![]() |
بنو حصن بن علاق
بنو حصن هؤلاء من بطون علاق وحصن أخو يحيى بن علاق كما مر فهم بطنان أيضاً: بنو علي وحكيم. وقد يقال إن حكيماً ليس لحصن وإنما ربي في حجره فانتمى إليه. وأما حكيم فلهم بطون منهم: بنو ظريف بن حكيم وهم أولاد جابر والشراعبة ونعير وجوين لمقدام بن ظريف وزياد بن ظريف. ومنهم: بنو وائل بن حكيم ومنهم بنو طرود بن حكيم. وقد يقال إن طرودا ليس لسليم وأنهم من منبس إحدى بطون هلال بن عامر ويقال إن منهم زيد العجاج بن فاضل المذكور في رجالات هلال والصحيح في طرود أنهم من بني فهم بن عمر بن قيس بن عيلان بن عدوان وفي تعدادهم وكانت طرود أحلاف الدلاج ثم قاطعوهم وحالفوا آل ملاعب. ومن بطون حكيم آل حسين ونوال ومقعد والجميعات ولا أدري كيف يتصل نسبهم. ومنهم بنو نمير بن حكيم. ولنمير بطنان: ملاعب وأحمد فمن أحمد بنو محمد والبطين. ومن ملاعب بنو هيكل بن ملاعب. وهم أولاد زمام والفريات وأولاد مياس وأولاد فائد. ومن أولاد فائد الصرح والمدافعة. وأولاد يعقوب بن عبد الله بن كثير بن حرقوص بن فائد وإليهم رئاسة حكيم وسائر بطونهم ومواطن حكيم هؤلاء لهذا العدد ما بين سوسة والأجم. والناجعة منهم أحلاف لبني كعب تارة لأولاد الليل وتارة لأقتالهم أولاد مهلهل ورئاستهم في بني يعقوب بن عبد السلام بن يعقوب شيخاً عليهم وانتقض أيام اللحياني. ووفد على السلطان أبي يحيى بالثغر العربي من إفريقية في بجاية وقسطنطينة وجاء في جملته فلما ملك ملك تونس عقد له على قومه ورفعه على أنظاره. وغص به بنو كعب فحرض عليه حمزة من الأعشاش محمد بن حامد بن يزيد فقتله في موقف شوراهم وولي الرئاسة فيهم من بعده ابن عمه محمد بن مسكين بن عامر بن يعقوب بن القوس وانتهت إليه رئاستهم. وكان يرادفه أو ينازعه جماعة من بني عمه. فمنهم سحيم بن سليمان بن يعقوب وحضر واقعة طريف مع السلطان أبي الحسن وكان له فيها ذكر. ومنهم أبو الهول وأبو القاسم ابنا يعقوب بن عبد السلام وكان لأبي الهول مناصحة للسلطان أبي الحسن حين أحلف عليه بنو سليم بالقيروان وأدخله مع أولاد مهلهل في الخروج على القيروان فخرج معهم جميعاً إلى سوسة. ومنهم بنو يزيد بن عمر بن يعقوب وابنه خليفة. ولم يزل محمد بن مسكين على رئاسته أيام السلطان أبي يحيى كلها وكان مخالطاً له ومتهالكاً في نصيحته والانحياش إليه. ولما هلك خلفه في رئاسته ابن أخيه خليفة بن عبد الله بن مسكين وهو أحد الأشياخ الذين تقبض عليهم السلطان أبو الحسن بتونس بين يدي واقعة القيروان. ثم أطلقه وهو محصور بالقيروان فكان له به اختصاص من بعد ذلك. ولما تغلب العرب على النواحي بعد واقعة القيروان تغلب بنو مسكين هؤلاء على سوسة فأقطعها السلطان خليفة هذا وبقيت في ملكته. وهلك خليفة فقام برئاستهم في حكيم ابن عمه عامر بن محمد بن مسكين. ثم قتله محمد بن بثينة بن حامد من بني كعب قتله يعقوب بن عبد السلام ثم قتله محمد هذا غدراً بجهاد الجريد سنة خمس وخمسين وسبعمائة. ثم افترق أمرهم واستقرت رئاستهم لهذا العهد بين أحمد بن محمد بن عبد الله بن مسكين وتلقب أبا معنونة وهو ابن أخي خليفة المذكور. وعبد الله بن محمد بن يعقوب وهو ابن أخي أبي الهول المذكور. ولما تغلب السلطان أبو العباس على تونس وملكها انتزع سوس من أيديهم فامتعض أحمد لذلك وصار إلى ولاية صولة بن خالد بن حمزة من أولاد أبي الليل وسلكوا سبيل لخلاف والفتنة وأبعدوا في شأوها وهم لهذا العهد مشردون عن الضواحي والأرياف منزاحون إلى القفر. وأما عبد الله بن محمد ويلقب الراوي فتحيز إلى السلطان وأكد حلفه مع أولاد على ولايته ومظاهرته فعظمت رئاسته في قومه وهو على ذلك لهذا العهد. ثم راجع أبو معنونة خدمة السلطان وانقسمت رئاسة حكيم بينهما وهم على ذلك لهذا العهد. وأما بنو علي إخوة حكيم فلهم بطون أولاد صورة ويجمعهما معاً عوف بن محمد بن علي بن حصن. ثم أولاد نمي والبدرانة وأولاد أم أحمد والحضرة أو الرجلان وهو مقعد والجميعات والحمر والمسابهة آل حسين وحجري وقد يقال إن حجري ليسوا لسليم وأنهم من بطون كندة صاروا معهم بالحلف فانتسبوا بنسبهم ورئاسة بني علي في أولاد صورة. وشيخهم لهذا العهد أبو الليل بن أحمد بن سالم بن عقبة بن شبل بن صورة بن مرعي بن حسن بن عوف. ويرادفهم المراعية من أهل نسبهم أولاد مرعي بن حسن بن عوف ومواطنهم ما بين الأجم والمباركة من نواحي قابس وناجعتهم أحلاف الكعوب إما لأولاد أبي الليل أو لأولاد مهلهل وغالب أخوالهم أولاد مهلهل والله مقدر الأمور لا رب سواه. ذباب بن سليم قد ذكرنا الخلاف في نسبهم من أنهم من ذباب بن ربيعة بن زغب الأكبر وأن ربيعة أخو زغب الأصغر. وضبط هذه اللفظة لهذا العهد بضم الزاي وقد ضبطها الأجدابي والرشاطي بكسر الزاي. كذا نقل أبو محمد التجاني في رحلته ومواطنهم ما بين قابس وطرابلس إلى برقة ولهم بطون فمنهم: أولاد أحمد بن ذباب ومواطنهم غربي قابس وطرابلس إلى برقة. عيون رجال مجاورون لحصن ومن عيون رجال بلاد زغب من بطون ذباب بنو يزيد مشاركون لأولاد أحمد في هذه المواطن وليس هذا أباً لهم ولا اسم رجل وإنما هو اسم حلفهم انتسبوا به إلى مدلول الزيادة. كذا قال التجاني وهم بطون أربعة: الصهب بسكون الهاء بنو صهب بن جابر بن فائد بن رافع بن ذباب وإخوتهم الحمادية بنو حمدان بن جابر والخرجة بسكون الراء بطن من آل سليمان منهم. أخرجهم آل سليمان من مواطنهم بمسلاتة فحالفوا هؤلاء ونزلوا معهم. والأصابعة ومنهم النوائل بنو نائل بن عامر بن جابر وإخوتهم أولاد سنان بن عامر وإخوتهم أولاد وشاح بن عامر وفيهم رئاسة هذا القبيل من ذباب كلهم. وهم بطنان عظيمان: المحاميد بنو محمود بن طوق بن بقية بن وشاح ومواطنهم ما بين قابس ونفوسة وما إلى ذلك من الضواحى والجبال. ورئاستهم لهذا العهد في بني رحاب بن محمود لأولاد سباع بن يعقوب بن عطية بن رحاب. والبطن الآخر الجواري بنو حميد بن جارية بن وشاح ومواطنهم طرابلس وما إليها مثل تاجورا وهزاعة وزنزور وما إلى ذلك. ورئاستهم لهذا العهد في بني مرغم بن صابر بن عسكر بن علي بن مرغم. ومن أولاد وشاح بطنان آخران صغيران مندرجان مع الجواري والمحامد وهما الجواربة بنو جراب بن وشاح والعمور بنو عمر بن وشاح. هكذا زعم التجاني في العمور هؤلاء. وفي هلال بن عامر بطن العمور كما ذكرناه. وهم يزعمون أن عمور ذباب هؤلاء منهم وأنهم إنما جمعهم مع ذباب الموطن خاصة وليسوا من سليم والله أعلم بحقيقة ذلك. وكان من أولاد وشاح بنو حريز بن تميم بن عمر بن وشاح كان منهم فائد بن حريز من فرسان العرب المشاهير وله شعر متداول بينهم لهذا العهد سمر الحي وفكاهة المجالس ويقال إنه من المحاميد. فائد بن حريز بن حربي بن محمود بن طوب وكان بنو ذباب هؤلاء شيعة لقراقش الغزي وابن غانية ولهما قيه أثر. وقتل قراقش مشيخة الجواري في بعض أيامه. ثم صاروا بعد مهلك ابن غانية إلى خدمة الأمير أبي زكريا وأهل بيته من بعده وهم الذين أقاموا أمر الداعي بن أبي عمارة وعليهم كان تلبسه لأن يصير أميراً بدل المخلوع وكان فر إليهم بعد مهلك مولاه وبنيه ونزل عليهم. حتى إذا مر بهم ابن أبي عمارة فعرفه الخبر فاتفقوا على التلبيس وزينوا ذلك لهؤلاء العرب فقبلوه. وتولى كبر ذلك مرغم بن صابر وتبعه قومه وداخلهم في الأمر أبو مروان عبد الملك بن مكي رئيس قابس فكان ما قدر الله ما كان من تمام أمره وتلويث كرسي الخلافة بدمه حسبما يذكر في أخبار الدولة الحفصية. وكان السلطان أبو حفص يعتمد عليهم فغلبهم في دعوة عمارة فخالفوا عليه وسرح لحربهم قائده أبا عبد الله الفزاري واستصرخوا بالأمير أبي زكريا ابن أخيه وهو يومئذ صاحب بجاية والثغر الغربي من إفريقية ووفد عليه منهم عبد الملك بن رحاب بن محمود فنهض لصريخه بسنة سبع وثمانين وستمائة. وحاربوا أهل قابس وهزموهم وأثخنوا فيهم. ثم غلبهم الفزاري ومانعهم عن وطن إفريقية. ورجع الأمير أبو زكريا إلى ثغره. وكان مرغم بن صابر بن عسكر شيخ الجواري قد أسره أهل صقلية من سواحل طرابلس سنة اثنتين وثمانين وباعوه لأهل برشلونة فاشتراه ملكهم وبقي أسيراً عنده إلى أن نزع إليه عثمان بن إدريس الملقب بأبي دبوس بقية الخلفاء من بني عبد المؤمن. وأراد الإجازة إلى إفريقية لطلب حقه في الدعوة الموحدية فعقد ملك برشلونة بينه وبين مرغم حلفاً وبعثهما ونزل بساحل طرابلس. وأقام مرغم الدعوة لابن دبوس وحمل عليها قومه. وحاصرطرابلس سنة ثمان وثمانين أياماً. ثم تركوا عسكراً لحصارها وارتحلوا لجباية الوطن فاستفرغوه وكان ذلك غاية أمرهم وبقي أبو دبوس يتقلب في أوطانهم مدة. واستدعاه الكعوب لأول المائة الثامنة وأجلبوا به على تونس أيام السلطان أبي عصيمة من الحفصيين وحاصروها أياماً فلم يظفروا. ورجع إلى نواحي طرابلس وقام بها مدة. ثم ارتحل إلى مصر وأقام بها إلى أن هلك كما يأتي ذكره في خبر ابنه مع السلطان أبي الحسن بالقيروان. ولم يزل هذا شأن الجواري والمحاميد إلى أن تقلص ظل الدولة عن أوطان قابس وطرابلس فاستبد برئاسة ضواحيها. واستعبدوا سائر الرعاية المعتمرة في جبالها وبسائطها واستبد أهل الأمصار برئاسة أمصارهم بنو مكي بقابس وبنو ثابت بطرابلس على ما يذكر في أخبارهم. وانقسمت رئاسة أولاد وشاح بانقسام المصرين فتولى الجواري طرابلس وضواحيها وزنرور وغريان ومغر وتولى المحاميد بلد قابس وبلاد نفوسة وحرب. وفي ذباب هؤلاء بطون أخرى ناجعة في القفر ومواطنهم منزاحة إلى جانب الشرق عن مواطن هؤلاء الوشاحين. فمنهم آل سليمان بن هبيب بن رابع بن ذباب ومواطنهم قبلة مغر وغريان ورئاستهم في ولد نصر بن زائد بن سليمان وهي لهذا العهد لهائل بن حماد بن نصر وبنيه والبطن الآخر آل سالم بن هيب أخي سليمان. ومواطنهم بلد مسراتة إلى لبدة ومسلاتة. وشعوب آل سالم هؤلاء الأحامد والعمائم والعلاونة وأولاد مرزوق ورئاستهم في ولد مرزوق وهو ابن معلى بن معراني بن قلينة بن قاص بن سالم وكانت في أول هذه المائة الثامنة لغلبون بن مرزوق واستقرت في بنيه وهي اليوم لحميد بن إسنان بن عثمان بن غلبون. والعلاونة منهم مجاورون للعزة من عرب برقة والمشابنة من هوارة المقيمين. ويجاور ذباب هؤلاء في مواطنهم من جهة القبلة ناصرة وهم من بطون ناصرة بن خفاف بن امرىء القيس بن بهثة بن سليم فإن كان زغب أبو ذباب لملك بن خفاف كما زعم التجاني فهم إخوة ناصرة ويبعد أن يسمى قوم باسم إخوانهم. وإن كانوا لناصرة كما زعم ابن الكلبي وهو أقرب فيكون هؤلاء اختصوا باسم ناصرة دون ذباب وغيرهم من بنيه وهذا كثير من بطون القبائل والله أعلم. ومواطنهم بلاد فزان وودان. هذه أخبار ذباب هؤلاء. وأما العزة جيرانهم في الشرق الذين قدمنا ذكرهم فهم موطنون من أرض برقة خلاء لاستيلاء الخراب على أمصارها وقراها من دولة صنهاجة. تمرست بعمرانها بادية العرب وناجعتهم فتحيفرها عارة ونهباً إلى أن فسدت فيها مذاهب المعاش وانتقض العمران فخربت. وصار معاش الأكثر من هؤلاء العرب الموطنين بها لهذا العهد من الفلح يثيروت له الأرض بالعوامل من الجمال والحمير وبالنساء إذا ضاق كسبهم عن العوامل وارتكبوا ضرورة المعاش. وينجعون إلى بلاد النخل في جهة القبلة منهم من أوجلة وشنترية والواحات وما وراء ذلك من الرمال والقفر إلى بلد السودان المجاورين لهم وتسمى بلادهم برنيق وشيخ هؤلاء العرب ببرقة يعرف لهذا العهد بأبي ذئب من بني جعفر. وركاب الحج من المغرب يحمدون مسالمتهم في ممرهم وحسن نيتهم في التجافي عن حاج بيت الله وإرفادهم بجلب الأقوات لسربهم وحسن الظن بهم. " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ". وأما نسبهم فما أدري فيمن هو من العرب. وحدثني الثقة من ذباب عن خريص ابن شيخهم أبي ذيب أنهم من بقايا الكعوب ببرقة. وتزعم نسابة الهلاليين أنهم لربيعة بن عامر إخوة هلال بن عامر. وقد مر الكلام في ذلك في أول ذكر بني سليم. وتزعم بعض النسابة أنهم والكعوب من العزة وإن العزة من هيث وإن رئاسة العزة لأولاد أحمد وشيخهم أبو ذئب وأن المثانية جيرانهم من هوارة. وذكر لي سلام بن التركية شيخ أولاد مقدم جيرتهم بالعقبة أنهم من بطون مسراتة من بقية هوارة وهو الذي رأيت النسابة المحققين عليه بعد أن دخلت مصر ولقيت كثيراً من المترفدين إليها من أهل برقة. وهذه آخر الطبقة الرابعة من العرب وبانقضائه انقضى الكتاب الثاني في العرب وأجيالهم منذ بدء الخليقة فلنرجع إلى أحوال البربر في الكتاب الثالث والله ولي العون. بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله علي سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً |
الكتاب الثالث البربر
والامة الثانية من اهل المغرب في أخبار البربر والأمة الثانية من أهل المغرب وذكر أوليتهم وأجيالهم منذ بدء الخليقة لهذا العهد ونقل الخلاف الواقع بين الناس في أنسابهم الفصل الأول اجيال البربر وانسابهم هذا الجيل من الآدميين هم سكان المغرب القديم ملأوا البسائط والجبال من تلوله وأريافه وضواحيه وأمصاره يتخذون البيوت من الحجارة والطين ومن الخوص والشجر ومن الشعر والوبر. ويظعن أهل العز منهم والغلبة لانتجاع المراعي فيما قرب من الرحلة لا يجاوزون فيها الريف إلى الصحراء والقفر الأملس. ومكاسبهم الشاء والبقر والخيل في الغالب للركوب والنتاج. وربما كانت الإبل من مكاسب أهل النجعة منهم شأن العرب ومعاش المستضعفين منهم بالفلح ودواجن السائمة. ومعاش المعتزين أهل الانتجاع والأظعان في نتاج الإبل وظلال الرماح وقطع السابلة. ولباسهم وأكثر أثاثهم من الصوف يشتملون الصماء بالأكسية المعلمة ويفرغون عليها البرانس الكحل ورؤوسهم في الغالب حاسرة وربما يتعاهدونها بالحلق. ولغتهم من الرطانة الأعجمية متميزة بنوعها وهي التي اختصوا من أجلها بهذ! الاسم. يقال إن أفريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة لما غزا المغرب وإفريقية وقتل الملك جرجيس وبنى المدن والأمصار وباسمه زعموا سميت إفريقية لما رأى هذا الجيل من الأعاجم وسمع رطانتهم ووعى اختلافها وتنوعها تعجب من ذلك وقال: ما أكثر بربرتكم فسموا بالبربر. والبربرة بلسان العرب هي اختلاط الأصوات غير المفهومة. ومنه يقال بربر الأسد إذا زأر بأصوات غير مفهومة. وأما شعوب هذا الجيل وبطونهم فإن علماء النسب متفقون على أنهم يجمعهم جذمان عظيمان وهما برنس وماذغيس. ويلقب ماذغيس بالأبتر فلذلك يقال لشعوبه البتر ويقال لشعوب برنس البرانس وهما معاً ابنا برنس. وبين النسابين خلاف هل هما لأب واحد. فذكر ابن حزم عن أيوب بن أبي يزيد صاحب الحمار أنهما لأب واحد على ما حدثه عنه يوسف الوراق. وقال سالم بن سليم المطماطي وهاني بن مسرور والكومي وكهلان عن أبي لوا وهم نسابة البربر: إن البرانس بتر وهم من نسل مازيغ بن كنعان. والتبر بنو بر بن قيس بن عيلان وربما نقل ذلك أن أيوب بن أبي يزيد إلا أن رواية ابن حزم أصح لأنه أوثق. وأما شعوب البرانس فعند النسابين أنهم يجمعهم سبعة أجذام وهي ازداجة ومصمودة وأوربة وعجيسة وكتامة وصنهاجة وأوريغة. وزاد سابق بن سليم وأصحابه: لمطة وهكسورة وكزولة. وقال أبو محمد بن حزم: يقال إن صنهاج ولمط إنما هما ابنا امرأة يقال لها تصكي ولا يعرف لهما أب تزوجها أوريغ فولدت له هوار فلا يعرف لهما أكثر من أنهما أخوان لهوار من أمه. قال وزعم قوم من أوريغ أنه ابن خبوز بن المثنى بن السكاسك من كندة وذلك باطل. وقال الكلبي أن كتامة وصنهاجة ليستا من قبائل البربر وإنما هما من شعوب اليمانية تركهما أفريقش بن صيفي بإفريقية مع من نزل بها من الحامية. هذه جماع مذاهب أهل التحقيق في شأنهم فمن ازداجة مسطاطة ومن مصمودة غمارة بنو غمار بن مصطاف بن مليل بن مصمود ومن أوريغة هوارة وملد ومغر وقلدن. فمن هوار بن أوريغ مليلة وبنو كهلان ومن ملس أوريغ سطط وورفل وأسيل ومسراتة. ويقال لجميعهم لهانة بنو لهان بن ملد. ويقال إن مليلة منهم. ومن مغر بن أوريغ ماواس وزمور وكبا ومصراي ومن قلدن بن أوريغ قمصاتة وورسطيف وبيانة وفل مليلة. وأما شعوب البتر وهم بنو مادغيس الأبتر فيجمعهم أربعة أجذام أداسة ونفوسة وضرية وبنو لوا الأكبر وكلهم بنو زحيك بن مادغيس. فأما أداسة بنو أداس بن زحيك فبطونهم كلها في هوارة لأن أم أداس تزوجها بعد زحيك أوريغ ابن عمه برنس والد هوازة فكان أداس أخاً لهوارة ودخل نسب بنيه كلهم في هوارة. وهم سفارة وأندارة وهنزولة وضرية وهداغة وأوطيطة وترهتة. هؤلاء كلهم بنو أداس بن زحيك بن باذغيس وهم اليوم في هوارة. وأما لوا الأكبر فمنه بطنان عظيمان وهما: نفزاوة بنو نفزا وابن لوا الأكبر ولواتة بنو لوا الأصغر بن لوا الأكبر فخلفه أبوه حملاً فسمي به. فمن لواتة أكوزه وعتروزة وبنو فاصلة بن لوا الأصغر ومنهم مزاتة بنو زاير بن لوا الأصغر. ومغانة وجدانة بنو كطوف بن لوا الأصغر ومن لواتة سرداتة بنو نيطط بن لوا الأصغر. ودخل نسب سدراتة في مغراوة. أبو محمد بن حزم: كان مغراوة تزوج أم سدراتة فصار سدراتة أخا بني مغراوة لأمهم واختلط نسبه بهم. ومن نفزاوة أيضاً بطون كثيرة وهم ولهاصة وغساسة وزهلة وسوماتة وورسيف ومرنيزة وزاتيمة ووركول ومرنسية ووردغروس ووردين كلهم بنو يطوفت من نفراوة. وزاد ابن سابق وأصحابه مجر ومكلاتة. وقال: ويقال إن مكلاتة ليس من البربر من حمير وقع إلى يطوفت صغيراً فتبناه وهو مكلا بن ريمان بن كلاع حاتم بن سعد بن حمير. ولولهاصة من نفزاوة بطون كثيرة من بزغاش ودحية بني ولهاص. فمن بزغاش بطون ورفجومة وهم: رجال وطووبورغيش ووانجز وكرطيط وما انجدل وسينتت بنو رفجوم بن بيزغاش بن ولهاص بن يطوفت بن نغزاو. قال ابن سابق وأصحابه: وبنو بيزغاش لواتة كلهم بجبال أوراس. ومن دحية ورترين وتريرو ورتبونت ومكراولقوس بنو دحية بن ولهاص بن تطوفت بن نفزاو. وأما ضرية وهم بنو ضرى بن زحيك بن مادغيس الأبتر فيجمعهم جذمان عظيمان: بنو تمصيت بن ضرى وبنو يحيى بن ضرى. وقال سابق وأصحابه: إن بطون تمصيت كلها من فاتن بن تمصيت وأنهم اختصوا بنسب ضرسية دون بطون يحيى. فمن بطون تمصيت: مطماطة وصطفورة وهم كومية ولماية ومطغرة ومرينة ومغيلة ومكزوزة وكشاتة ودونة ومديونة كلهم بنو فاتن بن تمصيت بن ضرى. ومن بطون يحيى: زناتة كلهم وسمكان وورصطف. فمن ورصطف: مكناسة وأوكنة وورتناج بنو ورصطف بن يحيى. فمن مكناسة ورتيفة وررتدوسن وتفليت ومنصارة وموالات وحرات ورفلابس ومن مكن بولالين وتدين ويصلتن وجرين وفوغال. ومن ورتناج: مكنسة وبطالسة وكرنيطة وسدرجة وهناطة وفولال بنو ورتناج بن ورصطف. ومن سمكان زواغة وزواوة بنو سمكان بن يحيى وابن حزم بعد زواوة التي بالواو في بطون كتامة وهو أظهر ويشهد له الوطن. فالغالب أن زواوة بنو سكمان بن يحيى وعن ابن حزم: بعد زواوة التي بالواو في بطون كتامة والتي تعد في سكان هي التي بالزاي وهي قبيلة معروفة. ومن زواغة بنو ماجر وبنو واطيل وسمكين. وسيأتي الكلام فيهم مستوفى عند ذكرهم إن شاء الله تعالى. هذا آخر الكلام في شعوب هذا الجيل مجملاً ولا بد من تفصيل فيه عند تفصيل أخبارهم. وأما إلى من يرجع نسبهم من الأمم الماضية فقد اختلف النسابون في ذلك اختلافاً كثيراً وبحثوا فيه طويلاً. فقال لعضهم: إنهم من ولد إبراهيم عليه السلام من نقشان ابنه وقد تقدم ذكره عند ذكر إبراهيم عليه السلام. وقال آخرون: البربر يمنيون وقالوا أوزاع من اليمن. وقال المسعودي من غسان وغيرهم تفرقوا عندما كان من سيل العرم. وقيل: خلفهم أبرهة ذو المنار بالمغرب وقيل من لخم وجذام كانت منازلهم بفلسطين وأخرجهم منها بعض ملوك فارس. فلما وصلوا إلى مصر منعتهم ملوك مصر النزول فعبروا النيل وانتشروا في البلاد. وقال أبو عمر بن عبد البر: ادعت طوائف من البربر أنهم من ولد النعمان بن حميد بن سبأ. قال: ورأيت في كتاب الأسفنداد الحكيم: إن النعمان بن حمير بن سبأ كان ملك زمانه في الفترة وأنه استدعى أبناءه وقال لهم. أريد أن أبعث منكم للمغرب من يعمره فراجعوه في ذلك وعزم عليهم وأنه بعث منهم لمت أبا لمتونة ومسفو أبا مسوفة ومرطا أبا هسكورة وأصناك أبا صنهاجة ولمط أبا لمطة وإيلان أبا هيلانة فنزل بعضهم بجبل دون وبعضهم بالسوس وبعضهم بدرعة. ونزل لمط عند كزول وتزوج ابنته ونزل أجانا وهو أبو زناتة بوادي شلف ونزل بنو ورتجين ومغراو بأطراف إفريقية من جهة المغرب ونزل مصمود بمقربة من طنجة والحكاية طويلة أنكرها أبو عمر بن عبد البر وأبو محمد بن حزم. وقال آخرون: إنهم كلهم من قوم جالوت. وقال علي بن عبد العزيز الجرجاني النسابة في كتاب الأنساب له: لا أعلم قولاً يؤدي إلى الصحة إلا قول من قال إنهم من ولد جالوت. ولم ينسب جالوت ممن هو وعند ابن قتيبة أنه ونور بن هربيل بن حديلان بن جالود بن رديلان بن حطى زياد بن زجيك بن مادغيس الأبتر. ونقل عنه أيضاً أنه جالوت بن هربال بن جالود بن دنيال بن قحطان بن فارس. قال: وفارس مشهور وسفك أبو البربر كلهم. قالوا: والبربر قبائل كثيرة وشعوب - وهي هوارة وزناتة وضريسة ومغيلة وورفجومة ونفزة وكتامة ولواثة وغمارة ومصمودة وصدينة ويزدران وورنجين وصنهاجة ومجكسة وواركلان وغيرهم. وذكر آخرون منهم الطبري وغيره: أن البربر أخلاط من كنعان والعماليق فلما قتل جالوت تفرقوا في البلاد وغزا أفريقش المغرب ونقلهم من سواحل الشام وأسكنهم إفريقية وسماهم بربر وقيل البربر من ولد حام بن نوح بن بربر بن تملا بن مازيغ بن كنعان بن حام. وقال الصولي هم من ولد بربر بن كسلوجيم بن مصرائيم بن حام. وقيل إن العمالقة من بربر بن تملا مارب بن قاران بن عمرو بن عملاق بن لاود بن إرم بن سام وعلى هذا القول فهم عمالقة. وقال مالك بن المرحل. البربر قبائل شتى من حمير ومضر والقبط والعمالقة وكنعان وقريش تلاقوا بالشام ولغطوا فسماهم أفريقش البربر لكثرة كلامهم. وشب خروجهم عند المسعودي والطبري والسهيلي: أن أفريقش استجاشهم لفتح إفريقية وسماهم البربر وينشدون من شعره: بربرت كنعان لما سقتها من أراضي الضنك للعيش الخصيب وقال ابن الكلبي: اختلف الناس فيمن أخرج البربر من الشام فقيل داود بالوحي قيل يا داود أخرج البربر من الشام فإنهم جذام الأرض. وقيل يوشع بن نون وقيل أفريقش وقيل بعض الملوك التبابعة. وعند البكري أن بني إسرائيل أخرجوهم عند قتل جالوت وللمسعودي والبكري أنهم فروا بعد موت جالوت إلى المغرب وأرادوا مصر فأجلت القبط فسكنوا برقة وإفريقية والمغرب على حرب مع الإفرنج والأفارقة وأجازوهم على صقلية وسردانية وميورقة والأندلس. ثم اصطلحوا على أن المدن للافرنجة وسكنوا القفار عصوراً في الخيام وانتجاع الأمصار من الإسكندرية إلى البحر وإلى طنجة والسوس حتى جاء الإسلام وكان منهم من تهود ومن تنصر وآخرون مجوساً يعبدون الشمس والقمر والأصنام ولهم ملوك ورؤساء. وكان بينهم وبين المسلمين حروب مذكورة. وقال الصولي البكري إن الشيطان نزغ بين بني حام وبني سام فانجلى بنو حام إلى المغرب ونسلوا به. وقال أيضاً إن حام لما اسود بدعوة أبيه فر إلى المغرب حياء واتبعه بنوه وهلك عن أربعمائة سنة. وكان من ولده بربر بن كسلاجيم فنسل بنوه بالمغرب. قال وانضاف إلى البربر حيان من المغرب يمنيان عند خروجهم من مارب كتامة وصنهاجة قال وهوارة ولمطة ولواتة بنو حمير بن سبأ. وقال هانىء بن بكور الضريسي وسابق بن سليمان المطماطي وكهلان بن أبي لؤي وأيوب بن أبي يزيد وغيرهم من نسابة البربر أن البربر فرقتان كما قدمناه وهما: البرانس والبتر فالبتر من ولد بر بن قيس بن عيلان والبرانس بنو برنس بن سفجو بن أبزج بن جناح بن واليل بن شراط بن تام بن دويم بن دام بن مازيغ بن كنعان بن حام وهذا هو الذي يعتمده نسابة البربر. قال الطبري: خرج بربر بن قيس ينشد ضالة بأحياء البربر فهوي جارية وتزوجها فولدت. وعند غيره من نسابة البزبر أنه خرج فاراً من أخيه عمرو بن قيس وفي ذلك تقول تماضر وهي أخته: لتبكي كل باكية أخاها كما أبكي على بر بن قيس تحمل عن عشيرته فأضحى ودون لقائه أنضاء عيس ومما ينسب إلى تماضر أيضاً: وشطت ببر داره عن بلادنا وطوح بر نفسه حيث يمما وازرت ببر لكنة أعجمية وما كان بر في الحجاز بأعجما كأنا وبرا لم نقف بجيادنا بنجد ولم نقسم نهابا ومغنما وأنشد علماء البربر لعبيدة بن قيس العقيلي: ألا أيها الساعي لفرقة بيننا توقف هداك الله سبل الأطائب فاقسم إنا والبرابر إخوة نمانا وهم جد كريم المناصب أبونا أبوهم قيس عيلان في الذرى وفي حرمة يسقي غليل المحارب فنحن وهم ركن منيع وإخوة على رغم أعداء لئام المغاقب وبر بن قيس عصبة مضرية وفي الفرع من أحسابها والذوائب وقيس قوام الدين في كل بلدة وخير معد عند حفظ المناسب وقيس لها المجد الذي يقتدى به وقيس لها سيف حديد المضارب وينشد أيضاً أبيات ليزيد بن خالد يمدح البربر: أيها السائل عنا أصلنا قيس عيلان بنو العز الأول نحن مانحن بنو بر القوى عرف المجد وفي المجد دخل وابتنى المجد فأورى زنده وكفانا كل خطب ذي جلل إن قيساً يعتزي بر لها ولبر يعتزي قيس الأجل ولنا الفخر بقيس إنه جدنا الأكبر فكاك الكبل إن قيساً قيس عيلان هم معدن الحق على الخير دلل حسبك البربر قومي إنهم ملكوا لأرض بأطراف الأسل وببيض تضرب الهام بها هام من كان عن الحق نكل حيدة بن عمرو بن معد بن عدنان فولد عيلان بن مضر قيساً ودهمان أما دهمان فولده قليل وهم أهل بيت من قيس يقال لهم بنو أمامة. وكانت لهم بنت تسمى البهاء بنت دهمان وأما قيس بن عيلان فولد له أربعة بنين وهم سعد وعمر وأمهما مزنة بنت أسد بن ربيعة بن نزار وبر وتماضر وأمهما تمريغ بنت مجدل ومجدل بن غمار مصمود وكانت قبائل البربر يومئذ يسكنون الشام ويجاورون العرب في المساكن ويشاركونهم في المياه والمراعي والمسارح ويصهرون إليهم فتزوج بر بن قيس بنت عمه وهي البهاء بنت دهمان وحسده إخوته في ذلك. وكانت أمه تمريغ من دهاة النساء فخشيت منهم عليه وبعثت بذلك إلى أخوالها سراً ورحلت معهم بولدها وزوجته إلى أرض البربر. وهم إذ ذاك ساكنون بفلسطين وأكناف الشام فولدت البهاء لبر بن قيس ولدين: علوان ومادغيس. فمات علوان صغيراً وبقي مادغيس فكان يلقب الأبتر وهو أبو البتر من البربر ومن ولده جميع زناتة. قمالوا: وتزوج مادغيس بن بر وهو الأبتر بأملل بنت واطاس بن محمد بن مجدل بن عمار فولدت له زحيك بن مادغيس. وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد في الأنساب اختلف الناس في أنساب البربر اختلافاً كثيراً. وأنسب ما قيل فيهم أنهم من ولد قبط بن حام لما نزل مصر خرج ابنه يريد المغرب فسكنوا عند آخر عمالة مصر وذلك ما وراء برقة إلى البحر الأخضر مع بحر الأندلس إلى منقطع الرمل متصلين بالسودان. فمنهم لواتة آهلين بأرض طرابلس ونزل قوم بقربها وهم نفزة. ثم امتدت بهم الطرق إلى القيروان وما وراءها إلى تاهرت إلى طنجة وسجلماسة إلى السوس الأقصى وهم طوائف صنهاجة وكتامة وزكالة من وركلاوة وفطواكة من هسكورة ومزطاوة وذكر بعض أهل الآثار أن الشيطان نزغ بين بني حام وبني سام فوقعت بينهم مناوشات كانت الدبرة فيها لسام وبنيه وخرج سام إلى المغرب وقدم مصر وتفرق بنوه ومضى على وجهه يؤم المغرب حتى بلغ السوس الأقصى وخرج بنوه في أثره يطلبونه فكل طائفة من ولده بلغت موضعاً وانقطع عنهم خبره فأقاموا بذلك الموضع وتناسلوا فيه ووصلت إليهم طائفة فأقاموا معهم وتناسلوا هنالك. وكان عمر حام أربعمائة وثلاثاً وأربعين سنة فيما ذكره البكري وقال آخرون: كان عمره خمسمائة وإحدى وثلاثين سنة وقال السهيلي فيمن هو يعرب بن قحطان. قال: وهو الذي أجلى بني حام إلى المغرب بعد أن كانوا الجزى من ولد قوط بن يافث هذا آخر الخلاف في أنساب البربر. واعلم أن هذه المذاهب كلها مرجوحة وبعيدة من الصواب فأما القول بأنهم من ولد إبراهيم فبعيد لأن داود الذي قتل جالوت وكان البربر معاصرين له ليس بينه وبين إسحق بن إبراهيم أخي نقشان الذي زعموا أنه أبو البربر إلا نحو عشرة آباء ذكرناهم أول الكتاب. ويبعد أن يتشعب النسل فيهم مثل هذا التشعب. وأما القول بأنهم من ولد جالوت أو العماليق وأنهم نقلوا من ديار الشام وانتقلوا فقول ساقط يكاد يكون من أحاديث خرافة إذ متل هذه الأمة المشتملة على أمم وعوالم ملأت جانب الأرض لا تكون منتقلة من جانب آخر وقطر محصور والبربر معروفون في بلادهم وأقاليمهم متحيزون بشعارهم من الأمم منذ الأحقاب المتطاولة قبل الإسلام فما الذي يحوجنا إلى التعلق بهذه الترهات في شأن أوليتهم. ويحتاج إلى مثله في كل جيل وأمة من العجم والعرب. وأفريقش الذي يزعمون أنه نقلهم قد ذكروا أنه وجدهم بها وأنه تعجب من ش كثرتهم وعجمتهم وقال: ما أكثر بربرتكم. فكيف يكون هو الذي نقلهم وليس بينه وبين أبرهة ذي المنار من يتشعبون فيه إلى مثل ذلك أن قالوا أنه الذي نقلهم. وأما القول أيضاً بأنهم من حمير من ولد النعمان أو من مضر من ولد قيس بن عيلان فمنكر من القول وقد أبطله إمام النسابين والعلماء أبو محمد بن حزم. وقال في كتالب الجمهرة: ادعت طوائف من البربر أنهم من اليمن ومن حمير وبعضهم ينسب إلى بربر بن قيس وهذا كله باطل لا شك فيه. وما علم النسابون لقيس بن عيلان ابناً اسمه بر أصلاً وما كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا في تكاذيب مؤرخي اليمن. وأما ما ذهب إليه ابن قتيبة أنهم من ولد جالوت وأن جالوت من ولد قيس بن عيلان فأبعد عن الصواب. فإن قيس عيلان من ولد معد. وقد قدمنا أن معداً كان معاصراً لبختنضر وأن أرمياء النبي خلص به إلى الشام حذراً عليه من بختنصر حين سلط على العرب. وبختنصر هو الذي خرب بين المقدس بعد بناء داود وسليمان إياه بأربعمائة وخمسين سنة ونحوها فيكون معد بعد داود بمثل هذا الأمد فكيف يكون ابنه قيس أباً لجالوت المعاصر لداود. هذا في غاية البعد وأظنها غفلة من ابن قتيبة ووهماً. والحق الذي لا ينبغي التعويل على غيره في شأنهم أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح كما تقدم في أنساب الخليقة وأن اسم أبيهم مازيغ وإخوتهم أركيش وفلسطين إخوانهم بنو كسلوحيم بن مصرايم بن حام وملكهم جالوت سمة معروفة له. وكانت بين فلسطين هؤلاء وبين بني إسرائيل بالشام حروب مذكورة. وكان بنو كنعان وواكريكيش شيعاً لفلسطين فلا يقعن في وهمك غير هذا فهو الصحيح الذي لا يعدل عنه. ولا خلاف بين نسابة العرب أن شعوب البربر الذي قدمنا ذكرهم كلهم من البربر إلا صنهاجة وكتامة. فإن بين نسابة العرب خلافاً والمشهور أنهم من اليمنية وأن أفريقش لما غزا إفريقية أنزلهم بها. أما نسابة البربر فيزعمون في بعض شعوبهم أنهم من العرب مثل لواتة يزعمون أنهم من حمير ومثل هوارة يزعمون أنهم من كندة من السكاسك ومثل زناتة تزعم نسابتهم أنهم من العمالقة فروا أمام بني إسرائيل. وربما يزعمون فيهم أنهم من بقايا التبابعة ومثل غمارة أيضاً وزواوة ومكلاتة يزعم في هؤلاء كلهم نسابتهم أنهم من حمير حسبما نذكره عند تفصيل شعوبهم في كل فرقة منهم وهذه كلهما مزاعم. والحق الذي شهد به المواطن والعجمة أنهم بمعزل عن العرب إلا ما تزعمه نسابة العرب في صنهاجة وكتامة. وعندي أنهم من إخوانهم والله أعلم. وقد انتهى بنا الكلام إلى أنسابهم وأوليتهم فلنرجع إلى تفصيل شعوبهم وذكرهم أمة بعد أمة. ونقتصر على ذكر من كانت له منهم دولة ملك أو سالف شهرة أو تشعب نسل في العالم وعدد لهذا العهد وما قبله من صنفي البرانس. والبتر منهم وترتيبهم شعباً شعباً حسبما تأدى إلينا من ذلك واشتمل عليه محفوظنا والله المستعان. |
الفصل الثاني مواطن البربر بافريقية والمغرب
في ذكر مواطن هؤلاء البربر بإفريقية والمغرب اعلم أن لفظ المغرب في أصل وضعه اسم إضافي يدل على مكان من الأمكنة بإضافته إلى جهة المشرق ولفظ المشرق كذلك بإضافته إلى جهة المغرب فكل مكان من الأرض مغرب بالإضافة إلى جهة المشرق ومشرق بالإضافة إلى جهة المغرب إلا أن العرب قد يخصص هذه الأسماء بجهات معينة وأقطار مخصوصة. وعرف أهل الجغرافيا المعتنين بمعرفة هيئة الأرض وقسمتها بأقاليمها ومعمورها وخرابها وجبالها وبحارها ومساكن أهلها مثل بطليموس ورجار صاحب صقلية المنسوب إليه الكتاب المشهور بين الناس لهذا العهد في هيئة الأرض والبلدان وأمثالهم: أن المغرب قطر واحد مميز بين الأقطار. فحده من جهة المغرب بحر المحيط وهو عنصر الماء وسمي محيطاً لإحاطته بما انكشف من الأرض كما قدمنا أول الكتاب. ويسمى أيضاً البحر الأخضر لتلونه غالباً بالخضرة ويسمى بحر الظلمات لما أنه تقل الأضواء من الأشعة المنعكسة على سطح الأرض من الشمس لبعده عن الأرض فيكون مظلماً. ولفقدان الأضواء تقل الحرارة المحللة للأبخرة فلا تزال السحب والغيوم متكاثفة على سطحه منعقدة هنالك متراكمة وتسميه الأعاجم: بحر أوقيانوس يعنون والله أعلم ما نعني نحن بالعنصر. ويسمونه أيضاً بحر البلاية بتفخيم اللام الثانية. وهو بحر كبير غير منحصر لا تبعد فيه السفن عن مرأى العين من السواحل للجهل بسمو الرياح هنالك ولنهايتها إذ لا غاية من العمران وراءه. والبحار المنحصرة إنما جرت فيها السفن بالرياح المعروفة الهوائية بكثرة تجاربهم فتبعث الريح من الأماكن وغاية مهبها في سمتها فكل ريح عندهم معروفة الغاية. فإذا علم أن جريته بالريح المنبعثة من مكان كذا وبما خرج من ريح إلى ريح ريح بحسب مقصوده وجهته. وهذا مفقود في البحر الكبير لأنه منحصر ومنبعث الريح وإن كان معروفاً فيه فغايته غير معروفة لفقدان العمران وراءه فتضل السفن إذا جرت به وتذهب فتهلك. وأيضاً فإذا أوغل فيه فربما وقع في المتكاثف من الغيوم والأبخرة كما قلف فيهلك فلهذا كان راكبه على غرر وخطر. فحد الغرب من جهة المغرب البحر المحيط كما قلناه وعليه كثير من مدنه مثل طنجة وسلا أزمور وأنفى وأسفى وهي من مدن الغرب وحواضره. وعليه أيضاً مسجد ماسة وبلدتا كاوصت ونول من بلاد السوس وهي كلها من مساكن البربر وحواضرهم وتنتهي المراكب إلى وراء ساحل نول ولا تجاوزه إلا على خطر كما قلناه. وأما حده من جهة الشمال فالبحر الرومي والمتفرع من هذا البحر المحيط يخرج في خليج متضايق بين طنجة من بلاد المغرب وطريف من بلاد الأندلس ويسمى هذا الخليج الزقاق وعرضه ثمانية أميال فما فوقها. وكانت عليه قنطرة ركبها ماء البحر. ثم يذهب هذا البحر الرومي في سمت الشرق إلى أن ينتهي إلى سواحل الشام وثغوره وما إليها مثل أنطالية وأنطاكية والعلايا وطرسوس والمصيصة وطرابلس وصور والإسكندرية. ولذلك سمي البحر الشامي. وهو إذاً خرج من الخليج ينفسح في ذهابه عرضاً. وأكثر انفساحه إلى جهة الشمال ولا يزال انفساحه ذلك متصاعداً إلى الشمال إلي أن ينتهي إلى غايته. وطوله فيما يقال خمسة آلاف ميل أو ستة. وفيه جزائر ميورقة ومنرقة وياسة وصقلية وأقريطش وسردانية وقبرص. وأما عرضه من جهة الجنوب فإنه يخرج عن سمت واحد. ثم يختلف في ذهابه فتارة يبعد عن الجنوب وتارة يرجع إلى الشمال. واعترض ذلك بعروض البلدان التي بساحله وذلك أن عرض البلد هو ارتفاع قطبه الشمال على أفقه. وهو أيضاً بعد ما بين سمت رؤوس أهله ودائرة معدل النهار. والسبب في ذلك أن الأرض كروية الشكل والسماء من فوقها مثلها. وأفق البلد هو فرق ما يرى وبين ما لا يرى من السماء ومن الأرض. والفلك ذو قطبين إذا ارتفع أحدهما على رؤوس معمور انخفض الآخر بقدره عنهم والعمارة في الأرض كلها هي إلى الجانب الشمال أكثر وليس في الجنوب عمران لما تقرر في موضعه. فلهذا ارتفع القطب الشمالي على أهل العمران دون الجنوبي. والمار على سطح الكرة كلما أبعد في جهة ظهر له من سطح الكرة ومن السماء المقابل لها ما لم يكن يظهر فيزيد بعد القطب على الأفق كما أبعد في الشمال وينقص كلما رجع إلى الجنوب. فعرض سبتة وطنجة التي هي على زقاق هذا البحر وخليجه - له - ودقائق. ثم يتصاعد البحر إلى الجنوب فيكون عرض تلمسان - لد - ونصف فتزيد في الجنوب فيكون عرض وهران - لب - أبعد من فاس بيسير لأن عرض فاس - لج - ودقائق. ولهذا كان العمران في المغرب الأقصى أعرض في الشمال من عمران المغرب الأوسط بقدر ما بين فاس وسبتة. وصار ذلك القطر كالجزيرة بين البحار لانعطاف البحر الرومي إلى الجنوب. ثم يرجع البحر بعد وهران عن سمته ذلك فيكون عرض تونس والجزائر - له - على مثل سمته الأول عند منبعثه من الزقاق. ثم يزيد في الشمال فيكون عرض بجاية وتونس - يوم - على مثل سمت غرناطة ومرية ومالقة. ثم يرجع إلى الجنوب فيكون عرض طرابلس وقابس - له - على مثل السمت الأول بطنجة وسبتة. ثم يزيد في الجنوب فيكون عرض برقة - لج - على مثل سمت فاس وتوزر فيكون عرض الإسكندرية - لا - على مثل مراكش وأغمات. ثم يذهب في الشمال إلى القطافة إلى منتهى سمته بسواحل الشام. وهكذا اختلافه في هذه العدوة الجنوبية ولسنا على علم من حاله في العدوة الشمالية. وينتهي بسواحل عرض هذا البحر في انفساحه إلى سبعمائة ميل أو نحوها ما بين سواحل إفريقية وجنوة من العدوة الشمالية والبلاد الساحلية من المغرب الأقصى والأوسط وإفريقية من لدن الخليج حيث منبعثة كلها عليه مثل طنجة وسبتة وبادس وعساسة وهنين ووهران والجزائر وبجاية وبونة وتونس وسوسة والمهدية وصفاقس وقابس وطرابلس وسواحل برقة والإسكندرية. هذا وصف هذا البحر الرومي الذي هو حد المغرب من جهة الشمال. وأما حده من جهة القبلة والجنوب فالرمال المتهيلة الماثلة حجزاً بين بلاد السودان وبلاد البربر. وتعرف عند العرب الرحالة البادية بالعرق وهذا العرق سياج على المغرب من جهة الجنوب مبتدىء من البحر المحيط وذاهب في جهة الشرق على سمت واحد إلى أن يعترضه النيل الهابط من الجنوب إلى مصر. فهنالك ينقطع وعرضه ثلاث مراحل وأزيد. ويعترضه في جهة المغرب الأوسط أرض محجرة تسمى عند العرب الحمادة من دوين مصاب إلى بلاد ريغ ووراءه من جهة الجنوب بعض بلاد الجريدية ذات نخيل وأنهار معدودة في جملة بلاد المغرب مثل بلاد بودة وتمنطيت فى قبلة المغرب الأقصى وتسايبت وتيكورارين في قبلة المغرب الأوسط وغدامس وفزان وودان في قبلة طرابلس. كل واحد من هذه إقليم يشتمل على بلدان عامرة ذات قرى ونخيل وأنهار ينتهي وإلى هذه العدوة الجنوبية من هذا العرق ينتهي في بعض السنين مجالات أهل الشام من صنهاجة ومتقلبهم الجائلون هناك إلى بلاد السودان. وفي العدوة الشمالية - منه مجالات البادية من الأعراب الظواعن بالمغرب. وكانت قبلهم مجالات للبربر كما نذكره بعد هذا حد المغرب من جهة الجنوب. ومن دون هذا العرق سياج آخر على المغرب مما يلي التلول منه. وهي الجبال التي هي تخوم تلك التلول ممتدة من لدن البحر المحيط في الغرب إلى برنيق من بلاد برقة. وهنالك تنقطع هذه الجبال. ويسمى مبدؤها من المغرب جبال درن. وما بين هذه الجبال المحيطة بالتلول وبين العرق الذي وصفناه آنفاً بسائط وقفار أكثر نباتها الشجر وفيما يلي التلول منها ويقاربها بلاد الجريد ذات نخل وأنهار. ففي أرض السوس قبلة مراكش ترودانت والغيرى فويان وغيرهما بلاد ذات نخل وأنهار ومزارع متعددة عامرة. وفي قبلة فاس سجلماسة وقراها بلد معروف ودرعة أيضاً وهي معروفة وفي قبلة تلمسان قصور متعددة ذات نخل وأنهار. وفي قبلة تاهرت القصور أيضاً بلاد متتالية على سطر من المشرق إلى المغرب أقرب ما إليها جبل راشد وهي ذات نخل ومزارع وأنهار. ثم قصور معينات تناهز المائة وأكثر قبله الجزائر ذات نخل وأنهار. ثم بلد واركلي قبلة بجاية بلد واحد مستبحر العمران كثير النخل وفي سمته إلى جهة التلول بلاد ريغ تناهز الثلثمائة منتظمة على حفافي واد ينحدر من المغرب إلى المشرق يناهز مائة من البلاد فأكثر قاعدتها بسكرة من كبار الأمصار بالمغرب. وتشتمل كلها على النخل والأنهار والفدن والقرى والمزارع. ثم بلاد الجريد قبلة تونس وهي: نفطة وتوزر وقفصة وبلاد نفزاوة وتسمى كلها بلاد قسطيلة مستبحرة العمران مستحكمة الحضارة مشتملة على النخل والأنهار. ثم قابس قبلة سوسة وهي حاضرة البحر من أعظم أمصار إفريقية وكانت دار ملك لابن غانية كما نذكره بعد. وتشتمل على النخل والأنهار والمزارع. ثم فزان وودان قبلة طرابلس قصور متعددة ذات نخل وأنهار وهي أول ما افتتح المسلمون من أرض إفريقية لما غزاها عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص. ثم الوحات قبلة برقة. ذكرها المسعودي فى كتابه. وما وراء هذه كلها في جهة الجنوب فقفار ورمال لا تنبت زرعاً ولا مرعى إلى أن تنتهي إلى العرق الذي ذكرناه. ومن ورائه مجالات المتلثمين كما قلناه مفاوز معطشة إلى بلاد السودان. وما بين بلاد هذه والجبال التي هي سياج التلول بسائط متلون مزاجها تارة بمزاج التلول وتارة بمزاج الصحراء بهوائها ومياهها ومنابتها. وفيها القيروان وجبل أوراس معترض وسطها. وبلاد الحضنة حيث كانت طبنة ما بين الزاب والتل. وفيها مقرة والمسيلة وفيها السرسو قبلة تلمسان حيث تاهرت فيها جبل ديرو وقبلة فاس معترض في تلك البسائط. هذا حد المغرب من جهة القبلة والجنوب. وأما من جهة الشرق فيختلف باختلاف الاصطلاحات. فعرف أهل الجغرافيا أنه بحر أهل القلزم المنفجر من بحر اليمن هابط على سمت الشمال وبانحراف يسير إلى المغرب حتى ينتهي إلى القلزم والسويس ويبقى بينهم من هنالك وبين سمته من البحر الرومي مسيرة يومين. وينقطع عند السويس والقلزم. وبعده عن مصر في جهة الشرق ثلاثة أيام. هذا آخر المغرب عندهم ويدخل فيه إقليم مصر وبرقة. وكان المغرب عندهم جزيرة أحاطت بها البحر من ثلاث جهاتها كما تراه. وأما العرف الجاري لهذا العهد بين سكان هذه الأقاليم فلا يدخل فيه إقليم مصر ولا برقة وإنما يختص بطرابلس وما وراءها إلى جهة المغرب في هذا العرف لهذا العهد. وهذا الذي كان في القديم ديار البربر ومواطنهم. فأما المغرب الأقصى منه وهو ما بين وادي ملوية من جهة الشرق إلى أسفي حاضرة البحر المحيط. وجبال درن من جهة الغرب فهي في الأغلب ديار المصامدة من أهل درن وبرغواطة وغمارة. وآخر غمارة بطوية مما يلي غساسة ومعهم عوالم من صنهاجة ومطغرة وأوربة وغيرهم يحيط به البحر الكبير من غربيه والرومي من شماليه والجبال الصاعدة المتكاثفة مثل درن من جانب القبلة وجبال تازى من جهة الشرق. لأن الجبال أكثر ما هي وأكثف قرب البحار بما اقتضاه التكوين من ممانعة البحار بها. فكانت جبال المغرب لذلك أكثر وساكنها من المصامدة في الأغلب وقيل من صنهاجة. وبقيت البسائط من الغرب مثل أزغاو وتامستا وتادلا ودكالة. واعتمرها الظواى من البربر الطارئين عليه من جشم ورياح فغص المغرب بساكنه من أمم لا يحصيهم إ لا خالقهم وصار كأنه جزيرة وبلد واحد أحاطت به الجبال والبحار وقاعدته لهذا العهد فاس وهي دار ملكه. ويمر فيه النهر العظيم المعروف بوادي أم ربيع وهو نهر عظيم يمتنع عبوره أيام الأمطار لاتساعه ويعظم مده إلى البحر فينتهي إلى سبعين ميلاً أو ما يقاربها ومصبه في البحر الكبير عند أزبور. ومنبعه من جبال درن من فوهة كبيرة ينبع منها هذا النهر ويتساهل إلى بسيط المغرب. وينبع منها أيضاً نهر آخر وينحدر إلى القبلة. ويمر ببلاد درعة ذات النخل المخصوصة بنبات النيلج. وصناعة استخراجه من شجره وهي قصور ذات نخل موضوعة في سفح جبل درن من آخره وبها يسمى هذا النهر ويجاورها إلى أن يغوص في الرمل قبلة بلاد السوس. وأما نهر ملوية آخر المغرب الأقصى فهو نهر عظيم منبعه من فوهة في جبال قبلة تازى ويصب في البحر الرومي عند غساسة. وعليه كانت ديار مكناسة المعروفة بهم في القديم. ويسكنها لهذا العهد أمم أخرى من زناتة في قصور منتظمة إلى أعلى النهر يعرفون بوطاط ويجاورهم هنالك وفي سائر نواحيه أمم من البربر أشهر من فيهم بطالسة إخوة مكناسة. وينبع مع هذا النهر من فوهته نهر كبير ينحدر ذاهباً إلى القبلة مشرقاً بعض الشيء ويقطع العرق على سمته إلى أن ينتهي إلى بودة ثم بعدها إلى تمنطيت ويسمى لهذا العهد كير وعليه قصورها. ثم يمر إلى أن يصب في القفار ويروغ في قفارها ويغور في رمالها وهو موضع مغامه قصور ذات نخل تسمى وركلان. وفي شرق بوده مما وراء العرق قصور تسابيت من قصور الصحراء. وفي شرقي تسابيت إلى ما يلي الجنوب قصور تيكورارين تنتهي إلى ثلثمائة أو أكثر في واد واحد فينحدر من المغرب إلى المشرق وفيها أمم من قبائل زناتة. وأما المغرب الأوسط فهو في الأغلب ديار زناتة. كان لمغراوة وبني يفرن. وكان معهم مديونة ومغيلة وكومية ومطغرة ومطماطة. ثم صار من بعدهم لبني ومانوا وبني يلومي. ثم صار لبني عبد الواد وتوجين من بني مادين وقاعدته لهذا العهد تلمسان وهي دار ملكه ويجاوره من جهة المشرق بلاد صنهاجة من الجزائر ومتيجة والمرية وما يليها إلى بجاية وقبائله كلهم لهذا العهد مغلوبون للعرب من زغبة. ويمر في وادي شلف بني واطيل النهر الأعظم منبعه من بلد راشد في بلاد الصحراء. ويدخل إلى التل من بلاد حصين لهذا العهد. ثم يمر مغرباً ويجتمع فيه سائر أودية المغرب الأوسط مثل مينا وغيره إلى أن يصب في البحر الرومي ما بين كليتوا ومستغانم. وينبع من فوهته نهر آخر يذهب مشرقاً من جبل راشد ويمر بالزاب إلى أن يصب في سبخة ما بين توزر وأما بلاد بجاية وقسطنطينة فهي دار زواوة وكنامة وعجيسة وهوارة وهي اليوم ديار للعرب إلا ممتنع الجبال وفيها بقاياهم. وأما إفريقية كلها إلى طرابلس فبسائط فيح كانت دياراً لنفزاوة وبني يفرن ونفوسة ومن لا يحصى من قبائل البربر. وكانت قاعدتها القيروان وهي لهذا العهد مجالات للعرب من سليم وبني يفرن وهوارة مغلوبون تحت أيديهم. وقد تبدو معهم ونسوا رطانة الأعاجم وتكلموا بلغات العرب وتحلوا بشعارهم في جميع أحوالهم. وقاعدتها لهذا العهد تونس وهي دار ملكها ويمر فيها النهر الأعظم المعروف بوادي مجردة يجتمع فيه سائر الأودية بها ويصب في البحر الرومي على مرحلة من غربي تونس بموضع يعرف ببنزرت. وأما برقة فدرست معالمها وخربت أمصارها وانقرض أمرها. وعادت مجالات للعرب بعد أن كانت دارا للواتة وهوارة وغيرهم من البربر. وكانت بها الأمصار المستبحرة مثل لبدة وزويلة وبرقة وقصر حسان وأمثالها فعادت يباباً ومفاوز كأن لم تكن والله أعلم |
الفصل الثالث فضائل هذا الجيل من البربر
في ذكر ما كان لهذا الجيل قديماً وحديثاً من الفضائل الإنسانية والخصائص الشريفة الراقية بهم إلى مراقي العز ومعارج السلطان والملك قد ذكرنا ما كان من أمر هذا الجيل من البربر ووفور عدده وكثرة قبائلهم وأجيالهم وما سواه من مغالبة الملوك ومزاحمة الدول عدة آلاف من السنين من لدن حروبهم مع بني إسرائيل بالشام وخروجهم عنه إلى إفريقية والمغرب وما كان منهم لأول الفتح في محاربة الطوالع من المسلمين أولاً ثم في مشايعتهم ومظاهرتهم على عدوهم ثانياً من المقامات الحميدة والآثار الجميلة. وما كان لوهياً الكاهنة وقومها بجبل أوراس من الملك والعز والكثرة قبل الإسلام وبعده حتى تغلب عليهم العرب وما كان لمكناسة من مشايعة المسلمين أولاً ثم ردتهم ثانياً وتحيزهم إلى المغرب الأقصى وفرارهم أمام عقبة بن نافع ثم غلبهم بعد ذلك طوالع هشام بأرض المغرب. قال ابن أبي زيد: إن البربر ارتدوا بإفريقية المغرب اثنتي عشرة مرة وزحفوا في كلها للمسلمين ولم يثبت إسلامهم إلا في أيام موسى بن نصير وقيل بعدها. وتقدم ذكر ما كان لهم في الصحراء والقفر من البلاد وما شيدوا من الحصون والآطام والأمصار من سجلماسة وقصور توات وتجورارين وفيجيج ومصاب وواركل وبلاد ريغة والزاب ونفزاوة والحمة وغذامس. ثم ما كان لهم من الأيام والوقائع والدول والممالك. ثم ما كان بينهم وبين طوالع العرب من بني هلال في المائة الخامسة بإفريقية. وما كان لهم مع دولة آل حماد بالقلعة ومع لمتونة بتلمسان وتاهرت من الموالاة والانحراف. وما استولى عليه بنو بادين آخراً بإسهام الموحدين وإقطاعهم من بلاد المغرب وما كان لبني مرين في الأجلاب على عير عبد المؤمن من الآثار وما تشهد أخباره كلها بأنه جيل عزيز على الأيام وأنهم قوم مرهوب جانبهم شديد بأسهم كثير جمعهم مظاهرون لأمم العالم وأجياله من العرب والفرس ويونان والروم. ولكنهم لما أصابهم الفناء وتلاشت عصابتهم بما حصل لهم من ترف الملك والدول التي تكررت فيهم قلت جموعهم وفنيت عصابتهم وعشائرهم وأصبحوا خولاً للدول وعبيداً للجباية. واستنكف كثير من الناس عن النسب فيهم لأجل ذلك وإلا فقد كانت أوربة أميرهم كسيلة عند الفتح كما سمعت وزناتة أيضاً حتى أسر أميرهم وزمار بن مولات وحمل إلى المدينة إلى عثمان بن عفان. ومن بعد ذلك هوارة وصنهاجة وبعدهم كتامة وما أقاموا من الدولة التي وأما تخلقهم بالفضائل الإنسانية وتنافسهم في الخلال الحميدة وما جبلوا عليه من الخلق الكريم مرقاة الشرف والرفعة بين الأمم ومدعاة المدح والثناء من الخلق من عز الجوار وحماية النزيل ورعي الأذمة والوسائل والوفاء بالقول والعهد والصبر على المكاره والثبات في الشدائد. وحسن الملكة والإغضاء عن العيوب والتجافي عن الانتقام ورحمة المسكين وبر الكبير وتوقير أهل العلم وحمل الكل وكسب المعدوم. وقرى الضيف والإعانة على النوائب وعلو الهمة وإباية الضيم ومشاقة الدول ومقارعة الخطوب وغلاب الملك وبيع النفوس من الله في نصر دينه. فلهم في ذلك آثار نقلها الخلف عن السلف لو كانت مسطورة لحفظ منها ما يكون أسوة لمتبعيه من الأمم وحسبك ما اكتسبوه من حميدها واتصفوا به من شريفها أن قادتهم إلى مراقي العز وأوفت بهم على ثنايا الملك حتى علت على الأيدي أيديهم ومضت فى الخلق بالقبض والبسط أحكامهم. وكان مشاهيرهم بذلك من أهل الطبقة الأولى: بلكين بن زيري الصنهاجي عامل إفريقية للعيديين ومحمد بن خزر والخير ابنه وعروبة بن يوسف الكتامي القائم بدعوة عبد الله الشيعي ويوسف بن تاشفين ملك لمتونة بالمغرب وعبد المؤمن بن علي شيخ الموحدين وصاحب الإمام المهدي. وكان عظماؤهم من أهل الطبقة الثانية السابقون إلى الراية بين يدي دولهم والماهدون لملكهم بالمغرب الأقصى والأوسط كبيرهم يعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين ويغمراسن بن زيان سلطان بني عبد الواد ومحمد بن عبد القوي ووزمار كبير بني توجين وثابت بن منديل أمير مغراوة وأهل شلف ووزمار بن إبراهيم زعيم بني راشد المتعاصرين في أزمانهم المتناغين في تأثيل عزهم والتمهيد لقومهم كل على شاكلته بقوة جمعه. فكانوا من أرسخهم في تلك الخلال قدماً وأطولهم فيها يداً وأكثرهم لها جمعاً طارت عنهم في ذلك قبل الملك وبعده أخبار عني بنقلها الأثبات من البربر وغيرهم وبلغت في الصحة والشهرة منتهى التواتر. وأما إقامتهم لمراسم الشريعة وأخذهم بأحكام الملة ونصرهم لدين الله فقد نقل عنهم من اتخاذ المعلمين لأحكام دين الله لصبيانهم والاستفتاء في فروض أعيانهم واقتفاء الأئمة للصلوات في بواديهم وتدارس القرآن بين أحيائهم وتحكيم حملة الفقه في نوازلهم وقضاياهم وصياغتهم إلى أهل الخير والدين من أهل مصرهم التماساً في آثارهم وسوءاً للدعاء عن صالحيهم وإغشائهم البحر لفضل المرابطة والجهاد وبيعهم النفوس من الله في سبيله وجهاد عدوه ما يدل على رسوخ إيمانهم و صحة معتقداتهم ومتين ديانتهم التي كانت ملاكاً لعزهم ومقاداً إلى سلطانهم وملكهم. المبرز منهم في هذا المنتحل يوسف بن تاشفين وعبد المؤمن بن علي وبنوهم. ثم يعقوب بن عبد الحق من بعدهم وبنوه فقد كان لهم في الاهتمام بالعلم والجهاد وتشييد المدارس واختطاط الزوايا والربط وسد الثغور وبذل النفس في الله وإنفاق الأموال في سبيل الخيرات ثم مخالطة أهل العلم وترفيع مكانهم مجالستهم ومفاوضتهم في الاقتداء بالشريعة والانقياد لإشاراتهم في الوقائع والأحكام ومطالعة سير الأنبياء وأخبار الأولياء وقراءتها بين أيديهم من دواوبن ملكهم ومجالس أحكامهم وقصور عزهم. والتعرض بالمعاقل لسماع شكوى المتظلمين وإنصاف الرعايا من العمال والضرب على يد أهل الجور واتخاذ المساجد بصحن دورهم وسده خلافتهم وملكهم يعمرونها بالصلوات والتسبيحات والقراء المرتلين لتلاوة كتاب الله أحزاباً بالعشي والإشراق على الأيام وتحصين ثغور المسلمين بالبنيان المشيد والكتائب المجهزة وإنفاق الأموال العريضة. شهدت لهم بذلك آثار تخلفوها بعدهم. وأما وقوع الخوارق فيهم وظهور الكاملين في النوع الإنساني من أشخاصهم فقد كان فيهم من الأولياء المحدثين أهل النفوس القدسية والعلوم الموهوبة. ومن حملة العلم عن التابعين ومن بعدهم من الأئمة والكهان المفطورين على المطلع للأسرار المغيب ومن الغرائب التي خرقت العادة وأوضحت أدلة القدرة ما يدل على عظيم عناية الله بذلك الجيل وكرامته لهم بما آتاهم من جماع الخير وآثرهم به من مذاهب الكمال وجمع لهم من متفرق خواص الإنسان ينقل ذلك في أخبار توهم عجائب. فكان من مشاهير حملة العلم فيهم سعيد بن واسول جد بني مدرار ملوك سجلماسة أدرك التابعين وأخذ عن عكرمة مولى العباس ذكره عريب بن حميد في تاريخة. ومنهم أبو يزيد مخلد بن كيداد اليفرني صاحب الحمار الخارج على الشيعة سنة اثنتين وثلثمائة الدائن بدين الخارجية. أخذ العلم بتوزر عن مشيختها ورأس في الفتيا وقرأ مذاهب الإضافية من الخوارج وصدق فيه. ثم لقي عماراً الأعمى الصفري النكار. فتلقن عنه من مذاهبهم ما انسلخ من آية السعادة بانتحاله. وهو مع ذلك من الشهرة في هذا الجيل بحيث لايغفل. ومنهم منذر بن سعيد قاضي الجماعة بقرطبة من ظواعن ولهاصة ثم من سوماتة منهم مولده عام عشرة ووفاته عام ثلاثه وثمانين وثلثمائة. كان من البتر من ولد مادغيس هلك على يد عبد الرحمن الناصر. ومنهم أيضاً أبو محمد بن أبي زيد علم الملة وهو من نفزة أيضاً. ومنهم علماء بالنسبة والتاريخ وغير ذلك من فنون العلوم. ومن مشاهير زناتة أيضاً موسى بن صالح الغمري معروف عند كافتهم معرفة وضوح وشهرة وقد ذكرناه عند ذكر غمرة من شعوب زناتة. وهو وإن لم توقفنا الأخبار الصحيحة على الجلي من أمره في دينه فهو من محاسن هذا الجيل الشاهدة بوجود الخواص الإنسانية فيهم: من ولاية وكهانة وعلم وسحر وكل نوع من آثار الخليقة. ولقد تحدث أهل هذا الجيل فيما يتحدثون به أن أخت يعلى بن محمد اليفرني جاءت بولد من غير أب سموه كلمام. ويذكر له أخبار في الشجاعة خرقت العوائد ودلت على أنه موهبة من الله استأثره بها لم يشاركه فيها غيره من أهل جلدته. وربما ضاقت - حواصل الخواص منهم عن ملتقط هذه الكائنة ويجهلون ما يتسع لها ولأمثالها من نطاق القدرة وينقلون أن حملها كان إثر استحمامها في عين حامية هنالك غب ما صدر عنها بعض السباع كانت ترد فيها على الناس ويردون عليها ويرون أنها علقت من فضل ولوغه ويسمون ذلك المولود ابن الأسد لظهور خاصة الشجاعة فيه. وكثير من أمثال هذه الأخبار التي لو انصرفت إليها عناية الناقلين لملأت الدواوين. ولم يزل هذا دأبهم وحالهم إلى أن مهدوا من الدول وأثلوا من الملك ما نحن في سبيل ذكره. |
الفصل الرابع ذكراخبارهم على الجملة
في ذكر أخبارهم على الجملة من قبل الفتح الإسلامي ومن بعده إلى ولاية بني الأغلب هؤلاء البربر جيل ذو شعوب وقبائل أكثر من أن تحصى حسبما هو معروف تاريخ الفتح بإفريقية والمغرب وفي أخبار ردتهم وحروبهم فيها. نقل ابن أبي الرقيق: أن موسى بن نصير لما فتح سقوما كتب إلى الوليد بن عبد الملك أنه صار لك من سقوما مائة ألف رأس. فكتب إليه الوليد بن عبد الملك: ويحك إني أظنها من بعض كذباتك فإن كنت صادقاً فهذا محشر الأمة ولم تزل بلاد المغرب إلى طرابلس بل الإسكندرية عامرة بهذا الجيل ما بين البحر الرومي وبلاد السودان منذ أزمنة لا يعرف أولها ولا ما قبلها. وكان دينهم دين المجوسية شأن الأعاجم كلهم بالمشرق والمغرب إلا في بعض الأحايين يدينون بدين من غلب عليهم من الأمم. فإن الأمم أهل الدول العظيمة كانوا يتغلبون عليهم فقد غزتهم ملوك اليمن من قرارهم مراراً على ما ذكر ذكر ابن الكلبي: أن حمير بالقبائل اليمانية ملك المغرب مائة سنة وأنه الذي مدائنه مثل إفريقية وصقلية. واتفق المؤرخون على غزو أفريقش بن صيفي من التبابعة إلى المغرب كما ذكرنا في أخبار الروم واختطوا بسيف البحر وما يليه من الأرياف عظيمة الخطة وثيقة المباني شهيرة الذكر باقية المعالم والآثار لهذا العهد مثل: سبيطلة وجلولاء ومرناق ووطاقة وزانة وغيرها من المدن التي خربها المسلمون من العرب الفتح عند استيلائهم عليها. وقد كانوا دانوا لعهدهم بما تعبدوهم به من دين النصر وأعطوهم المهادنة وأدوا إليهم الجباية طواعية. وكان للبربر في الضواحي وراء ملك الأمصار المرهوبة الحامية ما شاء من قوة وعدة وعدد وملوك ورؤساء وأقيال. وأمرؤها لا يرامون بذل ولا ينالهم الروم والإفرنج في ضواحيهم تلك بمسخطة الإساءة وقد صبحهم الإسلام وهم في مملكة قد استولوا على رومة. وكانوا يؤدون الجباية لهرقل ملك القسطنطينية كما كان المقوقس صاحب الإسكندرية وبرقة ومصر يؤدون الجباية له وكما كان صاحب طرابلس ولبدة وصبرة وصاحب صقلية وصاحب الأندلس من الغوط لما كان الروم غلبوا على هؤلاء الأمم أجمع. وعنهم كلهم أخذوا دين النصرانية فكان الفرنجة هم الذين ولوا أمر إفريقية ولم يكن للروم فيها شيء من ولاية. وإنما كان كل من كان منهم بها جنداً للإفرنج ومن حشودهم. وما يسمع في كتب الفتح من ذكر الروم في فتح إفريقية فمن باب التغليب لأن العرب يومئذ لم يكونوا يعرفون الفرنج وما قاتلوا في الشام إلا الروم فظنوا أنهم هم الغالبون على أمم النصرانية. فإن هرقل هو ملك النصرانية كلها فغلبوا اسم الروم على جميع أمم النصرانية. ونقلت الأخبار عن العرب كما هي: فجرجير المقتول عند الفتح من الفرنج وليس من الروم وكذا الأمة الذين كانوا بإفريقية غالبين على البربر ونازلين بمدنها وحصونها إنما كانوا من الفرنجة. وكذلك ربما كان بعض هؤلاء البربر دانوا بدين اليهودية أخذوه عن بني إسرائيل عند استفحال ملكهم لقرب الشاه وسلطانه منهم كما كان جرأة أهل جبل أوراس قبيلة الكاهنة مقتولة العرب لأول الفتح وكما كانت نفوسة من برابر إفريقية وقندلاوة ومديونة وبهلولة وغياتة وبنو فازان من برابرة المغرب الأقصى حتى محا إدريس الأكبر الناجم بالمغرب من بني حسن بن الحسن جميع ما كان في نواحيه من بقايا الأديان والملل فكان البربر بإفريقية والمغرب قبل الإسلام تحت ملك الفرنج وعلى دين النصرانية الذي اجتمعوا عليه مع الروم كما ذكرناه. حتى إذا كان الفتح وزحف المسلمون إلى إفريقية زمان عمررضي الله عنه سنة تسع وعشرين وغلبهم عبد الله بن سعد بن أبي سرح من بني عمامر بن لؤي فجمع لهم جرير ملك الفرنجة يومئذ بإفريقية من كان بأمصارها من الفرنج والروم ومن بضواحيها من جموع البربر وملوكهم. وكان ملك ما بين طرابلس وطنجة وكانت دار ملكه سبيطة فلقوا المسلمين في زهاء مائة وعشرين ألفاً. والمسلمون يومئذ في عشرين ألفاً فكان من هزيمة العرب لهم وفتحهم لسبيطلة وتخريبهم إياها وقتلهم جرجير ملكهم. وما نفلهم الله من أموالهم وبناتهم التي اختصت منهن ابنته بقاتلة عبد الله بن الزبير لعهد المسلمين له بذلك بعد الهزيمة وخلوصه بخبر الفتح إلى الخليفة والملأ من المسلمين بالمدينة ما هو كله مذكور مشهور. ثم أرزىء الفرنجة ومن معهم من الروم بعد الهزيمة وخلوصه بخبر الفتح إلى حصون إفريقية. وانساح المسلمون في البسائط بالغارات ووقع بينهم وبين البربر أهل الضواحي زحوف وقتل وسبي. حتى لقد حصل في أسرهم يومئذ من ملوكهم وزمار بن صقلاب جد بني خزر وهو يومئذ أمير مغوارة وسائر زناتة ورفعوه إلى عثمان بن عفان فأسلم على يده ومن عليه وأطلقه وعقد له على قومه. ويقال إنما وصله وافداً وحصن المسلمين عليهم ولاذ الفرنج بالسلم وشرطوا لابن أبي سرح ثلثمائة قنطار من الذهب على أن يرحل عنهم بالعرب ويخرج بهم من بلادهم ففعل. ورجع المسلمون إلى المشرق وشغلوا بما كان من الفتن الإسلامية. ثم كان الاجتماع والإتفاق على معاوية بن أبي سفيان وبعث معاوية بن خديج السكوني من مصر لافتتاح إفريقية سنة خمس وأربعين. وبعث ملك الروم من القسطنطينية عساكره لمدافعتهم في البحر فلم تغن شيئاً وهزمهم العرب بساحل أجم. وحاصروا جلولاء وفتحوها. وقفل معاوية بن خديج إلى مصر فولى معاوية بن أبي سفيان على إفريقية بعده عقبة بن نافع فاختط القيروان وافترق أمر الفرنجة وصاروا إلى الحصون وبقي البربر بضواحيهم إلى أن ولي يزيد بن معاوية وولى على إفريقية أبا المهاجر مولى. وكانت رئاسة البربر يومئذ في أوربة لكسيلة بن لمزم وهو رأس البرانس ومرادفة سكرديد بن رومي بن مازرت من أوربة وكان على دين النصرانية فأسلما لأول الفتح. ثم ارتدا عند ولاية أبي المهاجر واجتمع إليها البرانس وزحف إليهم أبو المهاجر حتى نزل عيون تلمسان فهزمهم وظفر بكسيلة فأسلم واستبقاه. ثم جاء عقبة بعد أبي المهاجر فنكبه غيظاً على صحابته لأبي المهاجر. ثم استفتح حصون الفرنجة مثل باغاية ولميس ولقيه ملوك البربر بالزاب وتاهرت ففضهم جمعاً بعد جمع. ودخل المغرب الأقصى وأطاعته غمارة وأميرهم يومئذ يليان. ثم أجاز إلى وليلى ثم إلى جبال درن وقاتل المصامدة وكانت بينهم وبينه حروب وحاصروه بجبال درن. ونهضت إليهم جموع زناتة وكانوا خالصة للمسلمين منذ إسلام مغراوة فأفرجت المصامدة عن عقبة وأثخن فيهم حتى حملهم على طاعة الإسلام ودوخ بلادهم. ثم أجاز إلى بلاد السوس لقتال من بها من صنهاجة أهل اللثام وهم يومئذ على دين المجوسية ولم يدينوا بالنصرانية فأثخن فيهم وانتهى إلى تارودانت وهزم جموع البربر وقاتل مسوفة من وراء السوس وسبى منهم وقفل راجعاً. وكسيلة أثناء هذا كله في اعتقاله يحمله معه في عسكره سائر غزواته. فلما قفل من السوس سرح العساكر إلى القيروان حتى بقي في خف من الجنود. وتراسل كسيلة وقومه فأرسلوا له شهوداً وانتهزوا الفرصة فيه وقتلوه ومن معه وملك كسيلة إفريقية خمس سنين ونزل القيروان وأعطى الأمان لمن بقي بها ممن تخلف من العرب أهل الذراري والأثقال وعظم سلطانه على البربر. وزحف قيس بن زهير البلوي في ولاية عبد الملك للثأر بدم عقبة سنة سبع وستين وجمع له كسيلة سائر البربر ولقيه بجيش من نواحي القيروان فاشتد القتال بين الفريقين ثم انهزم البربر وقتل كسيلة ومن لا يحصى منهم وأتبعهم العرب إلى مرمحنة ثم إلى ملوية: وفي هذه الواقعة ذل البربر وفنيت فرسانهم ورجالهم وخضدت شوكتهم واضمحل أمر الفرنجة فلم يعد وخاف البربر من زهير ومن العرب خوفاً شديداً فلجأوا إلى القلاع والحصون. ثم توهب زهير بعدها وقفل إلى المشرق فاستشهد ببرقة كما ذكرناه. واضطرمت إفريقية ناراً وافترق أمر البربر وتعدد سلطانهم في رؤسائهم. وكان من أعظمهم شأناً يومئذ الكاهنة دهيا بنت ماتية بن تيفان ملكة جبل أوراس وقومها من جراوة ملوك البتر وزعماؤهم فبعث عبد الملك إلى حيان بن النعمان الغساني عامله على مصر أن يخرج إلى جهاد إفريقية وبعث إليه بالمدد فزحف إليها سنة تسع وسبعين. ودخل القيروان وغزا قرطاجنة وافتتحها عنوة وذهب من كان بقي بها من الإفرنجة إلى صقلية وإلى الأندلس. ثم سأل عن أعظم ملوك البربر فدلوه على الكاهنة وقومها جراوة فمضى إليها حتى نزل وادي مسكيانة. وزحفت إليه فاقتتلوا قتالاً شديداً. ثم انهزم المسلمون وقتل منهم خلق كثير وأسر خالد بن يزيد القيسي. ولم تزل الكاهنة والبربر في اتباع حيان والعرب حتى أخرجرهم من عمل قابس ولحق حسان بعمل طرابلس. ولقيه كتاب عبد الملك بالمقام فأقام وبنى قصوره وتعرف لهذا العهد به. ثم رجعت الكاهنة إلى مكانها واتخذت عهداً عند أسيرها خالد بالرضاع مع ابنيها. وأقامت في سلطان إفريقية والبربر خمس سنين. ثم بعط عبد الملك إلى حسان بالمدد فرجع إلى إفريقية سنة أربع وسبعين وخربت الكاهنة جميع المدن والضياع. وكانت من طرابلس إلى طنجة ظلاً واحداً في قرى متصلة. وشق ذلك على البربر فاستأمنوا لحسان فأمنهم ووجد السبيل إلى تفريق أمرها وزحف إليها وهي في جموعها من البربر فانهزموا وقتلت الكاهنة بمكان البير المعروف بها لهذا العهد بجبل أوراس. واستأمن إليه البربر على الإسلام والطاعة وعلى أن يكون منهم اثنا عشر ألفاً مجاهدين معه فأجابوا وأسلموا وحسن إسلامهم وعقد للأكبر من ولد الكاهنة على قومهم من جراوة وعلى جبل أوراس فقالوا: لزمنا الطاعة له سبقناها إليها وبايعناه عليها. وأشارت عليهم بذلك لأثارة من علم كانت لديها بذلك من شياطينها. وانصرف حسان إلى القيروان فدون الدواوين وصالح من ألقى بيده من البربر على الخراج. وكتب الخراج على عجم إفريقية ومن أقام معهم على النصرانية من البربر والبرانس. واختلفت أيدي البربر فيما بينهم على إفريقية والمغرب فخلت أكثر البلاد وقدم موسى بن نصير إلى القيروان والياً على إفريقية. ورأى ما فيها من الخلاف وكان ينقل العجم من الأقاصي إلى الأداني وأثخن في البربر ودوخ المغرب وأدى إليه البربر الطاعة. وولي على طنجة طارق بن زياد وأنزل معه سبعة وعشرين ألفاً من العرب واثني عشر ألفاً من البربر وأمرهم أن يعلموا البربر القرآن والفقه. ثم أسلم بقية البربر على يد إسمعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر سنة إحدى ومائة. وذكر أبو محمد بن أبي زيد: أن البربر ارتدوا اثنتي عشرة مرة من طرابلس إلى طنجة ولم يستقر إسلامهم حتى أجاز طارق وموسى بن نصير إلى الأندلس بعد أن دوخ المغرب وأجاز معه كثير من رجالات البربر وأمرائهم برسم الجهاد. فاستقروا هنالك من لدن الفتح فحينئذ استقر الإسلام بالمغرب وأذعن البربر لحكمه. ورسخت فيهم كلمة الإسلام وتناسوا الردة. ثم نبضت فيهم عروق الخارجية فدانوا بها ولقنوها من العرب الناقليها من منبعها بالعراق. وتعددت طوائفهم وتشعبت طرقها من الأباضية والصفرية كما ذكرنا في أخبار الخوارج. وفشت هذه البدعة وأعقدها رؤوس النفاق من العرب وجراثيم الفتنة من البربر ذريعة إلى الانتزاء على الأمر فاختلوا في كل جهة ودعوا إلى قائدهم طغام البربر تتلون عليهم مذاهب كفرها ويلبسون الحق بالباطل فيها إلى أن رسخت فيهم كلمات منها ووشجت بينهم عروق من غرائسها. ثم تطاول البربر إلى الفتك بأمراء العرب فقتلوا يزيد بن أبي مسلم سنة اثنتين ومائة لما نقموا عليه في بعض الفعلات. ثم انتقض البربر بعد ذلك سنة اثنتين وعشرين ومائة في ولاية عبد الله بن الحجاب أيام هشام بن عبد الملك لما أوطأ عساكره بلاد السوس وأثخن في البربر وسبى وغنم. وانتهى إلى مسوفة فقتل وسبى داخل البربر منه رعب. وبلغه أن البربر أحسوا بأنهم فيء للمسلمين فانتقضوا عليه. وثار ميسرة المطغري بطنجة على عمرو بن عبد الله فقتله وبايع لعبد الأعلى بن جريج الإفريقي رومي الأصل ومولى العرب كان مقدم الصفرية من الخوارج في انتحال مذهبهم فقام بأمرهم مدة وبايع ميسرة لنفسه بالخلافة داعياً إلى نحلته من الخارجية على مذهب الصفرية. ثم ساءت سيرته فنقم عليه البربر ما جاء به فقتلوه وقدموا على أنفسهم خالد بن حميد الزناتي. قال ابن عبد الحكم: هو من هتورة إحدى بطون زناتة فقام بأمرهم وزحف إلى العرب وسرح إليه عبد الله بن الحبحاب العساكر في مقدمته ومعهم خالد بن أبي حبيب فالتقوا بوادي شلف وانهزم العرب وقتل خالد بن أبي حبيب ومن معه وسميت وقعة الأسراب وانتقضت البلاد ومرج أمر الناس وبلغ الخبر هشام بن عبد الملك فعزل ابن الحبحاب وولى كلثوم بن عياض القشيري سنة ثلاث وعشرين وسرحه في اثني عشر ألفاً من أهل الشام. وكتب إلى ثغور مصر وبرقة وطرابلس أن يمدوه فخرج إلى إفريقية والمغرب حتى بلغ وادي طنجة وهو وادي سبس فزحف إليه خالد بن حميد الزناتي فيمن معه من البربر وكانوا خلقاً لا يحصى. ولقوا كلثوم بن عياض من بعد أن هزموا مقدمته فاشتد القتال بينهم وقتل كلثوم وانهزمت العساكر فمضى أهل الشام إلى الأندلس مع بلج بن بشر القشيري. ومضى أهل مصر وإفريقية إلى القيروان. وبلغ الخبر إلى هشام بن عبد الملك فبعث حنظلة بن سفيان الكلبي فقدم القيروان سنة أربع وعشرين وأربعمائة وهوارة يومئذ خوارج على الدولة منهم: عكاشة بن أيوب وعبد الواحد بن يزيد في قومهما. فثارت هوارة ومن تبعهم من البربر فهزمهم حنظلة بن المعز بظاهر القيروان بعد قتال شديد. وقتل عبد الواحد الهواري وأخذ عكاشة أسيراً وأحصيت القتلى في هذه الوقيعة فكانوا مائة وثمانين ألفاً. وكتب بذلك حنظلة إلى هشام وسمعها الليث بن سعد فقال: ما غزوة كنت أحب أن أشهدها بعد غزوة بدر أحب إلي من غزوة القرن والأصنام. ثم خفت صوت الخلافة بالمشرق والتاث أمرها لما كان بين بني أمية من الفتنة وما كان من أمر الشيعة والخوارج مع مروان. وأفضى الأمر إلى الإدالة ببني العباس من بني أمية. وأجاز البحر عبد الرحمن بن حبيب من الأندلس إلى إفريقيا فملكها وغلب حنظلة عليها سنة ست وعشرين ومائة فعادت هيف إلى أديانها. واستشرى داء البربر أمر الخارجية ورؤوسها فانتفضوا من أطراف البقاع وتواثبوا على الأمر بكل ما كان داعين إلى بدعتهم. وتولى كبر ذلك يومئذ صنهاجة. وتغلب أميرهم تابت بن زيدون وقومه على باجة وثار معه عبد الله بن سكرديد من أمرائهم فيمن تبعه. وثار بطرابلس عبد الجبار والحرث من هوارة وكانا يدينان برأي الأباضية فقتلوا عامل طرابلس بكر بن عبس القيسي لما خرج إليهم يدعوهم إلى الصلح وبقي الأمر ذلك مدة. وثار إسمعيل بن زياد فيمن معه من نفوسة. وتغلب على قابس. ثم زحف إليهم عبد الرحمن بن حبيب سنة إحدى وثلاثين فقتل عبد الجبار والحارث وأوعب في قتل البربر. وأثخن فيهم وزحف إلى تلمسان سنة خمس وثلاثين فظفر بها ودوخ المغرب وأذل من كان فيه من البربر. ثم كانت بعد ذلك فتنة وربجومة وسائر قبائل نفراوة سنة أربعين ومائة وذلك لما انحرف عبد الرحمن بن حبيب عن طاعة أبي جعفر وقتله أخواه إلياس وعبد الوارث فولي مكانه ابنه حبيب وطالبهما بثأر أبيه فقتل إلياس ولحق عبد الوارث بوربجومة فأجاره أميرهم عاصم بن جميل وتبعه على شأنه يزيد بن سكوم أمير ولهاصة واجتمعت لهم كلمة نفزاوة ودعوا لأبي جعفر المنصور وزحفوا إلى القيروان ودخلوها عنوة. وفر حبيب بن قابس فأتبعه عاصم في نفزاوة وقبائلهم. وولي على القيروان عبد الملك بن أبي الجعد النفزي ثم انهزم حبيب إلى أوراس واتبعه عاصم فاعترضه عبد الملك بن أبي الجعد وجموع نفزاوة الذين كانوا بالقيروان وقتلوه. واستولت وربجومة على القيروان وسائر إفريقية وقتلوا من كان بها من قريش وربطوا دوابهم بالمسجد الجامع. واشتد البلاء على أهل القيروان وأنكرت ذلك من فعل وربجومة ومن إليهم من نفزاوة برابرة طرابلس الأباضية من هوارة وزناتة فخرجوا واجتمعوا إلى أبي الخطاب عبد الأعلى ابن الشيخ المعافري وقصدوا طرابلس وأخرجوا عمر بن عثمان القرشي واستولى أبو الخطاب عليها. واجتمع إليه سائر البربر الذين كانوا هنالك من زناتة وهوارة وزحف بهم إلى القيروان فقتل عبد الملك بن أبي الجعد وسائر وربجومة ونفزاوة واستولى على القيروان سنة إحدى وأربعين. ثم ولي على القيروان عبد الرحمن بن رستم وهو من أبناء رستم أمير فارس بالقادسية. كان من موالي العرب ومن رؤوس هذه البدعة. ورجع أبو الخطاب إلى طرابلس واضطرم المغرب ناراً. وانتزى خوارج البربر على الجهات فملكوها. واجتمعت الصفرية من مكناسة بناحية المغرب سنة أربعبن ومائة وقدموا عليهم عيسى بن يزيد الأسود وأسسوا مدينة سجلماسة ونزلوها. وقدم محمد بن الأشعث والياً على إفريقية من قبل أبي جعفر المنصور فزحف إليه أبو الخالاب ولقيه بسرت فهزمه ابن الأشعث وقتل البربر قتلاً ذريعاً. وفر عبد الرحمن بن رستم من القيروان إلى تاهرت بالمغرب الأوسط واجتمعت إليه طوائف البربر الأباضيه من لماية ولواتة ورجالة من نفزاوة فنزل بها واختط مدينتها سنة أربع وأربعين. وضبط ابن الأشعث إفريقية وخافه البربر. ثم انتقض بنو يفرن من زناتة ومغيلة من البربر بنواحي تلمسان وقدموا على أنفسهم أبا قرة من بني يفرن ويقال إنه من مغيلة وهو الأصح في شأنه وبويع له بالخلافة سنة ثمان وأربعين ومائة. وزحف إليه الأغلب بن سود التميمي عامل طنجة فلما قرب منه هرب أبو قرة فنرل الأغلب الزاب ثم اعتزم على تلمسان ثم طنجة ورجع إليه الجند فرجع ثم انتقض البربر من بعد ذلك أيام عمر بن حفص في ولد قبيصة بن أبي صفرة أخي المهلب. وكان يلقب هزار مرد سنة إحدى وخمسين. واجتمعوا بطرابلس وقدموا عليهم أبا حاتم يعقوب بن حبيب بن مدين بن يطوفت من أمراء مغيلة ويسمى أبا قادم. وزحفت إليهم جنود عمر بن حفص فهزموها وملكوا طرابلس وزحفوا إلى القيروان فحاصروها. ثم زحف البرابرة من الجانب الآخر بجنود عمر بطبنة في اثني عشر معسكراً. وكان منهم أبو قرة في أربعبن ألفاً من الصفرية وعبد الرحمن بن رستم في ستة آلاف من الأباضية والمسور بن هانىء في عشرة آلاف كذلك وجرير بن مسعود فيمن تبعه من مديونة وعبد الملك بن سكرديد الصنهاجي في ألفين منهم من الصفرية. - واشتد الحصار على عمر بن حفص فأعمل الحيلة في الخلاف بين جماعتهم. وكان بنو يفرن من زناتة أكثر البرابرة يومئذ جمعاً وأشدهم قوة فصالح أبو قزة زعيمهم على أربعين ألفاً وأعطى ابنه في إتمام ذلك أربعة آلاف وافترقوا وارتحلوا عن طبنة. ثم بعث بعثاً إلى ابن رستم فهزمه ودخل تاهرت مفلولاً. وزحف عمر بن حفص الى أبي خاتم والبربر الأباضية الذين معه. ونهضوا إليه فخالفهم إلى القيروان وشحنها بالأقوات والرجال. ثم لقي أبا حاتم والبربر وهزموه ورجع إلى القيروان وحاصروه. وكانوا في ثلائمائة وخمسين ألفاً الخيل منها خمسة وثلاثون ألفاً وكانوا كلهم أباضية. وطال الحصار وقتل عمر بن حفص في بعض أيامه سنة أربع وخمسين ومائة. وصالح أهل القيروان أبا حاتم على ما أحب وارتحل. وقدم يزيد بن قبيصة بن المهلب سنة أربع وخمسين ومائة والياً على إفريقية فزحف إليه أبو حاتم بعد أن خالف عليه عمر بن عثمان الفهري وافترق أمرهم فلقيه يزيد بن حاتم بطرابلس فقتل أبو حاتم وانهزم البربر. ولحق عبد الرحمن بن حبيب بن عبد الرحمن من أصحاب أبي حاتم بكتامة. وبعث المخارق بن غفار الطائي فحاصره ثمانية أشهر. ثم غلب عليه فقتله ومن كان معه من البربر وهربوا إلى كل ناحية. وكانت حروبهم مع الجند من لدن قتل عمر بن حفص بطبنة إلى انقصاء ثلثمائة وخمسة وسبعين حرباً. وقدم يزيد إفريقية فزال فسادها ورتب القيروان ولم تزل البلاد هادئة. وانتقض ورفجومة سنة سبع وخمسين وولوا عليهم رجلاً منهم اسمه أبو زرجونة فسرح إليهم يزيد من عشيرة ابن محراة المهلبي فهزموه. واستأذنه ابنه المهلب وكان على الزاب وطبنة وكتامة في الزحف إلى ورفجومة فأذن له وأمده بالعلاء بن سعيد بن مروان المهلبي من عشيرتهم أيضاً فأرقع بهم وقتلهم أبرح قتل. وانتقض نفزاوة من بعد ذلك في سلطنة ابنه داود من بعد مهلكه سنة إحدى وستين ومائة وولوا عليهم صالح بن نصير النفزي ودعوا إلى رأيهم رأي الأباضية فسرح إليهم ابن عمه سليمان بن الصمة في عشرة آلاف فهزمهم وقتل البربر أبرح قتل. ثم تحيز إلى صالح بن نصير ولم يشهد الأولى من البربر الأباضية واجتمعوا بشقبنارية فهزمهم إليها سليمان ثانية وانصرف إلى القيروان. وركذت ريح الخوارج من البربر من إفريقية وتداعت بدعتهم إلى الاضمحلال ورغب عبد الرحمن بن رستم صاحب تاهرت سنة إحدى وسبعين في موادعة صاحب القيروان روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب فوادعه وانحصدت شوكة البربر واستكانوا للغلب وأطاعوا للدين فضرب الإسلام بجرانه وألقت الدولة الضريبة على البربر بكلكلها. وتقفد إبراهيم بن الأغلب التميمي أمر إفريقية والمغرب من قبل الرشيد هرون سنة خمس وثمانين ومائة فاضطلع بأمر هذه الولاية وأحسن السيرة وقوم المنئاد ورأب الصدع وجمح الكلمة. ورضيت الكافة. واستقل بولايتها غير منازع ولامتشوه. وتوارثها بنوه خالفاً عن سالف. وكانت لهم بإفريقية والمغرب الدولة التي ذكرناها من قبل إلى أن انقرض أمر العرب بإفريقية على زيادة الله عاقبتهم الفار إلى المشرق أمام كتامة سنة ست وتسعين ومائتين كما نذكره. وخرج كتامة على بني الأغلب بدعوة الرافضية. قام بها فيهم أبو عبد الله المحتسب الشيعي داعية عبيد الله المهدي فكان ذلك آخر عهد العرب بالملك والدولة بإفريقية. واستقل كتامة بالأمر من يومئذ ثم من بعدهم من برابرة المغرب. وذهبت ريح العرب ودولتهم عن المغرب وإفريقية فلم يكن لهم بعد دولة إلى هذا العهد وصار الملك للبربر وقبائلهم يتداولونه طائفة بعد أخرى وجيلاً بعد آخر تارة يدعون إلى الأمويين الخلفاء بالأندلس وتارة إلى الهاشميين من بني العباس وبني الحسن. ثم استقلوا بالدعوة لأنفسهم آخراً حسبما نذكر ذلك كله مفصلاً عندما يعرض لنا من ذكر دول زناتة والبربر الذين نحن في سياقة أخبارهم. البرابرة البتر الخبر عن البرابرة البتر وشعوبهم ونبدأ منهم أولاً بذكر نفوسة وبطونهم وتصاريف أحوالهم نفوسة كان مادغيس الأبتر جد البرابرة البتر وكان ابنه زحيك ومنه تشعبت بطونهم. فكان له من الولد فيما يذكر نسابة البربر أربعة: نفوس واداس وضرا ولوا. فأما أداس فصار في هوارة لما يقال إن هوارة خلف أباه زحيك على أمه قبل فصاله فانتسب إليه واختلط بولده. واندرجت بطون أداس في هوارة كما ذكرناه. وأما ضرا ولوا فسنأتي بذكر بطونهم واحداً واحداً. وأما نفوس فهم بطن واحد تنسب إليه نفوسة كلها. وكانوا من أوسع قبائل البربر فيهم شعوب كثيرة مثل بني زمور وبني مكسور وماطوسة. وكانت مواطن جمهورهم بجهات طرابلس وما إليها وهناك الجبل المعروف بهم. وهم على ثلاثة مراحل من قبلة طرابلس يسكنه اليوم بقاياهم. وكانت مدينة صبرة قبل الفتح في مواطنهم وتعزى إليهم وهي كانت باكورة الفتح لأول الإسلام وخربها العرب عند استيلائهم عليها فلم يبق منهم إلا الأطلال ورسوم خافية. وكان من رجالاتهم إسمعيل بن زياد المتغلب على قابس سنة اثنتين وثلاثين ومائة لأول الدولة العباسية. ومنهم لهذا العهد أوزاع متفرقون في الأقطار بعمالات مصر والمغرب والله وارث الأرض ومن عليها وأما لوا فمن ولده نفزاوة ولواتة كما نذكر. |
الخبر عن نفزاوة وبطونهم وتصاريف أحوالهم
وهم بنو يطوفت بن نفزاو بن لوا الأكبر بن زحيك وبطونهم كثيرة مثل غساسة ومرنيسة وزهيلة وسوماتة وزاتيمة وولهاصة ومجرة. وورسيف ومن بطونهم مكلاتة ويقال إن مكلاتة من عرب اليمن وقع إلى يطوفت صغيراً فتبناه وليس من البربر. ولمكلاتة بطون متعدد مثل بني ورياغل وكزناية وبني يصلتين وبني ديمار وريحون وبني سراين. ويقال أن غساسة منهم هكذا عند نسابة البربر مثل: سابق المطماطي وغيره. ومن بطون ولهاصة ورتدين بن داحية بن ولهاصة وورفجومة بن تيدغاس بن ولهاص. ومن بطون ورفجومة زكولة رجالة لذاك بن ورفجوم إلى بطون أخرى كثيرة. وكان ورفجومة هؤلاء أوسم بطون نفزاوة وأشدهم بأساً وقوة. ولما انحرف عبد الرحمن بن حبيب عن طاعة أبي جعفر المنصور وقتله أخواه عبد الوارث وإلياس وطالبهما ابنه حبيب بالثار فلحق عبد الوارث بورفجومة ونزل على أميرهم عاصم بن جميل بأوراس وكان كاهناً فأجاره وقام بدعوة أبي جعفر المنصور واجتمعت إليه نفزاوة. وكان من رجالاتهم عبد الملك بن أبي الجعد ويزيد بن سكوم وكانوا يدينون بدين الأباضية من الخوارج وزحفوا إلى القيروان سنة أربعين ومائة. وفر عنها حبيب بن عبد الرحمن ودخلها عبد الملك بن أبي الجعد وقتل حبيباً. واستولت نفزاوة على القيروان وقتلوا من كان بها من قريش وسائر العرب وربطوا دوابهم بالمسجد وعظمت حوادثهم. ونكر ذلك عليهم الأباضية من برابرة طرابلس وتولى كبرها زناتة وهوارة فاجتمعوا إلى الخطاب بن السمح ورجالات العرب واستولوا على طرابلس ثم على القيروان سنة إحدى وأربعين وقتلوا عبد الملك بن أبي الجعد وأثخنوا في قومه من نفزاوة وورفجومة. ثم رجعوا إلى طرابلس بعد أن استعمل أبو الخطاب على القيروان عبد الرحمن بن رستم. واضطرم المغرب ناراً وعظمت فتنة ورفجومة هؤلاء إلى أن قدم محمد بن الأشعث سنة ست وأربعين من قبل المنصور فأثخن في البربر وأطفأ نار هذه الفتنة كما قدمناه. ولما اختط عمر بن حفص مدينة طبنة سنة إحدى وخمسين أنزل ورفجومة هؤلاء بها بما كانوا شيعاً له وعظم غناؤهم فيها عندما حاصره بها ابن ثم انتقضوا بعد مهلك عمر على يزيد بن حاتم عند قدومه على إفريقية سنة سبع وخمسين وولوا عليهم أبا زرجونة منهم وسرح إليهم يزيد العساكر مع ابنه وقومه فأثخنوا فيهم. ثم انتقضت نفزاوة على أبيه داود ودعوا إلى دين الأباضية وولوا عليهم صالح بن نصر منهم فرجعت العساكر إليهم متراسلة وقتلوهم أبرح قتل. وعليها كان ركود ريح الخوارج بإفريقية ذعار البربر. وافترق بنو ورفجوم بعد ذلك وانقرض أمرهم وصاروا أوزاعاً في الفبائل. وكان رجالة منهم بطناً متسعاً. وكان منهم رجالات مذكورون في أول العبيديين وبني أمية بالأندلس منهم الرجالي أحد الكتاب بقرطبة. وبقي منهم لهذا العهد فرق بمرماجة. وهناك قرية ببسيطها تنسب إليهم. وأما سائر ولهاصة من ورفجومة وغيرهم فهم لهذا العهد أوزاع لذلك أشهرهم قبيلة بساحل تلمسان اندرجوا في كومية وعدوا منهم بالنسب والخلط. وكان منهم في أواسط هذه المائة الثامنة ابن عبد الملك استقل برياستهم وتملك بدعوى السلطان بعد استيلاء بني عبد الواد على تلمسان ونواحيها وتغلب على سلطانهم لذلك العهد كما نذكره عثمان بن عبد الرحمن وسجنه بالمطبق بتلمسان ثم قتله. ومن أشهر قبائل ولهاصة أيضاً قبيلة أخرى ببسيط بونة يركبون الخيل ويأخذون مذاهب العرب في زيهم ولغتهم وسائر شعارهم كما هو شأن هوارة. وهم في عذاد القبائل الغارمة ورئاستهم في بني عريف منهم وهي لهذا العهد في ولد حازم بن شداد بن حزام بن نصر بن مالك بن عريف. وكانت قبلهم لعسكر بن بطنان منهم. هذه أخبار ولهاصة فيما علمناه. وأما بقايا بطون نفزاؤ فمنهم زاتيمة وبقية منهم لهذا العهد بساحل برشك ومنهم غساسة. وبقية منهم لهذا العهد بساحل بطوية حيث القرية التي هناك حاضرة البحر ومرسى لأساطيل المغرب وهي مشهورة باسمهم. وأما زهيلة فبقيتهم لهذا العهد بنواحي بادس مندرجون في غمارة وكان منهم لعهد مشيختنا أبو يعقوب البادسي أكبر الأولياء وأخرهم بالمغرب. وأما مرنيسة فلا يسلم لهم موطن ومن أعقابهم أوزاع بين أحياء العرب لإفريقية. وأما سوماتة فمنهم بقية في نواحي القيروان: كان منهم منذر بن سعيد القاضي بقرطبة لعهد الناصر والله أعلم. وأما بقايا بطون نفزاوة فلا يعرف لهم لهذا العهد حي ولا موطن إلا القرى الظاهرة المقدرة السير المنسوبة إليهم ببلاد قسطيلة. وبها معاهدون من الفرنجة أوطنوهم على الجزية واعتقاد الذمة عند عهد الفتح وأعقابهم بها لهذا العهد. وقد نزل معهم كثير من بني سليم من الشريد وزغبة وأوطنوها وتملكوا بها العقار والضياع. وكان أمر هذه القرى راجعاً إلى عامل توزر أيام استبداد الخلافة. فلما تقلص ظل الدولة عنهم وحدثت للعصبة في الأمضار استبدت كل قرية بأمرها وصار مقدم توزر يحاول دخولهم في إيالته. فمنهم من يعطيه ذلك ومنهم من يأباه حتى أظلتهم دولة مولانا السلطان أبي العباس وأدرجوا كلهم في طاعته واندرجوا في حبله والله ولي الأمور ولا رب غيره. لواتة الخبر عن لواتة من البرابرة البتر وتصاريف أحوالهم وهو بطن عظيم متسع من بطون البربر البتر ينتسبون إلى لوا الأصغر بن لوا الأكبر بن زحيك ولوا الأصغر هو نفزاو كما قلناه. ولوا اسم أبيهم والبربر إذا أرادوا العموم في الجمع زادوا الألف والتاء فصار لوات فلما عربته العرب حملوه على الأفراد وألحقوا به هاء الجمع. وذكر ابن حزم أن نسابة البربر يزعمرن أن سدراتة ولواتة ومزاتة من القبط وليس ذلك بصحيح وابن حزم لم يطلع على كتب علماء البربر في ذلك. وفي لواتة بطون كثيرة وفيهم قبائل كثيرة مثل سدراتة بن نيطط بن لوا ومثل عزوزة بن ماصلت بن لوا. وعد سابق وأصحابه في بني ماصلت بطوناً أخرى غير عزوزة وهم: أكورة وجرمانة ومغانة ومثل بني زائد بن لوا وأكثر بطونهم مزاتة. ونسابة البربر يعدون في مزاتة بطوناً كثيرة مثل: بلايان وقرنة ومجيجة ودكمة وحمرة ومدونة. وكان لواتة هؤلاء ظواعن في مواطنهم بنواحي برقة كما ذكره المسعودي وكان لهم في فتنة أبى يزيد آثار. وكان منهم بجبل أوراس أمة عظيمة ظاهروا أبا يزيد مع بني كملان على أمره. ولم يزالوا بأوراس لهذا العهد مع من به من قبائل هوارة وكتامة ويدهم العالية عليهم تناهز خيالتهم ألفاً وتجاوز رجالاتهم العدة. وتستكفي بهم الدولة في جباية من تحت أيديهم جبل أوراس من القبائل الغارمة فيحسنون الغناء والكفاية. وكانت البعوث مضروبة عليهم ينفرون بها في معسكر السلطان. فلما تقلص ظل الدولة عنهم صار بنو سعادة منهم في أقطاع أولاد محمد من الدواودة فاستعملوهم في مثل ما كانت الدولة تستعملهم فيه فأصاروهم خولاً للجباية وعسكراً للاستنفار وأصبحوأ من جملة رعاياهم. وقد كان بقي جانب منهم لم تستوفه الإقطاعات وهم بنو زنجان وبنو باديس فاستضافهم منصور بن مزني إلى عمله. فلما استبد مزني عن الدولة واستقلوا بالزاب صاروا يبعدونهم بالجبلية بعض السنين ويعسكرون عليهم لذلك بأفاريق الأعراب. وهم لهذا العهد معتصمون بجبلهم لا يجاوزونه إلى البسيط خوفاً من عادية الأعراب. ولبني باديس منهم أتاوات على بلد نقاوس المختطة في سفح الجبل بما تغلبوا على ضواحيها. فإذا انحدر الأعراب ألى مشاتيهم اقتضوا منها أتاواتهم وخفارتهم. وإذا أقبلوا إلى مصايفهم رجع لواتة إلى معاقلهم الممتنعة على الأعراب. وكان من لواتة هؤلاء أمة عظيمة بضواحي تاهرت إلى ناحية القبلة وكانوا ظواعن هنالك على وادي ميناس ما بين جبل يعود من جهة الشرق وإلى وارصلف من جهة الغرب. يقال إن بعض أمراء القيروان نقلهم معه في غزوة وأنزلهم هنالك. ولما انتقض حميد بن يصل صاحب تاهرت على المنصور ثالث خلفاء الشيعة ظاهروه على خلافه وجاوروه في مذاهب ضلاله إلى أن غلبه المنصور. وأجاز حميد إلى الأندلس سنة ست وثلاثين وزحف المنصور يريد لواتة فهربوا أمامه إلى الرمال ورجع عنهم ونزل إلى وادي ميناس ثم انصرف إلى القيروان. وذكر ابن الرقيق: إن المنصور وقف هنالك على أثر من آثار الأقدمين بالقصور التي على الجبال الثلاثة مبنية بالحجر المنحوت يبدو للناظر على البعد كأنها أسنمة قبور ورأى كتاباً في حجر فسره له أبو سليمان السردغوس: خالف أهل هذا البلد على الملك فأخرجني إليهم ففتح لي عليهم وبنيت هذا البناء لأذكر به هكذا ذكر ابن الرقيق. وكان بنو وجديجن من قبائل زناتة بمواطنهم من منداس جيراناً للواتة هؤلاء والتخم بينهما وادي ميناس وتاهرت. وحدثت بينهما فتنة بسبب امرأة أنكحها بنو وجديجن في لواتة فعيروها بالفقر فكتبت بذلك إلى قومها ورئيسهم يومئذ عنان فتذامروا واستمدوا من وراءهم من زناتة فأمدوهم بعلي بن محمد اليفرني. وزحفت مطماطة من الجانب الآخر في مظاهرتهم وعليهم غزانة أميرهم وزحفوا جميعاً إلى لواتة فكانت بينهم وقائع وحروب هلك في بعضها علاق وأزاحوا عن الجانب الغربي السرسو وألجؤهم إلى الجبل الذي في قبلة تاهرت المسمى لهذا العهد كركيرة وكان به قوم من مغراوة فغدروا بهم وتظاهروا جميعاً عليهم إلى أن أخرجوهم عن آخر مواطنهم في جهة الشرق بجبل يعود فنزلوا من ورائه الجبل المسمى لهذا العهد دارك. وانتشرت عمائرها بتلوله وما وراءه إلى الجبال المطلة على متيجة وهم لهذا لعهد في عداد القبائل الغارمة. وجبل دارك في أقطاع ولد يعقوب بن موسى مشيخة العطاف من زغبة ومن لواتة أيضاً بطون بالجبال المعروفة بهم قبلة قابس وصفاقس ومنهم بنو مكي رؤساء قابس لهذا العهد. ومنهم أيضاً بواحات مصر فيما ذكره المسعودي أمة عظيمة بالجيزة التي بينها وبين مصر. وكان لما قرب من هذه القصور شيخهم هنالك بدر بن سالم وانتقض على الترك وسرحوا إليه العساكر فاستلحموا كثيراً من قومه وفر إلى ناحية برقة وهو الآن في جوار العرب بها. ومن زناتة هؤلاء أحياء بنواحي تادلا قرب مراكش من الغرب الأقصى ولهم هنالك كثرة. ويزعم كثير من الناس أنهم بنواحي جابر من عرب جشم واختلطوا بهم وصاروا في عدادهم. ومنهم أوزاع مفترقون بمصر وقرى الصعيد شاوية وفلاحين ومنهم أيضاً بضواحي بجاية قبيلة يعرفون بلواتة ينزلون بسيط تاكرارت من أعمالها ويعتمرونها فدناً لمزارعهم ومسارح لأنعامهم. ومشيختهم لهذا العهد في ولد راجح بن صواب منهم وعليهم للسلطان جباية مفروضة وبعث مضروب. هؤلاء المعروفون من بطون لواتة ولهم شعرب أخرى كثيرة اندرجوا في البطون وتوزعوا بني فاتن الخبر عن بني فاتن من ضريسة إحدى بطون البرابرة البتر وتصاريف أحوالهم وهم بطون مطغرة ولماية وصدينة وكومية ومديونة ومغيلة ومطمامة وملزوزة ومكناسة ودونة وكلهم من ولد فاتن بن تمصيت بن ضريس بن زحيك بن مادغيس الأبتر ولهم ظهور من البرابر وأخبار نسردها بطناً بطناً إلى آخرها. مطغرة: وهم من أوفر هذه الشعوب. وكانوا خصاصين آهلين. وكان جمهورهم بالمغرب منذ عهد الإسلام ونوبة الفتح وشؤون الردة وحروبها وكان لهم فيها مقامات. ولما استوسق الإسلام في البربر أجازوا إلى فتح الأندلس وأجازت منهم أمم واستقروا هنالك. ولما سرى دين الخارجية في البربر أخذ مطغرة هؤلاء برأي الصفرية. وكان شيخهم ميسرة ويعرف بالحفير مقدماً فيه. ولما ولي عبيد الله بن الحبحاب على إفريقية من قبل هشام بن عبد الملك وأمره أن يمضي إليها من مصر فقدمها سنة أربع عشرة واستعمل عمر بن عبد الله المرادي على طنجة والمغرب الأقصى وابنه إسمعيل على السوس وما وراءه. واتصل أمر ولايتهم وساءت سيرتهم في البربر ونقموا عليهم أحوالهم وما كانوا يطالبونهم به من الوصائف البربريات والأفرية العسلية الألوان وأنواع طرف المغرب فكانوا يتغالبون في جمعهم ذلك وانتحاله. حتى كانت الصرمة من الغنم تستهلك بالذبح لاتخاذ الجلود العسلية من سخالها ولا يوجد فيها مع ذلك إلا الواحد وما قرب منه. فكثر عيثهم بذلك في أموال البربر وجورهم عليهم امتعض لذلك ميسرة الحفيد زعيم مطغرة وحمل البرابرة على الفتك بعمر بن عبد الله عامل طنجة فقتلوه سنة خمس وعشرين. وولى ميسرة مكانه عبد الأعلى بن خدع الإفريقي الرومي الأصل كان من موالي العرب وأهل خارجيتهم وكان يرى رأي الصفرية فولاه ميسرة على طنجة وتقدم إلى السوس فقتله عامله إسمعيل بن عبد الله واضطرم المغرب ناراً. وانتقض أمره على خلفاء الممشرق فلم يراجع طاعتهم بعد. وزحف ابن الحبحاب إليه من القيروان في العساكر وعلى مقدمته خالد بن أبي حبيب الفهري فلقيهم ميسرة في جموع البرابرة فهزم المقدمة واستلحمهم وقتل خالد. وتسامع البربر بالأندلس بهذا الخبر فثاروا بعاملهم عقبة بن الحجاج السلولي وعزلوه وولوا عبد الملك بن قطن الفهري وبلغ الخبر بذلك إلى هشام بن عبد الملك فسرح كلثوم بن عياض المري في اثني عشر ألفاً من جنود الشام وولاه على إفريقية وأدال به من عبيد الله بن الحبحاب. وزحف كلثوم إلى البرابرة سنة ثلاث وعشرين حتى انتهت مقدمته إلى وادي سبو من أعمال طنجة فلقيه البرابرة هنالك مع ميسرة وقد فحصوا عن أوساط رؤوسهم ونادوا بشعار وكان كيدهم في لقائهم إياه أن ملأوا الشنان بالحجارة وربطوها بأذناب الخيل تنادي بها فتقعقع الحجارة في شنانها ومرت بمصاف العساكر من العرب فنفرت خيولهم واختل مصافهم وانجرت عليهم الهزيمة فافترقوا وذهب بلج مع الطلائع من أهل الشام إلى سبتة كما ذكرناه في أخبارهم. ورجع إلى القيروان أهل مصل وإفريقية وظهرت الخوارج في كل جهة واقتطع المغرب عن طاعة الخلفاء إلى أن هلك ميسرة وقام برئاسة مطغرة من بعده يحيى بن حارث منهم. وكان حليفاً لمحمد بن خزر ومغراوة. ثم كان من بعد ذلك ظهور إدريس بالمغرب فقدم بها البرابرة وتولى كبرها أوربة منهم كما ذكرناه. وكان على مطغرة يومئذ شيخهم بهلول بن عبد الواحد فانحرف مالك عن إدريس إلى طاعة هرون الرشيد بمداخلة إبراهيم بن الأغلب عامل القيروان فصالحه إدريس وأنبأه بالسلم. ثم ركد ريح مطغرة من بعد ذلك وافترق جمعهم وجرت الدول عليهم أذيالها واندرجوا في عمال البربر الغارمين لهذا العهد بتلول المغرب وصحرائه. فمنهم ما بين فاس وتلمسان أمم يتصلون بكومية ويدخلون حلفهم واندرجوا من لدن الدعوة الموحدية منهم ورئاستهم لولد خليفة. كان شيخهم على عهد الموحدين وبنى لهم حصناً بمواطنهم على ساحل البحر يسمى تاونت. ولما انقرضت دولة بني عبد المؤمن واستولى بنو مرين على المغرب قام هرون بن موسى بن خليفة بدعوة يعقوب بن عبد الحق سلطانهم وتغلب على ندرومة. وزحف إليه يغراسن بن زيان فاسترجع ندرومة من يده وغلبه على تاونت. ثم زحف يعقوب بن عبد الله إليهم وأخذها من أيديهم وشحنها بالأقوات واستعمل هرون ورجع إلى المغرب فحدثت هرون نفسه بالاستبداد فدعا لنفسه معتصماً بذلك الحصن خمس سنين. ثم حاصره يغمراسن واستنزله على صلح سنة اثنتين وسبعين وستمائة. ولحق هرون بيعقوب بن عبد الحق. ثم أجاز إلى الجهاد بإذنه واستشهد هنالك. وقام بأمر مطغرة من بعده أخوه تاشفين إلى أن هلك سنة ثلاث وسبعمائة. واتصلت رياستهم على عقبه لهذا العهد. ومن قبائل مطغرة أمة بجبل قبلة فاس معروف بهم. ومنهم أيضاً قبائل كثيرون بنواحي سجلماسة وأكثر أهلها منهم. وربما حدثت بها عصبية من جراهم. ومن قبائل مطغرة أيضاً بصحراء المغرب كثيرون نزلوا بقصورها واغترسوا شجرة النخل على طريقة العرب. فمنهم بنوات قبلة سجلماسة إلى تمنطيت آخر عملها قوم كثيرون موطنون مع غيرهم من أصناف البربر. ومنهم في قبلة تلمسان وعلى ستة مراحل منها وهي قصور متقاربة بعضها من بعض ائتلف منها مصر كبير مستبحر بالعمران البدوي معدود في آحاد الأمصار بالصحراء ضاح من ظل الملك والدول لبعده في القفر. ورياسته في بني سيد الملوك منهم. وفي شرقيها وعلى مراحل منها قرى أخرى متتابعة على سمتها متصاعدة قليلاً إلى الجوف آخرها على مرحلة من قبلة جبل راشد. وهي في مجالات بني عامر من زغبة وأوطانهم من القفر وقد تملكوها لحط أثقالهم وقضاء حاجاتهم حتى نسبت إليهم في الشهرة. وفي جهة الشرق عن هذه القصور وعلى خمس مراحل منها دامعة متوغلة في القفر تعرف بقليعة. والآن يعتمرها رهط من مطغرة هؤلاء. وينتهي إليها ظواعن عن الملثمين من أهل الصحراء بعض السنين إذا لفحهم الهجير يستبردون في تلولها لتوغلها فني ناحيتهم. ومن مطغرة هؤلاء أوزاع في أعمال المغرب الأوسط وإفريقية ولله الخلق جميعاً. لماية وهم بطون فاتن بن تمصيت كما ذكرناه إخوة مطغرة ولهم بطون كثيرة عد منها سابق وأصحابه بنوزكوفا ومزيزة ومليزة بنو مدينين كلهم من لماية. وكانوا ظواعن بإفريقية والمغرب وكان جمهورهم بالمغرب الأوسط موطنين بتخومة مما يلي الصحراء. ولما سرى دين الخارجية في البربر أخذوا برأي الأباضية ودانوا به وانتحلوه وانتحله جيرانهم من مواطنهم تلك من لواتة وهوارة. وكانوا بأرض السرسو قبلة منداس وزواغة وكانوا في ناحية الغرب عنهم. وكانت مطماطة ومكناسة وزناتة جميعاً في ناحية الجوف والشرق فكانوا جميعاً على دين الخارجية وعلى رأي الأباضية منهم. وكان عبد الرحمن بن رستم من مسلمة الفتح وهو من ولد رستم أمير الفرس بالقادسية. وقدم إلى إفريقية مع طوالع الفتح فكان بها. وأخذ بدين الخارجية والأباضية منهم. وكان شيعة لليمنية وحليفاً لهم. ولما تحزب الأباضية بناحية طرابلس منكرين على ورفجومة فعلهم في القيروان كما مر واجتمعوا إلى أبي الخطاب عبد الأعلى بن السمح المغافري إمام الإباضية فملكوا طرابلس. ثم ملكوا القيروان وقتلوا واليها من ورفجومة عبد الملك بن أبي الجعد وأثخنوا في ورفجومة وسائر نفراوة سنة إحدى وأربعين. ورجع أبو الخطاب والأباضية الذين معه من زناتة وهوارة وغيرهم بعد أن استخلف على القيروان عبد الرحمن بن رستم. وبلغ الخبر بفتنة ورفجومة هذه واضطراب الخوارج من البربر بإفريقية والمغرب وتسلفهم على الكرسي للإمارة بالقيروان إلى المنصور أبي جعفر فسرح محمد بن الأشعث الخزاعي في العساكر إلى إفريقية وقلده حرب الخوارج بها فقدمها سنة أربع وأربعين. ولقيهم أبو الخطاب في جموعه قريباً من طرابلس فأوقع به ابن الأشعث وبقومه. وقتل أبو الخطاب وطار الخبر بذلك إلى عبد الرحمن بن رستم بمكان إمارته في القيروان فاحتمل أهله وولده ولحق بأباضية المغرب الأوسط من البرابرة الذين ذكرناهم. ونزل على لماية لقديم حلف بينه وبينهم فاجتمعوا إليه وبايعوا له بالخلافة وائتمروا في بناء مدينة ينصبون بها كرسي إمارتهم فشرعوا في بناء مدينة تاهرت في سفح جبل في كزول السياح على تلول منداس واختطوها على وادي ميناس النابعة منه عيون بالقبلة ويمر بها وبالبطحاء إلى أن يصب في وادي شلف. فأسسها عبد الرحمن بن رستم واختطها سنة أربع وأربعين ومائة فتمدنت واتسعت خطتها إلى أن هلك عبد الرحمن وولي ابنه عبد الوهاب من بعده وكان رأس الإباضية. وزحف سنة ست وتسعين مع هوارة إلى طرابلس وبها عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب من قبل أبيه فحاصره في جموع الأباضية من البربر إلى أن هلك إبراهيم بن الأغلب واستقدم عبد الله بن الأغلب لأمارته بالقيروان فصالح عبد الوهاب على أن تكون الضاحية لهم. وانصرف إلى نفوسة ولحق عبد الله بالقيروان وولى عبد الوهاب ابنه ميموناً وكان رأس الأباضية والصفرية والواصلية. وكان يسلم عليه بالخلافة. وكان أتباعه من الواصلية وحدهم ثلاثين ألفاً من ظواعن ساكنين بالخيام. ولم يزل الملك في بني رستم هؤلاء بتاهرت وحاربهم جيرانهم من مغراوة وبني يفرن على الدخول في طاعة الأدارسة لما ملكوا تلمسان وأخذت بها زناتة من لدن ثلاث وسبعين ومائة فامتنعوا عليهم سائر أيامهم إلى أن كان استيلاء أبي عبد الله الشيعي على وبث دعوة عبيد الله في أقطار المغربين فانقرض أمرهم بظهور هذه الدولة وعقد عروبة بن يوسف الكتامي فاتح المغرب للشيعة على تاهرت لأبي حميد دواس بن صولان اللهيصي في غزاته إلى المغرب سنة ثمان وتسعين فأثخن في برابرتها الأباضية من لماية وازداجة ولواتة ومكناسة ومطماطة وحملهم على دين الرافضة وفسخ بها دين الخارجية حتى استحكم في عقائدهم. ثم وليها أيام إسمعيل المنصور بصلاصن بن حبوس. ثم نزع إلى دعوة الأموية وراء البحر ولحق بالخير بن محمد بن خزر صاحب دعوتهم في زناتة. واستعمل المنصور بعده على تاهرت ميسوراً الخصي مولاه وأحمد بن الزجالي من صنائعه فزحف إليها حميد والخير وانهزم ميسور واقتحموا تاهرت عنوة وتقبضوا على أحمد الزجالي وميسور إلى أن أطلقوهما بعد حين. ولم تزل تاهرت هذه ثغراً لأعمال الشيعة وصنهاجة سائر أيامهم وتغلبت عليهما زناتة مراراً ونازلتها عساكر بني أمية زاحفة في أثر زيري بن عطية أمير المغرب من مغراوة أيام أجاز المظفر بن أبي عامر من العدوة إلى حربه. ولم يزل الشأن هذا إلى أن انقرض أمر تلك الدول وصار أمر المغرب إلى لمتونة. ثم صار إلى دولة الموحدين من بعدهم وملكوا المغربين. وخرج عليهم بنوغانية بناحية قابس ولم يزل يحيى منهم يجلب على ثغور الموحدين ويشن الغارات على بسائط إفريقية والمغرب الأوسط. وتكرر دخوله إليها عنوة مرة بعد أخرى إلى أن احتمل سكانها وخلا جوها وعفا رسمها لما يناهز عشرون من المائة السابعة والأرض لله. وأما قبائل لماية فانقرضوا وهلكوا بهلاك مصرهم الذي اختطوه وحازوه وملكوه سنة الله في عباده. وبقيت فرق منهم أوزاعاً في القبائل ومنهم جربة الذين سميت بهم الجزيرة البحرية تجاه ساحل قابس وهم بها لهذا العهد. وقد كان النصرانية من أهل صقلية ملكوها على من بها من المسلمين وهي قبائل لماية وكتامة مثل: جربة وسدويكس ووضعوا عليهم الجزيه وشيدوا على ساحل البحر بها معقلاً لإمارتهم سموه القشتيل. وطال تمرس العساكر به من حضرة الدولة الحفصية بتونس حتى كان افتتاحها أعوام ثمان وثلاثين من المائة الثامنة في دولة مولانا السلطان أبي بكر وعلى يد مخلوف بن الكماد من صنائعه. واستقرت بها الدعوة الإسلامية إلى هذا العهد. إلا أن القبائل الذين بها من البربر لم يزالوا يدينون بدين الخارجية ويتدارسون مذاهبهم وبينهم مجلدات تشتمل على تآليف لأئمتهم في قواعد ديانتهم وأصول عقائدهم وفروع مذاهبهم يتناقلونها ويعكفون على دراستها وقراءتها والله خلقكم وما تعملون. مطماطة وهم إخوة مطغرة ولماية من ولد فاتن بن تمصيت الذين مر ذكرهم وهم شعوب كثيرة. وعن سابق المطماطي وأصحابه من النسابة أن اسم مطماط مصكاب ومطماط لقب له وأن شعوبهم من لوا بن مطماط. وأنه كان له ولد آخر اسمه ورنشيط ولم يذكروا له عقباً قالوا: وكان للوا أربعة من الولد: ورماكسن ويلاغف ووريكول ويليصن. ولم يعقب بليصن وأعقب الثلاثة الباقون ومنهم افترقت شعوب مطماطة كلها. فأما ورماس فمنه مصمود ويونس ويفرين وأما وريكول فكان له من الولد كلثام ومسيدة وفيدن ولم يعقب مسيدة ولا فيدن. وكان لكلثام عصفراصن وسليايان فمن سليايان ووريغني ووصدى وقسطايان وعمرو ويقال لهؤلاء الخمسة بنو مصطلودة سموا بأمهم. وكان لعصفراصن يرهاض ويصراصن. فمن يصراصن ورتجين ووريكول وجليدا وسكوم ويقال لهم بني تليفكتان سموا بأمهم. وكان ليزهاض يليت ويصلاسن. فمن يليت ورسفلاسن وسكن ومحمد ومكديل ودكوال. ومن يصلاسن فان يولين ويتماسن وماركسن ومسافر وفلوسن ووريجيد ونافع وعبد الله وغرزاي. وأما يلاغف بن لوا بن مطماط فكان له من الولد دهيا وثابتة فمن ثابتة ماجرسن وريغ وعجلان ويفام وقرة. وكان لدهيا ورتجى ومجلين. فمن ورتجى مقرين وتور وسكم وعمجميس. ومن مجلين ماكور وأشكول وكيلان ومذكون وقطارة وأبورة. شعوب مطماطة كما ذكر نسابة البربر سابق وأصحابه وهم مفرقون في المواطن. فمنهم من نواحي فاس من قبلتها في جبل هنالك معروف بهم ما بين فاس وصفروى. ومنهم بجهات قابس والبلد المختط على العين الحامية من جهة غربها منسوب إليهم. ولهذا العهد يقال حمة مطماطة ويأتي ذكرها في الدولة الحفصية. وممالك إفريقية وبقاياهم أوزاع من القبائل وكانت مواطن جمهورهم بتلول منداس عند جبل وانشريس وجبل كزول من نواحي تاهرت. وكان لهم بتلك المواطن أخريات دولة صنهاجة استفحال وصولة. وفي فتنة حماد بن بلكين مع باديس بن المنصور مقامات وآثار. وكان كبيرهم يومئذ عزانة وكانت له مع البرابرة المجاورين له من لواتة وغيرهم حروب وأيام. ولما هلك عزانة قام بأمره في مطماطة ابنه زيري فمكث فيهم أياماً ثم غلبت صنهاجة على أمره فأجاز البحر إلى العدوة ونزل على المنصور بن أبي عامر فاصطنعه ونظمه في طبقة الأمراء من البربر الذين كانوا في جملته واستظهره على أمره فكان من أوجه رجالهم وأعظمهم قدراً لديه إلى أن هلك وأجراه ابنه المظفر من بعده وأخوه عبد الرحمن الناصر على سنن أبيهما في ترفيع مكانه وإخلاص ولايته وكان عند ثورة محمد بن هشام بن عبد الجبار غائباً مع أبي عامر في غزاة النعمان مع من كان معه من أمراء البربر وعرفائهم. فلما رأوا انتقاض أمره وسوء تدبيره لحقوا بمحمد بن هشام المهدي فكانوا معه إلى أن كانت الفتنة البربرية بالأندلس إلى أن هلك هنالك ولا أدري أي السنين كان مهلكه وأجاز إلى الأندلس وهلك زيري هنالك لا أدري أي السنين كان مهلكه. وأجاز الأندلس أيضاً من رجالتهم كهلان بن أبي لوا بن يصلاصن ونزل على الناصر وهو من أهل العلم بأنساب البربر. وكان من مشاهيرهم أيضاً النسابة سابق بن سليمان بن حراث بن مولات بن دوفاس وهو كبير نسابة البربر ممن علمناه. وكان منهم أيضاً عبد الله بن إدريس كاتب الخراج لعبيد الله المهدي في آخرين يطول ذكرهم. وهذا ما تلقيناه من أخباز مطماطة. وأما موطن منداس فزعم بعض الإخباريين من البربر ووقفت على كتابه في ذلك أنه سمي بمنداس بن مغر بن أوريغ بن كبوري بن المثني وهو هوار وكأنه والله أعلم يشير إلى أداس بن زحيك الذي يقال أنه ربيب هوار كما يأتي في ذكرهم إلا أنه اختلط عليه الأمر. وكان لمنداس من الولد: شراوة وكلثوم وتكم. قال: ولما استفحل أمر مطماطة وكان شيخهم لهذا العهد إرهاص بن عصفراصن فأخرج منداس من الوطن وغلبه على أمره واعتمر بنوه موطن منداس ولم يزالوا به كلامه وبقية هؤلاء القوم لهذا العهد بجبل وادشنيش لحقوا به لما غلبهم بنوتوجين من زناتة على منداس وصاروا في عداد قبائل الغارمة والله وارث الأرض ومن عليها. وهم إخوة مطامطة ولماية كما قلناه وإخوتهم ملزوزة معدودون منهم. وكذلك دونة وكشاتة ولهم افتراق في الوطن. وكان منهم جمهوران: أحدهما بالمغرب الأوسط عند مصب شلف في البحر من ضواحي مازونة المصر لهذا العهد. ومن ساحلهم أجاز عبد الرجمن الداخل إلى الأندلس ونزل بالمنكب فكان منهم أبو قرة المغيلي الدائن بدين الصفرية من الخوارج ملك أربعين سنة. وكانت بينه وبين أمراء العرب بالقيروان لأول دولة بني العباس حروب ونازل طبنة. وقد قيل إن أبا قرة هذا من بني مطماطة وهذا عندي صحيح فلذلك أخرت ذكر أخباره إلى أخبار بني يفرن من زناتة. وكان منهم أيضاً أبو حسان ثار بإفريقية لأول الإسلام وأبو حاتم يعقوب بن لبيب بن مرين بن يطوفت من ملزوز الثائر مع أبي قرة سنة خمسين ومائة. وتغلب على القيروان فيما ذكر خالد بن خراش وخليفة بن خياط من علمائهم. وذكروا من رؤسائهم أيضاً موسى بن خليد ومليح بن علوان وحسان بن زروال الداخل مع عبد الرحمن. وكان منهم أيضاً دلول بن حماد أميراً عليهم في سلطان يعلى بن محمد اليفرني وهو الذي اختط بلد إيكري على اثني عشر ميلاً من البحر وهي لهذا العهد خراب لم يبق منها إلا الأطلال ماثلة. ولم يبق من مغيلة بذلك الوطن جمع ولا حي. وكان جمهورهم الآخر بالمغرب الأقصى وهم الذين تولوا مع أوربة وصدينة القيام بدعوة إدريس بن عبد الله لما لحق بالمغرب وأجازه وحملوا قبائل البربر على طاعته والدخول في أمره. ولم يزالوا على ذلك إلى أن اضمحلت دولة الأدارسة وبقاياهم لهذا العهد بمواطنهم ما بين فاس وصفروي ومكناسة والله وارث الأرض ومن عليها. |
مدبونة
وهم من إخوة مغيلة ومطماطة من ولد فاتن كما قلناه وكانت مواطن جمهورهم بنواحي تلمسان ما بين جبل بني راشد لهذا العهد إلى الجبل المعروف بهم قبلة وجدة يتقلبون بظواعنهم في ضواحيه وجهاته. وكان بنو يلومي وبنو يفرن من قبلهم يجاورونهم من ناحية المشرق ومكناسة من ناحية المغرب وكومية وولهاصة من جهة الساحل. وكان من رجالاتهم المذكورين جرير بن مسعود كان أميراً عليهم وكان مع أبي حاتم وأبي قرة في فتنتهم وأجاز إلى الأندلس في طوالع القتح كثير منهم فكان لهم هنالك استفحال. وخرج هلال بن أ بزيا منهم بشنتمرية على عبد الرحمن الداخل متبعاً شقياً المكناسي في خروجه. ثم راجع الطاعة فتقبله وكتب له على قومه فكان بشرق الأندلس وشنتمرية. ثم خلفه بها من قومه نابتة بن عامر. ولما تغلب بنو توجين وبنو راشد من زناتة على ضواحي المغرب الأوسط وكان مديونة هؤلاء قد قل عددهم وفل حدهم فداخلتهم زناتة على الضواحي من مواطنهم وتملكوها وصارت مديونة إلى الحصون من بلاده بجبل تاسالة وجبل وجدة المعروف بهم. وضربت عليهم المغارم وتمرست بهم الأيام فلم يبق منهم هنالك إلا صبابة محترفون بالفلح. ومنهم أيضاً أوزاع في القبائل مندرجون فيهم. وبنواحي فاس ما بينها وبين صفروي قبيلة منهم مجاورة لمغيلة والله يرث الأرض ومن عليها. كومية وهم المعروفون قديماً بصطفورة إخوة لماية ومطغرة وهم من ولد فاتن كما قدمنا ولهم ثلاث بطون منها تفرعت شعوبهم وقبائلهم وهي ندرومة وصغارة وبنو يلول: فمن ندرومة نغوطة وحرسة وفردة وهفانة وفراتة. ومن بني يلول: مسيفة ووتيوة وهبيئة وهيوارة ووالغة. ومن صغارة ماتيلة وبنو حياسة. وكان منهم النسابة المشهور هاني بن مصدور بن مريس بن نقوط هذا هو المعروف في كتبهم. وكان مواطن كومية بالمغرب الأوسط لسيف البحر من ناحية أرشكول وتلمسان. وكان لهم كثرة موفورة وشوكة مرهوبة. وصاروا من أعظم قبائل الموحدين لما ظاهروا المصامدة على أمر المهدي وكلمة توحيده. وربما كانوا رهط عبد المؤمن صاحبه وخليفته فإنه كان من بني عابد أحد بيوتاتهم وهوعبد المؤمن بن علي بن مخلوف بن يعلى بن مروان بن نصر بن علي بن عامر بن الأمير بن موسى بن عبد الله بن يحيى بن ورنيغ بن صطفور وهكذا نسبه مؤرخو دولة الموحدين إلى صطفور. ثم يقولون صطفور بن نفور بن مطماط بن هودج بن قيس غيلان بن مضر. ويذكر بعضهم أنه منقول من خط أبي محمد عبد الواحد المخلوع ابن يوسف بن عبد المؤمن فأما انتسابهم في قيس غيلان فقد ذكرنا أنه غير صحيح. وفي أسماء هذا العمود من نسب عبد المؤمن ما يدل على أنه مصنوع إذ هذه الأسماء ليست من أسماء البربر وإنما هي كما تراه كلها عربية والقوم كانوا من البرابرة معروفون بينهم. وانتساب مطغور إلى مطماط تخليط أيضاً فإنهما أخوان عند نسابة البربر أجمع وعبد المؤمن بلا شك منهم والله أعلم بما سوى ذلك. وكان عبد المؤمن هذا من بيوتاتهم وأشرافهم وموطنهم بتاكرارت وهو حصن في الجبل المطل على هنين من ناحية الشرق. ولما نجم عبد المؤمن فيهم وشب ارتحل في طلب العلم فنزل بتلمسان. وأخذ عن مشيختها مثل ابن صاحب الصلاة وعبد السلام التونسي وكان فقيهاً صالحاً وهو ضجيع الشيخ أبي مدين في ترتبه. ولما هلك عبد السلام هذا ولم يحذق تلميذه بعد في فنونه وكان شيخ عصره في الفقه والكلام. تعطش التلميذ بعده إلى القراءة وبلغهم خبر الفقيه محمد بن تومرت المهدي ووصولهم إلى بجاية. وكان يعرف إذ ذاك بالفقيه السوسي نسبة إلى السوس. ولم يكن لقب المهدي وضع عليه بعد. وكان في ارتحاله من المشرق إلى المغرب قد أخذ نفسه من تغيير المنكر الذي شأنه وطريقته نشر العلم وتبيين الفتاوى وتدريس الفقه والكلام. وكان له في طريقته الأشعرية إمامة وقدم راسخة وهو الذي أدخلها إلى المغرب كما ذكرناه وتشوق طلبة العلم بتلمسان إلى الأخذ عنه وتفاوضوا في ذلك وندب بعضهم بعضاً إلى الرحلة إليه لاستجلابه وأن يكون له السبق بإتحاف القطر بعلومه. فانتدب لها عبد المؤمن على مكانه من صغر السن بنشاطه للسفر لبداوته فارتحل إلى بجاية للقائه وترغيبه في نزوله تلمسان فلقيه بملالة وقد استحكمت بينه وبين العزيز النفرة وبنو ورياكل متعصبون على إجارته منهم ومنعه من إذايته والوصول إليه. فألقى إليه عبد المؤمن ما عنده من الترغيب وأدى إليه رسالة طلبة العلم بتلمسان فوعاها وشأنه غير شأنهم. وعكف عبد المؤمن على التعليم والأخذ عنه في ظعنه ومقامه. وارتحل إلى المغرب في صحابته وحذق في العلم وآثره الإمام بمزيد الخصوصية والقرب بما خصه الله به من الفهم والوعي للتعليم حتى كأنه خالصة الإمام وكبير صحابته. وكان يؤمله لخلافتة لما ظهر عليه من الشواهد المدونة بذلك. ولما اجتازوا في طريقهم إلى المغرب بالثعالبة من بطون العرب الذين ذكرناهم قبل في نواحي المدينة. قربوا إليه حماراً فارهاً يتخذه له عطية لركوبه فكان يؤثر به عبد المؤمن ويقول لأصحابه اركبوه الحمار يركبكم الخيول المسومة. ولما بويع فه بهرغة سنة خمس عشرة وخمسمائة واتفقت على دعوته كلمة المصامدة وحاربوا لمتونة نازلوا مراكش. وكانت بينهم في بعض أيام منازلتها حرب شديدة هلك فيها من الموحدين الألف فقيل للإمام إن الموحدين قد هلكوا. فقال لهم ما فعل عبد المؤمن. قالوا: هو على جواده الأدهم قد أحسن البلاء. فقال ما بقي عبد المؤمن فلم يهلك أحد! ولما احتضر الإمام سنة اثنتين وعشرين عهد بخلافته في أمره لعبد المؤمن واستراب من العصبية بين المصامدة فكتم موت المهدي وأرجأ أمره حتى صدع الشيخ أبو حفص أمير هنتانة وكبير المصامدة لمصاهرته. وأمضى عهد الإمام فيه فقام بالأمر واستبد بشياخة الموحدين رخلافة المسلمين. ونهض سنة سبع وثلاثين إلى فتح المغرب فدانت له غمارة. ثم ارتحل منها إلى الريف ثم إلى بطوية ثم إلى بطالسة ثم إلى بني يزناسن. ثم إلى مديونة ثم إلى كومية وجيرانهم ولهاصة وكانوا يلونهم في الكثرة فاشتد عضده بقومه ودخلوا في أمره وشايعوه على تمكين سلطانه بين الموحدين وخلافته. ولما رجع إلى المغرب وافتتح أمصاره واستولى على مراكش استدعى قومه للرحلة إليها والعسكرة عليه فخف جمهورهم إلى المغرب واستوطن مراكش لحمل سرير الخلافة والقيام بأمر الدعوة والذب عن ثغورهم والمدافعة فاعتضد بهم عبد المؤمن وبنوه سائر الدولة وكانوا بمكانتهم فاتحة الكتاب وفذلكة الجماعة. وأنفقهم الملك في الفتوح والعساكر وأكلتهم الأقطار في تجهيز الكتائب وتدويخ الممالك فانقرضوا وبقي بمواطنهم الأولى بقايا منهم: بنو عابد وهم في عداد القبائل الغارمة قد أثقلت زناتة كاهلهم فحملوا المغرم والعسف ونهوضهم بالتكاليف. ونظموهم مع جيرانهم ولهاصة في سوم الخسف والذل واقتضاء الخراج بالنكال والعذاب والله مبدل الأمر ومالك الملك سبحانه. زواوة وزواغة الخبر عن زواوة وزواغة من بطون ضريسة من البرابر البتر والإلمام ببعض أحوالهم هؤلاء البطون من بطون البرابرة البتر من ولد سمكان بن يحيى بن ضري بن زحيك بن مادغيس الأبتر. وأقرب ما يليهم من البرابر زناتة لأن أباهم أجانا هو أخو سمكان ابن أبيه فلذلك كانوا ذوي قربى لهم. زواوة فأما زواوة فهم من بطونهم وقد يقال إن زواوة من قبائل كتامة ذكر ذلك ابن حزم. ونسابة البربر إنما يعدونهم من ولد سمكان كما قلناه والصحيح عندي ما ذكره ابن حزم. ويشهد له الموطن ونحلة الشيع مع كتامة لعبيد الله. وعد نسابة البربر لهم بطوناً كثيرة: بنو مجسطة وبنو مليكش وبنو كوفي ومشدالة وبنو زريقف وبنو كوزيت وكرسفينة ووزلجة وخوجة وزكلاوة وبنو مرانة ويقال إن بني مليكش من صنهاجة والله أعلم. ومن قبائلهم المشهورة لهذا العهد بنو يجرو وبنو مانكلات وبنو يترون وبنو ماني ينو بوغردان وبنو يتورغ وبنو بو يوسف وبنو عبسي وبنو بو شعيب وبنو صدقة وبنو غبرين بنو كشطولة. ومواطن زواوة بنواحي بجاية ما بين مواطن كتامة وصنهاجة أوطنوا منها جبالاً شاهقة متوعرة تنذعر منها الأبصار وفضل في خمرها السالك مثل: بني غبرين بجبل زيري وفيه شعراء من شجر الزان يشهد بها لهذا العهد. ومثل بني فراسن وبني براثن. جبلهم ما بين بجاية وتدلس وهوأعصم معاقلهم وأمنع حصونهم فلهم به الاعتزاز على الدول والخيار عليها في إعطاء المغرم مع أن كلهم لهذا العهد قد امتنع لساهمه واعتز على السلطان في أبناء طاعته وقانون مزاجه. وكانت لهم في دولة صنهاجة مقامات مذكورة في السلم والحرب بما كانوا أولياء كتامة. وظهر أولهم على أمرهم من أول الدولة وقتل بادس بن المنصور في إحدى وقائعه بهم وشيخهم زيري بن أجانا لاتهامه إياه في أمر حماد. ثم اختط بنو حماد بعد ذلك بجاية بساحتهم وتمرسوا بهم فانقادوا وأذعنوا لهم إلى آخر الدولة. واتصل إذعانهم إلى هذا العهد إلا تمريضاً في المغرم يحملهم عليه الموثقون بمنعة جبالهم. وكانت رئاسة بني يراتن منهم في بني عبد الصمد من بوتاتهم. وكانت عند تغلب السلطان أبي الحسن على المغرب الأوسط شيخة عليهم من بني عبد الصمد هؤلاء اسمها شمسي وكان لها عشرة من الولد فاستفحل شأنها بهم وملكت عليهم أمرهم. ولما تقبض السلطان أبو الحسن على ابنه يعقوب المكنى بأبي عبد الرحمن عندما فر من معسكره بمتيجة سنة ثمان أو سبع وثلاثين وسرح في أثره الخيالة فرجعوه واعتقله. ثم قتله من بعد ذلك حسبما يذكر في أخبارهم. لحق حينئذ بني بزاتن هؤلاء خازن من مطبخة فموه عليهم باسمه وشبه بتمثاله ودعا إلى الخروج على ابنه بزعمه فشمرت شمسي هذه عزائمها في إجازته وحملت قومها على طاعته. وسرب السلطان أبو الحسن أمواله في قومها وهما على السلامة فأبته. ثم نمي إليها الخبر بمكره وتمويهه فنبذت إليه عهده وخرج عنها إلى بلاد العرب كما نذكر بعض ذلك في أخبارهم. وقدمت على السلطان أبي الحسن في وفد من قومها وبعض بنيها فأبلغ السلطان في تكريمها وأحسن صلتها وأجاز الوفد ورجعت بهم إلى موطنها ولم تزل الرئاسة في هذا البيت. زواغة وأما زواغة فلم يتأد إلينا من أخبارهم وتصاريف أحوالهم ما نعمل في الأقلام ولهم ثلاثة بطون وهي: دمر بن زواغ وبنو واطيل بن زحيك بن زواغ وبنو ماخر بن تيفون بن زواغة. ومن دمر بنو سمكان وهم أوزاع في القبائل. ومنهم بنواحي طرابلس مفترقون في براريها ولهم هنالك الجبل المعروف بدمر. وفي جهات قسطنطينة أيضاً رهط من زواغة. وكذلك بجبال شلف بنو واطيل منهم وبنواحي فاس أخرون ولله الخلق والأمر. مكناسة الخبر عن مكناسة وسائر بطون بني ورصطف وما كان لمكناسة من الدول بالمغرب وأولية ذلك وتصاريفه كان لورصطف بن يحيى وهو أخو اجانا بن يحيى وسمكان بن يحيى ثلاثة من البطون وهم: مكناسة وورتناجة وأوكته. ويقال مكنة وبنو ورتناجة أربعة بطون: سدرجة ومكسة وبطالسة وكرنيطة. وزاد سابق وأصحابه في بطونهم هناطة وفولالة وكذلك عدوا في بطون مكنة: بني يصلتن وبني تولالين وبني ترين وبني جرتن وبني فوغال. ولمكناسة عندهم أيضاً بطون كثيرة منها: صولات وبنو حوات وبنو ورفلاس وبنو وريدوس وقنصارة وورنيفة ووريفلتة. وبطون ورصطف كلهم مندرجون في بطون مكناسة. وكانت مواطنهم على وادي ملوية من لدن أعلاه بسجلماسة إلى مصبه في البحر وما بين ذلك من نواحي تازا وتسول. وكانت رئاستهم جميعاً في بني أبي يزول واسمه مجدول بن تافريس بن فراديس بن ونيف بن مكناس. وأجاز منهم إلى العدوة عند الفتح أمم. وكانت لهم بالأندلس رئاسة وكثرة. وخرج منهم على عبد الرحمن الداخل شعيا بن عبد الواحد سنة إحدى وخمسين واعتصم بشنتمرية ودعا لنفسه منتسباً إلى الحسن بن علي وتسمى عبد الله بن محمد وتلقب بالفاطمي وكانت بينه وبين عبد الرحمن حروب إلى أن غلبه ومحا أثر ضلالته. وكان من رجالتهم لعهد دولة الشيعة مصالة بن حبوس بن منازل اتصل بعبيد الله الشيعي وكان من أعظم قواده وأوليائه وولاه تاهرت وافتتح له المغرب وفاس وسجلماسة. ولما هلك أقام أخاه يصلتن بن حبوس مقامه في ولاية تاهرت والمغرب. ثم هلك وأقام ابنه حميداً مقامه فانحرف عن الشيعة ودعا لعبد الرحمن الناصر. واجتمع مع بني خزر أمراء جراوة على ولاية المروانية. ثم أجاز إلى الأندلس وولي الولايات أيام الناصر وابنه الحكم وولي في بعضها تلمسان بدعوتهم. ثم هلك وأقام ابنه نصل بن حميد وأخوه فياطن بن يصلتن وعلي ابن عمه مصالة في ظل الدولة الأموية إلى أن أجاز المظفربن أبي عامر إلى المغرب فولى يصل بن حميد سجلماسة كما نذكره. ثم أن رئاسة مكناسة بالعدوة انقسمت في بني أبي يزول وانقسمت قبائل مكناسة بانقسامها. وصارت رئاسة مكناسة في مواطن سجلماسة وما إليها من بني واسول بن مصلان بن أبي يزول ورئاسة مكناسة بجهات تازا وتسول وملوية ومليلة لبني أبي العافية بن أبي نائل بن أبي الضحاك بن أبي يزول. ولكل واحد من هذين الفريقين في الإسلام دولة وسلطان وصاروا به في عداد الملوك كما نذكره. |
دولة بني واسول
الخبر عن دولة بني واسول ملوك سجلماسة وأعمالها من مكناسة كان أهل مواطن سجلماسة من مكناسة يدينون لأول الإسلام بدين الصفرية من الخوارج لقنوه عن أئمتهم ورؤوسهم من العرب لما لحقوا بالمغرب وأنتزوا على الأصقاع وماجت أقطار المغرب بفتنة ميسرة. فلما اجتمع على هذا المذهب زهاء أربعين من رجالاتهم نقضوا طاعة الخلفاء وولوا عليهم عيسى بن يزيد الأسود من موالي العرب ورؤوس الخوارج. واختطوا مدينة سجلماسة لأربعين ومائة من الهجرة. ودخل سائر مكناسة من أهل تلك الناحية في دينهم. ثم سخطوا أميرهم عيسى ونقموا عليه كثيراً من أحواله فشدوه كتافاً ووضعوه على قنة جبل إلى أن هلك سنة خمس وخمسين. واجتمعوا بعده على كبيرهم أبي القاسم سمكو بن مصلان بن أبي يزول كان أبوه سمقو من حملة العلم ارتحل إلى المدينة فأدرك التابعين وأخذ عن عكرمة مولى ابن عباس ذكره غريب بن حميد في تاريخه وكان صاحب ماشية وهو الذي بايع لعيسى بن يزيد وحمل قومه على طاعته فبايعوه من بعده. وقاموا بأمره إلى أن هلك سنة سبع وستين ومائة لمنتهى عشر سنين من ولايته وكان أباضياً صفرياً. وخطب في عمله للمنصور والمهدي من بني العباس. ولما هلك ولوا عليهم ابنه إلياس وكان يدعى بالوزير. ثم انتقضوا عليه سنة أربع وتسعين فخلعوه وولوا مكانه أخاه إليسع بن أبي القاسم وكنيته أبو منصور فلم يزل أميراً عليهم. وبنى سور سجلماسة لأربع وثلاثين سنة من ولايته. وكان أباضياً صفرياً. وعلى عهده استفحل ملكهم بسجلماسة. وهو الذي أتم بناءها وتشييدها واختط بها المصانع والقصور وانتقل إليها آخر المائة الثانية ودوخ بلاد الصحراء وأخذ الخمس من معادن درعة وأصهر لعبد الرحمن بن رستم صاحب تاهرت بابنه مدرار في ابنته أروى فأنكحه إياها. ولما هلك سنة ثمان ومائتين ولي بعده ابنه مدرار ولقبه المنتصر وطال أمر ولايته. وكان له ولدان اسم كل واحد منهما ميمون أحدهما لأروى بنت عبد الرحمن بن رستم وقيل إن اسمه أيضاً عبد الرحمن. والآخر لتقي وتنازعا في الاستبداد على أبيه ودامت الحرب بينهما ثلاث سنين. وكانت لأبيهما مدرار صاغية إلى ابن أروى فمال معه خى غلب أخاه فأخذه وأخرجه عن سجلماسة. ولم يلبث أن خلع أباه واستبد بأمره. ثم ساءت سيرته في قومه ومدينته فخلعوه وصار إلى درعة وأعاد مدراراً إلى أمره. ثم حدث نفسه بإعادة ابنه ميمون بن الرستمية إلى أمارته بصاغيته إليه فخلعوه ورجعوا ابنه ميمون بن التقي وكان يعرف بالأمير. ومات مدار إثر ذلك سنة ثلاث وخمسين لخمس وأربعين من ملكه. وأقام ابنه ميمون في استبداده إلى أن هلك سنة ثلاث وستين وولي ابنه محمد وكان أباضياً. وتوفي سنة سبعين فولي إليسع بن المنتصر وقام بأمره ولحق عبيد الله الشيعي وابنه وأبو القاسم بسجلماسة لعهده. وأوعز المعتضد إليه في شأنهما وكان على طاعته فاستراب بهما وحبسهما إلى أن غلب الشيعي بني الأغلب وملك رقادة فزحف إليه لاستخراج عبيد الله وابنه من محبسه وخرج اليه إليسع في قومه مكناسة فهزمه أبوعبد الله الشيعي واقتحم عليه سجلماسة وقتله سنة ست وتسعين. واستخرج عبيد الله وابنه من محبسهما وبايع لهما. وولى عبيد الله المهدي على سجلماسة إبراهيم بن غالب المزاتي من رجالات كتامة وانصرف إلى إفريقية. ثم انتقض أمرأء سجلماسة على واليهم إبراهيم فقتلوه ومن كان معه من كتامة سنة ثمان وتسعين وبايعوا الفتح بن ميمون الأمير بن مدرار ولقبه واسول وميمون ليس هو ابن التقي الذي تقدم ذكره وكان أباضياً. وهلك قريباً من ولايته لرأس المائة الثالثة فولي أخوه أحمد واستقام أمره إلى أن زحف مصالة بن حبوس في جموع كتامة ومكناسة إلى المغرب سنة تسع وثلثمائة فدوخ المغرب وأخذهم بدعوة صاحبه عبيد الله المهدي. وافتتح سجلماسة وتقبض على صاحبها أحمد بن ميمون بن مدرار. وولى عليها ابن عمه المعتز بن محمد بن بسادر بن مدرار فلم يلبث أن استبد المعتز. وهلك سنة إحدى وعشرين قبيل ملك المهدي وولي من بعده ابنه أبو المنتصرمحمد بن المعتز فمكث عشراً. ثم هلك وولي من بعده ابنه المنتصر سمكو شهرين وكانت جدته تدبر أمره لصغره. ثم ثار عليه أبن عمه محمد بن الفتح بن ميمون الأمير وتغلب عليه وشغب عليه بنو عبيد الله لفتنة ابن أبي العافية وتاهرت ثم بفتنة أبي يزيد بعدهما فدعا محمد بن الفتح لنفسه مموهاً بالدعوة لبني العباس. وأخذ بمذاهب أهل السنة ورفض الخارجية ولقب الشاكر بالله. واتخذ السكة باسمه ولقبه. وكانت تسمى الدراهم الشاكرية. كذا ذكره ابن حزم وقال فيه: وكان في غاية العدل حتى إذا أفزع له بنو عبيد وحمت الفتنة زحف جوهر الكاتب أيام المعز لدين الله معد في جموع كتامة وصنهاجة وأوليائهم إلى المغرب سنة سبع وأربعين فغلب على سجلماسة وملكها. وفر محمد بن الفتح إلى حصن تاسكرات على أميال من سجلماسة وأقام به. ثم دخل سجلماسة متنكراً فعرفه رجل من مطغرة وأنذر به فتقبض عليه جوهر وقاده إلى القيروان مع أحمد بن بكر صاحب فاس كما نذكره وقفل إلى القيروان فلما انتقض المغرب على الشيعة وفشت بدعة الأمية وأخذ زناتة بطاعة الحكم المستنصر ثأر بسجلماسة قائم من ولد الشاكر وباهى المنتصر بالله. ثم وثب عليه أخوه أبو محمد سنة وخمسين فقتله وقام. بالأمر مكانه وتلقب المعتز بالله. وأقام على ذلك مدة وأمر مكناسة يومئذ قد تداعى إلى الانحلال وأمر زناتة قد استفحل بالمغرب عليهم إلى أن زحف خزرون بن فلفول من ملوك مغراوة إلى سجلماسة سنة ست وستين وبرز اليه أبو محمد المعتز فهزمه خزرون وقتله واستولى على بلده وذخيرته وبعث برأسه إلى قرطبة مع كتاب الفتح. وكان ذلك لأول حجابة المنصور بن عامر فنسب إليه واحتسب له جداً ويمن نقيبة وعقد لخزرون على سجلماسة فأفام دعوة هشام بأنحائها فكانت أول دعوة أقيمت لهم بالأمصار في المغرب الأقصى وانقرض أمر بني مدرار ومكناسة من المغرب أجمع. وأديل منهم بمغراوة وبني يفرن حسبما يأتي ذكرهم في دولتهم والأمر لله وحده وله البقاء سبحانه وتعالى. |
دولة بني أبي العافية
كان مكناسة الظواعن من أهل مواطن ملوية وكرسيف ومليلة وما إليها من التلول بنواحي تازا وتسول والكل يرجعون في رئاستهم إلى أبي باسل بن أبي الضحاك بن أبي يزول وهم الذين اختطوا بلد كرسيف ورباط تازا ولم يزالوا على ذلك من أول الفتح. وكانت رئاستهم في المائة الثالثة لمصالة بن حبوس وموسى بن أبي العافية بن أبي باسل واستفحل أمرهم في أيامه وعظم سلطانهم وتغلبوا على قبائل البربر بأنحاء تازا إلى الكائي وكانت بينهم وبين الأدارسة ملوك المغرب لذلك العهد فتن وحروب. وكانوا يغلبونهم على كثير من ضواحيها لما كان نزل بدولتهم من الهرم. ولما استولى عبيد الله المغرب واستفحل أمره كانوا من أعظم أوليائه وشيعه وكان مصالة بن حبوس من قواده لانحياشه إلى وولاه على مدينة تاهرت والمغرب الأوسط. ولما زحف مصالة إلى المغرب الأقصى سنة خمس وثلثمائة واستولى على فاس وعلى سجلمماسة وفرغ من شأن المغرب واستنزل يحيى بن إدريس من إمارته بفاس إلى طاعة عبيد الله وأبقاه أميراً على فاس عقد حينئذ لابن عمه موسى بن أبي العافية أمير مكناسة على سائر ضواحي المغرب وأمصاره مضافة إلى عمله من قبل تسول وتازا وكرسيف وقفل مصالة إلى القيروان. وقام موسى بن أبي العافية بأمر المغرب وناقضه يحيى بن إدريس صاحب فاس لما يضطغن له من المظاهرة عليه. فلما عاود مصالة غزو المغرب سنة تسع أغراه ابن أبي العافية بحيى بن إدريس فثقبض عليه واستصفاه وطرده عن عمله فلحق ببني عمه بالبصرة والريف. وولى مصالة على فاس ريحان الكتامي وقفل إلى القيروان فهلك وعظم ملك ابن أبي العافية بالمغرب. ثم ثار بفاس سنة ثلاث عشرة الحسن بن محمد بن القاسم بن إدريس وكان مقداماً شجاعاً ويلقب بالحجام لطعنه في المحاجم. دخل فاس على حين غفلة من أهلها وقتل ريحان واليها واجتمع الناس على بيعته. ثم خرج لقتاله ابن أبي العافية فتزاحفوا بفحص أداذ ما بين تازا وفاس ويعرف لهذا العهد بوادي المطاحن واشتدت الحرب بينهم وهلك منهال بن موسى بن أبي العافية في الفتن بمكناسة. ثم كانت العاقبة لهم وانفض عسكر الحسن ورجع مفلولاً إلى فاس فغدر به عامله على عدوة القرويين حامد بن حمدان الهمداني واستمكن من عاقلة واستحث ابن أبي العافية للقدوم وأمكنه من البلد وزحف إلى عدوة الأندلس فملكها وقتل عاملها عبد الله بن ثعلة بن محارب بن محمود وولى مكانه أخاه محمداً وطالب حامداً بصاحبه الحسن فدس إليه حامد بالفرار تجافياً عن دعاء أهل البيت وتدلى الحسن من السور فسقط وانكسر ساقه ومات مستخفياً بعدوة الأندلس لثلاث ليال منها. وحذر حامد من سطوة أبي العافية فلحق بالمهدية واستولى ابن أبي العافية على فاس والمغرب. وأجمع وأجلى الأدارسة عنه وألجأهم إلى حصنهم بقلعة حجر النسر مما يلي البصرة وحاصرهم بها مراراً. ثم جمر عليهم العساكر وخلف فيهم قائده أبا الفتح فحاصرهم ونهض إلى تلمسان سنة تسع عشرة بعد أن استخلف على المغرب الأقصى ابنه مدين. وأنزله بعدوة القرويين. واستعمل على عدوة الأندلس طوال بن أبي يزيد وعزل به محمد بن ثعلبة. وزحف إلى تلمسان فملكها وغلب عليها صاحبها الحسن بن أبي العيش بن عيسى بن إدريس بن محمد بن سليمان من عقب سليمان بن عبد الله أخي إدريس الأكبر الداخل إلى المغرب بعده فغلب موسى بن أبي العاقية الحسن على تلمسان وأزعجه عنها إلى مليلة جزائر ملوية ورجع إلى فاس. وقد كان الخليفة الناصر لما فشت دعوته بالمغرب خاطبه بالمقاربة والوعد فسارع إلى إجابته ونقض طاعة الشيعة وخطب للناصر على منابر له فسرح إليه عبيد الله المهدي قائمه ابن أخي مصالة وهو حميد بن يصلتن المكناسي قائد تاهرت فزحف في العساكر إلى حرمة سنة إحدى وعشرين ولقيه موسى بن أبي العافية بفحص مسون فتزاحفوا أياماً. ثم لقيه حميد فهزمه ولحق ابن أبي العافية بتسول فامتنع بها وأفرج قائده أبو الفتح عن حصن الأدارسة فاتبعوه وهزموه ونهبوا مكره. ثم نهض حميد إلى فاس ففر عنها مدين بن موسى إلى ابنه واستعمل عليها حامد بن حمدان كان في جملته وقفل حميد إلى إفريقية وقد دوخ المغرب. ثم انتقض أهل المغرب على الشيعة بعد مهلك عبيد الله وثار أحمد بن بكر بن عبد الرحمن بن سهل الجذامي على حامد بن حمدان فقتله وبعث برأسه إلى ابن أبي العافية فأرسله إلى الناصر بقرطبة واستولى على المغرب. وزحف ميسور الخصي قائد أبي القاسم الشيعي إلى المغرب سنة ثلاث وعشرين وخام ابن أبي العافية عن لقائه واعتصم بحصن لكائي. ونهض ميسور إلى فاس فحاصرها واستنزل أحمد بن بكر عاملها. ثم تقبض عليه وأشخصه إلى المهدية وبدر أهل فاس بغدره فامتنعوا وقدموا على أنفسهم حسن بن قاسم اللواتي وحاصرهم ميسور مدة حتى رغبوا إلى السلم واشترطوا على أنفسهم الطاعة والأتاوة فتقبل ميسور ورضي وأقر حسن بن قاسم على ولايته بفاس. وارتحل إلى حرب بن أبي العافية فكانت بينهصا حروب إلى أن غلبه ميسور فتقبض على ابنه الغوري وغربه إلى المهدية. وأجلى موسى بن أبي العافية عن أعمال المغرب إلى نواحي ملوية ووطاط وما وراءها من بلاد الصحراء وقفل إلى القيروان. ولما مر بأرشكول خرج إليه صاحبها ملاطفاً له بالتحف وهو إدريس بن إبراهيم بن ولد سليمان بن عبد الله أخي إدريس الأكبر فتقبض عليه واصطلم نعمته وولى مكانه أبا العيش بن عيسى منهم. وأغذ السير إلى القيروان سنة أربع وعشرين. ورجع موسى بن أبي العافية من الصحراء إلى أعماله بالمغرب فملكها وولى على الأندلس أبا يوسف بن محارب الأزدي وهو الذي مدن عدوة الأندلس وكانت حصوناً. واحتل موسى بن أبي العافية قلعة كوماط وخاطب الناصر فبعث إليه مدداً من أسطوله وزحف إلى تلمسان ففر عنها أبو العيش واعتصم بأرشكول فنازله وغلبه عليها سنة خمس وعشرين. ولحق أبو العيش بنكور واعتصم بالقلعة التي بناها هنالك لنفسه. ثم زحف ابن أبي العافية إلى مدينة لنكور فحاصرها مدة ثم تغلب عليها وقتل صاحبها عبد البديع بن صالح وخرب مدينتهم. ثم سرح ابنه مدين في العساكر فحاصر أبا العباس بالقلعة حتى عقد له السلم عليها. واستفحل أمر ابن أبي العافية في المغرب الأقصى واتصل عمله بعمل محمد بن خزر ملك مغراوة وصاحب المغرب الأوسط وبثوا دعوة الأموية في أعمالها وبعث ابنه مدين بأمره في قومه. وعقد له الناصر على أعمال ابنه بالمغرب واتصل يده بيد الخير بن محمد كما كان بين آبائهما. ثم فسد ما بينهما وتزاحفا للحرب وبعث الناصر قاضيه منفر بن سعد لمشارفة أحوالهما وإصلاح ما بينهما فتم ذلك كما أراده ولحق به سنة خمس وثلاثين أخوه البوري فاراً من عسكر المنصور مع أحمد بن بكر الجذامي عامل فاس بعد أن لحقا بأبي يزيد فسار أحمد بن أبي بكر إلى فاس وأقام بها متنكراً إلى أن وثب بعاملها حسن بن قاسم اللواتي وتخلى له عن العمل. وصار البوري إلى أخيه مدين واقتسم أعمال ابنه معه ومع ابنه الأخر منقذ فكانوا ثلاث الأثافي. وأثار الثوري الناصر سنة خمس وأربعين فعقد الناصر لابنه منصور على عمله وكانت وفاته وهو محاصر لأخيه مدين بفاس وأجاز أبناء أبو العيش ومنصور إلى الناصر فأجزل لهما الكرامة على سنن أبيهما. ثم هلك مدين فعقد الناصر لأخيه أبي منقذ على عمله سنة ثم غلب مغراوة على فاس وأعمالها واستفحل أمرهم بالمغرب وأزاحوا مكناسة عن ضواحيه وأعماله وساروا إلى مواطنهم وأجاز إسمعيل بن البوري ومحمد بن عبد الله بن مرين إلى الأندلس فنزلوا بها إلى أن جازوا مع واضح أيام المنصور كما مر عندما نقض زيري بن عطية طاغيتهم سنة ست وثمانين فملك واضح المغرب ورجعهم إلى أعمالهم. وتغب بلكين بن زيري على المغرب الأوسط. وغلب عليه ملوكه بني خزر من مغراوة فاتصلت يد مكناسة. ولم يزالوا في طاعة بني زيري ومظاهرتهم. وهلك إسمعيل بن البوري في حروب حماد مع باديس بشلف سنة خمس وأربعمائة وتوارث ملكهم في أعقاب موسى إلى أن ظهرت دولة المرابطين وغلب يوسف بن تاشفين على أعمال المغرب فزحف إليهم القاسم بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن موسى بن أبي العافية فاستدعى أهل فاس وصريخ زناتة بعد مهلك معنصرة المغراوي فلقي عساكر المرابطين بوادي صفر فهزمهم وزحف إليه يوسف بن تاشفين من مكانه فحاصر قلعة فازاز فهزم القاسم بن محمد وجموع مكناسة وزناتة ودخل فاس عنوة كما ذكرناه في أخباره. ثم زحف إلى أعمال مكناسة فاقتحم الحصن وقتل القاسم. وفي بعض تواريخ المغرب أن مهلك إبراهيم بن موسى كان سنة خمس وأربعمائة. وولي ابنه عبد الله أبو عبد الرحمن وهلك سنة ثلاثين وولي ابنه محمد وهلك سنة ست وأربعين وولي ابنه القاسم وهلك بتسول عند اقتحام لمتونة عليه سنة ثلاث وستين. وانقرض ملك مكناسة من المغرب بانقراض ملك مغراوة والأمر لله وحده وبقي من قبائل مكناسة لهذا العهد بهذه المواطن أفاريق في جبال تازا بعد ما تمرست بهم الدول وأناخت بساحتهم الأمم. وهم موصوفون بوفور الجباية وقوة الشكيمة. ولهم عناء في مظاهرة الدولة وحقوق عند الحشد والعسكرة. وفيهم مؤن من الخيالة. ومن مكناسة غير هؤلاء أوزاع في القبائل لهذا العهد مفرقون في نواحي إفريقية والمغرب الأوسط. " إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز " وهذا آخر الكلام في بني ورصطيف فلنرجع إلى من بقي علينا من البربر وهم زناتة والله ولي العون وبه المستعان. |
أخبار البرانس من البربر هوارة
ولنبدأ أولاً بالخبر عن هوارة من شعوبهم وذكر بطونهم وتصاريف أحوالهم وافتراق شعوبهم في عمالات إفريقية والمغرب وهوارة هؤلاء من بطون البرانس باتفاق من نسابة العرب والبربر ولد هوار بن أوريغ بن برنس إلا ما يزعم بعضهم أنهم من عرب اليمن. تارة يقولون من عاملة إحدى بطون قضاعة وتارة يقولون من ولد المسور بن السكاسك بن واثل بن حمير. وإذا تحروا الصواب المسور بن السكاسك بن أشرس بن كندة وينسبونه هكذا: هوار بن أوريغ بن خنون بن المثنى بن المسور. وعند هؤلاء أن هوارة وصنهاجة ولمطة وكزولة وهكسورة يعرف جميعهم بني ينهل وأن المسور جدهم جميعاً. وأنه وقع إلى البتر ونزل على بني زحيك بن مادغيس الأبتر. وكانوا أربعة إخوة: لوا وضرا وأداس ونفوس. وأنهم زوجوه أختهم تيسكي العرجاء بنت زحيك فولدت منه المثنى أبا هوارة وتزوجها بعد المسور عاصيل بن زعزاع أبو صنهاجة ولمطة وكزولة وهكسورة كما قالوا: وولد المثنى بن المسور خبوز وولد خبوز بن المثنى ريغ النيى يقال فيه أوريغ بن برنس ومنه تفرقت قبائل هوارة. قالوا: إنما سميت هوارة لأن المسور لما جال البلاد ووقع في المغرب قال: لقد تهورنا. هكذا عند بعض نسابة البربر. وعندي والله أعلم أن هذا الخبر مصنوع وإن أثر الصنعة باد عليه. ويعضد ذلك أن المحققين ونسابتهم مثل سابق وأصحابه قالوا: إن بطون أداس بن زحيك دخلت كلها في هوارة من أجل أن هوار خلف زحيك على أم أداس فربي أداس في حجره وزحيك على ما في الخبر الأول هو جد هوار لأن المثنى جده الأعلى هو ابن تيصكي وهي بنت زحيك فهو الخامس من زحيك فكيف يخلفه على امرأته. هذا بعيد والخبر الثاني أصح عند نسابتهم من الأول. وأما بطون هوارة فكثير وأكثرهم بنو نبه وأوريغ اشتهروا نسبة لشهرته وكبر سنه من بينهم فانتسبوا جميعاً إليه. وكان لأوريغ أربعة من الولد: هوار وهو أكبرهم ومغر وقلدن وملد ولكل واحد منهم بطون كثيرة وكلهم ينسبون إلى هوار. فمن بطون مغرماوس وزمور وكياد وسراي ذكر هذه البطون الأربعة ابن حزم وزاد سابق المطامطي وأصحابه ورجين رمنداسة وكركورة. ومن بطون قلدن: قمصانة وورصطيف وبيانة. وبل ذكر هذه الأربعة ابن حزم وسابق. ومن بطون ملد مليلة ووسطط وورفل: وأسيل ومسراتة ذكرهما ابن حزم وقال: ومن بطون هوارة بنو كهلان. ويقال إن مليلة من بطونهم. وعند نسابة البربر من بطونهم غريان وورغة وزكاوة ومسلاتة ومجريس. ويقال إن ونيفن منهم. ومجريس لهذا العهد ينتسبون إلى ونيفن. وعند سابق وأصحابه أن بني كهلان وريجن إحدى بطون مغر وأن من بطون بني كهلان بني كسى وورتاكط ولشوه وهيوارة. وأما بطون أداس بن زحيك بن مادغيس الأمراء الذين دخلوا في هوارة فكثير. فمنهم هراغة وترهوتة وشتاتة وأنداوة وهنزونة وأوطيطة وصنبرة. هؤلاء باتفاق من ابن حزم وسابق وأصحابه. وكانت مواطن الجمهور من هوارة هؤلاء ومن دخل في نسبهم من إخوانهم البرانس والصمغر لأول الفتح بنواحي طرابلس وما يليها من برقة كما ذكره المسعودي والبكري. وكانوا ظواعن وآهلين. ومنهم من قطع الرمل إلى بلاد القفر وجاوزوا لمطة من قبائل الملثمين فيما يلي بلاد كوكو من السودان تجاه إفريقية ويعرفون بنسبهم هكارة قلبت العجمة واوه كافاً أعجمية تخرج بين الكاف العربية والقاف. وكان لهم في الردة وحروبها آثار ومقامات. ثم كان لهم في الخارجية والقيام بها ذكر وخصوصاً بالأباضية منها. وخرج على حنظلة منهم عبد الواحد بن يزيد مع عكاشة الفزاري فكانت بينهما وبين حنظلة حروب شديدة. ثم هزمها وقتلهما وذلك سنة أربع وعشرين ومائة أيام هشام بن عبد الملك. وخرج على يزيد بن حاتم سنة ست وخمسين ومائة وزحف إليه قائد طرابلس عبد الله بن السمط الكندي على شاطىء البحر بسواريه من سواحلهم فانهزم وقتل عامة هوارة. وكان منهم مع عبد الرحمن بن حبيب مجاهد بن مسلم من قواده. ثم أجاز منهم إلى الأندلس مع طارق رجالات مذكورون واستقروا هنالك وكان من حلفهم بنو عامر بن وهب أمير رندة أيام لمتونة وبنو ذي النون الذين ملكوها من أيديهم واستضافوا معها طليطلة. وبنو رزين أصحاب السهلة. ثم ثارت هوارة من بعد ذلك على إبراهيم بن الأغلب سنة ست وتسعين ومائة وحاصروا طرابلس وافتتحوها فخربوها. وتولى كبر ذلك منهم عياض بن وهب وسرح إبراهيم إليهم ابنه أبا العباس فهزمهم وقتلهم وبنى طرابلس. وجأجأ هوارة بعبد الوهاب بن رستم من مكان أمارتهم بتاهرت فجاءهم واجتمعوا إليه ومعهم قبائل نفوسة. وحاصروا أبا العباس بن الأغلب بطرابلس إلى أن هلك أبوه إبراهيم بالقيروان وقد عهد إليه فصالحهم على أن يكون الصحراء لهم. وانصرف عبد الوهاب إلى نفوسة. ثم أصحبوا بعد ذلك وغزوا مع الجيوش صقلية وشهد فتحها منهم زواوة بن نعم الحلفاء. ثم كان لهم مع أبي يزيد النكاري وفي حروبه مقامات مذكورة اجتمعوا إليه من مواطنهم بجبل أوراس ومرماجنة لما غلب عليه وأخذ أهلها بدعوته فانحاشوا إلى ولايته وفعلوا الأفاعيل. وكان من أظهرهم في تلك الفتنة بنو كهلان. ولما هلك أبو يزيد كما نذكره سطا إسمعيل المنصور بهم وأثخن فيهم وانقطع ذكر بني كهلان. ثم جرت الدول عليهم أذيالها وأناخت بكلاكلها وأصبحوا في عداد القبائل الغارمة من كل ناحية: فمنهم لهذا العهد بمصر أوزاع متفرقون أوطنوها أكرة وعباره وشاوية وآخرون موطنون ما بين برقة والإسكندرية يعرفون بالمثالينة ويظعنون مع الحرة من بطون هيب من سليم بأرض التلول من إفريقية ما بين تبسة إلى مرماجنة إلى باجة. ظواعن صاروا في عداد النباجعة عرب بني سليم في اللغة والزي وسكنى الخيام وركوب الخيل وكتب الإبل وممارسة الحروب وإيلاف الرحلتين في الشتاء والصيف في تلولهم. قد نسوا رطانة البربر واستبدلوا منها بفصاحة العرب فلا يكاد يفرق بينهم. فأولهم مما يلي تبسة قبيلة ونيقش ورئاستهم لهذا العهد في ولد يفرن بن حناش لأولاد سليم بن عبد الواحد بن عسكر بن محمد بن يفرن ثم لأولاد زيتون بن محمد بن يفرن ولأولاد دحمان بن فلان بعده. وكانت الرئاسة قبلهم لسارية من بطون ونيفن ومواطنهم ببسائط مرماجنة وتبسة وما إليهما. ويليهم قبيلة أخرى في الجانب الشرقي منهم يعرفون بقيصرون ورئاستهم في بيت بني مؤمن ما بين ولد زعازع وولد حركات ومواطنهم بفحص أبه وما إليها من نواحي الأربس. وتليهم إلى جانب الشرق قبيلة أخرى منهم يعرفون بنصورة ورئاستهم في بيت الرمامنة لولد سليمان بن جامع منهم. ويرادفهم في رئاسة نصرة قبيلة وربهامة ومواطنهم ما بين تبسة إلى حامة إلى جبل الزنجار إلى إطار على ساحل تونس وبسائطها. ويجاورهم متساحلين إلى ضواحي باجة قبيلة أخرى من هوارة يعرفون بني سليم ومعهم بطن من عرب مضر من هذيل بن مدركة بن إلياس. جاؤوا من مواطنهم بالحجاز مع العرب الهلاليين عند دخولهم إلى المغرب واستوطنوا بهذه الناحية من إفريقية واختلطوا بهوارة وحملوا في عدادهم. ومعهم أيضاً بطن آخر من بطون رياح من هلال ينتمون إلى عتبة بن مالك بن رياح صاروا في عدادهم وجروا على مجراهم من الظعن والمغرم. ومعهم أيضاً بطن من مرداس بني سليم يعرفون ببني حبيب. ويقولون: هو حبيب بن مالك. وهم غارمة مثل سائر هوارة. وضواحي إفريقية لهذا العهد معمورة بهؤلاء الظواعن. ومعظمهم من هوارة. وهم أهل بقر وشاء وركوب للخيل وللسلطان بإفريقية عليهم وظائف من الجباية وضعها عليهم دهاقين العمال بديوان الخراج قوانين مقررة وتضرب عليهم مع ذلك البعث في غزوات السلطان بعسكر مفروض يحضر بمعسكر السلطان متى استنفروا لذلك. ولرؤسائهم آراء قاطعات ومكان في الدول بين رجالات البدو ويربطون هوارة بمواطنهم الأولى من نواحي طرابلس ظواعن وآهلين توزعتهم العرب من دباب فيما توزعوه من الرعايا وغلبوهم على أمرهم منذ ضحا عملهم من ظل الدولة فتملكوهم تملك العبيد للجباية منهم والاستكثار منهم في الانتجاع والحرب مثل: ترهونة وورقلة الظواعن. ومجريس الموطنين بزرنزور من ونيفن وهي قرية من قرى طرابلس. ومن هوارة هؤلاء بآخر عمل طرابلس مما يلى بلد سرت وبرقة قبيلة يعرفون بمسراتة لهم كثرة واعتزاز ووضائع العرب عليهم قليلة ويعطونها من عزة. وكثيراً ما ينقلون في سبيل التجارة ببلاد مصر والإسكندرية. وفي بلاد الجريد من إفريقية وبأرض السودان إلى هذا العهد. واعلم أن في قبلة قابس وطرابلس جبالاً متصلاً بعضها ببعض من المغرب إلى المشرق فأولها من جانب الغرب جبل دمر يسكنه أمم من لواتة ويتصلون في بسيطه إلى فاس وصفاقس من جانب الغرب وأمم أخرى من نفوسة من جانب الشرق. وفي طوله سبع مراحل ويتصل به شرقاً جبل نفوسة تسكنه أمة كبيرة من نفوسة ومغراوة وسمراتة وهو قبلة طرابلس على ثلاث مراحل عنها. وفي طوله سبع مراحل. ويتصل به من جانب الشرق جبل مسلاتة ويعتمره قبائل هوارة إلى بلد مسراتة ويفضي إلى بلد سرت وبرقة وهو آخر جبال طرابلس. وكانت هذه الجبال من مواطن هوارة ونفوسة ولواتة. وكانت هنالك مدينة صغيرة بلد نفوسة قبل الفتح. وكانت برقة من مواطن هوارة هؤلاء. ومنهم مكان بني خطاب ملوك زويلة إحدى أمصار برقة كانت قاعدة ملكهم حتى عرفت بهم فكان يقال زويلة بن خطاب. ولما خربت انتقلوا منها إلى فزان من بلاد الصحراء وأوطنوها وكان لهم بها ملك ودولة حتى إذا جاء قراقوش الغزي الناصري مملوك تقي الدين ابن أخي صلاح الدين كما نذكر في مكانه عند ذكر الميورقي بن مسوفة وأخباره وافتتح زلة وأوجلة وافتتح فزان بعدها وتقبض على عاملها محمد بن خطاب بن يصلتن بن عبد الله بن صنفل بن خطاب آخر ملوكهم وامتحنه وطالبه بالأموال وبسط عليه العذاب إلى أن هلك وانقرض أمر بني خطاب وهؤلاء الهواريين. ومن قبائل هوارة بالمغرب أمم كثيرة في مواطن من أعمال تعرف بهم وظواعن عن شاوية تنتجع لمسرحها في نواحيها وقد صاورا عبيدا للمغارم في كل ناحية. وذهب ما كان لهم من الاعتزاز والمنعة أيام الفتوحات بسبب الكثرة وصاروا إلى الافتراق في الأودية بسبب القلة والله مالك الأمور. ومن أشهرهم بالمغرب الأوسط أهل الجبل المطل على البطحاء وهو مشهور باسم هوارة وفيه من مسراتة وغيرهم من بطونهم ويعرف رؤساؤهم من بني إسحق. وكان الجبل من قبلهم فيما زعموا لبني يلومين. فلما انقرضوا صار إليه هوارة وأوطنوه وكانت رئاستهم في بني عبد العزيز منهم. ثم ظهر من بني عمهم رجل اسمه إسحق واستعمله ملوك القلعة وصارت وورث رئاسته فيهم أخوه حيون وصارت في عقبه. واتصلوا بالسلطان أيام ملك بني عبد الواد على المغرب الأوسط وانتظموا في شرائعهم. واستعمل أبو تاشفين من ملوكهم يعقوب بن يوسف بن حيون قائداً على بني توجين عندما غلبهم على أمرهم المغارم عليهم فقام بها أحسن قيام دوخ بلادهم وأذل من عزهم. وبعد أن غلب بنو مرين بني عبد الواد على المغرب الأوسط استعمل السلطان أبو الحسن عبد الرحمن بن يعقوب على قبيلة هؤلاء. ثم استعمل بعده عمه عبد الرحمن ثم ابنه محمد بن عبد الرحمن بن يوسف. ثم تلاشى حال هذا القبيل وخف ساكن الجبل بما اضطهدتهم دولة بني عبد الواد وأجحفت بهم في الظلامات. وانقرض بيت بني إسحق والأمر على ذلك لهذا العهد والله وارث الأرض ومن عليها. أزداجة ومسطاسة وعجيسة الخبر عن أزداجة ومسطاسة وعجيسة من بطون البرانس ووصف أحوالهم أما أزداجة ويعرفون أيضاً وزداجة فمن بطون البرانس وكثير من نسابة البربر يعدونهم في بطون زناتة. وقد يقال إن أزداجة من زناتة ووزداجة من هوارة وأنهما بطنان مفترقان وكان لهم وفور وكثرة. وكانت مواطنهم بالمغرب الأوسط بناحية وهران وكان لهم اعتزاز وآثار في الفتن والحروب. ومسطاسة مندرجون معهم فيقال أنهم من عداد بطونهم ويقال أنهم إخوة مسطاس أخي وزداج والله أعلم. وكان من رجالتهم المذكورين شجرة بن عبد الكريم المسطاسي وأبو دليم بن خطاب. وأجاز أبو دليم إلى الأندلس من ساحل تلمسان وكان لبنيه بها ذكر وفي فقهاء قرطبة مكان. وكان من بطون أزداجة بنو مسقن وكانوا يجاورون وهران ونزل موسى وهران من رجال الدولة الأموية محمد بن أبي عون ومحمد بن عبدون فداخلوا بني مسكن وملكوا وهران سبع سنين مقيمين فيها للدعوة الأموية. فلما ظهرت دعوة الشيعة وملك عبيد الله المهدي تاهرت وولى عليها دواس بن صولات اللهيصي من كتامة وأخفت البرابرة بدعوتهم أوعز دواس بحصار وهران فزحفوا إليها سنة سبع وتسعين وداخلوا بني مسكن في ذلك فأجابوهم وفر محمد بن أبي عون فلحق بدواس بن صولات واستبيحت وهران وأضرمت ناراً. ثم جدد بناءها دواس وأعاد محمد بن أبي عون إلى ولايتها فعادت أحسن ما كانت وأمراء تلمسان لذلك العهد من الأدارسة بنو أحمد بن محمد بن سليمان وسليمان أخو إدريس الأكبر كما ذكرناه. وكانوا يقيمون دعوة الأموية لذلك العهد. ثم ولي على تاهرت أيام أبي القاسم بن عبد الله أبا مالك يغمراسن بن أبي سمحة وانتقض عليه البربر فحاصروه عند زحف ابن أبي العافية إلى المغرب الأوسط بدعوة المروانية وكان ممن أخذ بها محمد بن أبي عون صاحب وهران وسرح أبو القاسم ميسوراً مولاه إلى المغرب وأتاه محمد بن عون بطاعته فقبلها وأقره على عمله ثم نكث محمد بن عون عند منصرف ميسور من المغرب وراجع طاعة المروانية. ثم كان شأن أبي يزيد وانتقاض سائر البرابرة على العبيديين واستفحل أمر زناتة وأخذوا بدعوة المروانيين. وكان الناصر عقد ليعلى بن أبي محمد اليفرني على المغرب فخاطبه بمراوغة محمد بن أبي عون وقبائل أزداجة في الطاعة للعداوة بين القبيلتين بالمجاورة وزحف إلى أزداجة فحصرهم بجبل كيدرة. ثم تغلب عليهم واستأصلهم وفرق جماعتهم وذلك لسنة ثلاث وأربعين وثلثمائة ثم زحف إلى وهران ونازلها ثم افتتحها عنوة وأضرمها ناراً. واستلحم أزداجة ولحق رئاستهم بالأندلس فكانوا بها وكان منهم خزرون بن محمد من كبار أصحاب المنصور بن أبي عامر وابنه المظفر وأجاز إلى المغرب وبقي أزداجة بعد ذلك على حال من الهضيمة والمذلة وانتظموا في عداد المغارم من القبائل. وأما العجيسة: وهم بطون البرانس من ولد عجيسة من برنس ومدلول هذا الاسم البطن فإن البربر يسمون البطن بلغتهم عدس بالدال المشددة فلما عربتها العرب قلبت دالها جيماً مخففة وكان لهم بين البربر كثرة وظهور وكانوا مجاورين في بطونهم لصنهاجة. وبقاياهم لهذا العهد فى ضواحي تونس والجبال المطلة على المسيلة وكانت منهم من بطون يسكنون جبل القلعة. وكان لهم في فتنة أبي يزيد أثر. ولما هزمه المنصور لجأ إليهم واعتصم بقلعة كتامة من حصونهم حتى اقتحم عليه. ثم بادرحماد بن بلكين من بعد ذلك مكاناً لبناء مدينة فاختطها بينهم ونزلها ووسع خطتها واستبحر عمرانها. وكانت حاضرة لملك آل حماد فأخلفت هذه المدينة من جدة عجيسة لما تمرست بهم وخضدت من شوكتهم وراموا كيد القلعة مراراً وأجلبوا على ملوكها بالأعياص منهم فاستلحمهم السيف. ثم هلكوا وهلكت القلعة من بعدهم وورثت مواطنهم بذلك الجبل عياض من أفاريق العرب الهلاليين وسمي الجبل بهم. وفي القبائل بالمغرب كثير من عجيسة هؤلاء مفترقون فيهم والله أعلم. اوربة الخبر عن أوربة من بطون البرانس وما كان لهم من الردة والثورة وما صار لهم من الدعاء لإدريس الأكبر وكانت البطون التي فيها الكثرة والغلب من هؤلاء البربر البتر كلهم لعهد الفتح أوربة وهوارة وصنهاجة من البرانس ونفوسة وزناتة ومطغرة ونفزاوة من البتر وكان التقدم لعهد الفتح لأوربة هؤلاء بما كانوا أكثر عدداً وأشد بأساً وقوة. وهم من ولد أورب بن برنس وهم بطون كثيرة فمنهم بجاية ونفاسة ونعجة وزهكوجة ومزياتة ورغيوة وديقوسة. وكان أميرهم بين يدي الفتح سكرديد بن زوغي بن بارزت بن برزيات. ولي عليهم مدة ثلات وسبعين سنة وأدرك الفتح الإسلامي ومات سنة إحدى وسبعين وولي عليهم من بعده كسيلة بن لزم الأوربي فكان أميراً على البرانس كلهم. ولما نزل أبو المهاجر تلمسان سنه خمس وخمسين كان كسيلة بن لزم مرتاداً بالمغرب الأقصى في جموعه من أوربة وغيرهم فظفر به أبو المهاجر وعرض عليه الإسلام فأسلم واستنقذه وأحسن إليه وصحبه. وقدم عقبة في الولاية الثانية أيام يزيد سنة اثنتين وستين فاضطغن عليه صحابته لأبي المهاجر وتقدم أبو المهاجر في اصطناعه فلم يقبل وزحف إلى المغرب. وعلى مقدمته زهير بن قيس البلوي فدوخه. ولقيه ملوك البربر ومن انضم إليه من الفرنجة بالزاب وتاهرت فهزمهم واستباحهم وأذعن له يليان أمير غمارة ولاطفه وهاداه ودله على عورات البرابرة وراءه أبو ليلة والسوس وما والاهما من مجالات الملثمين فغنم وسبى وانتهى إلى ساحل البحر وقفل ظافراً. وكان في غزاتة تلك يستهين كسيلة ويستخف به وهو في اعتقاله. وأمره يوماً بسلخ شاة بين يديه فدفعها إلى غلمانه وأراده عقبة على أن يتولاها بنفسه وانتهره فقام إليها كسيلة مغضباً. وجعل كلما دس يده في الشاة يمسح بلحيته والعرب يقولون ما هذا يا بربري فيقول: هذا جيد للشعر فيقول لهم شيخ منهم إن البربري يتوعدكم. وبلغ ذلك أبا المهاجر فنهى عقبة عنه وقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألف جبابرة العرب وأنت تعمد إلى رجل جبار في قومه بدار عزة قريب عهد بالشرك فتفسد قلبه وأشار عليه بأن يوثق منه. وخوفه فتكه فتهاون عقبة بقوله. فلما قفل عن غزاته وانتهى إلى طبنة صرف العساكر إلى القيروان أفواجاً ثقة بما دوخ من البلاد وأذل من البربر حئى بقي في قليل من الناس. وسار إلى تهودة أوبادس لينزل بها الحامية. فلما نظر إليه الفرنجة طمعوا فيه وراسلوا كسيلة بن لزم ودلوه على الفرصة فيه فانتهزها وراسل بني عمه ومن تبعهم من البربر واتبعوا عقبة وأصحابه رضي الله عنه حتى إذا غشوه بتهودة ترجل القوم وكسروا أجفان سيوفهم ونزل الصبر واستلحم عقبة وأصحابه رضي الله عنهم ولم يفلت منهم أحد وكانوا زهاء ثلثمائة من كبار الصحابة والتابعين استشهدوا في مصرع واحد وفيهم أبو المهاجر كان أصحبه في اعتقاله فأبلى رضي الله عنه في ذلك اليوم البلاء الحسن وأجداث الصحابة رضي الله عنهم أولئك الشهداء عقبة وأصحابه بمكانهم ذلك من أرض الزاب لهذا العهد. وقد جعل على قبر أسنمة ثم جصص واتخذ عليه مسجد عرف باسمه وهو في عدد المزارات ومظان البركة بل هو أشرف مزور من الأجداث في بقاع الأرض لما توفر فيه من عدد الشهداء من الصحابة والتابعين الذين لا يبلغ أحد مد أحدهم ولا نصيفه. وأسر من الصحابة يومئذ محمد بن أويس الأنصاري ويزيد بن خلف القيسي ونفر معهم ففداهم ابن مصاد صاحب قفصة. وكان زهير بن قيس البلوي بالقيروان وبلغه الخبر فخرج هارباً وارتحل بالمسلمين ونزل برقة وأقام بها ينتظر المدد من الخلفاء. واجتمع إلى كسيلة جميع أهل المغرب من البربر والفرنجة وزحف إلى القيروان فخرج العرب منها ولحقوا بزهير بن قيس وبقي بها أصحاب الذراري والأثقال فأمنهم ودخل القيروان وأقام أميراً على إفريقية ومن بقي بها من العرب خمس سنين. وقارن ذلك مهلك يزيد بن معاوية وفتنة الضحاك بن قيس مع المروانية بمرج راهط وحروب آل الزبير فاضطرب أمر الخلافة بعض الشيء واضطرم المغرب ناراً وفشت الردة في زناتة والبرانس. ثم استقل عبد الملك بن مروان من بعد ذلك بالخلافة وأذهب بالمشرق آثار الفتنة. وكان زهير بن قيس مقيماً ببرقة مند مهلك عقبة فبعث إليه بالمدد وولاه حرب البرابرة والثأر بدم عقبة فزحف إليها في آلاف من العرب سنة سبع وستين. وجمع كسيلة البرانس وسائر البربر ولقيه بجيش من نواحي القيروان واشتد القتال بين الفريقين. ثم انهزم البربر وقتل كسيلة ومن لا يحصى منهم واتبعهم العرب إلى مرماجنة ثم إلى ملوية وذل البربر ولجأوا إلى القلاع والحصون وخضدت شوكة أوربة من بينهم واستقر جمهورهم بديار المغرب الأقصى فلم يكن بعدها لهم ذكر. واستولوا على مدينة وليلى بالمغرب وكانت ما بين موضع فاس ومكناسة بجانب جبل زرهون وأقازا على ذلك والجيوش من القيروان تدوخ المغرب مرة بعد أخرى إلى أن خرج محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي أيام المنصور وقتل بالمدينة سنة خمس وأربعين. ثم خرج بعده ابن عمه حسين بن علي بن حسن المثلث بن حسن المثنى بن الحسن السبط أيام الهادي وقتل بفخ على ثلاثة أميال من مكة سنة تسع وستين ومائة واسلتحم كثير من أهل بيته. وفر إدريس بن عبد الله إلى المغرب ونزل على أوربة سنة اثنتين وسبعين وأميرهم يومئذ أبو ليلى إسحق بن محمد بن عبد الحميد منهم فأجاره وجمع البرابر على دعوته. واجتمعت عليه زواغة ولواتة وسدراتة وغياتة ونفزة ومكناسة وغمارة وكافة برابرة المغرب فبايعوه وائتمروا بأمره. وتم له الملك والسلطان بالمغرب وكانت له الدولة التي ورثها أعقابه إلى حين انقراضها كما ذكرنا في دولة الفاطميين والله تعالى أعلم. كتامة |
الساعة الآن 05:36 AM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |