![]() |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 41 نتوقف عند أول جريمة قتل على الأرض ونستعرض آيات سورة المائدة (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29) فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31) مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)) أول جريمة قتل في التاريخ البشري قصة ابني آدم التي تعرضت لها الآيات في سورة المائدة وسنقف عند شكل الجريمة والحوار الذي دار بين الأخوين لنتدبر كيف لا نقع في جريمة القتل. نبدأ من واقع القصة في القرآن الكريم: لا بد أن نقف وقفة عن القصص القرآني. الحق تبارك وتعالى يقول (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) إذا تدبرنا هذه الكلمات نعلم أنه هناك نبأ عن ابني آدم ليس بالحق، وهنا نقف عند مصائب وقع فيها الكثيرون من إسرائيليات وأكاذيب. نسأل ما اسم ابني آدم؟ الكل يقول قابيل وهابيل، فنقول من أخبركم؟ القرآن لم يذكر اسمهما مع أنه ذكر أسماء آخرين كثر في القرآن. الرسول r لا تقتل نفس ظلماً إلا وعند ابن آدم الأول كفل منها" ولم يذكر اسمه فنحن لا نجد أسماء ابني آدم لا في القرآن ولا في الحديث الصحيح وإنما أُخذت من كتب بني إسرائيل. الرسول r حذر من هذا الأمر عندما دخل عليه عمر بن الخطاب معه بعض صحائف التوراة التي تثبت رسالة الرسول rوبعض أوصافه فغضب الرسول وقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ أي ما زلت شاكّاً في كلامي حتى تأخذ من التوراة وأقسم r وقال: والذين نفسي بيده لقد جئت بها إليكم ناصعة بيضاء أي على المحجة البيضاء كما هي لم يكن ساحراً ولا كاذباً ولا شاعراً وإنما جاء بها كما أنزلها عليه الله تعالى ونحن كمسلمين ملتزمون بالقرآن والسُنة الصحيحة. أول كلمة في قصة ابني آدم (بالحق) يعني الذي ستسمعه في غير القرآن ومن غير الرسول r سيكون غير حق. الآيات التي سبقت القصة الكلام فيها عن بني إسرائيل. بعض الشراح والمفسرين وقف عند نهاية قصة ابني آدم ولم يذكر الآية الأخيرة (من أجل ذلك) ما هو (ذلك)؟ ولهذا بعض المفسرين قالوا ليسا ابني آدم من صلبه وإنما من بني إسرائيل لأنه قال بعدها (من أجل ذلك كتبنا على بين إسرائيل) ولكن الحديث الصحيح يقول (ابن آدم الأول). يمكن للمسلم الحق أن يعرف الحديث الصحيح من المكذوب من سياقه وكلامه. حديث الرسول r(ابن آدم الأول) يؤكد أن الذي قتل ابن آدم الذي من صلبه وأنه لم يعرف اسمه. الرسول r سمع ما جاء في التوراة فلم يقترب من هذه المسألة. إبن مسعود قال: لا تسمعوا لليهود، فقالوا لماذا؟ قال هم ضلّوا أنفسهم فكيف يهدوكم؟. الآيات تحتاج لجهد كبير: ما معنى (واتلُ) ومعنى (عليهم) (نبأ ابني آدم بالحق)؟ القرآن يُصلِح كل زمان ومكان والقرآن له سبب خاص وسبب عام والسبب العام أهم من السبب الخاص. يكثر الكلام في هذه الأيام دفاعاً عن اليهود ويقولون أن الله تعالى هو الذي أنزل التوراة والانجيل لكن غاب عن هؤلاء أننا نؤمن بالتوراة والانجيل التي أنزلها الله تعالى على موسى وعيسى عليهما السلام لا ما حرّفه اليهود. القرآن هو الكتاب الوحيد الذي تعهد الله تعالى بحفظه (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) وعندما يكون بين أيدينا القرآن لا أحتاج لسماع غيره مما في التوراة والانجيل، نحن نأخذ من القرآن والسُنة الصحيحة. الآية تخاطب الرسول r(واتل عليهم) أي علينا أن نأخذ من الرسول r و (عليهم) في الآية تعود على اليهود لأنهم ضلوا. الله تعالى هو الذي يقص نبأ ابني آدم على رسوله الصدوق محمد r فلا نحتاج لأي كتاب آخر كما يقول البعض في قصة موسى r مع العبد الصالح الذي يسميه كثيرون الخضر. وكذلك لم ترد اسم زوجة آدم في القرآن أبداً وإنما عرفناها من الحديث الصحيح " لولا اليهود ما خنز اللحم ولولا حواء ما خانت أنثى زوجها" أنه من بُخل االيهود كانوا يأخذون اللحم ولا يوزعونها فيفسد اللحم والخيانة في ذكر حواء لزوجها هي خيانة العهد والوفاق وعدم المشورة والتشاور وليس مسألة الخيانة الزوجية كما تورد الإسرائيليات أنها هي التي أغوته ليأكل التفاحة مع أن هذه قصة لا تمت للحقيقة بأية صلة والقرآن قال (فوسوس إليه) ولم يقل إليهما. وكذلك قصة العبد الصالح في سورة الكهف وابني آدم لم يذكر القرآن أسماءهم. الأهم من القصة هو العبرة وليست القصة نفسها وأسماء الذين فيها. الآية (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) توقّع في القرآن آيتين: (إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ (62) آل عمران) إذن أي قصص آخر هو غير حق، والآية الثانية (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ (3) يوسف) يعني هناك قصص غير القرآن لكن أحسن القصص تأخذه من القرآن حتى لو القصة صحيحة عند اليهود، لا قصص بعد القرآن. وقال أحسن القصص ولم يقل حسن فنأخذ الأحسن من القرآن الكريم وكما قال ابن مسعود اليهود ضلوا أنفسهم فكيف يهدوننا؟ الذي سأل الرسول r عن عدد الفتية في الكهف لم يحدد القرآن الكريم عددهم لأن العدد لا يفيد وإنما الذي يفيد واقع القصة ووجودهم في الكهف وانفصالهم عن قومهم وكذلك الذي سأل عن إخوة يوسف وأسمائهم، ماذا يفيد معرفة أسمائهم هم كانوا 11 فقط وهذا يكفي. القرآن يعنى بأمور في الوقت الذي تعنى فيه التوراة المحرفة بأمور أخرى. في القرآن قال (إذ قربا قرباناً) لم يقل لماذا قرّبا القربان؟ لكن في التوراة يقولون أن أحد ابني آدم أراد أن يتزوج أخته التي في نفس البطن. لكن لماذا لا نأخذ أكثر من احتمال بدل أن نحدد احتمالاً واحداً؟ العبرة تكون في أكثر من احتمال لأنه تعالى أطلق القربان في القصة، فقد يكون الموضوع غيرة بين الأخوين أو حسد بين الأخوين أو فعلاً قصة الزواج من أخته وغيرها. وكنا نقوم ببحث عن واقع التوراة في القصة وصار البعض يقول كان قابيل على حق فما المانع أن يتزوج أخته من نفس البطن؟ ومن هنا يبدأ الكل بالتفسير على هواه، هذا لا يصح، نحن عندنا قرآن وكل كلمة لها وقع. نبدأ بالآيات: (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق). النبأ كلمة لا تطلق إلا على الخبر المهم الذي يبنى عليه أمور فقصة ابني آدم سيبنى عليها تشريع (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل) وقاله الرسول r" من سنّ في الإسلام سُنّة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئاً" فالذي يرتكب ذنباً يأخذ وزر من عمل بها إلى يوم القيامة. وقلنا أن مقابل الصدقة الجارية هناك سيئة جارية (في الحديث: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث وذكر منها صدقة جارية، وذكرنا سابقاً أن الصدقة الجارية هي التي عملها الميت في حياته) لا يمكن أن نعمل الدين على هوانا نحن (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ (23) الجاثية) وقال علي ابن ابي طالب: لو كان الدين بالعقل لكان المسح على الخف من أسفله لكننا نحن نأخذ الشرع من الرسول r فقد كان يمسح على الخف من فوق لأننا متبعون ولسنا مبتدعين. الآيات ينبني عليها تشريع. كيف يقتل الإنسان نفساً؟ الآيات تقول (فطوعت له نفسه قتل أخيه) ولم يقتل الشيطان كما يحتج كثير من الناس أن الشيطان دفعه للقتل وغيره وما زال البعض يحتجون على الآية (إن كيد الشيطان كان ضعيفاً). القرآن قال في كيد النساء عظيم وفي كيد الشيطان ضعيف. في قصة ابني آدم لم يذكر الشيطان وإنما قال (فطوعت له نفسه) وفي بعض التفاسير يقولون أن الشيطان علّم أحد ابني آدم كيف يققل أخاه فنقول له من أين جئت بهذا الكلام؟ الآيات واضحة (فطوعت له نفسه قتل أخيه) ولو كان هناك شيء من الشيطان لأوضحها القرآن فعلينا أن نبتعد عن الإسرائيليات بالكُليّة وأن نتعرض للتفسير على مراد الله إن شاء الله. عدم فضح الله تعالى لعباده دليل قبول توبة العبد لكن الذي تمثل فيلماً خلاعياً مثلاً ثم تتوب وتلتزم فهل الفيلم الذي صورته هو من باب السيئة الجارية والبعض تناشد الفضائيات عدم نشر هذه الأفلام لكنهم للأسف يعرضونها ويعتبرونها حقوقهم. هذا يعود إلى نيتها ساعة تصوير الفيلم وساعة التوبة وتوبتها مقبولة بإذن الله تعالى لأنه تعالى قال (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) النساء). إذا أصدر أحدهم كتاباً فيه كثير من السيئات ليحصل على المال ثم يتوب هذه معصية عن إصرار وتخطيط ولا تنفع وتوبته توبة مصطنعة غير حقيقية. إذا كانت هذه الفنانة مثلاً إرتكبت الخطأ بجهالة وكلمة بجهالة لا تعني بجهل مع أن بعض المفسرين قالوا أنه لا يعرف أن عليها عقوبة لكن الجهالة عند أهل اللغة هي السفه والحمق أي كنت تعرف أن هذا خطأ وحرام لكن من سفاهته وحمقه فعلها لكن توبته على الله تعالى إن تاب بصدق بدليل الآية (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً) و(على) تفيد الإلزام وإن كان الله تعالى لا يلزمه شيء ومن فضل الله تعالى أنه قال (ثم يتوبون) التي فيها تراخي ولو قال فيتوبون لكان هناك شرط ضمني أن تكون سريعة. لكن من قريب تظهر درجة الصدق والعبودية هل تابت مثلاً بعد فيلم واحد أو عشرة أو أكثر؟ (ثم) تعطي الأمل لكل من عصى الله تعالى. النبأ هو الخبر العظيم كما في سورة النبأ (عم يتساءلون عن النبأ العظيم) والعرب لا تطلقها إلا على الخبر المهم العظيم الذي ينبني عليه أموراً كثيرة جداً. (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) أي لا تأخذ من أي مصدر وإنما خذ من القرآن الذي يقص عليك النبأ بالحق. (إذ قربا قرباناً) الإسرائيليات تقول أن ابن البطن الأول يأخذ ابنة البطن الثاني والعكس هذا من الاسرائيليات وهذا كلام يقيد الآيات وكذلك أن أحد ابني آدم اختار أفضل كبش لديه والآخر اختار أسوأ الزرع وهذا كله من الاسرائيليات. هم يقولون أن ابن البطن الأول يأخذ ابنة البطن الثاني والعكس هذه لا تحتاج لقربان بالمنطق. عندما يريد أن يستأثر بأخته من نفس البطن لا يقدم قرباناً. القربان يقدم تقرّب للإله إرضاء عن شيء شرعي. الكذب زاضح في الاسرائيليات فالقربان يكون في الأمور المشروعة وليست الأمور غير المشروعة ولكن المسألة كأنها حقد بين الأخوين أو حسد فقالوا نقدم قرباناً ونرى من هو أفضل؟ الرسول سمّى القاتل الأول، فقبول قربان الثاني كان دليل (إنما يتقبل الله من المتقين) هذه قاعدة إن لك تتق الله تعالى لن يقبل منك أي شيء وصاغها القرآن في صيغة القاعدة الأصولية وهي واضحة لا تحتاج لشرح (إنما يتقبل الله من المتقين). (فتقبل من أحدهما) الفعل مبني لما لم يسمى فاعله لوم يقل فتقبل الله لأنه يريد أن يبين أن القضية لا دخل للمقتول بها وهذا سر بناء الفعل لما لم يسمى فاعله أن الذي تقبّل أكبر مني وليس لي علاقة بالأمر. (ولم يتقبل من الآخر) المسألة خارجة عن إطار هذا وهذا. الأخوين يقدمان قرباناً لله تعالى والله تعالى هو الذي تقبل لكن أحد ابني آدم قال (لأقتلنك) فما ذنب الآخر؟ لم يدر أي حوار وإنما الحقد والغيرة والحسد جعلت ابن آدم الأول القاتل لا يدع مجالاً للحوار. عبرة القصة أنه ابني آدم انقسما إلى فريقين فريق على رأسه الإبن الأول القاتل والفريق الآخر على رأسه الإبن المقتول وهذه حقيقة البشر الآن قسم عنده الطمأنينة وثقة بالله ليس لها حد والبعض قد يتوهم أن في هذه الوداعة سلبية لكنها لا تعني أنه قبل أن يُقتَل. أحدهما قال (لأقتلنك) الطرف الآخر كيف يمنع الأول من قتله؟ لو دافع عن نفسه لقتله، لكن هل يقتله ويدخل النار؟ بالطبع لا. الإبن الثاني كان بمنتهى الذكاء وفي حواره استثار فيه المروءة والشهامة حتى يصرفه عن القتل أنه حتى لو مددت يدك لتقتلني لن أقتلك فالمفروض أن شهامة الأول تقتضي أن لا يقتل أخاه. لكن الأول قال جازماً بفعل مؤكّد تأكيداً (لأقتلنّك) ولم يقل سأقتلك. الإبن الثاني فضّل أن يكون المقتول لأنه يخاف الله رب العالمين (إني أخاف الله رب العالمين) إذن الذي منعه من قتل أخيه ليس سلبية ولا وداعة ولا مسالمة بلا معنى. في الغزوات الرسول r كان يوجه أصحابه: لا تقتلوا امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً ولا تقطعوا شجرة، وهذا لا ينفي الرجولة أو يدل على التنازل لكن هي من دواعي الشجاعة والمروءة. هناك قاعدة عند ابن آدم: الآدمي بنيان الربّ ملعون من هدمه. البعض في كتب التفسير يقولون كيف عرف ابن آدم الأول القتل؟ فنقول أن الله تعالى علّم آدم الأسماء كلها. قال لأخيه (لأقتلنك) فردّ الآخر (لئن بسطت إليّ يدك ) أي أنت ستفعل شيئاً لن أفعله فكأنه يقول له سأكون أعزلاً وهو يحاول أن يمنع وقوع الجريمة لأنه فعلاً يخاف من الله ويعرف عقاب القتل. عبد الله بن عمر قال: من ورطات الدنيا ورطة كبيرة تعملها في الدنيا ليس لها منفذ ولا مخرج هي القتل لأن القتل فرع الموت والموت صفة الإله الحق (يحيي ويميت) الخلق لله والموت لله فإذا عرفت القتل فهل تعرف أن تخلق أو تعيد الذي قتلته؟ القتل هو فعل لله الإنسان يدخل نفسه فيه وكأنه ينصّب نفسه إلهاً وهذا سر ورود القتل بعد الشرك (ولا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون) لأن القاتل عمل شيئاً من صفات الخالق لا من صفات البشر. (ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق) فإذا استطاع أحد أن يقتل نفساً فهل يمكن إذا أراد التوبة أن يعيد هذا المقتول. كذلك المنتحر ليس له حق في الانتحار. نذكر بحديث الرسول r: إن الحلال بيّن وإن الحرام بيّن" وأقول لكل من يتصدى للإفتاء وأذكِّر بما قاله الحسن البصري يا أيها المفتي تثبّت قبل أن تفتي فإنك توقع بالإنابة عن الله ورسوله. بُثّت الحلقة بتاريخ 1/5/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 42 اتصل بي أحد الأخوة وقال أنه لا بأس أن نأخذ من الإسرائيليات ونتحدث عنها لأن الرسول r قال: حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج. الحديث صحيح لكن للأسف هذا الأخ لم يفهم الحديث. الحديث في البخاري وهو صحيح ونصّه: بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ومن كذب علي متعمدا فيتبوأ مقعده من النار" الحديث يقول حدّثوا عن بني إسرائيل ولم يقل إرووا عن بني إسرائيل وفرق بين أن أحدّث عن بني إسرائيل يعني أكشف وأبين ما كانوا عليه من ضلال وقتل الأنبياء وفق ما جاء في القرآن الكريم. ولو المعنى الذي أراده هذا الأخ لكي يبرر أخذه من الإسرائيليات لقال rإرووا عن بني إسرائيل أي خذوا من قصصهم ولكنه r قال حدّثوا عن بني إسرئيل وحتى لو اتفقت الروايات في الإسرائيليات مع ما ورد في القرآن لا نأخذ منها لأننا لا نحتاج لنأخذ من التوراة والانجيل ولدينا القرآن الذي هيمن على جميع الكتب السماوية. ونحن نأخذ منهجنا كمسلمين وفق قاعدة ثابتة من القرآن والسنة الصحيحة فكما وجدت الإسرائيليات في قصص القرآن وجد الحديث الضعيف. الناس انقسمت فريقين بعضهم يقول نحتاج لفرز الأحاديث بعد أن اختلط الحديث الضعيف بالحديث والبعض الآخر يقولون نتمسك بالقرآن وليس لنا علاقة بالسنة. لكن نقول نحن منهجنا كمسلمين مبني على القرآن والسنة الصحيحة التي بها أوضح r القرآن للصحابة والمسلمين. الحديث يؤخذ من حيث أمرين: المتن والسند. السند هذا موضوع علم الحديث ويسمى علم الرجال أو الجرح والتعديل والمتن هو موضوع أهل اللغة وسبق أن تحدثنا عن الحديث الضعيف حول سورة يس وبلغ حد الضعف أن يكون موضوعاً وبحثنا في سنده ومتنه لأن في سنده كاذب. قصة إبني آدم في القرآن في منتهى الإبداع اللغوي والبياني والقرآن سكت عن زمان القصة وعن أسماء أبطال القصة وعن سيناريوهات وضعتها الإسرائيليات والقرآن سكت عنها فكأن القرآن يقول أن القرآن له سبب خاص وسبب عام والآية يجب أن توضع في الإطار العام وحتى يتجنب المسلمين القتل عليهم أن يقرأوا القصة على مراد الله في القرآن ولذلك قال (واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق) والحق في عُرف أهل اللغة لا يتعدد فالحق واحد لذا هو من أسماء الله الحسنى. في القصة الواحدة لديك عدة روايات بين القرآن والتوراة والإنجيل ثبت بنص القرآن كذب هذه الروايات والمتوقع أن يكون هناك رواية واحدة نأخذها من القرآن ولا نأخذها من الإسرائيليات. وللأسف الإسرائيليات غلبت الرواية الصحيحة في القرآن والأحاديث الضعيفة غلبت الأحاديث الصحيحة. وقلنا أن القرآن والسنة لم يذكر أسماء ابني آدم وهذه قضية منتهية ونعلق على وقل القائل حدثوا عن بني إسرائيل نقول هذا حديث صحيح لكن حدّثوا عن بني إسرائيل أي افضحوا ما فعلوه. وليس من قبيل الصدفة أن سورة البقرة لما تأتي على رأس الكتاب بعد الفاتحة مع أن ترتيبها 86 في النزول هذا له حكمة بالتأكيد وبعدما يضع تعالى أسس تعريف المؤمن والكافر والمنافق يتكلم عن بني إسرائيل باستفاضة. بني إسرائيل يقولون هم شعب الله المختار ولم يسألهم أحد بماذا فضلوا علينا؟ هذه كانت حقيقة والله تعالى فضلهم على العالمين لأنهم الأمة الوحدية التي ذكر عندهم صفات الرسول r من موسى u تارة ومن عيسى تارة أخرى، وكلاهما تكلما عن أوصاف الرسول عندهم. وعندما جاء r كذبوه وقالوا عنه شاعر وكذاب ومجنون ومع هذا صبر r إلى آخر يوم في حياته وقال لنا هذا الحديث : بلغوا عني ولو آية " وأنا أحذر أن الإسرائيليات تنسب الكلام إلى الرسول r وهو منه براء وفي كل الأحاديث الصحيحة لم يذكر إسم ابني آدم وإنما قال ابن آدم الأول على القاتل. لا بد أن نذكر أنفسنا أن نحمد الله تبارك وتعالى على نعمة الإسلام والله تعالى أنعم علينا بنعم ظاهرة وباطنة كلها لا تعادل نعمة الإسلام. ومع هذا هناك من جاء من أبوين غير مسلمين وأسلم وهناك من جاء من أبوين مسلمين وتنصّر أو تهوّد ولكن سيبقى الإسلام شرف لكل من دان به. نتكلم عن الكبيرة الثالثة وهي الزنا. قال تعالى في سورة يوسف (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25) قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28) يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ (29) وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (30) فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آَمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَنْ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32) قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)). يوسف u تعرض لابتلاءات كثيرة من إمرأة العزيز ثم أشهدت النسوة فقد تعرض للفتنة مرتين وسنتحدث كيف كانت ردة فعل يوسف u حتى نتعلم. أولاً شكل الغواية جاء من امرأة ذات سلطة وسلطان. وحتى نقارن بين هذه القصة والواقع الآن حيث يقول الناس أنا عبد مأمور ولو لم أفعل كذا لأدخلوني السجن أو غيره. فعلينا أن نأخذ الإبتلاء كما هو وننجح فيه. قصة يوسف u نأخذها مثالاً لتوقيع رفض الزنا والبعض يقولون هذا نبي فنقول له لماذا أنزل الله تعالى الرسل والأنبياء؟ قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) الأحزاب) هذه القصة نوقّعها من حديث رسول الله تعالى الذي يذكر سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: شاب نشأ في طاعة الله أي شاب عوّد نفسه على الحلال وأبعد نفسه عن الحرام وعلينا كمسلمين أن نعوّد أنفسنا على رفض المعصية ويتمرن على عدم الاستجابة للمعصية لذا نقع فيها بسرعة. فالحديث يذكر شاب نشأ في طاعة الله أي عوّد نفسه على الحلال وأبعد نفسه عن الحرام وهذا يبدأ من البيت والمدرسة والتنشئة الصحيحة. لا صبر للناس هذه الأيام على هذا التدريب. سورة يوسف من أولها إلى آخرها مبنية على الصبر وكل حادثة حصلت في قصة يوسف u فيها صبر. وجاءت سورة يوسف كقصة واحدة لأن فيها قاعدة واحدة يتفرع منها أمور كثيرة الصبر: إبتداء عدم صبر الإخوة على أبيهم، عدم صبر الإخوة لحالهم، عدم صبر امرأة العزيز، عدم صبر النسوة، عدم صبر صاحبي السجن. وفي وسط الابتلاء قال يعقوب u(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) ليس أي صبر وإنما صبر جميل (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ). البعض يبرر لنفسه المعصية ويقولن أن العزيز كان ضعيفاً جنسياً مع أن هذا لم يرد في القرآن وإنما في الاسرائيليات وحتى لو كان هذا الكلام صحيحاً لدينا قوله تعالى (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)) هذه جاءت بعد أن الإنسان يتفلّت وينفلت (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ) والنفس تلعب به (يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (13)) ثم يقول قاعدة (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)) ثم يقول (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17)) ما سبب ورود هذه الآية هنا؟ هذا سنتحدث عنه لاحقاً، ثم يقول تعالى (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (20)) ما الذي يوقع الناس؟ الدنيا بما فيها من لذة عاجلة. (وَتَذَرُونَ الْآَخِرَةَ (21)) أي لو صبرت في الدنيا التي ستنتهي مهما طالت وتركت الحياة الحقيقية (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64) العنكبوت) هم لا يعلمون وعلمهم سقط أمام العاجلة. فالتوقيع القرآني في سورة القيامة رائع (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)) فمهما اعتذرت يوم القيامة لن ينفع وسيكون الكلام كله بلا قيمة (كلا) كلمة زجر ورجع ونفي ما تحتج به (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (100) المؤمنون) البرزخ هو حاجر بين عالم الدنيا وعالم الآخرة. الإنسان يريد أن يعجل ويأخذ لذة عاجلة وينسى اللذة الباقية. أغلب الناس التي تقع في خطيئة الزنا بعد أن ينتهي من هذه الجريمة تبكي لأنهم عرفوا أنهم أخذوا لذة قصيرة منكرة يعقبها ندم في الدنيا وحسرة وألم في الآخرة. (وقال الذي اشتراه) هذه الآية تمهيد للواقعة الأساسية. يجب أن نتذكر (وشروه بثمن بخس) شروه بمعنى باعوه بثمن بخس وتوقيع القرآن بديع في هذا الذي سيكون له شأن عظيم فيما بعد كيف كانت بدايته (بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين) ولو رجعنا لأصل القصة إخوة يوسف بدأوا (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا) بعد آيات الشراء والبيع قال (والله غالب على أمره) وقال تعالى (ولكن أكثر الناس لا يعلمون). من الذي دفع أحد إخوة يوسف لقول (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) لو قتلوه أو ألقوه أرضاً أي تركوه في أرض بعيدة لم يحدث الذي حدث وإنما قال أحد الإخوة ألقوه في الجب ( إن كنتم فاعلين). أمر الله تعالى غالب مهما خطط الناس ولو وضع الناس هذه الآية على أنها قاعدة أساسية لم يذهب أحد لساحر ولا غيره لكن (لكن أكثر الناس لا يعلمون). إخوة يوسف سمعوا كلام هذا الأخ وفعلاً التقطه بعض السيارة كما قال (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ). هذه القصة يحكيها الله تعالى لبين إسرائيل وللناس جميعاً قصة رائعة نأخذ منها موعظة واحدة وهي الصبر. (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ). توقيت نزول هذه السورة على الرسول r وذكر القصة كاملة من أول الرؤيا إلى أن مكنه الله تعالى في الأرض والدعاء الذي ختم به يوسف u ونسب الفضل لله تعالى وقال (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ) لا يمكن لأحد أن يأخذ الملك لأن الملك لله تعالى و (من) تعطي معنى جزء ولكنه كبير لأنه من عند الله تعالى. هل كان الرسول r أول المقصودين بعظة الصبر لما لاقاه من مشاق في الدعوة؟ وهل كانت رسالة للرسول r بأن الله تعالى ناصره؟ هي ليست بهذا المعنى وإنما من باب تسلية الرسول rوزيادة الاطمئنان. كل ما في القرآن كلام الله تعالى حتى لو جاء على لسان الكفار. إبراهيم u قال (بلى ولكن ليطمئن قلبي) أي ليزداد اطمئناناً لأنه قال (بلى ولكن) هناك فرق بين أن أحتاج للصبر أو أني صابر وأحتاج لتسلية حتى لا يتفلت مني الصبر. التسلية بمعنى التهوين عليك ما أنت فيه فتداوم على الصبر ويثبتك عليه. (ما ودعك ربك وما قلى) هذه ردّ على من قال إن رب محمد قلاه وهذا اعتراف من الكفار أن لمحمد r رب. سورة الضحى لو ركزنا في تفسيرها وشرحها وتوقيعها لكان يجب أن نكون متأكدين من حدوث الإسراء لأنه تعالى قال (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وما أعظم من الإسراء! الرسول r صابر لكنه يحتاج إلى تثبيت فكانت سورة يوسف. الآيات فيها سبب عام وسبب خاص والسبب العام أشمل، السبب الخاص لرسول الله r والسبب العام للأمة حتى يتعلموا كيف يتعاملوا مع الأحداث وكيف يصبروا وغيره. وفي تكملة الحديث: ورجل دعته امرأة ذات مال وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين. لو أخذنا توقيع هذه (معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي) وهنا نوضح أن ربي هنا يعني الله تعالى وليس العزيز كما في بعض كتب التفسير لأن يوسف u له رب واحد هو الله تعالى ثم إن العزيز قال (أكرمي مثواه) ولم يقل أحسني مثواه والإكرام غير الأحسان ثم قال يوسف u(إنه ربي أحسن مثواي) لم يقل أكرم مثواي (هذه سنشرحها لاحقاً). المرأة التي تدعو ذات مال وجمال وامرأة العزيز في سورة يوسف ذات منصب وجمال (راودته) أي هونت عليه الأمر فقال يوسف u(قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) الآيات واضحة وقوية والآيات تحتاج لشغل حتى نرد على من يخرج بمعاذير ويبرر لنفسه. القصة تحتاج لوقفات مع الألفاظ في هذه القصة حتى يعرف المسلم الحق كيف تكون حقيقة الإيمان. تعريف الإيمان هو ما وقر في القلب وصدّقه العمل، هذه نجدها في يوسف (وكذلك يجتبيك ربك) هذا إيمان وما صدقه العمل في قوله (معاذ الله). معظم المفسرين قالوا أن الهمّ توقيع المراودة والموضوع من حيث الزنا انتهى عند قوله تعالى (معاذ الله) وانتهى طلب الزنا (ولقد همت به وهمّ بها) هذا موضوع آخر وهي أرادت أن تقتله لتخفي ما فعلته لأن الهم في اللغة يعني الشروع في العمل وانصرف في القرآن للقتل. حتى تدافع عن نفسك ممن يريد أن يقتلك ستقتله لذا قال (وهمّ بها). علينا أن نفتح قلوبنا لنسمع أكثر من عبرة على موعظة واحدة وهي الصبر. بُثّت الحلقة بتاريخ 8/5/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 43 تقديم علاء بسيوني ما زلنا في قصة يوسف u لنستخرج الدروس والعِبَر (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)) المتوقع أن السرد يكون بالترتيب في القصة من بداية شراء يوسف ثم انتقل إلى لما بلغ أشده وهل حصل هناك قفزة زمنية في الرواية (فترة أربعين سنة) وإذا حصلت هذه القفزة فلماذا؟ في البداية قال تعالى (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) ثم قال (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) هي فترة بلوغ الأشدّ هي فترة زمنية أكرمت فيها امرأة العزيز مثوى يوسف u تنفيذاً لتعليمات العزيز. الآية تقول (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) ساعة اشتراه كان في ذهنه أن يتخذه ولداً وهذا ما دفع بعض المفسرين من أصحاب الإسرائيليات أن يقول أن العزيز كان عاجزاً وأنه لا ينجب. العزيز كان وزيراً للشؤون الداخلية التي كانت أشمل من الشرطة ويسمى عزيز مصر وهو أهم شخصية في الوزارة آنذاك ويجب أن لا نغفل أنه رجل ذو بصيرة وله رؤية فلما رأى الولد أنه بقي في البئر فترة وما زال على قيد الحياة دار في ذهنه أن يكون لهذا الولد شأن وكانت نظرته ثاقبة وهذا ما حصل فالآية تقول (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) يعني الأمر الذي صدر من العزيز لامرأته ا، تكرم مثواه نُفِّذ على أكمل وجه بدليل قوله تعالى (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) الله تعالى بنصّ القرآن غالب على أمره وهذا الذي دفع امرأة العزيز أن تكرم مثواه والعزيز أن يأمر امرأته بذلك لذا قال تعالى (وكذلك) الكاف هنا للتشبيه والتمثيل فالأمر الذي صدر من العزيز لامرأته بإكرام مثوى يوسف كان الله غالب على أمره وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث يعني مكّن الله تعالى ليوسف في الأرض وسرّ التمكين أنه كان عند يوسف u إلهام من الله تبارك وتعالى ووحي من الله تعالى بالحكم والعلم لتأويل الأحاديث وهذا كان سبب تمكين يوسف في الأرض لأنه كان يأوّل الأحاديث بوحي وعلم من الله تعالى بدليل أنه لما كان في السجن وقال له صاحبي السجن إنا نراك من المحسنين قال (قَالَ لاَ يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَن يَأْتِيكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) لم يكن يوسف يفسر كتفسير هذه الأيام للأحلام وإنما كان يفسر من واقع أكثر من آية في القرآن (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ (6)) هذا في البداية ساعة قص الرؤيا على أبيه ثم قال (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) و(الله غالب على أمره) تعليم يوسف هذا العلم ليُمكّن في الأرض فضلاً على أن الله تعالى آتاه العلم والحكم (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) الحُكم في أغلب التفاسير هي النبوة والعلم هو أن تستظهر بواطن الأمور فالذي يستعصي على غيره يظهر عنده بفضل من الله تعالى وبإلهام من الله تعالى (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي). العلم الذي عند يوسف u هو علم إلهي. إذا قال رجل في يوم من الأيام سيحدث كذا يكون قد كفر بالله (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) الجن) هذه آية حاكمة والاستثناء فيها لم يفهمه الكثيرون حتى الآن وما يحصل الآن من قنوات تبث تفسير الأحلام على مدار اليوم والليلة هذا كلام فارغ. الرؤيا الصالحة من سمت الأنبياء والمرسلين لكن أن أرى أنا رؤيا ثم يفسرها أحد ثم أتصل ثانية وأقول أنا حصل لي كذا هل يعني الكل أصبح أنبياء؟ الرسول r قال أن الرؤيا التي تتحقق هي رؤيا الأنبياء لكن بعض الناس لديهم نوع من الهواجس النفسية لأن لديهم نوع من الشفافية والرؤيا واقع نفسي يتهيأ للشخص من خلال تفكيره بأمر ما. علم السيوكولوجيا علم صعب جداً وقد تناول الدكتور يحي الرخاوي هذا الأمر بشكل جميل ويقال أن الشخص يفكر في أمر فيخزنه العقل ثم يراه في المنام هذا يكون من واقع الذي حصل لكن لا يقول أنا ما رأيت رؤيا إلا وحصلت، هذه خاصة بالأنبياء فقط. لكن بالنسبة للبشر العقل الباطني يخزّن ما يفكر فيه الإنسان ثم لما يراه في المنام يكون من واقع الذي يحصل. يوسف نبي والله تعالى أ‘طاه علماً إلهياً ومع ذلك قال (ذلكما مما علمني ربي) لذا لما سألوه عن رؤيا الملك لم يتكلم بتفسير الرؤيا لكن قال لهم ماذا سيحصل وكأنه توجيه من يوسف حتى تمر الأزمة هذه ليست رؤيا يوسف وإنما بإلهام من الله تعالى لأنه تكلم فيما سيحدث خلال 15 سنة (سبع سنين رخاء وسبع سنين عجاف ثم العام الذي فيه يغاث الناس) وهذا الكلام لا يكون إلا بوحي من الله تعالى وإلهام من الله تعالى. والقرآن لم يقل ولنعلمه تأويل الأحاديث وإنما قال (ولنعلمه من تأويل الأحاديث) (من التبعيضية) وليس العلم المطلق لأن هذا العلم خاص لله تعالى. (وكذلك مكنا ليوسف) إذن الأمر الذي صدر من العزيز كان تطبيقاً لقول الله تبارك وتعالى (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) إخوة يوسف أرادوا إبعاده فكان الخير في إبعاده وهذا تطبيق قوله تعالى (وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً (11) الإسراء). (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) هل كل ما حصل ليوسف من التمكين وتأويل الأحاديث والعلم الإلهي والنصرة والعلم والحكم كله جزاء الإحسان؟ بالطبع لأنه تعالى قبل أن يقول وراودته التي هو في بيتها قال (كذلك نجزي المحسنين) أثبت له الإحسان. علم الله تبارك وتعالى تعالى يخترق كل الأزمنة والأمكنة دون حدود ويوسف u لم يتعرض للفتنة بعد ولما كان صغيراً لم يظهر أنه من المحسنين لأنه لم يُبتلى فلماذا ذُكِر موضوع الإحسان مبكراً (من المحسنين) وهو ما زال صغيراً؟ قال تعالى (ولما بلغ أشده) هذه مثل (والله غالب على أمره) هذه تطمئنك على أمرين: أمر مضى وأمر سيحصل، الأمر الذي مضى هو تدبير الكيد من إخوة يوسف فلولا أنهم أبعدوه لما كان كل الفضل ليوسف هذا كالذي ينقلك إلى قسم جديد لم أكن تريده وعندما انتقلت تريد أن تشكره لأن حياتك تغيرت إلى الأفضل وأصبحت أفضل مما كنت، هذه الله غالب على أمره هذا في الماضي والأمر الآخر في المستقبل هو الذي حصل عندما قال يوسف u(معاذ الله) ثم حصل أمر آخر: أدخلوه السجن فأوّل الحديث ثم قال الملك ائتوني به فالأمر يسير من فاضل إلى أفضل ومن حسن إلى أحسن لأنه من المحسنين ولأنه من المخلَصين وليس من المخلِصين وهذه تبين عظمة الأداء القرآني في أكثر من موضع في القرآن. فكما أن قوله تعالى (والله غالب على أمره) لها توقيع بديع جداً عندما قال أبوهم (والله المستعان) أنت عندما تستعين بالله تبارك وتعالى استعان يعقوب بالله فذهب ووجد ابنه ذو شأن عظيم في مصر بعد أن كان مرمياً في غيابت البئر. إذن الصبر والاستعانة والقرآن يعلمنا (والله المستعان) ونحن كمسلمين نرددها في اليوم أكثر من مرة (إياك نعبد وإياك نستعين) لكن أتمنى أن نقولها بتوقيع لكننا نقولها بلساننا فقط ولو استعنا بالله فعلاً لا يحصل لنا ما يحصل في أيامنا هذه. يعقوب قال (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) نحن نقدم العبادة على الاستعانة لكي نحقق العبودية لله تعالى والتوحيد ولو قلناها بيقين وصدق يحصل لنا ما حصل ليعقوب ولو طال الزمن، كم بقي يعقوب بدون أن يرى ولده؟ وكاد ولده الآخر أن يضيع منه لكن قبل الاستعانة (والله المستعان) هناك صبر (فصبر جميل) وليس صبراً عادياً وإنما صبر جميل فكلما صبرت أكثر كافأك الله تعالى وكلما كان الصبر أطول تكون المكافأة أكبر هذه (والله غالب على أمره). ثم (وكذلك نجزي المحسنين) متى؟ (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أعطاه الله الحكمة والنبوة والعلم ومن أول الأحداث (وكذلك نجزي المحسنين) دعته امرأة العزيز فقال (معاذ الله) ثم النسوة لما رأينه بدأن يراودنه مع أنها غير ظاهرة لفظاً ولكنها واضحة معنى من قوله (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) ولم يقل تصرف عني كيدها فلما ذهب الرسول إليه قال اسأل النسوة فلما سئلت النسوة قلن (حاشا قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ) امرأة العزيز برّأته والنسوة برّأنه هذه بطولة نادرة في قضية رفض الزنا وفي قضية العفة وفي الحديث يقول r: " ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال". هذه امرأة العزيز، وهؤلاء النسوة كان لهن شأن وكان هناك طبقية، إمرأة العزيز أعدت لهن متكأ أي كان لهن شأن لا يقل عن شأنها هي فلما يوسف يقول (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) لم يقل إنا إيماني قوي ولكنه استعان بالله ويقول لولا أن الله تعالى يهديني ما اهتديت وأهل الجنة في الجنة يقولون الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. لذلك يوسف حتى في تأويل الأحاديث قال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) وفي قضية النسوة قال (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) وليس من عند نفسه لأنه لوحده يكون من الجاهلين فالإحسان والتخليص بفعل الله تعالى ولم ينسبها يوسف إلى نفسه. (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) هذا السنّ الذي يكون فيه مطمع شاب فتيّ قوي وقد تربى على توجيهات امرأة العزيز. (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا) الذي اشتُهر بتسريب الشائعة أنها هي تراود وهو يرفض والشائعة في حق يوسف تسربت صح لكن للأسف الشائعة في أيامنا تتسرب خطأ لم يقولوا أنه يحب امرأة العزيز كأن الله تعالى يعلمنا أنه من يتق الله يجعل له مخرجاً ويكفينا أن الله تعالى قال (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا) الضمائر كلها تعود عليها هي لا عليه لأن الله تعالى حماه حتى في الشائعة وبقي يوسف حتى في الشائعة مستوراً بفضل من الله تبارك وتعالى لأنه اتقى ولأنه أحسن ولأن الله تبارك وتعالى أخلصه. (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ما هو شكل المراودة؟ راودته تثبت أنها على يقين وأن الغالب في ضميرها أن يوسف سيرفض. راودته يعني خدعته وعملت مفاعلة في العملية التي ستعملها. إذا كنت تضمن عملية لا تدبر لها لكن إذا لم تكن تضمنها تقوم بوضع خطط، هذه كلمة (وراودته). وألفاظ القرآن تبين تمكنها من المراودة وموقف يوسف الضعيف الذي كان يجب أن يجعله يقبل لكنه لم يقبل (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) لم يقل وراودته امرأة العزيز لأن البيت بيتها وهذا يعطيها قوة وسلطة ودراية بالبيت ومداخله ومخارجه لذا لما يقول (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) من باب المراودة والمفاعلة في الطلب فتوهم الضحية أنه في أمان وأنها غلّقت وليس أغلقت باباً فإذا أغلقت بقفل واحد لباب واحد تكون غلّقت فلا يقلّ عن ثلاثة أقفال أو أبواب (المفاعلة تزيد الجمع في العربية) هذا من باب وراودته من باب المفاعلة في الطلب والخداع والطلب. كل هذا وهو في بيتها وقد يصبح في الشارع إذا رفض وهذه حجة يتحجج بها البعض يقول أخاف أن أُطرد أو غيره وأنا في بلد غريب وأخاف أن أُسجن لكن يوسف قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) هي قالت لو لم ينفذ ما تريده سيسجن (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) لكنه قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) لأنه لن يغضب ربه. الرسول r يقول " ورجل دعته امرأه" أي أن المرأة قد تستدرج الرجل لكن الرجل قال (إني أخاف الله) لأنه من عرف الله خافه ومن خاف الله إمتثل أوامره ومن امتثل أوامر الله إجتنب نواهيه ومن كان خُلُقه ذلك كان أعبد الناس. الذي يمشي على الصراط يكون أعبد الناس وإن الحلال بيّن والحام بيّن وحتى في الأمور المتشابهة دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. هل كل الناس عندها استعداد أن تدفع الثمن البديل كالسجن مثلاً؟ بالتأكيد لا، يوسف قيل له إما أن تفعل أو تدخل السجن (وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) ليس هناك بدائل وارجع لقول الحق (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) هذا واقع حال وليس مجرد تهديد. كل كلمة في القرآن لها وقع لما قال (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) يعطيها مقومات القوة وله مقومات الضعف. (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) كلام وفعل ومراودة واطمئنان بمخادعة وفعل بإقفال الأبواب وهناك ما يتصور في المراودة أنها وعدته بمناصب ترفعه لأنها امرأة العزيز. التهديد لم يأت إلا بعد رفض يوسف أما المراودة فليس فيها تهديد هي راودته لأنها على يقين أنه سيرفض. الذي يشرح (وهمّت) واستبقا الباب. الله تعالى لما نفى عنه قال (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء) الفحشاء هي الزنا والسوء عندنا قولين إما مقدمات الزنا وإما القتل ونحن نغلّب القتل لأن مقدمات الزنا من الزنا وتقع تحت الفحشاء فالسوء هو القتل. من أول راودته ابدأ مرحلة الهم والاستباق. لا تقل جاريها حتى تضعف فلا تغلّب العقل البشري على أمر الله تبارك وتعالى لأن الله تعالى قال (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيل (32) الإسراء) لم يقل ولا تفعلوا الزنا. عندنا منهج إلهي إذا غلّبناه نُعصم وإذا غلبنا هوانا نقع. (هيت لك) يعني أقبِل لكنها كلمة غير عربية ولها معاني كثيرة وأخطأ من قال هي فعل أمر. المفسرون اعتقدوا أنها من هيّأ الأمر لكنها كلمة عرّبها القرآن مثل كلمة إسرائيل أي صفي الله عرّبها القرآن ولم يضع لها القرآن بديلاً. هيت لك كلمة عند حوران عرّبها القرآن ومعناها أنا تحت أمرك معناها افعل ولا حرج أنت مستور ومؤمّن بدليل قول يوسف (معاذ الله). الفرق بين يوسف وبين الآخرين أن هناك من لا يحتاج إلى مراودة وإنما هو الذي يبادر. الفرق بين من اتبع القرآن في يوسف وبين الناس أو بين الصالحين وبين الناس العامة حتى يقال يوسف نبي ونحن لا يمكن أن نكون مثله لكن هناك من الصالحين في زماننا من يوجهه الله تعالى لقراءة القرآن وتدبره وحتى لو أخطأ يتوب. الناس العاديين لو سألوا الله المعونة أعانهم وعصمهم لأنه (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3) الطلاق). قد يكون المخرج في السجن فالسجن مكّن يوسف في الأرض وكان فاتحة خير على يوسف. في الحقيقة كل ما حدث ليوسف (والله غالب على أمره) كلها كانت أدوات لتنفيذ الله تعالى لأمره. يوسف قال السجن أحب إلي مما يدعونني إليه لأن ما يدعونني إليه يغضب الله تعالى فرضا الله تعالى عنده أهم من مشقة السجن والتعب. وكل شيء سوى الجنة حقير وكل عذاب سوى النار هيّن هذا عند الصالحين. عندما ألفيا سيدها لدى الباب قال بمنتهى الوقاحة (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ويوسف u لم يتكلم إلا بعد أن تكلمت هي، هو الذي فتح الباب وهي كانت وراءه وهذا دليل أنها هي التي كانت تجري وراءه فقالت (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ثم بعد أن تكلمت قال يوسف (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي) كأني بيوسف لو لم تتكلم هي لما تكلم يوسف ولما فضحها. ومن ستر الله سبحانه وتعالى وتوقيعاً لقوله تعالى (وكذلك نجزي المحسنين). أحدهم في الاسرائيليات قال أن الشاهد من أهلها هو القميص وهذا لا يعقل لأن القميص ليس من أهلها. كانت لدى امرأة العزيز وقاحة وجرأة مع أن العزيز قال (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) لكنها لما سمعت ما قاله النسوة دعتهن وقالت ما قالت فهي مثال للمرأة المتبجحة التي لا تستحي والتي تفعل كل شيء من أجل الحصول على ما تريده وتنفذ ما قالته. بدأ الأمر بشهوة ثم صار كِبراً لأنه هي التي تأمر يجب أن تطاع وهذا يوسف الذي ربّته هي وكان في بيتها ومع هذا رفض هذا من مقومات القوة عندها ومقومات الضعف لدى يوسف فثارت كيف أمرت ولم تطاع مع أنها عملت حيلاً وخططاً. البعض قالوا أن الهمّ للزنا أن يوسف u جلس منها مجلس الزنا وهذا كلام غير صحيح لأنها هي قالت (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ) يوسف r بُرّيء من كل من له صلة بالقصة. هي برّأته والشيطان برأه وبرّأه الله تبارك وتعالى وبرّأته النسوة مجتمعات والشاهد وما زالوا في الاسرائيليات يقولون جلس منها مجلس الزنا. هي برّأته مرة قالت مقدمة العذر (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) هذا تهديد ولما النسوة قالوا (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ) قالت امرأة العزيز (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) وهذا توقيع لكلام الشاهد (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27)) لو كان يوسف الذي هجم ليعتدي عليها ستقطع قميصه من الأمام. الشاهد من أهلها كان حكيماً وقال انظروا القميص من أين هو مقطوع. وإرسال هذا الشاهد من أهلها توقيع قوله تعالى (والله غالب على أمره). عادة الشاهد من أهلها يكون في صفّها لكنه كان حكيماً وقال الحق. بُثّت الحلقة بتاريخ 15/5/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 44 ومع هذه الخلافات الأخيرة البعض اهتز إيمانه بالسُنّة الشريفة والبعض قال نأخذ الأحكام من القرآن الكريم فقط ونترك السُنّة والبعض صار يشكك في السنة كلها بسبب الاختلاف في الأحاديث فهل كل حديث خاص بقضية معينة يمكن تطبيقه عاماً وهل يمكن لأي كان أن يجتهد ويفتي للأمة بحسب فهمه هو فقط؟ ما يحدث يرد على من كان يتشدق منذ سنوات على المحدَثين من الدعاة أو الدعاة الجدد ولكن هؤلاء الدعاة الجدد لم يأت أحد من هؤلاء بما جاء به القدامى ثم إننا لم نتعلم كيف نتفقه في ديننا والفقه نفسه معناه الفهم وكونه يطلق في المعنى الاصطلاحي على ما يتعبد به من عبادات ومعاملات يحتاج وقفات. والفتاوى التي خرجت علينا منذ فترة لم يكن ينبغي أن تظهر وعلينا أن نتحقق من سند الحديث ومتنه. قلنا أن الحديث ينقسم إلى المتن والسند وعند السند ليس هناك كبير وهذه هي القضية في الحقيقة. نحن نتكلم في موضوع يوسف uوقلنا كل من تعلّق بقصة يوسف برّأ يوسف. مم برأه؟ برّأه من الإسرائيليات وأصبحنا ندافع بالقرآن عن الإسرائيليات إنما لو تعرضنا للقرآن والسنة الصحيحة فقط لما احتجنا أن ندافع عن يوسف. وقفنا عند أن كل من تعلق بقصة يوسف برّأ يوسف مما قالته الإسرائيليات والذين أطلقوا العنان لهل في التفسير وخلطوا بين الهم والمراودة. الكلمة في القرآن تشرح لنا الموضوع بدون اللجوء إلى الإسرائيليات. ما حاجة الناس إلى هذه الفتاوى؟ وهل تحققنا من صحة الحديث؟ وهل الحديث عن رضاع الكبير كان واقعة صحيحة؟ الذي يقول نأخذ بالقرآن ونترك الحديث نرد عليه بسؤال: الحج سنة أو فرض؟ الإجابة المنطقية أنه فرض لأنه أحد أركان الإسلام. فرض كتوصيف له أو كتوقيع؟ لو سمعت الحديث: "بُني الاسلام على خمس شهادة إن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاء وحج البيت وصوم رمضان" هذا حديث صحيح متفق عليه. هلى نعرف أن نحج؟ كلا إن لم نسأل كيف حج الرسول r لن نعرف أن نحج فنحن بدون السنة لا نعرف أن نفعل شيئاً الصلاة قال r صلوا كنا رأيتموني أصلي وتنقسم لحالتين: حالة من شاهد في عهد الرسول r وحالة من جاء بعده وعلِم. الذي يريد أن يحج يسأل كيف حج الرسول فيحج مثله والذين يقولون قرآن فقط هذا كلام مردود عليه بواقع الحال. نأخذ السنة الصحيحة كلها لأن السنة الضعيفة يجب أن نخرج منها. هل يحب مراجعة كتب السنن الموجودة بين أيدي الناس لأننا بحاجة لمعرفة أن الأحاديث الموجودة في الكتب هي صحيحة؟. الألباني والغزالي حققوا في الأحاديث وقامت عليهم الدنيا. الصحيح من الأحاديث موجودة ومنقحة ولا نحتاج للتدقيق فيه. هل البخاري فوق الخطأ؟ البعض يقول أصح كتاب بعد القرآن البخاري وهذا خطأ صحيح أن البخاري أصح كتاب حديث لكنه لا يقارن بكتاب الله تعالى لأن القرآن الكريم لا يقارن بأي كتاب والله تبارك وتعالى نزّهه على باقي الكتب السماوية ولم يتصد لأي كتاب سماوي إلا القرآن فالقرآن لا يقارن حتى بكتاب سماوي فما بالك بالكتاب البشري؟ البخاري نحترمه لكنه بشر يصيب ويخطيء. القضية أنه عند البعض لا يمكن أن تمس البخاري ومسلم وعندما نحل هذه القضية نحل الأزمة الموجودة. المشكلة في التناول فالبعض يقول أن البخاري لا يمسّ ومسلم لا يمسّ. ذكرنا سابقاً موضوع حديث سورة يس وأثبتنا أنه حديث موضوع ووقفنا في السند عند المشيخة، من هم المشيخة؟ وهذا حديث يقال في كل مكان للأسف. خطورة البدعة أنها تتعرض لما تتعرض له الإشاعات أي أنها تزيد مع كل شخص يخبرها. هل إذا راجعنا أحدهم في كلمة واحدة في الحديث كمن يراجع في حديث موضوع؟!. أهل الحديث يعرفون الحديث الصحيح من الضعيف لكن المشكلة في قضية التناول. علينا أن نأخذ قضية الدعوة إلى الله بحذر وأذكِّر بما قاله الحسن البصري يا أيها المفتي تثبّت قبل أن تفتي فإنك توقع بالإنابة عن الله ورسوله. القضية في التناول فالرسول r قال كلاماً كيف فهمه الصحابة؟ وكيف نفهمه نحن ولم نعاصره r فماذا نفعل حتى نفهم الحديث؟. في موضوع رضاع الكبير قالوا أنها قضية خاصة بسالم مولى حذيفة وكان طفلاً. عندنا قضايا خطيرة ولغط كثير منها أنهم يقولون الإسلام حرّم التبني وهذا غير صحيح ما حرّمه الإسلام هو إنتساب الطفل إلى المتبنّي. والبعض تكلم عن الرقم 19 وفك شفرة القرآن وهذا كلام سخيف ومن الخبل فهل نزل القرآن بشفرة خاصة وبأسرار لا تُعلم؟ هناك أسرار في القرآن لكن ليس هنام شفرة. السر في الرقم 19، أين رسول الله r من هذا العلم؟ هل علمه وكتمه أم لم يعلمه؟ نحن نعرض ديننا فكيف نعرض ديننا بهذه الطريقة؟ يجب إحترام عقول الناس عند عرض المعلومات والأفكار. هناك كتاب دراسة إحصتئية عمل فيه متواليات عددية وأخذ ترتيب السور في القرآن فعملت بنياناً رياضياً متكاملاً بحيث لو أخذت كلمة من القرآن وغيرت مكانها ينهار هذا الترتيب وقال هذا نوع من الاعجاز. نحن لا يمكن أن نحكم على هذا الكتاب لكن أقول أن القرآن نزل منهجاً للأمة كيف تعيش فالذي لم يدرس الرياضيات سيفهم القرآن والرجل الأمي البسيط الذي لا يقرأ ولا يحسب لما قرأ القرآن في عهد الرسول r لم يسألوا عن كلمة معناه أنهم فهموه. الذي سمع (فلا أقسم بمواقع النجوم) أثبتوا أن النجم يفنى لكن موقع النجم لا يفنى وإن فني النجم ولكن الرجل الأعرابي فهمها في حينها زأخذها على أنها مسألة إيمانية أن الله تعالى أقسم بعظيم وليس له علاقة بالنجم ومواقع النجم ولكنه نظر إلى المقسم عليه. يجب أن نطوع فهمنا للقرآن على مراد الله لا رغبة في شهرة كاذبة. للأسف البعض يُدخل الناس في متاهة بدون أن يعلموا وأسأل الله تعالى أن نُخلِص لله تبارك وتعالى، نحن ندرس سورة يوسف حتى نتعلم كيف لا نقع في الزنا وأخذنا قصة ابني آدم حتى نتعلم كيف لا نقع في القتل وأخذنا قصة إبراهيم u لنتعلم كيف لا نقع في الشرك. هناك حديث لم يفهمه الناس (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة) الأسئلة الأربعة لم يذكرها الرسول r لنسمعها فقط وإنما لنسمعها ونعمل بها فلما قال "وعن علمه في ما فعل" هل العلم هنا بمعنى الفهم أو العلم أو الاعتقاد أو ماذا؟ لم نأخذ هذا الأمر على محمل الجد من الرسول r ولو أخذناه بفهم رسول الله r لعملنا صح. ليس المقصود أصحاب العلم والعلماء فقط وإنما لكل الناس. حتى نفهم هذه النقطة نعود إلى أسئلة القبر: في القبر أول سؤال: من ربك؟ هذا علم. والخلاف بين أهل العلم والفلسفة وأهل القرآن جمع في كتاب قصة الإيمان وقال أن الفلاسفة عندهم شغل بعضه له فائدة وبعضه بدون فائدة أما أهل القرآن فشغلهم كله فائدة علمهم ينصب على معرفة من ربّي؟. السؤال في القبر لا يرد عليه باللسان وإنما بلسان الحال. نحن يجب أن نأخذ العلم لنعمل به والرسول r علمنا كيف نتلقى وكيف نعمل ألم يقل لأهله " اعملوا فما أُغني عنكم من الله شيئاً لن يأتيني الناس بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، من أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبه". علينا أن نسمع كلام الرسول r لنسير بشكل صحيح وعلينا أن نأخذ القرآن والمنهج على مراد الله تعالى. نحن سنتعلم إلى أن نموت والذي إيمانه ثابت صحيح لا يتزعزع أبداً أما الذي يتزعزع إيمانه بمثل هذه الأمور يكون إيمانه لم يكن قوياً لذا من فضل الله عليه أن عليه أن يقف عند مثل هذه الأحداث ليراجع إيمانه. أنا كمسلم يحجب أن أتناول أي قصة من القرآن لأن الله تعالى قال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) يوسف) ولا نأخذ من خارج القرآن والذي ألجأنا للدفاع عن يوسف uأن البعض فتح المجال للإسرائيليات تتكلم وللأحاديث الضعيفة حتى أدانوا يوسف وجعلوه أنه جلس منها مجلس الزنا وغيره. كل من تعلق بالقصة برّأ يوسف. من تعلّق بالقصة؟ أولاً الله رب العالمين وثانياً محمد r وثالثاً يوسف u- وهذا ترتيب يناسب مقتضى الحال في القصة - ثم امرأة العزيز نفسها ثم الشاهد من أهلها ثم العزيز ثم النسوة ثم الملك ثم إبليس. ثمانية برّأوا يوسف وأولهم رب العالمين برّأه من مطلع السورة إلى نهايتها. ساعة ذكر يوسف لأبيه الرؤيا (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)) هو يتكلم عن 11 كوكباً والشمس والقمر كل هؤلاء لا يقال عنهم رأيتهم وإنما رأيتها لأنها لغير العاقل فساعة قال رأيتهم نقف عندها ولا نفوّت أي كلمة في القرآن. لو كان يتكلم عن الكواكب والشمس والقمر لقال ساجدة وإنما قال ساجدين. (ساجدين) كأن يوسف u أوّل الحديث. والعظيم أن يعقوب u قال (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5)) وهذا الذي حصل. الكلام هنا على الإخوة (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) فالذي يحرِّك الإخوة هو الشيطان وهذا من ذكاء يعقوب uلأنه نبي وهذا كلام له وزن (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) فالشيطان الذي هو للإنسان عدو مبين سيقلب إخوتك ضدك. ثم قال تعالى (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ (6)) نفهم معنى يجتبيك. يجتبيك يعني يصطفيك لكن ما معنى (كذلك)؟ كذلك تدل على أن هناك اصطفاء قبل هذا الاصطفاء فالاصطفاء الأول تمّ ساعة قال رأيتهم لي ساجدين. (كذلك) تكرار لعمية الإصطفاء. الاصطفاء في البشر يجعله من الأنبياء ويصنعه الله تعالى على عينه فهو مصطفى من قِبَل الله تعالى و (وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) إذا أردت أن تعرف توصيف يوسف عليك أن ترجع للـ 25 نبي الذين ذكرهم في القرآن للرسول r وقال له (أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ (90) الأنعام). أن يعلمه من تأويل الأحاديث ومجتبى من الله هذه براءة ليوسف من الله تعالى والأنبياء معصومين لا يعرفون أن يرتكبوا إثماً. هذا أولاً ثم قال تعالى (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (21)) هو وعده بهذا في الآية السابقة (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) وهنا قال (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) ونجد عجباً في تفسير هذه الآية إلا من رحم ربي الذين رفضوا الإسرائيليات بما لها وما عليها ولم يسمعوها والشيخ رشيد رضا ناقش الإسرائيليات وردّها وأثبت لهم سفه ما يقولون قولاً واحداً. التبرئة الثانية من الله (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) ثم ليبين لنا كيف اجتباه قال تعالى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)). الرسول r برّأ يوسف بتوقيع القرآن والحديث. هنا قال تعالى (آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) الحكم النبوة والعلم علم تأويل الأحاديث الذي سيجعل له شأن عند الملك فيما بعد. بعدها مباشرة قال تعالى (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ) إذن هو من المحسنين لذا لن ينفع أن تقولوا عليه بعدها ما قاله البعض. ثم قال (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) ولو كان هناك احتمال أن يأتي يوسف هذا العمل لقال تعالى كذلك لنصرفه عن السوء وإنما قال لنصرف عنه السوء إذن لا احتمال أنه هو يذهب إلى السوء ولكن السوء يأتي إليه بفعل امرأة العزيز والله تعالى سيصرفه عنه وهذه تبرئة ثانية من الله تعالى أن يوسف u مبرّأ من أن يذهب إلى السوء وإلى الفحشاء (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ (33)). عندنا أكثر من (كذلك) وكلها تعود على (كذلك) الأولى ساعة تأويله للرؤيا عندما قصّها قصّها مأوّلة. (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) السوء القتل والفحشاء الزنا هذا بإجماع الآراء، المراودة كانت للزنا والهمّ كان للقتل. ومهما سمينا السوء أو الفحشاء فيوسف uلا يفعل هذه ولا هذه ولنخرج من الخلاف نقول السوء أياً كان والفحشاء أياً كانت أي فعل فاحش وأي فعل من السوء والفحشاء بإطلاقه سنصرفهم عنه بأمر من الله تعالى لأنه من عبادنا المخلَصين أو المخلِصين لو كان مخلِص بفعله يأخذ جزاء الإخلاص ولو كان مخلَصاً لن يفعلها ففي الحالين هو مبرّأ. هذه تبرئة أخرى من الله تعالى. والرسول r برّأ يوسف (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا) الحكم والعلم جاؤوه لأنه محسن (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) لنذكر ساعة سئل الرسول r عن الإيمان والإحسان قال في الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه) وجدت رواية عند مسلم "لما سئل عن الإحسان قال أن تخشى الله كأنك تراه". لأنه لو قلنا أن تعبد الله يكون الإحسان منحصراً بالعبادة لكن أن تخشى تشمل كل شيء من معاملات وعبادات لأن الذي يخشى الله يخشاه في السر والعلن. قلنا سابقاً أن الأمة غاب عنها إعمال صفة الرقيب ولو شغلت إسم الله الرقيب لا يحصل لنا كل ما يحصل. لما سئل الرسول r ما الإحسان؟ قال أن تخشى الله كأنك تراه. الطفل عندا يبدأ بشرب السيجارة لا يشرب أمام أبيه أبداً خاصة لو له مكانة لأنه يخاف منه. والرسول r يضرب لنا مثالاً ويقول لو أردت أن تكون محسناً إعمل في حياتك كأنك ترى أن الله تعالى يراك، إخشَ الله كأنك تراه فالذي يشرب السيجارة بعيداً عن أبيه هل يشربها وهو يعلم أن الله تعالى يراه من الذي يخشى الله كأنه يراه؟ (فإنك إن لم تكن تراه فإنه يراك) سواء رأيته أو لم تره؟ هو المحسن لأن المحسن لا يأتي الفاحشة ولا السوء لأنه يخشى الله في أعماله كأنه يراه والله تعالى قال (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) فبتوقيع القرآن أن يوسف من المحسنين برّأه الرسول rبتوصيفه الإحسان لأن المحسن لا يأتي بالسوء والفحشاء لأنه عمل على خشية الله كأنه يراه. لم تحصل المراودة ولم يحصل الهمّ. اتفق المفسرين على المراودة لكن اختلفوا على الهم. أهل الإسرائيليات (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ) لا يوجد مراودة من يوسف هنا ولما جاءوا ليتكلموا عن الهم علّقوه بالزنا. وسنثبت أن المراودة شيء والهمّ شيء. لما تكلموا في الهمّ قالوا همّت لتزني ولكن الهمّ في اللغة هو التفكير في الشيء قبل أن تأتيه شرعت في الأمر تكون هممت (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) إذن موضوع الهمّ غير المراودة. راودته فعل وليس هماً ولقد همّت أي لم تشرع وعندنا حديث قدسي (إن همّ عبدي بحسنة) يعني لم يعملها بعد. بُثّت الحلقة بتاريخ 5/6/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 45 تقديم علاء بسيوني تكلمنا عن تبرئة الله تعالى والرسول r ليوسف u وذكرنا الفرق بين المراودة والهمّ. من أطلق العنان للإسرائيليات ضيّع نفسه. في أقرب تعريف للهمّ هو مقاربة القيام بالفعل وليس القيام بالفعل لأن القيام بالفعل يكون عملاً وليس همّاً. وهناك خلاف بين أهل اللغة وأهل التفسير وأهل الحديث وفي الحديث الصحيح عن رسول الله r عن الله تعالى " إذا همّ عبدي بحسنة فاكتبوها فإن عملها فاكتبوها عشرة وإن همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها فإن عملها فاكتبوها سيئة واحدة" إذن هناك فرق بين الهمّ والعمل. يجب أن نفرق بين أمرين الهمّ بالحسنة والهمّ بالسيئة، هل فكر أحدنا لم قال تعالى إن همّ عبدي بحسنة فاكتبوها فإن عملها فاكتبوها عشرة ولماذا عند السيئة قال وإن همّ عبدي بسيئة فلا تكتبوها وفي رواية فإن عاد عنها تكتب حسنة وإن عملها تكتب سيئة واحدة. إذا همّ بحسنة اكتوبها حسنة وإذا عملها اكتبوها عشرة إلى سبعمائة ضعف والله يضاعف لمن يشاء وفي السيئة إن همّ بها لا تكتب وإن عاد عنها تكتب حسنة وإن عملها سيئة تكتب سيئة واحدة. ما الفرق بينهما؟ الهمّ بالحسنة أنت تنوي أن تعمل خيراً فإن لم تفعلها إذن هناك ما منعك عنها خارجة عن إرادتك. أما عند السيئة الوضع اختلف لأن الهمّ بالسيئة يكون فيه تصارع بين أمرين المانع والمقتضى، المانع أي الشيء الذي يمنع الإنسان أن يعمل السيئة وهذا المانع أحد أمرين إما منع من الفاعل نفسه هو لا يفعل (مثلاً ضميره يصحو ويعود عنها) أو من خارجه مثلاً ذهب يسرق لكن هناك من رآه فلم يفعلها هذه لا تكتب حسنة. القرآن يقول (وراودته) أي فعلت وعندما يقول بعدها (ولقد همّت به) إذن موضوع الهم يختلف عن موضوع المراودة. (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) وحتى يؤكد أنها مستمرة في الفعل قال (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) إذن المراودة هنا كاملة من جهتها ثم قال بعدها (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ) يعني الهمّ غير المراودة لذا صدق أهل اللغة حين قالوا أن الهمّ هنا حتى تنتقم منه تقتله أو تضربه . إذن موضوع الهمّ يختلف عن موضوع المراودة. الزنا هو المراودة وهي عرضت نفسها للنهاية وليس لديها مانع هي مستمرة وعرضت نفسها وغلّقت الأبواب وقالت هيت لك، هذا ليس همّاً. نعود ثانية إلى قوله تعالى (ولقد همت به) الهمّ هي همّت ثم قال (وَهَمَّ بِهَا لَوْلا) لماذا لم يقل القرآن أنها حاولت تقتله وإنما قال همّت؟ لأن المانع الذي ليس من عندها منعها لأن يوسف u هرب منها (واستبقا الباب) هي حاولت أن تفتك به لأنه رفض من منطق أنها هي امرأة العزيز بما لديها وفعلت كل ما فعلت. ما هو منطق الزنا عند الناس؟ الرجل هو الذي يطلب عادة والمرأة مطلوبة إلى ذلك الحين هذا المنطق كان سائداً ولهذا همّت امرأة العزيز بقتل يوسف u فهي عملت كل ما عملت ثم يرفضها وهي من هي؟ لأن المرأة تشعر بالطعنة في أنوثتها وقيمتها كأمرأة إذا عرضت نفسها ورفضها الرجل. الهمّ يتسارع في المانع الذي هو واقع الحال والمقتضى الذي هو أصل الحال أن المرأة هي التي تُطلب. وهذه قالتها في حضور النسوة (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا إِلاَّ أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) هي تريد أن تنتقم من يوسف لكن هذه الآيات شهدت عليها. المقتضى أن الرجل عادة يطلب المرأة لكن امرأة العزيز ويوسف، هو في بيتها والقرآن يوضح وضعه ووضعها، هي التي تراود وهو الذي يرفض. موضوع الهم يختلف عن المراودة، هي استمرت في المراودة إلى النهاية وفي موضوع الهمّ هو منعها لأنه (وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) 90% من المفسرين قالوا رأى صورة أبيه أو جبريل. رأى لا تأتي هنا بمعنى الرؤية المشاهدة وإنما بمعنى العلم لأنه نبيّ بدليل توصيف القرآن له (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وتوصيف الرسول r للمحسن أنه يخشى الله كأنه يراه، يراه ليست بمعنى المشاهدة وإنما بمعنى العِلم. رؤية الله تعالى مستحيلة لكن العلم الإنسان يعلم من هو الله دون أن يشاهده. رأى في القرآن جاءت كثيراً بمعنى المشاهدة لكن في آيات فاصلة جاءت بمعنى العلم (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) أي أنك ستعلم كأنك رأيت (ألم تر كيف فعل ربك بعاد) (ما كذب الفؤاد ما رأى) الفؤاد محل القلب وما رأى أي ما رأته العين وعلمه القلب إذن رأى بمعنى العِلم. الفؤاد محل القلب في البدن توقيع القرآن (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) القصص). المُحسِن المخلَّص النبي لا يحتاج للرؤية المشاهدة لكي يخاف ولكنه يخشى الله كأنه يراه. الهم مختلف عن المراودة والهمّ لو يقع من يوسف u وإنما وقع من امرأة العزيز هي همّت لتنتقم أو تقتل. البعض يقول لم لم يقل القرآن (لم يهمّ بها) وإنما قال (وهمّ بها لولا)؟ يجب أن نقرأ الآية على الشكل التالي: ولقد همّت به/ وهمّ بها لولا. (لولا) حرف امتناع لوجود إمتنع الهمّ في حق يوسف لوجود البرهان. لنتخيل أن القرآن قال ولقد همّت به ولم يهمّ بها ستوحي أنه لم يهمّ لضعف وإنما الأقوى أنه يمكنه الهمّ لكنه لم يفعل ليكون تطبيقاً لكونه من المحسنين وهو لأنه من المحسنين لم يهمّ، هي همّت ولم تنهي الهمّ لموانع خارجية لأن يوسف هرب منها بدليل الآية بعدها (واستبقا الباب) وإذا لاحظنا الآية نجد أنه قال (ولقد همّت) بالتأكيد بينما قال (وهمّ بها لولا) المقتضى أنها تريد الانتقام وهو لم ينتقم لأنه من المحسنين المخلَصين وهو بطشه كرجل غير بطشها كامرأة والقتل لا يأتيه عاقل. والمانع الذي منع إتمام موضوع الضرب أو القتل من خارجها. موسى u قتل نفساً لكن هذا موضوع منفصل ولم يجري مجرى جميع الأنبياء أو المرسلين وسبق أن ذكرنا صكّ ملك الموت والصك هنا كان لملك الموت على أساس أنه رجل لأن الملك لما جاءه لم يأتيه كملك. هذه من الأمور الخصوصية والعينية لا يجري على كل الأنبياء والمرسلين. (واستبقا الباب): ذكرنا أن الله تعالى برّأ يوسف والرسول r برّأ يوسف. ويوسف u برّأ نفسه أول لكمة قالها يوسف ساعة راودته امرأة العزيز هي قوله (معاذ الله) الذي يقول معاذ الله في تلك اللحظة هل يتصور أنه يجاري؟ (معاذ الله) أي لا أقرب من هذا الشيء أبداً. وقوله معاذ الله كأنه يستعصم بالله تعالى وامرأة العزيز قالت (فاستعصم). قال معاذ الله هذه أول تبرئة من يوسف ليوسف والتبرئة الثانية لما ألفيا سيدها لدى الباب هي قالت (قَالَتْ مَا جَزَاء مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوَءًا) وهذا يدل على قسوة قلبها، هي لم تحدد نوع السوء وإنما كان كلامها مبهم مرسل يدل على أن هناك كلاماً تخفيه ولو كانت صادقة لقالت ما هو السوء. لكن يوسف قال (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي). إجمال كلامها وإبهامه وكلام يوسف ووضوحه حرّك عند الشاهد أن المسألة يجب أن تستبان لا منها لأنها كاذبة ولا من يوسف لأنه ضعيف وهي امرأة العزيز. لماذا تكلم يوسف وقال (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي)؟ الأنبياء هم الصادقون فإما أن يتكلم ويقول الحق أو لا يتكلم. الشاهد قال (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ (26) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ (27)) هل هذه شهادة أو تحقيق؟ هو يعكي العزيز مسوغات التحقيق لكن القرآن اعتبره شهادة (إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ) بدأ من مقتضى الحال بالمراودة أن يوسف هو الذي يتهجم عليها (وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِن الصَّادِقِينَ) لم يقلب الموضوع حتى لا يقول عن يوسف (فكذب) لأن هناك فرق بين كذب وكان من الكاذبين. القرآن عصم يوسف من يكذب وإنما قال فصدق وقال عن امرأة العزيز فكذبت. لو قلب الصياغة وقال إن كان قميصه قد من قُبُل فكذب وإنما قال (فصدقت وهو من الكاذبين) لأن القرآن لا يتهم أحداً من الأنبياء والرسل بالكذب إنما يقول (وكونوا مع الصادقين) لم يقل من الصادقين لأن الصادقين بإجماع العلماء هم الأنبياء والمرسلين فقد يكون الناس مع الصادقين لكنهم لا يكونوا منهم في الدنيا لأن الصدق المطلق للأنبياء. الشاهد كان ذكياً فقال (فصدقت وهو من الكاذبين) (فكذبت وهو من الصادقين) يوسف فعلاً من الصادقين. لما شهد الشاهد بشهادته حرّك عند العزيز أمراً. إمرأة العزيز برّأت يوسف بإبهامها للفظ السوء (من أراد بأهلك سوءاً) ثم جائت التبرئة مرتين: مرة لما جمعت النسوة ولنبهرن به قال (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِّنَ الصَّاغِرِينَ) ويوسف u قال (معاذ الله) ثم قال (هي راودتني عن نفسي) ولما سأل يوسف الملك يسأل النسوة وقالت النسوة (قلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ) قالت امرأة العزيز (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) برّأته ثلاث مرات مرتين مرة بالتلميح واثنتان بالتصريح. برّأه العزيز (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيم) بعد كلام الشاهد المنطقي وجد القميص قد من دبر فقال (قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) يعني حكم أنها مذنبة (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) هذه تبرئة من فم العزيز. (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَـذَا) لأن صاحب الحق إذا تكلم يشهد الجميع له فقال العزيز ليوسف لا تتكلم أنت بريء وهذا يدل على أنه ضعيف الشخصية وليس عنده نخوة أو رجولة لأنه بعد هذا كله سجن يوسف ونزل على رغبة امرأته مع علمه ببراءة يوسف. برّأه النسوة. العملية تسربت من قصر العزيز إلى الشارع بالحق (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) لا يوجد في الآية إسناد فعل ليوسف u مع أن منطق الإشاعات أن تكبر وتزداد لكن ما قيل في القرآن في حق يوسف على لسان النسوة إلا الحق. ويوسف u قال (هي راودتني عن نفسي) فقال الصدق وتكررت الإشاعة وترسبت على مراد الله فقالت النسوة (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) الذي يقول إنا لنراها في ضلال مبين يتوقع أنهن لما يرونه ينبهرن لكن لا يراودنه. حتى من ينكر الزنا قد يقع فيه إذا سلّم لنفسه العاصية ولإبليس. المفروض أن النسوة عندما ترى يوسف أن يقولن هو جميل لكن لا يراودنه. والذي فضح النسوة هو الملك لم يقل لهن ماذا تشهدون في حق يوسف ولكن قال (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ) هذا دليل على أنه لما جاءه الرسول من يوسف حقق في الأمر وهذا يدل على أن الملك كان حصيفاً واعياً. يوسف قال للرسول (فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ) المتعلق عند يوسف ما قالته امرأة العزيز أمام النسوة (وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ) لكن الملك لما سأل قال (قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ) هذا يدل على أن فتح تحقيقاً في الموضوع وظهر أن النسوة راودنه أيضاً وهذا يدل عليه قول يوسف (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) وننتبه إلى قوله تعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ (17) النساء) إذن الجهل هو أنك تعرف العقوبة على المعصية وتعمل المعصية. لكن يوسف استعصم وكأنه تعلق بشيء، الاستعصام مثل استمسك بالعروة الوثقى واعتصموا بحل الله، الكون الأملس لو أمسكته يقع لكن الكوب الذي له عروة لا يقع. فقد استمسك بالعروة الوثقى الألف والسين والتاء عندما تدخل على الفعل الثلاثي تدل على الطلب كأنه طلب من الله أن يمكنه من الدين وإذا مكنك الله من الدين مكنك منه على مراده لا مرادك أنت وهواك وشهواتك وعندما تمشي على مراد الله تكون مستعصماً وكلما عرض عليك سوءاً لا تقع فيه. يوسف قال (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) فالذي يصرف هو الله تعالى (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) يوسف لم يعصم نفسه بوعيه وإنما الله تعالى سيعصمه (أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ). التبرئة الثانية من يوسف (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) قال أحبّّ ولم يقل أرحم أي شيء يزيل غضب الله تعالى عليّ تكون محببة إلى قلبي وإن كانت قبيحة. (مما يدعونني) اي النسوة وبدل أن كانت متهمة واحدة أصبحن متهمات امرأة العزيز والنسوة. لو أن يوسف حاشاه جارى امرأة العزيز وتسربت الشائعة ستتجع عليه النسوة فتشيع الفاحشة لكنها لا تشيع في حالة يوسف لأنه كان حائط صدّ أمام الفاحشة. القرآن يبين أن يوسف من عباد الله المخلَصين والمحسنين ولا يقول أحد أن يوسف نبي مخلَص ونحن بشر لأن الله تعالى وصفه بالمحسنين والرسول r لما وصّف لنا الإحسان قال أن تخسى الله كأنك تراه. الملك برّأ يوسف u أيضاً أنه عمل التحقيق فجعل النسوة تقول (قُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ) وجعل امرأة العزيز تقول (الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ) الملك برّأه بأنه فتح النحقيق ولم يكن مطلوباً منه ذلك. وما قالته امرأة العزيز أمام النسوة قالته الآن أمام النسوة والملأ والعالمين جميعاً لأن القرآن كتاب للعالمين (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) الضمير في (أخنه) عائد على يوسف u. البعض قال أن الكلام على العزيز لكن هذا الكلام مردود فهي خانته وكل الذي عملته خيانة. هي تتكلم عن يوسف أنها لما قالت الكلام أمام النسوة لم يسمعه إلا النسوة أما الآن فالكلام يسمعه العالمين لذا قالت (الآن حصحص الحق). إبليس برّأ يوسف r(إلا عبادك منهم المخلَصين) والمولى تعالى قال عن يوسف (إنه من عبادنا المخلَصين). الشيطان هو الذي استثنى (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (83) ص). في سورة الحجر المولى قال (قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42)) إن عبادي وقلنا نضع مكان الياء في عبادي الرحمن (عباد الرحمن). لو فتشنا في القرآن نجد توقيع (فادخلي في عبادي) هذه في الآخرة نجدها (وعباد الرحمن) هذه في الدنيا. نحن انتقلنا من توصيف عباد الرحمن في سورة الفرقان إلى سورة يوسف لأننا نتعلم كيف لا نقع في الزنا. الرسول r أوتي جوامع الكلم قال " يامعشر الشباب" والقرآن قال عن يوسف (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) هذا الكلام ينطبق على الأنبياء ومن تبعهم. (وراودته) هي راودته لما بلغ أشده لذا الرسول r يقول " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليزوج" والفاء تدل على المسارعة. بًثّت الحلقة بتاريخ 12/6/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 46 كيف استقبل يوسف ويعقوب الرؤيا وكيف أحكم الله تعالى تدبيره وآياته؟ (الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3) إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4) قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)) الآيات تبدأ بحروف مقطعة اختلف فيها المفسرين والفقهاء هل نسلّم بها دون علم بمعناها أم هي إشارة إلى إعجاز أنها حروف تكون منها القرآن أم أن لها دلالات معينة في تكرار هذه الحروف في السور؟ الحروف المقطعة فيها إشكالية كبيرة في كتب التفسير وأغلب المفسرين لم يصلوا فيها لرأي قاطع بل إن أكثرهم عرض عدة آراء وتركوا للقارئ أن يختار ولم يقطع بها برأي وهذا يدل على أن فيها آراء مثيرة قديمة وحديثة ونحن نحترم البحث والتدبر. الحروف المقطعة عندما نكون في المسجد ويسألك أحدهم ما معنى ألم؟ هذه الكلمة ليس لها أصل في المعنى بحد ذاتها، الحرف ليس له معنى لوحده وإنما يظهر معناه من تركيبه في كلمة. ليس هناك معنى لحرف الألف وسؤال ما معنى ألف سؤال ليس له معنى، قد تسأل ما معنى كتاب لكن لا تسأل ما معنى كاف، أو ألف. لا نقول ما معنى ألم؟ هذا سؤال خطأ لكن نقول ما المراد من هذه الحروف المقطعة لأن لغة القرآن تتسق في فهمها في التناول مع أمور منها المعنى هناك آية في القرآن لها معنى، وهناك كلمة في القرآن لها معنى وهناك كلمة تأتي بلازم المعنى وهناك كلمة تأتي بالمراد. الحروف المقطعة من هذا النوع ليس لها معنى كحرف العين مثلاً ليس لها معنى إن لم تكن أنت تشير إلى شيء لأنه قد يكون استخدام الحروف هذه كشفرة لكن حتى الذين استخدموا الحروف كشفرة قصدوا المراد منها كأنها إشارة فصار لها مراد وليس معنى. كثير من قالوا أن في الحروف المقطعة مرادات كثيرة والقرآن جاء من الله تبارك وتعالى على غير سابق نمط لم يسبقه كتاب مثله وهذه القضية سببت مشكلة عند من يقرأ القرآن ويتلقى القرآن في آيات التحدي (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (23) البقرة) هذه آية معناها شرحت وبقينا مدة نفهمها على غير مراد الله فيها من حيث اللغة لأنه تعالى عندما يقول (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أليس لهذه الآية وقع أنه نزل عربياً؟ نزول القرآن بالعربية له وقع والعرب كانوا أصحاب بلاغة شعرية ونثرية وكانوا لا يطاولوا ولا يباروا ببراعة يشهد التاريخ لها ولما جاء القرآن أعجز الجميع وأعجز المعجزين وعندما نزلت آيات التحدي لم يتدخل أحد العاقل منهم لم يتدخل والذي تدخل قال كلاماً ليس له أصل ولا معنى وأسلم بهذا التدخل كثير من الناس. القرآن معجز ومن ضمن إعجاز القرآن هذه الحروف ومن ضمن إعجاز هذه الحروف أن لا يكون لها مراد نصل إليه باتفاق وقد يكون لكل منا رأي فلا أهاجم رأيك ولا تهاجم رأيي وقد يحتمل جميع الآراء كما قال الشافعي رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. حينما نزل القرآن على رسول الله rبإجماع الكل أن الرسول r كان وما يزال حتى يلقى الله تبارك وتعالى أميّ، تغيرت بعض صفات الرسول في لحظتها (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى) لم يعد يتيماً لأن الله تعالى آواه ووجدك ضالاً فهدى هداه الله ووجدك عائلاً فأغنى أغناه الله، لم يقل ثم وإنما جاء بالفاء لا نقول على الرسول يتيماً ولكنه نقول عنه النبي الأمي، قال تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)) توصيف الأميّ الصحيح بعد بحوث كثيرة من فم رسول الله rأنه الذي لا يكتب ولا يحسب وليس الذي لا يقرأ ولا يكتب كما تعلمنا، في السابق كنا ندرس في الكتّاب والشيخ الذي يجرس كان في الغالب كفيفاً والكفيف غالباً يكون الله تعالى علّمهم أيما تعليم ولهم براعة يشهد الجميع لها، هذا الكفيف لم يتعلم الكتابة لكنه تعلم القرآن سماعاً ولما سئل الرسول قال نحن أمة أميّة لا تكتب ولا تحسب لم يقل لا نقرأ، لأنه في ذلك الزمان كانت القراءة تتم بالسماع بل إن القرآن بالذات يؤخذ بالسماع وإلا سنخطيء في القرآءة. قد يكون الرجل لا يكتب ولا يحسب ولكنه يقرأ سماعاً وهناك قراءة عن سماع وقراءة عن كتابة. الرسول r لما قال نحن أمة لا نكتب ولا تحسب هل كان يقصد أن الأمة الأمية لا يجب أن تتعلم ولا نحسب وهل هذا كان مراد الرسول r؟ كلام الرسول r يعني الفخر بما فعله القرآن في هذه الأمة لما يقول نحن أمة لا نكتب ولا نحسب ثم يصبح عندنا على مر العصور علماء في كل العلوم والمجالات فهذا فخر لأنه ساعة نزل القرآن كنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب لم ينكرها القرآن ولا الرسول rلكن انظروا ماذا فعل القرآن بالأمة في كل العلوم في حياة الرسول r وبعد الرسول r. ما المراد أنه يكون الرسول r لا يكتب ولا يحسب؟. ذكرنا سابقاً مثل الورقات الثلاث ورقة بيضاء وورقة مكتوبة بالرصاص وورقة مكتوبة بالحبر وطلبنا من أحد أن يكتب على واحدة من هذه الورقات الثلاث فيأخذ الورقة الفارغة لا المكتوبة بالرصاص ولا المكتوبة بالحبر لأنه ليس عليها شيء ويسهل الكتابة عليها ولن يتداخل مع الذي يكتبه أي شيء كما سيحصل مع الورقة المكتوب عليها بالرصاص أو الحبر. هذا المثال عبارة عن أنك أنت تتدبر أمراً والله تعالى يريد أن ينزل كتابه الخاتم على رجل، فالرصاص يدل على من تعلّم نصف تعليم والحبر يدل على من جلس على علماء وتعلم كل مناحي التعليم ثم جاء القرآن كيف سيكون عقل هذا وعقل ذاك والورقة البيضاء هي العقل الذي لم يتدخل فيه أحد. كلمة النبي الأمي لم يلحقها تغيير لأنها شرف لأنه بعدما نزل القرآن سيقولون أن الشخص الرومي الذي يسنّ عنده السيوف هو الذي علّمه لكن الله تعالى رد عليهم (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103) النحل) القول أعجمي والقرآن عربي. لو كان الرسول r جلس على أحد قبل القرآن وتعلم يكون الشك منطقياً (وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) العنكبوت) عندها سيكون ارتيابهم بحق. لكن النقطة الأهم هو ما جاء في سورة النجم (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) النجم) قال صاحبكم أي أنتم احكموا عليه قبل الرسالة والوحي وستعرفون أنه كان أمياً ولم يتعلّم على أحد وكان صادقاً أميناً (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)) والقاعدة (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)). إذن الرسول rما تعلم على يد بشر وأنتم أصحابه وشاهدين عليه لكنه ساعة تعلم علّمه شديد القوى وهو علم إلهي ووحي يقرأه سماعاً ولا علاقة له بمسألة الكتابة وغيرها. الرسول r ببشريته ظنّ أنه سينسى القرآن فنزل قوله تعالى (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) القيامة). كل هذا يبين عندنا عظمة الأمية عند الرسول rالأمية عندنا سُبّة وفي عصر الرسول rتعلموا وكان هناك شعراء وأدباء لكنه شرف للرسول r أنه كان أمياً وساعة تعلمت تعلمت على يد الله سبحانه وتعالى. الضمير في (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (23) البقرة) يعود على الرسول لأن مثلية القرآن مستحيلة بنص القرآن. لو قلت لك إعمل الشيء الفلاني لكن هذا الشيء مستحيل لا آتي بعد قليل وأطلب منك أن تأتي بمثل هذا المستحيل. المستحيل ليس له مثل (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) هذه قاعدة، بمثل هذا القرآن، مثلية القرآن مستحيلة بدليل قوله تعالى (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (88) الإسراء) النتيجة أنهم لا يأتون بمثله، وفي سورة البقرة يقول (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ (23) البقرة) أي من مثل عبدنا لأن المثلية في القرآن مستحيلة، الإعجاز أيها العرب أن تأتوا برجل أميّ يتساوى مع الرسول ويأتي بقرآن مثله دون معونة من بشر. الرسول r كان أمياً ذهب إلى الغار وعاد بالقرآن فاتوا بشخص أميّ يذهب إلى الغار وييأتي بمثل القرآن أو بسورة حتى لو مثل أقصر سورة، هذا غير ممكن والناس أسلمت عندما حاول البعض أن يأتي بسورة مثل ما جاء به الرسول r. والتحدي كان أن يأتوا بسورة من مثل الرسول r. الأميّ يتكلم في كل شيء لكن إذا طلبت منه تهجئة كلمة اقتصاد لا يعرف لأن الأميّ يعرف مسمّى الحرف ولا يعرف إسمه. هناك فرق بين الإسم والمسمى لأن المسمى لا يمكن لأحد أن يغيره، المسمى واحد وهو محمد أما أسماؤه فكثيرة محمج وأحمد والحاشر والماحي والذي يتغير الأسماء والمسمى واحد وكثير يخطيء فيها فيقول البعض ضع هذا تحت أي مسمى وهذا خطأ ويجب أن يقال تحت أي إسم فالمسمى واحد والأسماء كثيرة. لما يقول الأمي (ألم) يكون قد قرأ فالحروف المقطعة من ضمن المراد منها أنها تدل على تعلّم الأمي كمدلول ومراد. الذي يقرأ في القرآن بترتيب الكتاب كان قد قرأ في يونس (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) يجب أن نقف عند معنى الحكيم لكن المنطق يقول أن هذه التركيبة يجب أن يكون لها مراد، في سورة الحجر (الَرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ) الخلاف في الحكيم والمبين ولما نقرأ سورة يونس نجد أنها تتكلم عن توحيد الألوهية والربوبية وإثبات البعث والجزلء وصدق رسول الله r وهذا كله يحتاج إلى حكمة. لما نقرأ سورة يوسف نتكلم عن نبي واحد وإخوته وأبيه وكل القصة حتى أفهمها للناس تحتاج لبيان. إذن لما نحتاج إلى حكمة يقول حكيم ولما نحتاج إلى بيان يقول مبين وكلمة مبين تأتي من البيان الحق. ولذلك (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) ولو دققنا في المعنى هناك (تلك من آيات الله) وفي حالة يوسف قال (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)) الله تعالى هو الذي سيقص، عند القصص في البيان قال (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ) للعظمة كما ذكرنا في قوله تعالى (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) ومحمد r ولد عام الفيل وقلنا تر بمعنى تعلم من العليم العلام ولما يخبرك الله تعالى ستعرف بواطن الأمور وظواهرها بحيث لو حضرت الواقعة بنفسك لن تعلم كل هذه المعلومات وستحضرها من زاوية واحدة. (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) أي سيحاول اليهود في عصرك أن يأتوا بقصة من التوراة فإذا قارنت بين القصص ستجد أن هذه القصة أحسن القصص. مسألة احتيار القرآن عربياً واختيار الرسول r عربي وفي شبه الجزيرة العربية كلها دلائل تخاطب أصحاب العقل. هذه لحكمة من الله تبارك وتعالى. (عربياً لعلكم تعقلون) لما يقول الإنسان لعلّ تفيد التمني لكن لما رب العالمين يقول لعلّ لا تفيد التمني وإنما تفيد الغاية كأن غايته سبحانه من نزول القرآن عربياً لنعقل نحن، كأنه تعالى ميّزنا اختارنا إختياراً أولاً واصطفانا بأن جاء بالرسالة الخاتمة عربية وهذا في حد ذاته آية. نضرب مثالاً الرجل الفرنسي أو الإنجليزي قد يكون له حجة يوم القيامة لكن نحن ما ستكون حجتنا؟ هو قد نعذره لأن القرآن عربي وهو لا يعرف العربية ولو ترجموا له ومهما ستترجم لن تؤدي معنى القرآن حتى المحترفين في الترجمة لا يمكن أن يترجموا بشكل يفهم الغربي المعنى كما نفهمها نحن بالعربية، كيف نترجم قوله تعالى (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ (187) البقرة) حاولنا أن نترجم لباس لكن لم نصل لترجمة الكلمة بحيث تعطي معناها المراد بالعربية. هناك فرق في الفهم بين القرآن بالعربية والترجمة وهذا فضل الله تعالى علينا. الناس من أصل غير عربي يجدون صعوبة في فهم القرآن ويقفون وقفات منطقية فإذا كان هذا حال غير العرب فالمفروض أن العرب يفقهون القرآن ويطبقونه. نزول القرآن عربياً هذا نوع من التكريم لم نعرف قيمته والله تعالى يقول لصاحب الرسالة (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) نحن خلطنا الغفلة بالجهل بالأمية من غير أن نعلم. الناس تقول كيف يقال عن الرسول أنه من الغافلين؟ ولكن نقول هذا كلام الله تعالى وليس كلامنا نحن في الرسول فعلينا أن نطوّع فهمنا للنص، الغفلة هي أنه كان r على حاله من الأمية لم يتعلم إلى أن جاءه القرآن فأصبح r صنيع الله تعالى الذي اصطفاه. الرسول r لو جلس مع أحدهم وتكلم معه في الخلق والكون وجاءه القرآن سيكون عنده تردد بين ما قيل له وبين ما نزل من القرآن واله تعالى أراد أن يأخذ الرسول r العلم من الله تعالى فقط. والله تعالى لم يقل له وإن كنت من قبله لمن الجاهلين وإنما قيل له ضال وغافل وهذا مدح لأن الغفلة إما أن تكون ذاتية وإما أن تكون رغماً عنه والتي حصلت للرسول r رغماً عنه حتى يصطفيه الله تعالى على مراده. لكن اليوم لو أحدنا سمع القرآن ولم يعمل به تكون غفلة ذاتية وتكون عيباً وتصل بهم إلى جهالة أي يعرف الحكم ويعمل السيئة. من سلبيات هذه الأمة استمرار حالة الجهالة من جاهلية قريش الأولى فالقرآن عربي وفيه ذكرنا وذكر تاريخنا ومع ذلك لا تتعلم الأمة ولا تتدبر المنهج أما اليهود فأدركوا هذا الاصطفاء وعندما تحولت النبوة الخاتمة من بني يعقوب إلى بني إسماعيل تعبوا نفسياً كيف أخذ الله تعالى هذا الشرف منهم وأعطاه لبني إسماعيل لكنهم من جهلهم قتلوا الأنبياء لما كانت الرسالة منهم. البعض يقول لك الآن اثبت لي أن الحشيش والكوكايين حرام من القرآن، بعد كل هذه القرون وما زلنا في حالة جهالة وقلنا أنه لن ينفع الإنسان عذره يوم القيامة (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (14) وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15) القيامة). في التوراة نصوص أن الله تعالى يكلم الذين ليس عندهم علم أن الله سيصطفي الأمة الجاهلة لينزل عليهم الرسالة والقرآن كنوع من الكيد لليهود. توصيف العرب في قريش ومكة في سورة السجدة بديع جداً في قوله تعالى (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) السجدة) هذه المنطقة لم يأتها كتاب ولا رسول ولا نذير من قبله، هذه آية حاكمة فارقة، تبين أن هذا شرف لكن أول ما جاءنا جاءنا قرآن كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وكتاب أنزله الله تبارك وتعالى وتصدى لحفظه (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) وهذا شرف لرسول الله أن يكون غافلاً عما دون هذا الكتاب المنزل من السماء وحياً من الله تبارك وتعالى لم يتعرض له بشر ولم يقصر فيه ملك والآيات كثيرة شاهدة فساعة الله تعالى قال للملك إنزل بسورة الإخلاص (قل هو الله أحد) لم يأت الملك تنفيذاً للأمر الله في سورة الإخلاص قائلا لرسول الله r (الله أحد) وإنما قال (قل هو الله أحد) ليظل الأمر من الله تبارك وتعالى لجبريل لمحمد r إلى أن تقوم الساعة كل واحد يقول (قل هو الله أحد). هذا الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي اقترح أن يحذف كلمة (قل) لأن الخطاب كان للرسول هذا اقتراح باطل تافه ليس له أصل في الدين ولا الإسلام. كثيرون قالوا هناك أمور في القرآن لم يعد لها داعي ومنها كلمة (قل) لكن نقول أن الذي يقول هذا الكلام تنازل عن إسلامه لأن القرآن أنزله الله تعالى حافظاً له فلما تقول نغيّر فيه تكون قد تنازلت عن إسلامك. نحن لم نتفق كيف نتناول هذا القرآن وكيف نستعمله كمنهج حياة وهذا من تقصير الناس وسيحاسبون عليه لأنهم تمكنوا من عمل مناهج في كل نواحي الحياة ورفضوا المنهج الإلهي لحياتهم الباقية. بُثّت الحلقة بتاريخ 19/7/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 47 الإنسان قد يكون غافلاً بذاته وهو المقصر فيترك الأمور ولا يصلي ولا يصوم وقد تكون الغفلة رغماً عنه في قضية لم يصل علمه إليها بعد والغفلة التي نسبت إلى الرسول r هي من الغفلة الثانية والكلام واضح في القرآن (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ) القرآن سيتضمن بعض القصص عن بعض الأنبياء والمرسلين فكيف يصل الرسول لهذه الأمور من غير وحي؟ إذن هذه غفلة خارجة عن إرادة الرسول r وقلنا أن المنطقة التي نزل فيها وحي قال تعالى عنها (لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (3) السجدة) لم يأتي أحد هذه المنطقة من الأنبياء والمرسلين، الغفلة إلى وقت نزول القرآن فيتعلم الرسول r ويأخذ القصص لا من التوراة ولا الإنجيل وإنما يأخذ القصص من الله تعالى لذا هو القصص الحق ولذلك الرسول حزن حزناً شديداً لما قال له عمر عندما قال له وقعت على أحد كتب اليهود وفيها كلام فقال r أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ لا يقبل الرسول r أن تأخذ من اليهود والنصارى أي شيء لأن الإيمان يجب أن يكون على ما جاء به رسول الله r. سؤال: طالما أن الله تعالى قال في قرآنه أنه وضع في تنزيله للكتب السابقة وضع آيات وعلامات تبشر بهذا الرسول الخاتم r وطالما أن الله تعالى وضع دلالات في الكتب السابقة (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ (146) البقرة) فما الضرر أن نأخذ من كتبهم ونبحث عن الدلالات؟ المشكلة أن هذه الكتب حُرّفت والكتب الأصلية خُبِّأت ونحن عندنا كتاب سليم فلماذا نأخذ من المحرَّف. قرآننا يغنينا عن أي مسألأة أو مشكلة تقع بين الكتب السابقة. وعلينا أن لا نأخذ الأحاديث التي ليس فيها تخريج ولا سند وإنما نأخذ الأحاديث الصحيحة بعيداً عن الإسرائيليات. هناك كلام كثير عن أسماء إخوة يوسف لكن هذا كلام لا أصل له. التوراة الحقيقية على نمط القرآن لأنه كلام الله تعالى لذا لا يهم الأسماء وفي سورة يوسف (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ (10)) لم يحدد إسمه لأنه لا يهم ولم يحدد أي منهم ولم يحدد عمره أو من أي أم؟ القرآن يكفي ولا نحتاج للتوراة ولا لأي كلام آخر نحن لسنا متهوكون فيها ولا نحتاج إلا للقرآن الذي فيه أحسن القصص، قد نسمع قصصاً غير ذلك لكن أحسن القصص قصه القرآن الكريم. (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) لما نتدبر الأمر (إذ) هنا تعني اذكر يا محمد لقومك وللعالمين ساعة قال يوسف لأبيه أي ستأخذ الكلام من رب العالمين (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) هذه الآية تدل على أن الاصطفاء ليوسف u قد تم لأنه يقول له (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) من مطلع القصة ويوسف يأوّل واعتبر أن الأحد عشر كوكباً والشمس والقمر أي سيحصل شيء في المستقبل يؤكد الاجتباء والاصطفاء فيسجد له الأب والأم والإخوة ويعقوب u فهم التأويل لذا قال في السورة (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ) أي الرؤيا التي حكاها لأبيه سابقاً تحققت وهذا السجود ليس سجود عبادة ولكن سجود تحية. قال يعقوب (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) خاف منهم وكان لتلك اللحظة لم يفضل يعقوب يوسف على إخوته ولكنه فقط شعر في تلك اللحظة بعد الرؤيا أن ليوسف شأن ومصطفى بين إخوته وهذا الذي جعل يعقوب يعتني به فيعقوب نبي ولما يسمع من يوسف الرؤيا ويعلمها ويعقوب عنده هذا العلم (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) يتم النعمة أي هناك نعمة والعلم أصله عندهم فيتم النعمة بأن يعطيها ليوسف u. إخوة يوسف تكلموا عن تفضيل يوسف على إخوته كأنه فضّل أم يوسف على أمهم. الإسرائيليات خاضت كثيراً وقالوا أن يعقوب يحب يوسف وأمه أكثر وهذا الكلام مرفوض. نقول أنه من ضمن حِكَم هذه السورة تصحيح الأخطاء في مجتمعاتنا ولم يكن الخطأ عند يعقوب u. (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) الإخوة يرون أن يوسف وأخوه مفضلين عند يعقوب فهل لهذا علاقة بأن يعقوب كان يحب أمهم أكثر من زوجاته الأخرى؟ من ضمن حكمة هذه السورة أنه عندما تكون في واقعة يعقوب وعندك أكثر من زوجة يجب أن تراعي هذه المسألة حتى لا يحدث لك مثلما حدث مع إخوة يوسف. وإخوة يوسف لم يعرفوا أنهم كانوا على خطأ إلا بعدما عرفو يوسف في النهاية كأنهم كرهوا أباهم من منطق أنه كان يفضل يوسف وأخيه. سُئل أحد الحكماء من أحب أبنائك إليك؟ قال صغيرهم حتى يكبر وغائبهم حتى يعود ومريضهم حتى يشفى. إخوة يوسف قالوا كلمة تظهر أن يعقوب على حق (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) عصبة اي نحن قائمون على هذا الرجل أي هم الذين يعملون وهم كبار في السن من كلامهم أما يوسف وأخوه فهم صغار وكان يعقوب يحب أخو يوسف الأصغر عن يوسف إلى أن رأى يوسف الرؤيا التي أكدت له أنه هو الذي سيأخذ النبوة ويرثها ولذلك أول ما قاله يعقوب ليوسف (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا) والعيب ليس منهم وإنما (إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ). (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) من قال هذا الكلام؟ المخاطب يوسف وكل القرآن كلام الله تعالى لكن الحوار هنا ما زال على لسان يعقوب. الصياغة القرآنية في بعض المواطن صاغها الله تعالى على صياغة قائلها وبعض الكلام صاغه على صياغة القرآن. المتكلم يعقوب يفهّم يوسف أن النبوءة لن تأتيه إلا بعد أن يبلغ أشده وهذا الكلام معناه احذر يا بني لأن النبوة ستأتيك وستكون مثل ابراهيم واسحق وهم أنبياء. الإسرائيليات تقول (وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ) أتمها على إبراهيم بالنبوة واسحق بالذبح وعندهم أن الذبيح هو اسحق وهذا ليلبَّس الأمور علينا. بعض المفسرين وهو يعرض الإسرائيليات لا يعلق عليها في كل المواطن ففي بعض التفاسير (تفسير الرازي) نسي أن يعلق على مسألة أن إسحق هو الذبيح كما ورد في الإسرائيليات لكنه لم ينبه عليها وهذا خطر الإسرائيليات بينما في تفسير محمد رشيد رضا نبّه وقال وهل إسحق هو الذبيح؟. الكلام الذي يقوله يعقوب u معناه أنه هو أيضاً لديه قدرة على التأويل فهل يمكن أن نعتبر هذه القالة ليعقوب u هي إخبار أن يوسف سيكون نبياً؟ نعم الموضوع بدأ من الرؤيا لأن يعقوب قال له (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) الإسرائيليات قالت أن يوسف جاء بأبيه وإخوته وأخبرهم بالرؤيا ولكن في القرآن فرق في النص لأنه أخبرنا أن يوسف أخبر أباه فقط وإلا لما حذّره أبوه من إخوته ولو كان يوسف أخبر يعقوب وأبناؤه لكانوا كادوا له أكثر ولكانوا ربما قتلوه أمام أبيه. بعض الآراء تقول أن بداية الوحي ليوسف كانت عندما رمي في البئر (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) وهذا خلط بين استشعار يعقوب بنبوءة يوسف من ساعة الرؤيا لكن بداية الوحي ليوسف في البئر. يعقوب يستشعر أن ليوسف شأن لأنه سيكون نبياً ولم يفضله لأنه يحب أمه ويحب أخيه لأنه أصغر وهم قالوا (ونحن عصبة) اي هم كبار ولا يحتاجون لعطف ولا حنان. (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) إنتهى كلام يعقوب الخطاب الآن من الله تبارك وتعالى للرسول r ويقول له الذي يريد أن يتعلم من أمتك يا محمد (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) لآيات أي عِبر. من هم السائلين؟ قالوا في الإسرائيليات مجموعة من اليهود جاءت للرسول وسألوه عن أسماء إخوة يوسف فنزلت الآية وهذا كلام فارغ لأن القرآن لا يعتبر بالسبب الخاص وإنما العبرة فيه بالسبب العام. آيات للسائلين من وجهة نظري آيات للسائلين عبر العصور وأي بيت مسلم أو غير مسلم لا يخلو من أي يفضل بعض أبنائه على بعض أو إخوة يكرهوا بعضهم وفيه الحقد والغيرة وانظر إلى الصبر إذا دخلت إلى بيت مسلم، محور السورة أن الجميع ليس عندهم صبر إلا يوسف ويعقوب. (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ (8) اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)) أعطوا اقتراحات كيف يقتلون يوسف وكأنه لم يكن هناك من الإخوة من ينصح بعدم التفكير بقتل يوسف. أقصى هداية جاءتهم أنه بدل أن يتقلوه يأخذوه لبئر ويرموه فيه. الأول يقول اقتلوه ثم الآخر يقول لا تقتلوه وآخر يقول ضعوه في الجب ليأتي العزيز ويشتريه ثم يذهب لبيت العزيز فتربيه امرأة العزيز وتراوده فيمتنع والله غالب على أمره فالذي كتبه الله تعالى أزلاً يجب أن يتم. ولو أن إخوة يوسف بحقدهم وكرههم عرفوا أن هذا البئر سيكون فيه هذا الخير ليوسف لقتلوه. ولو تبين ما في الغيب من حدثٍ لكان يُعلم ما يأتي ويجتنب أو كما يقال الحذر لا يمنع القدر لأن الله تعالى غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ولا يريدون أن يتعلموا ولا يريدون أن يفهموا المواعظ والقرآن حتى لا يحصل ما يحصل الآن من أمور في المجتمع الإسلامي والأمة من فتاوى. يجب أن نستخرج المواعظ والعِبر من القرآن لتنجو الأمة مما هي فيه. جلسة إخوة يوسف فيها كراهية تآمر والحوار فيه إتجاه تصاعدي في الحقد وإنما تصاعد الحقد عندهم لأنهم بدأوا بقتل يوسف لأنهم بدأوا بمسوغ القتل ومن ذكاء يعقوب ونبوءته قال ليوسف (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) الشيطان بدأ مع الإخوة من النهاية (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) أنه لأن أبوهم ظالم سيقتلون وعندما لا يقتلوا يكونوا جيدين وهذا من تلبيس إبليس بدأ لهم أن الأب ظالم والأبناء لا يستحقوا ولو قتلتم يوسف سيكون لديكم حق فعندما لا تقتلوه ستكونوا جيدين. هذه الآيات تدل على مكانة يوسف من مطلع القصة. عندما جاءت امرأة العزيز بالنسوة بعدما قلن (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) قالت امرأة العزيز (وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ) هذه تبين مكانة يوسف أنها خبّأته في مكان أمين. المنطق أن تكون النسوة في صالة وامرأة العزيز تقول ليوسف ادخل عليهن لكنها قالت اخرج عليهن. (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) ليس بمعنى القطع وإنما بمعنى الجرح، قطع اليد فصلها والناس تستعمل كلمة القطع للدلالة على الجرح، النسوة جرحت أيديهن ولكن القرآن استعمل الكلمة للمبالغة التي تدل على انبهارهم بيوسف u فقالت (قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) دليل على أنها أدخلت يوسف u مرة ثانية لأنها تغار عليه كأنها طلبت منه أن يخرج إليهن ثم طلبت منه الخروج ولو كان واقفاً في الغرفة لقالت فهذا الذي. كل هذا يبين منزلة يوسف u. لو لاحظنا أن الإخوة قالوا (اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) هذه المعصية بتخطيط، اقتلوه ثم توبوا وهذا الذي جعل أحد الحكماء العلماء إبن عباس أللقاتل توبة؟ مرة قال لا ومرة قال نعم فعندما سألوه قال الأول كان آتياً ليقتل فقلت له لا، وهذا يدل على أن يجب أن يكون هناك مواجهة بين السائل والمسؤول لتأثير وجه السائل عند المسؤول بياناً ولا تنفع الفتوى على الهاتف أو التلفزيون لأن هذه الفتاوى ستكون ناقصة قاصرة لكن الفتاوى العامة لا بأس أن يجاب عنها عبر التلفزيون أما الأسئلة الشخصية فيجب أن تكون برؤية السائل وإذا كان أمر طلاق فلا بد أن تحضر الزوجة أو الزوج لأنه يجب أن يسمع المسؤول من الطرفين. (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) عناية يعقوب بيوسف وعناية امرأة العزيز به وعناية الملك به هذه منزلة يوسف وليس من السهل أن يصلوا ليوسف وهذه منزلته. يعقوب u بدأ يحرّص على يوسف من ساعة ما أخبره بالرؤيا بدليل الآيات التي بعدها لما قال إخوة يوسف (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) هو لم يكن يسمح ليوسف بالخروج لدرجة أن الإخوة قالوا ما لك لا تأمنا على يوسف وهنا نقول " كاد المريب أن يقول خذوني" كلمة (لا تأمنا) كان يجب على يعقوب أن يعمل حسابه لكن يعقوب لم ينتبه لقولهم هذا وهذا لم يحصل لأن الله غالب على أمره. قال يعقوب نفاذاً لقضاء الله تبارك وتعالى (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) قال لهم أمرين: أن تذهبوا به والثاني أن يأكله الذئب فلما رد إخوة يوسف على أبيهم لم يعلقوا على مسألة حزن أبيهم لأنهم لا يريدون أن يتكلموا بها حتى لا تظهر عداوتهم ليوسف ولأنهم يكرهون حرص يعقوب على يوسف وإنما قالوا (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ) وتكلموا في المسألة الثانية باستفاضة (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) ثم قالوا (إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ) وهذا ما حصل لأنهم خسروا فعلاً ويكفي ذُلّهم وهو العزيز قبل أن يعرفوه. (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) في السابق لم يكونوا قد حسموا أمرهم في يوسف هل يقتلوه أو يضعوه في الجب أما لما ذهبوا به أجمعوا أن يجعلوه في غايب الجب. (وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) هنا بدأ الوحي والإلهام والنبوءة تبدأ بالرؤيا الصادقة الصالحة ولما تتحقق بعد ذلك ثم الإإلهام أو الوحي ثم تأويل الأحاديث ثم (وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ) هذه النبوءة كاملة. (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) هذه الآيات فيها عدد كبير من الآيات ولو احتاط يعقوب لما أعطاهم يوسف ولكن الله غالب على أمره ولما رجع إخوة يوسف "كاد المريب أن يقول خذوني" (قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ) بينوا أن يعقوب لا يُخرج يوسف وامرأة العزيز لا تُخرِج يوسف والملك قال (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي) وهذه تبين مكانة العباد الصالح. كل القصة تحصل نفاذاً لأمر الله تعالى (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). بُثّت الحلقة بتاريخ 26/6/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 48 المؤامرة بدأت وهناك قرار أن يتخلصوا من الأخ الصغير إما بقتله وإما بغيره. حصل إجماع منهم أن يجعلوه في الجب. (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) في المكان الذي تعرض فيه يوسف لابتلاء ومخاطر كثيرة وغدر إخوته به جاءه الوحي الإلهي في تلك اللحظة اصطفاء وتأكيداً أن رعاية المولى سبحانه وتعالى ستنجيه من هذه الظروف فما دلالة هذا التوقيت؟ دلالة التوقيت مهمة جداً في كل شيء حتى في أي شيء يحصل للإنسان فتجد أحدنا في بعض الظروف - نحن نريد أن نعيش قوله تعالى وأوحينا إليه بتوقيع اللغة وليس بمفهوم استقر للأسف عند بعض المفسرين وهناك خلاف كبير هل بدأ الوحي هنا أو النبوءة – كلمة أوحينا يكون أحدنا في مشكلة ثم تجد أن هناك خاطراً يأتيه ويوجهه فيرتاح وبعد فترة يشعر أن الله تعالى هو الذي أرشده إلى هذا الحل. كلمة وأوحينا إليه بالنسبة للسن الذي كان فيه يوسف حينها يجب أن تؤخذ على معناها القرآني هل هة وحي من الله أي بداية النبوءة؟ نحن قلنا أن النبوءة بدأت من وقت الرؤيا واطمأن يعقوب إلى هذا وقال (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) ثم قال (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) إذن النبوءة بدأت من ذلك الوقت. العيب أننا نقف عند قضية ونحلل فيها بحيث نخرج خارج المعاني المرادة في القرآن كما تفعل الإسرائيليات. هناك كلماتن لو انتبهنا لهما لوجدنا كم يضحك الشيطان على الإنسان (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) كأن أخذهم له بحد ذاته انتصار وكأنهم فرحين بهذا الأمر لأن يعقوب لم يكن يدعهم يأخذوا يوسف ولا يخرجه من البيت فهم فرحوا بمجرد أنه تركهم يأخذوا يوسف. هذا فعلاً هو القصص الحق لما نعيش قوله تعالى (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ) ونتدبر ونرتل القرآن على مدار قوله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن) يمكن أن نعمل منها سيناريو كامل في كلمة (وَأَجْمَعُواْ) تشعرك أنه كان هناك محاورات هل نقتله أو ندعه أو نرجعه؟ هذه الكلمة فيها دروس كثيرة. (وَأَجْمَعُواْ) تدل على أنه حصل إجماع أنهم سيجعلوا يوسف في غيابت الجب وهذه الكلمة تدل على أنه كان هناك أكثر من رأي وعندما نعود للآية (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) هذا قائل واحد وعندما قال تعالى (فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ وَأَجْمَعُواْ أَن يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ) تدل على أنه كان هناك آراء كثيرة لكن القرآن لم يعرضها لعدم أهميتها لأن القرآن يعطينا الخلاصة والنتائج. القائل تكلم برأيه حتى لا يُقتل يوسف u لأن الله تعالى غالب على أمره. قتل يوسف أو رميه في البئر كلاهما معصية لكن الإنسان لسذاجته يعتقد أنه إذا أتى المعصية الأقل يكون هو جيد والذي قال لا تقتلوا يوسف يظهر أنه أرحم إخوته لكنها مصيبة ومعصية لذا إذا رجعنا آية (لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ) يوسف بحد ذاته آية وكل أخ من الإخوة آية والاثنين مع بعصهما آيات ومن ضمن الآيات الذي ذكرناه أن أحد إخوته قال ألقوه في غيابت الجب يلتقطه بعض السيارة فلنفرض أنهم التقطوه لكنهم ساروا به بعيداً ولم يره ثانية. الشيطان قد يزيّن لك من باب الخيرية أنك تفعل خيراً ويجعلك تقارن نفسك بمن هو أسوأ منك في المعصية لا بالذي أفضل منك في الطاعة. لما يوضع يوسف في الجب ولو تُرك في الجب ولم تأت السيارة قد يموت وهذا قتل لذا على الإنسان أن يراجع نفسه حتى فيما يبدو له أنه خير على مدار الذي ذكرناه أنه هناك من أهعم أفضل مني في المعصية وأفضل مني في الطاعة فعليّ أن أقارن نفسي بالذي هو أفضل مني في الطاعة. الشيطان يزيّن لإخوة يوسف من البداية (إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ). نحن نعرض قصة يوسف لأن بعض الناس يمشون جياتهم الدينية على منطقهم ومنهجهم هم لا على منهج الله وهذا ما يريد الشيطان أن يفعله على منطقه هو فالسارق يريد أن الدميع يسرق حتى يتساوى الجميع معه. هذه القصة فيها عِبر كثيرة في كل كلمة وكل لحظة فيها ولو تدبرها المسلم سيتغير حاله ويسير على منهج الله تعالى ومنهج الرسول r. (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15) وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)) هناك كلمات تعطي معاني ودروس كثيرة. هناك إجماع أن يجعلوا يوسف في غيابت الجب فما دلالة توصيف الجب بـ (غيابت الجب)؟ ما هو الجب أولاً؟ البئر عند العرب يعني فيه ماء والبئر لو فيه ماء وتركت يوسف فيه سيغرق. غيابت الجب هي حفرة بجانب البئر الأساسي ينزل فيها من يريد أن يأخذ الماء من البئر المجاور فيكون في مكان منخفض عن المكان الذي فيه الماء والمكان الذي ينزل فيه هذا الشخص ليس منخفضاً جداً ويُرى من فيه فهم إما رموه في الفجوة التي بجانب البئر الأول فكانت كلمة غيابت ليس لها معنى لكن القصة أنهم جاءوا ببئر فارغ. غيابت الجب عميق ولو فيه ماء سيغرق يوسف وهذه كان فيها مناقشة بين أهل التفسير نستخلص منه أن البئر كان فارغاً بدليل (غيابت) والدليل (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) هذه تدل على أنهم رموه في البئر الذي فيه ماء أو البئر الذي فيه كان فيه ماء ثم جف. ألم يحصل حوار بين إخوة يوسف ويوسف عندما ألقوه؟ حصل حوار بدليل قوله تعالى (وَأَوْحَيْنَآ إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمْرِهِمْ هَـذَا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) معنى الإلهام أنه سيأتي وقت ستخبرهم ماذا فعل بك إخوتك وهذا دليل على أن يوسف سينجو وهذا وحي ببشرى وسكينة لذا لم يقل لإخوته لماذا تتركوني هنا أو غيره. الوحي طمأنه أنه سيكون في موضع أفضل منهم (وهم لا يشعرون) أي لا يشعرون بهذا الوحي في اللحظة التي ألقوه فيها في الجب، يوسف عندما ألقاه إخوته وجاءه الوحي لم ينادي على إخوته أي هم لم يشعروا بالوحي الذي نزل لطمأنة يوسف u. الرسول r لما كان ينزل عليه الوحي لا يشعر به أحد. يوسف سكت فجأة ولم يعد له صوتاً فلم يعودوا ليروا هل هو بخير إذن (وهم لا يشعرون) أي لا يشعرون بما أوحى الله تعالى له بالسكينة والبشرى وطبعاً الوحي الإلهي للموحى إليه يجعله يطمئن به بدليل أم موسى. هل يمكن لأحد أن يرمي ولده في البحر إذا كان خائفاً عليه؟! الوحي أيده الله تعالى بالربط على القلب (فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) الوحي يجعل الموحى إليه مطمئناً ويجعله ينفذ لذا كما سكتت أم موسى سكت يوسف u. إنصرف إخوة يوسف من تركه في البئر إلى ما سيقولونه لأبيهم وهذه معركة أخرى وهي معركة الكذب وهم أصلاً تبلدت مشاعرهم والآيات فيها قوة كبيرة فكلمة عشاء في الآية (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) بعض المفسرين قال أنه بعد أيام لكن عشاء تدل على أنه في نفس اليوم. لم لم يقل عصراً؟ هم اختاروا الليل لأن ملامح وجه الكاذب تظهر في النهار هم يتباكون لذا يجب أن تكون عشاء حتى لا تظهر ملامحهم وفي ذلك العصر لم يكن هناك إضاءة كافية لذا اختار القرآن كلمة عشاء وقد يكونوا قد انتهوا من مهمتهم باكراً لكنهم لم يتمكنوا من مواجهة أبيهم في النهار. حجتهم مرفوعة هم قالوا (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا) الآيات كلها عِبر ولو وقفنا على الآيات أن الذئب أكل يوسف نجد أن يعقوب هو الذي أخبر بهذا الأمر في الآية (قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ) وهم ردوا على يعقوب (قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَّخَاسِرُونَ) كأنهم قالوا له أنت أعطيتنا المفتاح وسنقول لك أن الذئب أكله. هذا أمر والأمر الآخر أنهم لو قرأنا الآيات بتدبر نجد أن هناك ميثاق وعهود نقضوها جميعاً (لحافظون، لناصحون، لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذا لخاسرون) هم خسروا في كل المواقف حتى لما سامحهم يوسف كان هو الأقوى. هم نقضوا كل هذا في كلمة (إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ) وهم أعطوه العهد بأنهم سينتبهوا له، هم أخذوا يوسف ليلهوا معهم (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) يرتع أساسها في اللغة للبهائم (بهائم رُتّع) أُخذت للإنسان لتدل على أنه من كثر ما سيكون مسروراً لن يفكر البهائم تأكل دون تفكير بمشاكل أو غيرها، هم قالوا سيجعلوه مسروراً وسيفعل ما يشاء وهم سيحفظونه، يوسف سيرتع ويلعب لكنهم عكسوا الأمر فاستبقوا هم وتركوا يوسف يحافظ لهم على المتاع. هذا يبين أن الكاذب ينسى "إن كنت كذوباً فكن ذكوراً" هم قالوا لأبيهم أنهم سيحفظونه لكنهم قالوا العكس لأنهم كاذبين وأقروا أنهم كاذبون بدليل قولهم (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) وهذه الآية تعطي معنى كاد المريب أن يقول خذوني. إخوة يوسف قالوا (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) كأنهم غير مقتنعين بالكذبة التي كذبوها على أبيهم. الرسول r يعلمنا كلمتين في منتهى الإبداع فيقول: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صدّيقاً وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً" الناس نوعان إما رجل يصدق ويتحرى الصدق وإما رجل يكذب ويتحرى الكذب. الكذب بدأ من أول كلام إخوة يوسف (وَجَاؤُواْ أَبَاهُمْ عِشَاء يَبْكُونَ) يوسف لم يمت فعلام يبكون، الكذب بدأ من كلمة يبكون وقالوا (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) هم لم يذهبوا ليلعبوا وإنما ذهبوا بيلقوا يوسف في الجب، (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) لو كنا تدل على أنهم غير ذلك. هم أظهروا كرههم للأب أنه لن يصدقهم. ما قالوا وما أنت بمصدق لنا لأن الأب كان كارهاً لتصرفاتهم وأدائهم لذا قال ليوسف (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) فهذه عقيدة الأب عن هؤلاء الأبناء. وما أنت بمؤمن لنا، ما هو الإيمان وما هو الصدق؟ هو ليس مؤمناً بهم ولا لهم وهذه مسألة عقيدة عند الأب يدل عليها ما قاله يعقوب ليوسف عندما قص عليه الرؤيا (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) فالذي يحرك الإخوة هو الشيطان. فيكيدوا لك كيداً أي سيفعلوا بك ما يقضي عليك وهذه عمومية القصة القرآنية مثل قصة إبني آدم التي حصرتها الإسرائيليات في موضوع الزواج من أخته لكن القرآن ترك الحقد ليكون عاماً وفي قصة يوسف أيضاً لو قص عليهم الرؤيا لكادوا له كيداً ولحركهم الشيطان لا الإيمان واليقين والوازع وهذا يشرحه (وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) أي أن عقيدة يعقوب تجاه أولاده أنهم كاذبون. هم الذين يقولون حقيقتهم دون أن يشعروا ولم يقولوا ما أنت بمصدق لأن هذه الحكاية عنوان لوضوع كبير جداً أنهم حاقدون فاشلون. الكذبة واهية جداً في مسألة التنفيذ ومجيئهم بالقميص لكن منطقياً لو أن الذئب أكل يوسف كله فلماذا ترك القميص ولو كان الذئب أكل جزءاً منه فأين الباقي؟ لم نجد مفسراً وقف عند هذه النقطة. القرآن يقول (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) مباشرة (المحقق اللغوي في بعض الأمور يجب أن يكون مثل المحقق البوليسي). هل رأينا ذئباً يأكل كل الضحية كاملاً؟ لا بد أن يبقى شيء منه أو جثّته. لم يترك الذئب شيئاً منه؟ هذا غير منطقي؟ ولو كان أكله كله فمن أين جئتم بالقميص؟ القميص كان مع يوسف له وقائع كثيرة: ساعة الذئب وساعة امرأة العزيز وساعة ألقوه على وجه أبيه. نحن أقل ذكاء من يعقوب وانتبهنا لهذا الأمر فبالتأكيد يعقوب انتبه للأمر فقال (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) هو تأكد عند ذلك أن يوسف حيّ وأنه لا ذئب أكله لذا توجه إلى الله تعالى (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) الصبر في انتظار شيء فصبر جميل حتى يعود يوسف أو يظهر مرة أخرى. من قوله (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) نقلهم نقلة غريبة جداً ولم يسألهم أين رأسه أو جثته وقال (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) كأن المولى تعالى يريد أن يخبرنا من فهم يعقوب للمسألة أن يعقوب تأكد بفضل من الله تبارك وتعالى أن يوسف ما زال على قيد الحياة لذا قال (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) الصبر الذي يمكنك من التفكير والصبر انتظاراً لأمر الله تعالى والصبر الذي يجعلك تقول هذا ابتلاء صعب ويحتاج إلى صبر من نوع معين وهو الصبر الجميل. المواعظ في السورة كثيرة لكن العبرة واحدة وهي الصبر. حتى بعض الصابرين يصلون لمرحلة لا يمكنهم أن يصبروا أكثر ولما سُئل أحد الحكماء ما الصبر؟ فقال الصبر يبدأ من حيث ينتهي وكأن الصبر ليس له نهاية وليس له حدود. فصبر جميل سأل أحدهم هل هناك صبر غير جميل؟ نعم هو الصابر الذي يشكو صاحبه. الصبر هو العبرة الرئيسية في قصة يوسف وهذا رسالة للرسول rتثبيتاً له وأمراً له بمزيد من الصبر على المشقة التي يجدها في الدعوة وموت خديجة وموت عمه وعلى كل الصعاب التي يلقاها في سبيل الدعوة وإعلاء كلمة الحق. لما يعقوب رد على كلام أبنائه (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) يدل على أنه أهدر كل الكلام والكذب الذي جاءوا به فهل كان لديه أسباب أخرى دفعته ليطمئن أن يوسف سيكون بخير من واقعة الرؤيا التي لم تتحقق على أرض الواقع بعد. بُثّت الحلقة بتاريخ 3/7/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 49 هذا موضوع مهم في التلقي كيف نتلقى لنعتبر وهذه القصة ليست لمجرد القصة والتسلية كما في الإسرائيليات وإنما هي قصة للعبرة. الرسول r لما ماتت خديجة وأبو طالب والعبرة في الصبر لأن هذه القصة من أهم القصص (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) ليعتبر الرسول r والأمة من بعده. هل اليقين كان عند يعقوب uمن كثرة الكذب الواضح من إخوة يوسف أو لأجل الرؤيا التي رآها يوسف لم تتحقق؟ نقول هي الإثنين معاً، الأولى واضحة قال (قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ) إذن الرؤيا لها وقع وسواء تحدث بها أو لم يتحدث فهي رؤيا حق ويوسف من الأنبياء (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ) النبوءة لها سن معين فلذا يوسف ينبغي أن يكبر لتتحقق الرؤيا. نضع أنفسنا مكان يعقوب الذي قال كلمة ما استخدمت في القرآن إلا لوضع التناقض أو لوضع النقيض (كلا بل تكذبون بالدين) إذن (بل) تأتي لتنفي الذي يُدّعى أو حقيقة، (بل) عندما تأتي تنفي الخبر وتؤكد نقيضه، يعقوب لم يفكر ولم يناقش وإخوة يوسف فتحوا مواضيع تستدعي النقاش وإنما قال (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) إذن الأمر الذي عمله إخوة يوسف غير الذي يقولونه. هل الذئب أكل يوسف كله؟ أو أن الذئب لما يهاجم يأكل جزءاً ويترك الجثة؟. لماذا قال يعقوب (بل) ولم يناقش أبناءه ولم يسألهم؟ لأنه يعلم بعقيدة الأنبياء واليقين – اليقين كلمة عالية جداً - واليقين عند يعقوب u مليون في المائة جاءه من نقطة الرؤيا التي لم تتحقق ويقينه يقين جاد وليسيقيناً مدّعى فقال (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) وانتقل الكلام إلى موضوع آخر (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ). يعقوب قال في نفسه إخوة يوسف يكيدوا ليوسف ولما رجعوا إلى أبيهم بالقميص بدون جثة دل هذا يعقوب على أنهم تخلّصوا منه ودله على أن الذئب لم يأكله لأنهم لم يحضروا الجثة ولو أكله الذئب فعلاً لجاؤوا بالجثة ويقولوا لأبيهم أنه مات ومعهم جثة يوسف وقالوا له أنه مات ولا يمكن ليعقوب أن يكذبهم. فطالما ليس هناك جثة يكون الأمر لم يحصل. ثم كلمة (وَجَآؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) باستخدام (على) و(دم كذب)، متى الدم يكون كذباً؟ هناك دم صدق لو الذئب أكله فعلاً ولكان القميص مقطعاً، فالدم يكون كذباً عندما يكون القميص سليماً وعليه دم فلا يعقل أن الذئب أكله دون أن يمزق قميصه. (على) تبين كذبهم لأن الدم على القميص وليس في القميص والدم من الخارج وليس من الداخل والقطع يكون عادة من الداخل فكلمة (على) لها وقع، لذا قال يعقوب (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) متأكداً أن يوسف على قيد الحياة وأن هناك أمر حصل ليس حقيقياً وما قيل له غير الذي حصل لذا قال (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) و(سوّلت) لها توقيع غريب جداً ولم يقل فعلت لأن السول من الاسترخاء لا يُعمل إلا بتأكيد وتخطيط فكأنه أراد أن يقول أنه فهم أن إخوة يوسف عملوا أمراً خططوا له ولم يتحقق ولم يتأذى يوسف فطالما ليس هناك جثة إذن ما فعلوه فعلوه بعد تفكير لكن حوفظ على يوسف. كلمة سول في القرآن يعني الإسترخاء وهذه توقع القائل (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ) أي يتخلصوا من يوسف بدون قتله. يعقوب قال (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا) يعني فكرتم باسترخاء ونتيجة التفكير لم يؤذوا يوسف لأنه لو أذوه لجاؤوا بجثته ثم قال (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) فيها توقيعان: توقيع الرسول rأنه كلما حزبه أمر فزع إلى الصلاة وفيها نقول (إياك نعبد وإياك نستعين) فإذا كان يعقوب u إستعان بالله مرة فالمسلم يستعين بالله في اليوم 17 مرة في الفرائض ما عدا النوافل لكن علينا أن نقرأها ونحن موقنون بها فكثيرون عند الصلاة الجهرية يرتلوا القرآن وفي الصلاة السرية يصلون الآيات بالقراءة ونحن أمرنا بالترتيل لذا من الخطأ أننا نقرأ ولا نعمل بها. لما قال يعقوب (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) هذه فيها توقيع للرسول بأن يصبر (فاصبر كما صبر أولو العزم) وكان كلما حزبه أمر فزع إلى الصلاة وصلى ركعتين ونحن نفعل هذا لكن نقول إياك نستعين دون إدراك ولو فعلناها مرة بيقين تساوي آلاف المرات بدون إدراك ويعقوب u قالها مرة واحدة ولكن بيقين (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ).لذا علينا أن نرتل القرآن ترتيلاً وعند قراءة الفاتحة يجب أن نقف على رؤوس الآيات وأهم آية (إياك نعبد وإياك نستعين) فإذا استعنت بالله أعانك الله تبارك وتعالى ولذا من ضمن روايات الفاتحة عندما نقول إياك نعبد وإياك نستعين هناك روايتان إما أن الله تبارك وتعالى يقل هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل أو يقول يا عبدي مني العون ومنك العبادة. (وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) هذا كلام يعقوب لأبنائه فما دلالة استخدام كلمة (تصفون)؟ هو يريد أن يقول لهم أن كلامهم عبارة عن مجرد كلام ووصفهم للوقائع كذب بدليل عدم إحضارهم الجثة، ما تصفون أي ما تكذبون وهذا كلام لا يرقى للوصف وإنما هو عرض لأمور خيالية بدليل (قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) وسيُظهر الله تعالى فيما بعد أن يوسف على قيد الحياة وأن كلامهم كذب. ومن عظمة الأداء القرآني أن الكلام تحول إلى صورة أخرى (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ) أحد إخوة يوسف قال (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) وحققه الله تعالى (وَجَاءتْ سَيَّارَةٌ) وكلمة سيارة تدل على أن هؤلاء محترفين السير وهم يمشون في الصحراء وكلما يمروا على بئر يتزودوا بالماء وإذا كانوا عشرة يرسلوا واحداً منهم ويكون محترفاً بإنزال الدلو وإحضار الماء فلما أدلى دلوه (قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً) اي ساعة ما أخرجوه كان ممكن أن يأخذوه حتى أخو يوسف لما توقع قال (يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ) لكن التعبير القرآني في وقائع أرادها الله تبارك وتعالى على مراده فقال (قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً) هذه تؤكد (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) شروه هنا بمعنى باعوه وهناك فرق بين شرى اشترى: شرى يعني باع واشترى بمعنى أخذ، وكانوا فيه من الزاهدين لكن وقع البيع على مراد الله تعالى (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ) وهناك ترتيب معين يحصل ليأتي العزيز فيشتريه وهم يكونوا من الزاهدين فيتم البيع على مراد الله تعالى وتخطيطه والله غالب على أمره، (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) لأن الإنسان لم يعلم الحقيقة ليس في كون الله صدفة لأنه إله وحاشاه أن يكون في كونه صدفة. قدرة الله تعالى شيء وعلمه شيء لذا (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ). (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) القرآن كله لو قرأناه بتدبر نستفيد ونذهب إلى امرأة فرعون ماذا قالت عن موسى ونقارن الأمرين، العزيز قال لامرأته (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) هذه كلمة عالية نحن نقول في لغتنا اليومية "أنا شاريك" دليل الاهتمام، أعطاه لامرأته وهدفه أن ينفعه في المستقبل أو يتخذه ولداً هذا يدل على أن العزيز ليس لديه أولاد فيربي الغلام إما يفيد في الجيش أو يتخذه ولداً هذا توقيع العزيز لامرأته في يوسف uوالعزيز كان له وجهة وكان لامرأته وجهة أخرى، الرجل أخذه لسببين وهي لما كبر يوسف اختلفت الوجهة وذهبت إلى أمر لم يفكر فيه العزيز من قبل (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) النفع لا يمكن لأن يكون مقابل أذى والولد لا يمكن أن يفكر في أمه. نذهب لموسى u لما وجده فرعون وامرأته التي هي من الصالحين كان لها وجهة نفس وجهة العزيز وليس امرأة العزيز. لما نمشي في السرد القرآني لقصة يوسف uنجد إبداعاً ففي قوله تعالى (قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ) هل تقابل وتتناسب مع قولهم (وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ)؟ تغير قولهم لأن الله تعالى غالب على أمره ولكن أكثرهم لا يعلمون وهذا يدل على أن هذا الغلام فعلاً بشرى وسيكون له شأن لكن في لحظات شروه بثمن بخس وربما يكون البشرى للذي أدلى الدلو أما بقية القافلة فلم تجد له نفع فشروه بثمن بخس. انبهروا بجمال يوسف لأن الفتنة في قصة يوسف هي من جماله. امرأة فرعون كان لها نفس الوجهة التي عند العزيز لكن امرأة العزيز تحتلف عن امرأة فرعون إلى أن تابت. كل حادثة لها وقع وما كان عند العزيز كان عند امرأة فرعون. القصة تظهر فيما بدا من القرآن بعد ذلك (أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا). (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) عندما نجد (وكذلك) نرجع لقول يعقوب (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) هذا تنبؤ من يعقوب أن هذا الغلام يوسف سيكون له شأن على مراد الله تبارك وتعالى كما حصل لابراهيم وإسحق بالنبوة. وكذلك سيتم التمكين ليوسف وهذا ما قاله العزيز (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا). لو قارنا بين ما قاله العزيز وما قالته امرأة فرعون نجد عظمة الأداء القرآني فهو قال (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) وامرأة فرعون قالت (قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ) وفي يوسف (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ) كأن (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) في قصة يوسف لم تقال فقط لقصة يوسف وإنما لكل قصص في القرآن ولكل آية في القرآن. هناك قال (قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ) وامرأة فرعون قالت (لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) هذا المنطق والعقل والعجيب في الأمر أن العزيز رجل وامرأة فرعون امرأة. ومن قدر الله تعالى أن يكون العزيز لا ينجب وامرأة فرعون لا تُنجب. (وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) بعض الأحيان نأخذ الأمور بسطحية ولا يتأمل في القرآن لو كان العزيز لديه أولاد لم يكن ليشتري يوسف ولو امرأة فرعون تنجب لما أخذت موسى فالله تعالى يهيأ الأمور التي هي في الحقيقة غريبة والمنطق واحد في القصتين وكلاهما قال (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) وفي القصتين قيل (لا تقتلوه). والعجيب أن يقتنع فرعون بما قالته امرأته مع أنه كان يقتل الأبناء الذكور. (لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون أن الذي تقوله امرأة فرعون ويقتنع بع فرعون ويغير رأيه بالذكور حتى يقع ما يريد الله تعالى (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ). هل هناك تناقض في أن امرأة فرعون قالت (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) وهو لم ينفعهم ولم يتخذوه ولداً وإنما كان وبالاً عليهم بينما في قصة يوسف فهو فعلاً أنقذ البلاد في وقت المجاعة؟ موسى u أنقذ من كان مسلماً وانصاع لأوامر الله تعالى وامرأة فرعون كانت من الصالحين فموسى u نفعها ونفع كل من أسلم وآمن به ويوسف u أنقذ البلاد بما فيها امرأة العزيز لأنها تابت. الله تبارك وتعالى ينجي الصالحين والتائبين والعائدين إليه حتى إخوة يوسف وما تنبأ به يعقوب كان ليوسف وإخوته فعندما يقال (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ) الذين منهم إخوة يوسف إذا تابوا إلى الله لذا قال (قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) حصل منهم توبة وقبول من الله تعالى لذا لا تقل أنا عاصي وإنما تب إلى الله تعالى فإذا تبت إليه كنت كمن لم يعصي الله تعالى وتساويت معه في رحمة الله تعالى هذ رحمه الله تبارك وتعالى في أنه لم يقع في المعصية وذاك رحمة الله تبارك وتعالى في أنه تاب عليه (أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات). التمكين ليوسف u كان في الأرض وليس تمكيناً فقط له بين إخوته فما دلالة التمكين في الأرض؟ مسألة يوسف مسألة عالمية وليست مسألة إخوة وأب وعائلة وإنما مسألة بلد وسيخرج من نطاق الأسرة إلى نطاق المجتمع إلى نطاق الدولة. رؤيا الملك لم يأول الرؤيا كما يحدث الناس وإنما أعطاهم نصائح وما قاله لهم هو توجيه إلهي من الله تعالى وكلمهم في وقائع في أمور ستحدث على مدار 15 سنة (7 سنوات رخاء وسبع سنين عجاف ثم عام يغاث فيه الناس وفيه يعصرون) فيوسف u تكلم في وقائع لا يعلمها إلا الله تبارك وتعالى ولا وجه للمقارنة بين ما أخبرهم به يوسف من الله تعالى وبين ما يقوله بعض مفسري الأحلام هذه الأيام فهذا تهريج ودجل وعلينا أن نعود لله تبارك وتعالى وإلا نشرك بالله لأن الذي يقول للناس معنى الحلم كذا وسيحصل كذا هذا من باب الشرك بالله والعياذ بالله. وسندلل من القرآن على كذب ما يقوله مفسرو الأحلام. (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) نعود لقوله تعالى (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) هذه قيلت له من يعقوب والأولى قيلت عنه من الله تبارك وتعالى وهو قاله (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي). طالما أمر الله تعالى سيأتي فاعتبروه قد أتى لذا في قوله تعالى (أتى أمر الله فلا تستعجلوه) نأخذه على أن أمر الله تعالى أتى. يقين يوسف وهو يأول الأحاديث أن هذا ليس ذكاء منه وإنما قال (ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي) عندما فسر للذين معه في السجن. أمر الله تعالى قائم لا يُرد وهو أمر أزلي مقدر سلفاً والناجي في النهاية هو من يحصن نفسه بكثير من الأجر والثواب ليوم من أهل الجنة والنعيم. بُثّت الحلقة بتاريخ 10/7/2007م |
عنوان الحلقة: التوبة والإستغفار 50 (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22) وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23) وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24) وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)) في كل موقف يتعرض له يوسف uهناك رد فعل من يوسف (معاذ الله) (هي راودتني عن نفسي) ويبين القرآن أن كل هذا لأنه من عباد الله المخلَصين. الآيات فيها علم بعمق ويحتاج إلى توقف وتدبر ماذا نحتاج كمسلمين من هذه القصة؟ هي عظة وعبرة وهذه الآيات تبين لنا كيف يجب أن نتصرف كمسلمين. عندنا أكثر من مرة وردت (وكذلك) من بداية السورة (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ) (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) لم يقل نجزي يوسف وإنما نجزي المحسنين كلهم وليس فقط يوسف مع أن القصة خاصة بيوسف وكأنما يوسف عبارة عن مَثَل. البعض يقول أنا لست يوسف ويوسف نبي فنقول له أن الضمير لا يعود على يوسف فقط وإنما المحسنين فأي محسن يمكنه أن يخرج من أي أزمة إذا كان من المحسنين. ولو عدنا إلى كلام الرسول r لما سئل عن الإحسان عندنا روايتين في الصحيح عند مسلم رواية "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه" وهذه الرواية تخصص الإحسان وتربطه بالعبادة لكن هناك رواية أخرى في مسلم " الإحسان أن تخشى الله كأنك تراه" وتخشى هنا تشمل العبادة والمعاملات. إذن الإحسان هو الخروج من أي مأزق مهما كان كبيراً. هل العلاقة بين العبد وربه علاقة خشية وخوف منه أم علاقة حب وتكون العلاقة مبنية على الحب والقرب والشوق للقائه؟ فما دلالة كلمة الخشية في حديث الرسول ٍr عن الإحسان؟ هل هذه خشية خوف أو عقاب أو خشية أن يراني حبيبي على وضع لا يرضيه؟ يجب أن تكون خشية خوف وهذا الموضوع موضوع نقاش بين أهل اللغة والفلسفة والتفسير وكل يتكلم من وجهة نظره لكن من يتكلم بما أراه الله تعالى يجب أن ينقل كل توصيف. هناك كتاب للشيخ نديم الجسر عنوانه قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن وعمل الكاتب قصة قد تكون مفترضة وهمية أو حقيقية وسماها قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن وعرض كلام أهل الفسلفة وكلام أهل العلم وكلام القرآن وقد نجح الكاتب لأن الله تعالى آتاه زمام الكلمة نجح في التوفيق بين الإتجاهات الثلاث وطوّع كلام بعض الفلاسفة لحظيرة العلم والقرآن وهناك من تفلسف في هذا الأمر وقالوا أن تحب الله أفضل من أن تخاف منه لكن هذا ينكبق على العباد وليس على الإله الحق، العبادة أن تخشى الله كأنك تراه أنت كبشر لا تستطيع أن تراه وعندنا حديث قدسي عن عمل أهل الجنة وعمل أهل النار فيسأل هل رأوني؟ قالوا لا فقال فكيف لو رأوني؟ العلاقة في العبودية (العبودية علاقة بين طرفين العابد والمعبود) وسبب المشاكل في مجتمعاتنا أن العبادة لم تمشي على مراد المعبود وإنما على هوى العابد. أنت تتصور أن تحب الله ولا تخاف منه لكن هذا الأمر يمكن أن يكون في علاقتك مع أبيك أو أخيك أو عمك لكن مع الله تعالى يجب أن نضع العلاقة ضمن (ليس كمثله شيء) يجب أن نفهم منها أن الله تعالى منزه عن كل هذه القياسات ولو لم تخاف من الله لن تفعل. بعض أهل العلم اختلف في قول رابعة العدوية (لو أنك تعلم أني أخافك مخافة نارك فأدخلني فيها ولو تعلم أني أحبك محبة جنتك فاحرمني منها) وبعض أهل العلم قالوا وإذا لم نخف كيف تكون العلاقة؟ وبعض كلام الصحابة يفيد هذه النقطةومنهم علي ابن أبي طالب لما سئل عن الإيمان قال الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والاستعداد لويم الرحيل. ألا يمكن أن تكون العلاقة بين العبد وربه علاقة حب وخوف وخشية في نفس الوقت؟ الصحابة قالوا للرسول r أنهم يحبون ربهم لأنه هداهم وأخرجهم من الظلمات إلى النور وهناك بعث ونشور وجنة ونار فالمولى يقول لرسوله أن يقول للصحابة (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ (31) آل عمران) فهل هناك تعارض بينها وبين الخشية من الله؟ لا تناقض الحب والخوف لا يكونا طرفي نقيض لكن يجب أن نأخذهما بخط واحد ويمكن في علاقة البشر بالبشر يمكن أن يكون الحب يسبق الخوف أو يتجرد عن الخوف لكن في العلاقة مع الله تعالى الأمر يختلف ويجب أن يسبق الخوف الحب. الآية تقول (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) ليست القضية أن تحب الله تعالى ولكن المهم أن يحبك الله تعالى والصحابة لم يفهموا لتلك اللحظة حقيقة الواقع هم فهموا أن الله تعالى هداهم لكن مسألة الحب والخوف يجب ان توصف بشكل صحيح بين الخالق والمخلوق ولا تمشي على نفس منهج العلاقة بين مخلوق ومخلوق. مثلاً رئيس مجلس إدارة في شركة من ساعة ما تولى منصبه عمل حاجزاً بينه وبين موظفيه لا يمكن لأحد أن يدخل له لكنه يعطي الموظفين حقوقهم هذه الشركة ستنجح بنسبة معينة وشركة أخرى المدير لم يعمل حاجزاً بينه وبين الموظفين والكل يدخل إليه في أي وقت ويسهرون معه ويلتقون به في النادي وما شابه لكن نسبة نجاح هذه الشركة لا تصل إلى مستوى الشركة الأولى لأنه لم يعمل إنضباط مع أنه محبوب وشركة أخرى رئيسها عمل انضباط لكن في وقت الإجازات يخرج مع موظفيه هذا لم يتخطى حدوده، هذه الأمثلة تنفع بين البشر وبعضهم لكن مع الله تعالى ليس كمثله شيء ويوضع سبحانه وتعالى في مكانة لا يوازيها بشر. وقد تكلمنا سابقاً أنه في بعض مساجدنا عند القبلة يكتبون الله، محمد، أبو بكر، عمر، عثمان، علي وهذا لا يجب أن يكون لأن الله تعالى ليس كمثله شيء وعندما نضع محمد r لا نضع معه بشر آخر مثل أبو بكر وعمر وعثمان وعلي صحيح أن محمد r بشر لكنه نبي يوحى إليه. لأنه علينا أن نعرف معنى حدود العبودية وهذه مسألة عقيدة التي إن فسدت تفسد جميع العبادات والمعاملات. (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) أحسن من يوقّع هذا الكلام هو الرسول r ثم الصحابة والتابعين وقال تعالى في توةصيف أهل الجنة (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا (16) السجدة) خوفاً وطمعاً وليس حباً لأنه لو لم تخف لن تفعل. خوفاً وطمعاً هنا إعرابها مفعول لأجله، لِمَ تتجافى؟ خوفاً وطمعاً. الطمع يأتي معه الحب لأنه لا يمكن أن تطمع في عدوك أو في من لا يعطيك لذا الطمع يمشي مع الحب. الحب يعطي الطمع لذا (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) إذن لا يمكن أن تطمع في إله لن يعطيك لذا نضع الخوف أولاً ثم الحب والحب يمكن أن يأتي داخل الطمع لكن لا يأتي ضمن الخوف. الحب هو الذي يولد العمل والانضباط. رب العالمين في الحيث القدسي عن أهل الجنة وأهل النار يسألهم ماذا يريدون بعد؟ فرب العالمين يرد عليهم رداً يظهر لهم أن الأمر ليس فقط جنة ونار وإنما يحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً. الله تعالى يوم القيامة يسأل عباده في الجنة إن كانوا يريدون شيئاً آخر فيحل عليهم رضوانه فلا يسخط عليهم أبداً (وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) وقبلها (وما تقرب إلي عبدي بشيء أفضل مما افترضته عليه) النوافل عملت حب لكن الفرض الأول نتيجة الخوف لأنك لم لم تخف لن تؤدي الفرض. بحثنا سابقاً عن موضوع الحج وتأخيره فوجدنا أن 30 – 35 % من الذين يذهبون للحج خائفون ولا يكررون الحج ويذهب للحج كأنه يحمل فوق كتفيه جبلاً أما الذي يخرج كل سنة لا يسأل ولا يهمه وإذا أخطأ يقول بمنتهى البساطة أعوّضها في السنة القادمة وهنا يدخل في أمور لا يملكها هو لأنه لا يضمن أن يعيش للسنة القادمة وعند بعض أهل العقائد هذا يعتبر كفراً لأنه تجاوز حدود الإله ويقرر أنه سيحيا إلى السنة القادمة وتجاوز حدوده كمخلوق، هذه مسألة الخوف والحب. يظن البعض عندما ينظر إلى النصرانية أن الله محبة كعقيدة عند المسيحية وأن العلاقة بين المسيحيين وربهم علاقة محبة أما عند المسلمين فالعلاقة بين الله تعالى والعباد علاقة خوف ورعب وليس حباً وهذا خطأ وخلط في الأمور من وجهة نظر هؤلاء في ديننا القرآن هيمن على باقي الكتب والدليل قصة يوسف التي نتكلم فيها ولولا القرآن لما علم الرسول r قصة يوسف وقلنا بدأت السورة بقوله تعالى (وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) لو تحدث الرسول بقصة يوسف ولم يقل أنها وحي فمن أين أتى بها؟ الغفلة في الآية غفلة علم. هناك علاقة بين الخالق والمخلوق وهناك منهج تلتزم به وهذا المنهج يعرّف الإله الحق والرسول r. السؤال في القبر يبيّن عظمة هذا المنهج أول سؤال في القبر من ربك؟ لم يقل مَنْ الله؟ وإنما قال من ربك أنت؟ كل منا سيُسأل نفس السؤال، ما مفهومك أنت لربك؟ فالذين يلقنون الميت عند القبر يعتقدون أن الرد في القبر لسان مقال ولكنه لسان حال. الكفار قال تعالى عنهم (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ (25) لقمان) الله لكن ليس ربهم ولو سئلوا في القبر سيقول لا أدري ولن يعلم الإجابة لأن العقيدة فاسدة. الله تعالى لا يجزي الأنبياء والمخلَصين فقط وإنما وعد المحسنين الذين أحسنوا تطبيق العقيدة. كيف يستفيد الشاب العادي عندما يعرض عليه الزنا من قصة يوسف u؟ الفرق بين من يعتصم بالله ومن لا يعتصم امرأة العزيز فامرأة العزيز تخبئ شيئاً ويوسف لا يخبئ شيئاً وما نخبئه لا بد أن خطأ لأن الرسول r قال " البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وخشيت أن يطّلع عليه الناس" أي لما فكرت لأأن تفعله قلت لا بد أن أخفيه وخشيت أن يطلع عليه الناس إذن الشاب يمكن أن يكون هذا مقياس لنفسه طالما يخبئ أمراً ما فهو خطأ لكن لو كان يمشي في الشارع ومعه كتاب أو خرج من المكتبة فهذا لا يختبئ من أحد. وللأسف يحصل الآن مجاهرة بالمعصية ولم يعد هناك من يخبئ أمراً ولم يعد هناك حياء. الرسول r يقول " إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ومن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه" يجب أن نتعلم من آيات قصة يوسف كيف نخرج من أي موقف نقع فيه عندما تحاصرنا المعصية كما في سورة يوسف امرأة العزيز عرفت كيف تحتال عليه لكنه لم يقع. (وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) علينا عندما نتدبر القرآن أن نعلم أن العزيز قال أحد أمرين وطالما قال (أو) إذن الأولى غير الثانية، (عَسَى أَن يَنفَعَنَا) أي يُربّى خارج البيت لكن يشرف عليه العزيز فيكون من الأتباع أو الحاشية أو نتخذه ولداً أي داخل البيت أي منهما حصل؟ أنه تربى بالبيت لذا وقّعها تعالى في الآية بعدها (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ) والفرض الأول (عَسَى أَن يَنفَعَنَا) لم يحصل مثلما حصل مع موسى عندما قال امرأة فرعون (عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) فربّته هي. (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) علينا أن نقف ونتعلم القرآن. في البداية قال (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) الرؤيا التي حصلت أمر عالي جداً ومثلها سيجتبيك المولى عز وجل ويعلمك من تأويل الأحاديث فيعقوب وهو يسمع ابنه أوّل الرؤيا وهذا ظهر في كلمتين (إنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) رأيتهم تعود على عاقل مع أنه رأى الشمس والقمر وإلا لقال رأيتها. وحب يعقوب ليوسف زاد لأنه حصل له اصطفاء ومكانة ليست عند الأبناء الباقين لذا قال له (وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) وهذا كلام يعقوب يؤكده الله تبارك وتعالى (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) هذا كلام المولى عز وجل يؤكد كلام يعقوب وكأن كلام يعقوب تمنياً في البداية لذا قال تعالى (وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) وبعدها قال (وَلِنُعَلِّمَهُ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ) أي أن ما تنبأ به يعقوب تحقق بأمر الله تبارك وتعالى لأن الله غالب على أمره. البعض قال (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) قال أن على أمره تعود على يوسف ولكن هذا لا يعقل فالآية الله غالب على أمره هو سبحانه فكل ما يحصل في القصة يؤكدها هذه الآية. هذه قاعدة يجب أن نمشي عليها في كل حلقاتنا (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) ليس في كون الله صدفة لكن القاعدة (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) ويوقّعها أيضاً بقوله تعالى (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) فمن أراد أن يدخل في الإحسان الذي يعرّفه الرسول بقوله (الإحسان أن تخشى الله كأنك تراه فإن لا تكن تراه فإنه يراك) عليه أن يخاف ويعمل حسابه أنت لا تراه لأنه سبحانه لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار فاعمل حسابك وأنت تعمل أنه تعالى يراك عندها تكون من المحسنين وإذا كنت منهم فالله تبارك وتعالى هو الذي يتصدى لك ويدافع عنك وفي القرآن توقيعات مبدعة على هذه النقطة (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) الطلاق) لم يحدد من أي شيء وإنما جعلها مطلقة من أي مأزق من أي شيء (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ (3) الطلاق). القضية في نقطتين: الحكم والعلم. ما الحكم؟ ما الذي جعل يوسف يقف هذا الموقف الصلب أمام امرأة العزيز بكل ما فعلته؟. الحكم طرف بين متعارضين طرف منهما دائماً حق والآخر باطل لذلك القاضي الذي يحكم أي يعمل فيصل بين الاثنين لذا قالوا الحكم عنوان الحقيقة. الذي آتاه الله تعالى الحكم يمكنه أن يفرق بين الحق والباطل ويمكن أن يفرق بين الصواب والخطأ لذا أول كلمة قالها يوسف (معاذ الله) أول كلمة قالها جاءته من مناط الحكم ويبقى مناط العلم. وسنقف عند الحكم والعلم وهذه التي جعلت يوسف يقول (معاذ الله) ومنها نتعلم كيف نتصدى ونقف في مواجهة هذه الأمور. المنهج غالب دائماً لأن الله سبحانه وتعالى غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. بُثّت الحلقة بتاريخ 17/7/2007م |
الساعة الآن 03:45 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |