![]() |
كبريـاء الوزيـر
كان سليمان بن وانشوس من رؤساء البربر، ووزيراً لأمير الأندلس عبد الله بن محمد. دخل يوماً على الأمير فقال له: اجلس يا بربري! فغضب وقال: إنما كان الناس يرغبون في الوزارة طلباً للشرف، وأمّا إذا صارت جالبَة للذُّل فقد غنينا عنكم. ثم خرج من غير أن يسلّم. فغضب الأمير وأمر بعزله. ثم إن الأمير عبد الله حزن لفقده لأمانته ونصيحته وفضل رأيه. فقال للوزراء: لقد وجدتُ لفقد سليمان تأثيراً. غير أني لو طلبتُ منه الرجوع لكان ذلك غضاضة علينا، ولَوَددتُ أن يبتدئنا هو بالرغبة. فقال الوزير محمد بن الوليد بن غانم: إن أذنتَ لي في المسير إليه اسْتَنهضْتُه إلى هذا. فأذن له. فنهض ابن غانم إلى دار سليمان فاستأذن. وكانت رتبة الوزير بالأندلس أيام بني أمية ألا يقوم الوزير إلا لوزير مثله، فإنه كان يتلقاه وينزله معه إلى مرتبته ولا يحجبه لحظةً. فأبطأ الإذن على بن غانم حيناً ثم أذن له. فدخل عليه فوجده قاعداً، فلم يتزحزح له ولا قام إليه. فقال له ابن غانم: ما هذا الكِبْر؟ عهدي بك وأنت وزير للسلطان وفي أبهة رضاه تتلقاني واقفاً وتتزحزح لي عن صدر مجلسك. وأنت الآن في غضبه بضد ذلك! فقال سليمان: نعم. لأني كنتُ حينئذٍ عبداً مثلك، وأنا اليوم حرّ! فخرج ابن غانم ولم يكلمه، ورجع إلى الأمير فأخبره، فأرسل الأمير إليه يرجوه العودة إلى الوزارة، وردّه إلى أفضل ما كان عليه. من كتاب "الحُلّة السِّيراء" لابن الأبّار. |
كتـابُ توصيـة
قال أبو العيناء للجاحظ: طلب مني صديق لي أن أسألك أن تكتب له خطاب توصية إلى والي البصرة. فقال الجاحظ: نعم. أكتبه ثم أبعثه إليك. وكتب له الجاحظ الخطاب وختمه ثم أرسله إلى أبي العيناء. فلما تسلـّمه أبو العيناء أحبّ أن يرى ما كتبه الجاحظ، فقال لرجل عنده: اِفتحـْه واقرأه عليّ. فإذا فيه: "كتابي إليك طلبه مني من أخافه لمن لا أعرفه. فافعل في أمره ما تراه، والسلام". فغضب أبو العيناء ونهض إلى الجاحظ، فقال: أعرّفك باعتنائي بهذا الصديق فتكتب له مثل هذا؟! فقال الجاحظ: لا تنكر ذلك، فإنها أمارة بيني وبين والي البصرة إذا عُنيت برجل. قال أبو العيناء: بل أنت ولد زنا. قال: أتشتمني؟ قال: لا. إنها أمارة لي عند الثناء على إنسان! من كتاب "جمع الجواهر في المُلـَح والنوادر" للحُصْري. |
كُتُب المُبَشـِّر بن فاتـِك
كان الأمير المبشر بن فاتك من أعيان أمراء مصر، وأفاضل علمائها، دائم الاشتغال، محبّ للاجتماع بالعلماء من أمثال ابن الهيثم وابن رضوان الطبيب. وقد اقتنى المبشـّر كتبًا كثيرة جدًا، فكان في أكثر أوقاته لا يفارقها، وليس له دأب إلا المطالعة والكتابة، ويرى أن ذلك أهم ما عنده. وكانت له زوجة كبيرة القدر أيضًا من أرباب الدولة. فلما توفـّى، رحمه الله، نهضت هي وجواريها إلى خزائن كتبه، وفي قلبها الحقد على الكتب لأنه كان يشتغل بها عنها، فجعلت تندبه، وفي أثناء ذلك ترمي الكتب في بركة ماء كبيرة في وسط الدار، وجواريها يساعدنها! من كتاب "طبقات الأطباء" لابن الأصيبعة. |
كُـتُب وليّ العهـد
اختارني نصر الحاجب مؤدباً لوليّ عهد الخليفة المقتدر (وهو الراضي)، فرأيته ذكياً فطناً عاقلاً إلا أنه خالٍ من العلوم فحبّبت العلم إليه، واشتريت له من كتب الفقه والشعر واللغة والأخبار قطعةً حسنة. وقرأ علّي من كتب اللغة كتباً كثيرة منها "خلق الإنسان " للأصمعيّ. فمضى خَدَمٌ سمعوا ذلك إلى المقتدر وإلى والدته فقالوا لهما: إن الصولي يعلّمه أسماء الفرج والذّكر! فدعا المقتدر نصر الحاجب فعرّفه ذلك. ودعاني نصر - وكان من أحسن الناس عقلاً - فسألني عن ذلك، فعرّفته أن هذا من العلوم التي لا بد للفقهاء والقضاة منها، فقال: جئني بالكتاب. فجئته به. فأخذه وأدخله إلى المقتدر وعرّفه ما عرّفته. وإني لأذكر يوماً وهو يقرأ علّي شيئاً من شعر بشّار، وبين يديه كتب لغة وكتب أخبار، إذ جاء خدم من خدم جدّته السيدة، فأخذوا جميع ما بين يديه من الكتب، فجعلوه في منديل كبير كان معهم، وما كلّمونا بشيء، ومضوا. فرأيته قد وجم لذلك واغتاظ، فسكّنت منه وقلت له: ليس ينبغي أن يُنكر الأمير هذا، فإنه يقال لهم إن الأمير ينظر في كتب لا ينبغي أن ينظر في مثلها، فأحبوا أن يمتحنوا ذلك. وقد سرّني هذا ليروا كل جميل حسن. ومضت ساعات أو نحو ذلك، ثم ردّوا الكتب بحالها. فقال لهم الراضي: قولوا لمن أمركم بهذا: قد رأيتم هذه الكتب، وإنما هي حديث وفقه وشعر ولغة وأخبار وكتب العلماء، وليست من كتبكم التي تمترحونها مثل عجائب البحر وحديث سندباد والسنور والفأر! وخفت أن يؤدي الخادم قوله فيقال: من كان عنده؟ فيذكرني، فيلحقني من ذلك ما أكره. فقمت إلى الخدم فسألتهم ألا يعيدوا قوله، فقالوا: والله ما فهمناه، فكيف نعيده؟! من كتاب "الأوراق" للصولي. |
كتمـان المعـروف
أراد جعفر البرمكي يومًا حاجة كان طريقه إليها على باب الأصمعي. فدفع إلى خادم له كيسًا فيه ألف دينار، وقال له: سأنزل إلى الأصمعي، وسيحدّثني ويضحكني فإذا رأيتني قد ضحكت فضع الكيس بين يديه. فلما دخل رأى جَرَّة مكسورة العُروة، وقَصعةً مُشَعَّبة، ورآه على مُصَلّى بالٍ، وعليه بركان أجرد. فغمز جعفر غلامه بعينه ألا يضع الكيس بين يديه، ولا يدفع إليه شيئًا. فلم يدع الأصمعي شيئًا مما يُضحك الثكلان والغضبان إلا أورده عليه، فما تبسَّم جعفر. فقال له إنسان: ما أدري من أي أمرَيك أعجب: أمِن صبرك على الضحك وقد أورد عليك ما لا يُصبر على مثله، أم من تركك إعطاءه وقد كنتَ عزمتَ على إعطائه؟ قال جعفر: ويلك! إني واللّه لو علمتُ أنه يكتُم المعروف بالفعل لما احتفلتُ بنشره له باللسان. وأين يقع مديحُ اللسان من مديح آثار الغنى على الإنسان؟ فاللسان قد يكذب، والحالُ لا تكذِب. فلستُ بعائد إلى هذا بمعروفٍ أبداً. من كتاب "البخلاء" للجاحظ |
كـرم يزيد بـن المهلـّب
أجمع علماء التاريخ على أنه لم يكن في دولة بني أمية أكرم من بني المهلـّب ابن أبي صفرة، كما لم يكن في دولة بني العباس أكرم من البرامكة. ويُروَى عن يزيد بن المهلب أمير البصرة أنه طلب أثناء حجه حلاقـًا. فجاء فحلق رأسه. فأمر له يزيد بألف درهم. فتحيـّر الحلاق ودُهش، وقال: هذا الألف أمضي أشتري أمي من مالكها. فقال يزيد: أعطوه ألفـًا آخر. فقال: امرأتي طالق إن حلقتُ رأس أحد بعدك! فقال يزيد: أعطوه ألفين آخرين. وذكر الحافظ ابن عساكر أن يزيد بن المهلب لما هرب من الحجاج، اجتاز في طريقه بالشام على أبيات عرب. فقال يزيد لغلامه: اطلب لنا من هؤلاء لبنا. فأتاه بلبنٍ فشربه، ثم قال: أعطهم ألف درهم. فقال الغلام: إن هؤلاء لا يعرفونك. قال: لكني أعرف نفسي. أعطهم ألف درهم. فأعطاهم. من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلـّكان. |
كسرى أنو شـروان
كان كسرى أنو شروان أشهر ملوك الفرس وأعدلهم وأحسنهم سيرة، وأحبَّهم إلى قلوب الرعايا. وكان على عهده رجل حكيم يقول للناس: من يشتري ثلاث كلمات بألف دينار؟ فلم يأته منهم أحد. فلما سمع به كسرى أحضره وسأله عنها، فقال: ليس في الناس خير. قال كسرى: هذا صحيح، ثم ماذا؟ قال: ولكن لا بد للناس من الناس. قال: صدقت، ثم ماذا؟ فإن خالطْتَهُم فخالِطهُم على قدر ذلك. قال كسرى: أحسنت يا هذا! هَاكَ الألف دينار. قال الرجل: لا حاجة لي بها، وإنما أردتُ أن أعرف هل بقي في الدنيا من يشتري الحكمة بالمال. من كتاب "سرح العيون في شرح رسالة بن زيدون" لابن نُباتة المصري. كان كسرى أنو شروان أشهر ملوك الفرس وأعدلهم وأحسنهم سيرة، وأحبّهم إلى قلوب الرعايا. وكان يقول: "إن الملوك إذا دبّرت مُلكها بما تأخذه ظُلما من مال رعيتها، كانت كمن يعمر سطح بيته بما يهدمه من أساسه". ويحكى عن بعض رُسُل الملوك إليه، أنه لما وصل إلى قصر كسرى رأى في بنائه اعوجاجا. فلما سأل عن سببه قيل له: أترى هذا الكوخ عند نهاية القصر؟ قال: نعم. قالوا: إنه بيتٌ لعجوز فقيرة، سألها الملك بيعه ليضم أرضه إلى فناء قصره فامتنعتْ، فأرغبها في مال كثير فلم تفعل، فتركها وبنى القصر على ما هو عليه. فقال الرسول: هذا الاعوجاج إذن أحسن من الاستواء! من كتاب "سرح العيون في شرح رسالة ابن زيدون" لابن نُباتة المصري. |
كـُفـِّي عن وجهـك
كانت فاطمة بنت الحسين بن عليّ عند حسن بن الحسن بن عليّ فلما احتـُضر قال لبعض أهله: كأني بعبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان إذا سمع بموتي قد جاء يتهادى في ثوب له مورّد، فيقول: "جئت أشهد ابن عمي"، وليس يريد إلا النظر إلى فاطمة. فإذا جاء فلا يدخلنّ. فلما مات، جاء عبد الله بن عمرو في تلك الصفة التي وصفها. فمـُنع ساعة. فقال بعض القوم: لا يدخل، وقال بعضهم: افتحوا له فإن مثله لا يـُرَدّ. ففتحوا له ودخل. فلما صرنا إلى القبر قامت عليه فاطمة تبكي، وجعلت تصكّ وجهها بيديها حاسرة. فدعا عبد الله بن عمرو وصيفاً له. فقال: انطلق إلى هذه المرأة، وقل لها: يـُقرئك ابن عمك السلام، ويقول لك: كـُفـّي عن وجهك فإن لنا به حاجة. فلما بلـّغها الرسالة أرسلت يديها، فأدخلتهما في كـُمـَّيـْها. من كتاب "العقد الفريد" لابن عبد ربه |
كـلام من هـذا؟
حكى الأصمعيّ قال: كنت أقرأ "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا، نكالاً من الله، والله غفور رحيم"، وبجنبي أعرابي، فقال لي: كلام من هذا؟ فقلت: كلام الله. قال: أعدْ. فأعدتُ. فقال: ليس هذا كلام الله. فانتبهت، فقرأت: "والله عزيز حكيم". فقال: أصبت، هذا كلام الله. فقلت: أتقرأ القرآن؟ قال: لا. فقلت: من أين علمت؟ قال: يا هذا، عزّ فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لَمَا قطع! من كتاب "الكشكول" لبهاء الدين العاملي. |
كَـمْ عِنـدك؟
قال رجل لإبراهيم بن أدهم الزّاهد: يا أبا إسحاق، أُحِبُّ أن تقبل مني هذه الجُبَّة كُسْوَةً. قال إبراهيم: إن كنت غنياً قبِلتُها منك، وإن كنت فقيراً لم أقبلْها. قال: فإني غنيّ. قال: كم عندك؟ قال: ألفان. قال: فَيَسُرُّك أن تكون أربعة آلاف؟ قال: نعم. قال: أنت فقير، لا أقبلُها. من كتاب "عيون الأخبار" لابن قتيبة. |
الساعة الآن 12:55 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |