منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   من أسرار الأسماء فى القرآن (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=28624)

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:46 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
عـرفـات


المتدبّر لمناسك الحج يجد أنّها ترمز إلى أساسيّات الفكرة الدينيّة، بل وتلخّص المقاصد والأهداف لنزول الرسالات، فالطواف _كما وضّحنا سابقاً_ يرمز إلى ضرورة الانسجام مع قوانين الخلق والفطرة. أمّا السعي بين الصفا والمروة فهو يرمز إلى ضرورة الخوف والرجاء من أجل البناء الحضاري. وفي هذه الحلقة نقف قليلاً عند ركن الوقوف بعرفة، والذي هو الأهم في كل مناسك الحج، إلى درجة أن الحج يتلخّص في الوقوف بعرفة، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:" الحج عرفة" ومن لم يقف بعرفة فحجه باطل.

إذا أعلن كلُّ حاج بطوافه عن انسجامه في حركته وسلوكه مع حركة الكون من حوله، وبمعنى آخر أعلن عن استسلامه طوعاً كما استسلم الكون، وبمعنى ثالث أعلن عن رغبته في تحقيق جوهر الإسلام، نعم إذا تحقق هذا ثم قام بالإعلان عن خوفه وطمعه، رغبته ورهبته، عن طريق السّعي والتردد بين الصفا والمروة، إذا حصل هذا فقد آن لكل هؤلاء أن يقفوا في صعيد واحدٍ في عرفات. نعم لقد آن لهم أن يتعارفوا، وآن لهم أن يعترفوا لله الحق بالربوبيّة، وأن يعترفوا بالفقر إلى الله تعالى والتجائهم إليه. عندها يتعرّف إليهم الخالق بالمغفرة والرحمة.

يصح لغةً أن تكون (عرفات) جمع عرفة، فكل قطعة أرض يقف عليها حاج هي عرفة، وكل موقف لكل حاج عرفة، لذا فالموقف كله عرفات، وهو موقف تعارف، واعتراف، وتعرّف. وما يهمنا في هذه العجالة هو التعارف، ففي يوم عرفة تسقط الفوارق والحواجز، وتقف الأمم والشعوب أمام الحقيقة التي تذكّر بصلة الرحم:" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا…" إنّه صوت الدين الخالد يتواصل عبر العصور يَرُدُّ مسيرة البشرية إلى الطريق المستقيم، وما أكثر النزعات، والدعوات، والشهوات، التي تحاول أن تنحرف بالمسيرة البشريّة وتجهد في طمس حقيقة الأخوّة الإنسانية، وتبلغ البشاعة مبلغها عندما تلبس هذه الدعوات لباس الدين، كما هو في العنصريّة الصّهيونيّة، وليدة اليهوديّة المنحرفة.

لم ينزل الدين ليحقق القناعات الفكرية فقط، بل جاء ليجعل الفكرة عاملة وفاعلة في الواقع البشري، وتكتمل الصّورة عندما يتطابق الواقع المحسوس مع الفكرة، ويكون الانسجام بين النظرية والتطبيق، ويظهر ذلك جلياً في إجابة عائشة رضي الله عنها عندما سئلت عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت:" كان خلقه القرآن" وفي الوقت الذي يكون فيه الواقع هو الانعكاس الحقيقي للفكرة الإسلاميّة، وتعبيراً صادقاً عن صدقها وفاعليتها، عندها سيشهد الناس اكتمالين؛الاكتمال الأول يكون بتجلي يأس أعداء الحقيقة الدينيّة من إمكانية تطويق الدين، أو تطويعه، أو الوقوف حجر عثرة أمام مسيرته، ويكون ذلك بمشاهدتهم للواقع غير القابل للنقض والإفناء. أما الاكتمال الثاني فهو تحقق الحكمة من إرسال الرسالات، وتجلي الفكرة وتجسدها الكامل في أرض الواقع.

في التاسع من ذي الحجة، أي في يوم عرفة، في السنة العاشرة للهجرة، والناس جميعاً يقفون في عرفات، يشهدون الموقف، ويشهد لهم الموقف، نزل الوحي بالإعلان الآتي:"... اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون، اليوم أكملت لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً" ففي عرفة اكتملت المعرفة، واكتمل العمل، أمّا البداية فقد كانت في غار حراء والرسول عليه السلام في الغار وحده، وبعد سنين وسنين، وبعد أن بنيت الأمة لبنة لبنة، كان لا بدّ للبناء أن يكتمل في العلن، وفي ضوء الشمس، كيف لا وقد أخرجت الأمّة وتخرّجت؟! أمّا اليوم فإنّ كلّ الوقائع ترهص بالاكتمال، كما يرهص الهلال باكتمال البدر، مع يقيننا بأن التاريخ لن يعيد نفسه، ومع يقيننا بأنّ امّة الصحابة هي المثال البشري الأعلى، ولكن المؤشرات كلها تقول إنّ الغد بإذن الله خير من اليوم وقد يعجب البعض من هذا القول، كما عجب البعض من بشريات الرسول عليه السلام عند حصار الأحزاب للمدينة المنورة، ولكن من نظر إلى حصار الأحزاب باعتباره أوج الكيد الكُفري، أدرك أنّه امتحان التخريج لمن يستحق رحمة الله ورعايته، وهكذا كان...

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:46 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
فهل من مدّكر


جاء في سورة الصافات، عند الحديث عن هلاك قوم لوط :" وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِين، وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ"... معلوم أن المرور في وضح النهار أدعى إلى الاعتبار، ومعلوم أنّ المرور بالليل لا يسمح بالنظر والتأمل، فما السّر، في تخصيص الليل والصباح؟ واللافت للنظر أن الآية تختم بقوله تعالى :" أَفَلا تَعْقِلُونَ" ولم تختم :" أَفَلا تُبْصِرُونَ" لأنه لو استخدم العقل لتوصل الناس إلى أسرار هذا الإهلاك، وما فيه من آيات لأهل التفرّس، الباحثين عن سمات الأشياء وخصائصها:" إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ".

جاء في سورة الحجر في حق مدائن قوم لوط:" وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ" فهي إذن تقع في طريق ثابت لم يندرس، وهو طريق مطروق يعرفه العرب في زمن الرسالة، ومعلوم أن أكثر الروايات التاريخية تشير إلى سدوم والتي تقع في فلسطين، جنوب البحر الميت، ويبدو أنها كانت تقع في طرق القوافل المسافرة من الجزيرة العربية إلى بلاد الشام، والذي يزور تلك المنطقة يلاحظ تضاريس غريبة توحي بإمكانية حصول قلب كما جاء في القرآن الكريم: " فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا".

جاء في سورة القمر، في حق قوم لوط:" وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ.." إذن حصل إذهاب للأبصار، وهذا يجعلنا نفهم بشكل أفضل الوصية التي جاءت بها الملائكة:" فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ..." لأن الالتفات قد يذهب بالبصر، أمّا زوجة لوط فسوف تلتفت:" إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُم..." وقد كانت هذه الوصية مشددة، بحيث لا بد أن يسير لوط عليه السلام خلف أهل بيته حتى يطمئن إلى التزامهم :" فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَد.." وحتى لا يكون ذهابهم إلى الجهة غير الصحيحة جاء تتمة الآية :" وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ"، إذ يبدو أن العذاب كان يتعلق باشعاعات تذهب بالأبصار، ومن هنا لا يجوز الالتفات، ولا بد من اللجوء سريعاً وقبل طلوع الفجر خلف المناطق الجبلية، بحيث تصبح الجبال حاجزاً يمنع من وصول هذه الاشعاعات في حالة التفات البعض خطأ.

جاء في سورة هود:" إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْح" فالصبح هو موعد نزول العذاب بقوم لوط، أمّا عند شروق الشمس فيكون قلب المدينة ودفنها بمن فيها:" فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِين، فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا" يبدو أن من حِكَم هذا الدفن طمر تلك المواد المشعّة التي تشكل خطراً على الناس الذين يمرّون بالمنطقة، ويمكن التدليل على ذلك بقوله تعالى من سورة القمر :" وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ" فهو إذن عذاب له استقرارفي الأرض واستمرار، بل بقيت فيها العلامات الواضحة ذات الدلالات البينة:" وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ " فاستخدام العقل ومعطيات العلم يمكن أن يقودنا على ضوء الآيات القرآنية إلى التوصل إلى تلك التفاصيل التي جاءت بها الآيات القرآنية، ليكون ذلك إعجازاً تاريخيا.

من أراد أن يبحث عن تلك المواد المشعة المدفونة، عليه أن يقيس ذلك بالليل، أو في الصباح وقبل شروق الشمس، لأن الشروق يجعل أشعة الشمس تطغى على تلك الأشعة المحتملة الوجود، وقد يلزم الحذر بالليل والصباح، لأن فعالية ذلك الأمر المجهول كانت في الصباح قبل طلوع الشمس :" وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ " وفي الصباج وقبل طلوع الشمس تكون حدقة العين متسعة تسمح بدخول كمية أكبر من الأشعة. واللافت للنظر أن القرآن الكريم نص على أن قوم لوط قد أمطروا بحجارة من طين، ثم نص على أن هذه الحجارة هي من سجيل، وأنّ هذا السّجيل منضود، ثم إنّ هذه الحجارة معالجة لأمثال أولئك الذين أسرفوا في المعاصي.

ذهب الكثير من المفسرين إلى أنّ سجيل تعني الطين المتحجّر، وجعلوا ذلك من تفسير القرآن بالقرآن، والذي نراه أن هذا قد يكون غير صحيح، لأن كل آية تلقي ضوءاً على معنى جديد، وبما أن من معاني السّجل في اللغة العربية الإرسال، وكذلك العطاء، بل إن بعض أهل الاختصاص قالوا إنه مثل الشيء الرَّسِل، أو مثل العطية في الإدرار، فلا يبعد أن الكلام هنا عن مواد صلبة ذات إشعاع مستمر مسترسل، وذات إدرار لا يتوقف. وهذه المواد الصلبة المشعة قد تكون مغلفة بطين عند سقوطها من السماء، ثم هي مكونة وفق نظام يحقق فعاليتها بدليل قوله تعالى :" سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ " ثم هي معالجة لتحقق الأهداف :" مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ".

جاء في سورة الأعراف:" فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ" تكررت كلمة (الغابرين) في القرآن الكريم سبع مرّات وعند الحديث عن امرأة لوط التي هلكت مع من هلك. وغبر من الأضداء فهي تعني ذهب، وتعني بقي، وهي هنا بمعنى بقي، ويمكن أن يشير هذا إلى حقيقة بقاء قوم لوط في صيغة مستحثّات في باطن الأرض. نعم إنها إشارات نرى أنها تستفز أهل الاختصاص من أصحاب العقول، وقد يحسن أن نختم بما ختمت به قصة قوم لوط في سورة القمر :" وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ؟"

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:47 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
لأَقتُلنّك


جاء في سورة المائدة:" وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ " لم يبق الأمر في حدود التهديد بل وصل الأمر بابن آدم الأول أن يقتل أخاه، لأنّ الله اختاره عليه وتقبّل منه !! ومن قبل هذا الحادث وجدنا إبليس يعصي أمر ربّه، فقد عَظُم عنده أن يختار الله آدم ونسله للخلافة، فالسجود لآدم يعني الاعتراف والاقرار والقبول بتأخر عالم الجن لصالح تقدم البشر ممثلين بآدم عليه السّلام، وقد كشفت هذه الحادثة عن مرض الكبر المتمكن من نفس إبليس، ومعلوم أنّ إبليس لا ينفرد بهذه النقيصة، بل إن الكبر هو الدافع الأقوى في صد الناس عن طريق الحق والحقيقة.

اختار الله تعالى إبراهيم عليه السلام واصطفاه، ثم اصطفى من نسله إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، واصطفى من نسل إسحاق يعقوب عليه السلام الذي انتظر بلهفة أن يصطفي الله من نسله أحد أبنائه، إلى أن جاءه يوسف عليه السلام يقول :" إِذْ قَالَ يُوسُفُ لَأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ " فأدرك يعقوب عليه السلام أنّ الله تعالى قد اختار يوسف على سائر إخوته، فحرص على كتمان الأمر لما قد يؤدي ذلك من حسد وتباغض فقال :" قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ " نعم فاختيار يوسف الصغير على باقي إخوته مظنّة الحسد لدى بعضهم، وعلى وجه الخصوص الكبار منهم، والذين يتوقّعون أن يختار الله تعالى أحدهم، ولا ننسى أن الروايات تذكر أنّ يوسف عليه السلام كان أخاهم لأبيهم، أمّا هم فأشقّاء.

انتظر اليهود طويلاً بعد موسى عليه السلام آملين أن تكون الرسالة الخاتمة فيهم، وأن يكون الرسول الخاتم منهم. فلمّا بُعث عليه السلام في العرب، دفعهم الحسد والكبر إلى الصدّ والتكذيب، بل إن الاعتقاد اليهودي بعقيدة الشعب المختار دفعهم إلى أن يكونوا الأشد عداوة للرسالة الإسلامية، وهم في ذلك يشبهون إبليس في موقفه من آدم عليه السلام، وعداوته للبشر. ويبقى الكبر هو الدافع الرئيس لكبار المعاندين، وأكابر المجرمين، أمّا أصحاب النفوس الزكية من أهل التواضع فيعجبون من مواقف أهل الكبر، ويقفون حائرين، لا تطيق أفهامُهم مسلك أهل الحسد.

واليوم يعجب المسلمون من الموقف الغربي من الإسلام، فقد خدعوا طويلاً بشعارات الحرية والمساواة، وحقوق الإنسان، ثم هم اليوم يقفون أمام الحقيقة، فحرية الاعتقاد يقصد بهاحرية الإلحاد، فهم يفضلونك علمانياً أو حتى ماركسياً أمّا أن تكون مسلماً فهذا غاية الاستفزاز، لماذا ؟! نقول : لقد بات معروفاً أن علاقة المسلم بدينه تميّزه عن سائر الناس، فنظرته للدين تختلف، ودرجة تصديقه تختلف، ويقينه يختلف، بل بلغ هذا اليقين درجة جعلته يعتقد جازماً أن لا حقيقة غير الإسلام، فهو الذي يُتَّهم بأنّه يدّعي ملكية الحقيقة، وهذا لأن سلوكه تجاه دينه، وتجاه الآخرين يصرّح بذلك، وهو لا يتصور وجود أكثر من دين حق. وهو الوحيد الذي لا يهمه إن وصفته الأديان الأخرى بأنّه كافر، فهو لا يأبه بذلك، لأنه لا يشك لحظة أنّه على الحق، وهو الذي يطلب منه الآخرون أن لا يصفهم بالكفار، لأنه يستفزهم بهذا الوصف. وهو الذي يحاوره الآخرون من أجل أن يؤخذ منه التصريح والاعتراف بالأديان الأخرى، وهو الذي يرى أن الإيمان يكون بالعقل والقلب، ومن هنا لا بد من الدليل. إنّه الوحيد الذي يعتقد جازماً بوراثته للدين الحق، وبأحقيّته بالقيادة الدينية للبشرية.

بعد كل ما قلناه وهو قليل، كيف يمكن للغربي أن لا يستفزّ من الإسلام ومن الصحوة الإسلامية، فالغرب يرى نفسه الأول في هذا العالم، بل هو الملهم للبشرية، بل هو الوصي على الإنسانية، وهو يشمخ عندما يرى الناس تتهافت على صناعته، وتتلقف انتاجه، وعندما يصل الأمر إلى عقيدته وثقافته تستفزه نظرة المسلم الفوقية التي تشعره بتهافت هذه العقيدة وسخافتها. إنّه الدافع الذي دفع ابن آدم الأول أن يقول لأخيه :"لأقتُلنّك".

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:47 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
ما أريكم إلا ما أرى


إذا ذكر الطغيان والجبروت تبادر إلى ذهن المسلم فرعون، والذي بلغ من الطغيان مبلغاً جعله يجهر بصراحة : " أنا ربكم الأعلى "، مما يشير إلى أن الأجواء الاجتماعية من حوله تسمح بذلك، وقد يستند في ادعائه هذا إلى عقيدة القوم وفلسفتهم ونظرتهم إلى الملوك أصحاب الدّماء الزرقاء، والمتدبر لبعض آيات سورة غافر يلحظ أن النظام الاجتماعي الذي يجعل من الفرعون رباً يحدد أيضاً سلطان هذا الرب فهو يقول : " ذروني أقتل موسى.."، ويدهشك الحوار الوارد من الآية الثامنة والعشرين إلى الآية الخامسة والأربعين، فتعجب من الرجل الفرعوني الذي يكتم إيمانه كيف استطاع أن يجهر بما جهر به في مواجهة فرعون وآله وحاشيته، مما يدل على أن القيم والأعراف السائدة كانت تحد من سلطة الفرعون، بحيث لم يكن باستطاعته أن يستخدم قوته إلا بعد أن يشيع أجواء القناعة بين الجمهور، وهو ما يظهر واضحاً في أكثر من موقف صوّره القرآن الكريم في أكثر من سورة .

يقوم فرعون في حواره باستغلال مكانته عند قومه وحاشيته، ويحاول أن يحسم الموقف بقوله :" ما أريكم إلا ما أرى .."، وهذا يعني أنه لا يشير عليهم، ولا يطلب منهم اعتقاد إلا ما يزعم أنه يؤمن به ويراه هو صحيحا، وهذا يدل على أن نظرتهم إليه هي نظرة إجلال وتعظيم تفرضه عليهم معتقداتهم الدينية، والتي هي قناعات، ومن هنا شكّل فرعون حاجزاً قوياً أمام دعوة موسى عليه السلام، على الرغم من كل المعجزات البينات التي أيد الله بها نبيه الكريم.

وما نحب أن نلفت إليه الانتباه في هذه العجالة، هو تأكيد فرعون بأن الخيار الذي يدعوهم إليه إنما هو خياره القائم على القناعة، والذي ارتضاه لنفسه، من أجل أن يتقبلوه باطمئنان، ثم أضاف مؤكداً :" وما أهديكم إلا سبيل الرشاد".

واليوم، وبعد آلاف السنين من هذه الحادثة، نجد أن العالم الغربي، وعلى وجه الخصوص أمريكا، يفتخر ويتبجح بما حقق من إنجازات في مجال حقوق الإنسان، وعلى مستوى الحريات وعلى رأسها حرية الرأي، حتى باتت الغالبية العظمى من الجماهير تساق بأساليب هي أكثر تحضراً من الأساليب القديمة، وأصبحت العبودية أيضاً قناعات للمستعبدين، فالذين يعرفون أمريكا يدركون أن الإعلام الموجه من قبل رؤوس الأموال هو الذي يصنع الرأي العام، وهو الذي يخلق القناعات، فإذا أراد الحاكم أن يشن حرباً فإنه يهيئ لها أسبابها الإعلامية، وإذا أراد الحاكم أن يقيد الحريات فما عليه إلا أن يوجد الأجواء التي تساعده على ذلك، وإذن فالديمقراطية التي يتشدقون بها ليست أكثر من خدعة يمارسها الكبار ضد الصغار، وليتهم يصنعون الرأي الذي يوافق قناعاتهم، بل إنهم يخلقون في شعوبهم الرؤى التي تساعدهم في تحقيق مصالحهم الذاتية، بعيداً عن مصلحة الإنسان، وبعيداً عن كل عقيدة سوية وبعيداً عن كل قيمة نبيلة.

كيف استطاع هؤلاء الطغاة أن يفعلوا ذلك بشعوبهم ؟!

لقد تعددت الإجابات عن هذا التساؤل، لكن ما نحب أن نبرزه هنا أنهم عندما نجحوا في تحويل المجتمع إلى ذرات لا يربطها رابط ، وأصبح الإنسان عبد مصلحته الذاتية، وأصبح عبد شهوته، فإنه لم يعد يستطيع أن يكون صاحب رسالة أخلاقية، ولا أن يملك في نفسه المسوغ للتضحية، لذا فإن ما يسمى اليوم بعصر العولمة ليس إلا محاولة لتحويل باقي المجتمعات البشرية إلى ذرات يسهل السيطرة عليها، بعد تقطيع الروابط الجامعة التي تخلق في الأفراد والمجتمعات قوة التماسك وعلى وجه الخصوص في عالم القيم والأهداف. فهل ينجح فراعنة هذا العصر في إلغاء إنسانية الإنسان وقيمه ؟ الذي نراه أن هذا غير ممكن مع وجود الأمة الإسلامية التي جعلها الله تعالى شاهدة على البشرية، لتكون العاصمة للناس إلى يوم القيامة.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:47 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
مع نوح
عليه السلام

نزلت سورة الإسراء قبل الهجرة بسنة، وجاءت الآية الأولى من السورة لتتحدث عن حادثة الإسراء بالرسول صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، ويدهشك أن الآيات التي تلي تتحدث في بعدٍ غيبي يتعلق بمسألة ستأتي بعد قرون ألا وهي القضية الفلسطينية، وهذا يشير إلى أن الصراع سيشكل حدثا في غاية الأهمية بالنسبة للبشرية، ولا ننسى أن فلسطين هي الأرض التي بارك الله فيها للعالمين كما جاء في سورة الأنبياء. وقد جاء في الآية الثالثة من السورة "ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا" وإذا عرفنا أن كل من حمل مع نوح كان مؤمناً، فلماذا كانت "ذرية من حملنا…" ولم تكن "ذرية من آمن مع نوح"؟

يمكن للمفسر أن يذهب في ذلك مذاهب شتى، ويبقى كلام الله فوق كلام كل حكيم، ولكننا هنا ندلي برأي له ارتباط بواقع الناس المعاصر. فنوح عليه السلام بنى السفينة بأمر الله ووحيه كما جاء في سورة هود: "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا" ويبدو أن المكان الذي صنعت فيه السفينة كان بعيدا عن البحر، ويبدو أن كل ما يحيط بالمكان يجعل بناء نوح عليه السلام للسفينة أمراً مستغرباً داعياً للاستهزاء، جاء في سورة هود: "ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه" وهذا أمر مفهوم، لأنهم لا يملكون البعد الغيبي ليبصروا الحكمة من بناء السفينة، وكيف لهم ذلك وعقيدتهم الوثنية ترهن عقولهم للواقع المحسوس.

واليوم نجد أن الأحداث في العالم تتسارع، كما ونجد غبار العواصف التي تحيط بالناس تجعل الكثيرين في حالة من الحيرة، وقد يصل البعض إلى حالة اليأس والإحباط، خاصة أولئك الذين لا يملكون البعد الغيبي الذي تنـزلت به الرسالات السماوية، وعلى وجه الخصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. فالعقيدة المادية تأسر صاحبها في سجن عالم الشهادة الآني، ومن هنا تأتي الأحكام مطابقة للواقع المحسوس أو مقاربة له.

عندما أسقطت أمريكا في الخمسينات من القرن العشرين حكم مصدق في إيران وأعادت الشاه، ألم يكن ذلك نجاحاً ظاهراً في حينه؟ لكن العام 1979م وما بعده جاء ليثبت قصور عباقرة السياسة الأمريكية، فكيف لهم أن يدركوا أبعاد مكرهم؟ ونهاياته ومآلاته؟ نعم يستطيع لاعب الكرة الماهر أن يقذف بالكرة إلى الهدف، ولكنه يفقد السيطرة عليها بمجرد قذفها، ثم هو لا يستطيع أن يتحكم بمسارها ليعلم مكان وهيئة استقرارها. وهكذا نحن البشر، فقد يكون لنا السيطرة على أفعالنا الآنية، لنحدث النتائج الفورية المرجوة، أما تفاعلات الأفعال ومآلاتها على المدى البعيد، فكلما طال الزمان فقدنا السيطرة والتحكم، فتكون مفاجآت عالم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.

سورة الإسراء هي من السور الثرية بمعالجات البعد الغيبي المتعلق بأمة الإسلام والرسالة الإسلامية، وعلى وجه الخصوص عندما نضيف إليها السورة التي تليها، سورة الكهف. وما أحوج الناس اليوم إلى تدبر هذه السورة، ونحن نعيش ذكرى الإسراء الجليلة، وفي مثل الأجواء التي تحيط بنا، والعواصف التي تعصف بالكثير من حقائق الواقع التي كانت تبدو راسخة الثبات. ويبقى الوحي الكريم هو الوحيد الذي يلامس القلوب المؤمنة، فيزيل ما بها من شوائب الشك والحيرة والتردد، وما أجمل أن تتعلق القلوب بالأمل الذي مصدره اليقين، "كتب الله لأغلبن أنا ورسلي…..".

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:48 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
وإذ تأذّن ربك


لم ترد لفظة تأذّن في القرآن الكريم إلا في الآية (167) من سورة الأعراف، وفي الآية (7) من سورة إبراهيم. واللافت للانتباه أنّ المخاطب في الآيتين هم اليهود. أمّا الآية من سورة إبراهيم، فقد جاء على لسان موسى عليه السّلام مخاطباً قومه : ( وإذ تأذّن ربّكم لئن شكرتم لأزيدنّكم، ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ) والتأذن فيه معنى الإعلام، ثم هو إعلان مشفوع بالقسم على لسان موسى عليه السّلام أنهم إذا شكروا النعمة، ووضعوها في مواضعها، ليزيدنهم الله من فضله. وهذا يعني أنّه إذا تحقق الشكر فستكون الزيادة حتميّة. ومن لطائف هذه الآية أنّ الله تعالى أقسم بأن الزيادة ستكون بعد حصول الشكر، أمّا في حالة كفرهم فلم يقسم سبحانه على أن العذاب لابد واقع : ( ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد ).

أمّا الآية الثانية من سورة الأعراف فهي : ( وإذ تأذّن ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب …) هذا الإعلام والإعلان الثاني يخص اليهود، وهذا واضح من سياق الآيات، فقد أعلن الله تعالى على لسان رسله إعلاناً مشفوعاً بالقسم، ليبعثّن على اليهود إلى يوم القيامة، من ينزل بهم أشدّ العذاب. واضح أنّ هذا الحكم النهائي قد جاء بعد أن مُدّ لهم حبل العفو والمغفرة، وجاء بعد أن أنعم الله عليهم بما لم ينعم بمثله على غيرهم. ويستفاد من هذه الآية أمور :

1) أن إرسال من يسوم اليهود أشدّ العذاب هو قانون يسري إلى يوم القيامة، ويتجدد بتجدد الزمن، في أوقات مختلفة.

2) قد يُنَفّس عن اليهود فترات من الزمن، ولكن تكرار العقوبة كائن على صورة حتميّة. انظر إلى اللام ونون التوكيد الثقيلة في كلمة (ليبعثنّ ).

3) العذاب الشديد الذي ينزل باليهود سيكون المقابل المكافئ لأعمالهم ومفاسدهم، لأنّ كلمة (يسومونهم) من السّوم، وهو تقدير العوض المقابل للشيء، وفيها إيحاءات التفاوت في شدة العقوبة، والتفاوت في الزمن.

4) سيبقى أناس إلى يوم القيامة يدينون باليهوديّة المحرّفة، وسيكون تأثير هذه العقيدة عليهم سلبيا، إلى درجة أنهم " يسعون في الأرض فساداً " ، ولدرجة أن ينزل في حقهم وحي يحذر الناس من شرّهم قبل حصوله بآلاف السنين، وهذا يشير إلى عظيم خطرهم على عقائد الناس، ومبادئهم، وقيمهم.

5) لقد تمّ إعلام اليهود وتحذيرهم، ومن أجل ترغيبهم في الخير تمّ إعلامهم إعلاماً مؤكداً بأن ثواب شكرهم سيكون معجلاً لهم في الدنيا قبل الآخرة، فلا يظن ظان أنهم قد فطروا على الشر، ولكنهم إفراز عقيدة زائغة، وحقيقة محرّفةٍ مشوّهة.

والآن، هل اختلف يهود اليوم عن يهود الأمس ؟! هل استفاد اليهود من أخطاء الماضي ؟! المراقب يجد أن التاريخ يعيد نفسه، فهم اليوم يخطّون بجرائمهم لوائح محكمتهم التي ستكون عادلة. سيقع اليهود في الأخطاء، وسيخوضون في الدّماء، وسيعميهم الكبر وتُضلّهم الغطرسة، ومن لا يصدّق فلينظر إلى مكرهم في أمريكا، والذي أصبح لافتاً لانتباه الكثيرين، بل إنّ محاولتهم لحكم أقوى دولة في العالم سيجعلهم في الضوء، في الوقت الذي ساعدهم الظلام على التسلل إلى مواقع التأثير. ويبدو أن صراعهم على القمّة سيغيّر قواعد اللعبة، واللهُ غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:48 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
وكيف تصبر؟!


مركز نون للدراسات القرآنية

هل يضير الرسول أن يكون تابعاً في طلب العلم؟! هذا موسى عليه السلام يسعى إلى العبد الصالح يطلب عنده المعرفة :" ... هل أتبعك على أن تعلمن مما عُلمت رشداً " ولكن العبد الصالح يعلم أن ما لديه من علم ربّاني تقصر عنه الحكمة البشرية، فيقول لموسى عليه السلام:" ... إنّك لن تستطيع معي صبراً، وكيف تصبر على ما لم تُحط به خبراً " إذن ليس من السّهل أن يصبر موسى عليه السلام، لأنّه لن يدرك مرامي أفعال العبد الصالح، بل إنّ صبره عندها سيكون عجيباً:" وكيف تصبر ؟!" وهذا ما حصل فعلاً، فقد بادر عليه السلام بالاعتراض، وتكرر منه ذلك حتى بعد أن تمّ تذكيرهُ:" ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً" .

ليس من السهل إذن أن يصبر الإنسان حتى يدرك الحكمة، ويكون كمال الصبر عندما يتحقق كمال الإحاطة، والذي لن يكون في عالم القصور البشري. من هنا يكون النجاج للعقائد والأفكار التي تقدّم المعرفة والبرهان، ويكون النجاح للمربي الذي يغرس في العقول والقلوب القناعات الأقرب إلى الحقيقة، ويكون النجاح للقائد الذي نؤمن به قائداً في عالم الفكرة، فيُخلص له النّاس بمقدار ما يخلص هو للحقيقة.

هذا إبراهيم عليه السلام يدعو ربه:" ربّ أرني كيف تحيي الموتى، قال أولم تؤمن ؟! قال بلى ولكن ليطمئن قلبي " وهذا موسى عليه السلام يرجو ربه :" ربّ أرني أنظر إليك " ولكن أنّى لبشر أن يطيق ذلك في قانون الدنيا. ومن هنا لا بد من تقريب هذه الحقيقة إلى موسى عليه السّلام ليقتنع ويطمئن قلبه:" قال لن تراني، ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني " ، فالاستسلام الحقيقي هو استسلام العارفين، والانقياد الجوهري هو انقياد المقتنعين، ولا فلاح لمنهج ولا فكرة لا تقيم بناءها على أساس من المعرفة والاقتناع. ونحن هنا نهدف إلى لفت الانتباه إلى حاجة الناس إلى البرهان، وحاجتهم إلى معرفة الحكمة من وراء التشريع، حتى في الشعائر التعبديّة، أمّا قول العلماء إنّ العبادات لا تعلل فإنها قضية أخرى لا علاقة لها بالحكمة. وحتى عندما يعجز العقل البشري عن إدراك الحكمة فإنّه بالإمكان تقديم الدليل على هذا العجز، وعندها تتحقق القناعة المطلوبة، كما حصل عندما طلب موسى عليه السلام أن يرى الله تعالى .

حتى أولئك الذين يستسلمون بمجرد التحقق من الدليل الشرعي المستند إلى القرآن الكريم والسنّة المشرّفة نجد استسلامهم يقوم على أساس من القناعة التي نسميها إيمانا، ولكن هذا الاستسلام تشوبه شوائب الحيرة والتساؤل عندما يتعارض ظاهر الأمر مع أساسيّات الدين كما حصل في قصة موسى والعبد الصالح، لذلك لم يصبر موسى عليه السّلام واستنكر قتل الصبي، وخرق السفينة، لتناقض ظاهر هذه الأفعال مع الصلاح الذي أمر به الدين. إنّ ما فعله العبد الصالح كان بوحي رباني لذلك قال:" وما فعلته عن أمري" ، ولا ننسى أنّ اتباع موسى عليه السلام للعبد الصالح ابتداءً كان بوحي ربّاني .

إذا كنا بحاجة إلى استجلاء الحكمة من وراء النص الديني، وإذا كان استسلامنا لله الخالق لا يعني استسلامنا لكل ظواهر النصوص، وإذا كانت الملائكة قد تساءلت:" أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" فماذا نقول في أولئك الذين يجعلون من الشعوب أغناماً تُقادُ، وماذا نقول في الديكتاتوريات التي ابتليت بها الأمّة، فكانت صوراً مكررة لفرعون عندما قال :" ما أريكم إلا ما أرى؟؟ " وهل يُتوقع بعد ذلك أن تنقاد لهم الأمّة وفيها بقيّة من صلاح ؟!.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:49 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
ولكنكم تستعجلون


يتطلع الناس بشغف لمعرفة حقيقة ما يجري في الأرض المباركة، ولا شك أن الاحاطة بالواقع ومعرفة الابعاد يساعد الناس كثيراً على الصبر والصمود. انظر إلى قوله تعالى في سورة الكهف : " وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً " . وقد تيسّر للناس في هذه الأيّام أن يستمعوا إلى وجهات نظر كثيرة، وعلى وجه الخصوص عبر القنوات الفضائية العربية. وقد لا تكون الحقيقة فيما يُعلن. وقد لا يكون من المناسب هنا أن نطرح وجهة نظر تزعم أنها أقرب إلى الصواب. لذا أرى أن الناس يحتاجون الآن إلى أن يتبصّروا الأمور على ضوء نور القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. نعم هم يحتاجون إلى علم فوق علم البشر، وإلى نور ليس فيه ظلمة. هم بحاجة اليوم إلى البعد الغيبي بالإضافة إلى بُعد عالم الشهادة.

يقول الله تعالى في سورة الأعراف : " سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق، وإن يروا كلّ آية لا يؤمنوا بها، وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا، ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين " . جاءت هذه الآية في سياق الحديث عن بني إسرائيل، وواضح أنها تتحدث عن قانون لله لا يتخلف في عالم الاجتماع البشري، فقد شاء الله الحق أن يصرف المتكبرين عن الإيمان بآياته، أو التأثر بها، أو التفاعل معها. ويرجع ذلك إلى صفة (الكِبر) والتي تعني الاستعلاء على عباد الله وإستذلالهم، والتي تعني أيضاً رفض الخضوع للحق، وهي صفة تجعل المتكبر ينظر إلى الناس بازدراء واحتقار، وواضح أنّ هذه الصفة تتجلى اليوم في اليهود، بل لا نجدها في شعب أخر غيرهم على وجه البسيطة. ويرجع ذلك إلى أسباب منها، تربيتهم على أساس من مبادئ العهد القديم. تصرح الآية الكريمة أنّ الكبر يؤدي إلى الانصراف عن الإيمان، وعن الاعتبار، مهما تجلت الآيات والبراهين، كما وتصرّح بأن الكبر يؤدي إلى انحراف الفطرة بحيث تصبح النفس كارهة للسير في طريق الحق (سبيل الرشد )، ولا يكون ذلك عن جهل أو خطأ، بل عن هوى نتج عن انحراف الفطرة، ونتج عن ممارسات المتكبّر وتكذيبه للحق واحتقاره للناس. ويبلغ الانحراف مداه عندما نرى المتكبر يدرك أن سبيله هو سبيل الغي، وعلى الرغم من ذلك يتخذه سبيلاً له، يلازمه ولا ينفك عنه. من هنا قد يحار كثير من أهل الفهم في تصرفات الإسرائيليين، والتي تتناقض مع مصالحهم المستقبليّة، و تتناقض مع احتمالات قبولهم في المحيط العربي والإسلامي، بل وتشكل خطراً عليهم في مستقبلهم غير القريب، نظراً للتحولات الحتميّة التي لا بد أن تقلب الموازين في المنطقة، بل في العالم كله، وهذا قانون من قوانين التاريخ والاجتماعي البشري.

إن من يتدبر الآية السالفة الذكر، يدرك أن انحراف فطرتهم الناتجة عن الكبر، واحتقارالحق، وتكذيب الرسالات، والغفلة عن قانون الله في خلقه، هو الذي يدفعهم إلى طريق الغي ، الذي سلكوه مرّات عديدة عبر تاريخهم الحافل بالمذابح. نعم من يقرأ تاريخ هؤلاء يجد أنهم عاجزون عن فهم حقائق التاريخ، وفي كلّ مرّة يدفعون الثمن غاليا. كيف لا ورب العالمين يقول في كتابه العزيز: " وإذ تأذّن ربك ليبعثنّ عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب.." أمّا نحن فلا ينقصنا الفهم، ولا ينقصنا الإيمان بحقنا، ولا تنقصنا الموارد والثروات، ولا تنقصنا الجرأة والشجاعة، ولا أسباب القوة والاتحاد. وإنما ينقصنا الإرادة الجازمة في التغيير الحقيقي والجوهري، تغيير كل ما نراه سلبياً وضارا. ومن يدرس ويراقب واقع المجتمعات العربية والإسلامية بعيداً عن روح الإحباط يلاحظ أن التغيير قادم، مع إدراكنا أننا ندفع ثمن كل تردد وتأخير. وما إسرائيل إلا عارض من عوارض مرض الإرادة لدينا. وفي الوقت الذي يزول فيه المرض يزول العارض، ولكنكم تستعجلون.

أرب جمـال 27 - 11 - 2012 12:51 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
يأجوج ومأجوج


يقول تعالى في سورة الحجرات :"وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا " وهذا يعني أن انقسام البشر إلى قبائل وشعوب وأمم هو أمر صحّي وإيجابي، بغض النظر عن العوارض السلبية لهذا الانقسام. والذي يهمنا هنا الإشارة إلى ماضي البشرية الذي ساعد على تشكّل الشعوب والأمم، إلى درجة أن نجد اليوم الأسود والأبيض، والأصفر وغيره، بحيث يسهل التمييز، لاختلاف الأشكال والألوان والصور واللغات، ويبدو أن الانعدام النسبي لوسائل الاتصال في القديم ساعد على عزل الناس بعضها عن بعض، وبالتالي ساعد على تشكّل الخواص المميزة للأمم والشعوب. وهذا يعني أننا نسير اليوم في الاتجاه المعاكس، نظراً لتطور وسائل الاتصال، وسقوط الحواجز بين البشر.

في خواتيم سورة الكهف يتحدث القرآن الكريم حول قصة ذي القرنين، الحاكم القوي التقي العادل، الذي يجوب الأرض حاملاً رسالة الخير إلى الناس، فهو على خلاف ما عهدته البشرية من حكم الجبابرة والمتسلطين. ويجدر لفت الانتباه هنا إلى أننا لا نقصد بذي القرنين الإسكندر المقدوني، بل هو عبد صالح تضاربت الأقوال في اسمه وزمنه، ويرجّح البعض أنه كورش الفارسي. وما يهمنا هنا أن نلفت الانتباه إلى ما قام به من بناء عظيم يفصل بين أُمّتين، ويكون بذلك قد ساعد الأمّة الضعيفة على النمو بعيداً عن إفساد أمّة يأجوج وأمّة مأجوج، وهو بهذا العمل يكون قد ساعد عن طريق العزل على تشكل وتبلور شخصية أكثر من أمّة. واعتبر هذا في حينه رحمة، جاء في سورة الكهف :"قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي " ولكن مشيئة الله وحكمته أن لا يدوم هذا العزل :" فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقّاً " .

عندما يأتي وعد الله باندكاك السد الحاجز تترك الأمم ليختلط بعضها في بعض، ولكن بعد أن يكون لكل أمّة شخصيتها المتميزة، فالتنوع في الأمم هو من أسرار التحضّر البشري، وهو من أسس اللقاء بين الناس. جاء في سورة الكهف :"وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ …." أي يترك الناس في زمن معين ليختلط بعضهم في بعض في صيغة موجات، أي يتمّ التداخل لأكثر من سبب، مع احتفاظ كل أمّة بأسس شخصيتها التي تميّزها عن غيرها.

في البداية كان الناس أمّة واحدة، ثم كان الانفصال والانعزال والاختلاف، فتبلورت شخصيات الأمم، ثم عاد الناس إلى الاختلاط والتعارف، وسقطت الحواجز، ويبدو أن هذا الاتجاه سيستمر إلى يوم القيامة. جاء في سورة الكهف " وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعاً " فالمقصود هنا مجموع البشر. وعلى ضوء ذلك يمكن تلخيص تاريخ البشرية في مراحل ثلاث :

أ?. مرحلة الأمّة الواحدة، وهذا في فجر البشرية.

ب?. مرحلة الاختلاف والتفرق والانعزال وتبلور شخصيات الأمم.

ج. مرحلة العالميّة، والتي تعني سقوط الحواجز، والتقاء الأمم، وتستمر هذه المرحلة على ما يبدو إلى بدايات مرحلة التمهيد لعالم الآخرة .

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"وكان كل رسول يبعث إلى قومه خاصّة، وبعثتُ إلى الناس عامّة "فالمرحلة الأولى والثانية تقتضيان أن يكون لكل أمّة رسول، أمّا المرحلة الثالثة فاقتضت أن تكون الرسالة العامّة ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، والتي تستمر إلى قبيل نهاية التاريخ البشري على الأرض، والتي من علاماتها الكبرى انفتاح شرور يأجوج ومأجوج، في صورة زحف يتجه من الشرق إلى الغرب حتى يصل فلسطين الأرض المقدسة، التي شاء الله تعالى أن تتطهر مما يلابسها من دنس وشر، فلا يُعمَّر فيها ظالم. وهذا يعني أنّ الأمم التي تبلورت قديماً ستبقى متميزة، على الرغم من اتجاه البشرية نحو العولمة، فاختلاط الناس إلى يوم القيامة لن يذهب بالأسس المميزة لشخصيّات الأمم العريقة. والتميّز والتنوّع هذا هو من أهم أسس التحضّر البشري، ولكنه سينعكس في النهاية سلبا، وذلك في الوقت الذي تنتهي فيه وظيفة الإنسان على الأرض.

shreeata 27 - 11 - 2012 01:05 AM

رد: من أسرار الأسماء فى القرآن
 
مشكورةعزيزتي ارب
اكيد لازم نقرا كل يوم شي مما ادرجت
سلمت الايادي
تحيات لك على الروعة


الساعة الآن 12:23 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى