منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   لغتنا العربية (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=104)
-   -   تابع معنا كتاب مجمع الأمثال (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=4589)

B-happy 3 - 3 - 2010 10:02 PM


*2* http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif الباب الثالث عشر فيما أوله شين
1914- شَتَّى يَؤُوبُ الَحْلَبَةُ‏.‏
وذلك أنهم يُورِدُون إبلَهم وهم مجتمعون فإذا صَدَرُوا تَفَرَّقوا، واشتغل كلُّ واحدٍ منهم بحلب ناقته، ثم يؤوب الأول فالأول‏.‏
يضرب في اختلاف الناس وتفرقهم في الأخلاق‏.‏
وشَتَّى‏:‏ في موضع الحال، أي يَؤُوب الحلَبة متفرقين، وشَتَّى‏:‏ فَعْلَى من شَتَّ يشت إذا تفرق‏.‏
1915- شَغَلَتْ شِعاَبِي جَدْوَاى‏.‏
ويروى‏"‏سَعَاتِي‏"‏وهو اسم من سَعَى يَسْعَى، والْجَدْوَى‏:‏ العَطَاء، أي شغلَتْني النفقةُ على عيالي عن الإفضال على غيري‏.‏
قال المنذري‏:‏ سَعَاتي تصحيف وقع في كثير من النسخ‏.‏
1916- شَاكِهْ أباَ يَسَارٍ‏.‏
المُشَاكهة‏:‏ المُشَابهة، وأصل المثل أن رجلا كان يعرض فرساً له على البيع، فقال له رجل يقال له أبو يسار‏:‏ أهذه فرسُكَ التي كنت تصيد الوحْشَ عليها‏؟‏ فقال له صاحب الفرس‏:‏ شَاكِهْ أبا يَسَار، يعني اقْصِدْ في مَدْحك وقارِبِ الموصوفَ في وَصْفك وشابهه وقوله‏"‏أبا يسار‏"‏ نداء لا مفعول شاكه‏.‏
يضرب لمن يبالغ في وصف الشيء‏.‏
1917- شَرٌّ مَا يُجيِئُكَ إِلىَ مُخِّةِ عُرْقُوبٍ‏.‏
ويروى ‏"‏ ما يُشِيئك‏"‏ والشين بدل من الجيم، وهذه لغة تميم، يقال‏:‏ أجَأتُه إلى كذا، أي ألجاته، والمعنى ما ألجأك إليها إلا شر، أي فقر وفاقة، وذلك أن العُرْقُوب لا مخ له، وإنما يُحْوَجُ إليه مَنْ لا يقدر على شيء ‏.‏
يضرب للمضطر جداً‏.‏
1918- شَرُّ الرَّأْيِ الدَّبَرِيُّ‏.‏
وهو الرأي الذي يأتي ويَسْنَحُ بعد فَوْتِ الأمر، مأخوذ من دبر الشيء، وهو آخره، يقال‏:‏ فلان لا يُصَلِّي الصلاَةَ إلا دَبَرِيّاً، أي في آخر وقتها، والمحدثون يقولون‏:‏ دبريا بالضم‏.‏ وقال ابن الأعرابي‏:‏ دَبَريا ودُبرِيا، وقال أبو الهيثم‏:‏ بجزم الباء، قال القُطَامي‏:‏ ‏[‏ص 359‏]‏
وخَيْرُ الأمْرِ ما اسْتَقْبَلْتَ منه * ولَيْسَ بأنْ تَتَبَّعَهُ اتِّبَاعَا
وقيل‏:‏ الدبري منسوب إلى دَبَرِ البعير الذي يعجزه عن تحمل الأحمال، كذلك هذا الرأي يعجز عن حمل عبء الكفاية في الأمور‏.‏
1919- شَرُّ ما رَامَ امْرُؤٌ مالَمْ يَنَلْ‏.‏
لأنه يَتْعَب ثم لا يَحْلَى ولا يفوز بمطلوبه‏.‏
1920- شَرُّ السَّيْرِ الَحْقْحَقَة ‏.‏
يقال‏:‏ هي أَرْفَع السير وأتعبه للظهر، ويقال‏:‏ هي كف ساعة وإتعاب ساعة‏.‏
قال مطرف بن عبد اللّه بن الشِّخِّير لابنه لما اجتهد في العبادة‏:‏ خير الأمور أوساطُهَا، وشر السير الحقحقة‏.‏
1921- شَرُّ المالِ القُلْعَةُ‏.‏
وروى أبو زيد ‏"‏ القلَعة‏"‏ بتحريك اللام - يعني المالَ الذي لا يثبُتُ مع صاحبه مثل العارية والمستأجَر، من قولهم‏:‏ ‏"‏مجلس قُلْعة‏"‏ إذا احتاج صاحبُه كل ساعة أن يقوم وينتقل، يقال‏:‏ إيَّاكَ وصَدْرَ المجلس فإنه مجلس قُلْعة‏.‏
1922- شَرُّ يومَيْهَا وَأَغْوَاهُ لهَا‏.‏
أصْلُه أن امرأة من طَسْمِ يقال لها عنز أخِذَتْ سبيةً فحملوها في هَوْدَج وألْطَفُوها بالقول والفعل، فعند ذلك قالت‏:‏ شَرُّ يَوْمَيْها وأغواه لها، تقول‏:‏ شَرُّ أيامي حين صِرْتُ أكْرَمُ للسِّباء، قال أبو عبيد‏:‏ وفيها بيتٌ سائر وهو‏:‏
شَرُّ يوميها وأغْوَاهُ لهَا * ركبت عَنْزٌ بِحِدْجٍ جَمَلاَ
وشر نصب على الظرف، والعاملُ فيه باقي البيت، وهو ‏"‏ ركبت عنز بحدج جملا‏"‏وأغوى‏:‏ أفعل من الغيّ، والهاء راجع إلى اليوم على الاتساع، كقوله تعالى ‏(‏بل مكر الليل والنهار‏)‏ وكقول جرير‏:‏
ونمْتَ ومَا لَيْلُ الَمطِيِّ بنائِمِ*
وقوله‏"‏بحدج‏"‏ أي في حِدْج، والحدج والحداجة‏:‏ مركب من مراكب النساء، ومن روى ‏"‏شَرُّ‏"‏ بالرفع أراد هذا شرُّ يوميها، أي يومي إعزازها و إذلاها، وأغواه‏:‏ أي أكثرهما غَيّاً ويجوز أن تعود الهاء في ‏"‏أغواه‏"‏ إلى الشر، ويكون أغوى أفعل من الإغواء وهو الإهلاك، أي‏:‏ أهْلَكُ شر يوميها لها هذا اليوم، وبناء التفضيل من المنشعبة شاذ كقولك‏:‏ ما أعْطَاه للمال، وما أوْلاَه للمعروف‏.‏
1923- شَرُّ أَيَّام الدِّيكِ يَوْمُ تُغْسَلُ رِجْلاَهُ‏.‏
ويقال‏"‏براثنه‏"‏وذلك أنه إنما يُقْصَد ‏[‏ص 360‏]‏ إلى غسل رجليه بعد الذَّبْح والتهيئة للاستواء قال الشيخ علي ين الحسن الباخَرْزِي في بعض مُقَطعاته يشكو قومه‏:‏
ولا أُبَالِي بإذلالٍ خُصِصْتُ به * فيهمْ ومنهم وإنْ خُصُّوا بإعزاز
رِجْلُ الدَّجَاجَةِ لا من عِزِّهَا غُسِلَتْ * ولا مِنَ الذل حِيصَتْ مُقْلَةُ الْبَازِ
1924- شَرُّ الَمالِ مَالاَ يُزَكَّى ولاَ يُذَكَّى ‏.‏
أي‏:‏ لا يُذْبح، يعنون الْحُمُرَ لأنه لا زكاة فيها، لقوله صلى اللّه عليه وسلم ‏"‏ليس في الْجَبْهَة ولا في الكُسْعَة ولا في النُّخَّةِ صدقة ‏"‏ فالجبهة‏:‏ الخيل، والكسعة‏:‏ الحمير، والنخة‏:‏ الرقيق، ويقال‏:‏ البقر العوامل‏.‏
1925- شوَى أَخُوكَ حَتّى إِذَا أَنْضَجَ رَمَّدَ‏.‏
الترميد‏:‏ إلْقَاء الشيء في الرَّمَاد‏.‏ يضرب لمن يُفْسِدُ اصطناعَه بالمنِّ ويُرْدِفُ صَلاَحَه بما يورث سوء الظن‏.‏
ويروى عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه مَرَّ بدارِ رجل عُرف بالصلاح، فسَمِعَ من داره صوت بعض الملاهي، فقال‏:‏ شَوَى أخوك حتى إذا أنْضَجَ رَمَّدَ‏.‏
1926- شُخْبٌ فِي اْلإِنَاء وشُخْبٌ فِي الأرْضِ‏.‏
يقال‏:‏ شَخَبَ اللبنُ والدمُ، إذا خرج كلُّ واحدٍ منهما من موضعه ممتداً، والغَابِرُ يَشْخُبُ ويَشْخَب، والمصدر الشَّخْب بالفتح والشُّخْب بالضم الاسمُ‏.‏
وأصلُ المثلِ في الحالب يحلب، فتارة يخطىء فيحلب في الأرض، وتارة يُصيب فيحلب في الإناء ‏.‏
يضرب مثلا لمن يتكلم فيخطىء مرة ويصيب مرة‏.‏
1927- شَرَّابٌ بأَنْقُعٍ‏.‏
أي مُعَاود للأمر مرة بعد مرة، وأصله الحَذِرُ من الطير لا يَرِدُ المَشَارِع لكنه يأتي المنافع يشرب منها، فكذلك الرجل الكَيِّسُ الحَذِر لا يتقحَّم الأمور، والأنْقُع‏:‏ جمع نَقْع، وهو الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء، والجمع نِقَاع وأنْقُع، وهذا مثل قاله ابن جُرَيْج في معمر بن راشد‏.‏
1928- شَرِقَ مَا بَيْنَهُمْ بِشَرّ‏.‏
أي نَشِبَ الشَّرُّ فيهم فلا يفارقهم‏.‏
1929- شُبْ شَوْباَ لَكَ بَعْضُهُ‏.‏
يضرب في الحثِّ على إعانة مَنْ لك فيه منفعة‏.‏ ‏[‏ص 361‏]‏
وهو مثل قولهم ‏"‏احْلُبْ حلبا لك شَطْره‏"‏وقد مر في باب الحاء
1930- شَمِطَ حُبُّ دَعْدٍ‏.‏
دعد‏:‏ اسم امرأة يُصْرَف ولا يُصْرَف، قال الشاعر‏:‏
لم تَتَلَفَّعْ بفَضْلِ مِئْزَرهَا * دَعْدٌ، وَلَمْ تُغْذِ دَعْدُ في الْعُلَبِ
يضرب في قدم المودة وثبوتها‏.‏
1931- شَدَّ لَهُ حَزِيمَهُ‏.‏
ويقال ‏"‏ حَيْزُومَه‏"‏وهما الصدر، ومعناه تشمَّرَ وتأهَّبَ‏.‏
1932- شَرِقَ بِالرِّيقِ‏.‏
أي ضره أقربُ الأشياء إلى نَفْعه، لأن ريقَ الإنسان أقربُ شيء إليه‏.‏
1933- شِنْشنَةٌ أَعْرفُهَا مِنْ أَخْزَمِ‏.‏
قال ابن الكلبي‏:‏ إن الشعر لأبي أخزم الطائي، وهو جَدُّ أبي حاتم أو جَدُّ جَدٍّه، وكان له ابن يقال له أخزم، وقيل‏:‏ كان عاقّاً، فمات وترك بنين فوثَبُوا يوما على جَدِّهم أبي أخْزَمَ فأدْمَوْهُ فقال‏:‏
إنَّ بنَّي ضَرَّجُونِي بالدَّمِ * شِنْشِنَةٌ أعرفُهَا من أخزم
ويروى ‏"‏زَمَّلُوني ‏"‏ وهو مثل ضرجوني في المعنى‏:‏ أي لَطَّخوني، يعني أن هؤلاء أشبهوا أباهم في العُقُوق، والشِّنْشِنة‏:‏ الطبيعة والعادة، قال شمر‏:‏ وهو مثل قولهم‏"‏ العصا من العُصَيَّة‏"‏ ويروى ‏"‏نشنشة‏"‏ كأنه مقلوب شنشنة، وفي الحديث أن عمر قال لابن عباس رضي اللّه عنهم حين شاوره فأعجبه إشارته‏:‏ شنشنة أعرفها من أخزم، وذلك أنه لم يكن لقرشي مثلُ رأى العباسِ رضي اللّه عنه، فشبهه بأبيه في جَوْدة الرأي، وقال الليث‏:‏ الأخزم الذكر، وكمرة خَزْمَاء قصر وترها، وذكَر أخزم، وقال‏:‏ وكان لأعرابي بُنَيٌّ يعجبه، فقال يوما‏:‏ شنشنة من أخزم، أي قطران الماء من ذكر أخذم‏.‏
يضرب في قُرْب الشَّبَه‏.‏
1934- شَرِيقَةُ تَعْلَمُ مَنِ اطَّفَحَ ‏.‏
يقال‏:‏ اطَّفَحَت القِدْرَ - على افْتَعَلْتُ - إذا أخذت طفاحتها، وهي زَبَدُها، وشَرِيقة‏:‏ امرأة ‏.‏
يضرب لمن يعلم كيفية أمر، ويعلم المُذْنِبَ فيه من البرىء‏.‏
1935- شَاهِدُ الْبُغْضِ اللَّحْظُ‏.‏
ومثله في الحب ‏"‏ جَلَّى محبٌّ نظره‏"‏ ومنه قول زهير‏:‏
متى تَكُ فِي صَدِيق أو عَدُوٍّ * تُخَبّرْكَ الْوجُوهُ عَنِ القلوب ‏[‏



1936- شَفَيْتُ نَفْسِي وَجَدَعْتُ أَنْفِي‏.‏
يضرب لمن يَضُرُّ بنفسه من وَجْه ويشتفي من وجه‏.‏
1937- اُشْدُدْ يَدَيْكَ بِغَرْزِهِ‏.‏
يضرب لمن يحثُّ على التمسك بالشيء ولزومه‏.‏
1938- شمِّرْ واْئِتزِرْ والْبَسْ جِلْدَ النَّمِرِ‏.‏
يضرب لمن يؤمر بالجد والاجتهاد‏.‏
1939- شَيْطَانُ الَحْمَاطَةِ‏.‏
يقال‏"‏كأنه شَيْطَان اَلحَمَاطة‏"‏ و‏"‏ما هو إلا شيطان الحَمَاطة‏"‏يقال لِيَبِيسِ الأفَانِي ‏"‏حَمَاط‏"‏ قال أبو عمرو‏:‏ الأفاني من أحرار البقول ‏(‏ في القاموس‏:‏ الحماطة عشبة كالصليان سوى أنها خشنة‏.‏‏)‏ واحدتها أفَانِية، والشيطان‏:‏ الحية، وأضيف إلى الحماط لإلفه إياه كما يقال‏:‏ ضَبُّ كُدْبة، وذئبُ غَضًى‏.‏
يضرب للرجل إذا كان ذا مَنْظَر قبيح‏.‏
1940- شَهدْتُ بأَنَّ الخُبْزَ باللّحَمْ طَيِّب وَأَنَّ الْحُبَارَى خاَلَة الكَرَوَانِ‏.‏
ويروى ‏"‏بأن الزبد بالتمر طيب‏"‏
قال أبو عمرو‏:‏ يضرب عند الشيء يتمنَّى ولا يُقْدَرُ عليه‏.‏
1941- شَمِّرْ ذَيْلاً، وأدَّرِعْ لَيْلاً‏.‏
يضرب في الحث على التشمير والجِدِّ في الطلب‏.‏
1942- أَشْرِقْ ثَبِيرُ، كَيْمَا نُغِيرُ‏.‏
أشرق‏:‏ أي ادخُلْ يائبير في الشروق كي نسرع للنحر، يقال‏:‏ أغار فلان إغارة الثَّعْلَب، أي أسرع، قال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ إن المشركين كانوا يقوون ‏"‏أشرق ثبير كيما نغير‏"‏وكانوا لا يُفِيضُون حتى تطلع الشمس‏.‏
يضرب في الإسراع والعَجَلَة‏.‏
1943- شَرْعُكَ مَا بَلَّغَكَ المَحَلَّ‏.‏
أي حَسْبُك من الزاد ما بَلَّغك مَقْصدك، ومنه قول الراجز‏:‏
من شاء أن يُكْثِرَ أو يُقِلاَّ * يَكْفِيهِ ما بَلَّغَهُ الْمَحَلاَّ
1944- أَشْبَهَ شَرْجٌ شَرْجًا لَوْ أَنَّ أُسَيْمِرًا‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ كان المُفَضَّل يحدِّثُ أن صاحبَ المثل لقيم بن لقمان، وكان هو وأبوه قد نزلا منزلا يقال له شرج، فذهب لُقَيم يُعَشِّى إبله، وقد كان لقمان حَسَدَ لقيما وأراد هلاكه، فاحتفر له خَنْدَقا، وقطع كل ما هناك من السَّمُر ثم ملأبه الخندق فأوقد ‏[‏ص 363‏]‏ عليه ليقع فيه لُقَيم، فلما أقبل عَرَفَ المكان وأنكَرَ ذهاب السَّمُر، فعندها قال‏:‏ أشبه شَرْجٌ شَرْجاً لو أن أسيمرا، فشرج ههنا‏:‏ موضع بعينه، والشرج في غير هذا الموضع‏:‏ مَسِيلُ الماء من الحَرَّة إلى السَّهْل، والجمع شِرَاج، وقوله ‏"‏لو أن أسيمرا‏"‏ هو تصغير أسْمُر، وأسْمُر جمع سَمُر، مثل ضَبُع وأضْبُع، وأراد لو أن أسيمرا كانت فيه أو به، يعني أن هذا الذي أراه الآن هو الذي قبل هذا كان لو أن أسيمرا موجودة‏.‏
يضرب في الشيئين يَتَشَابهان ويفترقان في شيء‏.‏
1945- شَجَرٌ يَرِفُّ‏.‏
أي يهتزُّ نَضَارة، ويجوز يَرِفُ - بالتخفيف - من وَرِفَ الظلُّ إذا اتَّسع، وحقه أن يذكر معه الظل، أي شجر يرف ظلُّه‏.‏
يضرب لمن له مَنْظر ولا مَخْبر عنده‏.‏
1946- شَرُّ الرَّعَاءِ الُحْطَمَةُ‏.‏
وهو الذي يَحْطِم الراعية بعُنْفه‏.‏ يضرب لمن يلي شيئاً ثم لا يحسن ولايته وإنما ينبغي أن يكون الراعي كما قال الراعي‏:‏
ضَعيفُ الْعَصَا بَادِي الْعُرُوقِ تَرَى لَهُ*عَلَيْهَا إذا ما أمْحَلَ الناسُ أصْبُعَا
أي أثراً حسنا
1947- شُغِلَ عَنِ الرَّامِي الكِنَانَةَ بالنَّبْلِ‏.‏
أصله أن رجلا من بني فَزَارة ورجلا من بني أسد كانا متواخين، وكانا راميين لا يسقط لهما سهم، ومع الفزاري كِنانة جديدة، ومع الأسدي كنانة رَثِّةٌ، فأعجبته كنانة الفزاري، فقال الأسدي‏:‏ أينا ترى أرمي أنا أم أنت ‏؟‏ قال الفزاري‏:‏ أنا أرمى منك، وأنا عَلَّمتك، قال الأسدي‏:‏ انْصِبْ لي كِنانتك وأنْصِبُ لك كِنانتي، فقال له الفزاري‏:‏ انْصِبْ لي كِنانتك، فعلق الأسدي كنانَتَه على شجرة، ورماها الفزاري فجعل لا يرمى بسهم إلا شكلها حتى قَطَّعها بسهامه فلما نَفِدَتْ سهامُه قال‏:‏ انْصِبْ لي كنانَتَكَ حتى أرميها، فرمى فسدد السهم نحوه، فشَكَّ كبدَ الفزاري، فسقط الفزاري ميتاً، فأخذ الأسدي قوسَه وكنانته، قال الفرزدق‏:‏
فَقُلْتُ أظَنَّ ابنُ الخبيِثَة أنني * شُغِلتُ عن الرامِي الكنَانَةَ بالنَّبْلِ
يريد بهذا جريراً، يقول‏:‏ أراد جرير بهجائه البعيثَ غيرَه وهو أنا، أي أرادني ولم يرد البعيثَ، كما أن الأسدي أراد رَمْيَ الفزازي ولم يرد رَمْيَ الكنانة‏.‏
قلت‏:‏ ومعنى المثل شغل فلان عن ‏[‏ص 364‏]‏ الذي يرمي الكنانة بالنبل، يعني أنه لم يعلم أن غَرَضَ الرامي أن يرميه لا أن يرمي كنانته ‏.‏
يضرب لمن يغفل عما يراد به ويُكاد له‏.‏
وقريب من هذا بيت الحماسة‏:‏
فإن كنت لا أرمي وتُرْمَي كنايتي * تُصِبْ جَانِحَاتُ النَّبْلِ كَشحِي وَمَنْكبِي

B-happy 3 - 3 - 2010 10:03 PM

1948- شَقَّ فُلاَن عَصَا المُسْلِمينَ‏.‏‏.‏
إذا فَرَّق جَمْعهم‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ معناه فَرَّق جماعتهم، قال‏:‏ والأصل في العَصَا الاجتماع والائتلاف، وذلك أنها لا تُدْعَى عَصاً حتى تكون جميعا، فإن انشقَّت لم تُدْعَ عَصاً، ومن ذلك قولهم للرجل إذا أقام بالمكان واطمأنَّ به واجتمع له فيه أمرهُ ‏"‏قَدْ ألْقَى عَصَاهُ‏"‏ قال معقر البارقي‏:‏
فألْقَتْ عَصَاها واستقرت بها النَّوَى * كما قَرَّ عَيْناً بالإياب الْمُسَافِرُ
قالوا‏:‏ وأصل هذا أن الحاديين يكونان في رفقة، فإذا فرقَهم الطريقُ شُقَّتِ العصا التي معهما، فأخذ هذا نصفَها وهذا نصفها
يضرب مثلاً لكل فرقة‏.‏
قال صِلة بن أشيم لأبي السليل‏:‏ إياك أن تكون قاتلا أو مقتولا في شَقِّ المسلمين
1949- الشُّجَاعُ مُوَقًّى‏.‏‏.‏
وذلك أنه قَلَّ مَنْ يرغب في مبارزته خوفاً على نفسه، وهذا كما يقال‏:‏ ‏"‏احْرِصْ على الموت تُوهَبْ لك الحياة‏"‏
1950- شُخْبٌ طَمَحَ‏.‏‏.‏
الشُّخْب‏:‏ اللبنُ يمتدُّ من الضَّرْع
يضرب للرجل يكون منه السَّقْطة‏.‏
ويقال‏:‏ معناه حَظٌّ فات، يقال‏:‏ طَمَحَ الشُّخْبُ، وهو أن يسقط على الأرض فلا ينتفع به‏.‏
1951- شَحْمَتِي فِي قَلْعِي ‏.‏‏.‏
القَلْع‏:‏ كِنْفٌ يجعل الراعي فيه أداته، قيل للذئب‏:‏ ما تقول في غنم يكون معها غلام‏؟‏ قال‏:‏ أخاف إحدى حَظِيَّاته - أي سهامه - فقيل‏:‏ في غنم معها جارية‏؟‏ قال‏:‏ شَحْمَتي في قَلْعي، أي أتَصَرَّفُ فيها كما أريد‏.‏
يضرب للشيء الذي هو في ملك الإنسان يَضْرِب بيده إليه متى شاء، وكذلك إن كان في ملك مَنْ لا يمنعه منه، وجمع القَلْع قِلَعَة وقِلاَع ‏(‏وقلوع وأقلع‏.‏‏)‏
1952- اشْنَأْ حَقَّ أَخِيكَ‏.‏‏.‏
قال ابن الأعرابي‏:‏ يقول سَلِّم إليه حَقِّه فلا تحملنك محبةُ الشيء أن تمنعه‏.‏
1953- الشَّرُّ يَبْدَؤُهُ صِغَارُهُ‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ يقول فاصفح عنه واحتمله، لئلا يخرجك إلى أكثر منه، قال مسكين الدَّارِمِيُّ‏:‏ ‏[‏ص 365‏]‏
ولقد رأيْتُ الشرَّ بَيْـ * ـنَ ‏(‏بين‏)‏ الحيِّ يَبْدَؤُهُ صِغَارُهْ
وقال آخر‏:‏
الشر يبدؤه في الأصل أصْغَرُه * وليس يَصْلَي بحرِّ الحرب جَانِيهَا
والحربُ يلحق فيها الكارهُونَ كما * تدنو الصِّحَاحُ إلى الْجَرْبَى فَتُعْدِيهَا
1954- الشَّرُّ أَخْبَثُ ما أَوْعَيْتَ مِنْ زَادِ‏.‏
يضرب في اجتناب الذم والشر، قاله أبو عبيد‏.‏وهو بيت أوّله‏:‏
الْخَيْرُ يَبْقَى وَإنْ طَالَ الزَّمَانُ بِهِ*
وزعموا أي هذا بيت قالته الجن، وقيل‏:‏ بل هو لعَبِيد بن الأبرص‏.‏
1955- الشَّحِيحُ أَعْذَرُ مِنَ الظَّالِمِ‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ هذا مثل مبتذل عند العامة، وإنما نراهم جعلوا له عذراً إذا كان استبقاؤه مالَه ليَصُونَ به وجهه وعرضه عن مسألة الناس، يقولون فهذا ليس بمُلِيم، إنما هو تارك للفَضْل، ولا عتب على من حفظ شيئه، إنما يلزم اللائمة الآخذَ مالَ غيره‏.‏
قال‏:‏ وهذا كالمثل الذي لأكثم بن صَيْفي‏:‏ ربَّ لأئمٍ مُلِيم، يقول‏:‏ إن الذي يلوم المُمْسِكَ هو الذي قد ألام في فعله، لا الحافظ له، وقال أبو عمرو‏:‏ الشحيح أعْذَرُ من الظالم، أي مَنْ بخل عليك بماله فشتمته فقد ظلمته، وهو أعذر منك‏.‏
قالوا‏:‏ إن أول من قال ذلك عامر بن صَعْصَعة، وكان جمع بنيه عند موته ليوصيهم، فمكث طويلاً لا يتكلم، فاستحثَّه بعضُهم، فقال‏:‏ إليك يُسَاق الحديث، ثم قال‏:‏ يَا بَنِيَّ جُودُوا ولا تسألوا الناس، واعلموا أن الشحيح أعْذَرُ من الظالم، وأطْعِمُوا الطعام، ولا يُسْتَذَلَّنَّ لكم جار‏.‏
1956- شَرِبْنَا عَلَى الخَسْفِ‏.‏
أي على غير أكل، من قولهم‏.‏ باتَتِ الدابةُ على الخَسْفِ، أي على غير عَلَفٍ، وكذا ‏"‏بات القومُ على الْخسْفِ‏"‏ أي جياعاً‏.‏قلت‏:‏ وأصلُ الخَسْفِ الذلُّ والمشقة، يقال‏:‏ سامه خَسْفاً وخُسْفاً - بالضم - أي كلَّفه مشقة وذلا، وفي كل ما تقدم ضَرْبٌ من الذل ونوع من المشقة‏.‏
1957- اشْتَرِ لِنَفْسِكَ ولِلسُّوق‏.‏‏.‏
أي اشتر ما ينفُقُ عليك إذا بِعْتَهُ‏.‏
1958- اشْتَدِّى زِيَمُ‏.‏
الاشتداد‏:‏ العَدْو، وزيم‏:‏ اسم فرس
يضرب في انتهاز الفُرْصَة‏.‏
1959- الشَّعِيرُ يُؤْكَلُ ويُذَمُّ‏.‏
ويقال‏:‏ خُبْزُ الشعير يؤكل ويُذَمُّ، وهذا كالمثل الآخر ‏"‏أكْلاً وَذَمّاً‏"‏ ‏[‏ص 366‏]‏
1960- أَشَوَار عَرُوسٍ تَرَى‏.‏
الشَّوَار‏:‏ الفَرْج، قالته الزباء لجَذِيمة، وقد مر ذكرها في باب الخاء، والتقدير‏:‏ أترى شَوَارَ عَرُوسٍ‏؟‏ تتهكم بجذيمة‏.‏ يضرب عند الهزء‏.‏
1961- شُبِّرَ فَتَشَبَّرَ‏.‏
أي‏:‏ أُكْرِمَ فاستحمق، وعَظِّم فتعظم، والشبر القُرْبان الذي يقرب، ومعناه قرب فتقرب‏.‏
يضرب للذي يُجَاوز قدره‏.‏
1962- شَعْبَانُ فِي يَدِهِ كِسْرَةٌ‏.‏
يضرب لمن مالُه يُرْبِى على حاجته‏.‏
1963- شَيْئاً ما يَطْلُبُ السَّوْطُ إِلىَ الشقْرَاءِ‏.‏
أي‏:‏ يَطْلب العَدْوَ، وأصله أن رجلا ركب فرسا له شقراء، فجعل كُلَّما ضربها زادته جريا‏.‏
يضرب لمن طلب حاجة وجَعَل يَدْنو من قضائها والفراغ منها‏.‏
و‏"‏ما‏"‏صِلَة، قاله أبو زيد‏.‏
1964- شَمَّ خِمَارَهَا الكَلْبُ‏.‏
يضرب للمرأة إذا كانت سَهِكة الرِّيحِ، ويقال ذلك للفاجرة أيضاً‏.‏
1965- شِفَاؤُهُ نَكْءُ الدَّبَرِ‏.‏
أي الْقَ الشَّرَّ بمثله‏.‏
يضرب لمن لا يصلُحُ إلا على الذل‏.‏
1966- الشَّرُّ للشَّرِّ خُلِقَ‏.‏
كقولهم ‏"‏الحديدُ بالحديد يُفْلَحُ‏"‏‏.‏
1967- أُشِئْتَ عُقَيْلُ إِلىَ عَقْلِكَ‏.‏
عقيل‏:‏ اسمُ رجلٍ، وأشئت‏:‏ ألْجِئْتَ، يريد لما ألجئت إلى عقلك ووُكِلْتَ إلى رأيك جَلَبَا إليك ما تكره، قال أبو عمرو‏:‏ أشئت إلى عَقَلِكَ، قال‏:‏ والعَقَل العَرَجُ، وكان عقيل أعرج‏.‏
يضرب هذا للرجل يقع في أمرٍ يهتم للخروج منه، فيقال‏:‏ اضطررت إلى نفسك فاجتهد، فإنك وإن كنت عليلا إذا اجتهدت كنت قَمِناً أن تنجو‏.‏
1968- شَعْبَانُ مَقْصُورٌ لَهُ‏.‏
يضرب لمن حسن حاله بعد الهُزَال، مثل قولهم ‏"‏‏[‏أسْمَنَنِي‏]‏ الْقَيْدُ والرَّتْعَةُ‏"‏‏.‏
والقَصْر‏:‏ الحَبْس، وقوله ‏"‏مقصور له‏"‏ أي محبوس لنفسه، لأن فائدة حَبْسه ترجع إليه، وهو سمنه وحسن حاله‏.‏
1969- اشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِذَلِكَ الأَمْرِ‏.‏
أي وَطِّنْ نفسَك عليه وخُذْه بجد، قال أحَيْحَة بن الجُلاَح لابنه‏:‏ ‏[‏ص 367‏]‏
اشْدُدْ حَيَازِيمَكَ لِلْمَوْتِ * فَإنَّ الْمَوْتَ لاَقِيكَ
ولا تَجْزَعْ مِنَ الموتِ * إذَا حَلَّ بِوَادِيكَ
‏"‏اشدد‏"‏ في البيت زيادة، ويُسَمِّى العروضيون هذا خَزْماً، والنقصانَ خَرْماً، الزايُ مع الزاي، والخزم يكون من حرفٍ إلى أربعة كاشدد في هذا البيت، والخرم‏:‏ إسقاطُ الحرفِ الأول من الجزء الأول من البيت، وفيه اختلاف بينهم‏.‏
1970- شَيْخٌ يُعَلِّلُ نَفْسَهُ بالبَاطِلِ‏.‏
يُضْرب للعِنِّين أو الشيخ الكبير الذي لا يقدر على الباه‏.‏
1971- شَاخَسَ لَهُ الدَّهْرُ فَاهُ‏.‏
أي تغير عما كان له عليه، من قولهم‏:‏ ‏"‏تَشَاخَسَتْ أسنانه‏"‏إذا اختلفت نِبْتَتُهَا‏.‏
1972- شَقَّ عَصَاهُم نَوىً شَجُورٌ‏.‏
أي مخالفة بعيدة، وشَجُور‏:‏ من قولهم ‏"‏ما شَجَرَك عن كذا‏"‏ أي ما صَرَفَك، ونَوًى شَجُورٌ‏:‏ بُعْدٌ بعيد يَصْرِفُ القاصدَ له لغَوْرِ بعده‏.‏
1973- الشَّرْطُ أَمْلَك، عَلَيْكَ أَمْ لَكَ‏.‏
يضرب في حفظ الشرط يجري بين الإخوان‏.‏
1974- الشّرُّ قَلِيلُةُ كَثِيرٌ‏.‏
هذا قريبٌ من قولهم‏:‏ ‏"‏الشرُّ تَحْقِرُهُ وقد يَنْمِى‏"‏‏.‏
1975- الشَّيْبُ قِنَاعُ الْمَقْتِ‏.‏
يعني أن الغواني تمقُتُ المشايخ، كما قال‏:‏
رَأَيْنَ شَيْخَاً ذِرئَتْ مَجَالِيه‏"‏1‏"‏ * يَقْلِي الْغَوَانِي وَالْغَوَانِي تَقْلِيه
‏(‏ذرئت‏:‏ شابت، والمجالي‏:‏ ما يرى من الرأس إذا استقبل الوجه، واحدها مجلي، والبيت لأبي محمد الفقعسي‏)‏
1976- الشَّبَابُ مَطِيَّةُ الْجَهْلِ‏.‏
ويروى‏:‏ ‏"‏مَظِنَّةُ الجهل‏"‏ أي منزلُه ومحلُّه الذي يُظَن به‏.‏
1977- شَرُّ العِيشَةِ الرَّمَقُ‏.‏
العِيشة‏:‏ العَيْش، والرمَقُ‏:‏ جمع رَمَقة، وهي البُلْغة التي يُتَبلغ بها، ويروى الرَّمِقُ‏:‏ أي العيشُ الرمِقُ، وهو الذي يُمْسِك الرَمقَ
يضرب في ضيق المعيشة وشدتها‏.‏
1978- الشَّمَاتَةُ لُؤْمٌ‏.‏
قال أكْثَمُ بن صَيْفي التميمي، أي لا يفرح بنكبة الإنسان إلا مَنْ لَؤُم أصله، وقال‏:‏
إذَا ما الدَّهْرُ جَرَّ على أُنَاسٍ * كَلاَ كِلَهُ أنَاخَ بآخَرِينَا
فَقُلْ للشَّامِتِينَ بِنَا أفِيقُوا * سَيَلْقَى الشَّامِتُونَ كَمَا لَقِينَا ‏[‏ص 368‏]‏
وفي حديث أيوب عليه السلام أنه لما خرج من البلاء الذي كان فيه قيل له‏:‏ أي شيء كان أشَدَّ عليك مِن جملة ما مَرَّ بك‏؟‏
قال‏:‏ شماتة الأعداء ‏.‏
1979- الشَّرُّ كَشَكْلِهِ‏.‏
أي الشر يشبه بعضُه بعضاً، ويروى الشيء كشكله‏.‏
1980- شَرٌّ مِنَ المَرْزِئَةِ سُوءُ الْخَلَفِ مِنْهَا‏.‏
المَرْزِئة‏:‏ الرُّزْء، وهو المصيبة‏.‏
يضرب للخلف قام مقام الخلف‏.‏
وقيل‏:‏ أراد بالخلف ما يستوجبه من الصبر إن صبر، وسُوءه‏:‏ أن يُحْبِط ذلك بالجزع‏.‏
1981- شَرٌّ مِنَ المَوْتِ ما يُتَمَنَّى مَعَهُ المَوْتُ‏.‏
يضرب في الداهية الدهياء‏.‏
1982- شَرُّ اللَّبَنِ الَوالِجُ‏.‏
يقال‏:‏ وَلَجَ إذا دخل، يريد شر اللبن ما دخل بيتك، يحث على بَذْل اللبن للضيف وإيثاره على نفسك وولدك‏.‏
يضرب في الحثِّ على الإحسان إلى الناس ‏.‏
وقيل‏:‏ الوالج ما يُرَدُّ في الضرع، بأن يُرَشَّ عليه الماء، قال الحارث بن حِلِّزة لابنه عمرو‏:‏
قُلْتُ لعمرو حين أرْسَلْتُهُ * وقد حَبَا مِنْ دُونِهَا عَالجُ
لا تَكْسَعِ الشَّوْلَ بأغْبَارِهَا * إِنَّكَ لا تَدْرِي مَنِ النَّاتِجُ
وَأصْبُبْ لأَضْيَافِكَ أَلْبَانَهَا * فإنَّ شَرَّ اللَّبَنِ الْوَالجُ
قوله‏"‏حبا‏"‏ أي عَرَض، والهاء للإبل، وعالج‏:‏ رَمْل، والكَسْع‏:‏ ضربُ الماء على الضَّرْعِ ليرتفع اللبن فتسمن الناقة، والغُبْرُ‏:‏ بقية اللبن‏.‏
1983- أَشْرَبْتَنِي مالَمْ أَشْرَبْ‏.‏
أي ادَّعَيْتَ على مالم أفعل‏.‏
1984- الشُّبْهَةُ أُخْتٌ الْحَرَام‏.‏
يضرب للشيئين لا يكون بينهما كثيرُ بَوْنٍ‏.‏
1985- الشَّرُّ خَيْرٌ إِذَا كانَ مُشْتَرَكاً‏.‏
يضرب في تهوين الأمر العظيم يَهْجُم على الخلق الكثير‏.‏
1986- الشَّبْعَانُ يَفُتُّ لِلْجاَئِعِ فَتًّا بَطِيئاً‏.‏
يضرب لمن لا يهتم بشأنك ولا يأخذه ما أخَذَكَ‏.‏ ‏[‏ص 369‏]‏
1987- شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ‏.‏
الشقْشِقة‏:‏ شيء كالرئة يُخْرِجها البعيرُ من فِيهِ إذا هاج، وإذا قالوا للخطيب ‏"‏ ذو شِقَشِقْةٍ‏"‏ فإنما يُشَبَّه بالفَحْل، ولأمير المؤمنين علي رضي اللّه عنه خطبة تعرف بالشقشقية، لأن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال له حين قطع كلامه‏:‏ ياأمير المؤمنين، لو اطَّرَدَتْ مقالتك من حيث أفضيت، فقال‏:‏ هيهات يا ابنَ عباسٍ تلك شِقْشِقَة هَدَرَتْ ثم قَرَّتْ‏.‏
1988- شَرُّ الضُّرَوعِ ما دَرَّ عَلَى العَصْبِ‏.‏
وهو أن يُشَدَّ فخذا الناقة حتى تَدِرُّ، ويقال لتلك الناقة عَصُوب‏.‏
1989- شَرُّ النَّاسِ مَنْ مِلْحُهُ عَلَى رُكْبَتِهِ‏.‏
يضرب للنزيق السريع الغضب، وللغادر أيضاً‏.‏ قلت‏:‏ هذا لفظ يحتاجُ إلى شَرْح، والأصل فيه‏:‏ أن العرب تسمى الشحم مِلْحاً لبياضه، وتقول‏:‏ أَمْلَحْتُ القِدْرَ، إذا جعلت فيها الشحم، وعلى هذا فسر قوله‏:‏
لا تَلُمْهَا إِنهَا مِنْ نِسْوَةٍ * مِلْحُهَا مَوْضُوعَةٌ فَوْقَ الرَكب
يعني من نسوة هَمُّها السمن والشحم، فكان معنى المثل‏:‏ شر الناس مَنْ لا يكون عنده من العقل ما يأمره بما فيه مَحْمدة، إنما يأمره بما فيه طَيْش وخفة وميل إلى أخلاق النساء، وهو حُبُّ السمن، والمِلْحُ يذكر ويؤنث‏.‏
1990- أَشْأَمُ كلِّ امْرِىءٍ بَيْنَ فَكَّيْهِ‏.‏
ويروى ‏"‏لَحْيَيْه‏"‏ وهما واحد، وأشأم بمعنى الشؤم، كقوله‏:‏
فتنتج لَكُمْ غِلْمَانَ أشام*
أي غلمان شؤم، يراد أن شؤم كل إنسان في لسانه، وهذا كما روى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال‏"‏أيْمَنُ امرىء وأشأمه بين لحييه‏"‏ وكما قيل ‏"‏مَقْتَلُ الرجُل بين فكيه‏"‏ قال أبو الهيثم‏:‏ للعرب أشياء جاءُوا بها على أفعل، هي كالأسامي عندهم في معنى فاعل أو فَعِيل أو فَعِلٍ، كقولهم‏:‏ أشأمُ كل امرىء بين لحييه، بمعنى شُؤْم، وكقولهم‏:‏ المرء بأصْغَرَيْهِ أي بصَغِيريْهِ، وكقولهم‏:‏ إني منه لأوْجَلُ وأَوْجَر، أي وَجِل ووَجِر، أي خائف، وكقول الشاعر‏:‏
لا أعتِبُ ابنَ الْعَمِّ إن كان عَاتِباً * وَأَغْفِرُ عَنْهُ الْجَهْلَ إن كَانَ أَجْهَلاَ
أي جاهلا‏.‏
1991- أَشْبَهَ فُلانٌ أُمَّه‏.‏
يضر لمن يَضْعُف ويعجز‏.‏ ‏[‏ص 370‏]‏
1992- شَجِىَ بِرِيِقِهِ‏.‏
إذا غَصَّ بريقه‏.‏
يضرب لمن يُؤْتَى من مأمَنِهِ‏.‏
1993- شَدِيدُ الْحُجْزَةِ‏.‏
قالوا‏:‏ هي مَعْقِدُ الإزار‏.‏
يضرب للصَّبُور على الشدة والجهد‏.‏
وسئل علي بن أبي طالب رضي اللّه تعالى عنه عن بني أمية فقال‏:‏ أشَدُّنَا حُجَزاً وأَطْلَبُنَا للأمر لا يُنَالُ فينالونه‏.‏
1994- شَرٌّ أَهَرَّ ذَا نَابٍ‏.‏
يقال ‏"‏أهرهُ‏"‏إذا حَمَلَه على الْهَرِير، و‏"‏ شر‏"‏ رَفْعٌ بالابتداء، وهو نكرة، وشرط النكرة أن لا يبتدأ بها حتى تخصص بصفة كقولنا‏:‏ رجُلٌ من بني تميم فارس، وابتدؤا بالنكرة ههنا من غير صفة، وإنما جاز ذلك لأن المعنى ما أهر ذا نابٍ إلا شرٌّ، وذو الناب‏:‏ السبعُ‏.‏
يضرب في ظهور أمارات الشر ومخايله‏.‏
1995- اشْدُدْ حُظُبَّى قَوْسَكَ‏.‏
هذا من أمثال بني أسد، وحُظُبَّي‏:‏ اسم رجل‏.‏
يضرب عند الأمر بتهيئة الأمر، والاستعداد له‏.‏
1996- شَرِبَ فَمَا نَقَعَ وَلاَ بَضَعَ‏.‏
يقال‏:‏ بَضَعْتُ من الماء بَضْعاً رَوِيتُ، ونَفَعْتُ‏:‏ أي شفيت غليلي‏.‏
يضرب لمن لا يسأم أَمْراً‏.‏
1997- شَهْرٌ ثَرَى، وَشَهْرٌ تَرَى، وَشَهْرٌ مَرْعَى‏.‏
يعنون شهور الربيع‏:‏ أي يمطر أولا، ثم يطلع النبات فتراه، ثم يطول فترعاه النَّعَمُ، وأرادوا شهر ثَرًى فيه، وشهر ترى فيه، فحذفا كا قال‏:‏
فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لَنَا * ويَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرُّ
أي نُسَاءُ فيه ونُسَرُّ فيه، وإنما حذف التنوين من ثَرى ومَرْعىً في المثل لمتابعة ترى الذي هو الفعل‏.‏
1998- شَعَبَتْ قَوْمِي شَعُوبُ‏.‏
الشَّعْبُ من الأضداد، يكون بمعنى الْجَمْع وبمعنى التفريق، وهو بمعنى التفريق ههنا، وشَعُوبُ‏:‏ اسمُ للمنية لأنها تَشْعَبُ بين الناس، أي تُفَرِّقُ‏.‏ يضرب عند تَفَرُّقِ القومِ‏.‏
1999- شَوْفُ النُّحَاسِ يُظْهِرُ النُّحَاسَا‏.‏
الشَّوْف‏:‏ الجَلاَء، يقال‏:‏ شُفْتُه ‏[‏ص 371‏]‏ إذا جَلَوْتُه، يقول‏:‏ إذا شُفْتَ النحاس، فإن شَوْفَه لا يُخْرِجه من النحاسية‏.‏
يضرب للئيم يُحَثُّ على الكرم فيأباه‏.‏
2000- شَرِيبُ جَعْدٍ قَرْوُهُ المُقَيَّرُ‏.‏
الشَّرِيب‏:‏ الذي يُشَاربك، وجَعْد‏:‏ اسمُ رجلٍ، والقَرْو‏:‏ أصلُ شجرة يُنْقَر، فيجعل كالحوض يصب فيه العصير، والمُقَير‏:‏ المَطْلي بالقير‏.‏
يضرب للبخيل لا فَضْلَ عنده، يعطي أحداً‏.‏
2001- شَنُؤَةٌ بَيْنَ يَتَامَي رُضَّعِ‏.‏
الشَّنُؤَة‏:‏ ما يستقذر من القول والفعل‏.‏
يضرب لقومٍ اجتمعوا على فُجُور وفاحشة ليس فيهم مُرْشِد ولا ناهٍ‏.‏
2002- شِيكَ بِسُلاَّءَةِ أُمِّ جُنْدُعِ‏.‏
السُّلاَّءة‏:‏ شَوْكة النخل، وأم جندع‏:‏ امرأة‏.‏
يضرب لمن يؤتى من مَأْمَنِهِ‏.‏
2003- شَرُّ دَوَاءِ الإِبِلِ التَّذْبِيحُ‏.‏
وذلك أن السنة إذا كانت مُجْدِبة، يُخَاف منها على الإبل، ذَبَحُوا أولادها لتسلم الأمهات‏.‏
يضرب لمن فر من أمْرٍ، فوقَع في شر منه‏.‏
2004- شمَّ بِخِنَّابَةِ أُمّ شِبْلٍ‏.‏
الْخِنَّابة‏:‏ مالان من الأنْفِ مما يلي الخد، وأم شبل‏:‏ الأسد ‏.‏
يضرب للمتكبر‏.‏
2005- شَمَّرَ ثَرْوَانُ وَصَاوٍ هُكَعَةٌ‏.‏
يقال‏:‏ رجل ثَرْوَان، إذا كان كثيرَ المالِ، والصَّاوِي‏:‏ اليابس، يقال‏:‏ صَوَى يَصْوِي صويّاً إذا يبس، والهُكَعَة‏:‏ الأحمق الكسلان‏.‏
يضرب للغنى المشمِّر الجادِّ في أمره، يُبَاهيه ويُبَاريه كسلان رثّ الحال، فمن أين يلتقيان‏؟‏‏.‏
2006- شَيْخٌ بِحَوْرَانَ لَهُ أَلْقَابُ‏.‏
حَوْرَان‏:‏ من أرض الشأم، وبعده‏:‏
الذئب والعَقْعَقُ والْغُرَاب*
يضرب لمن يُظْهِر للناس العَفَاف والصَّلاَح ومِنْ حقه أن يُحْتَرز من قُرْبه‏.‏
2007- شَهْرَا رَبِيعٍ كجُمَادَى الْبُوسِ‏.‏
جُمَادى‏:‏ عبارة عن الشتاء، وجمود الماء فيه‏.‏
يضرب لمن يَشْكُو حالَه في جميع الأوقات أخْصَبَ أم أجْدَبَ‏.‏
2008- شَرِيفُ قَوْمٍ يُطْعِمُ الْقَدِيدَ‏.‏
يقال‏:‏ إن القَدِيدِ شر الأطعمة، والرجل ‏[‏ص 372‏]‏ الشريف لا يقدِّدُ اللحم، وهذا الشريف يُقَدِّدُ‏.‏
يضرب لمن يظهر السَّخَاء ولا يُرَى منه إلا قليل خير‏.‏
2009- شَكَوْتُ لَوْحاً فَخَزَا لِي يَلْمَعَا‏.‏
اللَّوْح‏:‏ العَطَش، وحَزَا يَحْزُو وحَزْواً‏:‏ رَفَعَ، واليَلْمَع‏:‏ السَّرَاب‏.‏
يضرب لمن يَشْكو حالَه إلى صاحبٍ له فأطمعه فيما لا مَطْمَعَ فيه‏.‏
2010- شَمْلٌ تَعَالَى فَوْقَ خَصْبَاتِ الدَّقَلِ‏.‏
الشَّمل والشِّمْل‏:‏ ما يبقى على النَّخْل بعد الصِّرَام، والخصبة‏:‏ النخلة الكثيرة الحمل، قال الأعشى‏:‏
كأنَّ على أَنْسَائِهَا عِذْقَ خَصْبَةٍ * تَدَلَّى من الكَاُفوِر غَيْر مُكَمَّمِ
والدقَل‏:‏ أراد التمر‏.‏
يضرب لمن قلَّ خيره، وإن استخرج منه شيء كان مع تعب وشدة‏.‏
2011- شِوَالُ عَيْنٍ يَغْلِبُ الضِّمارَا‏.‏
الشِّوَال‏:‏ الشيء القليلُ، والضِّمار‏:‏ النسيئة، والعين‏:‏ النقد، والمعنى قليلُ النقدِ خيرٌ من النسيئة‏.‏
قاله أبو جابر بن مليل الهذلي أيام حاصر الحجاجُ بنُ يوسف عبدَ اللّه بن الزبير، وكان عبد اللّه يحسن الوعد ويُطِيل الإنجاز، وكان الحجاج يَفْجَأ أصحابه بالعَطِيَّات، فقيل لأبي جابر‏:‏ كيف ترى ما نحن فيه‏؟‏ فقال هذا القول، فذهب مثلا‏.‏
2012- أَشْرَى الشَّرِّ صِغَارُهُ‏.‏
أي‏:‏ ألَجُّه وأبْقَاه من قولهم‏"‏ شَرِيَ البرق‏"‏ إذا كثر لمعانه، وشَرِيَ الفرسُ، إذا لَجَّ في سيره ‏.‏
قالوا‏:‏ إن صياداً قدم بنِحْىٍ من عسل ومعه كلب له، فدخل على صاحب حانوت، فعرض عليه العسل ليبيعه منه، فقطَر من العسل قطرة، فوقع عليها زنبور، وكان لصاحب الحانوت ابنُ عرسٍ فوثَبَ ابنُ عرس على الزنبور، فأخذه فوثَبَ كلبُ الصائد على ابن عرس فقتله‏.‏فوثَبَ صاحبُ الحانوت على الكلب فضربه بعصاً ضربةً فقتله، فوثب صاحبُ الكلب على صاحب الحانوت فقتله، فاجتمع أهلُ قرية صاحب الحانوت فقتلوه، فلما بلغ ذلك أهلَ قرية صاحب الكلب اجتمعوا فاقتتلوا هم وأهلُ قرية صاحب الحانوت حتى تفانوا، فقيل هذا المثل في ذلك‏.‏ ‏[‏ص 373‏]‏
2013- أُشِبَّ لِي إِشْبَاباً
قال أبو زيد‏:‏ إذا عَرَضَ لك إنسان من غير أن تذكُرَه قلتَ هذا، أي رُفِع لي رَفْعاً‏.‏
قلت‏:‏ وأصلُه من ‏"‏شَبَّ الغلامُ يَشِبُّ‏"‏ إذا ترعرع وارتفع، وأشّبَّهُ اللّه إشبابا أي رَفَعه‏.‏
يضرب في لقاء الشيء فَجْأة
2014- شَرُّ مَرْغُوبٍ إليْهِ فَصِيلٌ رَيَّانٌ
وذلك أن الناقة لا تكاد تَدِرُّ إلا على ولد أو على بَوٍّ، فإذا كان الفصيلُ ريَّان لم يَمْرِهَا فبقي أربابُهَا من غير لبن‏.‏
يضرب للغني التجأ إليه محتاج‏.‏
2015- شَوْقٌ رَغِيبٌ وَزُبْير أَصْمَعُ
قيل‏:‏ الشوق ههنا الشقو، وهو فتح الفم، فقدم الواو في المصدر، والفعل جاء على أصله، يقال‏:‏ ‏"‏شَقَا فَمَه يَشْقُوه‏"‏ إذا فَتَحه والزبير‏:‏ القمة، والأصمع‏:‏ الصغير‏.‏
يضرب لمن وَعَدَ وأكد ثم لا يفي بشيء مما قال وإن قلَّل وصَغَّر‏.‏

B-happy 3 - 3 - 2010 10:05 PM



2016- شَرُّ إِخْوَانِكَ مَنْ لاَ تُعَاتِبُ
هذا كقولهم ‏"‏ معاتبة الأخ خيرٌ مِنْ فَقْده‏"‏ أي لأن تعتبه ليرجع إلى ما تحبُّ خَيْرٌ من أن تقطعه فتفقده، وقوله ‏"‏مَنْ لا تعاتب‏"‏ أي لا تعاتبه، ومن روى بالياء أراد من لا يعاتبك‏.‏
2017- الشَّمْسُ أَرْحمُ بِناَ
يعني أنها دِثَارهم في الشتاء، كما قال الشاعر‏:‏
إذا حَضَرَ الشِّتَاءُ فأنْت شَمْسٌ * وإنْ حَضَرَ الْمَصِيفُ فأنْتَ ظِلُّ
2018- شِدَّةُ الَحْذَرِ مُتْهمِةٌ
أي مُوقِعة في التُّهَمَة
2019- شَنِئْتُهَا فِي أَهْلهَا* مِنْ قَبْلِ أَنْ تُزْأَى إِلَيَّ
أي أبغضُتَها من قبل أن تزف إلى
يضرب للمَشْنُوء
قلت‏:‏ كذا وَجَدْتُ هذا المثل‏"‏ من قبل أن تُزْأَى‏"‏ والصواب ‏"‏تُزْوَى‏"‏ أي تضم وتجمع، وإلا فليس لهذا التركيب ذكر في كتب اللغة ويمكن أن يُحْمَل على أن الهمزة بدلٌ من الهاء، أي تُزْهَى، ومعناه ترفع، يقال‏:‏ زَهَا السرابُ السيء يزهاه إذا رفَعه‏.‏
2020- شَغَرَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِرِجْلِهَا
شَغَرت‏:‏ أي رفعت، والباء في ‏"‏برجلها ‏"‏ زائدة‏.‏
يضرب لمن ساعدته الدنيا فنال منها حَظَّه‏.‏ ‏[‏ص 374‏]‏
2021- شَرُّ الأَخِلاَّءِ خَلِيلٌ يَصْرِفُهُ وَاشٍ
يضرب للكثير التَّلَوُّنِ في الوداد
2022- اُشْرَب تَشبَعْ وَاُحْذَرْ تَسْلَمْ وَاتَّقِ تُوقَهْ
قال أبو عبيد‏:‏ يضرب في التوقِّي في الأمور، قال‏:‏ وهو في بعض كتب الحكمة
قلت‏:‏ والهاء في قوله ‏"‏توقه‏"‏ يجوز أن تكون للسكت، ويجوز أن تكون كنايةً عن الشر، كأنه قال‏:‏ اتق الشر تُوقَهْ
2023- شَاوِرْ في امْرِكَ الذَّيِنَ يَخْشَوْنَ اللّه
هذا يروى عن عمر رضي اللّه عنه‏.‏
2024- شِدَّةُ الحِرْصِ مِنْ سُبُلِ اُلْمُتَأَلِّفِ
يضرب في الشَّهْوَان الحريصِ على الطعام وغيره‏.‏
2025- شَوَى زَعَمَ ولم يَأْكل
يعني زَعَم أنه تولَّى شَيَّةُ ثم لم يأكل ‏.‏
يضرب لمن تولَّى أمراً ثم نَزَعَ نفسه منه‏.‏
2026- شَغَلَ اَلْحْليُ أَهْلَهُ أَنْ يُعاَرا
أي أهلَ الحلي، احتاجوا أن يُعَلِّقوه على أنفسهم، فلذلك لا يعيرون، وهذا قريب من قولهم ‏"‏شَغَلَتْ شِعَابِي جَدْوَاىَ ‏"‏يضربه المسؤل شيئا هو أحْوَجُ إليه من السائل‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif ما جاء على أفعل من هذا الباب
2027- أَشَدُّ الرِّجَال اْلأَعْجَفُ اْلأَضْخَمُ ‏.‏
يعني المهزول الكبير الألواح
2028- أَشْأَمُ مِنَ البَسُوسِ
هي بَسُوس بنت منقذ التميمية خالَةُ جَسَّاس بن مُرَّة بن ذُهْل الشيباني قاتل كليب، وكان من حديثه أنه كان للبسوس جارٌ من جَرْم يقال له سعد بن شمس، وكانت له ناقة يقال لها سَرَاب، وكان كليب قَدْ حَمَى أرضاً من أرض العالية في أنف الربيع، فلم يكن يرعاه أحدٌ إلا إبل جساس لمصاهرة بينهما، وذلك أن جليلة بنت مرة أختَ جَسَّاس كانت تحت كليب، فخرجت سَرَابُ ناقةُ الجرمي في إبل جَسِّاسٍ ترعى في حمى كليب، ونظر إليها كليبٌ فأنكرها فرماها بسَهْم فاختلَّ ضَرْعها فولَّت حتى بركَتْ بفناءِ صاحبها ‏[‏ص 375‏]‏ وضَرْعُها يَشْخُب دماً ولبناً، فلما نظر إليها صرخ بالذل، فخرجت جارية البَسُوس ونظرت إلى الناقة فلما رأت ما بها ضَرَبَتْ يدها على رأسها ونادت‏:‏ وَا ذُلاَّه، ثم أنشأت تقول‏:‏
لعمرك لو أصْبَحْتَ في دار مُنْقِذٍ * لما ضِيمَ سعدٌ وهو جارٌ لأبْيَاتِي
ولَكِنَّنيِ أصْبَحْتُ في دار غُرْبَةٍ * مَتَى يَعْدُ فيها الذئبُ يَعْدُ على شَاتِي
فيا سعدُ لا تُغْرَرْ بنفسكَ وَارْتَحلْ * فإنَّك في قومٍ عن الجارِ أمْوَاتِ
ودُونَكَ أذْوَادِي فإنيَ عنهمُ * لَرَاحِلةٌ لا يُفْقِدني بُنَيَّاتِي
فلما سمع جساس قولها سكنها وقال‏:‏ أيَّتُهَا المرأة ليقتلَنَّ غداً جملٌ هو أعظم عَقْراً من ناقة جارك، ولم يزل جساس يتوقَّع غِرَّةَ كليب حتى خَرَجَ كليبٌ لا يخاف شيئا، وكان إذا خرج تباعَدَ عن الحي، فبلغ جساسا خروجُه، فخرج على فرسه وأخذ رمحه واتبعه عمرو بن الحارث فلم يدركه حتى طعن كليبا ودَقَّ صُلْبه، ثم وقف عليه فقال‏:‏ يا جساس اغثني بشَرْبَة ماء‏.‏فقال جساس‏:‏ تركْتَ الماء وراءك، وانصرف عنه، ولحقه عمرو فقال‏:‏ يا عمرو أغثني بشربة، فنزل إليه فأجْهَزَ عليه، فضرب به المثل فقيل‏:‏
المستجِيرُ بَعْمرٍو عند كربيه * كالمستجير من الرَّمْضَاء بالنار
قال‏:‏ وأقبل جساس يركُضُ حتى هَجَم على قومه، فنظر إليه أبوه وركبته بادية فقال لمن حوله‏:‏ لقد أتاكم جساس بداهية، قالوا‏:‏ ومن أين تَعْرف ذلك‏؟‏ قال‏:‏ لظهور ركبتيه فإني لا أعلم أنها بَدَتْ قبل يومها، ثم قال‏:‏ ما وراءك يا جساس‏؟‏ فقال‏:‏ واللّه لقد طَعَنْتُ طعنةً لتجمعن منها عجائز وائل رقصا، قال‏:‏ وما هي ثكلتك أمك‏؟‏ قال‏:‏ قتلت كليبا، قال أبوه‏:‏ بئس لعمر اللّه ما جَنَيْتَ هلى قومك‏!‏ فقال جساس‏:‏
تأهَّبْ عنكَ أهْبَةَ ذي امتناعٍ *فإن الأمْرَ جَلَّ عن التَّلاَحِي
فإني قد جَنَيْتُ عليك حَرْباً * تُغصُّ الشيخَ بالماءِ القَرَاحِ
فأجابه أبوه
فإن تَكُ قَدْ جَنَيْتَ علي حَرْباً * فَلاَ وَانٍ وَلا رَثُّ السِّلاَح
سألبسُ ثَوْبَهَا وأذبّ عَنِّي * بها يَوْمَ الَمَذَّلةِ والفضاح
قال‏:‏ ثم قَوَّضُوا الأبنية، وجمعوا النَّعَم والخيول، وأزمعوا للرحيل، وكان همام بن مرة أخو جساس نديماً لمهلهل بن ربيعة أخي كليب، فبعثوا جاريةً لهم إلى همام لتعلمه ‏[‏ص 376‏]‏ لخبر، وأمروها أن تسره من مهلهل، فأتتهما الجارية وهما على شَرَابهما، فسارَّت هماما بالذي كان من الأمر، فلما رأى ذلك مهلهل سأل هماما عما قالت الجارية، وكان بينهما عهد أن لا يكتم أحدهما صاحبه شيئاً، فقال له‏:‏ أخبرتني أن أخي قتل أخاك، قال مهلهل‏:‏ أخوك أضْيَقُ اسْتاً من ذلك، وسكت همام، وأقبلا على شَرَابهما، فجعل مهلهل يشرب شُرْبَ الآمِنِ، وهمام يشرب شرب الخائف، فلم تلبث الخمرُ مهلهلا أن صَرَعَتْه، فانْسَلَّ همام فرأى قومه وقد تحملوا فتحمل معهم، وظهر أمرُ كليبٍ، فقال مهلهل لنسوته‏:‏ ما دها كن ‏؟‏ قلن‏:‏ العظيم من الأمر، قَتَلَ جساسٌ كليبا، ونَشِبَ الشر بين تغلب وبكر أربعين سنة كلها يَكون لتغلب على بكر، وكان الحارث بن عُبَاد البكري قد اعْتَزَل القومَ، فلما استحَرَّ القتلُ في بكر اجتمعوا إليه وقالوا‏:‏ قد فَنِيَ قومُك، فأرسَلَ إلى مهلهل بجيراً ابْنَه وقال‏:‏ قل له أبو بُجَيْر يقرئك السلام، ويقول لك‏:‏ قد علمتَ أني اعتزلْتُ قومي، لأنهم ظَلَموك وخَلَّيتك وإياهم وقد أدركت وِتْرَكَ فأنشدك اللّه في قومك، فأتى بجيرٌ مهلهلاً وهو في قومه، فأبلغه الرسالَةَ فقال‏:‏ من أنت ياغلام‏؟‏قال‏:‏ بجير بن الحارث بن عُبَاد، فقتله، ثم قال‏:‏ بُؤْبِشِسْعِ كليب، فلما بلغ الحارثَ فعلُه قال‏:‏ نعم القتيلُ بجير إن أصْلَح بين هذين الغارين قتلُه وسكنت الحرب به، وكان الحارثُ من أحلم الناسِ في زمانه فقيل له‏:‏ إن مهلهلا قال له حين قتله بُؤْبِشِسْعِ كليب فلما سمع هذا خرجَ مع بني بكر مقاتلا مهلهلا وبني تغلب ثائراً ببجير وأنشأ يقول‏:‏
قَرِّباَ مَرْبِطَ النَّعَامَةِ منِّي * إنّ بَيْعَ الكريمِ بالشِّسْعِ غَالِي
قَرِّباَ مَرْبِطَ النعامة مِنِّي * لَقِحَتْ حَرْبُ وائِلٍ عن حِيَالِ
لم أكن من جُنَاتِهَا عَلِمَ الَّل * هُ َوإنِّي بِشَرِّها الْيَوْمَ صَالِي
ويروى‏"‏ بِحَرِّهَا‏"‏ والنعامة‏:‏ فرسُ الحارث، وكان يقال للحارث‏:‏ فارس النَّعَامة، ثم جمع قومه والتقى وبنو تغلب على جبل يقال له قضة فهزمَهم وقتلهم ولم يقوموا لبكر بعدها‏.‏
2029- أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النِّحْيَيْنِ ‏.‏
هي امرأة من بني تَيْم اللّه بن ثعلبة، كانت تبيع السمن في الجاهلية، فأتاها خَوَّات بن جُبَير الأنصاري يبتاع منها سَمْنا، فلم يَرَ عندها أحدا، وساوَمَها فحَلَّت نِحْياً، فنظر إليه ثم ‏[‏ص 377‏]‏ قال‏:‏ أمسكيه حتى أنظر إلى غيره، فقالت‏:‏ حُلَّ نِحْياً آخر، ففعل، فنظر إليه فقال‏:‏ أريد غير عذا فأمسكيه، ففعلت، فلما شَغَلَ يديها ساوَرَها فلم تقدر على دَفْعه حتى قضي ما أراد وهرب، فقال‏:‏
وَذَاتِ عِيَالٍ وَاثِقينَ بِعقْلهَا * خَلَجْتُ لهَا جَارَاسْتِهَا خَلَجَاتِ
شَغَلْتُ يَدَيْهَا إذْا أرَدْتُ خِلاَطَهَا * بِنِحْيَيْنِ مِنْ سَمْنٍ ذَوَيْ عجَرَاتِ
فأخْرَجُتُه رَيَّانَ ينطف رَأسه *مِنَ الرامك المدموم بالمقرات
ويروى ‏"‏بالتفرات‏"‏جمع ثفرة‏.‏والرامك‏:‏ شيء تُضَيق به المرأة قبلها ‏.‏والمدموم‏:‏ المخلوط، والمقرة‏:‏ الصبر‏.‏
فكان لها الويلات من ترك سمنها * ورَجْعَتها صِفْراً بغير بَتَاتِ
فَشَدَّتْ على النِّحْيَيْنِ كَفّاً شَحِيحَةً * على سَمْنِهَا والْفَتْكُ من فَعَلاَتِي
ثم أسلم خَوَّات رضي اللّه عنه، وشهد بَدْراً، فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ يا خَوَّات كيف شِرَادُك‏؟‏ ويروى كيف شراؤك، وتَبَسَّم صلوات اللّه عليه، فقال‏:‏ يا رسول اللّه قد رَزَقَ اللّه خيرا، وعوذ باللّه من الحور بعد الكور، وفي رواية حمزة فقال له النبي صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ ما فَعَلَ بعيرُك‏؟‏ أيشرد عليك‏؟‏ فقال‏:‏ أما منذ أسلمت - أو منذ قَيَّده الإسلام - فلا، ويَدَّعِى الأنصار أنه عليه السلام دعا بأن تسكن غُلْمته، فسكنت بدعائه، وهجا رجل بني تيم اللّه فقال‏:‏
أنَاسٌ رَبَّةُ النِّحْيَيْنِ منهم * فَعُدُّوها إذا عُدَّ الصَّمِيمُ
وزعموا أن أم الورد العَجْلاَنية مَرَّتْ في سوق من أسواق العرب، فإذا رجل ييبع السمن، ففعلت به كما فَعَل خَوَّاتٌ بذات النحيين من شَغْل يديها ثم كشفت ثيابه وأقبلت تضربُ شقَّ استه بيديها، وتقول‏:‏ يا ثارات ذاتِ النِّحْيَيْنِ‏.‏
2030- أشْأمُ مِنْ خَوْتَعَة ‏.‏
وهو أحد بني غُفَيلة بن قاسط بن هِنْب بن أفْصَى بن دُعْمِىِّ بن جَدِيلة ‏.‏
ومن حديثه أنه دلَّ كُثَيْفَ بن عمرو التَّغْلَبي ‏[‏وأصحابَه‏]‏ على بني الزَّبَّان الذُّهْلي لِتِرَةٍ ‏(‏الترة - بوزن عدة وصفة - الثأر، وأصل تائها واو‏)‏ كانت له عند عمرو بن الزَّبَّان، وكان سبب ذلك أن مالك بن كومة الشيباني لقي كُثَيِّفَ بن عمرو في بعض حروبهم، وكان مالك نحيفا قليل اللحم، وكان كُثَيف ضَخْما، فلما أراد مالك أسْرَ كُثَيف اقتحم ‏[‏ص 378‏]‏ كثيف عن فرسه لينزل إليه مالك، فأوْجَرَه مالك السِّنَانَ، وقال‏:‏ لتسأسِرَنَّ أو لأقتلنك، فاحْتَقَّ فيه هو وعمرو بن الزَّبَّان، وكلاهما أدركه، فقالا‏:‏ قد حكمنا كُثَيفا، يا كثيف مَنْ أسَرَك‏؟‏ فقال‏:‏ لولا مالك بن كومة كنت في أهلي، فلطَمه عمرو بن الزَّبَّان، فغضب مالك، وقال‏:‏ تَلْطم أسيري ‏؟‏ إن فداءك يا كثيف مائة بعير، وقد جعلتُهَا لك بلَطْمة عمرو وَجْهَك، وجَزَّ ناصيته وأطلقه، فلم يزل كُثَيف يطلب عمرا باللَّطْمة حتى دلَّ عليه رجل من غُفَيلة يقال له خَوْتَعة، وقد بَدَّتْ لهم إبل، فخرج عمرو وإخوته في طَلَبها فأدركوها فذبَحُوا حُوَارا فاشْتَوَوْهُ وجلسوا يَتَغَدَّون، فأتاهم كُثَيف بضِعْف عددهم، وأمرهم إذا جلسوا معهم على الغدَاء أن يكتنف كلَّ رجلٍ منهم رجلان، فمروا بهم مجتازين، فدُعُوا فأجابهم، فجلسوا كما ائتمروا فلما حَسَر كُثَيف عن وجهه العمامةَ عرفه عمرو، فقال‏:‏ ياكثيف إن في خَدِّي وَفَاء من خدك، وما في بكر بن وائل خد أكْرَمُ منه، فلا تشبَّ الحربَ بيننا وبينك، فقال‏:‏ كلا بل أقتلك وأقتل إخْوَتَكَ، قال‏:‏ فإن كنت فاعلا فأطلق هؤلاء الفتية الذين لم يتلبسوا بالحروب، فإن وراءهم طالباً أطْلَبَ مني، يعني أباهم، فقتلهم وجعل رؤوسهم في مِخْلاَة وعلَّقها في عنق ناقة لهم يقال لها الدُّهَيْم، فجاءت الناقة والزبَّان جالسٌ أمام بيته حتى بركت، فقال‏:‏ يا جارية هذه ناقة عمرو، وقد أبطأ هو وإخوتُه، فقامت الجارية فجَسَّت المخلاة، فقالت‏:‏ قد أصاب بَنُوكَ بَيْضَ نعام، فجاءت بها إليه، وأدخلت يدها فأخرجت رأس عمرو أولَ ما أخرجت، ثم رؤوسَ إخوته، فَغَسلها ووضَعها على تُرْسٍ وقال‏:‏ آخِرُ البَزِّ على القَلُوص، وقال أبو الندى‏:‏ معناه هذا آخر عهدي بهم، لا أراهم بعده، فأرسلها مثلا، وضرب الناس بحمل الدُّهَيْم المثلَ، فقالوا‏:‏ أثْقَلُ من حمل الدهيم، فلما أصبح نادى‏:‏ يا صَبَاحاه، فأتاه قومه، فقال‏:‏ واللّه لأحَوِّلَنَّ بيتي ثم لا أردُّه إلى حاله الأول حتى أدرك ثاري، وأطفى ناري فمكث بذلك حيناً لا يدري مَنْ أصاب ولده ومَنْ دَلَّ عليهم، حتى خُبِّر بذلك، فحلف لا يحرِّمُ دم غُفَلِىٍّ حتى يدلُّوه كما دلُّوا عليه، فجعل يغزو بني غُفَيلة حتى أثْخَن فيهم، فبينما هو جالس عند ناره إذ سمع رُغَاء بعير، فإذا رجل قد نزل عنه حتى أتاه فقال‏:‏ من أنت ‏؟‏ فقال‏:‏ رجل من بني غُفَيلة، فقال‏:‏ أنت وقد آن لك، فأرسلها مثلا، فقال‏:‏ هذه خمسة وأربعون بيتاً من بني تَغْلب بالإقطانتين، يعني موضعا بناحية الرقة، فسار إليهم الزَّبَّان ‏[‏ص 379‏]‏ ومعه مالك بن كومة، قال مالك‏:‏ فَنَعِسْتُ على فرسي وكان ذريعا فتقدم بي، فما شَعَرْتُ إلا وقد كرع في مقراة القوم، فجذبته فمشى على عقبيه فسمعت جارية تقول‏:‏ ياأبت هل تمشي الخيل على أعقابها‏؟‏ فقال لها أبوها‏:‏ وما ذاك يا بنية ‏؟‏ قالت‏:‏ رأيت الساعة فرسا كَرَعَ في المقراة ثم رجع على عقبيه، فقال لها‏:‏ ارْقُدِي فإني أبغض الجاريةَ الكَلُوء العينِ، فلما أصبحوا أتتهم الخيل دَوَاسَّ، أي يتبع بعضُها بعضا فقتلوهم جميعا‏.‏
قوله ‏"‏ دَوَاسَّ‏"‏ كذا أورده حمزة في كتابه، والصواب‏"‏ دوائس‏"‏ يقال‏:‏ داستهم الخيلُ بحَوَافرها، وأتتهم الخيل دَوَائِسَ، أي يتبع بعضُها بعضا، ووجدت في بعض النسخ يقال‏:‏ دَسَّتِ الخيلُ تدسُّ دَسّاً إذا تبع بعضها بعضا، وأنشد‏:‏
خَيْلاً تًدسُّ إليهمُ عجلا * وَبَنُو رَحَائِلهَا ذّوُو بَصَرِ
أي ذوو حزم
2031- أشْأَمُ مِنْ أحْمَرِ عاد ‏.‏
هو قُدَار بن سالف، عاقر الناقة، ويقال له أيضاً‏:‏ قُدَار بن قُدَيرة، وهي أمه، وهو الذي عَقَر ناقة صالح عليه السلام، فأهلك اللّه بفعله ثمودَ‏.‏
2032- أشْهَرُ مِنَ الَفَرسِ الأْبلَقِ‏.‏
ويقال أيضاً‏"‏ أشهر من فارس الأبلق‏"‏
2033- أشأمُ مِنْ دَاحِسٍ‏.‏
وهو فرس لقَيْس بن زُهَير العَبْسِي، وهو داحس بن ذي العُقَّال، وكان ذو العُقَّال فرساً لحَوْطِ بن جابر ‏(‏في القاموس ‏"‏حوط بن أبي جابر‏"‏‏)‏ بن حُمَيْرَي بن رياح بن يَرْبُوع بن حَنْظَلة، وكانت أم داحس فرسا لِقِرْوَاش بن عَوْف بن عاصم بن عبيد بن يربوع يقال لها جَلْوَى، وإنما سمي داحسا لأن بني يربوع احتملوا سائرين في نُجْعَةٍ لهم، وكان ذو العُقَّال مع ابنتي حَوْط بن جابر ‏(‏في القاموس ‏"‏حوط بن أبي جابر‏"‏‏)‏ يَجْنُبانه، فمرَّتْ به جَلْوى، فلما رآها ذو العُقَّال وَدَى، فضحك شابٌّ منهم، فاسْتَحْيَتِ الفتاتان، فأرسَلَتَاهُ فنَزَا على جَلْوَى فوافق قبولها فأقصت ثم أخذه لهما بعض رجال القوم، فلحق بهم حوط - وكان رجلا سيء الخلق - فلما نظر إلى عين فرسه قال‏:‏ واللّه لقد نزا فَرَسِي فأخْبِرَاني ما شأنه، فأخبرتاه بما كان، فنادى‏:‏ يال رياح، واللّه لا أرضى حتى آخذ ماء فرسي، قال بنو ثعلبة‏:‏ واللّه ما استكرهْنَا فرسَك وما كان إلا منفلتا، قال‏:‏ فلم يزل الشر بينهم حتى عَظُم، فلما رأوا ذلك قالوا‏:‏ ما تريدون يابني رياح‏؟‏ قالوا‏:‏ فدونكم الفرس، فسطا عليها ‏[‏ص 380‏]‏ حَوْط وجعل يَدَه في ماء وملح ثم أدخلها في رحمها ودَحَسَ بها حتى ظن أنه فَتَحَ الرحم وأخرج الماء، واشتملت الرحم على ما فيها، فَنَتَجَها قِرْوَاش بن عوف داحساً، فسمي داحساً لذلك، والدَّحْس‏:‏ إدخال اليد بين جلد الشاة ولحمها حين يسلخها، ثم رآه حَوْط فقال‏:‏ هذا ابن فرسي، فكرهوا الشر، فبعثوا به إليه مع لَقُوحَيْن ورواية من لبن، فاستحيا فردَّه إليهم وهو الذي ذكره جرير حيث يقول‏:‏
إن الجِيَادَ يَبِتْنِ حول قِبَابِنَا * من آل أَعْوَجَ أو لذي العُقّالِ
2034- أَشأَمُ مِنْ قَاشِرٍ‏.‏‏.‏
هو فحل لبني عوافة بن سعد بن زيد مَنَاة بن تميم، وكان لقوم إبل تذكر، فاستطرقوه رجاء أن يؤنث إبلهم، فماتت الأمهات والنَّسْل، ويقال‏:‏ قاشر اسم رجل وهو قاشر بن مرة أخو زَرْقَاء اليمامة، وهو الذي جَلَبَ الخيل إلى جَوٍّ حتى استأصلهم‏.‏
2035- َشْجَعُ مِنْ لَيْثِ عِفِرِّينَ‏.‏
زعم الأصمعي أنه دابة مثل الحِرْباء، تتعرض للراكب وتضرب بذنبها، وقالوا‏:‏ هو منسوب إلى عِفِرِّينَ اسم بلد، ويقال‏:‏ ليث عفرين دزيبة مأواها التراب السهل في أصول الحيطان، تدور ثم تندسّ في جوفها، فإذا هيجت رَمَتْ بالتراب صُعُداً ‏.‏
وقال الجاحظ‏:‏ إنه ضرب من العَنَاكب يصيد الذباب صَيْدَ الفُهُود، وهو الذي يسمى الليث، وله ست عيون، فإذا رأى الذباب لطىء بالأرض وسكن أطرافه، فمتى وثب لم يخطىء، ويقولون في سن الرجل‏:‏ ابن العشر سنين لَعَّاب بالْقُلِينَ، وابن العشرين باغي نِسِين، أي طالب نِسَاء، وابن الثلاثين أسعى الساعين، وابن الأربعين أبطش الباطشين، وابن الخمسين ليث عِفِرِّينَ، وابن الستين مؤنس الجليسين، وابن السبعين أحكم الحاكمين، وابن الثمانين أسرع الحاسبين، وابن التسعين أحد الأرذلين، وابن المائة لا حاء ولا ساء، أي لا رجل ولا امرأة‏.‏
2036- أَشَدُّ حُمْرَةً مِنْ بِنْتِ المَطَر ‏.‏
وهي دويبة حمراء تظهر غِبَّ المطر‏.‏
2037- أَشْأَمُ مِن حُمَيْرَةَ ‏.‏
هي فرس شَيْطان بن مُدْلج الْجُشَمي ثم أحد بني إنسان‏.‏
وكان من حديثه أن بني جُشَمَ بن معاوية أسهلوا قبل رجب بأيام يطلبون المرعى فأفلت حميرة، فجاء صاحبها يُرِيفها عامة ‏[‏ص 381‏]‏ نهاره حتى أخذها، وخرجت بنو أسد وبنو ذبيان غارّين، فرأوا آثار حميرة فقالوا‏:‏ إن هؤلاء لَقَرِيبٌ منكم، فاتبعوا آثارها حتى هجموا على الحي فغنموا، وذلك يوم يَسْيَان فقال شيطان يذكر شؤمها‏:‏
جاءَتْ بما تَزْبِي الدُّهَيْمُ لأهلها * حُمَيْرةُ، أو مَسْرَى حُمَيْرةَ أَشْأَمُ
فلا ضير إن عرضتها ووقَفْتُهَا * لِوَقْعِ القنا كيما يُضَرِّجَهَا الدَّمُ
وعرَّضْتُها في صَدْر أظْمى يَزِينُهُ * سنِاَن كَنِبْرَاسِ التهامى لَهْذَمُ
وكنتُ لها دُونَ الرماح دَرِيئَةً * فتَنْجُو وَضَاحِي جِلْدِهَا ليس يُكْلَم
وبينا أُرَجِّى أنْ أوفى غَنِيمَةً * أَتَتنِي بأْلَفْي دَارِعٍ يَتَعَمَّمُ
2038- أشأَمُ مِن مَنْشِمَ‏.‏
ويقال ‏"‏أشأم من عِطْرِ َمنْشَمَ‏"‏‏.‏
وقد اختلف الرواة في لفظ هذا الاسم، ومعناه، وفي اشتقاقه، وفي سبب المثل‏.‏
فاما اختلاف لفظه فإنه يقال‏:‏ مَنْشِم، ومَنْشَم، ومَشْأَم‏.‏
وأما اختلاف معناه فإن أبا عمرو بن العَلاَء زعم أن المَنْشِمَ الشرُّ بعينه، وزعم آخرون أنه شيء يكون في سُنْبُل العطر، يسميه العطارون قرون السنبل، وهو سم ساعة، قالوا‏:‏ وهو البيش، وقال بعضهم‏:‏ إن المنشم ثمرة سوداء منتنة، وزعم قوم أن منشم اسم امرأة ‏.‏
وأما اختلاف اشتقاقه فقالوا‏:‏ إن مَنْشِم اسمٌ موضوع كسائر الأسماء الأعلام، وقال آخرون‏:‏ مَنْشَم اسم وفعل جعلا اسماً واحداً وكان الأصل مَنْ شَمَّ فحذفوا الميم الثانية من شَمَّ، وجعلوا الأولى حرف إعراب، وقال آخرون‏:‏ هو من نشم إذا بدأ، يقال ‏"‏نشم في كذا‏"‏ إذا أخذ فيه، يقال ذلك في الشر دون الخير، وفي الحديث ‏"‏لما نشم الناسُ في عثمان‏"‏ أي طعنوا فيه، فأما مَنْ رواه مَشْأم فإنه يجعله اسماً مشتقاً من الشؤم‏.‏
وأما اختلاف سبب المثل فإنما هو في قول مَنْ زعم أن منشم اسم امرأة، وهو أن بعضَهم يقول‏:‏ كانت مَنْشِم عطارةً تبيع الطيب، فكانوا إذا قَصَدُوا الحربَ غَمَسُوا أيديَهم في طيبها وتحالفوا عليه بأن يستميتوا في تلك الحرب ولا يُوَلُّوا أو يُقْتَلُوا، فكانوا إذا دخلوا الحربَ بطيب تلك المرأة يقول الناس‏:‏ قد دَقُّوا بينهم عِطْرَ مَنْشِمَ، فلما كثر منهم هذا القول سار مثلا، فمن تمثل به زهير بن أبي سلمى حيث يقول‏:‏ ‏[‏ص 382‏]‏
تَدَاركْتُما عَبْساً وذُبْيَانَ بَعْدَمَا * تَفَاَنْوا ودَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشِم
وزعم بعضهم أن مَنْشِم كانت امرأة تبيع الْحَنُوطَ، وإنما سموا حنوطها عطراً في قولهم ‏"‏ قد دقوا بينهم عطر منشم‏"‏ لأنهم أرادوا طيبَ الموتى‏.‏ وزعم الذين قالوا‏:‏ إن اشتقاق هذا الاسم إنما هو عطر مَنْ شَمَّ، أنها كانت امرأة يقال لها ‏"‏خفرة‏"‏ تبيع الطيب، فورد بعضُ أحياء العرب عليها، فأخذوا طيبها وفَضَحُوها، فلحقها قومُها، ووضعوا السيفَ في أولئك وقالوا‏:‏ اقتلوا مَنْ شَمَّ، أي من شَمَّ من طيبها‏.‏ وزعم آخرون أنه سار هذا المثلُ في حَلِيمة أعني قولهم‏:‏ ‏"‏قد دَقُّوا بينهم عطر منشم‏"‏ قالوا‏:‏ ويومُ حليمة هو اليوم الذي سار به المثل فقيل‏:‏ ‏"‏ما يَوْمُ حَليمة بِسِرٍّ‏"‏ لأن فيه كانت الحرب بين الحارث بن أبي شمر ملك الشام، وبين المنذر بن المنذر بن امرىء القيس ملك العراق، وإنما أضيف هذا اليوم إلى حليمة لأنها أخرجت إلى المعركة مَرَاكِنَ من الطيب، فكانت تُطَيِّبُ به الداخلين في الحربِ، فقاتلوا من أجل ذلك حتى تفانوا، وزعم آخرون أن منشم امرأة كان دخل بها زوجُها، فنافرته، فدقَّ أنفها بفِهْرٍ، فخرجت إلى مُدَمَّاة، فقيل لها‏:‏ بئس ما عَطَّرك به زوجُك، فذهبت مثلا‏.‏
وقال ابن السكيت العربُ تكنى عن الحرب بثلاثة أشياء‏:‏ أحده عِطْرُ مَنْشِم، والثاني‏:‏ ثَوْبُ محارب، والثالث‏:‏ برد فاخر، ثم حكى في تفسير عطر منشم قولَ الأصمعي، وقال في ‏"‏ ثوب محارب‏"‏ إنه كان رجلا من قيس عَيْلاَن يتخذ الدروع، والدرعُ ثوبُ الحربِ، وكان مَنْ أراد أن يشهد حرباً اشترى درعاً، وأما ‏"‏ برد فاخر‏"‏ فإنه كان رجلا من تميم، وهو أول من لبس البرد المَوْشِيَّ فيهم، وهو أيضاً كناية عن الدرع، فصار جميعُ ذلك كنايةً عن الحرب‏.‏
2039- أَشْأَمُ مِنْ رَغَيِفِ اَلْحوْلاءِ‏.‏
قالوا‏:‏ إنها كانت خَبَّازة، ومن حديثها - فيما ذكر ابن أخي عمارة بن عقيل ابن بلال بن جرير - أن هذه الخبازة كانت في بني سَعْد بن زيد مَنَاة بن تميم، فمرت بخبزها على رأسها، فتناول رجل منهم من رأسها رغيفاً، فقالت له‏:‏ واللّه ما لك على حق، ولا اسْتَطْعَمْتَنِي، فَبِمَ أَخَذْتَ رغيفي ‏؟‏ أما إنك ما أردت بما فعلتَ إلا أَبْسَ فلان، رجلٍ كانت في جواره، فثار القوم، فقُتِل بينهم ألف إنسان‏.‏ ‏[‏ص 383‏]‏
2040- أَشأَمُ مِنْ طَيْرِ العَرَاقِيبِ‏.‏
هو طير الشؤم عند العرب، وكل طائر يتطير منه للإبل فهو طير عرقوب، لأنه يعرقبها‏.‏
2041- أشأَمُ مِنَ اْلأَخْيَلِ‏.‏
هو الشِّقِرَّاق، وذلك أنه لا يقع على ظهر بعير دَبِر إلا خَزَل ظهره، قال الفرزدق يخاطب ناقته‏:‏
إذ قَطَناً بَلَّغْتِنيهِ ابْنَ مُدْرِك * فَلُقّيتِ مِنْ طَيْرِ العراقيب أَخْيَلاَ
ويروى من ‏"‏طير الأشائم ‏"‏ ويقال‏:‏ ‏"‏بعير مَخْيول‏"‏إذا وقَع الأخيل على عجزه فقطعه، ويسمونه مُقَطِّع الظهور، وإذا لقي الأخيلَ منهم مسافرٌ تَطَيَّر وأيقن بالعَقْر في الظهر إن لم يكن موت، وإذا عاين أحدُهم شيئاً من طير العَرَاقيب قالوا‏:‏ أتِيحَ له ابنا عِيَان، كأنه قد عَايَنَ القتل أو العَقْر، وإذا تكهن كاهنهم أو زَجَر زاجر طيرهم، أو خطَّ خاطُّهم فرأى في ذلك ما يكره قال‏:‏ ابْنَا عِيان، أَظْهَرَا البيان، ويروى ‏"‏أسْرَعَا البَيَان‏"‏ وهما خَطَّان يخطهما الزاجر ويقول هذا اللفظ، كأنه بهما ينظر إلى ما يريد أن يعلمه، ويروى ‏"‏ابنَيْ عيان، أظهِرَا البيان‏"‏على النداء، أي يا ابني عيان أظهر البيان‏.‏
2042- أشأَمُ مِنْ غُرَابِ الْبَيْنِ‏.‏
إنما لزِمه هذا الاسم لأن الغراب إذا بان أهلُ الدَّار للنُّجْعة وقَع في موضع بيوتهم يتلمس ويتقمم، فتشاءموا به، وتطيروا منه، إذ كان لا يعترى منازلهم إلا إذا بانوا، فسموه غراب البين، ثم كرهوا إطلاق ذلك الاسم مخافة الزجر والطيرة، وعلموا أنه نافذ البصر صافي العين، حتى قالوا‏:‏ أصفى من عين الغراب، كما قالوا‏:‏ أصفى من عين الديك، وسموه ‏"‏الأعور‏"‏ كنايةً، كما كنوا طيرةً عن الأعمى فكنوه ‏"‏ أبا بصير‏"‏ وكما سموا الملدوغ والمنهوس ‏"‏ السليم‏"‏ وكما قالوا للمَهَالك من الفيافي ‏"‏المَفَاوز‏"‏ وهذا كثير، ومن أجل تشاؤمهم بالغراب، اشتقوا من اسمه الغُرْبَة والاغتراب والغَرِيب، وليس في الأرض بَاوِح، ولا نَطِيح، ولا قَعِيد، ولا أَعْضَب، ولا شيء مما يتشاءمون به إلا والغُرَابُ عندهم أنكَدُ منه، ويرون أن صياحه أكثر أخباراً، وأن الزجر فيه أعمُّ، قال عنترة‏:‏
خَرق الْجَنَاح، كأنَّ لَحْيَيْ رَأْسِهِ * جَلمَاَنِ، بالأخْبَارِ هَشٌّ مُولَعُ
وقال غيره‏:‏
وصَاحَ غُرَابٌ فَوْقَ أَعْوَادِ بَانَةٍ * بأَخْبَارِ أَحْبَابِي فقسَّمَنِي الفِكْرُ ‏[‏ص 384‏]‏
فَقُلْتُ غُرَابٌ باغْتِرابٍ وَبَانَة * تبينُ النَّوَى، تِلْكَ العِيَافَةُ وَالزَّجْرُ
وَهَبَّتْ جَنُوبٌ باجْتِنَابِيَ مِنْهُمُ * وَهَاجَتْ صَباً قُلْتُ‏:‏ الصَّبَابَةُ وَالْهَجْرُ
وقال آخر‏:‏
تَغَنَّى الطَّاِئرَان بِبَيْنِ سَلْمَى * عَلَى غُصْنَيْنِ مِنْ غَرَبٍ وَباَنِ
فكَانَ الْبَانُ أَنْ بَانَتْ سُلَيْمَى * وَفِي الغَرَب اغْتِرَابٌ غَيرُ دَانِ
وقال آخر‏:‏
أقُولُ يَوْمَ تَلاَقَيْنَا وَقَدْ سَجَعَتْ * حَمَامَتَانِ عَلَى غُصْنَيْنِ مِنْ باَنِ
الآن أعلم أن الْغُصْنَ لِي غَصَصٌ * وأنما الْبَانُ بَيْنٌ عَاجِلٌ دَانِ
فَقُمْتُ تَخْفِضُنِي أَرْضٌ وَتَرْفَعُنِي *حَتَّى ونيت وَهَدَّ السَّيْرُ أرْكَانِي
فهذا نَمَطُ شعرهم في الغُرَاب لا يتغير، بل قد يزجرون من الطير غيرَ الغُرَاب على طريقين‏:‏ أحدهما على طريق الغراب في التشاؤم، والآخر على طريق التفاؤل به،
قال الشاعر‏:‏
وقَاُلوا‏:‏ تَغَنَّى هُدْهُدٌ فوق بَانَةٍ * فقلْتُ‏:‏ هُدًى يَغْدُو به ويَرُوحُ
وقال آخر‏:‏
وقالوا‏:‏ عُقَاب، قُلْتُ‏:‏ عُقْبَى مِنَ النَّوَى
دَنَتْ بَعْدَ هَجْرٍ منهمُ ونُزُوحِ
وقال آخر‏:‏
وقالوا‏:‏ حَمَامٌ، قُلْتُ‏:‏ حُمَّ لِقَاؤُهَا * وَعَادَ لَنَا رِيحُ الْوِصَالِ يَفُوحُ
فهذا إلى الشاعر، لأنه إن شاء جعل العُقَاب عُقْبى خير، وإن شاء جعلها عُقْبَى شر، وإن شاء جعل الْحَمَام حِمَاما، وإن شاء قال‏:‏ حُمَّ اللقاء، والهدهد هُدًى وهِدَاية، والْحُبَارى حُبُورا وحبرة، والبان بَيَانا يلوح، والدَّوْم دَوَام العهد، كما صارت الصَّبا عنده صبابة، والجنوب اجتنابا، والصُّرَد تَصْريدا، إلا أن أحداً منهم لم يزجر في الغراب شيئاً من الخير، هذا قول أهل اللغة‏.‏
وذكر بعضُ أهل المعاني أن نَعِيبَ الغُرَاب يُتَطير منه، ونَغِيقه يتفاءل به، وأنشد قول جرير‏:‏
إن الغُرَاب بِمَا كَرِهْت لمَوُلَعٌ * بِنَوَى الأحِبَّةِ دَائِمُ التّشْحَاِج
لَيْتَ الْغُرَابَ غَدَاة يَنْعَبُ دَائِباً * كان الغُرَابُ مُقَطَّعَ الأوْدَاج
وقول ابن أبي ربيعة‏:‏
نَعَبَ الْغُرَابُ بِبَيْنِ ذَاتِ الدُّمْلُجِ *لَيْتَ الْغُرَابَ بِبيَنْهِا لَمْ يَشحَجِ ‏[‏ص 385‏]‏
ثم أنشدوا في النغيق‏:‏
تَرَكْتُ الطَّيْرَ عَاكِفَةً عَلَيْهِمْ * وَلِلْغِرْبَانِ من شبع نَغِيقُ
قال‏:‏ ويقال ‏"‏ نَغَقَ الغرابُ نَغِيقا‏"‏ إذا قال‏:‏ غيق غيق، فيقال عندها ‏"‏نغق بخير‏"‏ ويقال ‏"‏ نَعَبَ نَعيبا‏"‏ إذا قال‏:‏ غاق ‏[‏غاق‏]‏، فقال عندها ‏"‏ نَعَبَ بشر‏"‏ قال‏:‏ ومنهم من يقول ‏"‏نغق ببين‏"‏ وزهير منهم وأنشد له‏:‏
ألقَى فِرَاقُهُمُ فِي الْمُقْلَتَيْنِ قَذًى * أمْسَى بِذَاكَ غُرَابُ الْبَيْنِ قَدْ نَغَقَا
وقال من احتج للغراب‏:‏ العربُ قد تتيمن بالغراب فتقول‏:‏ هم في خير لا يَطيرُ غُرابه، أي يقع الغراب فلا يُنَفَّر لكثرة ما عندهم، فلولا تَيَمُّنُهُمْ به لكانوا ينفرونه، فقال الدافعون لهذا القول‏:‏ الغرابُ في هذا المثل السَّوَاد، واحتجوا بقول النابغة‏:‏
ولرهْطِ حَرَّابٍ وَقَدّ سَوْرَةُ * في الْمَجْدِ لَيْسَ غُرَابُهَا بِمُطَارِ
أي مَنْ عرض لهم لم يمكنه أن ينفر سوادهم لعزهم وكثرتهم ‏.‏
2043- أَشْأَمُ مِنْ وَرْقَاءَ‏.‏
يعنون الناق، وهي مشئومة، وذلك أنها ربما نَفَرت فذهبت في الأرض‏.‏
وهذا المثل ذكره أبو عُبيد القاسم بن سَلاَّم ولم يعتلَّ فيه بأكثر من هذا، قاله حمزة‏.‏
قلت‏:‏ روى لأبو الندى ‏"‏أشأم من زَرْقَاء ‏"‏وقال‏:‏ هي اسم ناقة نفرت براكيها فذهبت في الأرض‏.‏
2044- أشَمُّ مِنْ نَعَامَةٍ، وَمِنْ ذِئْبٍ، وَمِنْ ذَرَّةٍ‏.‏
قالوا‏:‏ إن الرأل يَشَمُّ ريحَ أبيه وأمه وريح الضبع والإنسان من مكان بعيد، وزعم أبو عمرو الشيباني أنه سأل الأعراب عن الظَّلِيم‏:‏ هل يسمع ‏؟‏ فقالوا‏:‏ لا، ولكن يعرف بأنفه ما لا يحتاج معه إلى سَمْع، قال‏:‏ وإنما لقب بَيْهَس بنَعَامة لأنه كان شديدَ الصمم‏.‏ والذئب يشم ويستروح من ميل وأكثر من ميل‏.‏
والذَّرة تَشَمُّ ماليس له ريح مما لو وضَعْتَه على أنفك لما وجدت له رائحة، ولو اسقصيْتَ الشَّمَّ، كرجل الجرادة تنبذها من يَدِك في موضع لم تَرَ فيه ذرة قط ثم لا تلبث أن ترى الذر إليها كالخيط الممدود‏.‏
2045- أَشْهَرُ مِنْ فَلَقِ الصُّبْحِ، وَمِنْ فَرَقِ الصُّبْحِ‏.‏
والأصلُ اللامُ، قال اللّه تعالى ‏(‏قل أعوذ برب الفلق‏)‏ يعني الصبحَ، ويقال‏:‏ يعني الخلق، ويقال‏:‏ الفلقُ اسمُ وادٍ في ‏[‏ص 386‏]‏ جهنم، فأما قولهم ‏"‏أشهر وأبين من فَلَق الصبح‏"‏ فيجوز أن يكون فَعَلاً في معنى مفعول، مأنه من مَفْلُوق الصبح، والأصلُ من الصبح الفلوق الذي اللّهُ فالقُهُ، وإن جعلت الفلق الصبح نفسه، كما قال ذو الرمة
حَتَّى إذا ما انْجَلَى عن وَجْهِهِ فَلَقٌ * هاديه في أخْرَيَاتِ اللَّيْلِ مُنْتَصِبُ
فإنما أضافه في المثل لاختلاف اللفظين‏.‏
2046- أَشْبَهُ بِهِ مِنَ التَّمْرَةِ بالتَّمْرَةِ‏.‏
في هذا حديث وذلك أن عُبَيد اللّه ابن زياد بن ظبيان أحَدَ بني تَيْم اللات بن ثَعْلبة دخل على عبد الملك بن مروان، وكان أحدَ فُتَّاك العرب في الإسلام، وهو الذي احْتَزَّ رأسَ مُصْعَب بن الزبير، فدخل به على عبد الملك بن مروان، وألقاه بين يديه، فسَجَد عبدُ الملك، وكان عبيد اللّه هذا يقول بعد ذلك‏:‏ ما رأيت أعْجَزَ مني أن لا أكون قتلتُ عبدَ الملك فأكونَ قد جمعتُ بين قتلي ملك العراق وملك الشام في يوم واحد، وكان يجلس مع عبد الملك على سريره بعد قتله مُصْعَبَ بن الزبير، فَبَرِمَ به‏.‏ فجعل له كرسياً يجلس عليه، فدخل يوماً وسُوَيْدُ بن مَنْجُوف السَّدُوسي جالسٌ على السرير مع عبد الملك، فجلس على الكرسي مُغْضَبا، فقال له عبد الملك‏:‏ يا عبيدَ اللّه بلَغني أنك لا تشبه أباك، فقال‏:‏ لأَنَا أشبه بأبي من التمرة بالتمرة، والبيضة بالبيضة، والماء بالماء، ولكني أخبرك يا أمير المؤمنين عَمَّنْ لم تنضجه الأرحام، ولا وُلِدَ لتَمَام، ولا أشبه الأخوال والأعمام، قال‏:‏ ومن ذلك‏؟‏ قال‏:‏ سُوَيْد بن مَنْجُوف، فقال عبد الملك‏:‏ سُوَيْدُ أكذلك أنت‏؟‏ فقال‏:‏ إنه ليقال ذلك، وإنما عَرَّضَ بعبد الملك لأنه وُلد لسبعة أشهر، فلما خرجا قال له عبيد اللّه‏:‏ واللّه يا ابن عمي ما يَسُرُّني بِحلْمِكَ عليَّ حمر النعم، فقال له سويد‏:‏ وأنا واللّه ما يسرني بجَوَابك إياه سُودُ النَّعَم‏.‏
2047- أَشْرَهُ مِنَ الأسَدِ‏.‏
وذلك أنه يبتلع البَضْعَة العظيمة من غير مَضْغ، وكذلك الحية، لأنهما واثقان بسهولة المَدْخَل وسَعَة المَجْرَى‏.‏
2048- أَشْهَى مِنْ كَلْبَةِ حَوْمَل‏.‏
قلت‏:‏ أشْهى من قولهم ‏"‏شَهِيتُ الطعام أشْهَى شَهْوَة‏"‏ أي اشتهيته، ويقال‏:‏ رجل شَهْوَان وامرأة شَهْوَى، ورجال ونساء شَهَاوَى، وأشهى‏:‏ أشدُّ شهوةً، وذلك أنها رأت القمر طالعا فعَوَتْ إليه تظنه لاستدارته رغيفا، وحومل‏:‏ امرأة من العرب ‏[‏ص 387‏]‏ كانت تُجِيعُ كلبة لها، وقد ذكرت قصتها في حرف الجيم‏.‏
2049- أَشْبَقُ مِنْ حُبَّى‏.‏
هي امرأة مَدَنية، كانت مِزْوَاجاً، فتزوجت على كبر سنها فَتًى يقال له ابن أم كلاب، فقام ابن لها كهل فمشى إلى مروان ابن الحكَمِ وهو والي المدينة، وقال‏:‏ إن أمي السفيهة على كبر سنها وسِنِّي تزوجت شابّاً مُقْتَبِلَ السِّنِّ فصيرتني ونفسَهَا حديثاً، فاستحضرها مروان وابنها، فلم تكترث لقوله، ولكنها التفتت إلى ابنها وقالت‏:‏ يا برذعة الحمار، أما رأيت ذلك الشاب المَقْدُود العَنَطْنَطَ، فليشفيَنَّ غَليلَهَا ولتخرجَنَّ نفسُها دونه، ولودِدْتُ أنه ضَبٌّ وأني ضُبَيْبَتُه، وقد وجدنا خَلاَء، فانتشر هذا الكلام عنها، فضُربت بها الأمثال، فمن ضرب في الشعر المثل بها هُدْبَة بن الْخَشْرَم العذري قال‏:‏
فَمَا وَجَدَتْ وَجْدِي بها أمُّ وَاحِدٍ * وَلا وَجْدُ حُبَّى بابن أمِّ كِلاَبِ
رَأَتْهُ طَوِيلَ الساعِدَيْنِ عَنَطْنَطاً * كَمَا انْبَعَثَتْ مِنْ قُوَّةٍ وَشَبَابِ
وكانت نساء المدينة تسمين حبى ‏"‏حواء أم البشر‏"‏ لأنها علمتهنَّ ضروبا من هيآت الجماع، ولقبت كل هيئة منها بلقب، منها القبع والغربلة والنَّخير والرَّهْز، فذكر الهيثم ابن عدي أنه زَوَّجَتْ بنتاً لها من رجل، ثم زارتها وقالت‏:‏ كيف تَرَيْنَ زوجَكِ‏؟‏ قالت خير زوج، أحسن الناس خُلُقا، وخَلْقا، وأوسَعُهم رَحْلا وصَدْراً، يملأ بيتي خيراً وحِرِى أيرا، إلا أنه يكلفني أمراً صعباً، قد ضِقْتُ به ذَرْعاً، قالت‏:‏ وما هو ‏؟‏ قالت‏:‏ يقول عند نزول شهوته وشهوتي انخري تحتي، فقالت حُبَّى‏:‏ وهل يطيب نيك بغير رهز ونخير‏؟‏ جاريتي حرة إن لم يكن أبوك قدم من سفر وأنا على سطح مُشْرِفة على مِرْبَد إبل الصدقة، وكلُّ بعير هناك قد عُقل بعِقَالين، فصرعني أبوك ورفع رجلي وطعنني طعنة نَخَرْتُ لها نخرة نفرت منها إبل الصدقة نفرة قطعت عُقُلَها وتفرقت فما أخذ منها بعيران في طريق، فصار ذلك أول شيء نقم على عثمان، وما له في ذلك ذنب، الزوجُ طعَنَ، والزوجة نخرت، والإبل نَفَرت، فما ذنبه‏؟‏
2050- أَشْبَقُ مِنْ جُمَالَةَ‏.‏
هو رجل من بني قَيْس بن ثَعْلبة، دخل على ناقة له في العَطَن باركة تجتَرُّ، فجعل ينيكها، فقامت الناقة، وتشبث ذيله ‏[‏ص 388‏]‏ بمؤخر كُورها، فأتت به كذلك وسَطَ الحي والقومُ جلوس، فجرَت فيه هذه الأمثال، فقالوا‏:‏ أشْبَقُ من جُمَالة، وأخْزَى من جمُاَلة، وأفضح من جمالة، وأرفع مناكا من جمالة،
2051- أَشْرَدُ مِنْ خَفَيْدَدٍ‏.‏
هو الظَّليم الخفيف السريع، من خَفَدَ إذا أسرع، وقال‏:‏
وهم تَرَكُوكَ أسْلَحَ من حُبَارى * وَهُمْ تَرَكُوكَ أشْرَدَ مِنْ ظَلِيمِ
ويقال‏:‏ أشرد من نعامة‏.‏
2052- أَشْرَدُ مِنْ وَرَلٍ‏.‏
هو دابة تشبه الضبَّ، ويقال أيضاً ‏"‏أشرد من وَرَل الحضيض‏"‏وذلك أنه إذا رأى الإنسان مَرَّ في الأرض لا يَرُدُّه شيء‏.‏
2053- أَشْكرُ مِنْ بَرْوَقَةٍ‏.‏
هي شجرة تخضَرُّ من غير مطر، بل نبت بالسحاب إذا نشأ فيما يقال‏.‏
2054- أَشْكَرُ مِنْ كَلْبٍ‏.‏
قال محمد بن حرب‏:‏ دخلتُ على العتَّابي بالمخرَّم، فرأيته على حصير، وبين يديه شراب في إناء، وكلبٌ رابِضٌ بالفِناء يشرب كأسا ويُولِغه أخرى، قال‏:‏ فقلت له‏:‏ ما أردت بما اخترت‏؟‏ فقال‏:‏ اسمع، إنه يكفّ عني أذاه، ويكفيني أذى سواه، ويشكر قليلي، ويحفظ مَبيتي ومَقيلي، فهو من بين الحيوان خليلي، قال ابن حرب‏:‏ فتمنيت واللّه أن أكون كلبا له لأحُوزَ هذا النعت منه‏.‏ وقولهم‏:‏
2055- أَشْرَهُ مِنْ وَافِدِ البَرَاجِمِ‏.‏
قد ذكرتُ قضته في أول الكتاب عند قولهم‏"‏ إن الشقي وافدُ البَرَاجِمِ‏"‏
2056- أَشْقَى مِنْ رَاعِي بَهْمٍ ثمَانِينَ‏.‏
قد مر ذكره في باب الحاء في قولهم ‏"‏أحمق من راعي ضأن ثمانين‏"‏
2057- أَشْعَثُ مِنْ قتَاَدةٍ
هي شجرة شديدة الشوك، وهذا أفعل من شَعِثَ أمره يَشْعَثُ شَعَثاً فهو شَعِث، إذا انتشر‏.‏
يقال‏:‏ لَمّ اللّه شَعَثَكَ، أي ما انتشر من أمرك‏.‏
2058- أشَحُّ مِنْ ذَاتِ النَّحْيَيْنِ‏.‏
قد ذكرتُ قصتها في هذا الباب عند قولهم‏"‏ أشغل من ذات النِّحْيَيْن‏"‏
2059- أَشَدُّ مِنْ لُقْمَانَ الْعَادِي‏.‏
قالوا‏:‏ إنه كان يَحْفِر لإبله بظفره حيث بَدَا له إلا الصَّمَّان والدَّهْناء فإنهما غَلَبتاه بصلابتهما‏.‏ ‏[‏ص 389‏]‏
2060- أَشَدُّ مِن فِيلٍ‏.‏
قال حمزة‏:‏ إن الهند تخبر عنه أن شدته وقوته مجتمعان في نابه وخرطومه، ثم زعموا أن قرنه نابه، وأن خُرْطومه أنفه، وأوردوا من الحجة على ذلك أن نابيه خَرَجَا مستطيلين حتى خَرَقَا الحَنَكَ وخرجا أعْقَفَيْن، قالوا‏:‏ ودليلُنا على ذلك أنه لا يَعَضُّ بهما كما يعض الأسد بنابه، بل يستعملهما كما يستعمل الثور قرنه عند القتال والغضب، وأما خرطومه فهو وإن كان أنفه فإنه سلاحٌ من أسلحته، ومَقْتَل من مقاتله أيضاً‏.‏
2061- أَشَدُّ مِنْ فَرسٍ‏.‏
هذا يجوز أن يكون من الشدة ومن الشَّدِّ أيضاً وهو العَدْو‏.‏
2062- أَشْأَى مِنْ فَرَسِ‏.‏
هذا من الشأو، وهو السَّبْق يقال‏:‏ شَأوْتُ وشَأيْتُ‏.‏
2063- أَشَدُّ قُوَيْسٍ سَهْمَا‏.‏
يقال هذا في موضع التفضيل، ومثله هو ‏"‏أعْلاهم ذا فُوقٍ ‏"‏أي سهما‏.‏
2064- أَشْرَبُ مِنَ الهِيمِ‏.‏
وهي الإبل العِطَاش، قال اللّه تعالى ‏(‏فشاربون شُرْبَ الهِيمِ‏)‏ وهو جمع أهْيَمَ وهَيْمَاء، من الهُيَام وهو أشَدُّ العَطَشِ، وقال الأخفش‏:‏ هي الرمل، جعله من الْهَيَامِ وهو الرمل الذي لا يتماسك في اليد، قلت‏:‏ هذا وجه جيد، إلا أن جمعه هُيُم مثال قَذَال وقُذُل، ثم يجوز أن يقدر سكون الياء فيصير فُعْلا مثل قُذْل وسُحْب في تخفيف قُذُل وسُحُب، ثم فُعِلَ به ما فعل بِعينٍ وبِيضٍ ليفرق بين الواوي واليائي، والمفسرون على أنها الإبلُ العِطاش، قال ابن عباس رضي اللّه تعالى عنهما‏:‏ هي التي بها الهُيَام وهو داء فلا تَرْوَى، قال الشاعر‏:‏
ويأكل أكْلَ الفِيلِ من بَعْد شبْعِهِ * ويَشْرَبُ شُرْبَ الهِيمِ من بعد أن يَرْوَى
2065- أشْرَبُ مِنْ رَمْلٍ‏.‏
قال أعرابي ووصف حفظه‏:‏ كنتُ كالرملة لا يُصَبُّ عليها ماء إلا نشفته، قال الشاعر‏:‏
فيا آكَلَ من نار* ويا أشْرَبَ من رَمْلِ
ويا أَبْعَدَ خَلْقِ اللـّ * ـه ‏(‏الله‏)‏ إنْ قَالَ مِنَ الْفِعْلِ
2066- أشْهَى مِنَ الخَمْرِ‏.‏
هذا من المثل الآخر ‏"‏كالخمر يُشْتَهى شربها ويكره صُدَاعها‏"‏ وأشهى‏:‏ أفعل من المَفْعُول، يقال‏:‏ طعام شَهِيٌّ، أي مُشْتَهى من قولك‏:‏ شَهيتُ الطعامَ أي اشتهيته‏.‏
2067- أشأمُ مِنْ شَوْلَةَ النَّاصِحَةِ‏.‏
يقال‏:‏ إنها كانت أمَةً لعَدْوَان رعْناء، ‏[‏ص 390‏]‏ وكانت تَنْصَح مواليها فتعودُ نصيحتُها وَبَالا عليهم لحمقها‏.‏
2068- أَشْهَى مِنْ كَلْبَةِ بَنِي أَفْصى‏.‏
قال المفضل‏:‏ بلغنا أن كلبة كانت لبني أفْصَى بن تدمر من بَجيلة، وأنها أتت قِدْراً لهم قد نَضِجَ ما فيها فصار كالقِطْرِ ‏(‏القطر - بكسر القاف - النحاس الذائب‏)‏ حرارة، فأدخلت رأسَها في القدر، فنشب رأسُها فيها واحترقت، فضربت برأسها الأرض، فكسرت الفخارة وقد تَشَيَّطَ رأسُها ووجْهُها، فصارت آيةً، فضرب الناس بها المثلَ في شدة شهوة الطعام‏.‏
2069- أَشْبَهُ مِنَ الماءِ بِالماءِ‏.‏
قالوا‏:‏ إن أول من قال ذلك أعرابي وذكر رجلا فقال‏:‏ واللّه لولا شَوَار به المُحِيطة بفمه ما دَعَتْه أمهُ باسمه، ولهو أشْبَه بالنساء من الماء بالماء، فذهبت مثلا‏.‏
2070- أشأمُ مِنَ الزُّمَّاحِ‏.‏
هذا مثل من أمثال أهل المدينة، والزمَّاح‏:‏ طائر عظيم، زعموا أنه كان يقع على دور بني خَطْمة من الأوس ثم في بني معاوية كل عام أيام التمر والثمر، فيصيب طعما من مَرَابدهم، ولا يتعرض أحد له، فإذا استوفى حاجَتَه طار ولم يَعْدُ إلى العام المقبل، وقيل‏:‏ إنه كان يقع على آطام يثرب، ويقول‏:‏ خرّب خرّب، فجاء كعادته عاما فرماه رجل منهم بسهم فقتله ثم قسم لحمه في الجيران، فما امتنع أحدٌ من أخذه إلا رفاعة بن مرار، فإنه قبض يده ويدَ أهله عنه فلم يَحِلُ الحولُ على أحد ممن أصاب من ذلك اللحم حتى مات، وأما بنو معاويةُ فهلكوا جميعاً حتى لم يبق منهم دَيَّار، قال قيس بن الخَطيم الأوسي‏:‏
أعَلَى العَهْدِ أصْبَحَتْ أمُّ عَمْرٍو* لَيْتَ شِعْرِي أمْ عَاقَهَا الزُّمَّاحُ
2071- أشأمُ مِنْ سَرَابِ‏.‏
قالوا‏:‏ هو اسمُ ناقةِ البَسُوس، وقد تقدم ذكرها في هذا الباب‏.‏
2072- أشأمُ مِنْ طُوَيْسٍ‏.‏
قد مَرَّ ذكره في باب الخاء عند قولهم ‏"‏أخنث من طَوَيْس‏"‏
2073- أَشْهَرُ مِمَّنْ قَادَ الجَمَلَ، وَ‏"‏مِنَ الشَّمْسِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنَ القَمَرِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنَ الْبَدْرِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنَ الصبْحِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ رَايَةِ الْبَيْطَارِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنَ الْعَلَمِ‏"‏ يعنون الجبل وَ ‏"‏مِنْ قَوْسِ قُزَحَ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ عَلاَئِقِ الشَّعَرِ‏"‏‏.‏ ‏[‏ص 391‏]‏
ويروى الشجر‏.‏
2074- أشْجَى مِنْ حَمَامَةٍ‏.‏
يجوز أن يكون من شَجِىَ يَشْجَى شَجًى، أي حَزِنَ، ومن شَجَا يَشْجُو إذا أحْزَنَ‏.‏
2075- أشْجَعُ مِنْ دِيكٍ، وَ ‏"‏مِنْ صَبِّيٍ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ أُسَامَةَ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ لَيْثِ عِرِّيسَةٍ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ هُنَىٍّ‏"‏‏.‏
وهو رجل‏.‏
2076- أشَدُّ مِنْ نَابِ جائِع، وَ ‏"‏مِنْ وَخْزِ الأَشَافِي‏"‏ وَ ‏"‏مِنَ الحَجَرِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ أسَدٍ‏"‏‏.‏
2077- أشْرَبُ مِنَ الرَّمْلِ، وَ ‏"‏مِنَ الْقِمَعِ‏"‏ وَ ‏"‏مِنْ عَقْدِ الرَّمْلِ‏"‏
وهو ما تعقَّد وتَلَبّدَ منه‏.‏
2078- أشَدُّ مِنَ عَائِشَةَ بْنِ عَثْم‏.‏
زعموا أنه كان يحمل الجَزُورَ‏.‏
2079\ - أشَدُّ مِنْ دَلَمٍ‏.‏
قالوا‏:‏ الدَّلَم شيء يُشْبه الحية وليس بالحية، يكون بناحية الحجاز، والجمع أدْلاَم مثل زلَم وأزْلاَم وصَنَم وأصْنَام‏.‏
يضرب في الأمر العظيم‏.‏
2080- أشْعَثُ مِنْ وَتِدٍ‏.‏
2081- أشْغَلُ مِنْ مُرضِعِ بَهْم ثمَانِينَ‏.‏
2082- أشَمُّ مِنْ هِقْلٍ‏.‏
مثل قولهم‏"‏أشم من نعامة‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif المولدون‏.‏
شَرُّ السَّمَكِ يُكَدِّرُ المَاءَ‏.‏
أي لا تَحْقِرْ خَصْماً صغيراً‏.‏
شِبْرٌ فِي ألْيَةٍ، خَيْرٌ مِنْ ذِرَاعٍ في رِيَّة‏.‏
يضرب في صرف ما بين الجيد والرديء
شَرْطُهُ أهْلُ الجَنَّةِ‏.‏
لمن يقول بالمُرْدِ
شَهْرٌ لَيْسَ لَكَ فِيهِ رِزْق لاَ تَعُدَّ أَيَّامَهُ‏.‏
شَغَلَنِي الشَّعِيرُ عَنِ الشِّعْر، والبُرُّ عَنِ البِرِّ‏.‏
شَفِيعُ المُذْنِبِ إِقْرَارُهُ وَتَوبَتُهُ اعْتِذَارُهُ‏.‏
شَرًّ الناسِ مَنْ لا يُبالي أَنْ يَراهُ النَّاسُ مُسِيئاً‏.‏
شَهَاداتُ الفِعَالِ، أعْدَلُ مِنْ شَهَاداتِ الرِّجَالِ‏.‏ ‏[‏ص 392‏]‏
الشَّبَابُ جُنُونٌ بُرؤُهُ الكِبَرُ‏.‏
الشَّرُّ قَدِيمُ‏.‏
الشَّاةُ المَذْبُوحَةُ لاَ تألَمُ السَّلْخ‏.‏
الشَّيْطَانُ لا يُخَرِّبُ كَرْمَهُ‏.‏
شَهَادَةُ العقُولِ أصَحُّ مِنْ شَهَادَةِ الْعُدُول‏.‏




B-happy 3 - 3 - 2010 10:08 PM



*2* http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif الباب الرابع عشر فيما أوله صاد
2083- صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِهِ‏.‏
البَكْرُ‏:‏ الفَتِىُّ من الإبل، ويقال‏:‏ صَدَقْتُهُ الحديثَ، وفي الحديث
يضرب مثلا في الصدق
وأصله أن رجلا ساوَمَ رجلا في بَكْرٍ فقال‏:‏ ما سنُّه‏؟‏ فقال صاحبه‏:‏ هِدَعْ هِدَعْ، وهذه لفظة يُسَكَّن بها الصِّغار من الإبل، فلما سمع المشتري هذه الكلمة قال‏"‏صدقني سِنَّ بكره‏"‏ ونصب سن على معنى عَرَّفَني سنَّ، ويجوز أن يقال‏:‏ أراد صدقني خبر سن، ثم حذف المُضَاف ويروى ‏"‏صَدَقَنِي سِنُّ‏"‏ بالرفع، جعل الصدق للسن توسعاً‏.‏
قال أبو عبيد‏:‏ وهذا المثل يروى عن علي رضي اللّه عنه أنه أتى فقيل له‏:‏ إن بني فلان وبني فلان اقْتَتَلُوا فغلب بنو فلان، فأنكر ذلك، ثم أتاه آتٍ فقال‏:‏ بل غلب بنو فلان، للقبيلة الأخرى، فقال علي ‏"‏صَدَقَني سن بكره‏"‏
وقال أبو عمرو‏:‏ دخل الأحنفُ على معاوية بعد ما مضى علي رضي اللّه تعالى عنه فعاتبه معاوية، وقال له‏:‏ أما إني لم أنْسَ ولم أجهل اعتزالَكَ يوم الجمل بيني سعد ونزولَكَ بهم سَفَوَان وقريشٌ تُذْبَحُ بناحية البصرة ذَبْحَ الحِيرَان، ولم أنس طلَبَكَ إلى ابن أبي طالب أن يُدْخِلك في الحكومة لتزيل عني أمراً جعله اللّه لي وقضاه، ولم أنْسَ تخضيضَكَ بني تميم يوم صِفَّين على نُصْرة علي، كل يبكته، قال‏:‏ فخرج الأحنف من عنده، فقيل له‏:‏ ما صنع بك‏؟‏ وما قال لك‏؟‏ قال‏:‏ صَدَقَنِي سن بكر، أي خبرني بما في نفسه وما انْطَوَت عليه ضُلوعه‏.‏
2084- صَبَاءٌ فِي هَمَامَةٍ‏.‏
الصَّبَاء‏:‏ الصِّبَا، إذا فَتَحْتَ مَدَدْتَ ‏[‏ص 393‏]‏ وإذا كسرت قَصَرْتَ، والهَمَامة‏:‏ مصدر الهم، يقال‏:‏ شيخ هِمٌّ إذا أشرف على الفَنَاء وهَمَّ عمره بالنفاد‏.‏
يضرب للشيخ يتصابى‏.‏
2085- صَمَّتْ حَصَاةٌ بِدَمٍ‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ أصله أن يكثر القتلُ وسَفْك الدماء حتى إذا وقعت حَصَاة من يَدِ راميها لم يسمع لها صوت، لأنها لا تقع إلا في دم فهي صَمَّاء، وليست تقع على الأرض فتصوِّتُ، ومثله في تجاوز الحد ‏"‏بَلَغَتِ الدِّمَاء الثُّنَنَ‏"‏ وإنما جُعل الصَّمَم فعلاً للحصاة، وهو - أعني الصمم - انسدادُ طريق الصوت على السامع حتى لا يخل أذنه لأنهم جعلوا الدمَ سادا لما يخرج من صوت الحصاة إلى السامع فَعَدُّوا عدمَ الخروج كعدم الدخول، ويجوز أن يقال جعل الحصاة سمَّاء لأنها لا تسمع صوتَ نفسها لكثرة الدم، ولولا ذلك لصوتت فسمعت‏.‏
يضرب في الإسراف في القتل وكثرة الدم
2086- صَبْراً عَلَى مَجامِرِ الكِرَامِ‏.‏
قال قوم‏:‏ راودَ يَسَار الكواعِبِ مولاتَه عن نفسها، فنهته، فلم ينته، فقالت‏:‏ إني مُبَخَّرَتُكَ ببخور، فإن صَبَرْتَ عليه طاوعتُكَ، ثم أتته بمِجْمَرَة فلما جعلتها تحته قبضت على مَذَاكيره فقطعتها وقالت‏:‏ صَبْراً على مَجَامر الكرام‏.‏
يضرب لمن يؤمَرُ بالصبر على ما يكره تهكما‏.‏
وقال المفضل‏:‏ بلغنا ان أعرابياً قدم الحَضَر بإبلٍ، فباعها بمال جَمٍّ وأقام لحوائج له، ففطن قومٌ من جيرته لما معه من المال، فعرضوا عليه تزويجَ جارية وصَفُوها بالجمال والحَسَب والكمال طمعاً في ماله، فرغب فيها، فزوَّجُوه إياها، ثم إنهم اتخذوا طعاما وجمعوا الحيَّ وأجلس الأعرابي في صَدْر المجلس، فلما فرغوا من الطعام، ودارت الكؤوسُ، وشرب الأعرابي، وطابت نفسُه، أتَوْه بكسوة فاخِرَة وطيبٍ، فألبس الخلعَ ووُضِعت تحته مجمرة فيها بخور لا عهد له بذلك، وكان لا يَلْبَسُ السراويل، فلما جلس عليها سَقَطَتْ مذاكيره في المجمرة، فاستحيا أن يكشفَ ثوبه، وظن أن تلك سُنة لا بدَّ منها، فصبر على النار وهو يقول‏:‏ صَبْراً على مجامر الكرام، فذهبت مثلا، وارتحل الأعرابي إلى البادية، وترك امرأته وماله، فلما قصَّ على قومه ما أرى قالوا‏:‏ اُسْتٌ لم تعود المجمر، فذهبت قولهم مثلا أيضاً‏.‏
يضرب لمن لم يكن له عهد قديم‏.‏
2087- صَمِّى ابْنَةَ الْجَبَلِ، مَهْمَا يُقَلْ تَقُلْ‏.‏
ابنة الجبل‏:‏ الصَّدَى، وهو الصوت ‏[‏ص 394‏]‏ يُجيبك من الجبل وغيره، والداهية يقال لها ابنة الجبل أيضاً، وأصلها الحية فيما يقال، يقول‏:‏ اسكتي إنما تكلمين إذا تكلم‏.‏
يضرب مثلا للإِمَّعَةِ الذليل، أي أنك تابعٌ لغيرك، قاله أبو عبيدة‏.‏
2088- صَيْدَكَ لاَ تُحْرَمْهُ‏.‏
يضرب للرجل يطلب غيره بِوِتر فيسقط عليه وهو مُغْتَر‏.‏
أي أمكنك الصيدُ فلا تغفل عنه، أي‏:‏ اشتفِ منه‏.‏
2089- صَفْقَةٌ لَمْ يَشْهَدْهَا حَاطِبٌ‏.‏
هو حاطب بن أبي بَلْتَعَهَ، وكان حازماً وباع بعضُ أهله بيعةً غُبِنَ فيها حين لم يَشْهَدْها حاطب، فضرب هذا المثل لكل أمرٍ يُبْرَمُ دون صاحبه‏.‏
2090- صَادَفَ دَرْءُ السَّيْلِ دَرْءًا يَصْدَعُه‏.‏
الدِّرء‏:‏ الدَّفْع، ويسمى ما يُحْتَاج إلى دفعه من الشر دَرْءاً، ويعني به ههنا دفعات السيل، أي صادف الشر شرّاً يغلبه، وهذا كما يقال ‏"‏الحديد بالحديد يُفْلَح‏"‏
2091- أَصَابَنَا وِجَارُ الضَّبُعِ‏.‏
هذا مثل تقوله العرب عند اشتداد المطر، يعنون مطراً يستخرج الضبع، وِجَارِهَا‏.‏
2092- صَارَتِ الْفِتْيَانُ حُمَمَا‏.‏
هذا من قول الحمراء بنت ضَمْرة بن جابر وذلك أن بني تميم قتلوا سعد بن هند أخا عمرو بن عبد الملك، فنَذَر عمرو ليقتلَنَّ بأخيه مائةً من بني تميم، فجمع أهلَ مملكته فسار إليهم، فبلغهم الخبر، فتفرقوا في نواحي بلادهم، فأتى دارهم فلم يجد إلا عجوزاً كبيرة وهي الحمراء بنت ضمرة، فلما نظر إليها وإلى حُمْرَتها قال لها‏:‏ إني لأحْسَبُك أعجمية، فقالت لا، والذي أسأله أن يخفض جَنَاحَك ويهدَّ عِمادك، ويَضَع وِسادك، ويَسْلبك بلادك، ما أنا بأعجمية، قال‏:‏ فمن أنت‏؟‏ قال‏:‏ أنا بنت ضمرة بن جابر، ساد معدّاً كابرا عن كابر، وأنا أخت ضمرة بن ضمرة، قال‏:‏ فمن زوجك‏؟‏ قالت‏:‏ هَوْذَة بن جَرْوَل، قال‏:‏ وأين هو الآن ‏؟‏ أما تعرفين مكانه‏؟‏ قالت‏:‏ هذه كلمة أحمق، لو كنت أعلم مكانه حال بينك وبيني، قال‏:‏ وأي رجل هو‏؟‏ قالت‏:‏ هذه أحمق من الأولى، أعَنْ هَوْذة يُسأل ‏؟‏هو واللّه طيب العِرْق، سمين العَرْقِ لا ينام ليلة يَخَاف، ولا يشبع ليلة يُضَاف، يأكل ما وجَدَ، ولا يَسأل عما فَقَد، فقال ‏[‏ص 395‏]‏ مرو‏:‏ أما واللّه لولا أني أخاف أن تَلِدِي مثلَ أبيك وأخيك وزوجك لاستبقيتك، فقالت‏:‏ وأنت واللّه لا تقتل إلا نساءً أعليها ثُدِيّ وأسافلها دُمِيّ، واللّه ما أدركت ثأراً، ولا مَحَوْت عاراً، وما مَنْ فعلتَ هذه به بغافلٍ عنك، ومع اليوم غد، فأمر بإحراقها فلما نظرت إلى النار قالت‏:‏ ألا فتى مكانَ عَجُوزٍ‏؟‏ فذهبت مثلاً، ثم مكثت ساعة فلم يَفْدِهَا أحدٌ فقالت‏:‏ هيهات‏!‏ صارت الفتيان حُمَماً، ولبث عمرو عامةَ يومِه لا يقدر على أحد حتى إذا كان في آخر النهار أقبل راكبٌ يسمى عمارا تُوضِع به راحِلتُه حتى أناخ إليه، فقال له عمرو‏:‏ مَنْ أنت قال أنا رجل من الْبَرَاجم ‏؟‏قال‏:‏ فما جاء بك إلينا‏؟‏ قال‏:‏ سطع الدخان، وكنت قد طَوِيتَ ‏(‏طوى - بوزن رضى - جاع‏)‏
منذ أيام فظننته طعاماً، فقال عمرو‏:‏ إن الشقيّ وافدُ البراجم، فذهبت مثلا، وأمر به فألقى في النار، فقال بعضهم‏:‏ ما بلغنا أنه أصاب من بني تميم غيره، وإنما أحرق النساء والصبيان، وفي ذلك يقول جرير‏:‏
وأخزاكُمُ عمرٌو كما قد خَزِيتُمُ * وأدرك عَمَّارا شقيَّ الْبَرَاجِمِ
ولذلك عيرت بنو تميم بحب الطعام لما لقي هذا الرجل، قال الشاعر‏:‏
إذا ما مَاتَ مَيْتٌ من تميم * فَسَرَّكَ أن يعيش فجيء بزاد
بخبزٍ أو بلحمٍ أو بتمرٍ* أو الشيء الملَفَّفِ في البِجَادِ
تراه ينقِّبُ الآفاقَ حَوْلا * ليأكُلَ رأسَ لقمانَ بْن عَاد
2093- صَدَقَتْهُ الكَذُوبُ‏.‏
يعني بالكذوب النفسَ‏.‏
يضرب لمن يتهدَّدُ الرجل فإذا رآه كذَبَ أي كَعَّ وجَبُن، قال الشاعر‏:‏
فأقبل نَحْوِي على غِرَّةً * فَلَمَّا دَنَا صَدَقَتْهُ الكَذُوبُ
2094- صُهْبُ السِّبالِ‏.‏
كناية عن الأعداء، قال الأصمعي‏:‏ صُهْبُ السِّبال وسُودُ الأكباد يضربان مثلا للأعداء وإن لم يكونوا كذلك، قال ابن قَيْسِ الرُّقَيَّات‏:‏
إن تَرَيْنِي تَغَيَّرَ اللَّوْنُ مِنِّي* وعَلاَ الشيبُ مَفْرِقِي وقَذَالِي
فَظِلاَلُ السُّيُوفِ شَيَّبْنَ رَأسِي * وَاعْتِنَاقِي فِي الْحَرْبِ صُهْبَ السَّبَالِ
يقال‏:‏ أصله الروم، لأن الصُّهوبة فيهم وهم أعداء العرب ‏[‏ص 396‏]‏
2095- الصَّبِيُّ أَعْلَمُ بمَضْغِ فِيهِ‏.‏
يضرب لمن يُشَار عليه بأمر هو أعلم بأنَّ الصوابَ في خلافه‏.‏
وروى أبو عبيدة بمصغى فيه - بالصاد غير معجمة - من صَغِىَ يَصْغَى إذا مال، أي يعلم كيف يميل بلقمته إلى فيه، كماقيل‏:‏ أهْدَى من اليد إلى الفم، وروى أبو زيد ‏"‏الصبي أعلم بمَضْغَى خده‏"‏ أي يعلم إلى من يميل ويذهب إلى حيث ينفعه، فهو أعلم به وبمن يشفق عليه‏.‏
2096- صَفِرَتْ يَدَاهُ مِنْ كلِّ خَيْرٍ‏.‏
أي خَلَتَا، وفي الدعاء‏:‏ نعوذ باللّه من صَفَر الإناء وقرع الفناء‏.‏
2097- صَدْرُكَ أَوْسَعُ لِسِرِّكَ‏.‏
يضرب في الحثِّ على كتمان السر‏.‏
يقال‏:‏ مَنْ طلب لسره موضعا فقد أفشاه، وقيل لأعرابي‏:‏ كيف كِتْمَانك للسر‏؟‏ قال‏:‏ أنا لَحْدُه‏.‏
2098- صَارَ شَأْنهُمْ شُوَيْناً‏.‏
يضرب لمن نَقَصَوا وتغيرت حالهم‏.‏
يقال‏:‏ تقدم المهلَّب بن أبي صُفْرة إلى شُرَيح القاضي فقال له‏:‏ أبا أمية لَعَهْدِي بك وإن شأنَكَ لَشُوَيْن، فقال له شريح‏:‏ أبا محمد أنت تعرف نعمة اللّه على غيرك، وتجهلها من نفسك‏.‏
2099- صَمِّى صَمَامِ‏.‏
يقال للداهية والحرب صَمَامِ - على وزن قَطَام وحَذَام - و‏"‏صَمَّى اْبنَةَ الجَبَلِ‏"‏ وأصلها الحية فيما يقال، أنشد ابن الأعرابي لسَدُوس بن ضباب‏:‏
إني إلى كُلِّ أيسارٍ وَبَادِيَةٍ * أدْعُو حُبَيْشاً كَمَا تُدْعَى ابْنَةُ الْجَبَلِ
أي أنوه به كما يُنَوَّه بابنة الجبل، وهي الحية، وإنما يقولون‏:‏ صَمِّى صَمَامِ، وصَمِّى اْبنَةَ الجبل، إذا أبى الفريقان الصلحَ ولَجُّوا في الاختلاف، أي لا تُجِيِبي الراقي، ودُومِى على حالك، قال ابن أحمر‏:‏
فَرُدُّوا ما لَدَيْكُمْ من رِكَابِي * ولَمَّا تأتِكُمْ صَمِّى صَمَامِ
فجعلها عبارة عن الداهية، وقال الكُمَيْتُ‏:‏
إذا لقَى السفير بها وَنَادَى * لَهَا صَمِّى ابْنَةَ الْجَبَلِ السفير
بها ولها يرجعان إلى الحرب‏.‏
2100- صَقْرٌ يَلوذُ حَمَامُهُ بِالْعَوْسِجِ‏.‏
يضرب للرجل المهيب‏.‏ وخصَّ العوسج لأنه متداخل الأغصان يَلُوذ به الطير خوفا من الجوارح، قال عِمْرَان ابن عصام العنزي لعبد الملك بن مروان‏:‏ ‏[‏ص 397‏]‏
وبَعَثْتَ من وَادِ الأغر مُعَتِّباً * صَقْراً يَلُوذُ حَمَامُه بالعَوْسَجِ
فإذا طَبَخْتَ بِنَارِهِ أنْضَجْتَهُ * وَإذا طَبَخْتَ بِغَيْرِهَا لم تُنْضِجِ
يعني الحجاج بن يوسف‏.‏
2101- صَنْعَةَ مَنْ طَبَّ لِمَنْ حَبَّ‏.‏
أي اصْنَعْ هذا الأمر لي صنعَةَ من طَبَّ لمن حَبَّ‏:‏ أي صنعَةَ حاذقٍ لإنسان يحبه
يضرب في التَّنَوُّقِ في الحاجة واحتمال التعب فيها‏.‏
وإنما قال حَبَّ لمزاوجة طَبَّ وإلا فالكلام أحَبَّ، وقال بعضهم‏:‏ حَبَبْتُهُ وأحْبَبْتُه لغتان، وقال‏:‏
وَوَاللّه لَوْلاَ تَمْرُهُ مَا حَبَبْتُهُ * وَلاَ كَانَ أدْنى من عُبَيْدٍ وَمُشْرِقِ ‏(‏نسبه في اللسان ‏(‏ح ب ب‏)‏ إلى غيلان بن شجا النهشلي‏)‏
وهذا وإن صح شاذ نادر، لأنه لا يجيء من باب فَعَلَ يَفْعِلُ بكسر الععين في المستقبل من المضاعف فعلُ يتعدَّى إلا أن يشركه يَفْعُلُ بضم العين نحو نَمَّ الحديث يَنِمُّه وَيُنمُّهُ وشَدَّ الشيء يَشِدُّهُ وعَلَّ الرجل يَعِلُّهُ ويَعُلُّه، وكذلك أخواتها، وحبه يحبه جاءت وحدها شاذة لا يشركها يَفْعُلُ بالضم‏.‏
2102- أَصَابَ قَرْنَ الْكَلأَ‏.‏
يضرب للذي يُصيب مالاً وافراً، لأن قَرْنَ الكلأ أنفُه لم يؤكل منه شيء‏.‏
2103- صَلَدَتْ زِنَادُهُ‏.‏
إذا قَدَح فلم يُور
يضرب للبخيل يُسْأل فلا يُعْطِى، قال الشاعر‏:‏
صَلَدَتْ زِنَادُكَ يا يزيد، وطالما* ثَقَبَتْ زِنَادُكَ لِلَّضرِيكِ الْمُرْمِلِ ‏(‏ثقبت‏:‏ قدحت نارا، والضريك‏:‏ الفقير السيء الحال، والمرمل‏:‏ الذي نفد زاده‏)‏
2104- صَارَ الأَمْرُ إلَى الْوَزَعَةِ‏.‏
يعني قام بإصلاح الأمر أهلُ الأناة والحلم، والوَزَعَة‏:‏ جمع وازع، يقال‏:‏ وَزَع إذا كَفَّ‏.‏
وذكر أن الحسن البصري لما اسْتُقْضِىَ ازدحَمَ الناس عليه فآذَوْه، فقال‏:‏ لابد للسلطان من وَزَعة، فلذلك، ارتبط السلاطينُ هذا الشرط‏.‏
2105- صَارَ خَيْرَ قُوَيْسٍ سَهْمَا‏.‏
أي صار إلى الحال الجميلة بعد الخَسَاسة، وتقدير الكلام‏:‏ صار خير سهام قُوَيْسٍ سهما وصَغَّر القوس لأنها إذا كانت صغيرة كانت أنْفَذَ سَهْماً من العظيمة‏.‏ ‏[‏ص 398‏]‏
2106- أصْمَى رَمِيَّتَهُ‏.‏
يقال‏:‏ أصْمَى الرامي، إذا أصاب، وأنْمَى، إذا أشْوَى أي أصابَ الشَّوَى ولم يصب المَقْتَلَ، ويقال‏:‏ بل هو الذي يَغيبُ عنك ثم يموت، وفي الحديث‏"‏كُلْ ما أصْمَيْتَ ودَعْ ما أنْمَيْتَ‏"‏
يضرب للرجل يَقْصِدُ الأمرَ فيصيب منه ما يريد‏.‏
2107- أَصَاخَ إِصَاخَةَ المِنْدَهِ لِلنَّاشِدِ‏.‏
الإصاخة‏:‏ السكوت، والناشد الذي يَنْشُد الشيء، والناده‏:‏ الزاجر، والمِنْدَه‏:‏ الكثير النَّدْه، أي الزجر للإِبل‏.‏
يضرب لمن جَدَّ في الطلب ثم عجز فأمسك
2108- صَرَّحَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ‏.‏
أي انكشَفَ الأمر وظهر بعد غيوبه، وقال أبو عمرو‏:‏ أي انكشف الباطلُ واستبان الحق فَعُرِفَ‏.‏
2109- صَفِرَتْ وِطَابُهُ‏.‏
الوَطْبُ‏:‏ سِقاء اللَّبن، وصَفِرت‏:‏ خَلَتْ، وهذا اللفظ كناية عن الهلاك، قال امرؤ القيس‏:‏
فأفْلَتَهُنَّ عِلْبَاءٌ جَرِيضاً * وَلَوْ أدْرَكْنَهُ صَفِرَ الْوِطَابُ
قوله‏"‏جريضا‏"‏ أي بآخر رَمَقٍ، ولو أدركنه لقُتِل ومن قُتل أو مات ذهب قِراه وخَلَتْ وِطابه من حلبه‏.‏
2110- صَدَقَني وَسْمَ قِدْحِهِ‏.‏
وَسْمُ القِدْح‏:‏ العلامة التي عليه لتدل على نصيبه، وربما كانت العلامة بالنار، ومعنى المثل خَبَّرني بما في نفسه، وهو مثل قولهم ‏"‏صَدَقَنِي سِنَّ بَكْرِهِ‏"‏‏.‏
2111- الصِّدْقُ يُنْبىء عَنْكَ لاَ الْوَعِيدُ‏.‏
يقول‏:‏ إنما ينبىء عدوَّكَ عنك أن تصدقه في المحاربة وغيرها، لا أن توعِدَه ولا تنفذ لما توعد به‏.‏
2112- صُغْرَاهُنَّ شُرَّاهُنْ‏.‏
ويروى ‏"‏صُغْرَاها شُرَّاها‏"‏ ويروى ‏"‏مُرَّاهَا‏"‏‏.‏
وأول من قال ذلك امرأة كانت في زمن لقمان بن عاد، وكان لها زوج يقال له الشَّجِي، وخليل يقال له الْخَلِيُّ، فنزل لقمان بهم، فرأى هذه المرأة ذات يوم اْنتَبَذَتْ من بيوت الحي، فارتاب لقمان بأمرها، فتبعها، فرأى رجلا عَرَضَ لها ومَضَيَا جميعا وقَضَيَا حاجتهما، ثم إن المرأة قالت للرجل‏:‏ إني أتَمَاوَتُ فإذا أسندوني في رَجَمِي ‏(‏الرجم - بالتحريك - القبر‏)‏ فأْتنِي ليلا فأخْرجيني ثم اذهب إلى مكان لا يعرفنا أهلُه، فلما سمع لقمان ذلك قال‏:‏ ويل للشَّجِيِّ من الخلي، فأرسلها ‏[‏ص 399‏]‏ مثلا، ثم رجعت المرأة إلى مكانها وفعلت ما قالت، فأخرجها الرجل وانطلق بها أياماً إلى مكان آخر، ثم تحولت إلى الحي بعد بُرْهة، فبينا هي ذاتَ يوم قاعدةُ مرت بها بناتها، فنظرت إليها الكبرى فقالت‏:‏ أمي واللّه، قالت الوُسْطَى‏:‏ صدقتِ واللّه، قالت المرأة‏:‏ كذبتما ما أنا لكما بأم، ولا لأبيكما بامرأة، فقالت لهما الصغرى‏:‏ أما تعرفان محياها، وتعلقت بها وصرخَتْ، فقالت الأم حين رأت ذلك‏:‏ صغراهن شراهن، فذهبت مثلا، ثم إن الناس اجتموا فعرفوها فرفعوا القصة إلى لقمان بن عاد، وقالوا له‏:‏ اقض بيننا، فلما نظر لقمان إلى المرأة عرفها فقال‏:‏ عند جُهَيْنَةَ الخبرُ اليقين، يعني نفسه وما عاين منها، فأخبر لقمان الزوجَ بما عرف، وأقبل على المرأة فقصَّ عليها قصتها كيف صنعت، وكيف قالت لصديقتها، فلما أتاها بما لا تنكر قالت‏:‏ ما كان هذا في حسابي، فأرسلتها مثلا، فقيل للقمان‏:‏ احكم فيها، فقال‏:‏ ارجُمُوهَا كما رَجَمَتْ نفسها في حياتها، فرجمت، فقال الشجي‏:‏ احكم بيني وبين الخلي، فقد فرق بيني وبين أهلي، فقال‏:‏ يفرق بين ذكره وأنثييه كما فرق بينك وبين أنثاك فأخذ الخلي فجُبَّ ذكره‏.‏
2113- صَحِيفَةُ المُتَلَمِّسِ‏.‏
قال المفضل‏:‏ كان من حديثها أن عمرو بن المنذر بن امرىء القَيْس كان يُرَشِّحُ أخاه قابوس - وهما لهند بنت الحارث بن عمرو الكندي آكل المرار - ليملك بعده، فقدِمَ عليه المتلمس وطَرَفة فجعلهما بهده في صحابة قابوس وأمرهما بلزومه، وكان قابوس شابّاً يعجبه اللّهو، وكان يركب يوما في الصيد فيركُضُ ويتصيَّد وهما معه يركضان حتى رجعا عشية وقد لَغبا فيكون قابوس من الغد في الشراب فيقفان بباب سرادقه إلى العشي، وكان قابوس يوماً على الشراب فوقفا ببابه النهارَ كلَّه ولم يصلا إليه، فضَجِرَ طرفة وقال‏:‏
فَلَيْتَ لنا مكانَ المَلْكِ عمرٍو* رَعُوثاً حَوْلَ قُبَّتِنَا تَخُورُ
مِنَ الزِّمِرَاتِ أَسْبَلَ قَادِمَاهَا * ودرَّتُهَا مركنَة دَرُورُ
يُشَارِكُنَا لنا رَخِلاَنِ فيها * وتَعْلُوهَا الْكِبَاشُ فَمَا تَنُورُ
لَعَمْرُكَ إِنَّ قَابُوسَ ابْنَ هِنْدٍ * لَيَخْلِطُ مُلْكَهُ نُوكٌ كَبِيرُ
قَسَمْتَ الدَّهْرَ فِي زَمَنٍ رَخِىٍّ * كَذَاكَ الْحُكْم يَقْصِدُ أَوْ يَجُورُ
لَنَا يَوْمٌ وَلِلْكِرْوَانِ يَوْمٌ * تَطِيُر البَائِسَاتُ وَلاَ نَطِيرُ ‏[‏ص 400‏]‏
فأما يَوْمُهُنَّ فَيَوْمُ سُوءٍ * يُطَاِردُهُنَّ بالخرب الصُّقُورُ
وأما يَوْمُنَا فَنَظَلُّ رَكْباً * وُقُوفا لاَ نَحُلُّ وَلاَ نَسِيرُ
وكان طرفة عدواً لابن عمه عبد عمرو، وكان كريماً على عمرو بن هند، وكان سَمينا بادنا، فدخل مع عمرو الحمام، فلما تجرَّدَ قال عمرو بن هند‏:‏ لقد كان ابنُ عمك طرفَةُ رَآك حين قال ما قال، وكان طرفة هَجَا عبدَ عمرو فقال‏:‏
ولا خَيْرَ فيه غيرَ أَنَّ له غِنًى * وَأَنَّ له كَشْحاً إذَا قَامَ أَهْضَمَا
تَظَلُّ نساءُ الحي يعكُفْنَ حَوْلَهُ * يقلن عَسيبٌ من سَرَارة مَلْهما
له شربتان بالعَشِيِّ وشَرْبَةٌ * من الليل حتى آضَ جَبْساً مُوَرَّمَا
كأن السلاح فوق شُعْبِةِ بَانَةٍ * تَرَى نَفَحا وَرْد الأسرة أَصْحَمَا
ويَشْرَبُ حتى يغمر المحضُ قَلْبَهُ * فإن أعطه أَتْرُكْ لِقَلْبِيَ مَجْثَمَا
فلما قال له ذلك قال عبد عمرو‏:‏ إنه قال ما قال، وأنشده
فليت لنا مكان الملك عمرو
فقال عمرو‏:‏ ما أُصَدِّقُكَ عليه، وقد صَدَّقه ولكن خاف أن يُنْذِره وتدركه الرحِمُ، فمكث غير كثير ثم دَعَا المتلمسَ وطرفَة فقال‏:‏ لعلكما قد اشتقتما إلى أهلكما وسَرَّكما أن تنصرفا، قالا‏:‏ نعم، فكتب لهما إلى أبي كَرِب عاملِه على هَجَر أن يقتلهما وأخبرهما أنه قد كَتَبَ لهما بِحِبَاءٍ ومعروف، وأعطى كل واحد منهما شيئاً، فخرجا، وكان المتلمس قد أَسَنَّ فمر بِنَهر الْحِيَرة على غِلْمان يلعبون، فقال المتلمس‏:‏ هل لك في كِتَابَيْنَا فإن كانْ فيهما خير مَضَيْنَا له وإن كان شراً اتقيناه، فأبي طرفة عليه، فأعطى المتلمسُ كتابَه بعض الغلمان فقرأه عليه فإذا فيه السوأة، فألقي كتابه في الماء، وقال لطرفة‏:‏ أطعني وأَلْقِ كتابَكَ، فأبى طرفة ومضى بكتابه، قال‏:‏ ومضى المتلمس حتىلحق بملوك بني جَفْنَة بالشام، وقال المتلمس في ذلك‏:‏
مَنْ مُبْلغُ الشُّعَرَاءِ عَنْ أَخَوَيْهِم * نَبَأ فَتَصْدُقَهُمْ بذَاكَ الأنْفُسُ
أَوْدَى الَّذِي عَلِقَ الصَّحِيفَةَ مِنْهُمَا * ونَجَا حِذَارَ حِبَائِهِ المتلَمِّسُ
أَلْقَى صَحِيَفَتُه ونَجَّتْ كورَهُ * وَجْنَاءُ محمرة المَنَاسِم عِرْمِسُ
عَيْرَانه طَبَخَ الهَوَاجِرُ لَحْمَهَا * فكأنَّ نُقْبَتَهَا أَدِيمٌ أَمْلَسُ ‏[‏ص 401‏]‏
أَلْقِ الصَّحِيفَةَ لاَ أَبَا لَكَ إنَّهُ * يُخْشَى عَلَيْكَ مِنَ الْحِبَاءِ النَّقْرِسُ
ومضى طرفة بكتابه إلى العامل فقتله‏.‏
وروى عبيد راوية الأعشى قال‏:‏ حدثني الأعشى قال‏:‏ حدثني المتلمس - واسمه عبد المسيح بن جرير - قال‏:‏ قدمت أنا وطَرَفة غلاماً معجباً تائهاً، فجعل يَتَخَلَّجُ في مشيه بين يديْهِ، فنظر إليه نظرة كادت تقتلعه من مجلسه، وكان عمرو لا يبتسم ولا يضحك وكانت العرب تسميه مُضَرِّطَ الحجارة لشدة ملكه، وملك ثلاثاً وخمسين سنة، وكانت العرب تهابه هيبة شديدة، وهو الذي يقول له الذهاب العجلي ‏(‏واسمه مالك بن جندل بن سلمة، من بني عجل، ولقب بالذهاب لقوله‏:‏
وما سَيْرُهُنَّ إذ عَلَوْنَ قُرَاقِراً * بذي أمَمٍ ولا الذَّهَابُ ذَهَابُ‏)‏‏:‏
أبى القَلْبُ أن يأتي السديرَ وأهلَه * وإن قيل عَيْشٌ بالسَّدِيرِ غَرِيرُ
به الْبَقُّ والحَّمى وأسْدُ خَفِيَّةٍ * وعَمْرو بن هند يَعْتَدِى ويَجُورُ
قال المتلمس‏:‏ فقلت لطرفة حين قمنا‏:‏ يا طرفة إني أخاف عليك من نظرته إليك، مع ما قلت لأخيه، قال‏:‏ كلا، قال‏:‏ فكتب له كتاباً إلى المكَعْبَر - وكان عامله على البحرين وعمان - لي كتاب ولطرفة كتاب، فخرجنا حتى إذا أنا بشيخ عن يساري يتبرز ومعه كِسْرَة يأكلها ويَقْصَع القمل، فقلت‏:‏ تاللّه إن رأيت شيخاً أَحْمَقَ وأضعَفَ وأقلَّ عَقْلاً منك، قال‏:‏ ما تنكر‏؟‏ قلت تتبرز وتأكل وتَقْصع القمل، قال‏:‏ أخرج خبيثاً، وأدخِلُ طيباً، وأقْتُلُ عدواً، وأحْمَقُ مني وألْأَم حاملُ حَتْفِهِ بيمينه لا يدري ما فيه، فنبهني وكأنما كنت نائماً، فإذا أنا بغلام من أهل الحِيرة يَسْقى غنيمة له من نهر الحيرة، فقلت‏:‏ ياغلام أتقرأ‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قلت‏:‏ اقرأ، فإذا فيه ‏"‏باسمك اللّهم، من عمرو بن هند إلى المُكَعْبر، إذا أتاك كتابي هذا مع المتلمس، فاقْطَعْ يديه ورجليه وادفنه حياً، فألقيت الصحيفة في النهر، وذلك حين أقول‏:‏
أَلْقَيْتُهَا بالثِّنْىِ مِنْ جَنْبِ كَافِر* كَذَلِكَ أقنو كلَّ قطٍّ مُضَلِّلِ
رَضِيُت لها لما رَأَيْتُ مَدَارَهَا * يَجُولُ به التَّيَّارُ في كل جَدْوَلِ
وقلت‏:‏ يا طرفة معك واللّه مثلها، قال‏:‏ كَلاَّ ما كان ليكتب بمثل ذلك في عقر دار قومي، فأتى المكعبَر فقطع يديه ورجليه، ودفنه حياً‏.‏
يضرب لمن يَسْعَى بنفسه في حَيْنها ويغررها‏.‏ ‏[‏ص 402‏]‏
2114- صَاحَتْ عَصَافِيرُ بَطْنِهِ‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ العصافير الأمعاء‏.‏
يضرب للجائع‏.‏
2115- أَصَمُّ عَمَّا سَاءَهُ سَمِيعُ‏.‏
أي أصم عن القبيح الذي يَكْرِثُهُ ‏(‏تقول كرثه الغم - من بابي ضرب ونصر - وأكرثه، إذا اشتد عليه‏)‏
ويغمه، وسميع لما يسره، أي يسمع الحسنَ ويتصامم عن القبيح فعلَ الرجلِ الكريم‏.‏
2116- صَابَتْ بقُرِّ‏.‏
أي نزل الأمر في قَرَاره، فلا يستطاع له تحويل، وصابت‏:‏ من الصَّوْب وهو النزول، والقُرُّ‏:‏ القَرَار‏.‏
يضرب عند شدةٍ تصيبهم، أي صارت الشدة في قرارها‏.‏
ويروى ‏"‏وقعت بقر‏"‏ قال عدي بن زيد‏:‏
تُرَجِّيَهَا وقد وقَعَتْ بِقُرٍّ* كما تَرْجُو أصاغِرَهَا عتيب
2117- صَبَحْنَاهُم فَغَدَوْا شَأْمَةً‏.‏
أي أوقعنا بهم صبحاً، فأخذوا الشق الأشأم، أي صاروا أصحاب شأمة، وهي ضد اليمنة‏.‏
2118- أصْلَحَ غَيْثٌ مَا أَفْسَدَ البَرْدُ‏.‏
يعني إذا أفسد البرد الكَلَأَ بتحطيمه إياه أصلحه المطر بإعادته له‏.‏
يضرب لمن أصلح ما أفسده غيره‏.‏
2119- الصَّمْتُ حُكْمٌ وَقَلِيلٌ فَاعِلُه‏.‏
الحُكْم‏:‏ الحِكْمة، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وآتيناه الحُكْمَ صبياً‏)‏ ومعنى المثل استعمال الصمت حكمة، ولكن قلَّ من يستعملها‏.‏
يقال‏:‏ إن لقمان الحكيم دخل على داود عليهما السلام وهو يصنع دِرْعاً، فهمَّ لقمان أن يسأله عما يصنع، ثم أمسك ولم يسأل حتى تم داود الدرعَ وقام فلبسها، وقال‏:‏ نعْمَ أداةُ الحرب، فقال لقمان‏:‏ الصَّمتُ حُكْمٌ وقليل فاعله‏.‏
2120- الصَّمْتُ يُكْسِبُ أهْلَهُ الْمَحَبَّةَ‏.‏
أي محبة الناس إيَّاه لسلامتهم منه‏.‏
يضرب في مدح قلة الكلام‏.‏
2121- صَارَ الأَمْرُ عَلَيْه لزَامِ‏.‏
مكسور مثل حَذَامِ وقَطَامِ، أي صار هذا الأمر لازماً له‏.‏
2122- صَوْتُ امْرِيءٍ وَاسْتُ ضَبُعٍ‏.‏
وذلك أن رجلا من بني عَقيل كان أسيراً في عَنَزَة اليمن، فيقي أربَعَ حِجَج، فعلق النساء يُرْسِلْنه فيَحْطبُهُنَّ ويَسْقيهن من الماء، فإذا أقبل نظرن إلى صدرع وإذا ما نهض تضاعف، فقلن يا أبا كليب، أمَّا حينَ ‏[‏ص 403‏]‏ تقوم فصدرة أم أسد، وأما إذا أدبرت فرجلا أم ضبع، وأنه كره أن يهرب نهاراً فتأخذه الخيل، فأرسلنه عشية مع الليل، فمر من تحت الليل، فأصبح وقد استحرز
يضرب للداهي الذي يُخَادع القومَ‏.‏
2123- صَاحِبُ سِرٍّ فِطْنَتُهُ فِي غُرْبَة‏.‏
أي أنه لا يدري كيف يدبره‏.‏ ويحفظه حتى يضيعه، يعني السر‏.‏
2124- صَبْراً وَإِنْ كانَ قَتْراً‏.‏
القَتْر‏:‏ شدة المعيشة، ويروى ‏"‏وإن كان قبراً‏"‏‏.‏
يضرب عند الشدائد والمَشَاقِّ‏.‏
2125- صَهْ صَاقِعُ‏.‏
يقال ‏"‏صَهْ‏"‏ أي اسكت، و‏"‏صَقَع‏"‏ إذا كَذَبَ، قال ابن الأعرابي‏:‏ الصاقع الذي يصقع في كل النواحي، أي اُسْكُتْ فقد ضللت عن الحق‏.‏
يضرب لمن عُرِف بالكذب‏.‏
2126- صُرِّى وَاحْلُبِي‏.‏
الصَّرُّ‏:‏ شَدُّ الضرع بالصِّرَار‏.‏
يضرب في حفظ المال‏.‏
2127- أَصِيدَ القُنْفُدُ أَمْ لُقَطَةٌ‏.‏
يضرب لمن وجد شيئاً لم يَطْلُبه‏.‏
2128- أَصَابَتْهُمْ خُطُوبٌ تَنَبَّلُ‏.‏
أي تختار الأنْبَلَ فالأنبل، يعني تُصِيبُ الخيارَ منهم‏.‏
2129- أَصَابَتْهُ حَطْمَةٌ حَتَّتْ وَرَقَهُ‏.‏
أي نكبَةٌ وزلزلت أركانه‏.‏
2130- أَصْغَرُ القَوْمِ شَفْرَتُهُمْ‏.‏
أي خادِمُهم الذي يكفي مِهْنَهم، شُبِّه بالشفرة تُمْتَهَنُ في قَطْع اللحم وغيره‏.‏
2131- صَارَ الزُّجُّ قُدَّامَ السِّنَانِ‏.‏
يضرب في سَبْقِ المتأخِّرِ المتقدمَ من غير استحقاق‏.‏
2132- أَصْبِحْ لَيْلُ‏.‏
ذكر المفضل بن محمد بن يعلى الضبي أن امرأ القَيْس بن حُجْر الكِنْدِيَّ كان رجلا مفرَّكاً لا تحبه النساء، ولا تكاد امرأة تصبر معه، فتزوج امرأة من طَيِّء فابتنى بها، فأبغضته من تحت ليلتها، وكرهت مكانها معه، فجعلت تقول‏:‏ يا خَيْرَ الفِتْيَانِ أصْبَحْتَ أصبحت، فيرفع رأسه فينظر فإذا الليل كما هو، فتقول‏:‏ أصْبَحْ لَيْلُ، فلما أصبح قال لها‏:‏ قد علمتُ ما صنعتِ الليلَةَ، وقد عرفتُ أن ما صنعتِ كان من كراهية مكاني في نفسك، فما الذي كرهت مني‏؟‏ فقالت‏:‏ ما كرهتُك، فلم يَزَلْ بها حتى قالت‏:‏ ‏[‏ص 404‏]‏ كرهت منك أنك خفيف العَزَلة ثقيل الصدر، سريع الإراقة، بطيء الإفاقة، فلما سمع ذلك منها طَلَّقها، وذهب قولها ‏"‏أَصْبِحْ ليل‏"‏ مثلا، قال الأعشى‏:‏
وحتى يبيت القوم كالضَّيْفِ لَيْلة * يَقُولُونَ أَصْبِحْ لَيْلُ والليلُ عَاتِمُ
وإنما يقال ذلك في الليلة الشديدة التي يَطُول فيها الشر، ومعنى بيت الأعشى حتى يبيت القوم غيرَ مطمئنين‏.‏
2133- أَصَابَ تَمْرَةَ الغُرَابِ‏.‏
يضرب لمن يَظْفَر بالشيء النفيس، لأن الغراب يختار أَجْوَدَ التمر‏.‏
2134- أَصْبَحَ فِيما دَهَاهُ كالْحِمَاِر الْمَوحُولِ‏.‏
يضرب لمن وقَع في أمر لا يُرْجى له التخلص منه‏.‏
والمَوْحُولُ‏:‏ المغلوب بالوَحَل، يقال‏:‏ واحتله فوحَلْتُه أوحَلُه، إذا غَلَبْتَه به‏.‏
2135- أَصْبَحَ جَنِيبَ الْعَصَا‏.‏
الْجَنِيبُ‏:‏ بمعنى المَجْنُوب، والعصا‏:‏ الجماعة‏.‏
يضرب لمن انقاد لما كلف‏.‏
2136- أَصَمَّ اللّه صَدَاهُ‏.‏
أي دِمَاغه وموضِعَ سَمْعه، يقال في الدعاء على الإنسان بالموت، قال الأصمعي‏:‏ العربُ تقول‏:‏ الصَّدَى في الهامة، والسمع في الدماغ، و‏"‏أصم اللّه صداه‏"‏ من هذا‏.‏ قلت‏:‏ الصحيح في هذا أن يقال‏:‏ الصَّدَى الذي يُجِيبُك بمثل صوتك من الْجِبال وغيرها وإذا مات الرجلُ لم يسمع الصدى منه شيئاً فيجيبه فكأنه صَمَّ‏.‏
2137- صَاحَ بِهِمْ حَادِثَاتُ الدَّهْرِ‏.‏
يضرب لقومٍ انْقَرَضُوا واستأصلتهم حوادث الزمان‏.‏
2138- صَفِرَتْ عِيَابُ الوُدِّ بَيْنَنَا‏.‏
يضرب في انقطاع المودة وانقضائها‏.‏
2139- صَارَ حِلْسَ بَيْتِهِ‏.‏
إذا لزمه لزوماً بليغاً، والحِلْسُ‏:‏ ما وَلىَ ظهرَ البعير تحت الْقَتب من كساء أو مسح يلازمه ولا يفارقه، ومنه حديث أبي بكر رضي اللّه عنه في فتنة ذكرها‏:‏ ‏"‏كُنْ حِلْسَ بَيْتِكَ حتى تأتيك يَدٌ خاطئة أو مَنِيَّة قاضية‏"‏ يأمره بلزوم بيته‏.‏
2140- صَرَّحَتْ كَحْلٌ‏.‏
وذلك إذا أصابت الناسَ سنةٌ شديدة يقال‏:‏ صَرُحَ - بالضم - صراحَةً وصُرُوحةً إذا خَلَصَ، وكذلك صَرَّح - بالتشديد - وكَحْل‏:‏ السنة والْجَدْبُ، معرفة لا تداخلها ‏[‏ص 405‏]‏ الألف واللام، فإذا قيل ‏"‏صَرَّحَتْ كحل‏"‏ كان معناه خَلَصَت السنة في الشدة والجدوبة، وقيل‏:‏ كَحْل اسمٌ للسماء، يقال ‏"‏صَرَّحَتْ كَحْل‏"‏ إذا لم يكن في السماء غَيْم، قال سَلاَمة بن جَنْدَل‏:‏
قومٌ إذا صَرَّحَتْ كَحْلٌ بُيُوتُهُمُ * مَأْوَى الضَّرِيكِ وَمَأْوَى كلِّ قُرْضُوبِ
ومعنى صرحت ههنا انكشفت كما يقال ‏"‏صَرَّح الحق عن مَحْضِهِ‏"‏‏.‏


B-happy 3 - 3 - 2010 10:09 PM



2141- صَرَّ عَلَيْهِ الغَزْوُ اسْتَهُ‏.‏
الصَّرُّ‏:‏ شد الصِّرَار على أطْبَاء الناقة
يضرب لمن ضَيَّقَ تصرفُه عليه أمره
قال المؤرج‏:‏ دخل رجل على سليمان ابن عبد الملك، وكان سليمان أولَ مَنْ أخذ الجار بالجار، وعلى رأس سليمان وَصِيفة ‏(‏روقة - بضم الراء - أي حسنة‏)‏ رُوقَة‏.‏
فنظر إليها الرجل، فقال له سليمان‏:‏ أتُعْجِبُكَ‏؟‏فقال‏:‏ بارك اللّه لأمير المؤمنين فيها، فقال‏:‏ أخبرني بسبعة أمثال قيلت في الاست وهي لك، فقال الرجل‏:‏ اسْتُ البائِن أعْلَم، قال سليمان‏:‏ واحد، قال‏:‏ صَرَّ عليه الغَزْوُ اسْتَه، قال سليمان‏:‏ اثنان، قال‏:‏ اسْتٌ لم تُعَوَّد المِجْمَرَ، قال سليمان‏:‏ ثلاثة، قال‏:‏ اسْتُ المَسْؤُل أضْيَقُ، قال سليمان‏:‏ أربعة، قال‏:‏ الحرُّ يُعْطِى والعبدُ يألم اسْتُه، قال سليمان‏:‏ خمسة، قال الرجل‏:‏ اسْتِي أخْبَثَيِ، قال سليمان‏:‏ ستة، قال‏:‏ لا مَاءَكِ أَبْقَيْتَ ولا حِرَكَ أنْقَيْتَ، قال سليمان‏:‏ ليس هذا في هذا، قال‏:‏ بلى أخَذْتُ الجارَ بالجار كما يأخذ أميرُ المؤمنين، قال‏:‏ خُذْهَا لا بارَكَ اللّه لَكَ فيها‏.‏
2142- صَدَقَنِي قُحَاحَ أَمْرِهِ‏.‏
و‏"‏قُحَّ أمرِهِ‏"‏ أي صحةَ أمره وخالصَه من قولهم‏"‏عربي قُحٌّ‏"‏ أي خالص‏.‏
2143- صَرَّحَتْ بِجِلْذَانَ‏.‏
كذا أورده الجوهري بالذال المعجمة، ووجدت عن الفراء غير معجمة، قال‏:‏ يقال ‏"‏صرحت بِجِلْدَان‏"‏و‏"‏بجدان‏"‏و‏"‏بجداء‏"‏ إذا تبين لك الأمر وصرح، وقال ابن الأعرابي‏:‏ يقال صرحت بجد وجدان وجلدان وجداء وجلداء، وأورده حمزة في أمثاله بالذال المعجمة، وأظن الجوهري نقل عنه، وهو على الجملة موضِعٌ بالطائف لين مستوٍ كالراحة لا خَمَرَ فيه يتوارى به‏.‏ والتاء في ‏"‏صرحت‏"‏ عبارة عن القصة أو الخُطَّة‏.‏
2144- صَرَّحَ المَحْضُ عَنِ الزُّبْدِ‏.‏
يقال للأمر إذا انكشَفَ وتبين‏.‏ ‏[‏ص 406‏]‏
2145- الصَّرِيحُ تَحْتَ الرُّغْوَةِ‏.‏
قال أبو الهيثم‏:‏ معناه أن الأمر مُغَطى عليك وسيبدو لك‏.‏
2146- صَلْخاً كَصَلْخِ النَّعَامَةِ‏.‏
أي صَلَخه اللّه كما صَلَخ النعامة، وهذا كما يقال للنعامة‏:‏ مُصَلَّم الأذُنَيْنِ‏.‏
2147- - صَلْمَعةُ بْنُ قَلْمَعَة‏.‏
قال ابن الأعرابي‏:‏ هذا مثل قولهم ‏"‏طامر بن طامر‏"‏ إذا كان لا يُدْرَي من هو، ولا يعرف أبوه، وهو من طَمَرَ إذا وثب
يضرب لمن يَظْهر ويَثِبُ على الناس من غير أن يكون له قديم، وينشد‏:‏
أَصَلْمَعَةُ بْنُ قَلْمَعَةَ بْنِ فَقْعٍ * بِقَاعٍ مَا حَدِيثُكَ تَزْدَرِينِي
لَقَدْ دَافَعْتُ عَنْكَ النَّاسَ حَتى * رَكِبْتَ الرَّحْلَ كالْجُرَذِ السَّمِينِ
2148- أَصَابَهُ ذُباَبٌ لاَذِعٌ‏.‏
يضرب لمن نَزَلَ به شر عظيم يرقُّ له مَنْ سمعه‏.‏
2149- صِئْبَانُ ثَوْبٍ لُقِّبَتْ هَرَانِعَا‏.‏
الْهُرْنُوعُ‏:‏ القَمْلَة الكبيرة، والصِّئبان‏:‏ جمع صُؤَاب، وهي بيضة القملة‏.‏
يضرب لمن يظهر جِدَةً والناس يعلمون أنه سيء الحال‏.‏
2150- صَارَتْ ثُرَيَّا وَهْيَ عُودٌ أَقْشَرُ‏.‏
الثرية والثريَّاء‏:‏ الأرض الندية، ومال ثرى‏:‏ أي كثير، ورجل ثَرْوَان وامرأة ثَرْوَى إذا كثر مالُهما، وثُرَيَّا‏:‏ تصغير ثَرْوَى، والأقشر‏:‏ الأحمر الذي كأنه نُزِعَ قشره‏.‏ يضرب لمن حَسُنت حالُه بعد فقر وكثر مادِحُوه بعد ذم‏.‏
2151- صَبْرًا أَتَانُ فَالجِحَاشُ حُولُ‏.‏
الحُولُ‏:‏ جمع حائل، وهي التي لم تحمل عامَهَا، ونصب‏"‏صبراً‏"‏على المصدر‏.‏
يضرب لمن وعَدَ وعْداً حسناً والموعود غيرُ حاضر، وخص الجِحاش ليكون التحقيق أبعد‏.‏
2152- صَبُوحُ حَيَّانَ بِهِ جُمُوحُ‏.‏
حَيَّان‏:‏ اسم رجل، والصَّبُوح‏:‏ ما يشرب عند الصبح، وهو يجمح بشار به أنه شَربِها في غير وقتها‏.‏
يضرب لمن يَتَصَدَّر للرياسة في غير حِينها‏.‏
2153- صَبْحَى شَكوْتُ فَاسْتَشَنَّتْ طَالِقُ‏.‏
يقال‏:‏ ناقة صَبْحَى، إذا حلب لبنها، والطالق‏:‏ الناقة التي يتركها الراعي لنفسه فلا ‏[‏ص 407‏]‏ يَحْلبها على الماء، يقول‏:‏ هذه الصَّبْحَى شكوتُهَا إذ حلبت فما بالُ هذه الطالق صار ضَرْعُها كالشَّنِّ البالي‏.‏
يضرب للرجلين يعذر أحدهما في أمر قد تَقَلَّداه معا ولا يعذر الآخر فيه لاقتداره عليه إن عجز عنه صاحبه‏.‏
2154- صَبَعْتَ لِي إصْبَعَكَ العَمَّالَةَ‏.‏
يقال‏:‏ صَبَعْت بفلان وعلى فلان أصْبَعَ صَبْعاً، إذا أشَرْتَ نحوه بأصبعك مُغْتَابا، وههنا صَبَعْت لي ولم يقل على ولا بي لأنه أراد استعملتَ أصبعك العَمَّالة لي، أي لأجلي، ويصح أن تقول‏:‏ صَبَعْتَ أصْبَعَكَ أي أصَبْتَهَا كما يقول‏:‏ رأسْتُه وصَدَرْتُه ويَدَيْتُه، أي أصبت هذه الأشياء والأعضاء منه، ويجوز أن يكون لي بمعنى إلى، كما يقال‏:‏ هَدَيْتُه للطريق، وإلى الطريق، وأوحيت إليه وله، فيكون من صلة معنى صَبَعْتَ، وهوأشرت، كأنه قال‏:‏ أشرتَ لي أي إلىِّ، والعَمَّالة‏:‏ مبالغى العاملة، أي أنها تَعَوَّدَتْ ذلك العملَ‏.‏
يضرب لمن يعيبك باطناً ويثني عليك ظاهراً‏.‏
2155- صَرَاةُ حَوْضٍ مَنْ يَذُقْهَا يَبْصُقِ‏.‏
الصَّرَاة‏:‏ الماء المُجْتَمِع في الحوض أو في البئر أو غير ذلك، فيبقى الماء فيه أياماً ثم يتغير‏.‏
يضرب للرجل يجتنبه أهلُه وجيرانه لسوء مذهبه‏.‏
2156- صُبَابَتِي تَرْوِى وَلَيْسَتْ غَيْلاً‏.‏
الصُّبَابة‏:‏ بقية الماء في الإناء وغيره، والغَيْل‏:‏ الماء يجري على وجه الأرض‏.‏
يضرب لمن ينتفع بما يبذل وإن لم يدخل في حد الكثرة‏.‏
2157- الصُّوفُ مِمَّنْ ضَنَّ بِالرِّسْلِ حَسَنٌ‏.‏
يقال‏:‏ هذا قاله رجل نظر إلى نَعْجَة لها صوف كثير، فاغترَّ بصُوفها وظن أن لها لبنا، فلما حلبها لم يكن بها لبن، فقال هذا‏.‏
يضرب لمن نال قليلا ممن طمع في كثير
2158- صَكًّا وَدِرْهَمَاكَ لَكَ‏.‏
قال المفضل‏:‏ إن امرأة بَغِيّاً كانت تؤاجر نفسَها من الرجال بدرهمين لكل من طَلَبها، فاستأجرها يوما رجل بدرهمين، فلما جامعها أعجبها جِمَاعُه وقوته وشدة رَهْزه فجعلت تقول ‏"‏صكا‏"‏ أي صُكَّ صكا ‏"‏ودرهماك لك‏"‏ فذهبت مثلا‏.‏
وروى ابن شميل‏"‏ غَمْزَاً ودرهماك لك، فإن لم تغمز فبُعْدٌ لَكَ ‏"‏رفعت البعد‏.‏ ‏[‏ص 408‏]‏
قال‏:‏ يضرب مثلاً للرجل تراه يعمل العمل الشديد‏.‏
2159- اصْطِنَاعُ الْمَعْرُوفِ يَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ‏.‏
يقال‏:‏ صَنَع معروفاً واصْطَنَع كذلك في المعنى، أي فِعْلُ المعروف في أهله يقي فاعله الوقوع في السوء‏.‏
2160- الصَّدْقُ عِزٌّ وَالْكَذِبُ خُضُوعٌ‏.‏
قاله بعض الحكماء‏.‏
يضرب في مَدْحِ الصدق وذم الكذب
2161- صَالِبِي أَشَدُّ مِنْ نَافِضِكَ‏.‏
هما نوعان من الحمى‏.‏
يضرب في الأمرين يزيد أحدُهما على الآخر شدة‏.‏
2162- الصِّدْقُ فِي بَعْضِ الأمُورِ عَجْز‏.‏
أي ربما يضر الصدقُ صاحبَه‏.‏
2163- صَرَرْنَا حُبَّ لَيْلَى فَانْتَثَر‏.‏
أي صُنَّاه فضاع‏.‏
يضرب لما يُتَهَاون به‏.‏
2164- صَبَّحَ بَنِي فلاَنٍ زُوَيْرُ سَوْءٍ‏.‏
إذا عَرَاهم في عُقْر دارهم، والزُّوَير‏:‏ زعيم القوم، وقال‏:‏
قد نضرب الجيش الخميسَ الأزْوَرَا * حَتَّى تَرَى زُوَيْرَهُ مُجَوَّرَا
2165- صَبْرًا وَبِضَبِّيٍّ‏.‏
قاله شتير بن خالد لما قتله ضِرار بن عمرو الضبي بابنه حُصَين، ونصب ‏"‏صبراً‏"‏ على الحال، أي أقْتَلُ مَصْبُوراً، أي محبوساً وقوله‏"‏وبضبي‏"‏ أي أُقتل بضبي، كأنه يأنف أن يكون بدل ضبي‏.‏
يضرب في الخصلتين المكروهتين يُدْفَع الرجل إليهما‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif ما جاء على أفعل من هذا الباب
2166- أَصْبَرُ مِنْ قَضِيبٍ‏.‏
قال ابن الأعرابي‏:‏ هو رجل كان في الدهر الأول من بني ضبة، وله حديث سيأتي في باب اللام، وضربت به العرب المثلَ في الصبر على الذل، وأنشد‏:‏
أقيمي عَبْدَ غنْمٍ لا تُرَاعِي * منَ القَتلَى التي بِلِوَى الْكَثِيبِ
لأنْتُمْ حينَ جَاءَ الْقَوْمُ سَيْراً * عَلَى الْمَخْزَاة أصْبَرُ مِنْ قَضِيبِ
2167- أَصْبَرُ مِنْ عَوْدٍ بِدَفَّيْهِ جُلَبٌ‏.‏ ‏[‏ص 409‏]‏
2168- وَأَصْبَرُ مِنْ ذِي ضَاغِطٍ مُعَرَّكٍ‏.‏
قال محمد بن حبيب‏:‏ كان من حديث هذين المثلين أن كلباً أوقَعَتْ ببني فزارة يوم‏.‏ العاه قبل اجتماع الناس على عبد الملك بن مروان، فبلغ ذلك عبدَ العزيز بن مروان، فأظهر الشماتة، وكانت أمه كليبة، وهي ليلى بنت الأصبع بن زبان‏.‏ وأم بشر بن مروان قطبة بنت بشر بن عامر بن مالك بن جعفر، فقال عبد العزيز لبشر أخيه‏:‏ أما علمت ما فَعَلَ أخوالي بأخوالك‏؟‏ قال بشر‏:‏ وما فعلوا‏؟‏ فأخبره الخبر، فقال‏:‏ أخوالُكَ أضْيَقُ أسْتَاهاً من ذلك، فجاء وَفْدُ بني فَزَارة إلى عبد الملك يخبرونه بما صُنِعَ بهم، وأن حُرَيْث بن بَجْدل الكلبي أتاهم بعهدٍ من عبد الملك أنه مصدق، فسمعوا له وأطاعوا، فاغْتَرَّهم فقتل منهم نَيِّفَّا وخمسين رجلا، فأعطاهم عبدُ الملك نصف الحَمَالات، وضَمِنَ لهم النصف الباقي في العام المقبل، فخرجوا ودَسَّ إليهم بشر ابن مروان مالا فاشْتَرَوُا السلاح والكُرَاع، ثم اغْتَرُّوا كلبا ببني فزارة فَلَقُوهم ببنات قين، فتعدَّوْا عليهم في القتل، فخرج بشر حتى أتى عبدَ الملك وعندهُ عبدُ العزيز بن مروان فقال‏:‏ أما بلغك ما فعل أخوالي بأخوالك‏؟‏ فأخبره الخبر، فغضب عبدُ الملك لإخفارهم ذمتَهُ وأخْذِهم مالَه، وكتب إلى الحجاج يأمره إذا فَرَغَ من أمر ابن الزُّبير أن يُوقِع ببني فَزَارة إن امتنعوا، ويأخُذَ مَنْ أصاب منهم، فلما فرغ الحجاجُ من أمر ابن الزبير نَزَلَ ببنب فزارة، فأتاهم حَلْحَلَةُ ابن قيس بن أشْيَمَ وسعيد بن أبان بن عُيَينة ابن حِصْن بن حُذَيفة بن بدر، وكانا رئيسي القوم، فأخبرا الحجاج أنهما صاحبا الأمر، ولا ذنْبَ لغيرهما، فأوثقهما وبَعَثَ بهما إلى عبد الملك، فلما أدْخِلاَ عليه قال‏:‏ الحمدُ لله الذي أقاد منكما، قال حلحلة‏:‏ أما واللّه ما أقادمني، ولقد نَقَضْتُ وِتْرَي، وشَفَيْتُ صَدْرِي، وبردت وَحْرِي، قال عبد الملك‏:‏ مَنْ كان له عند هذين وِتر يطلبه فليقم إليهما، فقام سفيان بن سُوَيْد الكلبي - وكان أبوه فيمنقتل يوم بنات قين - فقال‏:‏ يا حلحلة هل حست لي سُوَيدا، قال‏:‏ عهدي به يوم بنات قن وقد انقطع خُرْؤه في بطنه، قال‏:‏ أما واللّه لأقتلنك، قال‏:‏ كذبت واللّه ما أنت تَقْتُلني وإنما يقتلني ابنُ الزرقاء، والزرْقَاء إحدى أمهات مَرْوَان بن الحكم، وكانت لها راية، وكانوا يُسَبُّون بالزرقاء، فقال بشر‏:‏ صَبْراً حَلْحَلُ، فقال‏:‏ إي واللّه‏.‏
أصْبَرُ مِن عَوْدٍ بجنبه جُلَبْ * قد أثَّرَ البِطَانُ فِيهِ وَالحقَبْ ‏[‏ص 410‏]‏
ثم التفت إلى ابن سُوَيد فقال‏:‏ يا ابن استها أجدِ الضربَةَ فقد وقعت مني بأبيك ضربةٌ أَسْلَحَتْهُ، فضرب عنقَه، ثم قيل لسعيد نحو ما قيل لحلحلة، فردَّ مثلَ جواب حلحلة، فقام إليه رجل من بني عليم ليقتله فقال له بشر‏:‏ اصْبِرْ، فقال‏:‏
أصْبَرُ مِن ذِي ضَاغِطٍ مُعَرَّكِ * أَلْقَى بَوَانِي زَوْرِهِ للْمَبْرَكِ
ويروى ‏"‏من ذي ضاغط عَرَكْرَكِ ‏"‏ وهو البعير الغليظ القويُّ، والضاغط‏:‏ الْوَرَمُ في إبط البعير، شِبْهُ الكيس، يضغطه، أي يضيقه، ويقال ‏"‏فلان جيد البَوَانِي‏"‏ إذا كان جيدَ القوائم والأكتاف‏.‏
2169- أَصَحُّ مِنْ عَيْرِ أبِي سَيَّارَةَ‏.‏
هو رجل من بني عَدْوَان اسمه عميلة بن الأعزل، وكان له حمار أسود أجاز الناسَ خالد عليه من المزدلفة إلى منًى أ ربعين سنةً، وكان يقول‏:‏ أشْرِقْ ثَبير كيما نُغِير، ويقول‏:‏
لاهُمَّ إنِّي تَابِعٌ تَبَاعَهْ * إنْ كَانَ إثْمٌ فَعَلَى قُضَاعَهْ ‏(‏في أصول هذا الكتاب ‏"‏لاهم إني بائع بياعة‏"‏ تحريف ما أثبتناه عن سيرة ابن هشام‏.‏‏)‏
لاهم مَالِي فِي الحِمَارِ الأْسَوْد * أصْبَحْتُ بَيْنَ الْعَالَمِينَ أحْسَدْ
هَلاَّ يكاد ذُو الْبَعِيرِ الْجَلْعَدْ * فَقِ أبا سَيَّارَةَ الْمُحَسَّدْ
مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ إذَا حَسَدْ * وَمِنْ أذَاةِ النَّافِثَاتِ فِي الْعُقَدْ
اللّهم حبب بين نسائنا، وبَغِّضْ بين رِعائنا، واجعل المال في سُمَحَائنا، وفيه يقول الشاعر‏:‏
خَلُّوا الطَّرِيقَ عن أبي سَيَّارَهْ * وعَنْ مَوَاليه بَنِي فَزَارَهْ
حَتَّى يُجيزَ سَالماً حِمَارَهْ * مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو جَارَهْ
وكان خالد بن صَفْوَان والفضل بن عيسى الرَّقَاشي يختاران ركوبَ الحمير على ركوب البَرَاذين، ويجعلان أبا سَيَّارة لهما قُدْوَة‏.‏
فأما خالد فإن بعض الأشراف بالبصرة تلقَّاه فرآه على حمار فقال‏:‏ ما هذا المركب ياأبا صفوان‏؟‏فقال‏:‏ عَيْر من نَسْل الكداد، أصْحَر السِّرْبال، مفتول الأجلاد، محملج القوائم، يحمل الرجلة، ويبلُغ العقبة، ويقل داؤه، ويَخِفُّ دواؤه، ويمنعني أن أكون جَبِّاراً في الأرض أو أكون من المفسدين، ولولا ما في الحمار من المنفعة لما امتطى أبو سَيَّارة ظهر عَيْر أربعين سنة‏.‏
وأما الفضل بن عيسى فإنه سئل أيضاً عن ركوب الحمار، فقال‏:‏ لأنه أقل الدوابِّ مَؤُنة، وأكثرها مَعُونة، ‏[‏ص 411‏]‏ وأسهلها جِمَاحا، وأسلمها صريعا، وأخْفَضُها مَهْوًى، وأقربها مُرْتَقًى، يزهى راكبه وقد تواضع بركوبه، ويسمى مقتصدا وقد أسرف في ثمنه، ولو شاء عُمَيْلة بن خالد أبو سَيَّارة أن يركب جملا مَهْرِيّاً أو فرساً عربياً لفَعَلَ، ولكنه امتطى عَيْراً أربعين سنة، فسمع أعرابي كلامه، فعارضه فقال‏:‏ الحمار شَنَار، والعَيْر عار، مُنْكَر الصوت، بعيد الفَوْت، متغرق في الوَحْل، متلوث في الضَّحْل ليس بركوبَةِ فَحْل، ولا مطية رَحْل، إن وقفته أدْلى، وان تركته وَلَّى، كثير الرَّوْث، قليل الغَوْث، سريع إلى الفرارة، بطيء في الغارة، لا تُرقأ به الدماء، ولا تُمْهَر به النساء، ولا يحلب في إناء‏.‏
قال أبو اليقطان‏:‏ أبو سَيَّارة أولُ من سَنَّ في الدِّيَة مائةً من الإبل‏.‏
2170- أصْنَعُ مِنْ سُرْفَةَ‏.‏
هي دويبة، وقد اختلفوا في نَعْتها، قال اليزيدي‏:‏ هي دويبةٌ صغيرة تَنْقُب الشجر وتبني فيه بيتا، وقال أبو عمرو بنُ العَلاَء‏:‏ هي دويبة مثلُ نصف عدسة تَنْقُب الشجر ثم تبني فيه بيتاً من عِيدانٍ تجمعها مثل غَزْل العنكبوت منخرطا من أعلاه إلى أسفله كأن زواياه قُوِّمَتْ بخط، وله في إحدى صَفَائحه باب مُرَبع قد ألزمت أطراف عيدانه من كل صفيحة أطراف عيدان الصفيحة الأخرى كأنها مَفْرُوَّة، وقال محمد بن حبيب‏:‏ هي دويبة تنسج على نفسها بيتاً فهو نَاوُوسُها حقّاً، والدليل لى ذلك أنه إذا نُقِضَ هذا البيتُ لم توجَدِ الدودة فيه حية أصلا، وزاد بعض رواة الأخبار على ابن حبيب زيادة، فزعم أن الناس في أول الدهر حين كانوا يتعَلَّمون الحِيَلَ من البهائم تعلموا من السُّرْفَةِ إحداثَ بناء النواويس على موتاهم، فإنها في خرط وشكل بيت السُّرْفَة، ويقال ‏"‏وَادٍ سَرِفٌ‏"‏ أي كثير السُّرْفَة، و‏"‏أرض سَرِفَة ‏"‏ و‏"‏سُرِفَتِ الشجرةُ‏"‏ إذا أصابتها السُّرْفة، ويقال أيضاً ‏"‏أصْنَعُ من سَرَفٍ‏"‏ ويقال ‏"‏من سُرُفٍ‏"‏‏.‏
2171- أَصْنَعُ مِنْ تُنَوِّطٍ، ويقال ‏"‏مِنْ تَنَوُّطٍ‏"‏‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ إنما سُمِّي تُنَوِّطاً لأنه يدلي خيوطا من شجرة ثم يفرخ فيها، والواحد تُنَوِّطة، وقال حمزة‏:‏ هو طائر يركِّبُ عُشَّه تركيبا بين عودين من أعواد الشجر فينسجه كقارورة الدُّهْن ضَيِّقَ الفَمِ واسعَ الداخل، فيودعه بيضَهُ، فلا يوصَل إليه حتى تدخل اليد فيه إلى المعصم‏.‏
2172- أَصْنَعُ مِنْ نَحْلٍ‏.‏
ويقال‏"‏من النحل‏"‏ إنما قيل هذا لما ‏[‏ص 412‏]‏ فيه من النِّيقَة في عمل العسل، قال الشاعر‏:‏
فجاءُوا بمَزْجٍ لم يَرَ الناسُ مثلَه * هو الضَّحْكُ إلا أنه عَمَلُ النَّحْلِ
2173- أصْدَقُ مِنْ قَطَاةٍ‏.‏
لأن لها صَوْتاً واحداً لا تغيره، وصوتها حكاية لاسمها، تقول‏:‏ قَطاً قَطاً، ولذلك تسميها العرب الصَّدُوق، وكذلك قولهم ‏"‏أنْسَبُ من قَطَاة‏"‏ لأنها إذا صَوَّتَت عرفت، قال أبو وَجْرَة السَّعْدي‏:‏
مَا زِلْنَ يَنْسُبْنَ وَهْناً كُلَّ صَادِقَةٍ * بَاتَتْ تُبَاشِرُ عُرْماً غَيْرَ أزْوَاجِ
قلت‏:‏ قوله‏"‏ما زلن‏"‏ يعني الأتُنَ التي وردت الماء ‏"‏ ينسبن‏"‏ جعل الفعلَ لهن لأنهن أثرن القَطَا عن أماكنها حتى قالت قطا قطا، فلما كن سَبَبَ النِّسْبة جعل الفعلَ لهن كقوله تعالى ‏(‏كما اخْرَجَ أبَوَيْكُمْ من الجنة يَنْزِعُ عنهما لباسهما‏)‏ لما كان إبليس سببَ النزع جعل النزع له نفسه، ونصب ‏"‏وهنا‏"‏ على الظرف، والجملة بعد قوله ‏"‏كل صادقة‏"‏ صفة لها، والعُرْمُ‏:‏ جمع الأعرم، وهو الذي فيه بياض وسواد، أي باتت القطا تباشر بيضاتٍ عُرْماً، وكذلك يكون بيضُ القطا، وجعل البيض غَيْرَ أزواج لأن بَيْضَ القطا يكون أفراداً ثلاثا أو خمسا‏.‏
2174- أَصدَقُ ظَنًّا مِنْ أَلْمَعِيٍَ‏.‏
قالوا‏:‏ هو الذي يظن الظَّنَّ فلا يُخْطىء واشتقاقه من لَمَعَان النار وتوقُّدِها، وعَرَّفه بعضهم ‏(‏هو أوس بن حجر‏)‏ نظماً فقال‏:‏
الألْمَعِيُّ الّذِي يَظُنُّ بِكَ الـ * ـظَّنَّ ‏(‏الظن‏)‏ كأنْ قَدْ رَأَى وَقَدْ سَمِعَا
واللوذعي‏:‏ مثل الألمعي، واشتقاقُه من لَذْع النار، والأحْوَذِى‏:‏ القَطَّاع للأمور الخفيفُ في العملِ لحِذْقه، من الحَوْذِ وهو السَّوْقُ السريع، وقال الأصمعي‏:‏ هو المُشَمِّر في الأمور، القاهر الذي لا يَشِدُّ
عليه منها شيء، والأحوزي‏:‏ الجامع لما يشذُّ من الأمور، من الحوز وهو الْجَمْع‏.‏
2175- أصفَى مِنْ مَاءِ المفَاصِل‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ هو مُنْفَصَلُ الجبل من الرملة، يكون بينهما رَضْرَاض وحَصًى صغار يَصْفُو ماؤه ويرقُّ، قال أبو ذؤيب‏:‏
وإنَّ حَدِيثًا مِنْكِ لَوْ تَبْذُلِينَهُ * جَنَي النَّحْلِ في أَلْبَانِ عُوذٍ مَطَافِل
مَطَافِيل أبكَارٍ حَدِيثٍ نَتَاجُهَا * تُشَابُ بماءٍ مِثْلِ مَاءِ المَفَاصِلِ
2176- أَصفَى مِنْ جَنَي النّحْلِ‏.‏
هو العَسَل، ويقال له المَزْج، والأرْىُ والضَّحْك، والضَّرْبُ، أيضاً‏.‏ ‏[‏ص 413‏]‏
2177- أَصفَى مِنْ لُعَابِ الْجَرَادِ‏.‏
قالوا‏:‏ هو مأخوذ من قول الأخطل‏:‏
إذا ما نَدِيمِى عَلَّنِي ثم عَلَّنِي * ثَلاَثَ زُجَاجَاتٍ لهنَّ هَدِيرُ
عُقَاراً كَعَيْنِ الدِّيكِ صِرْفاً كأنه* لُعَابُ جَرَادٍ فِي الْفَلاَةِ يَطِيرُ
2178- أَصْرَدُ مِنْ جَرَادَةٍ‏.‏
من الصَّرَد الذي هو البَرْدُ، وذلك لأنها لا تُرَى في الشتاء أبداً لقلة صَبْرها على البَرْد، يقال‏:‏ صَرِدَ الرجلُ يَصْرَدُ صَرَداً فهو صَرِد ومِصْرَاد، للذي يجد البرد سريعاً، ومنه قولهم حكاية عن الضب‏:‏
أصْبَحَ قَلْبِي صَرِدَا*
2179- أصْرَدُ مِنْ عَنْزٍ جَرْبَاءَ‏.‏
وذلك أنها لا تَدْفأ لقلة شَعْرها ورقة جلدها، فالبرد أَضَرُّ لها‏.‏
2180- أَصْرَدُ مِنْ عَيْنِ الحِرْباءِ‏.‏
قال حمزة‏:‏ هذا المثلُ تصحيفٌ للمثل الذي قبله، يعني صحف عنز من عَيْن وحِرْباء بجرباء‏.‏
قلت‏:‏ إنما يكون هذا لو قيل ‏"‏من عين حرباء‏"‏ منكراً، فأما إذا قالوا‏:‏ ‏"‏من عين الحِرْبَاء‏"‏ معرفاً بالألف واللام، ولا يقال‏:‏ ‏"‏عنز الجرباء‏"‏ فكيف يقع التصحيف‏؟‏ ثم قال‏:‏ إلا أن بعض الناس فَسَّره على وَجْه مُطَّرد، فقال‏:‏ الحرباء أبداً تستقبلُ الشمسَ بعينها تستجلب إليها الدفء، وهذا مَخْلَص حسن‏.‏
2181- أَصْرَدُ مِنَ السَّهْمِ‏.‏
هذا من الصَّرَد الذي هو بمعنى النفوذ، يقال ‏"‏صَرِدَ السهمُ صَرَداً‏"‏ إذا نَفَذَ في الرمِيَّة، قال الشاعر‏:‏
فما بُقْيَا عَلَىَّ تَرَكْتُمانِي* وَلَكِنْ خِفْتُمَا صَرَدَ النِّبَالِ
2182- أَصْرَدُ مِنْ خَازِقِ وَرَقَةٍ‏.‏
هذا من صَرِدَ السهمُ أيضاً، يقال‏:‏ خَزَقَ السهمُ وخَسَقَ، إذا نَفَذَ، ويقال في مثل آخر‏:‏ ‏"‏وَقَعَ على خازق ورقة‏"‏ يقال ذلك للداهِي الذي يخزق الورقَةَ من ثَقَافته وضَبْطه للأشياء، ويقال‏:‏ ‏"‏ ما زال فلانٌ يخزق علينا منذ اليوم‏"‏‏.‏
2183- أَصْعَبُ مِنْ رَدِّ الشَّخْبِ فِي الضَّرْعِ‏.‏
هذا من قول من قال‏:‏
صَاحِ هَلْ رَيْتَ أَوْ سَمِعْتَ بِرَاعٍ * رَدَّ في الضَّرْعِ ما قَرَى في الِعَلابِ
العِلاَب‏:‏ جمع عُلْبة، ويروى ‏"‏في الحِلاب‏"‏ وهو إناء يُحْلَب فيه، و‏"‏رَيْتَ‏"‏ يريد به رَأَيْتَ‏.‏ ‏[‏ص 414‏]‏
2184- أَصْعَبُ مِنْ وُقُوفٍ عَلَى وَتَدٍ‏.‏
هذا من قول الشاعر‏:‏
وَلِي صَاحِبَانِ عَلَى هَامَتِي * جُلُوسُهُمَا مِثْلُ حَدِّ الْوَتَدْ
ثَقِيلاَنِ لَمْ يَعْرِفَا خِفَّةً * فَهذَا الزُّكامُ وَهذَا الرَّمَدْ
2185- أَصْوَلُ مِنْ جَمَلٍ‏.‏
معناه‏:‏ أعَضُّ، يقال‏:‏ صال الجملُ، وعَقَر الكلبُ، قاله حمزة‏.‏
قلت‏:‏ وقال غيره‏:‏ صال إذا وثَبَ صَوْلاً وصَوْلَةً وصِيَالا، والفَحْلَانِ يَتَصَاوَلانِ أي يتواثبان، وصال العَيْرُ، إذا حمل على العَانَةِ، فأما صال إذا عَضَّ، فمما تفرد به حمزة، وأما قولهم‏:‏ جمل صَؤُول، فقال أبو زيد‏:‏ صَؤُل البعير بالهمز يَصْؤُل صَآلة، إذا صار يَقْتُلُ الناسَ ويعْدُو عليهم، فهو صَؤُول، وفي الحديث‏:‏ ‏"‏أنَّ المَعْرِفَةَ تنفَعُ عند الجمل الصَّؤُول والكلب العَقُور‏"‏ وقال‏:‏
ولم يَخْشَوْا مُصَاءلة عَلَيْهِمْ * وتَحْتَ الرَّغْوَةِ اللبنُ الصَّرِيحُ
ويروى‏"‏ ولم يخشوا مَصَالته عليهم‏"‏ وهما رواية حمزة‏.‏
قلت‏:‏ والصحيح ‏"‏ولم يخشوا مصالته عليهم‏"‏ وهو مصدر صال كالمَقَالة مصدر قال والشعر لنَضْلَة، وأوله‏:‏
ألم تَسَلِ الفَوَارِسَ يَوْمَ غَوْلٍ * بنَضْلَةَ وَهْوَ مَوْتُورٌ مُشِيحُ
رَأوْهُ فَازْدَرَوْهُ وَهْوَ حُرٌّ * وَيَنْفَعُ أَهْلَهُ الرَّجُلُ القَبِيحُ
وَلَمْ يَخْشَوْا مَصَالَتَهُ عَلَيْهِمْ * وَتَحْتَ الرَّغْوَةِ الَّلبَنُ الصَّرِيحُ
أي صَوْلَه، قال المبرد‏:‏ يقول إذا رأيتَ الرِّغْوَةَ - وهو ما يرغو كالجلدة في أعلى اللبن - لم تدر ما تحتها، فربما صادفْتَ اللبن الصريح إذا كشفتها، أي أنهم رأوني فازدروني لدَمَامتي، فلما كَشَفُوا عني وجدوا غيرَ ما رأوا
2186- أَصَحُّ مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ‏.‏
قلت‏:‏ هذا من قول الفرزدق‏:‏
خَرَجْنَ إِلَيَّ لم يُطْمَثْنَ قَبْلِي * وَهُنَّ أَصَحُّ مِنْ بَيْضِ النَّعَامِ
فَبِتْنَ بجانبيَّ مُصَرَّعَاتٍ * وَبِتُّ أَفُضُّ أَغْلاَقَ الختَامِ
كأنَّ مَفَالِقَ الرمَّانِ فِيَها * وَجْمَر غَضًى جَلَسْنَ عَلَيْهِ حَامِ
2187- أَصَبُّ مِنَ الْمُتَمَنِّيَةِ‏.‏
هذا مثل من أمثال أهل المدينة سار في صدر الإسلام، والمتمنية‏:‏ امرأة مَدَنية ‏[‏ص 415‏]‏ عَشِقت فتىً من بني سُلَيم يقال له‏:‏ نَصْر بن حَجَّاج، وكان أحْسَنَ أهل زمانه صُورة، فَضَنِيَتْ من حبه، ودَنِفَتْ من الوَجْدِ به، ثم لَهِجَتْ بذكره، حتى صار ذكره هِجِّيرَاهَا، فمرَّ عُمَر بن الخطاب رضي اللّه عنه ذات ليلة بباب دارها، فسمعها تقول رافعةً عَقِيرَتهَا‏:‏
ألا سَبيلَ إلى خَمْرٍ فأشْرَبَهَا * أم لاَ سَبِيلَ إلى نَصْر بن حَجَّاجِ
فقال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ مَنْ هذه المتمنية‏؟‏ فعرف خَبَرَها، فلما أصبح استحضر الفتى المتمنَّى، فلما رآه بَهَرَه جمالُه، فقال له‏:‏ أأنت الذي تتمناكَ الغانياتُ في خدورهن‏؟‏ لا أمُّ لك‏!‏ أما واللّه لأزيلَنَّ عنك رِدَاء الجمال، ثم دعا بحجَّام فحَلَقَ جُمَّته، ثم تأمَّله فقال له‏:‏ أنت مَحْلُوقاً أَحْسَنُ، فقال‏:‏ وأيُّ ذنب لي في ذلك ‏؟‏ فقال‏:‏ صدقت، الذنْبُ لي أَنْ تركتُكَ في دار الهجرة، ثم أركَبَهُ جملا وسَيَّره إلى البَصْرة، وكتب إلى مُجَاشع ابن مسعود السُّلَمي‏:‏ إني قد سَيَّرْتُ المتمنَّي نصرَ بن حجَّاج السُّلمي إلى البصرة، فاسْتَلَبَ نساءُ المدينة لفظةَ عمر، فضر بْنَ بها المثل، وقلن ‏"‏أصَبُّ من المتمنية‏"‏ فسارت مثلا‏.‏
قال حمزة‏:‏ وزْعم النسابون أن المتمنية كانت الفريعة بنت هَمَّام أم الحجاج بن يوسف، وكانت حين عَشِقَتْ نصراً تحت المُغِيرة بن شُعْبة، واحتجوا في ذلك بحديث رَوَوْه، زعموا أن الحجاج حضَرَ مجلس عبد الملك يوماً وعُرْوَة بن الزبير عنده يحدثه ويقول‏:‏ قال أبو بكر كذا، وسمعت أبا بكر يقول كذا، يعني أخاه عَبْدَ اللّه بن الزبير، فقال له الحجاج‏:‏ أعند أمير المؤمنين تَكْنَي أخاك المنافق‏؟‏ لا أم لك‏!‏ فقال له عروة‏:‏ يا ابن المتمنية ألي تقول هذا‏؟‏ لا أم لك وأنا ابن عجائز الجَنَّة صفِيَّة وخَدِيجة وأسماء وعائشة رضي اللّه عنهن‏.‏
وكما قالوا بالمدينة ‏"‏أصب من المتمنية‏"‏ قالوا بالبصرة ‏"‏أدْنَفُ من المتمنَّى‏"‏ وذلك أن نصر بن حجاج لما ورَدَ البصرةَ أخذ الناسُ يسألون عنه، ويقولون‏:‏ أين هذا المتمني الذي سَيَّرهُ عمر رضي اللّه عنه‏؟‏ فغلب هذا الاسم عليه بالبصرة كما غلب ذلك الاسم على عشيقته بالمدينة‏.‏
ومن حديث هذا المثل أن نصراً لما ورد البصرة أنزله مُجَاشع بن مسعود السُّلَمي منزلَه من أجل قَرَابته، وأَخْدَمَه امرأته شُمَيْلة، وكانت أجملَ امرأة بالبصرة، فعلقته وعَلِقها، وخفي على كل واحدٍ منهما خبرُ الآخر، لملازمة مُجَاشع لضَيْفه، وكان مجاشع ‏[‏ص 416‏]‏ أمياً ونَصْر وشُمَيلة كاتبين، فَعِيلَ صبرُ نصر، فكتب على الأرض بحضرة مجاشع‏:‏ إني قد أحببتك حباً لو كان فَوْقَك لأظَلَّكِ، ولو كان تحتك لأقَلَّكِ، فوقَّعَتْ تحته غير محتشمة‏:‏ وأنا، فقال لها مجاشع‏:‏ ما الذي كَتَبه‏؟‏ فقالت‏:‏ كتب كم تَحْلب ناقتكم‏؟‏ فقال‏:‏ وما الذي كتبت تحته‏؟‏ فقالت‏:‏ كتبت وأنا، فقال مجاشع‏:‏ كم تَحْلب ناقتكم، وأنا، ما هذا لهذا بطبق، فقالت‏:‏ أصدقك إنه كتب كم تغلُّ أرضكم‏؟‏ فقال مجاشع‏:‏ كم تغل أرضكم، وأنا، ما بين كلامه وجوابك قرابة، ثم كَفَأ على الكتابة جَفْنة ودعا بغلام من الكُتَّاب، فقرأ عليه، فالتفت إلى نَصْر فقال له‏:‏ يا ابن عم ما سَيَّرَكَ عمر من خيرٍ فقم، فإنَّ وراءك أوسَعَ، فنهض مستحيياً، وعَدَلَ إلى منزل بعض السَّلَمين، ووقع لجنبه، فضَنِىَ من حب شُمَيْلة، ودَنِفَ حتى صار رَحْمَة، وانتشر خبره، فضرب نساء البصرة به المثل، فقلن ‏"‏أَدْنَفُ من المتمنَّى‏"‏ ثم إن مجاشعاً وقف على خبر علة نصر بن حجاج، فدخل عليه فلحقته رقَّة، لما رأى به من الدنف، فرجع إلى بيته وقال لشُمَيْلة‏:‏ عَزَمْتُ عليكِ لما أخذت خُبْزَة فَلَبَكْتِهَا بسمن ثم بادرتِ بها إلى نصر، فبادت بها إليه، فلم يكن به نهوض، فضمته إلى صَدْرها، وجععلت تلقمه بيدها، فعادت قُوَاه وبرأ كأنْ لم يكن به قَلَبة ‏(‏القلبة - بالتحريك - الداء، والعيب أيضا‏)‏
فقال بعض عُوَّاده‏:‏ قاتل اللّه الأعشى فكأنه شَهِدَ منهما النجوى حيث قال‏:‏
لو أَسْنَدَتْ مَيْتاً إلى صَدْرِهَا * عَاشَ وَلَمْ يُنْقَلْ إلى قَابِرِ
فلما فارقته عاود النُّكْس، فلم يزل يتردد في علته حتى مات فيها‏.‏
2188- أَصْلَفُ مِنْ مِلْحٍ فِي مَاءَ‏.‏
الصِّلَف‏:‏ قلة الخير‏.‏
يضرب لمن لا خير فيه، وذلك أن الملح إذا وقَعَ في الماء ذاب فلا يبقى منه شيء، ومنه ‏"‏صَلِفَتِ المرأة‏"‏ إذا لم يَبْقَ لها عند زوجها قَدْر ومَنْزِلة‏.‏
2189- أَصْلَفُ مَنْ جَوْزَتَيْن فِي غَرَارةٍ‏.‏
لأنهما يُصَوِّتان باصطكاكهما، ولا معنى وراءهما‏.‏
2190- أَصْلَبُ مِنَ الأنْضُرِ‏.‏
يعنون جمع النِّضر، وهو الذهب‏.‏وَ‏"‏مِنَ الْجَنْدَلِ‏"‏وَ‏"‏مِنَ الحَجَرِ‏"‏، وَ‏"‏مِنَ الحَدِيدِ‏"‏، وَ‏"‏مِنَ النُّضَارِ‏"‏، وَ‏"‏مِنْ عُودِ النَّبْعِ‏"‏‏.‏ ‏[‏ص 417‏]‏
2191- أَصْفَى مِنَ الدَّمْعَةِ، و‏"‏مِن المَاءِ‏"‏ و‏"‏مِنْ عَيْن الْغُرَابِ‏"‏ و‏"‏مِنْ عَيْنِ الدِّيْكِ‏"‏ و‏"‏مِنْ لُعَابِ الْجُنْدَبِ‏"‏‏.‏
2192- أَصْعَبُ مِنْ رَدِّ الْجَمُوحٍ، و‏"‏مِنْ نَقْلِ صَخْرٍ‏"‏ و ‏"‏مِنْ قَضْمِ قَتّ‏"‏‏.‏
2193- أَصْفَرُ مِنْ لَيْلَةِ الصَّدَرِ، و ‏"‏مِنْ بُلْبُلٍ‏"‏‏.‏
هذا من الصفير، والأول من الصِّفَر والخَلَاء‏.‏
2194- أَصْيَدُ مِنْ لَيْثِ عِفِرِّينَ، و‏"‏مِنْ ضَيْوَنٍ‏"‏‏.‏
2195- أَصْبَرُ مِنْ حِمَارِ، و‏"‏مِنْ ضَبٍّ‏"‏، و ‏"‏مِنَ الْوَدِّ عَلَى الذُّل‏"‏، و‏"‏مِنَ الأثَافِي عَلَى النَّارِ‏"‏، و ‏"‏مِنَ الأَرْضِ‏"‏، و ‏"‏مِنْ حَجَرٍ ‏"‏، و‏"‏ مِنْ جِذْلِ الطِّعَانِ‏"‏‏.‏
2196- أَصْنَعُ مِنْ دُودِ الْقَزِّ‏.‏
2197- أَصَحُّ مِنْ ظَبْيٍ، و‏"‏مِنْ ظَلِيمٍ‏"‏، و‏"‏مِنْ ذِئْبٍ‏"‏، و ‏"‏مِنْ عَيْرِ الْفَلاَةِ‏"‏‏.‏
1982- أَصغَرُ مِنْ قُرَادٍ، و‏"‏مِنْ صُؤَابَةٍ‏"‏، و‏"‏مِنْ حَبَّةٍ‏"‏ و‏"‏مِنْ صَعْوَةٍ‏"‏ و‏"‏مِنْ صَعَة‏"‏‏.‏
*3*http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif المولدون
صُوَرةُ المَوَدَّةِ الصِّدْقُ‏.‏
َصاِحُب الحَاجَةِ أعْمَى‏.‏
صَارَتِ الْبِئْرُ المُعَطَّلَةُ قَصْراً مَشِيداً
يضرب للوضيع يرتفع
صَاحِبُ ثَرِيدٍ وَعَافِيَةٍ‏.‏
يضرب لمن عرف بسلامة الصدر‏.‏
صَارَ إِلَى مَا مِنْهُ خُلِقَ‏.‏
يضرب للميت
صَارَ الأَمْرُ حَقِيقَةً، كَعِيَانِ الطَّرِيقَةِ‏.‏
صَلاَبَةُ الْوَجْهِ خَيْرٌ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانٍ‏.‏
صَفْقَةٌ بِنَقْدٍ خَيْرٌ مِنْ بَدْرَةٍ بِنَسِيئَةٍ‏.‏
صَبَعَةُ الشَّيْطَانُ‏.‏ ‏[‏ص 418‏]‏
يضرب للتأوه في ولايته
صَدِيقُ الْوَالِدِ عَمُّ الْوَلدِ‏.‏
صَامَ حَوْلاً، ثُمَّ شَرِبَ بَوْلاً‏.‏
صَبْرُ سَاعَةٍ أَطْوَلُ لِلرَّاحَةِ‏.‏
صِيغَ وفَاقَ الْهَوى وَكَفَى المُرَادَ‏.‏
صَبْرُكَ عَنْ مَحَارِمِ اللّه، أيْسَرُ مِنْ صَبْرِكَ عَلَى عَذَابِ اللّه‏.‏
الصَّعْوُ فِي النَّزْعِ وَالصِّبْيَانُ فِي الطَّرَبِ‏.‏
الصَّبْرُ مِفْتَاحُ الْفَرَجِ‏.‏
الإِصلاَحُ أَحَدُ الْكَاسِبَين‏.‏
الصِّنَاعَةُ فِي الْكَفِّ أَمَانٌ مِنَ الْفَقْرِ‏.‏
الصَّرْفُ لاَ يَحْتَمِلُهُ الظَّرْفُ‏.‏
أصَابَ الْيَهُودِيُّ لَحْماً رَخِيصاً فَقَالَ هذَا مُنْتِنٌ‏.‏
الصَّبُوحُ جَمُوحٌ‏.‏

B-happy 3 - 3 - 2010 10:11 PM

الباب الخامس عشر فيما أوله ضاد معجمة

2199- ضَرَبَ أَخْمَاساً لأَسْدَاسٍ‏.‏
الخِمْسُ والسِّدْسُ‏:‏ من أظماء الإِبل، والأصل فيه أن الرجل إذا أراد سفراً بعيداً عَوَّدَ إبلَه أن تشرب خِمْسَاً، ثم سِدْسَاً، حتى إذا أخَذَتْ في السير صَبَرَتْ عن الماء، وضرب بمعنى بَيَّن وأظهر، كقوله تعالى ‏(‏ضَرَبَ لكم مَثَلاً ‏مِنْ أنْفُسِكُمْ‏‏‏)‏ والمعنى أظهر أخماساً لأجل أسداس‏:‏ أي رقي إبله من الخِمْس إلى السِّدْسِ‏.‏
يضرب لمن يظهر شيئاً ويريد غيره أنشد ثعلب‏:‏
اللّه يعلم لَوْلاَ أنني فَرِقٌ * مِنَ الأمير لَعَاتَبْتُ ابْنُ نِبْرَاسِ
في مَوْعِدٍ قاله لي ثم أخلفني * غدا غدا ضرب أخماس لأسداس
2200- ضَرَبَ في جَهَازِهِ
أصلُه في البعير يشقط عن ظهره القَتَبُ بأداته فيقع بين قوائمه، فينفر منه حتى يذهب في الأرض، وضَرَبَ‏:‏ معناه سار، و‏"‏في ‏"‏من صلة المعنى، أي صار عاثراً في جَهَازِهِ‏.‏
يضرب لمن يَنْفِرُ عن الشي نفوراً لا يعود بعده إليه‏.‏
2201- ضَرَبَ عَلَيْهِ جِرْوَتَهُ
الجِرْوَة‏:‏ النفسُ ههنا، أي وطَّنَ عليه ‏[‏ص 419‏]‏ نفسَه، وكذلك ‏"‏ ألقى جِرْوَتَه‏"‏ وقال ابن الأعرابي‏:‏ معناه اعْتَرَفَ له وصبَر عليه
2202- ضِغْثٌ عَلَى إِبَّالَةٍ
الإبَّالة‏:‏ الحُزْمَة من الحَطَب، والضِّغْث‏:‏ قَبْضَة من حشيش مختلطة الرطب باليابس، ويروى ‏"‏ إيبالة‏"‏ وبعضهم يقول ‏"‏ إبَالَة‏"‏ مخففاً، وأنشد‏:‏
لِي كُلَّ يَوْمٍ مِنْ ذُؤَالَةْ * ضِغْثٌ يَزِيدُ عَلَى إبَالَهْ
ومعنى المثل بَلِيَّةٌ على أخرى‏.‏
2203- ضَرَبَةُ ضَرْبَ غَرَائِبِ اْلإِبِلِ
ويروى ‏"‏أضْرِبْهُ ضَرْبَ غَريبة الإبِلِ‏"‏ وذلك أن الغَريبة تزدحم على الحِيَاض عند الوِرْد، وصاحب الحوض يَطْرُدها ويضربها بسبب إبله، ومنه قول الحجاج في خُطْبته يُهَدِّد أهلَ العراق ‏"‏واللّه لأضْرِبَنَّكُمْ ضَرْبَ غرائب الإبل ‏"‏ قال الأعشى‏:‏
كَطَوْافِ الغَرِيبَةِ وَسْطَ الحِيَاضِ * تَخَافُ الرَّدَى وَتُرِيدُ الجِفَارَا
يضرب في دَفْعِ الظالم عن ظلمه بأشدِّ ما يمكن‏.‏
2204- ضَلَّ دُرَيصٌ نَفَقَهُ‏.‏
ويروى ‏"‏ضَلَّ الدُّرَيْصُ نفقهُ‏"‏الدِّرْصُ‏:‏ ولد الفأرة واليربوع والهرة وأشباه ذلك، ونَفَقُه‏:‏ حُجْره، ويقال‏:‏ ضلَّ عن سواء السبيل، إذا مال عنه، وضلَّ المسجدَ والدار، إذا لم يَهْتَدِ إليهما ولم يعرفهما
يضرب لمن يُعْنَى بأمره ويُعِدُّ حُجَّةً لخصمه فينسى عند الحاجة‏.‏



2205- ضَحَّ رُوَيْداً‏.‏
هذا أمر من التضحية، أي لا تَعْجَلْ في ذَبْحها، ثم استعير في النَّهْي عن العَجَلة في الأمر، ويقال‏:‏ ضَحِّ رويداً لم تُرَعْ، أي لم تفزع، ويقال‏:‏ ضّحِّ رويداً تدرك الهَيْجَا حَمَلَ، يعني حَمَلَ بن بَدْر، وقال زيدُ الخيل‏:‏
فَلَوْ أن نَصْراً أصْلَحَتْ ذَاتَ بَيْنِنَا* لضَحَّتْ روُيْداً عَنْ مَطَالِبِهَا عَمْرُو
ولكنَّ نَصْراً أرْتَعَتْ وتَخَاذَلَتْ * وكَانَتْ قدَيِماً مِنْ خَلاَئِقِهَا الغَفْرُ
أي المغفرة، ونصرٌ وعمرٌو‏:‏ ابْنا قُعَيْن، وهما حَيَّان من بني أسد‏.‏
2206- ضَلَّ حِلْمُ اُمْرَأةٍ فأَيْنَ عَيْنَاهَا‏.‏
أي هَبْ أن عَقْلها ذَهَب فأين ذهب بَصَرُها‏.‏
يضرب في اسبعاد عقل الحليم‏.‏
2207- ضَرِيَتْ فَهْيَ تَخْطَفُ‏.‏
يعني العُقاب‏.‏ ‏[‏ص 420‏]‏
يضرب لمن يجترىء عليك فَيُعَاود مَسَاءتك‏.‏
2208- الضَّجُورُ قَدْ تَحْلَبُ العُلْبَةَ‏.‏
الضَّجُور‏:‏ الناقة الكثيرة الرُّغَاء فهي تَرْغُو وتَحْلُب‏.‏
يضرب للبخيل يُسْتَخْرج منه الشيء وإن رَغِمَ أَنْفُه‏.‏
ونصب العلبة على المصدر، كأنه قيل‏:‏ قد تحلب الحلبة المعهودة، وهي أن تكون مِلءْ العُلْبة‏.‏
2209- ضَرَبَ وَجْهَ اْلأَمْرِ وَعَيْنَهُ‏.‏
يضرب لمن يُدَاور الشؤون ويُقَلِّبُها ظهراً لبطن من حسن التدبير‏.‏
2210- أَضْحَكُ مِنْ ضَرِطِهِ وَيَضْرِطُ مِنْ ضَحِكِى‏.‏
أصله أن رجلا كان في عِصَابة يتحدثون، فضرط رجل منهم، فضحك رجل من القوم، فلما رآه الضارط يضحك ضحك الضارط فاستغرق في الضحك، فجعل لا يملك اُسته ضَراطاً فقال الضاحك‏:‏ العجبُ أضْحَكُ من ضَرِطه ويَضْرِطُ من ضحكى، فأرسلها مثلا‏.‏
2211- أَضَرِطاً وَأَنْتَ اْلأَعْلى‏.‏
قاله سُلَيْك بن سُلَكة السَّعْدي، وذلك أنه بينما هو نائم إذ جَثَم عليه رجل من الليل، وقال‏:‏ اسْتَأسِرْ، فرفَعَ إليه سليكٌ رأسَه، فقال‏:‏ الليل طويل وأنْتَ مُقْمِرٌ، فأرسلها مثلا، ثم جعل الرجل يَلْهَزُه ويقول‏:‏ ياخبيثُ استأسِرْ، فلما آذاه بذلك أخْرَجَ سليكٌ يَدَه وضَمَّ الرجلَ إليه ضَمَّة أضرطته وهو فوقه، فقال له سليك‏:‏ أضَرِاطاً وأنت الأعلى ‏؟‏ فأرسلها مثلا‏.‏
يضرب لمن يشكو في غير موضع الشَّكْو
2212- ضَرَحَ الشَّمُوسَ نَاجِزاً بِنَاجزِ‏.‏
الضَّرْحُ‏:‏ الدَّفْعُ بالرِّجْل، وأصله التنحية
يضرب لمن يكابِدُ مثلَه في الشراسة‏.‏
ونصب ‏"‏ناجزا‏"‏ على الحال‏.‏
2213- ضَرِطٌ ذَلِكَ‏.‏
تزعم العرب أن الأسد رأى الحمار، فرأى شدةَ حوافِرِه وعظم أذنيه وعظم أسنانه وبطنه، فهَابَهُ وقال‏:‏ إن هذا الدابة لمنكر، وإنه لَخَليق أن يغلبني، فلو زُرْتُه ونظرت ما عنده، فدنا منه فقال‏:‏ يا حمار أرأيت حوافرك هذه المنكرة لأي شيء هي‏؟‏ قال‏:‏ للأكم، فقال الأسد‏:‏ قد أمنت حوافره، فقال‏:‏ أرأيت أسنانَكَ هذه لأي شيء هي‏؟‏ قال‏:‏ للحنظل، قال الأسد‏:‏ قد أمنتُ أسنانه، قال‏:‏ أرأيْتَ أذنيك هاتين المنكرتين لأي شيء هما‏؟‏ قال‏:‏ للذباب، قال‏:‏ أرأيت بطنك هذا لأي شيء ‏[‏ص 421‏]‏ هو‏؟‏ قال‏:‏ ضَرِطٌ ذلك، فعلم أنه لا غَنَاء عنده، فافترسَهُ‏.‏
يضرب لما يَهُولُ منظرهُ ولا معنى وراءه‏.‏
2214- الضَّبُعُ تأكلُ العِظاَمَ ولاَ تَدْرِي ما قَدْرُ اُسْتِهَا‏.‏
يضرب للذي يُسْرِفُ في الشيء‏.‏
2215- اُضْطَرَّهُ السَّيْلُ إِلَى مَعْطَشَةٍ‏.‏
يضرب لمن ألقاه الخيرُ الذي كان فيه إلى شر‏.‏
2216- أضِىءْ لِيَ أقْدَحْ لَكَ‏.‏
أي كُنْ لي أكُنْ لك، وقيل‏:‏ بين لي حاجَتَكَ حتى أسعى فيها، كأنه رأى في لفظ السائل استبهاما فقال له‏:‏ صَرَّحْ ما تريد أحَصِّلْ لك غرضا، ويروى‏"‏ أكْدَحْ لك‏"‏
يضرب للمساواة في المكافأة بالأفعال‏.‏
وقال يونس بن حبيب‏:‏ زعم بعضُ العرب أنه هزؤ، لأنه إذا قال‏"‏أضيء لي‏"‏ كيف يقول ‏"‏أقدح لك‏"‏ لأن القادر على القَدْح لا يتعرض لإضاءة غيره، كأنه يقول‏:‏ وَاسِنِي مع استعنائي عن ذلك، هذا كلامه، وحقيقة المعنى كن لي أكثر مما أكون لك، لأن الإضاءة أكثر من القدح‏.‏
2217- ضَرَبَه فَرَكِبَ قُطْرَهُ‏.‏
إذا سقط ععلى أحد قُطْرَيْه، أي جانبيه
2218- ضَعِيفُ العَصَا‏.‏
يقال للراعي الشَّفِيق‏:‏ هو ضعيف العصا، وفي ضده‏:‏ صُلْبُ الْعَصَا‏.‏
2219- ضَرِطُ الْبَلْقَاءَ جاَلَتْ فيِ الرَّسَنِ‏.‏
قال ابن الأعرابي‏:‏ يضرب للباطل الذي لا يكون، وللذي يَعِدُ الباطلَ‏.‏
2220- ضَرْبُكَ بِالْفطِّيسِ خَيْرٌ مِنَ المطْرَقَةِ‏.‏
أي إذا أذلَّكَ إنسان فليكن أكْبَرَ منك
2221- ضَغا مِنِّي وَهْوَ ضَغَاء‏.‏
أصل الضَّغْو في الكلب والثعلب إذا اشتدَّ عليه أمر عَوَى عُوَاء ضعيفا، ثم كثر ذلك حتى جعل لكل مَنْ عَجَز عن شيء، وضَغَا المُقَامِرُ ضَغْواً وضُغَاءً، إذا خان ولم يَعْدِلْ
يضرب لمن لا يقدر من الانتقام إلا على صِياح
2222- ضُلُّ بْنُ ضُلٍّ‏.‏
يضرب لمن لا يُعْرَفُ هو ولا أبوه‏.‏
2223- ضَرْباً وَطَعْناً أَوْ يَمُوتَ اْلأَعْجَلُ‏.‏
يضرب للعدو، أي نتجاهد حتى يموت أعجلُنا أجلا‏.‏
2224- أَضْلَلْتَ مِنْ عَشْرٍ ثماَنِيَا‏.‏
يضرب لمن يُفْسد أكْثَرَ ما يليه من الأمر ‏[‏ص 422‏]‏
2225- ضَرَطَ وَرْدَانُ بِوَادٍ قٍّي‏.‏
وَرْدَان‏:‏ اسم حمار، والقِيُّ‏:‏ الفَلَاة‏.‏
يضرب لمن يخاصم غيرَه في باطل‏.‏
2226- ضَرِطُ البَلْقاءِ وَخْوَاخٌ نَفِقٌ‏.‏
الوَخْوَاخ‏:‏ الضعيف، والنَّفِقُ‏:‏ السريع النَّفَاد‏.‏
يضرب للنَّفَّاج المُبَقْبِق ‏(‏النفاج‏:‏ الذي يفخر بما ليس عنده، والمبقبق‏:‏ المكثار‏)‏
ويروى ‏"‏ضَرِطُ‏"‏ رفعا ونصبا، فالرفع على تقدير هذا ضرط، والنصب على المصدر‏:‏ أي ضَرِطَ ضَرِطَ البلقاءِ‏.‏
2227- الضَّرْبُ يُجْلِي عَنْكَ لاَ الْوَعِيدُ‏.‏
يعني لا يدفع الوعيدُ عنك الشرِّ، وإنما يدفعه الضرب، وهذا كقولهم ‏"‏الصِّدْقُ ينبىء عنك لا الوعيد‏"‏‏.‏
2228- ضَجَّتْ فَزدْهَا نَوْطاً‏.‏
النَّوْط‏:‏ جُلَّة صغيرة فيها تمر تُعَلَّق من البعير، وضَجَّت‏:‏ ضَجِرَتْ
يضرب لمن يُكَلِّفُ حاجة فلا يضبطها فيطلب أن يخفف عنه فيزداد أخرى‏.‏
2229- ضَاقَتْ عَلَيْهِ اْلأَرْضُ بِرُحْبِهَا‏.‏
يضرب لمن يَتَلَدَّد في أمره‏.‏
2230- ضَرِمَ شَذَاهُ‏.‏
يضرب للجائع إذا اشتدَّ جُوعُه، قاله الخليل‏.‏
2231- ضَبِّبُوا لصَبِيَّكُمْ‏.‏
يقال أيضاً‏"‏ضَبِّبْ لأخيك واستبقه‏"‏ الضبيبة‏:‏ سَمْن ورُبٌّ يجعل في العُكَّة للصبي يُطْعَمه‏.‏
يضرب في إبقاء الإخاء وتربية المودة‏.‏
2232- ضَرَبَهُ ضَرْبَةُ ابْنَة اقْعُدى وَقُومِي‏.‏
أي ضربةَ مَنْ يُقال لها اقعدي وقومي، يعني ضربة أَمَةٍ، لقيامها وقعودها في خدمة مَوَاليها‏.‏
2233- ضِباَبُ أرْضِ حَرْشُهَا اْلأَرَاقِمُ‏.‏
حَرْشُها‏:‏ أي مَحْرُوشها وما يحصل عليه منها، والأرقم، الحية تَقْتُل إذا لسعت‏.‏
يضرب لمن له هَيْبَة وجَاه ثم لا يسلم عليه جار ولا قريب‏.‏
2234- ضُرُوعُ مَعْزٍ ماَلَهَا أَرمْاَثُ‏.‏
الرِّمْثُ‏:‏ بقية قليلة من اللبن تبقى في الضَّرْع، يعني أن هذه مَعْزٌ لا أرماث لها في ضُرُوعها‏.‏
يضرب لمن له ظاهرُ بِشْرٍ ولا يكون وراءه إحسان‏.‏ ‏[‏ص 423‏]‏
2235- ضَرَُّه جَبَّارٍ رَعَاهَا المُنْصُلُ‏.‏
الضَّرَّةُ‏:‏ المالُ الكثيرمن الإبل والشاء وجميعِ السوائم، ورَجُلٌ مُضِرٌ، إذا كان صاحب أموال كثيرة‏.‏
يضرب للضعيف يستجير القويَّ فيحميه ويكنُفُه بِكَنَفِهِ‏.‏
2236- ضَائِفُ اللَّيْثِ قَتِيلُ الْمَحْلِ‏.‏
يقال‏:‏ ضَافَه يَضِيفه، إذا أتاه ضَيْفا، يقول‏:‏ لا يَضيف الأسدَ إلا من قَتَله المَحْلُ والجَدْبُ‏.‏

B-happy 3 - 3 - 2010 10:13 PM

يضرب لمن اضطر فغرَّر بنفسه
2237- ضَوَارِبٌ بُسَّتْ لِعَرْفٍ باْليَدِ‏.‏
الضارب‏:‏ الناقَة تضرب حالبَهَا، ولم يلحق الهاء لأنها في مَعْرِض النسبة، أي ذات الضرب، كقولهم‏:‏ امرأة حائض، ولاَبِنٌ، وتامر، والبَسُّ‏:‏ السَّوْق اللين، والعَرْف والعَرْفَة‏:‏ قُرُوحٌ تخرج باليد، يقال‏:‏ رجل مَعْرُوف، إذا كان به عَرْفَة، وإذا عُرِفَ الحالبُ لم يقدر أن يحلب، والتقدير‏:‏ هذه نوقٌ ضوارب سِيَقتْ إذا ذي عَرْف بيده ليحلبها‏.‏
يضرب لمن كُلِّفَ ما يعجز عنه‏.‏
2238- ضَبَّةُ حُزْنٍ في حَوَامِي قَلَعٍ‏.‏
الحَوَامي‏:‏ النواحي والأطراف، والقَلَع‏:‏ الصخرة ‏(‏الصواب أن القلع جمع قلعة - بفتحات - وهي الصخرة العظيمة‏)‏
العظيمة، والضَّبَّة إذا كانت في مثل هذا المكان لا يقدر عليها صائدها‏.‏
يضرب لليقِظِ الحازم لا يخادِع عن نفسه وماله‏.‏
2239- ضَيَّقَ الْغَزْوُ اُسْتَهُ‏.‏
يضرب للجَبَان يحضُر الحربَ‏.‏
2240- ضَرْبَةٌ بَيْضَاءُ في ظَرْفِ سَوْءٍ‏.‏
الضَّرْبُ‏:‏ العَسَلُ الأبيض الغليظ‏.‏
يضرب للسيء المَرْآة الكَرِيم الخُبْر
2241- أضَرِاطاً آخِرَ الْيَوْمِ وَقَدْ زَالَ الظُّهْرُ‏.‏
أي تضرط ضرطاً، نصبه على المصدر، وهذا المثل قاله عمرو بن تِقْن للقمان بن عاد حين نهض لقمان بالدَّلْو فضرط، وقد ذكرته في باب الهمزة عند قوله ‏"‏إحْدَى حُظَيَّات لُقْمَان‏"‏ في قصة طويلة‏.‏
2242- ضَجَّ فَزِدْهُ وِقْراً‏.‏
هذا مثل قولهم ‏"‏إن جرجر العود فزده نوطا‏"‏ وقد مر قبل هذا ‏[‏ص 424‏]‏
*3*http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif ما جاء على أفعل من هذا الباب
2243- أضْبَطُ منْ عَائِشَةَ بْنِ عَثْم‏.‏
من بني عَبْشَمْس بن سعد، وكان من حديثه أنه سَقَى إبله يوماً وقد أنزل أخاه في الركيَّةِ يَميحُه، وازدحمت الإبل فهَوَتْ بَكْرة منها في البئر، فأخذ بذَنَبها، وصاح به أخوه‏:‏ يا أخي الموت، قال‏:‏ ذاك إلى ذَنَب البَكْرَةِ، يريد إذا انقطع ذَنَبُها وقعت، ثم اجتذبها فأخرجها، فضرب به المثل في قوة الضَّبْطِ، فقيل ‏"‏أضْبَطُ من عائشة بن عثم ‏"‏ هذه رواية حمزة وأبي الندى وقال المندري ‏"‏ عابسة ‏"‏ بالباء والسين من العُبُوس، والله أعلم‏.‏
وقال بعضهم‏:‏ عائشة بن غنم الغين والنون‏.‏
2244- أضعَفُ منْ يَدٍ فِي رَحِمٍ، وَأضَلُّ منْ يَدٍ في رَحِمٍ‏.‏
يريد الجَنِين، قاله أبو عمرو، وقيل‏:‏ معناه أن صاحبها يتوقَّى أن يصيبَ بيده شيئاً‏.‏
2245- أضْيَعُ منْ قَمَرِ الشِّتَاءٍ‏.‏
لأنه لا يُجْلَسَ فيه، ولابن حجاج يصف نفسه‏:‏
حَدَث السِّن لم يَزَلْ يتلَهَّى * علمه بالَمَشايخِ العُلَمَاءِ
خَاطِرٌ يَصْفَعُ الفرزدقَ في الشِّعـْ * ـرِ ‏(‏الشعر‏)‏ وَنَحْو ينيك أمَّ الكسائي
غَيْرَ أني أَصْبَحتُ أَضْيَعَ في القو * مِ مِنَ البَدْرِ في لَيَالِي الشِتِّاَءِ
2246- أَضْيَعُ مِنْ غِمْدٍ بِغَيرِ نَصْلٍ‏.‏
قال حمزة‏:‏ ذكره بعضُ الشعراء بأحْسَن لفظ فقال‏:‏
وإني وإسماعيلَ يومَ وَدَاعِهِ * لَكاَلْغِمْدِ يَوْمَ الرَّوْع فَارَقهُ النَّصْلُ
فَإِنَّ أغْشَ قَوْماً بَعْدَهُ أوْ أزُرْهُمُ * فَكاَلْوَحْشِ يُدْنِيهَا مِنَ الأنَسِ المَحْلُ
2247- أَضْيَعُ مِنْ دَمِ سَلاَّغٍ‏.‏
ويروى بالعين غير معجمة، قال حمزة‏:‏ هو رجل من عبد القيس، له حديث في مثل آخر‏"‏ دم سلاغ جُبَار‏"‏ قال‏:‏ وهذان المثلان حكاهما النضر بن شميل في كتابه في الأمثال، قال أبو الندى‏:‏ قُتل سلاغ بحضرموت، فترك دمه وثأره فلم يُطْلَبْ، فضربت العربُ به المثلَ‏.‏
2248- أَضَلُّ مِنْ مَؤْوُدَةٍ‏.‏
هي اسم كان يقع لى مَنْ كانت العربُ ‏[‏ص 425‏]‏ تدفنها حَيَّةً من بناتها، قال حمزة‏:‏ واشتقاق ذلك من قولهم ‏"‏قد آدَهَا بالتراب ‏"‏ أي أثْقَلَها به، ويقولون‏:‏ آدَتْه العلَّة، ويقول الرجل للرجل‏:‏ اتَّئِدْ، أي تثبت في أمرك
قلت‏:‏ هذا حكم فيه خلل، وذلك أن قوله اشتقاق المؤودة من آدها بالتراب لا يستقم لأن الأول من المعتل الفاء، والثاني من المعتل العين، تقول من الأول‏:‏ وأد يَئِدُ وَأْداً، ومن الثاني آد يؤد أودا، اللهم إلا أن يجعل من المقلوب، ولا أعلم أحداً حكم به
قال حمزة‏:‏ وذكر الهيثم بن عدي أن الوأد كان مستعملا في قبائل العرب قاطبة، وكان يستعمله واحد ويترك عشرة، فجاء الإسلام وقد قلَّ ذلك فيها إلا من بني تميم فإنه تزايد فيهم ذلك قبل الإسلام، وكان السبب في ذلك أنهم منعوا الملك ضَرِيبته، وهي الإتاوة التي كانت عليهم، فجرَّدَ إليهم النعمانُ أخاه الريان مع دَوْسَر، ودوسر‏:‏ إحدى كتائبه، وكان أكثر رجالها من بكربن وائل، فاستاق نَعَمَهم وسَبَى ذراريهم، وفي ذلك يقول أبو المشمرج اليشكري‏:‏
لما رأوا رَايَةَ النعمان مُقْبِلَةً * قالُوا ألا لَيْتَ أدْنى دارِناَ عَدَنُ
يا لَيْتَ أمَّ تميم لم تكُنْ عَرَفَتْ * مُرّاً وكانَتْ كمن أوْدَى به الزَّمَنُ
إن تَقْتُلُونَا فأعْيَارٌ مُجَدَّعَةٌ * أو تُنْعِمُوا فقديماً منكمُ المِنَنُ
فوفدت وفود بني تميم على النعمان بن المنذر وكَلَّموه في الذَّرَارِي، فحكم النعمان بأن يجعل الخيار في ذلك إلى النساء، فأية امرأة اختارت زوجها رُدَّت عليه، فاختلفن في الخيار، وكان فيهنَّ بنت لقيس بن عاصم فاختارت سابيَهَا على زوجها، فَنَذَرَ قيس بن عاصم أن يدسَّ كل بنت تولَدُ له في التراب، فوأَدَ بِضْعَ عَشْرَةَ بنتا، وبصنيع قيس بن عاصم وإحيائه هذه السُّنَّةَ نزل القرآن في ذم وأد البنات‏.‏
2249- أَضَلُّ مِنْ سِنَانٍ‏.‏
هو سِنَان بن أبي حارثة المُرِّي ‏.‏
وكان قومُه عَنَّفُوة على الجود فقال‏:‏ لا أراني يُؤْخَذُ على يدي، فركب ناقةً له يقال لها الجهول، ورمى بها الفلاة، فلم يُرَ بعد ذلك، فسَمَّتْه العربُ‏"‏ضَالَّةَ غَطَفَان‏"‏ وقالوا في ضرب المثل به‏:‏ لا أفعلُ ذلك حتى يرجع ضَلَّةُ غطفان، كما قالوا‏:‏ لا أفعل ذلك حتى يرجع قارظُ عَنَزَة، وقال زهير في ذلك‏:‏
إنَّ الرزيَّةَ لا رزيةَ مثلها * ما تَبْتَغِى غَطَفَانُ يَوْمَ أضَلَّتِ ‏[‏ص 426‏]‏
إنَّ الركاَبَ لَتَبْغَيِ ذَا مرة * بِجَنُوبِ خَبْت إذَا الشُّهُورُ أَهَلَّتِ
وزعمت أعراب بني مرة أن ينانا لما هام استفحلته الجن تطلب كرمَ نجله‏.‏
2250- أَضَلُّ مِنْ قَارِظِ عَنَزَةَ‏.‏
هو يذكر بن عنزة، واقتصَّ ابنُ الأعرابي حديثه فذكر أن بسببه كان خروج قُضَاعة من مكة، وذلك أن جزيمة بن مالك بن نَهْد هَوْيَ فاطمة بنت يذكر بن عنزة، فطرد عنها، فخرج ذاتَ يوم هو وأبوها يذكر يطلبان القَرَظَ، فمرا بقليب فيه مُعَسَّلُ النَّحْلِ، فتقارَعَا للنزول فيه، فوقعت القرعة على يذكر، فنزل واجْتَنَى العسَلَ حتى رفع منه حاجته، ثم قال‏:‏ أخْرِجْنِي، فقال جزيمة كلا أخرجك أو تُزَوِّجَنِي فاطمة، فقال‏:‏ أما وأنا على هذه الحالة فلا، ولكن أخرجني ثم اخطبها فإني أزوجكها، فأبى وتركه ومضى، فلما انصرف إلى الحي سألوه عنه فقال‏:‏ أخذ طريقاً وأخذت أخرى، فلم يقبلوا منه، ثم سمعوه يترنم بهذا الشعر‏:‏
فَتَاةٌ كأنَّ فُتَاتَ الْعَبِيرِ * بِفِيهَا يُعَلُّ بهِ الزَّنْجَبِيلْ
قَتَلْتُ أبَاهَا عَلَى حُبَّهَا * فيمنَعُني نَيْلَهَا أوْ تُنيِلْ
فاتهموه وأرادوا قتله، فمنعه قومُه، فاحتربت بكر وقُضَاعة بسببه، فكان أول سبب لتفرقهم عن تهامة، فلما أخذوا يتفرقون قيل لجزيمة‏:‏ إن فاطمة قد ذُهِبَ بها فلا سبيل إليها، فقال‏:‏ أما ما دامت حية فإني أطمع فيها، وقال في ذلك‏:‏
إذَا الَجْوزَاءُ أرْدَفَتِ الثريَّا * ظَنَنْتُ بآلِ فَاطِمَةَ الظُّنُونَا
وَأعرِضُ دُونَ ذَلِكَ مِنْ هُمُومِي * هُمُوم تُخْرِجُ الدَّاءَ الدَّفِينَا
قال أبو الندى‏:‏ أي إذا كان الصيفُ ورجع الناسُ إلى المياه ظننت بها على أيّ المياه هي، فهذا هو حديث أحد القارظين‏.‏
وأما القارظ الثاني فليس له حديث، غير أنه فُقِدَ في طلب القَرَظِ، واسمه ‏(‏في القاموس أن اسمه ‏"‏عامر بن رهم‏"‏ وفي الصحاح أنه ‏"‏المنخل‏"‏‏)‏ هميم وقد ذكرت بعض هذا في حرف الحاء‏.‏
2251- أَضَلُّ مِنْ ضَبٍّ، و‏"‏مِنْ وَرَلٍ‏"‏ و‏"‏مِنْ وَلَدِ الْيَرْبُوعِ‏"‏‏.‏
لأنها إذا خرجَت من جِحَرَتها لم تَهْتَدِ إلى الرجوع إليها، وسوء الهداية أكثر ما يوجد في الضب والورل والديك‏.‏ ‏[‏ص 427‏]‏
2252- أَضَلُّ مِنْ يَدٍ فِي رَحِمٍ‏.‏
زعم محمد بن حبيب أنها يدُ الجنين، وقال غيره‏:‏ هي يد الناتج‏.‏
2253- أَضْيَقُ مِنْ ظِلِّ الرُّمْحِ، و‏"‏مِنَ خَرْتِ الأبْرَةِ‏"‏ و‏"‏مِنْ سَمّ الِخْيَاطِ‏"‏
ويقال أيضاً‏:‏
2254- أَضْيَقُ مِنْ زُجٍّ‏.‏
يعنون زُجَّ الرُّمْحِ‏.‏
و‏"‏مِنْ تِسعين‏"‏
أرادوا عَقْدَ تسعين، لأنه أضيق العقود قال الشاعر‏:‏
مضى يوسفٌ عنَّا بِتِسْعيَنَ دِرْهَماً *فَعَاد وَثُلْثُ المالِ في كَفِّ يُوسُفِ
وكيفَ يُرَجَّى بَعْدَ هذا صَلاَحُهُ * وقَدْ ضَاعَ ثُلْثَا مالِهِ فِي التَّصَرُّفِ
2255- أَضْيَقُ مِنْ مَبْعِج الضَّبِّ‏.‏
هو ُسْتَقَرُّ الضب في جحره حيث يبعجه‏:‏ أي يشقه ويُوَسِّعُه‏.‏
2256- أَضْيَقُ مِنَ الُّنْخُروبِ‏.‏
وهو بيت الزَّنابير‏.‏
2257- أَضْعَفُ مِنْ بَقَّةٍ، و‏"‏مِنْ بَعُوضَةٍ ‏"‏ومِنْ فَرَاشةٍ‏"‏ و‏"‏مِنْ قارُورةٍ‏"‏‏.‏
2258- أَضْعَفُ مِنْ بَرْوَقةٍ‏.‏
هي شجرة ضعيفة، وقد مر وصفها في حرف الشين، وقال‏:‏
تطيح أكُفُّ الْقَوْمِ فيها كأنَّمَا * تطيح بها في النقعِ عِيدَانُ بَرْوَقِ
2259- أَضْيَعُ مِنْ لَحْمٍ عَلَى وَضَمٍ و‏"‏منْ بَيْضَةِ الْبَلَدِ‏"‏، و‏"‏منْ ترَابٍ فِي مَهَبِّ رِيحٍ‏"‏و‏"‏مِنْ وَصيَّةٍ‏"‏‏.‏
2260- أَضْرَطُ مِنْ عَيْرٍ، و‏"‏مِنْ عَنْزٍ ‏"‏ و‏"‏منْ غُولٍ‏"‏‏.‏
2261- أَضْبَطُ منْ ذَرَّةٍ، و‏"‏مِنْ نَمْلَة‏"‏ و‏"‏مِنَ الأعْمَى ‏"‏، و‏"‏منْ صَبِيٍّ‏"‏‏.‏
2262- أَضْوَأُ منْ الصُّبْحِ، و‏"‏من نَهَارٍ‏"‏و‏"‏ منَ ابْنِ ذُكاءَ ‏"‏‏.‏
وهو الصبح أيضاً، وسميت الشمس ذكاء لأنها تذكو، من ‏"‏ذَكَتِ النار‏"‏ إذا تَوَقَّدَتْ ‏"‏تَذْكُو ذُكاً‏"‏ مقصور، يقال‏:‏ هذه ذُكَاء طَالِعَةً‏.‏ ‏[‏ص 428‏]‏
*3*http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif المولدون
ضِحْكُ الجَوْزَةِ بَيْنَ حَجَرَيْنِ
ضَيِّقُ الَحْوْصَلِة
للبخيل
ضَرَطَتْ فَلَطَمَتْ عَيْنَ زَوْجِهَا
ضَعِ الأمُورَ مَوَاضِعَهَا تَضَعْكَ مَوْضِعَكَ
اضْرِبِ الْبَرِىءَ حَتَّى يَعْتَرفَ السَّقِيم
الضَّرْبُ فِي الَجْناحِ، والسَّبُّ في الرياَح
ضِحْكُ الأفَاعِي في جِرَابِ النَّوْرَة

B-happy 3 - 3 - 2010 10:18 PM



2276- طَيُورٌ فَيُوءٌ‏.‏
يضرب للسَّرِيع الغَضَب السريع الرجُوع، من فَاءَ يَفِيءُ‏.‏
2277- طَامِرُ بْنُ طَامِرٍ‏.‏
قال أبو عمرو‏:‏ أي بعيدُ بن بعيد من قولهم ‏"‏طَمَرَ إلى بلد كذا‏"‏ إذا ذَهَبَ إليها‏.‏
يضرب لمن يَثِبُ على الناسِ وليس له أصل ولا قديم‏.‏
2278- طَمِعُوا أنْ يَنَالُوهُ فَأصَابُوا سَلَعا وَقَاراً‏.‏
السَّلَع‏:‏ شجر مر، وكذلك القار، قال ابن الأعرابي‏:‏ يقال ‏"‏هذا أقْيَرُ من ذلك‏"‏ أي أمَرُّ من ذلك ‏.‏
يضرب لمن لا يُدْرَكُ شأوه‏.‏
2279- الطَّعْنُ يَظأَرُ‏.‏
يقال‏:‏ ظَأَرْتُ الناقَةَ أظأرها ظأرا، إذا عَطَفْتها على ولد غيرها‏.‏
يضرب في الإعطاء على المَخَافة، أي طَعْنُك إياه يَعْطِفه على الصلح‏.‏
2280- أَطْيَبُ مَضْغَةٍ صَيْحَانِيَّةٌ مُصَلَّبٌة‏.‏
أي أطيبُ ما يُمْضَغ صَيْحَانية، وهي ضرب من التمر، ومُصَلَّبة‏:‏ من الصَّليب وهو الوَدَكُ، أي ما خلط من هذا التمر بوَدَكٍ فهو أطْيَبُ شيء يمضغ ‏.‏
يضرب للمُتَلاَئمين المتوافقين‏.‏ ‏[‏ص 433‏]‏
2281- أَطْعِمَ أَخَاكَ مِنْ كُلْيَةِ الأرْنَبِ‏.‏
مثل قولهم ‏"‏أطعم أخاك من عَقَنْقَل الضب‏"‏‏.‏
يضربان في المواساة‏.‏
2282- طَعَنَ فُلاَنٌ فُلانَاً الأثْجَلَيْنِ‏.‏
إذا رماه بداهية من الكلام، وهو من الثُّجْلَة وهي عِظَمُ البطنِ وسَعَته‏.‏
قلت‏:‏ يروى هذا على وجه التثنية، والصواب ‏"‏الأثُجَلِينَ ‏"‏على وجه الجمع، مثل الأقْوَرِينَ والَفْتَكَرِين والبُلَغِينَ وأشباهها، والعرب تجمع أسماء الدواهي على هذا الوجه للتأكيد وللتهويل والتعظيم‏.‏
2283- طَارَتْ عَصَا بَنِي فُلاَنٍ شِقَقاً‏.‏
إذا تفرقوا في وُجُوهٍ شَتَّى، قال الأسدي‏:‏
عِصِيُّ الشَّمْل من أسدٍ أراها * قد انْصَدَعَتْ كَمَا انْصَدَعَ الزُّجَاجُ
2284- طَرَقَتْهُ أُمُّ اللُّهَيْمِ، وَأُمُّ قَشْعَمٍ‏.‏
وهما للمنية‏.‏
2285- طَعْنُ اللِّسَانِ كَوَخْزِ السِّنَانِ‏.‏
لأن كَلْم الكلمة يَصِلُ إلى القلب، والطعن يصل إلى اللحم والجلد‏.‏
2286- طَرَاثِيثُ لاَ أرْطَى لَهَا‏.‏
الطرْثُوثُ‏:‏ نَبْت ينبت في الأرطى‏.‏
يضرب لمن لا أصل له يرجع إليه‏.‏
2287- أطَاعَ يَداً بِالْقَوْدِ فَهْوَ ذَلُول‏.‏
يضرب للصعب يَذِلُّ ويسامح، ونصب ‏"‏يدا‏"‏ على التمييز‏.‏
2288- طَالِبُ عُذْرٍ كَمُنْجِحٍ‏.‏
قال أبو عمرو‏:‏ أي إذا غَضِب عليك قومٌ فاعتذرت إليهم فقبلوا عُذْرَكَ فقد أنْجَحْتَ في طَلِبَتِكَ‏.‏
2289- طَلَبَ أَمْراً وَلاَتَ أَوَانٍ‏.‏
يضرب لمن طلب شيئاً وقد فاته وذهَب وقته، وقال‏:‏
طَلَبُوا صُلْحَنَا وَلاَتَ أَوَانٍ * فأجَبْنَا أنْ لَيْسَ حِين بَقَاء
قال ابن جني‏:‏ من العرب مَنْ يَخْفِضُ بلات، وأنشد هذا البيتَ‏.‏
2290- طَارَ طَائِرُ فُلاَنٍ‏.‏
إذا استخفّ كما يقال في ضده ‏"‏وقَعَ طائره‏"‏ إذا كان وَقُورا‏.‏
2291- طَحَتْ بِكَ الْبِطْنَهُ‏.‏
يضرب لمن يكثر ماله فيأشَرُ ويَبْطَر ‏.‏
وهذا مثل قولهم ‏"‏نَزَتْ بك البِطْنَةُ‏"‏
2292- اطَّلَعَ عَلَيْهِ ذُو الْعَيْنَيْنِ‏.‏
أي اطلع عليه إنسان‏.‏
يضرب في التحذير‏.‏ ‏[‏ص 434‏]‏
2293- طَمَسَ اللّهُ كَوْكَبَهُ‏.‏
يضرب لمن ذهب رَوْنَقُ أمره وانهدَّ ركنه
2294- طَمَحَ مِرْثَمُهُ‏.‏
أي عَلاَ مكاناً لم يكن ينبغي له أن يَعْلُوه والمرثم‏:‏ الأنفُ، من الرَّثْمِ وهو الكسر، وطَمَح‏:‏ علا وارتفع‏.‏
2295- طارَ أنْضَجُهَا‏.‏
قالها رجل اصطاد فِرَاخَ هامةٍ فملَّهُنَّ في رَمَاد هامد وهن أحياء، فانْفَلَتَ أحدُها فلم يَرُعْهُ إلا وهو يَطِير، فعند ذلك قال‏"‏طار أنْضَجُهَا ‏"‏ فبينا هو كذلك إذِ انْفَلَتَ آخر منها يسعى، وبقي تحت الرماد واحد، فجعل يَصْأى، فقال‏:‏ اصْأَ صويَّان فالدويرجان أنضج منك، قال أبو عمرو‏:‏ وكلهن يُضْرَبْنَ أمثالا، ولم يبين في أي موضِعٍ تستعمل‏.‏
2296- طَأْطِىْء بَحْرَكَ‏.‏
أي على رِسْلِكَ ولا تَعْجَلْ، يقال‏:‏ طأطأت رأسي، أي خَفَضْته، جعل البحرَ بما فيه من اضطراب الأمواج مثلا للعَجَلة، وجعل الطأطأة مثلا لتسكين ما يعرض منها‏.‏
يضرب للغضبان‏.‏
2297- أطْلِقْ يَدْيكَ تَنْفَعَاكَ يَارَجُل‏.‏
ويروى ‏"‏أَطْلِقْ‏"‏ بقطع الألف من الإطلاق، وهو التقييد، يقال‏:‏ أطلقْتُ الأسير، وأطلقْتُ يَدِي بالخير، وطَلَقْتها أيضاً، ومعنى المثل الحثُّ على بَذْل المال واكتساب الثناء ‏.‏
2298- طَوَيْتُهُ عَلَى غَرِّهِ‏.‏
غَرُّ الثوبِ‏:‏ أثر تَكَسُّره، يقال‏:‏ اطوه على غَرِّه، أي على كسره الأول‏.‏
يضرب لمن يُوكَلُ إلى رأيه، أي تركته على ما انْطَوَى عليه ورَكَنَ إليه‏.‏
2299- طَعْمُ ذِكْرِكَ مَعْسُولٌ بِكُلِّ فَمٍ‏.‏
يقال‏:‏ طعام مَعْسُول ومُعَسَّل، إذا جُعِل فيه العَسَل، وهذا مثل على صيغة الخبر، والمراد منه الأمر، أي ليكن ذكْرُكَ حُلْواً في أفواه الناس، وفي هذا حث على حُسْن القول والفعل‏.‏
2300- طَالَ طِوَلُهُ‏.‏
ويقال طِيَلُه، وطُولُه وطِيلُه ساكنةَ الواوِ والياء، ويقال‏:‏ طال طُوَلُه بضم الطاء وفتح الواو، وطال طَوَالُه وطَيَاله بالفتح، كُلٌّ يقال، ولها معنيان، قالوا‏:‏ معناه طال عُمْرُك، وقالوا‏:‏ معناه طالت غيبتك، قال القطامي‏:‏
إنَّا مُحُّيوكَ فَاسْلَمْ أيُّهَا الطَّلَلُ * وَإنْ بَلِيتَ وإن طَالَتْ بِكَ الطِّيَلُ
أراد‏:‏ وإن طالت بك الغَيْبة، فلهذا أنَّثَ الفعْلَ، ويجوز أنه قَدَّر الطِّيَلَ جمع طيلَة فأنث فعلها على هذا التقدير‏.‏ ‏[‏ص 435‏]‏
2301- طَعَنْتَ فِي حَوْصِ أَمْرٍ لَسْتَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ‏.‏
الحَوْصُ‏:‏ الخِياطة في الجلد، لا يكون في غير ذلك، قاله أبو الهيثم، ومنه‏:‏ حُصْ عَيْنَ البازي، وحُصْ شقَّ كَعْبِكَ، ويقال‏:‏ لاطْعَنَنَّ في حَوْصِهم، أي لأخرقنَّ ما خَاطوه ولَفَّقُوه من الأمر، والحَوْصُ‏:‏ المصدر، ويجوز أن يكون بمعنى المَحُوص كالقَوْل بمعنى المَقُول والنَّوْل بمعنى المَنُول‏.‏
يضرب لمن تناول من الأمر ما ليس له بأهل
2302- طَاعَةُ النِّسَاء نَدَامَةٌ‏.‏
الطاعة‏:‏ بمعنى الإطاععة كالطَّاقَة والجَابَة، والمصدر في قوله ‏"‏طاعة النساء ‏"‏ مضافٌ إلى المفعول‏:‏ أي طاعتك النساء، والطاعة لا تكون نفس الندامة، ولكن سببها، كأنه قال‏:‏ طاعتُكَ النساءَ مُورِثة للندامة‏.‏
يضرب في التحذير عواقب طاعتهن فيما يأمرن
2303- طُوُل التَّنَائِي مَسْلاَةٌ للتَّصَافِي‏.‏
مَسْلاَة‏:‏ مَفْعَلَة من السلُوِّ والسُّلْوَان، يقال‏:‏ الخمر مَسْلاَة للهم، أي مُذْهِبة للحزن، وهذا كما أنشده الرِّيَاشي‏:‏
يُسْلِي الْحَبِيبَيْنِ طولُ النَّأيِ بَيْنَهُما * وَتَلْتَقِي طُرُقٌ أخْرَى فَتَأْتَلِفُ
فَيُحْدِثُ الواصِلُ الأدْنَى مَوَدَّتَهُ * وَيَصْرِمُ الْوَاصِلُ الأنأى فَيَنْصَرِفُ
2304- طَالَمَا مُتِّعَ بِالْغِنَى‏.‏
ويروى ‏"‏أُمْتِعَ‏"‏ وكلاهما بمعنى واحد، وبنو عامر يقولون أمْتَعَ في موضع تمتع، ومنه قول الراعي‏:‏
‏[‏قَلِيلاً‏]‏وكانا بالتفرق أمْتَعَا* ‏(‏صدره * خليلين من شعبين شتى تجاورا*‏)‏
ومعنى المثل طالما تمتع الإنسان بغناه‏.‏
يضرب في حَمْدِ الغنى‏.‏
2305- اطْمَئِنَّ عَلَى قَدْرِ أَرْضِكَ‏.‏
هذا قريب من قول العامة‏:‏ مُدَّ رِجْلَكَ على قدر الكساء‏.‏
يضرب في الحث على اغتنام الاقتصاد
2306- طَرَافَةٌ يُولَعُ فِيهَا الْقُعْدُدُ‏.‏
الطَّرَافة‏:‏ مصدر الطَّرِيف والطَّرِف، وهما الكثير الآباء إلى الجد الأكبر، ويمدح به، والقُعْدُد‏:‏ نقيضه، ويذم به، لأنه من أولاد الهَرْمَى، وينسب إلى الضعف، قال الشاعر‏:‏ ‏(‏هو دريد بن الصمة‏)‏
دَعَانِي أَخِي وَالْخَيْلُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ * فَلَمَّا دَعَانِي لم يَجِدْنِي بِقُعْدُدِ
وقال في الطرف‏:‏
طَرِفُونَ وَلاَّ دُونَ كلَّ مُبَارَكٍ * أمرون لاَ يَرِثُونَ سَهْمَ الْقُعْدُدِ ‏[‏ص 436‏]‏
ومعنى المثل‏:‏ أولع هذا القعدد بالوقيعة في طَرَافة هذا الطرِف والغَضِّ منه‏.‏
يضرب لمن يحتقر محاسن غيره، ولا يكون له منها حَظ ولا نصيب‏.‏
2307- طَلَيْتُ عَنْ فِيقَتِهِ الْعَجِيَّ‏.‏
يقال‏:‏ طَلَوْتُ الطَّلاَ وطَلَيْته، إذا حبسته عن أمه، والْفِيقَة‏:‏ ما يجتمع من اللبن في الضَّرْع بين الحلبتين، والْعَجِيٌّ‏:‏ الولَدُ تموت أمُّه فيربيه صاحبه بلبن غيرها، يقال‏:‏ عَجَوْتُه أَعْجُوه، إذا فعلْتَ ذلك به‏.‏
يضرب لمن يظلم مَنْ لا ناصر له، ولا يقاومه‏.‏
2308- اطْلُبْ تَظْفَرْ‏.‏
الظَّفَر‏:‏ الفَوْز بالمراد والبغية، يقول‏:‏ الظَّفَرُ ثانٍ للطلب، فاطلب طَلِبَتَكَ، أو لا تَظْفَرْ به ثانياً‏.‏
يضرب في الحثِّ على طلب المقصود‏.‏
2309- اطْلُبْهُ مِنْ حَيْثُ وَلَيْسَ‏.‏
حَيْث‏:‏ كلمة تُبْنَى على الضم كقَطُّ، وعلى الفتح ككَيْفَ، وتضاف إلى الجمل، تقول‏:‏ اجلس حَيْثُ تجلس، واقعد حَيْث عَمْرٌو، أي حَيْثُ عمرو قاعد، وحيث يقوم زيد، وليس‏:‏ أصله لا أيس، والأيْسُ‏:‏ اسْمٌ للموجود، فإذا قيل ‏"‏لا أَيْسَ‏"‏ فمعناه لا موجود ولا وجود، ثم كثر استعماله، فحُذِفَتِ الهمزة، فالتقى ساكنان أحدهما ألف لا والثاني ياء أيْسٍ، فحذفت الألف فبقي لَيْسَ، وهي كلمة نَفْي لما في الحال، ويُوضَع موضَع لا، كقول لبيد‏:‏
إنما يَجْزِى الْفَتَى لَيْسَ الجَمَل*
أي لا الجمل، وفي هذ المثل وضع موضع لا، يعني اطلب ما أمرتك من حيث يوجد ولا يوجد، وهذا على طريق المبالغة، يقول‏:‏ لا يفوتَنَّكَ هذا الأمر على أي حال يكون وبَالِغْ في طلبه‏.‏
2310- طَرْفُ الْفَتيَ يُخْبِرُ عَنْ لِسَانِهِ‏.‏
ويروى ‏"‏عن ضميره‏"‏ وقال بعض الحكماء‏:‏ لا شاهِدَ على غائب أعْدَلُ من طَرْفٍ على قلب ‏.‏
2311- طَرِيقٌ يَحِنُّ فِيهِ الْعَوْدُ‏.‏
ويروى ‏"‏يحنُّ فيه إلى العَوْدِ‏"‏ فمعنى الأول يحنُّ أي يَنْشط فيه العَوْدُ لوضوحه، ومعنى الثاني أي يحتاج فيه إلى العود لدروسه والعَوْدُ أهدى في مثله من غيره، ويجوز أن يكون الْعَوْدُ في معنى الأول يَحِنُّ لصعوبته فيكون المعنيان واحداً‏.‏
2312- طَأْمُعْرِضاً حَيْثُ شِئْتَ‏.‏
أي ضَعْ رجليك حيث شئت، ولا تَتَّقِ شيئا قد أمكنك‏.‏
يضرب لمن قرب مما كان يطلبه في سُهُولة‏.‏ ‏[‏ص 437‏]‏
*3*http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif ما جاء على أفعل من هذا الباب
2313- أَطْوَلُ منْ ظِلِّ الرُّمْحِ‏.‏
ه ذا من قول يزيد بن الطَّثْرية‏:‏
وَيَوْم كَظِلِّ الرُّمْحِ قَصَّر طُولَه * دَمُ الزَّقِّ عَنَّا وَاصْطِكَاكُ الْمَزَاهِرِ
ويقال للإنسان إذا أفرط في الطول‏:‏ ظل النعامة، ويقال‏:‏ فلان ظل الشيطان، للمنكر الضَّخْم، فأما ‏"‏لطيم الشيطان‏"‏ فإنما يقال ذلك للذي بوجهه لقوة‏.‏
2314- أطْوَلُ مِنْ طُنُبِ الخَرْقَاءِ‏.‏
وذلك لأن الخرقاء لا تعرف المقدار فتُطِيله، وذكرهم للخرقاء ههنا كذكرهم للحَمْقاء في موضع آخر، وهو قولهم ‏"‏إذا طلع السماك ذهب العكاك وبَرَدَ ماءُ الحمقاء‏"‏ وذلك أن الحمقاء لا تبرد الماء، فيقولون‏:‏ إن البرد يُصِيبُ ماءها وإن لم تُبَرِّدْهُ‏.‏
2315- أَطْوَلُ مِنَ الصُّبْح‏.‏
ويروى‏"‏من الفَلَق‏"‏ أيضاً، والصبح يعرض ويطول عند انتشاره، لكنهم اكْتَفَوا بذكر الطول عن ذكر العَرْضِ للعلم بوجوده‏.‏
2316- أطْوَلُ مِنَ السُّكَاكِ‏.‏
ويقال له ‏"‏ السُّكَاكة‏"‏ أيضاً، وهما الهواء الذي يلاقي عَنَانَ السماء، ومنه قولهم‏"‏ لا أفعل ذلك ولو نَزَوْتَ في السُّكَاك‏"‏ أي في السماء، ويقال له ‏"‏اللُّوح‏"‏ أيضاً‏.‏
2317- أطْوَلُ ذَمَاءً مِنَ الضَّبِّ‏.‏
الذَّماء‏:‏ ما بين القَتْل إلى خروج النفس، ولا ذَمَاء للإنسان، ويقال‏:‏ الذَّمَاء بقية النَّفَس وشدة انعقاد الحياة بعد الذبح وهَشْمِ الرأس والطعن الجائف، والتامور أيضاً‏:‏ بقية النَّفَسِ، وبعضهم يفصح عنه فيجعله دمَ القلب الذي ما بقي الإنسان، والضبُّ يبلغ من قوة نَفَسه أنه يُذْبَح فيبقى ليلته مذبوحا مَفْرِيَّ الأوداج ساكنَ الحركة ثم يطرح من الغد في النار، فإذا قدروا أنه نضج تحرك حتى يتوهَّمُوا أنه قدر صار حياً وإن كان في العين ميتاً‏.‏
2318- أَطْوَلُ ذَمَاءً مِنَ الأَفْعَى‏.‏
وذلك أن الأفعى تُذْبَحُ فتبقى أياما تتحرك‏.‏
2319- أطْوَلُ ذَمَاءً مِنَ الحَيَّةِ‏.‏
لأنه ربما قُطِع منها الثلث من قِبَلِ ذَنَبَها فتعيش إن سلمت من الذَّرَّ‏.‏
2320- أَطْوَلُ ذَمَاءً مِنَ الخُنْفُسَاءِ‏.‏
وذلك أنها تُشْدَخ فتمشي، ومن ‏[‏ص 438‏]‏ الحيوان ضروبٌ يطول ذَمَاؤها ولا يضرب بها المثل كالكلب والخنزير‏.‏
2321- أطْوَلُ مِنْ فَرَاسِخِ دَيْرِ كَعْبٍ‏.‏
هذا من قول الشاعر‏:‏
ذَهَبْتَ تَمَادِياً وذَهَبْت طُولاً * كَأَنَّكَ مِنْ فَرَاسِخِ دَيْرِ كَعْبِ
وقولهم‏:‏
2322- أطوَلُ صُحْبةً مِنَ الْفَرْقَدَيْنِ‏.‏
هو من قول الشاعر أيضاً حيث يقول
وكُلُّ أخٍ مُفَارِقُهُ أخُوهُ * لَعَمْرُ أبِيكَ إلاَّ الْفَرْقَدَانِ
2323- أطْوَلُ صُحْبَةً مِنَ اْبنَيْ شَمَامِ‏.‏
من قول الشاعر أيضاً‏:‏
وكُلُّ أخٍ مُفَارِقُهُ أخُوهُ * لَعَمْرُ أبِيكَ إلاَّ اْبنَيْ شَمَامِ
2324- أطْوَلُ صُحْبَةُ مِنَ نَخْلَتَيْ حُلْوَانَ‏.‏
هذا من قول الشاعر‏:‏
أسْعِدَانِي يَا نَخْلَتَيْ حُلْوَانِ * وَارْثِيَا لِي مِنْ رَيْبِ هذَا الزَّمَانِ
وَاعْلَمَا إنْ بَقِتُمَا أنَّ نَحْساً * سَوْفَ يَلْقَاكُمَا فَتَفْتَرِقَانِ
وكان المهديُّ خرج إلى أكناف حُلْوَان متصيداً، فانتهى إلى نخلتي حلوان، فنزل تحتهما وقعدا للشرب، فغناه المغنى‏:‏
أيا نَخْلَتَيْ حُلْوَانَ بِالشَّعْبِ إنَّمَا * أشَذَّ كُمَا عَنْ نَخْلِ جَوْخَي شَقَاكُمَا
إذَا نَحْنُ جَاوَزنَا الثَّنِيَّةً لم نَزَلْ * عَلَى وَجَلٍ مِنْ سَيْرِنَا أوْ نَرَاكُمَا
فهمَّ بقطعهما، فكتب إليه أبوه المنصور‏:‏ مَهْ يا بنيَّ، واحذر أن تكون ذلك النَّحْسَ الذي ذكره الشاعر في خطابهما حيث قال‏:‏
وَاعْلَمَا إنْ بقيتُمَا أنَّ نَحْساً * سَوْفَ يَلْقَاكُمَا فَتَفْتَرِقَان
2325- أَطْيَرُ مِنْ عُقَابٍ‏.‏
وذلك أنها تتغدَّى بالعراق، وتتعشَّى باليمن، وريشُها الذي عليها هو فروتها في الشتاء وخَيْشُها في الصيف‏.‏
2326- أطْيَرُ مِنْ حُبارَى‏.‏
لأنها تُصَاد بظهر البصرة فتوجَدُ في حَوَاصلها الحبة الَخْضَراء الغَضَّة الطرية، وبينها وبين ذلك بلاد وبلاد‏.‏
2327- أطْيَشُ مِنْ فَراشَةٍ‏.‏
لأنها تُلْقِى نفسَهَا في النار‏.‏
وأما قولهم‏:‏
2328- أَطْيَشُ مِنْ ذُبابٍ‏.‏
فهو من قول الشاعر‏:‏ ‏[‏ص 439‏]‏
وَلأنْتَ أطْيَشُ حِينَ تَغْدُو سَادِراً * رَعْشَ الْجَنَانِ مِنَ القَدُوحِ الأقْرحِ
السادر‏:‏ الراكبُ رأسَه، والجنانَ‏:‏ القلبُ، والقَدُوح الأقرح‏:‏ الذباب، وذلك أنه إذا سقَط حَكَّ ذراعاً بذراع كأنه يقدح، والأقرح‏:‏ من القُرْحَة، وكل ذباب في وجهه قرحة‏.‏
2329- أطْيَشُ مِنْ عِفْرٍ‏.‏
قال ابن الأعرابي‏:‏ الْعِفْرُ‏:‏ ذكَرُ الخَنَازير، والعِفْر أيضاً‏:‏ الشيطان، والعفريت أيضاً‏.‏
2330- أطْيَبُ نَشْراً مِنَ الرَّوْضَة‏.‏
النَّشْرُ‏:‏ الريحُ، يعني الرائحة‏.‏
2331- أطْيَبُ نَشْراً مِنَ الصِّوَارِ‏.‏
قالوا‏:‏ الصِّوار‏:‏ المِسْكَ، وأنشد‏:‏
إذَا لاَحَ الصِّوَارُ ذَكَرْتُ لَيْلَى * وَأذْكُرُهَا إذَا نَفَحَ الصِّوَارُ
2332- أَطْمَعُ مِنْ قَالِبِ الصَّخْرَةِ‏.‏
هو رجل من مَعَدٍّ رأى حَجَراً ببلاد اليمن مكتوباً عليه بالمُسْنَد‏:‏ اقْلِبْنِي أنْفَعْكَ، فاحتال في قلبه، فوجد على جانبه الآخر‏:‏ رُبَّ طَمَعٍ يَهْدِي إلَى طَبَعٍ، فما زال يضرب بهامته الصخرة تَلَهُفاً حتى سال دماغُه وقاظ‏.‏
2333- أَطْمَعُ مِنْ أَشْعَبَ‏.‏
هو رجل من أهل المدينة يقال له ‏"‏أشْعَبُ الطَّمَّاع‏"‏ وهو أشْعَبُ بن جُبَير مولَى عبدِ الله بن الزبير، وكتنه أبو العلاء، سأل أبو السمراء أبا عبيدة عن طَمَعه، فقال‏:‏ اجتمع عليه يوماً غِلْمان من غِلْمان المدينة يُعَابثونه، وكان مَزَّاحاً ظريفاً مغنياً، فآذاه الغِلْمة، فقال لهم‏:‏ إن في دار بني فلان عُرْساً، فانْطَلِقُوا إلي ثَمَّ فهوا أنْفَعُ لكم، فانْطَلَقُوا وتركوه، فلما مَضَوْا قال‏:‏ لعل الذي قلتُ من ذلك حَقّ، فمضى في أثرهم نحو الموضع، فلم يجد شيئاً، وظفر به الغلمانُ هناك فآذِوْه‏.‏
وكان أشعب صاحبَ نوادر وإسناد، وكان إذا قيل له حدثنا، يقول‏:‏ حدثنا سالم بن عبد الله - وكان يبغضني في الله - فيقال له‏:‏ دَعْ ذا، فيقول‏:‏ ما عَنِ الحقِّ مَدْفَع، ويروى‏:‏ ليس للحق مَتْرَك، وكانت عائشة بنت عثمان كَفَلَته وكفلت معه ابن أبي الزناد فكان يقول أشعب‏:‏ تربيت أنا وابن أبي الزناد في مكان واحد، فكنْتُ أسْفُلُ ويعلو، حتى بلغنا إلى ما ترون‏.‏
وقيل لعائشة‏:‏ هل آنَسْتِ من أشْعَبَ رُشْداً‏؟‏ فقالت‏:‏ قد أسلمتُه منذ سَنَةٍ في البز ‏[‏ص 440‏]‏ فسألته بالأمس‏:‏ أين بلغت في الصناعة‏؟‏ فقال‏:‏ يا أُمَّه قد تعلمْتُ نصفَ العمل، وبقي على نصفه، فقلت‏:‏ كيف‏؟‏ فقال‏:‏ تعلمت النَّشْرَ في سنة، وبقي على تعلم الطيِّ، وسَمِعْتُهُ اليومَ يخاطب رجلا وقد ساوَمَه قوس بندق، فقال‏:‏ بدينار، فقال‏:‏ والله لو كنت إذا رميت عنها طائراً وقع مَشْوِياً بين رغيفين ما اشتريتها بدينار، فأيَّ رشد يؤنس منه‏؟‏‏.‏
قال مصعب بن الزبير خرج سالم بن عبد الله بن عمر إلى ناحية من نواحي المدينة هو وحُرَمُه وجَوَارِيه، وبلغ أشعبَ الخبرُ، فوافى الموضع الذي هم به، يريد التطفل، فصادف البابَ مُغْلقاً فتسوَّرَ الحائط، فقال له سالم‏:‏ وَيْلَكَ يا أشعب من بناتي وحُرَمي ‏؟‏ فقال‏:‏ لقد علمْتَ ما لنا في بناتك من حق، وإنك لتعلم ما نريد، فوجَّهَ إليه من الطعام ما أَكلَ وحَمَلَ إلى منزله‏.‏
وقال أشعب‏:‏ وَهِبَ لي غلامٌ، فجئت إلى أمي بحمار موقور من كل شيء والغلام، فقالت أمي‏:‏ ما هذا الغلام‏؟‏ فأشفقت عليها من أن أقول‏:‏ وهب لي، فتموت فرحا، فقلت‏:‏ وهب لي غين، فقالت‏:‏ وما غين‏؟‏ قلت‏:‏ لام، قالت‏:‏ وما لام ‏؟‏ قلت‏:‏ ألف، قلت‏:‏ وما ألف ‏؟‏قلت‏:‏ ميم، قالت‏:‏ وما ميم‏؟‏ قلت‏:‏ وهب لي غلام، فغشى عليها فَرَحاً، ولو لم أقطع الحروف لماتت‏.‏
وقال له سالم بن عبد الله‏:‏ ما بلغ من طَمَعِك‏؟‏قال‏:‏ ما نظرتُ قَطُّ إلى اثنين في جنازة يتساران إلا قَدَّرْتُ أن الميتَ قد أوصى لي من ماله بشيء، وما أدخل أَحَدٌ يده في كمه إلا أظنه يعطيني شيئاً‏.‏
وقال له ابن أبي الزناد‏:‏ مابلغ من طمعك‏؟‏ فقال‏:‏ ما زُفَّتْ بالمدينة امرأة إلا كَسَحْتُ بيتي رجاء أن يغلظ بها إلي‏.‏
وبلغ من طمعه أنه مَرَّ برجل يعمل طَبَقاً فقال‏:‏ أحبُّ أن تزيدَ فيه طوقا، قال‏:‏ ولم‏؟‏ قال‏:‏ عسى أن يُهْدَي إلى فيه شيء ‏.‏
ومن طمعه أنه مر برجل يمضغ علكا، فتبعه أكثر ن ميل حتى علم أنه علك‏.‏
وقيل له‏:‏ هل رأيتَ أطمَعَ منك‏؟‏ قال‏:‏ نعم، خرجت إلى الشام مع رفيق لي، فنزلنا عند دَيْر فيه راهب، فتلاحَيْنَا في أمر، فقلت‏:‏ الكاذب منا كذا من الراهب في كذا منه، فنزل الراهبُ وقد أنغط، وقال‏:‏ أيكما الكاذب ‏؟‏ ثم قال أشعب‏:‏ ودَعُوا هذا، امرأتي أَطْمَعُ مني ومن الراهب، قيل له‏:‏ وكيف‏؟‏ قال‏:‏ إنها قالت لي كما يخطر على قلبك من الطمع شيء يكون بين الشك واليقين إلا و‏[‏أنا‏]‏ أتيقنه‏.‏ ‏[‏ص 441‏]‏
2334- أَطْمَعُ مِنْ طُفَيْلٍ‏.‏
هو رجل من أهل الكوفة مشهور بالطمع واللَّعْمَظَة، وإليه يُنْسَبُ الطفيليون، وسيأتي ذكره مستقصى في باب الواو عند قولهم‏"‏ أَوْغَلُ من طُفَيْلٍ‏"‏‏.‏
2335- أَطْمَعُ مِنْ فَلْحَسٍ‏.‏
قد مر ذكره في باب السين عند قولهم ‏"‏أَسْأَلُ مِنْ فَلْحَسٍ‏"‏ فأغنى عن الإعادة‏.‏
2336- أَطْمَعُ مِنْ قِرِلَّى‏.‏
قد مر ذكره والاختلافُ فيه في باب الخاء عند قولهم ‏"‏أَخْطَفُ من قِرِلَّي ‏"‏‏.‏
2337- أَطْمَعُ مِنْ مَقْمُورٍ‏.‏
إنما قيل هذا لأنه يطنع أن يعود إليه ما قمر‏.‏
2338- أَطْوَعُ مِنْ ثَوَابٍ‏.‏
هذا رجل من العرب كان مِطْوَاعاً، فضرب به المثل، قال الأخنس بن شهاب‏:‏
وكُنْتُ الدَّهْرَ لَسْتُ أطِيعُ أُنثَى * فصِرْتُ الْيَوْمَ أَطْوَعَ مِنْ ثَوَابِ
2339- أَطْوَعُ مِنْ فَرَسٍ، وَمِنْ كَلْبٍ‏.‏
2340- أَطَبُّ مِنَ ابْنِ حِذْيَمٍ‏.‏
هذا رجل كان معروفا بالحِذْقْ في الطب قال أبو الندى‏:‏ هو حِذْيَمٌ رجلٌ من تَيْم الرَّباب، كان أَطَبَّ العرب، وكان أَطَبَّ من الحارث، قال أَوْسُ بن حَجَر يذكره‏:‏
فَهَلْ لكُمُ فِيهَا إِلَىَّ فإِنَّنِي * بَصِيرٌ بمَا أَعْيَا النِّطَاسِيَّ حِذْيَمَا
2341- أَطْغَى مِنَ السَّيْلِ، و ‏"‏من اللَّيْلِ‏"‏‏.‏
2342- أَطْيَرُ مِنْ جَرَادَة‏.‏
2343- أَطْمَرُ مِنْ بُرْغُوثٍ‏.‏
2344- أَطْوَلُ مِنْ يَوْمِ الْفِرَاقِ، و‏"‏من شَهْرِ الصَّوْمِ‏"‏ و ‏"‏مِنَ السَّنَةِ الْجَدْبَةِ‏"‏‏.‏
2345- أَطفَلُ من لَيْلٍ عَلَى نَهَارٍ، و‏"‏مِنْ شَيْبٍ عَلَى شَبَابِ‏"‏‏.‏
ويقال أيضاً‏:‏
2346- أطْفَلُ مِنْ ذُبَابٍ‏.‏
2347- أطْيَبُ من الْحَيَاةِ، و‏"‏من المَاءِ عَلَى الظَّمَإِ‏"‏‏.‏
2348- أطْوَلُ مِنَ الدَّهْرِ، و‏"‏مِنَ اللُّوحِ‏"‏‏.‏
وهو السُّكاَك، وقد مَرَّ قبل‏.‏ ‏

B-happy 3 - 3 - 2010 10:20 PM



*3*http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif المولدون
طَاعَةُ اللِّسَانِ نَدَامَةٌ‏.‏
طَبِيبٌ يُدَاوِي النَّاسَ وَهْوَ مَرِيض‏.‏
طَرِيق الْحَافِي عَلَى أَصْحَابِ النِّعَالِ، وطريقُ الأصْلَعِ على أصْحَابِ الْقَلاَنِسِ‏.‏
طَبَّلَ بِسِرِّي‏.‏
إذا أفشاه
طُولُ اللِّسَانِ يُقَصِّرُ الأَجَلَ‏.‏
طَوَاهُ طَيَّ الرِّدَاءِ‏.‏
طِلاَبُ الْعُلاَ بِرُكُوبِ الْغَرَرِ‏.‏
طُعْمَةُ الأَسَدِ تُخَمَةُ الذِّئْبِ‏.‏
طُولٌ بِلاَ طَوْلٍ وَلاَ طَائِلٍ‏.‏
طَاعَةُ الوُلاَةِ بَقَاءُ الْعِزِّ‏.‏
طُولُ التَّجَارِبِ زِيَادَةٌ فِي الْعَقْلِ‏.‏
الطَّمَعُ الكَاذِبُ فَقْرٌ حَاضِرٌ‏.‏
الطَّمَعُ الكَاذِبُ يَدُقُّ الرَّقَبَة‏.‏
قاله خالد بن صفوان حين واكَلَه لأعرابي، وذلك أنه كان قد بَنَى دكاناً مرتفعاً لا يَسَعُ غيره ولا يصل إليه الراجلُ، فكان إذا تغدَّى قَعَد عليه وحيداً يأكل لبُخْله، فجاء أعرابي على جَمَل ساوى الدكان ومد يدَه إلى طعامه، فبينما هو يأكل إذ هَبَّتْ ريح وحركت شَنّاً هناك، فنفر البعير، وألقى الأعرابيَّ، فاندقتْ عنقُه، فقال خالد‏:‏ الطمع الكاذب يدقُّ الرقبة، فذهبت مثلا‏.‏
الطَّيْرُ بالطَّيْرِ يُصْطَادُ‏.‏
الطُّيُورُ عَلَى ُألاَّفِهَا تَقَعُ‏.‏
الطَّبْلُ قَدْ تَعَوَّدَ اللِّطَامَ‏.‏
اطْرَحْ نَهْدَكَ، وَكُلْ جَهْدَك‏.‏
اطَّلَعَ الْقِرْدُ فِي الْكَنِيفِ، فقَالَ‏:‏ هَذِهِ المِرْآةُ لِهَذَا الْوُجَيْهِ‏.‏
اطْرَحْ وَافْرَحْ‏.‏
طُفَيْلٌّي وَمُقْتَرِحْ‏.‏
يضرب للفضولي ‏.‏


B-happy 3 - 3 - 2010 10:21 PM

الجزء الثاني

*2* http://www.al-eman.com/Islamlib/images/up.gif الباب الثامن عشر فيما أوله عين
2382- عِنْدَ الصَّبَاح يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى
قال المفضل‏:‏ إن أول مَنْ قال ذلك خالد بن الوليد لما بَعَثَ إليه أبو بكر رضي الله عنهما وهو باليمامة‏:‏ أن سِرْ إلى العراق، فأرادَ سُلوكَ المَفازة، فقال له رافع الطائى‏:‏ قد سلكتها في الجاهلية، وهى خِمسٌ للإِبل الواردة، ولا أظنك تقدِرُ عليها إلا أن تحمل من الماء، ثم سَقَاها الماء حتى رَوِيت، ثم كتَبَها وكَعَم أفواها، ثم سلك المَفَازة حتى إذا مضى يومان وخاف العطَشَ على الناس والخيل، وخشى أن يذهب ما في بطونه الإبل نحَرَ الإبلَ واستخرج ما في بطونها من الماء، ومضى، فلما كان في الليلة الرابعة قال رافع‏:‏ انْظُرُوا هل تَرَوْنَ سِدْرا‏"‏ عِظاماً‏؟‏ فإن رأيتموها وإلا فهو الهلاك، فنظر الناسُ فرأوا السِّدْر، فأخبروه، فكبَّر، وكَبَّر الناس، ثم هجموا على الماء، فقال خالد‏:‏
للّه دَرُّ رَافِع أََنَّي اهْتَدَى * فَوّزَ من قُرَاقِر إلى سُوَى
خِمْساً إذا سار بِه الجيشُ بَكَى * ما سَارَهَا من قبله إنْسٌ يُرَى
عِنْدَ الصَّبَاحِ يَحْمَدُ القَوْمُ السُّرَى * وَتَنْجَلِي عَنهُمُ غَيَابَاتُ الْكَرَى
يضرب للرجل يحتمل الَشَّقةَ رَجَاءَ الراحة
2383- عِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ اليقِينُ ‏(‏انظر الفاخر 1‏.‏2 فقد ذكر له أحاديث أخر‏)‏ قال هشام بن الكلبي‏:‏ كان من حديثه أن حُصَيْن بن عَمْرو بن مُعَاوية بن كِلاب، خرج ومعه رجل من جُهَينة يقال له‏:‏ الأخْنَس بن كعب، وكان الأخنس قد أَحدثَ في قومه حَدَثاً، فخرج هارباً، فلقيه الْحُصَيْنُ فقال له‏:‏ مَن أنت ثكلتك أمك‏؟‏ فقال له الأخنس‏:‏ بل مَن أنت ثكلتك أمك، فردد هذا القول حتى قال الأخنس بن كعب، فأخبرني مَن أنت وإِلاَّ أنقذتُ قلبك بهذا السنان، فقال له الحصين‏:‏ أنا الحصين ابن عمرو الكلابي، ويقال‏:‏ بل هو الحصين ‏[‏ص 4‏]‏ بن سبيع الغطفاني، فقال له الأخنس‏:‏ فما الذي تريد‏؟‏ قال خرجت لما يخرج له الفِتْيَانُ، قال الأخنس‏:‏ وأنا خرجتُ لمثل ذلك، فقال له الحصين‏:‏ هل لك أن نتعاقَدَ أن لا نلقى أحداً من عشيرتك أو عشيرتي إلا سلبناه‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فتعاقدا على ذلك وكلاهما فاتِكٌ يَحْذَر صاحبه، فلقيا رجلا فسلَباه، فقال لهما‏:‏ لكما أن تردَّا على بعض ما أخذتما منى وأدلكما على مغنم‏؟‏ قالا‏:‏ نعم، فقال‏:‏ هذا رجل من لَخْم قد قدم من عند بعض الملوك بمغنم كثير، وهو خَلْفي في موضع كذا وكذا، فردَّا عليه بعضَ ماله وطلبا اللَّخْميَّ فوجَدَاه نازلا في ظل شجرة، وقُدَّامه طعام وشراب، فَحَيَّيَاه وحَيَّاهما، وعرض عليهما الطعام، فكره كل واحد أن ينزل قبل صاحبه فيفتك به، فنزلا جميعاً فأكلا وشربا مع اللخميُّ يتشحَّطُ في دمه، فقال الجهني - وهو وسَلَّ سيفه لإن سيف صاحبه كان مَسلُولا‏:‏ وَيْحَكَ فتكتَ برجل قد تحرَّمْنَا بطعامه وشرابه خرجْنَا، فشربا ساعةً وتحدثا، ثم إن الحصين قال‏:‏ يا أخا جهينة أتدري ما صعلة وما صعل‏؟‏ قال الجهني‏:‏ هذا يوم شُرْب وأكل، فسكت الحصين، حتى إذا ظن أن الجهنى قد نسى ما يُرَاد به، قال‏:‏ يا أخا جهينة، هل أنت للطير زاجر‏؟‏ قال‏:‏ وما ذاك‏؟‏ قال‏:‏ ما تقول هذه العُقَاب الكاسر، قال الجهني‏:‏ وأين تراها‏؟‏ قال‏:‏ هي ذه، وتطاوَلَ ورفع رأسه إلى السماء، فوضع الجهني بادرةَ السيف في نَحْره، فقال‏:‏ أنا الزاجر والناحِرُ، واحتوى على مَتَاعه ومتاع اللخمي، وانصرف راجعاً إلى قومه، فمر ببطنين من قيس يقال لهما‏:‏ مراح وأنمار، فإذا هو بامرأة تَنْشُدُ الحصينَ ابن سبيع، فقال لهما، من أنت‏؟‏ قالت أنا صخرة امرأة الحصين، قال أنا قتلته، فقالت‏:‏ كذبت ما مِثْلُك يقتل مثله، أما لو لم يكن الحي خلواً ما تكلمتَ بهذا، فانصرف إلى قومه فأصلحَ أمرهم ثم جاءهم، فوقف حيث يسمعهم، وقال‏:‏
وكم من ضَيْغم وَْردٍ هَمُوسٍ * أبي شِبْلَيْن مَسْكَنُهُ العَرِينُ
عَلَوْتُ بًيَاضَ مَفْرِقِهِ بِعَضْبٍ * فأضْحى في الفَلاة له سُكونُ
وَضْحَتْ عِرْسُه ولَهاَ عليه * بُعَيْدَ هُدُوءٍ ليلتها رَنِينُ
وكَمْ من فارسٍ لا تَزْدَرِيهِ * إذا شَخَصَتْ لموقِعِهِ العُيُونُ
كصخرة إذا تسائل في مَرَاجٍ * وأنْمَارٍ وعلمهُما ظُنُونُ ‏‏
تُسَائِلَ عن حُصَيْنٍ كُلَّ رَكْبٍ * وعنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ اليَقِنُ
فَمَنْ يَكُ سائلاً عَنْهُ فَعِنْدِى * لِصَاحِبِهِ البَيَانُ المُسْتَبِينُ
جُهَيْنَةُ مَعْشَرِي وَهُمُ مُلوُك * إذَا طَلَبُوا المَعَالِيَ لم يَهوُنُوا
قال الأصمعي وابن الأعرابي‏:‏ هو جُفَينة - بالفاء - وكان عنده خبر رجل مقتول، وفيه يقول الشاعر‏:‏
تسائل عن أبيها كل ركب * وعند جُفَيْنةَ الخبَرُ اليقنُ
قال‏:‏ فسألوا حفينة، بالحاء المهملة
يضرب في معرفة الشيء حقيقةً‏.‏
2384- عَثَرَتْ عَلَى الغَزْلِ بأَخَرَةٍ فَلَمْ تَدَعْ بَنَجْدٍ قَرَدَةً
القَرَدُ‏:‏ ما تمعَّطَ من الإبل والغنم من الوَبَر والصوف والشعر‏.‏
قال الأصمعي‏:‏ أن تَدَعَ المرأةُ الغزلَ وهي تجد ما تغزله من قطن أو كتان أو غيره، حتى إذا فاتها تَتَبَّعَتْ القَرَد في القُمَامات فتلقطها‏.‏
يضرب لمن ترك الحاجة وهي ممكنه ثم جاء يطلبها بعد الْفَوت‏.‏
قال الزاجز‏:‏
لو كنتُمُ صوفاً لكنتُمْ قَرَدَا * أو كنتُمُ ماءً لكنتم زَبَدَاً
أوكنتم لَحْماً لكنتُمْ غُدَدَا * أو كنتُمُ شاءَ لكنتُمْ نَقَدَا
أو كنتُمُ قَوْلاً لكنتُمْ فَنَدَا *
2385- عَادَتْ لِعتْرِهَا لَمِيسُ
العِتْر‏:‏ الأصل، ولَمِيسُ‏:‏ اسم امرأة‏.‏ يضرب لمن يرجع إلى عادة سوء تركها واللام في لعترها بمعنى إلى، يقال‏:‏ عُدْتُ إليه، وله، قال الله تعالى ‏(‏ولو رُدُّوا لَعَادُوا لما نُهُوا عنه‏)‏
2386- عبْدٌ صَرِيخُهُ أََمَةٌ
يضرب في استعانة الذليل بآخَرَ مثلِهِ‏.‏
أي ناصره أذلٌ منه، والصريخ‏:‏ المُصْرِخُ ههنا‏.‏
2387- عَبْدُ غَيْرِكَ حُرٌّ مِثْلُكَ يضرب للرجل يرى لنفسه فَضْلاً على الناس من غير تَفَضُّلٍ وتَطَوُّلٍ‏.‏
2388- عَبْدٌ وَحلْىٌ في يَدَيْه يضرب في المال يملكه مَنْ لا يستأهله ويروى عَبْدٌ وخَلاً ويروى عبد وخليٌ في يديه وكلها في المعنى قريب، والتقدير‏:‏ هذا عبد، أو هو عبد، فالابتداء محذوف، والخبر مُبَقَّي‏.‏ ‏[‏ص 6‏]‏
2389- عَبْدٌ مَلَكَ عَبْداً فأَوْلاَهْ تَبّاً يضرب لمن لا يليق به الغنى والثروة‏.‏ والتبُّ‏:‏ التَّباب، وهو الخَسَار‏.‏
2390- عَبْدٌ أُرْسِل في سَوْمِهِ السُّوم‏:‏ اسم من التسويم، وهو الإهمال أي أرسل مُسَوَّماً في عمله، وذلك إذا وثقت بالرجل وفوّضْتَ إليه أمرك، فأتى فيما بينك وبينه غير السَّداد والعفاف
2391- أعطاهُ بِقُوفِ رَقَبَتِهِ، و بِصُوفِ رَقَبَتِهِ وبِطُوف رَقَبَتِهِ، قال ابن دريد‏:‏ يقال أخّتُ بقُوفَةِ قفاه وهو الشعر المتَدلِّي في نُقْرَة القفا‏.‏ يضرب لمن يعطي الشيء بجملته وعينه ولا يأخذ ثمناً ولا أجراً‏.‏
2392- أَعْوَرُ عَيْنَكَ والْحَجَرَ يريد‏:‏ يا أعور احْفَظْ عينَكَ واحذر الحجر، أو ارْقُب الحجَرَ، وأصله أن الأعور إذا أصِبَتْ عينُه الصحيحة بقي لا يبصر، كما قال إسماعيل بن جرير البَجَلي الشاعر، لطاهر ابن الحسين، مَدَّاحاً له فقيل له‏:‏ إنه ينتحل ما يمدحك به من الشعر، فأحبَّ أن يمتحنه، فأمره أن يهجوه، فأبى إسماعيل، فقال طاهر‏:‏ إنما هو هجاؤك لي أو ضَرْبُ عنقك، فكتب في كاغد هذه الأبيات‏:‏
رأيْتُكَ لا تَرَى إلا بعَيْن * وَعَيْنُك لا ترى إلاّ قَليلاَ
فَأما إذا أصبت بفَرْد عَيْنٍ * فَخُذْ من عَيْنِكَ الأخرى كَفيلاَ
فَقَدْ أَبْقَيتَ أنَّكّ عَنْ قَليلٍ * بظَهْرِ الكَفِّ تَلْتَمسُ السَّبيلاَ ثم عرض هذه الأبيات على طاهر، فقال‏:‏ لا أرَيَنَّكَ تنشدها أحداً، ومَزَقَ القرطاس، وأحسن صلَته‏.‏ ويقال‏:‏ إن غراباً وقع على دَبَرَة ناقةٍ فكِرهَ صاحبُها أن يرميه فتثور الناقة، فجعل يُشِير إليه بالحجر، ويسمى الغراب أعور لحدة بصره، على التشؤم، أو على القلب كالبَصِير للضرير وأبي البَيضَاء للحبشي‏.‏
2393- عِنْدَهُ من المالِ عَائِرَةُ عَيْنٍ
يقال‏:‏ عُرْتُ عينه أي عَوَّرْتها، ومعنى المثل أنه من كثرته يملأ العين، حتى يكاد يعورها، وقال‏:‏ أبو حاتم‏:‏ عَارَتْ عينُه أي ذهبت، قال‏:‏ ومعنى المثل عنده من المال ما تَعِيرُ فيه العين، أي تجئ وتذهب وتحير، وقال الفراء‏:‏ عنده من المال عائِرةُ عينٍ، وعائرة عَيْنَين، وعَيَّرَة، وأصل ‏[‏ص 7‏]‏ هذا أنهم كانوا إذا كَثُرَ عندهم المالُ فَقَؤُ عين بعير دفعاً لعين الكمال، وجُعِلَ العَوَرُ لها لأنها سببه، وكانوا يفعلون ذلك إذا بلغت الإبل ألفاً، والتقدير‏:‏ عنده من المال إبلٌ عائرةُ عين، أي مقدار ما يُوجِبُ عَوَرَ عين، أي ألفٌ‏.‏
2394- عَيْنٌ عَرَفَتْ فَزَرَفَتْ يضرب لمن رأى الأمر فعرف حقيقته‏.‏
2395- أَعْيَيْتِنِي بأُشُرٍ فَكَيْفَ بِدُرْدُرٍ
أصل ذلك أن رجلاً أبغض امرأته و أحبته، فولدت له غلاماً، فكان الرجل يقبل دردره، وهو مُعْرِزُ الأسنان، ويقول‏:‏ فَدَيْتُ دُردُرَك، فذهبت المرأة فكسرت أسنانها، فلما رأى ذلك منها قال‏:‏ أعْيَيْتِنِي بأشُرٍ فكيف بدُرْدُرٍ‏؟‏ فازداد لها بغضاً، والأشُرُ‏:‏ تحزيز الأسنان، وهو تحديد أطرافها، والباء في بأشُرٍ وبدردر بمعنى مع، أي أعييتِنِي حين كنت مع أشر فكيف أرجو فلاحَكِ مع دردر‏؟‏
قال أبو زيد‏:‏ معنى المثل أنك لم تَقْبَلِي الأدبَ وأنت شابة ذات أشُر في أسنانك، فكيف الآن وقد أسننت ‏؟‏ومثله‏:‏
2396- أعْيَيْتِنِي من شُبُّ إلى دُبَّ، ومنْ شُبَ إلى دُبٍّ
فمن نَوَّن جعله بمنزله الاسم بإدخال من عليه، ومن لم ينون جعله كقولهم نهى رسول الله عن قِيلَ وقَالَ على وجه الحكاية للفعل‏.‏ والمثلان يضربان لمن يكون في أمر عظيم غير مرضى فيمتد فيه، أو يأتي بما هو أعظم منه ويقال في قولهم من شب أي من لدن كنت شاباً إلى أن دَبَبت على العصا، لأي أنك معهودٌ منك الشرُّ منذ قديم فلا يرجى منك أن تقصر عنه، يقال‏:‏ شَبَّ الغلامُ يَشبُّ شَبَاباً وشَبيبة، إذا ترعرع‏.‏ قلت‏:‏ الكلام شَبَّ بالفتح والمثلُ شُبَّ بالضم، ولا وجه له يحمل عليه، إلا أن يقال‏:‏ شعرها يَشُبُّ لونَهَا أي يظهره، وكذلك شَبَّ النار إذا أوقدها وأظهرها، كأنهم أرادوا أعييتني من لدن قيل أظهر، أي ولد وظهر للرائين، إلى أن شابَ ودَبَّ على العصا، ثم نزل الفعل منزلة الاسم وأدخل عليه من ونُوِّنّ، وإذا لم ينون حكى على لفظ الفعل، ورفعوا دُبَّ في الوجهين على سبيل الإتباع والمزاوجه؛ لأن دَبَّ ليتعدى البتة ويروى من لدن شَبَّ إلى دَبَّ ‏[‏ص 8‏]‏
2397- عَلَيْهِ مِنَ اللّهِ لِسَانٌ صَالِحَةٌ
يعني الثناء يضرب لمن يُثْنَى عليه بالخير
2398- عَضَّ عَلَى شِبْدِعِهِ
الشِّبْدِعُ‏:‏ العقرب يضرب لمن يحفظ اللسان عما لا يَعْنِيه
2399- عَلَى يَدَيَّ دّارَ الحَدِيثُ يضرب به منْ كان عالماً بالأمر ويروى هذا المثل عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه تكلم به في المُتْعَة
2400- عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ قال ابن السِّكِّيت‏:‏ هو العَدْلُ بن جزء بن سعد العشيرة، وكان على شرط تُبَّع، وكان تبع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه، فجرى به المثل في ذلك الوقت؛ فصار الناس يقولون لكل شئ قد يُئِس منه‏:‏ هو على يَدَيْ عدل
2401- أعْطَى عَنْ ظهْرِ يَدٍ
أي ابتداء، لاعن بيع ولا مكافأة، قَال الأَصمَعي‏:‏ أعطيته مالاً عن ظهر يدٍ، يعني تفضُّلاً ليس من بيع ولا من قرْض ولا مكافأة قلت‏:‏ الفائدة في ذكر الظهر هي أن الشَيء إذا كان في بطن اليد كان صاحبُهُ أملَكَ لحفظه، وإذا كان على ظهرها عَجَزَ صاحبها عن ضبطه؛ فكان مبذولا لمن يريد تناوله‏.‏ يضرب لمن يُنَالُ خيره بسهولة من غير تعب
2402- عَيٌّ أَبْأَسُ مِنْ شَلَلٍ
أصل هذا المثل أن رجلين خَطَبا امرَأة وكان أحدهما عَيَّ اللسان كثير المال، والآخَر أشَلَّ، لا مال له، فاختارت الأشل، وقَالت‏:‏ عَيٌّ أبأس من شلل، أي شر وأَشَدُّ احتمال
2403- عَرَكْتُ ذَلِكَ بِجَنْبِي
أي احتملته وسَتَرتُ عليه
2404- عَرَفَ بَطْنِي بَطْنَ تُرْبَةَ
هذا رجل كان غاب عن بلاده، ثم قدم فألصق بطنه بالأرض، فَقَال هذا القول، وتربة‏:‏ أرضٌ معروفة من بلاد قيس
يضرب لمن وصل إليه بعد الحنين له
2405- عَيَّرَ بُجَيْرٌ بُجَرَةَ
البُجَر‏:‏ جمع بُجْرَة، وهي نُتُوء السرة يعبر بها عن العيوب، وبجرة في المثل‏:‏ اسم رجل، وكذلك بجير، ويروى بَجرة بفتح الباء يُقَال‏:‏ عير‏:‏ بجير بُجَرَة، نسى بجير خبره، والتعيير‏:‏ التنفير، من قولك ‏"‏عَارَ ‏[‏ص 9‏]‏ الفَرَسُ يَعيِرُ‏"‏ إذا نفر، وعَيَّر نَفَّر، كأنه نفَّر الناس عنه بما ذكر من عيوبه، وحذف المفعول الثاني للعلم به
2406- عَلَى أُخْتِكِ تُطْرَدِينَ
وذلك أن فرساً عارت فركب طالبها أختَها فطلبها عليها‏.‏
يضرب للرجل إذا لقى مثله في العلم والدهاء، أو في الجهل والسفه
2407- عَرَفَتْنِي نَسَأَها الله
النَّسىء‏:‏ التأخير، يُقَال‏:‏ نَسَأَه في أجله وأنسأه أجله، عن الأَصمَعي، والنَّسِىء والنَّساء‏:‏ اسم منه، ومنه قولهم ‏"‏ من سرَّه النَّساء ولا نساء فليخفف الرداء، وليباكر الغَدَاء، وليُقِلَّ غِشْيَان النِّساء‏"‏ ومعنى المثل أخَّرَ الله أجلها، وأصله أن رجلا كانت له فرس فأخذت منه ثم رأها بعد ذلك في أيدي قوم، فعرفته فجَمَحَتْ حين سمعت كلامه، فَقَال الرجل‏:‏ عرفَتْني نَسَأها الله، فذهبت مَثَلاً، هذا قول الأَصمَعي
وأما غيره فَقَال‏:‏ المثل لِبيهَسٍ الملقب بنعامة، وإنما لُقب بها لِطوُل ساقيه، وقَال حمزة‏:‏ لقب به لشدة صَمَمِهِ، فطرق امرأته ذات ليلة فجأة في الظلماء، فَقَالت امرأته‏:‏ نَعَامَةُ والله، فَقَال بيهس‏:‏ عرفتني نَسَأها الله وقيل‏:‏ خرج قوم مُغِيرون على آخرين فلما طلع الصبح قَالت امرَأة لبعض المُغِيرين‏:‏ خالاتك يا عماه، فَقَال‏:‏ عرفَتْنِي نسَأها الله، أي أخَّرَ الله مدتها‏.‏
2408- أعْجَبَ حَيَّاً نَعَمُهُ
حي‏:‏ اسم رجل أتاه رجل يسأله فلم يُعْطِهِ شيئاً، فشكاه فقيل‏:‏ أعجب حياً نعمه، أي راقُه وأعجبه فبخِلَ به عليك‏.‏
2409- الْعَاشِيَةُ تُهَيِّجُ الآبِيَّةَ
يُقَال‏:‏ عَشَوْتُ في معنى تَعَشَّيْتُ، وغَدَوْتُ في معنى تَغَدَّيْتُ، ورجل عَشْيَان أي مُتَعشٍّ، وقَال ابن السكيت‏:‏ عَشِي َالرجلُ وعَشيتِ الإبل تَعْشَى عَشَىً إذا تَعَشّتْ، قَال أبو النجم‏:‏
تَعْشَي إذا أظلم عن عشَائِه*
يقول‏:‏ يتعشّى وقت الظلمة‏.‏ قَال المفضل‏:‏ خرج السُلَيْكُ بن السَلَكَةِ واسمه الحارث بن عمرو بن زيد مُناة بن تميم، وكان أنكر العرب وأشعرهم، وكانت أمه أمةً سوداء، وكان يدعى ‏"‏سُلَيْكَ المَقَانِب‏"‏ وكان أدلَّ الناس بالأرض وأعداهم على ِرْجِله لا تعلق به الخيل، وكان يقول‏:‏ اللهم إنك تهيئ ما شِئت لما شِئت إذا شِئت، إني لو كنت ‏ ضعيفاً لكنت عبداً، ولو كنت امرَأة لكنت أمة، اللهم إني أعوذ بك من الخَيْبَة فأما الهيبة فلا هيبة، أي لا أهاب أحداً‏.‏ زعموا أنه خرج يريد أن يُغير في ناسٍ من أصحابه، فمر على بني شيبان في ربيع والناسُ مُخْصِبُون في عشية فيها ضباب ومطر فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت عظيم، وقد أمسى، فَقَال لأصحابه‏:‏ كونوا بمكان كذا وكذا حتى آتي هذا البيت فلعلي أصيب خيراً و آتيكم بطعام، فَقَالوا له‏:‏ افعل، فانطلقَ إليه، وَجَنَّ عليه الليل، فإذا البيت بيت يزيد بن رُوَيْمٍ الشيباني، وإذا الشيخُ وامرأته بفناء البيت، فاحتال سليك حتى دخل البيت من مؤخَّره، فلم يلبث أن أراح ابن الشيخ بإبله في الليل، فلما رآه الشيخ غضِبَ وقَال‏:‏ هلا كنت عشَّيْتَهَا ساعةً من الليل، فَقَال ابنه‏:‏ إنها‏:‏ أبَتِ العشاء، فَقَال يزيد‏:‏ إن العاشية تهيج الآبية، فأرسلها مَثَلاً، ثم نفض الشيخ ثوبه في وَجْهها، فرجعت إلى مَرَاتعِها وتبعها الشيخ حتى مالت لأدنى روضة فرتعت فيها، وقَعد الشيخ عندها يتعشَّى وقد خنس وجهه في ثوبه من البرد، وتبعه السُليك حين رآه انطلق، فلما رآه مغتراً ضربه من ورائه بالسيف فأطار رأسه وأطرد إبله، وقد بقى أصحاب السليك وقد ساء ظنهم وخافوا عليه، فإذا به يطرد الإبل، فأطردوها معه، فَقَال سُلَيك‏:‏ في ذلك
وعَاشية رُجٍّ بِطَانٍ ذَعَرْتُهَا * بصَوْتِ قَتِيْلٍ وسْطَهَا يُتَسَيَّفُ
أي يضرب بالسيف
كأن عليه لَوْنَ بُرْدٍ مُحَبَّرٍ * إذا ماَ أتَاهُ صَارِخٌ مُتَلَهِّفُ
يريد بقوله ‏"‏لون برد محبر‏"‏ طرائق الدم على القتيل، وبالصارخ الباكي المتحزن له
فَبَاتَ لهَا أهْلٌ خَلاَء فِنَاؤُهُمْ * ومَرَّتْ بِهمْ طَيْرٌ فَلم يَتَعَيَّفُوا
أي لم يزجروا الطير فيعلموا من جملتها أيقتل هذا أو يسلم‏.‏
وَبَاتُوا يَظُنُّونَ الظُّنُونَ وَصُحْبَتَي * إذا مَا عَلَوْا نَشْزَاً أهَلُّوا وَ أَوْجَفُوا
أي حملُوها على الوَجيف، وهو ضرب من السير‏.‏
وَمَا نِلْتُهَا حَتَّى تَصَعْلَكْتُ حِقْبَةً * وَكِدْتُ لأسبابِ المَنِيَّةِ أعرِفُ
أي أصبر‏.‏
وَحَتَّى رأيتُ الجُوْعَ بالْصَّيْفِ ضَرَّني * إذا قُمْتُ يَغْشَانِي ظِلال فأسدِف
خص الصيف دون الشتاء لأن بالصيف لا يكاد يجوع أحد لكثرة اللبن، فإذا جاع ‏[‏ص 11‏]‏ هو دلَّ على أنه كان لا يملك شيئاً، وقوله ‏"‏أسدف‏"‏ يريد أدور فأدخل في السُّدْفَةَ وهي الظلمة، يعني يظلم بصرى من شدة الجوع‏.‏
يُقَال‏:‏ إنه كان افتقر حتى لم يبق عنده شَيء، فخرج على رجليه رجاء أن يصيب غِرَّةً من بعض مَنْ يمرُّوا عليه فيذهب بإبله، حتى إذا أمسى في ليلة من ليالي الشتاء باردة مقمرة اُشتمل الصَّمَّاء وهو أن يَرُدَّ فَضْلَ ثوبِه عَلى عضُدِهِ اليمنى ثم ينام عليها فبينما هو نائم إذ جثم عليه رجل فَقَال له‏:‏ اسْتَأْسِرْ فرفع سليك رأسه وقَال‏:‏ الليلُ طويل وأنت مقمر، فذهب قوله مَثَلاً، ثم جَعَل الرجل يلهزه ويقول‏:‏ يا خبيث استأسر، فلما آذاه أخرج سليك يده فضمَّ الرَجلَ ضَمَةً ضرِطَ منها، فَقَال‏:‏ أضَرِطاً وأنت الأعلى‏؟‏ فذهبت مَثَلاً، وقد ذكرته في باب الضاد، ثم قَال له سليك‏:‏ مَنْ أنت‏؟‏ فَقَال‏:‏ أنا رجل افتقرت فقلت لأخْرُجَنَّ فلا أرجع حتى أستغني، قَال فانطلق معي، فانطلقا حتى وجدا رجلاً قصتُه مثل قصتُهما، فاصطحبوا جميعا، حتى أتوا الجوف جوف مراد الذي باليمن إذا نَعَمٌ قد ملاء كل شَيء من كثرته، فهابوا أن يغيروا فيطردوا بعضها فيلحقهم الحي، فَقَال لهما سليك‏:‏ كُنا قريبا حتى آتي الرِّعاء فأعلم لكما علم الحي، أقريب هم أم بعيد، فإن كانوا قريباً رجعتُ إليكما، وإن كانوا بعيدا قلت لكما قولاً ألحَنُ به لكما فأغِيرَا، فانطلق حتى أتى الرِّعاء فلم يزل يتسقَّطهم حتى أخبره بمكان الحي، فإذا هم بعيد إن طلبوا لم يدكوا، فَقَال السليك‏:‏ ألا أغنيكم‏؟‏ قَالوا‏:‏ بلى، فتغنى بأعلى صوته‏:‏
يا صَاحِبَيَّ ألا لاحَيَّ بالوادي * إلا عَبِيدٌ وَآمٍ بَيْنَ أذْوَادَ
أَتنظران قليلاً رَيثَ غَفْلَتِهمْ * أمْ تَغْدُوَانِ فَإنَّ الرِّبحَ لِلْغَادي
فلما سمعا ذلك أتَيَاه فأطردوا الإبل، فذهبوا بها، ولم يبلغ الصريخُ الحيَّ حتى مَضَوا بما معهم‏.‏


الساعة الآن 11:13 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى