منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 8 - 8 - 2010 03:51 PM

دخول العرب المغرب
الخبر عن دخول العرب من بني هلال وسليم المغرب من الطبقة الرابعة وأخبارهم هنالك كانت بطون هلال وسليم من مضر لم يزالوا بادين منذ الدولة العباسية وكانوا أحياء ناجعة بمجالاتهم من قفر الحجاز بنجد‏.‏ فبنو سليم مما يلي المدينة وبنو هلال في جبل غزوان عند الطائف‏.‏ وربما كانوا يطوفون رحلة الصيف والشتاء أطراف العراق والشام فيغيرون على الضواحي ويفسدون السابلة ويقطعون على الرفاق وربما أغار بنو سليم على الحاج أيام الموسم بمكة وأيام الزيارة بالمدينة‏.‏ وما زالت البعوث تجهز والكتائب تكتب من باب الخلافة ببغداد للإيقاع بهم وصون الحاج من معرات هجومهم‏.‏ ثم تحيز بنو سليم والكثير من ربيعة بن عامر إلى القرامطة عند ظهورهم وصاروا جنداً لهم بالبحرين وعمان‏.‏ ولما تغلب شيعة ابن عبيد الله المهدي على مصر والشام وكان القرامطة قد تغلبوا على أمصار الشام فانتزعها العزيز منهم وغلبهم عليها وردهم على أعقابهم إلى قرارهم بالبحرين ونقل أشياعهم من العرب من بني هلال وسليم فأنزلهم بالصعيد وفي العدوة الشرقية من بحر النيل فأقاموا هناك وكان لهم أضرار بالبلاد‏.‏ ولما انساق ملك صنهاجة بالقيروان إلى المعز بن باديس بن المنصور سنة ثمان وأربعمائة قلده الظاهر لدين الله علي بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بالله نزار بن المعز لدين الله معد أمر إفريقية على عادة آبائه كما نذكره لك بعد وكان لعهد ولايته غلاماً يفعة ابن ثمان سنين فلم يكن مجرباً للأمور ولا بصيراً بالسياسة ولا كانت فيه عزة وأنفة‏.‏ ثم هلك الظاهر سنة سبع وعشرين وولي المستنصر بالله معد الطويل أمر الخلافة بما لم ينله أحد من خلفاء الإسلام‏.‏ يقال ولي خمساً وسبعين وقيل خمساً وتسعين والصحيح ثلاث وسبعون لأن مهلكه كان على رأس المائة الخامسة وكانت أذن المعز بن باديس صاغية إلى مذاهب أهل السنة وربما كانت شواهدها تظهر عليه وكبا به فرسه في أول ولايته لبعض مذاهبه‏.‏ فنادى مستغيثا بالشيخين أبي بكر وعمر وسمعته العامة فثاروا بالرافضة وقتلوهم وأعلنوا بالمعتقد الحق ونادوا بشعار الإيمان وقطعوا من الأذان حي على خير العمل‏.‏ وأغضى عنه الظاهر من ذلك وابنه معد المستنصر من بعد‏.‏ واعتذر بالعامة فقبل واستمر على إقامة الدعوة والمهاداة وفي أثناء ذلك يكاتب وزيرهما وحاجب دولتهما المضطلع بأمورهما أبا القاسم أحمد بن علي الجرجاني ويستميله ويعرض ببني عبيد وشيعتهم‏.‏ وكان الجرجاني يلقب بالأقطع بما كان أقطعه الحاكم بجناية ظهرت عليه في الأعمال وانتهضته السيدة بنت الملك عمة المستنصر‏.‏ فلما ماتت استبد بالدولة سنة أربع عشرة وأربعمائة إلى أن هلك سنة ست وثلاثين وولي الوزارة بعده أبو محمد الحسن بن على اليازوري أصله من قرى فلسطين وكان أبوه ملاحاً بها‏.‏ فلما ولي الوزارة خاطبه أهل الجهات ولم يولوه فأنف من ذلك فعظم عليه وحنق عليه ثمال بن صالح صاحب حلب والمعز بن باديس صاحب إفريقية وانحرفوا عنه وحلف المعز لينقضن طاعتهم وليحولن الدعوة إلى بني عباس ويمحون اسم بني عبيد من منابره ولج في ذلك وقطع أسماءهم من الطراز والرايات وبايع القائم أبا جعفر بن القادر من خلفاء بني العباس وخاطبه ودعا له على منابره سنة سبع وثلاثن وبعث بالبيعة إلى بغداد‏.‏ ووصله أبو الفضل البغدادي وحظي من الخليفة بالتقليد والخلع وقرىء كتابه بجامع القيروان ونشرت الرايات السود وهدمت دار الإسماعيلية‏.‏ وبلغ الخبر إلى المستنصر معد الخليفة بالقاهرة وإلى الشيعة الرافضة من كتامة وصنائع الدولة فوجموا وطلع عليهم المقيم المقعد من ذلك وارتبكوا في أمرهم‏.‏ وكان أحياء هلال هؤلاء الأحياء من جشم والأثبج وزغبة ورياح وربيعة وعدي في محلاتهم بالصعيد كما قدمناه‏.‏ وقد عم ضررهم وأحرق البلاد والدولة شررهم فأشار الوزير أبو محمد الحسن بن علي اليازوري باصطناعهم والتقدم لمشايخهم وتوليتهم أعمال إفريقية وتقليدهم أمرها ودفعهم إلى حرب صنهاجة ليكونوا عند نصر الشيعة والسبب في الدفاع عن الدولة‏.‏ فإن صدقت المخيلة في ظفرهم بالمعز وصنهاجة كانوا أولياء للدعوة وعمالاً بتلك القاصية‏.‏ وارتفع عدوانهم من ساحة الخلافة وإن كانت الأخرى فلها ما بعدها‏.‏ وأمر العرب البادية أسهل من أمر صنهاجة الملوك فتغلبوا على هديه وشورانة‏.‏ وقيل إن الذي أشار بذلك وفعله وأدخل العرب إلى إفريقية إنما هو أبو القاسم الجرجاني وليس ذلك بصحيح فبعث المستنصر وزيره على هؤلاء الأحياء سنة إحدى وأربعين وأرضخ لأمرائهم في العطاء ووصل عامتهم بعير ودينار لكل واحد منهم وأباح لهم إجازة النيل‏.‏ وقال لهم‏:‏ قد أعطيتكم المغرب وملك المعز بن بلكين الصنهاجي العبد الآبق قلاتفتقرون وكتب اليازوري إلى المغرب‏:‏ أما بعد فقد أنفذنا إليكم خيولاً فحولاً وأرسلنا عليها رجالاً كهولا ليقضي الله أمراً كان مفعولاً فطمعت العرب إذ ذاك وأجازوا النيل إلى برقة نزلوا بها وافتتحو أمصارها واستباحوها وكتبوا لإخوانهم بشرقي النيل يرغبونهم في البلاد فأجازوا إليهم بعد أن أعطوا لكل رأس دينارين فأخذ منهم أضعاف ما أخذوه وتقارعوا على البلاد‏:‏ فحصل لسليم الشرق وأقامت هيب من سليم وأحلافها رواحة وناصرة وغمرة بأرض برقة‏.‏ وسارت قبائل دياب وعوف وزغب وجميع بطون هلال إلى إفريقية كالجراد المنتشر لا يمرون بشيء إلا أتوا عليه حتى وصلوا إلى إفريقية سنة ثلاث وأربعين‏.‏ وكان أول من وصل إليهم أمير رياح مؤنس بن يحيى الصنبري فاستماله المعز واستدعاه واستخلصه لنفسه وأصهر إليه‏.‏ وفاوضه في استدعاء العرب من قاصية وطنه للاستغلاظ على نواحي بني عمه‏.‏ فاستنفر القرى وأتى عليهم فاستدعاهم فعاثوا في البلاد وأظهروا الفساد في الأرض ونادوا بشعار الخليفة المستنصر‏.‏ وسرح إليهم من صنهاجة الأولياء فأوقعوا بها فتمخط المعز لكبره وأشاط بغضبه وتقبض على أخي مؤنس وعكسر بظاهر القيروان‏.‏ وبعث بالصريخ إلى ابن عمه صاحب القلعة القائد بن حامد بن بلكين فكتب إليه كتيبة من ألف فارس سرحهم إليه استنفروا زناتة فوصل إليه المستنصر بن خزرون المغراوي في ألف فارس من قومه‏.‏ وكان بالبدو من إفريقية مع الناجعة من زناتة وهوم أعظم ساداتهم‏.‏ وارتحل المعز في أولئك النفر ومن لف لفهم من الأتباع والحشم والأولياء ومن في إيالتهم من بقايا عرب الفتح وحشد زناتة والبربر وصمد نحوهم في أمم لا تحصى يناهز عددهم فيما يذكر ثلاثين ألفاً‏.‏ وكانت رياح وزغبة وعدي حيدران من جهة فاس‏.‏ ولما تزاحف الفريقان انخذل بقية عرب الفتح وتحيزوا إلى الهلاليين للعصبية القديمة وخانته زناتة وصنهاجة وكانت الهزيمة على المعز وفر بنفسه وخاصته إلى القيروان‏.‏ وانتهبت العرب من جمع مخلفه من المال والمتاع والذخيرة والفساطيط والرايات وقتلوا فيها من البشر ما لا يحصى‏.‏ يقال إن القتلى من صنهاجة بلغوا ثلاثة آلاف وثلثمائة‏.‏ وفي ذلك يقول علي بن رزق الرياحي كلمته‏.‏ ويقال إنها لابن شداد وأولها‏:‏ لقد زار وهنأ من أميم خيال وأيدي المطايا بالزميل عجال وإن ابن باديس لأفضل مالك لعمري ولكن ما لديه رجال ثلاثون ألفاً منهم قد هزمتهم ثلاثة آلاف وذاك ضلال ثم نازلوه بالقيروان وطال عليه أمر الحصار وهلكت الضواحي والقرى بإفساد العرب وعيثهم وانتقام السلطان منهما بانتمائهم في ولاية العرب‏.‏ ولجأ الناس إلى القيروان وكثر النهب واشتد الحصار وفر أهل القيروان إلى تونس وسوسه وعم النهب والعيث في البلاد‏.‏ ودخلت تلك الأرض سنة خمس وأربعين وأحاطت زغبة ورياح بالقيروان‏.‏ ونزل مؤنس قريباً من ساحة البلد‏.‏ وفر القرابة والأعياص من آل زير فولاهم موسى قابس وغيرها‏.‏ ثم ملكوا بلاد قسطنطينة كلها وغزا عامل ابن أبي الغيث منهم‏:‏ زناتة ومغراوة فاستباحهم ورجع‏.‏ واقتسمت العرب بلاد إفريقية سنة ست وأربعين‏:‏ وكان لزغبة طرابلس وما يليها ولمرداس بن رياح باجة وما يليها‏.‏ ثم اقتسموا البلاد ثانية فكان لهلال من تونس إلى الغرب وهم‏:‏ رياح وزغبة والمعقل وجشم وقرة والأثبج والخلط وسفيان‏.‏ وتصرم الملك من يد المعز وتغلب عائذ بن أبي الغيث على مدينة تونس وسباها‏.‏ وملك أبو مسعود من شيوخهم بونة صلحاً‏.‏ وعامل المعز على خلاص نفسه وصاهر ببناته ثلاثة من أمراء العرب‏:‏ فارس بن أبي الغيث وأخاه عائذاً والفضل بن أبي علي المرادي‏.‏ وقدم ابنه تميم إلى المهدية سنة ثمان وأربعين ولسنة تسع بعدها بعث إلى أصهاره من العرب وترحم بهم ولحق بهم بالقيروان واتبعوه فركب البحر من الساحل وأصلح أهل القيروان فأخبرهم ابنه المنصور بخبر أبيه فساروا بالسودان والمنصور‏.‏ وجاء العرب فدخلوا البلد واستباحوه واكتسحوا المكاسب وخربوا المباني وعاثوا في محاسنها وطمسوا من الحسن والرونق معالمها‏.‏ واستصفوا ما كان لال بلكين في قصورها وشملوا بالعيث والنهب سائر من فيها وتفرق أهلها في الأقطار فعظمت الرزية وانتشر الداء وأعضل الخطب‏.‏ ثم ارتحلوا إلى المهدية فنزلوها وضيقوا عليها بمنع المرافق وإفساد السابلة‏.‏ ثم حاربوا زناتة بعد صنهاجة وغلبوهم على الضواحي واتصلت الفتنة بينهم وأغزاهم صاحب تلمسان من أعقاب محمد بن خزر جيوشه مع وزيره أبي سعدى خليفة اليفرني فهزموه وقتلوه بعد حروب طويلة‏.‏ واضطرب أمر إفريقية وخرب عمرانها وفسدت سابلتها‏.‏ وكانت رياسة الضواحي من زناتة والبربر لبني يفرن ومغراوة وبني يمانوا وبني يلومان‏.‏ ولم يزل هذا دأب العرب وزناتة حتى غلبوا صنهاجة وزناتة على ضواحي إفريقية والزاب وغلبوا عليها صنهاجة وقهروا من بها من البربر وأصاروهم عبيداً وخدماً بباجة‏.‏ وكان في هؤلاء العرب لعهد دخولهم إفريقية رجالات مذكورون‏.‏ وكان من أشرفهم حسن بن سرحان وأخوه بدر وفضل بن ناهض وينسبون هؤلاء في دريد بن الأثبج وماضي بن مقرب وينسبونه في قرة وسلامة بن رزق في بني كثيرمن بطون كرفة بن الاثبج وشبان بن الأحيمر وأخوه صليصل وينسبونهم في بني عطية من كرفة وذياب بن غانم وينسبونه في في بني ثور وموسى بن يحيى وينسبونه في مرداس رياح لا مرداس سليم فاحذر من الغلط في هذا‏.‏ وهو من بني صنبر بطن من بطون مرداس رياح وزيد بن زيدان وينسبونه في الضحاك ومليحان بن عباس وينسبونه في حمير وزيد العجاج بن فاضل ويزعمون أنه مات بالحجاز قبيل دخولهم إلى إفريقية وفارس بن أبي الغيث وعامر أخوه والفضل بن أبي علي ونسبهم أهل الأخبار منهم في مرداس كل هؤلاء يذكرون في أشعارهم‏.‏ وكان زياد بن عامر رائدهم في دخول إفريقية ويسمونه لذلك أبا مخيبر وشعوبهم لذلك العهد كما قلناه زغبة ورياح الأثبج وقرة وكلهم من هلال بن عامر‏.‏ وربما ذكر فيهم بنو عدي ولم نقف على أخبارهم وليس لهم لهذا العهد حي معروف‏.‏ فلعلهم دثروا وتلاشوا وافترقوا في القبائل‏.‏ وكذلك ذكر فيهم ربيعة ولم نعرفهم لهذا العهد إلا أن يكونوا هم المعقل كما تراه في نسبهم‏.‏ وكان فيهم من غير هلال كثير من فزارة وأشجع من بطون غطفان وجشم بن معاوية بن بكر بن هوازن وسلول بن مرة بن صعصعة بن معاوية والمعقل من بطون اليمنية وعمرة بن أسد من بني ربيعة بن نزار وبني ثور بن معاوية بن عبادة بن ربيعة البكاء بن عامر بن صعصعة وعدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان‏.‏ وطرود بطن من فهم بن قيس إلا أنهم كلهم مندرجون في هلال وفي الأثبج منهم خصوصاً لأن الرياسة كانت عند دخولهم للأثبج وهلال فأدخلوا فيهم وصاروا مندرجين في جملتهم وفرقة من هؤلاء الهلاليين لم يكونوا من الذين أجازوا الفيل لعهد اليازوري أو الجرجاني‏.‏ وإنما كانوا من قبل ذلك ببرقة أيام الحاكم العبيدي ولهم فيها أخبار من الصنهاجيين ببرقة والشيعة بمصر خطوب ونسبهم إلى عبد مناف بن هلال كما ذكر شاعرهم في قوله‏:‏ طلبنا القرب منهم وجزيل منهم بلا عيب من عرب سحاح جمودها وبيت عرت أمره منا وبينها طرود أنكاد اللي يكودها وقال الآخر منهم‏:‏ أيا رب جير الخلق من نائح البلا إلا القليل انجار ما لا يجيرها وخص بها قرة مناف وعينها ديما لأرياد البوادي تشيرها فذكر نسبهم في مناف وليس في هلال‏.‏ مناف هكذا منفرداً إنما هو عبد مناف والله تعالى أعلم‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:52 PM

كان شيخهم أيام الحاكم مختار بن القاسم
ولما بعث الحاكم يحيى بن علي الأندلسي لصريخ فلفول بن سعيد بن خزروك بطرابلس على صنهاجة كما نذكره في أخبار بني خزروك أوعز لهم في السير معه فوصلوا إلى طرابلس وجروا الهزيمة على يحيى بن علي ورجعوا إلى برقة‏.‏ وبعث عنهم فامتنعوا ثم بعث لهم بالأمان ووصل وفدهم إلى الإسكندرية فقتلوا عن آخرهم سنة أربع وتسعين وثلثمائة‏.‏ وكان عندهم معلم للقرآن اسمه الوليد بن هشام ينسب إلى المغيرة بن عبد الرحمن من بني أمية وكان يزعم أن لديه أثارة من علم في احتياز ملك آبائه وقبل ذلك منه البرابرة من مزاتة وزناتة ولواتة‏.‏ وتحدثوا بشأنه فنصبه بنو قرة وبايعوه بالخلافة سنة خمس وتسعين وتغلبوا على مدينة برقة‏.‏ وزحف إليهم جيوش الحاكم فهزموها وقتل الوليد بن هشام قائدها من الترك‏.‏ ثم زحفوا به إلى مصر فانهزموا ولحق الوليد بأرض النجاء من بلاد السودان‏.‏ ثم أخفرت ذمته وسيق إلى مصر وقتل وهدرت لبني قرة جنايتهم هذه وعفا عنهم‏.‏ ولما كانت سنة اثنتين وأربعمائة اعترضوا هدية باديس بن المنصور ملك صنهاجة من إفريقية إلى مصر فأخذوها وزحفوا إلى برقة فغلبوا العامل عليها وفر في البحر واستولوا على برقة‏.‏ ولم يزل هذا شأنهم ببرقة‏.‏ فلما زحف إخوانهم الهلاليون من زغبة ورياح والأثبج وأتباعهم إلى إفريقية كانوا ممن زحف معهم‏.‏ وكان من شيوخهم ماضي بن مقرب المذكور في أخبار هلال‏.‏ ولهؤلاء الهلاليين في الحكاية عن دخولهم إلى إفريقية طرق في الخبر غريبة‏:‏ يزعمون أن الشريف بن هاشم كان صاحب الحجاز ويسمونه شكر بن أبي الفتوح وأنه أصهر الحسن بن سرحان في أخته الجازية فأنكحه إياها وولدت منه ولداً اسمه محمد وأنه حدث بينهم وبين الشريف مغاضية وفتنة وأجمعوا الرحلة عن نجد إلى إفريقية وتحيلوا عليه في استرجاع هذه الجازية فطلبته في زيارة أبويها فأزارها إياهم وخرج بها إلى حللهم فارتحلوا به وبها‏.‏ وكتموا رحلتها عنه وموهوا عليه بأنهم يباكرون به للصيد والقنص ويروحون به إلى بيوتهم بعد بنائها فلم يشعر بالرحلة إلى أن فارق موضع ملكه وصار إلى حيث لا يملك أمرها عليهم ففارقوه فرجع إلى مكانه من مكة وبين جوانحه من حبها داء دخيل وأنهاه من بعد ذلك كلفت به مثل كلفه إلى أن ماتت من حبه‏.‏ ويتناقلون من أخبارها في ذلك ما يعفى عن خبر قيس وكثير ويروون كثيراً من أشعارها محكمة المباني متفقة الأطراف وفيها المطبوع والمنتحل والمصنوع لم يفقد البلاغة شيء وإنما أخلوا فيها بالأعراب فقط ولا مدخل له في البلاغة كما قررناه الكتاب الأول من كتابنا هذا‏.‏ إلا أن الخاصة من أهل العلم بالمدن يزهدون في ويستنكفون عنها لما فيها من خلل الإعراب ويحسبون أن الإعراب هو أصل وليس كذلك‏.‏ وفي هذه الأشعار كثير دخلته الصنعة وفقدت فيه صحة الرواية لا يوثق به‏.‏ ولو صحت روايته لكانت فيه شواهد بأيامهم ووقائعهم مع زناتة وحروبهم وضبط لأسماء رجالاتهم وكثير من أحوالهم‏.‏ لكنا لا نثق بروايتها‏.‏ وربما يشعر البصير بالبلاغة بالمصنوع منها ويتهمه وهذا قصارى الأمر فيه‏.‏ وهم متفقون على الخبر عن حال هذه الجازية والشريف خلفاً عن سلف وجيلاً عن جيل‏.‏ ويكاد القادح فيها والمستريب في أمرها أن يرمى عندهم بالجنون والخلل المفرط لتواترها بينهم‏.‏ وهذا الشريف الذي يشيرون إليه هو من الهواشم وهو شكر بن أبي الفتوح الحسن بن أبي هاشم محمد بن موسى بن عبد الله أبي الكرام بن موسى الجون بن عبد الله بن إدريس وأبوه أبو الفتوح هو الذي خطب لنفسه بمكة أيام الحاكم العبيدي وبايع له بنو أمراء طيىء بالشام وبعثوا عنه فوصل إلى أحيائهم وبايع له كافة العرب‏.‏ ثم غلبتهم عساكر الحاكم العبيدي ورجع إلى مكة وهلك سنة ثلاثين وأربعمائة فولي بعده هذا وهلك سنة ثلاث وخمسين وولي ابنه محمد الذي يزعم هؤلاء الهلاليون أنه من الجازية هذه‏.‏ وتقدم ذلك في أخبار العلوية هكذا نسبه ابن حزم‏.‏ وقال ابن سعيد‏:‏ هو من السليمانيين من ولد محمد بن سليمان بن داود بن حسن بن الحسين السبط الذي بايع له أبو الزاب الشيباني بعد ابن طباطبا ويسمى الناهض‏.‏ ولحق بالمدينة فاستولى على الحجاز واستقرت إمارة مكة في بيته إلى أن ظبهم عليها هؤلاء الهواشم‏.‏ جداً قريباً من الحسن والحسين‏.‏ وأما هاشم الأعلى فاشترك بين سائر الشرفاء فلا يكون مميزاً لبعضهم عن بعض‏.‏ وأخبرني من أثق به من الهلاليين لهذا العهد أنه وقف على بلاد الشريف شكر وأنها بقعة من أرض نجد مما يلي الفرات وأن ولده بها لهذا العهد والله أعلم‏.‏ ومن مزاعمهم أن الجازية لما صارت إلى إفريقية وفارقت الشريف خلفه عليها منهم ماضي بن مقرب من رجالات دريد وكان المستنصر لما بعثهم إلى إفريقية عقد لرجالاتهم على أمصارها وثغورها وقلدهم أعمالها فعقد لموسى بن يحيى المرداسي على القيروان وباجة وعقد لزغبة على طرابلس وقابس وعقد لحسن بن سرحان على قسطنطينة‏.‏ فلما غلبوا صنهاجة على الأمصار وملك كل ما عقد له سيمت الرعايا بالأمصار عسفهم وعيثهم باختلاف الأيدي إذ الوازع مفقود من أهل هذا الجيل العربي مذ كانوا فثاروا بهم وأخرجوهم من الأمصار وصاروا إلى ملك الضواحي والتغلب عليها وسيم الرعايا بالخسف في النهب والعيث وإفساد السابلة هكذا إلى هلم‏.‏ ولما غلبوا صنهاجة اجتهد زناتة في مدافعتهم بما كانوا أملك للبأس والنجدة بالبداوة فحاربوهم وزحفوا إليهم من إفريقية والمغرب الأوسط‏.‏ وجهز صاحب تلمسان من بني خزر قائده أبا سعدى اليفرني فكانت بينهم وبينه حروب إلى أن قتلوه بنواحي الزاب وتغلبوا على الضواحي في كل وجه‏.‏ وعجزت زناتة عن مدافعتهم بإفريقية والزاب‏.‏ وصار الملتحم بينهم في الضواحي بجبل راشد ومصاب من بلاد المغرب الأوسط‏.‏ فلما استقر لهم الغلب وضعت الحرب أوزارها وصالحهم الصنهاجيون على خطة خسف في انفرادهم بملك الضواحي دونهم وصاروا إلى التفريق بينهم وظاهروا الأثبج على رياح وزغبة وحشد الناصر بن علناس صاحب القلعة لمظاهرتهم وجمع زناتة‏.‏ وكان فيهم المعز بن زيري صاحب فاس من مغراوة ونزلوا الأربس جميعاً‏.‏ ولقيهم رياح وزغبة بسببه‏.‏ ومكر المعز بن زيري المغراوي بالناصر وصنهاجة بدسيسة زعموا من تميم بن المعز بن باديس صاحب القيروان فجر عليهم الهزيمة واستباحت العرب وزناتة خزائن ناصر ومضاربه‏.‏ وقتل أخوه القاسم ونجا إلى قسطنطينية ورياح في أتباعه‏.‏ ثم لحق قلعة فنازلوها وخربوا جنباتها وأحبطوا عروشها وعاجوا على ما هنالك من الأمصار مثل طبنة والمسيلة فخربوها وأزعجوا ساكنيها وعطفوا على المنازل والقرى والضياع والمدن فتركوها قاعاً صفصفاً أقفر من بلاد الجن وأوحش من جوف العير وغوروا المياه واحتطبوا الشجر وأظهروا في الأرض الفساد وهجروا ملوك إفريقية والمغرب من صنهاجة وولاة أعمالهم في الأمصار وملكوا عليهم الضواحي يتحيفون جوانبهم ويقعدون لهم بالمراصد ويأخذون لهم الأتاوة على التصرف في أوطانهم‏.‏ ولم يزل هذا دأبهم حتى لقد هجر الناصر بن علناس سكنى القلعة واختط بالساحل مدينة بجاية ونقل إليها ذخيرته وأعدها لنزله‏.‏ نزلها المنصور ابنه من بعده فراراً من ضيم هذا الجيل وفسادهم بالضواحي إلى منعة الجبال وتوعر مسالكها على رواحلهم‏.‏ واستقروا بها بعد وتركوا القلعة وكانوا يختصون الأثبج من هؤلاء الأحياء بالرئاسة سائر أيامهم ثم افترق جمع الأثبج وذهبت بذهاب صنهاجة دولتهم‏.‏ ولما غلب الموحدون سائر الدول بالمغرب في سني إحدى وأربعين وخمسمائة وزحف شيخ الموحدين المؤمن إلى إفريقية وفد عليه بالجزائر أميران منهم لذلك العهد أبو الجليل بن شاكر الأثبج وحباس بن مشيفر من رجالات جشم فتلقاهما بالمبرة وعقد لهما على قومهما ومضى لوجهه‏.‏ وفتح بجاية سنة تسع وخمسين‏.‏ ثم انتقض العرب الهلاليون واعصوصبوا على دعوة صنهاجة وكان أمير رياح فيهم محرز بن زناد بن بازخ إحدى بطون بني علي بن رياح فلقيتهم جيوش الموحدين بسطيف وعليهم عبد الله بن المؤمن فتواقفوا ثلاثاً علقوا فيها رواحلهم وأثبتوا في مستنقع الموت أقدامهم ثم انتفض في الرابعة جمعهم واستلحمهم الموحدون وغلبوا عليهم وغنموا أموالهم وأسروا رجالهم وسبوا نساءهم واتبعوا أدبارهم إلى فحص سبتة ثم راجعوا من بعد ذلك بصائرهم واستكانوا لغز الموحدين وغلبهم فدخلوا في دعوتهم وتمسكوا بطاعتهم وأطلق عبد المؤمن أسراهم ولم يزالوا على استقامتهم ولم يزل الموحدون يستنفرونهم في جهادهم بالأندلس وربما بعثوا إليهم في ذلك المخاطبات الشعرية فأجازوا مع عبد المؤمن ويوسف ابنه كما هو في أخبار دولتهم‏.‏ ولم يزالوا في استقامتهم إلى أن خرج عن الدولة بنو غانية المسوفيون أمراء ميورقة أجازوا البحر في أساطيلهم إلى بجاية فكبسوها سنة إحدى وثمانين وخمسمائة لأول دولة المنصور وكشفوا القناع في نقض طاعة الموحدين ودعوا العرب بها فعادت هيف إلى أديانها‏.‏ وكانت قبائل جشم ورياح وجمهور الأثبج من هؤلاء الهلاليين أسرع إجابة إليها‏.‏ ولما تحركت جيوش الموحدين إلى إفريقية لكف عدوانهم تحيزت قبائل زغبة إليهم وكانوا في جملتهم ولحق بنو غانية بفاس ومعهم كافة جشم ورياح ولحق بهم جل قومهم من مسوفة وإخوانهم لمتونة من أطراف البقاع واستمسكوا بالدعوة العباسية التي كان أمراؤهم بنو تاشفين بالمغرب يتمسكون بها فأقاموها فيمن إليهم من القبائل والمسالك ونزلوا بفاس‏.‏ وطلبوا من الخليفة ببغداد المستنصر تجديد العهد لهم بذلك وأوفدوا عليه كاتبهم عبد البر بن فرسان فعقد لابن غانية وأذن له في حرب الموحدين‏.‏ واجتمعت إليه قبائل بني سليم بن منصور وكانوا جاؤوا على أثر الهلاليين عند إجازتهم إلى إفريقية‏.‏ وظاهره على أمره ذلك قراقوش الأرمني‏.‏ ونذكر أخباره في أخبار الميورقي‏.‏ فاجتمع لعلي بن غانية من الملثمين والعرب والعجم عساكر جمة وغلب الضواحي وافتتح بلاد الجريد وهلك قفصة وتوزر ونفطة‏.‏ ونهض إليه المنصور من مراكش يجر أمم المغرب من زناتة والمصامدة وزغبة من الهلاليين وجمهور الأثبج فأوقعوا بمقدمته بفحث غمرة من جهات قفصة‏.‏ ثم زحف إليهم من تونس فكانت الكرة عليهم وفل جمعهم واتبع آثارهم إلى أن شردهم إلى صحارى برقة وانتزع بلاد قسطيلية وقابس وقفصة من أيديهم‏.‏ وراجعت قباثل جشم ورياح من الهلاليين طاعته ولاذوا بدعوته فنفاهم إلى المغرب الأقصى‏.‏ وأنزل جشم ببلاد تامستا ورياحاً ببلاد الهبط وأزغار مما يلي سواحل طنجة إلى سلا‏.‏ وكانت تخوم بلاد زناتة منذ غلبهم الهلاليون على إفريقية وضواحيها أرض مصاب ما بين صحراء إفريقية وصحراء المغرب الأوسط وبها قصور اتخذوها فسميت باسم من ولي خطتها من شعوبهم‏.‏ وكان بنو بادين وزناتة وهم بنو عبد الواد وتوجين ومصاب وبنو زردال وبنو راشد شيعة للموحدين منذ أول دولتهم فكانوا أقرب إليهم من أمثالهم بنو مرين وأنظارهم كما يأتي وكانوا يتولون من أرياف المغرب الأوسط وتلوله ما ليس يليه أحد من زناتة ويجوسون خلاله فى رحلة الصيف بما لم يؤذن لأحد ممن سواهم في مثله حتى كأنهم من جملة عساكر الموحدين وحاميتهم‏.‏ وأمرهم إذ ذاك راجع إلى صاحب تلمسان من سادة القرابة ونزل هذا الحي من زغبة مع بني بادين هؤلاء لما اعتزلوا إخوانهم الهلاليين وتحيزوا إلى فئتهم وصاروا جميعاً قبلة المغرب الأوسط من مصاب إلى جيل راشد بعد أن كانت قسمتهم الأولى بقابس وطرابلس‏.‏ وكانت لهم حروب مع أولاد خزرون أصحاب طرابلس‏.‏ وقتلوا سعيد بن خزرون فصاروا إلى هذا الوطن الآخر لفتنة ابن غانية وانحرافهم عنه إلى الموحدين وانعقد ما بينهم ويين بني بادين حلف على الجوار والذب عن الأوطان وحمايتها من معرة العدو في اهتبال غرتها وانتهاز الفرصة فيها‏.‏ فتعاقدوا على ذلك واجتوروا وأقامت زغبة في القفار وبنو بادين بالتلول والضواحي ثم فر مسعود بن سلطان بن زمام أمير الرياحيين من بلاد الهبط ولحق ببلاد طرابلس ونزل على زغبة وذياب من قبائل بني سليم‏.‏ ووصل إلى قراقش بن رياح وحصر معه طرابلس حين افتتحها وهلك هنالك‏.‏ وقام إلى الميروني ولحق ولقيه بالحمة فهزمه وقتل الكثير من قومه‏.‏ وانهزت طائفة من قوم محمد بن مسعود منهم‏:‏ ابنه عبد الله وابن عمه حركات بن أبي الشيخ بن عساكر بن سلطان وشيخ من شيوخ قرة فضرب أعناقهم‏.‏ وفر يحيى بن غانية إلى مسقطه من الصحراء‏.‏ واستمرت على ذلك أحوال هذه القبائل من هلال وسليم وأتباعها‏.‏ ونحن الآن نذكر أخبارهم ومصائر أمورهم ونعددهم فرقة فرقة‏.‏ ونخص منهم بالذكر من كان لهذا العهد بحيه وناجعته ونطوي ذكر من انقرض عنهم‏.‏ ونبدأ بذكر الأثبج لتقدم رياستهم أيام صنهاجة كما ذكرناه‏.‏ ثم نقفي بذكر جشم لأنهم معدودون فيهم ثم نذكر رياحاً وزغبة ثم المعقل لأنهم من عداد هلال‏.‏ ثم نأتي بعدهم بذكر سليم لأنهم جاؤوا من بعدهم والله الخلاق العليم‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:52 PM

الاثبج الخبر عن الأثبج
وبطونهم من هلال بن عامر من هذه الطبقة الرابعة كان هؤلاء الأثبج من الهلاليين أوفر عدداً وأكثر بطوناً وكان التقدم لهم في جملتهم‏.‏ وكان منهم‏:‏ الضحاك وعياض ومقدم والعاصم ولطيف ودريد وكرفة وغيرهم حسبما يظهر في نسبهم وفي دريد بطنان‏:‏ توبة وعنز‏.‏ ويقولون بزعمهم أن أثبج هو ابن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال‏.‏ فكرفة هو ابن الأثبج
وكان لهم جمع وقوة وكانوا أحياء غزيرة من جملة الهلاليين الداخلين لإفريقية وكانت مواطنهم حيال جبلى أوراس من شرقية‏.‏ ولما استقر أمر الأثبج بإفريقية على غلب صنهاجة على الضواحي ووقعت الفتنة بينهم وذلك أن حسن بن سرحان وهو من دريد قتل شبانة بن الأحيمر من كرفة غيلة فطوت كرفة على الهائم‏.‏ ثم إن أخته الجازية غاضبت زوجها ماضي بن مقرب بن قرة ولحقت بأخيها فمنعها منه فاجتمعت قرة وكرفة على فتنة حسن وقومه وظاهرتهم عياض‏.‏ ولم تزل الفتنة إلى أن قتل حسن بن سرحان قتله أولاد شبانة بن الأحيمر وثأروا منه بأبيهم‏.‏ ثم كان الغلب بعده لدريد على كرفة وعياض وقرة‏.‏ واستمرت الفتنة بين هؤلاء الأثابج وافترق أمرهم‏.‏ وجاءت دولة الموحدين وهم على ذلك الشتات والفتنة وكانت لبطونهم ولاية لصنهاجة‏.‏ فلما ملك الموحدون إفريقية نقلوا منهم إلى المغرب العاصم ومقدماً وقرة وتوابع لهم من جشم وأنزلوا جميعهم بالمغرب كما نذكر‏.‏ واعتزت رياح بعهدهم بإفريقية وملكوا ضواحي قسطنطينة ورجع إليهم شيخهم مسعود بن زمام من المغرب فاعتز الدواودة على الأمراء والدول‏.‏ وساء أثرهم فيها وغلبوا بقايا الأثابج فنزلوا قرى الزاب وقعدوا عن الطعن وأوطنوا بالقرى والأطام‏.‏ ولما نبذ بنو أبي حفص العهد للدواودة كما يأتي في أخبارهم واستجاش عليهم بنو سليم وأنزلوهم القيروان اصطنعوا كرفة من بطون الأثابج فكانوا حرباً لرياح وشيعة للسلطان‏.‏ وأقطعتهم الدولة لذلك جباية الجانب الشرقي من جبل أوراس وكثيراً من بلاد الزاب الشرقية حيث كانت محلاتهم الشتوية‏.‏ حتى إذا اختل ريح الدولة وأخلقت جدتها واعتزت رياح عليها وملكوا المجالات على من يظعن فها نزل كرفة هؤلاء بجبل أوراس حيث إقطاعاتهم وسكنوه حللاً متفرقة واتخذوه وطناً‏.‏ وربما يظعن بعضهم إلى تخوم الزاب كما نذكر عن بطونهم وهم بطون كثيرة فأولهم‏:‏ بنو محمد بن كرفة ويعرفون بالكلبية وأولاد سهيب بن محمد بن كليب ويعرفون بالشبه وأولاد صبيح بن فاضل بن محمد بن كليب ويعرفرن بالصبحة وأولاد سرحان بن فاضل أيضاً ويعرفون بالسرحانية‏.‏ وهؤلاء هم المودعات وهم موطنون بجبل أوراس مما يلي زاب تهود‏.‏ ثم أولاد نابت بن فاضل وهم أهل الرياسة في كرفة‏.‏ ولهم إقطاعات السلطان التي ذكرناها وهم ثلاثة أفخاذ‏:‏ أولاد مساعد وأولاد ظافر وأولاد قطيفة‏.‏ والرياسة أخص بأولاد مساعد في أولاد علي بن جابر بن فتاح بن مساعد بن ثابت‏.‏ وأما بنو محمد والمراونة فهم ظواعن جائلة في القفار تلقاء مواطن أولاد نابت‏.‏ ويكتالون الحبوب لأقواتهم من زروع أهل الجبل وأولاد نابت‏.‏ وربما يستعملهم صاحب الزاب في تصاريف أمره من عسكر وإخفار وغير ذلك من أغراضه‏.‏ وأما دريد فكانوا أعز الأثبج وأعلاهم كعباً بما كانت الرئاسة على الأثبج كلهم عند دخولهم إلى إفريقية لحسن بن سرحان بن وبرة إحدى بطونهم وكانت مواطنهم ما بين العناب إلى قسطنطينه إلى طارف مصقلة وما يحاذيها من القفر‏.‏ وكانت بينهم وبين كرفة الفتنة التي هلك فيها حسن بن سرحان كما ذكرناه وقبره هنالك‏.‏ وكانوا بطوناً كثيرة منهم‏:‏ أولاد عطية بن دريد وأولاد سرور بن دريد وأولاد جار الله من ولد عبد الله بن دريد‏.‏ وتوبة من ولد عبد الله أيضاً وهو توبة بن عطاف بن جبر بن عطاف بن عبد الله وكانت لهم بين هلال رياسة كبيرة ومدحهم شعراؤهم بشعر كثير فمن ذلك قول بعض شعرائهم‏:‏ تحن إلى أوطان مرة ناقتي لكن معها جملة دريد كان موارها وهم عربوا الأعراب حتى تعربت بنوف المعالي ما ينفي قصارها وتركوا طريق النار برهة وقد كان ما تقوى المطايا حجارها فأما أولاد عطية فكانت رئاستهم في أولاد بني مبارك بن حباس وكانت لهم تلة بن حلوف من أرض قسطنطينة‏.‏ ثم دثروا وتلاشوا وغلبتهم توبة علي على تلة بن حلوف زحفوا إليها من مواطنهم بطارف مصقلة فملكوها وما إليها‏.‏ ثم عجزوا عن رحلة القفر وتركوا الإبل واتخذوا الشاة والبقر وصاروا في عداد القبائل الغارمة وربما طالبهم سلطان بالعسكرة معه فيعينون له جنداً منهم ورياستهم في أولاد وشاح بن عطوة بن عطية بن كمون بن فرج بن توبة‏.‏ وفي أولاد مبارك بن عابد بن عطية بن عطوة وهم على ذلك لهذا العهد‏.‏ ويجاورهم أولاد سرور وأولاد جار الله على سننهم في ذلك‏.‏ فأما أولاد وشاح فرئاستهم لهذا العهد منقسمة بين سجم بن كثير بن جماعة بن وشاح وبين أحمد بن خليفة بن رشاش بن وشاح‏.‏ وأما أولاد مبارك بن عابد فرئاستهم أيضاً منقسمة بين نجاح بن محمد بن منصور بن عبيد بن مبارك وعبد الله بن أحمد بن عنان بن منصور ورثها عن عمه راجح بن عثمان بن منصور وأما أولاد جار الله فرئاستهم في ولد عنان بن سلام منهم‏.‏ وأما العاصم ومقدم والضحاك وعياض فهم أولاد مشرف بن أثبج ولطيف وهو ابن سرح بن مشرف وكان لهم عدد وقوة بين الأثابج‏.‏ وكان العاصم ومقدم انحرفوا عن طاعة الموحدين إلى ابن غانية فأشخصهم يعقوب المنصور إلى المغرب وأنزلهم تامستا مع جشم ويأتي خبرهم وبقيت عياض والضحاك بمواطنهم بإفريقية‏:‏ فعياض نزلوا بجبل القلعة قلعة بني حماد وملكوا قبائله وغلبوهم على أمرهم وصاروا يتولون جبايتهم‏.‏ ولما غلبت عليهم الدولة بمظاهرة رياح صاروا إلى المدافعة عن تلك الرعايا وجبايتهم للسلطان‏.‏ وسكنوا ذلك الجبل بطوله من المشرق إلى المغرب ما بين ثنية غنية والقصاب إلى وطن بني يزيد بن زغبة‏.‏ فأولهم مما يلي غنية للمهاية‏.‏ ورئاستهم في أولاد ديفل ومعهم بطن منهم يقال لهم الزير وبعدهم المرتفع والخراج من بطونهم‏.‏ فأما المرتفع فثلاثة بطون‏:‏ أولاد تبان ورياستهم في أولاد محمد بن موسى وأولاد حناش ورياستهم في بني عبد السلام‏.‏ وأولاد عبدوس ورياستهم في بني صالح‏.‏ ويدعى أولاد حناش وأولاد تبان جميعاً أولاد حناش‏.‏ وأما الخراج فرياستهم لأولاد زائد بني عباس بن خفير ويجاور الخراج من جانب الغرب أولاد صخر وأولاد رحمة من بطون عياض وهم مجاورون لبني يزيد بن زغبة في آخر وطن الأثابج من الهلاليين‏.‏ وأما الضحاك فكانوا بطوناً كثيرة وكانت رياستهم مفترقة بين أمرين منهم وهما أبو عطية وكلب بن منيع وغلب كلب أبا عطية على رئاسة قبيلتهما لأول دولة الموحدين فارتحل فيما زعموا إلى المغصب وسكن صحراء سجلماسة وكانت له فيها آثار حتى قتله الموحدون أو غربوه إلى الأندلس هكذا ينقل أصحاب أخبارهم‏.‏ وبقي تجمعهم بالزاب حتى غلب مسمعود بن زمام والدواودة عليهم وأصاروهم في جملتهم‏.‏ ثم عجزوا عن الطعن ونزلوا بلاد الزاب واتخذوا بها المدن فهم على ذلك لهذا العهد‏.‏ وأما لطيف فهم بطون كثيرة منهم اليتامى وهم أولاد كسلان بن خليفة بن لطيف بني ذوي مطرف وذوي أبي الخليل وذوي جلال بن معافى‏.‏ ومنهم اللقامنة أولاد أقمان بن خليفة بن لطيف ومنهم‏:‏ أولاد جرير بن علوان بن محمد بن لقمان ونزار بن معن بن محيا بن جري بن علوان وجرير يزعمون أنهم من محيا بن جري ومزنة من ديفل بن محيا وإليه يرجع نسب بني مزنى الولاة بالزاب لهذا العهد‏.‏ وكان للطيف هؤلاء كثرة ونجعة‏.‏ ثم عجزوا عن الظعن وغلبهم على الضواحي الدواودة من بعدهم لما قل جمعهم وافترق ملوكهم وصار إلى المغرب من صار منهم من جمهور الأثبج فاهتضموا وغلبهم رياح والدواودة فنزلوا بلاد الزاب واتخذوا بها الآطام والمدن مثل الدوسن وغريبوا وتهودة وتنومة وبادس‏.‏ وهم لهذا العهد من جملة الرعايا الغارمة لأمير الزاب‏.‏ ولهم عنجهية منذ رياستهم القديمة لم يفارقوها وهم على ذلك لهذا العهد وبينهم في قصورهم بالزاب فتن متصلة بين المتجاورين منهم وحروب وقتل وعامل الزاب يدرأ بعضاً ببعض ويستوفي جبايته منهم جميعاً والله خير الوارثين‏.‏ ويلحق بهؤلاء الأثبج العمور ويغلب على الظن أنهم من ولد عمرو بن عبد مناف بن هلال إخوة قرة بن عبد مناف وليسوا من ولد عمر بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال لأن رياحاً وزغبة والأثبج من أبي ربيعة ولا نجد بينهم انتماء بالجملة‏.‏ ونجد بينهم وبين قرة وغيرهم من بطون هلال الانتماء فدل على أنهم لعمرو بن عبد مناف أو يكونون من عمرو بن رويبة بن عبد الله بن هلال وكلهم معروف‏.‏ ذكره ابن الكلبي والله أعلم بذلك‏.‏ وهم بطنان‏:‏ قرة وعبد الله وليس لهم رئاسة على أحد من هلال ولا ناجعة تظعن لقلتهم وافتراق ملتهم‏.‏ إنما هم ساكنون بالضواحي والجبال وفيهم الفرسان أكثرهم رجالة‏.‏ وموطنهم ما بين جبل أوراس شرقاً إلى جبل راشد‏.‏ وكان كل ذلك من ناحية الحضنة‏.‏ والصحراء وأما التلول فهم مدفوعون عنها بقلتهم وخوفهم من حامية الدول فتجدهم أقرب إلى موطن القفر والجدب‏.‏ فأما بنو قرة منهم فبطن متسع إلا أنهم مفترقون في القبائل والمدن وحدانا‏.‏ وبنو عبد الله منهم على رئاسة فيهم وهم‏:‏ عبد الله بن علي وبنوه محمد وماضي بطنان وولد محمد عنان وعزيز بطنان وولد عنان شكر وفارس بطنان‏.‏ من ولد شكر أولاد يحيى بن سعيد بن بسيط بن شكر بطن أيضاً‏.‏ فأما أولاد فارس وأولاد عزيز وأولاد ماضي فموطنهم بسفح جبل أوراس المطل على بسكرة قاعدة الزاب متصلين كذلك غرباً إلى مواطن غمرة وهم في جوار رياح وتحت أيديهم وخول لأولاده وخصوصاً من الدواودة المتولين موطنهم بالمجال‏.‏ ولصاحب الزاب عليهم طاعة لقرب جواره وحاجتهم إلى سلطانه فيصرفهم لذلك في حاجته متى عنت من إخفار العير ومقارفة مدن الزاب مع رجله وغير ذلك‏.‏ وأما أولاد شكر وهم أكبر رياسة فيهم فنزلوا جبل راشد وكانوا فريقين فنزلوا واحتربوا وغلب أولاد محيا بن سعيد منهم أولاد زكرير ودفعوهم عن جبل راشد فصاروا إلى جبل كسال محاذيه من ناحية الغرب وأوطنوه واتصلت فتنتهم معهم على طول الأيام وافتتحهم رجال زغبة باقتسام المواطن‏:‏ فصار أولاد يحيى أهل جبل راشد في إيالة سويد بن زغبة وأحلافاً لهم وأولاد زكرير أهل جبل كسال في إيالة بني عامر وأحلافاً لهم‏.‏ وربما يقتحمون بادية زغبة مع النفر أحلافاً لهم في فتنتهم كما نذكر في أخبار زغبة‏.‏ وكان شيخهم من أولاد محيا فيما قرب من عهدنا عامر بن أبي يحيى بن محيا‏.‏ وكان له فيهم ذكر وشهرة‏.‏ وكان ينتحل العبادة وحج ولقي بمصر شيخ الصوفية لعصره يوسف الكوراني وأخذ عنه ولقن طرق هدايته ورجع إلى قومه وعاهدهم على طريقته ونحلته فاتبعه الكثير منهم وغزا المفسدون من بادية النضر في جواره وجاهدهم إلى أن اغتالوه بعض الأيام في الصيد فقتلوه‏.‏ وكان شيخ أولاد زكرير يغمور بن موسى بن بوزير بن زكرير وكان يسامي عامراً ويناهضه في شرفه إلا أن عامراً كان أسود منه بنحلة العبادة والله مصرف الأمور والخلق‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:54 PM

جشم الخبر عن جشم
الموطنين بسائط المغرب وبطونهم من هذه الطبقة هؤلاء الأحياء بالمغرب لهذا العهد فيهم بطون من قرة والعاصم ومقدم والأثبج وجشم والخلط‏.‏ وغلب عليهم جميعاً اسم جشم فعرفوا به‏.‏ وهم‏:‏ جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن‏.‏ وكان أصل دخولهم إلى المغرب‏:‏ إن الموحدين لما غلبوا على إفريقية أذعنت لهم هؤلاء القبائل من العرب طوعاً وكراهية‏.‏ ثم كانت فتنة ابن غانية فأجلبوا فيها وانحرفوا عن الموحدين وراجعوا الطاعة لعهد المنصور فنقل جمهور هؤلاء القبائل إلى المغرب ممن له كثرة وشوكة وظواعن ناجعة‏.‏ فنقل العاصم ومقدم من بطون الأثبج ومعهم بطون ونقل جشم هؤلاء الذين غلب اسمهم على من معهم من الأحياء وأنزلهم تامستا‏.‏ ونقل رياحاً وأنزلهم الهبط فنزل جشم بتامستا البسيط الأفيح ما بين سلا ومراكش أوسط بلاد المغرب الأقصى وأبعدها عن الثنايا المفضية إلى القفار لإحاطة جبل درن بها وشموخه بأنفه حذاءها ووشوج أعراقه حجراً عليها فلم ينتجعوا بعدها قفراً ولا أبعدوا رحلة وأقاموا بها أحياء حلولاً وافترقت شعوبهم بالمغرب إلى الخلط وسفيان وبنى جابر‏.‏ وكانت الرئاسة لسفيان من بينهم في أولاد جرمون سائر أيام الموحدين‏.‏ ولما وهن أمر بني عبد المؤمن وفشلوا وذهبت ريحهم استكثروا بجموعهم فكانت لهم سورة غلب واعتزاز على الدولة بكثرتهم وقرب عهدهم بالبداوة وضربوا بين الأعياص وظاهروا الخلافة وأكثروا الفساد وساءت آثارهم في البغي‏.‏ ولما اقتحم بنو مرين بلاد المغرب على الموحدين وملكوا فاس وقريتها لم تكن فيه حامية أشد منهم بأساً ومن رياح لقرب العهد بالبداوة فكانت لهم معهم وقائع وحروب استلحمهم فيها بنو مرين إلى أن حق الغلب واستكانوا لعز بني مرين وصولتهم وأعطوهم صفقة الطاعة وأصهر بنو مرين منهم إلى الخلط في بيت بني مهلهل فكان في جملة بني مرين وكانت لهم الجولة للملك‏.‏ واستقرت رياسة جشم وأكثرهم في الخلط منهم في لبث مهلهل بعد أن كانت على عهد الموحدين في سفيان‏.‏ ثم ضربت الأيام ضرباتها وأخلقت جدتهم وفشلوا وذهبت ريحهم ونسوا عهد البداوة والناجعة وصاروا في عداد القبائل الغارمة للجباية والعسكرة مع السلطان ولنذكر الآن فرقهم الأربع وأحياء كل واحدة منها ونحقق الكلام في أنسابهم‏:‏ فليست راجعة إلى جشم على ما يتبين‏.‏ ولكن الشهرة بهذا النسب متصلة والله أعلم بحقائق الأمور‏.‏

هفه القبائل معدودة في جشم
وجشم المعهود هو جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن أو لعله جشم آخر من غيرها‏.‏ وكان شيخهم المشهور لعهد المأمون وبنيه جرمون بن عيسى‏.‏ ونسبه فيما يزعم بعض المؤرخين أيام الموحدين في بني قرة وكانت بينهم وبين الخلط فتن طويلة وكان الخلط شيعة للمأمون وبنيه فصار سفيان لذلك شيعة ليحيى بن الناصر منازعه في الخلافة بمراكش‏.‏ ثم قتل الرشيد مسعود بن حميدان شيخ الخلط كما نذكر بعد فصاروا إلى يحيى بن الناصر‏.‏ وصار سفيان إلى الرشيد‏.‏ ثم ظهر بنو مرين بالمغرب واتصلت حروبهم مع الموحدين‏.‏ ونزع جرمون سنة ثمان وثلاثين عن الرشيد ولحق بمحمد بن عبد الحق أمير بني مرين حياء مما وقع له معه وذلك سنة ثمان وثلاثين‏.‏ وذلك أنه نادمه ذات ليلة حتى سكر وحمل عليه وهو سكران يرقص فرقص طرباً‏.‏ ثم أفاق فندم وفر إلى محمد بن عبد الحق وذلك سنة ثمان وثلاثين وستمائة وهلك سنة تسع وثلاثين بعدها‏.‏ وعلا كعب كانون ابنه من بعده عند السعيد وخالف عليه عند نهوضه إلى بني مرين سنة ثلاث وأربعين‏.‏ ورجع إلى أزمور فملكها‏.‏ وفت ذلك في عضد السعيد فرجع عن حركته وقصد كانون بن جرمون ففر أمامه وحضر حركته إلى تامزردكت وقتل قبل مهلكه بيوم قتله الخلط في فتنة وقعت بينهم في محلة السعيد وهي التي جرت عليها تلك الواقعة‏.‏ وقام بأمر سفيان من بعده أبوه يعقوب بن جرمون وقتل محمد ابن أخيه كانون‏.‏ وقام بأمر سفيان وحضر مع المرتضى حركة أمان إيملولين سنة تسع وأربعين فرحل عن السلطان واختل عسكره ورجع فاتبعه بنو مرين وكانت الهزيمة‏.‏ ثم رجع المرتضى وعفا له عنها ثم قتله سنة تسع وخمسين مسعود وعلي ابنا أخيه كانون بثأر أبيهما ولحقا بيعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين وقدم المرتضى ابنه عبد الرحمن فعجز عن القيام بأمره فقدم عمه عبيد الله بن جرمون فعجز فقدم مسعود بن كانون ولحق عبد الرحمن ببني مرين‏.‏ ثم تقبض المرتضى على يعقوب بن قيطون شيخ بني جابر وقدم عوضاً منه يعقوب بن كانون السفياني‏.‏ ثم راجع عبد الرحمن بن يعقوب سنة أربع وخمسين فتقبض عليه واعتقل‏.‏ وأقام مسعود بن كانون شيخاً على سفيان‏.‏ وكان لابني عمه معه ظهوروهما‏:‏ حطوش وعيسى ابنا يعقوب بن جرمون‏.‏ ونزع مسعود عن يعقوب مقامه إلى أن هلك سنة سبع وستين ابن عبد الحق ولحق بسكورة وشب نار الفتنة والحرب وأقيم حطوش بن يعقوب مقامه إلى أن هلك سنة تسع وستين فولي مكانه أخوه عيسى‏.‏ وهلك مسعود بسكورة سنة ثمانين ولحق ابنه منصور بن مسعود بالسكسيوي إلى أن راجع الخدمة أيام يوسف بن يعقوب‏.‏ ووفد عليه بعسكره من حصار تلمسان سنة ست وسبعمائة فتقبله‏.‏ واتصلت الرئاسة على سفيان في بني جرمون هؤلاء إلى عهدنا‏.‏ وأدركت شيخاً عليهم لعهد السلطان أبي عنان يعقوب بن علي بن منصور بن عيسى بن يعقوب بن جرمون بن عيسى‏.‏ وكان سفيان هؤلاء حياً حلولاً بأطراف تامستا مما يلي أسفى وملك بسائطها الفسيحة عليهم الخلط‏.‏ وبقي من أحيائهم الحرث والكلابية ينتجعون أرض السوس وقفاره ويطلبون ضواحي بلاد جاجة من المصامدة فبقيت فيهم لذلك شدة وبأس ورياستهم في أولاد مطاوع من الحرث‏.‏ وطال عيثهم في ضواحي مراكش وإفسادهم‏.‏ فلما استبد سلطان مراكش الأمير عبد الرحمن بن أبي يفلوسن علي ابن السلطان أبي علي سنة ست وسبعين وسبعمائة كما نذكر استخلصهم ورفع منزلتهم‏.‏ واستقدمهم بعض أيامه للعرض بفرسانهم ورجلهم على العادة وشيخهم منصور بن يعيش من أولاد مطاع‏.‏ وتقبض عليهم أجمعين وقتل من قتل منهم وأودع الآخرين سجونه فذهبوا مثلاً في الأيام وخصدت شوكتهم والله قادر على ما يشاء‏.‏

الخلط من جشم
هذا القبيل يعرف بالخلط وهم في عداد جشم هؤلاء لكن المعروف أن الخلط بنو المنتفق من بني عامر بن عقيل بن كعب كلهم شيعة للقرامطة بالبحرين ولما ضعف أمر القرامطة استولى بنو سليم على البحرين بدعوة الشيعة‏.‏ ثم غلبهم عليها بنو أبي الحسين من بطون تغلب بالدعوة العباسية فارتحل بنو سليم وبنو المنتفق من هؤلاء المسمون بالخلط إلى إفريقية وبقي سائر بني عقيل بنواحي البحرين إلى أن غلب منهم على التغلبيين بنوعامر بن عوف بن مالك بن عوف بن مالك بن عوف بن عامر بن عقيل إخوة الخلط هؤلاء لأنهم فى المغرب منسوبون إلى جشم تخليطاً في النسب ممن يحققه العوام‏.‏ ولما أدخلهم المنصور إلى المغرب كما قلناه استقروا ببسائط تامستا فكانوا أولي عدد وقوة وكان شيخهم هلال بن حميدان بن مقدم بن محمد بن هبيرة بن عواج لا نعرف من نسبه أكثر من هذا‏.‏ فلما ولي العادل بن منصور خالفوا عليه وهزموا عساكره وبعث هلال ببيعته إلى المأمون سنة خمس وعشرين واتبعه الموحدون في ذلك‏.‏ وجاء المأمون وظاهروه على أمره وتحيز أعداؤهم سفيان إلى يحيى بن الناصر منازعه‏.‏ ولم يزل هلال مع المأمون إلى أن هلك في حركة سبتة وبايع بعده لابنه الرشيد وجاء به إلى مراكش وهزم سفيان واستباحهم‏.‏ ثم هلك هلال وولي أخوه مسعود وخالف على الرشيد عمر بن أوقاريط شيخ الهساكرة من الموحدين وكان صديقاً لمسعود بن حميدان فأغراه بالخلاف على إكسز السلطان فخالف‏.‏ وحاول عليه الرشيد حتى قدم عليه بمراكش وقتله في جماعة من قومه سنة اثنتين وثلاثين‏.‏ وولي أمر الخلط بعده يحيى ابن أخيه هلال وتحيز بقومه إلى يحيى بن القاص وحصروا مراكش ومعهم ابن أوقاريط‏.‏ وخرج الرشيد إلى سجلماسة واستولوا على مراكش وعاثوا فيها‏.‏ ثم جاء الرشيد سنة ثلاث وثلاثين وغلبهم عليها ولحق ابن أوقاريط بالأندلس‏.‏ وأبدى علي بن هود بيعة الخلط وعلموا أنها حيلة من ابن أوقاريط وأنه تخلص من الورطة فطردوا عنهم يحيى بن الناصر إلى معقل‏.‏ وراجعوا الرشيد فتقبض على علي ووشاح ابني هلال وسجنهم بأزمور سنة خمس وثلاثين‏.‏ ثم أطلقهم ثم غدر بعد ذلك بمشيختهم بعد الاستدعاء والتأنيس وقتلهم جميعاً مع عمر بن أوقاريط كان أهل إشبيلية بعثوا به إليه ثم حضروا مع السعيد في حركته إلى بني عبد الواد وجروا عليه الواقعة حتى قتل فيها بفتنتهم مع سفيان يومئذ‏.‏ فلم يزل المرتضى يعمل الحيلة فيهم إلى أن تقبض على أشياخهم سنة اثنتين وخمسين وقتلهم ولحق عواج بن هلال ببني مرين وقدم المرتضى عليهم علي بن أبي علي من بيت الرئاسة فيهم‏.‏ ثم رجع عواج سنة أربع وخمسين وأغزاه علي بن أبي علي فقتل في غزاته‏.‏ ثم كانت واقعة أم الرجلين على المرتضى سنة ستين فرجع علي بن أبي علي إلى بني مرين‏.‏ ثم صار الخلط كلهم إلى بني مرين‏.‏ وكانت الرئاسة فيهم لأول سلطان لبني مرين لمهلهل بن يحيى بن مقدم‏.‏ وأصهر إليه يعقوب بن عبد الحق فأنكحه ابنته التي كان منها ابنه السلطان أبو سعيد‏.‏ ولم يزل مهلهل عليهم إلى أن هلك سنة خمس وتسعين ثم ابنه عطية‏.‏ وكان لعهد السلطان أبي ولما هلك قام بأمره أخوه عيسى بن عطية ثم ابن أخيهما زمام بن إبراهيم بن عطية وبلغ إلى المبالغ من العز والترف والدالة على السلطان والقرب من مجلسه إلى أن هلك فولي أمره ابنه أحمد بن إبراهيم ثم أخوه سليمان بن إبراهيم ثم أخوهما مبارك على مثل حالهم أيام السلطان أبي عنان ومن بعده إلى أن كانت الفتنة بالمغرب بعد مهلك السلطان أبي سالم واستولى على المغرب أخوه عبد العزيز وأقطع ابنه أبا الفضل ناحية مراكش فكان مبارك هذا معه‏.‏ ولما تقبض على أبي الفضل تقبض على مبارك وأودع السجن إلى أن غلب السلطان عبد العزيز على عامر بن محمد وقتله فقتل معه مبارك هذا لما كان يعرف به من صحابته ومداخلته في الفتن كما يذكر في أخبار بني مرين وولي ابنه محمد على قبيل الخلط إلا أن الخلط اليوم دثرت كأن لم تكن بما أصابهم من الخصب والترف منذ مائتين من السنين بذلك البسيط الأفيح زيادة للعز والدعة فأكلتهم السنون وذهب بهم الترف والله غالب على أمره‏.‏ بنو جابر بن جشم بنو جابر هؤلاء من عداد جشم بالمغرب وربما يقال إنهم من سدراتة إحدى فرق زناتة أو لواتة والله أعلم بذلك‏.‏ وكان لهم أثر في فتنة يحيى بن الناصر بما كانوا معه من أحزابه ولما هلك يحيى بن الناصر سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بعث الرشيد بقتل شيخهم قائد بن عامر وأخيه قائد وولي بعده يعقوب بن محمد بن قيطون‏.‏ ثم اعتقله يعلو قائد الموحدين بعثة المرتضى لذلك‏.‏ وقدم يعقوب بن جرموق وولي مشيخة بني جابر إسمعيل بن يعقوب بن قيطون‏.‏ ثم تحيز بنو جابرهؤلاء من أحياء جشم إلى سفح الجبل بتادلا ومأ إليها بجاورون هناك صناكة الساكنين بقشته وهضابه من البربر فيسهلون إلى البسيط تارة ويأوون إلى الجبل في حلف البربر وجوارهم أخرى إذا دهمتهم مخافة من السلطان أو ذي غلبة‏.‏ والرئاسة فيهم لهذه العصور في ورديقة من بطونهم أدركت شيخاً عليهم لعهد السلطان أبي عنان حسين بن علي الورديقي‏.‏ ثم هلك وأقيم مقامه الناصر ابنه‏.‏ ولحق بهم الوزير الحسن بن عمر عند نزوعه عن السلطان أبي سالم سنة ستين وسبعمائة‏.‏ ونهضت إليهم عساكر السلطان فأمكنوا منه‏.‏ ثم لحق بهم أبو الفضل بن السلطان أبي سالم عند فراره عن مراكش سنة ثمان وستين‏.‏ ونازله السلطان عبد العزيز وأحيط به فلحق برابرة صناكة من قومه‏.‏ ثم أمكنوا منه على مال حمل إليهم ولحق بهم أثناء هذه الفتن الأمير عبد الرحمن يغلوسن على عهد الوزير عمر بن عبد الله المتغلب على المغرب‏.‏ وطلبه عمر فأخرجوه عنهم وطال بذلك مراس الناصر هذا للفتنة فنكرته الدولة وتقبض عليه وأودع السجن فمكث فيه سنين وتجافت الدول عنه من بعد ذلك وأطلق عقالهم‏.‏ ثم رجع من المشرق فتقبض عليه الوزير أبو بكر بن غازي المستبد بالمغرب على ابن السلطان عبد العزيز وأودعه السجن ونقلوا الرئاسة عن بني علي هؤلاء والله يقلب الليل والنهار‏.‏ وقد يزعم كثير من الناس أن ورديقة من بني جابر ليسوا من جشم وأنهم بطن من بطون سدراتة إحدى شعوب لواتة من البربر ويستدلون على ذلك بمواطنهم وجوارهم للبربر والله أعلم بحقيقة ذلك‏.‏ العاصم ومقدم من الأثبج هؤلاء الأحياء من الأثبج كما ذكرنا في أنسابهم ونزلوا تامستا معهم وكانت لهم عزة وعلياء إلا أن جشم أعز منهم لمكان الكثرة‏.‏ وكان موطنهم بسيط تامستا وكانت للسلطان عليهم عسكرة وجباية شأن إخوانهم من جشم‏.‏ وكان شيخ العاصم لعهد الموحدين ثم عهد المأمون منهم حسن بن زيد وكان له أثر في فتنة يحيى بن الناصر‏.‏ ولما هلك سنة ثلاث وثلاثين أمر الرشيد بقتل حسن بن زيد مع قائد وفائد ابني عامر شيوخ بني جابر فقتلوا جميعاً‏.‏ ثم صارت الرئاسة لأبي عياد وبنيه وكان بينهم لعهد بني مرين عياد بن أبي عياد وكان له تغلب في النفرة والاستقامة‏.‏ فر إلى تلمسان ورجع منها أعوام تسعين وستمائة‏.‏ وفر إلى السوس ورجع منه سنة سبع وسبعمائة ولم يزل دأبه هذا‏.‏ وكانت له ولاية مع يعقوب بن عبد الحق من قبل ذلك ومقاماته في الجهاد مذكورة‏.‏ وبقيت رئاسته في بنيه إلى أن انقرض أمرهم وأمر مقدم ودثروا وتلاشوا والله خير الوارثين‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:55 PM

رياح وبطونهم من هلال
الخبر عن رياح وبطونهم من هلال بن عامر من هذه الطبقة الرابعة كان هذا القبيل من أعز قبائل هلال وأكثرهم جمعاً عند دخولهم إفريقية وهم فيما ذكره ابن الكلبي‏:‏ رياح بن أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر وكانت رئاستهم حينئذ لمؤنس بن يحيى الصنبري من بطون مرداس بن رياح‏.‏ وكان من رجالاتهم لذلك العهد الفضل بن علي مذكور في حروبهم مع صنهاجة وكانت بطونهم عمرو ومرداس وعلى كلهم بنو رياح وسعيد بن رياح وخضر بن عامر بن رياح وهم الأخضر‏.‏ ولمرداس بطون‏.‏ كثيرة‏:‏ داود بن مرداس وصنبر بن حواز بن عقيل بن مرداس وإخوتهم‏:‏ مسلم بن عقيل‏.‏ ومن أولاد عامر بن يزيد بن مرداس بطون أخرى منهم‏:‏ بنو موسى بن عامر وجابر بن عامر‏.‏ وقد يقال إنهم من لطيف كما قدمناه وسودان ومشهور ومعاوية بنو محمد بن عامر بطون ثلائة‏.‏ واسم سودان علي بن محمد‏.‏ وقد يقال أيضاً أن المشاهرة وهم بنو مشهور بن هلال بن عامر من نمير رياح والله أعلم‏.‏ والرئاسة على رياح في هذه البطون كلها لمرداس وكانت عند دخولهم إفريقية في صنبر منهم‏.‏ ثم صارت للدواودة أبناء داود بن مرداس بن رياح‏.‏ ويزعم بنو عمرو بن رياح أن أباهم كفله ورباه‏.‏ وكان رئيسهم لعهد الموحدين مسعود بن سلطان بن زمام بن رديني بن داود وكان يلقب البلط لشدته وصلابته‏.‏ ولما نقل المنصور رياحاً إلى المغرب تخلف عساكر أخو مسعود في جماعات منهم لما بلاه السلطان من طاعته وانحياشه وأنزل مسعوداً وقومه لبلاد الهبط ما بين قصور كتامة المعروف بالقصر الكبير إلى إزغار البسيط الفسيح هناك إلى ساحل البحر الأخضر واستقروا هنالك‏.‏ وفرمسعود بن زمام من بينهم في لمة من قومه سني تسعين وخمسمائة ولحق ‏"‏ بإفريقية واجتمع إليه بنو عساكر أخيه ولحقوا بطرابلس ونزلوا على زغب وذياب يتقلبون بينهم‏.‏ ثم نزع إلى خدمة قراقش وحضر معه بقومه فتح طرابلس كما نذكره في أخبار قراقش‏.‏ ثم رجع إلى ابن غانية الميورقي ولم يزل في خلافة ذلك إلى أن هلك وقام بأمره من بعده ابنه محمد‏.‏ وكانت له رئاسة وغناء في فتنة الميورقي مع الموحدين‏.‏ ولما غلب أبو محمد بن أبي حفص يحيى الميورقي مع الموحدين سنة ثماني عشرة على الحمة من بلاد الجريد وقتل من العرب من قتل كان فيمن قتله ذلك اليوم عبد الله بن محمد هذا وابن عمه أبو الشيخ بن حركات بن عساكر‏.‏ ولما هلك الشيخ أبو محمد رجع محمد بن مسعود إلى إفريقية وغلب عليها واجتمع إليه حلف الأثبج ظواعن من الضحاك ولطيف فكاثروه واعتزوا به على أقتالهم من دريد وكرفة إلى أن عجزت ظواعن الضحاك ولطيف عن الرحلة وافترقوا في قرى الزاب وصدرة‏.‏ وبقي محمد بن مسعود يتغلب في رحلته‏.‏ وصارت رئاسة البدو في ضواحي إفريقية ما بين قسطيلية والزاب والقيروان والمسيلة له ولقومه‏.‏ ولما هلك يحيى بن غانية من العرب من بني سليم والرياح سنة إحدى وثلاثين كما نذكره انقطع ملكهم واستغلظ سلطان أبي حفص‏.‏ واستقل منهم الأمير يحيى بن عبد الواحد بخطبة الخلافة عندما فسد كرسيها بمراكش وافترق أتباع يحيى بن غانية من العرب من بني سليم والرياح فنكر آل أبي حفص هؤلاء الدواودة ومكانهم من الوطن مما سلف من عنادهم ومشايعتهم لابن الغانية‏.‏ عدوهم فجاجاً الأمير أبو زكريا في بني سليم من مواطنهم لذلك العهد بقابس وطرابلس وما إليها‏.‏ والتقدم فيهم يومئذ لمرداس والكعوب كما نذكره في أخبارهم واصطنعوهم لمشايعة الدولة‏.‏ وضربوا بينهم وبين قبائل رياح وأنزلوهم بالقيروان وبلاد قسطيلية وكانت أبة لمحمد بن مسعود‏.‏ ووفد عليه في بعض السنين وفد مرداس يطلبون المكيل وينزلون عليهم فشرهوا إلى نعمتهم وقاتلوهم عليها وقتلوا رزق بن سلطان عم محمد بن مسعود فكانت بينهم وبين رياح أيام وحروب حتى رحلوهم عن جانب المشرق من إفريقية وأصاروهم إلى جانبها الغربي‏.‏ وملك الكعوب ومرداس من بني سليم ضواحي الجانب الشرقي كلها من قابس إلى بونة ونفطة‏.‏ وامتاز الدواودة بملك ضواحي قسطنطينة وبجاية من التلول ومجالات الزاب وريغ وواركلا وما وراءها من القفار في بلاد القبلة‏.‏ وهلك محمد بن مسعود فولى رئاسته موسى بن محمد وكان له صيت وغناء في قومه واعتزاز على الدولة‏.‏ ولما هلك يحيى بن عبد الواحد بويع ابنه محمد المستنصر الطائر الذكر المشهود له في الشهرة‏.‏ وخرج عليه أخوه إبراهيم فلحق بالدواودة هؤلاء فبايعوه بجهات قسطنطينة واتفقوا على تقديمه ونهض إليه المستنصر سنة ست وستين وستمائة ففروا أمامه وافترق جمعهم وتحيز إليه بنو عساكر ابن سلطان منهم ورئاستهم يومئذ لولد مهدي بن عساكر‏.‏ ونبذوا العهد إلى إبراهيم بن يحيى ولحقوا بتلمسان‏.‏ وأجاز البحر إلى الأندلس وأقام بها في جوار الشيخ ابن الأحمر‏.‏ ثم هلك موسى بن محمد وولي رياسته ابنه شبل بن موسى واستطال على الدولة وكثر عيشهم فنبذ المستنصر عهدهم ونهض إليه بعساكره وجموعه من الموحدين والعرب من بني سليم وأولاد عساكر إخوانهم وعلى مقدمته الشيخ أبو هلال عياد بن محمد الهتاني وكان يومئذ أميراً ببجاية‏.‏ وحاول عليهم فاستقدم رؤساءهم شبل بن موسى بن محمد بن مسعود وأخاه يحيى وسباع بن يحيى بن دريد بن مسعود‏.‏ وحداد بن مولاهم بن خنفر بن مسعود وفضل بن ميمون بن دريد بن مسعود ومعهم دريد بن تازير شيخ أولاد نابت من كرفة فتقبض عليهم لحين قدومهم وضرب أعناقهم في مصرع واحد ابن راية حيث بايعوا أبا إسحق أخاه والقاسم بن أبي زيد بن أبي حفص النازع إليهم لطلب الخروج على الدولة‏.‏ وافترقت ظواعنهم وفروا أمامه واتبعهم إلى آخر الزاب‏.‏ وترك شبل بن موسى سباعاً ابنه طفلاً صغيراً فكفله عمه مولاهم ابن موسى ولم تزل الرئاسة بهم وترك سباع ابنه يحيى أيضاص طفلاً فكفله عمه طلحة بن يحيى ولحق فلهم بملوك زناتة بالمغرب فأولاد محمد لحقوا بيعقوب بن عبد الحق بفاس وأولاد سباع بن يحيى لحقوا بيغمراسن بن زيان بتلمسان فكسوهم وحملوهم فارتاشوا وقاتلوا واحتالوا وزحفوا إلى مواطنهم فتغلبوا على أطراف الزاب من واركلان وقصور ريغ وصيروها سهاماً بينهم وانتزعوها للموحدين فكان آخر عهدهم بملكها‏.‏ ثم تقدموا إلى بلاد الزاب وجمع لهم عاملها أبو سعيد عثمان بن محمد بن عثمان ويعرف بابن عتوا من رؤساء الموحدين‏.‏ وكان منزله بمقرة فزحف إليهم بمكانهم من الزاب وأوقعوا به وقتلوه بقلطاوة وغلبوا على الزاب وضواحيه لهذا العهد‏.‏ ثم تقدموا إلى جبل أوراس فغلبوا على من به من القبائل‏.‏ ثم تقدموا إلى التل وجمع لهم من كان به من أولاد عساكر وعليهم موسى بن ماضي بن مهدي بن عساكر فجمع قومه ومن في حلفهم من عياض وغيرهم‏.‏ وتزاحفوا فغلبهم أولاد مسعود وقتلوا شيخهم موسى بن ماضي وتولوا الوطن بما فيه‏.‏ ثم تلافت الدولة أمرهم بالاصطناع والاستمالة وأقطعوهم ما غلبوا عليه من البلاد بجبل أوراس والزاب ثم الأمصار التي بالبسيط الغربي من جبل أوراس المسمى عندهم بالحصنة وهي نقاوس ومقرة والمسيلة واختص أقطاع المسيلة بسباع بن شبل بن يحيى من بعد ذلك فهي في قسم بنيه وسهامهم‏.‏ واختص أقطاع مقرة بأحمد بن عمر بن محمد وهو ابن عم شبل بن موسى بن سباع ونقاوس بأولاد عساكر‏.‏ ثم هلك سباع بن شبل وقام بأمرهم ابنه عثمان ويعرف بالعاكر فنازعه الرئاسة بنو عمه علي بن أحمد بن عمر بن محمد بن مسعود بن دريد بن مسعود وفرقوا جماعة بني مسعود هؤلاء بعد أن كانوا جميعاً وصاروا فريقين‏:‏ أولاد محمد بن مسعود وأولاد سباع بن يحيى وسليمان بن علي بن سباع بن يحيى‏.‏ ولم يزالوا كذلك لهذا العهد ولهم تغلب على ضواحي بجاية وقسطنطينة ومن بها من سدويكش وعياض وأمثالهم‏.‏ ورئاسة أولاد محمد الآن ليعقوب بن علي بن أحمد وهو كبير الدواودة بمكانه وسنه وله شهرة وذكر ومحل من السلطان متوارث‏.‏ ورياسة أولاد سباع في أولاد علي بن سباع وأولاد عثمان بن سباع‏.‏ وأولاد علي أشرف منهم وأعز بالكثرة والعدد‏.‏ ورئاستهم في بلد يوسف بن سليمان بن علي بن سباع ويرادفهم أولاد يحيى بن علي بن سباع‏.‏ واختص أولاد محمد بنواحي قسطنطينة وأقطعتهم الدول كثيراً من أريافها‏.‏ واختص أولاد سباع بنواحي بجاية وأقطاعهم فيها قليل لمنعة بجاية وضواحيها عن ضيم العرب ولغلبهم بالجبال المطيفة بها وتوعر مسالكها على رواحل الناجعة‏.‏ وأما ريع وواركلا فقسمت بينهم منذ عهد سلفهم كما قلناه‏.‏ وأما الزاب فالجانب الغربي منه وقاعدته طولقة لأولاد محمد وأولاد سباع بن يحيى وكانت لأبي بكر بن مسعود فلما ضعف بنوه ودثروا اشتراها منهم علي بن أحمد شيخ أولاد محمد وسليمان بن علي شيخ أولاد سباع‏.‏ واتصلت بينهم بسببها الفتنة وصارت في مجالات أولاد سباع بن يحيى فصار غلب سليمان وبنيه عليها أكثر‏.‏ والجانب الوسط وقاعدته بسكرة لأولاد محمد وفي مجالاتهم‏.‏ وليعقوب بن علي على عامله بسبب ذلك سلطان وعزة وله به تمسك وإليه انحياش في منعته من الدولة واستبداده بوطنه وحماية ضواحيه من عبث الأعراب وفسادهم غالب الأوقات‏.‏ وأما الجانب الشرقي من الزاب وقاعدته بادس وتنومة فهو لأولاد نابت رؤساء كرفة بما هو من مجالاتهم وليس هو من مجالات رياح‏.‏ إلا أن عمال الزاب تأخذ منه في الأكثر جباية غير مستوفاة بعسكر لها إلا في بعض الأحايين ببادية رياح بإذن من كبيرهم يعقوب وإشراكه في الأمر‏.‏ وبطون رياح كلها تبع لهؤلاء الدواودة ومقتسمون عليهم وملتمسون مما في أيديهم وليس لهم في البلاد ملك يستولون عليه‏.‏ وأشدهم قوة وأكثرهم جمعاً بطون سعيد ومسلم والأخضر يبعدون النجعة في القفار والرمال ويسخرون الدواودة في فتنة بعضهم مع بعض ويختصون بالحلف فريقاً دون آخر‏.‏ فسعيد أحلاف لأولاد محمد سائر أيامهم إلا قليلاً من الأحيان ينابذونهم ثم يراجعونهم ومسلم والأخضر أحلاف لأولاد سباع كذلك إلا في بعض الأحايين‏.‏ فأما سعيد فرئاستهم لأولاد يوسف بن زيد منهم في ولد ميمون بن يعقوب بن عريف بن يعقوب بن يوسف وأردافهم أولاد عيسى بن رحاب بن يوسف وهم ينتسبون بزعمهم إلى بني سليم في أولاد القرس من سليم‏.‏ والصحيح من نسبهم أنهم من رياح بالحلف والموطن‏.‏ ومع أولاد يوسف هؤلاء لفائف من العرب يعرفون بالمخادمة والغيوث والفجور فاما المخادمة والغيوث من أبناء مخدم فمن ولد مشرف بن أثبج وأما الفجور فمنهم من البرابر لواتة وزناتة إحدى بطونهم وفيهم من نفاث‏.‏ فأما نفاث فمن بطون جزام وسيأتي ذكرهم وأما زناتة فهم من بطون لواتة كما ذكرناه في بني جابر وتادلا كثير منهم وأجاز منهم إلى العدوة لعهد بني الأحمر سلطان الزناري وكانت له في الجهاد آثار‏.‏ وذكروا أن منهم بأرض مصر والصعيد كثيراً‏.‏ وأما أحلاف أولاد محمد من الدواودة فبطن من رباب بن سودات بن عامر بن صعصعة اندرجوا في أعداد رياح ولهم معهم ظعن ونجعة ولهم مكان من حلفهم ومظاهرتهم‏.‏ وأما أحلاف أولاد سباع من مسلم والأخضر فقد قدمنا أن مسلماً من أولاد عقيل بن مرداس بن رياح أخو حواز بن رياح بعضهم ينتسب إلى الزبير بن العوام وهو غلط‏.‏ ويقول بعض من ينكر عليهم إنما هو نسب إلى الزبير بن المهاية الذين هم من بطون عياض كما ذكرناه‏.‏ ورئاسته في أولاد جماعة بن مسلم بن حماد بن مسلم بين أولاد تساكر بن حامد بن كسلان بن غيث بن رحال بن جماعة‏.‏ وبين أولاد زرارة بن موسى بن قطران بن جماعة‏.‏ وأما الأخضر فيقولون إنهم من ولد خضر بن عامر وليس عامر بن صعصعة‏.‏ فإن أبناء عامر بن صعصعة معروفون كلهم عند النسابين‏.‏ وإنما هو والله أعلم عامر آخر من أولاد رياح‏.‏ ولعله عامر بن زيد بن مرداس المذكور في بطونهم‏:‏ أولهم من الخضر الذين هم ولد مالك بن طريف بن مالك بن حفصة بن فيس عيلان‏.‏ ذكرهم صاحب الأغاني وقال‏:‏ إنما سموا الخضر لسوادهم والعرب تسمي الأسود أخضر‏.‏ قال‏:‏ وكان مالك شديد السمرة فأشبهه ولده‏.‏ ورياستهم في أولاد تامر بن علي بن تمام بن عمار بن خضر بن عامر بن رياح واختصت مرين بأولاد عامر ولد عامر بن صالح بن عامر بن عطية بن تامر‏.‏ وفيهم بطن آخر لزائده بن تمام بن عمار‏.‏ وفي رياح أيضاً بطن من عنزة بن أسد بن ربيعة بن نزار ويظعنون مع باديتهم‏.‏ وأما من نزل من رياح ببلاد الهبط حيث أنزلهم المنصور فأقاموا هنالك بعد رحلة رئيسهم مسعود بن زنان بتلك المواطن إلى أن انقرضت دولة الموحدين وكان عثمان بن نصر رئيسهم أيام المأمون وقتله سنة ثلاثين وستمائة‏.‏ ولما تغلب بنو مرين على ضواحي المغرب ضرب الموحدون على رياح هؤلاء البعث مع عساكرهم فقاموا بحماية ضواحيهم وتحيز لهم بنو عسكر بن محمد بن محمد من بني مرين حين كانوا حرباً لإخوانهم بني حمامة بن محمد سلف الملوك منهم لهذا العهد فكانت بين الفريقين جولة قتل فيها عبد الحق بن محيو بن أبي بكر بن جماعة أبو الملك وابنه إدريس فأوجدوا السبيل لبني مرين على أنفسهم في طلب الترة والدماء فأثخنوا فيهم واستلحموهم قتلاً وسبياً مرة بعد أخرى‏.‏ وكان آخر من أوقع بهم السلطان أبو ثابت حافد يوسف بن يعقوب سنة سبع وسبعمائة تتبعهم بالقتل إلى أن لحقوا برؤوس الهضاب وأسنمة الربى المتوسطة في المرج المستبحر بازغار فصاروا إلى عدد قليل ولحقوا بالقبائل الغارمة‏.‏ ثم دثروا وتلاشوا شأن كل أمة والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين لا رب غيره ولا معبود سواه وهو نعم المولى ونعم النصير عليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير‏.‏ نسأله سبحانه وتعالى من فيض فضله العميم ونتوسل إليه بجاه نبيه الكريم أن يرزقنا إيماناً دائماً وقلباً خاشعاً وعلماً نافعاً ويقيناً صادقاً وديناً قيماً والعافية من كل بلية وتمام العافية ودوام العافية والشكر على العافية والغنى عن الناس وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأن يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الأخرة وأن يرزقنا من فضله وكرمه إيماناً لا يرتد ونعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع‏.‏ ومرافقة نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد بمنه وكرمه إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:56 PM

الخبر عن سعادة القائم بالسنة في رياح ومال أمره وتصاريف أحواله
كان هذا الرجل من مسلم إحدى شعوب رياح ثم من رحمان منهم‏.‏ وكانت أمه تدعى حضيبة وكانت في أعلى مقامات العبادة والورع‏.‏ ونشأ هو منتحلاً للعبادة والزهد وارتحل إلى المغرب ولقي شيخ الصالحين والفقهاء لذلك العهد بنواحي تازة أبا إسحق التسولي وأخذ عنه ولزمه وتفقه عليه‏.‏ ورجع إلى وطن رياح بفقه صحيح وورع وافر ونزل طولقة من بلاد الزاب وأخذ بنفسه في تغيير المنكر على أقاربه وعشريته ومن عرفه أو صحبه فاشتهر بذلك وكثرت غاشيته لذلك من قومه وغيرهم‏.‏ ولزم صحابته منهم أعلام عاهدوه على التزام طريقته كان من أشهرهم‏:‏ أبو يحيى بن أحمد بن عمرشيخ بني محمد بن مسعود من الدواودة وعطية بن سليمان بن سباع شيخ أولاد سباع بن يحيى منهم وعيسى بن يحيى بن إدريس شيخ أولاد إدريس من أولاد عساكر منهم وحسن بن سلامة شيخ أولاد طلحة بن يحيى بن دريد بن مسعود منهم وهجرس بن علي من أولاد يزيد بن زغبة ورجالات من العطاف من زغبة في كثير من أتباعهم والمستضعفين من قومهم‏.‏ فكثر بذلك تابعه واستظهر بهم على شأنه في إقامة السنة وتغيير المنكر على من جاء به‏.‏ واشتد على قاطع الطريق من شرار البوادي‏.‏ ثم تخطى ذلك إلى العمار فطلب عامل الزاب يومئذ منصور بن فضل بن مزني بإعفاء الرعايا من المكوس والظلامات فامتنع من ذلك واعتزم على الإيقاع به فحال دونه عشائر أصحابه وبايعوه على إقامة السنة والموت دونه في ذلك‏.‏ وآذنهم ابن مزني في الحرب ودعا لذلك أمثالهم ونظراءهم من قومهم‏.‏ وكان لذلك العهد علي بن أحمد بن عمر بن محمد قد قام برئاسة أولاد محمد وسليمان بن علي بن سباع قد قام برئاسة أولاد يحيى‏.‏ واقتسموا رئاسة الدواودة فظاهروا ابن مزني على مدافعة سعادة وأصحابه المرابطين من إخوانهم‏.‏ وكان أمر ابن مزني والزاب يومئذ راجعاً إلى صاحب بجاية من بني أبي حفص وهو الأمير خالد ابن الأمير أبي زكريا والقائم بدولته أبو عبد الرحمن بن عمر وبعث إليه ابن مزني في المدد فأمده بالعساكر والجيوش وأوعز إلى أهل طولقة بالقبض على سعادة فخرج ثم جمع أصحابه المرابطين وكان يسميهم السنية‏.‏ وزحفوا إلى بسكره وحاصروا ابن مزني سنة ثلاث وسبعمائة وقطعوا نخيلها وامتنعت عليهم فرحلوا عنها‏.‏ ثم أعادوا حصارها سنة إلى أربع وسبعمائة وامتنعت‏.‏ ثم انحدر أصحاب سعادة من الدواودة إلى مشاتيهم سنة خمس وسبعمائة‏.‏ وأقام المرابط سعادة بزاويته من زاب طولقة وجمع من كان إليه من المرابطين المتخلفين عن الناجعة وغزا مليلي وحاصرها أياماً‏.‏ وبعثوا بالضريخ إلى ابن مزني والعسكر السلطاني مقيم عندهم ببسكرة فأركبهم ليلاً مع أولاد حرب من الدواودة‏.‏ وصبحوا سعادة وأصحابه على مليلي فكانت بينهم جولة قتل فيها سعادة واستلحم الكثير من أصحابه وحمل رأسه إلى ابن مزني‏.‏ وبلغ الخبر إلى أصحابه بمشاتيهم فظهروا إلى الزاب ورؤساؤهم أبو يحيى بن أحمد بن عمر شيخ أولاد محرز وعطية بن سليمان شيخ أولاد سباع وعيسى بن يحيى شيخ أولاد عساكر ومحمد بن حسن شيخ أولاد عطية ورئاستهم جميعاً راجعة لأبي يحيى بن أحمد‏.‏ ونازلوا بسكرة وقطعوا نخيلها وتقبضوا على عمال ابن مزني فأحرقوهم في النار واتسع الخرق بينهم وبينه‏.‏ ونادى ابن مزني في أوليائه من الدواودة‏.‏ واجتمع إليه علي بن أحمد شيخ أولاد محمد وسليمان بن علي شيخ أولاد سباع وهما يومئذ أجلاء الدواودة‏.‏ وخرج ابنه علي بينهم بعساكر السلطان وتزاحفوا بالصحراء سنة ثلاث عشر فغلبهم المرابطون وقتل علي بن مزني‏.‏ وتقبض على علي بن أحمد فقادوه‏.‏ ثم أطلقه عيسى بن أحمد رعياً لأخيه أبي يحيى بن أحمد‏.‏ واستفحل أمر هؤلاء السنية ما شاء الله أن يستفحل‏.‏ ثم هلك أبو يحيى بن أحمد وعيسى بن يحيى وخلت أحياء أولاد محرز من هؤلاء السنية‏.‏ وتفاوض السنية فيمن يقيمونه بينهم في الفتيا في الأحكام والعبادات فوقع نظرهم على الفقيه أبي عبد الله محمد بن الأزرق من فقهاء مقرة‏.‏ وكان أخذ العلم ببجاية على أبي محمد الزواوي من مشيختها فقصدوه بذلك وأجابهم وارتحل معهم‏.‏ ونزل على حسن بن سلامة شيخ طلحة‏.‏ واجتمع إليه السنية واستفحل بهم جانب أولاد سباع واجتمعوا على الزاب وحاربوا علي بن أحمد طويلاً‏.‏ وكان السلطان أبو تاشفين حين كان يجلب على أوطان الموحدين يخيب عليهم أولياؤهم من العرب يبعث إلى هؤلاء السنية بالجوائز يستدعي بذلك ولايتهم‏.‏ ويبعث معهم للفقيه أبي الأزرق بجائزة معلومة في كل سنة‏.‏ ولم يزل ابن الأزرق مقيماً لرسمهم إلى أن غلبهم على أمرهم ذلك علي بن أحمد شيخ أولاد محمد وهلك حسن بن سلامة وانقرض أمر السنيه من رياح‏.‏ ونزل ابن الأزرق بسكرة فاستدعاه يوسف بن مزني لقضائها تفريقاً لأمر السنية فأجابه ونزل عنده فولاه القضاء ببسكرة إلى أن هلك سنة‏.‏ ثم قام علي بن أحمد بهذه السنية بعد حين ودعا إليها وجمع لابن مزني سنة أربعين وسبعمائة‏.‏ ونزل بسكرة وجاءه مدد أهل ريغ وأقام محاصراً لها أشهراً‏.‏ وامتنعت عليه فأقلع عنها وراجع يوسف بن مزني وصاروا إلى الولاية إلى أن هلك علي بن أحمد‏.‏ وبقي من عقب سعادة في زاويته بنون وحفدة يوجب لهم ابن مزني الرعاية وتعرف لهم أعراب الفلاة من رياح حقاً في إجازة من يجيزونه من أهل السابلة‏.‏ وبقي هؤلاء الدواودة ينزع بعضهم أحياناً إلى إقامة هذه الدعوة فيأخذون بها أنفسهم غير متصفين من الدين والتعمق في الوزع بما يناسبها ويقضي حقها بل يجعلونها ذريعة لأخد الزكوات من الرعايا ويتظاهرون بتغيير المنكر يسرون بذلك حسواً في ارتقاه فينحل أمرهم بذلك وتخفق مساعيهم ويتنازعون على ما تحصل بأيديهم ويفترقون على غير شيء والله متولي الأمور لا إله إلا هو سبحانه يحيي ويميت‏.‏

زعبة وبطونهم من هلال
الخبرعن زغبة وبطونهم من هلال بن عامر من هذه الطبقة الرابعة هذه القبيلة إخوة رياح‏.‏ ذكر ابن الكلبي‏:‏ إن زغبة ورياحاً أبناء أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر هكذا نسبهم وهم لهذا العهد مما يزعمون أن عبد الله يجمعهم بكسر دال عبد ولم يذكر ابن الكلبي ذلك وذكر عبد الله في ولد هلال فلعل انتسابهم إليه بما كفلهم واشتهر دونهم وكثيراً ما يقع مثل هذا في أنساب العرب أعني انتساب الأبناء لعمهم أو كافلهم والله أعلم‏.‏ وكانت لهم عزة وكثرة عند دخولهم إفريقية وتغلبوا على نواحي طرابلس وقابس وقتلوا سعيد بن خزرون من ملوك مغراوة بطرابلس‏.‏ ولم يزالوا بتلك الحال إلى أن غلب الموحدون على إفريقية وثار بها ابن غانية وتحيزت إليه أفاريق هلال بن رياح وجشم فنزعت زغبة إلى الموحدين‏.‏ انحرفوا عن ابن غانية فرعوا لهم حق نزوعهم وصاروا يداً واحدة مع بني بادين من زناتة في حماية المغرب الأوسط من ابن غانية وأتباعه واتصلت مجالاتهم ما بين المسيلة وقبلة تلمسان في القفار وملك بنو بادين وزناتة دليهم التلول‏.‏ ولما ملكت زناتة بلاد المغرب الأوسط ونزلوا بأمصاره دخل زغبة هؤلاء التلول وتغلبوا فيها ووضعوا الأتاوة على الكثير من أهلها بما جمعهم وزناتة من البداوة وعصبية الحلف وخلا قفرهم من ظعونهم وحاميتهم فطرقته عرب المعقل المجاورون لهم من جانب المغرب وغلبوا على من وجدوا من مخلف زغبة هؤلاء بتلك القفار وجعلوا عليهم خفارة يأخذونها من إبلهم ويختارون عليهم البكرات منها‏.‏ وأنفوا لذلك وتآمروا وتعاقدوا على دفع هذه الهضمة وتولى كبرها من بطونهم ثوابة بن جوثة من سديد كما نذكره بعد فدفعوهم عن أوطانهم من ذلك القفر‏.‏ ثم استفحلت دولة زناتة وكفحوا العرب عن وطىء تلولهم لما انتشأ عنهم من العبث والفساد فرجعوا إلى صحرائهم وملكت الدولة عليهم التلول والحبوب واستصعبت الميرة وهزل الكراع وتلاشت أحوالهم وضربت عليهم البعوث وأعطوا الأتاوة والصدقة حتى إذا فشل ريح زناتة وداخل الهرم ودولتهم وانتزى الخوارج من قرابة الملك بالقاصية وجدوا السبيل بالفتن إلى طروق التلول ثم إلى الغلب فيها ثم غالبوا زناتة عليها فغلبوهم في أكثر الأحايين وأقطعتهم الدولة الكثير من نواحي المغرب الأوسط وأمصاره في سبيل الاستظهار بهم تمشت ظعونهم فيه وملكوه من كل جانب كما نذكره‏.‏ وبطون زغبة هؤلاء يتعددون من يزيد وحصين ومالك وعامر وعروة وقد اقتسموا بلاد المغرب الأوسط كما نذكر في أخبارهم‏.‏ كان لبني يزيد هؤلاء محل من زغبة بالكثرة والشرف وكان للدول به عناية فكانوا لذلك أول من أقطعته الدول من العرب التلول والضواحي‏.‏ أقطعهم الموحدون في أرض حمزة من أول من أوطان مما يلي بلاد رياح والأثابج فنزلوا هنالك وولجوا تلك الثنايا المفضية إلى تلول حمزة والدهوس وأرض بني حسن ونزلوها ريفاً وصحراء‏.‏ وصار للدولة استظهار بهم على جباية تلك الرعايا من صنهاجة وزوارة‏.‏ فلما عجزت عساكر بجاية من جبايتهم دفعوهم لها فأحسنوا في اقتضائها وزادت الدول بهم تكرمة وعناية لذلك واقتطعهم الكثير من تلك الأوطان‏.‏ ثم غلب زناتة الموحدين على تلك الأوطان فاقتطعوها عن أوطان بجاية وأصارها عن ممالكهم‏.‏ فلما فشل ريح زناتة وجاش بحر فتنتهم مع العرب استبد بنو يزيد هؤلاء بملكة تلك الأوطان وغلبوا عليها من جميع جوانبها وفرغوا لجبايتها واقتضاء مغارمها وهم على ذلك لهذا العهد‏.‏ وهم بطون كثيرة منهم‏:‏ حميان بن عقبة بن يزيد وجواب وبنو كرز وبنو موسى والمرابعة والخشنة‏.‏ وهم جميعاً بنو يزيد بن عبس بن زغبة وإخوانهم عكرمة بن عبس من ظعونهم وكانت الرئاسة في بني يزيد لأولاد لاحق ثم لأولاد معافى‏.‏ ثم صارت فى بيت سعد بن مالك بن عبد القوي بن عبد الله بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن مهدي بن يزيد بن عيسى بن زغبة وهم يزعمون أنه مهدي بن عبد الرحمن بن أبي بكر وربما نسبهم آخرون إلى سلول وهم بنو مرة بن صعصعة أخي عامر بن صعصعة وليس بصحيح كما قلناه‏.‏ وقد يقال إن سلولاً وبني يزيد إخوة ويقال لهم جميعاً أولاد فاطمة‏.‏ وبنو سعد هؤلاء ثلاثة بطون‏:‏ بنو ماضي بن رزق بن سعد وبنو منصور بن سعد وبنو زغلي بن رزق بن سعد‏.‏ واختصت الرئاسة على الظعون والحلول ببني زغلي‏.‏ وكانت لريان بن زغلي فيما علمناه ثم من بعده لأخيه ديفل ثم لأخيهما أبي بكر ثم لابنه ساسي بن أبي بكر ثم لأخيه معتوق بن أبي بكر ثم لموسى ابن عمهم أبي الفضل بن زغلي ثم لأخيه أحمد بن أبي الفضل ثم لأخيهما علي بن أبي الفضل‏.‏ ثم لأبي الليل بن أبي موسى بن أبي الفضل وهو رئيسهم لهذا العهد‏.‏ وتوفي سنة إحدى وتسعين وخلفه في قومه ابنه‏.‏ وكان من أحلافهم فيما تقدم بنو عامر بن زغبة يظعنون معهم في مجالاتهم ويظاهرونهم في حروبهم‏.‏ وكانت بين رياح وزغبة فتنة طويلة لعهد موسى بن حمد بن مسعود وابنه شبل أيام المستنصر بن أبي حفص‏.‏ فكان بنو يزيد هؤلاء يتولون كبرها لمكان الجوار‏.‏ وكان بنو عامر أحلافهم فيها وظهراؤهم‏.‏ وكان لهم على مظاهرتهم وضيعة من الزرع تسمى الغرارة وهي ألف غرارة من الزرع‏.‏ وكان سببها فيما يزعمون‏:‏ أن أبا بكر بن زغلي غلبته رياح على الدهوس من وطن حمزة أزمان فتنته معهم فاستصرخ لبني عامر فجاءه أولاد شافع وعليهم صالح بن بالغ وبنو يعقوب وعليهم داود بن عطاف وحميد وعليهم يعقوب بن معروف‏.‏ واسترجع وطنه وفرض لهم على وطنه ألف غرارة ص الزرع واستمرت لبني عامر‏.‏ فلما ملك يغمراسن بن زيان تلمسان ونواحيها ودخلت زناتة إلى التلول والأرياف كثر عبث المعقل وفسادهم في وطنها فجاء يغمراسن ببني عامر هؤلاء من مجالاتهم بصحراء بني يزيد وأنزلهم في جواره بصحراء تلمسان كياداً للمعقل ومزاحمة لهم بأفيالهم فنزلوا هنالك‏.‏ وتبعتهم حميان من بطون بني يزيد بما كانوا بطوناً وناجعه ولم يكونوا حلولاً فصاروا في عداد بني عامر لهذا العهد‏.‏ وتولت بنو يزيد بلاد الريف وخصبه فأوطن فيه أكثرهم‏.‏ وقل أهل الناجعة منهم إلا أفاريق من عكرمة وبعض بطون عبس يظعنون مع أولاد زغلي في قفرهم‏.‏ وأقصروا عن الظعن في القفر إلا في القليل ومع أحلافهم من ظعون رياح أو زغبة وهم على ذلك لهذا العهد‏.‏ ومن بطون بني يزيد بن عبس زغبة بنو خشين وبنو موسى وبنو معافى وبنو لاحق‏.‏ وكانت الرئاسة لهم ولبني معافى قبل بني سعد بن مالك وبنو جواب وبنو كرز وبنو مربع وهم المرابعة وهؤلاء كلهم بطن حمزة لهذا العهد‏.‏ ومن المرابعة حي ينجعون بضواحي تونس لهذا العهد وغلب عليهم بسبب زغبة والله الخلاق العليم‏.‏ أبو الفضل بن موسى بن زغلي بن رزق بن سعد بن مالك بن عبد القوي بن عبد الله بن حطين بن زغبة وأما أولاد حصين بن زغبة فكانت مواطنهم بجوار بني يزيد إلى المغرب عنهم‏.‏ كانوا حياً حلوا هنالك وكان الريف للحاذي من تيطري ونواحي المرية مواطن للثعالبة من بطون البعوث ويأخذون منهم الأتاوات والصدقات‏.‏ حتى إذا ذهب سلطان بني توجين من أرض المرية وغلبهم عليهم بنو عبد الواد ساموا حصيناً هؤلاء خطة الخسف والذل وألزموهم الوضائع والمغارم واستلحموهم بالقتل وهضموهم بالتكاليف وصيروهم في عداد القبائل الغارمة‏.‏ وبأثر ذلك كان تغلب بني مرين على جميع زناتة كما نذكره فكانوا لهم أطوع ولدولتهم أذل‏.‏ فلما عاد بنوعبد الواد إلى ملكهم لعهد أبي حمو موسى بن يوسف بعد مهلك السلطان أبي عنان هبت ريح العز للعرب وفشل ريح زناتة ولحق دولتهم ما يلحق الدول من الهرم ونزل حصين بتيطري وهو جبل أشير وملكوه وتحصنوا وكان أبو زيان ابن عم السلطان أبي حمو لما ملك من قبله لحق بتونس مفلتاً من جبالة بني مرين وخرج طالباً لمملك أبيه ومنازلاً لابن عمه هذا ونزل في خبر طويل نذكره بقبائل حصين هؤلاء أحوج ما كانوا لمثلها لما راموه من خلع ما كان بأعناقهم من الذل وطرق الاهتضام والعسف فتلقوه بما يجب له‏.‏ ونزل منهم بأكرم نزل وأحسن مثوى‏.‏ وبايعوه وأرسلوا إخوانهم وكبراءهم من رؤساء زغبة بني سويد وبني عامر فأصفقوا عليه‏.‏ وترددت ونهض إليهم السلطان أبو حمو بعساكره فقتلوه ونالوا منه ونالت زغبة بذلك ما أرادوه من الاعتزاز على الدولة آخر الأيام وتملكوا البلاد إقطاعات وسهماناً ورجع أبو زيان إلى رياح فنزل بهم على سلم عقد مع ابن عمه وبقي لحصين أثر الاعتزاز من جرائه‏.‏ واقطعتهم الدولة ما ولوه من نواحي المرية وبلاد صنهاجة‏.‏ ولحصين هؤلاء بطنان عظيمان جندل وخراش‏.‏ فمن جندل أولاد خنفر بن مبارك بن فيصل بن سنان بن سباع بن موسى بن كمام بن علي بن جندل ورئاستهم في بني خليفة بن سعد ليلى وسيدهم أولاد خشعة بن جندل‏.‏ وكانت رئاستهم على جندل قبل أولاد الخليفة ورئيسهم الآن علي بن صالح بن دياب بن مبارك بن يحيى بن مهلهل بن شكر بن عامر بن محمد بن خشعة‏.‏ ومن خراش أولاد مسعود بن مظفر بن محمد الكامل بن خراش‏.‏ ورئاستهم لهذا العهد في ولد رحاب بن عيسى بن أبي بكر بن زمام بن مسعود‏.‏ وأولاد فرج بن مظفر ورئاستهم في بني خليفة بن عثمان بن موسى بن فرج‏.‏ وأولاد طريف بن معبد بن خراش ويعرفون بالمعابدة ورئاستهم في أولاد عريف بن طريف لزيان بن بدر بن مسعود بن معرف بن عريف‏.‏ ولمصباح بن عبد الله بن كثير بن عريف‏.‏ وربما انتسب أولاد مظفر من خراش إلى بني سليم ويزعمون أن مظفر بن محمد الكامل جاء بني سليم ونزل بهم والله أعلم بحقيقة الأمر‏.‏ وأما بنو مالك بن زغبة فهم بطون ثلاثة‏:‏ سويد بن عامر بن مالك والحرث بن مالك وهم بطنان للعطاف من ولد عطاف بن رومي بن حارث‏.‏ والديالم من ولد ديلم بن حسن بن إبراهيم بن رومي فأما سويد فكانوا أحلافاً لبني بادين قبل الدولة‏.‏ وكان لهم اختصاص ببني عبد الواد‏.‏ وكانت لهم لهذا العهد أتاوات على بلد سيرات والبطحاء وهوارة‏.‏ ولما ملك بنو بادين تلول المغرب الأوسط وأمصاره كان قسم بني توجين منه سياج التلول القبلية مما بين قلعة سعيدة في الغرب إلى المرية في الشرق‏.‏ فكان لهم قلعة بن سلامة ومنداس وأنشريس ورينة وما بينهما فاتصل جوارهم لبني مالك هؤلاء في القفر والتل‏.‏ ولما ملك بنو عبد الواد تلمسان ونزلوا بساحتها وضواحيها كان بنو سويد هؤلاء أخص بحلفهم وولايتهم من سائر زغبة‏.‏ وكانت لسويد هؤلاء بطون مذكورون من فليتة وشبانة ومجاهر وجوثة كلهم من بني سويد‏.‏ والحساسنة بطن من شبانة إلى حسان بن شبانة وغفير وشافع وما لف‏.‏ كلهم بنو سليمان بن مجاهر وبو رحمة وبو كامل وحمدان بنو مقدر بن مجاهر‏.‏ ويزعم بعض نسابتهم أن مقدرا ليس بجد لهم وإنما وضع ذلك أولاد بو كامل‏.‏ وكانت رئاستهم لعهدهم في يغمراسن وما قبله في أولاد عيسى بن عبد القوي بن حمدان وكانوا ثلاثة‏:‏ عمر بن مهدي وعطية وطراد‏.‏ واختص مهدي بالرئاسة عليهم ثم ابنه سيف بن مهدي ثم أخوه عمر بن مهدي وأقطع يغمراسن يوسف بن مهدي ببلاد البطحاء وسيرات وأقطع عنتر بن طراد بن عبسي قرارة البطحاء وكانوا يقتضون أتاواتهم على الرعايا ولا يناكرهم فيها‏.‏ وربما خرج في بعض خروجه واستخلف عمر بن مهدي على تلمسان وما إليها من ناحية المشرق‏.‏ وفي خلال ذلك خلت مجالاتهم بالقفر من ظعونهم وناجعتهم إلا أحياء من بطونهم قليلي العدد من الجوثة وفليتة وما لف وغفير وشافع وأمثالهم فغلب عليهم هنالك للمعقل وفرضوا عليهم أتاوة من الإبل يعطونها ويختارونها عليهم من البكرات‏.‏ وكان المتولي لأخذها منهم من شيوخ المعقل أبو الريش بن نهار بن عثمان بن عبيد الله وقيل علي بن عثمان أخو نهار‏.‏ وقيل إن البكرات إنما فرضها للمعقل على قومه بن عامر جميل لأجل مظاهرة له على عدوه وبقيت للمعقل عاعة إلى أن تمشت رجالات من زغبة في نقض ذلك وغدرا برجال المعقل ومنعوا تلك البكرات‏.‏ أخبرني يوسف بن علي ثم غانم عن شيوخ قومه من المعقل أن سبب البكرات وفروضها على زغبة كما ذكرناه‏.‏ وأما سبب رفعها فهو أن المعقل كانوا يقولون غرامتها إدالة بينهم‏.‏ فلما دالت لعبيد الله الدولة في غرامتها جمع ثوابة بن جوثة قومه وحرضهم على منعها فاختلفوا واحتربوا مع عبيد الله ودفعوهم إلى جانب الشرق وحالوا بينهم وبين أحيائهم وبلادهم‏.‏ وطالت الحرب ومات فيها بنو جوثة وابن مرمح من رجالاتهم‏.‏ وكتب بنوعبد الله إلى قومهم من قصيدة‏:‏ بني معقل إن لم تصرخوناعلى العدو فلا بد لكم تذكر ماطرا لنا قتلنا ابن جوثة والهمام بن مرهج على الوجه مكبوب وذا من فعالنا فاجتمعوا وجاءوا إلى قومهم وقرت أحياء زغبة واجتمع بنو عبيد الله وإخوانهم من ذوي منصور وذوي حسان وارتفع أمر البكرات من زغبة لهذا العهد‏.‏ ثم حدث بين يغمراسن وبينهم فتنة هلك فيها عمر بن مهدي وارتحلوا عن التلول والأرياف من بلاد عبد الواد إلى القفر المحاذي لأوطان بني توجين على المهادنة والمصاهرة فصاروا لهم حلفاء على بني عبد الواد‏.‏ ومن عجزمنهم من الظعن نزل ببسائط البطحاء‏.‏ وسارت بطونهم كلها من شبابة ومجاهر وغفير وشافع ومالف وبو رحمة وبو كامل ونزل محيسن بن عمارة وأخوة سويد بضواحي وهران فوضعت عليهم الأتاوات والمغارم وصاروا من عداد الرعايا أهل الجباية وولي عثمان بن عمر أمر الظعون من سويد‏.‏ ثم هلك وقام بأمره ابنه ميمون وغلب عليه أخوه سعيد واستبد‏.‏ وكان سويد وبين بني عامر بن زغبة فتنة اتصلت على الأيام وثقلت وطأة الدولة الزيانية عليهم‏.‏ وزحف يوسف بن يعقوب إلى منازلة تلمسان وطال مقامه عليها فوفد عليه سعيد بن عثمان بن عمر بن مهدي شيخهم لعهده فأتى مجلسه وأكرم وفادته‏.‏ ثم أجمع قتله ففر ولحق بقومه وأجلب على أطراف التلول وملك السرسو قبلة بلاد توجين ونزعت إليه طائفة من عكرمة بني يزيد وعجزوا عن الظعن وأنزلهم بجبل كريكرة قبلة السرسو ووضع عليهم الأتاوة‏.‏ ولم يزل كذلك إلى أن هلك يوسف بن يعقوب واتصل سلطان آل يغمراسن‏.‏ ولما ولي أبو تاشفين بن موسى بن عثمان بن يغمراسن استخلص عريف بن يحيى لديه صحابة كانت له معه قبل الملك‏.‏ ثم آسفه ببعض النزعات الملوكية‏.‏ وكان هلال مولاه المستولي عليه يغص بما كان عريف منه فنزع عريف بن يحيى إلى بني مرين ملوك المغرب الأقصى ونزل على السلطان أبي سعيد منهم سنة عشرين وسبعمائة واعتقل أبو تاشفين عمه سعيد بن عثمان إلى أن هلك في محبسه قبيل فتح تلمسان‏.‏ ولحق أخوه ميمون بن عثمان وولده بملك المغرب وأنزل عريف بن يحيى من سلطان بني مرين أكرم نزل وأدنى مجلسه وأكرم مثواه‏.‏ ثم اتخذه ابنه السلطان أبو الحسن من بعده بطانة لشوراه ونجياً لخلواته ولم يزل يحرضهم على آل زيان بتلمسان‏.‏ ونفس ميمون بن عثمان وولده عريف رتبته عند السلطان أبو الحسن فنزعوا إلى أخيه أبي علي بتافيلالت فلم يزالوا بها إلى أن هلك ميمون‏.‏ ثم تغلب السلطان أبو الحسن على أخيه أبي علي وصار أولاد ميمون في جملته‏.‏ وزحف السلطان أبو الحسن إلى تلمسان يجر أمم المغرب وأحجر على زيان بتلمسان ثم اقتحمها عليهم عنوة وابتزهم ملكهم وقتل السلطان أبا تاشفين عند شدونة وبعث كلمته في أقطار المغرب الأقصى والأدنى إلى تخوم الموحدين من أندلس وجع كلمة زناتة واستتبعهم تحت لوائة‏.‏ وفر بنو عامر من زغبة أولياء بني عبد الواد إلى القفر كما نذكره‏.‏ ورفع السلطان أبو الحسن قوم عريف بن يحيى بمحلته على كل عربي في إيالته من زغبة والمعقل‏.‏ وكان عقد سمعون بن سعيد على الناجعة من سويد‏.‏ وهلك أيام نزول السلطان بتاسالة سنة اثنتين وثلاثين قبل فتح تلمسان‏.‏ وولي من بعده أخوه عطية هلك لأشهر من ولايته بعد فتح تلمسان فعقد السلطان لونزمار بن عريف على سويد وسائر بني مالك وجعل له رئاسة البدو حيث كانوا من أعماله وأخذ الصدقات منهم والأتاوات فعكفت على بيته أمم البدو واقتدى بشوراه رؤساؤهم‏.‏ وفر ابن عمه المسعود بن سعيد ولحق ببني عامر وأجلبوا على السلطان بدعاء جزارشبة ابنه أبي عبد الرحمن فجمع لهم ونزمار وهزمهم كما نذكره‏.‏ وسفر عريف بين السلطان أبي الحسن وبين الملوك لعهده من الموحدين بإفريقية وبني الأحمر بالأندلس والترك بالقاهرة‏.‏ ولم يزل على ذلك إلى أن هلك السلطان أبو الحسن‏.‏ ولما تغلب السلطان أبو عنان على تلمسان كما سنذكره رعى لسويد ذمة الانقطاع إليه فرفع ونزمار بن عريف على سائر رؤساء البدو من زغبة وأقطعه السرمو وقلعة ابن سلامة وكثيراً من بلاد توجين‏.‏ وهلك أبو عريف بن يحيى فاستقدمه من البدو وأجلسه بمكان أبيه من مجلسه جوار أريكته ولم يزل على ذلك‏.‏ وعقد لأخيه عيسى على البدو من قومه ثم بن عبد الواد بعد ملك السلطان أبي عنان عادت لهم الدولة بأبي حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن أبي يغمراسن من أعياص ملوكهم‏.‏ وتولى كبر ذلك صغير بن عامر وقومه لما لهم مع آل زيان من الولاية وما كان لبني مرين فيهم من النقمات فملكوا تلمسان ونواحيها وعقدوا على سويد لميمون بن سعيد بن عثمان‏.‏ ونال لونزمار بن عريف ورأى الترهب والخروج عن الرئاسه فبنى حصناً بوادي ملوية من تخوم بني مرين ونزل به وأقام هنالك لهذا العهد‏.‏ وملوك بني مرين يرعون له ذمة اختصاصه سلفهم فيؤثرونه بالشورى والمداخلة في الأحوال الخاصة مع الملوك والرؤساء من سائر النواحي فتوجهت إليه بسبب ذلك وجوه أهل الجهات من الملوك وشيوخ العرب ورؤساء الأقطار‏.‏ ولحق أخواه أبو بكر ومحمد بقومهم فمكروا بالميمون ودسوا عليه من قتله غيلة من ذويهم وحاشيتهم واستبدوا برئاسة البدو‏.‏ ثم لما نصب بنو حصين بن زيان ابن عم السلطان أبي حمو للملك كما نذكره ورشحوه للمنازعة سنة سبع وستين وسبعمائة هبت من يومئذ ريح العرب وجاش مرجلهم على زناتة ووطئوا من تلول بلادهم بالمغرب الأوسط ما عجزوا عن حمايته وولجوا من فروجها ما قصروا عن سده ودبوا فيها دبيب الظلال في الفيوم فتملكت زغبة سائر البلاد بالأقطاع عن السلطان طوعاً وكرهاً رعياً لخدمتة وترغيباً فيها وعدة وتمكيناً لقوته حتى أفرجت أثم زناتة عن كثيرها ولجأوا إلى سيف البحر‏.‏ وحصل كل منهم في الفلول على ما يلي موطنه من بلاد القفر‏.‏ فاستولى بنو يزيد على بلاد حمزة وبني حسن كما كانوا من قبل ومنعوا المغارم واستولى بنوحسين على ضواحي المدينة أقطاعاً والعطاف على نواحي مليمانة والديالم على وزينة وسويد على بلاد بني توجين كلها ما عدا جبل ونشريس لتوعره بقيت فيه لمة من توجين رئاستهم لأولاد عمر بن عثمان من الجشم بني تيغرين كما نذكره وبني عامر على تاسالة وميلانة إلى ميدور إلى كيدزة الجبل المشرف على وهران‏.‏ وتماسك السلطان بالأمصار وأقطع منها كلميتو لأبي بكر بن عريف ومازونة لمحمد بن عريف ونزلوا لهم عن سائر الضواحي فاستولوا عليها كافة‏.‏ وأوشك بهم أن يستولوا على الأمصار‏.‏ وكل أول فإلى آخر ولكل أجل كتاب وهم على ذلك لهذا العهد‏.‏ ومن بطون سويد هؤلاء بطن بنواحي البطحاء يعرفون بهبرة ينسبهم الناس إلى مجاهد بن سويد وهم يزعمون أنهم من قوم المقداد بن الأسود وهم بهذا من قضاعة‏.‏ ومنهم من يزعم أنهم من تجيب إحط ى بطون كندة والله أعلم‏.‏ ومن ظواعن سويد هؤلاء ناجعة يعرفون بصبيح ونسبهم إلى صبيح بن علاج بن مالك ولهم عدد وقوة وهم يظعنون لعن سويد ويقيمون بمقامهم‏.‏ وأما الحرث بن مالك وهم العطاف والديالم فموطن العطاف قلة مليانة ورئاسة ظعونهم لولد يعقوب بن نصر بن عروة من منصور بن أبي الذئب بن حسن بن عياض بن عطاف بن زيان بن يعقوب وابن أخيه علي بن أحمد وبنيه ومعهم طائفة من براز إحدى بطون الأثبج‏.‏ وأقطعهم السلطان مغارم جبل دراك وما إليه من وادي شلب‏.‏ وحال بينهم وبين موطن سويد ونشريس ولهم بلاد وزينة في قبلة المجبل رئاستهم في ولد إبراهيم بن رزق بن رعاية من مزروع بن صالح بن ديلم والسعد بن العباس بن إبراهيم منهم لهذا العهد‏.‏ وكانت من قبل لعمه أبي يحيى بن إبراهيم‏.‏ وتقبض عليه السلطان أبو عثمان بإشارة عريف بن يحيى وأغرى به وهلك في محبسه‏.‏ وفيهم بطون كثيرة منهم بنو زيادة بن إبراهيم بن رومي والدهاقنة أولاد هلال بن حسن وبنو نوال بن حسن أيضاً وكلهم إخوة ديلم بن حسن وابن عكرمة من مزروع بن صالح ويعرفون بالعكارمة‏.‏ وهؤلاء العطاف والديالم أقل عدداً من سويد وأولياؤهم في فتنتهم مع بني عامر لمكان العصبية من نسب مالك ولسويد عليهم اعتزاز بالكثرة‏.‏ والديالم أبعد مجالاً منهم في القفر ويحاذيهم في مواطنهم من جانب التلول بطن من بطون الحرث يعرفون بغريب نسبهم إلى غريب بن حارث حي حلول بتلك المواطن طلبهم السلطان في العسكرة ويأخذ منهم المغارم وهم أهل شاة وبقر‏.‏ ورئاستهم في أبناء مزروع بن خليفة بن خلوف بن يوسف بن بكرة بن منهاب بن مكتوب بن منيع بن مغيث بن محمد الغريب وهو جدهم بن حارث‏.‏ وترادفهم في رئاستهم على غريب أولاد يوسف وهم جميعاً أولاد بني منيع وسائر غريب من الأحلاف شيوخهم أولاد كامل والله مالك الخلق والأمر‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:57 PM

بنو عامر بن زغبة
وأما بنو عامر بن زغبة فمواطنهم في آخر مواطن زغبة من المغرب الأوسط قبلة تلمسان مما يلي المعقل وكانت مواطنهم من قبل ذلك في آخرها مما يلي المشرق وكانوا مع بني يزيد حياً جميعاً وكانوا يغلبون غيرهم في مواطن حمزة والدهوس وبني حسن لميرة أقواتهم في المصيف‏.‏ ولهم على وطن بني يزيد ضريبة من الزرع متعارفة بين أهله لهذا العهد‏.‏ يقال أنها كانت لهم أزمان تغلبهم في ذلك الوطن وقيل إن أبا بكر بن زغبي في فتنته مع رياح غلبوه على الدهوس من وطنه فاستصرخ بني عامر فجاءوا لصريخه وعلى بني يعقوب داود بن عطاف وعلى بني حميد يعقوب بن معروف وعلى شافع صالح بن بالغ وغلبوا رياحاً بعزلان‏.‏ وفرض لهم على وطن بني يزيد ألف غرارة واستمرت لهم عادة عليهم‏.‏ ولما نقلهم يغمراسن إلى مواطنهم هذه لمحاذاة تلمسان ليكونوا حجزاً بين المعقل وبين وطنها استقروا هنالك يتقلبون في قفارها في المشاتي ويظهرون إلى التلول في المرابع والمصايف‏.‏ وكان فيهم ثلاثة بطون‏:‏ بنو يعقوب بن عامر وبنو حميد بن عامر وبنو شافع بن عامر وهم بنو شقارة وبنو مطرف‏.‏ ولكل واحد من البطتين الآخرين أفخاذ وعماثر‏.‏ ولبني حميد فصائل أخرى فمنهم‏:‏ بنو حميد‏.‏ ومن عبيد الحجز وهم بنو حجاز بن عبيد‏.‏ وكان له من الولد حجاز وهجيش ابني حجاز‏.‏ ولجحرش حامد ومحمد ورباب‏.‏ ومن محمد الولالدة بنو ولاد بن محمد‏.‏ ومن رباب بنو رباب وهم معروفون لهذا العهد‏.‏ ومن عبيد أيضاً العقلة بنو عقيل بن عبيد والمحارزة بنو محرز بن حمزة بن عبيد‏.‏ وكانت الرئاسة على حميد لعلاق من هؤلاء المحارزة وهم الذين قبل جحرش جذبني رباب‏.‏ وكانت الرئاسة على بني عامر كافة لبني يعقوب على عهد يغمراسن وابنه لداود بن هلال بن عطاف بن رداد بن ركيش بن عياد بن منيع بن يعقوب منهم‏.‏ وكان بنو حميد أيضاً برئيسهم وشيخهم إلا أنه رديف لشيخ بني يعقوب - منهم‏.‏ وكانت رئاسه حميد لأولاد رباب بن حامد بن جحرش بن حجاز بن عبيد بن حميد ويسمون الحجز‏.‏ وعلى عهد يغمراسن لمعرف بن سعيد بن رباب منهم وهو رديف لداود كما قلناه‏.‏ ووقعت بين عثمان وبين داود بن عطاف مغاضبة وسخطه عثمان لما أجاز الأمير أبا زكريا ابن السلطان أبي إسحق من آل أبي حفص حين فر من تلمسان طالباً الخروج على الخليفة بتونس وكان عثمان بن يغمراسن في بيعته فاعتزم على رجعه فأبى داود من إخفار ذمته في ذلك‏.‏ ورحل معه حتى لحق بعطية بن سليمان من شيوخ الدواودة وتغلب على بجاية وقسطنطينة كما يذكر في أخباره‏.‏ وأقطع داود بن هلال رعياً لفعلته وطناً من بلاد حمزة يسمى كدارة وأقام داود هنالك في مجالاتهم الأولى إلى أن نازل يوسف بن يعقوب تلمسان وطال حصاره لها فوفد عليه داود مؤملاً صلاح حاله لديه وحمله صاحب بجاية رسالة إلى يوسف بن يعقوب فاستراب به من أجلها‏.‏ فلما قفل من وفادته بعث في أثره خيالة من زناتة بيتوه ببني يبقى في سد وقتلوه‏.‏ وقام بأمره في قومه ابنه سعيد ونفس مخنق الحصارعلى تلمسان‏.‏ وكان قبل بني مرين لأبيه وسيلة رعاها لهم بنو عثمان بن يغمراسن فرجعوهم إلى مواطنهم ومع قومهم‏.‏ وقد اغتر أولاد معرف بن سعيد في غيبتهم تلك يساجلونهم في رئاسة بني عامر وغص كل واحد بمكان صاحبه واختص بنو معرف بإقبال الدولة عليهم لسلامتهم من الحزازة والخلاف‏.‏ ونزع سعيد بن داود لأجل هذه الغيرة إلى بني مرين‏.‏ ووفد على السلطان أبي ثابت من ملوكهم يؤمل به الكرة فلم يصادف لها محلاً ورجع إلى قومه‏.‏ وكانوا مع ذلك حياً جميعاً ولم تزل السعاية بينهم ندب حتى عدا إبراهيم بن يعقوب بن معرف على سعيد بن داود فقتله وتناول قتله ماضي بن ردان من أولاد معرف بن عامر بمجالاته وتعصبة عليه أولاد رباب كافة فافترق أمر بني عامر وصاروا حيين‏:‏ بنو يعقوب وبنو حميد‏.‏ وذلك لعهد أبي حمو موسى بن عثمان من آل زيان وقام بأمر بني يعقوب بعد سعيد ابنه عثمان‏.‏ ثم هلك بعد حين إبراهيم بن يعقوب شيخ بني حميد وقام مقامه من بني قومه ابنه عامر بن إبراهيم وكان شهماً حازماً وله ذكر ونزل المغرب قبل عريف بن يحيى ونزل على السلطان أبي سعيد وأصهر إليه ابنته فأنكحه عامر إياها وزفها إليه ووصله بمال له خطر فلم يزل عثمان يحاول أن يثأر منه بأبيه بالفتنة تارة والصلح والاجتماع أخرى حتى غدره في بيته وقتله وارتكب فيه الشنعاء التي تنكرها العرب فتقاطع الفريقان لذلك آخر الدهر‏.‏ وصارت بنو يعقوب أحلافاً لسويد في فتنتهم مع بني حميد هؤلاء‏.‏ ثم تلاحقت ظواعن سويد بعريف بن يحيى في مكانه عند بني مرين واستطال ولد عامر بن إبراهيم بقومهم على بني يعقوب فلحقوا بالمغرب ولم يزالوا به إلى أن جاؤوا في عساكر السلطان أبي الحسن وهلك شيخهم عثمان‏.‏ قتله أولاد عريف بن سعيد بثأر عامر بن إبراهيم وولي بعده ابن عمه هجرس بن غانم بن هلال فكان رديفاً له في حياته‏.‏ ثم هلك وقام بأمره عمه سليمان بن داود‏.‏ ولما تغلب السلطان أبو الحسن على تلمسان فر بنو عامر بن إبراهيم إلى الصحراء وكان شيخهم لذلك العهد صغير ابنه‏.‏ واستألف السلطان على يد عريف بن يحيى سائر بطون حميد وأولاد رباب فخالفوا صغيراً وإخوانه إلى السلطان‏.‏ وولى عليهم شيخاً من بني عمهم عريف بن سعيد وهو يعقوب بن العباس بن ميمون بن عريف‏.‏ ووفد بعد ذلك عمر بن إبراهيم عم صغير فولاه عليهم واستخدمهم ولحق بنو عامر بن إبراهيم بالدوادة ونزلوا على يعقوب بن علي ولم يزالوا هناك حتى شبوا نار الفتنة بالدعي بن هيدور المهيمن بشعبه أبي عبد الرحمن ابن السلطان أبي الحسن‏.‏ وأعانه على ذلك أهل الحقود على الدولة والأضغان من الديالم وأولاد ميمون بن غنم بن سويد نقموا على الدولة مكان عريف وابنه ونزمار منها فاجتمعوا وبايعوا لهذا الدعي‏.‏ وأوعز السلطان إلى وزنزمار بحربهم فنهض إليهم بالعرب كافة وأوقع بهم وفضهم ومزق جموعهم‏.‏ وطال مفر صغير بن عامر وإخوته في القفار وأبعدوا في الهرب قطعوا العرق الرمل الذي هو سياج على مجالات العرب ونزل قليعة والد وأوطنها‏.‏ ووفد بعد ذلك على السلطان أبي الحسن متذمماً به فقبل وفادته واسترهن أخاه أبا بكر وصحب السلطان إلى إفريقية وحضر معه واقعة القيروان‏.‏ ثم رجع إلى قومه وعادوا جميعاً لولاية بني يغمراسن واستخدموا قبائلهم لأبي سعيد عثمان بن عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن الدائل بتلمسان بعد واقعة القيروان أعوام خمسين وسبعمائة فكان له ولقومه فيها مكان‏.‏ ولحق سويد وبنو يعقوب بالمغرب حتى جاءوا في مقدمة السلطان أبي عنان‏.‏ ولما هلك بنو عبد الواد وافترق جمعهم فر صغير إلى الصحراء على عادته وأقام بالقفر يترقب الخوارج ولحق به أكثر قومه من بني معرف بن سعيد فأجلب بهم على كل ناحية‏.‏ وخالف أولاد حسين بالمعقل على السلطان أبي عنان أعوام خمسة وخمسين وما بعدها ونازلوا سجلماسة فكاثرهم وكان معهم وأوقعت بهم عساكر بني مرين في بعض سني خلائهم وهم بنكور يمتارون فاكتسحوا عامه أموالهم وأثخنوا فيهم قتلاً وأسراً‏.‏ ولم يزالوا كذلك شريداً في الصحراء وسويد وبنو يعقوب بمكانهم من المجالات وفي حظهم عند السلطان حتى هلك السلطان أبوعنان وجاء أبوحمو موسى بن يوسف أخو السلطان أبي سعيد عثمان بن عبد الرحمن لطلب ملك قومه بتلمسان وكان مستقراً بتونس منذ غلبهم أبو علي على أمرهم فرحل صغير إلى وطن الدواودة ونزل على يعقوب بن علي أزمان خلافه على السلطان أبي عنان وداخله في استخلاص أبي حمو هذا من إيالة الموحدين للأجلاب على وطن تلمسان وبني مرين الذين به فأرسلوه معه وأعطوه الآلة‏.‏ ومضى به مقير وصولة بن يعقوب بن علي وزيان بن عثمان بن سباع وشبل اين أخيه ملوك بني عثمان‏.‏ ومن بادية رياح دغار بن عيسى بن رحاب بقومه من سعيد وبلغوا معهم إلى تخوم بلادهم فرجع عنهم رياح إلا دغار بن عيسى وشبل بن ملوك ومضوا لوجههم‏.‏ ولقيتهم جموع سويد وكان الغلب لبني عامر‏.‏ وقتل يومئذ شيخ سويد بن عيسى عريف وأسر أخوه أبو بكر‏.‏ ثم من عليه علي بن عمر بن إبراهيم وأطلقه‏.‏ ولم يتصل الخبر بفاس إلا والناس منصرفون من جنازة السلطان أبي عنان‏.‏ ثم أجلب أبو حمو بالمغرب على تلمسان فأخذها وغلب عساكر بني مرين عليها واستوسق ملكه بها‏.‏ ثم هلك مقير لسنتين أو نحوهما حمل نفسه في جولة فتنة في الحي يروم تسكينها على بعض الفرسان فاعترضه سنان رمح على غير قصد فأنفذه وهلك لوقته‏.‏ وولي رئاستهم من بعده أخوه خالد بن عامر يرادفه عبد الله ابن أخيه مقير‏.‏ وخلصت رغبة كلها للسلطان أبي حمو فأساء بني مرين لما كان بينهم من الفتنة واستخدمهم جميعاً على مضاربهم وعوائدهم من سويد وبني يعقوب والديالم والعطاف حتى إذا كانت فتنة أبي زيان بن السلطان أبي سعيد عم أبي حمو كما نذكره في خبرهم جأش مرجل الفتنة من زغبة واختلفوا على أبي حمو وتقبض على محمد بن عريف أمير سويد لاتهامه إياه بالإدهان في أمره فنزع أخوه أبو بكر وقومه إلى صاحب المغرب عبد العزيز ابن السلطان أبي الحسن سنة سبعين وسبعمائة وجاؤوا في مقدمته واستولى على مواطنهم‏.‏ ولحق بنو عامر وأبو حمو بالصحراء وطال ترددهم فيها وسعى عند أبي حمو في خالد من عمومته وأقاربه عبد الله بن عسكر بن معرف بن يعقوب ومعرف هو أخو إبراهيم بن يعقوب‏.‏ وكان عبد الله هذا بطانة للسلطان وعيناً فاستفسد بذلك قلب خالد وتغير ونبذ إليه عهده ونزع عنه إلى السلطان عبد العزيز‏.‏ وجاءت به عساكر بني مرين أوقع بالسلطان أبي حمو ومن معه من العرب‏.‏ وهلك عبد العزيز سنة أربع وسبعين فارتحل إلى المغرب هو وعبد الله ابن أخيه مقير ولحقهم ساسي بن سليم بن داود شيخ بني يعقوب‏.‏ كان قومه بني يعقوب قتلوا أبناء محمد بن عريف فحدثت بينهم فتنة ولحق ساسي هذا وقومه بالمغرب وصحب خالداً يؤمل به الكرة ويئسوا من صريخ بني مرين لما بينهم من الفتنة فرجعوا إلى أوطانهم سنة سبع وسبعين وأضرموا نار الفتنة‏.‏ وخرجت إليهم عساكر السلطان أبي حمو مع ابنه أبي تاشفين وزحف معه سويد والديالم والعطاف فأوقعوا بهم على وادي مينا قبلة القلعة‏.‏ وقتل عبد الله بن مقير وأخوه ملوك في قرابة لهم آخرين وسار فلهم شريداً إلى الصحراء ولحقوا بالديالم والعطاف واجتمعوا جميعاً إلى سالم بن إبراهيم كبير الثعالبة وصاحب وطن متيجه وكان يتوجس من أبي حمو الخيفة فاتفقوا على الخلاف وبعثوا إلى الأمير أبي زيان بمكانه من وطن رياح فجاءهم وتابعوه وأمكنه سالم من الجزائر‏.‏ ثم هلك خالد في بعض تلك الأيام فافترق أمرهم وولي على بني عامر المسعود بن مقير وزحف إليهم أبو حمو في سويد وأوليائه من بني عامر واستخدم سالم بن إبراهيم وخرج أبو زيان إلى مكانه من وطن رياح ولحق المسعود بن عامر وقومه بالقفر‏.‏ ولحق ساسي بن سليم بيعقوب بن علي وقومه من الدواودة‏.‏ ثم راجعوا جميعاً خدمة السلطان وأوفدوا عليه فأمنهم وقدموا عليه وأظهروا البر والرحب بالمسعود وساسي وطوى لهم على السوء‏.‏ ثم داخل بطانة من بني عامر وسويد في نكبتهم فأجابوه ومكر بهم وبعث ابنه أبا تاشفين لقبض الصدقات من قومهم حتى اجتمع له ما أراد من الجموع فتقبض على المسعود وعشرة من إخوانه بني عامر بن إبراهيم‏.‏ ونهض أبو تاشفين والعرب جميعاً إلى أحياء بني يعقوب وكانوا بسيرات وقد أرصد لهم سويد بوادي مينا فصبحهم بنو عامر بمكانهم واكتسحوهم‏.‏ وصار فلهم إلى الصحراء فاعترضهم أبو تاشفين ببني راشد فلم يبق لهم باقية ونجا ساسي بن سليم إلى الصحراء في فل قليل من قومه ونزل على النضر بن عروة واستبد برئاسة بني عامر سليمان بن إبراهيم بن يعقوب عم مقير ورديفه عبد الله بن عسكر بن ثم بعث صاحب المغرب السلطان أبو العباس أحمد بن الولي أبا سالم بالشفاعة في المسعود وإخوانه بوسيلة من ونزمار بن عريف بعد أن كان مداخلاً لأبي حمو ولإخوانه في نكبتهم فأطلقهم أبو حمو بتلك الشفاعة فعادوا إلى الخلاف وخرجوا إلى الصحراء واجتمع إليهم الكثير من أولاد إبراهيم بن يعقوب‏.‏ واجتمع أيضاً فل بني يعقوب من مطارحهم إلى شيخهم ساسي بن سليم ونزلوا جميعاً مع عروة‏.‏ وأوفد إخوانه على السلطان أبي العباس صاحب إفريقية لهذا العهد متذمماً به وصريخاً على عدوه فتلقاه من البر والإحسان ما يناسبه وأفاض في وفده العطاء وصرفه بالوعد الجميل‏.‏ وشعر بذلك أبو حمو فبعث من عيونه من اغتاله ووفد بعدها على السلطان أبي العباس صاحب إفريقية علي بن عمر بن إبراهيم وهو ابن عم خالد بن محمد وكبير النفر المخالفين من بني عامر على أبي حمو‏.‏ ووفد معه سليمان بن شعيب بن عامر فوفدوا عليه بتونس يطلبون صريخه فأجابهم ووعدهم وأحسب بالإحسان والمبرة أمامهم ورجعوا إلى قومهم‏.‏ ثم راجع علي بن عمر خدمة أبي حمو وقدمه على بني عامر وأدال به من سليمان بن إبراهيم بن عامر فخرج سليمان إلى أهل بيته من ولد عامر بن إبراهيم الذين بالصحراء ونزلوا مع بني يعقوب بأحياء أبي بكر بن عريف وهو على ذلك لهذا العهد والله مقدر الليل والنهار‏.‏ وأما عروة بن زغبة فهم بطنان‏:‏ النضر بن عروة‏.‏ وبطون خميس ثلاثة‏:‏ عبيد الله وفرغ ويقظان‏.‏ ومن بطون فرغ بنو قائل أحلاف أولاد يحيى من المعمور القاطنين بجبل راشد‏.‏ وبنو يقظان وعبيد الله أحلاف لسويد يظعنون لظعنهم ويقيمون لإقامتهم ورئاستهم لأولاد عابد من بطن راشد‏.‏ وأما النضر بن عروة فمنتبذون بالقفر ينتجعون في رماله ويصعدون إلى أطراف التلول في إيالة الديالم والعطاف وحصين وتخوم أوطانهم وليس لهم ملك ولا إقطاع لعجزهم عن دخول التلول بلغتهم وممانعة بطون زغبة الآخرين عنها إلا ما تغلبوا عليه في أذناب الوطن بجبل المستند مما يلي وطن رياح يسكنه قوم من غمرة وزناتة استمر عليهم غلب الغرب منذ سنين‏.‏ فوضع النضر هؤلاء عليهم الأتاوة وأصاروهم خولاً ورعية‏.‏ وربما نزل منهم مع هؤلاء البرابر من عجز عن الظعن في بيوتهم ولهم بطون مذكورة أولاد خليفة والخماننة وشريعة والسحاوى وذوي زيان وأولاد سليمان‏.‏ ورئاستهم جميعاً في أولاد خليفة بن النضر بن عروة وهي لهذا العهد لمحمد بن زيان بن عسكر بن خليفة ورديفه سمعون بن أبي يحيى بن خليفة بن عسكر وأكثر السحارى موطنون بجبل المشنتل الذي ذكرناه ورئاستهم في أولاد وناجعة‏.‏ هؤلاء النضر أحلاف لزغبة دائماً فتارة للحرب وحصين جيرانهم في المواطن وتارة لبني عامر في فتنتهم مع سويد ونديتهم مع بني عامر فيما يزعمون بآل قحافة وسمعت من مشايخهم أنه ليس بأب لهم وإنما هو اسم واد كان به حلفهم قديماً وربما يظاهرون سويداً على ابن عامر إلا أنه في الأقل والندرة‏.‏ وهم إلى حلف بني عامر أقرب وأسرع لما ذكرناه‏.‏ وربما ظاهروا رياحاً بعض المرات في فتنتهم لجوإر الوطن إلا أنه قليل أيضاً وفي النادر‏.‏ ويتناولون في الأكثر مع البادية من رياح مثل مسلم وسعيد وربما وقعت بنيهم حروب في القفر يصيب فيها بعض من دماء بعض هذه بطون زغبة وما تأدى إلينا من أخبارهم‏.‏ ولله الخلق والأمر وهو رب العالمين‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:57 PM

المعقل من بطون الطبقة الرابعة
الخبر عن المعقل من بطون هذه الطبقة الرابعة وأنسابهم وتصاريف أحوالهم هذا القبيل لهذا العهد من أوفر قبائل العرب ومواطنهم بقفار المغرب الأقصى مجاورون لبني عامر من زغبة في مواطنهم بقبلة تلمسان وينتهون إلى البحر المحيط من جانب الغرب وهم ثلاثة بطون‏:‏ ذوي عبيد الله وذوي منصور وذوي حسان‏.‏ فذوي عبيد الله منهم هم المجاورون لبني عامر ومواطنهم بين تلمسان وتاوريرت في التل وما يواجهها من القبلة‏.‏ ومواطن ذوي منصور من تاوريرت إلى بلاد درعة فيستولون على ملوية كلها إلى سجلماسة وعلى درعة وعلى ما يحاذيها من التل مثل تاري وغساسة ومكناسة وفاس وبلاد تادلا والمقدر‏.‏ ومواطن ذوي حسان من درعة إلى البحر المحيط وينزل شيوخهم في بلد نول قاعدة السوس فيستولون على السوس الأقصى وما إليه وينتجعون كلهم في الرمال إلى مواطن الملثمين من كدالة ومستوفة ولمتونة‏.‏ وكان دخولهم إلى المغرب مع الهلاليين في عدد قليل يقال أنهم لم يبلغوا المائتين‏.‏ واعترضهم بنو سليم فأعجزوهم وتحيزوا إلى الهلاليين منذ عهد قديم ونزلوا بآخر مواطنهم مما يلي ملوية ورمال تافيلالت وجاوروا زناتة في القفار والغربية فعفوا وكثروا وأنبتوا في صحارى المغرب الأقصى فعمروا رماله وتغلبوا على فيافيه‏.‏ وكانوا هناك أحلافاً لزناتة سائر أيامهم‏.‏ وبقي منهم بإفريقية جمع قليل اندرجوا في جملة بني كعب بن سليم وداخلوهم حتى كانوا وزراء لهم في الاستخدام للسلطان واستئلاف للعرب‏.‏ فلما ملكت زناتة بلاد المغرب ودخلوا إلى الأمصار والمدن‏.‏ قام هؤلاء المعقل في القفار وتفردوا في البيداء فنموا نمواً لا كفاء له وملكوا قصور الصحراء التي اختطها زناتة بالقفر مثل قصور السوس غرباً ثم توات ثم بودة ثم تامنطيت ثم واركلان ثم تاسبيبت ثم تيكورارين شرقاً‏.‏ وكل واحد من هذه وطن منفرد يشتمل على قصور عديدة ذات نخيل وأنهار وأكثر سكانها من زناتة وبينهم فتن وحروب على رياستها‏.‏ فجاز عرب المعقل هؤلاء الأوطان في مجالاتهم ووضعوا عليها الأتاوات والضرائب وصارت لهم جباية يعتدون فيها ملكاً‏.‏ وكانوا من تلك السالفة يعطون الصدقات لملوك زناتة ويأخذونهم بالدماء والطوائل ويسمونها حمل الرحيل‏.‏ وكان لهم الخيار في تعيينها‏.‏ ولم يكن هؤلاء العرب يستبيحون من أطراف المغرب وتلوله حمى ولا يعرضون لسابلة سجلماسة ولا غيرها من بلاد السودان بأذية ولا مكروه لما كان بالمغرب من اعتزاز الدول وسد الثغور وكثرة الحامية أيام الموحدين وزناتة بعدهم‏.‏ وكان لهم بإزاء ذلك أقطاع من الدول يمدون إلى أخذه اليد السفلى وفيهم‏:‏ من مسلم سعيد بن رياح والعمور من الأثبج وعددهم كما قلنا قليل‏.‏ وإنما كثروا بمن اجتمع إليهم من القبائل من غير نسبهم‏.‏ فإن فيهم من فزارة ومن أشجع أحياء كبيرة وفيهم الشظة من كرفة والمهاية من عياض والشعراء من حصين والصباح من الأخضر ومن بني سليم وغيرهم‏.‏ وأما أنسابهم عند الجمهور فخفية ومجهولة ونسابة العرب من هلال يعدونهم من بطون هلال وهو غير صحيح وهم يزعمون أن نسبهم في أهل البيت إلى جعفر بن أبي طالب وليس ذلك أيضا بصحيح‏.‏ لأن الطالبيين والهاشميين لم يكونوا أهل بادية ونجعة‏.‏ والصحيح والله أعلم من أمرهم أنهم من عرب اليمن فإن فيهم بطنين يسمى كل واحد منهما بالمعقل‏.‏ ذكرهما ابن الكلبي وغيره فأحدهما من قضاعة بن مالك بن حمير وهو معقل بن كعب بن غليم بن خباب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد بن اللات بن رفيدة بن ثور بن كعب بن وبرة بن ثعلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة‏.‏ والآخر من بني الحرث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مذحج واسمه مالك بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زير بن كهلان وهو معقل واسمه ربيعة بن كعب بن ربيعة بن كعب بن الحرث‏.‏ والأنسب أن يكونوا من هذا البطن الآخر الذي من مذحج كان اسمه ربيعة وقد عده الإخباريون في بطون هلال الداخلين إلى إفريقية لأن مواطن بني الحرث بن كعب قريب من البحرين حيث كان هؤلاء العرب مع القرامطة قبل دخولهم إلى إفريقية‏.‏ ويؤيده أن ابن سعيد لما ذكر مذحج وأنهم بجهات الجبال من اليمن وذكر من بطونهم زبيد ومراد ثم قال‏:‏ وبإفريقية منهم فرقة وبرية ترتحل وتنزل وهؤلاء الذين ذكر إنما هم المعقل الذين هم بإفريقية وهم فرقه من هؤلاء الذين بالمغرب الأقصى‏.‏ ومن إملاء نسابتهم‏:‏ أن معقل جدهم له من الولد سحير ومحمد فولد سحير عبيد الله وثعلب‏.‏ فمن عبيد الله ذوي عبيد الله البطن الكبير منهم‏.‏ ومن ثعلب الثعالب الذين كانوا ببسيط متيجة من نواحي الجزائر‏.‏ وولد محمد‏:‏ مختار ومنصور وجلال وسالم وعثمان‏.‏ فولد مختار بن محمد‏:‏ حسان وشبانة‏.‏ فمن حسان‏:‏ ذوي حسان البطن المذكور أهل السوس الأقصى‏.‏ ومن شبانة الشبانات جيرانهم هنالك‏.‏ ومنهم بطنان‏:‏ بنو ثابت وموطنهم تحت جبل السكسيوي من جبال أدرن وشيخهم لهذا العهد أوما قبله يعيش بن طلحة‏.‏ والبطن الآخر آل علي وموطنهم في برية هنكيسة تحت جبل كزولة وشيخهم لهذا العهد أو ما قرب منه حريز بن علي‏.‏ ومن جلال وسالم وعثمان الرقيطات بادية لذوي حسان ينتجعون معهم‏.‏ وولد منصور بن محمد حسين وأبو الحسين وعمران ونسباً يقال لهم جميعاً ذوي منصور وهو أحد بطونهم الثلاثة المذكورة والله سبحانه وتعالى أعلم بغيبه وأحكم‏.‏ ذوي عبيد الله فأما ذوي عبيد الله فهم المجاورون لبني عامر بن زغبة وفي سلطان بني عبد الواد من زناتة فمواطنهم ما بين تلمسان إلى وجدة إلى مصب وادي ملوية في البحر ومنبعث وادي صا من القبلة‏.‏ وتنتهي رحلتهم في القفار إلى قصور توات وتمنطيت وربما عاجوا ذات الشمال إلى تاسابيت وتوكرارين‏.‏ وهذه كلها رقاب السفر إلى بلاد السودان‏.‏ وبينهم وبين بني عامر فتن وحروب موصولة‏.‏ وكان لهم مع بني عبد الواد مثلها قبل السلطان والدولة فما كانوا أحلافاً لبني مرين‏.‏ وكان المنبات من ذوي منصور أحلافاً لبني عبد الواد فكان يغمراسن يوقع بهم أكثر أوقاته وينال منهم إلى أن صحبوا بسبب الجوار واعتزت عليهم الدولة فأعطوا الصدقة والطوائل وعسكروا مع السلطان في حروبه‏.‏ ولم يزل ذلك إلى أن لحق الدولة الهرم الذي يلحق مثلها فوطنوا التلول وتملكوا وجدة وندرومة وبني يزناسن ومديونة وبني سنوس أقطاعاً من السلطان إلى ما كان لهم عليها قبل من الأتاوات والوضائع فصار معظم جبايتها لهم وضربوا على بلاد هنين بالساحل ضريبة الإجازة منها إلى تلمسان فلا يسير ما بينهما مسافر أيام حلولهم بساحتها إلا بإجازتهم وعلى ضريبة يؤديها إليهم‏.‏ وهم بطنان‏:‏ الهراج والخراج فالخراج من ولد فزاج بن مطرف بن عبيد الله ورئاستهم في أولاد عبد الملك وفرج بن علي بن أبي الريش بن نهار بن عثمان بن خراج لأولاد عيسى بن عبد الملك ويعقوب بن عبد الملك ويغمور بن عبد الملك‏.‏ وكان يعقوب بن يغمور شيخهم لعهد السلطان أبي الحسن ولما تغلب على تلمسان استخدم له عبيدالله هؤلاء‏.‏ وكان يحيى بن العز من رجالة بني يزناسن أهل الجبل المطل على وجدة‏.‏ وكان له قدم في خدمة الدول فاتصل بالسلطان أبي الحسن ورغبه في ملك قصور هذه الصحراء فبعثه مع هؤلاء العرب في عسكر ودخل معهم إلى الصحراء وملك تلك القصور واستولى عليها‏.‏ وأسف عبيد الله بانتزاع أملاكهم وسوء المعاملة لهم فوثبوا به وقتلوه في خبائه وانتهبوا عسكر السلطان الذين معه ونقضوا الطاعة‏.‏ وفر يعقوب بن يغمور فلم يزل شريداً بالصحراء سائر أيامه ورجع بعد ذلك‏.‏ ثم عادت دولة بني عبد الواد فصدوا في ولايتها فلم يزل على ذلك وخلفه ابنه طلحة وكان أيام خلاف يعقوب وانتقاضه رأس على الخراج من أهل بيته منصور بن يعقوب بن عبد الملك وابنه رحو من بعده‏.‏ وجاء أبو حمو فكان له في خدمته ومخالطته قدم فقدمه شيخاً عليهم‏.‏ فرئاستهم لهذا العهد منقسمة بين رجو بن منصور بن يعقوب بن عبد الملك وبين طلحة بن يعقوب المذكور آنفاً وربما نازعه‏.‏ ولهم بطون كثيرة فمنهم‏:‏ الجعاونة من جعوان بن خراج والغسل من غاسل بن خراج والمطارفة من مطرف بن خراج والعثامنة من عثمان بن خراج‏.‏ وفيهم رياستهم كما قلناه ومعهم ناجعة يسمون بالمهاية ينسبون تارة إلى المهاية بن عياض وقدمنا ذكرهم وتارة إلى مهيا بن مطرف‏.‏ وأما الهراج فمن ولد الهراج بن مهدي بن محمد بن عبيد الله ومواطنهم في ناحية المغرب عن الخراج فيجاورون بني منصور ولهم تاوريرت وما إليها‏.‏ وخدمتهم في الغالب لبني مرين وإقطاعاتهم من أيديهم ومواطنهم تحتهم ورجوعهم إلى عبد الواد في الأقل‏.‏ وفي بعض الأحايين ورئاستهم في ولد يعقوب بن هبا بن هراج لأولاد مرين بن يعقوب وأولاد مناد بن رزق الله بن يعقوب وأولاد فكرون بن محمد بن عبد الرحمن بن يعقوب من ولد حريز بن يحيى الصغير بن موسى بن يوسف بن حريز كان شيخاً عليهم أيام السلطان عبد العزيز وهلك عقبه ورأس عليهم ابنه‏.‏ ومن ولد مناد أبو يحيى الكبير بن مناد كان شيخاً قبل أبي يحيى الصغير وبالإضافة إليه وصف بالصغير‏.‏ ومنهم أبو حيمدة محمد بن عيسى بن مناد وهو لهذا العصر رديف لشيخهم من ولد أبي يجيى الصغير وهو كثير التقلب في القفار والغزو للقاصية ولأهل الرمال والملثمين‏.‏ والله ملك الأمور لا رب غيره ولا معبود سواه وهو نعم المولى ونعم النصير‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:58 PM

الثعالبة
وأما الثعالبة إخوتهم من ولد ثعلب بن علي بن بكر بن صغير أخي عبيد الله بن صغير فموطنهم لهذا العهد بمتيجة من بسيط الجزائر وكانوا قبلها بقطيري وطن حصين لهذا العهد نزلوها منذ عصور قديمة وأقاموا بها حياً حلولاً‏.‏ ويظهر أن نزولهم لها حين كان ذوو عبيد الله في مواطن بني عامر لهذا العهد وكان بنو عامر في مواطن بني سويد فكانت مواطنهم لذلك العهد متصلة بالتلول الشرقية فدخلوا من ناحية كزول وتدرجوا في المواطن إلى ضواحي المدينه ونزلوا جبل تيطري وهو جبل أشير الذي كانت فيه المدينة الكبيرة‏.‏ فلما تغلب بنو توجين على التلول وملكوا ونشريش زحف محمد بن عبد القوي إلى المدينة فملكها وكانت بينه وبينهم حرب وسلم إلى أن وفدت عليه مشيختهم فتقبض عليهم وأغزى من ورائهم من بقية الثعالبة واستلحمهم واكتسح أموالهم‏.‏ وغلبهم بعدها على تيطري وأزاحهم عنها إلى متيجة وأنزل قبائل حصين بتيطري وكانوا معه في عداد الرعايا يؤدون إليه المغارم والوظائف ويأخذهم بالعسكرة معه‏.‏ ودخل الثعالبة هؤلاء في إيالة ملكيش من صنهاجة ببسيط متيجة وأوطنوا تحت ملكتهم‏.‏ وكان لهم عليهم سلطان كما نذكره‏.‏ حتى إذا غلب بنو مرين على المغرب الأوسط وأذهبوا ملك ملكيش منها استبد الثعالبة هؤلاء بذلك البسيط وملكوه‏.‏ وكانت رياستهم في ولد سباع بن ثعلب بن علي بن مكن بن صغير‏.‏ ويزعمون أن سباعاً هذا كان ذا وفد على الموحدين يجعلون من فوق عمامته ديناراً يزن عدداً من الدنانير سابقة في تكرمته وترفيعه‏.‏ وسمعت من بعض مشيختنا أن ذلك لما كان من كرامته للإمام المهدي حين أجاز بهم فإنه مر بهم ساعياً فحملوه‏.‏ واستقرت الرئاسة في ولد سباع هذا في بني يعقوب بن سباع أولاً فكانت لهم مدداً ثم في عقب حنيش منهم‏.‏ ثم غلب السلطان أبو الحسن على ممالك بني عبد الواد ونقلهم إلى المغرب وصارت الولاية لهم لأبي الحملات ابن عائد بن ثابت وهو ابن عم حنيش‏.‏ وهلك في الطاعون الجارف أواسط هذه المائة الثامنة لعهد نزول السلطان أبي الحسن بالجزائر من ولم تزل رئاستهم إليه إلى أن هلك بعد استيلاء السلطان أبي عنان على المغربين كما نذكره في أخباره‏.‏ وقام برئاستهم ابنه سالم‏.‏ وكانوا أهل مغارم ووضيعة لمليكش ومن بعدهم من ولاة الجزائر حتى إذا هبت ريح العرب أيام خروج أبي زيان وحصين على أبي حمو أعوام ستين وسبعمائة كما ذكرناه‏.‏ وكان شيخهم لذلك العهد سالم بن إبراهيم بن نصر بن حنيش بن أبي حميد بن نابت بن محمد بن سباع فأخب في تلك الفتنة وأوضع وعاقد أبو حمو وانتقض عليه مراراً‏.‏ وغلب بنو مرين على تلمسان فتحيز إليهم‏.‏ وكانت رسله ووفده تقدموا إليهم بالمغرب‏.‏ ثم هلك السلطان عبد العزيز ورجع أبو حمو إلى ملكه ونزلت الغوائل فخشيه سالم‏.‏ واستدعى أبا زيان ونصبه بالجزائر وزحف إليه أبو حمو سنة تسع وسبعين ففض جمعه وراجع سالم خدمته‏.‏ وفارق أبا زيان كما نذكره في أخباره ثم زحف إليه أبو حمو وحاصره بجبال متيجة أياماً قلائل واستنزله على عهده‏.‏ ثم أخفره وتقبض عليه وقاده إلى تلمسان أسيراً وقتله قعصاً بالرماح‏.‏ وذهب أثره وما كان له من الرئاسة التي لم تكن الثعالبة لها بأهل‏.‏ ثم تتبع إخوانه وعشيره وقبيله بالقتل والسبي والنهب إلى أن دثروا والله يخلق مايشاء‏.‏
ذوي منصور
وأما أولاد منصور بن محمد فهم معظم هؤلاء المعقل وجمهورهم ومواطنهم تخوم المغرب الأقصى من قبلته ما بين ملوية ودرعة‏.‏ وبطونهم أربعة‏:‏ أولاد حسين وأولاد أبي الحسين وهما شقيقان والعمارنة أولاد عمران والمنبات أولاد منبا وهما شقيقان أيضاً‏.‏ ويقال لهذين البطنين جميعاً الأحلاف‏.‏ فأما أولاد أبي الحسن فعجزوا عن الظعن ونزلوا قصوراً اتخذوها بالقفر ما بين تافييلات وتيكورارين‏.‏ وأما أولاد حسين فهم جمهور ذوي منصور ولهم العزة عليهم ورئاستهم أيام بني مرين في أولاد خالد بن جرمون بن جرار بن عرفة بن فارس بن علي بن فارس بن حسين بن منصور كانت أيام السلطان أبي لحسن لعلي بن غانم‏.‏ وهلك إثر كائنة طريف‏.‏ وصارت لأخيه يحيى ثم لابنه عبد الواحد بن يحيى ثم لأخيه زكريا ثم لابن عمه أحمد بن رحو بن غانم ثم لأخيه يعيش ثم لابن عمه يوسف بن علي بن غانم لهذا العهد‏.‏ وكانت لبني مرين فيهم وقائع أيام يعقوب بن عبد الحق ابنه يوسف وسيأتي في أخبار بني مرين غزوة يوسف بن يعقوب من مراكش إليهم وكيف أوقع بهم بصحراء درعة‏.‏ ولما أقام بالشرق على تلمسان محاصراً لها أحلف هؤلاء العرب من المعقل على أطراف المغرب ما بين درعة وملوية إلى تاوريرت‏.‏ وكان العامل يومئذ بدرعة عبد الوهاب بن صاعد من صنائع الدولة وكبار ولاتها فكانت بينه وبينهم حروب قتل في محضها‏.‏ ثم هلك يوسف بن يعقوب ورجع بنو مرين إلى المغرب فأخذوا منهم بالثأر حتى استقاموا على الطاعة‏.‏ وكانوا يعطون الصدقة أطوع ما يكون إلى أن فشل ريح الدولة واعتزت العرب فصاروا يمنعون الصدقة إلا في الأقل يغلبهم السلطان على إعطائها‏.‏ ولما استولى السلطان أبو عنان على تلمسان أعوام خمسمين وسبعمائة وفر صغير بن عامر إلى الصحراء ونزل عليهم واستجار بهم فأجاروه‏.‏ ونكر السلطان عليهم ذلك فأجمعوا نقض طاعته وأقاموا معه بالصحراء وصغير متولي كبير ذلك الخلاف حتى إذا هلك أبو عنان وكان من سلطان أبي حمو بتلمسان نحن ذاكروه وزحف بنو مرين إلى تلمسان ففر منها أبو حمو وصغير ونزلوا عليهم فأوقعوا بعسكر بني مرين بنواحي تلمسان واتسع الخرق بينهم وبين بني مرين فانحازوا إلى أبي حمو وسلطانه وأقطعهم بضواحيه‏.‏ ثم رجعوا إلى أوطانهم بعد مهلك السلطان أبي سالم أعوام ثلاث وستين على حين اضطراب المغرب بفتنة أولاد السلطان أبي علي ونزولهم بسجلماسة فكان لهم في تلك الفتنة آثار إلى أن انقشعت‏.‏ ثم كان لأحمد بن رحو مع أبي حمو جولة وأجلب عليه بأبي زيان حافد أبي تاشفين فقتل في تلك الفتنة كما نذكره ثم اعتزوا على الدولة من بعد ذلك وأكثر مغارم درعة لهذا العهد وأقطع لهم ببلاد تادلا والمعدن من تلك الثنايا التي منها دخولهم إلى المغرب للمربع والمصيف ولميرات الأقوات‏.‏ وسجلماسة من مواطن إخوانهم الأحلاف كما نذكره وليست من مواطنهم فأما درعة فهي من بلاد القبلة موضوعة حقاً في الوادي الأعظم المنحدر من جبل درن من فوهة يخرج منها وادي أم ربيع ويتساهل إلى البسائط والتلول ووادي دريعة ينحدر إلى القبلة مغرباً إلى أن يصب في الرمل ببلاد السوس وعليه قصور درعة وواد آخر كبير أيضاً ينحدر إلى القبلة مشرقاً بعض الشيء إلى أن يصب فى الرمل دون تيكورارين وفي قبلتها‏.‏ وعليه من جهة المغرب قصور توات ثم بعدها تمنطيت ثم بعدها وركلان‏.‏ وعندها يصب في الرمل‏.‏ وفي الشمال عن ركان قصور تسابيت‏.‏ وفي الشمال عنها إلى الشرق قصور تيكورارين والكل وراء عرق الرمل‏.‏ وجبال درن هي الجبال العظيمة الجاثمة سياجاً على المغرب الأقصى من آسفي إلى تازي وفي قبلتها جبل نكيسة لصنهاجة وآخره جبل ابن حميدي من طرف هسكورة‏.‏ ثم ينعطف من هنالك جبال أخرى متوازية حتى تنتهي إلى ساحل بادس من البحر الرومي‏.‏ وصار المغرب لذلك كالجزيرة أحاطت الجبال به من القبلة والشرق والبحر ومن المغرب والجوف‏.‏ واعتمر هذه الجبال والبسائط التي بينها أمم من البربر لا يحصيهم إلا خالقهم والمسالك بين هذه الجبال إلى المغرب منحصرة ثم معدودة‏.‏ وبزحام القبائل المعتمرين لها كاظة‏.‏ ومصب وادي درعة هذا إلى الصحراء والرمال ما بين سجلماسة وبلاد السوس ويمتد إلى أن يصب في البحر ما بين نون ووادان وحفافيه قصور لا تحصى شجرتها النخل وقاعدتها بلد تادنست بلد كبير يقصده التجر للسلم في النيلج انتظار خروجه بالصناعة‏.‏ ولأولاد حسين هؤلاء استيلاء على هذا الوطن ومن بإزائه في فسيح جبلة من قبائل البربر صناكة وغيرهم ولهم عليهم ضرائب وخفرات ووضائع‏.‏ ولهم في مجابي السطان إقطاعات ويجاورهم الشبانات من أولاد حسان من ناحية الغرب فلهم بسبب دلك على درعة بعض الأتاوات‏.‏ وأما الأحلاف من ذوي منصور وهم العمارنة والمنبات فمواطنهم مجاورة لأولاد حسين من ناحية الشرق‏.‏ وفي مجالاتهم بالقفر تافيلات وصحراؤها‏.‏ وبالتل ملوية وقصور وطاط وتازي وبطوية وغساسة لهم على ذلك كله الأتاوات والوضائع وفيها الإقطاعات السلطانية‏.‏ وبينهم وبين أولاد حسين فتنة ويجمعهم العصبية في فتنة من سواهم‏.‏ ورئاسة العمارنة في أولاد مظفر بن ثابت بن مخلف بن عمران وكان شيخهم لعهد السلطان أبي عنان طلحة بن مظفر وابنه الزبير‏.‏ ولهذا العهد محمد بن الزبير وأخوه موسى ويرادفهم في رئاستهم أولاد عمارة بن قلان بن مخلف فكان منهم محمد العائد‏.‏ ومنهم لهذا العهد سليمان بن ناجي بن عمارة ينتجع في القفر ويكثر الغزو إلى اعتراض العير وقصور الصحراء‏.‏ ورئاسة المنبات لهذا العهد لمحمد بن عبد بن حسين بن يوسف بن فرج بن منبا وكانت أيام السلطان أبي عنان لأخيه علي من قبله وترادفهم في رئاستهم ابن عمهم عبد الله بن الحاج عامر بن أبي البركات بن منبا‏.‏ والمنبات والعمارنة اليوم إذا اجتمعوا جميعاً يكثر أولاد حسين‏.‏ وكان للمنبات كثيرة لأول دولة بني مرين‏.‏ وكان خلفهم مع بني عبد الواد‏.‏ وكان مقدمه يغمراسن بن زيان في افتتاح سجلماسة وتملكها من أيدي الموحدين ثم تغلب بنو مرين عليها وقتلوا من حاربها من مشيختهم مع بني عبد الواد ثم أوقعوا بالمنبات من بعد ذلك في مجالاتهم بالقفر واستلحموهم فنقص عددهم لذلك آخر الأيام والله مالك الأمور لا رب سواه‏.‏ مواطن العثامنة تلي مواطن بني منصور من جانب الغرب ويليهم أولاد سالم‏.‏ وفي حيز مواطنهم درعة ولهم عليها القفر‏.‏ ويليهم أولاد جلال عند منتهى عمارة درعة مما يلي المغرب والقبلة‏.‏ ويليهم غرباً إلى البحر الشبانات وهم أولاد علي وأولاد بو ثابت وأولاد حسان وراءهم من ناحية القبلة والغرب وينزلون مواطنهم بالغلب الذي لهم عليه‏.‏ ذوي حسان عرب السوس وأما بنو مختار بن محمد فهم كما قدمناه‏:‏ ذوي حسان والشبانات والرقيطات‏.‏ ومنهم أيضاً الجياهنة وأولاد برية وكانت مواطنهم بنواحي ملوية إلى مصبه في البحر مع إخوانهم ذوي منصور وعبيد الله إلى أن استصرخهم علي بن يدر الزكندري صاحب السوس من بعد الموحدين‏.‏ ونسبه بزعمه في عرب الفتح‏.‏ وكانت بينه وبين كزولة الظواعن ببسائط السوس‏.‏ وجبالة فتنة طويلة استصرخ لها بني مختار هؤلاء فصارخوه وارتحلوا إليه بظعونهم وحمدوا مواطن السوس لعدم المزاحم من الظواعن فيها فأوطنوها‏.‏ وصارت مجالاتهم بقفرها وغلبوا كزولة وأصاروهم في جملتهم ومن ظعونهم وغلبوا على القصور التي بتلك المواطن في سوس ونول‏.‏ ووضعوا عليها الأتاوات مثل تارودانت من سوس وهي ضفة وادي سوس حيث يهبط من الجبل وبين مصبه ومصب وادي ماسة حيث الرباط المشهور مرحلة إلى القبلة‏.‏ ومن هناك إلى زوايا أولاد بني نعمان مرحلة أخرى في القبلة على سائر البحر وتواصت على وادي نول حيث يدفع من جبل نكيسة غرباً وبينها وبين إيفري مرحلة والعرب لا يغلبونها وإنما يغلبون على البسائط في نواحيها‏.‏ وكانت هذه المواطن لعهد الموحدين من جملة ممالكهم وأوسع عمالاتهم‏.‏ فلما انقرض أمر الموحدين حجبت عن ظل الدولة وخرجت عن إيالة السلطان إلا ما كان بها لبني يدر هؤلاء الذين قدمنا ذكرهم‏.‏ وكان علي بن يدر مالكاً لقصورها وكان له من الجند نحو ألف فارس وولي من بعده عبد الرحمن بن الحسن بن يدر وبعده أخوه علي بن الحسن‏.‏ وكان لعبد الرحمن معهم حروب وفتن بعد استظهاره بهم وهزموه مرات متتابعة أعوام خمس وسبعمائة وما بعده وغدر هو بمشيختهم وقتلهم بتارودانت سنة ثمان من بعد ذلك‏.‏ وكان لبني مرين على هؤلاء المعقل بالسوس وقائع وأيام وظهر يعقوب بن عبد الحق ببني مرين في بعضها الشبانات على بني حسان‏.‏ واستلحم منهم عدداً وحاصرهم يوسف بن يعقوب بعدها فأمسكوها وأغرمهم ثمانية عشر ألفاً وأثخن فيهم بوسف بن يعقوب ثانية سنة ست وثمانين وحاربتهم جيوشه أيضاً أياماً لحق بهم بنو كمي من بني عبد الواد وخالفوا على السلطان فترددت إليهم العساكر واتصلت الحروب كما نذكر في أخباره‏.‏ ولما استفحل أمر زناتة بالمغرب‏.‏ وملك أبو علي ابن السلطان أبي سعيد سجلماسة واقتطعها عن ملك أبيه بصلح وقع على ذلك انضوى إليه هؤلاء الأعراب أهل السوس من الشبانات وبني حسان ورغبوه في ملك هذه القصور فأغزاها من تخوم وطنه بدرعة ودخل القرى عنوة‏.‏ وفر علي بن الحسن وأمه إلى جبال نكيسة عند صنهاجة ثم رجع‏.‏ ثم غلب السلطان أبو الحسن واستولى على المغرب كله ورغبة العرب في مثلها من قصور السوس فبعث معهم عساكره وقائده حسون بن إبراهيم بن عيسى من بني يرنيان فملكها وجبى بلاد السوس وأقطع فيه للحرب وساسهم في الجباية فاستقامت حاله مدة‏.‏ ثم انقرض آمر السلطان آبي الحسن فانقرض ذلك ورجع السوس إلى حاله وهو اليوم ضاح من ظل الدولة والعرب يقتسمون جبايته ورعاياه من قبائل المصامدة وصناهجة قبائل الجباية‏.‏ والظواعن منهم يقتسمونهم خولاً للعسكرة مثل كزولة مع بني حسان وزكرز ولخس من لمطة مع الشبانات هذه حالهم لهذا العهد‏.‏ ورئاسة ذوي حسان في أولاد أبي الخليل بن عمر بن عفير بن حسن بن موسى بن حامد بن سعيد بن حسان بن مختار لمخلوف بن أبي بكر بن سليمان بن الحسن بن زيان بن الخليل ولأخوانه‏.‏ ولا أدري رئاسة الشبانات لمن هي منهم إلا أنهم حرب لبني حسان آخر الأيام‏.‏ والرقيطات في غالب أحوالهم أحلاف للشبانات وهم أقرب إلى بلاد المصامدة وجبال درن وذوي حسان أبعد في القفر والله تعالى يخلق ما يشاء لا إله إلا هو‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 03:59 PM

بني سليم من الطبقة الرابعة
الخبر عن بني سليم بن منصور من هذه الطبقة الرابعة وتعديد بطونهم وذكر أنسابهم وأولية أمرهم وتصاريف أحوالهم ونبدأ أولاً بذكر بني كعب وأخبارهم‏.‏ وأما بني سليم هؤلاء فبطن متسع من أوسع بطون مضر وأكثرهم جموعاً وكانت منازلهم بنجد‏.‏ وهم بنو سليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس وفيهم شعوب كثيرة‏.‏ ورئاستهم في الجاهلية لبني الشريد بن رياح بن ثعلبة بن عطية بن خفاف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم وعمرو بن الشريد عيظم مضر وأبناؤه صخر ومعاوية‏.‏ فصخر أبو الخنساء وزوجها العباس بن مرداس صحابي حضرت معه القادسية‏.‏ ومن بطون سليم‏:‏ عصية ورعل وذكوان الذين دعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتكوا بأصحابه فحمد ذكرهم‏.‏ وكان بنو سليم لعهد الخلافة العباسية شوكة بغي وفتنة حتى لقد أوصى بعض خلفائهم ابنه أن لا يتزوج فيهم‏.‏ وكانوا يغيرون على المدينة وتخرج الكتائب من بغداد إليهم وتوقع بهم وهم منتبذون بالقفر ولما كانت فتنة القرامطة صاروا حلفاء لأبي الطاهر ثم لما انقرض أمر القرامطة غلب بنو سليم على البحرين بدعوة الشيعة لما أن القرامطة كانوا على دعوتهم‏.‏ ثم غلب بنو الأصفر بن تغلب على البحرين بدعوة العباسية أيام بني بويه وطردوا عنها بني سليم فلحقوا بصعيد مصر‏.‏ وأجازهم المستنصر على يد اليازوري وزيره إلى إفريقية لحرب المعز بن باديس عند خلافته عليهم كما ذكرنا ذلك أولاً فأجازوا مع الهلاليين وأقاموا ببرقة وجهات طرابلس زماناً‏.‏ ثم صاروا إلى أفريقية كما يذكر في الخبر عنهم‏.‏ وبإفريقية وما إليها من هذا العهد من بطونهم أربعة بطون‏:‏ زغب وذياب وهبيب وعوف‏.‏ فأما زغب فقال ابن الكلبي في نسبته‏:‏ زغب بن نصر بن خفاف بن امرىء القيس بن بهنة بن سليم‏.‏ وقال أبو محمد التجاني من مشيخة التونسيين في رحلته أنه زغب بن ناصر بن خفاف بن جرير بن ملاك بن خفاف وزعم أنه أبو ذياب وزغب الأصغر الذين هم الآن من أحياء بني سليم بإفريقية‏.‏ وقال أبو الحسن بن سعيد‏:‏ هو زغب بن مالك بن بهنة بن سليم كانوا بين الحرمين وهم الآن بإفريقية مع إخوانهم ونسب ذياب بن مالك بن بهنة فالله أعلم بالصحيح من ذلك‏.‏ ونسب بن سعيد والتجاني لهؤلاء قريب بعضه من بعض ولعله واحد‏.‏ وسقط لابن سعيد جد‏.‏ وأما هبيب فهو ابن بهنة بن سليم ومواطنهم من أول أرض برقة مما يلي إفريقية إلى العقبة الصغيرة من جهة الإسكندرية فأقاموا هنالك بعد دخول إخوانهم إلى إفريقية‏.‏ وأول ما يلي الغرب منهم بنو حميد لهم أجرابية وجهاتها‏.‏ وهم عديد يرهبهم الحاج ويرجون إلى شماخ وقبائل شماخ لها عدد ولهم العز في هيب لكونها حازت خصب برقة الذي منه المرج‏.‏ وفي شرقيهم إلى العقبة الكبيرة من قبائل هيب بنو لبيد وهم بطون عديدة‏.‏ وبين شماخ ولبيد فتن وحروب‏.‏ وفي شرقيهم إلى العقبة الصغيرة شمال ومحارب والرئاسة في هاتين القبيلتين لبني عزاز وهم المعروفون بالعزة‏.‏ وجميع بطون هيب هذه استولت على إقليم طويل خربوا مدنه ولم يبق فيه مملكة ولا ولاية إلا لأشياخهم وفي خدمتهم بربر ويهود يحترفون بالفلاحة والتجر‏.‏ ومعهم من رواحة وفزارة أمم واشتهر لهذا العهد ببرقة من شيوخ أعرابها أبو ذؤيب‏.‏ ولا أدري نسبه فيمن هو وهو بعيد وهم يقولون من العزة وقوم يقولون من بني أحمد وقوم يجعلونه من فزارة لأن فزارة هنالك‏.‏ قليل عددهم والغلب لهيب فكيف تكون الرئاسة لغيرهم‏.‏ وأما عوف فهو ابن بهثة بن سليم ومواطنهم من وادي قابس إلى أرض بونة ولهم جذمان عظيمان‏:‏ مرداس وعلاق ولعلاق بطنان‏:‏ بنو يحيى وحصن‏.‏ وفي أشعار هؤلاء المتأخرين منهم مثل حمزة بن عمر شيخ الكعوب وغيره أن يحيى وعلاقا أخوان‏.‏ ولبني يحيى ثلاثة بطون‏:‏ حمير ودلاج ورياح ولحمير بطنان‏:‏ ترجم وكردم‏.‏ ومن ترجم‏:‏ الكعوب بنو كعب بن أحمد بن ترجم‏.‏ ولحصن بطنان‏:‏ بنو علي وحكيم‏.‏ ونحن نأتي على الحكاية عن جميعهم بطناً بطناً‏.‏ وكانوا عند إجازتهم على أثر الهلاليين مقيمين ببرقة كما ذكرناه‏.‏ وهنالك نزل عليهم القاضي أبو بكر بن العربي وأبوه حين غرقت سفينتهم ونجوا إلى الساحر فوجدوا هنالك بني كعب فنزل عليهم فأكرمه شيخهم كما ذكر في رحللته‏.‏ ولما كانت فتنة ابن غانية وقراقش الغزي بجهات طرابلس وقابس وضواحيها كما نذكر في أخبارهم كان بنو سليم هؤلاء فيمن تجمع إليهم من ذؤبان العرب وأوشاب فاعصوصبوا عليهم‏.‏ وكان لهم معهم حروب‏.‏ وقتل قراقش ثمانين من الكعوب وهربوا إلى برقة واستصرخوا برياح من بطون سليم ودبكل من حمير فصارخوهم إلى أن تجلت غمامة تلك الفتنة بمهلك قراقش وابن غانية من بعده‏.‏ وكان رسوخ الدولة الحفصية بإفريقية‏.‏ ولما هلك قراقش واتصلت فتنة ابن غانية مع أبي محمد بن أبي حفص ورجع بنو سليم إلى أبي محمد صاحب إفريقية‏.‏ وكان مع ابن غانية الدواودة من رياح وشيخهم مسعود البلط فر من المغرب ولحق به فكان معه هو وبنوه‏.‏ وبنو عوف هؤلاء من سليم الشيخ أبي محمد‏.‏ فلما استبد ابنه الأمير أبو زكريا بملك إفريقية رجعوا جميعاً إليه والشفوف للدواودة‏.‏ فلما انقطع دابر ابن غانية صرف عزمه الى إخراح رياح من إفريقية لما كانوا عليه من العيث بها والفساد فجاء بمرداس وعلاق وهما بنو عوف بن سليم هؤلاء من مواطنهم بنواحي السواحل وقابس ورئاسة مرداس يومئذ في أولاد جامع وبعده لابنه يوسف وبعده لعنان بن جابر بن جامع‏.‏ ورئاسة علاق في الكعوب لأولاد شيخة بن يعقوب بن كعب‏.‏ وكانت رئاسة علاق عند دخولهم إفريقية لعهد المعز وبنيه لرافع بن حماد وعنده راية جده التي حضر بها مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو جد بني كعب فيما يزعمون‏.‏ فاستظهر بهم السلطان على شأنه وأنزلهم بساح القيروان وأجزل لهم الصلات والعوائد وزاحموا الدواودة من رياح بمنكل بعد أن كانت لهم استطالة على جميع بلاد إفريقية‏.‏ وكانت أبة إقطاعاً لمحمد بن مسعود بن سلطان أيام الشيخ أبي محمد بن أبي حفص فأقبل إليه مرداس في بعض السنين عيرهم للكيل ونزولوا به فرأوا نعمة الدواودة في تلولهم تلك فشرهوا إليها وأجمعوا طلبها فحاربوهم فغلبوهم وقتلوا رزق بن سلطان‏.‏ واتصلت الفتنة فلما حضرهم الأمير أبو زكريا صادف عندهم القبول لتحريضه فاعصوصبوا جميعاً على فتنة الدواودة وتأهبوا لها‏.‏ وتكررت بينهم وبين رياح الحروب والوقائع حتى أزاحوهم عن إفريقية إلى مواطنهم لهذا العهد بتلول قسطنطينة وبجاية إلى الزاب وما إليه‏.‏ ثم وضعوا أوزار الحرب وأوطن كل حيث قسمت له قومه‏.‏ وملك بنو عوف سائر ضواحي إفريقية وتغلبوا عليه واصطنعهم السلطان وأثبتهم في ديوان العطاء‏.‏ ولم يقطع شيئاً من البلاد‏.‏ واختص بالولاية منهم أولاد جامع وقومه فكانوا له خالصة وتم تدبيره في غلب الدواودة ورياح في ضواحي إفريقية وإزعاجهم عنها إلى ضواحي الزاب وبجاية وقسطنطينة وطال بالدولة واختلف حالهم في الاستقامة معها والنفرة‏.‏ وضرب السلطان بينهم ابن علاق فنشأت الفتنة وسخط عنان بن جابر شيخ مرداس من أولاد جامع مكانه من الدولة فذهب مغاضباً عنها‏.‏ وأقام بناجعته من مرداس ومن إليهم بنواحي المغرب في بلاد رياح من زاغر إلى ما يقاربها وخاطبه أبو عبد الله بن أبي الحسن خالصة السلطان أبي زكريا صاحب إفريقية يومئذ يؤنبه على فعلته في مراجعة السلطان بقصيدة منها قوله وهي طويلة‏:‏ قد المهامه بالمهرية القود واطو الفلاة بتصويب وتصعيد ومنها قوله‏:‏ سلوا دمنة بين الغضا والسواجر هل استن فيها واكفات المواطر فأجاب عن هذه عنان بقوله‏:‏ خليلي عوجاً بين سلع وحاجر بهوج عناجيج نواج ضوامر يقيم في النزوع عنهم ويستعطف السلطان بعض الشيء كما نذكره في أخبار الدولة الحفصية ثم لحق بمراكش بالخليفة السعيد من بني عبد المؤمن محرضاً له على إفريقية وآل حفص وهلك في سبيله وقبر بسلا ولم يزد حال مرداس بين النفرة والأصحاب إلى أن هلك الأمير أبو زكريا واستفحل ملك ابنه المستنصر من بعده وعلا الكعوب بذمة قوية من السلطان‏.‏ وكان شيخهم لعهده عبد الله بن شيحة فسعى عند السلطان في مرداس وكأن ابن جامع مبلغاً سعايته واعصوصبت عليه سائر علاق فحاربوا المرداسيين هؤلاء وغلبوهم على الأوطان والحفظ من السلطان وأخرجوهم عن إفريقية وصاروا إلى القفر وهم اليوم به من جهة بادية الأعراب أهل الفلاة ينزعون إلى الرمل ويمتارون من أطراف التلول تحت أحكام سليم أو رياح ويختصون بالتغلب على قسطنطينة أيام مرابع الكعوب ومصائفهم بالتلول‏.‏ فإذا انحدروا إلى مشاتيهم بالقفر أجفلت أحياء مرداس إلى القفر البعيد ويخالطونهم على حلف ولهم على توزر ونفطة وبلاد قسطيلة أتاوة يؤدونها إليهم بما هي محى مواطنهم ومجالاتهم وتصرفهم ولأنها في من أعراضهم‏.‏ وصاروا لهذا العهد إلى تملك القفار بها فاصطفوا منه كثيراً وأصبح منه عمران قسطنطينة لهم مرتابا واستقام أمر بني كعب من علاق وفي رياسة عوف وسائر بطونهم من وسائر بطونهم من مرداس وحصين ورياح ودلاج ومن بطون رياح حبيب وعلا شأنهم عند الدولة واعتزوا على سائر بني سليم بن منصور بن واستقرت رياستهم في ولد يعقوب بن كعب وهم بنو شيحة وبنو طاعن وبنو علي‏.‏ وكان التقدم لبني شيحة بن يعقوب لعبد الله أولاً ثم لإبراهيم أخيه ثم لعبد الرحمن ثالثهما على ما يأتي‏.‏ وكان بنو علي يرادفونهم في الرياسة‏.‏ وكان منهم بنو كثير بن يزيد بن علي‏.‏ وكان كعب هذا يعرف بينهم بالحاج لما كان قضى فرضه وكانت له صحابة مع أبي سعيد العود الرطب شيخ الموحدين لعهد السلطان المستنصر أفادته جاهاً وثروة وأقطع له السلطان أربعاً من القرى أصارها لوالده‏.‏ كان منها بناحية صفاقس وبإفريقية وبناحية االجريد‏.‏ وكان له من الولد سبعة أربعة لأم وهم أحمد وماضي وعلي ومحمد وثلاثة لأم وهم‏:‏ بريد وبركات وعبد الغني‏.‏ فنازع أحمد أولاد شيخة في رئاستهم على الكعوب واتصل بالسلطان أبي إسحق وأحفظهم ذلك فلحقوا بالدعي عند ظهوره وكان من شأنه ما قدمنا‏.‏ وهلك أحمد واستقرت الرئاسة في ولده وكان له من الولد جماعة‏.‏ فمن غزية إحدى نساء بني يزيد من صنهاجة‏:‏ قاسم ومرا وأبو الليل وأبو الفضل ومن الحكمية‏:‏ فائد وعبيد ومنديل وعبد الكريم ومن السرية كليب وعساكر وعبد الملك وعبد العزيز‏.‏ ولما هلك أحمد قام بأمرهم بعده ابنه أبو الفضل‏.‏ ثم من بعده أخوه أبو الليل بن أحمد‏.‏ وعلت رئاسة بني أحمد هؤلاء على قومهم وتألفوا ولد إخوتهم جميعاً‏.‏ وعرفوا ما بين أحيائهم بالأعشاش إلى هذا العهد‏.‏ ولما كان شأن الدعي بن أبي عمارة‏.‏ وليس بأنه الفضل بن يحيى المخلوع وأوقع بالسلطان أبي إسحق وقتله وأكثر بنيه كما نذكره في موضعه‏.‏ لحق أبو حفص أخوه الأصغر بقلعة سنان من حصون إفريقية‏.‏ وكان لأبي الليل بن أحمد في نجاته ثم في القيام بأمره أثره وقع منه أحسن المواقع فاصطنعه به وشيد من رئاسته على قومه عندما أدال الله به من الدعي فاضطلع أبو الليل هذا بأمرهم‏.‏ وزاحم أولاد شيحة بمنكب قوي‏.‏ ولحق آخرهم عبد الرحمن بن شيحة ببجاية عندما اقتطعها الأمير أبو زكريا ابن السلطان أبي إسحق عن ملك عمه السلطان أبي حفص فوفد عليه مستجيشاً به ومرغباً له في ملك تونس يرجو بذلك كثرة رئاسته فهلك دون مرامه وقبر ببجاية وانقرضت رئاسة أولاد شيحة بمهلكه‏.‏ واستبد أبو الليل بالرئاسة في الكعوب ووقع بينه وبين السلطان أبي حفص وحشة فقدم على الكعوب مكانه محمد بن عبد الرحمن بن شيحة وزاحمه به أياماً حتى استقام على الطاعة‏.‏ ولما هلك قام بأمرهم ابنه أحمد واتصل أمر رئاسته ونكبه السلطان أبو عصيدة فهلك في سجنه وولي بعده أخوه عمر بن أبي الليل وزاحمه هراج بن عبيد بن حمد بن كعب إلى أن هلك هراج كما نذكره‏.‏ ولما هلك عمر قام بأمره في قومه أخوه محمد بن أبي الليل وكفل مولاهم وحمزة ابن أخيه عمر‏.‏ وكان عمر مضعفاً عاجزاً فنازعه أولاد مهلهل ابن عمه قاسم وهم‏:‏ محمد ومسكيانه ومرغم وطالب وعون في آخرين لم حضرني أسماؤهم فترشحوا للاستبداد على ولما ظهر هراج بن عبيد بن أحمد بن كعب وعظم ضغائنه وعتوه وإفساد الأعراب من احيائه السابلة وساء أثره في ذلك وأسف السلطان بالاعتزاز عليه والاشتراط في ماله‏.‏ وتوغلت له صدور الغوغاء والعامة فوفد على تونس عام خمسة وسبعمائة ودخل المسجد يوم الجمعة لابساً خفه‏.‏ ونكر الناس عليه وطأه بيت الله بخف لم ينزعه‏.‏ وربما قال له في ذلك بعض المصلين إلى جنبه فقال‏:‏ إني أدخل بها بساط السلطان فكيف الجامع فاستعظم الناس كلمته وثاروا به لحينه فقتلوه في المسجد وأرضوا الدولة بفعلهم‏.‏ وكان أمره مذكوراً‏.‏ وقتل السلطان بعد ذلك أخاه كيسان وابن عمه شبل بن منديل بن أحمد‏.‏ وقام بأمر الكعوب من بعد محمد بن أبي الليل وهراج بن عبيد مولاهم وحمزة أبناء عمر واستبد برئاسة البدو من سليم بإفريقية على مزاحمة من بني عمهم مهلهل بن قاسم وأقتالهم وفحول شولهم‏.‏ وانتقض أحمد بن أبي الليل وابن أخيه مولاهم ابن عمر على السلطان سنة سبع وسبعمائة واستدعيا عثمان بن أبي دبوس من مكانه بوطن دباب فجاءهما وأجلبا به على تونس‏.‏ ونزل كدية الصعتر بظاهرها‏.‏ وبرز إليهم الوزير أبو عبد الله بن برزيكن فهزمهم واستخدم أحمد بن أبي الليل‏.‏ ثم تقبض عليه واعتقل بتونس إلى أن هلك‏.‏ ووفد بعد ذلك مولاهم ابن عمر سنة ثمان فاعتقل معه‏.‏ ولحق أخوه حمزة بالأمير أبي البقاء خالد ابن الأمير زكريا صاحب الثغر الغربي من إفريقية بين يدي مهلك السلطان أبي عصيدة ومعه أبو علي بن كثير ويعقوب بن الفرس وشيوخ بني سليم هؤلاء‏.‏ ورغبوا أبا الأمير أبا البقاء في ملك الحضرة‏.‏ وجاءوا في صحبته وأطلق أخاه مولاهم من الاعتقال منذ دخول السلطان تونس سنة عشر وسبعمائة كما نذكره في خبره‏.‏ ثم لحق حمزة بالسلطان أبي يحيى زكربا بن اللعياني واتصلت به يده فرفعه على سائر العرب حتى لقد نفس ذلك عليه أخوه مولاهم‏.‏ ونزع إلى السلطان أبي يحيى الطويل أمر الخلافة‏.‏ ولي سبعاً ببجاية وثلاثين بعد استيلائه على الحضرة وسائر بلاد إفريقية فاستخلصه السلطان لدولته ونابذه حمزة فأجلب عليه بالقرابة واحداً بعد واحد كما نذكره‏.‏ وداهل أخوه مولاهم في مناصحة السلطان ومالأ حمزة على شأنه‏.‏ وربما نمي عنه الغدر فتقبض عليه السلطان وعلى ابنه منصور وعلى ربيبه زغدان ومغران بن محمد بن أبي الليل‏.‏ وكان الساعي بهم إلى السلطان ابن عمهم عون بن عبد الله بن أحمد وأحمد بن عبد الواحد أبو عبيد وأبو هلال بن محمود بن فائد وناجي بن أبي علي بن كثير ومحمد بن مسكين وأبو زيد بن عمر بن يعقوب ومن هوارة فيصل بن زعزاع فقتلوا لحينهم سنة اثنتين وعشرين وبعثت أشلاؤهم إلى حمزة فاشتد حناقه ولحق صريخاً بأبي تاشفين صاحب تلمسان لعهده من آل يغمراسن ومعه محمد ابن السلطان اللحياني المعروف بأبي ضربة قد نصبه للملك‏.‏ وأمدهم أبو تاشفين بعساكر زناتة وزحفوا إلى إفريقية فخرج إليهم السلطان وهزمهم برغيش‏.‏ ولم يزل حمزة من بعدها مجلباً على السلطان أبي يحيى بالمرشحين من أعياص البيت الحفصي وأبو تاشفين صاحب تلمسان يمدهم بعساكره‏.‏ وتكررت بينهم الوقائع والأيام سجالاً كما نذكره في مواضعه‏.‏ حتى إذا استولى السلطان أبو الحسن وقومه من بني مرين على تلمسان والغرب الأوسط سنة سبع وثلاثين وسبعمائة واستتبعوا بني عبد الواد وسائر زناتة أقصي حمزة عن فتنته وانقطع حبلها في يده ولحق بالسلطان أبي الحسن مستشفعاً به فتقبل السلطان أبو يحيى شفاعته وعفا له عن جرائمه وأحله محل الأصفاء والخلوص‏.‏ فشمر عن نصحه واجتهاده وظاهر قائده محمد بن الحكيم على تدويخ إفريقية وظهر البدو من الأعراب فاستقام أمر الدولة وتوثر مهادها‏.‏ وهلك حمزة سنة أربعين وسبعمائة بيد أبي عون نصر بن أبي علي عبد السلام من ولد كثير بن زيد المتقدم الذكر في بني علي من بطون بني كعب طعنه في بعض الحروب فأشواه وكان فيها مهلكه‏.‏ وقام بأمرهم من بعده ابنه عمر بمظاهرة شقيقه قتيبة‏.‏ ولكن أبا الليل تغلب على سائر الإخوة والقرابة واستبد برئاسة بني كعب وسائر بني يحيى وأقتاله بنو مهلهل ينافسونه ويرتقبون الإدارة منه‏.‏ وكان مساهمه في أمره معن بن مطاعن فزارة وزير أبيه‏.‏ وخرجوا على السلطان بعد مهلك حمزة أبيهم واتهموا أن قتل أبي عون إياهم إنما كان بممالأة الدولة فنازلوا تونس وجمعوا لمحاصرتها أولاد مهلهل أمثالهم‏.‏ ثم اختلفوا ورحلوا عن البلد وانخذل طالب بن مهلهل وقومه إلى السلطان‏.‏ ونهض في أثرهم فأوقع بهم في القيروان ووفدت مشيختهم على ابنه الأمير أبي العباس بقصره يداخلونه في الخروج على ابنه‏.‏ وكان فيهم معن بن مطاعن وزيرهم فتقبض عليه وقتله وأفلت الباقون‏.‏ وراجعوا الطاعة وأعطوا الرهن‏.‏ ولما هلك السلطان أبو يحيى وقام بالأمر ابنه عمر انحرفوا عنه وطاهروا أخاه أبا العباس صاحب الجريد وولي العهد وزحفوا معه بظواعنهم إلى تونس فدخلها وقتله أخوه عمر كما نذكره في موضعه وقتل معه أخاهم أبو الهول بن حمزة فأسعفهم بذلك‏.‏ ووفد خالد على صاحب المغرب السلطان أبي الحسن فيمن وفد عليه من وجوه الدولة وكافة المشيخة من إفريقية وجاء في جملته حتى إذا استولى على البلاد قبض أيديهم عما كانت تمتد إليه من إفساد السابلة وأخذ الأتاوة وانتزع الأمصار التي كانت متقطعة بأيديهم وألحقهم بأمثالهم من أعراب بلاد المغرب الأقصى من المعقل وزغبة فثقلت وطأته عليهم وتنكروا له وساء ظنه بهم وفشت غارات المفسدين من بداويهم بالأطراف فنسب ذلك إليهم ووفد عليه بتونس من رجالاتهم خالد بن حمزة وأخوه أحمد وخليفة بن عبد الله بن مسكين وخليفة بن أبي زيد من شيوخ حليم فسعى بهم عنده أنهم داخلوا بعض الأعياص من أولاد اللحياني من بني أبي حفص كما في رحلته وكما نذكره في موضعه فتقبض عليهم وبلغ خبرهم إلى الحي فتأشبوا بقسطيلية والجريد فظفروا بزنابي من بقية آل عبد المؤمن من عقب أبي العباس إدريس الملقب بأبي إدريس آخر خلفائهم بمراكش وقتيل يعقوب بن عبد الحق عند غلبه على الموحدين بمراكش واستيلاؤه على المغرب وهو أحمد بن عثمان بن إدريس فنصبوه وبايعوه واجتمعوا عليه‏.‏ وتأشبت معهم بنو عمهم مهلهل أقتالهم وكان طالب هلك وقام مكانه فيهم ابنه محمد فصرخهم بقومه واتفقوا جميعاً على حرب زناتة‏.‏ ونهض إليهم السلطان أبو الحسن من تونس فاتح تسع وأربعين فأجفلوا أمامه حتى نزل القيروان‏.‏ ثم ناجزوه ففضوا جموعه وملأوا حقائبهم بأسلابه وأسلابهم وخضدوا من شوكة السلطان وألانوا من حد الملك وخفضوا من أمر زناتة‏.‏ وغلبهم الأمم وكان يوم له ما بعده في اعتزاز العرب على الدول آخر الأيام‏.‏ وهلك أبو الليل بن حمزة فعجز عمر عن مقاومة إخوته واستبد بالرئاسة عليه أخوه خالد ثم من بعده أخوهما منصور‏.‏ واعتز على السلطان أبي إسحق ابن السلطان أبي يحيى صاحب تونس لعهده اعتزازاً لا كفاء له‏.‏ وانبسطت أيدي العرب على الضاحية وأقطعتهم الدولة حتى الأمصار وألقاب الجباية ومختص الملك وانتفضت الأرض من أطرافها ووسطها وما زالوا يغالبون الدولة حتى غلبوا على الضاحية وقاسموهم في جبايات الأمصار بالأقطاع ريفاً وصحراء وتلولاً وجريداً‏.‏ ويحرضون بين أعياص الدولة ويجلبون بهم على الحضرة لما يعطونه طعمة من الدولة‏.‏ ويريمهم السلطان بأقتالهم أولاد مهلهل بن قاسم بن أحمد يديل به منهم حتى أحفظوها‏.‏ ويجرش بينهم بقضاء أوطارها حتى إذا أراد الله إنقاذ الأمة من هوة الخسف وتخليصهم من مكاره الجوع والخوف وإدالتهم من ظلمات الموت بنور الاستقامة بعث همة السلطان أمير المؤمنين أبي العباس أحمد أيده الله لطلب إرثه من الخلافة‏.‏ فبعث من بالحضرة فانبعث لها من مكان إمارته بالثغر العربي ونزل إليه أمير البدو ومنصور بن حمزة هذا وذلك سنة إحدى وسبعين وسبعمائة على حين مهلك السلطان أبي إسحق مقتعد كرسي الحضرة وصاحب عصا الخلافة والجماعة‏.‏ وقام ابنه خالد بالأمر من بعده فنهض إلى إفريقية ودخل تونس عنوة واستولى على الحضرة سنة اثنتين بعدها وأرهف حده للعرب في الاعتزاز عليهم وقبض أيديهم عن المفاسد وذويهم فحدثت لمنصور نفرة عن الدولة ونصب الأمير أبو يحيى زكريا ابن السلطان ابن أبي يحيى جدهم الأكبر كان في أحياء العرب منذ سنتين كما نذكر ذلك كله في أخبار الدولة وأجلب به على تونس سنة ثلاث وسبعين فامتنعت عليهم ولم يظفروا بشيء وراجع منصور حاله عند السلطان وكشف عن وجه المناصحة‏.‏ وكان عشريته قد ملوا منه حسداً ومنافسة بسوء ملكته عليهم فغدا عليه محمد ابن أخيه أبي الليل وطعنه فأشواه وهلك ليومه سنة خمس وسبعين وافترق جمعهم‏.‏ وقام بأمرهم من بعده صولة ابن أخيه خالد بن حمزة ويرادفه أولاد مولاهم ابن عمر فجهد بعض الشيء في خدمة السلطان ومناصحته‏.‏ ثم رجع إلى العصيان وكشف القناع في الخلاف‏.‏ واتصل حاله على ذلك ثلاثاً وأدال السلطان منه ومن قومه بأقتالهم أولاد مهلهل ورياستهم لمحمد بن طالب فرجع إليهم رياسة البدو وجعل لهم المنع والإعطاء فيهم ورفع رتبهم على العرب‏.‏ وتحيز إليهم مع أولاد مولاهم بن عمر بن أبي الليل ونقلت أولاد حمزة سائر هذه الأيام في الخلافة ونهض السلطان سنة ثمانين إلى بلاد الجريد لتقديم رؤسائها عن المراوغة وحملهم على جادة الطاعة فتعرضوا لمدافعته عنها بإملاء هؤلاء الرؤساء ومشارطتهم لهم على ذلك‏.‏ وبعد أن جمعوا له الجموع من ذؤبان العرب الأعراب وذياب البدو فغلبهم عليها جميعاً وأزاحهم عن ضواحيها وظفر بفرائسه من أولئك الرؤساء وأصبحوا بين معقتل ومشرد‏.‏ واستولى على قصورهم وذخائرهم وأبعد أولاد حمزة وأحلافهم من حكيم المفر وجاوزوا تخوم بلادهم من جهة المغرب واعتزت عليهم الدولة اعتزازاً لاكفاء فنامت الرعايا في ظل الأمن وانطلقت منهم وقد كان اعتزاز هؤلاء العرب على السلطان والدولة لا ينتهي إليه اعتزاز ولهم عنجهية وإباية وخلق في التكبر والزهو غريزة لما أنهم لم يعرفوا عهداً للذل ولا يساومون بإعطاء الصدقات لهذا العهد الأول‏.‏ أما في دولة بني أمية فللعصبية التي كانت للعرب بعضها مع بعض يشهد بذلك أخبار الردة والخلفاء معهم ومع أمثالهم‏.‏ مع أن الصدقة كانت لذلك العهد تتحرى الحق بجانب الاعتزاز والغلظة فليس في إعطائها كثير غمط ولا مذلة‏.‏ وأما أيام بني العباس حين استفحال الملك وحدوث الغلظة على أهل العصابة فلإبعادهم بالقفر من بلاد نجد وتهامة وما وراءهما‏.‏ وأما أيام العبيديين فكانت الحاجة تدعو الدولة إلى استمالتهم للفتنة التي كانت بينهم وبين بني العباس‏.‏ وأما حين خرجوا بعد ذلك إلى قضاء برقة وإفريقية فكانوا ضاحين من ظل الملك‏.‏ ولما اصطنعهم بنو أبي حفص كانوا معهم بمكان من الذل وسوم الخسف حتى كانت واقعتهم بالسلطان أبي الحسن وقومه من زناتة بالقيروان فنهجوا سبيل الاعتزاز كغيرهم من العرب على الدول بالمغرب فتحامل المعقل وزغبة على ملوك زناتة واستطالوا في طلابهم بعد أن كانوا مكبوحين بحكمة التغلب على التطاول إلى مثلها والله مالك الأمور‏.‏ الخبر عن قاسم بن مرا من الكعوب القائم بالسنة في سليم ومآل أمره وتصاريف أحواله كان هذا الرجل من الكعوب من أولاد أحمد بن كعب منهم وهو قاسم بن مرا بن أحمد‏.‏ نشأ بينهم ناسكاً منتحلاً للعبادة‏.‏ ولقي بالقيروان شيخ الصلحاء بعصره أبا يوسف الدهماني‏.‏ وأخذ عنه ولزمه‏.‏ ثم خرج إلى قومه مقتفياً طريقة شيخه في التزام الورع والأخذ بالسنة ما استطاع‏.‏ ورأى ما العرب عليه من إفساد السابلة والخروج عن الجادة فأخذ نفسه بتغيير المنكر فيهم وإقامة السنة لهم ودعا إلى ذلك عشيره من أولاد أحمد وأن يقاتلوا معه على ذلك فأشار عليه أولاد أبي الليل منهم وكانوا عيبة له تنصح له أن ينكف عن طلب ذلك من قومه مخافة أن يلحوا في عداوته فيفسد أمره‏.‏ ودفعوه إلى مطالبة غيرهم من سليم وسائر الناس بذلك وأنه منعة له ممن يرومه خاصة فجمع إليه أباشاً من البادية تبعوه على شأنه والتزموا طريقته والمرابطة معه وكانوا يسمون بالجنادة‏.‏ وبدأ بالدعاء إلى إصلاح السابلة بالقيروان وما إليها من بلاد الساحل وتتبع المحاربين بقتل من يعثر عليه منهم بالطرق وغزو المشاهير منهم في بيوتهم واستباحة أموالهم ودمائهم حتى شردهم كل مشرد‏.‏ وعلت بذلك كلمته على آل حصن وصلحت السابلة بإفريقية ما بين تونس والقيروان وبلاد الجريد وطار له ذكر نفسه عليه قومه وأجمع عداوته واغتياره بنو مهلهل قاسم بن أحمد وتنصحوا ببعض ذلك للسلطان بتونس الأمير أبي حفص وأن دعوة هذا الرجل قادحة في أمر الجماعة والدولة فأغضى لهم عن ذلك وتركهم وشأنهم فخرجوا من عنده مجمعين على قتله‏.‏ ودعوه في بعض أيامهم إلى المشاورة معه على عادة العرب ووقفوا معه بساحة حيهم ثم خلصوا معه نجياً وطعنه من خلفه محمد بن مهلهل الملقب بأبي عذبتين فخر صريعاً لليدين والفم‏.‏ وامتعض له أولاد أبي الليل وطلبوا بدمه فافترقت أحياء بني كعب من يومئذ بعد أن كانت جميعاً‏.‏ وقام بأمره من بعده ابنه رافع على مثل طريقته إلى أن هلك في طلب الأمر على يد بعض رجالات آل حصن سنة ست وسبعمائة‏.‏ ولم يزل بنو أبي الليل على الطلب بثأر قاسم بن مرا إلى أن ظهر فيهم حمزة ومولاهم ابنا عمر بن أبي الليل وصارت إليهم الرئاسة على أحيائهم‏.‏ واتفق بعض الأيام اجتماع أولال مهلهل بن قاسم في سيدي حمزة ومولاهم في مشاتيهم بالقفر فأجمع اغتيالهم وقتلهم عن آخرهم بثأر ابن عمهم قاسم بن مرا ولم يفلت منهم إلا طالب بن مهلهل لم يحضر معهم‏.‏ وعظمت الفتنة من يومئذ بين هذين الحيين وانقسمت عليهم أحياء بني سليم وصاروا يتعاقبون في الخلاف والطاعة على الدولة وهم على ذلك لهذا العهد‏.‏ والرئاسة في بني مهلهل اليوم لمحمد بن طالب بن مهلهل وأخيه يحيى والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين‏.‏


الساعة الآن 07:28 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى