منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 8 - 8 - 2010 03:42 PM

أجفال جلال الدين ومسير التتر في اتباعه وفراره إلى الهند
ثم بعث العساكر في طلب جلال الدين وقد كان بعد مهلك أبيه وخروج تركمان خاتون من خوارزم سار إليها وملكها واجتمع إليه الناس‏.‏ ثم نمي إليه أن قرابة تركمان خاتون وهم البياروتية مالوا إلى أخيه يولغ شاه وابن أختهم وأنهم يريدون الوثوب بجلال الدين ففر ولحق بنيسابور‏.‏ وجاءت عساكر التتر إلى خوارزم فأجفل يولغ شاه وأخواه ليلحقوا به بنيسابور فأدركهم التتر وهم محاصرون قلعة قندهار فاستلحمهم‏.‏ ثم سار إلى غزنة فلملكها من يد ولحق به أمراء أبيه الذين تغلبوا على نواحي خراسان في هذه الفتنة وأزعجهم التتر عنها فحضروا مع جلال الدين كبسة التتر بقلعة قندهار‏.‏ ولحق فلهم بجنكز خان‏.‏ وبعث ابنه طولي خان لقتال جلال الدين فهزمه جلال الدين وقتله‏.‏ ولحق الفل من عساكره بجنكز خان فسار في أمم التتر ولقي جلال الدين فانهزم ولم يفلت من التتر إلا الأقل ورجع جلال الدين فنزل على نهر السند وقد كان جماعة من أمرائه انعزلوا عنه يوم الواقعة الأولى بسبب الغنائم فبعث إليهم يستألفهم فعاجله جنكز خان وقاتله ثلاثاً ثم هزمه واعترضه نهر السند فاقتحمه وخلص إلى السند بعد أن قتل حرمه أجمعين وذلك سنة ثمان عشرة‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

أخبار غياث الدين بن خوارزم شاه مع التتر
كان خوارزم شاه قد قسم الملك بين ولده فجعل العراق لغورنشاه وكرمان لغياث الدين تمرشاه فلم ينفذ إليها أيام أبيه‏.‏ فلما فر خوارزم شاه إلى ناحية الري لقيه ابنه غورنشاه صاحب العراق‏.‏ ثم كانت واقعة التترية على حدوى ولحق خوارزم شاه بجزيرة طبرستان ولحق غورنشاه بكرمان‏.‏ ثم رجع واستولى على أصفهان وعلى الري‏.‏ ثم زحف التتر إليه وحاصروه بقلعة أوند وقتلوه وكان أخوه غياث الدين بكرمان وملكه بينه وبين بقا طرابلسي أتابكه وفر إلى ناحية أذربيجان‏.‏ واستولى غياث الدين على العراق ومازندران وخوزستان فأقطع بقا ثم سار غياث الدين إلى أذربيجان فصانعه صاحبها أزبك بن البهلوان ولحق به من كان متغلباً من أمراء أبيه بخراسان‏.‏ وكان أبنايخ خان نائب بخارى قد تغلب بعد الواقعة على نسا ونواحيها وجرجان وعلى شيروان وعامة خراسان‏.‏ وكان تكين بهلوان متغلباً على مرو فعبر جيحون سنة سبع عشرة وكبس شحنة التتر واتبعوه إلى شيروان ولقوا أبنايخ خان على جرجان فهزموه‏.‏ ونجا فلهم إلى غياث الدين على العراق والري وما وراءها في الجنوب من موكان وأذربيجان وبقيت خوارزم طوائف وفي كل ناحية منها متغلب وعساكر التتر في كل وقت تدوخ بلاد العراق وغياث الدين منهمك في لذاته‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

رجوع جلال الدين من الهند واستيلاؤه على العراق وكرمان وأذربيجان
ثم زحف التتر إليه ثم رجع جلال الدين من الهند سنة إحدى وعشرين واستولى على ملك أخيه غياث الدين بالعراق وكرمان وبعث إلى الخليفة يطلب الخطبة فلم يسعف فاستعد لمحاربته‏.‏ وقد كانت بلاد الري من بعد تخريب التتر المغربة لها عاد إليها بعض أهلها وعمروها فبعث إليها جنكز خان عسكراً من التتر فخربوها ثانية وخربوا سلوة وقم وقاشان وأجفل أمامهم عسكر خوارزم شاه من همذان فخربوها واتبعوهم فكبسوهم في حدود أذربيجان‏.‏ ولحق بعضهم بتبريز والتتر في اتباعهم فصانعهم صاحبها أزبك بن البهلوان وبعث بهم إلى التتر الذين في اتباعهم بعد أن قتل وسار جلال الدين إلى أذربيجان سنة اثنتين وعشرين فملكها وكانت له فيها أخبار ذكرناها في دولته‏.‏ ثم بلغ السلطان جلال الدين أن التتر زحفوا من بلادهم وراء النهر إلى العراق فنهض من تبريز للقائهم في رمضان سنة خمس وعشرين ولقيهم على أصفهان وانفض عنه أخوه غياث الدين في طائفة من العساكر‏.‏ وانهزمت ميسرة التتر وسار السلطان في اتباعهم وقد أكمنوا له وأحاطوا به واستشهد جماعة ثم صدق عليهم الحملة فأفرجوا له ومضى لوجهه وانهزمت العساكر إلى فارس وكرمان وأذربيجان ورجع المتبعون للتتر من قاشان فوجدوه قد انهزم فافترقوا أشتاتاً ولحق السلطان بأصفهان بعد ثمانية أيام فوجد التتر يحاصرون أصفهان فبرز إليهم في عساكرها وهزمهم واتبعهم إلى الري وبعث العساكر في اتباعهم إلى خراسان ورجع إلى أذربيجان وأقام بها وكانت له فيها أخبار مذكورة في دولته‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

مسير التتر إلى أذربيجان واستيلاؤهم على تبريز
ثم واقعتهم مع جلال الدين بآمد و مقتله كان التتر لما استقروا فيما وراء النهر عمروا تلك البلاد واختطوا قرب خوارزم مدينة عظيمة تعوض عنها وبقيت خراسان خاوية‏.‏ واستبد بالمدن فيها طوائف من الأمراء أشباه الملوك يعطون الطاعة للسلطان جلال الدين منذ جاء من الهند‏.‏ وانفرد جلال الدين بملك العراق وفارس وكرمان وأذربيجان وأران وما إلى ذلك‏.‏ وبقيت خراسان مجالاً لغزاة التتر وعساكرهم وسارت طائفة منهم سنة خمس وعشرين إلى أصفهان وكانت بينهم وبين جلال الدين الواقعة كما مر‏.‏ ثم زحف جلال الدين إلى خلاط وملكها‏.‏ وزحف إليه صاحبها الأشرف بن العادل من الشام وعلاء الدين كيقباد صاحب بلاد الروم وأوقعوا به كما مر في أخباره سنة سبع وعشرين الواقعة التي أوهنت منه وحلت عرى ملكه‏.‏ وكان علاء الدين مقدم الإسماعيلية بقلعة الموت عدواً لجلال الدين بما أثخن في بلاده وقرر عليه وظائف الأموال فبعث إلى التتر يخبرهم أن الهزيمة أوهنته ويحثهم على قصده فسار إلى أذربيجان أول سنة ثلاث وعشرين‏.‏ وبلغ الخبر إلى السلطان بمسيرهم فرحل من تبريز إلى موقان وأقام بها في انتظار شحنة خراسان ومازندران وشغل بالصيد فكبسه التتر ونهبوا معسكره وخلص إلى نهر راس من أران‏.‏ ثم رجع إلى أذربيجان وشتى بماهان‏.‏ ثم جاءه النذير بمسير التتر إليه فرحل إلى أران وتحصن بها وثار أهل تبريز لما بلغهم خبر الوقعة الأولى بمن عندهم من عساكر الخوارزمية وقتلوهم ومنعهم رئيسهم الطغرياني من طاعة التتر‏.‏ ووصل للسلطان جلال الدين ثم هلك قريباً فسلموا بلادهم للتتر وكذا فعل أهل كنجة وأهل سلعار‏.‏ ثم سار السلطان إلى كنجة وارتجعها وقتل المعترضين للثورة فيها وساش إلى خلاط واستمد الأشرف بن العادل صاحب الشام فعلله بالمواعيد‏.‏ وسار إلى مصر ويئس من إنجاده فبعث إلى جيرانه من الملوك يستنجدهم مثل صاحب حلب وآمد وماردين‏.‏ وجرد عسكراً إلى بلاد الروم في خرت برت وملطية وأذربيجان فاقتحموها لما بين صاحبها كيقباد وبين الأشرف من الموالاة فاستوحش جميع الملوك من ذلك وقعدوا عن نصرته‏.‏ وجاءه الخبر وهو بخلاط أن التتر زحفوا إليه فاضطرب في رحله وبعث أتابكه أوترخان في أربعة آلاف فارس طليعة فرجع وأخبره أن التتر رجعوا من حدود ملاذ كرد وأشار عليه قومه بالمسير إلى أصفهان‏.‏ وزين له صاحب آمد قصد بلاد الروم وأطمعه في الاستيلاء عليها ليتصل بالقفجاق ويستظهر بهم على التتر ووعده الإمداد بنفسه يروم الانتقام من صاحب الروم لما ملك من قلاعه فخيم إلى رأيه وعدل عن أصفهان ونزل بآمد‏.‏ وبعث إليه التركمان بالنذير وأنهم رأوا نيران التتر فاتهم خبرهم‏.‏ وصحبه التتر على آمد منتصف شوال سنة ثمان وعشرين وأحاطوا بخيمته وحمل عليهم أتابكه أوترخان وكشفهم عن الخيمة‏.‏ وركب السلطان وأسلم أهله وسواده ورد أوترخان العساكر وانتبذ ليتوارى عن عين العدو‏.‏ وسار أوترخان إلى أصفهان واستولى عليها إلى أن ملكها التتر من يده سنة تسع ثلاثين‏.‏ وذهب السلطان منجفلاً وقد امتلأت الدربندات والمضايق بالمفسدين من غير صنوفهم بالقتل والنهب فأشار عليه أوترخان بالرجوع فرجع إلى قرية من قرى ميافارقين ونزل في بيدرها وفارقه أوترخان إلى حلب‏.‏ وهجم التتر على السلطان بالبيدر وقتلوا من كان معه وهرب فصعد جبل الأكراد وهم مترصدون الطرق للنهب فسلبوه وهموا بقتله‏.‏ وشعر بعضهم أنه السلطان فمضى به إلى بيته ليخلصه إلى بعض النواحي ودخل البيت في مغيبه بعض سفلتهم وهو يريد الثأر من الخوارزمية بأخ له قتل بخلاط فقتله ولم يغن عنه أهل البيت‏.‏ ثم انتشر التتر بعد هذه الواقعة في سواد آمد وأرزن وميافارقين وسائر ديار بكر فاكتسحوها وخربوها وملكوا مدينة أسعرد عنوة فاستباحوها بعد حصار خمسة أيام ومروا بميافارقين فامتنعت ثم وصلوا إلى نصيبين فاكتسحوا نواحيها ثم إلى سنجار وجبالها والخابور‏.‏ ثم ساروا إلى أيدس فأحرقوها ثم إلى أعمال خلاط فاستباحوا هاكرى وأرجيش‏.‏ وجاءت طائفة أخرى من أذربيجان إلى أعمال إربل ومروا في طريقهم بالتركمان الأيوبية والأكراد الجوزقان فنهبوا وقتلوا وخرج إليهم والي إربل مستمداً أهلها وعساكر الموصل فلم يدركوهم فعادوا وبقيت البلاد قاعاً صفصفاً‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:43 PM

التعريف بجنكز خان
وقسمة الأعمال بين ولده وانفراده بالكرسي في قراقوم وبلاد الصين هذا السلطان جنكز خان هو سلطان التتر لعهده ثم من المغل أحد شعوبهم وفي كتاب لشهاب الدين بن فضل الله أنه من قبيله أشهر قبائل المغل وأكبرهم وزايه التي بين الكاف والخاء ليست صريحة وإنما هي مشتملة بالصاد فينطق بها بين الصاد والزاي‏.‏ وكان اسمه تمرجين ثم أصاروه جنكز وخان تمام الاسم وهو بمعنى الملك عندهم‏.‏ وأما نسبته فهي هكذا جنكز بن بيسوكي بن بهادر ابن تومان برتيل خان بن تومينه بن باد سنقر بن تيدوان ديوم بن بقا بن مودنجه إحدى عشر اسماً أعجمياً صعبة الضبط وهذا منحاها‏.‏ وفي كتاب ابن فضل الله فيما نقله عن شمس الدين الأصفهاني أمام المعقولات بالمشرق أخذها عن أصحاب نظير الدين الطوسي قال إن مودنجه اسم امرأة وهي جدتهم من غير أب‏.‏ قالوا وكانت متزوجة وولدت ولدين اسم أحدهما بكتوت والآخر بلكتوت ويقال لولدها بنو الدلوكية‏.‏ ثم مات زوجها وتأيمت وحملت وهي أيم فنكر عليها قرباؤها فذكرت أنها رأت بعض الأيام نوراً دخل في فرجها ثلاث مرات وطرأ عليها الحمل بعده‏.‏ وقالت لهم إن في حملها ثلاثة ذكور فإن صدق ذلك عند الوضع وإلا فافعلوا ما بدا لكم‏.‏ فوضعت ثلاثة توائم من ذلك الحمل فظهرت براءتها بزعمهم اسم أحدهم برقد والآخر قونا والثالث نجعو وهو جد جنكز خان الذي في عمود نسبه كما مر وكانوا يسمونهم النورانيين نسبة إلى النور الذي ادعته‏.‏ ولذلك وأما أوليته فقال يحيى بن أحمد بن علي النسابي كاتب جلال الدين خوارزم شاه في تاريخ دولته إن مملكة الصين متسعة ودورها مسيرة تسعة أشهر وهي منقنسمة من قديم الزمان على تسعة أجزاء كل جزء منها مسيرة شهر‏.‏ ويتولى ملك كل جزء منها ملك يسمى بلغتهم خان ويكون نائباً على الخان الأعظم‏.‏ قال وكان الأعظم الذي عاصر خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش يقال له طرخان توارثها عن آبائه وكان مقيماً بطوغاج وهي وسط الصين‏.‏ وكان جنكز خان من أولئك الخانات الستة وكان من كان البدو ومن أهل النجدة والشرف وكان مشتاه فارعون من بلاد الصين‏.‏ وكان من خانتهم أيضاً ملك آخر اسمه دوشي خان كان متزوجاً بزوجة جنكز خان واتفقت وفاته فحضر جنكز خان يوم وفاة زوجها دوشي خان فولته مكانه وحملت قومها على طاعته‏.‏ وبلغ الخبر إلى الخان الأعظم طرخان فنكر ذلك وزحف إليهم فقاتلوه وهزموه وغلبوه على أثر بلاده‏.‏ ثم صالحهم عليها وأقام متغلباً‏.‏ ثم مات بقية الخانات الستة وانفرد جنكز خان بأمرهم جميعاً وأصبح ملكهم وكان بينه وبين خوارزم شاه من الحروب ما قدمناه‏.‏ وفي كتاب ابن فضل الله محكياً عن الصاحب علاء الدين عطاء وحدثه به قال كان ملك عظيم من التتر في قبيلة عظيمة من قبائلهم يدعى أزبك خان وكان مطاعاً في قومه فاتصل به جنكز خان فقربه واستخلصه ونافسه قرابة السلطان وسعوا به عنده حتى استفسدوه عليه وطوى له وتربص به‏.‏ وسخط أزبك خان على مملوكين عنده فاستجار بجنكز خان فأجارهما وضمن لهما أمانه وأطلعاه على رأي السلطان فيه فاستوحش وحذر وثبة السلطان فأجفل أمامه واتبعه السلطان في عساكره‏.‏ فلما أدركه كر عليه جنكز خان فهزمه وغنم سواده وما معه‏.‏ ثم استمرت العداوة وانتبذ عن السلطان واستألف العساكر والأتباع وأفاض فيهم الإحسان فاشتدت شوكته ودخل في طاعته قبيلتان عظيمتان من المغل وهما أورات ومنفورات فعظمت جموعه وأحسن إلى المملوكين اللذين حذراه من أزبك خان ورفع رتبتهما وكتب لهما العهود بما اختاراه وكتب فيها أن يستمر ذلك لهما إلى تسعة بطون من أعقابهما‏.‏ ثم جهز العساكر لحرب أزبك خان فهزمه وقتله واستولى على مملكة التتر بأسرها‏.‏ ولما توطأ أمره تسمى جنكز خان وكان اسمه تمرجين كما مر‏.‏ وكتب لهم كتاباً في السياسة في الملك والحروب والأحكام العامة شبه أحكام الشرائع‏.‏ وأمر أن يوضع في خزانته وأن تختص بقرابته ولم يكن يؤتى بمثله وإنما كان دينه ودين آبائه وقومه المجوسية حتى ملكوا الأرض واستفحلت دولتهم بالعراق والشمال وما وراء النهر وأسلم من ملوكهم من هداه الله للإسلام كما نذكره إن شاء الله تعالى فلخلوا في عداد ملوك الإسلام إلى أن وأما ولده فكثير وهو الذي يقتضيه حال بداوته وعصبيته إلا أن المشهور منهم أربعة أولهم دوشي خان ويقال جرجي وثانيهم جفطاي ويقال كداي وثالثهم أوكداي ويقال أوكتاي ورابعهم طولي بين التاء والطاء‏.‏ والثلاثة الأول لأم واحدة وهي أوبولي بنت تيكي من كبار المغل‏.‏ وعد شمس الدين الأصفهاني الأربعة فقال جرجي وكداي وطولي وأوكداي‏.‏ وقال نظام الدين يحيى بن الحليم نور الدين عبد الرحمن الصيادي كاتب السلطان أبي سعيد فيما نقله عنه شهاب الدين بن فضل الله إن كداي هو جفطاي وجرجي هو طوشي‏.‏ فلما ملك جنكز خان البلاد قسم الممالك فكان لولده طوشي بلاد فيلاق إلى بلغار وهي دست القفجاق وأضاف إليه أران وهمذان وتبريز ومراغه وعيرلان وكتاي حدود آمد وقوباق وما أدري تفسير هذه وجعله ولي عهده‏.‏ وعين لجفطاي من الأيقور إلى سمرقند وبخارى وما وراء النهر ولم يعين لطولي سيئاً‏.‏ وعين لأخيه أوتكين نوى بلاد أبخت ولا أدري معنى هذا الاسم‏.‏ ولما استفحل ملكه واستولى على هذه الممالك جلس على التخت وانتقل إلى وطنه القديم بين الخطا والأيقور وهي تركستان وكاشغر‏.‏ وفي ذلك الوطن مدينة قراقوم وبها كان كرسيه ومكانه بين أعمال ولده مكان المركز من الدائرة وكان كبير ولده طوشي ويقال دوشي ومات في حياته وخلف من الولد ناخوا وبركة وداوردة وطوفل هكذا قال ابن الحكيم‏.‏ وقال شمس الدين ناظو وبركة فقط‏.‏ ومات طولي أيضاً في حياته في حربه مع جلال الدين خوارزم شاه بنواحي غزنة وخلف من الولد منكو قبلاي وأزبيك وهلاكو‏.‏ والله تعالى أعلم بغيبه وأحكم‏.‏

ملوك التخت بقراقوم من بعد جنكز خان
قال ابن فضل الله ولما هلك جنكز خان استقل أوكداي بالتخت وبدست القفجاق وما معه وكان أصغر ولده‏.‏ وانتقل إلى قراقوم بمكانهم الأصلي فأعطى وقراياق التي كانت بيده لابنه كغود ولم يتمكن كداي وهو جفطاي من مملكة ما وراء النهر ونازع ناظو بن دوشي خان في أران وهمذان وتبريز ومراغة وبعث أميراً من أمرائها لحمل أموالها والقبض على عماله بها‏.‏ وقد كان ناظو كتب إليهم بالقبض على ذلك الأمير فقبضوا عليه وحملوه إلى ناظو فطحنه‏.‏ وبلغ ذلك إلى كغود فسار إلى ناظو في ستمائة ألف من العساكر‏.‏ وهلك قبل أن يصل إليه بعشر مراحل فبعث القوم إلى ناظو أن يكون صاحب التخت فأبى وجعله لأخيه منكوفان بن طولي وبعثه إليه وأخويه معه قبلاي وهلاكو وبعث معهم أخاه بركة بن طولي في مائة ألف من العساكر ليجلسه على التخت‏.‏ فلما عاد من بخارى لقي الشيخ شمي الدين الباخوري من أصحاب نجم الدين كبير الصوفية فأسلم على يده وتأكدت صحبته معه وحرضه على التمسك بطاعة الخليفة وترددت الرسل بينه وبين المعتصم وتأكدت الموالاة واستقل منكوفان بالتخت وولى جفطاي عمه على ما وراء النهر إمضاء لوصية جنكز خان لأبيهم التي مات دونها‏.‏ ووفد عليه جماعة من أهل قزوين وبلاد الجبل يشكون ما نزل بهم من ضرر الإسماعيلية وفسادهم فجهز أخاه هلاكو لقتالهم واستئصال قلاعهم فمضى لذلك وحسن لأخيه منكوفان الاستيلاء على أعمال الخليفة فأذن له فيه وبلغ ذلك بركة فنكره على أخيه ناظو الذي ولى منكوفان لما كان بين بركة والمعتصم من الولاية والوصلة بوصية الشيخ الباخوري فبعث ناظو إلى أخيه هلاكو بالنهي عن ذلك وأن لا يتعدى مكانه‏.‏ وبلغته رسل ناظو بذلك وهو فيما وراء النهر قبل أن يفصل بالعساكر فأقام سنين امتثالاً لأمره حتى مات ناظو وتولى بركة مكانه فاستأذن أخاه منكوفان ثانية وسار لقصد الملاحدة وأعمال الخليفة فأوقع بالملاحدة وفتح قلاعهم واستلحمهم وأوقع بأهل همذان واستباحهم لميلهم إلى بركة وأخيه ناظو‏.‏ ثم سار إلى بركة بدست القفجاق فزحف إليه بركة في جموع لا تحصى والتقيا واستمر القتل في أصحاب هلاكو وهم بالهزيمة‏.‏ ثم حال نهر الكر بين الفريقين وعاد هلاكو في البلاد واستحكمت العداوة بينهما‏.‏ وسار هلاكو إلى بغداد فكانت له الواقعة المشهورة كما مر ويأتي في أخبار دولته إن شاء الله تعالى‏.‏ وفي كتاب ابن فضل الله فيما نقله عن شمس الدين الأصفهاني أن هلاكو لم يكن مستقلاً بالملك وإنما كان نائباً عن أخيه منكوفان‏.‏ ولا ضربت السكة باسمه ولا ابنه أبغا وإنما ضربها منهم أرغو حين استقل فجعل اسمه في السكة مع اسم صاحب التخت قال وكان شحنة صاحب التخت لا يزال ببغداد إلى أن ملك قازان فطرد الشحنة وأفر اسمه في السكة‏.‏ وقال ما ملكتب البلاد إلا بسيفي وبيت جنكز خان يرون أن بني هلاكو إنما كانوا ثواراً وجنكز خان لم يملك طولي شيئاً وإن أخاه منكوفان الذي ولاه عليها إنما بعثه نائباً مع أن منكوفان إنما ولاه ناظو ابن دوشي خان كما مز‏.‏ قال ونقل عن ثقاة أنه لم يبق هلاكو من يحقق نسبة لكثرة ما وقع فيهم من القتل غيرة على الملك ومن نجا طلب الاختفاء بشخصه فخفي نسبه إلا ما قيل في محمل المنسوب إلى بحرحى‏.‏ قال شمس الدين الأصفهانى ونقله عن أمير كبير منهم أن أول من استقل بالتخت جنكز خان ثم ابنه أوكداي ثم أنه كفود بن أوكداي ثم منكوفان بن طولي ثم أخوه أربيكان ثم أخوهما قبلاي ثم دمرفاي ويقال تمرفاي‏.‏ ثم تربى كيزي ثم كيزقان ثم سندمر دقان بن طرمالا بن جنكمر بن قبلاي بن طولي انتهى كلام ابن فضل الله‏.‏ وعن غيره أن منكوفان جهز عساكر التتر أيام ملكه على التخت إلى بلاد الروم سنة مع أمير من أمراء المغل اسمه بيكو فملكها من يد بني قليج أرسلان كما هو مذكور في أخبارهم فأقامت في طاعة القان إلى أن انقرض أمر المغل منها‏.‏ ثم بعث منكوفان العساكر لغزو بلاد الخطا مع أخيه قبلاي بعد أن عهد له بالخانية‏.‏ ثم سار على أثره بنفسه واستخلف أخاه الآخر أزبك على كرسي قراقوم وهلك منكوفان في طريقه ذلك على نهر الطاي من بلاد الغور سنة ثمان وخمسين فجلس أزبك على التخت وعاد قبلاي من بلاد الخطا فزحف إليه أزبك فهزمه إلى بعض النواحي واستأثر بالغنائم عن أخوته وقومه فمالوا إلى قبلاي واستدعوه فجاء وقاتل أخاه أزبك فغلبه وتقبض عليه وحبسه واستقر في الغانية‏.‏ وبلغ الخبر إلى هلاكو وهو في الشام عندما استولى عليه فرجع لما كان يؤمله من الغانية‏.‏ ولما انتهى إلى جيحون بلغه استقلال أخيه قبلاي في الغانية وتبين له عجزه عنه فسالمه وقنع بما في يده ورجع إلى العراق‏.‏ ثم نازع قبلاي في الغانية لآخر دولته سنة سبع وثمانين بعض بني أوكداي صاحب التخت الأول وهو قيدو بن قاشي بن كفود بن أوكداي‏.‏ ونزع إليه بعض أمراء قبلاي وزينوا له ذلك فسار له وبعث قبلاي العساكر للقائه مع ابنه تمقان فهزمه قيدو ورجع منهزماً إلى أبيه فسخطه وطرده إلى بلاد الخطا مات هنالك‏.‏ وسلط قبلاي على قيدو وكان غلب على ما وراء النهر براق بن سنتف بن منكوفان بن جفطاي من بني جفطاي ملوك ما وراء النهر بوصية أبيهم جنكز خان فغلبه براق واستولى على ما وراء النهر‏.‏ ثم هلك قبلاي صاحب التخت سنة ثمان وثمانين وملك ابنه سرتموق‏.‏ هذا ما انتهى إلينا من أخبار ملوك التخت بقراقوم من بني جنكزخان ولم نقف على غيرها‏.‏ والله تعالى ولي التوفيق‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:44 PM

ملوك بني جفطاي بن جنكزخان بتركستان وكاشغر وما وراء النهر
هذا الإقليم هو مملكة الترك الأولى قبل الإسلام وأسلم ملوكهم على تركستان وكاشغر فأقاموا بها‏.‏ وملك بنو سامان نواحي بخارى وسمرقند واستبدوا ومنها كان ظهور السلجوقية والتتر من بعدهم‏.‏ ولما استولى جنكزخان على البلاد أوصى بهذه المملكة لابنه جفطاي ولم يتم ذلك في حياته‏.‏ ومات جفطاي دونه فلما ولي منكوفان بن طولي على التخت ولى أولاد جفطاي عمه على ما وراء النهر إمضاء لوصيه جنكزخان لأبيهم التي مات دونها وولى منكوفان‏.‏ فلما هلك ولى أخوه هلاكو ابنه مبارك شاه‏.‏ ثم غلب عليهم قيدو بن قاشي بن كفود بن أوكداي بن جنكز خان وانتزع ما وراء النهر من أيديهم وكان جده كفوك صاحب التخت‏.‏ وبعده ولى منكوفان‏.‏ فلما ولي قيدو نازع صاحب التخت يومئذ وهو قبلاي وكانت بينهما حروب وأعان قبلاي في خلالها بني جفطاي على استرجاع ملكهم‏.‏ وولي منهم براق بن سنتف بن منكوفان بن جفطاي وأمده بالعساكر والأموال فغلب قيدو بن قاشي بن كفود بن أوكداي بن ثم هلك فولي من بعده دوا ثم من بعد دوا بنون له أربعة واحداً بعد واحد وهم كجك ثم اسعا ثم كبك ثم انجكداي‏.‏ ثم ولي بعد الأربعة دواتمر ثم ترماشين ثم توزون بن أوما كان ابن منكوفان بن جفطاي وتخلل هؤلاء من توثب على الملك ولم ينتظم له مثل سيساور بن أركتم بن بغاتمر بن براق ولم يزل ملكهم بعد ترماشين مضطرباً إلى أن ملك منهم جنقصو بن دواتمر بن حلو بن براق بن سنتف كانوا كلهم على دين المجوسية وخصوصاً دين جنكز خان وعبادته الشمس‏.‏ وكان فيما يقال على دين النجشية فكان بنو جفطاي يعضون عليها بالنواجذ ويتبعون سياسته مثل أصحاب التخت‏.‏ فلما صار الملك إلى ترماشين منهم أسلم رحمه الله سنة خمس وعشرين وسبعمائة وجاهد وأكرم التجار المترددين‏.‏ وكانت تجار مصر ممنوعين من بلاده فلما بلغهم ذلك قصدوها فحمدوها‏.‏ ولما انقرضت دول بني جنكزخان وتلاشت في جميع النواحي ظهر في أعقاب دولة بني جفطاي هؤلاء بسمرقند وما وراء النهر ملك اسمه تمر ولا أدري كيف كان يتصل نسبه فيهم ويقال أنه من غير نسبهم وإنما هو متغلب على صبي من أعقاب ملوكهم اسمه طغتمش أو محمود درج اسمه بعد مهلك أبيه واستبد عليه وإنه من أمرائهم‏.‏ وأخبرني من لقيته من أهل الصين أن أباه أيضاً كان في مثل مكانه من الإمارة والاستبداد وما أدري أهو طينة في نسب جفطاي أو من أحلافهم واتباعهم‏.‏ وأخبرني الفقيه برهان الدين الخوارزمي وهو من علماء خوارزم وأعيانها قال كان لعصره وأول ظهوره ببخارى رجل يعرف بحسن من أمراء المغل وآخر بخوارزم عن ملوك صراي أهل التخت يعرف بالحاج حسن الصوفي تهيأ وزحف إلى بخارى فملكها من يد حسن ثم إلى خوارزم وطالت حروبه مع الحاج حسن الصوفي وحاصرها مراراً‏.‏ وهلك حسن خلال ذلك وولي أخوه يوسف فملكها تمر من يده وخربها في حصار طويل‏.‏ ثم كلف بعمارتها بناء ما خرب منها وانتظم له الملك بما وراء النهر ونزل قجارى‏.‏ ثم زحف إلى خراسان فملك هراة من يد صاحبها وأظنه من بقايا ملوك الغورية‏.‏ ثم زحف إلى مازندان وطال تمرسه وحروبه مع صاحبها الشيخ ولي إلى أن ملكها عليه سنة أربع وثمانين‏.‏ ولحق الشيخ ولي بتوريز إلى أن ملكها تمر سنة ثمان وثمانين فهلك في حروبه معها‏.‏ ثم زحف إلى أصفهان فآتوه طاعة ممرضة وخالفه في قومه كبير من أهل نسبه يعرف بمعمر الدين وأمد طغطمش صاحب التخت بصراي فكر راجعاً وشغل بحربه إلى أن غلبه ومحا أثره‏.‏ وغلب طغطمش على ما بيده من البلاد‏.‏ ثم زحف إلى بغداد سنة خمس وتسعين فأجفل عنها ملكها أحمد بن أويس بن الشيخ حسن المتغلب عليه بعد بني هلاكو فلحق أحمد ببر الشام سنة ست وتسعين واستولى تمر على بغداد والجزيرة وديار بكر إلى الفوات‏.‏ واستعد ملك مصر للقائه ونزل الفرات فأحجم عنه وتأخر عنه إلى قلاع الأكراد وأطراف بلاد الروم وأناخ على قراباغ ما بين أذربيجان والأبواب ورجع خلال ذلك طغطمش صاحب التخت إلى صراي وملكه فسار إليه تمر أول سنة سبع وتسعين وغلبه على ملكه وأخرجه عن سائر ممالكه ثم وصل الخبر آخر السنة بظفره بطغطمش وقتله إياه واستيلائه على جميع أعماله والحال على ذلك لهذا العهد والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏ وفي خبر العجم أن ظهوره سنة عذب يعنون سنة اثنين وسبعين وسبعمائة بحساب الجمل في حروف هذه اللفظة‏.‏ والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق بمنه وكرمه‏.‏

الخبر عن ملوك بني دوشي حان من التتر
ملوك خوارزم ودست القفجاق ومبادئ أمورهم وتصاريف أحوالهم قد تقدم لنا أن جنكزخان عين هذه البلاد لابنه دوشي خان وملكه عليها وهي مملكة متسعة في الشمال آخذة من خوارزم إلى ناركند وصفد وصراي إلى مدينة ماجري وأران وسرادق وبلغار وباشقرد وجدلمان وفي حدود هذه المملكة مدينة باكو من مدن شروان وعندها باب الحديد ويسمونه دمرقفو وتمر حدود هذه المملكة في الجنوب إلى حدود القسطنطينية وهي قليلة المدن كثيرة العمارة والله تعالى أعلم‏.‏ وأول من وليها من التتر دوشي خان فلم يزل ملكاً عليها إلى أن هلك كما مر‏.‏ ناظو خان بن دوشي خان ولما هلك دوشي خان ولي مكانه ابنه ناظو خان ويقال صامر خان ومعناه الملك المغير فلم يزل ملكاً عليها إلى أن هلك سنة خمسين وستمائة‏.‏ طرطو بن دوشي خان ولما هلك ناظو ولي أخوه طرطو فأقام ملكاً سنتين وهلك سنة اثنتين وخمسين‏.‏ ولما هلك ولي مكانه أخوه بركة‏.‏ هكذا نقل ابن فضل الله عن ابن الحكيم‏.‏ وقال المؤيد صاحب حماة في تاريخه أنه لما هلك طرطو هلك من غير عقب وكان لأخيه ناظوخان ولدان وهما تدان وبركة وكان مرشحاً للملك فعدل عنه أهل الدولة وملكوا أخاه بركة‏.‏ وسارت أم تدان إلى هلاكو عندما ملك العراق تستحثه لملك قومها فردوها من الطريق وقتلوها واستمر بركة في سلطانه انتهى‏.‏ فنسب المؤيد بركة إلى ناظوخان بن دوشي خان وابن الحكيم على ما نقل ابن فضل الله جعله ابن دوشي خان نفسه‏.‏ وذكر المؤيد قصة إسلامه على يد شمس الدين الباخوري من أصحاب نجم الدين وأن الباخوري كان مقيماً ببخارى وبعث إلى بركة يدعوه إلى الإسلام فأسلم وبعث إليه كتابه بإطلاق يده في سائر أعماله بما شاء فرده عليه وأعمل بركة الرحلة إلى لقائه فلم يأذن له في الدخول حتى تطارح عليه أصحابه وسهلوا الإذن لبركة فدخل وجدد الإسلام‏.‏ وعاهده الشيخ على إظهاره الإسلام وأن يحمل عليه سائر قومه فحملهم واتخذ في جميع بلاده المساجد والمدارس وقرب العلماء والفقهاء ووصلهم‏.‏ وسياق القصة على ما ذكره المؤيد يدل على أن إسلامه كان أيام ملكه‏.‏ وعلى ما ذكر بن الحكيم أن إسلامه كان أيام أخيه ناظو ولم يذكر ابن الحكيم طرطو وإنما ذكر بعد ناظو أخاه بركه‏.‏ ولم نقف على تاريخ لدولتهم حتى يرجع إليه وهذا ما أدى إليه الاجتهاد‏.‏ وما بعدها مأخوذ من تاريخ المؤيد صاحب حماة من بني المظفر ابن شاهنشاه بن أيوب قال ثم بعث بركة أيام سلطانه أخاه ناظو إلى ناحية الغرب للجهاد وقاتل ملك اللمان من الإفرنج فانهزم ورجع ومات أسفاً‏.‏ ثم حدثت الفتنة بين بركة وبين قبلاي صاحب التخت وانتزع بركة الخاقانية من أعمال قبلاي وولى عليها سرخاد ابن أخيه ناظو وكان على دين النصرانية‏.‏ وداخله هلاكو في الانتقاض على عمه بركة إلى أخيه قبلاي صاحب التخت ويقطعه الخاقانية وما يشاء معها‏.‏ وشعر بركة بشأنه وأن سرخاد يحاول قتله بالسم فقتله‏.‏ وولى الخاقانية أخاه مكانه وأقام هلاكو طالباً بثأر سرخاد ووقعت الحرب بينه وبين بركة على نهر آمد سنة ستين‏.‏ ثم هلك هلاكو سنة ثلاث وستين‏.‏ وولى ابنه أبغا فسار إلى حربه وسرح بركة للقائه سنتاي بن بانيضان بن جفطاي ونوغيثة بن تتر بن مغل بن دوشي خان‏.‏ فلما التقى الجمعان أحجم سنتاي ورجع منهزماً وانهزم أبغا أمام نوغيثة وأثخن في عساكره‏.‏ وعظمت منزلة نوغيثة عند بركة وسخط بركة سنتاي وساءت منزلته عنده إلى أن هلك بركة سنة خمس وستين‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:45 PM

منكوتمر ين طغان بن ناظو خان
ولما هلك بركة ملك الدست بالشمال ملك مكانه منكوتمر بن طغان بن ناظو خان ين دوشي خان وطالت أيامه وزحف سنة سبعين إلى القسطنطينية لجدة وجدها على الأشكر ملكها فتلقاه بالخضوع والرغبة ورجع عنه‏.‏ ثم زحف سنة ثمانين إلى الشام في مظاهرة أبغا بن هلاكو ونزل بين قيسارية وابلستين من بلاد الروم‏.‏ ثم أجاز الدربند ومر بابغا وهو منازل الرحبة وتقدم مع أخيه منكوتمر بن هلاكو إلى حماة فنازلوها وزحف إليهم المنصور قلاوون ملك مصر والشام من دمشق ولقيهم بظاهر حمص‏.‏ وكانت الدائرة على ملوك التتر‏.‏ وهلك خلق من عساكرهم وأسر آخرون وأجفل أبغا من منازلة الرحبة ورجعوا إلى بلادهم منهزمين‏.‏ وهلك على أثر ذلك منكوتمر ملك الشمال ومنكوتمر بن هلاكو سنة إحدى وثمانين‏.‏ ولما هلك منكوتمر ملك مكانه ابنه تدان وجلس على كرسي ملكهم بصراي فأقام خمس سنين‏.‏ ثم ترهب وخرج عن الملك سنة ست وثمانين وانقطع إلى صحبة المشايخ الفقراء‏.‏ ولما ترهب تدان بن منكوتمر وخرج عن الملك ملك مكانه أخو قلابغا وأجمع على غزو بلاد الكرك‏.‏ واستنفر نوغيثة بن تتر بن مغل بن دوشي خان وكان حاكماً على طائفة من بلاد الشمال وله استبداد على ملوك بني دوشي خان فنقر معه في عساكره وكانت عظيمة‏.‏ ودخلوا جميعاً بلاد الكرك وأغاروا عليها وعاثوا في نواحيها وفصلوا منها‏.‏ وقد تمكن فصل الشتاء وملك السلطان مسافة اعتسف فيها البيداء وهلك أكثر عساكره من البرد والجوع وأكلوا دوابهم‏.‏ وسار نوغيثه من أقرب المسالك فنجا إلى بلاده سالماً من تلك الشدة فاتهمه السلطان قلابغا بالادهان في أمره وكان ينقم عليه استبداده حتى إنه قتل امرأة كنجك وكانت متحكمة في أيام أبيه وأخيه وشكت إلى نوغيثة فأمر بقتلها خنقاً وقتل أميراً كان في خدمتها اسمه بيطرا فتنكر له قلابغا وأجمع الفتك به وأرسل يستدعيه لما طوى له عليه‏.‏ ونمي الخبر بذلك إلى نوغيثة فبالغ في إظهار النصيحة والإشفاق على السلطان وخاطب أمه بأن عنده نصائح يود لو ألقاها إلى السلطان في خلوة فثنت ابنها عن رأيه فيه وأشارت عليه باستدعائه والاطلاع على ما عنده‏.‏ وجاء فوغيثة وقد بعث عن جماعة من أخوة السلطان قلابغا كانوا يميلون إليه ومنهم طغطاي وبولك وصراي وتدان بنو منكوتمر بن طغان فجاؤوا معه وقد توقفوا لما هجم السلطان قريغا وركب للقاء نوغيثة في لمة من عسكره وجاء نوغيثة وقد أكمن له طائفة من العسكر فلما التقيا تحادثا ملياً وخرج الكمناء وأحاطوا بالسلطان وقتلوه سنة تسعين وستمائة وأقبل طغطاي بن منكوتمر‏.‏ ولما قتل قلابغا ولوا مكانه طغطاي لوقته ورجع نوغيتة إلى بلاده‏.‏ وبعث إلى طغطاي في قتل الأمراء الذين داخلوا قلابغا في قتله فقتلهم طغطاي أجمعين‏.‏ ثم تنكر طغطاي لنوغيثه لما كان عليه من الاستبداد وأنف طغطاي منه وأظلم الجو بينهما‏.‏ واجتمع أعيان الدولة إلى نوغيثة فكان يوغر صدرهم على طغطاي وأصهر إلى طاز بن منجك منهم بابنته فسار إليه ولقيه نوغيثة فهزمه واعترضه نهر مل فغرق كثير من عسكره ورجع نوغيثة عن اتباعه‏.‏ واستولى على بلاد الشمال وأقطع سبطه قراجا بن طشتمر سنة ثمان وسبعين مدينة القرم‏.‏ وسار إليها لقبض أموالها فأضافوه وبيتوه وقتلوه من ليلته‏.‏ وبعث نوغيثة العساكر إلى القرم فاستباحوها وما يجاورها من القرى والضياع وخرب سائرها‏.‏ وكان نوغيثة كثير الإيثار لأصحابه فلما استبد بأمره آثر ولده على الأمراء الذين معه وأحسوا عليهم‏.‏ وكان رديفه من ملك المغل أياجي بن قرمش وأخوه قراجا‏.‏ فلما آثر ولده عليهما نزعا إلى طغطاي في قومهما وسار ولد نوغيثة في اتباعهما فرجع بعضهم واستمر الباقون وقتل ولد نوغيثة من رجع معه من أصحاب أياجي وقراجا وولدهم فامتعض لذلك أمراء المغل الذين معه ولحقوا بطغطاي واستحثوه لحرب نوغيثة فجمع‏.‏ وسار إليه سنة تسع وتسعين بكو كان لك فانهزمت عساكر نوغيثة وولده‏.‏ وقتل في المعركة وحمل رأسه إلى طغطاي فقتل قاتله وقال السوقة لا تقتل الملوك‏.‏ واستبيح معسكر نوغيثة وبيع سباياهم وأسراهم في الأقطار وكان بمصر منهم جماعة استرقوا بها وانتظموا في ديوان جندها‏.‏ ولما هلك نوغيثة خلفه في أعماله ابنه جكك وانتقض عليه أخوه فقتله فاستوحش لذلك أصحابه وأجمعوا الفتك به‏.‏ وتولى لك نائبه طغرلجاي وصهره على أخته طاز بن منجك‏.‏ ونمي الخبر بذلك إليه وهو في بلاد اللاز والروس غازياً فهرب ولحق ببلاده‏.‏ ثم لحق به عسكره فعاد إلى حربهم وغلبهم على البلاد‏.‏ ثم أمدهما طغطاي على جكا بن نوغيثة فانهزم ولحق ببلاد أولاق وحاول الامتناع ببعض القلاع من بلاد أولاق وفيها صهره فقبض عليه صاحب القلعة واستخدم بها لطغطاي فأمره بقتله سنة إحدى وسبعمائة‏.‏ ونجا أخوه طراي وابنه قراكسك شريدين‏.‏ وخلا الجو لطغطاي من المنازعين والمخالفين واستقرت في الدولة قدمه وقسم أعماله بين أخيه صراي بغا وبين ابنيه‏.‏ وأنزل منكلي بغا من ابنيه في عمل نهرطنا مما يلي باب الحديد‏.‏ ثم رجع صراي بن نوغيثة من مقره واستذم بصراي بغا أخي طغطاي فأذمه وأقام عنده‏.‏ فلما أنس به كشف له القناع عما في صدره واستهواه للانتقاض على أخيه طغطاي وكان أخوهما أزبك أكبر منه وكان مقيماً عند طغطاي فركب إليه صراي بغا ليفاوضه في الشأن فاستعظمه وأطلع عليه أخاهما طغطاي فأمره لوقته بإحضار أخيه صراي بغا وصراي بن نوغيثة وقتلهما واستضاف عمل أخيه صراي بغا لابنه إيل بهادر‏.‏ ثم بعث في طلب قراكسك بن نوغيثة فأبعد في ناحية الشمال واستذم ببعض الملوك هنالك‏.‏ ثم هلك سنة تسع وسبعمائة أخوه بذلك وابنه إيل بهادر وهلك طغطاي بعدهما سنة اثنتي عشرة والله تعالى أعلم‏.‏


أزبك بن طغرلجاي بن منكوتمر
ولما هلك طغطاي بايع نائبه قطلتمر لأزبك ابن أخيه طغرلجاي بإشارة الخاتون تنوفالون زوج أبيه طغرلجاي وعاهده على الإسلام فأسلم واتخذ مسجداً للصلاة‏.‏ وأنكر عليه بعض أمرائه فقتله وتزوج الخاتون بثالون وكانت المواصلة بين طغطاي وبين ملوك مصر‏.‏ ومات طغطاي ورسله عند الملك الناصر محمد بن قلاوون فرجعوا إلى أزبك مكرمين وجدد أزبك الولاية معه وحببه قطلتمر في بعض كرائمهم يرغبه وعين له بنت بذلك أخي طغطاي وتكررت الرسالة في ذلك إلى أن تم الأمر وبعثوا بكريمتهم المخطوبة إلى مصر فعقد عليها الناصر وبنى بها كما مر في أخباره‏.‏ ثم حدثت الفتنة بين أزبك وبين أبي سعيد ملك التتر بالعراق من بني هلاكو وبعث أزبك عساكره إلى أذر بيجان‏.‏ وكان بنو دوشي يدعون أن توريز ومراغة لهم وأن القان لما بعث هلاكو لغزو بلاد الإسماعيلية وفتح بغداد استكثر من العساكر وسار معه عسكر أهل الشمال هؤلاء وقررت لهم العلوفة بتوريز‏.‏ ولما مات هلاكو طلب بركة من ابنه أبغا أن يأذن له في بناء جامع تبريز ودار لنسج الثياب والطرز فأذن له فبناهما وقام بذلك‏.‏ ثم اصطلحوا وأعيدت فادعى بنو دوشي خان أن توريز ومراغة من أعمالهم ولم يزالوا مطالبين بهذه الدعوة‏.‏ فلما وقعت هذه الفتنة بين أزبك وأبي سعيد افتتح أمره بغزو موقان فبعث العساكر إليها سنة تسع عشرة فاكتسحوا نواحيها ورجعوا‏.‏ وجمع جوبان على دولته وتحكمه في بني جنكز خان وإنه يأنف أن يكون براق بن سنتف بن منكوفان بن جفطاي ملكاً على خوارزم فأغزاه أزبك فملك خراسان وأمده بالعساكر مع نائبه قطلتمر وسار سيول لذلك‏.‏ وبعث أبو سعيد نائبه جوبان لمدافعتهما فلم يطق وغلب سيول على كثير من خراسان وصالحه جوبان عليها‏.‏ وهلك سيول سنة عشرين‏.‏ ثم عزل أزبك نائبه قطلتمر سنة إحدى وعشرين وولى مكانه عيسى كوكز ثم رده سنة أربع وعشرين إلى نيابته‏.‏ ولم تزل الحرب متصلة بين أزبك وأبي سعيد إلى أن هلك أبو سعيد سنة ست وثلاثين ثم هلك القان في هذه السنة‏.‏ ولما هلك أزبك بن طغرلجاي ولي مكانه ابنه جاني بك وكان أبو سعيد قد هلك قبله كما قلناه ولم يعقب‏.‏ وولي مكانه على العراق الشيخ حسن من أسباط أبغا بن هلاكو‏.‏ وافترق الملك في عمالاتهم طوائف وردد جاني بك العساكر إلى خراسان إلى أن ملكها سنة ثمان وخمسين‏.‏ ثم زحف إلى أذربيجان وتوريز وكان قد غلب عليها الشيخ الصغير ابن دمرداش بن جوبان وأخوه الأشرف من بعده كما يذكر في أخبارهم إن شاء الله تعالى‏.‏ فزحف جاني بك في العساكر إلى أذربيجان بتلك المطالبة التي كان سلفه يدعون بها فقتل الأشرف واستولى على توريز وأذربيجان وانكفأ راجعاً إلى خوزستان بعد أن ولي على توريز ابنه بردبيك واعتل جاني بك في طريقه ومات‏.‏ بردبيك بن جاني ولما اعتل جاني في ذهابه من توريز إلى خراسان طير أهل الدولة الخبر إلى ابنه بردبيك وقد استخلفه في توريز فولى عليها أميراً من قبله وأغذ السير إلى قومه ووصل إلى صراي وقد هلك أبوه جاني فولوه مكانه واستقل بالدولة‏.‏ وهلك لثلاث سنين من مهلكه‏.‏

ماماي المتغلب على مملكة هراي
ولما هلك بردبيك خلف ابنه طغطمش غلاماً صغيراً وكانت أخته بنت بردبيك تحت كبير من أمراء المغل اسمه ماماي وكان متحكماً في دولته‏.‏ وكانت مدينة المقرم من ولايته وكان يومئذ غائباً بها وكان جماعة من أمراء المغل متفرقين في ولايات الأعمال بنواحي صراي ففرقوا الكلمة واستبدوا بأعمالهم فتغلب حاجي شركس على ناحية منبج طرخان وتغلب أهل خان على عمله وأيبك خان كذلك وكانوا كلهم يسمون أمراء المسيرة‏.‏ فلما هلك بردبيك وانقرضت الدولة واستبد هؤلاء في النواحي خرج ماماي إلى القرم ونصب صبياً من ولد أزبك القان اسمه عبد الله وزحف به إلى صراي فهرب منها طغطمش ولحق بمملكة أرض خان في ناحية جبال خوارزم إلى مملكة بني جفطاي بن جنكزخان في سمرقند وما وراء النهر والمتغلب عليها يومئذ السلطان تمر من أمراء المغل وقد نصب صبياً منهم اسمه محمود وطغطمش وتزوج أمه واستبد عليه فأقام طغطمش هناك‏.‏ ثم تنافس الأمراء المتغلبون على أعمال صراي وزحف حاجي شركس صاحب عمل منج طرخان إلى ماماي فغلبه على صراي فملكها من يده‏.‏ وسار ماماي إلى القرم فاستبد بها‏.‏ ولما زحف حاجي شركس من عمله بعث أرض خان عساكره من نواحي خوارزم فحاصروا منج طرخان وبعث حاجي العساكر إليهم مع بعض أمرائه فأعمل الحيلة حتى هزمهم عن منج طرخان وفتك بهم وبالأمير الذي يقودهم‏.‏ وشغل حاجي شركس بتلك الفتنة فزحف إليه أيبك خان وملك صراي هن يده واستبد بها أياماً‏.‏ ثم هلك وولى بعده بصراي ابنه قاريخان‏.‏ ثم زحف إليه أرض خان من جبال خوارزم فغلبه عن صراي وهرب قاريخان بن أيبك خان وعادوا إلى عملهم الأول واستقر أرض خان بصراي وماماي بالقرم ما بينه وبين صراي في مملكته وكان هذا في حدود أعوام سنة ست وسبعين وطغطمش في خلال ذلك مقيم عند السلطان تمر فيما وراء النهر‏.‏ ثم طمحت نفس طغطمش إلى ملك آبائه بصراي فجهز معه السلطان تمر العساكر وسار بها فلما بلغ جبال خوارزم اعترضه هناك عساكر أرض خان فقاتلوه وانهزم ورجع إلى تمر‏.‏ ثم هلك أرض خان قريباً من منتصف تلك السنة فخرج السلطان تمر بالعساكر مع طغطمش مدداً له إلى حدود عمله ورجع واستمر طغطمش فاستولى على أعمال أرض خان بجبال خوارزم‏.‏ ثم سار إلى صراي وبها عمال أرض خان فملكها من أيديهم واسترجع ما تغلب عليه ماماي من ضواحيها وملك أعمال حاجي شركس في منج ظرخان واستنزع جميع ما كان بأيدي المتغلبين ومحا أثرهم وسار إلى ماماي بالقرم فهرب أمامه ولم يوقف على خبره ثم صح الخبر بمهلكه من بعد ذلك واستوسق الملك بصراي وأعمالها لطغطمش بن بردبيك كما كان لقومه‏.‏ قد ذكرنا فيما مر ظهور هذا السلطان تمر في دولة بني جفطاي وكيف أجاز من بخارى وسمرقند إلى خراسان أعوام أربعة وثمانين وسبعمائة فنزل على هراة وبها ملك من بقايا الغورية فحاصرها وملكها من يده‏.‏ ثم زحف إلى مازندران وبها الشيخ ولي تغلب عليها بعد بني هلاكو فطالت حروبه معه إلى أن غلبه عليها ولحق الشيخ ولي بتوريز في فل من أهل دولته‏.‏ ثم طوى تمر الممالك طيا وزحف إلى أصفهان فآتاه ابن المظفر بها طاعته ثم إلى توريز سنة سبع وثمانين فملكها وخربها وكان قد زحف قبلها إلى دست القفجاق بصراي فملكها من يد طغطمش وأخرجه عنها فأقام بأطراف الأعمال حتى أجاز تمر إلى أصبهان فرجع إلى كرسيه‏.‏ وكان للسلطان تمر قريع في قومه يعرف بقمر الدين فراسله طغطمش صاحب صراي وأغراه بالانتقاض على تمر وأمده بالأموال والعساكر فعاث في تلك البلاد وبلغ خبره إلى تمر منصرفة من فتحه فكر راجعاً وعظمت حروبه مع قمر الدين إلى أن غلبه وحسم علته وصرف وجهه إلى شأنه الأول‏.‏ وقرر الزحف إلى طغطمش وسار طغطمش للقائه ومعه اغلان بلاط من أهل بيته فداخله تمر وجماعة لأمراء معه واستراب بهم طغطمش وقد حان اللقاء وتصافوا للحرب فصدم ناحية من عسكر تمر وصدم من لقي فيها وتبدد عياله وافترق الأمراء الذين داخلوا تمر وساروا إلى الثغور فاستولوا عليها‏.‏ وجاء طغطمش إلى صراي فاسترجعها وهرب أغلان بلاط إلى القرم فملكها وزحف إليه طغطمش في العساكر فحاصرها وخالفه أرض خان إلى صراي فملكها طغطمش وانتزعها من يده‏.‏ ولم تزل عساكره تختلف إلى القرم وتعاهدها بالحصار إلى أن ملكها وظفر باغلان بلاط فقتله‏.‏ وكان السلطان تمر بعد فراغه من حروبه مع طغطمش سار إلى أصفهان فملكها أيضاً واستوعب ملوك بني المظفر وعاملهم بالقتل وانتظم له أعمالهم جميعاً في مملكته‏.‏ ثم زحف إلى بغداد فملكها من يد أحمد بن أويس سنة خمس وتسعين كما مر ذكره‏.‏ ولحق أحمد بالسلطان الظاهر صاحب مصر مستصرخاً به فخرج معه في العساكر وانتهى إلى الفرات وقد سار تمر عن بغداد إلى ماردين فحاصرها وملكها وامتنعت عليه قلعتها فعاج من هنالك إلى حصون الأكراد ثم إلى بلاد الأرمن ثم إلى بلاد الروم‏.‏ وبعث السلطان الظاهر صاحب مصر العساكر مدداً لابن أويس فسار إلى بغداد وبها شرذمة من عسكر تمر فملكها من أيديهم‏.‏ ورجع الملك الظاهر إلى مصر وقد أظل الشتاء ورجع تمر إلى نواحي أعماله فأقام في عمل قراباق ما بين أذربيجان وهمذان والأبواب‏.‏ ثم بلغ الخبر إلى تمر فسار من مكانه ذلك إلى محاربة طغطمش وعميت أنباؤه مدة‏.‏ ثم بلغ الخبر سنة سبع وتسعين إلى السلطان بأن تمر ظفر بطغطمش وقتله واستولى على سائر أعماله‏.‏ والله غالب على أمره

ميارى 8 - 8 - 2010 03:46 PM

ملوك غزنة وباميان من بني دوشي خان
كانت أعمال غزنة وباميان هذه قد صارت لدوشي خان وهي من أعمال ما وراء النهر من جانب الجنوب وتتاخم سجستان وبلاد الهند وكانت في مملكة بني خوارزم شاه فملكها التتر لأول خروجهم من أيديهم‏.‏ وملكها جنكز خان لابنه دوشي خان وصارت لابنه أردنو ثم لابنه انبجي بن أردنو‏.‏ وهلك على رأس المائة السابعة وخلف من الولد بيان وكبك ومنغطاي وانقسمت الأعمال بينهم وكان كبيرهم بيان في غزنة وقام بالملك بعد أنبجي ابنه كبك وانتقض عليه أخوه بيان واستمد بطغطاي صاحب صراي فأمده بأخيه بذلك واستنجد كبك بقندو فأمده ولم يغن عنه وانهزم ومات سنة تسع وسبعمائة‏.‏ واستولى بيان على الأعمال وأقام بغزنة وزحف إليه قوشناي ابن أخيه كبك وأستمد بقندو وغلب عمه على غزنة‏.‏ ولحق بيان بطغطاي واستقر قوشناي بغزنة ويقال أن الذي غلب عليها إنما هو أخوه طغطاي ولم نقف بعد على شيء من أخبارهم‏.‏ والله تعالى أعلم بغيبه وأحكم‏.‏

دولة بني هولاكو دولة بني هلاكو ملوك التتر بالعراقيين وخراسان
ومبادئ أمورهم وتصاريف أحوالهم قد تقدم لنا أن جنكز خان عهد بالتخت وهو كرسي الملك بقراقوم لابنه أوكداي ثم ورثه من بعده كفود بن أوكداي وأن الفتنة وقعت بينه وبين صاحب الشمال من بني جنكز خان وهو ناظو بن دوشي خان صاحب التخت بصراي وسار إليه في جموع المغل والتتر وهلك في طريقه‏.‏ وسلم المغل الذين معه التخت لناظو فامتنع من مباشرته بنفسه وبعث إليه أخاه منكوفان وبعث معه بالعساكر أخويه الآخرين قبلاي وهلاكو ومعهما أخوهما بركة ليجلسه على التخت فأجلسه سنة خمسين‏.‏ وذكرنا سبب إسلام بركة عند مرجعه وإن منكوفان استقل بالتخت وولى بني جفطاي بن جنكز خان على بلاد ما وراء النهر إمضاء لوصية جنكز خان‏.‏ وبعث أخاه هلاكو لتدويخ عراق العجم وقلاع الإسماعيلية ويسمون الملاحدة والاستيلاء على ممالك الخليفة‏.‏

هلاكو بن طولي
ولما بعث منكوفان أخاه إلى العراق فسار لذلك سنة اثنتين وخمسين وستمائة وفتح الكثير من قلاعهم وضيق بالحصار مخنقهم وولى خلال ذلك في كرسي صراي بالشمال بركة بن ناظو بن دوشي خان فحدثت الفتنة بينه وبين هلاكو ونشأت من الفتنة الحرب وسار بركة ومعه نوغان بن ططر بن مغل بن دوشي خان والتقوا على نهر نول وقد جمد ماؤه لشدة البرد وانخسف من تحته فانهزم هلاكو وهلك عامة عسكره‏.‏ وقد ذكرنا أسباب الفتنة بينهما‏.‏ ثم رجع هلاكو إلى بلاد الإسماعيلية وقصد قلعة الموت وبها صاحبها علاء الدين فبلغه في طريقه وصية من ابن العلقمي وزير المستعصم ببغداد في كتاب ابن الصلايا صاحب إربل يستحثه للمسير إلى بغداد ويسهل عليه أمرها لما كان ابن العلقمي رافضياً هو وأهل محلته بالكرخ‏.‏ وتعصب عليهم أهل السنة وتمسكوا بأن الخليفة والدوادار يظاهرونهم وأوقعوا بأهل الكرخ‏.‏ وغضب لذلك ابن العلقمي ودس إلى ابن الصلايا بإريل وكان صديقاً له بأن يستحث التتر لملك بغداد وأسقط عامة الجند يموه بأنه يصانع التتر بعطائهم وسار هلاكو والتتر إلى بغداد‏.‏ واستنفر بنحو مقدم التتر ببلاد الروم فيمن كان معه من العساكر فامتنع أولاً ثم أجاب وسار إليه‏.‏ ولما أطل هلاكو على بغداد في عساكره برز للقائه أيبك الدوادار في عساكر المسلمين فهزموا عساكر التتر ثم تراجع التتر فهزموهم واعترضهم دون بغداد بثوق انبثقت في ليلتهم تلك من دجلة فحالت دونها فقتلوا أجمعين‏.‏ وهلك أيبك الدوادار وأسر الأمراء الذين معه ورجعوا إلى البلد فحاصروها مدة‏.‏ ثم استأمن ابن العلقمي للمستعصم ولنفسه آملاً بأن هلاكو يستبقيه فخرج إليه في موكب من الأعيان وذلك في محرم سنة ست وخمسين‏.‏ وقبض على المستعصم فشدخ بالمعاول في عدل تجافياً عن سفك دمه بزعمهم‏.‏ ويقال إن الذي أحصى فيها من القتلى ألف ألف وثلاثمائة ألف واستولوا من قصور الخلافة وذخائرها على ما لا يحصره العدد والضبط وألقيت كتب العلم التي كانت في خزائنهم بدجلة معاملة بزعمهم لما فعله المسلمون بكتب الفرس عند فتح المدائن واعتزم هلاكو على إضرام بيوتها ناراً فلم يوافقه أهل مملكته‏.‏ واستبقى ابن العلقمي على الوزارة ولرتبة ساقطة عندهم فلم يكن قصارى أمره إلا الكلام في الدخل والخرج متصرفاً من تحت آخر أقرب إلى هلاكو منه فبقي على ذلك مدة ثم اضطرب وقتله هلاكو‏.‏ ثم بعث هلاكو بعد فتح بغداد بالعساكر إلى ميافارقين وبها الكامل محمد بن غازي بن العادل فحاصروها سنين حتى جهد الحصار أهلها‏.‏ ثم اقتحموها عنوة واستلحموا حاميتها‏.‏ ثم بعث إليه بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل ابنه ركن الدين إسماعيل بالطاعة والهدية فتقبله وبعثه إلى القان الأعظم منكوفان بقراقوم وأبطأ على لؤلؤ خبره فبعث بالوالدين الآخرين شمس الدين إسحاق وعلاء الدين بهدية أخرى ورجعوا إليه بخبر ابنه وقرب إيابه فتوجه لؤلؤ بنفسه إلى هلاكو ولقيه بأذربيجان وحضر حصار ميافارقين‏.‏ وجاءه ابنه ركن الدين من عند منكوفان بولاية الموصل وأعمالها‏.‏ ثم هلك سنة سبع وخمسين وولي ابنه ركن الدين إسماعيل ويلقب الصالح‏.‏ وبعث هلاكو عسكراً إلى إربل فحاصرها ستة أشهر وامتنعت فأفرجت عنها العساكر فاغتنم ابن الصلايا الفرصة ونزل عنها لشرف الدين الكردي ولحق بهلاكو فقتله‏.‏ وكان صاحب الشام يومئذ الناصر بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن صلاح الدين‏.‏ فلما بلغه استيلاء هلاكو على بغداد بعث إليه ابنه بالهدايا والمصانعة والعذر عن الوصول بنفسه لمكان الإفرنج من سواحل الشام فقبل هديته وعذره ورجع ابنه بالمواعيد‏.‏ ولم يتم لهلاكو الاستيلاء على الجزيرة وديار بكر وديار ربيعة وانتهى ملكه إلى الفرات وتاخم الشام‏.‏ وعبر الفرات سنة ثمان وخمسين فملك البيرة ووجد بها السعيد أخا الناصر بن العزيز معتقلاً فأطلقه ورده إلى عمله بالضبينة وبانياس‏.‏ ثم سار إلى حلب فحاصرها مدة ثم ملكها ومن عليه وأطلقه ووجد بها المعتقلين من البحرية مماليك الصالح أيوب الذين حبسهم الناصر وهم سنقر الأشقر وتنكز وغيرهما فأطلقهم وكان معهم أمير من أكابر القفجاق لحق به واستخدم له فجعلهم معه وولى على البلاد التي ملكها من الشام‏.‏ ثم جهز العساكر إلى دمشق وارتحل الناصر إلى مصر ورجع عنه الصالح بن الأشرف صاحب حمص إلى هلاكو فولاه دمشق وجعل نوابه بها لنظره وبلغ الناصر إلى هلاكو‏.‏ ثم استوحش الخليفة من قظز سلطان مصر لما كان بينهما من الفتنة فخرج إلى هلاكو فأقبل عليه واستشاره في إنزال الكتائب بالشام فسهل له الأمر في عساكر مصر ورجع إلى رأيه في ذلك وترك نائبه كيبغا من أمراء التتر في خف من الجنود فبعث كيبغا إلى سلطان مصر‏.‏ وأساء رسله بمجلس السلطان في الخطاب بطلب الطاعة فقتلهم وسار إلى الشام فلقي كيبغا بعين جالوت فانهزمت عساكر التتر وقتل كيبغا أميرهم والسعيد صاحب الضبينة أخو الناصر كان حاضراً مع التتر فقبض عليه وقتل صبراً‏.‏ ثم بعث هلاكو العساكر إلى البيرة والسعيد بن لؤلؤ على حلب ومعه طائفة من العساكر فبعث بعضهم لمدافعة التتر فانهزموا وحنق الأمراء على السعيد بسبب ذلك وحبسوه وولوا عليهم حسام الدين الجو كندار‏.‏ وزحف التتر إلى حلب فأجفل عنها واجتمع مع صاحبها المنصور على حمص وزحفوا إلى التتر فهزموهم‏.‏ وسار التتر إلى أفامية فحاصروها وهابوا ما وراءها وارتحلوا إلى بلادهم‏.‏ وبلغ الخبر إلى هلاكو فقتل الناصر صاحب دمشق لاتهامه إياه فيما أشار به من الاستهانة بأهل مصر‏.‏ وكان هلاكو لما فتح الشام سنة ثمان وخمسين بلغه مهلك أخيه القان الأعظم منكوفان في مسيره إلى غزو بلاد الخطا طمع في القانية وبادر لذلك فوجد أخاه قبلاي قد استقل فيها بعد حروب بدت بينه وبين أخيه أزبك تقدم ذكرها في أخبار القان الأعظم فشغل لذلك عن أمر الشام‏.‏ ثم لما يئس من القانية قنع بما حصل عنده من الأقاليم والأعمال ورجع إلى بلاده‏.‏ والأقاليم التي حصلت بيده وعراق العجم كرسيه أصفهان ومن مدنه قزوين وقم وقاشان وشهرزور وسجستان وطبرستان وطلان وبلاد الإسماعيلية‏.‏ وعراق العرب كرسيه بغداد ومن مدنه الدينور والكوفة والبصرة‏.‏ أدزبيجان وكرسيه توريز ومن مدنه حران وسلماس وقفجاق‏.‏ خوزستان كرسيها ششتر ومن مدنها الأهواز وغيرها‏.‏ فارس كرسيها شيراز ومن مدنها كش ونعمان ومحمل رزون والبحرين‏.‏ ديار بكر كرسيها الموصل ومن مدنها ميافارقين ونصيبين وسنجار وأسعرد ودبيس وحران والرها وجزيرة ابن عمر‏.‏ بلاد الروم كرسيها قونية ومن مدنها ملطية وأقصرا وأورنكار وسيواس وإنطاكية والعلايا‏.‏ ثم أجلاه أحمد الحاكم خليفة مصر فزحف إلى بغداد وهذا الحاكم هو عم المستعصم‏.‏ لحق بمصر بعد الواقعة ومعه الصالح بن لؤلؤ بعد أن أزاله التتر من الموصل فنصب الظاهر بيبرس أحمد هذا في الخلافة سنة تسع وخمسين وبعثه لاسترجاع بغداد ومعه الصالح بن لؤلؤ على الموصل‏.‏ فلما أجازوا الفرات وقاربوا بغداد كبسهم التتر ما بين هيث وغانة فكبسوا الخليفة وفر ابن لؤلؤ وأخوه إلى الموصل فنازلهم التتر سبعة أشهر ثم اقتحموها عليهم عنوة وقتلوا الصالح‏.‏ وخشي الظاهر بيبرس غائلة هلاكو‏.‏ ثم إن بركة صاحب الشمال قد بعث إلى الظاهر سنة ستمائة وسبعين بإسلامه فجعلها الظاهر وسيلة للوصلة معه والإنجاد وأغراه بهلاكو لما بينهما من الفتنة فسار بركة لحربه وأخذ بحجزته عن الشام‏.‏ ثم بعث هلاكو عساك التتر لحصار البيرة ومعه درباي من أكابر أمراء المغل وأردفه بابنه أبغا‏.‏ وبعث الظاهر عساكره لانجاد أهلها فلما أطلوا على عسكر درباي وعاينهم أجفل وترك المخيم والآلة ولحق بأبغا منهزماً فاعتقله وسخطه‏.‏ ثم هلك هلاكو سنة اثنتين وستين لعشر سنين من ولايته العراق والله أعلم‏.‏

أبغا بن هلاكو
ولما هلك هلاكو ولي مكانه ابنه أبغا وسار لأول ولايته لحرب بركة صاحب الشمال فسرح إليه بركة العساكر مع قريبه نوغاي بن ططر بن مغل بن دوشي خان ومع سنتف بن منكوفان بن جفطاي بن جنكزخان وخام سنتف عن اللقاء ورجع منهزماً وأقام نوغاي فهزم أبغا وأثخن في عساكره وعظمت منزلته بذلك عند بركة‏.‏ ثم بعث سنة إحدى وسبعين عساكره مع درباي لحصار البيرة وعبر الظاهر إليهم الفرات وهزمهم وقتل أميرين مع درباي ولحق درباي بأبغا منهزماً فسخطه وأدال منه بابطاي‏.‏ وفي سنة اثنتين وسبعين زحف أبغا إلى تكدار بن موجي بن جفطاي بن جنكز خان وكان صاحبه فاستنجد بابن عمه براق بن سنتف بن منكوفان بن جفطاي فأمده بنفسه وعساكره‏.‏ واستنفر أبغا عساكر الروم وأميرهم طمقان والبرواناة والتقى الجمعان ببلاد الكرج فانهزم تكدار ولجأ إلى جبل هنالك حتى استأمن أبغا فأمنه وعهد أن لا يركب فرساً فارهاً ولا يمس قوساً‏.‏ ثم نمي إلى أبغا أن القاهر صاحب مصر سار إلى بلاد الروم فبعث العساكر إليها مع قائدين من قواد المغل وهما تدوران وتغوا فسارا وملك الظاهر قيسارية من تخوم بلادهم‏.‏ وبلغ الخبر إلى أبغا فجاء بنفسه إلى موضع الهزيمة وعاين مصارع قومه ولم يسمع ذكراً لأحد من عسكر البرواناة أنه صرع فاتهمه وبعث عنه بعد مرجعه فقتله‏.‏ ثم سار أبغا سنة ثمانين وعبر الفرات ونازل الرحبة وبعث إلى صاحب ماردين فنزل معه هناك‏.‏ وكان منكوتمر ابن أخي بركة ملك صراي فسار بعساكره من المغل وحشود الكرج والأرمن والروم ومر بقيسارية وابلسين وأجاز الدربند إلى الرحبة فنازلها‏.‏ وبعث أبغا إليه بالعساكر مع أخيه منكوتمر بن هلاكو وأقام هو على الرحبة‏.‏ وزحف الظاهر من مصر في عساكر المسلمين فلقيهم التتر على حمص‏.‏ وانهزم التتر هزيمة شنعاء هلك فيها عامة عساكرهم وأجفل أبغا من حصار الرحبة وهلك أخوه منكوتمر بن هلاكو مرجعه من تلك الواقعة يقال مسموماً وأنه مر ببعض أمرائه بجزيرة تسمى مومواغا كان يضطغن له بعض الفعلات فسقاه سماً عند مروره به وهرب إلى مصر فلم يدركوه وأنهم قتلوا أبناءه ونساءه‏.‏ ثم هلك أبغا سنة إحدى وثمانين بعدها ويقال مسموماً أيضاً على يد وزيره الصاحب شمس الدين الجوني مشير دولته وكبيرها حمله الخوف على ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:47 PM

تكدار بن هلاكو
ويسمى أحمد ولما توفي أبغا كما ذكرناه وكان ابنه أرغو غائباً بخراسان فبايع المغل لأخيه تكدار فأسلم وتسمى أحمد‏.‏ وخاطب بذلك الملوك لعصره وأرسل إلى مصر يخبرهم ويطلب المساعدة وجاء بذلك قاضي سيواس قطب الدين الشيرازي وأتابك بلاد الروم وابن الصاحب من وراء ماردين‏.‏ وكان أخوه قنقرطاي مع صمغان الشحنة فبعث تكدار عن أخيه فامتنع من الإجابة‏.‏ وأجاره غياث الدين كنخسرو صاحب بلاد الروم فتوعده تكدار فخاف منه وسار هو وقنقرطاي إلى تكدار فقتل أخاه وحبس غياث الدين وولى مكانه أخاه عز الدين وأدال من صمغان الشحنة باولاطو من أمراء المغل‏.‏ ثم جهز العساكر إلى خراسان لقتال أخيه أرغو فسار إليهم أرغو وكبسهم وهزمهم وفتك فيهم فسار تكدار بنفسه فهزم أرغو وأسره وأثخن في عساكره وقتل اثني عشر أميراً من المغل فاستوحش أهل معسكره وكانوا ينقمون عليه إسلامه فثاروا عليه وقتلوا نائبه‏.‏ ثم قتلوه سنة اثنتين وثمانين وبعثوا إلى أرغو بن أبغا بطاعتهم والله تعالى

أرغو بن أبغا
ولما ثار المغل على تكدار وقتلوه وبعثوا بطاعتهم إلى أرغو فجاء وولوه أمرهم فقام بسلطانه وقتل غياث الدين كنخسرو صاحب بلاد الروم في محبسه اتهمه بمداهنته في قتل عمه قنقرطاي وتقبض لأول ولايته على الوزير شمس الدين الجوني وكان متهماً بأبيه وعمه فقتله وولى على وزارته سعد اليهودي الموصلي ولقبه سعد الدولة وكان عالماً بالحكمة‏.‏ وولى ابنيه قازان وخربندا على خراسان لنظر نيروز أتابكه‏.‏ ولما فرغ من أمور ملكه وكان قد عدل عن دين الإسلام وأحب دين البراهمة من عبادة الأصنام وانتحال السحر والرياضة له‏.‏ ووفد عليه بعض سحرة الهند فركب له دواء لحفظ الصحة واستدامتها فأصابه منه صرع فمات سنة سبعين والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

كتخاتو بن أبغا
ولما هلك أرغو بن أبغا وابناه قازان وخربندا غائبان بخراسان اجتمع المغل على أخيه كتخاتو فبايعوه وقدموه للملك‏.‏ ثم ساءت سيرته وأفحش في المناكر وإباحة الحرمات والتعرض للغلمان من أبنائهم‏.‏ وكان في عسكره بيدو بن عمر طرغاي بن هلاكو فاجتمع إليه أمراء المغل وبايعوه سراً وشعر بهم كتخاتو ففر من معسكره إلى جهة كرمان وساروا في أثره فأدركوه بأعمال غانة وقتلوه سنة ثلاث وتسعين لثلاث سنين وأشهر من ولايته‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏ ولما قتل أمراء المغل كتخاتو بن أبغا بايعوا مكانه لابن عمه بيدو بن طرغاي بن هلاكو وكان قازان بن أرغو بخراسان فسار لحرب بيدو ومعه الأتابك نيروز فلما تقاربا للقاء تردد الناس بينهما في الصلح على أن يقيم نيروز الأتابك عند بيدو واصطلحا وعاد قازان‏.‏ ثم أرسل نيروز الأتابك إلى قازان يستحثه فسار من خراسان‏.‏ ولما بلغ الخبر إلى بيدو فاوض فيه نيروز الأتابك فقال أنا أكفيكه فصبر حتى أتى إليه فسرحه‏.‏ ولما وصل إلى قازان أطلعه على شأن مراء بيدو وأنهم راغبون عنه وحرضه على المسير فامتعض لذلك بيدو وسار للقائهم فلما التقى الجمعان انتقض عليه أمراؤه بمداخلة نيروز فانهزم ولحق بنواحي همذان فأدرك هناك وقتل سنة خمس وتسعين لثمانية أشهر من ملكه‏.‏ والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

قازان بن أرغو
ولما انهزم بيدو وقتل ملك على المغل مكانه قازان بن أرغو فجعل أخاه خربندا والياً على خراسان وجعل نيروز الأتابك مدبراً لمملكته‏.‏ وسعى لأول أمره في التدبير على طرغاي من أمرائه ومواليه من المغل الذي داخل بيدو في قتل كتخاتو الذي تولى كبر ذلك فخافه طرغاي على نفسه وكان نازلاً بين بغداد والموصل فبعث إلى كتبغا العادل صاحب مصر والشام يستأذنه في اللحاق به‏.‏ ثم ولى قازان على ديار بكر أميراً من أشياعه اسمه مولان فهزمه وقتل الكثير من أصحابه ونجا إلى الشام وبعث كيبغا من تلقاه وجاء به إلى مصر ودخل مجلس الملك‏.‏ ورفع مجلسه فيها قبل أن يسلم واستقر هو وقومه الأوبراتية بمصر وأقطع لهم‏.‏ وكان ذلك داعياً إلى الفتنة بين الدولتين‏.‏ ثم قتل قازان الأتابك نيروز وذلك أنه استوحش من قازان وكاتب لاشين سلطان مصر والشام المتولي بعد كيبغا‏.‏ وأحس نيروز بذلك فلحق بهراة مستجيراً بصاحبها وهو فخر الدين بن شمس الدين كرت صاحب سجستان فقبض عليه فخر الدين وأسلمه إلى قطلو شاه فقتله‏.‏ وقتل قازان بعد ذلك أخويه ببغداد وهما حاجي ولكري وقفل السفير إليه بالكتاب من مصر‏.‏ ثم كان بعد ذلك مفر شلامس بن أيال ثم منجو إلى مصر وكان أميراً في بلاد الروم على الطومار المحجر فيها - والطومار عندهم عبارة عن مائة ألف من العساكر - عن قازان فارتاب به وأرسل إلى لاشين يستأذنه في اللحاق به‏.‏ وبعث قازان العساكر إليه فقاتلوه وانفض عنه أكثر أصحابه ففر إلى مصر وترك أهله وولده وبعث معه صاحب مصر العساكر لتلقي أهله ومروا بسيس فاعترضه عساكر التتر هناك فهزموه وقتلوا أمير مصر الذي معه واعتصم هو ببعض القلاع فاستنزلوه منها وبعثوا به إلى قازان فقتله‏.‏ وأقام أخوه قطقطو بمصر في جملة عسكرها ونشأت بهذه كلها الفتن بين قازان أهل مصر ونزع إليه أمراء الشام فلحق نائب دمشق وبكتمر نائب حلب وألبكي الظاهري وعزاز الصالحي واسترابوا بسلطانهم الناصر محمد بن قلاوون فلحقوا به واستحثوه إلى الشام‏.‏ وسار سنة تسع وسبعين في عساكر المغل والأرمن ومعه نائبه قطلو شاه ومولي‏.‏ وجاء الملك الناصر من مصر في عساكر المسلمين‏.‏ ولما انتهى إلى غزة اطلع على تدبير بعض المماليك عليه من أصحاب كيبغا ومداخلة الأمراء الذين هاجروا من المغل إلى مملكة مصر لهم في ذلك فسبق جميعهم وارتحل إلى حمص للقاء التتر‏.‏ ثم سار فصبحهم بمرج المروج والتقى الجمعان وكانت الدبرة على المسلمين واستشهد منهم عدد‏.‏ ونجا السلطان إلى مصر وسار قازان على التعبية فملك حمص واستوعب مخلف السلطان فيها‏.‏ ثم تقدم إلى دمشق فملك المدينة وتقدم إلى قفجاق لجباية أموالها ولحصار القلعة وبها علاء الدين سنجر المنصور فامتنع وهدم ما حولها من العمران وفيها دار السعادة التي بها إيوان الملك‏.‏ وسار قازان إلى حلب فملكها وامتنعت عليه القلعة وعاثت عساكره في البلاد وانتهت غاراتهم إلى غزة‏.‏ ولما امتنعت عليه القلاع ارتحل عائداً إلى بلده وخلف قطلو شاه في عساكره لحماية البلد وحصار القلعة ويحيى بن جلال الدين لجباية الأموال‏.‏ وترك قفجاق على نيابة دمشق وبكتمر على نيابة حلب وحمص وحماة وكر الملك الناصر راجعاً إلى الشام بعد أن جمع العساكر وبث العطاء وأزاح العلل وعلى مقدمته سرمز الجاشنكير وسلار كافلا مملكته فتقدموا إلى حدود الشام وأقام هو بالصالحية‏.‏ واستأمن لهما قفجاق وبكتمر النائبان بدمشق وحلب وراجعا طاعة السلطان واستولى سرمز وسلار على الشام ورجع قطلوشاه إلى العراق‏.‏ ثم عاود قازان المسير إلى الشام سنة اثنتين وسبعين وعبر الفرات ونزل على الرحبة وكاتب أهل الشام يخادعهم‏.‏ وقدم قطلوشاه فأغار على القدس وبها أحياء التركمان فقاتلوه ونالوا منه وتوقفوا هنالك‏.‏ وسار الناصر من مصر في العساكر ثالث شعبان ولقي قطلوشاه بمرج الصفر فهزمه بعد حرب شديدة وسار في اتباعهم إلى الليل فاعتصموا بجبل في طريقهم وبات المسلمون يحرسونهم ثم تسللوا وأخذ القتل منهم كل مأخذ واعترضهم الوحل من أمامهم من بثوق بثقت لهم من نهر دمشق فلم ينج منهم أحد وقدم الفل على قازان بنواحي كيلان ومرض هنالك ومات في ذي الحجة من السنة ويقال انه مات أسفاً والله تعالى أعلم بالصواب‏.‏

خربندا بن أرغو
ولما هلك قازان ولي بعده أخوه خربندا وابتدأ أمره بالدخول في دين الإسلام وتسمى بمحمد وتلقب غياث الدين وأقر قطلوشاه على نيابته‏.‏ ثم جهزه لقتال الكرد في جبال كيلان وقاتلهم فهزموه وقتلوه وولى مكانه جوبان بن تدوان وأقام في سلطانه حسن الدين معظماً للخلفاء وكتب أسماءهم على سكته ثم صحب الروافض فساء اعتقاده وحذف ذكر الشيخين من الخطبة ونقش أسماء الأئمة الإثني عشر على سكته‏.‏ ثم أنشأ مدينة بين قزوين وهمذان وسماها السلطانية ونزلها واتخذ بها بيتاً لطيفاً بلبن الذهب والفضة وأنشأ بازائها بستاناً جعل فيه أشجار الذهب بثمر اللؤلؤ والفصوص وأجرى اللبن والعسل أنهاراً وأسكن به الغلمان والجواري تشبيهاً له بالجنة وأفحش في التعرض لحرمات قومه‏.‏ ثم سار إلى الشام سنة ثلاث عشرة وعبر الفرات ونزل الرحبة ورجع‏.‏ ثم هلك ويقال مات مسموماً على يد بعض أمرائه سنة ست عشرة والله تعالى أعلم‏.‏

أبو سعيد بن خربندا
ولما هلك خربندا خلف ابنه أبا سعيد طفلاً صغيراً ابن ثلاث عشرة سنة فاستصغره جوبان وأرسل إلى أزبك ملك الشمال بصراي يستدعيه لملك العراقين فحذره نائبه قطلقمر من ذلك وبايع جوبان لأبي سعيد بن خربندا على صغره وبدأ أمره بقتل أبي الطيب رشيد الدولة فضل الله بن يحيى الهمذاني المتهم بقتل أبيه فقتله‏.‏ وكان مقدماً في العلوم وسرياً في الغاية وله تاريخ جمع فيه أخبار التتر وأنسابهم وقبائلهم وكتبه مشجراً كما في كتابنا هذا‏.‏ وكان جوبان يومئذ بخراسان يقاتل عليها سيول بن براق بن سنتف بن ماسان بن جفطاي صاحب خوارزم أغراه أزبك صاحب الشمال بخراسان وأمده بعساكره‏.‏ وكان جوبان موافقاً له فلما هلك خربندا طمع سيول في الاستيلاء على خراسان وكاتب أمراء المغل بدولة أبي سعيد يرغبهم فأطمعوه فسار جوبان إلى الأردن ومعناه بلغتهم العسكر والمخيم‏.‏ وانتهى إلى أبي سعيد خبر أمرائه فقتل منهم أربعين ورجع جوبان إلى خراسان سنة ثمان عشرة وقد استولى سيول عليها وعلى طائفة من عراق العجم‏.‏ وبعث إليه أزبك صاحب الشمال نائبه قطلقتمر مدداً في العساكر فلقيهم جوبان وكانت بينهم حروب‏.‏ وانتزع جوبان ما ملكه سيول من بلاد خراسان وصالحه على ما بقي ورجع‏.‏ ثم سار أزبك ملك الشمال إلى مراغة فأغار عليها وغنم ورجع وأتبعه جوبان في العساكر فلم يدركه وهلك سيول سنة عشرين وارتجع أبو سعيد ما كان بيده من خراسان‏.‏ وكان أزبك صاحب الشمال ينقم على أبي سعيد استبداد جوبان عليه وتحكمه في بني جنكز خان ويحرض أهل النواحي على جوبان ويتوقع له المهالك‏.‏ وأوصل الملوك في النواحي للمظاهرة على جوبان وسلطانه أبي سعيد حتى لقد صاهر صاحب مصر على مثل ذلك ولم يتم الصلح لأبي سعيد معه كما مر في أخبارهم‏.‏ وجهز أزبك العساكر سنة عشرين لحرب جوبان فحاصرهم المدني بنهر كوزل الذي في حدود ملكهم فرجعوا‏.‏ ثم جهز جيشاً آخر مع قطلقتمر نائبه وكان جوبان نائب سعيد قد ولى على بلاد الروم ابنه دمرداش فزحف سنة إحدى وعشرين إلى بلاد سيس وافتتح منها قلاعاً ثلاثاً وخربها‏.‏ وبعث إلى الملك الناصر يطلب المظاهرة في جهاد الأرمن بسيس فبعث السلطان عساكره سنة اثنتين وعشرين ومعهم من المتطوعة عدد وحاصروا سيس‏.‏ ثم انعقد الصلح سنة ثلاث وعشرين بعدها بين الملك الناصر وبين أبي سعيد واستقامت الأحوال وحج أكابر المغل من قرابة أبي سعيد ملك التتر بالعراقين واتصلت المهاداة بينهما وسار نائبه جوبان سنة خمس وعشرين إلى خراسان في العساكر وقد زحف إليه كبك بن سيول فجرت بينهما حروب وانهزم جوبان واستولى كبك على خراسان‏.‏ ثم كبسه جوبان فهزمه وأثخن في عساكره وغلبه على خراسان فعادت إلى ملكة أبي سعيد‏.‏ وبينما جوبان مشتغل بتلك الفتنة والحروب في نواحي خراسان إذ بلغه الخبر بأن السلطان أبا سعيد تقبض على ابنه خوافي دمشق فلما بلغه الخبر بذلك انتقض وزحف إليه أبو سعيد فافترق عنه أصحابه ولحق بهراة فقتل بها سنة ست وعشرين‏.‏ وإذن أبو سعيد لولده أن ينقلوا شلوه إلى تربته التي بناها بالمدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ونقلوه فلم يقدر دفنه بها‏.‏ وتوقف أمير المدينة على إذن السلطان بمصر في ذلك فدفن بالبقيع‏.‏ ولما بلغ خبر جويان لابنه دمرداش وهو أمير ببلاد الروم انزعج لذلك ولحق بمصر وأقبل السلطان الملك الناصر عليه وأحله محل التكرمة وجاءت على أثره رسل أبي سعيد يطلب حكم الله فيه لسعيه في الفساد والفتنة‏.‏ وأجابه السلطان إلى ذلك على أن يفعل مثل ذلك في قرا سنقر النازع إليهم من أمراء الشام فأمضى ذلك فيهما جزاء بما قدمت أيديهما‏.‏ ثم تأكدت أسباب المواصلة والالتحام بين هذين السلطانين بالإصهار والمهاداة واتصل ذلك وانقطع زبون العرب وفسادهم بين المملكتين‏.‏ وهلك السلطان أبو سعيد سنة ست وثلاثين ولم يعقب ودفن بالسلطانية واختلف أهل دولته‏.‏ وانقرض الملك من بني هلاكو وافترقت الأعمال التي كانت في ملكهم وأصبحت طوائف في خراسان وفي عراق العجم وفارس وفي أذربيجان كله في عراق العرب وفي بلاد الروم كما نذكر ذلك‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وإليه يرجعون‏.‏ اضطراب دولة بني هلاكو وانقسام الملك طوائف في أعمالهم وانفراد الشيخ حسن ببغداد و استيلاء بنيه معها على توريز وما كان لهم فيها من الملك والدولة وابتدائها ومصايرها ولما هلك أبو سعيد بن خربندا ملك التتر بكرسي بغداد سنة ست وثلاثين ولم يعقب نصب أمراء المغل الوزير غياث الدين وخلع أورخان‏.‏ ونصب للملك موسى خان من أسباطهم وقام بدولته الشيخ حسن بن حسين بن بيبقا بن أملكان وهو ابن عمه السلطان أبي سعيد سبط أرغو بن أبغا‏.‏ أنزله أبو سعيد بقلعة كانج من بلاد الروم ووكل به‏.‏ فلما هلك أبو سعيد وانحل عقاله وذهب أبو نور بن ماس عفى عليها وبلغه شأن أهل الدولة ببغداد فلم يرضه ونهض إليها فقتل على ماسا القائم بالدولة وعزل موسى خان الملك ونصب مكانه محمد بن عنبرجي وهو الذي تقدم في ملوك التخت صحة نسبه إلى هلاكو‏.‏ واستولى الشيخ حسن على بغداد وتوريز‏.‏ ثم سار إليه حسن بن دمرداش من مكان إمارته وإمارة أبيه ببلاد الروم وغلبه على توريز وقتل سلطانه محمد بن عنبرجي ولحق الشيخ حسن ببغداد واستقر حسن بن دمرداش في توريز ونصب للملك أخت السلطان أبي سعيد اسمها صالبيك وزوجها لسليمان خان من أسباط هلاكو واستقل بملك توريز وكان يعرف بالشيخ حسن الصغير لأن صاحب بغداد كان يشاركه في اسمه وهو أسن وأدخل في نسب الخان فميز بالكبير وميز هذا بالصغير‏.‏ ولما استقل حسن الصغير بالملك والخان عنده عجز عنه الشيخ حسن الكبير وغلبته أمم التركمان بضواحي الموصل إلى سائر بلاد الجزيرة‏.‏ فيقال أنه أرسل إلى الملك الناصر صاحب مصر بأن يملكه بغداد ويلحق به فيقيم عنده وطلب منه أن يبعث عساكره لذلك على أن يرهن فيهم ابنه فلم يتم ذلك لما اعترضه من الأحوال‏.‏ وافترقت مملكة بني هلاكو فكان هو ببغداد والصغير بتوريز ابن المظفر بعراق العجم وفارس والملك حسين بخراسان‏.‏ واستولى على أكثرها ملك الشمال أزبك صاحب التخت بصراي من بني دوشي خان بن جنكز خان‏.‏ ثم استوحش الشيخ حسن من سلطانه سليمان خان فقتله واستبد‏.‏ ثم هلك الشيخ حسن الصغير بن دمرداش بتوريز سنة أربع وأربعين وملك مكانه أخوه الأشرف‏.‏ ثم هلك الشيخ حسن الكبير سنة سبع وخمسين والله تعالى أعلم‏.‏ أويس بن الشيخ حسن ولما هلك الشيخ حسن الكبير ببغداد ولي مكانه ابنه أويس وكان بتوريز الأشرف بن دمرداش فزحف إليه ملك الشمال جاني بك بن أزبك سنة ثمان وخمسين وملكها من يده‏.‏ ورجع إلى خراسان بعد أن استخلف عليها ابنه واعتقل في طريقه فكتب أهل الدولة إلى ابنه بردبيك يستحثونه للملك فأغذ السير إليهم وترك بتوريز عاملها أخبجوخ فسار إليه أويس صاحب بغداد وغلبه عليها وملكها‏.‏ ثم ارتجعها منه أخبجوخ وأقام بها فزحف إليه ابن المظفر صاحب أصفهان وملكها‏.‏ من يده وقتله‏.‏ وانتظم في ملكه عراق العجم وتوريز وتستر وخوزستان‏.‏ ثم سار أويس فانتزعها من يد ابن المظفر واستقرت في ملكه ورجع إلى بغداد وجلس على التخت واستفحل أمره‏.‏ ثم هلك سنة ست وسبعين حسين بن أويس وقد خلف بنين خمسة وهم الشيخ حسن وحسين والشيخ علي وأبو يزيد وأحمد‏.‏ وكان وزيره زكريا وكبير دولته الأمير عادل كان كافلاً لحسين ومن أقطاعه السلطاني فاجتمع أهل الدولة وبايعوا لابنه حسين بتوريز وقتلوا الشيخ حسن وزعموا أن أباهم أويساً أوصاهم بقتله‏.‏ وكان الشيخ علي بن أويس ببغداد فدخل في طاعة أخيه حسين وكان قنبر علي بادك من أمرائهم نائباً بتستر وخوزستان فبايع لحسين وبعث إليه بطاعته واستولى على دولته بتوريز زكريا وزير أبيه‏.‏ وكان إسماعيل ابن الوزير زكريا بالشام هارباً أمام أويس فقدم على أبيه زكريا وبعث به إلى بغداد ليقوم بخدمة الشيخ علي فاستخلصه واستبد عليه فغلب شجاع بن المظفر على توريز وارتجعها منه‏.‏ ولما استقل حسين بتوريز كان بنو المظفر طامعين في ولايتها وقد ملكوها من قبل كما مر وانتزعها أويس منهم‏.‏ فلما توفي أويس سار شجاع إلى توريز في عساكره فأجفل عنها حسين بن أويس إلى بغداد واستولى عليها شجاع ولحق حسين بأخيه الشيخ علي ووزيره إسماعيل ببغداد مستجيشاً بهما فسرحوا معه العساكر ورجع أدراجه إليها فهرب عنها شجاع إلى خوزستان وحصن ملكه بها واستقر فيها‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:48 PM

مقتل إسماعيل واستيلاء حسين على بغداد ثم ارتجاعها منه
كان إسماعيل مستبداً على الشيخ علي ببغداد كما قدمناه فتوثب به جماعة من أهل الدولة منهم مبارك شاه وقنبر وقرا محمد فقتلوه وعمه أمير أحمد منتصف إحدى وثمانين واستدعوا قنبر علي بادك من تستر فولوه مكان إسماعيل واستبد على الشيخ علي ببغداد ونكر حسين عليهم ما آتوه وسار في عساكره من توريز إلى بغداد فارقها الشيخ علي وقنبر علي بادك إلى تستر‏.‏ واستولى حسين على بغداد واستمده فاتهمه بممالأة أخيه الشيخ علي ولم يمده ونهض الشيخ علي من تستر إلى واسط وجمع العرب من عبادان والجزيرة فأجفل أحمد من واسط إلى بغداد وسار الشيخ علي في أثره فأجفل حسين إلى توريز واستوسق ملك بغداد للشيخ علي واستقر كل ببلده والله تعالى أعلم‏.‏

انتقاض أحمد واستيلاؤه على توريز
ومقتل حسين ولما رجع حسين من بغداد إلى توريز عكف على لذاته وشغل بلهوه واستوحش منه أخوه أحمد فلحق باردبيل وبها الشيخ صدر الدين‏.‏ واجتمع إليه من العساكر ثلاثة آلاف أو يزيدون فسار إلى توريز وطرقها على حين غفلة فملكها‏.‏ واختفى حسين أياماً ثم قبض عليه أحمد وقتله والله تعالى يؤيد بنصره من يشاء من عباده‏.‏

انتقاض عادل ومسيره لقتال أحمد
كان الأمير عادل والياً على السلطانية وكانت من أقطاعه فلما بلغه مقتل حسين امتعض له وكان عنده أبو يزيد بن أويس فسار إلى شجاع بن المظفر اليزدي صاحب فارس يستصرخانه على الأمير أحمد بن أويس فبعث العساكر لصريخهما وبرز الأمير أحمد للقائهم‏.‏ ثم تقاربوا واتفقوا أن يستقر أبو يزيد في السلطانية أميراً ويخرج الأمير عادل عن مملكتهم ويقيم عند شجاع بفارس واصطلحوا على ذلك‏.‏ وعاد أبو يزيد إلى السلطانية فأقام بها وأضر أمراؤه وخاصته بالرعايا فدسوا بالصريخ إلى أحمد بتوريز فسار في العساكر إليه وقبض عليه وكحله وتوفي بعد ذلك ببغداد‏.‏

مقتل الشيخ علي
و استيلاء أحمد على بغداد ولما قتل أحمد أخاه حسيناً جمع الشيخ علي العساكر واستنفر قرا محمد أمير التركمان بالجزيرة وسار من بغداد يريد توريز فبرز أحمد للقائه واستطرد له لما كان منه فبالغ في اتباعه إلى أن خفت عساكره فكر مستميتاً‏.‏ وكانت جولة أصيب فيها الشيخ علي بسهم فمات وأسر قرا محمد فقتل‏.‏ ورجع أحمد إلى توريز واستوسق له ملكها‏.‏ ونهض إليه عادل بن السلطان أبي سعيد يروم فرصة فيه فهزمه‏.‏ ثم سار أحمد إلى بغداد وقد كان استبد بها بعد مهلك الشيخ علي خواجا عبد الملك من صنائعهم بدعوة أحمد‏.‏ ثم قام الأمير عادل في السلطانية بدعوة أبي يزيد وبعث إلى بغداد قائداً اسمه برسق ليقيم بها دعوته فأطاعه عبد الملك وأدخله إلى بغداد‏.‏ ثم قتله برسق ثاني يوم دخوله واضطرب البلد شهراً‏.‏ ثم وصل أحمد من توريز وخرج برسق القائد لمدافعته فانهزم وجيء به إلى أحمد أسيراً فحبسه ثم قتله وقتل عادل بعد ذلك وكفى أحمد شره‏.‏ وانتظمت في ملكه توريز وبغداد وتستر والسلطانية وما إليها واستوسق أمره فيها‏.‏ ثم انتقض عليه أهل دولته سنة ست وثمانين وسار بعضهم إلى تمر سلطان بني جفطاي بعد أن خرج من وراء النهر بملكه يومئذ واستولى على خراسان فاستصرخه على أحمد فأجاب صريخه وبعث معه العساكر إلى توريز فأجفل عنها أحمد إلى بغداد واستبد بها ذلك الثائر ورجع تمر إلى مملكته الأولى‏.‏ وطمع طغطمش ملك الشمال من بني دوشي خان في انتزاع توريز من يد ذلك الثائر فسار إليها وملكها وزحف تمر في عساكره سنة سبع وثمانين إلى أصفهان‏.‏ وبعث العساكر إلى توريز فاستباحها وخربها واستولى على تستر والسلطانية وانتطمهما في أعماله وانفرد أحمد ببغداد وأقام بها‏.‏

استيلاء تمرو على بغداد ولحاق أحمد بالشام
كان تمر سلطان المغل بعد أن استولى على توريز خرج عليه خارج من قومه في بلاده يعرف بقمر الدين فجاءه الخبر عنه وأن طغطمش صاحب كرسي صراي في الشمال أمده بأمواله وعساكره فكر راجعاً من أصبهان إلى بلاده وعميت أنباؤه إلى سنة خمس وسبعين‏.‏ ثم جاءت الأخبار بأنه غلب قمر الدين الخارج عليه ومحا أثر فساده‏.‏ ثم استولى على كرسي صراي وأعمالها‏.‏ ثم خطا إلى أصفهان وعراق العجم والري وفارس وكرمان فملك جميعها من بني المظفر اليزدي بعد حروب هلك فيها ملوكهم وبادت جموعهم‏.‏ وشد أحمد ببغداد عزائمه وجمع عساكره وأخذ في الاستعداد ثم عدل إلى مصانعته ومهاداته فلم يغن ذلك عنه وما زال تمر يخادعه بالملاطفة والمراسلة إلى أن فتر عزمه وافترقت عساكره فنهض إليه يغذ السير في غفلة منه حتى انتهى إلى دجلة وسبق النذير إلى أحمد فأسرى بغلس ليله وحمل ما أقلته الرواحل من أمواله وذخائره وخر ق سفن دجلة ومر بنهر الحلة فقطعه وصبح مشهد علي‏.‏ ووافى تمر وعساكره دجلة في حادي عشر شوال سنة خمس وتسعين ولم يجد السفن فاقتحم بعساكره النهر ودخل بغداد واستولى عليها وبعث العساكر في اتباع أحمد فساروا إلى الحلة وقد قطع جسرها فخاضوا النهر عندها وأدركوا أحمد بمشهد علي واستولوا على أثقاله ورواحله فكر عليهم في جموعه واستماتوا‏.‏ وقتل الأمير الذي كان في اتباعه ورجع بقية التتر عنهم ونجا أحمد إلى الرحبة من تخوم الشام فأراح بها وطالع نائبها السلطان بأمره فسرح بعض خواصه لتلقيه بالنفقات والأزواد وليستقدمه فقدم به إلى حلب وأراح بها‏.‏ وطرقه مرض أبطأ به عن مصر‏.‏ وجاءت الأخبار بأن تمر عاث في مخلفه واستصفى ذخائره واستوعب موجود أهل بغداد المصادرات لأغنيائهم وفقرائهم حتى مستهم الحاجة وأقفرت جوانب بغداد من العيث ثم قدم أحمد بن أويس على السلطان بمصر في شهر ربيع سنة ست وتسعين مستثرخاً به على طلب ملكه والانتقام من عدوه فأجاب السلطان صريخه ونادى في عسكره بالتجهز إلى الشام‏.‏ وقد كان تمر بعد ما استولى على بغداد زحف في عساكره إلى تكريت مأوى المخالفين وعش الحرابة ورصد السابلة وأناخ عليها بجموعه أربعين يوماً فحاصرها حتى نزلوا على حكمه وقتل من قتل منهم‏.‏ ثم خربها وأقفرها وانتشرت عساكره في ديار بكر إلى الرها وقفوا عليها ساعة من نهار فملكوها وانتسفوا نعمها وبلغ الخبر إلى السلطان فخيم بالزيدانية أياماً أزاح فيها علل عساكره وأفاض العطاء في مماليكه واستوعب الحشد من سائر أصناف الجند واستخلف على القاهرة النائب سودون‏.‏ وارتحل إلى الشام على التعبية ومعه أحمد بن أويس بعد أن كفاه مهمة وسرب النفقات في تابعه وجنده ودخل دمشق آخر جمادى الأولى‏.‏ وقد كان أوعز إلى جلبان صاحب حلب بالخروج إلى الفرات واستنفار العرب والتركمان للإقامة هناك رصداً للعدو‏.‏ فلما إلى دمشق وفد عليه جلبان وطالعه بمهماته وما عنده من أخبار القوم ورجع لإنفاذ أوامره والفصل فيما يطالعه فيه‏.‏ وبعث السلطان على أثره العساكر مدداً له كمشيقا الأتابك وتكلتمش أمير سلاح وأحمد بن بيبقا‏.‏ وكان العدو تمر قد شغل بحصار ماردين فأقام عليها أشهراً وملكها‏.‏ وعاثت عساكره فيها واكتسحت نواحيها وامتنعت عليه قلعتها فارتحل عنها إلى ناحية بلاد الروم ومر بقلاع الأكراد فأغارت عساكره عليها واكتسحت نواحيها والسلطان لهذا العهد وهو شعبان سنة ستمائة وتسعين مقيم بدمشق مستجمع لنطاحه والوثبة به متى استقبل جهته‏.‏ والله سبحاه وتعالى ولي التوفيق بمنه وكرمه‏.‏ الشيخ علي أحمد بن أويس ابن الشيخ حسن بن أقبغا بن أيلكان سبط أرغو بن أبغا الشيخ حسن أبو زيد‏.‏

الخبر عن بني المظفر اليزدي المتغلبين على أصفهان وفارس
بعد انقراض دولة بني هلاكو وابتدء أمورهم ومصايرها كان أحمد المظفر من أهل يزد وكان شجاعاً واتصل بالدولة أيام أبي سعيد فولوه حفظ السابلة بفارس وكان منها مبدأ أمرهم‏.‏ وذلك أنه لما توفي أبو سعيد سنة ست وثلاثين وسبعمائة ولم يعقب اضطربت الدولة ومرج أمر الناس وافترق الملك طوائف‏.‏ وغلب أزبك صاحب الشمال على طائفة من خراسان فملكها‏.‏ واستبد بهراة الملك حسين واللان محمود فرشحه من أهل دولة السلطان أبي سعيد عاملاً على أصفهان وفارس فاستبد بأمره واتخذ الكرسي بشيراز إلى أن هلك وولي بعده ابنه أبو اسحق أمير شيخ سالكاً سبيله في الاستبداد‏.‏ وكانت له آثار جميلة وله صنف الشيخ عضد الدين كتاب المواقف والشيخ عماد الدين الكاشي شرح كتاب المفتاح وسموهما باسمه‏.‏ وتغلب أيضاً محمد بن المظفر على كرمان ونواحيها فصارت بيده‏.‏ وطمع في الاستيلاء على فارس‏.‏ وكان أبو اسحق أمير شيخ قد قتل شريفاً من أعيان شيراز فنادى بالنكير عليه ليتوصل إلى غرض انتزاع الملك من يده‏.‏ وسار في جموعه إلى شيراز ومال إليه أهل البلد لنفرتهم عن أمير شيخ لفعلته فيهم فأمكنوه من البلد وملكها واستولى على كرسيها‏.‏ وهرب أبو اسحق أمير شيخ إلى أصفهان وأتبعه ففر منه أيضاً وملك أصفهان وبث الطلب في الجها حتى قبض عليه وقتله قصاصاً بالشريف الذي قتله بشيراز وكان له من الولد أربعة شاه ولي ومحمود وشجاع وأحمد‏.‏ وتوفي شاه ولي أبيه وترك ابنيه منصوراً ويحيى وملك ابنه محمود أصفهان وابنه شجاع شيراز وكرمان‏.‏ واستبد عليه محمود وشجاع وخلفاه في ملكه سنة ستين وكحلاه‏.‏ وتولى ذلك شجاع وسار إليه محمود من أصفهان بعد أن استجاش بأويس بن حسن الكبير فأمده بالعساكر سنة خمس وستين وملك شيراز‏.‏ ولحق شجاع بكرمان من أعماله وأقام بها واختلف عليه عماله ثم استقاموا على طاعته‏.‏ ثم جمع بعد ثلاث سنين ورجع إلى شيراز ففارقها أخوه محمد إلى أصفهان وأقام بها إلى أن هلك سنة ست وسبعين فاستضافها شجاع إلى أعماله وأقطعها لابنه زين العابدين وزوجه بابنه أويس التي كانت تحت محمود‏.‏ وولى على مردى ابن أخيه شاه ولي‏.‏ ثم هلك شجاع سنة سبع وثمانين واستقل ابنه زين العابدين بأصفهان وخلفه في شيراز وفارس منصور ابن أخيه شاه ولي‏.‏ وكان عادل كبير دولة بني أويس بالسلطانية كما مر ولحق به منصور بن شاه ولي هارباً من شيراز أمام عمه زين العابدين فحبس ثم فر من محبسه ولحق بأحمد بن أويس مستصرخاً به فصارخه وأنزله بتستر من أعماله‏.‏ ثم سار منها إلى شيراز ففارقها عمه زين العابدين إلى أصفهان وأخوه يحيى بيزد وعمهما أحمد بن محمد المظفر بكرمان‏.‏ ثم زحف تمر سلطان التتر من بني جفطاي بن جنكز خان سنة ثمان وثمانين وملك توريز وخربها كما مر في أخباره فأطاعه يحيى صاحب يزد وأحمد صاحب كرمان‏.‏ وهرب زين العابدين من أصفهان وملكها عليه تمر فلحق بشيراز ورجع تمر إلى بلاده فيما وراء النهر وعميت أنباؤه إلى سنة خمس وتسعين فزحف إلى بلاد فارس‏.‏ وجمع منصور بن شاه ولي العساكر لحربه فخادعه تمر بولايته وانكفأ راجعاً إلى هراة فافترقت عساكر منصور بن شاه ولي وجاءت عيون تمر بخبر افتراقها إليه فأغذ السير وكبس منصور بن شاه ولي بظاهر شيراز وهو في قل من العساكر لا يجاوزون ألفين فهرب الكثير من أصحابه إلى تمر واستمات هو والباقون وقاتلوا أشد قتال‏.‏ وفقد هو في المعركة فلم يوقف له على خبر وملك تمر شيراز واستضافها إلى أصفهان وولى عليها من قبله‏.‏ وقتل أحمد بن محمد صاحب كرمان وابنيه وولى على كرمان من قبله وقتل يحيى بن شاه ولي صاحب يزد وابنيه وولى على يزد من قبله واستلحم بني المظفر واستصفى زين العابدين بن شجاع بن محمود وهرب ابنه فلحق بخاله أحمد بن أويس وهو لهذا العهد مقيم معه بمصر‏.‏ والله وارث الأرض ومن عليها وإليه يرجعون‏.‏ زين العابدين بن شجاع بن محمود بن محمد بن المظفر اليزدي‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:49 PM

الخبر عن بني أرتنا ملوك بلاد الروم من المغل بعد بني هلاكو
والإلمام بمبادئ أمورهم ومصايرهم قد سبق لنا أن هذه المملكة كانت لبني قليج أرسلان من ملوك السلجوقية وهم الذين أقاموا فيها دعوة الإسلام وانتزعوها من يد ملوك الروم أهل قسطنطينية واستضافوا إليها كثيراً من أعمال الأرض ومن ديار بكر فانفسحت أعمالهم وعظمت ممالكهم‏.‏ وكان كرسيهم بقونية ومن أعمالهم أقصر وإنطاكية والعلايا وطغرل ودمرلو وقراحصار‏.‏ ومن ممالكهم أذربيجان ومن أعمالها أقشهر وكامخ وقلعة كعونية ومن ممالكهم قيسارية ومن أعمالها نكرة وعداقلية ومنال‏.‏ ومن ممالكهم أيضاً سيواس وأعمالها ملكوها من يد الوانشمند كما مر في أخبارهم ومن أعمالها نكسار وأقاسية وتوقات وقمنات وكنكرة كورية وسامسون وصغوى وكسحونية وطرخلوا وبرلوا‏.‏ ومما استضافوه من بلاد الأرمن خلاط وأرمينية الكبرى واني وسلطان وأرجيس وأعمالها‏.‏ ومن ديار بكر خرت برت وملطية وسميساط ومسارة فكانت لهم هذه الأعمال وما يتصل بها من الشمال إلى مدينة بورصة ثم إلى خليج القسطنطينية‏.‏ واستفحل ملكهم فيها وعظمت دولتهم‏.‏ ثم طرقها الهرم والفشل كما يطرق الدول‏.‏ ولما استولى التتر على ممالك الإسلام وورثوا الدول في سائر النواحي واستقر التخت الأعظم لمنكوفان أخي هلاكو‏.‏ وجهز عساكر المغل سنة أربع وخمسين وستمائة إلى هذه البلاد وعليهم بيكو من أكابر أمرائهم‏.‏ وعلى بلاد الروم يومئذ غياث الدين كنخسرو بن علاء الدين كيقباد وهو الثاني عشر من ملوكهم من ولد قطلمش فنزلوا على أرزن الروم وبها سنان الدين ياقوت مولى علاء الدين فملكوها بعد حصار شهرين واستباحوها‏.‏ وتقدموا أمامهم ولقيهم غياث الدين بالصحراء على أقشهر وزنجان وانهزم غياث الدين واحتمل ذخيرته وعياله ولحق بقونية واستولى بيكو على مخلفه‏.‏ ثم سار إلى قيسارية فملكوها‏.‏ وهلك غياث الدين أثر ذلك وملك بعده ابنه علاء وعاثت عساكر التتر في البلاد فسار علاء الدين كيقباد إلى منكوفان صاحب التخت واختلف أخواه من بعده وغلب عز الدين كيكاوس واعتقل أخاه ركن الدين بقونية وبعث في أثر أخيه علاء الدين من يستفسد له منكوفان فلم يحصل من ذلك على طائل‏.‏ وهلك علاء الدين في طريقه وكتب منكوفان بتشريك الملك بين عز الدين وركن الدين والبلاد بينهما مقسومة فلعز الدين من سيواس إلى تخوم القسطنطينية ولركن الدين من سيواس إلى أرزن الروم متصلاً من جهة الشرق ببلاد التتر‏.‏ وأفرج عز الدين عن ركن الدين واستقر في طاعة التتر‏.‏ وسار بيكو في بلاد الروم قبل أن يرجع عز الدين فلقيه أرسلان دغمش من أمراء عز الدين فهزمه بيكو إلى قونية فأجفل عنها عز الدين إلى العلايا وحاصرها بيكو فملكها على يد خطيبها‏.‏ وخرج إلى بيكو فأسلمت زوجته على يده ومنع التتر من دخولها إلا وحداناً وأن لا يتعرضوا لأحد‏.‏ واستقر عز الدين وركن الدين في طاعة التتر ولهما اسم الملك والحكم للشحنة بيكو‏.‏ ولما زحف هلاكو إلى بغداد سنة ست وخمسين استنفر بيكو وعساكره فامتنع واعتذر بمن في طريقه من طوائف الأكراد الفراسيلية والباروقية فبعث إليه هلاكو العساكر ومروا بأذربيجان وقد أجفل أهلها وهم قوم من الأكراد فملكوها‏.‏ وساروا مع بيكو إلى هلاكو وحضروا معه فتح بغداد وما بعدها‏.‏ ولما نزل هلاكو حلب استدعى عز الدين وركن الدين فحضرا معه فتحها وحضر معهما وزيرهما معين الدين سليمان البرواناة واستحسنه هلاكو وتقدم إلى ركن الدين بأن يكون السفير إليه عنه فلم يزل على ذلك‏.‏ ثم هلك بيكو مقدم التتر ببلاد الروم وولى مكانه صمقار من أمراء المغل‏.‏ ثم اختلف الأميران عز الدين وغياث الدين سنة تسع وخمسين واستولى عز الدين على أعمال ركن الدين فسار ومعه البرواناة إلى هلاكو صريخاً فأمده بالعساكر وسار إلى عز الدين فهزمهم واستمده ثانياً فأمده هلاكو وانهزم عز الدين فلحق بالقسطنطينية وأقام عند صاحبها لشكري واستولى ركن الدين قليج أرسلان على بلاد الروم وامتنع التركمان الذين بتلك الأعمال بأطراف الأعمال والثغور والسواحل‏.‏ وطلبوا الولاية من هلاكو فولاهم وأعطاهم الله الملك فهم الملوك بها من يومئذ كما يأتي في أخبارهم إن شاء الله تعالى‏.‏ وأقام عز الدين بالقسطنطينية وأراد التوثب بصاحبها لشكري ووشى به أخواله من الروم فاعتقله لشكري في بعض قلاعه ثم هلك‏.‏ ويقال إن ملك الشمال منكوتمر صاحب التخت بصراي حدثت بينه وبين صاحب القسطنطينية فتنة فغزاه واكتسح بلاده ومر بالقلعة التي بها عز الدين معتقلاً فاحتمله معه إلى صراي وهلك عنده‏.‏ ولحق ابنه مسعود بعد ذلك بابغا بن هلاكو فأكرمه وولاه على بعض القلاع ببلاد الروم‏.‏ ثم إن معين الدين سليمان البرواناة ارتاب بركن الدين فقتله غيلة سنة ست وستين ونضب ابنه كنخسرو للملك ولقبه غياث الدين وكان متغلباً عليه مقيماً مع ذلك على طاعة التتر‏.‏ وربما كان يستوحش منهم فيكاتب سلطان مصر بالدخول في طاعته واطلع أبغا على كتابه بذلك إلى الظاهر بيبرس فنكره‏.‏ وهلك صمغار الشحنة فبعث أبغا مكانه أميرين من أمراء المغل وهما تدوان وتوقر فتقدما سنة خمس وسبعين إلى بلاد الشام ونزلا بأبلستين ومعهما غياث الدين كنخسرو وكافله البرواناة في العساكر‏.‏ وسار الظاهر من دمشق فلقيهم بأبلستين وقد قعد البرواناة لما كان تواعد مع الظاهر عليه‏.‏ وهزمهما الظاهر جميعاً وقتل الأميرين تداون وتوقر في جماعة من التتر‏.‏ ونجا البرواناة وسلطانه فلم يصب منهم أحد واستراب السلطان بالبرواناة لذلك‏.‏ وملك الظاهر قيسارية كرسي بلاد الروم وعاد إلى مصر‏.‏ وجاء أبغا ووقف على مكان الملحمة ورأى مصارع قومه فصدق الريبة بممالأة الظاهر والبرواناة وأصحابه فاكتسح البلاد وخربها ورجع‏.‏ ثم استدعى البرواناة إلى معسكره فقتله وأقام مكانه في كفالة كنخسرو أخاه عز الدين محمداً‏.‏ ولم يزل غياث الدين والياً على بلاد الروم والشحنة من المغل حاكم في البلاد إلى أن ولي تكدار بن هلاكو وكان أخوه قنقرطاي مقيماً ببلاد الروم مع صمغار فبعث عنه وامتنع من الوصول فأوعز إلى غياث الدين واعتقله بارزنكان وولى على بلاد الروم على الشحنة أولاكو من أمراء المغل وذلك سنة إحدى وثمانين‏.‏ ويقال أن أرغو بن أبغا هو الذي ولى أولاكو شحنة ببلاد الروم بعد صمغار وأن تدوان وتوقر إنما بعث بهما أبغا لقتال الظاهر ولم يرسلهما شحنة‏.‏ ثم أقام مسعود بن عز الدين كيكاوس في سلطانه ببلاد الروم والحكم لشحنة التتر وليس له من الملك إلا اسمه إلى أن افترق واضمحل أمره‏.‏ وبقي أمراء المغل يتعاقبون في الشحنة ببلاد الروم وكان منهم أول المائة الثامنة الأمير علي وهو الذي قتل ملك الأرمن هيشوش بن ليعون صاحب سيس واستعدى أخوه عليه بخربندا فأعداه وقتله كما مر في أخبار الأرمن في دولة الترك‏.‏ وكان منهم سنة عشرين وسبعمائة الأمير ألبغا‏.‏ ثم ولى السلطان أبو سعيد على بلاد الروم دمرداش بن جوبان سنة ثلاث وعشرين واستفحل بها ملكه وجاهد الأرمن بسيس‏.‏ واستمد الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر عليهم فأمده بالعساكر وافتتحوا إياس عنوة ورجعوا‏.‏ ثم نكب السلطان أبو سعيد نائبه جوبان بن بروان وقتله كما مر في أخبارهم‏.‏ وبلغ الخبر إلى دمرداش ابنه ببلاد الروم فاضطرب لذلك ولحق بمصر في عساكره وأمرائه فأقبل السلطان عليه وتلقاه بالتكرمة والإيثار‏.‏ وجاءت رسل أبي سعيد في اتباعه تطلب حكم الله تعالى فيه بسعيه في الفساد وإثارة الفتنة على أن يفعل مثل ذلك في قرا سنقر النازع إليهم من أمراء الشام فقتلوه وقتل دمرداش بمصر وذهبا بما كسبا‏.‏ وكان دمرداش لما هرب من بلاد الروم إلى مصر ترك من أمرائه أرتنا وكان يسمى النوير اسم أبناء الملوك فبعث إلى أبي سعيد بطاعته فولاه على البلاد فملكها‏.‏ ونزل سيواس واتخذها كرسي ملكه‏.‏ ثم استبد حسن بن دمرداش بتوريز فبايع له أرتنا‏.‏ ثم انتقض وكاتب الملك الناصر صاحب مصر ودخل في طاعته وبعث إليه بالولاية والخلع فجمع له حسن بن دمرداش وسار إليه بسيواس‏.‏ وسار أرتنا للقائه بصحراء كسينوك وهزمه وأسر جماعة من أمرائه وذلك سنة أربع وأربعين‏.‏ واستفحل ملك أرتنا من يومئذ وعجز جوبان وحسن بن دمرداش عن طلبه إلى أن توفي سنة ثلاث وخمسين‏.‏ وأما بنوه من بعده فلا أدري من ملك منهم ولا ترتيب ولايتهم إلا أنه وقع في أخبار الترك أن السلطان أوعز سنة ست وستين إلى نائب حلب أن يسير في العساكر لإنجاد محمد بك بن أرتنا فمضوا وظفروا‏.‏ وما زال أرتنا وبنوه مستبدين بلاد الروم وأعمالها‏.‏ واقتطع لهم التركمان منها بلاد الأرمن سيس وما إليها فاستولى عليها بنو دلقادر على خلافة وزحفوا إليه وهي في أيديهم لهذا العهد‏.‏ ولما خالف سعاروس من أمراء الترك سنة اثنتين وخمسين ظاهره قراجا بن دلقادر على خلافه وزحف إليه السلطان من مصر فافترقت جموعه واتبعته العساكر فقتل‏.‏ وبعث السلطان سنة أربع وخمسين عسكرا في طلب قراجا فساروا إلى البلستين وأجفل عنها نائبها فنهبوا أحياءه ولحق هو بابن أرتنا بسيواس فقبض عليه وبعث به إلى السلطان بمصر فقتله‏.‏ واقتطع التركمان ناحية الشمال من أعمالهم إلى القسطنطينية وأثخنوا في أمم النصرانية وراءهم واستولوا على كثير من تلك الممالك وراء القسطنطينية وأميرهم لهذا العهد في عداد الملوك الأعاظم ودولتهم ناشئة متجددة‏.‏ وكان صبياً بسيواس منذ أعوام الثمانين وهو من أعقاب بني أرتنا فاستبد عليه قاضي البلد لما كان كافلاً له بوصية أبيه‏.‏ ثم قتل القاضي ذلك الصبي أعوام اثنتين وتسعين واستبد بذلك الملك‏.‏ وكانت هناك أحياء التتر يناهزون ثلاثين ألفاً أو نحوها مقيمين بتلك النواحي‏.‏ ملكهم دمرداش بن جوبان ومن قبله من أمراء المغل فكانوا شيعة لبني أرتنا وعصابة لهم وهم الذين استنجد بهم القاضي حين وجهت إليه عساكر مصر في طلب منطاش الثائر الذي فر ثم لحق به وسارت عساكر مصر في طلبه سنة تسع وثمانين فاستنجد القاضي بأحياء التتر هؤلاء وجاؤوا لإنجاده‏.‏ ورجعت عساكر مصر عنهم كما تقدم ذلك كله في أخبار الترك والحال على ذلك لهذا العهد والله مصير الأمور بحكمته وهو على كل شيء قدير‏.‏ إبراهيم بن محمد بك بن أرتنا النوير عامل أبي سعيد على بلاد الروم‏.‏ في شمال بلاد الروم إلى خليج القسطنطينية وما وراءه لبني عثمان وأخوته قد تقدم لنا في أنساب العالم ذكر هؤلاء التركمان وإنهم من ولد يافث بن نوح أي من توغرما بن كومر بن يافث كذا وقع في التوراة وذكر الفيومي من علماء بني إسرائيل ونسابتهم أن توغرما هم التركمان أخوة الترك ومواطنهم فيما وجدناه من بحر طبرستان ويسمى بحر الخزر إلى جوفي القسطنطينية وشرقها إلى ديار بكر‏.‏ وبعد انقراض العرب والأرمن ملكوا نواحي الفرات من أوله إلى مصبه في دجلة وهم شعوب متفرقون وأحياء مختلفون لا يحصرهم الضبط ولا يحويهم العد‏.‏ وكان منهم ببلاد الروم جموع مستكثرة كان ملوكها يستكثرون بهم في حروبهم مع أعدائهم‏.‏ وكان كبيرهم فيها لعهد المائة الرابعة جق وكانت أحياؤهم متوافرة وأعدادهم متكاثرة‏.‏ ولما ملك سليمان بن قطلمش قونية بعد أبيه وفتح إنطاكية سنة سبع وسبعين من يد الروم طالبه مسلم بن قريش بما كان له على الروم فيها من الجزية فأنف من ذلك وحدثت بينهما الفتنة‏.‏ وجمع قريش العرب والتركمان مع أميرهم جق وسار إلى حرب سليمان بإنطاكية فلما التقيا مال التركمان إلى سليمان لعصبية الترك وانهزم مسلم بن قريش وقتل‏.‏ وأقام أولئك التركمان ببلاد الروم أيام بني قطلمش موطنين بالجبال والسواحل‏.‏ ولما ملك التتر ببلاد الروم وأبقوا على بني قطلمش ملكهم وولوا ركن الدولة قليج أرسلان بعد أن غلب أخوه عز الدين كيكاوس وهرب إلى القسطنطينية‏.‏ وكان أمراء هؤلاء التركمان يومئذ محمد بك وأخاه إلياس بك وصهره علي بك وقريبه سونج والظاهر أنهم من بني جق فانتقضوا على ركن الدولة وبعثوا إلى هلاكو بطاعتهم وتقرير الأثر عليهم وأن يبعث إليهم باللواء على العادة وأن يبعث شحنة من التتر يختص بهم فأسعفهم بذلك وقلدهم وهم من يومئذ ملوك بها‏.‏ ثم أرسل هلاكو إلى محمد بك الأمير يستدعيه فامتنع من المسير إليه واعتذر فأوعز هلاكو إلى الشحنة الذي ببلاد الروم وإلى السلطان قليج أرسلان بمحاربته فساروا إليه وحاربوه ونزع عنه صهره علي بك‏.‏ ووفد على هلاكو فقدمه مكان محمد صهره‏.‏ ولقي محمد العساكر فانهزم وأبعد في المفر‏.‏ ثم جاء إلى قليج أرسلان مستأمناً فأمنه وسار معه إلى قونية فقتله واستقر صهره علي بك أميراً على التركمان وفتحت عساكر التتر نواحي بلاد الروم إلى اسطنبول‏.‏ والظاهر أن بني عثمان ملوكهم لهذا العهد من أعقاب علي بك أو أقاربه يشهد بذلك اتصال هذه الإمارة فيهم مدة هذه المائة سنة‏.‏ ولما اضمحل أمر التتر من بلاد الروم واستقر بنو أرتنا بسيواس وأعمالها غلب هؤلاء التركمان على ما وراء الدروب إلى خليج القسطنطينية ونزل ملكهم مدينة بورصة من تلك الناحية وكان يسمى أورخان بن عثمان جق فاتخذها داراً لملكهم ولم يفارق الخيام إلى القصور وإنما ينزل بخيامه في بسيطها وضواحيها وولي بعده ابنه مراد بك وتوغل في بلاد النصرانية وراء الخليج وافتتح بلادهم إلى قريب من خليج البنادقة وجبال جنوة وصار أكثرهم ذمة ورعايا‏.‏ وعاث في بلاد الصقالبة بما لم يعهد لمن قبله وأحاط بالقسطنطينية من جميع نواحيها حتى اعتقل ملكها من أعقاب لشكري‏.‏ وطلب منه الذمة وأعطاه الجزية ولم يزل على جهاد أمم النصرانية وراءه إلى أن قتله الصقالبة في حروبه معهم سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وولى ابنه أبو يزيد وهو ملكهم لهذا العهد‏.‏ وقد استفحل ملكهم واستجدت بالعز دولتهم وكان قد غلب على قطعة من بلاد الروم ما بين سيواس وبلادهم من إنطاكية والعلايا بحيال البحر إلى قونية بنو قرمان من أمراء التركمان وهم الذين كانوا في حدود أرمينية وجدهم هو الذي هزم هيشوش بن ليعون ملك سيس من الأرمن سنة عشرين وسبعمائة‏.‏ ثم كان بين بني عثمان جق وبين بني قرمان اتصال ومصاهرة وكان ابن قرمان لهذا العهد صهر السلطان مراد بك على أخته فغلبه السلطان مراد بك على ما بيده ودخل ابن قرمون صاحب العلايا في طاعته بل والتركمان كلهم‏.‏ وفتح سائر البلاد ولم يبق له إلا سيواس بلد بني أرتنا في استبداد القاضي الذي عليها وما أدري ما الله صانع بعد ظهور هذا الملك تمر المتغلب على ملك المغل من بني جفطاي بن جنكز خان‏.‏ وملك ابن عثمان لهذا العهد مستفحل بتلك الناحية الشمالية ومتسع في أقطارها ومرهوب عند أمم النصرانية هنالك ودولته مستجدة عزيزة على تلك الأمم والأحياء والله غالب على أمره‏.‏ وإلى هنا انتهت أخبار الطبقة الثالثة من العرب ودولهم وهم الأمم التابعة للعرب بما تضمنه من الدول الإسلامية شرقاً وغرباً لهم ولمن تبعهم من العجم فلنرجع الآن إلى ذكر الطبقة الرابعة من العرب وهم المستعجمة أهل الجيل الناشئ بعد انقراض اللسان المضري ودروسه‏.‏ ونذكر أخبارهم ثم نخرج إلى الكتاب الثالث في أخبار البربر ودولهم فنفرغ بفراغها من الكتاب إن شاء الله تعالى والله ولي العون والتوفيق بمنه وكرمه‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:50 PM

العرب المستعجمة الطبقة الرابعة
- من العرب المستعجمة الطبقة الرابعة من العرب المستعجمة أهل الجيل الناشىء لهذا العهد من بقية أهل الدولة الإسلامية من العرب لما استقلت مضر وفرسانها وأنصارها من اليمن بالدولة الإسلامية فيمن تبع دينهم من إخوانهم ربيعة ومن وافقهم من الأحياء اليمنية وغلبوا الملل والأمم على أمورهم وانتزعوا الأمصار من أيديهم وانقلبت أحوالهم من خشونة البداوة وسذاجة الخلافة إلى عز الملك وترف الحضارة ففارقوا الحلل وافترقوا على الثغور البعيدة والأقطار البائنة عن ممالك الإسلام فنزلوا بها حامية ومرابطين عصباً وفرادى‏.‏ وتناقل الملك من عنصر إلى عنصر ومن بيت إلى بيت واستفحل ملكهم في دولة بني أمية وبني العباس من بعدهم بالعراق ثم دولة بني أمية الأخرى بالأندلس وبلغوا من الترف والبذخ ما لم تبلغه دولة من دول العرب والعجم من قبلهم‏.‏ فانقسموا في الدنيا ونبتت أجيالهم في ماء النعيم واسشأثروا مهاد الدعة واستطابوا خفض العيش وطال نومهم في ظل الغرف والسلم حتى ألفوا الحضارة ونسوا عهد البادية وانفلتت من أيديهم الملكة التي نالوا بها الملك وغلبوا الأمم من خشونة الدين وبداوة الأخلاق ومضاء المضرب‏.‏ فاستوت الحامية والرعية لولا الثقافة وتشابه الجند والحضر إلا في الشارة‏.‏ وأنف السلطان من المساهمة في المجد والمشاركة في النسب فجدعوا أنوف المتطاولين إليه من أعياصهم وعشائرهم ووجوه قبائلهم وغضوا من عنان طموحهم واتخذوا البطانة مقرهم من موالي الأعجام وصنائع الدولة حتى كثروا بهم قبيلتهم من العرب الذين‏.‏ أقاموا الدولة ونصروا الملة ودعموا الخلافة وأذاقوهم وبال الخلابة من القهر وساموهم خطة الخسف والذل فأنسوهم ذكر المجد وحلاوة العز وسلبوهم نصرة العصبية حتى صاروا أجزاء على الحامية وخولاً لمن استعبدهم من الخاصة وأوزاعاً متفرقين بين الأمة وصيروا لغيرهم الحل والعقد والإبرام والنقض من الموالي والصنائع فداخلتهم أريحية الغز وحدثوا أنفسهم با لملك فجحدوا الخلفاء وقعدوا بدست الأمر والنهي‏.‏ واندرج العرب أهل الحماية في القهر واختلطوا بالهمج ولم يراجعوا أحوال البداوة لبعدها ولا تذكروا عهد الأنساب لدروسها‏.‏ فدثروا وتلاشوا شأن من قبلهم وبعدهم‏.‏ الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً‏.‏ وكان المولدون لتمهيد قواعد الأمر وبناء أساسه من أول الإسلام والدين والخلافة بعده والملك قبائل من العرب موفورة العدد عزيزة الأحياء‏.‏ فنصروا الإيمان والمة ووطدوا أكناف الخلافة وفتحوا الأمصار والأقاليم وغلبوا عليها الأمم والدول‏.‏ أما من مضر‏:‏ فقريش وكنانة وخزاعة وبنو أسد وهذيل وتميم وغطفان وسليم وهوازن وبطونها من ثقيف وسعد بن بكر وعامر بن صعصعة ومن إليهم من الشعوب والبطون والأفخاذ والعشائر والخلفاء والموالي‏.‏ وأما من ربيعة فبنو تغلب بن وائل وبنو بكر بن وائل وكافة شعوبهم من بني شكر وبني حنيفة وبني عجل وبني ذهل وبني شيبان وتيم ثم بنو النمر من قاسط ثم عبد القيس ومن إليهم‏.‏ وأما من اليمنية ثم من كهلان بن سبأ منهم‏:‏ فأنصار الله الخزرج والأوس أبناء قيلة من شعوب غسان وسائر قبائل الأزد‏.‏ ثم همدان وخثعم وبجيلة ثم مذحج وكافة بطونها من عبس ومراد وزبيد والنخع والأشعريين وبني الحرث بن كعب‏.‏ ثم لحى وبطونها ولخم وبطونها ثم كندة وملوكها‏.‏ وأما من حمير بن سبأ فقضاعة وجميع بطونها ومن إلى هذه القبائل والأفخاذ والعشائر والأحلاف‏.‏ هؤلاء كلهم أنفقتهم الدولة الإسلامية العربية فنبا منهم الثغور القصية وأكلتهم الأقطار المتباعدة واستلحمتهم الوقائع المذكورة فلم يبق منهم حي ولا حلة تنجع ولا عشير يعرف ولا قليل يذكر ولا عاقلة تحمل جناية ولا عصابة لصريخ إلا سمع من ذكر أسمائهم في أنساب أعقاب متفرقين في الأمصار ألوى الخمول بجملتهم فتقطعوا في البلاد ودخلوا بين الناس فامتهنوا واستهينوا وأصبحوا خولاً للأمراء وبهما للذائد وعالة على الحرف‏.‏ وقام بالإسلام والملة غيرهم وصار الملك والأمر في أيدي سواهم وجلبت بضائع العلوم والصنائع إلى غير سوقهم فغلب أعاجم المشرق من الديلم والسلجوقية والأكراد والغز والترك على ملكه ودولته فلم يزل مناقلة فيهم إلى هذا العهد‏.‏ وغلب أعاجم المغرب من زناتة والبربر على أمره أيضاً فلم تزل الدول تتناقل فيهم على ما نذكره بعد إلى هذا العهد‏.‏ وغلب أعاجم المغرب والبربر على أمره وانقرض أكثر الشعوب الذين كان لهم الملك من هؤلاء فلم يبق لهم ذكر‏.‏ وانتبذ بقية هذه الشعوب من هذه الطبقة بالقفار وأقاموا أحياء بادين لم يفارقوا الحلل ولا تركوا البداوة والخشونة فلم يتورطوا في مهلكة الترف ولا غرقوا في بحر النعيم ولا فقدوا في غيابات الأمصار والحضارة ولهذا أنشد شاعرهم‏:‏ فمن ترك الحضارة أعجبته بأي رجال بادية ترانا وقال المتنبي يمدح سيف الدولة ويعرض بذكر العرب الذين أوقع بهم لما كثر عيثهم وفسادهم‏:‏ وكانوا يروعون الملوك بأن بدوا وأن نبتت في الماء بنت الغلافق فهاجوك أهدى في الفلا من نجومه وأبدى بيوتاً من أداحي النقانق وأقامت هذه الأحياء في صحارى الجنوب من الغرب والمشرق بإفريقية ومصر والشام والحجاز والعراق وكرمان كما كان سلفهم من ربيعة ومضر وكهلان في الجاهلية وعتوا وكثروا وانقرض الملك العربي الإسلامي‏.‏ وطرق الدول الهرم الذي هو شأنها واعتز بعض أهل هذا الجيل غرباً وشرقاً فاستعملتهم الدول وولوهم الإمارة على أحيائهم وأقطعوهم في الضاحية والأمصار والتلول وأصبحوا جيلاً في العالم ناشئاً كثروا سائر أهله من العجم‏.‏ ولهم في تلك الإمارة دول فاستحقوا أن تذكر أخبارهم وتلحق بالأجيال من العرب سلفهم‏.‏ ثم إن اللسان المضري الذي وقع به الإعجاز ونزل به القرآن فثوى فيهم وتبدل أعرابه فمالوا إلى العجمة‏.‏ وإن كانت الأوضاع في أصلها صحيحة واستحقوا أن يوصفوا بالعجمة من أجل الأعراب فلذلك قلنا فيهم العرب المستعجمة‏.‏ فلنذكر الآن بقية هؤلاء الشعوب من هذه الطبقة من المغرب والمشرق ونخص منهم أهل الأحياء الناجعة والأقدار النابهة ونلغي المندرجين في غيرهم‏.‏ ثم نرجع إلى ذكر المنتقلين من هذه الطبقة إلى إفريقية والمغرب فنستوعب أخبارهم لأن العرب لم يكن المغرب لهم في الأيام السابقة بوطن وإنما انتقل إليه في أواسط المائة الخامسة أفاريق من بني هلال وسليم اختلطوا في الدول هنالك فكانت أخبارهم من أخبارها لذلك استوعبناها‏.‏ وأما آخر مواطن العرب فكانت برقة وكان فيها بنو قرة بن هلال بن عامر‏.‏ وكان لهم في دول العبيديين أخبار وحكايتهم في الثورة أيام الحاكم والبيعة لأبي ركوة من بني أمية في الأندلس معروفة وقد أشرنا إليها في دولة العبيديين‏.‏ ولما أجاز بنو هلال وسليم إلى المغرب خالطوهم في تلك المواطن ثم ارتحلوا معهم إلى المغرب كما نذكره في دخول العرب إلى إفريقية والمغرب‏.‏ وبقي في مواطنهم ببرقة لهذا العهد أحياء بني جعفر وكان شيخهم أوسط هذه المائة الثامنة أبو ذئب وأخوه حامد بن حميد وهم ينسبون في المغرب تارة في العزة ويزعمون أنهم من بني كعب سليم وتارة في الهيب كذلك وتارة في فزارة والصحيح في نسبهم أنهم من مسراتة إحدى بطون هوارة‏.‏ سمعته من كثير من نسابتهم وبعدهم فيما بين برقة والعقبة الكبيرة أولاد وما بين العقبة الكبيرة والإسكندرية أولاد مقدم وهم بطنان أولاد التركية وأولاد قائد‏.‏ ومقدم وسلام معاً ينسبون إلى لبيد‏.‏ فبعضهم يقول لبيد بن لعتة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة بن عامر وبعضهم يقول في مقدم‏:‏ مقدم بن عزاز بن كعب بن سليم‏.‏ وذكر لي سلام شيخ أولاد التركية‏:‏ أن أولاد مقدم من ربيعة بن نزار ومع هؤلاء الأحياء حي محارب ينتمون بآل جعفر‏.‏ ويقال إنهم من جعفر بن كلاب وهي رواحة ينتمون بآل زبيد ويقال من جعفر أيضاً‏.‏ والناجعة من هؤلاء الأحياء كلهم ينتمون في شأنهم إلى الواحات من بلاد القبلة‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ ومن غطفان في برقة مهيب ورواحة وفزارة فجعل هؤلاء من غطفان والله أعلم بصحة ذلك‏.‏ وفيما بين الإسكندرية ومصر قبائل رحالة ينتقلون في نواحي البحيرة هنالك ويعمرون أرضها بالسكنى والفلح ويخرجون في المشاتي إلى نواحي العقبة وبرقة من مزانت وهوارة وزنارة إحدى بطون لواتة وعليهم مغارم الفلح‏.‏ ويندرج فيهم أخلاط من العرب والبربر لا يحصون كثرة‏.‏ وبنواحي الصغير قبائل من العرب من بني هلال وبني كلاب من ربيعة‏.‏ وهؤلاء أحياء كثيرة يركبون الخيل ويحملون السلاح ويعمرون الأرض بالفلاحة ويقومون بالخراج للسلطان‏.‏ وبينهم مع ذلك من الحروب والفتن ما ليس يكون بين أحياء القفر‏.‏ وبالصعيد الأعلى من أسوان وما وراءها إلى أرض النوبة إلى بلاد الحبشة قبائل متعددة وأحياء متفرقة كلهم من جهينة إحدى بطون قضاعة ملأوا تلك القفار وغلبوا النوبة على مواطنهم وملكهم وزاحموا الحبشة في بلادهم وشاركوهم في أطرافها‏.‏ والذين يلون أسوان هم يعرفون بأولاد الكنز كان جدهم كنزل الدولة وله مقامات مع الدول مذكورة ونزل معهم في تلك المواطن من أسوان إلى قوص بنو جعفر بن أبي طالب حين غلبهم بنو الحسن على نواحي المدينة وأخرجوهم منها‏.‏ فهم يعرفون بينهم بالشرفاء الجعافرة ويحترفون في غالب أحوالهم بالتجارة‏.‏ وبنواحي مصر من جهة القبلة إلى عقبة أيلة أحياء من جذام جمهورهم من العائد وعليهم درك السابلة بتلك الناحية‏.‏ ولهم على ذلك الأقطاع والعوائد من السلطان‏.‏ ويليهم من جهة الشرق بالكرك ونواحيها أحياء بني عقبة من جذام أيضاً رحالة ناجعة تنتهي رحلتهم إلى المدينة النبوية‏.‏ وعليهم درك السابله فيما يليهم‏.‏ وفيما وراء عقبة أيلة إلى القلزم قبائل من قضاعة ومن القلزم إلى الينبع قبائل من جهينة‏.‏ ومن الينبع إلى بدر ونواحيه من زبيد إحدى بطون مذحج‏.‏ ولهم مع الأمراء بمكة من بني حسن حلف ومواخاة‏.‏ وفيما بين مكة والمهجم مما يلي اليمن قبائل بني شعبة من كنانة‏.‏ وفيما بين الكرك وغزة شرقاً قبائل جذام من قضاعة في جموع وافرة ولهم أمراء أعزة يقطعهم السلطان على العسكر وحفظ السابلة وينجعون في المشاتي إلى معان وما يليها من أسافل نجد مما يلي تيماء وبعدهم في أرض الشام بنو حارثة بن سنبس وآل مراء من ربيعة إخوة آل فضل الملوك على العرب في برية الشام والعراق ونجد‏.‏ وأخبرني بعض أمراء حارثة بن سنبس عن بطون‏.‏ فلنذكر الآن خبر أولاد فضل أمراء الشام والعراق من طيء فنبين أعراب الشام جميعاً‏.‏ آل فضل ودولتهم بالشام والعراق خبر آل فضل وبني مهنا منهم ودولتهم بالشام والعراق هذا الحي من العرب يعرفون بآل فضل وهم رحالة ما بين الشام والجزيرة وبرية نجد من أرض الحجاز ينتقلون هكذا بينها في الرحلتين وينتهون في طيء ومعهم أحياء زبيد وكلب هزنم ومذحج أحلاف لهم باين بعضهم في الغلب والعدد آل مراء‏.‏ ويزعمون أن فضلاً ومراء آل ربيعة ويزعمون أيضاً أن فضلاً ينقسم ولده بين آل مهنا وآل علي وأن آل فضل كلهم كانوا بأرض حوران فغلبهم عليها آل مراء وأخرجوهم منها فنزلوا حمص ونواحيها‏.‏ وأقامت زبيد من أحلافهم بحوران أحلافهم بها حتى الآن لا يفارقونها‏.‏ قالوا‏:‏ ثم اتصل آل فضل باللد من السلطنة وولوهم على أحياء العرب وأقطعوهم على إصلاح السابلة بين الشام والعراق فاستظهروا برئاستهم على آل مراء وغلبوهم على المشاتي فصار عامة رحلتهم في حدود الشام قريباً من التلول والقرى لا ينجعون إلى البرية إلا في الأقل‏.‏ وكانت معهم أحياء من أفاريق الأعراب يندرجون في لفيفهم وحلفهم من مذحج وعامر وزبيد كما كان لآل فضل‏.‏ إلا أن أكثر من كان من آل مراء أولئك الأحياء وأوفرهم عدداً بنو حارثة من إحدى بطون طيء‏.‏ هكذا ذكر الثقة عنهم من رجالاتهم‏.‏ وحارثة هؤلاء متغلبون لهذا العهد في تلول الشام لا يجاوزونها إلى القفار‏.‏ ومواطن طيء بنجد قد اتسعت وكانوا أول خروجهم من اليمن نزلوا جبلي أجأ وسلمى وغلبوا عليهما بني أسد وجاوروهم‏.‏ وكان لهم من المواطن سميراء وفيد من منازل الحاج‏.‏ ثم انقرض بنو أسد وورثت طيء بلادهم فيما وراء الكرخ من أرض غفرو وكذلك ورثوا منازل تميم بأرض نجد فيما بين البصرة والكوفة واليمامة‏.‏ وكذلك ورثوا غطفان ببطن مما يلي وادي القرى‏.‏ هكذا قال ابن سعيد‏.‏ وقال‏:‏ أشهر الحجازيين منهم الآن بنو لام وبنو نبهان والصولة بالحجاز لبني لام بين المدينة والعراق ولهم حلف مع بني الحسين أمراء المدينة‏.‏ قال‏:‏ وبنو صخرمنهم في جهة تيماء بين الشام وخيبر‏.‏ قال‏:‏ وغربة من طيء بنو غربة بن أفلت بن معبد بن معن بن عمرو بن عنبس بن سلامان ومن بعد بلادهم حي الأنمر والأساور ورثوها من عنزة‏.‏ ومنازلهم لهذا العهد في مصايفهم بالكيبات وفي مشاتيهم مع بني لام ومن بطونهم الأجود والبطنين وإخوانهم زبيد نازلون بالموصل فقد جعل ابن سعيد‏:‏ زبيد هؤلاء من بطون طيء ولم يجعلهم من مذحج‏.‏ ورياسة آل فضل في هذا العهد في بني مهنا‏.‏ وينسبونه هكذا‏:‏ كنا بن مايع بن مدسة بن عصية بن فضل بن بدر بن علي بن مفرج بن بدر بن سالم بن قصية بن بدر بن سميع‏.‏ ويقفون عند سميع‏.‏ ويقول زعماؤهم إن سميعاً هذا هو الذي ولدته العباسة أخت الرشيد من جعفر بن يحيى البرمكي‏.‏ وحاشا الله من هذه المقالة في الرشيد وأخته وفي بنات كبراء العرب من طيء إلى موالي العجم من بني برمك وأمثالهم‏.‏ ثم إن الوجود يحيل رياسة مثل هؤلاء على هذا الحي إذا لم يكونوا من نسبهم‏.‏ وقد تقدم مثل ذلك في مقدمات الكتاب‏.‏ وكان مبدأ رياستهم من أول دولة بني يعقوب‏.‏ قال العماد الأصفهاني نزل العادل بمرج دمشق ومعه عيسى بن محمد بن ربيعة شيخ الأعراب في جموع كثيرة‏.‏ وكانت الرئاسة فيهم لعهد الفاطميين لبني جراح من طيء‏.‏ وكان كبيرهم مفرج بن دغفل بن جراح‏.‏ وكان من أقطاعه التي معه وهو الذي قبض على أسكى مولى بني بويه لما انهزم مع مولاه بختيار بالعراق‏.‏ وجاء إلى الشام سنة أربع وستين وثلثمائة وملك دمشق وزحف مع القرامطة لقتال العزيز بن المعز لدين الله صاحب مصر فهزمهم العزيز وهرب أفتكين فلقيه مفرج بن دغفل وجاء به إلى العزيز فأكرمه ورقاه في دولته‏.‏ ولم يزل شأن مفرج هكذا وتوفي سنة أربع وأربعمائة‏.‏ وكان من ولده حسان ومحمود وعلي وجرار‏.‏ وولي حسان بعده وعظم صيته‏.‏ وكان بينه وبين خلفاء الفاطميين معزة واستقامة وهو الذي هزم الرملة وهزم قائدهم باروق التركي وقتله وسبى نساءه وهو الذي مدحه التهامي‏.‏ ويذكر المسمى وغيره أن موطىء دولة العبيديين في قرابة حسان بن مفرج هذا فضل بن ربيعة بن حازم وأخوه بدر بن ربيعة وابنا بدر‏.‏ ولعل فضلاً هذا هو جد آل فضل‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ إن فضل بن ربيعة بن حازم كان آباؤه أصحاب البلقاء والبيت المقدس‏.‏ وكان الفضل تارة مع الفرنج وتارة مع خلفاء مصر‏.‏ ونكره لذلك طغركين أتابك دمشق وكافل بني تتش فطرده من الشام فنزل على صدقة بن مزيد بالحلة وحالفه‏.‏ ووصله صدقة بتسعه آلاف دينار‏.‏ فلما خالف صدقة بن مزيد على السلطان محمد بن ملكشاه سنة خمسمائة وما بعدها ووقعت بينهما الفتنة اجتمع له فضل هذا وقرواش بن شرف الدولة ومسلم بن قريش صاحب الموصل وبعض أمراء التركمان وكانوا كلهم أولياء صدقة فصار في الطلائع بين يدي الحرب‏.‏ وهربوا إلى السلطان فأكرمهم وخلع عليهم وأنزل فضل بن ربيعة بدار صدقة بن مزيد ببغداد حتى إذا سار السلطان لقتال صدقة واستأذنه فضل في الخروج إلى البرية ليأخذ بحجرة صدقة فأذن له وعبر إلى الأنبار فلم يراجع السلطان بعدها كلام ابن الأثير‏.‏ ويظهر من كلامه وكلام المسبحي أن فضلاً هذا وبدراً من آل جراح بلا شك‏.‏ ويظهرمن سياقة هؤلاء نسبهم أن فضلاً هذا هوجدهم لأنهم ينسبونه‏:‏ فضل بن ربيعة بن الجراح‏.‏ فلعل هؤلاء نسبوا ربيعة مفرج الذي هو كبير بني الجراح لبعد العهد وقلة المحافظة على مثل هذا من البادية القفر‏.‏ وأما نسبة هذا الحي من آل فضل بن ربيعة بن فلاح من مفرج في طيء‏:‏ فبعضهم يقول إن الرئاسة في طيء كانت لأياس بن قبيصة من بني سبأ بن عمرو بن الغوث من طيء وأياس هو الذي ملكه كسرى على الحيرة بعد آل المنذر لما قتل النعمان بن المنذر وهو الذي صالح خالد بن الوليد عن الحيرة على الجزية‏.‏ ولم تزل الرئاسة على طيء إلى بني قبيصة هؤلاء صدراً من دولة الإسلام‏.‏ فلعل بني الجراح وآل فضل هؤلاء من أعقابهم وإن كان انقرض أعقابهم فهم من أقرب الحي إليهم لأن الرئاسة على الأحياء والشعوب إنما تتصل في أهل العصبية والنسب كما مر أول الكتاب‏.‏ وقال ابن حزم عندما ذكر أنساب طيء وأنهم لما خرجوا من اليمن مع بني أسد نزلوا جبلي أجأ وسلمى وأوطنوهما وما بينهما ونزل بنو أسد ما بينهم وبين العراق‏.‏ وفضل كثير منهم وهم‏:‏ بنو حارثة نسبة إلى أمهم وتيم الله وحبيش والأسعد إخوتهم رحلوا عن الجبلين في حرب الفساد فلحقوا بحلب وحاضر طيء وأوطنوا تلك البلاد إلا بني رومان بن جندب بن خارجة بن سعد فإنهم أقاموا بالجبلين فكانوا جبلين ولأهل حلب وحاضرطيء من بني خارجة السهيليون‏.‏ فلعل هذه الأحياء الذين بالشام من بني الجراح وآل فضل من بني خارجة هؤلاء الذين ذكر ابن حزم أنهم انتقلوا إلى حلب وحاضر طيء لأن هذا الموطن أقرب إلى مواطنهم لهذا العهد من مواطن بني الجراح بفلسطين من جبلي أجأ وسلمى الذي هو موضع الآخرين‏.‏ فالله أعلم أي ذلك يصح من أنسابهم‏.‏ وتحت خفارتهم بنواحي الفرات ابن كلاب بن ربيعة بن عامر دخلوا مع قبائل عامر بن صعصعة من نجد إلى الجزيرة‏.‏ ولما افترق بنو عامر على الممالك الإسلامية اختص هؤلاء بنواحي حلب وملكها منهم بنو صالح بن مرداس من بني عمرو بن كلاب‏.‏ ثم تلاشى ملكهم ورجعوا عنها إلى الأحياء وأقاموا بالفرات تحت خفارة هؤلاء الأمراء من طيء‏.‏ وأما ترتيب رئاستهم على العرب بالشام والعراق منذ دولة بني أيوب العادل وإلى هذا العهد وهو آخر ست وتسعين وسبعمائة فقد ذكرنا ذلك في دولة الترك ملوك مصر والشام وذكرناهم واحداً بعد واحد على ترتيبهم‏.‏ وسنذكرهم ههنا على ذلك الترتيب فنقول‏:‏ كان الأمير لعهد بني أيوب عيسى بن محمد بن ربيعة أيام العادل كما كان بعده حسام الدين مانع بن حارثة مصر والشام‏.‏ وفي سنة ثلاثين وستمائة ولي عليهم بعده ابنه مهنا‏.‏ ولما ارتجع قطز بن فضل أحد ملوك الترك بمصر والشام من أيدي التتر وهزمهم بعين جالوت أقطع سلمية لمهنا بن مانع وانتزعها من عمل المنصور بن مظفر بن شاهنشاه صاحب حماة ولم أقف على تاريخ وفاة مهنا‏.‏ ثم ولي الظاهر على أحياء العرب بالشام عندما استفحل ملك الترك‏.‏ وسار إلى دمشق لتشييع الخليفة الحاكم عم المستعصم إلى بغداد عيسى بن مهنا بن مانع وجر له الإقطاعات على حفظ السابلة وحبس ابن عمه زامل بن علي بن ربيعة من آل فضل على سعايته وإغرامه‏.‏ ولم يزل يغير على أحياء العرب وصلحوا في أيامه لأنه خالف أباه في الشدة عليهم وهرب إليه سنقر الأشقر سنة تسع وسبعين وكاتبوا أبغا واستحثوه لملك الشام‏.‏ وتوفي عيسى بن مهنا سنة أربم وثمانين فولى المنصور قلاوون من بعده ابنه مهنا‏.‏ ثم سار الأشرف بن قلاوون إلى الشام ونزل حمص ووفد عليه مهنا بن عيسى في جماعة من قومه فقبض عليه وعلى ابنه موسى وإخوته محمد وفضل ابني مهنا‏.‏ وبعث بهم إلى مصر فحبسوا بها حتى أفرج عنهم العادل كتبغا عندما جلس على التخت سنة أربع وتسعين ورجع إلى إمارته‏.‏ وكان له في أيام الناصر نصرة واستقامة وميلة إلى ملوك التتر بالعراق ولم يحضر شيئاً من وقائع غازان‏.‏ ولما انتقض قراسنقر وأقوش الأفرم وأصحابهما سنة عشر وسبعمائة لحقوا به وساروا من عنده إلى خربندا واستوحش هو من السلطان وأقام في أحيائه منقبضاً عن الوفادة‏.‏ ووفد أخوه فضل سنة اثنتي عشرة فرعى له حق وفادته وولاه على العرب مكان أخيه مهنا وبقي مهنا مشرداً‏.‏ ثم لحق سنة ست عشرة بخربندا ملك التتر فأكرمه وأقطعه بالعراق‏.‏ وهلك خربندا في تلك السنة فرجع مهنا إلى أحيائه‏.‏ ووفد ابنه أحمد وموسى وأخوه محمد بن عيسى مستعتبين على الناصر ومتطارحين عليه فأكرم وفادتهم وأنزلهم بالقصر الأبلق وشملهم بالإحسان وأعتب مهنا ورده إلى إمارته وأقطاعه وذلك سنة سبع عشرة‏.‏ وحج هذه السنة ابنه عيسى وأخوه محمد وجماعة من آل فضل في اثني عشر ألف راحلة‏.‏ ثم رجع مهنا إلى دينه في ممالأة التتر والأجلاب على الشام‏.‏ واتصل ذلك منه فنقم السلطان عليه وسخط عليه قومه أجمع‏.‏ وتقدم إلى نواب الشام سنة عشرين بعد مرجعه من الحج فطرد آل فضل عن البلاد وأدال منهم مالكاً على عدالته بينهم وولى منهم على أحياء العرب محمد بن أبي بكر وصرف أقطاع مهنا وولده إلى محمد وولده فأقام مهنا على ذلك مدة‏.‏ ثم وفد سنة إحدى وثلاثين مع الأفضل بن المؤيد صاحب حماة متوسلاً به ومتطارحاً على السلطان فأقبل عليه ورد عليه أقطاعه وأمارته‏.‏ وذكر لي بعض أمراء الكبراء بمصر ممن أدرك وفادته أو حدث بها‏:‏ أنه تجافى في هذه الوفادة من قبول شيء من السلطان حتى أنه ساق عنده النياق الحلوبة والعراب وأنه لم يغش باب أحد من أرباب الدولة ولا سأل منهم شيئاً من حاجاته ثم رجع إلى أحيائه وتوفي في سنة أربع وثلاثين فولي ابنه مظفر الدين موسى وتوفي سنة اثنتين وأربعين عقب مهلك الناصر وولي مكانه أخوه سليمان‏.‏ ثم هلك سليمان سنة ثلاث وأربعين فولي مكانه شرف الدين عيسى ابن عمه فضل بن عيسى‏.‏ ثم توفي سنة أربع وأربعين بالقريتين ودفن عند قبر خالد بن الوليد‏.‏ وولي مكانه أخوه سيف بن فضل ثم عزله السلطان بمصر الكامل ابن الناصر سنة ست وأربعين وولي مكانه أحمد بن مهنا بن عيسى‏.‏ ثم جمع سيف بن فضل ولقيه فياض بن مهنا بن عيسى وانهزم سيف‏.‏ ثم ولي السلطان حسن الناصر في دولته الأولى وهو في كفالة بيبغاروس أحمد بن مهنا فسكنت الفتنة بينهم‏.‏ ثم توفي سنة سبع وأربعين فولي مكانه أخوه فياض وهلك سنة تسع وأربعين وولي مكانه أخوه خيار بن مهنا ولاه حسن الناصر في دولته الثانية‏.‏ ثم انتقض سنة خمس وستين وأقام سنتين بالقصر عاصياً إلى أن شفع فيه نائب حماة فأعيد إلى أمارته‏.‏ ثم انتقض سنة سبعين فولى السلطان الأشرف مكانه ابن عمه زامل بن موسى بن عيسى‏:‏ وجاء إلى نواحي حلب واجتمع إليه بنو كلاب وغيرهم وعاثوا في البلاد وعلى حلب يومئذ قشتمر المنصوري فبرز إليهم وانتهى إلى خيمهم واستاق نعمهم وتخطى إلى الخيام فاستجاشوا بها وهزموا عساكره وقتل قشتمر ابنه في المعركة تولى هو قتله بيده وذهب إلى القفر منتقضاً‏.‏ فولى الأشرف مكانه ابن عمه معيقل بن فضل بن عيسى‏.‏ ثم بعث معيقل صاحبه سنة إحدى وسبعين يستأمن لخيار فأمنه‏.‏ ثم وفد خيار بن مهنا سنة خمس وسبعين فرضي عنه السلطان وأعاده إلى أمارته‏.‏ ثم توفي سنة سبع وسبعين فولي أخوه مالك إلى أن هلك سنة إحدى وثمانين فولي مكانه معيقل بن موسى بن عيسى وابن مهنا شريكين في أمارتهما‏.‏ ثم عزلا لسنة وولى نعير بن خيار بن مهنا واسمه محمد وهو لهذا العهد أمير على آل فضل وجميع أحياء طيء بالشام‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:50 PM

والسلطان الظاهر لعهده يزاحمه بمحمد بن عمه قاري‏.‏
ثم وصل انتقاضه على السلطان وخلافه وظاهر السلطان على موالاة محمد بن قاري فسخطه وولى مكانهما ابن عمهما محمد بن كوكتين ابن عمه موسى بن عساف بن مهنا فقام بأمر العرب وبقي نعير منتبذاً بالقفر وعجز عن الميرة لقلة ما بيده واختلت أحواله وهو على ذلك لهذا العهد والله ولي الأمور ولا رب سواه‏.‏ ولنرجع إلى من بقي من شعوب هذه الطبقة فنقول‏:‏ كان بنو عامر بن صعصعة كلهم بنجد وبنو كلاب في خناصرة والربذة من جهات المدينة وكعب بن ربيعة فيما بين تهامة والمدينة وأرض الشام‏.‏ وبنو هلال بن عامر في بسائط الطائف ما بينه وبين جبل غزوان‏.‏ ونمير بن حامد معهم‏.‏ وجشم محسوبون منهم بنجد‏.‏ وانتقلوا كلهم في الإسلام إلى الجزيرة الفراتية فملك نمير حران ونواحيها‏.‏ وأقام بنو هلال بالشام إلى أن ظعنوا إلى المغرب كما نذكر في أخبارهم‏.‏ وبقي منهم بقية بجبل بني هلال المشهور بهم الذي فيه قلعة صرخد‏.‏ وأكثرهم اليوم يتعاطون الفلح‏.‏ وبنو كلاب بن ربيعة ملكوا أرض حلب ومدينتها كما ذكرناه‏.‏ وبنو كعب بن ربيعة دخلت إلى الشام منهم قبائل عقيل وقشير وجريش وجعدة فانقرض الثلاثة في دولة الإسلام ولم يبق إلا بنو عقيل‏.‏ وذكر ابن حزم‏:‏ أن عددهم يفي عدد جميع مضر‏.‏ فملك منهم الموصل بنو مالك بني حمدان وتغلب‏.‏ واستولوا عليها وعلى نواحيها وعلى حلب معها‏.‏ ثم انقرض ملكهم ورجعوا للبادية وورثوا مواطن العرب في كل جهة‏.‏ فمنهم بنو المنتفق بن عامر بن عقيل وكان بنو مالك بن عقيل في أرض تيماء من نجد وهم الآن بجهات البصرة في الآجام التي بينها وبين الكوفة المعروفة بالبطائح والإمارة منهم في بني معروف‏.‏ وبالمغرب من بني المنتفق أحياء دخلوا مع هلال بن عامر يعرفون بالخلط ومواطنهم بالمغرب الأقصى ما بين فاس ومراكش‏.‏ وقال الجرجاني‏:‏ إن بني المنتفق كلهم يعرفون بالخلط ويليهم في جنوب البصرة إخوتهم بنو عامر بن عوف بن مالك بن عوف بن عامر وعوف أخو المنتفق قد غلبوا على البحرين وغمارة وملكوها من يدي أبي الحسين الأصغر بن تغلب‏.‏ وكانت هذه المواطن للأزد وبني تميم وعبد القيس فورث هؤلاء أرضهم فيها وديارهم‏.‏ قال ابن سعيد‏:‏ وملكوا أيضاً أرض اليمامة من بني كلاب وكان ملوكهم فيها لعهد الخمسين والستمائة بنو عصفور‏.‏ وكان من بني عقيل خفاجة بن عمرو بن عقيل كان انتقالهم إلى العراق فأقاموا به وملكوا ضواحيه وكانت لهم مقامات وذكر وهم أصحاب صولة وكثرة وهم الآن ما بين دجلة والفرات‏.‏ ومن عقيل هؤلاء بنو عبادة بن عقيل ومنهم الأجافل لأن عبادة كان يعرف بالأجفل‏.‏ وهم لهذا العهد بالعراق مع بني المنتفق‏.‏ وفي البطايح التي بين البصرة والكوفة وواسط الامارة فيهم على ما يبلغنا لرجل اسمه قيان بن صالح وهو في عدد ومنعة‏.‏ وما أدري أهو من بني معروف أمراء البطائح بني المنتفق أو من عبادة الأخائل‏.‏ هذه أحوال بني عامر بن صعصعة فأما بنو كهلان فلم يبق لهم أحياء فيما يسمع‏.‏ وأما ربيعة فأجازوا بلاد فارس وكرمان فهم ينتجعون هنالك ما بين كرمان وخراسان‏.‏ وبقيت بالعراق منهم طائفة ينزلون البطائح وانتسب إلى الكوفة منهم بنو صباح ومعهم لفائف من الأوس والخزرج‏.‏ فأمير ربيعة اسمه الشيخ ولي وعلى الأوس والخزرج طاهر بن خضر منهم هذه شعوب الطبقة الثالثة من العرب لهذا العهد في ديار المشرق بما أدى إليه الإمكان‏.‏ ونحن الآن نذكر شعوبهم الذين انتقلوا إلى المغرب‏:‏ فإن أمة العرب لم يكن لهم إلمام قط بالمغرب لا في الجاهلية ولا في الإسلام لأن أمة البربر الذين كانوا به كانوا يمانعون عليه الأمم‏.‏ وقد غزاه أفريقش بن ضبيع الذي سميت به إفريقية من ملوك التبابعة وملكها‏.‏ ثم رجع عنها وترك كتامة وصنهاجة من قبائل حمير فاستحالت طبيعتهم إلى البربر واندرجوا في عدادهم وذهب ملك العرب منهم‏.‏ ثم جاءت الملة الإسلامية وظهر العرب على سائر الأمم بظهور الدين فسارت عساكرهم في المغرب وافتتحوا سائر أمصاره ومدنه وعانوا من حروب البربر شدة‏.‏ وقد تقدم لنا ما ذكره ابن أبي زيد من أنهم ارتدوا اثنتي عشر مرة‏.‏ ثم رسخ فيهم الإسلام ولم يسكنوا بأجيالهم في الخيام ولا نزلوا أحياء لأن الملك الذي حصل لهم يمنعهم من سكنى الضاحية ويعدل بهم إلى المدن الأمصار‏.‏ فلهذا قلنا إن العرب لم يوطنوا بلاد المغرب‏.‏ ثم أنهم دخلوا إليه في منتصف المائة الخامسة وأوطنوه وافترقوا بأحيائهم وحللهم في جهاته كما نذكر الآن ونستوعب أسبابه‏.‏


الساعة الآن 08:25 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى