل هذه الإختلافات والأشكال والألوان والمناهج والأفكار من نفس واحدة ؟! فهل هذه الرسائل متضنمة في الآية ؟! مسألة خلق حواء د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد ، طبعا متضمنة فكل ما قلته هو من لازم معنى (اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم) يعني التقوى المطلوبة من الإله الحق الذي خلق الناس جميعا من نفس واحدة . وقلنا في حلقة سابقة أن النفس الواحدة ليست آدم (راجع حلقة التوبة والإستغفار (121)) فهذا مفهوم عند بعض المفسرين أن النفس الواحدة هي آدم ثم خلق - أي من آدم - الزوج - أي حواء - هذا المفهوم الغالب عند كثير من المفسرين ، ويعتمدوا على أن حواء خلقت من ضلع آدم ويعتمدوا أيضا على حديث نبوي شريف قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيه (استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع وإن أعوج ما في الضلع أعلاه إن أنت ذهبت تقيمه كسرته وإن أنت تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء خيرا) تسمع تعليق الناس على هذا الحديث أن المرأة خلقت من ضلع إذن فهذا دليل . سنستعرض الآية أولا ثم الحديث بداية يجب أن أوضح أن اللغة العربية الكلمة فيها إما لها معنى أو لها لازم معنى أو لها مراد من إلقائها ليست مثل اللغات الأنجلوسكسونية أو اللاتينية التي فيها الكلمة تساوي كذا ، والنقطة الثانية قبل الشرح الرسول (صلى الله عليه وسلم) تعلم القرآن وهذه نقطة مهمة جدا لأن القرآن ككتاب أنزله الله تبارك وتعالى للناس جميعا من عهد محمد إلى يوم القيامة (الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ) يعني هو كتاب يُعَلَّم وهذا للناس كلها ، واضف على هذا في حق الرسول (صلى الله عليه وسلم) (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) فالرسول (صلى الله عليه وسلم) تعلَّم القرآن بمعنى أنه تعلم البلاغة القرآنية وكلامه في الحديث كلام بلاغي يتضمن المعنى المجازي وسأبينها لكن نعود مرة أخرى للنفس الواحدة . آية سورة النساء يقول فيها الحق تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) يعني الكلام في مطلع السورة يتكلم عن المسألة التي تكلمت فيها- الأمر بالتقوى - وليس مسألة الخلق من نفس واحدة ، فمسألة الخلق من نفس تعتبر فرعية هنا إنما المطلوب هنا هو التقوى لأن الله (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) يعني المطلوب من الآية أن ننتبه أننا لابد أن نتقي الله تبارك وتعالى لأنه رقيب ، فلو طلبت مني أن أحدد لك الغرض من الآية سأقول لك أن هذا هو الغرض الأول من الآية وهذا هو المطلوب . سأقولها مرة أخرى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ) ثم (الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ) فكل هذا توصيف ، (إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) فالمضمون الأسمى للآية هو اتقوا الله لأنه سبحانه وتعالى جل في علاه رقيب هذا أولا. وثانيا : مسألة النفس، عار على المسلمين أن يفهموا القرآن على ما تعلموه من قشور في اللغة العربية لأن هذا القرآن (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [يوسف:2] فالمولى أراد أن يعلمنا أن للقرآن لغة تختلف حتى عن لغة العرب وأنا الآن لست بصدد أن أستعرض لك الآيات الكثيرة التي نزلت تُعَلِّمهم. هم يستخدموا اللغة بطريقة القرآن وافقهم في بعضها وصحح لهم البعض الآخر ، المشكلة عند من قالوا هذا الكلام متمثلة في نقطتين وأنا أرتبهم وفق ما فُهِم أن الآية تقول (وخلق منها) وبذلك فهِموا أنها من النفس الواحدة . المقدم: فهِموا أنها من جزء منها يعني أحضر جزء من هذه النفس وخلق منه الزوج د هداية: فاعتبروا أن (من) هنا للتبعيض التي هي هذا الضلع المقدم: يعني كأنها عملية استنساخ مثلا نأخذ جزء أو خلية ونعمل منها إنسان د هداية: اليهود تلقفوا الآية مع الحديث وانتبه جيدا لهذا الكلام ، فاليهود مثلما حرَّفوا التوراة وألَّفوا الإنجيل حاولوا أن يوقِعوا بالقرآن لكن القرآن أنزله الله تبارك وتعالى ليحفظ في الصدور قبل السطور ، لذلك هم تأكدوا أنهم لن يستطيعوا أن يحرِّفوه . سأسألك سؤال وأجب أنت بالمنطق هل سيسلِّم اليهود ؟! المقدم: بالطبع لا . د هداية: تدخلوا في الإسرائيليات التي كثيرا ما نقابلها ونحاول أن نصحح فيها المفاهيم وهذا الحديث بالنسة لهم جاء فرصة كبيرة ، أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال (فإن المرأة خلقت من ضلع) فأصبح عندهم (منها) ومسألة (الضلع) فألَّفوا هذه القصة أن آدم كان نائم في الجنة فاستيقظ مستوحشا ووجد حواء بجانبه خلقت من ضلعه فتزوجها وهذا كلام اليهود . القرآن يقول (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) [البقرة:35] من أصدق ؟! القرآن أم الإسرائيليات ؟! المقدم: القرآن طبعا. د هداية: وإذا انتبهت لكلمة (اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) تعني أنها خُلقت معه وتدخل معه الجنة يعني القصة الإسرائيلية كلها تُرد بالكامل بنص القرآن . ثانيا : لابد أن نفهم كلمة (وَخَلَقَ مِنْهَا) قرآنا ثم نشتغل في الحديث ، الآية في سورة النساء تقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا) هنا من ليست للتبعيض . المقدم: أي من ذات الجنس . د هداية: بالضبط من طبيعتها الذي يجب أن نفهمه أن النفس الواحدة هي أصل الخلقة للذكر والأنثى لأن المولى ذكر لنا في القرآن أن المولى سبحانه وتعالى ساعة يريد أن يخلق (وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الذاريات:49] وآدم شيء أم لا ؟! المقدم: نعم شيء . د هداية: إذن فخلق الزوجين معا يؤيد هذا الفكر عندما بدأت تتكون حياة جديدة بعد الطوفان في عهد سيدنا نوح عليه السلام (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) [هود:40] المقدم: وهذا الكلام يطرح أكثر من سؤال في مسألة النفس الواحدة وطبيعة النفس وهل المسألة أنه خلق آدم وحواء معا؟! فلماذا أمر الله الملائكة بالسجود لآدم دون حواء فأين كانت حواء ؟! أم هل كانت موجودة لكن المولى لم يأمر الملائكة بالسجود لها وهل هذا انتقاص من قدر المرأة ؟! كل هذا سنطرحه لكن بعد الفاصل . --------فاصل--------- المقدم: لكي لا نقطع حبل الأفكار نتكلم في جزئية النفس الواحدة من القرآن لغة واتفقنا أن النفس الواحدة أي من نفس النوع وليس المقصود بها الكيان . شرح آية (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) [الأنعام:98] د هداية: أكرر سريعا ثم أكمل خلق منها أي من طبيعتها يؤيد ذلك أن الآية هنا تقول (الَّذِي خَلَقَكُم) هل كلمة خلقكم لآدم أم للناس كلها ؟! سأوضح السؤال: عندي آيتين قريبتين من بعضهما (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) التي فيها الإشكالية وآية (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) [الأنعام:98] المقدم: ما الفرق بين الخلق والنشأة ؟! د هداية: بالضبط وسأسألك سؤالا إذا خيَّرتك بفطرتك أنت أيهما تصلح مع آدم وأيهما تصلح مع الناس؟! المقدم: تصلح الإثنان . د هداية: لا. المقدم: سأقول لماذا لأنه أنشأ الجسد من العدم أو من الطين وخلق النفس التي وضعت في الجسد . د هداية: اسمع هنا كلمة خلق تصلح لنا ولآدم ، أما أنشأ تصلح لآدم فقط . لأن الفرق بين خلق وأنشأ البداية ، الإنشاء هذا يكون في البداية فلما قال (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) إذن من النفس الواحدة جاء المستقر - وهي المرأة - والمستودع - وهو الرجل . أو الأرض والقبر كما هو موجود في بعض التفاسير . (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) يعني النفس الواحدة صُنع منها ماذا ؟! المقدم: مستقر ومستودع . تعريف النفس د هداية: أي الذكر والأنثى أو الأنثى والذكر كما تشاء لأن هناك علماء لغة قالوا أن المستقر هو الرجل والمستودع المرأة لكن القرآن قال أن المستقر المرأة (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء) [الحج:5] فمستقر جاءت من الرحم . إذن الذكر والأنثى من النفس الواحدة فكلمة أنشأكم من نفس واحدة هي الطبيعة لماذا ؟! سأسألك سؤالاً ولابد الذي يجيب عليه يكون درس لغة ، ما هي النفس ؟! المقدم: هل هي قوام الحياة ؟! د هداية: فتح الله عليك ، هل هي الروح أم العقل ؟! فالنفس نفسان نفس قوام الحياة ونفس العقل الذي تميز به ، عندما تطلق النفس في القرآن فلها معنيان إما الروح (قوام الحياة) وقلنا أنه أحيانا يقال على النفس روح وعلى الروح نفس لكن هناك نفس أخرى وهي العقل المميز . ففي آيات تجد النفس تكون بمعنى الروح وفي آيات أخرى تتكلم عن مجموع الروح والبدن . المقدم: مثلا في آية (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) [الشمس:7، 8] د هداية: هنا لا يمكن تكون الروح . المقدم: لأنها لا تتكلم عن قوام الحياة وإنما تتكلم عن العقيدة والتعقل والتمييز بين الصواب والخطأ . د هداية: هنا العقل المميز . عندما تجعل النفس نفسان لابد أن تفهم أن النفس التي هي من نفس واحدة هي الإثنان . بمعنى أنه كيف جاءت فكرة الخلق؟! التي هي أصلها (الماء على التراب فالطين فالصلصال فالفخار فالحمأ المسنون فالجسد فالروح) للإثنين . المقدم: هل تقصد أن في هذه المرحلة سُوِّي جسدان على الأرض ؟! د هداية: طبعا المقدم: والضمائر في حوار المولى عز وجل مع الملائكة (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي) [الحجر:29] [ص:72] د هداية: هنا عائدة على الجنس وليس على آدم والذي يفهم أنها على آدم هذا يفهم على هواه . اسمع قول المولى عز وجل (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) [البقرة:30] من الخليفة هنا؟! الجنس البشري ذكر وأنثى فهذه الكلمة أصلها تأتي من الخلفة فالخليفة هنا ليس خليفة عن الله وكنا شرحناها زمان . فمعنى (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) أي سيخلق جنساً بشرياً يخلف بعضه بعضا . المقدم: وليس يخلف الله في الأرض كأن الله سيغيب . د هداية: يستحيل هذا المعنى . فعندما يقول (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) يتكلم عن الجنس البشري ذكر وأنثى لأن هذا الخليفة وظيفته التزاوج ، يتزوج ويُخلِّف ، وهناك استثناء الذي لا ينجب . ولو قلت بمفهوم أن النفس الواحدة هو آدم (وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) ستأتي عند عيسى عليه السلام وستقف معك المسألة . المقدم: لأن عيسى خلقته مختلفة . د هداية: ليس له أب لكي يأتي منها زوجها . انتبه لأن عيسى ابن مريم ، ليس له أب فلا تسير معه مسألة منها . المقدم: ستجد بعض الناس تسأل وتقول أن هذا الكلام جزء من طلاقة القدرة الإلهية بمعنى أن المولى عز وجل خلق أربعة أصناف من البشر د هداية: هم ثلاثة فقط وليسوا أربعة المقدم: هم يقولون أنهم أربعة فخلق بشر بدون أب ولا أم وهو آدم د هداية: آدم وحواء المقدم: سأقول لك الكلام الذي يقوله الناس ، وخلق بشر من ذكر دون أنثى وهي حواء التي خلقها المولى عز وجل من آدم ، وخلق كل البشر من ذكر وأنثى ، فكان يتبقى شكل وحيد لابد أن يأتي به بشر فاختار الله عيسى عليه السلام ليأتي من أنثى دون ذكر بطلاقة القدرة . د هداية: وعندما أعدلها وأقول أن آدم وحواء من تراب ، والناس كلها من آدم وحواء ، إلا عيسى من مريم ، أليس كل هذا طلاقة قدرة ؟! المقدم: بلى طلاقة قدرة . د هداية: وتريد أن تقول أن حواء من ضلع آدم يعني ليست من تراب ؟! المقدم: لا كلنا من تراب فعندما يقبض الإنسان ويموت يعود إلى تراب الذي هو أصل النشأة. د هداية: لا لو اعتبرنا أن حواء خلقت من ضلع من أضلاع آدم ستسير المسألة أن الرجل إلى تراب والمرأة إلى ضلع ويكون القرآن بهذا الشكل فيه أشياء غير منضبطة . لأيسر لك الأمر سأشرح الحديث ، لماذا الضلع في القفص الصدري أعوج ؟! المقدم: ليحتوي القلب والرئتين . د هداية: هل هذا الضلع معوج أم أعوج ؟! المقدم: أعوج . د هداية: وليس معوجاً ، فمعوج معناها أنه تالف أو فاسد لا يؤدي وظيفته إنما أعوج على وزن أفعل التفضيل . كلام الرسول في الحديث كلام عربي بلاغي بياني مجازي جميل ، يقول (استوصوا بالنساء خيرا فإن المرأة خلقت من ضلع) وكلمة ضلع لها مليون لازم معنى ومراد لكن سأتركها الآن وأعود لها بعد التي تليها (وإن أعوج ما في الضلع أعلاه) ما معنى أعوج ؟! أفضل أجمل ، وأعلاه أي ساعة إعوجاجه لأن هذا الإعوجاج هو غاية استقامة الضلع لأداء الوظيفة التي من أجلها خلق وهي احتواء القلب والرئتين. فالرسول (صلى الله عليه وسلم) استعار كلمة ضلع يعني عوج يريد أن يقول للأمة - ليس أن المرأة قبيحة أو كما يقال على المنابر وكما نسمعها - أن المرأة الصالحة تحتوي الرجل والأولاد كما يحتوي الضلع القلب والرئتين . فكلام الرسول على المسلم الموحد كحد سيف عليه ويأتي بعد القرآن مباشرة بدليل نحن نقول عقيدتنا الكتاب والسنة الصحيحة ، فالرسول عندما يتكلم فهو يتكلم وفق القرآن وليس وفق اليهود . ونحن قمنا برد قصة اليهود عن خلق حواء بالقرآن . المقدم: عندي سؤال في هذه النقطة ، إذا كان خلق آدم وحواء تم خارج الجنة يعني المولى عز وجل اختار من الأرض ما شاء من التراب ووضع عليه الماء ثم المراحل المختلفة إلى أن تكون الجسدان ثم نفخ الروح فيهما فكان آدم وحواء ثم قال لهم ادخلا الجنة ، فإذا كان هذا الكلام هو ما حدث فعلا لماذا أمر المولى عز وجل الملائكة بالسجود لآدم دون ذكر حواء ؟! د هداية: قلنا أن هذه المشكلة في فهم الناس الذين فهموا أن الكلام عن آدم ، فالكلام كان على الجنس البشري (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ) للجنس البشري حتى الذي فهم أنه آدم يقول هو كممثل للجنس البشري وهذا نفس المعنى في مسألة السجود هل الملائكة سجدت لآدم كآدم أم للجنس البشري ؟! المقدم: أم لقدرة الله في الخلق ؟! د هداية: سجدت للجنس ذكر وأنثى هل لمجرد أنني فهمت مفهوم خاطئ أفرضه على الناس ؟! القرآن يحل الإشكالية (خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا) والآية الثانية تشرحها (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ). إسمع هذه الآية (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم:21] هل معنى (مِّنْ أَنفُسِكُمْ) مني أنا أم منك أنت ومن كل واحد أم ستذهب بالآية إلى أصل الخلقة؟! أن الزوج جاء من طبيعة الزوج يعني المرأة جاءت من نفس الطبيعة التي خُلق منها آدم من ماء وتراب وطين إلى آخر المراحل . فهل تقصد أن حواء جاءت من الضلع فقط ولم تأت من مراحل الخلق هذه ؟! إذن خذ هذا الضلع وقم بتحليله كيف يعطيك شعر وجسم وجلد ؟! لن يعطيك هذا ، فالخلية العظمية تعطيك تركيباً عظمياً ليست مثل الخلية الجسدية التي يستخدموها في الإستنساخ . فالقرآن يوضح أنها من طبيعته (وَخَلَقَ مِنْهَا) أي من طبيعتها كجنس التي هي مراحل الخلق التي تكلم عنها القرآن كجنس الذكر والأنثى . لأقرِّب لك المسألة أنثى النبات وأنثى الحيوان - إن صح اللفظ - هل أخذنا جزءاً من النبات أو الحيوان وخلق منه الأنثى ؟! المقدم: بالطبع لا. ننتقل إلى نفس عيسى عليه السلام فهي في حد ذاتها فيها آيات ومعجزات ؛ أنه سبحانه وتعالى ارتضت مشيئته أنه عبر القرون يرسل نبياً أو رسولاً له معجزة حسية يراها الناس حتى جاءت بعثة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) والمعجزة أصبحت ليست حسية مادية بل كان القرآن هو المعجزة الباقية التي ارتبطت بمنهج الرسالة وليس بشخصية الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، إذن عيسى عليه السلام ارتضت مشيئة المولى عز وجل أن تكون المعجزة في خلقه ، لماذا ؟! وهل هو مملوء روحاً ؟! وكيف يتكلم بالإنجيل ؟! وعلاقة نفسه ببقية الأنفس وعلاقة نفسه بنفس آدم هل يوجد علاقة أم أنه طفرة جينية وحيدة ؟! كل هذه الأسئلة سنجيب عنها بعد الفاصل . --------فاصل--------- المقدم: قلنا أن عيسى عليه السلام مختلف في خلقه أنه بدون أب فحتى مع التقدم في العصر الحديث ومع وجود الإستنساخ يستحيل وضع جنين في رحم أم بدون نطفة رجل أو حتى خلية رجل ، وبدون أي علاقة وبدون زواج . فخلق عيسى عليه السلام بهذه الطريقة عمل بلبلة عند الناس بأن يكون عيسى ليس بشرا عاديا وأنه من الممكن أن يكون إله أو روح إلهية تجسدت فيه والسيدة العذراء مريم كانت مجرد القابلة أو الوسيلة التي أتى منها هذا الروح أو هذا النور. هل هو بهذا ليس له علاقة بآدم وليس من نسل آدم أم أن هناك علاقة ؟! د هداية: هذه الأسئلة ممتازة لكنك قلت كلاماً من الذي يقولوه وعدلت لهم كلاماً آخر دون أن تشعر ، فأنت قلت أنه طالما جاء بهذه الطريقة إذن فهو ابن الإله وهم لم يقولوا هذا، بعضهم قال هو الله والبعض قال هو ابن الله والبعض الآخر أثبت له أب . المقدم: يوسف النجار ؟! د هداية: فهناك بعض التشويش على المثل بداية لكي نتكلم في هذا الموضوع بدون حزازيات ولكي لا يقال أنه ازدراء نحن نتكلم في القرآن وبالقرآن وليس لي دخل بالأناجيل أو التوراه لكن أنا عدلت النقطة التي قلتها . سأرد عليك بالقرآن (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [آل عمران:59] لم يقل فكان بل قال فيكون إذن فهذه الآية تحتاج لشرح . الذي خُلق من تراب آدم أم عيسى ؟! المقدم: الأول في الترتيب الزمني هو آدم . د هداية: وعيسى ؟! المقدم: خلقه من تراب . د هداية: هنا خلقه من تراب حقيقة أم مجاز عن قدرة الخلق عند مطلق القدرة سبحانه ؟! الآية تقول (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ) أنت أجبت إجابة فوق الممتازة قلت بالترتيب الزمني في الخلق ، انتبه في الخلق وفي المثل أيضا آدم أولا وكلنا نعلم أن آدم من تراب . أقصد آدم وحواء من تراب وهذا التراب عندما خُلق منه آدم وحواء كان الغرض منه التزاوج ، فأصل الخلقة للجنس البشري جاءت من تراب التي هي آدم وحواء معا . ثم البشر كلهم بإستثناء عيسى بما فيهم مريم الصديقة من ذكر وأنثى . وعيسى عليه السلام من أنثى بلا ذكر . سأسألك سؤالا لإرساء قواعد الفكرة أليس هذا معجز ؟! المقدم: بالتأكيد مُعجز . د هداية: لماذا سألتك هذا السؤال ؟ لأننا عندما نتكلم نركز على الإعجاز في عيسى ونترك الإعجاز في آدم وحواء وهذا هو لازم معنى الآية (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ) لماذا جاء في المثال بآدم وهو يتكلم عن خلق عيسى؟ كأني بالله تبارك وتعالى يقول يا من توقفتم عند الإعجاز في خلق عيسى كان الأولى أن تتوقفوا في خلق آدم وحواء فعيسى وجد أما تحمله أما آدم وحواء من أين جاؤوا ؟! فالقادر على خلق الجنس البشري بدون ذكر وأنثى من تراب وماء وطين وصلصال وحمأ قادر على خلق أحد أفراد الجنس البشري من أنثى بلا ذكر ؛ لأن القدرة في خلق آدم وحواء أعلى من القدرة في خلق عيسى . المقدم: هناك آيات في القرآن تتكلم عن الدور الإلهي في أكثر من مرة وأكثر من صياغة مثلا في سورة مريم الآيات [16- 22] (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * َاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا) هناك وقفات كثيرة في هذه الآيات وفي الآية التالية ما نسميه قفزة (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا) لم يذكر لنا المولى عز وجل أي شيء عن الكيفية وإنما تكلم عن الحمل والمخاض . وفي آيات أخرى في القرآن مثل (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) [التحريم:12] ومرة أخرى (فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا) [الأنبياء:91] هذه النفخة هل هي نفس النفخة الأولى في آدم وحواء وبهذا تُحل الإشكالية ؟! د هداية: السؤال الأهم أن جبريل عليه السلام قال لأهب ، لماذا ؟! انتبه أنه قال أنا رسول ربك وأصل كلمة الرسول في اللغة هل يقول شيء من عنده ؟! لا وإنما معه رسالة وهذه الرسالة لكي يطمئن مريم عليها السلام إذا وجدت نفسها حامل فهذا الكلام معها لذلك . لكن نرد على الذين قالوا أن جبريل هو الذي فعل هذا أولا استخدام القرآن لكلمة بشر في هذه الآية قيلت مرتان (فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) وقالت هي (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) إذن حتى ولا جبريل ، والذي يقول أن جبريل وهب هو لا يفهم لغة ولا كلام ولا قرآن ، فالقرآن استخدم كلمة بشر في هذه الآية مرتين أكد في البداية أن جبريل لو جاء على شكل الملائكية لفزعت مريم وهو مُرسل إليها لكي لا تفزع ، فقال أن جبريل تمثل لها بشراً ولما قال لأهب قالت كيف وأنا لم يمسسني بشر . المقدم: (فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا) الإشكالية في كلمة روحنا بعض الناس قالت أن عيسى هو روح القدس وهذا دليل أن عيسى إما إله أو ابن إله لأن روحنا هذه هو الروح الإلهية تجسدت في رحم مريم عليها السلام فلا بد أن الناتج من هذا يكون إله أو ابن إله لأن المسألة روحية وليست نتيجة جماع بشري ، لذلك فيعتبر عيسى ابن الإله باعتبار أن الإله أرسل روحه بالنفخة الإلهية في عيسى لذلك فعيسى مختلف وكان مملوء روح وليس له الإحتياجات الدنيوية البشرية المعتادة ، وحتى معجزاته متعلقة بنفس القدرات الإلهية أنه كان يشفي الناس ويحيي الموتى إذن فهو إله . أسئلة كثيرة جدا لكن الوقت انتهى . د هداية: سأقول لك نقطة مهمة جدا في دقيقة واحدة أنه كان عليه السلام يحيي الموتى بإذن الله ، ويشفي المرضى بإذن الله ، وأن عقيدتنا تقول أن الإله لم يلد ولم يولد . المقدم: ملحوظة سريعة أن كل هذه الأسئلة من اهتمام حضراتكم بهذا الموضوع الهام ، أحيانا تجد بعض الناس لا تريد أن تسمع أو تدخل في نقاش خاصة إذا تعلق الموضوع بالعقائد الأخرى . والإهانات المطاطة عن ازدراء عقائد الآخرين وازدراء الديانات هذا نوع من الإرهاب الفكري وأنا لا أستطيع أن أحذف آيات من القرآن تتكلم عن اليهود ولا أحذف آيات تتكلم عن النصارى . د هداية: لا يمكن أن نحذف وفي نفس الوقت نحن لا نريد أن نناقش لكننا نشرح عقيدة القرآن وعقيدة الإسلام عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . المقدم: ومن يريد أن يفتح قلبه ويناقش هذه الكلام ويفهمه ويعلق عليه نحن على استعداد ، والغرب مليء بالدراسات عن الرسالات ومقارنة الديانات ولم يقل أحد لآخر لماذا تعتنق هذا الفكر أو هذا الرأي؟ لكن في الشرق الأوسط للأسف الشديد لا زلنا في حالة احتقان والتي أتمنى أن تختفي من مجتمعاتنا، آمين. ونكمل الحلقة القادمة إن شاء الله ونجيب عن كل الأسئلة ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته بُثّت الحلقة بتاريخ 12/1/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 124 شرح آيات سورة مريم [16- 35] المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم ، الاحبه الكرام ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية ، (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * َاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا * فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ * مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [مريم:21- 35] لولا ضيق الوقت لأكملت السورة لآخرها . د هداية: فهذا أداء قرآني مبدع . المقدم: بالتأكيد ، والغريب أن بعض الناس من غير المسلمين والمسلمين أيضا يعتقدون أننا نحب نبينا فقط . د هداية: عليهم بخواتيم البقرة وليعلموا أن إيمان المسلم منذ عهد رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) إلى يوم الدين لا يصح ولا يكتمل إلا بإيمانه بسائر الأنبياء والمرسلين والكتب والملائكة من بعد الله تبارك وتعالى . تفسير كلمة روحنا المقدم: فنحن نحب نبي الله عيسى والسيدة مريم العذراء حبا جما ولا شك في هذا وكل هذه الخلافات من صنع البشر وكلها نتيجة لضيق الأفق . نبدأ الأسئلة بكلمة روحنا فبعض الناس قالت أنها دليل على أن روح الله تجسدت في مريم إذن ابنها هذا إما أنه روح الله أو هو الإله الذي أرسل نفخة منه لكي ينزل ابن الإله بهذا الشكل المعجز لخلق البشرية كيف نرد على هذا ؟! د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد ، الآيات أوضح من الشمس في كبد السماء وإضافة جبريل عليه السلام لله تبارك وتعالى في كلمة روحنا هي إضافة من باب إضافة مثلا (وعباد الحمن) أو عبادنا فهذا صياغة قرآنية ؛ لأن هذا الملك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أي روحنا بمعنى الملك المرسل من عندنا . المقدم: بدليل أنه قال بعدها (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) . د هداية: (لِأَهَبَ لَكِ) أي من الله ، ما معنى أهب ؟! ما معنى أن المسيح هو كلمة الله ألقاها ؟! ما قاله جبريل لمريم لكي يوضح لها أنها ستحمل دون زواج ، فالكلمة عبارة عن أن جبريل يشرح لها هذا الموقف أنك ستحملي بإذن الله تبارك وتعالى فاصبري حتى يولد هذا المولود عبد الله ورسوله (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) [المائدة:75] وعندما يولد هذا الرسول ستستوعبي المسألة كلها لكن اصبري حتى تلدي وهذه مسألة قناعة فما قالته هي (وَلَمْ يَمْسَسْنِي) وهذا هو المطلوب أن تقول هذه الكلمة والملك يرد عليها فتهدأ إلى أن تلد وعندما تلد عيسى عليه السلام سيتكلم ويقول أنا عبد الله ورسوله . المقدم: إذن روحنا هنا مضافة. معاني كلمة روح من خلال القرآن د هداية: الإشكالية هنا هي أن جبريل روح اسمه روح القدس ، وقوام الحياة روح ، وعيسى روح ، والسكينة روح ، والقرآن روح ، والوحي روح ، فنحن عندنا في القرآن (6) روح وهذا ما قلناه زمان عندما كنا نشرح ما قيمة الكلمة في القرآن ، فقلت لك إذا استوقفك شخص في الشارع وسألك ما معنى روح ، ولأن علاء متعلم ودارس لغة سيسأله أي روح تقصد من الستة؟ قل لي الآية وأنا أقول لك ما معنى الروح فيها . مثلا (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ) [القدر:4] ستقول له هذا جبريل عليه السلام ، لو قال (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ) [غافر:15] هذا هو الوحي مطلقا كل الوحي ، لو قال (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا) [الشورى:52] هذا هو القرآن، (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء:85] هذا أيضا القرآن وهكذا . يعني عندنا في القرآن كلمة واحدة أعطتنا ستة معاني حسب إضافتها . (وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ) [المجادلة:22] وهذه ليست إشكالية عندما تفهم أن الكلمة بالعربية لها أكثر من معنى حسب إضافتها فهذا يبين الإعجاز في لغة القرآن . المقدم:وهل ممكن أن في نفس الآية وتعطي فيها الكلمة الواحدة أكثر من معنى ؟! د هداية: اعطيني مثال المقدم: يعني في مسألة الروح (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا) هل ممكن أن تكون جبريل عليه السلام والقرآن مثلا ؟! د هداية: لا لأن كل روح لها معنى لأن روحا هذه مفعول به للفعل أوحى بمعنى أوحى روحا لم يقل أرسل لو أرسل روحا ستكون جبريل ، فالكلمة تؤدي معنى في الآية . المقدم: أليس من الجائز أن هذا مفعول مطلق مبين للنوع والوسيلة أي وكذلك أوحينا إليك وحيا عن طريق الروح ، أوحينا إليك قرآنا روحا ؟! د هداية: إذن هذا فاعل وليس مفعول به ، تدبر المعنى كلمة عن طريق هذه تعني أنه فاعل . المفعول المطلق المبين للنوع له فعل وفاعل وهو مطلق مثل : صليت أربع ركعات . المقدم: يمكن أن أقول : صليت أربعا . د هداية: لكن أنت تقول أرسلنا إليك وحيا عن طريق ، فأنت صغت جملة لكي تأتي بمعنى واللغة ليست هكذا بالعكس ، اللغة عكس هذا مثل/ (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا) يعني وكذلك أوحينا إليك قرآنا من أمرنا ، ليس كما تقول أنت أرسلنا إليك وحيا قرآنا ، القرآن لا يُرسل القرآن يُنزَّل . كيف يرسل القرآن إلا عن طريق ملك فالقرآن ينزل أو يوحَى ، وعندما ينزل ويوحَى لابد أن يكون له وسيلة - الملك - وقلنا زمان ما عظمة أن كلمة واحدة تعطيك ستة معاني ؟! أن ثلاثة منهم يعطوك إعجازاً غريباً جدا ، يعني تأتي السكينة وجبريل وعيسى ، فهل من قبيل الصدفة أن الوحي أي الطريقة التي ينزل بها القرآن والملك المُرسل بالمادة التي هي القرآن والقرآن نفسه يسمى روح ؟! لا هذا ليس صدفة . المقدم: إذن هذه هي روح حياة البشر . د هداية: إذن عندما قال عز وجل على الكافر ميت (وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ) [فاطر:22] هنا شبه الكفار بالموتى فإذا كان الميت يسمع إذن الكافر يسمع ، إذن القرآن والرسول الذي نزل به وطريقة إلقائه اسمهم روح لأن القرآن يحيي موات القلوب أي الكفر . المقدم: وأنك ستعيش به في الجنة . د هداية: ستحيا به سأعدلها لك ستعيش به في الدنيا منهج وإذا انتظمت ستكون هذه هي الحياة الأبدية في الجنة . المقدم: كنتيجة في الجنة. د هداية: فممكن شخص يسأل لماذا سمي القرآن روح ؟! لأنه عز وجل سمى قوام الحياة روحاً وهذا القرآن آخر الكتب المنزلة وظيفته هي إحياء موات القلوب . القلب الميت هو قلب الكافر فيه روح التي هي قوام الحياة لكن ليس فيه منهج ليعيش . المقدم: فكأنه ميت . د هداية: بالضبط . المقدم: بهذه الطريقة التي خلق بها عيسى عليه السلام أنه مملوء بالروح والنور وأحيانا كثيرة يقال أنه يستحق أن يكون إله أو ابن إله لأنه مخلوق بآية ومعجزة غير طريقة البشر د هداية: سأرد عليك بكلمة لماذا لم تقولوا هذا الكلام على آدم عليه السلام ؟! المقدم: وهذا السؤال أيضا مطروح وسنجيب عنه بعد الفاصل --------فاصل--------- المقدم: الشكل الذي جاء به عيسى عليه السلام شكل معجز وأنه كلمة الله التي ألقاها على مريم العذراء ، وإذا كان مُليء روحاً وخُلق بطريقة ليس فيها تدخل بشري من ذكر هل من حق الناس أن تعتقد أنه بهذا جزء من الكيان الإلهي ونفخة إلهية وروح إلهية تجسدت في رحم مريم ؟! د هداية: لا ، منذ حلقتين وأنت تقول أن أنه مُليء روحاً والناس من حقها تعتقد ، لا ليس من حقهم ويقولون أيضا أم النور على السيدة مريم ما معنى أم النور ؟! نحن ليس عندنا هذا . فهو بشر عادي مثلنا فنحن أيضا مليئين روحاً . فإذا قلت أن الناس من حقهم أن يتوقفوا عند خلق عيسى بهذه الطريقة سأقول لك الأصعب من هذا خلق آدم وهذا معنى الآية في القرآن اسمع هذا (إن مثل عيسى عند الله كأي مخلوق) القرآن لم يصيغها هكذا لأنه ليس مثل أي مخلوق بل فيه إعجاز لكن عندما ضرب المثال جاء بالمثال الأصعب وأنا قلت كأني بالله تبارك وتعالى يقول إذا كان من حقكم تتوقفوا في خلق عيسى كان الأولَى أن تتوقفوا في خلق آدم . بالمنطق أيهما أصعب ؟! سأقولها بالبلدي الذي رأى مريم وهي حامل ورأى سيدة أخرى حامل ما الفرق بين الإثنين ؟! لا يوجد فرق ، متى حدث الفرق عندما أوضح المولى عز وجل أن هذا بدون أب ، لأن الذي رآها حاملاً لم يفرقها عن أي سيدة أخرى حامل المسألة كانت طبيعية . نأتي للمثال الآخر ماذا لو كنا رأينا خلق آدم عليه السلام ما هذا التمثال أو جسد بدون روح ثم فجأة أصبح انساناً فهذا هو الإعجاز . يعني الآية عندما ضربت المثال بآدم جاءت بالأسهل أم بالأصعب ؟! المقدم: بالأصعب . د هداية: فأنا لو قلت أن عيسى مثله مثل كل البشر هذا بعد ولادته أما خلقته لا والمثال لم يضرب هكذا ، انظر للإعجاز القرآني قال (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ) [آل عمران:59] يريد أن يقول إذا كنت تعتقد أن النفخة صعبة إذن عقيدتك غير منضبطة . أقصد النفخة في مريم ، لماذا لم تعترضوا عندما نفخ الله الروح في آدم ؟! فكأني بالله تبارك وتعالى يقول من هذه الآية يا من توقفتم في خلق عيسى هذا توقف لا أساس له لأن التوقف المبرر يكون في آدم وحواء الذين لم يجدوا أما تحملهم . المقدم: هنا جزئية في سورة مريم عندما جاء جبريل عليه السلام ليهب لمريم بعدها الموضوع كله أُغلق ؟! د هداية: قبل سؤالك أسألك سؤالا آخر الهبة هنا عبارة عن ماذا ؟! المقدم: نفخة الله ؟! د هداية: الهبة هنا هي البلاغ ، الكلام لذلك قال كلمته أي الكلام الذي قاله جبريل أي التوضيح فقط أما الفعل فلله وليس لجبريل . المقدم: أيضا عندما تحمل أي سيدة في الدنيا من زوجها بطريقة طبيعية يأتي ملك مكلف بعد 40 يوماً من الحمل يرسله المولى عز وجل ويقول يا رب هل هو ذكر أم أنثى شقي أم سعيد ، إذن هذا ليس غريبا أن نفس هذه العملية حدثت مع مريم العذراء . د هداية: ليست غريبة فعيسى عليه السلام يجمع بين الإعجازين (آدم وحواء) و (كل البشر) . انتبه جيدا لأن في خلقنا نحن أيضا إعجاز لأنه هناك رجل يتزوج ولا ينجب فأنت أيضا خلقك فيه إعجاز إذن عيسى عليه السلام جمع بين الإعجاز الأول الذي هو من ماء وتراب وصلصال و إلى آخر المراحل ، ولماذا لم يتوقف أحد هنا ؟! فهي حملت فيه ككل البشر لكن الفرق أنه بدون زوج . المقدم: لكن جاء ملك . د هداية: الملك جاء ليقول فقط لكي تطمئن وتهدأ . سأقولها بطريقة أسهل السيدة المتزوجة عندما يحدث الحمل بالله عليك فهي تكون محتاجة لمن يؤكد لها . المقدم: بالتحاليل والطبيب . د هداية: فهذه متزوجة وساعة حدوث الحمل وهذا طبيعي تكون في حاجة إلى من يؤكد لها فتذهب لتتأكد . فهذه وظيفة جبريل ، وحاشا لله أنا أضرب المثال هنا الفاعل زوج أما هنا الفاعل القادر القدير المقتدر ، فالمفترض في عقيدتك أنت عندما تجد الإعجاز لا تقول كيف؟ إنما تقول سبحان الله! وإلا كيف يكون إسلامكم سواء في عهد موسى أو عيسى أو محمد (صلى الله عليهم وسلم) . هذه الإشكالية التي حدثت من عهد عيسى لليهود فالنصارى اليوم يسيرون على ما قاله اليهود ففي أي عصر توقفوا ؟! في عصر إرسال عيسى عليه السلام لليهود وهذا التوقف ظل إلى أن جاء محمد نبينا (صلى الله عليه وسلم) صحح هذه الفكرة بالقرآن ، فعندما ولد علاء على عقيدة محمد (صلى الله عليه وسلم) فعلاء جاء وليس هناك مشكلة لأن آبائه وآبائهم وآبائهم ليس عندهم مشكلة فالقضية اتضحت من عهد القرآن والسؤال أن هناك أشخاص من الذين عاصروا هذه الإشكالية أسلموا عندما نزل القرآن وآخرين أسلموا بعد القرآن أي بعد محمد (صلى الله عليه وسلم) وحتى يوم القيامة سيظل هناك من يسلم ؛ لذلك قال المولى عز وجل (فيكون) (ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) . فكان لا بد الفعل أن يأتي في المضارع لأن هذه المسألة مستمرة ليس في خلقه وإنما مستمرة في الإيمان بخلقه أو بالطريقة المعجزة في خلقة ، لكن أيضا وأنا أقول معجزة مؤمن بأنه هناك معجزة أكبر منها ولم يتوقف أحد ، إذن هذا التوقف مُدَّعى وليس حقيقياً . أتعلم لو كان واحد فقط سأل كيف جاء آدم بهذه الطريقة لكانت مقبولة إنما لم يقف أحد فيها لا في عهد أدم ولا نوح ولا موسى ولا عيسى ولا حتى من الذين يتحدثون هذه الأيام . فآدم وحواء خلقوا ولا أريد أن أقول من عدم لأن هذه الكلمة خاطئة تعلمناها زمان وهي خاطئة لكن من الذي حمل في آدم أو حواء ؟! أين الزواج الذي كان قبلهم ؟! فهذا هو الإعجاز ، وعندما سألتك أيهما أصعب أنت قلت آدم فلماذا يتوقفوا هنا . المقدم: نجد حتى العمليات التالية في خلق عيسى عليه السلام فيها نفس المعاناة البشرية فالسيدة مريم العذراء مرت بآلام المخاض وهزت جذع النخلة . د هداية: كما قلت فعيسى يجمع بين الإعجازين ؛ إعجاز الخلق من ماء وتراب وطين وصلصال وحمأ (آدم وحواء) أي الجنس البشري أو الإنشاء ، وإعجاز أن المرأة تحمل من رجل لكن هنا بدون رجل ، فالذي يقدر على هذين الإعجازين من باب أولى يقدر على خلق عيسى بدون أب . وانتبه فهو قادر على خلق انسان من رجل وإمرأة وقادر أيضا أنهما يتزوجا ولا ينجبا . المقدم: والطب يتدخل وأطفال أنابيب . د هداية: ويفعلوا كل ما في الإستطاعة لكن في حالات معينة الطب يعجز أمام إرادة الله هنا (وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) [الشورى:50] المقدم: هناك أيضا أسباب أخرى تسأل الناس فيها في معجزة عيسى عليه السلام ، فالناس في عصر عيسى رأت أنه يشفي المرضى ويحيي الموتى ويمشي على الماء وهذه كلها أشياء خارقة للعادة وطبيعي أنك كبشر عندما تشاهد شيئاً فيه خفة يد تقول أنه ساحر أو ما إلى ذلك ، لكن عندما يموت شخص بالفعل وتجد أن الروح دبت فيه مرة أخرى ممكن تتعجب أو تقول أن الذي يفعل هذا عنده قدرات إلهية أو مستمدة من الإله . د هداية: هذه عندما صيغت في القرآن قال (وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ) [آل عمران:49] إذن الفاعل من ؟! المقدم: المولى عز وجل . د هداية: وماذا يكون عيسى ؟! المقدم: وسيلة . د هداية: لا ذاتية لهذا الفعل عنده (صلى الله عليه وسلم) أنت تؤمن بعيسى عبد الله ورسوله وأمه صديقة فقط ليست أم النور ولا تظهر ولا يوجد شيء من هذا في عقيدتنا بالنسبة لهم الكنيسة توضح لهم هذه المسألة في عقيدتهم ونحن نحترم أن يعبدوا ما شاء لهم أن يعبدوا لكن لا نوافق على هذه العقيدة ، لكن نصون لهم أن يعبدوا مايشاؤون . المقدم: حرية العقيدة . د هداية: طبعا ، سندخل في مسألة مصر بلد من ؟! مصر بلد الإثنين المقدم: مصر بلد الجميع . د هداية: مصر بلد الجميع لكن نحن أجدادنا أسلموا وهم أجدادهم لم يسلموا عندما فتحت مصر جدي أنا أسلم وجد جورج أو بطرس لم يسلم ، هو مصري وأنا مصري وكلمة قبطي يعني مصري التي منها بعد ذلك egypt ، يعني أنا قبطي مسلم وهو قبطي نصراني . ولا يجوز ولا يصح أن أقول هذه بلدنا فليخرجوا منها لأننا أكثر لأن الإسلام صان حرية إعتقاد أي شخص وأنا عندي في قرآني (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) [البقرة:256] وقلناها زمان أنه لو دخل علينا شخص يجبر شخصاً آخر ليقول لا إله إلا الله سنقول له لا يصح وإنما الإسلام الصحيح أن يأتي مختارا (مَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) [الكهف:29] والإله هو الذي يقول هذا ولذلك هو الإله الحق فأراد المولى سبحانه وتعالى أن عبادته تأتي بالإختيار ، وأنا قلت لك هو أنزل آية فظلت قلوبهم ؟! لا (فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) [الشعراء:4] (راجع/ حلقة التوبة والإستغفار (119)) لماذا ؟! لأنه لو جعلها إجباراً بالقلب لكان هناك إسلام بالكره وهذا غير وارد . من صحيح عقيدتنا آية سورة الكافرون (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ) هذه الآية أنزلها الله على محمد (صلى الله عليه وسلم) قال له قل . المقدم: أي أنه أمر إلهي . عندي أسئلة كثيرة ولكن بعد الفاصل --------فاصل--------- المقدم: نتكلم في المقارنة بين نفس آدم عليه السلام ونفس عيسى عليه السلام والقرآن يعطينا حل الإشكالية فهناك ملاحظات من بداية حدوث المعجزة عند مريم العذراء بدءا من الحمل بالإعجاز الإلهي لأن المولى عز وجل قال أنه آية لكنها تعرضت لأشياء طبيعية من آلام المخاض وبرغم من أنها مفضلة ومكرمة تكريماً إلهياً بنص القرآن الكريم إلا أنها لما استغاثت من الألم والوهن والمخاض لم يأت لها شيء مخصوص لكن قيل لها الأشياء البشرية العادية التي تفعلها أي إمرأة في مثل هذا الموقف (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) مثل أي إمرأة عندما تحمل تتعرض للآلام وتأكل بلح هل هذه دلالة أن القصة في النهاية هي طلاقة القدرة الإلهية في خلق نبي الله عيسى بهذا الشكل ؟! د هداية: لكي يكون بشراً كل هذا لكي يكون مثله مثل أي مولود الإعجاز الذي فيه إبتلاء . المقدم: إمتحان من الذي عقيدته سليمة . د هداية: فأحيانا تأتي أسئلة بلماذا؟ هناك أسئلة تصح وهناك أسئلة لا تصح عندما تصف الإله سبحانه وتعالى جل في علاه تقول (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء:23] أما إذا أردت أن تعرف الحكمة أقول لك أن الحكمة هي الإبتلاء من الذي ترك إعجازاً أكبر وتوقف عند إعجاز أصغر ؟! (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) إذن هذا إدعاء لمجرد الإدعاء فأنت توقفت عند إعجاز بين إعجازين لأني قلت لك أن الإعجاز الثاني يوجد فيه أن إثنان يتزوجوا ولا ينجبوا ، فما تتصوروه ليس معجزاً أن فلان يتزوج فلانة وينجبا هو أيضا إعجاز لأن ليس من الطبيعة أن كل إثنين يتزوجوا ينجبوا . فآدم وحواء فيهم إعجاز والبشر كله فيه إعجاز وعيسى فيه إعجاز ، عيسى وسط بين إعجازين . المقدم: فلا يصح أن نتوقف عند عيسى فقط وهو نفسه تكلم لما أشارت إليه تكلم (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) هذا الذي نقوله ما أول كلمة قالها عيسى عليه السلام ؟! أنه عبد وأتاني الكتاب أي سيكون رسولاً فهو عبد الله ورسوله وهذا إيماننا نحن به وحبنا لعيسى ولمريم لا يقل عن حب أي شخص آخر يهود أو نصارى أو أيا كان . المقدم: البعض يسأل عندما علقتم على موضوع الظهور (راجع/ حلقة التوبة والإستغفار (121)) وأن هذا معناه أن الإسلام لا يقدس مريم . د هداية: كيف وقرآني يقول (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) لكن أكمل (كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ) فالإله لا يأكل ولا يولد فأنا أؤمن بقرآني وأتكلم بقرآني وانا قلت نحن نتكلم عن عقيدة القرآن الإسلام عند محمد (صلى الله عليه وسلم) وليس عندنا ظهور . المقدم: البعض يقول أن هذه طبيعة الشرقيين الذين يميلون للأضرحة والأولياء والتبرك بالأولياء الصالحين وممكن نجد بعد ذلك بعض المتشددين المسلمين يقولوا نحضر ليزر ونقول أن سيدنا محمد ظهر عند الأزهر أو الحسين ظهر على قبة الحسين . د هداية: لن يصح هذا ولن يجدي لماذا ؟! لأن مطلع كتابك حوَّل الإيمان الذي كان قبل محمد (صلى الله عليه وسلم) بالإعجاز المادي إلى (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة:3] فتحولت المسألة من إنزال مائدة أو عصى تكون ثعبان أو أي شيء إلى إيمان بالغيب . شخص يسأل لكن نحن كنا نتمنى أن نشاهد ؟! نقول له هم شاهدوا هل آمنوا ؟! فبالتجربة المباشرة من الله تبارك وتعالى أنها لم تؤتي ثمارها أيضا بالعكس الإيمان بالغيب يكون فيه المؤمن أعلى لأن هناك ليس مع العين أين لكن عندك أنت أصبح الإيمان غيبياً . أنت توثق المسألة من الفاعل ؟ الله (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى) [الإسراء:1] ، من القائل محمد (صلى الله عليه وسلم) إذن انتهت المسألة وهذه فعلها الصديق ونحن نقلد ، فإذا تأكدنا من الحديث أسلم لماذا لا أحاول أن أتأكد من القرآن ؟! لأن القرآن لم يستطع أحد أن يحرفه لكن الحديث أقوم فيه بعمل صيانة احتمال فأسأل علماء الجرح والتعديل هل هذا الحديث صحيح أم لا ؟! وإذا تبين صحته ينتهي الأمر هذا إعجاز في أن كان الإسلام مادياً فأصبح غيبياً لكي نوفر على من قال سنفعل كذا وكذا فنحن لا يوجد عندنا ماديات ولا ظهور . نحن نحترم لهم مايعتقدوه فقط. المقدم: حرية الآخر في أن يعتقد ما يشاء . د هداية: فأنا أحترم له هذا لكن لا أحترم عقيدته وكلمة (لا أحترم عقيدته) هذه ليست إهانة لكني لا أوافق عليها فأنا أحترم له أن يعبد . المقدم: هناك بعض الناس علقت على أنه إذا تكلم شخص في هذا الموضوع يُتهم بالإزدراء وكما تذكر قضية الدكتور محمد عمارة وهذا دكتور مكلف من الأزهر يرد على كتاب يسب الدين الإسلامي ويسب في الرسول ويسب في العقيدة كلها . د هداية: الدكتور محمد عمارة كان يرد على كتاب يسيء للإسلام وليس يزدري فقط وهو يرد على الكتاب ولا يرد على النصارى في مصر فالدكتور عمارة قال أنه يرى أن الذي ألف هذا الكتاب ليس من مصر . المقدم: سؤال الناس هنا أن السادة النصارى الذين تصدوا لهذا الموضوع قالوا أن هذا ليس دفاعا عن الإسلام وإنما إزدراء لهم . د هداية: المسألة أنهم في البداية يكون هناك نوع من عدم الفهم لذلك أن المسألة تم تسويتها بعد ذلك. المقدم: فنحن ضد السب عموما . د هداية: ليس عندنا هذا الكلام أبدا فالنصارى إخوتنا وأصحابنا لكن أن نوضح عقيدتنا هذا من حقنا فأين إذن حرية الإعتقاد وأين حرية الفكر ؟! المقدم: فأنت لو سألت ماذا يقال عن الإسلام في الكنائس هل يقال أن الإسلام هذا شيء جيد أو أن الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) نبي ؟! د هداية: يوجد منهم من يقول هذا المقدم: ويوجد من لا يقول هذا وأن هذه ليست رسالة وهذا ليس نبياً . د هداية: هم أحرار ونحن أحرار . المقدم: أتمنى أن لا تكون بيننا هذه الحساسية فمصر وطننا جميعا والعقيدة بيننا وبين الله . د هداية: قف هنا واسمع ماذا تقول أن العقيدة بينك وبين الله ونحن عندنا أن العقيدة المعلنة نسمي صاحبها منافق إذا كان يدعي ، إذن العقيدة أيضا من الغيب فبينك وبين ربك إذا أظهرت شيئاً وأخفيت شيئاً تكون منافقاً ولا يقبل إسلامك أو إيمانك . المقدم: عندي ملحوظة يجب أن يكون لهذا الكلام استدراك فمسلكك في الحياة يبين ماذا أنت فكيف يكون سلوكك غير سوي وتدعي أن علاقتك بربك جيدة ؟! د هداية: أنت تقول عكس الكلام الذي أقوله فالإيمان ما وقر في القلب فعلا لكن أين ما صدقه العمل ؟! لأن تعريف الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل ، فنحن عندنا الذي يظهر عكس ما يبطن يكون منافقاً فلا بد أن يظهر ويبطن شيئاً واحداً المقدم: هناك بعض الألفاظ القرآنية التي جاءت على لسان مريم يعني مثلا لما قيل لها (فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا) . د هداية: وسويا قلنا أي بشر كامل لم يأت بصورة الملك ولا كيان الملك ولا طريقة كلام الملك إنما جاء بشر مثل أي بشر في الخلقة والكلام والطريقة . المقدم: جميل جدا فقالت له (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) لماذا الرحمن ؟! د هداية: قلناها زمان أن بعض الناس لم يفهموا أسماء الله الحسنى فالأسماء التي تجمع هذه أسماء بمعنى صفات كلمة اسم تأتي اسم علم للذات هذا واحد فقط (الله) وهو الاسم الجامع لكل صفات الجلال والكمال التي هي بقية الأسماء ، شخص يسأل هل معنى هذا أن الله هو الاسم والباقي صفات ؟! أقول له نعم لكن انتبه لنقطة أن الرحمن من الأسماء أو من الصفات التي تصلح اسماً والذي كفر من اليهود (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا) (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا) لماذا لم لم يقولوا العزيز أو الغفور لأنهم فهموا أن الرحمن هو الذي يمشي صفة وإسماً مع الله ولذلك عندما قال (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ) وكذلك (إِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا) لماذا لأنهم قالوها (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا) (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا) لأنهم فهموا أن المولى عز وجل عنده هذه الصفة قريبة من أن تعمل عمل اسم فصان احتمال أن يكون كفره كاملاً (وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا) (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا) من البداية . المقدم: إذن هنا ليس صدفة أن تختار هذا الاسم . د هداية: فالصياغة هنا قرآنية المقدم: وتقول له إن كنت تقيا وإذا لم يكن تقياً؟! . د هداية: كانت لن تستعيذ لأن (أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا) إن كنت تقيا ستنفذ الكلام فأنا أستعيذ بالله إن كنت تقياً فإن لم يكن تقياً حاشاه جبريل سيكون فاجراً عكس تقي المقدم: فلن تفلح معه الإستعاذة لكن ستفلح معها هي د هداية: يعني أنا سأستعيذ إن كنت تقيا سوف لا تؤذيني فهي عندها إشكالية في هذه القضية فتقول له إن كنت تقيا تفيد فيك أن أستعيذ بالله أمامك فالفاجر لا يهتم بالإستعاذة لكن التقي ستوقفه أمور . التقوى تنفع صاحبها وتحده عن أمور . المقدم: وأنا أتكلم على موضوع التوبة وتكلمنا عن فكرة الرقيب وكيف نفعل الصفة لكي لا نخطئ ، وتكلمنا عن نفس الناس ونفس آدم وحواء ونفس عيسى وعن مريم كل هذا الكلام كيف أستفيد منه اليوم ؟! كيف أستخدم حبي لآدم وحواء وعيسى وسائر الرسل في أن أكون انسان مستقيم ؟! كيف أستغل تصحيح العقيدة الذي نشتغل عليه لتكون النفس نفس سوية وطائعة ؟! د هداية: سأرد بكلمة واحدة: الصدق (هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) [المائدة:119] أن أكون صادقاً مع نفسي مع الناس في أفعالي مع الله . الصدق ، وهذا ما جعل الرسول يقول أن المؤمن لا يكذب ويقول وإياكم والكذب فهاتين الصفتين واحد نار والعياذ بالله والثانية جنة ، وعندنا في الآية (هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) قِسها على كل صادق . المقدم: هذا هو مفتاح الإيمان ومفتاح العقيدة السليمة وإن شاء الله نكمل في الحلقة القادمة لكي نأخذ المفتاح وندخل الحالة الإيمانية للنفس الطائعة السوية التي ينتهي بها المقام في جنة الخلد قولوا آمين . ونراكم على خير سلام الله عليكم ورحمته وبركاته . بُثّت الحلقة بتاريخ 19/1/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 125 علاقة الصدق بإعمال صفة الرقيب المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم ، الاحبه الكرام ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. مدخلنا في الكلام اليوم هو الصدق لأن الصدق مع الله ومع الناس ومع النفس يؤدي إلى انتظام الحياة وأقصد بالحياة الحياتين : الحياة الدنيوية والحياة الحقيقية في الآخرة . فما علاقة الصدق بصفة الرقيب التي اتفقنا أنها أحد المفاتيح للإنسان المسلم لكي لا يخطئ ؟ فقضية التوبة تكون إما عن خطأ أو معصية وإما توبة عن توبة أو عن عدم معصية ، فالرقيب تجعل الإنسان يشعر أنه تحت رقابة وأفعاله يتم وتصويرها بكاميرا مثلا . فلماذا ننسى أن هناك رقيب وملائكة حفظة كتبة يسجلون علينا كل شئ ؟! هل لأننا لا نرى المولى عز وجل ؟! إذن فأين الإيمان الغيبي ؟! سنتكلم عن مفتاح الصدق ، وعن الفرق بين صفة الرقيب والشهيد . كنا دائما نقول الصدق منجي ومن الممكن أن نجد بعض الناس تهزأ من الكلمة وتعتبرها (المانجو) نوع من الفاكهة وتلمح في مجتمعاتنا اليوم حالة من الإستخفاف بالدين وحالة من الإستخفاف بقول المولى سبحانه وتعالى (قَالُوْا إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) أتلعبون بأشياء تتعلق بالمولى عز وجل ؟! وتجد نكات وأشياء من هذا القبيل من شتى صنوف الإستهزاء. أشعر أننا في أزمة وأن هناك كثير من الناس تحتاج وقفة مع النفس ، أعاننا الله علينا عليهم وعلى أنفسنا بإذن الله . لماذا لابد أن نكون صادقين ؟! د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد ، أنا أرى أن الصدق وإن كان جاء في بعض آيات القرآن أنه النتيجة التي يترتب عليها الفلاح لكنه في آيات كثيرة جدا هو السبيل إلى الوصول إلى الحياة الأبدية مثلما قلت في البداية أو الحيوان. لذلك أنا عرضت في حلقة سابقة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119] (راجع/ حلقة التوبة والإستغفار (121)) وقلنا أن الصادقين هم الأنبياء والمرسلين الذين كلفهم المولى عز وجل بالمناهج المختلفة من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة كأني بالله تبارك وتعالى يقول إن السبيل إلى الصدق التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) إتباع النبي لن يكون إلا بالتقوى فالتقوى سبيل في خلاله لابد وأن يكون الإنسان على الأقل صادقاً مع نفسه صدق مع نفسه صدق مع الله تبارك وتعالى ومع الرسول (صلى الله عليه وسلم) كل الرسل . فالصدق مسألة من أهم مسائل العمل وهذا ما جعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) يرفض أن يكون المؤمن كذَّابا ، لأن الكذََّاب هنا ستأخذ كل معاني الكذب التي تؤدي إلى النار بإختلاف الطرق . المقدم: هنا وقفة ، تأكيدا لكلامكم بأن الكذب ليس له ألوان فكله لون واحد أسود ، وقتل الله التبرير فتجد بعض الناس تدرك أنها تكذب لكنها تبرر بالظروف ، مثال/ في مسألة الزواج كثير من الرجال تجد في نفسها إحتياج للزواج مرة أخرى ولكن مجتمعنا ليس له علاقة بالدين للأسف وإنما له علاقة بالعرف ، بالإضافة إلى أن بعض الدول تحرم الزواج الثاني وتحرم الحجاب ، ففي مجتمعنا الرجل يخاف من (الحكومة) الزوجة الأولى وهو يريد أن يتزوج فيذهب ويتزوج بالفعل - سواء كان زواجا شرعيا رسميا أو عرفيا - دون علم زوجته ويبدأ بعدها سلسلة لا تنتهي من الكذب ليبرر تأخيره خارج المنزل بعد العمل ، ومازال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذَّابا . معنى الفجور في العمل د هداية: هنا حديث الرسول عليكم وإياكم (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدِّيقا، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) فتخيل شخص تكون صفته صدِّيق وهي أمتع صفة يمكن أن يتحلى بها الإنسان وشخص تكون صفته كذاب . فصدِّيق صدَّق ويصدق أما كذاب كذّب يكذب وأنا أتكلم عن التلقي في الرسالات . المقدم: ممكن يكون صنف ثالث صدَّق في التلقي ثم كذّب في التطبيق د هداية: هذا أخطر لأنه النفاق فتأمل قول الرسول (فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار) المقدم: إذن الظروف والتبريرات ليست مبرراً للكذب د هداية: لا يمكن ، فهذا الحديث يضعنا أمام قضية من أخطر قضايا التوصيف القرآني والناس لا تنتبه إليها . عندنا آية في كتاب الله تبارك وتعالى (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ) وهذه عادية في التلقي (وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الإنفطار:13-14] من هم الفجار ؟! المقدم: الكذابين ؟! د هداية: الذين هم ضد الأبرار لكي يفهم الناس المقدم: أنهم صنفين فقط د هداية: هنا الآية تقسم الناس قسمين البار هو المؤمن والمسلم والمحسن وكل الصفات الحميدة الصالحة ، والفجار كل الصفات المذمومة القبيحة . الشاهد أنه قال (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ) يعني ليس هناك خروج والتي تليها مبدعة قال (وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ) يريد أن يقول لك أن هذه الكلمة تقال 17 مرة في الفروض (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) فهل أنت عندما قرأتها في الفاتحة 17 ومنها مرات سمعتها من الإمام في الصلوات الجهرية وقلت آمين ثم قرأتها في سرك ، فهذه الكلمة التي ساعة يسمعها المولى تبارك وتعالى يقول (فوَّض إلي عبدي) فأنت تقر أن الله تبارك وتعالى مالك يوم الدين، وهذا في مسألة قسمت الصلاة بيني وبين عبدي - فهل يصح أن أفوض إلى الله حساب هذا اليوم وأعمل أعمال تجعلني من الفجار؟! وهذا في الصنف الذي قلته يتلقى بصدق ويخالف في التطبيق ، فما هذا ؟! هذا هو الفجور (الفجار) فأنت عندما تسمع واقعة خارجة عن إلف المعتاد في العمل ماذا تقول عن الذي فعل هذا ؟! أنه فاجر ويقصد بفاجر أنه عمل عملا يخالف ولن أقول الدين بل العرف مثال/ الذي قتل شخصا ثم قطَّع جثته . فهو قتله وهذه كبيرة لكن التقطيع هذا فجر في العمل ، فالقتل في حد ذاته كبيرة من الكبائر لذلك عندما جاء يتكلم في حق عباد الرحمن نفى الصفة عنهم (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) [الفرقان:68] أما الذي يفعل هذا نقول عليه فاجر فإذا خرجت المسألة عن إلف المعتاد توصف بالفجور، يعني القتل شيء نسمع عنه لكن التقطيع وما إلى ذلك يكون فجر . الآية خطورتها في أن هذا التوصيف جاء بعد الكلام عن الناس كلها قال (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) هذا عن كل البشر ثم قسم الناس قسمين فقط قال (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) لكي لا يقول أحد أن الفجر مقصود به شيء معين لكي يلطف المسألة ، مثل الذي قال في مرة أنا فاسق فقط لست كافرا أو أنا عاصي فقط وهو لم يفهم قول المولى تبارك وتعالى ساعة قال حبب كرَّه (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) [الحجرات:7] جمع الكفر والفسوق والعصيان في بوتقة واحدة . إذن عندما يقول المولى عز وجل (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) وعندما يوصف الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن الكذب يؤدي إلى الفجور لابد من وقفة هنا ، وأي كذب ؟! المقدم: الكذب المطلق د هداية: الكذب في الكلام والعمل. أن أعمل شيئاً يخالف الذي أعلنته أو أظهرته أو إدعيته في العقيدة . ولذلك الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول وإياكم والكذب لماذا ؟! لأن الكذب يؤدي إلى الفجور والفجور يؤدي إلى النار، ما الفجور؟! مخالفة الطبيعة ومخالفة المنهج والعرف والناموس كما في مثال القتل المقدم: وهل أيضا معهم السادة المرشحين في الإنتخابات لمجلس أو أي منصب ويكون عنده برنامج انتخابي عظيم مليء بالوعود الوردية للناخبين وعندما ينجح ويتولى المنصب لا ينفذ شيئاً من هذه الوعود أليس هذا فُجر؟! د هداية: ساعة الإعلان نفسه فيه فُجر لماذا ؟! المقدم: لأنه غير ناوي د هداية: وهذه المسألة وضحها لنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) من البداية وقال (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما) عمل ؟! لا (ما نوى) لماذا ؟! لأنه ممكن شخص يوعد وعنده نية لكن الظروف تمنعه ولا يستطيع التنفيذ فهذا خارج هذه المنطقة . المقدم: ونكمل بعد الفاصل --------فاصل--------- الفرق بين الرقيب والشهيد لغةً المقدم: قلنا أن صفة الرقيب لو الإنسان أعملها مع نفسه سيراجع نفسه في كل التصرفات وستغلق على الشيطان والنفس باب التبرير. ذهبنا لأكثر من آية ونحن نتكلم عن صفة الرقيب ونسمع معا مرة أخرى خواتيم المائدة (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة:116-119] هذا حوار بين عيسى عليه السلام والمولى عز وجل وقلنا أن عيسى عليه السلام استخدم الشهيد والرقيب شهيد الأولى انسحبت على نفسه والثانية في حق المولى عز وجل ثم الرقيب جاءت في حق المولى فقط ولم تأت في حق عيسى حتى بدون الألف واللام لماذا ؟! د هداية: أولا ما هو الرقيب وما هو الشهيد ؟! الرقيب الذي يتابع بصورة دائمة ممكن تأخذ معنى الحافظ أو الحفيظ يعني لا يغيب في حق المولى تبارك وتعالى لكن إذا كانت للملك أو الإنسان تكون رقيب بحدوده وببشريته ، لكن بعض المفسرين يفسروا كلمة شهيد عندما يتكلم عيسى عن نفسه (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ) أنها شهيد بمعنى رقيب وهذا معنى مرفوض في الحقيقة لأن شهادة عيسى أو موسى أو محمد (صلى الله عليهم وسلم) شهادة في حدود أني أعرض المنهج والشخص يقول أنا أسلمت فهم يشهدوا على أنه قال أنه أسلم لكن هل هو أسلم حقيقة أم لا ؟! هذه من اختصاص الرقيب. سأوضحها لك (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) هم الملائكة يعني الملك يكتب صلى صام حج ، لكن هل يكتب أنه صلى بنية صادقة وبإخلاص وبقبول ؟! لا، فهذه من اختصاص المولى عز وجل وعندما يتكلم المولى عن حدود هذه المسألة قال (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر:19] فما أخفيته أنا في صدري الرسول لن يكون عليه شهيداً ولا رقيباً ، لكنه شهيد على قولي أنا أسلمت . المقدم: ظاهر العمل د هداية: بالضبط ، (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ) إذن شهيد هنا من شاهد . المشكلة أن أغلب الناس معتقدة أن الشهيد هو الذي مات في الحرب فقط . المقدم: أتذكر عندما كنا في ندوة وكان هناك أحد السادة الأفاضل الذين شاركوا في الحرب وكأنه سمع لأول مرة أن الشهيد ليس فقط الذي مات في الحرب وتقريبا هو لم يسمع جيدا ففهم أن فضيلتك تقول أن الذي مات في الحرب ليس بشهيد فقال ثائرا (يعني أخي وصديقي الذي مات بجانبي في الحرب وأنا رأيته بعيني يموت والصاروخ قسمه نصفين ليس شهيدا ؟) د هداية: أنا أيضا سأجيب إجابة مستمرة فأنت هنا رأيته مات في الحرب مات في سبيل الله لكن لا تعرف هو بأي نية ذهب للحرب ؟ فالذي يعرف هذا هو المولى عز وجل بماذا ؟! (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) لكن كلمة شهيد لا تقتصر على هذا المعنى وأنا زمان ضربت المثل (والله على كل شئ شهيد) هل معناها أنه سبحانه مات في الحرب؟! لا يصح، لكن لكي تخرج الناس من هذا المعنى فالناس تقفل هذه الكلمة على الذي مات في الحرب والمبطون والغريق لكن الكلمة لها أبعاد لغوية خطيرة . فكلمة شهيد تأتي من شاهد أو شهد التي هي رأى أو علم يعني شهيد في بعض القواميس (عالم) لذلك قلنا أن الشهداء مطلقا من ؟! العلماء لكن إذا أضفتها مثلا شهيد في سبيل الله ، شهيد في العلم هذا موضوع آخر لكن الكلمة عندما يتكلم عنها المعجم أو كلمة يقولها : من أسماء الله الحسنى الشهيد فالرجل الذي كتب هذا المعجم زمان لم يكن يعرف أن هذه البلوى ستحدث في فهم الكلمة لكنه صان احتمال فقال أن أخص شهيد أو الشهيد المطلق هو المولى عز وجل فالشهيد معناها العليم ببواطن النفس اسمع هذه الآية (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) هل أنت وأنت تجلس بجانبي تسمع ماذا تقول نفسي ؟! المقدم: لا د هداية: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (راجع/ حلقة التوبة والاستغفار (81)) يعني حبل هو الوريد فهذا الحبل لو قطع الإنسان يموت يعني لازم معناه أن الله تبارك وتعالى أقرب إليك من روحك التي تخرج لو حبل الوريد قطع، ليس أقرب إليك من النفس التي توسوس لا وإنما من النفس التي عليها قوام حياتك (الروح). التي تليها مبدعة (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ) يعني هو يتكلم عن علمه ببواطن النفس عندما يوسوس الشيطان أو النفس ماذا يقول الرجل سأعمل أو لا ؟! أحيانا يقبل الوسوسة ويخاف من التنفيذ وهذا فضل من الله، وأحيانا يرفض وينفذ وهذا من عمل الشيطان . المقدم: كيف نربط هذه القصة بقضية الصدق؟! سنأخذ الحالة الثانية الذي يرفض الوسوسة لكن عندما يوضع في الامتحان يقع فيه مثال/ موظف في شركة وحكمت ظروف العمل أنه سيذهب للشركة بعد الظهر ولن يكون هناك إلا السكرتيرة وهى جميلة وصغيرة فوسوس له الشيطان أن يوقع بها ويأخذها بعد العمل ويخرجا معا لكنه قبل أن يذهب رفض هذا الفعل ونوى ألا يفعل هذا فهذا لا يليق به ، لكنه عندما ذهب بالفعل ووجدها أمامه وكانت في كامل زينتها فضعف ولم يستطع منع نفسه . لماذ وقع هل لأنه لم يكن صادقاً في نيته ؟! د هداية: هو ليس صادقاً في توصيفه كمسلم لأنني قلت لك زمان نقطة أنت في الصيام تمتنع عن الحلال أم عن الحرام؟! المقدم: عن الحلال د هداية: ولماذا تمتنع عن الحرام هل بالصيام ؟! لا بل بإسلامك بمعنى إمتناعي عن الحرام ليس لأني صائم فأؤجل الحرام لما بعد الصيام لا ولكن لأني أنا مسلم فالإسلام هو الذي يمنعني عن الحرام ، أما المثال الذي ضربته أنت ممكن نعلِّم الناس فيه نقطة صغيرة أنه يعتبر هذه البنت عرض محمد (صلى الله عليه وسلم) فيبتعد عنها ولا يستطيع أن يفعلها سواء كانت مسلمة المقدم: في بعض الناس عندما تناقشهم يقدموا تبريرات بأن البنت هي التي غير ملتزمة باللباس الشرعي د هداية: هذا لا يقلل من ذنبي ، هل عندما يكتب الذنب سيكتب عليها فقط وأنت لا ؟! المقدم: وليس هذا فقط سأفترض أنها بالفعل بائعة هوى وليست مجرد فتاة غير ملتزمة باللباس الشرعي فتجد بعض الناس تقدم تبريرات وتقول أنها هي السبب. د هداية: وكل انسان ألزمناه طائره في عنق البنت غير الملتزمة باللباس الشرعي ؟! لا (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ) [الإسراء:13] وقلنا زمان أن طائره هذه سنشرحها عندما نأتي في التفسير، لماذا طائره؟! ولماذا في عنقه؟! (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) يعني يقول لك خذ أنت واقرأ والذي تصور أنه يستطيع أن يخفي شيئاً من كتابه عن المولى عز وجل فالمولى صان احتمال هذا بشهادة كل الأعضاء عليهم (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النور:24] لماذا ؟! المقدم: أنطقها الله د هداية: فأنت ممكن في الدنيا لا تلتزم بالمنهج كله وتقرأ جزءاً وتترك الآخر لكن عند هذه النقطة الأعضاء هي التي سوف تشهد . المقدم: كلمة للذين تعودوا الغش في الامتحانات وكتابة أجزاء من المنهج على أوراق صغيرة: إذا كان هذا التحايل نجح في الثانوية العامة والجامعة لن تنجح يوم القيامة لأن الحساب كبير ولا يوجد صغيرة أو كبيرة غير مكتوبة أو محسوبة. ونتابع الحديث بعد الفاصل --------فاصل--------- المقدم: الرقيب والشهيد الإثنين من صفات المولى تبارك وتعالى فما العلاقة بينهم من حيث نقاط الاتفاق ونقاط الاختلاف ؟! د هداية: أن الرقيب سبحانه وتعالى لو أن إيمان الناس كان مجمل إيمان عن صدق كان يكفي جدا الشهيد ، لكني أرى أن الله تبارك وتعالى سبق في علمه أن البعض لن يكفيه الشهيد . عندما تكلم عيسى عن نفسه (وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ) انتبه شهيدا هنا جاءت خبر فكلمة (كنت) أصلها كان الناقصة التي تختص بالجملة الإسمية فتجعل المبتدأ اسمها والخبر يكون خبرها ، فيقول وكنت عليهم يعني أنا شهيدا ما دمت يعني ما عشت ، فلما توفيتني كان مقتضى حال الصياغة - لو أن إيمان الناس كان يكفيه شهيد - فلما توفيتني كنت أنت الشهيد أنا يارب شهيد بحدودي وأنت شهيد مطلق لكن هنا الوصف تغير وهذا ما أريد أن ألفت النظر إليه اللفظ تغير رغم أنه قال في آخرالآية وأنت على كل شيء شهيد فلماذا جاءت الرقيب؟ ولا بد أني كمسلم أفهم لماذا جاءت الرقيب، فعيسى عليه السلام عندما تكلم عن نفسه قال شهيد ولما تكلم عن المولى عز وجل بعد الرقيب قال شهيد وبدون الألف واللام أيضا وجاءت خبر أيضا خبر جملة اسمية يعني أنت شهيد فالاثنان خبر وصياغة الشهادة في حق عيسى عليه السلام جاءت شهيد وفي حق الله عز وجل جاءت شهيد لم يقل الشهيد لكن عند صفة الرقيب لم يقل عن نفسه رقيب وقال عن المولى عز وجل الرقيب لماذا كل هذا ؟! لأن إيمان الناس بوعيهم في الإيمان محتاجين أن يفهموا أن الله تبارك وتعالى ليس شهيدا فحسب بل رقيبا أيضا. وهنا وقفة طويلة في إعمال الصفة . قال لي أحد المشاهدين لاحظت عندما عرض عليك أستاذ علاء صفة الرقيب قال إعمال صفة الرقيب وأنت كنت قلت في ندوة إعمال صفة الرقيب فهل هذا صدفة أم أن أستاذ علاء يقصدها لأنه يفهمك؟! فضحكت وقلت له أنه الثانية ولا يوجد صدف لأننا نتناول شيئاً عندما أجد الناس منتبهين إليه أنا أسجد لله شاكرا وهو أننا عندما نعرض الموضوع لا نتكلم في صفة الرقيب كتوصيف للمولى عز وجل أن له صفة اسمها الرقيب لكن عندما عرضها علاء وأنا عندما أتكلم أقول إعمال صفة الرقيب المقدم: فهو رقيب على كل الأحوال د هداية: نعم هو رقيب المهم عندنا أن نُفعِّل هذه الصفة في أنفسنا كما قلت المقدم: التي هي في ترجمة أخرى وفي نسخة أخرى للقرآن الكريم أن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا د هداية: فهو عدو بالفعل لكن إعمال هذه الصفة أنت لا تفعلها لا تتخذه عدواً!. نعود للرقيب كنا تكلمنا منذ أكثر من حلقة أنا لماذا أقع في المعصية ؟! (راجع/ حلقة التوبة والاستغفار (120)) لأني لم أُعمل صفة الرقيب بمعنى أنك عندما تبدأ في أي عمل تذكر أن الكاميرا تعمل ولله المثل الأعلى حاشاه دون تشبيه أو تمثيل ، وتذكر أيضا أن هذه الكاميرا لن تعطل فالكاميرا العادية تتعطل لكن الذي أريد أن أُفعِّله أنا أن المولى عز وجل لا يغيب واسمع توصيف الملك المكلف من الله تبارك وتعالى (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) التي هي (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18] لماذا قال رقيب ولم يقل شهيد ؟! لأن شهيد لا تصح هنا لأنه أخذ صفة الحفيظ هنا - المراقب - يعني الفرق بين رقيب وشهيد لغةً أن الشهيد ممكن أن يفتر لبعض الوقت ولذلك جاء في حق الملك الذي يسجل رقيب عتيد. مثلما قال على نفسه أنه شهيد بحدوده وأن المولى عز وجل هو الرقيب رغم أنه لو كان قال كنت أنت الشهيد كانت تصح بصياغتنا البشرية لكن لا، دائما يكون اختيار المولى عز وجل للكلمة اللغوية في القرآن أعلى ، إذن كلمة الرقيب فيها جزئية ليست موجودة في الشهيد لكن ليست لله لأن الذي لابد أن أفهمه وأنا أتكلم أن الشهيد هو الرقيب . المقدم: لأن الاثنان من صفات المولى د هداية: بالضبط وأنه هو إله لكن أنا أعرض اختيار الألفاظ في القرآن فلن يتضح الفرق في حق المولى عز وجل لكن تظهر جيدا عندما رقيب للعتيد للملك ولم يقل شهيد قال (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) وعندما جاء في سورة ق قال (إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) إذن رقيب لها توصيف غير شهيد وعندما قالها عيسى عليه السلام كأني بالله عليك يقول أعملها أنت ، يعني هو أثبتها لله تبارك وتعالى واختار هذه الصفة لكي أُعملها أنا ، كأني بالله عندما اختار لفظ الرقيب يريد أن يقول أن الصفة لله والذي يُفعِّلها سينجح ويرتاح ويكون من المسلمين ، المؤمنين ، المتقين ، المحسنين ، عباد الرحمن ، الذين أسلموا الوجه لله وسيظل يرتقي . المقدم: التي هي مع الصادقين د هداية: بالضبط التي أخصها أن نكون مع الصادقين لأن انتبه هو لم يقل من لأن المنية ليست بيدي وشرحناها سابقا ، لكن أنا عندما أكون مع الرسول وفي الجنة هذا له متطلبات ليس بالآمال والأحلام والأوهام فأنا لكي أكون مع الصادقين أحتاج لعمل ومجهود كبير لكنه في نفس الوقت ليس صعبا بدليل أن القرآن يعرضه أنه متاح . ولابد أن أفهم كما في المثال الذي ضربته أنت فالشيطان عدو هل اتخذته عدواً؟! لا المقدم: بل اتخذته صديقا د هداية: فأنت بهذا خالفت الأمر الإلهي فهو مخلوق هكذا ولو دققت فيها الشيطان نفسه لم يخالف في هذه فهو يسير على الجبلة التي خلقه الله تبارك وتعالى عليها بل نحن الذين خالفنا في ماذا ؟! فاتخذوه عدوا. عيسى عليه السلام يلفت نظرنا هنا أن الله تبارك وتعالى هو الرقيب فهل أنت أعملت هذه الصفة ؟! إذن عندما يقول علاء إعمال صفة الرقيب أو صفة الرقيب البون شاسع بين الإثنين . المقدم: هل هذه ترجمتها في حديث الإيمان (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك) د هداية: بالضبط الرقيب ، لماذا؟ لأنه أحيانا الشخص بسذاجة يعتقد أنه طالما لا يرى المولى عز وجل إذن فالمولى تبارك وتعالى أيضا لا يراه المقدم: هناك صنف من الناس يعلم جيدا أنه مراقب لكن يغتر برحمة الله د هداية: جميل جدا هذه النقطة اسمع في سورة الإنفطار بعدما وصَّف يوم القيامة قال (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ) المتكبر ؟! المقدم: لا (الْكَرِيمِ) د هداية: إذن أنت غرورك جاء بهذه الصفة فالناس لم تقرأ القرآن صح المقدم: فهو سبحانه وتعالى يقول في القرآن (نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) د هداية: ويقول الشيخ بعدها صدق الله العظيم ، أكمل الآيات (وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ) [الجحر:49-50] لابد أن تقولها كاملة ، فهو غفور لأنه قوي ليس عن ضعف وسأسألك سؤالا سنجيب عنه الحلقة القادمة بإذن الله لأنه طويل عندما جاء عيسى عليه السلام يتكلم فالكلام لله لكن على لسان عيسى عليه السلام قال (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ) الغفور الرحيم ؟! المقدم: لا (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) د هداية: فأنا أتكلم في الغفران إذن المفروض أن تكون هكذا لكن اسمع الصياغة القرآنية عكس الإنشائية الحديثة قال (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) لماذا ؟! ابدأ بها الحلقة القادمة . نعود مرة أخرى فأنا إنشائي الحديث لابد أن تكون ما غرك بربك المتكبر لا وإنما (يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) لأن هذا هو الذي حدث بالفعل فالصياغة هنا جاءت بالذي حدث وليس الذي كان مفروضاً أن يحدث وهذا هو الأداء القرآني. والفرق بين أنه رقيب سبحانه وتعالى وإعمال الصفة قال (مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) لماذا هؤلاء الثلاثة لأنك كان لابد أن تفهم أن الذي فعل هؤلاء سيكون قادر عليك لن يفلتك التي هي (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت:2] هذا توقيعها . كلمة الكريم هنا جاءت لتفهم أنك كان لا يجب أن تغتر بالكريم لأنه ليس كريم وفقط بل عنده 99 صفة أخرى المقدم: نكمل الحلقة القادمة بإذن الله في إعمال صفة الرقيب خصوصا أني عندي إشكالية أخرى في هذه الصفة لأن ستجد بعض الآراء تقول الآتي : أنتم تقولون أن صفة الرقيب هي المحرك الذي يجعل الإنسان عندما يفعل الصفة يشعر طول الوقت أنه مراقب وبالتالي لن يفعل المعصية ، بعض الناس تقول لماذا لا نُفعل مسألة الحب فالعلاقة بيني وبين المولى عز وجل ليست مجرد خوف فقط بل خوف وحب فأنا لا أحب أن يراني الحبيب على شكل لا يحبه . د هداية: لن أناقش الذي يريد أن يفعل هذا يفعله فهذا الكلام أقرب إلى الإنشاء منه إلى العمل لكني موافق المقدم: هناك ناس قلوبهم مؤمنة بحق وكل خوفها أن يغضب عليها المولى عز وجل د هداية: إن فعلها هكذا فبها ونعمة لكن المشكلة أن لو كان هذا هو المدخل إذن لن يكون هناك إعمال لصفة الرقيب فسيقع المقدم: كيف نحل الإشكالية بين الرقابة والحب؟! في الحلقة القادمة إن شاء المولى عز وجل ونراكم على خير سلام الله عليكم ورحمته وبركاته بُثّت الحلقة بتاريخ 26/1/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 126 شرح آية (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم ، الاحبه الكرام ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. من المهم أن نرتب سويا حتى تتضح الصورة في النهاية وبهذا نصل للعقيدة السليمة التي نبحث عنها في عالمنا المعاصر اليوم. تكلمنا خلال الحلقات السابقة عن قيم كثيرة جدا وتوقفنا عند علاقة الصبر والصدق بالإبتعاد عن المعاصي لأننا في الأساس نتكلم من خلال مشوار طويل اسمه التوبة والإستغفار . فكيف لا أقع في المعاصي ؟! وكيف أكون في معية الله سبحانه وتعالى؟! كل هذا يحتاج آليات وأدوات وفي كل حلقة نتعلم سلاح جديد واليوم سنتكلم عن ملمح جديد يعطينا سلاحاً نستخدمه ضد الشيطان، وسنجيب إن شاء المولى عز وجل عن الأسئلة التي وصلتنا . كنا قد توقفنا عند سورة المائدة وبالتحديد عند كلام عيسى عليه السلام (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) عندي ملحوظة وفضيلتكم تعقب عليها ؛ عندما تطرقنا للحديث في طريق الهداية عن الديانات أو العقائد الأخرى بعض الناس قالت أن هذا يعتبر ذماً في عقائد الآخرين لدرجة أن بعض الناس في الصحف طالبتنا بعدم التحدث في مثل هذه الأمور لكي لا تحدث فتنة طائفية ، وقالوا ما دخلنا نحن في موضوع خلق عيسى؟ أو الجدل حول ظهور السيدة العذراء مريم؟! فهل يملك أحد أيا كان أن يمنع انساناً مسلماً أن يتدبر ويتدارس كتابه - القرآن الكريم - كلام الله المنزل؟! وهل يملك أحد أن يقول لنا عندما تصادفكم آية فيها ذكر عيسى أو نقد من المولى عز وجل وليس منا نحن لفكرة التثليث أو فكرة عبادة السيد المسيح أن يقول لنا لا تقولوا هذه الآيات؟! أو من الأفضل أن تُحذف من المصحف بالكامل؟! د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. اليهود كانوا أثاروا مثل هذه القضايا في أيام الرئيس السادات رحمة الله عليه وكان الرد المنطقي أن آيات القرآن لا نستطيع أن نزيد عليها أو نحذف منها آية ، وأريد أن أقول لك أن الذي كتب هذا الكلام هو لا يدري أنه قرآن لأنه لا يقرأ القرآن فأنا منذ ثلاث سنوات كنت في تحقيق بالنسبة لمسألة إزدراء الأديان فالذي كان يحقق كان إنساناً قارئاً للقرآن وللحديث بارك الله فيه في الإستراحة دخل بعض الناس يتكلموا بنفس الذي تقوله أنت فقلنا آية ورد علينا شخص من الذين لا يقرأون القرآن وقال أن هذه جملة كبيرة على الأخوة النصارى لماذا نقول هذا؟! فقلت له أي جملة؟! هذا قرآن. الشاهد في الكلام أنه لا يدري أنه قرآن . فأنا واثق أن الذي يتكلم بهذا الكلام لا يعلم أن هذا الكلام في قرآننا ونحن تكلمنا أكثر من مرة وقلنا نحن نشرح العقيدة الإسلامية ولا ننتقد أي عقيدة بدليل أنني قلت أكثر من مرة نحن نحترم لهم ما يعتقدون لا نحترم عقيدتهم المقدم: بمعنى أننا لا نؤمن بها . د هداية: وتقابلنا معهم وشرحنا لهم الموضوع وانتهت فكرة إزدراء الأديان لأن الإزدراء يبدأ من أنك تُسخِّف ما يعتقد وأنا لا أقول هذا إنما أقول نحن نحترم لهم ما يعتقدون وأكرر لا أحترم العقيدة لكن أحترم له ما يعتقد المقدم: وهذه حرية العقيدة . لماذا يريدون أن يسلبوا منا هذه الحرية ؟! د هداية: لماذا أنا أحترم له أن يعتقد؟ ليحترم هو لي أن أعتقد، إذن فأنا أقوم بهذا اتباعا لمبدأ المواطنة أو المساواة لأننا في بلد دخله الإسلام فآمن من آمن وكفر من كفر وقلنا سابقا - واتصل بي أحد الأخوة النصارى وشكرني على ذلك - أنا جدي أسلم وجده هو لم يُسلم . د هداية: لكن جدودنا كانوا أخوة . المقدم: الإستقواء بالخارج كلام لا يصح لماذا ؟! لأن هذه البلد بلدنا جميعا ولن يتركها أي منا المقدم: لكني أشعر أن تهمة إزدراء الأديان - وهي تهمة مطاطة - فإذا أردت أن تهاجم أي شخص يريد أن يصحح المفاهيم وتُشهر في وجهه هذه التهمة د هداية: الفاهمين منهم فهموا حدود كلمة إزدراء ، ثم انظر إلى كلامنا عن عيسى عليه السلام وكلامنا عن مريم . وأكرر مؤكدا أن هؤلاء الذين يتحدثون لا يعلمون أن هذا قرآن وكلامهم مردود ، أتعلم متى نقبل كلامهم ؟! عندما نُفاجأ في حلقة من الحلقات بعلاء يفتح إنجيل متَّى ويسألني فيه هذا هو الكلام الذي لا يجوز مثل ما يفعل بعضهم على بعض القنوات ولا نريد أن نقول أسماء حتى لا يزدادوا شهرة فالذي يفتح القرآن ويتكلم منه هذا هو الإزدراء ، إنما نحن لا نتكلم لا في الإنجيل ولا في التوراة وساعة تكلمنا عن القضية التي أثيرت منذ ثلاث سنوات كنا نتكلم من قاموس الكتاب المقدس عندهم فنحن عرضنا الكلمة من رأي الكنيسة فيها؛ إذن نؤكد نحن نحترم ما يعتقدون . المقدم: نريد أن نغلق هذا الموضوع لأن مسألة حرية الإعتقاد مكفولة للجميع ولا خلاف عليها ولا أستطيع أن أحذف آيات عندما نشرح أو نفسر لكي لا يتضايق أحد وأقول للصحفي الذي كتب هذا الكلام كيف تعطي لنفسك حق وتسلبه من الآخرين ؟! فكل الصحف والفضائيات عندما حدثت مسألة الظهور اتفق من اتفق واختلف من اختلف والكل أدلى بدلوه د هداية: نحن ساعة تكلمنا في الظهور أكدنا أننا نخاطب المسلمين الذين ذهبوا للكنيسة ويسألوننا . المقدم: ولا بد أن نجيب عليهم . د هداية: والأخوة النصارى الذين قابلونا في الشارع وسألونا أجبناهم بجملة (الكنيسة ترد عليكم في عقيدتكم) ونحن نتكلم في واقع اعتقاد المسلم في هذا الظهور. فالكنيسة والبابا شنودة يتفضل بالرد والبابا شنودة وضَّح ببيان فبيانه يتفق أو يخالف عقيدتنا لابد أن نوضح نحن أيضا عقيدتنا من أجل المسلمين أهلنا وأولادنا وجيراننا ، لكن هذا ليس إزدراء وليس تعقيباً على كلام البابا . البابا شنودة تكلم من وجهه نظر العقيدة النصرانية وله هذا ، ونحن نتكلم في مسألة الظهور من حيث اعتقادنا ، وأذكرك في تلك الحلقة عندما قلت أن بعض المسلمين قالوا أنهم يستطيعوا أن يأتوا بالليزر ويدعوا ظهور أحد فقلت لك هذا لن يصح لماذا ؟! (راجع/ حلقة التوبة والإستغفار (121) (124) ) لأن الإيمان تحول في عهد محمد (صلى الله عليه وسلم) من الماديات إلى الإيمان بالغيب ، وفي مطلع كتابنا (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) [البقرة:3] وقلنا أنه في الماديات ليس مع العين أين؟ لكن في الغيب لا يوجد عين ، بل يوجد قلب واعتقاد فنحن لم نر الرسول (صلى الله عليه وسلم) ورغم ذلك تقول بملئ فيك في القرآن (رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ) [آل عمران:193] وكلمة مناديا هنا لها ألف معنى منها أنك سمعت الرسول فكيف تكون سمعته ؟! بالعنعنة بالقرآن فهذه أمور في عقيدتنا نحن فنحن نشرح من خلال عقيدتنا المقدم: نحن فقط أردنا أن نقول هذا الكلام ردا على الصحفي الذي أعطى لنفسه الحق لينقد ويسلب الآخرين هذا الحق د هداية: أنت بسؤالك الذي سنجيب عليه اليوم سندافع عن عيسى عليه السلام في مفهوم بعض المسلمين الخاطئ عن معنى كلام عيسى عليه السلام ، وعن فهم بعض المسلمين الخاطئ لمفهوم كلام إبراهيم عليه السلام ولمفهوم كلام محمد (صلى الله عليه وسلم) إذن فنحن نشرح عقيدتنا من القرآن والحديث المقدم: سنقف عند سورة المائدة فيقول المولى عز وجل على لسان عيسى عليه السلام (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وكنا سألنا في الحلقة السابقة عن (العزيز الحكيم) ولماذا ليست الغفور الرحيم ؟! السؤال الآخر المقارنة مع كلام إبراهيم عليه السلام وعندي حديث في صحيح مسلم منسوب للرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو يتكلم عن موقف إبراهيم وموقف عيسى عليهما السلام وجاء الرسول بعد ذلك وقال أمتي أمتي. فهل معنى ذلك أن إبراهيم وعيسى عليهما السلام قصَّرا في حق أممهم ؟! وتبرأوا منهم وأن سيدنا محمد هو الوحيد الذي قال إهتم بأمته أم نحن نفهم الآيات القرآنية بطريقة خاطئة؟ نسمع آيات سورة المائدة معا (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [116- 118] الآية الأخيرة هي محور الحديث والمفترض أن الجريمة التي ارتكبت بنص القرآن هي اتخاذ عيسى وأمه إلهين من دون الله فهذه ليست صغيرة فالواضح للذي يقرأ هذه الآية من أول وهلة أن عيسى عليه السلام يتبرأ منهم وكل من اتخذ عيسى إلهاً يتخلى عنه عيسى عليه السلام. ماذا تعطي كلمة عبادك في الآية ؟! ونجيب بعد الفاصل --------فاصل--------- المقدم: سؤال المولى سبحانه وتعالى لعيسى هل أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؟! وعيسى عليه السلام نفى هذا الكلام وقال إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم هل الصياغة بهذه الطريقة تعطي ملمحاً أن عيسى تبرأ تماما من أتباعه وأنه حتى لم يسأل المولى عز وجل أن يعفو عنهم أو يساعدهم ويطلب المغفرة لهم ، فهل كلام عيسى عليه السلام يقول هذا ؟! د هداية: طبعا أنت سألت السؤال بطريقة أفضل من التي جاءت لنا في الرسائل فالأسئلة تقول ؛ أليس من الأفضل أن يقول الغفور الرحيم بدلا من العزيز الحكيم ؟! من الذي يقول ؟! فنحن نتكلم عن عيسى عليه السلام وعيسى لن يتكلم إلا بوحي فكما شرحنا سابقا أن أي كلام في القرآن حتى وإن كان على لسان الكافرين أو المنافقين ، عندما تكتب تقول قال الله تبارك وتعالى المقدم: هي صياغة قرآنية الفرق بين عبيد وعباد د هداية: بالضبط وبعض المفسرين قالوا هذا الكلام ونقلوا من" طرفة الأصمعي " فكل هذا الكلام لا سند له ، لأن القرآن لا يصح أن أتكلم فيه كلاماً مرسلاً. وانظر إلى السؤال الذي سألته أنت هل كلمة عبادك لابد أن ندقق فيها أم نمر عليها دون تدبر ؟! لا، لا بد أن ندقق ففي هذا اليوم حتى العبيد سيكونوا عباد، كنا وضحناها عندما اشتغلنا عباد الرحمن المقدم: قلنا الفرق بين عبيد وعباد. د هداية: الخلق كلهم عبيد ، الذي أعلن إسلامه مع أي نبي من عهد آدم إلى محمد (صلى الله عليهم وسلم) حوَّل نفسه لعابد ؛ فعباد جمع عابد وعبيد جمع عبد ؛ إذن فكلنا عبيد لكن منا من حوَّل نفسه فأصبح عابداً وعندما نجمعها (وعباد الله) (وعباد الرحمن) عندما يأتي يوم القيامة وخاصة أن الآية التي تلي هذه الآيات (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) بالله عليك عندما تتحدث أنت اليوم عن يوم القيامة ستقول ذلك أم هذا ؟! المقدم: عندما أتحدث عن مستقبل بعيد أقول ذلك د هداية: أنت تقول مستقبل بعيد والفعل جاء بصيغة الماضي (قال) إذن كل كلمة تحتاج وقفة ، فالفعل قال هو ماضي مستقبل مثل (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النحل:1] هنا يقول (قال) بمعنى تأكد أن الله سيقول وبهذا تكون (هذا) أوقع من (ذلك) لأننا نتكلم في قلب اليوم. فحتى وقائع الفاعل تختلف بإختلاف وضعه ، فحتى العبيد الذين كفروا وأشركوا سيعلموا في هذا اليوم أن الله حق فسيكونوا عباد لكن حيث لا ينفع ، بدليل (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) [ق:19] ومتى تبدأ قيامة كل واحد ؟! بموته، كأنه في اللحظة التي انتقل فيها من الدنيا للآخرة عرف الحقيقة، عرف أن الله حق وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الملائكة حق وأن محمد حق وأن عيسى حق وأن موسى حق وأن إبراهيم حق وأن كلام القرآن الذي عرض لكل هذه الأنبياء حق ، ففي هذه اللحظة هل هو عبد أم عابد ؟! هو يتمنى أن يكون عابداً المقدم: لكن لن تنفعه. د هداية: لن تنفعه لكن عندما ساعة قال عيسى عبادك هذا وحي من الله لأنه يقصد الإثنين معا العبيد والعباد فقالها عباد لأن حتى العبيد عرفوا الحق في هذا اليوم ويتمنوا أن يؤمنوا في هذا اليوم لكن لن ينفعهم . الذي حدث بالضبط في هذا اليوم أن حتى العبيد تحولوا لعباد لكن لم ينفعهم هذا لأنهم تأخروا مثلما قال لفرعون (آلآنَ) [يونس:91 ] وأنا قلت أن فرعون لم يسلم بل آمن ارتقى درجة (قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس:90] فرد عليه المولى عز وجل (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) يعني الوقت الذي كان المفروض أن تتوب فيه عصيت ولم تتب وعندما أدركك الغرق تقول ، فهذا لا يصح . نعود للآية (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) إذن الشاهد في الآية أن الذي على حق عرف أنه على حق والذي على باطل عرف أنه على باطل لأن الحق جاء بالحق فعبادك تناسب الوضع الراهن يوم القيامة المقدم: لكن المسألة أن الصياغة من أول وهلة تبين أن عيسى عليه السلام تخلى عن أمته ؟ د هداية: أريدك أن تقولها بالصياغة التي سمعناها أن عيسى عليه السلام باع الناس ، لا عيسى لم يبع الناس بل هو يقر حقيقة . انتبه أن السؤال بدأ موجه إلى خطأ عيسى فالصياغة الإلهية تبدأ (أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ) يبدو من الوهلة الأولى أن عيسى عليه السلام هو المخطئ . المقدم: على أساس أنه بلغ وقال . د هداية: أن يكون قال أنا إله وأمي إله وقلنا أن هذا الكلام في القرآن من واقع حالنا وتناسب فكرة أنك عندما تسأل أحدا من الذي قال لك هذا؟ يقول فلان ليخرج نفسه من المأزق ، لكن كانت إجابة عيسى بصياغة قرآنية أيضا في منتهى الإبداع قال (إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) إذن السؤال من الله تبارك وتعالى يبين أن مريم ليست بنبي ولا رسول لأنه لم يحتمل أنها تكون قالت فالمحتمل أن يقول هو الرسول المكلف بالإبلاغ ؛إذن السؤال لم يوجه لمريم لأنها ليست مكلفة بالإبلاغ وهذا يحسم الخلاف الذي دار بين بعض المفسرين هل هي نبي أم رسول وإنما قال القرآن (وأمه صدِّيقة) وسأوضحها عندما نتكلم عن الصدق. إجابة عيسى تبين أنه نبي وأنه لم يقل ولا يصح أن يقول شيئاً لم يكلفه الله به لأنه عبد ورسول ، فوضحت إجابة عيسى اليوم أن الذي اتخذ عيسى أو مريم إلهاً يعتبر كفر أو أشرك بالإله الحق . عيسى كنبي يعلم ويقر حقيقة - وليس تخلى أو باع مثلما يقولون - بأن الذي أشرك لا بد أن يُعذب لأنه كنبي يعلم (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) [النساء:48- 116] ونقول لمن يفسر هذا الكلام على هواه هل عيسى عليه السلام لا يفهم هذه القاعدة؟! سؤالك في عمق كلمة عبادك، ما معنى (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ) ؟! هذا إقرار بما قضى الله به وهذا نوع من الإسلام . مثلا تجد شخص يسأل هل نحن مُخيَّرين أم مَسيَّرين ؟! والإجابة المنطقية قلنا أنت مُسيَّر في أمور ومُخيَّر في أمور ، فيرد ويقول : كنت أتمنى أن أعيش في عصر الرسول فأنت هنا تختار في التسيير فلا تفرض على المولى عز وجل أن تعيش في عصر الرسول (صلى الله عليه وسلم) فأنت لا يجوز لك ولا يحل لك أن تختار فيما أنت مُسيَّر فيه. فعيسى يتكلم في مسألة إقرار وإحقاق الحق ، (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ) فأنت سبحانك الذي خلقتهم وساعة خلقتهم أرسلت لهم المناهج والرسل ، إذن صدق الله إذ يقول (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء:15] فإذا أرسلنا رسولاً وقلنا في كل أمة أن الله لا يغفر أن يشرك به إذن عندما يقول عيسى هذا الكلام هو لا يتبرأ من أمته لأن الذي أشرك به وجعله إلهاً هو ليس من أمته فالذي من أمته الذي قال أشهد أن لا إلا الله وأن عيسى رسول الله واتبع قول عيسى ساعة أعلن نبوءته ورسالته (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف:6] يعني هذا الكلام على لسان عيسى معناه أن يتبعوا أحمد اتباعا لرسالة عيسى المقدم: ورسالة موسى . د هداية: بالضبط وقلنا أن الرجل المسلم على رسالة محمد (صلى الله عليه وسلم) (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ) [البقرة:285] فإن لم نوقر عيسى وموسى عليهم السلام ما وقَّرنا محمدا (صلى الله عليه وسلم) وما وقَّرنا الله تبارك وتعالى الذي أرسل كل هذه المناهج . فالمسألة أن عيسى لم يتبرأ بل هو يعلن حقيقة قرآنية إنجيلية توراتية ، رسالات متعددة إلى أن نصل إلى آدم عليه السلام وإلى أن نأتي إلى محمد (صلى الله عليه وسلم) لا توجد رسالة تخالف رسالة ؛ لذلك (وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ) وعند كتبه قلنا الإنجيل والتوراة المنزلان من المولى عز وجل ونحن لم نرى الإنجيل لكن إيماننا به الآن أصبح إيماناً بالغيب لست في حاجة أن أراه فالقرآن تكلم عنه وهو الكتاب المهيمن على كل الكتب. فهذا الكلام ليس تبرؤ من أمته وإنما عيسى عليه السلام تبرأ من المشرك ومن الكافر الذي عصاه وعصى الله تبارك وتعالى ، ومع ذلك قال (وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ) وضع احتمال لماذا ؟! لأن وإن تغفر لهم هنا بلازم المعنى لأننا نفهم جيدا (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ) لكن شاءت إرادة الله أنه لا يغفر للمشرك وشاءت الإرادة أن جورج أو كوهين يدخلوا الجنة ، فكيف تتم المغفرة هنا ؟! المقدم: بأن يهديه المولى عز وجل في الدنيا . د هداية: فتح الله عليك (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [التوبة:118] تاب الأولى توجيه ، بأن يشرح قلبه للإسلام - وليس إسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) فقط - لأن لو أن كوهين مات على عهد موسى إذن ففي عقيدته- من ضمن إيمانه بموسى عليه السلام - لو أدرك أى نبي أو رسول أن يؤمن به . المقدم: وهذا توصيفه (عَلِمَ ما كان وما يكون وما سيكون وما لا يكون لو كان كيف كان يكون؟) د هداية: بالضبط لذلك قال (وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ) فعيسى هنا لا يتكلم عن المغفرة الواقعة بل عن المغفرة المفترضة التي يسبقها إيمانه وإسلامه واستغفاره فيغفر الله له المقدم: نكمل بعد الفاصل. --------فاصل--------- معنى العزيز الحكيم المقدم: لماذا قال العزيز الحكيم ولم يقل الغفور الرحيم على أساس أن المغفرة والرحمة تناسب مسألة الإحتمال الذي افترضه عيسى عليه السلام بأن يغفر الله لهم ؟! د هداية: الذي افترض هذا الافتراض وللأسف أن بعض المفسرين تحدثوا فيها لأن المفسر لا يصح أن يفترض هذا الإفتراض لأن الذي يقبل على تفسير القرآن على الأقل يفهم أن هذا قرآن وأنه كلام الله تبارك وتعالى وإن كان على لسان رسول أو نبي ، والقرآن (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ) [فصلت:42] . وهذا ليس معناه أننا لا نعرف الإجابة سأجيب على السؤال لكن وأنا ممتعض لأنه لا يصح أن نتكلم هكذا في حق القرآن ومع ذلك هذا الذي تمنى أن يقول المولى عز وجل وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم ، أقول له أن في القرآن أيضا العزيز الغفار والعزيز الغفور ، فليس كل العزيز تبعها الحكيم في القرآن لكن أيضا لن تصح ؛ لأنك ساعة تمنيت تكلمت عن نصف الإحتمال لأن هذا في اللغة العربية اسمه اختيار بين أمرين ، فعيسى يتكلم عن احتمالين. والذي سألني عن ابراهيم عليه السلام (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [إبراهيم:36] هنا إبراهيم عليه السلام لم يتكلم في احتمالين بل في احتمال واحد (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) هذا مغفور له (وَمَنْ عَصَانِي) لا بد وأن تكون غفور رحيم أما عيسى يتكلم في احتمالين . المقدم: إما أن تعذب وإما أن تغفر . د هداية: لو قال الغفور الرحيم كان الأول ضاع ، فالعزيز الحكيم تناسب العذاب والمغفرة . المقدم: لأنه عزيز عن قدرة . د هداية: فتح الله عليك ، لأن عيسى تكلم عن احتمالين (إن تعذبهم ، وإن تغفر لهم) لو صغناها صياغة بشرية هي (إن تعذبهم وإن تغفر لهم فإنهم عبادك وإنك أنت العزيز الحكيم) ، لو كان قال الغفور الرحيم لكان ضاع نصف الاحتمال افترض أنه الغفور الرحيم ووجدنا ناس تُعذَّب فكيف يكون غفور ويُعذِّب؟! إنما عندما تجد العزيز يُعذِّب أو يغفر هذا لأنه العزيز. ما معنى العزيز الحكيم ؟! العزيز جاءت من عزَّ تأمل قول الشاعر (وعزَّت السلعة) المقدم: ندُرَت د هداية: فتح الله عليك ، فالعزيز أي الممتنع عن أن أحد يدركه أو يُعدِّل كلامه أو يناقشه التي هي ليس كمثله شيء (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) فالعزيز ساعة يغفر تُقبل وساعة يُعَذِّب تُقبل ، فالعزيز يُعذِّب ويغفر إنما الغفور تغفر فقط . والحكيم تطمئنك . المقدم: أن العذاب أو المغفرة عن حكمة . د هداية: كأن عيسى عليه السلام أقر حقيقة (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) فإن عَذَّب فهذه حكمة وتلكم عزة وإن غفر فمن العزة والحكمة ؛ لكن لو قال الغفور الرحيم وتجده سبحانه يُعَذِّب الذين أشركوا ستقول في نفسك أين المغفرة وأين الرحمة؟! والذي يسأل أن إبراهيم قال غفور رحيم هذا لأن إبراهيم لا يتكلم في عذاب (فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) هذا بالقطع في الجنة (وَمَنْ عَصَانِي) المقدم: لم يقل إما أن تغفر له وإما أن تعذبه . د هداية: لا يصح لأنه يتكلم في نفس مسلك عيسى عليه السلام وعندما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الذي سنشرحه (أمتي أمتي) لم ينتقد عيسى ولا إبراهيم لكنه يقول لهم إن صح التعبير لأن الله تبارك وتعالى جمع الأنبياء في سورة الأنعام ثم قال له (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [90] اشرح كلمة اقتده ؟! بمعنى خذ من كل نبي وقال لنا نحن عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأحزاب:21] نحن الآن قدوتنا محمد (صلى الله عليه وسلم) فقط وعندما سألتني أنا اليوم كمسلم أقلد صيام داوود أم صيام محمد (صلى الله عليه وسلم) قلت لك صيام محمد (صلى الله عليه وسلم) لأننا مأمورون بهذا فنحن قدوتنا محمد ومحمد (صلى الله عليه وسلم) قال له (فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) . المقدم: لماذا ليست اقتدي أو اقتدِ لأنه فعل أمر ؟! د هداية: انتبه فهذه لغة القرآن إذن القرآن نزل يصحح اللغة التي كان العرب متقنين لها كما في اعتقادهم فاقتدِ الأفضل منها اقتده . ولا تقل فيها زيادة، لا، فهذه صياغة قرآنية تصحح لغة العرب (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) [يوسف:2] فهذا هو اللسان العربي المحكم . يعني الرسول يأخذ من موسى ومن عيسى ومن هود، إذن محمد (صلى الله عليه وسلم) ساعة قال أمتي أمتي مثل قول عيسى وإبراهيم فالكل يثبت لله ما قضى في قرآنه أو إنجيله أو توراته، فكلام عيسى ليس لأنه باع فهو يقول (وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ) فهو طلب لهم المغفرة لكنها ليست مغفرة دخول جنة بل مغفرة في الدنيا يسبقها توبة من هذا الذي كفر أو أشرك ثم يهديه الله تبارك وتعالى إلى أن يستغفر؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يغفر إلا إذا استغفر العبد (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) [نوح:10] (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) [طه:82] لا بد أن يقدم الإنسان شيئاً والمولى عز وجل يقبل ؛ لذلك نحن قلنا في التوبة عندما يسأل شخص كيف أتأكد أن المولى عز وجل قبل التوبة ؟! طالما أن المولى عز وجل هداك للتوبة إلى أن قلت تبت إلى الله إذن يقبلها إن شاء الله . المقدم: نسمع معا الحديث : عن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - أن النبي (صلى الله عليه وسلم) تلا قول الله عز وجل في إبراهيم (صلى الله عليه وسلم) (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهٌُ) وقول عيسى عليه السلام (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فرفع يديه وقال : (أمتي أمتي) وبكى ، فقال الله عز وجل : (يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم ، فسله ما يبكيه؟) فأتاه جبريل فأخبره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بما قال وهو أعلم، فقال الله تعالى: (يا جبريل اذهب إلى محمد فقل:إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك) رواه مسلم. د هداية: تأمل قول (تلا قول الله في) أي في إبراهيم وفي عيسى بمعنى أن هذا كلام الله تبارك وتعالى فهذا وحي إلهي وعندما نأتي للصدق سنشرحها لأننا مقصِّرين في فهم هذا الأمر .فالحديث يصحح لهم السؤال الذي يسألوه أن هذا قول الله . عندي سؤال (إنا سنرضيك في أمتك) في النتيجة أم في العمل ؟! المقدم: الإثنين مرتبطين . د هداية: حسنا ، فلا بد أن تأتي النتيجة مطابقة للعمل . معنى إنا سنرضيك في أمتك أي سيهديهم الله للعمل الصالح الذي يوصلهم للجنة ؛ عندما سأل المولى عز وجل الرسول (صلى الله عليه وسلم) (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) أي الذي اتخذ إلهه هواه المقدم: وسار بعيدا عن المنهج . د هداية: هل أنت يا محمد تكون وكيله ؟! هل تشفع له ؟! ولم يجب القرآن المقدم: هو الذي تبرأ من المنهج د هداية: والسؤال الذي سألوه في عيسى هو عين الصواب أن يتبرأ من الذي أشرك وأن يلتمس له المغفرة بمعنى الهداية والتوبة حال دنياه ليس أن يطلب له الجنة وهو مشرك وعيسى عليه السلام يعلم القاعدة الإلهية (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ) المقدم: وإلا كان الميزان ليس عادلا. يارب اكتب لنا الجنة ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 16/2/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 127 شرح معنى العبودية لله عز وجل المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم ، الاحبه الكرام ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية. أولادنا يسألون عن مسألة العبودية في ديننا هل تعطي نوع من الإهانة ؟! فهناك عقائد أخرى تقول نحن أبناء الله ونحن أحباء الله وأنه لن يعذبنا فبهذا يكون هناك نوع من التكريم أما العبودية ففيها نوع من الإهانة . ولماذا عندنا المولى في الإسلام جبار ومتكبر وهناك محرمات بينما في العقائد الأخرى الحب هو الطاغي ؟! وسنحاول تصحيح هذا الفكر، أولا مسألة الحب ففطرة المولى عز وجل التي فطر الناس عليها أن يكون هناك حب والصحابة رضوان الله عليهم أدركوا هذا عندما قالوا للرسول (صلى الله عليه وسلم) إنا نحب ربنا ، فهموا أن المسألة ليست مجرد تكليف وإفعل ولا تفعل ، وأدركوا أن المولى عز وجل أخرجهم من ظلمات الجهل إلى طريق النور الذي يؤدي للجنة . من الذي قصَّر في توصيل هذه الصورة السمحة للعلاقة بين الخلق ومخلوقاته ونحن الآن في القرن الـ21 ميلادي والقرن الـ15 هجري وطيلة هذه القرون الإسلام يُشرح على المنابر؟! فمن الذي قصَّر ؟! د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد ، القرآن أوضح من الشمس في كبد السماء لكن لا بد من تدبر وتذكر قول المولى تبارك وتعالى (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ) [النساء:82] [محمد:24] لم يقل أفلا يقرأون القرآن أو يتلون القرآن فالقضية في القرآن أن يُتدبر والذي سيحاول أن يتدبر سيفهم جيدا أن كل كلمة في القرآن سيكون لها لازم معنى هنا أو مراد هنا في هذه الآية أو الجزئية ومن ثم سنأخذ مسألة الحب من أسهل وأعمق آية (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) [آل عمران:31] أنت عندما عرضت قلت أن الصحابة أدركت أنه طالما أن الله تبارك وتعالى شاءت إرادته أن يرسل النبي تلو النبي والرسول تلو الرسول - كلمة تلو هنا في مدد متزامنة متعاقبة بمعنى أنه إذا كان المدة بين النبي والنبي 2000 سنة فالتالي يكون 4000 أو 5000 وهكذا فكل على مراد الله تبارك وتعالى ولكل حكمة. فالمسافة التي بين محمد (صلى الله عليه وسلم) والذي قبله عيسى عليه السلام أو موسى عليه السلام أو ابراهيم لو شخص تدبر يمكن أن يقول أن المسألة كانت تنتهي برسالة واحدة لكن هذا لا يؤكد معنى الحب أو الرحمة ، فهذا الإله الحق أرسل لكل أمة ما يناسبها من نبي وكتاب ورسالة ومنهج ولذلك قال عندنا نحن (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ) كلمة في الأميين هذه فيها وقفة ، فكيف نكون أميين ونحن الآن فينا علماء ؟! لأننا لم نفهم معنى الأمية وهذا هو التقصير الذي تتحدث عنه فما نسمعه على المنابر في وصف الرسول (صلى الله عليه وسلم) إن صح تعبيري أسوأ من الذي أساء للرسول (صلى الله عليه وسلم) ونطبق هذا بمثال من القرآن ساعة تسمع أنت (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) المقدم: انتهت المسألة. د هداية: لم يعد هناك يُتْم ، فهل الذي آواه الله يكون يتيما؟! الذي آواه هو الله تبارك وتعالى يربيه جده أو عمه كل هذه أسباب، (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى) هل تستطيع أن تقول أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ضال ؟! لا، لأن الهداية على عجل (فهدى)، وكلمة ضال هنا بمعنى ضلال الحيرة وليس ضلال العصيان والكفر، فالذي يعبد الأصنام هذا ضال. المقدم: لكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يسجد لصنم قط ولم يشرب خمرا . د هداية: لا يمكن، فهذا كان سبب حيرته كيف يصنع هو صنم ويسجد له؟! قلنا زمان ساعة جاء الوحي إلى رسول الله كيف وجده ؟! المقدم: وجده يتحنث. د هداية: بالضبط وعندما قلت لي يتعبد وكنا نتعلمها هكذا وأنت بهذا تؤكد كلام الكفر أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ألَّف الرسالة وإلا بماذا كان يتعبد؟! فهو كان يبحث ويتحنث ويسأل ويتأمل ويتدبر لكنه لم يتعبد إلا بعد أن جاءت الرسالة التي تصنع علاقة العبودية. المقدم: عندي ملمح أريد أسأل فيه لماذا لا نقول أن الذي كان يفعله الرسول هذا نوع من العبودية لله أنه لم يرى الحقيقة بعد ولا زال يبحث عنها فعملية البحث عن حقيقة الخالق هي في نفس الوقت تعتبر نوع من العبادة للخالق وإن كانت لم تمتزج بمنهج بعد. د هداية: لا أستطيع أن أقول عنها عبودية لكن فكرتك طيبة لكنها لا تصلح في هذه العلاقة لأن العبودية من أي عبد لله لا بد وأن تأتي من خلال منهج يرسله المعبود . المقدم: ليس على هوى العابد. د هداية: لا تأتي مني أنا وإن كان محمد (صلى الله عليه وسلم) وإلا فهذا يؤكد ما قالوه أنه ألَّف المنهج . المقدم: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران:128] د هداية: بالضبط لكن أنت تريد أن تقول أنه عندما يذهب للغار ويظل وحده هو يريد أن يكون ذهنه خالصاً من أي تأثير عساه أن يصل . المقدم: ووصل. د هداية: بماذا وصل؟! بالمنهج. بأن تأتي له رسالة تحدد هذه العلاقة. قلنا زمان أن العبودية علاقة بين المعبود والعابد لا بد أن تمضي على مراد المعبود لا على هوى العابد، لماذا ؟! لأنها لو كانت على هوى العابد هذا الذي نهينا عنه في محكم التنزيل . المقدم: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية:23] د هداية: بالضبط وأيضا (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) [الفرقان:43] ، ويوجد أكثر دقة في هذا المعنى (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) [الروم:29] الذين ظلموا ولم يقل ظلموا من؟ إذن أخص ظلم هنا هو أنهم ظلموا أنفسهم، متى؟! عندما رسموا هم حدود العلاقة وهذا لا يصح . وبهذا أرد عليك في مسألة الحب ، عندما أكون متحيراً في البحث عن الإله الحق وأجد أن الإله الحق هداني ماذا أقول أنا ؟! أنه يحبني لأن عندما يطول الوقت عليك في حل مسألة أو قضية فهل تحزن لأن القضية لم تُحل أم لأن هذا معناه أن المولى عز وجل غير راضِ عني فلن يهدني للحل؟! فعدم الحل هذا لفت نظره إلى أنه لو أن المولى عز وجل راضِ عنه لهداه ووفقه. المقدم: أنني لم أُوفق فمن الجائز أن أكون أنا المخطئ فلا يمكن أن يكون المولى مُقصِّر حاشاه. د هداية: بالضبط لا بد أن أكون أنا المخطئ ولهذا جاءت كلمة أميين. عالم في التفسير أو عالم في الحديث يعتبر أميّ بالنسبة للنص فالآية ليست خاطئة (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ) وقلنا أن القرآن يصلح لكل زمان ومكان ونحن الآن عندنا علماء فمثلا ابن كثير أو الرازي أو الطبري هل هؤلاء أميين؟! نعم بالنسبة للنص هم علماء لكن بالنسبة للنص أمي بمعنى لا يقولوا الغفور الرحيم بدلا من العزيز الحكيم ، ولذلك أريد أن أقول كلمة وأرجو ألا تُفهم بطريقة خاطئة أنا أحكم على المفسر من خلال مثل هذا الموقف بمعنى أن المفسر الذي لم يناقش هذه القضية بل تكلم في النص القرآني واعتبر أن العزيز الحكيم هي أنسب ما يُشرح وغض الطرف عن الذين قالوا هذا الكلام، كم أحترم هذا المفسر لماذا ؟! لأنه لم ينفعل بكلام من لا يفهم ويفرض كلامهم على كتابه . المقدم: أحيانا بعض الناس تأخذ على بعض المفسرين كلام جاؤوا به وذكروا أنه مذكور في كتب أخرى وهو جاء به لمجرد تفنيده وبيان الخطأ فيه. د هداية: بالضبط مثلا يقولوا عند الرازي وممكن عند الرازي أن يعرض 12 رأياً وأحيانا أخرى يسكت، فنجد شخصاً له هدف في رأي معين ويقول أن الرازي قال هذا والرازي لم يقله بل هو سرد الآراء . فلو أنا فهمت وعلاء يقول لي أنت عبد أقول له وشرف لي أن أكون عبدا لله تبارك وتعالى وانظر للصلاة هل هي سرية مثل الصيام ؟! المقدم: لا هي علنية جماعية أمام الناس . د هداية: تجد الوزير ساجد إلى جانب سائقه، وانظر للحج وافهم الحكم وليس حكمة واحدة تجد الكل ماذا ؟! المقدم: أبيض . د هداية: بالضبط لا تستطيع التفريق بين غني وفقير فانتبه للحكمة من أن تكون الصلاة جماعة وأن الحج جماعة وظاهر وواضح والكل سواسية ففي العبودية لا فرق بين عبد وعبد . المقدم: إلا بالتقوى . د هداية: وهنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) يحسم المسألة (لا فضل لعربي على أعجمي) ولم يقل العكس (إلا بالتقوى) لا تقول أنا عربي فأفهم القرآن جيدا، لا، فهذه مسؤولية أكبر فماذا فعلت أنت ؟! المقدم: أحيانا في الحج نجد شخصاً يبدو عليه أنه أوروبي تجده خاشعاً وباكياً وملتزماً ولا تجده يشرب سجائر أو شيشة في الحج مثل بعض إخواننا!. د هداية: هذه الأفعال تبين أن درجة العبودية عند هؤلاء غير منضبطة إذن القضية التي تثيرها هل من الأفضل أن أكون ابناً لله أو أحباء الله أم عبد لله ؟! وعندك في بعض المجتمعات المتدنية في العلم - وأحيانا يكونون على قدر كبير من التعليم - من يقول أنا عبد المأمور، لا، أنت عبد لله فقط . المقدم: هل ذات العبودية لله تحمل في طياتها معنى الحب ؟! ونجيب بعد الفاصل --------فاصل--------- المقدم: أنا عبد لله وعابد لله هل هذا معناه الخضوع والذل والإنكسار فقط أم يحمل أيضا معنى الحب ؟! د هداية: إن هداني الله تبارك وتعالى لعبادته على الوجه الذي يرضيه عني فهذا حب من الله تبارك وتعالى. أنا شخصيا لو تدبرت الأمر أفهم الآية وانتبه هم أعلنوا حبهم لله تبارك وتعالى وكيف جاء الرد من الله صغ أنت الآية . المقدم: القضية أن المولى عز وجل هو الذي يحبك . د هداية: بالضبط وإذا كنت أنت تحبه فاتبع هذا الرجل يعني محمداً (صلى الله عليه وسلم) . المقدم: عبِّر عن حبك بالمنهج. د هداية: بالضبط معنى اتبع هذا الرجل أى الذي جاء به وهو ليس من عنده في سورة النجم (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) [1-3] المقدم: إذا وقفنا عند ينطق معناها ليس في الوحي (القرآن الكريم) فقط بل أيضا في كلامه العادي وتعاملاته معكم ليس له هوى ولا غرض شخصي يسعى لتحقيقه . د هداية: لماذا هذا ؟! لأنه ما ضل وما غوى بمعنى أنه لا يفعلها شهرة، ولا بترتيب، ولا صدفة بعض الناس اشتهروا بالصدفة هنا إما أنه ينزل بالتواضع لله تبارك وتعالى وإما يصاب بجنون الشهرة. ففي البداية هو ينفي عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كل هذا (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) وكلمة صاحبكم تنبه الناس ، ماذا كنتم تقولوا عليه أنتم قبل البعثة ؟! المقدم: الصادق الأمين . د هداية: وبعد ما كفروا به أين كنتم تضعوا أماناتكم ؟! عنده (صلى الله عليه وسلم) ، فكلمة صاحبكم تصلح قبل البعثة وبعدها، وقلنا زمان أن الرجل الكافر لا يأتمن أبا جهل ويأتمن محمد (صلى الله عليه وسلم) إذن فهو صاحبك لكنه لن يضحك على نفسه أو يضيع نفسه ويضع ماله عند أبي جهل مثلا ، لكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو الصادق الأمين الذي لا يشرب الخمر فأنا كفاني فخرا وعزا أن أنتمي لأمة قال أحد الكفار فيها إن أصحاب محمد لا يكذبون ، فهذه جملة ساعة يتذكرها المسلم الحق يسجد لله شاكرا. هذه جملة قالها كافر الرجل الذي كان يضرب بالسهام وعاهد المسلمين أن يمشي هو من طريق وهم من آخر فالكفار يعترضوا لأن المسلمين سيكونوا أعلى منهم فيرد عليهم قائدهم إن أصحاب محمد لا يكذبون فما بالك بمحمد، وإذا امتد هذا القول إلى عصرنا هذا سنزداد عزا. المقدم: المفترض أن اتباع محمد لا يكذبون. د هداية: لماذا ؟! لأن عندهم منهج فالرجل قال هذه الكلمة بخبرته بصحابة رسول الله . تدبر لو نتذكر هذه الجملة الآن ولو يتذكرها الرجل قبل أن يكذب وسنتكلم عن الصدق. عندما قال المولى عز وجل (إذ قال الله ياعيسى) بما في هذه الآيات من ضخامة معاني ، وعيسى ينطق بالحق والصدق فيقول الله تبارك وتعالى (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) هنا يتكلم عن عيسى عليه السلام وعن أم عيسى في قضية في منتهى الخطورة من كفر وشرك فلماذا لم يقل الحق تبارك وتعالى هذا يوم ينفع عيسى صدقه . المقدم: على أساس أن الذي يقرأ من الممكن أن يفهم أن المولى عز وجل يسأل عيسى عليه السلام هل أنت قلت أم لا فيقول لا لم أقل فيكون صادق ويكون عيسى نفعه صدقه. د هداية: عيسى عليه السلام نفعه صدقه في يوم (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89] بقلب سليم أي الصادق. المقدم: الصادق مع نفسه لا يغش أحد ولا يغش نفسه. د هداية: يكون سليم القلب لو تدبرتها تجد أن الذي يكذب مريض القلب . المقدم: أريد أن أسأل الناس هل استشعرت مرة حلاوة القرب فالذي سيتذوقها لن يتركها والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول أن المعصية التي ستتركها لوجه الله ويكون فيها شهوة كبيرة بالنسبة لك وتتركها لله تجد في نفسك حلاوة إيمان كبيرة . د هداية: تأكيدا لما تقوله تدبر معي عندما قال (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) أكمل أنت بتدبر لكل كلمة. المقدم: آخر المائدة (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة:119] د هداية: عندما نقول ذلك الفوز العظيم إذن هناك فوز ليس بعظيم وهذا مقلوب الذي قلته ، أنه يأخذ الشهوة في الدنيا فاز فالرجل عندما يرتكب المعصية يشعر بشهوة بالغة، قال هذا فوز وهذا يبين عدالة الإله الحق سبحانه وتعالى لم يقل أن هذا ليس فوزا بل قال إنه فوز لكن ليس بعظيم . المقدم: لأنه سيتلوه عذاب. د هداية: ما توصيفه إذن ؟! فوز سطحي لأن عظيم معناها عميق وأثره ممتد بلا نهاية (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) فهؤلاء الناس فكروا بسطحية لدرجة أنهم اختاروا شهوة مؤقتة وفوز سطحي زائل . المقدم: نجد الناس العلمانيين والملحدين والثقافات الغربية التي لا تعترف بالإسلام وتحاول أن تطعن فيه عندما يقرأون بعض التراجم والآراء لبعض المسلمين عن وصف الجنة وأنه سيكون فيها أصناف الطعام وفيها حور عين فهذا يجعلهم يهزأوا بالمسلمين ويقولوا أن المسلم والعربي همه في شهوة الطعام والجنس، ولهذا يعدهم ربهم بهما وهذه هي الجنة. د هداية: قل لهم انظر للمسلم ولغير المسلم بالنسبة لحدود الله تبارك وتعالى فإذا كان الأمر منتهاه ما يقولون لكان هذا في الدنيا وهذه الشهوات لا حدود عليها ، لكن انظر لكل الحدود سواء السرقة ، أو الزنا، أو القتل فكل هذا محدد وليس من قبيل الصدفة أن يقول المولى عز وجل (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ) مرة يقول ( فَلاَ تَعْتَدُوهَا) ومرة (فَلاَ تَقْرَبُوهَا) أين الإله الذي تتكلم عنه وأين المسلم الذي تتكلم عنه؟! فهم في الغرب يطلقون هذه الشهوات دون رقابة . المقدم: وهم يعتبرون أنه طالما المجتمع ارتضى هذا فهو طبيعي ونحن المختلفين عن الطبيعة . د هداية: ومن المستشرقين من يقول أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أُمر بهذا (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ) [الأعراف: 199] أنت لا تفهم المعنى. فعندما تسمع من يقول أن الإسلام يعدد الأزواج والله الذي لا إله غيره الإسلام حدد ولم يعدد لأن قبل الإسلام واستقرار أمور الزواج كان الرجل يتزوج 10 أو 20 أو 100 فعندما يقول مثنى وثلاث ورباع فهو يحدد وليس معنى أنه قال رباع أن تتزوج 4 أو 3 لا ، كل شئ في القرآن محسوب بدقة العزيز الحكيم . المقدم: وحتى هذا التعدد مباح بشروط وأشراط صعبة . د هداية: فهذه النعرة التي يقولونها لا تنطبق على أناس حرم الله عليهم أمورا كثيرة وقلنا زمان مثال على تحريم الخمر أن هناك مسلم امتنع منذ أن نزلت (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) [النحل:67] فَهِم أنه طالما قال سكرا ورزقا حسنا إذن سكرا هذه ليست حسنا لأنه فاهم اللغة العربية وامتنع قبل التحريم القطعي ، وهذا هو الإسلام الذي يحدد ويحد بحدود فهذه قضية - مسألة الحب والصدق - تأخذ منها كل ما يخطر ببالك من منهجية هذا الدين أن العبودية فيه بمنهج المعبود . المقدم: وستوصلك للحب . د هداية: طبعا ورحم الله من قال أن للطاعة حلاوة لا يعرفها إلا المطيع لا تستطيع أن تشرحها لأحد ، بمعنى أنك ساعة تجد نفسك توسوس لك بمعصية وأنت لم تفعلها بماذا تشعر ؟! أنك نجوت من الوسوسة وتشعر بفخر في نفسك ولو أنك منصف تسجد حامدا لأنك لم تمتنع بذاتك وإنما بفضل الله تبارك وتعالى . المقدم: في نفس الآية في سورة المائدة لماذا لم نقف عند (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) أليس هذا هو منتهى الحب وخاصة أنني عندي حديث أن المولى سبحانه وتعالى يتجلى لعباده بعد دخولهم الجنة ويسألهم تريدون شيئا أزيدكم فالناس ترد يا ربنا ومالنا لا نرضى وقد أخرجتنا من النار وأدخلتنا الجنة فيقول المولى أنه يوجد شئ أعظم من دخولكم الجنة أن أرضى عنكم ولا أسخط عليكم أبدا . هذه رسالة لنا أن الحب والرضا هو أعلى الفضل من الله تبارك وتعالى . د هداية: لكن لابد أن نفهم معنى ورضوا عنه لأن فيها إشكالية عند بعض الناس . المقدم: نجيب بالتفصيل ولكن بعد الفاصل. --------فاصل--------- معنى ضمير الغائب في (رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ) المقدم: كنا وقفنا عند الكلمات الموجودة في الآية في سورة المائدة التي تتكلم عن الرضوان . د هداية: الآيات في سورة المائدة القول فيها ضمني وفي سورة البينة القول مصرح به. الآيات في سورة البينة توضح علام تعود الهاء في (عنه) لأن بعض الأخوة الدعاة يشرحوها رضي الله عنهم ورضوا عن الله وهي لا يمكن تكون هكذا . المقدم: نسمع الآيات (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) [البينة:6-8] هؤلاء الناس كان جزاء إيمانهم دخول الجنة وبالتالي فالمولى عز وجل راض عنهم وهم رضوا عن هذا الجزاء ، لماذا جاءت الصياغة بهذه الطريقة؟. د هداية: في سورة البينة الآيات واضحة ومصرح بها . المقدم: لكن هناك بعض الناس تأخذ جزءاً من الكلام فقط (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . د هداية: قلنا أن هذا لا يصح ولا تقال هكذا أبدا ، أولا الرضا عن الله تبارك وتعالى متضمنه معنى العبودية فكوني أنا أعبد هذا الإله فأنا أرضى به كإله . المقدم: وتطبيقها (رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد (صلى الله عليه وسلم) رسولا) د هداية: بالضبط لكن لا يصح أن يأتي معه ضمير الغائب (عنه) لا تُعلن بهذه الطريقة ، فهنا كلمة جزاؤهم تساوي لهم في المائدة (لهم جنات) فالكلام هنا ضمني لكن في سورة البينة مصرح به (جزاؤهم عند ربهم) طالما أن هذا هو الجزاء (جنات عدن وخالدين فيها) إذن فالمولى عز وجل رضي عنهم وهم رضوا عن الجزاء المقدم: أنت اجتهدت وعملت واليوم تأخذ جزاءك فهل أنت راض عنه راض عن جزاءك د هداية: بالضبط فهنا الرضا لا يكون عن الله فالرضا عن الله تم إعلانه بالعبودية والحمد أنت راض عن الجزاء ، انتبه القضية المثارة عن الجزاء وليست عن كنه الإله ، فالرضا عن كنه حُسِم منذ أن قلت رضيت بالله ربا بدليل أنك عندما تُسأل من ربك تقول الله ربي وهذا هو إعلان الرضا عن هذا الإله . لكن هنا يتكلم في كنه التقبل والتلقي للرسول والمعتدل الواعي الفاهم اتخذ الله ربا والإسلام دينا ومحمد (صلى الله عليه وسلم) رسولا فكان له جزاء، إذن القضية هنا تتكلم في الجزاء ، لذلك في المائدة قال (لهم جنات) لكن هنا قال (جزاؤهم عند ربهم) فعندما يقول ورضوا عنه أي عن الجزاء. وفي سورة المائدة عندما يقول (رضي الله عنهم ورضوا عنه) أي عن ما لهم عند ربهم (جنات تجري من تحتها الأنهار) فرضاهم عن الجزاء وليس عن الله، لا يوجد في الجنة تكليف فالعمل والرضا والرفض هذا في الدنيا أما في الآخرة نتكلم عن الجزاء. ونحن في الجنة سنعبد الله تبارك وتعالى لكن ليس بتكليف ، فأنا في الدنيا رضيت به إلها واتخذته إلها وسرت على منهجه ورسالته وكلام رسوله فجزائي أنا راضٍ عنه وهنا معناها أن الجزاء الذي لم تره بعد ستكون راض عنه . المقدم: هذا الكلام أُصبر به الناس التي تجد في قلبها بعض الحزن بسبب الإستهزاء من الملتزمين دينيا الذين يؤدون صلاتهم ، والتي تلتزم بالزي الشرعي، أو الذي لا يشرب الخمر، والذي لا يذهب للمراقص وما إلى ذلك . د هداية: هذا ينطبق عليه القول أنه لا يستطيع أن يكون مثله أو يفعل مثله فيهزأ منه لكن في الحقيقة لو أنت نظرت بداخله ستجده يغار منه ، لكنه لم يرض بمنهج الله تبارك وتعالى . المقدم: لكن هناك شريحة أخرى تقول بأن المولى يطَّلع على القلوب والدنيا سهلة وبسيطة وأن هذا تطرف . شرح درجات العلم (العلم، الظن، الشك، الوهم) د هداية: عندما قالوا أن هذا حسن ظن قال لهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) (كذبوا لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل) فهل معنى حسن الظن بالله عندما قال المولى عز وجل (أنا عند ظن عبدي بي) ظن هنا بمعنى العلم وليست بمعنى الظن لأن الظن من الكلمات التي إما أن تؤخر أو تُقدم في المعنى لأن الظن وسط بين علم وشك ووهم فإما أن يرقى للعلم أو ينزل للوهم ولم يأت الظن في القرآن إلا بمعنى العلم أو بمعنى الوهم لم يأت بمعنى الظن لأن الظن إدراك الطرف الراجح في القضية لكن عندما قال الرجل (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ) [الحاقة:20] الظن هنا بمعنى العلم بدليل أنه عمِل واتخذ الله إلها لكنه لم يستطع أن يقول في حضرة علام الغيوب (علمت) فقال أقرب نسبة للعلم وهي الظن . القضية التي تُعرض على شخص إما يعلمها ، أو يظنها، أو يشك فيها ، أو يتوهمها. العلم إدراك اليقين وهذا يستحيل على البشر حتى لو كنت تعلم قضية تقول 99% لأن مائة بالمائة ليست لك و99% أو 98% هو الظن وهو إدراك الطرف الراجح - معنى الطرف الراجح أن في أي قضية تكون هناك نسبة علم ونسبة جهل إذا كانت نسبة العلم مائة بالمائة ونسبة الجهل صفر يكون إدراك اليقين وهذه لله فقط أما 51% علم و49% جهل هذا ظن وإذا زاد الجهل 60%جهل و 40% علم فهذا وهم ، وإذا كانت النسبة 50% للعلم والجهل يكون شك - إذن العلم إدراك اليقين والظن إدراك الطرف الراجح والوهم إدراك الطرف المرجوح والشك تساوي الطرفين فعندما قال الرجل إني علمت أني ملاق حسابيه ولأن هذا قرآن ليس فيه خطأ قال (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ) . المقدم: في القرآن أيضا (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ) [فصلت:23] د هداية: هذا بمعنى الوهم لأن إذا كان بمعنى الظن والظن إدراك الطرف الراجح فكان لا بد أن يعبدوه . المقدم: وهذا لم يدرك الطرف الراجح. د هداية: إذن فهو واهم يعني الجهل نسبته أعلى من العلم كونه غير النسبة بأنه لم يأخذ الإله حق ووجد في النهاية أن الإله حق إذن هو كان واهماً. فالظن يأتي في القرآن إما يتقدم إلى الطرف الراقي أو يتدنى للوهم. المقدم: وعندي ختام الآية رقم 8 في سورة البينة يمكن أن تحل إشكاليات كثيرة جدا (ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) . د هداية: هذه تخدم الفكرة التي نحارب من أجلها فهل معناها أنه عمل أم قال ؟! المقدم: عَمِل. د هداية: بالضبط فنحن نحارب من أجل أن نثبت أن المسألة عمل وليست قول فالآية تبين أن هذا كله لمن ؟! للذي خشي ربه واجتهد . المقدم: نناقش الصدق بكل معانيه إن شاء المولى عز وجل في الحلقة القادمة وأيضا نرد عن بعض أسئلتكم وأريد أن أقول لأبنائنا وبناتنا الذي سألوا عن موضوع الحب حسبنا أننا نسأل ربنا ونقول (اللهم ارزقنا حبك وحب من يحبك وحب كل عمل يقربنا إلى حبك) ، ولو تذوقنا حلاوة الطاعة سيدخل القلوب مشاعر لن تخرج أبدا ، نتذوق ونحسن الظن بالله قبل أن نحسن العمل. نراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته بُثّت الحلقة بتاريخ 23/2/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 128 شرح آية (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم ، الاحبه الكرام ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية ، ونحن نتحدث عن الصدق وكيف أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حذَّر وقال (إن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا) ، فالقضية جد خطيرة ومسألة أننا نأخذ حياتنا بجدية أو بمزح. كل الفيصل أننا في النهاية أين سنذهب إما جنة أو نار؟! كنا نسأل في سورة المائدة ووقفنا عند (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [المائدة:119] وعندي آيات أخرى في سورة الزمر وسورة التوبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119] . من هم الصادقون؟ ولماذا نحن معهم ولسنا منهم ؟! كل هذه أسئلة نريد أن نجيب عنها وهي في النهاية تصب في بوتقة كيف أكون صادقاً ؟ وما هو دور الصدق في حياتنا؟ بداية من الصدق مع الله ومع النفس في العقيدة ثم في التطبيقات الحياتية. وعندي سؤال في اختيار القرآن لكلمة (هَذَا يَوْمُ) فأنا كمسلم أعلم أن الصدق دوما ينفع وأنه دوما النجاة من كل الشرور مهما ترتب عليه من عواقب في الدنيا قد لا تكون على هوى العبد، فعندما يقول المولى عز وجل (هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) هل معناها أن الصدق ينفع في هذا اليوم فقط؟! أم هذا يكون التتويج الحقيقي الذي يشعر به الصادقون بقيمة الصدق الذي تحروه سيظهر جليا في هذا اليوم فقط ؟! د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد ،الأخيرة (سيظهر جليا) فالسؤال مهم والصياغة القرآنية تنبئ بأن هناك شيء لا بد أن يُفهَم والآية ليست عادية والصياغة ليست صياغة معهودة. والنقطة التي سألت فيها تحديدا (إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ) [العاديات:11] فهو سبحانه خبير في كل وقت فمن أسمائه (الخبير) . المقدم: ليس في هذا اليوم فقط. د هداية: بالضبط لكن (إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ) كأن الذين كانوا يكفرون بالخبير هم الذين سيقولون ويعترفون بأنه هو الخبير وستظهر المسألة . عندما نقرأ نحن (إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ) لا بد أن نعرف أنه سبحانه الخبير أزلا أبدا ، لكن القرآن لم يقل أزلا أبدا بل قال (يَوْمَئِذ) وهذه النقطة التي تقف أنت عندها، إذن فلها وقع . قال (إِنَّ رَبَّهُم) فتكلم عن أشخاص معينين كأن هؤلاء الأشخاص الذين كذبوا هذه النقطة سيأتون في هذا اليوم ويشهدون بأنه حقاً خبير . السؤال الذي سألته أنت أن الصدق ينفعني في الدنيا وإلا فما قيمته ؟! أنك تنظر للآية التي فيها الصياغة التي قال عنها الكثيرون شاذة - وأنا لا أوافق على هذا- وآخرين قالوا عنها صياغة غريبة - وأنا أيضا لا أوافق على هذا - عندما تجد الصياغة مثلما يقال شواذ القرآن، أو غريب القرآن قل عنها بديع . المقدم: أو من عجيب صنع الله مثلا. د هداية: نعم وهذه - نقطة نؤجلها لنبدأ بها التفسير - عندما يتكلم الرجل مع العامة يبدأ ويقول أن القرآن نزل مُعجزاً . وهذه جملة جميلة ثم يتركها ويشرح ويمجد في بلاغة العرب فينسيك أن القرآن جاء معجزاً لهؤلاء البلغاء. فأنا لا أنكر بلاغة العرب في هذا العصر لكن لا بد أن نشرح أن القرآن جاء يصحح استخدامات العرب الخاطئة لبعض الكلمات . وهذا هو الإعجاز أن يبين لهم أخطاءهم وهم فحول البلاغة واللغة العربية . المقدم: وممكن أن يكون من الإعجاز أن يتحداهم بالقرآن. د هداية: فضلا عن هذا ، فالقرآن صحح لهم استخداماتهم اللغوية فهذا الإعجاز أثبت فشلهم حتى في الصياغة ، إنما هذه الآية فيها شيء مبدع . إقرأ أنت الآية واستخرج منها الفاعل . المقدم: (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) المفترض أن الصدق هو الذي ينفع الصادقين. د هداية: إذن الصدق هو الفاعل ، وهذا هو العجيب فالصدق الذي نتكلم عنه كان مفعولاً به ؛لأن صدق الدنيا أنت الذي أخذته واخترته فكان مفعولاً به . مثال/ اختار علاء الصدق. (علاء) فاعل و (الصدق) مفعول به ، إنما يوم القيامة سيتحول المفعول به إلى فاعل فهنا جاء دوره وهذه كلمة (يَوْمُ) . هذا اليوم ستتغير المفردات كأن هذه مكافأة لن يشعر بها سوى علاء لأنه اختار واجتهد وتعب. المقدم: ومن معاني كلمة (تعب) أنه أحيانا عندما تقول الصدق يحدث لك مشكلة في الدنيا هل ستصبر لتنال جزاء الآخرة أم لا ؟! د هداية: بالضبط، فعمله سيتحول إلى فاعل ولو انتبهت في الآية كلمة (يومُ) وليس (اليومَ) أو (يومَ) كأن بهذه الصياغة يريد أن يلفت نظرنا إلى أنه في الدنيا كان مفعولاً به وأنت الفاعل ، النقطة التي تكلمت فيها أنت في حالة مثلا أنك إذا قلت الصدق ستُسجن - تسمع هنا الفتاوِي وليس الفتاوَى - أن الله غفور رحيم والضرورات تبيح المحظورات ، فهنا يترك الصدق وقال الكذب، وسنتكلم عن الكذب، وسأقول آيات تضع هذا أمام ذاك وكأن هذه الآيات تقول أنك ساعة تترك الصدق في الدنيا سيتركك في الآخرة . فلا بد أن نقف على قراءة الآية (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ) والصادقين مفعول به رغم أنه المفترض أن يكون الإنسان فاعلاً. ونقطة أخرى لماذا قدَّم المفعول به على الفاعل؟ يريد أن ينبهنا إلى أن الذي كان يجب أن يكون فاعل اليوم جاء مقدما ولكن لاحظ أنه مفعول به ، إذن عملك واجتهادك في الدنيا سيكون في النهاية (ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، وقلنا في حلقة من قبل (راجع/ التوبة والإستغفار (127) ) ضع أمامه الفوز الآخر لن يكون عظيماً بل سيكون تافهاً أو سطحياً. هي بالضبط عندما يعرض على علاء موضوع إذا اختار ما يرضي الله تبارك وتعالى ترك لذة أو فوز وقتي وسيتعب من اختياره لذلك سيفوز فوزاً عظيماً ليس في الدنيا ، قلنا أن المؤمن الواعي الصادق الصدوق الصدِّيق علم أن كل نعيم سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار هيِّن . المقدم: وتطبيق هذا ما قاله يوسف عليه السلام (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) [يوسف:33] د هداية: بالضبط ، ما معنى (أَحَبُّ إِلَيَّ) ؟! يعني عرض عليه أمرين الظاهر أن اللذة في الوقتي لكن اسمع للتي تليها (مِمَّا يَدْعُونَنِي) وليس مما تدعونني لأننا قلنا أن بقية النساء أيضا أصبحوا مثل امرأة العزيز فبدلا من أن كانت إمرأة واحدة أصبحوا أكثر من إمرأة إذن الشهوة هنا أعمق لكنه واعي . المقدم: (قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) المفترض أن السياق يسير كأنه حديث بين سيدنا عيسى عليه السلام وبين الله عز وجل في الآيات السابقة (وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، قال فعل ماض والمفترض أنه يتكلم على شيء حدث وانتهى لكن المولى عز وجل عندما يتكلم عن يوم القيامة الذي لم يأت بعد قال (هذا) رغم أنه بعيد لماذا ؟! د هداية: لكي تناسب الماضي الذي اختاره في الآيات السابقة . لا يمكن أن يقول (ذلك) إلا إذا كان الفعل في الآيات السابقة (يقول). عندنا في اللغة العربية الأزمنة غير اللغات الأنجلوساكسونية واللاتينية، التي منها الإنجليزية والفرنسية، فهم عندهم الأزمنة ماضي ومضارع وأمر، نحن العرب عندنا ثلاثة أزمنة أيضا لكن يشتغل فيهم فعلين الماضي للماضي والمضارع يشتغل حال واستقبال . لو انتبهت للصياغة في الآية هل هذا اليوم حدث أم لا ؟! منطقا لم يحدث لكن عندما يتكلم عن يوم القيامة اختار الله تبارك وتعالى لهذه الآية ولآيات كثيرة في القرآن الفعل الماضي الذي يحقق الزمن الماضي مثل (أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [النحل:1] (أتى) فعل ماض و(لا تستعجلوه) يعنى لم يأت بعد، فهذه الآية كقاعدة معناها أن ما حكم الله تبارك وتعالى أنه سيحدث - إذا كنت أنت أسلمت في أي زمان من عهد آدم إلى محمد (صلى الله عليهم وسلم) - لا بد أن تصدق أنه كأنه حدث، لأن القائل هو الله، فعندما يقول قال والضمير عائد على الله إذن فهو كلام محقق. فلو قال (ذلك يوم) معناها أنه لم يحدث وهو يريدك أن تعتقد أنه واقع لدرجة أنه حدث ، فالمولى عز وجل أراد أن يرسي القاعدة وهذه الآية من الآيات التي أراد الله تعالى بها أن يعلمنا في عقيدتنا أنها لم تحدث لكن كأنها حدثت ، فكلمة (هذا) تناسب الزمن الماضي في (قال الله) . المقدم: وهو أمر واقع لا محالة. نأخذ فاصل ثم نجيب عن أسئلة جاءت لنا في كلمة (العزيز الحكيم) في الآية. --------فاصل--------- المقدم: السؤال المطروح عيسى عليه السلام في حواره ورده على المولى عز وجل (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) في حق الناس الذين أشركوا بالله عز وجل ، وقد قال الله في كتابه (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) [النساء:48- 116] فلو كان عيسى عليه السلام يريد أن يغفر الله لهم كان قال (إنك أنت الغفور الرحيم) فبعض الناس قال أن هذه دلالة أن عيسى عليه السلام يتبرأ من الناس الذين أشركوا وبدلوا صحيح الدين لذلك فعذابهم أولى لأن الله لا يغفر أن يشرك به، فهل هذا هو معنى الآية ؟! د هداية: بالطبع لا، لأننا شرحناها وقلناها بالتفصيل في حلقة سابقة (راجع/ التوبة والإستغفار (127)) وقلت تحديدا أن المفسر الواعي لا يقول (كان من المفروض أن تكون كذا) لأن الكلام ليس كلام عيسى القائل الله تبارك وتعالى على لسان عيسى، فلا يمكن القرآن يكون به صياغة خاطئة ، ووضحنا بمثال أننا عندما نتحدث عن قول إمرأة العزيز لا نقول قالت إمرأة العزيز بل نقول: قال الله تعالى فإن كان الكلام على لسان أي من البشر نقول قبلها قال الله تعالى لأن هذه صياغة قرآنية، فلا يمكن أن نقول كان المفروض ، أو الأفضل أن يقال كذا ، فهذا كلام لا يصح . قلنا أن هذه الآية يضع فيها عيسى الإختيار بين أمرين لله تبارك وتعالى؛ ولأن عيسى نبي ويعلم أن الله تبارك وتعالى لا يغفر أن يشرك به أخَّر طلب المغفرة وقدَّم العذاب وهذا كلام منطقي من نبي واعي فاهم والقرآن أيَّد هذه الفكرة - وهي تقديم العذاب في الأمر الاختياري لعيسى - ساعة قال (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) ومع ذلك قال عيسى وإن تغفر لهم ، فلو قال الغفور الرحيم لما اشتغلت مع العذاب لكن أتى بصفة تشتغل مع العذاب ومع المغفرة فقال (العزيز الحكيم) فالعزيز يعذب ويغفر والحكيم يعذب ويغفر من العزة والحكمة ، لكن لو قال الغفور الرحيم إذن لا يعذب . المقدم: ذكرني هذا بقصة الأعرابي . د هداية: رواية الأعرابي هذه ما سندها ؟! لا سند لها ، فأنا لا آخذ مع التفسير الذي لفحول المفسرين مع اللغة إلا الروايات التي لها سند . فرواية الأعرابي التي تقصدها الذي قال عز فحكم فقطع ، وعندي أيضا في بعض التفاسير في (طرفة الأصمعي) ، وبعضهم قال كان لا بد أن يقول ، فقصة الأعرابي هذه تؤيدنا لكن ليس لها سند. المقدم: إذن فنحن لا نعترف بشيء إلا إذا كان بسند صحيح . د هداية: بالضبط، فنحن نشتغل الآتي: فحول المفسرين ، مع اللغة العربية، مع الروايات التي لها سند . وقلنا سابقا كم أحترم هذا المفسر الذي لم يشر بقريب أو بعيد إلى مثل هذه التساؤلات . نحن في التفسير المقارن لا بد أن نقرأ التفاسير كلها حتى الضعيف منها الذي ليس في قوة مثلا الرازي أو القرطبي لكن نفتحها من باب أن هذا تفسير مقارن. المقدم: فضيلتك قلت أن عيسى قدّم العذاب باعتباره أنه أنسب للقاعدة القرآنية (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) ونجد مثلا في سورة العنكبوت المولى عز وجل يقرر حقيقة ليست على لسان أحد (يُعَذِّبُُ مَن يَشَاء وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ) [21] هل هذا يعطينا إشارة أن العذاب دائما لابن آدم أقرب إليه من دخول الجنة. د هداية: هذه نقطة والنقطة الثانية عندما أضع أمامها آية (يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفتح:14] فأصبح عندي آيتين في الأولى قدَّم العذاب والثانية قدم المغفرة . المقدم: وهنا نقطة ثالثة يوجد في الآيتين العذاب قاسم مشترك ويوجد رحمة ويوجد مغفرة فما الفرق بينهما ؟! د هداية: واحدة تؤدي إلى الأخرى فمع العذاب مرة مغفرة ومرة رحمة. المقدم: عندما جاءت المغفرة جاءت قبل العذاب والرحمة جاءت بعد العذاب . د هداية: بالضبط أنت قلتها ، خذها معي خطوة خطوة لو طبقنا الآيتين على أكثر من شخص عندما تكون المجموعة تستحق العذاب ستقدم العذاب وعندما تكون المجموعة تستحق المغفرة ستقدم المغفرة ، ساعة قضى الله تبارك وتعالى (إن رحمتي سبقت غضبي) الغضب يؤدي للعذاب والرحمة تؤدي للمغفرة. القاعدة هنا هل الإنسان اشتغل أم لا؟ كان يستحق الرحمة أم لا ؟! الآيات التي فيها المؤمنين الذين نفدوا من إبليس يعني (إلا المؤمنين) المقدم: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) [الحجر:42] [الإسراء:65] د هداية: عباد الله أو عباد الرحمن هؤلاء هل تحولوا إلى ملائكة ؟! المقدم: جاء لنا سؤال عن المعنى الحقيقي للسلطان. د هداية: سأقول لكن أجب عن السؤال . المقدم: بالطبع لا لم يتحولوا إلى ملائكة. د هداية: سأسألك وأقول لكن الآية تقول (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) يعني نفدوا ؟! هم نفدوا من السلطان لم ينفدوا من الوسوسة العادية ، الذين نجحوا أن يكونوا في الجنة هل كانوا ملائكة في الدنيا ؟! المقدم: بل كانوا يخطئون . د هداية: ويتوبون. يعني الآية لا تسير مجردة عن منطق الواقع هو قال (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) ليس من الوسوسة لكن من السلطان لأن الذين دخلوا الجنة من المؤكد أنهم أخطأوا وتابوا فهم ليسوا ملائكة فالآية منطقها الواقعي هو سلطان التنفيذ وليس سلطان الوسوسة البسيطة، سلطان كبائر ليس سلطان صغائر (إلا اللمم) فالقرآن صان الإحتمال (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم:32] إذن اللمم هذا ليس كبائر ولا فواحش لكنه لمم . المقدم: وممكن أن يكون أن من ضمن سلطان إبليس أنه يعطل الإنسان ولا يجعله يسارع بالتوبة . د هداية: بالضبط فهذا هو الأهم أنك عندما تقع حتى في صغيرة يريدك أن تظل فيها، فأنت نفدت من السلطان لكن جئت له في صغيرة أو في كبيرة فلا بد أن تسارع في التوبة ، فهل من قبيل الصدفة أنه عندما يعرض عباد الرحمن يعرض للشرك والقتل والزنا ؟! هل قال أن عباد الرحمن يفعلوا ويتوبوا ؟! لا، نفى عنهم الصفة (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) كأنك تتكلم عن ملائكة لا بل أكمل الآية (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ) ولم يقل ممن ؟! من عباد الرحمن أو من غيرهم (يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا) فالذي كتب الله له الرحمة يتوب عليه (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) إذن أهم شيء في الموضوع هو التوبة ، فالتوبة هي قوام حياة المسلم الواعي لأنه لا بد وأن يخطئ. ارجع للمعصية الأولى هل ساعة خلق الله تعالى آدم كان لا يعلم أن الدنيا ستبدأ بما أراده هو سبحانه ؟! هل فوجئ الله تبارك وتعالى بمعصية آدم ؟! حاشاه. إذن هناك غاية سامية من هذه الإرادة وتلكم المشيئة أن تبدأ الدنيا بمعصية وتوبة ، بالفعل هي بدأت بمعصية لكن عندما أفلسف الأمور لا هي بدأت بتوبة لأن ساعة نزل قال تاب الله عليه - وأقول نزل بمعنى نزل في الدرجة وليس نزل من الجنة التي في السماء - وهذه ترسي قواعد مهمة أن الذي يخطئ يعاقب وقاعدة أخرى وهي التوبة فالتوبة هي قوام حياتي أنا (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) المقدم: فيها مفاعلة. د هداية: بالضبط فقال التوابين وليس التائبين وأيضا كلمة يحب فعندما نتذكر الآية نقول تبت إلى الله لماذا ؟ لأني انتبهت إلى كلمة يحب فأنا أعمل عملاً يحبه الله المقدم: ويجعل المولى عز وجل يحبني. د هداية: وليس من قبيل الصدفة يختار لها (وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) كأن الذي قال تبت إلى الله ولم يذنب ذنبا كأنه يقوم بعملية تطهير. المقدم: هل معنى هذا الكلام أننا نرد على الناس التي تقول أنكم تبينوا المولى عز وجل على أنه قاسي ويعذب الناس فلماذا عندكم الصورة القاتمة ونجيب بعد الفاصل . --------فاصل--------- المقدم: السؤال المطروح هل الفكر الذي نعرضه من واقع سياق اللفظ القرآني يقول أن المولى عز وجل رحمن ورحيم أم قاسي ويريد أن يعذب الناس ؟! بينما في معتقدات أخرى تقول نحن أبناء الله وأحباؤه ولن يعذبنا ولو عذبنا سندخل النار فقط أيام معدودة ثم نخرج للجنة ، فهل الكلام الذي قلناه يرد على هذا الفكر ؟! د هداية: طبعا، القاعدة القرآنية لو تأملت من قبل أن تُسلم أول شيء ستفكر فيه لماذا خُلقت ؟! فيرد عليك القرآن قولا واحدا (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56] سيسأل شخص ويقول يعني أنا مخلوق لمجرد العبادة ؟! نعم حياتك تسير في إطار عبوديتك لله تبارك وتعالى والدنيا التي خلقت فيها لتعبد فترة امتحان . المقدم: ليست النهاية وليست الأمل . د هداية: إطلاقا هي (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت:2] القول وحده لا يكفي إذن هو خلقني لأعبده وهذه الفترة فترة امتحان القاعدة فيها (يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء) من عهد آدم إلى محمد (صلى الله عليهم وسلم) الذي يعمل ويجتهد في الجنة والذي لم يعمل ففي النار، هو كإله سبحانه وتعالى جل في علاه جعل هذه وظيفة إبليس وليس من حقك أن تعترض . المقدم: وأن الموضوع كما قلت أن تحدث أول معصية وأول توبة فكانت هذه إشارة أن هناك نوع من العقوبة أن الذي يخطئ سيعاقب لكن المولى عز وجل وهو يعاقب أعطى فرصة للتوبة . د هداية: بالضبط فتأتي لنا أسئلة من غير المسلمين أن الله جعل هذه وظيفة إبليس فهل هذه عدالة ؟! نعم فهل مائة بالمائة تبعوا إبليس؟ لو حدث هذا إذن لا تكون عدالة ، لكن هو جعل هذه وظيفة إبليس مثلما يقولون وهناك من لم يتبعه. المقدم: مثل اثنين موظفين وإبليس وسوس لهما أحدهما انصاع للوسوسة والآخر لم ينفذها . د هداية: بالضبط ، هذا في مثال الرشوة ويقول له مبررات أن الدولة كلها فاسدة والحكومة ليست عادلة ومع ذلك يرفض أن يطعم أولاده من مال حرام، أما الآخر وافق وبرر لنفسه الرشوة لفساد الرئيس أو الحاكم وهذا لم يمنعه من دخول النار . قلنا زمان انتبهوا لكاف الخطاب التي في كل سؤال من أسئلة القبر (من ربك ؟) أنت، وكاف الخطاب في قول الحق تبارك وتعالى (إقرأ كتابك) أنت، فوالله الذي لا إله غيره لو السؤال من الله ؟ كان يصح الذي يفعلوه على القبر ويلقنوه ، فالسؤال من ربك أنت؟ يعني ما عقيدتك أنت في هذا الإله؟ فالإجابة تختلف ليست تعريفاً عاماً . المقدم: هذه النقطة مهمة مسألة كاف الخطاب أن كل منا سيخاطب بنفسه ولن يقال كنت تعيش في أي عصر ؟ ومن كان رئيس الحكومة ؟ ومن كان شيخ الأزهر؟ لا يوجد هذا الكلام وهناك من سيقول الآن أننا نطعن في الوطنية وحب الوطن، لأن الناس تنسى أنه سينادى يوم القيامة أين اتباع موسى؟ أين اتباع عيسى؟ أين اتباع محمد ؟! فالناس تعلي من شأن مكان معيشتها عن الإنتماء الأول وهو أنهم مسلمون، سواء مصري أو سعودي أو باكستاني هذه ليست قضية ، أنت أبيض أو أسود هذه ليست قضية . د هداية: الحكومة فاسدة أو غير فاسدة ليست قضية ، وهذا ليس دفاعا عن الحكومة. الحكومة عندها أخطاء وكل حكومة عندها أخطاء لكن بصرف النظر عن هذا وذاك هل خطأهم سيبرر خطأي ؟! المقدم: لا د هداية: أتدري لماذا ؟! لأن لو شخص واحد صبر على تحمل الخطأ سيدخلنا جميعا النار لأنه نجح وصبر . لابد أن نكون واعين بأن هذا اليوم الذي كنا نقوله 17 مرة في الفروض غير النوافل (مالك يوم الدين) الصدق هو الشيء الوحيد الذي سينفع في هذا اليوم (هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) ونركز أن المفعول به في يوم لا ينفع مال ولا بنون من الذي نفع ؟! الصدق. قول ابراهيم عليه السلام (وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ) [الشعراء:87] إذا فلسفناها كأن هذا اليوم - لو كنا نفهم - يوم خزي ، والتوقيع (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) المقدم: والقلب السليم يجعله من الصادقين د هداية: إذن يوم لا ينفع مال ولا بنون الذي سينفع الصدق ، الصدق في الدنيا للذين تعبوا فيه كان مفعولاً به وتحول لفاعل يوم القيامة، ونفع الصادقين الذين عملوا به و (الصادقين) كانوا في الدنيا (الصادقون) فالذي تعب نفعه ، والذي ارتاح في الدنيا وأخذ اللذة تعب. المقدم: وعلماء النفس يقولون أن الناس الذين يفعلون المعاصي وخاصة الشهوة بعدما تنتهي يشعر بندم ويحتقر نفسه . د هداية: وهذا هو فعل الشيطان الذي تكلمنا فيه أنه يعيدك مرة أخرى . المقدم: وقبل أن ننتقل من سورة المائدة ففي الآية [120] (لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) بعد حوار الله عز وجل مع عيسى عليه السلام ونتيجة الصدق في هذا اليوم فجأة (لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) هذه حقيقة ونحن نشهد بذلك لماذا يقرها المولى عز وجل في هذا الموضع بالتحديد ؟! د هداية: أخص شيء للذي فعل الشرك أنه توهم في فكره أن لله في ملكه شريك فالذي ادعى الألوهية فرعون ماذا كان يقول ؟! المقدم: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص:38] د هداية: (أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي) [الزخرف:51] فأجراها الله من فوقه ، القضية أنه يريد أن يكون ملكاً وإلهاً وهو مدعي ويعرف حقيقته لكن من حوله جعلوه يتوهم هذا . المقدم: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) [الزخرف :54] د هداية: لكن في النهاية هذه الأسئلة والحوار الذي دار تتكلم في الملك، فالشرك وإدعاء الألوهية كان سببه الملك، فالذي ادعى الألوهية كان هناك من يساعده ويروج له لمصالحه الشخصية أيضا من ملك وسلطة مثل هامان ، الوزراء والحاشية ، فالقضية عن هذا فيريد أن ينبهنا ألا نخدع ونصدق الكذب الذي يدعيه البعض؛ لأن (لِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) المقدم: فكل الإدعاءات أن لله ابن أو ولد أو شبيه أو أو حاشاه سبحانه وتعالى جل في علاه يقطع كل هذه الأفكار. د هداية: انتبه أنه ليس من قبيل الصدفة أن تعرض هذه الآية في القرآن ويأتي عندما نختم القرآن في آخر 7 سور الكوثر ، الكافرون ماذ تقول الكافرون (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ * وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ماضي وحال واستقبال وتمشي في كل الإتجاهات ، ثم سورة النصر ، سورة المسد ، سورة الإخلاص ، وعلماء التفسير الفحول سمُّوا سورة الكافرون (الإخلاص الأولى) . المقدم: أن تخلص التوحيد لله . د هداية: بالضبط ، وسورة الإخلاص (الإخلاص الثانية) وهاتين السورتين يرسخان مسألة العبودية والتوحيد، لذلك في سورة الكافرون تكلم في النزاع وفي الإخلاص عرَّفه (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ) وقلت أن الصمد الذي لا يأكل ولا يشرب (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) أي لا يدانيه شيء ولا يوازيه شيء. المقدم: لا يكافئه في مقداره أحد . د هداية: هل انتهينا عند هذا ؟! المقدم: لا يوجد استعاذة برب الفلق ثم برب الناس . د هداية: الذي هو الأحد فلا بد من تطبيق فهو يعطينا القاعد التي لا بد أن نطبقها لذلك (قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس) يعني هذا الإله لا يقول أنا إله ولن أفعل لك شيئاً، لا، فهو إله يُستعاذ به في الشدائد والمصائب فهنا التطبيق العملي للإستعانة برب الفلق أي الخبء ورب الناس . المقدم: هذه معاني جميلة وتفتح أسئلة كثيرة ونستمر في موضوع الصدق ونتكلم عن من هم الصادقين أو الصديقين؟ وكيف نكون من أو مع حسب ألفاظ القرآن الكريم؟ يارب نكون مع ومن الصادقين ونراكم عل خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 16/3/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 129 شرح الفرق بين (من الصادقين) و (مع الصادقين) المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم ، الاحبه الكرام ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، اتفقنا أن الصدق قيمة عالية جدا لكي يصل بها إلى أول مرحلة التقوى ومن ثم إلى الجنة، وكنا طرحنا سؤالاً مهماً جداً لماذا قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) فهل أستطيع أن أكون منهم أم فقط معهم ؟! وما الفرق بين الصادقين والصدِّيقين ؟! أول زيارة من كتاب الله تعالى في هذه الحلقة سورة الزمر آية 32 (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) أولا ما الفرق بين من الصادقين ومع الصادقين ؟! د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد، أن أكون من الصادقين مطلقا ليس بيدي أما أن أكون مع الصادقين الفاعلين فهذه سهلة أما كلمة الصادقين ساعة أُطلقت (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) فالصادقون هنا الأنبياء والمرسلين إطلاقا، الذين اصطفاهم المولى عز وجل وأرسلهم بالصدق . لماذا لا أكون أنا منهم لأن هذا اصطفاء الله ، والصدق هنا لم يأت بفعل منهم صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين لأن هذا ليس اختيارهم . المقدم: أليس من ضمن اشتراطات النبوة عنده أن يكون أساسا من الصادقين ؟! استحالة أن يختار المولى عز وجل شخصاً فاسقاً وكذاباً ليكون رسولاً! د هداية: ولذلك الآية جاءت مع الصادقين . المقدم: هل من الممكن أن تكون كلمة (الصادقين) في الآية أولا يقصد بها الأنبياء والمرسلون، ويدخل معهم في المعية الذين صدقوهم واتبعوهم. د هداية: وهذه ليست منهم ، يدخلوا معهم وليس منهم ، وأصبحوا معهم بتصديقهم لهم التي هي في آية سورة الزمر (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) وسأوضح لك الفرق بين المِنيّة والمعيّة من موضع آخر في القرآن (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) [الحجر:31] لأنه ليس منهم. المقدم: ليس من الملائكة . د هداية: فالساجدون إطلاقا هم الملائكة فلم يقل المولى عز وجل على إبليس من الساجدين فهذه ليست بيده ، فإبليس ماذا أبى ؟! أبى أن يكون مع الساجدين لأنه ليس من الساجدين ، لأن القرآن عندما عرًّف إبليس بمنتهى الوضوح قال (إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ) [الكهف:50] الفاء هنا للتفريع فرعت ما بعدها على ما قبلها ، لأنه كان من الجن ففسق والفسق هنا ليس بيده فهو لم يرض أن يكون مع الملائكة بطبيعته . وموضوع (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) يعرض لمسألة الصدق ، فالصدق عندما يعرض عليك فهذه فرصة لك . المقدم: إما أن تقبل وإما أن ترفض. د هداية: وإن رفضت فأنت الخاسر . المقدم: مثلما فعل إبليس. د هداية: بالضبط ، لماذا احتار الناس في أن إبليس من الملائكة أو لا ؛ لأن الإستثناء غير المتصل هو الذي أوقعهم في هذه الورطة (إِلَّا إِبْلِيسَ)، (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا) هذا في اللغة اسمه الإستثناء غير المتصل يعني الإستثناء هنا ليس على أنه من الملائكة لكن الإستثناء هنا لأنه لم يسجد ، فالذي تكلم في القرآن بدون علم لغة ضيًّع المعنى . المقدم: هذا يفتح أمامنا سؤالاً مهماً جداً لما كان هذا الأمر للملائكة فقط لماذا يسجد إبليس إذن ؟! د هداية: فتح الله عليك ، اسمع للآية (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [الأعراف:12] إذن الأمر شمل لوجوده معهم ، وضربنا المثال فصل متفوقين بينهم طالب متخلف - ليس متخلف عقليا إنما متخلف عنهم ليس متفوقاً - ووضعته معهم وأعطيت أمرا فهل يطبق الأمر على المتخلفين أم على المتفوقين ؟! فأنا عندي 100 متفوقين و 1 متخلف فمن الذي ينفذ ؟! لغةً المتفوقين ينفذوا وهذا المتخلف عنهم إذا نفَّذ الأمر أصبح معهم ليس منهم ، فأنا عندما أقول المتفوقون يسجدوا ، فسجدوا إلا هو فهذه كانت فرصة عمره إن صح التعبير كان سيصبح مع الساجدين ، ويحصل على مميزات الساجدين . بالتأكيد هذا الكلام غير منطقي لأن المولى عز وجل ساعة أمر يعلم أنه لا يسجد ولم يسجد لن يسجد بعلم الله تبارك وتعالى المسبق . المقدم: لذلك قال إبليس للمولى عز وجل (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي) [الأعراف:16] د هداية: هذا سر خطير جدا وتوقيع في منتهى الخطورة فإذا كان إبليس يتصور أنه يفعل شيئاً من عنده فهو مخطئ ، لأن كل شئ بقدر الله والإرادة والمشيئة المسبقة في علم الله تبارك وتعالى فالمولى عز وجل لا يفاجأ بشيء بل أقول لك أن إبليس هو الذي تفاجأ برفضه للسجود . المقدم: وهذا أيضا يعتبر تكبر منه . د هداية: وهذه نقطة خطيرة وسأبينها عند استعراض عقابه على هذا ، وهذا العقاب إنما هو مثل في القرآن الكريم للبشر وتحذير لهم أن يقعوا في مثل هذا الخطأ فيعاقبوا مثل هذا العقاب ، لابد أن نفهم أن هذا تحذير من العصيان لدرجة إبليس لأنك بهذا ستكون في معية إبليس ، فليس من قبيل الصدفة أن يختار القرآن (من) في مواضع و (مع) في مواضع فالمنية ليست بأيدينا إنما المعية بأيدينا . (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) فهو يستحيل أن يكون منهم وكانت عنده الفرصة أن يكون معهم لكنه أبى وهذا رد على الذين يقولون أن إبليس كان كبير الملائكة ويقول بأن الإسرائيليات تقول هذا ، فالمولى عز وجل لم يأمرنا بالأخذ بالإسرائيليات . المقدم: مما يبين أيضا عظمة وبلاغة القرآن الكريم يقول في آية سورة الحجر [31] (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) ويقول في الآية التالية (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) يسأله . د هداية: لأنها كانت فرصة ، الصياغة معناها هل يوجد شخص تتاح له فرصة كهذه ويضيعها من يده ؟! هذا لازم معنى الآية (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) فالمولى عز وجل يعرف أن الملائكة هم أعظم خلق حتى آدم . السؤال الذي لابد أن يفهمه الناس جيدا من أفضل الملك أم البشر ؟! الصياغة الصحيحة البشر المؤمن المتقي المحسن أفضل من الملك ، لأن الملك جبلته أنه لا يعصي أما البشر كان عنده فرصة ليعصي لكنه رفض المعصية خوفا من الله تبارك وتعالى . فهنا في الآية (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) تحسير لإبليس لأن المولى قال (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ) [البقرة:34] ثم قال لإبليس (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) إذن فكانت عنده فرصة ليكون مع هؤلاء الساجدين الذين هم حتى الآن أعظم خلق ، فهذا بمثابة حسرة لإبليس لأنه لم يسجد ، لأن ساعة يأمر الله لابد أن تنفذ فهذا أمر إلهي . المقدم: لكنه أعمل عقله في الأمر الإلهي وقال (أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) وهذا الذي يفعله كثير من الخلق الآن؛ أنه يُعمل العقل خارج منهج الله تبارك وتعالى . د هداية: فإذا تعارض العقل والفهم مع النص نغلق الحوار تماما وممكن أن نرجع للقدماء أو للسلف حتى نفهم ، فهذا ليس نصاً عادياً إنما نص ملزم. المقدم: وأمثلة تعارض الفهم مع النص كثيرة نجد مثلا شخص يقول أنا لست سعيد في حياتي الزوجية نقول لابد وأنك تتصرف بعيدا عن المنهج . د هداية: ولا يتبع التوجيهات الإلهية في القرآن والسنة الصحيحة. المقدم: كذلك في مسألة الإبداع نجد من يقول أنه ليس هناك سقف للإبداع وتجد أشخاص يكتبون كما يشاءون وأحيانا يصل الأمر إلى سب الذات الإلهية ويقولوا أن هذا إبداع ، وفي الفن عندما تناقش مشكلة المخدرات أو العري تُعرض بمناظر كاملة وصريحة تحت مسمى الإبداع والسياق الدرامي . د هداية: إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن. المقدم: السؤال هنا هل الفن أكبر من منهج الله ؟! د هداية: لا يوجد أي شيء على الإطلاق أكبر من منهج الله . --------فاصل--------- المقدم: عندما يبرر هؤلاء لأنفسهم ما يفعلونه تحت مسمى الفن والإبداع ونسوا أن هناك مرجعية للإله . نحن لا نقول إبتعد عن المواضيع الفاحشة بل إعرضها لكن المخرج عنده أدوات كثيرة يعرض بها لكل القضايا دون تمثيل مشاهد لا ترضي الله عز وجل . د هداية: المسألة أن المولى لا يرضى بما دون ذلك فلنجعل كلامنا مع هؤلاء في الحلال والحرام ، فإذا وصلت معهم للحوار عن السياق الدرامي وما إلى ذلك فأنت إذن أعطيت المسألة أقل مما تحتمل ، وأنا أرى أن هذا هو هدف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الحديث (إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن) يريد أن يقول أن الحرام أوضح من أن يُذكر. المقدم: وعندما نصل اليوم وبعد كل هذه القرون من وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم) أن المجتمع يرى أن الذي يحدث تحت شعار الفن هو وظيفة ورسالة سامية ويكرم الناس من أجلها ، وعلى الجانب الآخر إذا أراد شخص أن يقوم بالدور المنوط به وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقال عنه متخلف ومتشدد ومتطرف ورجعي و .. د هداية: هذا شيء طبيعي بعد 1431 سنة بدليل أنك أحيانا تتمنى أن تكون في عصر الصحابة ، ولذلك المتمسك بدينه هنا له أجر مختلف فالوضع يزداد سوءا من بعد عصر الصحابة والتابعين إلى عصرنا هذا والعصور القادمة لكن أيضا (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ) [الواقعة:13-14] عمل صيانة احتمال لهؤلاءالمتمسكين بدينهم في كل عصر . وما نفعله نحن الآن من شرح للآيات يكفينا من كل حلقة أن يتوب شخص واحد ، (لأن يهدي الله بك رجلا واحدا) فلا بد أن يكون هناك وعي عند الطلب ، فإذا طلبنا أن الوضع يتحسن من بعد عصر الصحابة والتابعين إلى الآن فهذا درب من الخبل . ويأتي شخص ويقول أنه لا يوجد شيء كثير على المولى عز وجل ، نحن لا نقصد هذا لكن أتكلم في الوضع الراهن المتماشي مع القضية وليس في عظمة الله تبارك وتعالى فالمولى عز وجل قادر أن يأتي الناس من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة كلهم أمة واحدة ، طالما قلنا أكثر من أمة إذن هذا التقسيم في حد ذاته يجعل لكل فرقة أجر ولا ننسى الآيات (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) [يوسف:103-106] فهذا قرآن والقائل هو الله تبارك وتعالى. فكلما ابتعدنا عن عصر الصحابة والتابعين و .. ولذلك قال في أهل اليمين (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ) لكن مع السابقين قال (ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ) لكني أسجد شاكرا أنه سبحانه قال (وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ) فهو إله حق ونرد بهذا عن الذين يقولون إلهنا أفضل وما إلى ذلك فهذا إله حق سبحانه وتعالى جل في علاه ، اللهم اجعلنا من القليل . الفرق بين عصر الصحابة والتابعين والعصر الحالي هو روح الجماعة وليس من قبيل الصدفة أن يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) (إلزم الجماعة) فإذا لم تكن منهم فعلى الأقل كن معهم وستصبح بعد فترة منهم. المقدم: (هؤلاء القوم لا يشقى جليسهم) د هداية: بالضبط ، فهذا الرجل جلس بالصدفة مع الجماعة الطائعة ويأتي الحوار بين الله والملائكة ويدخلوا هؤلاء الناس الجنة لكن فلان هذا ليس منهم لكنه معهم وهذا هدفي من القصة فإذا جلست معهم بإذن الله ستكون منهم ، والدليل على هذا أن الشخص الذي دخل هذه الثلة وجلس معهم إذا مر عليهم شخص آخر بعد فترة سيعتبره منهم فبدايته كانت معهم وعندما فعل مثلهم أصبح منهم . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) أين سأكون في الجنة ؟! المقدم: مع الصادقين د هداية: هل يوجد فرق وقتها معهم أو منهم ؟! فالمهم النتيجة واحدة كلنا في الجنة يعني الآية عليها يبكي العالِم ، فالمهم أنك تطبق الأمر الإلهي لكي تأخذ النتيجة . المقدم: لذلك فأنا أرى أن مهمة الإعلام الواعي المستنير أو يوعي الناس لشرطي الخيرية (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [آل عمران:110] فلو ابتعدنا عن هذا سنصبح مثل الغرب الآن في إباحة الفسق والشذوذ تحت دعاوى باطلة أنها حرية شخصية وتنطبق علينا الآية القرآنية (كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة:79] د هداية: القرآن لم يترك شيئاً إما بالأمر الإلهي وإما بالمثل ، فلماذا حكى القرآن عن قوم لوط أو عن فرعون أو .. ؟! لنأخذ عظة . المقدم: عندي في سورة الحجر كما قلنا (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) (قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ) لكن في موضع آخر خطاب من المولى عز وجل للرسول (صلى الله عليه وسلم) (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ) لأنه منهم وإمامهم . د هداية: لأنه جاء لهم إمام أي نبي أو رسول هو إمام ، فلو قال مع الساجدين لكان هناك من هو أفضل منه ، فهذه منية مسبقة أو سابقة على اختلاف آراء أهل اللغة . فنحن الذين مع الرسول ولا يمكن أن يكون هو الذي معنا . والكلام الذي يقوله الشيعة وينسبونه للرسول (صلى الله عليه وسلم) (الحسين مني وأنا منه) هذا كلام لا يصح لغةً وإذا صدقته أكون قد فقدت عقلي ونحن لا نهاجم أحدا لكننا نخاف على الذين يعجبوا بهذا الكلام ، فأنا إذا تكلمت عن نفسي حفيدي مني - وإذا تكلمنا بصحيح اللغة وعلم الأحياء نقول حفيدي ابن ابني مني - لكن كيف أكون أنا من حفيدي ؟! وإذا شرحنا (من الساجدين) هنا محمد من الساجدين لله من الأنبياء والمرسلين فلا بد أن نتعقل كل كلمة من النص القرآني . المقدم: سنوضح هذا بعد الفاصل وسنشرح أيضا آية متعلقة بالسجود (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء:219] د هداية: هذه الآية عملت إشكالية وقال البعض عن (فِي السَّاجِدِينَ) أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) من نسل كله أنبياء ومرسلين وهذا كلام جميل لكنهم ذكروا نسله من قريش وأجداده فالآية تقول (وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) الـ(في) تعطي المنية أم المعية ؟! المنية هي توقع منية الرسول من الساجدين ، من الصادقين ، من المتقين يعني الأنبياء والمرسلين وليس لها علاقة بأجداده أو قريش. والمولى عز وجل يسأل محمدا (صلى الله عليه وسلم) (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) [الفرقان:43] والذي سيجيب هنا ليس محمداً (صلى الله عليه وسلم) لماذا ؟! لأنك لن تُسقى العقيدة فالرسول يعرض لكن لا يكره على إسلام (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) فالمولى عز وجل وضع قاعدة (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) --------فاصل--------- شرح آية (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) المقدم: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) هل معنى كذب على الله أن أقول للمولى عز وجل عندما يسألني شيئاً غير الحقيقة أم معناها تقوَّل على الله بغير الحق وبغير الصدق ؟! د هداية: الأخيرة ، لأن الأولى الله تبارك وتعالى فيها رقيب لكن في الآية الواو التي تفصل بين كذب وكذَّب هي واو العطف دون شك فالذي كذب على الله بالتأكيد يكون كذّب بالصدق وبالرسالة ، مثلا مسيلمة ساعة كذب على الله كان قبلها مكذِّب بكلام رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) فالواو في الآية ليس معناها (أو) لأنها لو كانت كذلك لكانت فصلت كذب عن كذَّب . المقدم: وإذا قلنا مثالاً آخر غير مثال مسيلمة كالذي يدَّعي أن لله ولد أو صاحبة ، أو له أم . د هداية: كل من ادَّعى النبوءة أو قال بالشرك أو الكفر هو أساسا رافض للرسالة المعروضة في عصره. فالذي أشرك في عهد ابراهيم عليه السلام هو أشرك ورفض الرسالة التي جاء بها ابراهيم عليه السلام ، وكذلك موسى وكذلك عيسى عليهما السلام ، فإياك أن تقول أن الذي يقول أن عيسى إله لم يرفض ما جاء به عيسى ، فهو كذب على الله وكذّب بالصدق ، وكذّب بما جاء به موسى ، عيسى ،هود ، لوط لأنه لا يوجد أمة إلا وخلا فيها نذير . وأُطلق لفظ الصدق على الرسالة ولذلك قلنا مع الصادقين أي مع الأنبياء والمرسلين . مثال/ عندما قال المولى عز وجل لنوح عليه السلام (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) [هود:46] هذه الصياغة تُفهم بلازم المعنى أي أن ابنه عمِل عملا غير صالح ، فعندما يقول إنه عمل فإن هذا العمل الذي عمله من عظمه أطلق عليه ذات العمل . وكذلك رسالة النبي لأنها ليس فيها إلا الصدق أطلق عليها الصدق (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) لم يقل وكذّب بالرسالة التي تحتوي الصدق فلو قال هذا لكانت تحتوي الصدق وغير الصدق . المقدم: وكأن المعنى أن هذا هو الصدق الوحيد الذي هو من عند الله . د هداية: ولذلك لا يجب أن نضيع الوقت في فكرة أن القرآن وحده هو الصدق اسمع سورة النجم (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [1-4] فالقرآن وحي وكلام الرسول (صلى الله عليه وسلم) في الشرع من غير قرآن إن لم أقل عليه وحي فهو إلهام لأن صدر الآية يقول (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) وعندما تُرسل أي رسالة لو قلت أنا وصدّق بالرسالة لأنها تحتوي الصدق سيقول شخص مثلا طالما قلت تحتوي الصدق ولم تقصر الجملة إذن فهي تحتوي الصدق وغيره ، ولا يمكن أن نقول عليها استعارة تشبيهية مثلا لأن الإستعارة لابد وأن يكون فيها تشبيه والرسالة هنا ليست مشبه بالصدق وإنما الرسالة هي الصدق عينه ، فأطلق الصدق وهو يعني الرسالة (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ) أي كذّب بالرسالة . المقدم: وهذا ينطبق على كل الأنبياء والمرسلين . د هداية: في كل عصر، وكأنه يسألك هل يوجد شيء أظلم من هذا ؟! ونتيجة هذا تم التصريح بها بسؤال أيضا (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) لماذا ؟! لأنه مفترض أن ترد عقيدة وتقول لا يوجد أظلم من هذا، فأعطاك سؤالاً آخر لأن الإجابة المفترضة عقيدة لا يوجد أظلم من هذا، فأين سيكون ؟! (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) وهذا السؤال مطلق لكل زمان ومكان وجاء بالنفي فماذا ستكون الإجابة عليه ؟! المقدم: بلى د هداية: بالضبط يريد أن يقول أنه ليس له إلا جهنم. وهذه الصياغة لا يوجد أبدع منها ولا أروع منها في البلاغة ، فهذا الكتاب هو القرآن والعقيدة فيه ركن أساسي ولا تُسقى للناس وهذا سر الأسئلة التي لم يُجاب عنها وتكون إجابتها عندك وفي عقيدتك أنت. وقلنا إياك أن تقرأ مثل هذه الآية ولا تجيب ، وهذا سر وقوف الرسول (صلى الله عليه وسلم) على رأس الآية، فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما يصلي بالمسلمين كان يقف على رأس الآية لكي يمكِّن المستمعين من أن يجيبوا عن السؤال إن كان في الآية سؤال، فاليوم نجد كثير من الأئمة لا يفعل هذا إلا من رحم ربي، لماذا كان يقف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على رأس الآية ؟! لأن أي آية إما أن تؤمن بها ، أو تعتقدها ، أو ترد على سؤال بالنفي أو بالإثبات أو ببلى. المقدم: عندي أسئلة كثيرة فيها نفس الصياغة فمرة نجد (فَمَنْ أَظْلَمُ) ومرة أخرى (قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) [طه:61] والعجيب في الأمر ان الصدق أو الرسالة الصادقة من الرسول الصادق الأمين (صلى الله عليه وسلم) يُقال عنه (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) [المؤمنون:38] د هداية: هذا هو مقلوب الحقيقة. المقدم: وسنكمل بقية الآيات التي تتحدث عن الصدق في الحلقات المقبلة بإذن الله، وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته بُثّت الحلقة بتاريخ 23/3/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 130 شرح آيات سورة الزمر (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبه الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، مسألة الكذب على الله هي مسألة خطيرة جدا وقلنا أن معنى الكذب على الله ليس معناه أنني أكذب على المولى عز وجل عندما يسألني عن شيء فعلته أو لا يوم القيامة فهذا المعنى مستحيل أن يكون هو المقصود لأن المولى عز وجل يعلم كل شيء قبل أن يسأل، لكن المعنى المقصود هو أن يقول الإنسان أو يفتري على الله كلاماً غير الحقيقة. القرآن فيه كثير من الآيات التي تكلمت عن مسألة الكذب على الله عبر القرون المختلفة في التاريخ الإنساني كله. والتاريخ الإنساني إما مصدقين وصادقين من الصادقين ومعهم، وإما مكذبين. ونحن نسير في الحلقات بتؤده وروية لكي نوضح كل المعاني ونجيب على الأسئلة التي تصل إلينا منكم. عندي آيات كثيرة جدا (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) وتكلمنا فيها، (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [هود:18] (هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) [الكهف:15] (قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى) [طه:61] والإتهامات للرسول (صلى الله عليه وسلم) (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) [المؤمنون:38] (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) [الجن:5] . كل هذا ينصب حول أن الإنسان إما مكذب بكنه الإله الحق، وإما يقول أنه لا يوجد إله ونحن أبناء الطبيعة، وإما يقول بأنه يوجد إله ومعه آلهة أخرى أو وسطاء نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، في النهاية يفتروا على الله بغير الحق وعندي هنا سؤال فمن الممكن أن يسأل شخص أنه لا يوجد أحد من البشر يعرف حقيقة الإله الحق فهل معنى هذا أن الكل يفتري على الله بغير الحق ؟! د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد، نحن لا نقول بل ننقل ما قاله الله تبارك وتعالى عن ذاته وقلت لك من قبل أنه لا يستطيع مخلوق لله أن يقول في الله الحق كل الحق حتى لو صادف قوله الحق لا يدري هو أنه صادف الحق، والذي قال هذا الكلام كان رجلاً غير مسلم . فنحن لا نقول على الله ما نعلمه نحن عن الله بل ما يقوله هو سبحانه عن نفسه، الرسول (صلى الله عليه وسلم) وكل الأنبياء والمرسلين يوصلون كلام الله وينقلون رسالة الله، ولذلك لو أن الرسالة من كلام المرسلين لما عبر عنها بالصدق لأن كل كلام البشر يحتمل الخطأ حتى لو كان البشر لا يقصد. ولذلك حرام على الأنبياء والمرسلين أن يتكلموا في التشريع إلا بوحي أو إلهام أي من عند الله تبارك وتعالى. مثلا هل كان موسى عليه السلام كما تبين في الآيات ذاهب بقوة من عند الله ومع ذلك خائف فما بالك لو كانت القوة من عنده ؟! لما ذهب. كيف يواجه السحرة وهو ثابت عنده أن الناس تقول على حبالهم ثعابين ؟! رغم أنه يكذبهم ويعلم أنهم على باطل لكنه لو واجههم لوضع احتمالاً عند جمهور الناس المتابعين للموقف أنه هو أيضا ساحر، لكن هو على يقين أن عصاه تحولت بالفعل إلى ثعبان ليس كباقي السحرة بأن يجعل المشاهد يراها ثعبان لكن يظل هو يراها حبلا. المقدم: وفي النهاية أيضا فرعون اتهمه بهذا وقال (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) [طه:71] [الشعراء:49] د هداية: هنا لا بد أن نتكلم في نقطة متى أتكلم الصدق؟ ومتى أتكلم الكذب؟ لكي يفهم الناس. أولاً ما الصدق؟ وأرجو أن ننتبه لهذا التعريف لأن بعض المفسرين أدخلوا في التعريف كلاماً من اعتقادهم. فالصدق مطابقة الأمر (الكلام) لضمير المتكلم والمخبر عنه، أي مطابقة كلامي لضميري وضمير المستمع. سأضرب لك مثالا لتعلم أن الضلال مستمر ليوم الدين، رجل يريد أن يكذب وفي نفس الوقت يعلم أولاده ألا يكذبوا وأن الكذب حرام فقال لزوجته إذا اتصل فلان اخبريه أني في الأسكندرية - وهو موجود في شقته في القاهرة - وشقته أربع غرف دخل غرفة منهم ووضع على بابها لافتة مكتوب عليها الإسكندرية، عندما سأله أولاده لماذا فعل هذا ؟! قال: لأن الكذب حرام يا أولاد. انتبه تعريف الصدق هو مطابقة الكلام لضمير المتكلم والمستمع والمخبر عنه أي لا بد أن يتطابق الكلام مع الواقع الذي حدث بالنسبة لضميري وضمير المستمع . وقيل أنه (إذا انخرم شرط - يعني تغيب شرط - أصبح صدقا غير تام) وأنا أقول لا يوجد صدق تام وصدق غير تام، الصدق صدق وإذا غاب شرط لم يكن صدقاً. وسأبين لك الخطأ في هذا التعريف من تعريف الكذب نفسه فما هو الكذب ؟! الكذب هو أن يغيب شرط من هذه الشروط كمثال الإسكندرية. الكلام إما صدق وإما كذب بدليل أنه عندما ذهبت قريش لأبي بكر تقول له أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) يقول كلاما لا يُصدق فرد عليهم: إن كان قال لقد صدق، ما معنى (إن كان قال) أن هذا الكلام لا يُصدق لكن لو كان محمدا (صلى الله عليه وسلم) قاله لقد صدق، وهذا الرد يُخرس الألسنة فمعنى كلامه أن هذا الذي تكذبونه أنتم الذين قلتم عنه الصادق، ولذلك (وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ) [التكوير:22] كلمة (صاحبكم) هذه كلمة تأنيب لهم واختار هذه الكلمة لأنهم هم الذين كانوا يقولون عليه الصادق الأمين قبل الرسالة. المقدم: وكيف تقلب الحقيقة لدرجة أنهم يقولوا (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) [المؤمنون:38] د هداية: حتى لا تتعارض المصالح، إذا تعارضت المصالح انقلبت الحقائق. المقدم: تعارض المصالح يعني هوى، وطالما أن الهوى دخل في الأمر فجعلك تكذب على الله أو تخالف المنهج ونكمل بعد الفاصل. --------فاصل--------- المقدم: في الآية رقم[ 33] (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) هل معنى الصياغة هنا أننا نتكلم عن الرسول وهو الذي جاء بالصدق وهو الذي صدق به أيضا هو وأتباعه، كل هذه المجموعة تكون هم المتقون؟! د هداية: الآيتان لا بد أن يوضعا أمام بعضهما، فبدون السؤال (فَمَنْ أَظْلَمُ) عندي: (كذب على الله وكذب بالصدق) نضع أمامها (جاء بالصدق وصدق به) في الأولى قال (كذب على الله) لماذا لم يقل في الثانية (صدق عن الله) هذا يبين أن الصدق لا يأتي من عندك أبدا. المقدم: لا بد أن يأتي من عند الله. هل يجوز أن يقال الحديث النبوي الشريف بالمعنى؟! د هداية: ركز جيدا في الصياغة (جاء بالصدق) لأن الصدق لا يكون إلا من عند الله، فإذا قلت جاء بالصدق من الله سأسألك هل يوجد صدق من غير الله ؟! فهذه ليس لها محل لأن الصدق من الله، ولذلك عندما عبر عن الرسالة لأنها من عند الله عبر عنها بالصدق. عندما نضع الآيتين أمام بعضهما يتضح أن الرسالات لا تأتي من أنبياء، لا يصح أن يأخذ النبي أو الرسول الرسالة ثم يقولها هو بمعناها، ولذلك البعض أجاز أن يقال الحديث النبوي الشريف بالمعنى والبعض رفض ونحن مع الرافضين. لكن هل وافق أحد أن القرآن يكون بالمعنى ؟! لا. ولماذا نحن نرفض أن يقال الحديث النبوي الشريف بالمعنى ؟! لأنني أقول إذا تكلم الصدِّيق أو عمر على سبيل المثال أو أي من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فيجوز في كلامهم أن تقوله بالمعنى فهم ليسو أنبياء، إنما نحن نقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي عندما تكلم حتى هو إما وحي أو إلهام . المقدم: لا يشرع من عندياته رغم علو قدره (صلى الله عليه وسلم) . د هداية: لأن رواية الحديث بكلام الرسول لها أهمية، ويثبت هذا أن الحديث الضعيف يخرج عند أهل اللغة بأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا يصح أن يقول هذا الكلام وإذا سألته لماذا؟ يقول أن هذا الحديث فيه كلام عكس القرآن والرسول لا يقول هذا الكلام أبدا، أما الحديث الصحيح يتعامل معه كما لو كان يتعامل مع القرآن من بلاغة الصياغة . وأنا أقول متى تكلم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالحديث الشريف الذي حُفظ وكان قد نهى عنه في أو الأمر ؟! هل تكلم به من أول يوم نزل عليه القرآن ؟! وركز جيدا في السؤال. المقدم: لا، بعد فترة من نزول الوحي. د هداية: لماذا ؟! ماذا حدث في هذه الفترة منذ نزول الوحي إلى أن تكلم بالحديث ؟! تعلم الصياغة فهذا الكتاب يحتاج لمئات الأعوام لأبين لك صياغته . المقدم: إذن هو انتظر حتى يأخذ الكتاب والحكمة. د هداية: الحكمة التي ستأتي له بالتعليم الذي هو كيفية استخدام مفردات اللغة، ووصلت معه (صلى الله عليه وسلم) لحد الفعل أن ينهاهم عن فعل أشياء . المقدم: وفي جميع الحالات هذا ليس من ذاتيته ولا من عندياته ولما يستجد أمر أو يسأل سؤالا كان يجيب بما يعرفه أو ينتظر وحي من الله عز وجل مثل قضية المرأة المجادلة التي جاءت تسأله (صلى الله عليه وسلم) في أن زوجها قال لها أنت كظهر أمي. د هداية: نعم قال لها (صلى الله عليه وسلم) (ما أراك إلا قد حرمت عليه) لأن التشريع كان هكذا حتى هذه اللحظة، ولذلك عندما أراد الله عز وجل أن يعدل التشريع، إسمع صدر الصياغة: قال (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [المجادلة:1] بمعنى قد سمع الله مشكلتكم مع التشريع وهذا التشريع من الممكن أن يُعدل وهذا تعديله، لكن محمد (صلى الله عليه وسلم) لا يُعدِّل على ما من عند الله لأنه ليس إلهاً. النقطة الثانية ما الفرق بين أن أذهب إلى أي صحابي أو إلى الرسول لأسأل؟! فالصحابي بشر والنبي (صلى الله عليه وسلم) بشر رسول لأن حتى لو لم هناك تشريع سيحدث مثلما حدث مع خولة (المجادلة) فتم تعديل التشريع عند محمد (صلى الله عليه وسلم). المقدم: السيدة خولة كانت مشكلتها محلولة لكننا اليوم لا يعيش معنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . د هداية: لكن القرآن موجود والسنة الصحيحة موجودة. المقدم: لكننا الآن نعيش في عصر مليء بالخلافات وخاصة مع انتشار الفضائيات وكثرة الجماعات السنية والصوفية د هداية: الإسلام هو الإسلام إسلام واحد لا يوجد إسلام سني أو إسلام سلفي أو إسلام وهابي - طبعا محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه رجل اجتهد وترك، وأنا أرى أنه لم يقصد أبدا أن يكون هناك ما يسمى بالوهابية، فالإمام مالك عندما تكلم في الفقه لم يتكلم ليُقال المالكية، فهؤلاء الناس بريئون من هذا الفكر الفاسد، فهل وجدت شيئا اسمه المالكية والشافعية في حياة مالك والشافعي، وكان الشافعي تلميذ مالك والإثنان يعيشان معا؟ وقبل الشافعي ومالك أين الأبو بكرية والعُمرية؟ - ولذلك أسأل الله أن يطهر العقائد من هذا الفكر الفاسد فأنا مسلم فقط. سألني مرة أحد الأشخاص من شيخك؟! فقلت له: محمد. فسألني محمد من؟! فقلت له محمد ابن عبد الله فلم يعرفه فقلت له ابن عبد المطلب ابن ابن ابن عبد مناف ابن آدم محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا شيخي. وتجد في عقد الزواج يقول المأذون على شرع الله وعلى سنة رسول الله وعلى مذهب فلان. أي مذهب ؟! وعُدِّل العقد وأضيفت الشروط في عقد الزواج ليصبح من حق المرأة أن تشترط شروطا في عقد الزواج وجدوا هذا عند الإمام أحمد ابن حنبل ولا زال المأذون يقول على مذهب الإمام أبي حنيفة لأنه لا يدري. وهم كانوا يزعمون أن الإمام أحمد متشدد وعندما يجدون شخصاً متشدداً يقولون عليه حنبلي، فلم يجدوا موضوع الشروط للمرأة في عقد الزواج إلا عند أحمد ولم يجدوها عند الشافعي الذي يقولون عنه متساهل. الشافعي رحمة الله عليه في رأيه أمور أصعب مما كان يقول به أحمد بكثير. المقدم: نعود مرة أخرى لمسألة أن الصدق لا يأتي إلا من عند الله عندي آية (فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [يونس:32] د هداية: بالضبط إذا لم يقال الحق فلن تجد إلا الضلال لا يوجد حق إلا ربع أو إلا نص ولا يوجد حق تام، ولذلك عندما تكلم عن الكذب قال (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ) لكن عندما تكلم عن الصدق (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ)، وأريد أوضح نقطة هنا (صدق به) هو وغيره لكن غيره لا يدخل معه في النقطة الأولى (جاء بالصدق) ليس بأيديهم أن يدخلوا في (جاء بالصدق) لكن بأيديهم أن يصدقوا به وهؤلاء هم الصادقين. الذي جاء بالصدق هو الصادق ولذلك قال مع الصادقين وليس من الصادقين لأن الصادقين هم الأنبياء والمرسلين والذين صدقوهم واتبعوهم سيكونون معهم. المقدم: عندي أسئلة كثيرة أخرى ولكن بعد الفاصل --------فاصل--------- المقدم: (كذب على الله وكذب بالصدق) وأمامها (جاء بالصدق وصدق به) ( أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) هل هذه المقابلة تجيب عن السؤال الذي سألنا منذ أكثر من حلقة أنه لا يوجد وسط في الموضوع إما أبيض أو أسود. د هداية: بالضبط إما متقون أو غير متقين التي هي (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) لأن الذي كذب على الله أو كذب بالصدق توصيفه كافر. المقدم: هذه الكلمة أحيانا تؤذي البعض ويقولوا لا تقولوا كافر . د هداية: نحن لا نكفر أحدا نحن نشرح عن الله. المقدم: ولا نزدري أحدا. د هداية: الآخر ماذا يقول عني ؟! كافر. كافر بماذا ؟! بما عنده أيا كان باليهودية أو المسيحية التي يؤمن بها وهو أيضا كافر بما عندي. ونقطة أخرى ونحن نقولها والرسول (صلى الله عليه وسلم) علمنا أن نقول (آمنت بالله العظيم وكفرت بالجبت والطاغوت واستمسكت بالعروة الوثقى لا انفصام لها) إذا صغت جملة (كفرت بالجبت والطاغوت) جملة اسمية سأقول (أنا كافر) بماذا ؟! بما ليس من عند الله. من قال إن عزير ابن الله، إن عيسى ابن الله، أنا لا بد أن أكفر بهذا الكلام مع احترامي الكامل أن أصون له أن يعبد ما يشاء لأن ديني يعلمني (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) أعبد ما تشاء وتريدني أحرسك سأحرسك، وأحافظ عليك فهذا ديني لأني أنا أريده أن يسمعني وأنا أقول (آمنت بالله العظيم وكفرت بالجبت والطاغوت). وأصل كلمة كافر في اللغة تعني الفلاح فهو يستر البذرة تحت الأرض يكفرها (كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ) [الحديد:20] ولا نحب أن نقول على الفلاح زارع لأن علماء اللغة قالوا إن الله قال (أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [الواقعة:63-64] فالفلاح يسمى حارث، لأن حارث لغةً يمهد الأرض حتى يستر البذرة، وستر البذرة هذا الذي هو ستر العقيدة فالكافر يستر وجود الله، فالمعنى اللغوي يظل موجود والمعنى الإصطلاحي هو الذي ينتشر بعد العقيدة والإسلام ومحمد والحديث وأصبح تعريف الكافر ليس الفلاح . المقدم: وإنما الذي ستر العقيدة الذي هو كذب على الله وكذب بالصدق. د هداية: فإذا سألني شخص ما معنى الكافر ؟ سأقول له الكافر لغةً أي الحارث أما الكافر اصطلاحا أي الذي كفر بما أنزله الله على محمد المقدم: (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) د هداية: (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) في مقابل (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ) ولم يأت بها في صيغة سؤال لأن النتيجة هنا معروفة وهنا معروفة لكن نتيجة الكذب يريد أن يأتي بها عقيدةً أما في الثانية يريد أن يأتي بها مكافأةً. المقدم: (لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) [الزمر:34] د هداية: هذه الآية تحتاج شرح لماذا (ما يشاءون) بالتحديد ؟! المقدم: المعنى الذي جاء عندي، لأن الإنسان في الدنيا يعيش عبدا لله وليس سيدا وقد تتدخل في مشيئته البشرية شهوات كثيرة تخالف المنهج. د هداية: (قد) هنا للتحقيق . المقدم: نعم ولكنه يردع النفس حتى لا تنساق وراء الحرام وبالتالي المشيئة مقيدة في الدنيا بمنهج الله فإذا فزت بالفوز العظيم ودخلت الجنة فتحت لك المشيئة لكي تشتهي ما تشاء . د هداية: تريد أن تقول أن المشيئة مقيدة في الدنيا بمشيئة الله، سأضيف نقطة (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:27-29] لكن هنا لم يقيد (لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ). بمعنى أنه تعب واجتهد في الدنيا، بمعنى أنهم أوقفوا اختيارهم في الدنيا - أريد أن أفعل كذا ولكنني اخترت - إذن هناك شيء يحدث في الاختيار، لو عرض عليك أمرين الأول حلال والثاني حرام هل ستختار بين الإثنين أم أنك ستدرس الأول وتدرس الثاني ؟! فالأول حلال والفكر مطمئن له، أما الثاني بمجرد أن فكرت فيه وجدت نفسك تشتهيه وهو سهل جدا أسهل من الحلال، لكن هل انتبهت للتوصيف (المتقون) لم يقل المؤمنون مثلا فالمؤمنون أقل في الدرجة والمحسنون والمسلمون وجه أعلى فلماذا اختار المتقون من بين الخمس درجات (إسلام- إيمان- تقوى- إحسان- إسلام وجه لله) ؟! لأن هذا توصيف ما حدث في الموقف الذي قلناه فعندما عرض عليه الأمر الحرام لكي يريح فكره اتقى، في هذا الموقف تحديدا لا يصلح أن يكون مؤمناً أو مسلماً كان لا بد أن يتقي. المقدم: هذا هو السلاح الذي يصلح في هذا الموقف. د هداية: (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) في الدنيا أم في الآخرة؟! جاء بتوصيفهم وهو يتكلم عن الأمرين اللذين هم فعلوهما (جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) في الدنيا (لَهُم مَّا يَشَاءونَ) في الآخرة . المقدم: وبعدها (ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) فالتقوى كانت في الدنيا. د هداية: وتوصلك إلى الإحسان فلو كان تصرف بإيمان فقط لكان أمامه درجات فلما قال (ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) كأن المتقي نال جزاء المحسن. المقدم: أو كأن المعنى يقول أن من لزم التقوى وصل لدرجة الإحسان. د هداية: وسألتك سؤالاً َمْن المكلَّف بالصيام المؤمن أم المسلم ؟! المقدم: المسلم د هداية: قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) [البقرة:183] لماذا قال الذين آمنوا ؟! يريد أن يقول أنك إذا كنت مسلماً واتقيت وصمت سترتقي وتكون مؤمناً، فلم ينادِ على المسلم رغم أنك لكي تكون مسلماً وتبني إسلامك لا بد أن تصوم، إنما قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ) خفف بالنداء وهنا خفف بالنتيجة قال (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) جاء بالفعل الذي فعلوه ساعتها أنه اختار وتعب وجاهد نفسه وجاهد الوسوسة والتزيين ورفض فعل الحرام أيا كان من سرقة أو زنا أو رشوة أو كذب. فالتقوى أن تبعد نفسك عن أي مكان فيه شبهة ولا تنصت لكلام الشيطان مثلا يوسوس ويقول أنك لو ذهبت للمكان الفلاني سترى أشياء محرمة وبالتالي ستغض بصرك هناك. المقدم: أو مثلا يقول لك اذهب لمرقص ومكان مليء بالمحرمات لتذكر الله هناك وبالتالي ستذكر الله في مكان لا يذكره فيه أحد!. د هداية: هذا نصب واحتيال، وبإذن الله سنخصص حلقات عن تلبيس إبليس. المقدم: نريد أن نبدأ الحلقة القادمة بإذن الله بمسألتين مهمين ونبدأ في تطبيق ما نقوله وكلها مسائل متعلقة بالتطبيق، وخاصة أننا اليوم أضفنا آليات جديدة للصدق وهي التقوى والإحسان كأن أرتدي بدلة واقية لأُفعِّل التقوى وهذه البدلة في النهاية ستوصلني أن أكون من المحسنين. د هداية: والذي يفعل ما تقوله أنت يكون حراً رغم أنه يظهر وكأنه أسير. سأضرب لك مثالا أنت جالس في غرفة وتسمع صوت طلقات نارية بالخارج فتخاف لكن إذا علمت أن جدران الغرفة عازلة للرصاص ستطمئن وتتصرف بحرية دون خوف داخل هذه الغرفة. كذلك هذا الرصاص بمثابة وسوسة النفس والشيطان و ... المقدم: كذلك في القرآن ما يؤيد هذا المعنى (لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) [سبأ:37] د هداية: و(أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) [الفرقان:75] بما صبروا لأنه تعب وظهر كأنه أسير وصابر وآخر الفرقان هذا عملنا الأساسي ونبتعد ونعود له مرة أخرى. فهذه هي التقوى أي الوقاية. المقدم: جزاكم الله خيرا، ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 30/3/2010م و |
بارك الله فيك واثابك عنا كل خير
الموضوع كبير ولي عوده ان شاء الله قبل خروجي اضع شكري مرة اخرى |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 131 شرح آيات سورة الزمر ( لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبه الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، ونحن في سورة الزمر نسمع معا الآيات ونتكلم عن بعض القضايا الهامة ونربط الآيات ببعضها (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ * وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر:32-35] من الواضح أن هناك مقابلة بين الكذب والصدق ومقابلة أيضا في الجزاء بالنسبة لكليهما، وكنا تكلمنا عن من هم الذين جاؤوا بالصدق ومن الذين صدقوا به ولماذا أولئك هم المتقون؟. د هداية: النقطة التي وقفنا عندها لكي نبدأ منها أننا كنا وقفنا عند كنه التقوى بالنسبة للعمل. المقدم: ونضيف سؤالاً وهو أشبه بالفوازير لكني لم أقصد هذه الطريقة، لكن هل التقوى هي غاية أم وسيلة؟ أم هل هي محطة أو درجة سأصل لها؟ وإذا كانت محطة ما هي المحطات التي تليها؟ وهل هي محطة نهائية أم أنني في كل مرة أصل فيها مع المولى عز وجل لدرجة من التقوى أعتبرها محطة انطلاق جديدة لدرجة أعلى؟ فهل هي نهاية المطاف أم أنها سلسلة من الإرتحالات لإنطلاقات جديدة ؟! د هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليماً كثيراً وبعد. من فترة طويلة دارت أسئلة كثيرة في هذا المجال عن هل التقوى غاية أم وسيلة؟ هل الإحسان غاية أم وسيلة؟ لكن عندما تعرف أنها درجات لا يمكن أن تكون التقوى غاية لأنها لو كانت غاية لن تنتقل أبداً للإحسان ولو جعلت الإحسان غاية لن تنقل لإسلام الوجه، لذلك فالذكي الذي يأخذ كل درجة وسيلة للوصول لدرجة أعلى. والذي يؤيد هذا الفكر أنه قال (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءونَ) ويأخذوا جزاء المحسنين (ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ)، كأن (لَهُم مَّا يَشَاءونَ) ليس جزاء التقوى إنما جزاء الإحسان، كأنك أخذت التقوى وسيلة للوصول للإحسان دون أن نقول مسألة درجة وأخرى. لو كان قال (أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ) لكان هذا جزاء التقوى لكنه قال (ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) إذن فالتقوى وسيلة للوصول للإحسان. المقدم: أريد أن نوضح معنى الإحسان لأن الناس أحيانا تصل بفهمها للإحسان على أنه الصدقة مثل الدعاء الذي نسمعه (ربنا يجعل بيت المحسنين عمار) بمعنى أنك كلما أخرجت صدقات كلما أنعم الله عليك بتعمير دارك. وبهذا أختزل مفهوم الإحسان في الشخص الذي يتبرع بماله فقط، فكيف نوسع مفهوم الإحسان عند الناس؟! د هداية: أولاً الآيات هنا تبين أن العقيدة مسألة لا بد أن تفعلها أثناء حياتك، فالعقيدة ليست إختباراً في سؤال واحد وتنجح فيه وفقط بل أنت في الدنيا تعيش - ليس هناك وقفة لتستشعر النتيجة وتطمئن وتكمل - والإختبار الحقيقي هو أسئلة القبر، فلا بد أن تجدد العقيدة السليمة في كل عمل. وهذا هو السؤال الذي كنت تسأل فيه هل التقوى غاية أو وسيلة ؟! فكما قلنا عندما تؤمن نفسك بالوقاية ضد الرصاص - والرصاص هذا من وسوسة وشياطين إنس وشياطين جن - (راجع/ التوبة والإستغفار (130)) هذا في حد ذاته ليس غاية فالتقوى في حد ذاتها ليست غاية. وإنما التقوى وسيلة لأني لا زلت أعيش وتعرض عليَّ الذنوب يوميا فإذا نجحت اليوم في الهروب من الذنب لن يتركني الشيطان كل يوم وأنا مطالب أن أرد عليه سأنفذ الوسوسة أم لا؟ وأكبر دليل على أن المسألة لا تقف عند حد درجة أبدا هذه الآيات لأنها تعرض لمسألة الكذب والصدق في تلقي الرسالة من عهد آدم إلى يوم القيامة فمن الناس من صدق ومنهم من كذب والنتائج لن تظهر في الدنيا وإنما النتائج في الآخرة. فالدنيا عبارة عن امتحانات متتالية والذي ينجح مرة واثنين وثلاثة... يوضع في الدرجة التي تناسبه، لذلك هناك درجات مختلفة من إسلام إلى إيمان إلى تقوى إلى إحسان إلى اسلام وجه لله فأنت ترتقي الدرجة، والذي لا بد أن ننتبه له أنك من الممكن أن تكون في درجة الإحسان وتنزل مرة أخرى للإسلام بغلطة، فليس من قبيل الصدفة (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا). فبالرغم من أنهم وصفوا بالإحسان إلا أن الله عز وجل سيكفر عنهم أسوأ الذي عملوا، فالمتصور أن المحسنين في الجنة إذا داوموا على الإحسان (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) وكلمة (أسوأ) في منتهى الخطورة فبالمنطق المجرد لا تأتي مع الإحسان أبدا لكنها معروضة هنا لهدف أنه من الممكن أن يحدث عرقلة في أي وقت آناء الليل وأطراف النهار . المقدم: ولماذا استخدم المولى عز وجل هنا أفعل التفضيل (أسوأ) لماذا لم يقل كل السيئات ؟! د هداية: هذا سؤال جيد جدا في هذه الآية، عندما عرضنا (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ) وقلنا أنك إذا سألت أي شخص عن عباد الرحمن سيؤكد أنهم أحسن فرقة وغير وارد أبدا أنهم يقعوا في عمل سيئ أو (أسوأ) فهؤلاء هم (الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا) [الفرقان:63-64] فأعمالهم كلها منضبطة، ولو كان المولى عز وجل تركها هكذا لما صان احتمال أن يقع عبد من عباد الرحمن في خطأ، إنما من رحمة هذا الرحمن أنه يقول والذين لا ولا ويعرض لأسوأ صفات - فيها توقيع لسورة الزمر (أسوأ) - كأن الفرقان توقيع الزمر، فأنت لا تتصور كلمة أسوأ مع المحسنين. وهل يوجد أسوأ من الشِرْك ؟! المقدم: لا د هداية: جاءت في الفرقان مع القتل والزنا، فإذا طلبت منك أن ترتب أسوأ المحتمل في العمل عموما وليس في فئة معينة أول شئ سيأتي في ذهنك (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) [النساء:116] فالشِرْك منه يستطيع الشيطان أن يأخذ الإنسان لكل عمل سيئ، لأنه طالما أشرك أصبح القلب خاوياً، قال المولى عز وجل (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء) [ابراهيم:43] معنى وأفئدتهم هواء ليس فيها عقيدة ولا إيمان ولا إحسان ولا تقوى فيجعله هذا يفعل أسوأ ما يخطر على بالك. (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ) لام التعليل هنا ليكفر الله عنهم بالجزاء أم أنهم نتيجة التكفير أخذوا الجزاء؟! وانتبه الجزاء كان أعلى من الذي فعلوه فهم عملوا تقوى أعطاهم جزاء المحسن، وهذه قاعدة إلهية إذا أنت عملت عملاً صالحاً تأخذ جزاء أحسن منه، كلما تتقدم في مرحلة تأخذ جزاء أعلى منها كأنك تترقى، فهذا الإله يعلن سبحانه وتعالى أنه يكافئ المسلم والمؤمن والمتقي والمحسن ومسلم الوجه، وجاء بمثال المتقي أعطاه جزاء الإحسان. فالسؤال هل المولى عز وجل يكفر الذي فعلوه قبل الإحسان أم بعد الإحسان؟! هل التكفير بأن أعطاه جزاء المحسن أم أن جزاء المحسن سيجعله يكفِّر؟! المقدم: الإجابة على هذا السؤال المهم بعد الفاصل --------فاصل--------- المقدم: السؤال الذي طرحناه قبل الفاصل مهم جدا ونجيب عنه د هداية: أنا أرى أن درجة الإحسان بين الخمس درجات التي وضعناها في بداية شغلنا في العقيدة هي أفضل درجة بعدها لا يفعل أسوأ يعني (أسوأ) محتمل أن تكون قبلها. فحتى عندما تكون في مرحلة التقوى ممكن تقع في الخطأ . المقدم: رغم أنك مُؤَمَّن بوقاية. د هداية: نعم، وهنا لا بد أن نقف ونعرض كيف نقع في الذنب فلو شخصنا مرة واحدة صحيحة لماذا نقع من الممكن ألا أقع ثانيةً في الكبائر، فممكن للذي يستعرض هذه الآية يقول أنه طالما أننا في مرحلة تقوى وإحسان إذن من الممكن أن يقع في اللمم لكن لا يقع في الكبائر (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم:32] فالقرآن بينها أن هذا التوصيف ممكن أن يكون للمحسن لكن انتبه أنك مع التقوى ممكن تقع في الكبيرة، لذلك عندما صاغها في عباد الرحمن قال (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) [الفرقان:68] بالنفي ومع ذلك صان احتمال مبدع قال (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا). لا بد أن يكون تعريف المتقي والمحسن معنا طيلة المشوار عندما جاء جبريل عليه السلام للرسول (صلى الله عليه وسلم) في صورة شخص وسأله ما الإحسان؟ رد عليه وقال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فالمحسن يعمل صفة الرقيب دائما فمتى يخطئ ؟ المقدم: عندما ينسى هذه الصفة. د هداية: بالضبط عندما يعطل صفة الرقيب ويعطل السياج الواقي المفترض إذن هناك وسيلة أخرى للشيطان يعملها معك وأنت في مرحلة الإحسان ونجاحه الحقيقي عندما ينسيك وأنت في مرحلة الإحسان وليس في التقوى. فأنت كعبد يجب أن تتذكر دائما أن هناك معركة بينك وبين إبليس لعنة الله عليه وجنوده شياطين إنس وشياطين جن آناء الليل وأطراف النهار، فأنت ناجح في الوقاية وفي الإحسان لكن انتبه جيدا لأنه من الممكن أن يستدرجك ولو قبل الموت. المقدم: سُئلت من قبل في القاعدة التي نعرفها (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [النجم:38] فكيف أكون طيلة عمري ملتزماً وقبل الموت تعرقلت في معصية ولم يتسنَ لي أن أتوب عنها؟ سواء كانت معصية صغيرة أو كبيرة ، فهل المولى عز وجل يهمل حساب 60 أو 70 عاما ويحاسبني على معصية يوم ؟! د هداية: المسألة ليست هكذا أبدا، هنا نرد بالآيتين (فأما من ثقلت وأما من خفت) (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) [القارعة:6-9] إذن هناك ميزان والسؤال المهم هو كيف كانت عقيدته عند الموت؟! إذا كانت عقيدة سليمة ستوزن أعماله أما إذا كانت الغلطة في العقيدة فلا يكون هناك ميزان للأعمال. فأول سؤال في القبر من ربك؟ وهذا سؤال عقيدة، ثم ما دينك؟ وهذا أيضا سؤال عقيدة، ما قولك... فأي مخلوق لله تبارك وتعالى يحدد مكانه إما في الجنة أو النار بالنسبة للعقيدة. المقدم: والعمل ؟! د هداية: ستقف يوم القيامة ويقول المولى عز وجل (اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا) [الإسراء:14] ويبدأ الميزان ويحدد الدرجة فأنت في الجنة لكن في أي درجة؟ العمل سيحدد وكذلك الذي يدخل النار عمله سيحدد درجته في النار. ولذلك في حديث البراء ابن عازب الأوحد الصحيح في هذا الباب الرسول (صلى الله عليه وسلم) قسم على قسمين قال (إذا كان العبد المؤمن في انقطاع من الدنيا وإقبال من الإخرة... وإذا كان العبد الكافر في انقطاع من الدنيا وإقبال من الإخرة...) النتائج في الأولى (أن صدق عبدي فألبسوه من الجنة وأفرشوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة) ليس لنا علاقة بالميزان لكنه في الجنة والميزان الذي سيحدد الدرجة في الجنة، وفي الثانية (أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وافتحوا له بابا إلى النار) والعمل أيضا هو الذي سيحدد الدرجة. كأن الدنيا قسمت على اثنين عندما يتعرض علاء مثلا لوسوسة - ونحن شبهناها بالرصاص الخارجي - إذا أعمل التقوى فصعب الوصول له ومع ذلك إذا وصل - ووقع في الذنب - سيقسم هذا العمل على اثنين بحسب عقيدتك، ما عقيدتك فيه؟ هناك فرق كبير بين الذي أخطأ وهو يلوم نفسه على هذا الخطأ، والذي أخطأ وهو غير مبالٍ. المقدم: كنت في ندوة في الأسكندرية وأنا أسير في طريقي عائدا للمنزل وجدت فتاتين ويسير إلى جانبهما شابين داخل سيارة، فذهبت إلى الشابين - من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وعرفتهما بنفسي، وسألتما عما كانا يفعلانه من معاكسة الفتيات فشعرا بالإحراج وكنت سأبدأ في نصحهما لكني وجدت معهما داخل السيارة (زجاجة خمر) فسلمت عليهما وتركتهما. وهنا نريد أن نقول لأولي الأمر في الدول الإسلامية أنه تحت دعاوى السياحة انتشرت المحلات التي تبيع الخمور، وهذا يعرض شبابنا للخطر ونعود بعدها ونشكوا من كثرة جرائم القتل والإغتصاب والسرقة، فأرجو أن نراجع أنفسنا في هذا الأمر لأنه خطير جدا؟ د هداية: الذي أريد أن أوضحه أن هذين الشابين شعرا بالإحراج عندما سألتهما فهذا معناه أن التوبة بالنسبة له ليست بعيدة أما الذي لا يشعر بالإحراج بعد الوقوع في الذنب معناه أن التوبة بالنسبة له ليست قريبة. فإذا ماتت العقيدة لن تبعث ثانية وسيستمر في هذا الطريق أما إذا كانت العقيدة سليمة فهذا يؤكد حقيقة التوبة في الإسلام أنها منهج حياة (يأيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه فإني أستغفره وأتوب إليه في اليوم مائة مرة) من هذا الحديث نفهم أن الذي لم يقع حتى في المعصية عليه أن يتوب أي يرجع لأنه طالما أنني في معية الله لن أقع لكن إذا ابتعدت! كأن التوبة تُقربك من الله وتحيي فيك العقيدة بقولك (أستغفر الله أستغفر الله... تبت إلى الله، ندمت على ما فعلت، رجعت إلى الله) هذه الألفاظ تحيي موات العقيدة وتحيي موات القلب، فبالتوبة الإنسان يعيش ولذلك لا بد أن ندرس جيدا مسألة كيف أقع في الذنب وماذا يحدث بعد الوقوع في الذنب لنعلم المسلم كيف يشخِّص خطأه. المقدم: وعندي سؤال يمكن أن نضيفه وهو كيف أعرف أنني أحسن العمل؟ وهل أستطيع أن أقيّم نفسي؟ وسنجيب بعد الفاصل --------فاصل--------- المقدم: ما هي الآلية التي أستطيع أن أعمل بها ؟! وكيف يتأكد المسلم أنه يحسن العمل ؟! د هداية: هذه هي مسألة التقييم وهي ذات أهمية قصوى من الآية (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف:103-104] وانتبه لكلمة أعمالا معناها أن لهم أعمال، وكذلك أفعل التفضيل في (الأخسرين) يعني هناك خاسر وأخسر، وكلمة سعيهم معناها أن لهم سعي لكن المصيبة وهم لا يشعرون (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) فهنا لا يوجد تقييم وهو متصور أنه على صواب. المقدم: نسأل الله أن يهدي كل مسلم فيوجد بعض الناس كلمة الدين عندهم لا تأتي إلا بالتطرف. د هداية: لكي نكون منصفين هذا التطرف لم يأت وليد الصدفة، فمن أسهم في إنشاء الجماعات المتطرفة؟ الدول والجماعات والشعوب، لسبب بسيط وهو كيف نحارب هذا التطرف ؟! كيف تطالب الناس بعدم التطرف وأنت كل أفعالك دافعة للتطرف ؟! المقدم: وهناك أيضا تطرف معاكس وهو الإنحلال والشذوذ والعربدة والعري... د هداية: معنى التطرف البعد عن الوسط إلى أي طرف المقدم: وكذلك الرجل الذي يُكفِّر المجتمع كله ويحل دمه وماله هذا متطرف. د هداية: هل تم معالجته ؟! المقدم: لا، لأن مواجهة هذا التطرف في الفترة الماضية كلها كانت مواجهة أمنية فقط . د هداية: مثال/ أنت منعت المخدرات بالقانون من متاجرة لحيازة لتعاطي، لكن هل عالجت المدمن ؟! ماذا فعل قانون المنع؟! المقدم: عمل سوق سوداء د هداية: والمخدرات موجودة بكل أنواعها بل أنك إذا وجدت شخصاً هرب من كمين الشرطة تجد الناس تساعده للهروب من الشرطة لأن هدفها الأساسي أن تبعده عن السلطة فأصبحت السلطة مكروهة لأنك لا تعالج. لم تطبق مثلا على مدمن أن تجعله يعترف بالإدمان في مقابل أن تودعه في مصحة لعلاج الإدمان. المقدم: معلوماتي المتواضعة أن هناك صندوق مكافحة الإدمان والتعاطي في مصر. د هداية: أين هو في الإعلان عنه في القانون؟ المدمن لا بد أن يهاجم ويحبس ولم نفترض أنه مريض في المقابل في أوروبا وأمريكا هناك نعرة تقول أن الشاذ مريض لا بد من علاجه وليس حبسه. وأنا أسأل المدمن أم الشاذ؟! المدمن أرحم وعلاجه أسهل ويحسن المجتمع أما الشاذ علاجه أصعب. المقدم: لكن ليس مستحيلاً د هداية: بالضبط، هناك فرق بين أن أساهم في تطرف أو أقضي عليه، فنحن لا نعالج المعالجة التي تمنع التطرف. التطرف يبدأ مجرد فكر - وينتهي إجرام واعتداء... فهذا الذي انتهى إليه ليس تطرفاً وإنما تحول إلى إجرام وتذكر عندما قلنا أن ما يحدث الآن ليس إرهابا (راجع/ حلقة التوبة والإستغفار (119) ) لكن السؤال هل عالجت الفكر من البداية. القرآن يعالج ويضع الأمور في نصابها ويعلمك كيف تقيم (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) كأنه يريد أن يقول انتبه فهذه الفئة تحتاج لتقويم. المقدم: هل ترى فضيلتك أن التربة في المجتمعات الإسلامية مهيأة لهذا التقويم لأن هناك الكثير ممن يقول أن المجتمع المسلم انقسم للعديد من الفئات بينهم خصومات ونزاعات ونسينا أخوة الإسلام والتناصح بين المسلمين. د هداية: قلنا أن الإسلام كرسالة خاتمة جاءت لأخوة البشرية كلها لذلك كل رسول سابق على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يقول (يا قوم) أما محمد (صلى الله عليه وسلم) يقول (يا أيها الناس) حتى في مسألة التوبة لم يطالب بها المسلم أو المؤمن أو المتقي، فالتوبة درجة عالية جدا ورغم ذلك قال (يا أيها الناس استغفروا ربكم وتوبوا إليه...) كأني بمحمد (صلى الله عليه وسلم) من هذا الحديث يجعل الإسلام توبة. المسلم توبته هي (تبت إلى الله ورجعت إلى الله)، وغير المسلم توبته الإسلام فهو (صلى الله عليه وسلم) لم يخاطب فقط بالقرآن الناس بل خاطب أيضا بحديثه وبكلامه وبدعوته، فهذا الحديث دعوة للتوبة ولكن التوبة تختلف من تائب إلى تائب، فمحمد (صلى الله عليه وسلم) لم يمل من دعوة الناس حتى بالحديث ليس بالقرآن فقط. أصبح الإسلام عند محمد أخذ عالمية الدعوة وأصبح ينادي الناس حتى بالحديث ولم يقتر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الدعوة فعالمية الدعوة تدفعنا جميعا عند الوقوف على الغاية من الآية - وهي تقييم العمل - أن نقوِّم العمل، فبعد التقييم يأتي التقويم. أريد أن نبدأ الحلقة القادمة أننا عندما نقع في الخطأ نرجع أم لا ؟! كيف نقع ؟! وكيف نرجع وكيف لا نرجع ؟! وهذا يتضح من سورة سبأ في عمل إبليس وجنوده مع بني آدم، حتى مع المسلم والمتقي لم يسلم أبدا ويدخل لكل من المنطقة التي ينجح فيها، ولذلك هناك فرق بين النفس اللوامة ولن أقول النفس المطمئنة حتى يكون الكلام صحيحاً بل أقول والنفس التي تطمئن لعمل، لأننا اتفقنا أن النفس المطمئنة تكون نتيجة في الآخرة ولا تكون في الدنيا. شطارة المؤمن أو المسلم أو المتقي أو المحسن أو مسلم الوجه هو أن تظل النفس معه لوامة، وتقسيم النفس إلى نفس أمارة ونفس لوامة ونفس مطمئنة هذا تقسيم خاطئ ومن فضل الله علينا لتصحيح هذا الفهم أن سورة الفجر نفسها بيّنت أن الذي يطمئن في الدنيا يهلك (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ) [الفجر:15] ربي أكرمن معناها أنه اطمئن للغنى (وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) وهذا أعجب فمن المقبول أن يطمئن الشخص للغنى لكن كونه يطمئن للفقر (فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ) هذه هي المشكلة. المقدم: الإثنان تواكلوا د هداية: في حين أن التقييم الصحيح أن أقول لا الغنى دليل الكرم ولا الفقر دليل الإهانة إنما حسم القضية من القرآن بالقرآن (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) غني أو فقير، وأيضا التقوى هنا لا أطمئن لها لأنه لا بد أن أصل للإحسان والإحسان يجعلني أصل للإسلام وساعة يكون هناك اسلام وجه لا تطمئن (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) [فاطر:6] لأنه هنا قال لكم ولكم هنا تشمل المسلم وغير المسلم والمؤمن و... فهو لم يحدد قال لكم إذن المشكلة في التلقي وإبليس نفسه قال لهم (ولاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم) [ابراهيم:22] كل ما يفعله إبليس أنه يدعو، وسنوضح كيف يقع الشخص في المعصية وكيف يتوب عنها أو لا وكيف إذا تاب وندم يعود مرة ثانية أو لا المقدم: أحد الآليات والأسلحة أن الذي يفعل المعصية وله صديق سوء يشجعه على المعصية لا بد من مقاطعته أو مكان يساعد على المعصية يمنع نفسه من الذهاب إليه. د هداية: الزمان والمكان (لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ) (عند) هي المشكلة لأنها ظرف زمان ومكان (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) [آل عمران:19] لا بد لكي تجاهد نفسك في عدم الوقوع في المعصية أن تبتعد عن رفيق السوء ومكان السوء. ما معنى عند ؟! كأن المشيئة في الآخرة لا تكون إلا عنده و(عند) رغم أنها ظرف زمان ومكان إلا أنها ظرف غير متمكن بمعنى أنني لا أستطيع أن أقول مثلا (عندك واسع) فأنا أقول (عند الليل، وعند الحائط) ولما نسمع (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ) لا بد أن نفهم لأنني وجدت بعدها مسلم يخرج من الإسلام فلا بد من وقفة لكي نفهم. د هداية: ونحن من آية سورة ابراهيم نأخذ التشخيص والعلاج لأننا إذا شخّصنا بطريقة صحيحة العلاج سيثمر أما إذا شخّصنا بطريقة خاطئة لن يثمر العلاج. المقدم: سنعرض لهذا بإذن الله في الحلقة القادمة وسنعرض لخطبة إبليس اللعين يوم القيامة فيقول أنه مجرد دعا وأنتم استجبتم، (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء:76] وهل نحن نقوّيه أم نضعف قدراتنا ونكمل في الحلقة القادمة ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 20/4/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 132 شرح الآيات (20- 21) من سورة سبأ المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الاحبه الكرام، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، الحلقة السابقة ذكرتنا بالحلم الجميل ألا وهو الإرتحال والقراءة المتأنية لكتاب الله عز وجل، فكلما تدبر الإنسان يكتشف هناك معاني جديدة فلا يستطيع شخص أن يقول أنه ألمَّ بكل معاني القرآن الكريم بل إنه في كل مرة من القراءة المتأنية تعطينا معنى بل معاني جديدة. فأنا لا أشكر في البرنامج ولا في الجهد المتواضع الذي يبذل، ولكني أشعر بأن هذا الجهد وأي جهد في مجال الدعوة يعتبر صدقة جارية، ونسأل الله القبول وأن ينتفع به وأن يفتح الله علينا. كنا وقفنا في سورة الزمر عن المقابلة بين الصدق والكذب، ونسمع معا الآيات ثم نذهب لسورة سبأ (لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الزمر:34-35] كنا اتفقنا أن هناك نوع من المقابلة في مسألة المشيئة في الدنيا فالإنسان المؤمن مشيئته مقيدة، منذ أن وقّع على العقد الذي بينه وبين المولى عز وجل كان هناك اشتراطات افعل كذا ولا تفعل كذا بينما في الجنة المشيئة مطلقة. ونلاحظ أيضا في قول المولى عز وجل (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) وشرحناها وقلنا أنه في سورة الفرقان أسوأ الأعمال هي: الكفر والقتل والزنا، (وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) إذن المولى سيكفر أسوأ الذي عملوا ويجزيهم بأحسن أجر لهم. فالمقارنات دائما توضح أن هناك فريقان (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) [الشورى:7] ، فلماذا يكون التكفير لأسوأ الأعمال والجزاء بأحسن الأعمال؟. فهل معنى الصياغة هنا أن المولى عز وجل سيعطينا جزاء عن أحسن الأعمال فقط لكن الأعمال الحسنة فقط لن تحسب؟! د. هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليما كثيرا وبعد، هذه الآية جاءت لكي لا يتخيل أي شخص أنه طالما وقع في الكبائر إذن فليس له توبة. لذلك قال أنه سيكفر أسوأ الذي فعلته فإذا كفَّر الأسوأ فمن باب أولى أن يكفِّر الأقل سوءا، فهذه الآية لكي يطمئن كل مسلم وقع في كبيرة من الكبائر، وتطبيقها (ُقُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53] أسرفوا هنا تعطي معنى أنه لم يترك شيئاً لم يفعله. وسنتحدث في نقطة أننا كيف نقع في المعصية؟ التزيين والشهوة، إلخ. فقال (لا تقنطوا من رحمة الله) فإذا رحم الله تبارك وتعالى الله برحمته - ليس بكونه الرحيم - الرحمن يكفر عنك أسوأ ما عملت فما بالك بالأدنى؟!! أولا هذه الآية تطمئن الذي فعل أكبر الكبائر، فلا يأتي شخص ويقول أريد أن أحكي لك ما فعلت من ذنوب فمهما كان الذنب الذي فعلته الله تبارك وتعالى يكفِّر بتوبة صادقة، بنية صادقة، بإخلاص في العودة. وساعة يكفِّر عنك هذا العمل الأسوأ على الإطلاق يجزيك بأحسن الأعمال، مثال/ رجل صحيفته فيها حسنات ثم جاء هذا الرجل ووقع في معصية من قمم المعاصي أسوأ معصية فتاب هذا الرجل على مراد الله. المقدم: طبقا للمنهج. د هداية: فالقاعدة في سورة الفرقان (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان:70] إذن يكفِّر أي يمحي المعصية تماما - قلنا زمان يكفر أي يستر بستر الستير سبحانه وتعالى حتى تتحول السيئة لحسنة وعندما تكون حسنة يعطيها لك المولى بأحسن حسنة عندك في صحيفتك (بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) وعندما يكفِّر أسوأ ذنب فهو بذلك يمحي أكبر معصية بأن تتحول إلى حسنة ويعطيك بها أعلى درجة عندك في الإحسان. النقطة الأخرى في (عملوا) و(يعملون) عندما كفّر الذنب قال (عملوا) وعندما يعطيك الأجر قال (الذي كانوا يعملون) لماذا؟ لكي يقول لك أن التكفير في مرحلة قبل الإحسان فالذنب تم الوقوع فيه وانتهى أما الإحسان يريد أن يقول لك كن واعيا وأكثِر من الحسنات قدر استطاعتك لكي تأخذ أعلى درجة فالفرصة متاحة. المقدم: وهذا أيضا تطبيق لآيات سورة الفرقان د هداية: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) ثم قال (وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) [الفرقان:71] يريد أن يقول أن العمل الصالح لا بد أن يأتي بعد التوبة ويستمر لكي نأخذ أعلى درجة عندك في الحسنات نكافئك على ما تم تكفيره من السيئات، كأن عمل الحسنات والمداومة عليه يزيد فرصتك في أن تصل بحسنة من الحسنات لأعلى درجة وتكون هذه أحسن الأعمال بالنسبة لك ويجزيك الله بها عن أسوأ الأعمال وقال (بأحسن الذي كانوا يعملون) المقدم: ولماذا قال هنا يعملون؟ وهل هناك فرق بين أعلى درجة ودرجة أقل؟ فنسمع البعض يقول المهم أن ندخل الجنة في أي درجة ليس هناك فرق. د هداية: الصنف الذي تتكلم عنه لم يتحدث عنه القرآن فالقرآن تكلم عن أحسن صنف من الناس قال (خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) [المطففين:26] وليس القانعين الكسولين ولذلك قال يعملون في الحسنات، فأنت ما عليك إلا أن تعمل وتجتهد في العمل الصالح لتصل به إلى أعلى الدرجات والمولى عز وجل إن شاء سيبدل لك سيئاتك بأحسن ما عملت. وكأني بالقاعدة القرآنية كما قلنا القرآن يشرح بعضه بعضا ويؤكد بعضه بعضا (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود:114] إذن فالمولى عز وجل لا يفعل هذا وأنت كسول أو وأنت محاط بالسيئات (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة:81] لا تجلس بلا عمل صالح أولا تستغفر وتتوب ثم تعمل عملاً صالحاً وتزيد في درجة الحسنات لأعلى درجة. المقدم: هذه الحالة عكس الوقاية التي تكلمنا عنها. د هداية: بالضبط هنا التقوى أمَّنته وهنا المعصية حاصرته فعملت عنده وقاية من طاعة الله فقال (بلى) من كسب سيئة، ثم قال بعدها جملة في غاية الثقل (وأحاطت به خطيئته) كأن الخطيئة هنا جعلته لا يسمع كلام المولى عز وجل في قوله (إن الحسنات يذهبن السيئات)، (فاؤلئك يبدل الله سيئاتهم حسنات)، وفي كل آيات العمل (وقل اعملوا...) حاصرته لدرجة أنها أصمت أذنيه وقلبه عن سماع آيات الله التي فيها تبديل للكفر والسيئات بالحسنات. المقدم: وهناك آية أخرى أيضا أعتقد أنها تتحدث في نفس المعنى (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [الأحقاف:16] د هداية: ليس منهم بل عنهم مثلما قلنا (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [الشورى:25] فالتوبة منذ عهد آدم عليه السلام لم تأت ذاتية أبدا - ليست منه - فلم يقل تبت إلى الله من نفسه، فأكبر دليل أن الله يقبلها عني أنه هو الذي أعطاني إياها وليس المعنى ان الله يمن على العبد ولكنه يطمئنه انه قبل هذه التوبة حتى وان قالها بطريقه غير صحيحه لغويا فهو يقبلها عنك ويصححها. المقدم: قال تعالى (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) وليس اسوأ سيئاتهم وكذلك (فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ) كل هذه التساؤلات سنجيب عليها بعد الفاصل. ********فاصل ********** المقدم: في سورة الزمر قال تعالى (لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) وفي الآيه السابقه عن سيئاتهم كلها وكذلك في أصحاب الجنة د هدايه: لانك شرعت فالناس تقول انه تاب ومات قبل أن يعمل العمل الصالح أنت تتكلم هنا عن السميع الخبير هو يعلم ان كنت ستعمل أو لا تعمل لا يستوقفك هذا - تعامل مع الله بما هو أهله لا بما انت أهله . المقدم: أليس بطريقة الحسبة تطمئن فالحسنة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها . د هدايه: (لِمَن يَشَاء) المقدم: أليس هذا في حد ذاته يطمئن من طريقة الحساب . د هدايه: هو يطمئن ولكن يطمئن من؟ النفس المطمئنة التي يقال لها عند الموت (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) التي تعبت جداً فى الدنيا والتي دائماً ما كانت تعاتب صاحبها على السيئات بل وتحاسبه على الحسنات أيضاً فتقول له كان من الممكن أن يكون افضل من ذلك فهذا الانسان يعيش في صراع دائم مع نفسه فانتقل من القلق فى الدنيا إلى الاطمئنان فى الآخرة ويقال لها (ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) وهذه (فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ). المقدم: نلاحظ في هذه الآية ما يبدو انه تكرار ولكنه أكيد ليس كذلك فـ(راضية) تعود على النفس ومرضية تعود على النفس أيضاً . د. هدايه: لانك عملت عملاً يساوى عشر حسنات فحين تجد العشر حسنات تكون راضياً أما إذا وجدتها مائة ألف ستكون مرضياً. فيريد ان يقول لك لن تقف عند راضية أبداً لأن هذا عطاء الكريم . المقدم: لماذا عندما تجاوز المولى عن السيئات لم يقل أسوأ ؟! د. هداية: إذا قرأتها وشعرت بالقلق إرجع إلى سورة الزمر وتذكر أنه يكفر أسوأ؛ لأنه إذا كرر كلمة أسوأ مرتين أو ثلاثة أو أربعة فافترض أنك تعمل أسوأ، لكنه بهذا افترض أنك تخطئ الخطأ الكبير مرة واحدة. وعندما يلفت نظرك إليها المفروض أنك لا تفعلها ثانيةً، فآيات القرآن حاكمة معلمة فكلمة أسوأ جاءت في القرآن كله مرة واحدة لينبهك أنك لا بد أن تكون من الذكاء بمكان لتعي أن الكبائر لا تقع فيها إلا مرة. وبالرغم من ذلك نقول أن الذي وقع في الكبيرة أكثر من مرة لا ييأس (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) المقدم: في الآية الثانية (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) مسألة القبول هنا مختلفة عن التكفير والجزاء في سورة الزمر لماذا؟! د هدايه: لأن العقيدة السليمة عند المسلم أنه ساعة يخطئ الخطأ الذي كان لا بد ألا يقع فيه يكون في حالة من الخجل من نفسه ولا يستطيع أن يتكلم عن معصيته وإن كان يستطيع أن يصيغ صياغة صحيحة، فالمولى لذلك يطمئن المؤمن حتى لا تحاصره الخطيئة. المقدم: وهنا أيضا ملمح آخر في مسألة تقبل أحسن الأعمال (أن الله طيب لا يقبل إلا طيبا) ولأن مقامه كبير جدا لا يقبل إلا أحسن الأعمال. د. هداية: لا هو هنا يعطيك أعلى درجة أخذتها على أحسن عمل عملته. المقدم: في سورة الزمر صيغة المفرد (يكفر الله عنهم) لكن في الآية الثانية جمع (أولئك الذين نتقبل عنهم) لماذا هذه الفروقات ؟! د. هداية: هنا تتضاعف الرحمة فتكون صيغة الجمع للتعظيم، لأنه من مداخل الشيطان أن يقنطك ويقول لك أنت أخطأت في الكبير المتعال سبحانه وتعالى فلن يغفر لك. لا فهو كبير نعم ورحمته أيضا وسعت كل شئ سبحانه وتعالى، فهذا يعطينا مزيد من الإطمئنان المهم ألا نُحاصر بالمعصية ولا تحيط بنا الخطيئة فتبعدنا عن رحمة الله سبحانه وتعالى. المقدم: (وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) د. هداية: (كانوا) لأن هذا الوعد كان عندهم. الذي سيدخل النار أعاذنا الله منها لأنه لم يأخذ بالوعد فالوعد كان عنده بقرآن استهزأ به وسخر منه ورسول سخرت منه وصحابة وضعتهم موضع اتهام وكان لا بد منك ألا تقف عند أحد، وإذا سمعت عن الصديق تقلده أو عن عمر رضي الله عنهم ولا تقول أنهم كانو يعيشون مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولن أستطيع أن أفعل مثلهم، المهم أن تعمل ولا تلتفت إلى مثل هذه الأمور. وفي هذه الآية أيضاً نوع من الحسرة والملامة فالوعد كان موجود وهم الذين رفضوه. المقدم: لماذا وصف الوعد بالصدق ؟! د. هداية: هنا أريد أن أوضح أن القرآن كله عمل ليس فيه أمور نظرية. الذي اتبع الشيطان والوسوسة، هل هذا صدق بالحق عندما جاءه أم كذب به؟! المقدم: كذب به. د. هداية: الذي صدق بالصدق لابد أن يعمل والذي كذب أيضاً يعمل، الأول عمل بالتصديق وكانت أعماله خير والثاني عمل بالتكذيب. فالمسألة لا تقف عند القول؛ لأن الذي صدَّق بالصدق دليل صدقه هو العمل. فالإشكالية أن بعض الناس فهمت آيات القول عند حد القول (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) أنت كمسلم واعي لا بد أن تفهم هذا الحديث الصحيح على مراد الله ورسوله، فلو سلَّمنا هنا أن كلمة قال هنا تقف عند حد القول لكان المنافق في الجنة. وإنما معناها قال وعمل بما قال، لذلك عندما عرفوا الإيمان - كل الحكماء والفقهاء والصحابة والتابعين وتابعي التابعين - قالوا: الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل. المقدم: إذا تكلمنا عن آليات تقويم النفس وننظر للأخطاء التي نقع فيها وكيف نقع فيها، ما العمل الذي مع الذي يعمل عملا منفكاً عن عمل، مثال: الراقصة التي تقول أن الرقص فن ورسالة ورغم ذلك تذهب للحج كل عام. واستوقفتني كلمة لفنانة من الفنانات عندما سألتها الصحافة أنها لماذا تقدم هذه الأعمال وترتدي فيها ملابس غير محتشمة، فكانت إجباتها غريبة حيث قالت: ماذا تنتظرون من إمرأة مثلي (راقصة)؟! د. هداية: من مجمل هذا القول - لأنه ممكن أن يقال بأكثر من طريقة وفي أكثر من مكان - نفس الذي قيل في (20،21) سبأ. الذي حدث مع هذه وذاك هو الذي تم تحذيرنا منه في (20،21) سبأ. ما الذي حدث بين عمل إبليس معنا؟! وكيف اشتغل هو ولم يفتر في سبيل ما أقسم به وعليه؟! ونحن نسينا هذا التحذير الإلهي لنا في كل آيات القرآن من هذه الوسوسة وهذا التزيين. فالمثال الذي قلته أنت يبين أن هناك تزيين وهي مخدوعة به (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال:48] المقدم: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف:104] ********فاصل ********** المقدم: نذهب لسورة سبأ (21،20) (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) كلمة صدَّق ما الفرق بينها وبين صَدَقَ ؟! د. هداية: لا بد أن نسمع الآية أكثر من مرة لتعرف مراد الله فيها، وتخيل لو كانت (لقد صَدَقَ إبليس عليهم ظنه) الفرق هنا في عمل إبليس لكن الصياغة الثانية تعني أن صدق إبليس في ظنه فيهم لكنه لم يقل صَدَقَ بل قال صدَّق. سأشرح بمثال لأوضح: أنت سألتني عن رجل فقلت لك عنه أنه لا يصلح للمهمة التي كلفته بها وهذا الرجل أنا لا أعرفه، والحقيقة أنه كان يصلح للمهمة، ولأنني شخص غير أمين ولست على خلق سأجتهد بكل ما أملكه من جهد حتى أبين هذا الرجل غير مؤتمن على المهمة، لا بد أن أحتال. فكلمة صدّق تبين أنه سيبذل أقصى ما في جهده لكي يحقق ظنه لذا فأقول أن إبليس لعنة الله عليه اشتغل على الظن وليس على العلم. والظن عندما تطلق في القرآن تأتي إما بمعنى العلم - وهذه لله - وإما بمعنى الوهم، وهذه التي اشتغل منها إبليس. وماذا كان ظنه ؟! المقدم: أن هذا الإنسان ليس بأفضل مني. د. هداية: (قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ) [الأعراف:12] [(ص):76] هذا كان التبرير من البداية، فالصراع ليس من عندنا نحن ذرية آدم بل من عهد آدم عليه السلام والذي أقسم هو إبليس نفسة لعنة الله عليه. وبماذا أقسم ؟! أقسم بعزة الله سبحانه وتعالى أن لن يفتر عن الغواية والإغواء. وهذه هي صدَّق أنه بذل ما في وسعه لكي يحقق ظنه. وطبق عليها ما قاله المولى عز وجل في سورة يوسف (106،103) فإبليس أوعى منا في القاعدة الإلهية (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) وقلنا أن هذا توصيف جديد (مؤمن مشرك) وليس (مسلم مشرك) لكانت مقبولة نوعا ما (قالت الأعراب آمنا...ولما يدخل) لكن عندما يقول (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) فهذه خطيرة جدا ومصيبة كبيرة. كلمة صدّق إذن تبين أن عمل إبليس لم يقف عند صدَقَ بل صدَّق عليهم ظنه وليس علمه. إذا عملنا مثلما عمل هو لكنا أخلفنا ظنه. المقدم: لو كنا اتخذناه عدو. د. هداية: بالضبط (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر:6] فنحن لم نطبقها وكانت النتيجة أنه صدّق علينا ظنه بعمله واشتغاله لهدفه الذي ضيع جهد كثيرين منا. المقدم: (فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) نجد في هذه الآية أن المولى عز وجل وحَّد الخارجين من سطوة وسلطان إبليس في فريق واحد. د. هداية: لكي لا يعترض أحد على مسألة الفرقة الناجية، التي هي جماعة على الأقل متشابهة في السلوك لكي لا ندخل في متاهات المذاهب، لكن فعلا كلمة فريق نفسها تعطي معنى التجانس بين أعضاء الفريق ومؤكد أن الفريق له مبدأ واحد وهذا المبدأ لو أنك إنسان واعي تدرك أنه لا يمكن أن يكون مبدأ بشري. المقدم: مبدأ إلهي. د. هداية: الموقف ساعة الخلق (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [البقرة:30] الملائكة تلقت هذا الخبر وكذلك الجن لكن شتان بين التلقيان لو انتبهت لكلام الملائكة - رغم كل ما قيل فيه من بعض المفسرين على وجه الصواب والخطأ - كانت الملائكة غيورة على التوحيد لأنه قال (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ)، أما الجن فمن أول لحظة ظهرت نية إبليس أنه سيوقع بآدم وذريته، فهنا نجد فريق حريص على التوحيد لأنه يعلم - علم إدراك اليقين - أن هذا الإله واجب الوجود وأنه واجب التسبيح وأنه واجب التوحيد وأنه لا يصلح معه شرك وأن مناهجهه تتعدد ولكن شرعه واحد. السؤال هنا هل الجن هذا المخلوق يفهم هذا أم لا ؟! المقدم: يفهم. د. هداية: لكن ماذا فعل ؟! المقدم: أولا ترك منهج الله وأعمل عقله وهواه لما قال (خلقتني من نار وخلقته من طين) د. هداية: وانتبه للنقطة الثانية لأنه لما قال (فلا تلوموني..) كان على صواب. فهو أوقعنا في الشرك لكن هل أشرك هو؟! لاحظ أن في كل آي القرآن إبليس لعنة الله عليه لم يشرك، فهو دفع فرق للشرك على مر الديانات حتى من الموحدين فأنا أعتبر هذه الآية من الأهمية بمكان وأن نضعها على مكاتبنا وفي أذهاننا (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) والذي نجح في أن يوصلنا لهذا هو إبليس رغم أنه لم يشرك، وعندما كتب الله النجاة منه كتبها لفريق. المقدم: (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) [الحجر:41- 42] د. هداية: من هم (عبادي)؟! هم هذا الفريق الذين يسيرون بمنهج إلهي وليست أي فرقة أو مذهب أو ملة أو، أو.. التي تدخلت عبر الديانات. المقدم: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ). د. هداية: هنا آية توقيع لا تخدم في المعنى وهناك توصيف المولى تركك تأخذه ليس من كلام رب العالمين لكن تأخذه من كلامه هو (إبليس) عندما قال (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [ابراهيم:22] أنتم المخطئون، ولماذا استجبتم (لنعلم) فالآية هنا آية توقيع لا شرح، رب العالمين هنا يقول لك أن هذا الحوار حدث بينك وبينه فاعلم ماحدث بينكم من كلامه. المقدم: وعندي أسئلة كثيرة ونكمل في الحلقة المقبلة وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته بُثّت الحلقة بتاريخ 27/4/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 133 شرح آيات سورة الجن [1-5] المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، ونحن نعيش في صراع أو مباراة دائمة مع الشيطان أليبس هذا معناه أننا نحتاج لياقة؟ مثل اللاعب في المباراة لا بد أن يكون عنده لياقة فهل نحن نحتاج لياقة إيمانية؟ ولماذا يقبل بعض الناس بالمناعة الضعيفة رغم أنهم يستطيعون أن يكون عندهم مناعة قوية؟! ونحن في سورة سبأ قلنا أن إبليس ظن في بعض الناس من بني آدم أنهم لن يكونوا من الشاكرين أو من المنضبطين، هل عندما فعل إبليس كل هذا وأوقع بكثير من الناس في الشرك هل هو أشرك شخصياً؟! وسنجيب معاً على هذه الأسئلة لنصل إلى اللياقة الإيمانية. د/ هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليما كثيرا وبعد. هي قضية يختلف الناس في تحليلها وتلقيها - لكنها ثابتة عند أهل العلم - لأن كل شخص يحاول أن يفهم بحالته هو ومن منطلق أفعاله. المقدم: قبل أن تجيبني عن السؤال الأول هناك نقطة مهمة جداً أحيانا بعض الناس تقول بعد أكثر من 14 قرناً من بعثة الرسول (صلى الله عليه وسلم) نجد كثيراً من أمة الإسلام لا يستطيعون أن يتعاملوا مع هذا الكتاب ولا أن يقرأوه ولا أن يستنبطوا بعض الأحكام خصوصاً في الجانب العقائدي الذي نؤكد عليه منذ سنوات في برنامج طريق الهداية، فهل نحن لا نزال في احتياج لإعادة استقراء؟! وهل نحن في كل زمان نحتاج لقراءة القرآن واستخراج الأحكام لأن بعض الناس تتحجج بإنشغالها بطلب المعيشة؟! فهل نحن نحتاج لقراءة جديدة تثبت العقيدة لدى الإنسان المسلم؟! د/ هداية: هذه النقطة التي تحدثت فيها تبين علة النقطة التي كنت سأتحدث فيها، فمسألة أن كل شخص يتعامل مع القرآن من حيث تلقيه هو في حالته العقائدية، تأتي من عدم تدبر القرآن على الوجه الذي يرضي الله تبارك وتعالى. تلقي القرآن يختلف من فرد إلى فرد وهذا الذي يجعل العقيدة والعبادات والمعاملات تختلف، فالعقيدة هي أساس للعبادات والمعاملات. مثال/ الصلاة ركن من أركان الإسلام وهي عبادة، ما علتها؟! لماذا أمر الله تبارك وتعالى بهذه الفريضة؟! وكثير من الناس لا تنتبه لمسألة أن العبادات تؤدي لصحيح المعاملات. اسمع قوله تعالى (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45] وتأمل عندما تجد القرآن يجعل الصلاة فاعل (إن الصلاة تنهى)، فإذا وجدت رجلاً يصلي وبإلتزام لكنه يتعامل بطريقة خاطئة فهو يصلي ويسرق ويكذب ويغش ويضل، هنا حدث انفكاك بين العبادة والمعاملة فالصلاة لم تنهه عن الفحشاء ولا عن المنكر لكنه يصلي ماذا تسمي هذا؟! المقدم: إذن الخطأ في نوعية الصلاة. د/ هداية: في طريقته في الصلاة وهذا جاء من تلقّيه الكتاب ليس على مراد الله تبارك وتعالى. المقدم: هل تعتقد أن من ضمن الأسباب هي الطريقة التي تربى عليها الناس منذ الصغر، بمعنى أن الأطفال عندما يبدأون تعلم الكلام يصبحوا كثيري الأسئلة وللأسف ليس كثير من الآباء يتنبهوا لخطورة هذه المرحلة في تكوين شخصية أبنائهم فيتهربوا من الأسئلة بعدم الإجابة وأحياناً يلقوا باللوم على الطفل، مثلا عندما يأتي أب ويعلم ابنه الصلاة فيسأله الولد نحن لماذا نصلي؟ فيجيب لأنها فرض علينا، وكأن الرسالة التي وصلت للولد أننا نصلي بدون سبب. د/ هداية: هذه هي النقطة التي نتحدث فيها فيوجد كثير من التفاسير للقرآن وأنا كمسلم أختار منها أقبل ما أقبله وأرفض ما أرفضه لكني لكي أقبل أو أرفض لا بد أن أقرأ أولا، فالأب هنا لم يستعرض الآيات التي تبين الحكمة من الصلاة أو من الصيام أو من الحج، ولماذا جعل الله الحج بالطريقة التي فرضها على عكس الصلاة وعلى عكس الصيام؟! كل عبادة لها طريقة وبالتالي هي تقوم مقام يدفع في ناحية المعاملات. مثلا في الحج (من حج ولم يرفث ولم يفسق عاد كيوم ولدته أمه) إذن هناك معاملات داخل العبادة نفسها، وإذا لم تتم على الوجه الذي يرضي الله تبارك وتعالى إذن فأنت لم تؤد ولم تفهم مراد الله تبارك وتعالى. فالموضوع صعب فبعد الحلقة الماضية فتحت مناقشات جميلة جداً فقلنا أن إبليس لم يشرك وجاء سؤال أنه طالما اتبع هواه فهذا شرك، ونقول أن هذا توصيفك أنت وليس توصيف أهل العلم. ما هو الشرك؟! فانظر بعد كل هذه القرون ولا نزال نُعرِّف الشرك والإيمان وما الفرق بين الشرك والكفر. فهذا السؤال سأجيب عنه لكن بعد أن أعرض لسورة الجن أولاً: كيف تلقى الجن القرآن؟! وكيف تلقينا نحن القرآن؟! ثانياً: كيف اتخذ الجن السبيل بعد تلقيه القرآن؟! وكيف اخترنا نحن السبيل؟! مع العلم أن الجن إلتزم بما وعد به وبما أقسم بالله عليه (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص: 82] المشكلة فينا نحن المولى عز وجل حذرنا ولم ننتبه للتحذير، ونبهنا الرسول (صلى الله عليه وسلم). حديث الرسول الذي تكلم فيه عن السبع الموبقات في منتهى الأهمية والخطورة وعندما تسمعه على المنابر يقوله الخطيب بطريقة خاطئة ويرتبه ترتيباً خاطئاً ويأتي مثلاً بأكل مال اليتيم قبل الشرك والسحر، حتى ترتيب الحديث له أهمية عندما يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) (اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك، والسحر.. ) لا يصح أن أقول أنا في البداية (قذف المحصنات الغافلات) التي هي آخرهم، فكل ترتيب في الحديث له غاية وهدف. لماذا أتى الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالشرك أولا؟! لأنه أساس العبادات والمعاملات التي هي عدم اللياقة العقائدية التي تحدثت عنها. لا بد أن أكون لائقاً فالناس يشركون بالله دون أن يستوعبوا فعندما تتوجه لضريح بعينه أو إلى مسجد بعينه ولا أسأل الله إلا في هذا المسجد، أو عندما يقول شخص فلان فعل تلاحظ الشرك من كلامه، لكن المتكلم وكثير من المستمعين لا يستوعبون الكلام. المقدم: وأيضا من ضمن الأشياء التي حذرنا منها الرسول (صلى الله عليه وسلم) أننا نتفرق على طرق وما إلى ذلك. د/ هداية: الناس الذين حافظوا على كلام الرسل وعملوا بما جاء به، الناس الذين اهتموا بتلقي القرآن، ففي سورة الجن ستلاحظ أموراً ما انتبهت إليها قط. اسمع كيف تكلم الجن عن القرآن وكيف تكلم الإنس عن القرآن فالقرآن نزل للإنس والجن، وأنا أقول لك الآن وقبل أن نسمع الآيات أن الكثير من الناس سيفاجأون بأمور لم ينتبهوا إليها من قبل لتعلم أنه ساعة أنزل الله عز وجل هذا الكتاب أنزله بطريقة معينة: فتور الوحي فترة، ثم عودة الوحي مرة أخرى، ثم الآيات المكية، ثم الآيات المدنية، ترتيب سور النزول، ترتيب سور الجمع، كل هذا ليس عبثاً أو صدفة، ونحن لم ننتبه لكل هذا. فالتفسير اليوم كماليات من كماليات الإسلام، عندنا مكاتب تحفيظ القرآن ويهتم المسلمون بها كثيراً هل سمعت عن مكتب تفسير قرآن؟! المقدم: لا د/ هداية: لأن إبليس ينجح في هذا فنحن نفرح بالولد الذي يحفظ القرآن. المقدم: لكنه لا يفهم. د/ هداية: وطالما أنه لا يفهم فلن يؤدي، فهو قاصر على الحفظ فكيف تنتظر منه أن يؤدي على مراد الله؟!. المقدم: وسيكبر على عدم الفهم وممكن أن يعتلي المنبر بهذه العقيدة غير السليمة. د/ هداية: نحن نجد أحياناً الخطيب على المنبر لا يقول جملة لغوية صحيحة، لا يقيم الخطيب جملة لغوية صحيحة، لا يؤدي الحديث على ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حتى المتشابه من الآيات، اللفظ الذي به اشتراك لفظي، اللفظ الذي به معنى وإثنين وثلاثة، كلها قشور وسطحيات لأننا لم نسمع أبداً عن مكاتب تفسير القرآن وكان الواجب أن يكونوا جنباً إلى جنب مكتب التحفيظ بجانب مكتب التفسير. المقدم: نأخذ فاصل ونستعرض الآيات معاً. ********فاصل ********** المقدم: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا) [الجن:1-7] هناك وقفات كثيرة مع الطريقة التي تلقى بها الجن القرآن والطريقة التي وصفت بها الجن القرآن، ونجد أن الأمور عند الجن واضحة جداً بأن المولى عز وجل لا يمكن أن تكون له صاحبة أو ولد وأنه تعالى عن هذا. فلماذا نجد في عالم البشر كثيرين أخطأوا هذا الخطأ ووصفوا المولى بما ليس يليق؟!. د/ هداية: من أول كلمة في الآية تجد مفاهيم لن تخطر لك ببال، أولا (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ) إذن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يشعر بهم يعني النفر استمع ثم أوحي إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه استمع نفر من الجن. ولا بد أن ينتبه الناس لهذه الآية من كتاب الله هل تلقيناها كما تلقى الجن الكتاب ؟! بالقطع لا. والجن هنا يعترف بخطأ هو وقع فيه وبعضهم وقع فيه. المقدم: (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) د/ هداية: بالضبط وتسمع صدقاً في الأداء واعترافاً بالخطأ. ويجب أن أوضح نقطة أن الجن الذي كفر يعلن ذلك ليس عنده مشكلة، والجن الذي أسلم اعتبر الكفر خطأ وقطع الطريق وأسلم على مراد الله تبارك وتعالى، لكن الآيات لها مدلول مختلف عما يحدث في مجتمعنا هذه الأيام: فلان ملبوس، فلان ممسوس، وفلان أخرجنا منه جن، وفلان داخله جن، وفلانة عليها جن كل هذا كلام غير وارد!. المقدم: ونجد المجلات التي تعتمد في مبيعاتها وتوزيعها على أخبار مثل اكتشاف أن فلان متزوج من جنية. د/ هداية: إسمع الآية (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ) فالجن استمع دون أن يشعر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا أن أوحي إليه وعلموا أنه قد كلفهم الله تبارك وتعالى بالقرآن كما كلف الإنس، ولن تصدق ماذا كان أول إحاطتهم بالقرآن: أن الجن حاول أن يخترق السماء فوجد أن هذه العملية مُنِعَت، كبيرهم سُئل هل تغير شيء؟ وهذه نقطة فارقة لما يحدث في المجتمع الآن من كذب، ومن غش، ومن مرض نفسي يتحول إلى ملبوس وممسوس، فالذي أريد أن أقوله أن الجن استمع دون أن يرى الرسول (صلى الله عليه وسلم) ودون أن يعرفه إلا أن ماذا؟ المقدم: تغيرت وقائع السماء. د/ هداية: فبدأوا يبحثون وعلموا أن هناك كتاب أنزله الله تبارك وتعالى وإكراماً لهذا الكتاب ولنبي هذه الأمة مُنِع استراق السمع. (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا) من الذي أخبرهم أن هذا قرآن ؟ كيف عرفوا أنه قرآن؟! سأسأل سؤالاً وأريد أن يتلقى الناس على مراد الله، كان الصحابة عندما يسمعون القرآن يعودون لبيوتهم يتدبروا ثم يسألوا. أنا أريد أن أنبهك لنقطة كيف عرفوا أنه قرآن ولو أننا صغنا الآية بطريقتنا سنقول (قرآن من يسمعه يتأكد أنه عجيب في صياغته) فهم قالوا (قرآنا عجبا) فهل هناك قرآنا ليس عجبا؟! إذن صياغة هذا الكتاب لله تبارك وتعالى مهما كان المتكلم: رجل كافر، رجل مسلم، نبي. وهذا هو الفرق بين القرآن والحديث القدسي أن القرآن كلام الله بوحي الله صياغة الله بعكس الحديث القدسي صياغة الرسول (صلى الله عليه وسلم) لذلك لا يُتعبَّد بتلاوته. إذن كلمة قرآناً عجباً لا تتعجب منها لأنها ليست من صياغة الجن، فهي صياغة المولى عز وجل لكن على لسانهم. هم تعجبوا من صياغة هذا الكتاب بماذا قارنوه؟! بالتوراة، بالإنجيل لكن المحرّف المؤلَّف وليس المُنزَّل، ولذلك هل انتبهت لنقطة تأكيدهم على الوحدانية اسمع الآيات (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) فعلمنا به؟! لا (فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) إذن الشرك هو الخطأ الذي يمكن أن يُرتكب مع الإيمان أي في تطبيق الإيمان ممكن أن تشرك لكن لا يمكن أن تكفر وأنت مؤمن، كان من الممكن أن يقولوا (ولن نكفر به) لكنهم قالوا لن نشرك لأن هذه هي المصيبة الكبرى. المقدم: إذن هم تكلموا بما وصل إليهم منذ قرون قبل بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) منذ وفاة موسى عليه السلام ورفع عيسى عليه السلام. د/ هداية: هم اعتبروا كل هذا شرك. أريد أن ألفت الأنظار لنقطة، اليهود لعنة الله عليهم ساعة قالوا عزير ابن الله اعترضوا على هذا وعندما تنصر اليهود وقالوا المسيح ابن الله اعترضوا على هذا أيضاً. لذلك قالوا (فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) لأنهم يعرفون أن الكتب السابقة تدخّل فيها الشرك. المقدم: أول شئ تكلم عليه الجن بعد أن أقروا أن هذا القرآن عجيب قالوا أنه يهدي إلى الرشد وأنهم آمنوا بما جاء به وينفوا عن أنفسهم صفة الشرك. د/ هداية: إذن هم يقارنون القرآن وهم في غاية التلقي لقولهم لفظ (عجبا)، لذلك لا تتعجب من (قرآنا عجبا) لأنهم لا يعرفوا أيّ كتاب هذا لكن إبداع هذا اللفظ يبين أنهم كانوا في غاية التلقي واعتبروا إمتلاءه في الصياغة والبيان قرآنا عجبا وهذه صفة القرآن عندهم فماذا يفعل هذا القرآن في تابعيه أو في الذي نزل عليهم؟، فهذا منهج يجب ألا يُتجاوز، وألا يتجاوز أي نص من نصوصه في كل الأمور العبادات، المعاملات، العقائد. قف عند كلمة (نفر) يعني ليس كل الجن، النفر في اللغة من 3 إلى 10 إذن عندما عرفوا أن هناك قرآن سينزل في وقت معين عن طريق رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) أرسلوا 10 أو من 3 إلى 10 متميزين، كلمة (نفر) تبيّن أنك تنتقي (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) [الإسراء:6] أناس متميزون، فالجن أيضاً أرسلوا المتميزين منهم ليسمعوا ويعودوا لهم بالنتيجة. فتستطيع أن تقول تأدب الجن مع القرآن تأدباً لم يفعله البشر. فهؤلاء عندما يعرضوا لما سمعوه دونهم يفهم منهم أفضل مما إذا كان سمع هو، لأنه طالما عجباً فيحتاج طريقة معينة في الشرح لكي تطبقه. (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا) قالوا للبقية عندما عادوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) كلمة الرشد لا بد أن نقف عندها ما الرشد؟! المقدم: يعني أنه له علاقة بما كان فكراً ضالاً وضلالاً قبل هذه الآيات. د/ هداية: أنه بدون القرآن لا يوجد رشد إنما تيه وضلال والقرآن أكد المعنى الذي قالوه بصياغات لكن الناس لا تنتبه إليها (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) [يوسف:1-3] الكلام إلى رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) المقدم: تقريباً نفس المعنى أنه قبل نزول القرآن الذي يقص القصص الواضح الذي لا لبس فيه يبين كل الحقائق ويهدي إلى الرشد بدلاً من الضلال. د/ هداية: بالضبط قال (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) هل هذا سبّ في رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟! لا، لكنها غفلة بمعنى أن محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يتعلم قبل القرآن أي شيء، لذلك كان كالصفحة البيضاء يؤثر فيه القرآن أيما تأثير لأن لا تأثير لشيء قبله. تلقي القرآن لشخص اصطفاه الله تبارك وتعالى لهذه الرسالة كان لا بد أن يكون على شاكلة محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يتعلم قبل القرآن شيء فلا يوجد عنده ما يشوش أفكاره. المقدم: (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) [العنكبوت:48] وسنكمل إن شاء الله بعد الفاصل. ********فاصل ********** المقدم: نكمل في مسألة الرشد أيضا لكن عندي سؤال أن الجن بعدما شعرت أن هناك شيء تغير بدأوا يسألون وعرفوا أن هناك نبي وينزل عليه الوحي من السماء فسمعوا هذا الكلام وعلى الفور عرفوا أنه منزل من السماء (فَآمَنَّا بِهِ) لماذا الفاء؟! ولماذا الجن هكذا سألوا سمعوا أيقنوا آمنوا ونقلوا ليُطَبَّق هذا المنهج، بينما الإنس عندما سمعوا نفس الكلام من نفس الرسول قالوا أنه إما شعر أو سحر وكل الإتهامات الباطلة التي اتهم بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)؟! د/ هداية: إن الجن ساعة استمعوا للقرآن قالوا (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) وفيها شرح كثير (* يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) هذه هي قالتهم عن القرآن في مطلع سورة البقرة قال (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) وفيها توصيف آخر (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) انظر لهذا التوصيف هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، أليست هذه تؤدي ما قاله الجن في حق القرآن أنه يهدي إلى الرشد ؟! إذن انفعال الجن بالقرآن هو انفعال أدى إلى فهمهم لحقيقته فوصفوه هذا الوصف (عجبا، ويهدي إلى الرشد) نأتي للبشر: الذي فهم القرآن من البشر أداؤه يختلف عن الذي لم يفهمه - وهم عدد محدود لكن الباب مفتوح والذي يريد أن يفهم القرآن على مراد الله تعالى سيصل - نجد عند المفسرين الفيصل في قوة تفسيره أعماله طريقته في التعامل وإلا ففهمه ليس له معنى. المقدم: لا بد أن نفهم أن العلاقة تبادلية بين الفهم والتطبيق. د/ هداية: بالضبط في آيات سورة الجن، الجن الذين قالوا هذا الكلام موافقين على الذي فعله إبليس أم لا؟! ثانياً: هل يستطيعون أن يطبقوا هذا بأن يسجدوا لآدم مثلاً أم أنهم مدركون أنهم طالما لم يوجدوا في هذا العصر فليس عليهم ذنب؟! المقدم: لكن هم أيضاً فعلوا شيئاً للأسف البشر لم يفعلوه، أنهم وصل لهم قبل بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) بعض الأفكار والعقائد التي انتقلت من بني البشر لبني الجن أن المولى عز وجل يمكن أن يكون له ولد. د/ هداية: هناك أيضاً جن يهودي فهناك جن تهّود وجن تنصّر، ولذلك الجن الذي تلقى رفض هذه الفكرة وقالوا أن هذا التهويد أو التنصير الذي حدث هم لم يفهموا حقيقته، وأن هذه المسألة واضحة لم تكن تحتاج اللبس الذي وقع فيه السابقون عليهم. السؤال هنا لماذا تكلموا عن الشرك وليس الكفر؟! لأنه مهلك. فإبليس كفر لكنه لم يشرك وهم كانوا حريصين على هذا ولذلك قالوا (وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا). المقدم: يعني هم سمعوا أن هناك إله لكن هذا الإله له صاحبة وله ولد حسب ما تناقلت البشرية قبل ظهور محمد (صلى الله عليه وسلم) د/ هداية: سأصحح لك نقطة كما تناقلتها الكتب المحرفة والمؤلفة في العرض على البشرية. ففكرة العزير ابن الله أو المسيح ابن الله ليست لكل اليهود أو لكل النصارى بل قالتها طائفة من اليهود من الناس من وافق ومنهم من رفض. الصراع الدائم بيننا وبين إبليس على ماذا؟! على إيقاعك في الشرك فهو لا يستطيع أن يجعلك تكفر إنما يستطيع أن يجعلك تشرك وخذها من الآيات [103] يوسف ومن [106] يوسف واعتبرها قاعدة فالذي يقع فيه المسلمون الآن شرك وليس كفراً، مؤمن كافر أم مؤمن مشرك أي الحالتين لها إحتمالية في الحدوث ؟! مؤمن مشرك وإبليس فهم هذا (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) إذن يمكن أن نقول أن الناس من عهد آدم إلى أن تقوم الساعة أكثرهم كفرة والنسبة الأقل مؤمنون في الآية [106] يوسف جعلت النسبة القليلة أيضا أكثرها ليست سالمة (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) نقف هنا هل إبليس اشتغل على النسبة الأكثر وهي الكفرة؟! لا، لأنهم جنوده ومساعديه، وعندما اشتغل على النسبة الأقل (المؤمنون) أوقعهم في الشرك هذه هي القضية الخطيرة. عندما تسمع سورة الجن (وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) هم خائفون من الذي يحدث للمؤمن وهو الوقوع في الشرك ولذلك أيضاً مسألة الكفر غير واردة، فالنفر الذي استمع خائفون على أنفسهم من الشرك. هذه النقطة من أخطر نقط التلقي ولا بد وأنت تقرأها أو تستوعبها أو تشرحها أن تكون حذراً لأن مفاهيم الناس عكس سورة الجن تماماً. المقدم: لكن من الإنس والجن من أخطأ (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا) فكلمة سفيهنا عائدة على سفيهي الجن. د/ هداية: على كبيرهم على إبليس لعنة الله عليه. المقدم: وفي الآية التالية (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا) الإثنين. د/ هداية: لماذا قالوا هذه الجملة؟! هذه آية إعتذار عن تصورهم، يعني الذي قال في لحظة أن المسيح ابن الله أو أن عزير ابن الله، هم يقولون أنهم قالوا هذا لأنهم كانوا معتقدين أنه لا يوجد أحد ممكن أن يتجرأ هذه الجرأة على الله عز وجل المقدم: وأن يفتري هذا الكلام الكبير في حق الله تبارك وتعالى د/ هداية: فلهذا اعتبرناه صدقاً، يعني هنا هم يعتذرون ويعدِّلون المفاهيم من الشرك للإيمان. والتبرير هنا منطقي جداً فأنت يمكن أن تكذب على أي شخص كان لكن تكذب على الله؟! ولو تذكر كانت هذه هي الآيات التي بدأنا بها وقلنا أن الصدق في مقابل الكذب فالذي كذب على الله هذا هو الذي ادعى النبوءة، وعندما تصدقه أنت وأسألك لماذا صدقته تبرر بأنك لم تكن تتخيل أن يكذب أحد على الله عز وجل وإذا سألتك ماذا تعتقد الآن؟ تقول أن الآن فهمت ورجعت وتبت، لكن متى قالوها؟ قالوها بعدما استوعبوا آيات القرآن. من الذي عدَّل لهم أفكارهم ومفاهيمهم؟! القرآن. أولاً هذه الآية رقم 40 في النزول فهم من المؤكد أنهم سمعوا آيات تنفي الشرك وتنفي الكفر فحدث لهم نوع من الإفاقة، وعندما سمعوا الآيات كذَّبوا الذي عرفوه والذي عملوا به وساروا مع القرآن وقالوا نحن فعلنا هذا لأننا كنا متصورين أن لا أحد يجرؤ أن يكذب على الله فنحن معذورون. هذا هو الإعتراف بالحق والعودة إلى الحق وهذا نوع من أنواع التوبة، اسمع (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) يريد أن يقول أننا اهتدينا وسنعدِّل مسألة الزوجة والولد وما إلى ذلك أننا كنا متصورين أنه لا أحد يكذب على الله (فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) المقدم: عندي ملمح في كلمة (تعالى) أنه بهذه الكلمة ينزه الكبير المتعال عما اقترفه الإنس والجن. د/ هداية: عن أي توصيف آخر المقدم: وجزاكم الله كل خير وعندي أسئلة كثير جداً وسنجيب عنها في الحلقات القادمة بإذن الله ونحاول تصحيح العقيدة عن كل ما يشوبها من شرك بشرح كتاب الله الكتاب الذي يهدي إلى الرشد حقاً ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 25/5/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 134 شرح آيات سورة الجن [1-5] المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، لماذا هذا الفرق الكبير بين الجن والإنس في تلقي آيات القرآن الكريم ؟! شئ غريب التكذيب الذي حدث من بني البشر حينما بشر الرسول (صلى الله عليه وسلم) برسالته الخاتمة، من تكذيب متعدد الأوجه أنه (صلى الله عليه وسلم) كذاب، أو مجنون، أو شاعر، أو ساحر، بينما الجن عندما تلقت آيات الكتاب الكريم حدث نوع من الإيمان، يقين أنه كتاب يهدي إلى الرشد، وحدث نوع من التوبة فيها تنزيه للمولى سبحانه وتعالى عن كل الصفات التي لا تليق بذاته سبحانه وتعالى والتي إدعاها ظلما وعدوانا بني الإنس وبني الجن. كيف نصل لما عرضناه في الحلقة السابقة أن يكون عندنا اللياقة العقائدية والإيمانية التي تجعلنا المنتصرين في معركتنا المصيرية مع إبليس وجنوده. كنا وقفنا في سورة الجن ولو نظرنا للآية رقم [3] التي تقول (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا) التي تبين اليقين بأن الله تعالى منزّه عن أي صفة لا تليق وأنه حقيقة هو ربنا الأعلى وليس بشرا متجسدا ولا له صاحبة ولا ولد وكل هذه الأفكار المغلوطة التي تدخلت البشرية في إيصالها بتراث غير صحيح ومشوه عبر القرون. د/ هداية: بإيعاز من الجن وبوسوسة من الجن، فكل ما تعترض عليه من أخطاء واعترض عليه الجن هذا هو ما نجح الجن فيه منذ أقسم وقام بعمله على خير وجه. بدليل أنهم سموا إبليس سفيهاً - أطلقوا عليه صفة أصبحت إسماً له - لأن هذا الكلام لا يقبل ولا يعقل ولا يتكلم به إلا من وُصف بأنه سفيه، بداية من معركة الكفر الأولى ساعة رفض السجود، وهذه قصة كبيرة كنا عرضنا لبعضها لكن سنكملها في مجال آخر. المقدم: لماذا هذا الفرق في التلقي بين البشر والجن ؟! د/ هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليما كثيرا وبعد، السبب الرئيسي أن بعض البشر للأسف جُبِلوا على اتخاذ القرآن كتميمة، كأحجبة، كبركة (معظم النار من مستصغر الشرر). مثال/ حتى الآن في مجتمعنا فلان مريض يأتي شخص يضع يده على رأسه ويقرأ قرآن، وسألت مرة أحد هؤلاء عن سبب فعل هذا هل القرآن يسير من خلال ذراعه ليده ويصل لرأس المريض أم ماذا ؟! المقدم: هناك آيات للكبد، وهناك آيات للمعدة، وهناك آيات للمخ. د/ هداية: هذا الذي تتحدث فيه هو مكمن الخطورة وعين البلاء، وطبعا للأسف الشديد سكوت العلماء على هذا الموضوع جعله يستفحل، فعندما أراد الجنّ أن يوصِّفوا القرآن قالوا (قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد) ولم يقولوا يشفي المرضى ويخرج السحر وإنما قالوا يهدي إلى الرشد فهذا كلام رب العالمين. الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل يوثق هذا الكلام (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) (هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) ثم قول الجن في سورة الجن (قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ) التوصيف والوظيفة، وهم كانوا صادقين في كل كلمة قالوها، والآيات فيها وقفات أرجو أن تفيد من فهمها على عكس معناها لأن الآيات تشرح أمور تغلغلت في المجتمع. ونحن أمام موضوع من أخطر الموضوعات على الإطلاق وهو موضوع الشرك أرجو أن نُوَفَّق لعرض حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) (اجتنبوا السبع الموبقات). وألفت الأنظار إلى شيء وأرجو أن نفهم والحديث صحيح وموجود في البخاري ومسلم قال الرسول (صلى الله عليه وسلم): (اجتنبوا السبع الموبقات). قالوا: يا رسول الله: وما هن؟ قال: (الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات). لو انتبهت بالترتيب الذي قاله الرسول مهم جداً وممكن هناك نقطة تدفع إلى أخرى، أولاً قتل النفس يقول في حديث صحيح (من أعان على قتل امرئ ولو بشطر كلمة) لم يقل اقتل بل إذا قال الألف واللام فقط هذا حرام عيه الجنة، وقال في حديث بديع: (الآدمي بنيان الرب ملعون من هدمه) يريد أن يقول أن القتل شيء كبير، لكن الرسول قدّم السحر عليها هنا لأن السحر حدِّث ولا حرج فيما يحدث من كذب وافتراء وغش، وأنا أرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدَّم الشرك على السحر لأن السحر كله شرك. المقدم: الشرك سحر أم كفر؟! د/ هداية: الإثنين. المقدم: عندي في القرآن الكريم كلام الملكين ببابل: هاروت وماروت عندما يعلمان أحداً السحر (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ) [البقرة:102] د/ هداية: هذه هي الإشكالية التي تقابلنا مع الكثير من الناس ولا بد أن نُعَرِّف هنا ما هو الكفر؟ وما هو الشرك؟ الكفر أن تستر الإله الواجب الوجود فلا تؤمن به، ولذلك قلنا الكفر هو أول جنود الإيمان لأنك لا تستر إلا موجودا. الله تبارك وتعالى ليس موجودا في الحقيقة إنما واجب الوجود لأن موجود اسم مفعول ولو قلنا الله موجود فمن أوجده أولى بالعبادة، فلكي نصحح الجملة نقول أن الكفر أن تستر واجب الوجود سبحانه وتعالى. الشرك أنت تؤمن بهذا الإله لكن تتخذ له سبيل أو وسيلة أي تشرك معه غيره ويظهر معنى الشرك في آيات (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِيِ * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه:25-32] ما معنى أشركه؟ أي ضعه معي في التكليف أشركه في المهمة. عندما استجاب المولى عز وجل لهذا الدعاء قال: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) [طه:43] فكلمة أشركه تبين لك معنى الشرك. المقدم: وعندما يتحدث القرآن عن الناس التي تتخذ أرباباً لم يوصف أنهم أرباب مع الله وإنما أرباب دون الله فسبحان الله حتى إذا أردت أن تشرك أرباباً مع الله لم يصلوا لمرتبة المولى عز وجل وإنما يكونوا من دون الله. د/ هداية: أي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11]. التلقي هو الفيصل في العمل فلو تلقيت صح لن تضل ولن تشرك. المقدم: والذي يضل هذا كيف يُشرِك ؟ د/ هداية: ساعة تقول فلان معمول له عمل ونريد أن نفكه، وانتبه معي للألفاظ نسمع الناس تقول: هذا معمول له عمل بوقف الحال، هنا قف يعني المولى عز وجل يُسَيِّر الحال والساحر أوقفه، أو فلانة معمول لها عمل بعدم الزواج، انتبه للكلام هل معنى هذا أن المولى عز وجل كتب لها أن تتزوج وجاء الساحر الذي قام بالعمل وأوقف هذا الزواج إذن فهذا الساحر لا بد أن يُعبد؛ لأنه بالمنطق المجرد هذا الساحر أقوى من الله - حاشاه. المقدم: ممكن أن يكون هذا كله بأمر الله عز وجل (وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ) [البقرة:102] إذن مثل ما يقول القرآن، التفريق بين المرء وزوجه، يعني أسرة كانت هانئة سعيدة ثم تفرقت. د/ هداية: هنا السؤال في مسألة العقيدة ما عقيدتك أنت؟! أن المولى عز وجل كان مكتوباً عنده أن هذه الأسرة سعيدة وجاء الساحر وأتعسها. المقدم: الكلام الذي يقال أن الزوجة فجأة نظرت لزوجها ورأته قرداً، أو الزوج أصبح لا يطيق زوجته. د/ هداية: أنا لا أريد أن أتكلم في هذا لكن أنا سأكلمك في العقيدة ما عقيدتك أنت؟! أن المولى عز وجل كان مكتوباً عنده أن هذه الأسرة سعيدة وجاء الساحر وأتعسها، إذن الساحر أقوى! ما وصف السحر عندك؟! آيات البقرة ليست مفهومة على مراد الله تبارك وتعالى لكن نريد أن نفهم كيف يكون هذا شرك؟ أصبح هناك رجل معتقد أنه معمول له عمل ويبحث عن شخص أو ساحر يفك هذا العمل، ولا يلجأ إلى الله. المقدم: ممكن أن يكون بمعنى أنه يأخذ بالأسباب مثل المريض الذي يؤمن أن الشفاء من عند الله ومع ذلك يأخذ بالأسباب ويذهب للطبيب. د/ هداية: كيف تمت هذه العملية؟ أريدك أن تفهم دائرة عمل السحر الذي تريد أن تفكه، إذا قلت أن كله بأمر الله إذن لا تبحث عن ساحر واتجه إلى الله، لكن الناس تتصور أموراً لكي تريح نفسها، فبدلا من أن نقول على فلان أنه فاشل نقول هذا معمول له عمل، أيهما أخف وقعاً على النفس؟! المقدم: بمعنى أن هذا لا إرادي أنا معمول لي عمل وليس بيدي حيلة، ومن الممكن أن يكون هناك مشكلة معينة وتحتاج لحل مثل ما يحدث في كثير من الحالات عند الشاب الذي يتزوج ويقال له أنت معمول لك عمل بالربط. د/ هداية: وغالباً هي تكون مشكلة نفسية وتُحَل بالنصب أيضاً، وبالإيحاء وغيره وكل هذه أمور أنا لا أريد أن أدخل فيها لسبب أننا لا نفهم الآيات على مراد الله (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) [الجن:6] ما معنى رهقاً؟! إذا سألت أي شخص من هؤلاء المؤيدين لموضوع السحر والأعمال يقول لك أنه كان هناك رجال تستعين ببعض الجن فأتعبوهم وأرهقوهم أي رهقاً من الإرهاق. المقدم: أين الحقيقة في هذه الآية تابعونا بعد الفاصل. ********فاصل ********** المقدم: هل كلمة رَهَقَاً لها علاقة بالإرهاق؟! وخاصة أننا نجد عند بعض المفسرين أن بعض الناس كانت تمشي في رحلة من الرحلات ودخلت في وادي ووجدوا فيه أشياء غير طبيعية، وقالوا أن هذا بسبب أن هذه المنطقة لها أسياد أو سادة من الجن وعليه، فكانت العرب عندما تدخل هذه المنطقة تنادي على أسماء هم إعتقدوا أنها لأسياد هذه المنطقة فيستعيذوا بها ليمروا بسلام من هذه المنطقة، وهذا الكلام أنا قرأته. د/ هداية: هذا كلام ليس له سند وليس له معنى. وسأسألك سؤالا علام تقوم الحرب التي بيننا وبين إبليس؟! لو أعملنا عقلنا سنصل، فالعلاقة بدأت بـ(أنا خير منه خلقتني من نار، وخلقته من طين)، لو أن كلام السحر والأعمال صحيح كان من باب أولى لإبليس أن ينتقم منا أن يجعلنا لا نصلي، طالما أنه قادر على أن يفعل هذا، فالمسألة ما هي إلا وسوسة وتخييل لا أكثر ولا أقل، وشرحنا من قبل أنه نجح في مسألة الشرك مع المؤمن وليس مع كل المؤمنين لكنه لا يستطيع أن يوقع المؤمن في الكفر. ونحن لا زلنا في آيات سورة سبأ (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) [20] قلنا ما صدّق وما ظنه؟ ولكن جئت بسورة الجن حتى تساعد الناس على التلقي. المقدم: لأن اللياقة الإيمانية ضعيفة. د/ هداية: ضعيفة ولا تقوى على مجابهة الحقائق وإنه ينتصر بالله، فالعملية تبدأ أنك تأخذ الشيطان ولياً ومن ثم تعبده من دون الله، هذه هي النهاية. وإبليس نفسه استثنى قلة فقال (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص:83] [الحجر:40] لا يقدر عليهم. المقدم: هذا ينفي المفهوم الذي يترسخ عند بعض الناس أن إبليس يتفضل علينا بأنه ترك قلة من المؤمنين ولم يغويهم. د/ هداية: المولى هو الذي قال (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) [الحجر:42] [الإسراء:65] وعندما ترى السلطان ستتأكد، فالسلطان هو الوهم الذي نعيشه. المقدم: هو غواية إبليس. د/ هداية: هي لا تتعدى الوسوسة هناك معركة دائرة - يستطيع الرجال حسمها عن النساء - في كل صلاة تدور معركة بالوسوسة: (إجلس، لا زال الوقت ممدود، ...) لكي لا تصلي، وتكون النتيجة أن تجد الذين فشل إبليس معهم في المسجد، أما الذين نجح معهم بنسبة يصلون في بيتهم، وهم أفضل من الذين لم يصلوا أصلاً. الذين ذهبوا للمسجد هؤلاء هم المخلصين وفشل في أن يثنيهم عن الصلاة فيوسوس لهم بشيء آخر ليفسد عليهم ثلث الصلاة فيأمرهم بالفحشاء والمنكر والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فيضيِّع عليهم صلاتهم، أما الذين صلوا في بيتهم، أو لم يصلوا أصلاً هؤلاء هو نجح معهم فيعمل ويوسوس لهم بأشياء أكبر إلى أن يتولوه، ثم يعبدوه. آيات سورة الجن هنا لكي نُفَهِّم الناس أن الجن نفسه معترض على السفيه (إبليس) فانتبهوا لهذا (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا)، وانتبه أنهم قالوا زادوهم، يعني كان هناك رَهَقْ ثم زاد. ما الرهق؟ البطش، الظلم، الكفر، العملية التي يعملها، عندما كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن زادوهم ظلماً. فأنت أشعرته بقيمته بأن إستعذت به، والأولى أن يستعيذ بالله منه، فأنت كبّرته ومكّنته منك ومن غيرك، وجعلت له سطوة. المقدم: كأن شخص ذهب لعدوه لكي يطلب منه اللجوء. د/ هداية: بالضبط فعدوه عرف قيمته وعرف أن خصمه ضعيف ولا يقدر على مواجهته، فازداد ظلماً، وبطشاً. فزادوهم رهقا يعني ازدادوا ظلماً وقوة، وبطشاً، وتطاولاً، و.. المقدم: هل هذا له علاقة بكثير من الشعوب التي تفرِّط في حريتها وديمقراطيتها؟! د/ هداية: هذا لأن الإيمان جزء لا يتجزأ. عوداً للحديث الذي ذكرناه (اجتنبوا السبع الموبقات) وأولهم الشرك والسحر، وفي رواية أخرى قال (صلى الله عليه وسلم): (اجتنبوا الموبقات: الشرك والسحر) فقط. المقدم: أولئك السبعة ليس فيهم الزنا؟! ولماذا لم يسميهم الكبائر؟! د/ هداية: فتح الله عليك هذا ما كنت أريد أن أوضحه. أن الرسول عندما تحدث كان يتحدث عن السبع الموبقات إنما الزنا كبيرة من الكبائر لكن أولئك السبع توصل إلى سبعين كبيرة منها الزنا، والسرقة، والغش، والكذب، وعقوق الوالدين، و... فعقوق الوالدين ليس من السبع الموبقات بل من الكبائر، لا بد أن ننتبه لهذا، الموبقات يعني المهلكات. الشرك يوصل إلى كل ما ذكرناه من كبائر، وأكل الربا يوصل إلى كل ذلك، وأكل مال اليتيم. يعني الرجل آكل الربا ممكن أن يسرق ويكذب ويزني، طالما عملت واحدة من الموبقات توصلك إلى كل الكبائر، فالرسول تحدث عن سبع مهلكات الواحدة منهم تؤدي إلى عشرات الكبائر. ولذلك في الرواية الأخرى - والروايتان لأبي هريرة - قال (اجتنبوا الموبقات) ولم يقل السبع وذكر منهم اثنين (الشرك والسحر) لأن السحر أنك تلجأ لغير الله فهذا شرك، فالسحر شرك، والشرك يؤدي إلى الكفر. المقدم: بعض الناس تظن أن الساحر فقط هو الذي أشرك بالله، فما موقف الذي يذهب إليهم؟! د/ هداية: مشرك طبعا. المقدم: والذي فعل هذا وسمع حلقة اليوم وأدرك خطأه؟! د/ هداية: يتوب فوراً، لأن الرسول تحدث في هذا (من ذهب إلى ساحر أو عراف و جلس إليه وصدقه فقد كفر بما أُنزل على محمد (صلى الله عليه وسلم)). وهناك حديث آخر لخَّص فيه الرسول مسألة التوحيد قال له (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت) وقالها مرتين (على أن ينفعوك، وعلى أن يضروك) فهذا توحيد، أن الموحد لو قيل له: فلان عمل لك عملا، يقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، من كان الله معه لا يخيب سعيه. فأقول لك لو أن فكرة السحر هذه مضبوطة وحقيقية لكانوا منعونا من الظهور وإلقاء المحاضرات، ومنعوا كل الدعاة والشيوخ والعلماء؛ لأن هؤلاء هم الذين يبصِّرون الأمة، ثم يتجهون للأمة ويمنعون الناس من الصلاة والعبادة، لكن كل هذا درب من الخبل ووهم عند ضعفاء النفوس. المقدم: والناس التي تدعي أنها لا تعمل إلا الخير ولا تقوم بأعمال شر؟! د/ هداية: قل لي ما الذي يفعله؟. المقدم: الذي يقولونه أنه يفك الأعمال والطلاسم الموجودة في أماكن غريبة وما إلى ذلك فبذلك يصلح حال الشخص الذي كان معمول له العمل، وهذا عن طريق أنه يتكلم مع الجن المسلم فقط وليس الكافر. السؤال هنا طالما أنك على اتصال بالجن المسلم ولك سلطة عليه هل تقدر على إخراج الصهاينة من فلسطين؟! أو اصلاح أحوال إخواننا في العراق، وفي كل بلد مسلم؟!. د/ هداية: هذا درب من الخبل، (إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن) ولا أريد أن أدخل في السحر لأن هذا سيحتاج حلقات طوال، لكن أريد أن أتحدث في الشرك لكي ننهض بالناس في التوبة؛ لأن تصحيح المفاهيم سينقذ الكثير من الناس التي وقعت في هذا الفخ. المقدم: عندي في الآية [7] في سورة الجن (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا) هل لها بموضوع التوحيد وما وصل إليهم من بني البشر من عقائد مغلوطة؟! ألم يكن في التوراة والإنجيل أي إشارة تقول أن هناك نبي قادم حتى بعد محاولات طمس النبوة وعلاماتها فبني اسرائيل كانت تنتظر بعثة النبي؟! فلماذا قالوا أنهم ظنوا كما ظننتم ألن يبعث الله أحداً ؟! فالقصة لغز وسنكمل إن شاء الله بعد الفاصل. ********فاصل ********** المقدم: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا * وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) [الجن:6-10] قبل السؤال الذي كنت سألته هم الجن بأنفسهم يعترفون بعجزهم وجهلهم بالغيب ويقولوا (وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا) د/ هداية: ليس هذا وفقط اسمع للآية التي تسبقها (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) فالرجل الذي يقول أنه سخَّر الجن، فالجن بنفسه يعترف ويقول كنت أسمع وأصبحت لا أسمع. (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ) و(الآن) هذه أي من بعثة محمد (صلى الله عليه وسلم) وتمتد إلى يوم القيامة (يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) أي أنك إذا أرسلت الجن ليسمع فلن يعود لك، سيُحرق، إذن فهذا كذب. (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا) من الذين ظنوا؟! المقدم: رجال الإنس الذين كانوا يعوذون برجال من الجن. د/ هداية: هذا إطلاق يريد به التقييد، لأن الإستثناء للقليل لم يذكر. فأهل الجنة عددهم أقل مما نتخيل لأنهم هم أهل التوحيد المطلق الذي لا تشوبه شائبة، ولا يشوبه شرك، أو كفر ولا تنجح معهم المعصية، فهذا لا يُذكر (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ) هل مائة بالمائة ظنوا؟! لا يمكن، لكنها الأكثرية كما في سورة يوسف [103-106] (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ) كأنك تعمل نسبة معدومة لا تتعدى الـ 5% ، لذلك فهي تحتاج منا لمجهود ومجهود كبير (ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة) فالجنة غالية وغلاها بالتعب والعمل وليس بالمال والحمد لله. نقيس على صلاة الفجر كم واحد من الأمة يذهب للمسجد، وكم واحد يصلي في بيته كسلاً، وكم واحد نائم، وكم واحد لا يؤمن بالصلاة، ... المقدم: ممكن شخص يكون غير مؤمن بالصلاة لكنه مؤمن بعملها، لو تذكر عندما كنا في ندوة حول موضوع صلاة الفجر ومقاومة البرد والتعب وترك الدفء، وطرح موضوع عن تعامل الدول الصغيرة نسبياً مع القوى المهيمنة على العالم الآن اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، وضربنا مثال بكوريا الشمالية الآن التي قالت أنها تسعى لعمل صواريخ، واعترفت أنها تملك سلاحاً نووياً غير عابئة بأي قوة أو بأمريكا، ولم يقترب منها أحد. وقام شخص وقال أنه يريد أن يعمل مقارنة وأننا نقول أن المسلمين عددهم في صلاة الفجر قليل لذلك نحن غير متقدمين كأمة إسلامية، وهل في كوريا الشمالية يذهبوا لصلاة الفجر؟! فأنا أريد أن نسترجع الرد الذي قلناه لهذا الشخص لكي نوضح للناس حقيقة عمل الصلاة. د/ هداية: نحن ضربنا هذا المثال (كوريا الشمالية) والإعتراف بالحق فضيلة. انتبه لكلامي المسجد الذي لا تستطيع أن تدخله يوم الجمعة ولا أي فرض في رمضان في صلاة الفجر في شهر رجب تجده فارغاً، فنفس المسجد، ونفس الحي، ونفس الناس، لكن يوم الجمعة وشهر رمضان يختلف عن باقي الأيام، فلو نظرت لصلاة الفجر في أول يوم من شوال تجد المسجد فارغاً. هؤلاء الناس ماذا يعبدون ؟! المقدم: يعبدون الزمان. د/ هداية: يعبدون الزمان أو المكان أو الحالة، هو عبد لرمضان ليس لرب رمضان؛ لأن رب رمضان هو رب شوال، العدد القليل الذي تجده في المسجد بعد رمضان هم الذين قيل فيهم (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) لكن هل يستطيع أحد أن ينكر أن إبليس حاول مع هؤلاء؟! المقدم: هو حاول لكنه فشل معهم. د/ هداية: بالقطع فشل بدليل وجودهم في المسجد وهم موجودون باستمرار وهذا دليل فشله آناء الليل وأطراف النهار. المقدم: وبالنسبة لمثال (كوريا الشمالية) د/ هداية: الفكرة في مثال (كوريا الشمالية) أنها بلد غير مسلم. المقدم: فالمولى يعطيهم على قدر اجتهادهم. د/ هداية: في العمل، فعندما اعترفت أنها تملك سلاحاً نووياً قاموا بضرب العراق الذي لم يقل أنه يملك سلاحاً، فلا بد من وجود القوة لأن (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف) كوريا ليست بلداً إسلامياً إذن الجهة منفكة في المثال، وانفعال هذا الشخص ورده بهذه الطريقة دليل على أنه لا يصلي؛ لأنك لو قلت مثلا ساعة الفجر النصارى لا تذهب للمسجد فهذا طبيعي بهذا أنت أدخلت المواضيع ببعضها. المقدم: هذا الموضوع يجعلنا نعيد النظر في قانون بناء دور العبادة، ومن وجه نظري المتواضعة أرى أنه لا بد أن يبنى على أساس احتياجات كل منطقة وليس على أساس مقارنة بين عدد المساجد وعدد الكنائس. بمبدأ المواطنة الذي نتشدق به منطقة بها عدد مسلمين إذن فيحتاجون خدمات كثيرة منها المساجد، منطقة أخرى بها عدد نصارى أكبر تُبنى لهم كنيسة وهذا لا ضرر فيه. د/ هداية: أنا لا يشغلني هذا الكلام إطلاقا فالعبرة ليست بالكم وإنما بالكيف، ليس المهم أن يكون عدد المساجد كبيراً لكن المهم كيف نصلي أصلاً، وهل عدم وجود مسجد يمنع الناس من الصلاة فنحن كنا نصلي على الطريق قبل بناء المساجد. لا يستطيع مخلوق أن يمنع أحد عن عبادة الله تبارك وتعالى إذا أراد هذا الشخص أن يعبد، فالذي يشغلني في الحقيقة أن الذي يصلي لا بد أن يصلي على مراد الله تبارك وتعالى . المقدم: حتى تؤثر فيه الصلاة. د/ هداية: حتى يصح فيه قول الحق تبارك وتعالى (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) [العنكبوت:45]، والصيام يكون على مراد الله تبارك وتعالى فتجد الناس صائمة في نهار رمضان وبمجرد عرض الفوازير والمسلسلات تنصرف الناس إليها فهل هذا صيام؟! أتعبت نفسك بالجوع والعطش بالنهار فقط، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) فمراد المولى عز وجل من الصيام ليس أن تدع الطعام والشراب إنما مراد الله تبارك وتعالى ما ذكره في سورة البقرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فهذه هي الحكمة من فرض الصيام في كل الأمم (لعلهم يتقون) في أي أمة فرضه الله تبارك وتعالى عليها من عهد آدم إلى يوم القيامة هذا مراد الله تبارك وتعالى من فرض الصيام، يساعدك على تقوى الله تبارك وتعالى. كذلك الحج والزكاة وكل العبادات إن لم تؤدِ إلى معاملات فلا حاجة لها. عندما تصلي أنت العصر أنا لا أستفيد بصلاتك لكني أستفيد بما تفعله الصلاة معك من تقوى وحسن معاملة. آيات سورة الجن تشهد بأن تلقي الجن للقرآن كان بطريقة مختلفة عن تلقي الإنس، لا أقول في عصر الرسول ولا الصحابة ولا التابعين، أنا أتحدث عن عصر ما بعد تابعي التابعين، فنحن نتلقى القرآن كماليات فقط في مكاتب التحفيظ. والجن يتكلم بعكس ما نتكلم نحن في مسألة الشرك والسحر حتى إبليس لعنة الله عليه ساعة رفض أن يسجد لآدم عمل عملاً أقرب إلى التوحيد مما عملناه نحن، فنحن الناس سهل جدا شركهم فإبليس لم يشرك وواضح جداً قول الجن في الآية (وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) فالجن إما كافر أو مسلم. المقدم: هم يقولون عن أنفسهم (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) [الجن:11] د/ هداية: وكلمة (دون ذلك) ذكاء منهم بأن دون ذلك يمكن أن يكون من الصالحين أيضاً. المقدم: مثلما شرحنا هناك إحسان وتقوى وإيمان ... د/ هداية: يعني ممكن يرجع ويأخذ السُلَّم من أوله، فآيات سورة الجن نحن أخذناها فقط كمثال، أما مسألة السحر هم كذبوها في هذه السورة (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا) فالمفروض نعود لسورة سبأ [20-21] ونطبقها [40-41] ثم سورة ابراهيم [22] ثم الزمر [65] وأيضاً في سورة مريم، فكل هذا يخدم في توضيح مسألة الشرك وخطورة أن أكون مسلماً مشركاً أو مؤمناً مشركاً لأن دوام الشرك يُخرِج من الإيمان وسأثبت لك بالآيات فالمسألة تبدأ درجات، كما أن هناك درجات في الإيمان هناك أيضاً دركات في الشرك. المقدم: جزاكم الله كل خير، والفائز الحقيقي كما وصفه القرآن هو الفائز برضوان الله تبارك وتعالى والجنة أي شيء آخر في الدنيا مهما كان فهو حقير، فالفوز الحقيقي هو الفوز في معركة الصراع الأبدي بين إبليس وسلالته وآدم عليه السلام وسلالته، ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 1/6/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 135 شرح آيات سورة سبأ [20-21]، ابراهيم [22]، مريم [41-45]. المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، كيف نزيد اللياقة الدينية، الإيمانية العقائدية؟ وتنتهي المعركة ونكون من الفائزين بإذن الله، لا يوجد فوز أعظم من جنة الرحمن سبحانه وتعالى. تكلمنا في الحلقات السابقة عن الفرق بين تلقي الجن وتلقي الإنس للقرآن وكيف أن الجن آمنوا به وفهموا أنه يهدي للرشاد، وأنه لا بد من تصحيح العقيدة وتنقيتها من أي شائبة أو شرك. فلا يوجد صاحبة ولا ولد ولا أي شريك في ملكوت السماوات والأرض مع الله سبحانه وتعالى، فالقرآن الكريم هو الفرقان حقاً بين الأبيض والأسود وبين الصدق والكذب، بين الشرك والتوحيد، بين الإيمان والكفر فهو القراءة الصادقة للمسلم الواعي تطبيقاً وليس تلاوةً فقط. ونسترجع معاً الآيات في سورة سبأ [20-21] (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) وقبل أن ننتقل لآيات أخرى سنبدأ من آخر الآيات ففي نهاية الأمر وبعد اتضاح زيف كل الأوهام والأفكار المغلوطة والمشوهة عن المولى سبحانه وتعالى، نجد المولى عز وجل يبين حقيقة الأمر أن إبليس ليس له سلطان. د/ هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليما كثيرا وبعد، وسنأخذها من آية [22] في سورة ابراهيم (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سنأخذها من فم إبليس لعنة الله عليه بإعترافه، ولذلك نقول أن توقيع آيات سورة سبأ في سورة ابراهيم وترشيحها في سورة مريم - وسأبين معنى هذه الألفاظ عندما نسمع الآيات- . ما معنى (إن الظالمين) في الآية؟! (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) [الأنعام:82] ما معنى الظلم ؟! الظلم هو الشرك كما في الآية (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13] فأغلظ أنواع الظلم هو الشرك، نسمع سورة مريم . (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا) [مريم:41-45] يعني هو أولاً يعبد صنماً، ثم يعبد شيطاناً، ثم يكون للشيطان ولياً، هذه هي الخطوات. فسورة سبأ توقيف وسورة ابراهيم توقيع وسورة مريم تُرشح الموضوع وتؤيده وتبلوره وتضعه أمامك فتتنقل القصة بين السور سبأ وابراهيم ومريم فكأنك عملت قصة بسيناريو وحوار، فتسمع القصة من بدايتها (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ) كأن هناك شيء حدث في بداية الخلق والكون ونزول آدم وحواء من الجنة التي على الأرض إلى الأرض. المقدم: سنبدأ من سورة مريم أن الشيطان يكون وليّ مضل مبين فهي إما أولياء لله وإما أولياء للشيطان. ونجد مثلا في تفسير ابن كثير عن عبادة الأصنام والشيطان المذكورة في سورة مريم أنهما متلازمان لأن الشيطان هو الذي أمر بعبادة الأصنام ويقول في تفسير الآية [44] أي يا أبت لا تعبد الشيطان بعبادتك للأصنام لأنه هو الداعي لذلك كما قال الله تعالى (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) [يس:60] د/ هداية: حتى لا تتخبط الناس في مسألة الأصنام وتقول أنه لم يعد هناك أصنام أقول أن الصنم ليس التمثال الذي كان يُعبد في الكعبة بل إن حب المال وحب الجاه والسلطان وحب الشهوات وحب الدنيا صنم يُعبد من دون الله هذه الأيام، مثلما قلت أنت في إحدى الحلقات (أصنام معنوية) وسوف تتطور في الأيام القادمة فطالما أن الدنيا تسير سيظل الإنسان يُطور الصنم ليتبع الشيطان وينفذ أوامره في عبادة غير الله، رغم أنه يوم القيامة سيقول لهم إبليس أنه كافر بالذي دعاهم إليه. المقدم: لو عدنا لسورة سبأ وموضوع الصدق والكذب ومتفقين أن أي كلام يأتي في كتاب الله هو كلام الله تبارك وتعالى وهو الحق (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) [يونس:32] إذن لماذا هذه المفارقة التي لم تكن واضحة عند كثير من الناس أن البعض قال نحن وجدنا آباءنا هكذا، بالرغم من أننا اليوم إذا تحدثنا عن أية طاعة من الطاعات مع انتشار الفضائيات والإعلام بدأنا ننتبه لأهمية الصلاة وأنها ليست مجرد أداء بل إنها إقامة، وعن أهمية التزين بالزي الشرعي للمرأة والذي ذكر في القرآن، فنجد بعض الناس تسفه من هذه المواضيع محتجين بأن أمهاتنا وجداتنا في الستينيات والسبعينيات لم يكن مرتديات لأي نقاب أو خمار أو حتى حجاب بل وكان زيهم غير شرعي، ومع ذلك كان مستوى الأخلاق مرتفع جدا، وكأن الجدات والأمهات هن حجة على الإسلام وليس الإسلام هو الحجة على المسلمين. د/ هداية: هذه هي بإختصار شديد وَلَاية الشيطان، ولذلك لا بد أن نبدأ من (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) فقلنا أن (صَدَقَ) غير (صَدَّقَ) فكلمة صدَّق هنا فيها افتعال وتفعُّل بمعنى أن إبليس ظن أن هؤلاء الناس سهل غوايتها، وأنه سيجعلها تشرك بالله، وتعبد أصناما من دون الله بكل ما في كلمة صنم من معانٍ، ثم تعبدني، ثم تكون من أوليائي، هذا هو ظن إبليس. فإبليس أراد الكل المنطق يقول أنه لا بد من صيانة احتمال أن يعصاه أحد فقال (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [ص:82-83] فهذا صيانة احتمال أن يعصاه أحد وهذا يكون المولى عز وجل هو الذي خلَّصه وكتب له النجاة بالهداية والرسل. الظن هنا بمعنى العلم - قلنا أن الظن في القرآن إما يأتي بمعنى العلم أو الوهم - وصان احتمال ونجح. (صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ) بإحتياله وبأساليبه مثلما ضربنا المثال (راجع/ التوبة والإستغفار (132)) عندما تسألني عن شخص وأقول لك أنه غير صالح للمهمة فستختبره أنت وأنا سأحتال عليه ليرسب في الإختبار ويصبح كلامي عنه صحيحاً، فكلمة (صدَّق عليهم) يعني افتعل بأساليبه وتزيينه وتلبيسه وكذبه وغشه .. وكل ما يستطيعه لكي يصدِّق عليهم ظنه اسمع الآية (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ) الفاء هنا مؤلمة لأنها للسرعة أي حتى أنهم لم يتعبوه. (إِلَّا فَرِيقًا) هنا فريقا بمعنى قليلا لكن (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) فالعاصم هنا وفي هذه الحالة هو الإيمان. السؤال هنا كيف يكون الإيمان ؟! بالتطبيق، فإذا أردت النجاة عليك بالتطبيق والعمل لكي تخرج من الدائرة، لأنه إذا أخذك في دائرته صعب جدا الخروج - ليس مستحيلا لكن صعب - . المقدم: هناك مقارنة بين صياغة الآيات في سورة سبأ وسورة ابراهيم، وسنجيب بعد الفاصل عن ماهية سلطان إبليس وحدود هذا السلطان وقدرة قوته، وعلاقة هذا بالنتيجة التي تحدث مع الناس إما باتباعه أو بسلوك طريق الإيمان والنجاة. ********فاصل ********** المقدم: لو تأملنا الصياغات سنجد بعض العلامات الهامة ففي سورة ابراهيم نجد الشيطان هو الذي يتحدث ويوضح المسألة (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي) ولو انتبهنا هنا أيضا الفاء للسرعة فالقرآن يشرح بعضه بعضاً (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ) نفس الفاء، لكن الإختلاف في سورة سبأ أن السلطان - من وجهة نظري - فيه ربط بينه وبين إرادة المولى سبحانه وتعالى فالمولى ينفي أن الشيطان له سلطان على الإنسان حتى لا يتواكل الناس (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ) فإبليس ليس له سلطان على البشر (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ) إذن هذا السلطان له استثناء أو غرض. د/ هداية (إِلَّا لِنَعْلَمَ) انتبه جيدا فالله سبحانه وتعالى يعلم فكلمة إلا لنعلم هذه أي علم إظهار لكم. (إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ) إذن فمسألة الآخرة هي السبب في الوقوع في المعاصي، مثلا شخص يستبعدها، وشخص لا يصدقها، وآخر يستهين بها. المقدم: بأن يحسن الظن دون أن يحسن العمل. د/ هداية: هذا هو التلبيس فإبليس هنا يعمل له تلبيس برحمة الله سبحانه وتعالى، وهذه المسألة نشرحها من سورة ابراهيم فهو هنا يقول (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ) فهل معنى هذا أن دعوته سلطان ؟! لا، في اللغة يوجد ما يسمى بالإستثناء المقطوع فهذا إستثناء مقطوع، يعنى: أنني ما كان لي عليكم من سلطان إنما الحقيقة أنني دعوتكم فاستجبتم. المقدم: ممكن البعض يفهمها كالتالي: أنني في الحقيقة ليس لي عليكم سلطان لكن عندما اتبعتوني جعلتم غوايتي ووسوستي وتزييني هم بمثابة السلطان وكأنك تفعل المعصية مجبورا بسبب سلطاني، لكن في الحقيقة أنا ليس لي سلطان بذاتي. د/ هداية: لو أن هناك سلطان لما نجا أحد، ولما كان هناك حساب. فليس من المنطق أن يكون هناك حساب طالما أن هناك سلطان لإبليس. المقدم: هل ممكن أن نأخذ هذا المثال من سورة سبأ (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ) كأن المولى عز وجل يقول أنه سمح بهذا التأثير لكي يعلم الناس من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك؟ د/ هداية: لا، فالقاعدة أنه ما كان له عليهم من سلطان والإستثناء هنا مقطوع كما في سورة ابراهيم، فالذي يحدث هو الوسوسة، فهل الوسوسة سلطان ؟! المقدم: لا، يعني إذا صغناها نحن يمكن أن نقول ليس لإبليس عليكم سلطان وإنما جعلنا موضوع الوسوسة لنعلم من يؤمن ومن يكفر. د/ هداية: لأن الوسوسة فيها حرية ممكن علاء يستجيب للوسوسة وممكن لا. اسمع من فم الشيطان يقول في سورة ابراهيم مسألة خطيرة فالنتيجة التي توصل لها تبين أنه لا يوجد سلطان كيف ؟! (مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ)، مصرخكم تعني أنه عندما يصرخ الرجل أي يستغيث بأحد ينجده، فلو علاء مثلا نجده نقول: أصرخه علاء، فأصرخه يعني أزال صراخه الهمزة هنا تسمى همزة إزالة، - مثلما كنا نقول مزاحا مع المريض: أشفاك الله معناها أذهب شفاءك فالأولى أن نقول شفاك الله أي أزال عنك المرض - فإبليس يقول لهم أنه في يوم القيامة لن ينفع أحدنا الآخر إلا العمل. فأنا أريد من الناس أن تقرأ آية [22] من سورة ابراهيم وتوقعها في سورة سبأ لأن في سورة مريم ترشيح لكل هذا الكلام وكيف يحدث ؟! ولم تأت هذه الآية في سورة ابراهيم عبثاً فيريد المولى عز وجل أن يوضح لنا أنه بالرغم من أن ابراهيم عليه السلام نبي لكنه لم يستطع أن يُصرخ والده. فابراهيم رسول نبي وله مكانة خاصة فهو توصل إلى الله عز وجل قبل أن يُعرِّفه الله نفسه، ففي تصوري الشخصي أن والد هذا النبي سيكون مؤمناً جداً، وقال كلمات توزن بميزان الذهب لما رفض الأصنام والشمس والقمر والنجم والكوكب قال (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [الأنعام:79] فهذا اللفظ يبين لك (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان:13] وقال وما أنا من المشركين، يعني شخَّص الحالة التي هم عليها أنها شرك لأنهم قالوا (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) [الزمر:3] نفس الأفكار الواهية، فقال ما أنا من المشركين وسأعبد الذي خلق كل شيء فهو أولى بالعبادة هو لم يعرفه لكنه أولى بالعبادة. المقدم: في القضايا الدنيوية عندما نجد حاكماً أو رئيس جمهورية أو مسؤولاً في كرسي أو منصب تجد لديه سكرتارية أو مجموعة موظفين يعينوه فنجد الناس الذين يريدون أن يأخذوا ما ليس من حقهم يحاولوا أن يستميلوا هذه البطانة كواسطة لهذا المسؤول، وأحيانا يكون هذا المسؤول ليس سيئاً لكن البطانة التي تحيط به تجعله سيئاً، فأحيانا مسألة الوساطة هذه تُطبق على المجال الدنيوي وليس على مجال العقيدة والشرك. د/ هداية: ممكن أن أقبلها في الدنيا لكن في العقيدة مستحيل فالشرك يقابله التوحيد ولا يجتمعان أبداً، مثلا ابراهيم يتكلم في التوحيد المطلق فلا يقول لأبيه أعبدني لكنه يقول له أعبد الإله الواحد الأحد الفرد الصمد فاطر السماوات ويدعو إلى الله الواحد دون أي مصلحة شخصية تعود عليه في الدنيا. المقدم: وأكد على هذا المعنى كل الأنبياء والمرسلين تقريباً (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الشعراء:108، 145، 109، 127، 164] فهم يؤدوا مهمتهم وأجرهم على الله. د/ هداية: هذه الآيات في سورة ابراهيم وسبأ ومريم تبين لنا الأطر العامة وكيف أن إبليس صدَّق ظنه، فلو أننا الآن نتلقى القرآن كما ينبغي لا بد عند كل وسوسة نعطِّل مسألة (صدَّق)، والمولى سبحانه وتعالى أعطانا الطريقة بأن أقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ولا أكون أنا سبب في تصديق ظن إبليس بل سأحوله ظناً بمعنى الوهم وسأجعلك واهماً إذا اقتربت مني. في سورة ابراهيم المولى عز وجل يعرض لنا الذي سيحدث يوم القيامة ويقول لنا أن السلطان الذي كنا نعتقد فيه كان يتلخص في أنه دعاكم فاستجبتم فهل هذا سلطان ؟! فأنت كنت أسرع من فرضية السلطان فكأن إبليس يسأل أين هو السلطان فبمجرد أن دعوتك أنت جئت قبل أن أكمل. وفي سورة مريم عرض لنا المولى عز وجل كيف تمشي المسألة أنهم عبدوا صنماً بإيعاز من الشيطان، ثم تتعدى هذه إلى عبادة الشيطان نفسه، ثم تصبح من جنود الشيطان وأوليائه، ولذا قلنا أن شياطين الإنس أخطر من شياطين الجن، فأبو ابراهيم في هذه الآيات شيطان إنس وهو أخطر من شيطان الجن؛ لأنك إذا تخيلت المعروض عليهم الأمر يجدوا أباً وابنه من سيتبعوا ؟! طبعا الأب بالإضافة إلى أنه جاء على هواهم، ولذلك أنا أقول دائما للناس إذا فعلت أي فعل فانتبه لأنك قد تؤخذ مثال والناس تقلدك والرسول (صلى الله عليه وسلم) وضع القاعدة (من سن في الإسلام سنة حسنة ... ومن سن في الإسلام سنة سيئة ... ) فعندما تفعل بدعة ويقلدك الناس ستحمل أوزار كل الذين قلدوك فلا تُقدم على شيء وتجعله سنة أو قاعد ودون أن تشعر تحمل أوزار لا حصر لها. المقدم: فمثلا أول شخص أخرج أغنية فيديو كليب فيها عري، وأول شخص بث قناة تساعد على الفساد والإفساد ... د/ هداية: كل هؤلاء سيحملوا أوزار كل الذين قلدوهم مع وزرهم، ولا بد أن نطبق الآيات على الحياة الدنيا كما فعلت أنت ونلاحظ أن المسألة تبدأ من عبادة صنم بكل معانيه، إلى عبادة الشيطان، إلى ولاية الشيطان، فإذا بدأت في الشر ستستمر، وإذا بدأت في الخير ستستمر. المقدم: مع تعدد الأصنام التي توجد في الدنيا من مال وجاه وسلطة وتجارة ... إلا أننا نلاحظ أن الدنيا كلها تتحول إلى صنم كبير يُعبد (أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ) وتنسى الآخرة والنعيم المقيم أو عذاب أليم، فنحن نحتاج أن نفتعل معاول البناء وليس الهدم التي تهدي إلى طريق الرشاد وإلى جنة الرحمن تابعونا بعد الفاصل. ********فاصل ********** شرح آيات سورة سبأ [40-42] المقدم: قلنا أن الدنيا كلها ممكن أن تكون صنماً كبيراً وأن تكون هي منتهى الأمل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ) [التوبة:38] وقصة قليل هذه أنك مهما رأيت من نعيم في الدنيا فهو قليل مقارنة بالنعيم الذي ستعيشه في الجنة. د/ هداية: المؤمن الواعي يأخذ القاعدة التي تقول (كل نعيم سوى الجنة حقير، وكل عذاب سوى النار هيِّن) المقدم: لذلك موضوع الأصنام المعنوية مذكور في القرآن (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [التوبة:24] فهل نحن متربصين فعلا مع صعوبة العيش والسعي وراء لقمة العيش والكوارث التي تحدث ؟! د/ هداية: أنت تحاول أن تصلح من شأن الناس في تلقيهم كل أمر في الدنيا لتكون الدنيا ممر للآخرة، طالما أنا أعيش ولو بالكاد لكن المهم أن أكون في الآخرة من أهل الجنات والنعيم إذن سأتحمل أي شيء: مرض فقر تعب ... وهذا معنى قول الحق تبارك وتعالى (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) [العنكبوت:2] المقدم: عندي في سورة سبأ النتيجة التي نريد أن نُسمعها للناس د/ هداية: هذا تطبيق يوم القيامة بعد انتهاء الدنيا بما فيها من مشاكل، منغصات، فهم أو عدم فهم، ومن عظمة القرآن أيضا لو تأملت قول الجن (فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) فمن ضمن معاني (عجبا) أن هذا القرآن يأتي بالنتيجة مجسدة؛ لكي تتقيها ولا تقع فيها، فالقرآن ليس مجرد أوامر ونواهي مجردة بل إنه يبرر بالنتيجة وتصوير المشاهد وبالفعل الماضي. إذن فمن خلال هذا القرآن الذي بوصف الجن عجبا تستطيع أن تتقي، وتعد العدة ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فأتى بالمسألة ووقعها ورشحها ثم في نفس سورة سبأ يعطينا النتيجة لكل هذا يوم القيامة اسمع. المقدم: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ * فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ) [سبأ:40-42] د/ هداية: الآية الأخيرة التي زدتها أنا أتعب منها للغاية لآن فيها نتيجة بفهم عالٍ جدا للذي يفهم، أولا فيها كلمات صعبة جدا في التلقي وتريد من المتلقي أو يوسع العقل والمدارك. إذا بدأنا من أول الآية كل كلمة لها وقع (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا) إذن العابد والمعبود والجن والصالح والطالح الكل يحشرهم الله ليس لهم سلطان ولا إرادة لا تستطيع أن ترجع أو ترفض الكل يُحشر. المقدم: ومعك سائق وشهيد. د/ هداية: سائق لأنه لا يريد أن يذهب وهذا إن كان عمله صالح. المقدم: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا) هل يشتمل على الملائكة أيضا ؟! د/ هداية: طبعا فهذه فيها نقطة لغوية مبدعة جدا، هل سألت نفسك لماذا سأل المولى عز وجل الملائكة ؟! فهل نحن عبدنا الملائكة ؟! هناك من عبد الملائكة لكن السؤال هنا الغرض منه التوبيخ والإستهانة والمذلة لأن الملائكة حتى عند الكافرين تعرف أن هذا الصنف من الخلق لا يكذب ولا يستطيع حتى المعصية، فالمولى عز وجل يسألهم هل كان هؤلاء يعبدوكم ؟! فيقولوا لا هم عبدوا الجن، والجن في هذا الموقف أنت لا تسمع لهم صوتاً. فهذه لا بد وأن يكون لها وقفة ولماذا سأل المولى عز وجل الملائكة ولم يسأل الجن ولا الإنس ؟! لأن هؤلاء ليسوا أهلاً للسؤال حتى الناجي منهم، فالمولى سأل من له في الإجابة وقع عند كل الأطراف؛ لأن الملائكة معروف عنها أنها لا تكذب. المقدم: (ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم) د/ هداية: أي نحن لم ندخل في هذه المنطقة. المقدم: (بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ) السؤال هنا المولى عز وجل يسأل عن مجموعة من الناس فالملائكة تقول أن هؤلاء الناس كانوا يعبدون الجن كان المفترض بصياغتنا نحن يكملوا ويقولوا (وهم بهم مؤمنون) لماذا قالوا (أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ) ؟! د/ هداية: (أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ) تبين أن هناك من بدأ بعبادتهم لكنهم رجعوا، فأنا طبعا أستثني الأنبياء والمرسلين والصالحين والمخلصين لكن الغالبية بدأت في العبادة ورجعت، والذين رجعوا قليلون والأكثرية آمنوا وأكملوا على الطريقة التي كان يحذر منها ابراهيم أنك ستبدأ بعبادة صنم ثم ستعبد الشيطان ثم ستكون من الأولياء، ما حذر به ابراهيم أبيه سار مع الأغلبية وقلة هي التي رجعت عن هذا الطريق (أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ) إذن آيات سورة يوسف [103-106] ترشيح هؤلاء. المقدم: (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا) د/ هداية: لماذا قال نفعا ولا ضرا؟! هل انتبهت كان يكفي واحدة أو بالتفكير العام لا ينفعكم أحد الآن فلماذا قال ضرا؟! المقدم: ممكن لأنه من تبعات أن يظن الإنسان أن هؤلاء الجن هم الذين يستحقون العبادة فتطبيق هذا أنني أسأله الخير وأسأله أن يبعد عني الضر ولا يضرني، وبالتالي فالمولى ينفي صفة الربوبية والخلق والنفع والضر عن الذين كانوا يظنون في الدنيا أنه مكان الرب والنفع والضر. د/ هداية: هذا هو المعنى الحاصل، لكن القاعدة أن الذي ينفع لا بد أن يقدر على الضرر، فتخيل أن الجن كان قادراً مثلما ادَّعوا فتجد يوم القيامة اتباعه والذين كفروا به فيقول أنه لن ينفع اتباعه ولا يستطيع أن يضر الذين كفروا به. فلو كان له سلطان لنفع هؤلاء وضر هؤلاء إنما لا يملك هذا ولا ذاك. فيصورها لك هكذا في الآخرة ليثبتك الآن في الدنيا، عندما يقال لك فلان عمل لك عملا قل له دعه يعمل ما يشاء؛ لأنك في عقيدتك (إذا سألت فإسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم بأن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) يعني لا يوجد ضر ولا نفع إلا بإذن الله. المقدم: في هذه الحالة ستتكلم الملائكة فقط التي تقول الحق أما البقية فسيكونون (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ) [السجدة:12] د/ هداية: حتى الذي نجا من الجنس البشري لن يقول أيضا لأنه ما نجا إلا بفضل الله وليس بذاته. فسأل الله تبارك وتعالى الملائكة لأن هؤلاء صحيفة أعمالهم بيضاء من أولها لآخرها ولا يستطيعون المعصية، والمولى عز وجل يعرض لنا هذه الصورة حتى نفهم في الدنيا ونكون يوم القيامة مع الفريق الناجي القليل الذي خلصهم الله تبارك وتعالى (إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) فهذا ما كتبه الله تبارك وتعالى وأنا أعتبر أن هذه مكافأة من الله تبارك وتعالى للذي تمسك بالله في أي مكان وزمان. المقدم: عندي ملمح أريد أن أختم به أن سبحان الله الإستثناء الذي خرج من وهم سلطان إبليس سواء كانوا إنساً أو جناً، رجلاً أو إمرأة، من عهد آدم إلى يوم القيامة، الكل وُصفوا بأنهم الفريق الناجي. لذا فالدين الإسلامي يطلب من اتباعه أن يتحدوا (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) يارب نكون من هذا الفريق، ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 8/6/2010م |
طريق الهداية التوبة و الاستغفار 136 شرح آيات سورة الجن [1-10] وآيات سورة الأحقاف [29-30] (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا * وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا * وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا * وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن لَّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا * وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا * وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا * وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا * وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا ) [الجن:1-10] (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الأحقاف:29-30] المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم الأحبة الكرام سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، موعد ولقاء جديد نخطو فيه سويا خطوات على طريق الهداية، استفتحنا بالذي هو خير آيات من كتاب الله الحكيم من بدايات سورة الجن، وسورة الأحقاف بدءاً من الآية [29-30] ولعلكم لاحظتم أن الموضوع واحد لكن الصياغة مختلفة بين السورتين. هناك أكثر من التفاته في تدبر هذه الآيات فيها من الدروس الهامة ما سننطلق به في بحثنا عن قضية التوبة والإستغفار. عندي أسئلة كثيرة وفي سورة الأحقاف هناك ألفاظ تضيف عما تعرضنا له في الحلقات السابقة، منها ما بُدأت به الآية (وَإِذْ صَرَفْنَا)، كأن المولى عز وجل هو الذي صرف وليس كما يستقر في أذهان البعض أن موضوع سماع الجن للقرآن حدث بالصدفة بل إنه تصريف أو توجيه إلهي. د/ هداية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يا ربنا تسليما كثيرا وبعد، أنت محق تماما وهذا الذي جعلنا نعرض لسورة الجن مع سورة الأحقاف، فالقضية ليست صدفة أبداً وكما قلنا سابقا لابد أن نفهم كيف يُتلقى القرآن، فأنت عندما تذهب بابنك لدار تحفيظ قرآن هذا توجيه إلهي ولذلك عليك أن تقول (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) ؛ لأن حتى التدبر إن لم يكن فيه توفيق من الله تعالى فدرجة التدبر تختلف، فالذي يجلس ليتدبر القرآن إذا كنا متصورين أننا سنتدبر باجتهاد منا دون هداية وتوجيه من الله فلن نتدبر التدبر الأمثل فحتى التدبر له درجات. قبل أن نشرح آيات سورة الجن مع آيات سورة الأحقاف لابد أن نضع أمامنا القاعدة التي ستساعدنا على فهم وتلقي القرآن على مراد الله تبارك وتعالى - إن صح مرادنا في التعبير - القضية كلها تتعلق بآية من أعظم آيات التوقيع في القرآن، ساعة يتكلم الله تبارك وتعالى عن القرآن بالقرآن (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) [التكوير:27-28] هنا المشيئة للمكلف أن يتدبر القرآن ويُكلف بالقرآن، (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) فالقرآن ذكر للعالمين: للإنس والجن، (لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ) للإثنين أيضاً، لكن ساعة تستقيم إياك أن تقول أنا استقمت بل تقول (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) نفس القضية، (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:29] يعني المشيئة جاءت من باطن مشيئة الله تبارك وتعالى وبهداية منه. هذه الآية من سورة التكوير تتحقق بنسبة 100% بين سورة الجن والأحقاف كيف ؟! عندما عرضنا لسورة الجن (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ) ففي البداية الرسول الذي يتكلم بالقرآن ويلقيه ويتلوه لا يعرف أنهم يسمعوه. المقدم: لولا أنه خبر من السماء لما علمه الرسول (صلى الله عليه وسلم) . د/ هداية: هو يصلي بالمسلمين - وسنعرض للحديث في حلقة قادمة بإذن الله - فمثلا أنت تتلو القرآن في مسجد أو في منزلك لا تعرف أنت من سيهدي الله بهذه التلاوة ؟! وهذا ما أريد أن أعلمه للناس اليوم، أن الإمام في أي مكان قد يستمع الجن إليه ويهديهم الله، فلا تقل أبدا لا فائدة من كلامي، فأنت لا تعرف من سيهدي الله بك، إعمل واستمر ولا تيأس، فلو خرجت من خطبة جمعة بإنس واحد فأنت لا تعرف بكم من الجن خرجت! وهذا ما نستفيده من (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ) فقبل أن يُحى أليه لم يكن يعلم، ومن الممكن ألا يفكر فيها لأنها مسألة إلهية. المقدم: هذا يفتح لنا المجال للحديث عن الروايات التي تقول أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمسك بقافية عفريت من الجن وقال أنه سيعلقه على سارية المسجد لولا أنه تذكر دعوة سليمان (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [ص:35] فلم يربطه، كيف رآه ونظر له وفي موقف آخر جلس الجن واستمع للقرآن والرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يشعر به ؟! د/ هداية: هذه رواية وواقعة وتلك رواية وواقعة أخرى، الملحوظة صحيحة في قضية من أخطر قضايا الإسلام هل يُرى الجن أم لا ؟! لأنه يوجد بعض الحالات النفسية من يقول أنه رأى الجن والجن لا يُرى. المقدم: المسألة لا تقف عند حد الرؤية فبعضهم يقول أنه متزوج منهم . د/ هداية: عندنا في هذه الآيات قضيتين من أخطر قضايا الإسلام - إن صح تعبيري - على الإطلاق في جانب العقيدة: الشرك، والسحر. كيفية تناولهم تُحيرني من الشكاوى التي تُعرض علينا وفهم الناس الخاطئ للشرك والسحر فأدعو الله أن يوفقنا. المقدم: وأنا من هنا أقول للذي يقول أنه متزوج من جنية يتفضل بزيارتنا في قناة دريم وبرنامج طريق الهداية لنتعرف على أسرته وإن كان هناك ذرية جاءت من هذه الزيجة ما يقال عنها إنس- جنية أو جن- إنسية، ليس تحدي ولك لنعرف الحقيقة ونحن سنكون سعداء. ونعود لما كنا نتحدث فيه. د/ هداية: كيف يكون التوقيع ؟! أولا قلنا أن الجن تلقى القرآن أفضل من الإنس بكثير جدا بدليل في سورة الجن (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا) في سورة الأحقاف قال (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ) لم يقل يسمعون لماذا الوقفة هنا ؟! فهذه آية يعلمنا فيها المول تبارك وتعالى كيف نتلقى (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف:204] وشرحناها سابقاً لعلكم ترحمون بماذا بالإستماع أم بلإنصات أم بالعمل بعد الإستماع والإنصات ؟! المقدم: ما الفرق بين السماع والإستماع وكيف أجمع بين الإستماع ثم الإنصات ثم التطبيق لأصل إلى الرحمة ؟! كل هذا سنجيب عنه تابعونا بعد الفاصل. ********فاصل ********** المقدم: عندما نتدبر الألفاظ والآيات نجد مرة سماع ومرة إستماع وصولا إلى مراد الله تبارك وتعالى في الآيات لعلكم ترحمون ونعرض معا لهذه الإختلافات، ما الفرق مثلا بين السماع والإستماع ؟! د/ هداية: السماع هو مايحد للأسف الشديد في كثير من بيوت المسلمين، أن تجد القرآن على الراديو أو المُسجل ليل نهار ولا يهم إن كان من البيت يسمعونه أم لا ويتحدثون مع بعضهم فالآية تقول (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (قُرىء) فعل مبني لما لم يسمى فاعله وليس للمعلوم بمعنى أنك إذا شغلت شريط القرآن إذن فيكون (قُرِىءَ الْقُرْآنُ) فلابد أن تسمع وليس سمع عادي بل بتركيز أي تستمع فالإستماع هو الإهتمام والتفعل في السمع يكون منك أنت ، الذي أريد أن أبينه أن القرآن سماعه إستماع وليس فيه سماع، عندما وصَّف الجن ما فعله قال (إنا سمعنا)، ولما وقع المولى عز وجل في سورة الجن قال (يستمعون) إذن سماع القرآن لا يقل عن الإستماع فبدايته استماع، فتوقيع سماع القرآن هو الإستماع لأن الآية الموجِهة (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) عندما تنفذ الآية تقول سمعت وسمعت معناها استمعت. المقدم: (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285] هل سمعنا وأطعنا هنا أي سمعنا آيات الله أم سمعنا بمعنى استوعبنا ؟! د/ هداية: أنت سبقتني هذا ما كنت سأصل إليه (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) هذا هو (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) غفرانك أي النتيجة. توقيع سماع الآيات أو القرآن أو التوجيه النبوي أو الإلهي هو الإستماع، سأحاول أن أبسطها المولى عز وجل يقول لنا أن الجن قالوا (إنا سمعنا) لكي نقلدهم وهذا أقل شيء، الآية تقول (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) فالذي يحدث أننا نُشغِّل القرآن في البيت ونتحدث مع بعضنا، وكذلك في المآتم تجد الشيخ يقرآ والناس تدخن ولا تسمعه - ليس كلنا طبعا - فالآية تعلمنا أنه إذا قرئ القرآن نستمع. المقدم: الإشكالية في التطبيق نجد من يسأل ماذا نفعل نحن؟! الكل يتعامل مع القرآن بهذه الطريقة فهل نتكلم مع البائع الذي يبيع في محله ونقول له أغلق القرآن وأنت تبيع؟! د/ هداية: سأقولها لك بطريقة توجيهية أعلى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ) هل قال اتركوا الصلاة ؟! (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) ماذا تفعل أنت بالترتيب أولا تترك البيع ثم تذهب للمسجد ، فلماذا قدم الله السعي على ترك البيع ؟! لأن المسألة فيها نية قبل أن يكون فيها عمل بمعنى أنك تعطي ميعاد لشخص جاء لك في يوم الثلاثاء مثلاً ليقابلك يوم الجمعة الساعة الواحدة والنصف لأن هذا بعد صلاة الجمعة وأنت لا تقابل أحد وقت الصلاة، فأنت تركت البيع قبل يوم الجمعة، فمعنى هذا أنك سعيت لذكر الله وللصلاة قبل أن تذر البيع، ولذلك الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الجمعة:9] لو قال (في يوم الجمعة) لما ظهر معنى المثال الذي شرحته بل قال (مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ) لأن من تعمل (في، ومن) فاختار الله حرف الجر (من) ليبين أنك تسعى لذكر الله قبل يوم الجمعة. ونفس التطبيق في الإستماع فهو يقول إذا قرئ استمع، لا مجرد أن تسمع بل درجة أعلى من التركيز وهي الإنصات، لكن ما يحدث الآن هو مخالفة للنص القرآني، ومع المؤمنين (وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) أما ما يحدث الآن أولا/ هو مخالفة حقيقية لأمر القرآن (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)، وثانيا/ هو استهتار بالقرآن فالمولى لم يقل اسمع بل قال استمع فأنت عندما تُشغِّل القرآن وأنت تبيع وتشتري هل أنت بهذا أوليت القرآن الإهتمام الذي يليق ؟! لا بل واستهترت به. المقدم: ومسألة أن تشغيل القرآن بركة ويزيد الرزق ؟! د/ هداية: يا إخواني القرآن ليس بركة - هذا وهم ودرب من الخبل - ساعو وصَّف الله القرآن قال (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) [التكوير:27] [ص:87] [يوسف:104] (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ) [القلم:52] فلو كان القرآن بركة لقالها المولى عز وجل فالمولى تبارك وتعالى ليس عاجزا حاشاه جل في علاه. وعندما نشرح أكثر في آيات سورة الجن ستجد أن الله تبارك وتعالى اختار في آيات سورة الجن وسورة الأحقاف ما يبين لك أن القرآن ليس بركة. المقدم: (خذ من القرآن ما شئت لما شئت) د/ هداية: هذا كلام فارغ حتى لو أخذت المعنى اللغوي هنا ينصرف إلى صحيح المعنى الإصطلاحي معنى خذ من القرآن أي نفِّذ وطبّق وليس خذه أي ضعه في مكان ليكون بركة فمعنى خذ أي خذ التعليمات والمنهج (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) [مريم:12] القوة هنا قوة التلقي وقوة التلقي التدبر وقوة التدبر الإنصات والإهتمام. وأنت تعلم أن القرآن هو كلام الله على لسان الأنبياء والإنس والجن و.. فكلام الجن فقط في سورة الجن صنع العديد من القضايا العقائدية وأثبتها لكي نستفيد نحن من الجن الواعي الذي طبق (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) إذن المسألة ليس بركة أو تميمة أو أسفل الوسادة ولن يبارك الله لأنك استهترت بكلام الله، وليس معنى هذا أن تجلس في المسجد ليل نهار، بع واشتر في وقت البيع وإستمع وأنصت في وقت القرآن. المقدم: بمعنى تنظيم الوقت. د/ هداية: هذا هو معنى (نعيب زماننا والعيب فينا * وما لزماننا عيب سوانا) بعض الناس ممكن أن يقول أننا نتحدث في مسألة البيع والشراء ولا يكون هناك تطبيق لهذه الآية، إذا تحدثنا عن الصلاة فهل آية (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) تُطبق في الصلاة ؟! فالإمام يصلي في المغرب والعشاء والصبح صلاة جهرية فهل نستمع وننصت ؟! في الغالبية طبعاً. كيف يكون العلاج هنا - وهو موضوعنا التوبة والإستغفار - بأن أقاوم هذا، فعندما ينتهي الإمام من الصلاة أسأله عن كلمات الآيات الغير مفهومة بالنسبة لي فلو خرجت في الوم الواحد بعشر كلمات أفهم معناها فهذا يكفي، فالعبرة ليست بإتقان حركات الصلاة - فالصلاة ليس مجرد رياضة - لكن العبرة بالتدبر والخشوع. ونسمع الناس تسألنا كيف إذن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ؟! الصلاة فعلا تنهى عن الفحشاء والمنكر لكن أنتم - الذين يسألوا - لا تُصلُّوا. المقدم: هذا يجعلنا نتجه بالحديث عن الصلاة وحقيقة الصلاة. د/ هداية: وهذا ما وعدنا به وسنخصص بإذن الله حلقات عن الصلاة وسيفاجأ الكثير من الناس بقصور إلى حد كبير في صلاتهم. المقدم: وسنكمل إن شاء الله بعد الفاصل. ********فاصل ********** المقدم: (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء:46] تتحدث الآية أيضاً عن بعض الألفاظ التي تتعلق بموضوع السماع والإستماع نريد أن نربطها بما نتحدث عنه، وأسئلة أخرى أولاً (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) ما معنى هذا؟! د/ هداية: بالبلدي هذه دعوة على الرسول (صلى الله عليه وسلم) بمعنى يا رب لا أحد يسمعك، كأنك تقول يا رب لا تُسمع دعوتك. هذه الآية هي بداية النهاية بالنسبة للذين هادوا مسألة (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) وليس من مواضعه وهذا هو التحريف أن يحذف بعض الكلمات ويبقي بعض الكلمات، يحرفون الكلم عن مواضعه المسلم عنده نص قرآني فيأتون بالتوراة ويحرفها وفق القضية التي يريدها هو فلا يعود هذا الكلام إلهياً وإنما محرفاً وموضوعاً وسط سياقات تبدو وكأنها التوراة وهذا معنى النحريف أن يترك النص ويستبدل بعض الكلمات. يحرف الكلم عن مواضعه يحذف كلمة مهمة جداًز الكلمة القرآنية عاشقة لمكانها ومكانها عاشق لها لا يمكن أن تحذفها ولا أن تبدلها. يأتي أحدهم فيسأل مثلاً ما معنى الروح؟ في القرآن عندنا ستة روح والشيخ الواعي يسأل السائل أي آية تقصد لأن (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) القدر) غير (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا (52) الشورى) هذه روح وهذه روح، إحداهما تعني جبريل وواحدة تعني القرآن وعندنا روح بمعنى قوام الحياة وروح بمعنى عيسى وروح بمعنى القرآن وعندنا الوحي والسكينة فعندما نسأل عن معنى كلمة يجب أن نذكر الآية التي وردت فيها الكلمة لأن الكلمة عاشقة لمكانها ومكانها عاشق لها. لا يمكن أن نبدل كلمة مكان كلمة فكل كلمة في مكانها تعني معنى مختلفاًًً. الكلام الإلهي لا يمكن أن نغير فيه كلمة. في سورة الجن سنقول معاني الكلمات وسنجد ثلاثة معاني ونأخذ المعاني كلها كل معنى مع السياق لكن لا يمكن أن نبدل كلمة مكان كلمة فكل كلمة تعطي معنى في سياقها. الكلمة القرآنية أحياناً يكون لها أكثر من معنى فلو وضعناها بمعنى واحد فقط نكون قد ألغينا المعنيين الآخرين، وهذا هو الفرق بين الكلمة القرآنية والكلمة البشرية. الكلمة الإلهية قد تعني معاني عديدة فيضعها في سورة الشورى مثلاً غير معنى في سورة الإسراء غير معنى في سورة أخرى. المقدم: ذكرنا مثل هذا الأمر عندما تكلمنا سابقاً عن معنى كلمة عتيق في الآية (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) الحج) وقلنا أن معنى عتيق قديم فلماذا لم يستخدم قديم؟ د/ هداية: الناس لا تعلم ما معنى قاموس، التلامذة يتصوروا أنهم إذا أرادوا معنى الروح يفتحوا القاموس فيجدوا أن معناها جبريل، لكن المسألة ليست كذلك، المعنى اللغوي في القاموس هو لضبط الكلمة وليس لإعطاء المعنى. وإعطاء المعنى يأتي من أصل الكلمة في القرآن وفي أصل النصّ. (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) لم يقل قديم وما دام استخدم عتيق فهو لمعنى محدد، صحيح أنه في أصل اللغة عتيق بمعنى قديم ولكن المعنى المقصود في الآية لا يصح معه قديم. لما نصنع العطور نقول عتّقه، لكن لما يستخدم المولى عز وجل كلمة عتيق يكون لها إما معنى أو لازم معنى أو مراد. غذا طبقنا هذا الأمر على كلمة عتيق، قالوا عتيق بمعنى قديم هذا معنى واحد من لازم معنى الكلمة، (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) لا تنقع القديم وإنما البيت يتميز أن من دخله كان آمناً ويعتق من النار. إذن هنا العتق غير القدم، العتق أن تعفو عنه وهذا معنى آخر للعتق، صحيح أن عتيق فيها معنى قديم لكن هذا المعنى لا يهممنا هنا أن يكون البيت قديماً ولكن يهمنا أن يكون المعنى أن يعتق الله تعالى رقبتي من النار. إذن (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) كأن فيها إشارة لو طفت بشكل صحيح وعملت المناسك بشكل صحيح فالمولى سيعتق رقبتي. المقدم: أيام الرسول صلى الله عليه وسلم كان الساحة حول الكعبة لم يكن فيها التوسعات والرخام والكسوة ليس القضية قضية الخامة وإنما القيمة. د/ هداية: المراد بالعتيق هو المطلوب، (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) فيها إشارة لو طفت صح وعملت المناسك بشكل صحيح وكانت نيتك التي جئت بها سليمة وركزت في أنك ستؤدي المناسك بإخلاص لله تبارك وتعالى سيعتق الله تعالى رقبتك من النار وهذا مصداق الحديث ساعة تطوف طواف الإفاضة كأن الملك يقول لك إعمل في ما يُستقبل قد غفر الله لك وهي معنى "عاد كيوم ولدته أمه" لكن لا أذهب للحج لأجل حصول هذا وإنما هذه تأتي تابعة لكوني أحج لأن الحج فريضة، أنا لا أذهب إلى الحج حتى يغفر الله لي ولكن أذهب إلى الحج لأنه فريضة ويتبع هذا إن أديت الفريضة بشكلها الصحيح وبإخلاص لله تعالى تكون النتيجة أن الله تعالى يغفر لي. فالذي يريد أن يذهب للحج ليغفر الله له فيمكنه أن يبقى في بيته ويستغفر الله لأن الله تعالى قريب. المقدم: ولو كان هذا المفهوم صحيحاً وهو أن يذهب للحج ليغفر الله له لكان الفقير قد ظُلِم حاشا لله لأنه لن يتمكن من الحج لعدم استطاعته د/ هداية: الجنة ليست بمال، لماذا نذهب إلى الحج؟ لأنها فريضة. وإخلاصك في الحج وفي النسك له أجر وهو المغفرة. مثل الصلاة درجات، أنا أصلي الظهر وغيري يصلي الظهر بإخلاص لا يستويان! ولو سألت الذي يصلي يقول لك أسقطت الفرض وكأنه أزاح عنه هذا الأمر وكان عليه أن يقول أقمت الفرض بدل أن يقول أسقطته. المقدم: والأجر على قدر كامل النية ودرجة الإجادة والإتقان. د/ هداية: رجل ذهب إلى الحج وتعب قال هذه عملية مقرفة! ولن أعود إلى هنا ثانية! وذكر ألفاظاً غريبة، فسألته لماذا؟ لا أدري لماذا يأتي الناس هنا! هذا ضيّع كل شيء. هؤلاء يتكلمون عن نسك لإله، والناس تتكلم هكذا وكأنهم يتكلمون عن رحلة سياحية، الحج مشقة لكن أن تأتي بكل حب وفي نيتك أن لا تغضب ولا ترفث مهما حصل من إشكالات في التذكرة أو المواصلات أو أو، هناك كثيرون لا يفهموا النية والهدف والغاية والمراد وهذه الأمور كلها تتعلق بطريقة تلقينا للقرآن. المقدم: عندي أسئلة في الآية وأسئلة أخرى. أولاً في مسألة عدم الاستماع والإنصات للقرآن هناك من يسأل أنا أحب أن استمع للقرآن وأنا نائم فهل يشغّل القرآن أم لا؟ د/ هداية: لا، لا يشغله لأنه وهو نائم لن يستمع ولن يُنصت. المقدم: أنت تقول لا تشغل القرآن إذا لم يستمع له فما هو الأفضل أن أشغل القرآن بدون أن استمع له أو اشغل أي شيء آخر مثل الأغاني؟ د/ هداية: هذا سؤال تهديدي، أنا لست مع الأغاني لكن إذا كنت تبيع وتشتري لا تشغل القرآن وشغل الأغاني. القرآن له شرط إلهي (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204) الأعراف) والجن قالوا (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) الجن) لا يمكن أن يوصف هذا القرآن أنه عجباً إلا إذا ركّز المستمع له، وعجباً جاءت مكان عجيب ومتعجب منه، جاء بالمصدر. نم وبِع وإشتر بدون أن تشغل القرآن لكن إذا أردت أن تتدبر فاستمع للقرآن حتى لو خرجت بكلمة واحدة لأن هذا شرط إلهي (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) لا ترحمون لأنكم أنصتوا ولكن لأنكم إذا استمعتم وأنصتم ستطبقون بشكل صحيح وهذه هي الرحمة الحقيقية وهذا هو العمل. المقدم: جزاكم ونراكم على خير وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته. بُثّت الحلقة بتاريخ 25/6/2010م |
ابدعتي يا اختي ميارى
الله يجزاكي كل خير |
سلمت الايادي على طرحك وبارك الله بك
جزيل الشكر والتقدير لك كل الود والتحية |
الساعة الآن 04:20 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |