منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 8 - 8 - 2010 04:10 PM

الخبرعن كتامة من بطون البرانس
وما كان لهم من العز والظهور عل القبائل وكيف تناولوا الملك من أيدي الأغالبة بدعوة الشيعة هذا القبيل من قبائل البربر بالمغرب وأشدهم بأساً وقوة وأطولهم باعاً في الملك عند نسابة البربر من ولد كتام بن برنس ويقال كتم ونسابة العرب يقولون إنهم من حمير ذكر ذلك ابن الكلبي والطبري‏.‏ وأول ملوكهم أفريقش بن قيس بن صيفي من ملوك التبابعة وهو الذي افتتح إفريقية وبه سميت وقتل ملكها جرجير وسمي البربر بهذا الاسم كما ذكرناه‏.‏ ويقال أقام في البربر من حمير صنهاجة وكتامة فهم إلى اليوم فيهم وتشعبوا في المغرب وانبثوا في نواحيه إلا أن جمهورهم كانوا لأول الملة بعد تهييج الردة وطيخة تلك الفتن موطنين بأرياف قسطنطينية إلى تخوم غرباً إلى جبل أوراس من ناحية القبلة‏.‏ وكانت بتلك المواطن بلاد مذكورة أكثرها لهم وبين ديارهم ومجالات تقلبهم مثل أبكجان وسطيف وباغاية ونقاوس ويلزمة وميلة وقسطنطينة والسيكرة والقل وجيجل من حدود جبل أوراس إلى سيف البحر ما بين بجاية وبونة‏.‏ وكانت بطونهم كثيرة يجمعها كلها غرسن ويسودة ابنا كتم بن برنس فمن يسوده فلاسة ودنهاجة ومتوسة ووريسن كلهم بنو بسودة بن كتم‏.‏ وإلى دنهاجة ينسب كتامة بالمغرب لهذا العهد‏.‏ ومن غرسن مصالة وقلان وما وطن ومعاذ بنو غرسن ولهيصة وجيملة ومسالته بنو يناوة بن غرسن وإجانة وغسمان وأوفاس بنو ينطاسن بن غرسن وملوسة من أيان بن غرسن‏.‏ ومن ملوسه هؤلاء بنو زلدوي أهل الجبل المطل على قسطنيطينة لهذا العهد‏.‏ وبعد البرابرة من كتامة بنو يستيتن وهشتيوة ومصالة وبني وعد ابن حزم منهم زواوة بجميع بطونهم وهو الحق على ما تقدم‏.‏ وكان من هذه البطون بالمغرب الأقصى كثير منتدبون عن مواطنهم وهم بها إلى اليوم ولم يزالوا بهذه المواطن وعلى هذه الحالة من لدن ظهور الملة وملك المغرب إلى دولة الأغالبة‏.‏ ولم تكن الدولة تسومهم بهضيمة ولا ينالهم تعسف لاعتزازهم بكثرة جموعهم كما ذكره ابن الرقيق في تاريخه إلى أن كان من قيامهم في دعوة الشيعة ما ذكرناه في دولتهم عند ذكر دولة الفاطميين إثر دولة بني العباس فأنظره هنالك وتصفحه تجد تفصيله‏.‏ ولما صار لهم الملك بالمغرب زحفوا إلى المشرق فملكوا الإسكندرية ومصر والشام واختطوا القاهرة أعظم الأمصار بمصر وارتحل المعز رابع خلفائهم وارتحل معه كتامة على قبائلهم واستفحلت الدولة هنالك وهلكوا في ترفها وبذخها‏.‏ وبقي في مواطنهم الأولى بجبل أوراس وجوانبه من البسائط بقايا من قبائل أسمائها وألقابها والآخرون بغير لقبهم وكلهم رعايا معبدون للمغارم إلا من اعتصم بفتنة الجبل مثل بني زلدوي بجبالهم وأهل جبال جيجل وزواوة وزواوة أيضاً في جبالهم‏.‏ وأما البسائط فأشهر من فيها منهم قبائل سدويكش ورئاستهم في أولاد سواق‏.‏ ولاأدري إلى من يرجعون من قبائل كتامة المسمين في هذا الكتاب‏.‏ إلا أنهم منهم باتفاق من أهل الأخبار‏.‏ ونحن الآن ذاكرون ما عرفناه من أخبارهم المتأخرة بعد دولة كتامة والله تعالى ولي العون‏.‏ سدويكش الخبر عن سدويكش ومن إليهم من بقايا كتامة في مواطنهم هذا الحي لهذا العهد وما قبله من العصور يعرفون بسدويكش وديارهم في مواطن كتامة ما بين قسطنطينة وبجاية في البسائط منها ولهم بطون كثيرة مثل سيلين وطرسون وطرغيان وموليت وبني فتنة وبني لمائي وكايارة وبني زغلان والبؤرة وبني مروان وواركسن وسكرال وبني عياد وفيهم من لماية ومكلاتة وريغة والرياسة على جميعهم في بطن منهم يعرفون أولاد سواق لهم جمع وقوة وعدد وعدة‏.‏ وكان جميع هذه البطون وعيالهم غارمة فيمتطون الخيل ويسكنون الخيام ويظعنون على الإبل والبقر ولهم مع الدول في ذلك الوطن استقامة‏.‏ وهذا شأن القبائل الأعراب من العرب‏.‏ لهذا العهد‏.‏ وهم ينتفون من نسب كتامة ويفرون منه لما وقع منذ أربعمائة سنة من النكير على كتامة بانتحال الرافضة وعداوة الدولة بعدهم فيتفادون بالانتساب إليهم‏.‏ وربما انتسبوا في سليم من قبائل مضر وليس ذلك بصحيح‏.‏ وإنما هم من بطون كتامة وقد ذكرهم مؤرخو صنهاجة بهذا النسب ويشهد لذلك الموطن الذي استوطنوه من إفريقية‏.‏ ويذكر نسابتهم ومؤرخوهم أن موطن أولاد سواق منهم كان في قلاع بني بو خصرة من نواحي قسطنطينة ومنه انتقلوا وانتشروا في سائر تلك الجهات‏.‏ وأولاد سواق بطنان وهم‏:‏ أولاد علاوة بن سواق وأولاد يوسف بن حمو بن سواق‏.‏ فأما أولاد علاوة فكانت الرئاسة على قبائل سدويكش لهم فيما سمعناه من مشيختنا وأن ذلك كان لعهد دولة الموحدين وكان منهم علي بن علاوة وبعده ابنه طلحة بن علي وبعده أخوه يحيى بن علي وبعده أخوهما منديل بن وعزل تاريز ابن أخيه طلحة‏.‏ ولما بويع السطان أبو يحيى بقسطنطينة سنة عشر من هذه المائة وقع من تاريز انحراف عن طاعته واعتلق بطاعة ابن الخلوف ببجاية فقدم عوضاً منه عمه منديل‏.‏ ثم استبدل منهم أجمعين بأولاد يوسف فشمروا في طاعته وأبلوا وغلب السلطان على بجاية وقتل ابن الخلوف ظهر أولاد يوسف وزحموا أولاد علاوة وأخرجوهم من الوطن فصاروا إلى عياض من أفاريق هلال وسكنوا في جوارهم بجبلهم الذي أوطنوه المطل على المسيلة‏.‏ واتصلت الرئاسة على سدويكش في أولاد يوسف‏.‏ وهم لهذا العهد أربع قبائل‏:‏ بنو محمد بن يوسف وبنو المهدي وبنو إبراهيم بن يوسف والعزيزيون وهم بنو منديل وظافر وجري وسيد الملوك والعباس وعيسى والستة أولاد يوسف وهم أشقاء وأمهم تاعزيزت فنسبوا إليها‏.‏ وأولاد محمد والعزيزيون يوطنون بنواحي بجاية وأولاد المهدي وإبراهيم بنواحي قسطنطينة‏.‏ وما زالت الرئاسة في هذه القبائل الأربع تجتمع تارة في بعضهم وتفترق أخرى إلى هذا العهد‏.‏ وكانت الأخرى دولة مولانا السلطان أبي يحيى اجتمعت رئاستهم لعبد الكريم بن منديل بن عيسى بن العزيزيين‏.‏ ثم افترقت واستقل كل بطن من هؤلاء الأربعة برئاسة وأولاد علاوة في خلال هذا كله بجبل عياض‏.‏ ولما تغلب بنو مرين على إفريقية أنكر السلطان أبو عنان أولاد يوسف ورماهم بالميل إلى الموحدين وصرف الرئاسة على سدويكش إلى مهنا بن تاريز بن طلحة من أولاد علاوة فلم يتم له ذلك وقتله أولاد يوسف‏.‏ ورجع أولاد علاوة إلى مكانهم من جبل عياض‏.‏ وكان رئيسهم لهذه العصور عدوان بن عبد العزيز بن زروق بن علي بن علاوة وهلك ولم تجتمع رئاستهم بعده لأحد‏.‏ وفي بطون سدويكش هؤلاء بطن مرادف أولاد سواق في الرئاسة على أحيائهم وهم بنو سكين‏.‏ ومواطنهم في جوار لواتة بجبل تابور وما إليه من نواحي بجاية ورياستهم في بني موسى بن ثابر منهم‏.‏ أدركنا ابنه صخر بن موسى واختصه السلطان أبو يحيى بالرئاسة على قومه وكان له مقامات في خدمته‏.‏ ثم عرف‏.‏ بعده في الوفاء ابنه الأمير أبو حفص فلم يزل معه إلى أن وقع به بنو مرين بناحية قابس وجيء به مع أسرى الوقيعة فقطعه السلطان أبو الحسن من خلاف وهلك بعد ذلك وقام برئاسته ابنه عبد الله وكان له فيها وفي خدمة السلطان ببجاية شأن إلى أن هلك لأعوام ثمانين وولي ابنه محمد من بعده والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 04:11 PM

الخبر عن بني ثابت
أهل الجبل المطل علي قسطنطينة من بقايا كتامة ومن بطون كتامة وقبائلهم أهل الجبل المطل على القل ما بينه وبين قسطنطينة المعروف برئاسة أولاد ثابت بن حسن بن أبي بكر من بني تليلان‏.‏ ويقال إن أبا بكر هذا الجد هو الذي فرض المغرم على أهل هذا الجبل لأيام الموحدين ولم يكن قبل ذلك عليه مغرم - فلما انقرض ملك صنهاجة وغلب الموحدون على إفريقية وفد أبو بكر هذا على الخليفة بمراكش ونجع بالطاعة والانقياد وتقرب إليه بفرض المغرم على قبيلة بالجبل وكان لثابت هذا من الولد علي وحسن وسلطان وإبراهيم كلهم رأسوا بالجبل‏.‏ وأما حسن منهم فحجب السلطان أبا يحيى لأول دولته وفي عنيته‏.‏ ولابن عمر لدولة طرابلس أعوام إحدى عشر وسبعمائة كما نذكره‏.‏ فلما تملك السلطان بجاية وقتل ابن خلوف ورجع ابن عمر من تونس إلى حجابته وجد حسن بن ثابت معسكراً بفرجيوة لانقضاء مغارم الوطن فبعث إليه من قتله‏.‏ وكان آخرهم رئاسة بالجبل علي أدرك دولة بني مرين بإفريقية‏.‏ وولي بعده ابن عبد الرحمن‏.‏ ووفد على السلطان أبي عنان بفاس‏.‏ ولما استجد مولانا السلطان أبو العباس دولته بإفريقية استولى عليهم ومحا أثر مشيختهم ورئاستهم وصيرهم من عداد جنده وحاشيته‏.‏ واستعمل في الجبل عماله وهو جبل مطاوع وجبايته مؤداة لصولته وجواره للعسكر بقسطنطينة‏.‏ ومن بقايا كتامة أيضاً قبائل أخرى بناحية تدلس في هضابه مكتنفة بها وهم في عداد القبائل الغارمة‏.‏ وبالمغرب الأقصى منهم قبيلة من بني يستيتن بجبل قبلة جبل يزناسن وقبيلة أخرى بناحية الهبط مجاورون لقصر ابن عبد الكريم وقبائل أخرى بناحية مراكش نزلوا مع صنهاجة هنالك‏.‏ ونسب كتامة لهذا العهد بين القبائل المثل السائر في الدولة لما نكرتهم الدول من بعدهم أربعمائة سنة بانتحالهم الرافضة ومذاهبها الكفرية حتى صار كثير من أهل نسبهم يفرون منه وينتسبون فيمن سواهم من القبائل فراراً من هجنته والعزة لله وحده‏.‏ هذا البطن من أكبر بطون البربر ومواطنهم كما تراه محتفة ببجاية إلى تدلس في جبال شاهقة وأوعار متسنمة ولهم بطون وشعوب كثيرة ومواطنهم متصلة بمواطن كتامة وهؤلاء وأكثر الناس جاهلون بنسبهم‏.‏ وعامة نسابة البربر على أنهم من بني سمكان بن يحيى بن ضريس وأنهم إخوة زواغة‏.‏ والمحققون من النسابة مثل ابن حزم وأنظاره إنما يعدونهم في بطون كتامة وهو الأصوب‏.‏ والمواطن أوضح دليل عليه‏.‏ وإلا فأين مواطن زواغة وهي طرابلس‏.‏ وبالمغرب الأقصى من موطن كتامة‏.‏ وإنما حمل على الغلط في نسبهم إلى كتامة تصحيف اسم زوازة بالزاي بعد الواو وهم إخوة زواغة بلا شك فصحف هذا القارىء الزاي بالواو فعد زواوة إخوان زواغة‏.‏ ثم استمر التصحيف وجمعا في نسب سمكان والله أعلم وقد مر ذكرهم هنالك مع ذكر زواغة وتعديد بطونهم‏.‏ صنهاجة الخبر عن صنهاجة من بطون البرانس وما كان لهم من الظهور والدول في بلاد المغرب والأندلس هذا القبيل من أوفر قبائل البربر وهو أكثر أهل الغرب لهذا العهد وما قبله لا يكاد قطر من أقطاره يخلو من بطن من بطونهم في جبل أو بسيط حتى لقد زعم كثير من الناس أنهم الثلث من أمم البربر‏.‏ وكان لهم في الردة ذكر وفي الخروج على الأمراء بإفريقية شأن تقدم منه في صدر ذكر البرابر ونذكر منه هنا ما تيسر‏.‏ وأما ذكر نسبهم فإنهم من ولد صنهاج وهو صناك بالصاد المشمة بالزاي والكاف القريبة من الجيم‏.‏ إلا أن العرب عربته وزادت فيه الهاء بين النون والألف فصار صنهاج‏.‏ وهو عند نسابة البربر من بطون البرانس من ولد برنس بن بر وذكر ابن الكلبي والطبري أنهم وكتامة جميعاً من حمير كما تقدم في كتامة وفيما نقل الطبري في تاريخه أنه صنهاج بن يصوكان بن ميسور بن الفند بن أفريقش بن قيس‏.‏ وبعض النسابة يزعم أنه صنهاج بن المثنى بن المنصور بن المصباح بن يحصب بن مالك بن عامر بن حمير الأصغر من سبأ كذا نقل ابن النحوي من مؤرخي دولتهم وجعله ليحصب‏.‏ وقد مر ذكره في أنساب حمير وليس كما ذكر والله أعلم‏.‏ وأما المحققون من نسابة البربر فيقولون هو صنهاج بن عاميل بن زعزاع بن كيمتا بن سدر بن مولان بن يصلين بن يبرين بن مكسيلة بن دهيوس بن حلحال بن شرو بن مصرايم بن حام‏.‏ ويزعمون أن جزول واللمط وهكسور إخوة صنهاج وأن أمهم الأربعة تصكي وبها يعرفون‏.‏ وهي بنت زحيك بن مادغس ويقال لها العرجاء‏.‏ فهذه القبائل الأربعة من القبائل إخوة لأم والله أعلم‏.‏ وأما بطون صنهاجة فكثيرة فمنهم بلكانة وأنجفة وشرطة ولمتونة ومسوفة وكدالة ومندلة وبنو وارث وبنو يتيسن‏.‏ ومن بطون أنجفة بنو مزوارت وبنو سليب وفشتالة وملوانة‏.‏ هكذا يكاد نقل بعض نسابة البربر في كتبهم وذكر آخرون من مؤرخي البربرأن بطونهم تنتهي إلى سبعين بطنا‏.‏ وذكر ابن الكلبي والطبري أن بلادهم بالصحراء مسيرة ستة أشهر‏.‏ وكان أعظم قبائل صنهاجة تلكانة وفيهم كان الملك الأول‏.‏ وكانت مواطنهم ما بين المغرب الأوسط وإفريقية وهم أهل مدر‏.‏ ومواطن مسوفة ولمتونة وكدالة وشرطة بالصحراء وهم أهل وبر‏.‏ وأما أنجفة فبطونهم مفترقة وهم أكثر بطون صنهاجة‏.‏ ولصنهاجة ولاية لعلي بن أبي طالب كما أن لمغراوة ولاية لعثمان بن عفان رضي الله تعالى عنهما إلا أنا لا نعرف سبب هذه الولاية ولا أصلها‏.‏ وكان من مشاهيرهم في الدولة الإسلامية ثابت بن وزريون ثار بإفريقية أيام السفاح عند انقراض الأموية‏:‏ وعبد الله بن سكرديرلك وعباد صادق من قواد حماد بلكين وسليمان بن بطعتان بن عليان أيام باديس بن بلكين‏.‏ وبنو جدون وزاريني حماد وهو حمدون بن سليمان بن محمد بن علي بن عليم‏.‏ منهم ميمون بن جميل ابن أخت طارق مولى عثمان بن عفان صاحب فتح الأندلس في آخرين يطول ذكرهم‏.‏ وكان الملك في صنهاجة في طبقتين‏:‏ الطبقة الأولى تلكاتة ملوك إفريقية والأندلس والثانية مسوفة ولمتونة من الملثمين ملوك المغرب المسمون بالمرابطين ويأتي الطبقة الأولى من صنهاجة وما كان لهم من الملك كان أهل هذه الطبقة بنو ملكان بن كرت وكانت مواطنهم بالمسيلة إلى حمرة إلى الجزائر ولمدية ومليناتة من مواطن بني يزيد وحصين والعطاف من زغبة ومواطن الثعالبة لهذا العهد‏.‏ وكان معهم بطون كثيرة من صنهاجة أعقابهم هنالك من متنان وأنوغة وبنو عثمان وبنو مزغنة وبنو جعد وملكانة وبطوية وبنو يفرن وبنو خليل وبعض أعقاب ملكانة بجهات بجاية ونواحيها وكان التقدم منهم جميعاً لتلكانة وكان كبيرهم لعهد الأغالبة مناد بن منقوش بن صنهاج الأصغر وهو صناك بن واسفاق بن جبريل بن يزيد بن واسلي بن سمليل بن جعفر بن إلياس بن عثمان بن سكاد بن ملكان بن كرت بن صنهاج الأكبر هكذا نسبه ابن النحوي من مؤرخي الأندلس وذكر بعض مؤزخي المغرب‏:‏ أن مناد بن منقوش ملك جانباً من إفريقية والمغرب الأوسط مقيماً لدعوة بني العباس وراجعاً إلى أمر الأغالبة‏.‏ وأقام أمره من بعده ابنه زيري بن مناد وكان من أعظم ملوك البربر‏.‏ وكانت بينه وبين مغراوة من زناتة المجاورين له من جهة المغرب الأوسط كما نذكر حروب وفتن طويلة‏.‏ ولما استوسق الملك للشيعة بإفريقية تحيز إليهم للولاية التي لعلي رضي الله عنه فيهم‏.‏ وكان من أعظم أوليائهم واستطال بهم على عدوه من مغراوة فكانوا ظهراً له عليهم‏.‏ وانحرفت لذلك مغراوة وسائر زناتة عن الشيعة سائر أيامهم وتحيزوا إلى المروانيين ملوك العدوة بالأندلس فأقاموا دعوتهم بالمغرب الأوسط والأقصى كما نذكره بعد إن شاء الله تعالى‏.‏ ولما كانت فتنة أبي يزيد والتاث أمر العبيديين بالقيروان والمهدية كان لزيري بن مناد منافرة إلى الخوارج أصحاب أبي يزيد وأعقابهم وتسريب الحشود إلى مناصرة العبيديين بالقيروان كما ستراه‏.‏ واختط مدينة أشير للتحصن بها سفح الجبل تيطراً لهذا العهد حيث مواطن حصين وحصنها بأمر المنصور وكانت من أعظم مدن المغرب‏.‏ واتسعت بعد ذلك خطتها واستبحر عمرانها ورحل إليها العلماء والتجار من القاصية‏.‏ وحين نازل أبا إسمعيل المنصور أبا يزيد لقلعة كتامة جاءه زيري في قومه ومن انضم إليه من حشود البربر وعظمت نكايته في العدو وكان الفتح‏.‏ وصحبه المنصور إلى أن انصرف من المغرب ووصله بصلات سنية‏.‏ وعقد له على قومه وأذن له في اتخاذ القصور والمنازل والحمامات بمدينة أشير‏.‏ وعقد له على تاهرت وأعمالها‏.‏ ثم اختط ابنه بلكين بأمره وعلى عهده مدينة الجزائر المنسوبة لبني مزغنة بساحل البحر ومدينة مليانة بالعدوة الشرقية من شلف ومدينة لمدونة‏.‏ وهم بطن من بطون صنهاجة وهذه المدن لهذا العهد من أعظم مدن المغرب الأوسط ولم يزل زيري على ذلك قائماً بدعوة العبيديين منابذاً لمغراوة واتصلت الفتنة فيهم‏.‏ ولما نهض جوهر الكاتب إلى المغرب الأقصى أيام معد المعز لدين الله أمره أن يستصحب زيري بن مناد فصحبه إلى المغرب وظاهره على أمره‏.‏ ولما قتل يعلى بن محمد اليفرني اتهمه زناتة بالممالأة عليه‏.‏ ولما نزل جوهر فاس وبها أحمد بن بكر الجذامي وطال حصاره إياها كان لزيري في حصارها أعظم العناء وكان فتحها على يده‏.‏ سهر ذات ليلة وصعد سورها فكان الفتح‏.‏ ولما استمرت الفتنة بين زيري بن مناد ومغراوة ووصلوا أيديهم بالحكم المستنصري وأقاموا الدعوة المروانية بالمغرب الأوسط وشمر محمد بن الخير بن محمد بن خزر لذلك رماه معد بقريعة زيري وقومه من صنهاجة وعقد له على المغرب إقطع له ما افتتح من أقطاره فنهض زيري في قومه واحتشد أهل وطنه وقد جمع له محمد بن الخير وزناتة فسرح إليهم ولده بلكين في مقدمة وعارضهم قبل استكمالهم لتعبئة فدارت بينهم حرب شديدة بعد العهد بمثلها يومئذ‏.‏ واختل مصاف مغراوة وزناتة‏.‏ ولما أيقن محمد بن الخير بالمهلكة وعلم أنه أحيط به مال إلى ناحية من العسكر وتحامل على سيفه فذبح نفسه وانفض جموع زناتة واستمرت الهزيمة عليهم سائر يومهم فاستلحموا ومكثت عظامهم ماثلة بمصارعهم عصوراً‏.‏ وهلك فيما زعموا بضعة عشر أميراً منهم وبعث زيري برؤوسهم إلى المعز بالقيروان فعظم سروره وغم لها الحكم المستنصري صاحب الدعوة بما أوهنوا من أمره‏.‏ استطال زيري وصنهاجة على بوادي المغرب وعلت يده على جعفر بن علي صاحب المسيلة والزاب وسما به في الرتب عند الخلافة وتاخمه في العمالة‏.‏ واستدعى معد جعفر بن علي من المسيلة لتولية إفريقية حين اعتزم على الرحيل إلى القاهرة فاستراب بما كانت السعاية كبرت فيه‏.‏ وبعث معد المعز بعض مواليه فخافه جعفر على نفسه وهرب من المسيلة ولحق بمغراوة فاشتملوا عليه وألقوا بيده زمام أمرهم وقام فيهم بدعوة الحكم المستنصري وكانوا أقدم لها إجابة‏.‏ وفاوضهم زيري الحرب قبل استفحالهم فزحف إليهم واقتتلوا قتالاً شديداً‏.‏ وكانت على زيري الدبرة وكبا به فرفسه وأجلت الهزيمة عن مصرعه ومصارع حاميته من قومه فحزوا رأسه وبعثوا به إلى الحكم المستنصري بقرطبة في وفد أوفدوه عليه من أمرائهم يؤدون الطاعة ويؤكدون البيعة ويجمعون لقومهم النصرة‏.‏ وكان مقدم وفدهم يحيى بن علي أخو جعفر هذا كما ذكرناه‏.‏ وهلك زيري هذا سنة ستين وثلثمائة لست وعشرين سنة من ولايته‏.‏ ولما وصل خبره إلى ابنه بلكين وهو بأشير نهض إلى زناتة ودارت بينهم حرب شديدة فانهزمت زناتة وثأر بلكين بأبيه وقومه واتصل ذلك بالسلطان فحمد أثره وعقد له على عمل أبيه بأشير وتيهرت وسائر أعمال المغرب وضم إليه المسيلة والزاب وسائر عمل جعفر فاستعتب واستفحل أمره واتسعت ولايته وأثخن في البربر أهل الخصوص من مزاتة وهوارة ونفرة وتوغل في المغرب في طلب زناتة فأثخن فيهم‏.‏ ثم رجع واستقدمه السلطان لولاية إفريقية فقدم سنة إحدى وستين واستبلغ السلطان في تكريمه ونفس ذلك عليه كتامة‏.‏ ثم نهض السلطان إلى القاهرة واستخلفه كما نذكره‏.‏ وكان ذلك أول دولة آل زيري بإفريقية والله تعالى أعلم‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 04:12 PM

دولة آل زيري بن مناد
الخبر عن دولة آل زيري بن مناد ولاة العبيديين من هذه الطبقة بإفريقية وأولية أمرهم وتصاريف أحوالهم لما أخذ المعز في الرحلة إلى المشرق وصرف اهتمامه إلى ما يتخلف وراء ظهره من الممالك والعمالات ونظر فيمن يوليه أمر إفريقية والمغرب ممن له الغناء والاضطلاع وبه الوثوق من صدق التشييع ورسوخ القدم في دراية الدولة فعثر اختياره على بلكين بن زيري بن مناد ولي الدولة منذ عهد سلفه بموجب عهد أخذه من أيدي زناتة أعدائها في سبيل الذب عن الدعوة والمظاهرة للدولة‏.‏

دولة بلكين بن زيري
فبعث خلف بلكين بن زيري وكان متوغلاً في المغرب في حروب زناتة وولاه أمر إفريقية والمغرب ما عدا صقلية كانت لبني أبي الحسين الكلبي وطرابلس لعبد الله بن يخلف الكتامي وسماه يوسف بدلاً من بلكين‏.‏ وكناه أبا الفتوح ولقبه سيف الدولة ووصله بالخلع والأكسية الفاخرة‏.‏ وحمله على مقرباته بالمراكب الثقيلة وأنفذ أمره في الجيش والمال وأطلق يده في الأعمال‏.‏ وأوصاه بثلاث‏:‏ أن لا يرفع السيف عن البربر ولا يرفع الجباية عن أهل البادية ولا يولي أحداً من أهل بيته‏.‏ وعهد إليه أن يفتح أمره بغزو المغرب لحسم دائه وقطع علائق الأموية منه‏.‏ وارتحل يريد القاهرة سنة اثنتين وستين ورجع عنه بلكين من نواحي صفاقس فنزل قصر معد بالقيروان واضطلع بالولاية‏.‏ وأجمع غزو المغرب فغزاه في جموع صنهاجة ومخلف كتامة وارتحل إلى المغرب وفر أمامه ابن خزر صاحب المغرب الأوسط إلى سجلماسة‏.‏ وبلغه خلاف أهل تاهرت وإخراج عامله فرحل إليها وخربها‏.‏ ثم بلغه أن زناتة اجتمعوا إلى تلمسان فرحل إليهم فهربوا أمامه ونزل على تلمسان فحاصرها حتى نزل أهلها على حكمه ونقلهم إلى أشير‏.‏ وبلغه كتاب معد ينهاه عن التوغل في المغرب فرجع‏.‏ ولما كان سنة سبع وستين رغب بلكين من الخليفة نزار بن المعز أن يضيف إليه عمل طرابلس وسرت وأجدابية فأجابه إلى ذلك وعقد له عليها‏.‏ ورحل عنها عبد الله بن يخلف الكتامي وولى بلكين عليه من قبله‏.‏ ثم ارتحل بلكين إلى المغرب وفرت أمامه زناتة فملك فاس وسجلماسة وأرض الهبط وطرد منها عمال بني أمية‏.‏ ثم غزا جموع زناتة بسجلماسة وأوقع بهم وتقبض على ابن خزر أمير مغراوة فقتله‏.‏ وأجفل ملوكهم أمامه مثل بني يعلى بن محمد اليفرني وبني عطية بن عبد الله بن خزر وبني فلفول بن خزر ويحيى بن علي بن حمدون صاحب البصرة‏.‏ وبرزوا جميعاً بقياطينهم إلى سبتة وبعثوا الصريخ إلى المنصور بن أبي عامر فخرج بعساكره إلى الجزيرة الخضراء‏.‏ وأمدهم بمن كان في حضرته من ملوك زناتة ورؤسائهم النازعين إلى خلفاء الأموية بالأندلس بقرطبة بالمقام في سبيل الطاعة واغتنام فضل الرباط بثغور المسلمين في إيالة الخلفاء‏.‏ واجتمعت منهم وراء البحر أمم مع ما انضم إليهم من العساكر والحشود‏.‏ وأجازهم البحر لقصر جعفر بن علي بن حمدون صاحب المسيلة وعقد له على حرب بلكين وأمده بمائة حمل من المال فتعاقد ملوك زناتة واجتمعوا إليه وضربوا مصاف القتال بظاهر سبتة‏.‏ وهرع إليهم المدد من الجزيرة من عساكر المنصور وكادوا يخوضون البحر من فراض الزقاق إلى مظاهرة أوليائهم من زناتة‏.‏ ووصل بلكين إلى تيطاور وتسنم هضابها وقطع شعراءها لنهج المسالك والطرق لعسكره حتى أطل على معسكرهم بظاهر ستبة فرأى ما هاله واستيقن امتناعهم‏.‏ ويقال أنه لما عاين سبتة من مستشرفه ورأى اتصال المدد من العدوة إلى معسكرهم بها قال‏:‏ هذه أفعى فغزت إلينا فاها وكر راجعاً على عقبه‏.‏ وكان موقفه ذلك أقصى أثره‏.‏ ورجع إلى البصرة فهدمها وكانت دار ملك ابن الأندلسي وبها عمارة عظيمة‏.‏ ثم انفتح باب في جهاد برغواطة فارتحل إليهم وشغل بجهادهم وقتل ملكهم عيسى بن أبي الأنصار كما نذكره‏.‏ وأرسل بالسبي إلى القيروان وأذهب دعوة بني أمية من نواحي المغرب وزناتة مشردون بالصحراء إلى أن هلك سنة ثلاث وسبعين بوراكسن ما بين سجلماسة وتلمسان منصرفاً من هنه الغارة الطويلة‏.‏

دولة منصور بن بلكين
ولما توفي بلكين بعث مولاه أبو زغبل بالخبر إلى ابنه المنصور وكان والياً باشير وصاحب عهد أبيه فقام بأمر صنهاجة من بعده ونزل صيره وقلده العزيز نزار بن معد أمر إفريقية والمغرب على سنن أبيه وعقد لأخيه أبي البهارعلى تاهرت ولأخيه يطوفت على أشير وسرحه بالعساكر إلى المغرب الأقصى سنة أربع وسبعين يسترجعه من أيدي زناتة‏.‏ وقد بلغه أنهم ملكوا سجلماسة وفاس زيري بزو عطية المغراوي الملقب بالقرطاس أمير فاس فهزمه ورجع إلى أشير‏.‏ وأقصى المنصور بعدها عن غزو المغرب وزناتة واستقل به ابن عطية وابن خزرون وبدر بن ثم رحل بلكين إلى رقادة وفتك بعبد الله بن الكاتب عامله وعامل أبيه على القيروان لهنات كانت منه وسعايات أنجحت فيه فهلك سنة تسع وسبعين وولي مكانه يوسف بن أبي محمد وكثر التواتر بكتابه فقتلهم وأثخن فيهم حتى أذعنوا وأخرج إليهم العمال وعقد لأخيه حماد على أشير‏.‏ وطالت الفتنة مع زناتة ونزل إليه منهم سعيد بن خزرون‏.‏ ولم يزل سعيد بطبغة إلى أن هلك سنة إحدى وثمانين وولي ابنه فلفول بن سعيد‏.‏ وخالف أبو البهار بن زيري سنة تسع وسبعين فزحف إليه المنصور وفر بين يديه إلى المغرب‏.‏ وأمد المنصور أهل تاهرت ومضى في اتباع أبي البهار حتى نفد عسكره وأشير عليه بالرجوع فرجع‏.‏ وبعث أبو البهار إلى أبي عامر صاحب الأندلس في المظاهرة والمدد واسترهن ابنه في ذلك فكتب زيري بن عطية صاحب دعوة الأموية من زناتة بفاس أن يكون معه يداً واحدة فظاهره زيري واتفق رأيهما مدة وحاربهما بدر بن يعلى فهزماه وملكا فاس وما حولها‏.‏ ثم اختلفت ذات بينهما سنة اثنتين وثمانين ورجع أبو البهار إلى قومه‏.‏ ووفد على المنصور سنة اثنتين وثمانين بالقيروان فأكرمه ووصله وأنزله أحسن نزل وعقد له على تاهرت‏.‏ ثم هلك المنصور سنة خمس وثمانين‏.‏

دولة باديس بن المنصور
ولما هلك المنصور قام بأمره ابنه باديس وعقد لعمه يطوفث على تاهرت وسرح عساكره لحرب زناتة مع عميه يطوفت وحماد فولوا منهزمين أمام زناتة إلى أشير‏.‏ ونهض بنفسه سنة تسع وثمانين لحرب زيري بن عطية راجعاً إلى المغرب فولى باديس أخاه يطوفت على تاهرت وأشير وخالد عليه عمومته ماكسن وزاوي وحلال ومعتز وعزم واستباحوا عسكر يطوفت وأفلت منهم‏.‏ ووصل أبو البهار متبرئاً من شأنهم‏.‏ وشغل السلطان باديس بحرب فلفول بن سعيد كما نذكره في أخبار بني خزرون وسرح عمه حماداً لحرب بني زيري إخوته‏.‏ ووصل بنو زيري أيديهم بفلفول ثم رجعوا إلى حماد فهزمهم وتقبض على ماكسن منهم بأطمة الكلاب وقتل أولاد الحسن وباديس كذا ذكر ابن حزم‏.‏ ونجا فلهم إلى جبل سنوة فنازلهم حماد أياماً وعقد لهم السلم على الإجازة إلى الأندلس فلحقوا بابن أبي عامر سنة إحدى وتسعين وثلثمائة‏.‏ وهلك زيري بن عطية المغراوي لتسع أيام من مهلك ماكسن وأقفل باديس عمه حماداً إلى حضرته ليستعين به في حروب فلفول فاضطرب المغرب لقفوله وأظهرت زناتة الفساد وأضروا بالسابلة وحاصروا المسيلة وأشير فسرح إليهم باديس عمه حماداً وخرج على أثره سنة خمس وتسعين فنزل تيجست ودوخ حماد المغرب وأثخن في زناتة واختط مدينة القلعة‏.‏ ثم طلب منه باديس أن ينزل على عمل يتحس وقسطنطينة اختياراً للطاغية فأبى وأظهر الخلاف‏.‏ وبعث إليه أخاه إبراهيم فأقام معه وزحف إليهم باديس ثم رحل في طلبه إلى شلف ونزع إليه بعض العساكر‏.‏ ودخل في طاعته بنو توجين وجاروا في مدده‏.‏ ووصل أميرهم عطية بن دافلين وبدر بن أغمان بن المعتز فوصلها‏.‏ وكان حماد قتل دافلين‏.‏ ثم نزل باديس نهر واصل والسرسو وكزول وانثنى حماد راجعاً إلى القلعة واتبعه باديس‏.‏ ونازله بها وهلك بمعسكره عليها سنة ست وأربعمائة فجأة وهو نائم بين أصحابه بمضربه فارتحلوا راجعين واحتملوا باديس على أعواه‏.‏

دولة المعز بن باديس
ولما بلغ الخبر بمهلك باديس بويع ابنه المعز ابن ثمان سنين ووصل العسكر فبايعوه البيعة العامة‏.‏ ودخل حماد المسيلة واشير واستعد للحرب وحاصر باغاية‏.‏ وبلغ الخبر بذلك فزحف المعز إليه وأفرج عن باغاية ولقيه فانهزم حماد وأسلم معسكر وتقبض على أخيه إبراهيم ونجا إلى القلعة ورغب في الصلح فاستجيب على أن يبعث ولده‏.‏ وانتهى المعز إلى سطيف وقصر الطين وقفل إلى حضرته ووصل إليه القائد ابن حماد سنة ثمان وأربعمائة راغباً في الصلح فعقده واستقل حماد بعمل المسيلة وطبنة والزاب واشير وتاهرت وما يفتح من بلاد المغرب وعقد للقائد ابن حماد على طبنة والمسيلة ومقره ومرسى الدجاج وسوق حمزة وزواوة وانقلب بهدية ضخمة‏.‏ ووض‏!‏ الحرب أوزارها من يومئذ واقتسموا الخطة والتحموا بالأصهار وافترق ملك صنهاجة إلى دولتين‏:‏ دولة إلى المنصور بن بلكين أصحاب القيروان ودولة إلى حماد بن بلكين أصحاب القلعة‏.‏ ونهض المهز إلى حماد سنة اثنتين وثلاثين فحاصره بالقلعة مدة سنين ثم أقلع عنها وانكفأ راجعاً ولم يعاود فتنة بعد‏.‏ ووصل زاوي بن زيري من الأندلس سنة عشر وأربعمائة كما ذكرناه في خبره فتلقاه المعز أعظم لقاء وسلم عليه راجلاً وفرشت القصور لنزله ووصله أعظم الصلات وأرفعها‏.‏ واستمر ملك المعز بإفريقية والقيروان وكان أضخم ملك عرف للبربر بإفريقية وأترفه وأبذخه‏.‏ نقل ابن الرقيق من أحوالهم في الولائم والهدايا والجنائز والأعطيات ما يشهد بذلك مثل ما ذكر أن هدية صندل عامل باغاية مائة حمل من المال وأن بعض توابيت الكبراء منهم كان العود الهندي بمسامير الذهب باديس أعطى فلفول بن مسعود الزناتي ثلاثين حملاً من المال وثمانين تختاً‏.‏ وأن أعشار بعض أعمال الساحل بناحية صفاقس كان خمسين ألف قفيز وغير ذلك من أخبارهم‏.‏ وكانت بينه وبين زناتة حروب ووقائع كان له الغلب في جميعها كما هو مذكور وكان المعز منحرفاً عن مذاهب الرافضة ومنتحلاً للسنة فأعلن بمذهبه لأول ولايته ولعن الرافضة‏.‏ ثم صار إلى قتل من وجد منهم وكبا به فرسه ذات يوم فنادى مستغيثاً باسم أبي بكر وعمر فسمعته العامة فثاروا لحينهم بالشيعة وقتلوهم أبرح قتل وقتل دعاة الرافضة يومئذ وامتعض لذلك خلفاء الشيعة بالقاهرة‏.‏ وخاطبه وزيرهم أبو القاسم الجرجاني محذراً وهو يراجعه بالتعريض بخلفائه والقدح فيهم حتى أظلم الجو بينه وبينهم إلى أن انقطع الدعاء لهم سنة أربعين وأربعمائة على عهد المستنصر من خلفائهم‏.‏ وأحرق بنوده ومحا اسمه من الطرز والسكة ودعا للقائم بن القادر من خلفاء بغداد‏.‏ وجاءه خطاب القائم وكتاب عهده صحبة داعيته أبي الفضل بن عبد الواحد التميمي فرماه المستنصر خليفة العبيديين بالعرب من هلال الذين كانوا مع القرامطة وهم رياح وزغبة والأثبج‏.‏ وذلك بمشاركة من وزيره أبي محمد الحسن بن علي اليازوري كما ذكرنا في أخبار العرب ودخولهم إلى إفريقية‏.‏ وتقدموا إلى البلاد وأفسدوا السابلة والقرى‏.‏ وسرح إليهم المعز جيوشه فهزموهم فنهض إليهم ولقيهم بجبل حيدران فهزموه واعتصم بالقيروان فحاصروه وتمرسوا به وطال عيثهم في البلاد وإضرارهم بالرعايا إلى أن خربت إفريقية‏.‏ وخرج ابن المعز من القيروان سنة تسع وأربعين مع خفيره منهم وهو مؤنس بن يحيى الصبري أمير رياح فلحق في خفارته بالمهدية بعد أن أصهر إليه في ابنته فأنكحه إياها ونزل بالمهدية وقد كان قدم إليها ابنه تميماً فنزل عليه ودخل العرب القيروان وانتهبوها‏.‏ وأقام المعز بالمهدية وانتزى الثوار في البلاد فغلب حمو بن مليل البرغواطي على مدينة صفاقس وملكها سنة إحدى وخمسين‏.‏ وخالفت سوسة وصار أهلها إلى الشورى في أمرهم‏.‏ وصارت تونس آخراً إلى ولاية الناصر بن علناس بن حماد صاحب القلعة‏.‏ وولى عليهم عبد الحق بن خراسان فاستبد بها واستقرت في ملكه وملك بنيه وتغلب موسى بن يحيى على قابس‏.‏ وصار عاملها المعز بن محمد الصنهاجي إلى ولايته وأخوه إبراهيم من بعده كما يأتي ذكره‏.‏ والتاث ملك آل باديس وانقسم في الثوار كما نذكر في أخبارهم بعد‏.‏ وهلك المعز سنة أربع وخمسين والله أعلم‏.‏ دولة تميم في المعز ولما هلك المعز قام بأمره ابنه تميم وغلبه العرب على إفريقية فلم يكن له إلا ما ضمه السور خلا أنه كان يخالف بينهم وتسلط بعضهم على بعض‏.‏ وزحف إليه حمو بن ملين البرغواطي صاحب صفاقس فخرج تميم للقائه وانقسمت العرب عليهما فانهزم حمو وأصحابه وذلك سنة خمس وخمسين‏.‏ وسار منها إلى سوسة فافتتحها ثم بعث عساكره إلى تونس فحاصروا ابن خراسان حتى استقام على الطاعة لتميم‏.‏ ثم بعث عساكره أيضاً إلى القيروان وكان بها قائد بن ميمون الصنهاجي من قبل المعز فأقام ثلاثاً‏.‏ ثم غلبته عليها هوارة وخرج إلى المهدية ثم رده تميم إلى ولايته بها فخالف بعد ست من ولايته وكاتب الناصر بن علناس صاحب القلعة فبعث تميم إليه العساكر فلحق بالناصر وأسلم القيروان‏.‏ ثم رجع بعد ست إلى حمو بن مليل البرغواطي بصفاقس وابتاع له القيروان من مهنا بن علي أمير زغبة فولاه عليها وحصنها سنة سبعين وكانت بين تميم والناصر صاحب القلعة أثناء ذلك فتن كان سماسرتها العرب يجأجئون بالناصر من قلعته ويوطئون عساكره ببلاد إفريقية‏.‏ وربما ملك بعض أمصارها ثم يردونه على عقبه إلى داره إلى أن اصطلحا سنة سبعين وأصهر إليه تميم بابنته‏.‏ ونهض تميم سنة أربع وسبعين إلى قابس وبها ماضي بن محمد الصنهاجي وليها بعد أخيه إبراهيم فحاصرها ثم أفرج عنها‏.‏ ونازلته العرب سنة ست وسبعين بالمهدية ثم أفرجوا عنه وهزمهم فقصدوا القيروان ودخلوها فأخرجهم عنها‏.‏ وفي أيامه كان تغلب نصارى جنده على المهدية سنة ثمانين نزلوها في ثلثمائة مركب وثلاثين ألف مقاتل واستولوا عليها وعلى زويلة فبذل لهم تميم في النزول عنها مائة ألف دينار بعد أن انتهبوا جميع ما كان بها فاستخلصها من أيديهم ورجع إليها ثم استولى على قابس سنة تسع وثمانين من يد أخيه عمر بن المعز بايع له أهلها بعد موت قاضي بن إبراهيم‏.‏ ثم استولى بعدها على صفاقس سنة ثلاث وتسعين وخرج منها حمو بن مليل إلى قابس فأجاره مكن بن كامل الدهماني إلى أن مات بها‏.‏ وكانت رياح قد تغلبت على زغبة وعلى إفريقيه من لدن سبع وستين وأخرجوه منها‏.‏ وفي هذه المائة الخامسة غلب الأخضر من بطون رياح على مدينة باجة وملكوها وهلك تميم إثر ذلك سنة إحدى وخمسمائة‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 04:13 PM

دولة يحيي بن تميم
ولما هلك تميم بن المعز ولي ابنه يحيى وافتتح أمره بافتتاح إقليبية وغلب عليها ابن محفوظ الثائر بها‏.‏ وثار أهل صفاقس على ابنه أبي الفتوح فلطف الحيلة في تفريق كلمتهم وراجع طاعة العبيديين ووصلته المخاطبات والهدايا‏.‏ وكان قد صرف همه إلى غزو النصارى والأساطيل البحرية فاستكثر منها واستبلغ في اقتنائها‏.‏ وردد البعوث إلى دار الحرب فيها حتى اتقته أمم النصرانية بالجزي من وراء البحر من بلاد إفريقية وجنوة وسردينية‏.‏ وكان له في ذلك آثار ظاهرة عزيزة‏.‏ وهلك فجأة في قصره سنة تسع وخمسمائة والله أعلم‏.‏ ولما هلك يحيى بن تميم ولي علي ابنه استقدم لها من صفاقس فقدم في خفارة أبي بكر بن أبي جابر مع عسكر ونظرائه من أمراء العرب‏.‏ وكان أعظم أمراء عساكر صنهاجة محاصرين لقصر الأجم فاجتمعوا إليه وتمت بيعته‏.‏ ونهض إلى حصار تونس حتى استقام أحمد بن خراسان على الطاعة وفتح جبل وسلات‏.‏ وكان ممتنعاً على من سلف من قومه فجرد إليه عسكراً مع ميمون بن زياد الصخري المعادي من أمراء العرب فافتتحوه وقتلوا من كان به‏.‏ ووصل رسول الخليفة من مصر بالمخاطبات والهدايا على العادة‏.‏ ثم نهض إلى حصار رافع بن مكن بقابس سنة إحدى عشرة وخمسمائة‏.‏ ودون لها قبائل فادغ من بني علي إحدى بطون رياح كما نذكره في أخبار رافع‏.‏ ثم حدثت الفتنة بينه وبين رجار صاحب صقلية بممالأة رجار لرافع بن كامل عليه وإمداده إياه بأسطوله يغير على ساحل علي بن يحيى ويرصد أساطيله فاستخدم علي بن يحيى الأساطيل وأخذ في الأهبة للحرب وهلك سنة خمس عشرة وخمسمائة والله أعلم‏.‏ دولة الحسن بن علي ولما هلك علي بن يحيى بن تميم ولي بعده ابنه الحسن بن علي غلاماً يفعة ابن اثنتي عشرة سنة وقام بأمره مولاه صندل‏.‏ ثم مات صندل وقام بأمره مولاه موفق‏.‏ وكان أبوه أصدر المكاتبة إلى رجار عند الوحشة يهدده بالمرابطين ملوك المغرب لما كان بينه وبينهم من المكاتبة‏.‏ واتفق أن غزا أحمد بن ميمون قائد أسطول المرابطين صقلية وافتتح قرية منها فسباها وقتل أهلها سنة ست عشرة فلم يشك رجار أن ذلك بإملاء من الحسن فنزلت أساطيله إلى المهدية وعليهم عبد الرحمن بن عبد العزيز وجرجي بن مخائيل الأنطاكي‏.‏ وكان جرجي هذا نصرانياً هاجر من المشرق وقد تعلم اللسان وبرع في الحساب‏.‏ وتهذب في الشام بأنطاكية وغيرها فاصطنعه تميم واستولى عليه وكان يحيى يشاوره‏.‏ فلما هلك تميم أعمل جرجي الحيلة في اللحاق برجار فلحق به وحظي عنده واستعمله على أسطوله فلما اعتزم على حصار المهدية بعثه لذلك فزحف في ثلثمائة مركب وبها عدد كثير من النصرانية فيهم ألف فارس‏.‏ وكان الحسن قد استعد لحربهم فافتتح جزيرة قوصرة وقصدوا إلى المهدية ونزلوا إلى الساحل وضربوا الأبنية وملكوا قصر الدهانين وجزيرة الأملس‏.‏ وتكرر القتال فيهم إلى أن غلبهم المسلمون وأقلعوا راجعين إلى صقلية بعد أن استمر القتل فيهم‏.‏ ووصل بأكثر ذلك محمد بن ميمون قائد المرابطين بأسطوله فعاث في نواحي صقلية واعتزم رجار على إعادة الغزو إلى المهدية‏.‏ ثم وصل أسطول يحيى بن العزيز صاحب بجاية لحصار المهدية ووصلت عساكره في البر مع قائده مطرف بن علي بن حمدون الفقيه فصالح الحسن صاحب صقلية ووصل يده به واستمد منه أسطوله‏.‏ واستمد الحسن أسطول رجار فأمده وارتحل مطرف إلى بلده‏.‏ وأقام الحسن مملكاً بالمهدية وانتقض عليه رجار وعاد إلى الفتنة معه ولم يزل يردد إليه الغزو إلى أن استولى على المهدية قائد أسطوله جرجي بن مناسل سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة ووصلها بأسطوله في ثلثمائة مركب وخادعهم بأنهم إنما جاءوا مدداً له‏.‏ وكان عسكر الحسن قد توجه صريخاً لمحرز بن زياد الفادغي صاحب علي بن خراسان صاحب تونس فلم يجد صريخاً فجلا عن المهدية ورحل واتبعه الناس‏.‏ ودخل العدو إلى المدينة وتملكوها دون دفاع‏.‏ ووجد جرجي القصر كما هو لم يرفع منه الحسن إلا ما خف وترك الذخائر الملوكية‏.‏ فأمن الناس وأبقاهم تحت إيالته ورد الفارين منهم إلى أماكنهم‏.‏ وبعث أسطولاً إلى صفاقس فملكها وأجاز إلى سوسة فملكها أيضاً ثم إلى طرابلس كذلك‏.‏ واستولى رجار صاحب صقلية على بلاد الساحل كلها ووضع على أهلها الجري وولى عليهم كما نذكره إلى أن استنقذهم من ملكة الكفر عبد المؤمن شيخ الموحدين وخليفة إمامهم المهدي‏.‏ ولحق الحسن بن يحيى بعد استيلاء النصارى على المهدية بالعرب من رياح وكبيرهم محرز بن زياد الفادغي صاحب القلعة فلم يجد لديهم مصرخاً‏.‏ وأراد الرحيل إلى مصر للحافظ عبد المجيد فأرصد له جرجي فارتحل إلى المغرب وأجاز إلى بونة وبها الحارث بن منصور وأخوه العزيز‏.‏ ثم توجه إلى قسطنطينة وبها سبع بن العزيز أخو يحيى صاحب بجاية فبعث إليه من أجازه إلى الجزائر‏.‏ ونزل على ابن العزيز فأحسن نزله وجاوره إلى أن فتح الموحدون الجزائر سنة سبع وأربعين بعد تملكهم المغرب والأندلس فخرج إلى عبد المؤمن فلقاه تكرمة وقبولاً‏.‏ ولحق به وصحبه إلى إفريقية في غزواته الأولى ثم الثانية سنة سبع وخمسين فنازل المهدية وحاصرها أشهراً‏.‏ ثم افتتحها خمس وخمسين وأسكن بها الحسن وأقطعه رحيش فأقام هنالك ثماني سنين‏.‏ ثم استدعاه يوسف بن عبد المؤمن فارتحل بأهله يريد مراكش‏.‏ وهلك بتامستا في طريقه إلى بابارولو سنة ست وثلاثين والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين ورب الخلائق أجمعين‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 04:13 PM

بنو خراسان من صنهاجة
الخبر عن بني خراسان من صنهاجة الثوار بتونس على آل باديس عند اضطراب إفريقية بالعرب ومبد أ أمرهم ومصاير أحوالهم لما تغلب العرب على القيروان وأسلم المعز وتحول إلى المهدية اضطرمت إفريقية ناراً‏.‏ واقتسمت العرب البلاد عمالات وامتنع كثير من البلاد على ملوك آل باديس مثل أهل سوسة وصفاقس وقابس وصارت صاغية أهل إفريقية إلى بني حماد ملوك القلعة وملكوا القيروان كما تقدم‏.‏ وانقطعت تونس عن ملك المعز ووفد مشيختها على الناصر بن علناس فولى عليهم عبد الحق بن عبد العزيز بن خراسان يقال أنه من أهل تونس والأظهر أنه من قبائل صنهاجة فقام بأمرهم وشاركهم في أمره وتوعد إليهم وأحسن السيرة فيهم وصالح العرب أهل الضاحية على أتاوة معلومة لكف عاديتهم‏.‏ وزحف تميم بن المعز من المهدية إليه سنة ثمان وخمسين في جموعه ومعه يبقى ابن علي أمير زغبة فحاصر تونس أربعة أشهر إلى أن صالحه ابن خراسان واستقام على طاعته فأفرج عنه‏.‏ ولم يزل قائماً بأمره إلى أن هلك سنة ثمان وثمانين فولي ابنه عبد العزيز وكان مضعفاً وهلك على رأس هذه الماية الخامسة وقام بأمره ابنه أحمد بن عبد العزيز بن عبد الحق فقتل عمه إسمعيل بن عبد الحق لمكان ترشه وغربه أبو بكر إلى أن برزت فأقام بها خوفاً على نفسه‏.‏ ونزع أحمد إلى التخلق بسير الملك والخروج عن سير المشيخة واشتدت وطأته وكان من مشاهير رؤساء بني خراسان هؤلاء فاستبد بتونس لأول المائة السادسة وضبطها وبنى أسوارها‏.‏ وعامل العرب على إصلاح سابلتها فصلحت حاله وبنى قصور بني خراسان‏.‏ وكان مجالساً للعلماء محباً فيهم ونازله علي بن يحيى بن العزيز بن تميم سنة عشر وخمسمائة وضيق عليه ودافعه بإسعاف غرضه فأفرج عنه‏.‏ ثم نازله عساكر العزيز بن منصور صاحب بجاية فعاد إلى طاعته سنة أربع عشرة ولم يزل والياً على تونس إلى أن نهض سنة اثنتين وعشرين مطرف بن علي بن حمدون قائد يحيى بن العزيز من بجاية في العساكر إلى إفريقية وملك عامة أمصارها فتغلب على تونس وأخرج أحمد بن عبد العزيز صاحبها ونقله إلى بجاية بأهله وولده‏.‏ وولى على تونس كرامة بن المنصور عم يحيى بن العزيز فبقي والياً عليها إلى أن مات وولي عليها بعده أخوه أبو الفتوح بن المنصور إلى أن مات وولي مكانه ابن ابنه محمد‏.‏ وساءت سيرته فعزل وولي مكانه عمه معد بن المنصور إلى أن استولى النصارى على المهدية وسواحلها ما بين سوسة وصفاقس وطرابلس سنة ثلاث وأربعين وصارت لصاحب صقلية وأخرج الحسن بن علي كما هو مذكور فأخذ أهك تونس في الاستعداد والحذر‏.‏ واستأسدوا لذلك على واليهم وانتشر بغاتهم وربما ثاروا بعض الأيام عليه فقتلوا عبيدة بمرأى منه واعتدوا عليه في خاصته فبعث عنه أخوه يحيى من بجاية فركب البحر في الأسطول وترك نائبه العزيز بن دافال من وجوه صنهاجة فأقام بينهم وهم مستبدون عليه‏.‏ وكان بالمعلقة جوارهم محرز بن زياد أمير بني علي من بطون رياح قد تغلب عليها‏.‏ وكانت الحرب بينه وبين أهل تونس سجالاً والتحم بينهما المصاف‏.‏ وكان محرز يستمد عساكر صاحب المهدية على أهل تونس فتأتيه إلى أن غلب النصارى على المهدية وحدثت الفتنة بينهم بالبلد فكان المصاف بين أهل باب السويقة وأهل باب الجزيرة وكانوا يرجعون في أمورهم إلى القاضي عبد المنعم ابن الإمام أبي الحسن‏.‏ ولما غلب عبد المؤمن على بجاية وقسطنطينة وهزم العرب بسطيف ورجع إلى مراكش‏.‏ انتهت إليه شكوى الرعايا بإفريقية مما نزل بهم من العرب فبعث ابنه عبد الله من بجاية إلى إفريقية في عساكر الموحدين فنازل تونس سنة اثنتين وخمسين وامتنعت عليه‏.‏ ودخل معهم محرز بن زياد وقومه من العرب واجتمع جندهم وبرزوا للموحدين فأوقعوا بهم وأفرجوا عن تونس‏.‏ وهلك أميرها عبد الله بن خراسان خلال ذلك وولي مكانه علي بن أحمد بن عبد العزيز خمسة أشهر وزحف عبد المؤمن إلى تونس وهو أميرها فانقادوا لطاعته كما نذكره في أخبار الموحدين‏.‏ ورحل علي بن أحمد بن خراسان إلى مراكش بأهله وولده وهلك في طريقه سنة أربع وخمسين وأفرج محرز بن زياد عن المعلقة‏.‏ واجتمعت إليه قومه وتدامرت العرب عن مدافعة الموحدين واجتمعوا بالقيروان وبلغ الخبر إلى عبد المؤمن وهو منصرف من غزاته إلى المغرب فبعث إليهم العساكر وأدركوهم بالقيروان فأوقعوا بهم واستلحموهم قتلاً وسبياً‏.‏ وتقبض على محرز بن زياد أميرهم فقتل وصلب شلوه بالقيروان والله يحكم ما يشاء لا معقب لحكمه وهوعلى كل شيء قدير‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 04:14 PM

بنو الرند الخبر
عن بني الرند ملوك قفصة الثائرين بها عند التياث ملك آل باديس بالقيروان واضطرابه بفتنة العرب ومبدأ دولتهم ومصاير أمورهم لما تغلب العرب على إفريقية وانحل نظام الدولة الصنهاجية وارتحل المعز من القيروان إلى المهدية وكان بقفصة عاملاً لصنهاجة عبد الله بن محمد بن الرند وأصله من جرية من بني صدغيان‏.‏ وقال ابن نحيل هو من بني مرين من مغراوة وكان مسكنهم بالجوسين من نفزاوة فضبط قفصة وقطع عنها عادية الفساد‏.‏ وصالح العرب على الأتاوة فصلحت السابلة واستقام الحال‏.‏ ثم استبد بأمره وخلع الامتثال من عنقه سنة خمس وأربعين واستمر على ذلك‏.‏ وبايعته توزر وقفصة وسوس والحامة ونفزاوة وسائر أعمال منطينة فاستفحل أمره وعظم سلطانه ووفد عليه الشعراء والقصاد وكان معظماً لأهل الدين إلى أن هلك سنة خمس وستين‏.‏ وولي من بعده ابنه المعتز وكنيته أبو عمر وانقاد إليه الناس فضبط الأمور وجبى الأموال واصطنع الرجال وتغلب على قمودة وجبل هوارة وسائر بلاد قسطيلية وما إليها‏.‏ وحسنت سيرته إلى أن عمي‏.‏ وهلك في حياته ابنه تميم فعهد لابنه يحيى بن تميم‏.‏ وقام بالأمر واستبد على جده ولم يزالوا بخير حال إلى أن نازلهم عبد المؤمن سنة أربع وخمسين فمنعهم من الأمر ونقلهم إلى بجاية فمات المعتز بها سنة سبع وخمسين لمائة وأربع عشرة من عمره وقيل لسبعين ومات بعده بيسير حافده يحيى بن تميم‏.‏ وولى عبد المؤمن على قفصة نعمان بن عبد الحق الهنتاني‏.‏ ثم عزله بعد ثلاث بميمون ابن أجانا الكنسيفي‏.‏ ثم عزله بعمران بن موسى الصنهاجي وأساء إلى الرعية فبعثوا عن علي بن العزيز بن المعتز من بجاية‏.‏ وكان بها في مضيعة يحترف بالخياطة فقدم عليهم وثاروا بعمران بن موسى عامل الموحدين فقتلوه وقدموا علي بن العزيز فساس ملكه وحاط رعيته‏.‏ وأغزاه يوسف بن عبد المؤمن سنة ثلاث وستين أخاه السيد أبا زكريا فحاصره وضيق عليه وأخذه وأشخصه إلى مراكش بأهله وماله واستعمله على الأشغال بمدينة سلا أن هلك وفنيت دولة بني الرند والبقاء لله وحده‏.‏

بني جامع الخبر
عن بني جامع الهلاليين أمراء قابس لعهد الصنهاجيين وما كان لتميم بها من الملك ولما دخلت العرب إلى إفريقية وغلبوا المعز على الضواحي ونازلوه بالقيروان وكان الوالي بفاس المعز بن محمد بن لموية الصنهاجي وكان أخواه إبراهيم وماضي قيروان قائدين للمعز على جيوشه فعزلهما ولحقا مغاضبين بمؤنس بن يحيى وكان ذلك أول تملك العرب‏.‏ ثم أقام إبراهيم منهم والياً بقابس ولحق المعز بن محمد بمؤنس فكان معه إلى أن هلك إبراهيم وولي مكانه أخوه ماضي وكان سيىء السيرة فقتله أهل قابس وذلك لعهد تميم بن المعز بن باديس وبعثوا إلى عمر أخي السلطان في طاعة العرب فوليها بكر بن كامل بن جامع أمير المناقشة من دهمان من بني علي إحدى بطون رياح فقام بأمرها واستبد على صنهاجة‏.‏ ولحق به مثنى بن تميم بن المعز نازعاً عن أبيه فأجابه ونازل معه المهدية حتى امتنعت عليه واطلع على قبائح شتى فأفرج عنها‏.‏ ولم يزل كذا على حاله في إجابة قابس وإمارة قومه دهمان إلى أن هلك‏.‏ وقام بأمره بعده رافع واستفحل بها ملكه وهو الذي اختط قصر العروسيين من مصانع الملك بها واسمه مكتوب لهذا العهد في جدرانها‏.‏ ولما ولي علي بن يحيى بن تميم فسد ما بينه وبين رافع وأعان عليه رافع صاحب صقلية فغلب أسطول علي بن يحيى على أسطول النصارى‏.‏ ثم ذوى قبائل العرب والأساطيل وزحل إلى قابس سنة إحدى عشر وأربعمائة‏.‏ قال ابن أبي الصلت‏:‏ دول الثلالة الأخماس من قبائل العرب الذين هم‏:‏ سعيد ومحمد ونحبة وأضاف إليهم من الخمس الرابع أكابر بني مقدم فوافى من كان منهم بفحص القيروان‏.‏ وفر رافع إلى القيروان وامتنع عليه أهلها‏.‏ ثم اجتمع شيوخ دهمان واقتسموا البلاد وعينوا القيروان لرافع وأمكنوه‏.‏ وبعث علي بن يحيى عساكره والعرب المدونة على منازلة رافع بالقيروان وخرج إلى محاربتهم فهلك بالطريق في بعض حروبه مع أشياع رافع‏.‏ ثم أن ميمون بن زياد الصخري حمل رافع بن مكن على مسالمة السلطان وسعى في إصلاح ذات بينهما فانصلح وارتفعت بينهما الفتنة‏.‏ وقام بقابس من ذلك رشيد بن كامل‏.‏ قال ابن نخيل وهو الذي اختط قصر العروسيين وضرب السكة الرشيدية‏.‏ وولي بعده ابنه محمد بن رشيد وغلب عليه مولاه يوسف‏.‏ ثم خرج محمد في بعض وجوهه وترك ابنه مع يوسف فطرده يوسف واستبد وانتهى إلى طاعة رجار فثار به أهل قابس ودفعوه عنهم فخرج إلى أخيه‏.‏ ولحق أخوه عيسى بن رشيد وأخبره الخبر فحاصرهم رجار بسبب ذلك مدة من الأيام‏.‏ وكان آخر من ملكها من بني جامع أخوه مدافع بن رشيد بن كامل‏.‏ ولما استولى عبد المؤمن على المهدية وصفاقس وطرابلس بعث ابنه عبد الله بعسكر إلى قابس ففر مدافع بن رشيد عن قابس وأسلمها للموحدين ولحق بعرب طرابلس من عرب عوف فأجاروه سنتين ثم لحق بعبد المؤمن بقابس فأكرمه ورضي عنه وانقرض أمر بني جامع من يؤانس والبقاء لله وحده‏.‏

الخبر عن ثورة رافع بن مكن بن مطروح بطرابلس والفرياني بصفاقس
على النصارى وإخراجهم واستبدادههم بأمر بلدهم في آخر دولة بني باديس أما طرابلس فكان رجار صاحب صقلية قد استولى عليها سنة أربعين وخمسمائة عل يد قائده جرجي بن ميخاييل الأنطاكي وأبقى المسلمين بها واستعمل عليهم وبقيت في مملكة النصارى أياماً‏.‏ ثم إن أبا يحيى بن مطروح من أعيان البلد مشى في وجوه الناس وأعيانهم وداخلهم في الفتك بالنصارى فاجتمعوا لذلك وثاروا بهم وأحرقوهم بالنار ولما وصل عبد المؤمن إلى المهدية وافتتحها سنة خمس وخمسين وفد عليه أبو يحيى بن مطروح ووجوه أهل طرابلس فأوسعهم براً وتكرمة‏.‏ وقدم ابن مطروح المذكور عليهم وردهم إلى بلدهم فلم يزل عليهم إلى أن هرم وعجز بعهد يوسف بن عبد المؤمن وطلب الحج فسرحه السيد أبو زيد بن أبي حفص محمد بن عبد المؤمن عامل تونس فارتحل في البحر سنة ست وثمانين واستقر بالإسكندرية‏.‏ وأما صفاقس فكانت ولاتها أيام بني باديس من صنهاجة قبيلهم إلى أن ولى المعز بن باديس عليها منصور البرغواطي من صنائعه وكان فارساً مقداماً فحدث نفسه بالثورة أيام تغلب العرب على إفريقية وخروج المعز إلى المهدية ففتك به ابن عمه حمو بن مليل البرغواطي وقتله في الحمام غدراً وامتعض له حلفاؤه من العرب وحاصروا حمو حتى بذل لهم من المال ما رضوا به‏.‏ واستبد حمو بن مليل بأمر صفاقس حتى إذا هلك المعز حدثته نفسه بالتغلب على المهدية فزحف إليها في جموعه من العرب ولقيه تميم فانهزم حمو وأصحابه سنة خمس وخمسين‏.‏ ثم بعث ابنه يحيى مع العرب لحصار صفاقس فحاصرها مدة وأقلع عنها وزحف إليه تميم بن المعز سنة ثلاث وتسعين فغلبه عليها ولحق حمو بمكن بن كامل أمير قابس فأجاره وصارت صفاقس إلى ملكة تميم ووليها ابنه‏.‏ ولما تغلب النصارى على المهدية وملكها جرجي بن ميخاييل قائد رجار سنة ثلاث وأربعين وتغلبوا بعدها على صفاقس وأبقوا أهلها واستعملوا عمر بن أبي الحسن القرباني لمكانه فيهم‏.‏ وحملوا أباه أبا الحسن معهم إلى صقلية رهناً وكان ذلك مذهب رجار وديدنه فيما ملك من سواحل إفريقية يبقيهم ويستعمل عليهم منهم ويذهب إلى العدل فيهم فبقي عمر بن أبي الحسن عاملاً لهم في أهل بلده وأبوه عندهم ثم أن النصارى الساكنين بصفاقس امتدت أيديهم إلى المسلمين ولحقوهم بالضرر‏.‏ وبلغ الخبر أبا الحسن وهو بمكانه من صقلية فكتب إلى ابنه عمر وأمره بانتهاز الفرصة فيهم والاستسلام إلى الله في حق المسلمين فثار بهم عمر لوقته سنة إحدى وخمسين وقتلهم‏.‏ وقتل النصارى أباه أبا الحسن وانتقضت عليهم بسبب ذلك سائر السواحل ولما افتتح عبد المؤمن المهدية من يد رجار وصل إليه عمر وأدى طاعته فولاه صفاقس‏.‏ ولم يزل والياً عليها وابنه عبد الرحمن من بعده إلى أن تغلب يحيى بن غانية فرغبه في الحج فسرحه ولم يعد‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 04:14 PM

الخبر عما كان بإفريقية من الثوار على صنهاجة
عند اضطرابها بفتنة العرب إلى أن محا أثرهم الموحدون لما كان أبو رجاء الورد اللخمي عند اضطرام نار الفتنة بالعرب وتقويص المعز عن القيروان إلى المهدية وتغلبهم عليها قد ضم إليه جماعة من الدعار وكان ساكناً بقلعة قرسبنة من جبل شعيب فكان يضرب على النواحي بجهة بنزرت ويفرض على أهل القرى الأتاوات بسبب ذلك فطال عليهم أمره ويئسوا من حسم دائه وكان ببلد بنزرت فريقان أحدهما من لخم وهم قوم الورد وبقوا فوضى واختلف أمرهم فبعثوا إلى الورد في أن يقوم بأمرهم فوصل إلى بلدهم فاجتمعوا عليه وأدخلوه حصن بنزرت‏.‏ وقدموه على سهم فحاطهم من العرب ودافع عن نواحيهم‏.‏ وكان بنو مقدم من الأثبج ودهمان من بني علي إحدى بطون رياح هم المتغلبون على ضاحيتهم فهادنهم على الأتاوة وكف بها عاديتهم واستفحل أمرهم وتسمى بالأمير وشيد المصانع والمباني وكثر عمران بنزرت إلى أن هلك فقام بأمره ابنه طراد وكان شهماً وكانت العرب تهابه‏.‏ وهلك فولي من بعده ابنه محمد بن طراد وقتله أخوه مقرن لشهر من ولايته في مسامرة وقام بأمر بنزرت وسمي بالأمير وحمى حوزته من العرب واصطنع الرجال وعظم سلطانه وقصده الشعراء وامتدحوه فوصلهم‏.‏ وهلك فولي من بعده ابنه عبد العزيز عشر سنين وجرى فيها على سنن أبيه وجده ثم ولي من بعده أخوه موسى على سننهم أربع سنين‏.‏ ثم من بعده أخوهما عيسى واقتفى أثرهم‏.‏ ولما نازل عبد الله بن عبد المؤمن وأفرج عنه ومر به في طريقه فاستفرغ جهده في قراه ونجع بطاعته‏.‏ وطلب منه الحفاظ على بلده فأسعفه‏.‏ وولى عليهم أبا الحسن الهرغي فلما قدم عبد المؤمن على إفريقية سنة أربع وخمسين راعى له ذلك وأقطعه واندرج في جملة الناس‏.‏ وكان بقلعة ورغة بدوكس بن أبي علي الصنهاجي من أولياء العزيز المنصور صاحب بجاية والقلعة قد شادها وحصنها‏.‏ وكان مبدأ أمره أن العزيز تغير عليه في حروب وقعت بينه وبين العرب نسب فيها إلى نفسه الإقدام وإلى السلطان العجز فخافه على نفسه ولحق ببجاية فأكرمه شيخها محمود بن نزال الريغي وآواه وترافع إلى محمود أهل ورغة من عمله‏.‏ وكانوا فئتين مختلفتين من زاتيمة إحدى قبائل البربر وهما‏:‏ أولاد مدين وأولاد لاحق‏.‏ فبعث عليهم بروكس بن أبي علي لينظر في أحوالهم وأقام معهم بالقلعة‏.‏ تم استجلب بعض الدعار كانوا بناحيتها وأنزلهم بالقلعة معهم واصطنعهم وصاهر أولاد مدين وظاهرهم على أولاد لاحق وأخرجهم من القلعة واستبد بها‏.‏ وقصدته الرجال من كل جانب إلى أن اجتمعت له خمسمائة فارس وأثخن في نواحيه وحارب بني الورد ببنزرت وابن علال بطبربة وقتل محمد بن سباع أمير بني سعيد من رياح وغصت القلعة بالساكن فاتخذ لها ربضاً وجهز إليه العزيز عسكره من بجاية فبارز قائد العسكر وفتك به واسمه غيلاس‏.‏ وهلك بعد مدة وقام بأمره ابنه منيع ونازله بنو سباع وسعيد طالبين بثأر أخيهما محمد‏.‏ وتمادى به الحصار وضاقت أحواله فاقتحموا عليه القلعة واستلحم هو وأهل بيته قتلاً وسبياً والله مالك الأمور‏.‏ وكان أيضاً بطبربة مدافع بن علال القيسي شيخ من شيوخها فلما اضطربت إفريقية عند دخول العرب إليها امتنع بطبرية وحصن قلعتها واستبد بها في جملة من ولده وبني عمه وجماعته إلى أن ثار عليه ابن بيزون اللخمي في البحرين على والي مجردة بإزاء الرياحين‏.‏ وطالت بينهما الفتنة والحرب‏.‏ وكان قهرون بن غنوش بمنزل دحمون قد بنى حصنه وشيده وجمع إليه جيشاً من أوباش القبائل وذلك لما أخرجه أهل تونس بعد أن ولاه العامة عليهم‏.‏ ثم صرفوه عن ولايتهم لسوء سيرته فخرج من البلد ونزل دحمون وبنى حصناً بنفسه مع الحنايا وردد الغارة على تونس وعاث في جهاتها فرغبوا من محرز بن زياد أن يظاهرهم عليه ففعل‏.‏ وبلغ خبره ابن علال صاحب طبربة فوصل ابن علال يده بصهر منه ونقله إلى بعض الحصون ببلده وهي قلعة غنوش وتظافروا على الإفساد‏.‏ وخلفهما بنوهما من بعدهما إلى أن وصل عبد المؤمن إلى إفريقية سنة أربع وخمسين فمحا آثار الفساد من جانب إفريقية وكان أيضاً حماد بن خليفة اللخمي بمنزل رقطون من إقليم زغوان على مثل حال ابن علال وابن غنوش وابن بيزون وخلفه ولده في مثل ذلك إلى أن انقطع ذلك على يد عبد المؤمن‏.‏ وكان عماد بن نصر الله الكلاعي بقلعة شقبنارية قد صار إليه جند من أهل الدعارة وأوباش القبائل فحماها من العرب واستغاث به ابن فتاتة ثميخ الأربس من العرب وشكا إليه سوء ملكتهم فزحف إليهم وأخرجهم من الأربس وفرض عليهم مالاً يؤدونه إليه إلى أن مات وولي ابنه من بعده فجرى على سننه إلى أن دخل في طاعة عبد المؤمن سنة أربع وخمسين وخمسمائة والله مالك الملك لا رب غيره سبحانه‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 04:15 PM

الخبر عن دولة آل حماد بالقلعة من ملوك صنهاجة الداعية لخلافة العبيديين
وما كان لهم من الملك والسلطان بإفريقية والمغرب الأوسط إلى حين انقراضه بالموحدين هذه الدولة شعبة من دولة آل زيري وكان المنصور بلكين قد عقد لأخيه حماد على أشير والمسيلة وكان يتداولها مع أخيه يطوفت وعمه أبي البهار‏.‏ ثم استقل بها سنة سبع وثمانين أيام باديس من أخيه المنصور ودفعه لحرب زناتة سنة خمس وتسعين بالمغرب الأوسط من مغراوة وبني يفرن وشرط له ولاية أشير والمغرب الأوسط وكل بلد يفتحه وأن لا يستقدمه‏.‏ فعظم عناؤه فيها وأثخن في زناتة وكان مظفراً عليهم‏.‏ واختط مدينة القلعة بجبل كتامة سنة ثمان وتسعين وهو جبل عجيسة وبه لهذا العهد قبائل عياض من عرب هلال‏.‏ ونقل إليها أهل المسيلة وأهل حمزة وخربهما‏.‏ ونقل جراوة من المغرب وأنزلهم بها وتم بناؤها وتمصيرها على رأس المائة الرابعة‏.‏ وشيد من بنيانها وأسوارها واستكثر فيها من المساجد والفنادق فاستبحرت في العمارة واتسعت بالتمدن‏.‏ ورحل إليها الثغور والقاصية والبلد البعيد طلاب العلوم وأرباب الصنائع لنفاق أسواق المعارف والحرف والصنائع بها‏.‏ ولم يزل حماد أيام باديس هذا أميراً على الزاب والمغرب الأوسط ومتولياً حروب زناتة‏.‏ وكان نزوله ببلد أشير والقلعة متاخماً لملوك زناتة وأحيائهم البادية بضواحي تلمسان وتاهرت‏.‏ وحاربه بنو زيري عند خروجهم على باديس سني تسعين وثلثمائة وهم زاوي وماكسن وإخوانهما فقتل ماكسن وابناه وألجأ زاوي وإخوته إلى جبل شنون وأجازهم البحر إلى الأندلس‏.‏ ثم إن بطانة باديس ومن إليه من الأعجام والقرابة نفسوا على حماد رتبته وسعوا في مكانه من بادس إلى أن فسد ذات بينهما‏.‏ وطلب باديس أن يسلم عمل تيجسب وقسطنطينة لولده المعز لما قلده الحاكم ولاية عهد ابنه فأبى حماد وخالف دعوة باديس وقتل الرافضة وأظهر السنة ورضي عن الشيخين ونبذ طاعة العبيديين جملة وراجع دعوة آل العباس وذلك سنة خمس وأربعمائة‏.‏ وزحف إلى باجة فدخلها بالسيف ودس إلى أهل تونس الثورة على المشارقة والرافضة فثاروا بهم فناصبه باديس الحرب وعبأ عساكره من القيروان وخرج إليه فنزع عن حماد أكثر أصحابه مثل‏:‏ بني أبي واليل أصحاب معرة من زناتة وبني حسن كبار صنهاجة وبني يطوفت من زناتة وبني غمرة أيضاً منهم وفر حماد وملك باديس أشير‏.‏ ولحق حماد بشلف بني واليل وباديس في اتباعه حتى نزل مواطن السرسو من بلاد زناتة‏.‏ ونزع إليه عطية بن داقلتن في قومه من بني توجين لما كان حماد قتل أباه‏.‏ وجاء على أثره ابن عمه بدر بن لقمان بن المعتز فوصلهما باديس واستظهر بهما على حماد‏.‏ ثم أجاز إليه باديس من وادي شلف وناجزه الحرب ونزع إليه عامة أهل معسكره فانهزم وأغذ السير إلى القلعة وباديس في أثره حتى نزل فحص المسيلة وانحجر حماد في القلعة وحاصره‏.‏ ثم هلك بمعسكره من ذلك الحصار فجأة بمضربه وهو نائم بين أصحابه آخر ست وأربعمائة فبايعت صنهاجة لابنه المعز صبياً ابن ثمان سنين‏.‏ وتلافوا أمر أشير وبعثوا كرامة بن منصور لسدها فلم يقدر واقتحمها عليه حماد‏.‏ واحتملوا باديس على أعواده إلى مدفنهم بالقيروان‏.‏ وبايعوا المعز بالبيعة العامة‏.‏ وزحف إلى حماد بناحية قفصة وأشفق حماد فبعث ابنه القائد لأحكام الصلح بينه وبين المعز فوصل إلى القيروان سنة ثمان وأربعمائة بهدية جليلة‏.‏ وأمضى له المعز ما سأله من الصلح ورجع إلى أبيه‏.‏ وهلك حماد سنة تسعة عشر وأربعمائة فقام بأمره ابنه القائد وكان جباراً فاستعمل أخاه يوسف على المغرب وويغلان على حمزة في بلد اخطته حمزة بن إدريس‏.‏ وزحف إليه حمامة بن زيري بن عطية ملك فاس من مغراوة سنة ثلاثين فخرج إليه القائد وسرب الأموال في زناتة‏.‏ وأحس بذلك حمامة فصالحه ودخل في طاعته ورجع إلى فاس‏.‏ وزحف إليه المعز من القيروان سنة أربع وثلاثين وحاصره مدة طويلة‏.‏ ثم صالح القائد وانصرف إلى أشير فحاصرها ثم أقلع عنها وانكفأ راجعاً‏.‏ وراجع القائد طاعة العبيديين لما نقم عليه المعز ولقبوه شرف الدولة‏.‏ وهلك سنة ست وأربعبن وولي ابنه محسن وكان جباراً وخرج عليه عمه يوسف ولحق بالمغرب فقتل سائر أولاد حماد وبعث محسن في طلبه بلكين ابن عمه محمد بن حماد وأصحبه من العرب خليفة بن بكير وعطية الشريف وأمرهما بقتل بلكين في طريقهما فأخبرا بلكين بذلك وتعاهدوا جميعاً على قتل محسن وأنذر بهم ففر إلى القلعة وأدركوه فقتله بلكين لتسعة أشهر من ولايته‏.‏ وولي الأمر سنة سبع وثلاثين وكان شهماً قرماً حازماً سفاكاً للدماء‏.‏ وقتل وزير محسن الذي تولى قبله‏.‏ وفي أيامه قتل جعفر بن أبي رمان مقدم بسكرة لما أحس بنكثه فخالف أهل بسكرة بأثر ذلك حسبما نذكره‏.‏ ثم مات أخوه مقاتل بن محمد فاتهم به زوجته ناميرت بنت عمه علناس بن حماد فقتلها وأحفظ ذلك أخاها الناصر وطوى على التبييت وكان بلكين كثيراً ما يردد الغزو إلى المغرب‏.‏ وبلغه استيلاء يوسف بن تاشفين والمرابطين على الصامدة فنهض نحوهم سنة أربع وخمسين وفر المرابطون إلى الصحراء وتوغل بلكين في ديار المغرب رنزلى بفاس واحتمل من أكابر أهلها وأشرافهم رهناً على لاعة‏.‏ وانكفأ راجعاً إلى القلعة فانتهز منه الناصر ابن عمه الفرصة في الثأر بأخته ومالأه قومه من صنهاجة لما لحقهم من تكلف المشقة بإبعاد الغزو والتوغل في أرص العدو فقتلة بتساتة سنة أربع وخمسين‏.‏ وقام بالأمر من بعده واستوزر أبا بكر أبي الفتوح وعقد على المغرب لأخيه كباب وأنزله مليانه وعلى حمزة لأخيه رومان وعلى نقاوس لأخيه خزر‏.‏ وكان المعز قد هدم سورها فأصلحه الناصر وعقد على قسطنطينة لأخيه بلبار وعلى الجزائر ومرسى الدجاج لابنه عبد الله وعلى أشير لابنه يوسف وكتب إليه حمو بن مليل البرغواطي من صفاقس بالطاعة وبعث إليه بالهدية‏.‏ ووفد عليه أهل قسطنطينة ومقدمهم يحيى بن واطاس فأعلنوا بطاعته وأجزل صلتهم وردهم إلى أماكنهم وعقد عليها ليوسف بن خلوف من صنهاجة ودخل أهل القيروان أيضاً قي طاعته وكذلك أهل تونس‏.‏ وكان أهل بسكرة لما قتله بلكين مقدمهم جعفر بن أبي رمان خلعوا طاعة آل حماد واستبدوا بأمر بلدهم وعيلهم بنو جعفر فسرح الناصر إليهم خلف بن أبي حيدرة وزيره ووزير بلكين قبله فنازلها وافتتحها عنوة واحتمل بني جعفر في جماعة من رؤسائها إلى القلعة فقتلهم الناصر وصلبهم ثم قتل خلف بن أبي حيدرة بسعاية رجالات صنهاجة فيه أنه لما بلغه خبر يلكين أراد تولية أخيه معمر وشاورهم في ذلك فقتله الناصر وولى مكانه أحمد بن جعفر بن أفلح‏.‏ ثم خرج الناصر ليتفقد المغرب فوثب علي بن راكان على تافربوست دار ملكهم‏.‏ وكان لما قتل بلكين هرب إلى إخوانه من عجيسة واهتبلوا الغرة في تافربوست لغيبة الناصر فطرقوها ليلاً‏.‏ وملكها علي فرجع الناصر من المسيلة وعاجلهم فسقط في أيديهم وافتتحها عليهم عنوة وذبح علي بن راكان نفسه بيده ثم وقعت بين العرب الهلاليين فتن وحروب ووفد عليه رجالات الأثبج صريخاً به على رياح فأجابهم ونهض إلى مظاهرتهم في جموعه من صنهاجة وزناتة حتى نزل للاربس وتواقعوا بسببه فغدرت بهم زناتة وجروا عليه وعلى قومه الهزيمة بدسيسة ابن المعز بن زيري بن عطية وإغراء تميم بن المعز فانهزم الناصر واستباحوا خزائنه ومضاربه وقتل أخوه القاسم وكاتبه ونجا إلى قسطنطينة في أتباعه‏.‏ ثم لحق بالقلعة في فل من عسكره لم يبلغوا مايتين‏.‏ وبعث وزيره ابن أبي الفتوح للإصلاح فعقد بينهم وبينه صلحاً وتممه الناصر‏.‏ ثم وفد عليه رسول تميم وسعى عنده بالوزير ابن أبي الفتوح وأنه مائل إلى تميم فنكسه وقتله‏.‏ وكان المستنصر بن خزرون الزناتي خرج في أيام الفتنة بين الترك والمغاربة بمصر ووصل إلى طرابلس فوجد بني عدي بها قد أخرجهم الأثبج وزغبة من إفريقية كما ذكرناه فرغبهم في بلاد المغرب وسار بهم حتى نزل المسيلة ودخلوا أشير‏.‏ وخرج إليه الناصر ففر إلى الصحراء ورجع فرجع إلى مكانه من الإفساد فراسله الناصر في الصلح فأسعفه وأقطعه ضواحي الزاب ووريغة وأوعز إلى عروس بن هندي رئيس بسكرة لعهده وولي دولته أن يمكن به فوصل المنتصر إلى بسكرة وخرج إليه عروس بن هندي وأحمد نزله وأشار إلى حشمه عند انسكاب المنتصر وذويه على الطعام فبادروا مكبين لطعنه وفر أتباعه وأخذوا رأسه وبعث به إلى الناصر فنصبه ببجاية وصلب شلوه بالقلعة وجعلوه عظة لغيره‏.‏ وقتل كثير من رؤساء رناتة فمن مغراوة أبي الفتوح بن حبوس أمير بني سنجلس وكانت له بلد لمدية ولمرية قبيل من بطون صنهاجة سميت البلد بهم وقتل معتصر بن حماد منهم أيضاً وكان بناحية شلف فأجلب على عامل مليانة وقتل شيوخ بني وريسفان من مغراوة فكاتبهم السلطان لما كان مشتغلاً عنهم بشأن العرب فزحفوا إلى معنصر وقتلوه وبعثوا برأسه إلى الناصر فنصبه على رأس القصر‏.‏ وبعث إليه أهل الزاب أن عمر ومغراوة ظاهروا الأثبج من العرب على بلادهم فبعث ابنه المنصور في العساكر ونزل وعلان بلد المنتصر بن خزرون وهدمها‏.‏ وبعث سراياه وجيوشه إلى بلد واركلا وولى عليها وقفل بالغنائم والسبي وبلغه عن بني توجين من زناتة أنهم ظاهروا بني عدي من العرب على الفساد وقطع السبيل وأميرهم إذ ذاك مناد بن عبد الله فبعث ابنه المنصور إليهم بالعسكر وتقبض على أمراء بني عدي ساكن بن عبد الله وحميد بن خزعل ولاحق بن جهان وتقبض أيضاً على أمير بني توجين وأخيه زيري وعميهما الأغلب وحمامة وأحضرهم فوبخهم وقدر عليهم فغلبه في إجارتهم من أولاد القاسم رؤساء بني عبد الواد وقتلهم جميعاً على الخلاف‏.‏ وفي سنة ستين افتتح جبل بجاية وكان له قبيل من البربر يسمون بهذا الاسم إلا أن الكاف فيهم بلغتهم ليست كافاً بل هي بين الجيم والكاف وهذا القبيل من صنهاجة باقون لهذا العهد أوزاعاً في البربر فلما افتتح هذا الجبل اختط به المدينة وسماها الناصريه وتسمى عند الناس باسم القبيلة وهي بجاية وبنى بها قصر اللؤلؤة وكان من أعجب قصور الدنيا ونقل إليها الناس وأسقط الخراج عن ساكنيها وانتقل إليها سنة إحدى وستين‏.‏ وفي أيام الناصر هذا كان استفحال ملكهم وشغوفه على ملك بني باديس إخوانهم بالمهدية ولما أضرع منه الدهر بفتنة العرب الهلاليين حتى اضطرب عليهم أمرهم وكثر الثوار عليهم والمنازعون من أهل دولتهم فاعتز آل حماد هؤلاء أيام الناصر هذا وعظم شأن أيامهم فبنى المباني العجيبة المؤنقة وشيد المدائن العظيمة وردد الغزو إلى المغرب وتوغل فيهم‏.‏ ثم هلك سنة إحدى وثمانين وقام بالأمر من بعده ابنه المنصور بن الناصر‏.‏ ونزل بجاية سنة ثلاث وثمانين وأوطنها بعساكره وخاصة بعرا من منازل العرب وما كانوا يسومونهم بالقلعة من خطة الخسف وسوء العذاب بوطء ساحاتها والعيث في نواحيها وتخطف الناس من حولها لسهولة طرقها على رواحلهم وصعوبة المسالك عليها في الطريق إلى بجاية لمكان الأوعار فاتخذ بجاية هذه معقلاً وصيرها داراً لملكه وجمد قصورها وشيد جامعها‏.‏ وكان المنصور هذا جماعة مولعاً بالبناء وهو الذي حضر ملك بني حماد وتأنق في اختطاط المباني وتشييد المصانع واتخاذ القصور وإجراء المياه في الرياض والبساتين‏.‏ فبنى في القلعة قصر الملك والمنار والكوكب وقصر السلام وفي بجاية قصر اللؤلؤة وقصر أميميون‏.‏ وكان أخوه يلباز على قسطنطينة منذ عهد الناصر أبيهما‏.‏ وهم بالاستبداد لأول ولاية المنصور فسرح إليه أبا يكنى بن محصن بن العابد في العساكر وعقد له على قسطنطينه وبونة فتقبض على بلباز وأشخصه إلى القلعة وأقام والياً على قسطنطينة مكانه وولى أخاه ويغلان على بونة‏.‏ ثم بدا له في الخلاف على المنصور وثار بقسطنطينة سنة سبع وثمانين‏.‏ وبعث أخاه من بونة إلى تميم بن المعز بالمهدية واستدعاه لولاية بونة فبعث معه ابنه أبا الفتوح بن تميم ونزل بونة مع ويغلان‏.‏ وكاتبوا المرابطين بالمغرب الأقصى وجمعوا العرب على أمرهم‏.‏ وسرح المنصور عساكره فحاصروا بونة سبعة أشهر‏.‏ ثم اقتحموها غلاباً وتقبضوا على أبي الفتوح بن تميم وبعثوا به إلى المنصور فاعتقله بالقلعة‏.‏ ثم نازلت عساكره قسطنطينة واضطرب أحوال ابن أبي يكنى فخرج إلى قلعة بجبل أوراس وتحصن بها‏.‏ ونزل بقسطنطينة صليصل بن الأحمر من رجالات الأثبج‏.‏ وداخل صليصل المنصور في أن يمكنه من قسطنطينة على مال يبذله ففعل واستولى عليها المنصور‏.‏ وأقام أبو يكنى بحصنه من أوراس وردد الغارة على قسطنطينة فتوجهت إليه العساكر وحاصروه بقلعته‏.‏ ثم اقتحموها عليه وقتلوه‏.‏ وكان بنو ومانو من زناتة حياً جميعاً وقوماً أعزة‏.‏ وكانت إليهم رئاسة زناتة‏.‏ وكان رئيسهم لعهده ماخوخ وكان بينهم وبين آل حماد صهر فكانت إحدى بناتهم زوجة للناصر وكانت أخرى عند المنصور‏.‏ ولما تجددت الفتنة بينه وبين قومهما أغزاهم المنصور بنفسه في جموع صنهاجة وحشوده وجمع له ماخوخ ولقيه في زناتة فانهزم المنصور إلى بجاية فقتل أخت ماخوخ التي كانت تحته‏.‏ واستحكمت النفرة بين ماخوخ وبينه‏.‏ وسار إلى ولاية أمراء تلمسان من لمتونة وحرضهم على بلاد صنهاجة فكان ذلك مما دعا المنصور إلى النهوض إلى تلمسان‏.‏ وذلك أن يوسف بن تاشفين لما ملك المغرب واستفحل به أمره سما إلى ملك تلمسان فغلب عليها أولاد يعلى سنة أربع وسبعين على ما يأتي ذكره وأنزلها محمد بن يغمر المسوفي وصيرها ثغراً لملكه فاضطلع بأمرها ونازل بلاد صنهاجة وثغورهم فزحف إليه المنصور وأخرب ثغوره وحصون ماخوخ وضيق عليه فبعث إليه يوسف بن تاشفين وصالحه‏.‏ وقبض أيدي المرابطين عن بلاد صنهاجة ثم عاود المرابطون إلى شأنهم في بلاده فبعث ابنه الأمير عبد الله وسمع به المرابطون فانقبضوا عن بلاده وزحفوا إلى مراكش‏.‏ واحتل هو بالمغرب الأوسط فشن الغارة في بلاد بني ومانوا وحاصر الجعبات وفتحها ثم عاود ذلك مرات كذلك وعفا عن أهلها ورجع إلى أبيه‏.‏ ثم وقعت الفتنة بينه وبين ماخوخ‏.‏ وقتل أخوه ولحق ابن ماخوخ بتلمسان وظاهره ابن يغمر صاحب تلمسان على أمره وأجلبوا على الجزائر فنازلوها يومين مات عقيبها محمد بن يغمر صاحب تلمسان‏.‏ وولي يوسف بن تاشفين مكان أخيه تاشفين بن يغمر فنهض إلى أشير وافتتحها فقام المنصور في ركائبه ومعه كافة صنهاجة‏.‏ ومن العرب أحياء الأثبج وزغبة وربيعة وهم المعقل من زناتة أمماً كثيرة ونهض إلى غزو تلمسان سنة ست وسبعين في نحو عشرين ألفاً‏.‏ ولقي أسطقسيف وبعث العسكر في مقدمته وجاء على أثرهم‏.‏ وكان تاشفين قد أفرج عن تلمسان وخرج إلى تسالة ولقيته عساكر المنصور فهزموه ولجأ إلى جبل الصخرة‏.‏ وعاثت عساكر المنصور في تلمسان فخرجت إليه حوا زوجة تاشفين أميرهم متذممة راغبة في الإبقاء متوسلة بوشائج الصنهاجية فأكبر قصدها إليه وأكرم موصلها وأفرج عنهم صبيحة يومه‏.‏ وانكفأ راجعاً إلى حضرته بالقلعة‏.‏ وأثخن بعدها في زناتة وشردهم بنواحي الزاب والمغرب الأوسط‏.‏ ورجع إلى بجاية وأثخن في نواحيها ودوخت عساكره قبائلها فساروا في جبالها المنيعة مثل بني عمران وبني تازروت والمنصورية والصهريج والناظور وحجر المغز وقد كان أسلافه يرومون كثيراً عنها فتمتنع عليهم فاستقام أمره واستفحل ملكه‏.‏ وقدم عليه معز الدولة بن صمادح من المرية فاراً أمام المرابطين لما ملكوا الأندلس فنزل على المنصور وأقطعه تدلس وأنزله بها‏.‏ وهلك سنة ثمان وتسعين فولي من بعده ابنه باديس فكان شديد البأس عظيم النظر فنكب عبد الكريم بن سليمان وزير أبيه لأول ولايته وخرج من القلعة إلى بجاية فنكب سهاماً عامل بجاية‏.‏ وهلك قبل أن يستكمل سنة وولي من بعده أخوه العزيز‏.‏ وقد كان عزله عن الجزائر وغربه إلى جيجل فبعث عنه القائد علي بن حمدون فوصل وبايعوه وصالح زناتة وأصهر إلى ماخوخ فأنكحه ابنته‏.‏ وطال أمر ملكه وكانت أيامه هدنة وأمناً‏.‏ وكان العلماء يتناظرون في مجلسه‏.‏ ونازلت أساطيله جربة فنزلوا على حكمه وأخذوا بطاعته‏.‏ ونازل تونس وصالحه صاحبها أحمد بن عبد العزيز وأخذ بطاعته وكبس العرب في أيامه القلعة وهم غازون فاكتسحوا جميع ما وجدوه بظواهرها وعظم عيثهم وقاتلتهم الحامية فغلبوهم وأخرجوهم من البلد‏.‏ ثم ارتحل العرب وبلغ الخبر إلى العزيز فبعث ابنه يحيى وقائده علي بن حمدون من بجاية في عسكر وتعبية فوصل إلى القلعة وسكن الأحوال‏.‏ وقد أمن العرب واستعتبوا فأعتبوا وانكفأ يحيى راجعاً إلى بجاية في عسكره‏.‏ وعلى عهد العزيز هذا كان وصول مهدي الموحدين إلى بجاية قافلاً من المشرق سنة اثتتي عشرة وغير بها المنكر فسعى به عند العزيز وائتمر به فخرج إلى بني ورياكل من صنهاجة كانوا ساكنين بوادي بجاية فأجاروه‏.‏ ونزل عليهم بملالة وأقام بها يدرس العلم‏.‏ وطلبه العزيز فمنعوه وقاتلوه دونه إلى أن رحل عنهم إلى المغرب‏.‏ وهلك العزيز سنة خمس عشرة وأربعمائة فولي من بعده ابنه يحيى وطالت أيامه مستضعفاً مغلباً للنساء مولعاً بالصيد على حين انقراض الدولة وذهاب الأيام بقبائل صنهاجة واستحدث السكة ولم يحدثها أحد من قومه أدباً مع خلفائهم العبيديين ونقل ابن حماد أن سكته في الدينار كانت ثلاثة سطور ودائرة في كل وجه فدائرة الوجه الواحد‏:‏ ‏"‏ واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ‏"‏ والسطور‏:‏ لا إله إلا الله محمد رسول الله يعتصم بحبل الله يحيى بن العزيز بالله الأمير المنصور‏.‏ ودائرة الوجه الآخر‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم ضرب هذا الدينار بالناصرية سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة‏.‏ وفي سطوره‏:‏ الإمام أبو عبد الله المقتفي لأمر الله أمير المؤمنين العباسي‏.‏ ووصل سنة ثلاث وأربعين إلى القلعة لافتقادها ونقل ما بقي بها وانتقض عليه بتوزر ابن مروان فجهز إليه الفقيه مطرف بن علي بن حمدون في العساكر فافتتحها عنوة وتقبض على ابن مروان وأوصله إليه فسجنه بالجزائر إلى أن هلك في معتقله وقيل قتله‏.‏ وبعث مطرف بابنه إلى تونس فافتتحها ونازل في وجهته هذه المهدية فامتنعت عليه ورجع إلى بجاية‏.‏ وتغلب النصارى على المهدية وقصده الحسن صاحبها فأجازه إلى الجزائر وأنزله بها مع أخيه القائد حتى إذا زحف الموحدون إلى بجاية وفر القائد من الجزائر وأسلمها قدموا الحسن على أنفسهم‏.‏ ولقي عبد المؤمن فأمنهم وأخرج يحيى بن عبد العزيز أخاه سبع للقاء الموحدين فانهزم وملك الموحدون بجاية‏.‏ وركب يحيى البحر إلى صقلية يروم الإجازة منها إلى بغداد‏.‏ ثم عدل إلى بونة فنزل على أخيه الحارث‏.‏ ونكر عليه سوء صنيعه وإخراجه عن البلاد فارتحل عنه إلى قسطنطينة فنزل على أخيه الحسن فتخلى له عن الأمر‏.‏ وفي خلال ذلك دخل الموحدون لقلعة عنوة‏.‏ وقتل حوشن بن العزيز وابن الدحامس من الأثبج معه وخربت القلعة‏.‏ ثم بايع يحيى لعبد المؤمن سنة سبع وأرببعين‏.‏ ونزل عن قسطنطينة واشترط لنفسه فوفى له ونقله إلى مراكش فسكنها‏.‏ ثم انتقل إلى سلا سنة ثمان وخمسين فسكن قصر بني عشيرة إلى أن هلك في سنته‏.‏ وأما الحارث بن عبد العزيز صاحب بونة ففر إلى صقلية واستصرخ صاحبها فصارخه على أمره ورجع إلى بونة وملكها‏.‏ ثم غلب عليها الموحدون وقتلوه صبراً‏.‏ وانقرض ملك بني حماد والبقاء لله وحده ولم يبق من قبائل ماكسن إلا أوزاع بوادي بجاية ينسبون إليهم وهم لهذا العهد في عداد الجند ولهم اقطاع بنواحي البلد على العسكرة في جملة السلطنة مع قواده والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 04:16 PM

الخبر عن ملوك بني حبوس في ماكسن من بني زيري من صنهاجة
بغرناطة من عدوة الأندلس وأولية ذلك ومصايره لما استبد باديس بن المنصور بن بلكين بن زيري بن مناد بن هاد بولاية إفريقية سنة خمس وثمانين ولى عمومته وقرابته ثغور عمله فأنزل حماداً بأشير وأخاه يطوفت بتاهرت وزحف زيري بن عطية صاحب فاس من مغراوة بدعوة المؤيد هشام خليفة قرطبة إلى عمل صنهاجة في جموع زناتة ونزل تاهرت وسرح باديس عساكره لنظر محمد بن أبي العون فالتقوا على تاهرت وانهزم صنهاجة فزحف باديس بنفسه للقائهم وخالف عليه فلفول بن سعيد بن خزرون صاحب طبنة‏.‏ ثم أجفل زيري بن عطية امامه ورجع به إلى المغرب فرجع باديس إلى القيروان وترك عمومته أولاد زيري بأشير مع حماد وأخيه يطوفت وهم‏:‏ زاوى وجلال وعمرم ومعنين وأجمعوا على الخلاف والخروج على باديس سنة سبع وثمانين فأسلموا حماداً برمته واستولوا على جميع ما معه واتصل الخبر بأبي البهار بن زيري وهم مع باديس فخشيه على نفسه ولحق بهم واجتمعوا في الخلاف واشتغل باديس عنهم بحرب فلفول بن يانس مولى الحاكم القادم على طرابلس من قبله وانفسح مجالهم في الفساد والعبث ووصلوا أيديهم بفلفول وعاقدوه‏.‏ ثم رجع أبو البهار عنهم إلى باديس فتقبله وصالح له ثم رجعوا إلى حماد سنة إحدى وتسعين ولقيهم فهزمهم وقتل مساكن وابنه ولحق زاوي بجبل شنوق من ساحل مليانة وأجاز البحر إلى الأندلس في بنيه وبني أخيه وحاشيته ونزل على المنصور بن أبي عامر صاحب الدولة وكافل الخلافة الأموية فأحسن نزلهم وأكرم وفادتهم واصطنعهم لنفسه واتخذهم بطانة لدولته وأوليائه على ما يرومه من قهر الدولة والتغلب على الخلافة ونظمهم في طبقات زناتة وسائر رجالات البربر الذين أدال بجموعهم من جنود السلطان وعساكر الأموية وقبائل العرب واستغلظ أمر صنهاجة بالأندلس واستفحلت أمارتهم وحملوا دولة المنصور بن أبي عامر وولديه المظفر والناصر من بعده على كاهلهم‏.‏ ولما انقرض أمرهم واضمحلت دولتهم ونشأت الفتنة بالأندلس بين البرابرة وأهلها فكان زاوي كبش تلك الوقائع ومحش حروبها‏.‏ وتمرس بقرطبة هو وقومه صنهاجة وكافة زناتة والبربر حتى أثبتوا قدم خليفتهم المستعين سليمان بن الحكم بن سليمان بن الناصر الذي أتوه ببيعتهم وأعطوه على الطاعة صفقتهم كما ذكرناه في أخبارهم ثم اقتحموا به قرطبة عنوة واصطلموا عامة أهلها وأنزلوا المعرات بذوي الصون منها وبيوتات الستر من خراصها فحدث الناس في ذلك بأخبارها‏.‏ وتوصل زاوي عند استباحة قرطبة إلى رأس أبيه زيرى بن مناد المنصور بجدران قصر قرطبة فأزاله وأصاره إلى قومه ليدفن في جدثه‏.‏ ثم كان شأن أبي حمود من العلوية وافترق أمر البرابرة واضطرمت الأندلس ناراً وامتلأت جوانبها فتنة وأسرى الرؤساء من البرابرة ورجالات الدولة على النواحي والأمصار فملكوها وتحيزت صنهاجة إلى ناحية ألبيرة فكانت ضواحيها لهم وحصل عليها استلاؤهم وزاوي يومئذ عضد البرابرة فنزل غرناطة واتخذها داراً لملكته ومعتصماً لقومه‏.‏ ثم وقع في نفسه سوء أثر البربر بالأندلس أيام الفتنة وحذر مغبة الفعلة واستعاضت الدولة فاعتزم على الرطة وآوى إلى سلطان قومه بالقيروان سنة عشر وأربعمائة بعد غيبة عشرين سنة وأنزل على المعز بن باديس حافد أخيه بلكين أجل ما كانت دولتهم بأمر إفريقية وأترف وأوسع ملكاً وأوفر عدداً‏.‏ فلقيه المعز بأحسن أحوال البر والتجلة وأنزله أرفع المنازل من الدولة وقدمه على الأعمام والقرابة وأسكنه بقصره وأبرز الحرم للقائه فيقال إنه لقيه من ذوات محارمه ألف امرأة لا تحل له واحدة منهن ووارى إبراهيم مع شلوه بجدثه وكان استخلف على عمله ابنه ونا فظعن لأهل غرناطة فانتقضوا عليه وبعثوا عن حبوس ابن عمه ماكسن بن زيري مكانه ببعض حصون عمله فبادر إليهم ونزل بغرناطة فانتقضوا عليه وبايعوه واستحدث بها ملكاً وكان من أعظم ملوك الطوائف بالأندلس إلى أن هلك سنة تسع وعشرين‏.‏ وولي من بعده ابنه باديس بن حبوس ويلقب بالمظفر ولم يزل مقيماً لدعوة آل حمود أمراء مالقة بعد تخلفهم عن قرطبة سائر أيامه وزحف إليها العامري صاحب المرية سنة تسع وعشرين فلقيه باديس بظاهر غرناطة فهزمه وقتله وطالت أيامه ومد ملوك الطوائف أيديهم جميعاً إلى مدده فكان ممن استمده محمد بن عبد الله البرزالي لما حاصره إسمعيل بن القاضي بن عباد بعساكر أبيه فأمده باديس بنفسه وقومه وصار إلى صريخه مع ابن بقية قائد إدريس بن حمود صاحب المالقة سنة إحدى وثلاثين ورجعوا من طريقهم وطمع إسمعيل بن القاضي بن عباد مع صريخه فيهم فاتبعهم ولحق بباديس في قومه فاقتتلوا وفر عسكر إسمعيل وأسلموه فقتله صنهاجة وحمل رأسه إلى ابن حمود‏.‏ وكان القادر بن ذي النون صاحب طليلة أيضاً يستدفع به وبقومه استطالة ابن عباد وأعوانه‏.‏ وباديس هذا هو الذي مصر غرناطة واختط قصبتها وشاد قصورها وشيد حصونها وآثاره في مبانيها ومصانعها باقية لهذا العهد‏.‏ واستولى على مالقة عند انقراض بني حمود سنة تسع وأربعين وأضافها إلى عمله وهلك سنة سبع وستين‏.‏ وظهرأمر المرابطين بالمغرب واستفحل ملك يوسف بن تاشفين فولي من بعده حافده عبد الله بن بلكين بن باديس‏.‏ وتغلب المظفر وعقد لأخيه تميم على مالقة فاستقام أمرها إلى أن أجاز يوسف بن تاشفين إلى العدوة إجازته المعروفة كما نذكره في أخباره ونزل بغرناطة سنة ثلاث وثمانين فتقبض على عبد الله بن بلكين واستصفى أمواله وذخيرته وألحق به أخاه تميماً من مالقة واستصحبها إلى العدوة‏.‏ فأنزل عبد الله وتميماً بالسوس الأقصى وأقطع لهما إلى أن هلكوا في إيالته‏.‏ ويزعم بنو الماكسن من بيوتات طنجة لهذا العهد أنهم من أعقابهم فاضمحل ملك بلكانة من صنهاجة ومن إفريقية والأندلس أجمع والبقاء لله وحده‏.‏

الطبقة الثانية من صنهاجة
وهم الملثمون وما كان لهم بالمغرب من الملك والدولة هنه الطبقة من صنهاجة هم الملثمون الموطنون بالقفر وراء الرمال الصحراوية بالجنوب أبعدوا في المجالات هنالك منذ دهور قبل الفتح لا يعرف أولها فأصحروا عن الأرياف ووجدوا بها المراد وهجروا التلول وجفوها واعتاضوا منها بألبان الأنعام ولحومها انتباذاً عن العمران واستئناساً بالانفراد وتوحشاً بالعز عن الغلبة والقهر‏.‏ فنزلوا من ريف الحبشة جواراً وصاروا ما بين بلاد البربر وبلاد السودان حجزاً واتخذوا اللثام خطاماً تميزوا بشعاره بين الأمم وعفوا في تلك البلاد وكثروا‏.‏ وتعددت قبائلهم من كذالة فلمتونة فمسوفة فوتريكة فناوكا فزغاوة ثم لمطة إخوة صنهاجة كلهم ما بين البحر المحيط بالمغرب إلى غدامس من قبلة طرابلس وبرقة‏.‏ وللمتونة فيهم بطون كثيرة منهم‏:‏ بنو ورتنطق وبنو زمال وبنو صولان وبنو ناسجة وكان موطنهم من بلاد الصحراء يعرف كاكدم وكان دينهم جميعاً المجوسية شأن برابرة المغرب‏.‏ ولم يزالوا مستقرين بتلك المجالات حتى كان إسلامهم بعد فتح الأندلس وكانت الرياسة فيهم للمتونة‏.‏ واستوسق لهم ملك ضخم منذ دولة عبد الرحمن بن معاوية الداخل توارتة ملوك منهم‏.‏ تلاكاكين وورتكا وأوراكن بن ورتنطق جد أبي بكر بن عمر أمير لمتونة في مبتدأ دولتهم وطالت أعمارهم فيها إلى الثمانين ونحوها ودوخوا تلك البلاد الصحراوية وجاهدوا من بها من أمم السودان وحملوهم على الإسلام فدان به كثيرهم‏.‏ واتقاهم آخرون بالجزية فقبلوها منهم وملك عليهم بعد تلاكاكين المذكور تيولوتان‏.‏ قال ابن أبي زرع‏:‏ أول من ملك الصحراء من لمتونة تيولوتان فدوخ بلاد الصحراء واقتضى مغارم السودان‏.‏ وكان يركب في مائة ألف نجيب‏.‏ وتوفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين وملك بعده يلتان وقام بأمرهم وتوفي سنة سبع وثمانين ومائتين وقام بأمرهم بعده ابنه تميم إلى سنة ست وثلثمائة وقتله صنهاجة وافترق أمرهم‏.‏ انتهى كلام ابن أبي زرع‏.‏ وقال غيره‏:‏ كان من أشهرهم تينزوا بن وانشيق بن بيزا وقيل برويان بن واشنق بن يزار ملك الصحراء بأسرها على عهد عبد الرحمن الناصر وابنه الحكم المستنصر في المائة الرابعة‏.‏ وفي عهد عبيد الله وابنه أبي القاسم من خلفاء الشيعة كان يركب في مائة ألف نجيب وعمله مسيرة شهرين في مثلها‏.‏ ودان له عشرون ملكاً من ملوك السودان يعطونه الجزى وملك من بعده بنوه ثم افترق أمرهم من بعد ذلك وصار ملكهم طوائف ورياستهم شيعاً‏.‏ قال ابن أبي زرع‏:‏ افترق أمرهم بعد تميم بن يلتان مائة وعشرون سنة إلى أن قام فيهم أبوعبيد الله بن تيفاوت المعروف بناشرت اللمتوني فاجتمعوا عليه وأحبوه وكان من أهل الدين والصلاح وحج وهلك لثلاثة أعوام من رياسته في بعض غزواته‏.‏ وقام بأمرهم صهره يحيى بن إبراهيم الكندالي‏.‏ وبعده يحيى بن عمر بن تلاكاكين‏.‏ وكان لهذه الطبقة ملك ضخم بالمغرب والأندلس أولاً وبإفريقية بعده فنذكره الآن على نسقه‏.‏

ميارى 8 - 8 - 2010 04:17 PM

دولة المرابطين من لمتونة
الخبر عن دولة المرابطين من لمتونة وما كان لهم بالعدوتين من الملك وأولية ذلك ومصايره كان هؤلاء الملثمون في صحاريهم كما قلناه وكانوا على دين المجوسية إلى أن ظهر فيهم الإسلام لعهد المائة الثالثة كما ذكرناه وجاهدوا جيرانهم من السودان عليه فدانوا لهم واستوثق لهم الملك‏.‏ ثم افترقوا وكانت رياسة كل بطن منهم في بيت مخصوص‏.‏ فكانت رياسة لمتونة في بني ورتانطق بن منصور بن مصالة بن المنصور بن مزالت بن أميت بن رتمال بن تلميت وهو لمتونة‏.‏ ولما أفضت الرياسة إلى يحيى بن إبراهيم الكندالي وكان له صهر في بني ورتانطق هؤلاء وتظاهروا على أمرهم‏.‏ وخرج يحيى بن إبراهيم لقضائه فرصة في رؤساء من قومه في سني أربعين وأربعمائة فلقوا في منصرفهم بالقيروان شيخ المذهب المالكي أبو عمران الفاسي واغتنموا ما متعوا به من هديه وما شافههم به من فروض أعيانهم من فتاوبه‏.‏ وسأله الأمير يحيى أن يصحبهم من تلميذه من يرجعون إليه في نوازلهم وقضايا دينهم‏.‏ فندب تلميذه إلى ذلك حرصاً على إيصال الخير إليهم لما رأى من رغتهم فيه فاستوعبوا مسغبة بلادهم‏.‏ وكتب لهم الفقيه أبو عمران إلى الفقيه محمد وكاك بن زلوا اللمطي بسجلماسة من الآخذين عنه وعهد إليه أن يلتمس لهم من يثق بدينه وفقهه ويروض نفسه على مسغبة أرضهم قي معاشه فبعث معهم عبد الله بن ياسين بن مكو الجزولي ووصل معهم يعلمهم القرآن ويقيم لهم الدين‏.‏ ثم هلك يحيى بن إبراهيم وافترق أمرهم واطرحوا عبد الله بن ياسين واستصعبوا علمه وتركوا الأخذ عنه لما تجشموا فيه من مشاق التكليف فأعرض عنهم وترهب‏.‏ وتنسك معه يحيى بن عمر بن تلاكاكين من رؤساء لمتونة وأخوه أبو بكر فنبذوا عن الناس في ربوة يحيط بحر النيل من جهاتها ضحضاحاً في المصيف وغمراً في الشتاء فتعود جزراً منقطعة‏.‏ فدخلوا في غياضها منفردين للعبادة وتسامع بهم من في قلبه مثقال حبة من خير فتسايلوا إليهم ودخلوا ولما كمل معهم ألف من الرجالات قال لهم شيخهم عبد الله بن ياسين إن ألفاً لن تغلب من قلة وقد تعين علينا القيام بالحق والدعاء إليه وحمل الكافة عليه فأخرجوا بنا لذلك فخرجوا وقتلوا من استعصى عليهم من قبائل لمتونة وكدالة ومسوفة حتى أنابوا إلى الحق واستقاموا على الطريقة وأذن لهم في أخذ الصدقات من أموال المسلمين وسماهم بالمرابطين وجعل أمرهم في العرب إلى الأمير يحيى بن عمر فتخطوا الرمال الصحراوبة إلى بلاد درعة وسجلماسة فأعطوهم صدقاتهم وانقلبوا‏.‏ ثم كتب إليهم وكاك اللمطي بما نال المسلمين فيما إليه من العسف والجور من بني وانودين أمراء سجلماسة من مغراوة وحرضهم على تغيير أمرهم فخرجوا من الصحراء سنة خمس وأربعين وأبعمائة في عدد ضخم ركباناً على المهارى أكثرهم وعمدوا إلى درعة‏.‏ لا بل كانت هنالك بالحمى وكانت تناهز‏.‏ خمسين ألفاً ونحوها‏.‏ ونهض إليهم مسعود بن وانودين أمير مغراوة وصاحب سجلماسة ودرعة لمدافعتهم عنها وعن بلاده فتواقعوا وانهزم ابن وانودين وقتل واستلحم عسكره مع أموالهم واستلحمهم ودوابهم وإبل الحمى التي كانت ببلد درعة‏.‏ وقصدوا سجلماسة فدخلوها غلاباً وقتلوا من كان بها من فل مغراوة وأصلحوا من أحوالها وغيروا المنكرات وأسقطوا المغارم والمكوس واقتضوا الصدقات واستعملوا عليها منهم وعادوا إلى صحرائهم‏.‏ فهلك يحيى بن عمر سنة سبع وأربعين وقدم وافتتح ماسة وتارودانت وجميع معاقله‏.‏ ثم افتتح مدينة أغمات سنة تسع وأربعين وفر أميرها لقوط بن يوسف بن علي المغراوي إلى قادلا واستضاف إلى بني يفرن بها ثم افتتح المرابطون بلاد المصامدة بجبال درن وجاسوا خلالها سنة خمسين ثم أغزوا تادلا فاستباحوها واستلحموا بني يفرن ملوكها وقتل معهم لقوط بن يوسف المغراوي صاحب أغمات‏.‏ وتزوج امرأته زينب بنت إسحق النفراوية وكانت مشهورة بالجمال والرئاسة وكانت قبل لقوط عند يوسف بن علي بن عبد الرحمن بن واطاس وكان شيخاً على وريكة وهزرجة بزمن هيلانة في دولة أمغارن في بلاد المصامدة وهم الشيوخ‏.‏ وتغلب بنو يفرن على وريكة وملكوا أغمات فتزوج لقوط زينب هذه ثم تزوجها بعده أبو بكر بن عمر كما ذكرنا‏.‏ ثم دعا المرابطين إلى جهاد برغواطة الذين كانوا بتامستا وإنفا وجهات الريف الغربي فكانت لهم فيهم وقائع وأيام استشهد عبد الله بن ياسين في بعضها سنة خمسين‏.‏ وقدم المرابطون بعده سليمان بن عدو ليرجعوا إليه في قضايا دينهم‏.‏ واستمر أبو بكر بن عمر في إمارة قومه على جهادهم ثم استأصل شأفتهم ومحا أثر دعوتهم من المغرب وهلك في جهادهم سليمان بن عدو سنة إحدى وخمسين لسنة من وفاة عبد الله بن ياسين‏.‏ ثم نازل أبو بكر مدينة لواتة وافتتحها عنوة وقتل من كان بها من زناتة سنة اثنتين وخمسين‏.‏ وبلغه وهو لم يستتم فتح المغرب بعدما وقع من الخلاف بين لمتونة ومسوفة ببلاد الصحراء حيث أصل أعياصهم ووشايج أعراقهم ومنيع عددهم فخشي افتراق الكلمة وانقطاع الوصلة وتلافى أمره بالرحلة‏.‏ وأكد ذلك زحف بلكين بن محمد بن حماد صاحب القلعة إلى المغرب سنة ثلاث وخمسين لقتالهم فارتحل أبو بكر إلى الصحراء واستعمل على المغرب ابن عمه يوسف بن تاشفين ونزل له عن زوجه زينب بنت إسحق ولحق بقومه‏.‏ ورفع ما كان بينهم من خرق الفتنة وفتح باباً من جهاد السودان فاستولى على نحو تسعين مرحلة من بلادهم‏.‏ وأقام يوسف بن تاشفين بأطراف المغرب ونزك بلكين صاحب القلعة فاس وأخذ رهنها على الطاعة وانكفأ راجعاً‏.‏ فحينئذ سار يوسف بن تاشفين في عسكره من المرابطين ودوخ أقطار المغرب‏.‏ ثم رجع أبو بكر إلى المغرب فوجد يوسف بن تاشفين قد استبد عليه‏.‏ وأشارت عليه زينب أن يريه الاستبداد في أحواله وأن يعد له متاع الصحراء وماعونها ففطن لذلك الأمير أبو بكر وتجافى عن المنازعة وسلم له الأمر ورجع إلى أرضه فهلك لمرجعه سنة ثمانين وأربعمائة‏.‏ واختط يوسف مدينة مراكش سنة أربع وخمسين ونزلها بالخيام وأدار سورها على مسجد وقصبة صغيرة لاختزان أمواله وسلاحه وكمل تشييدها وأسوارها ابنه من بعده سنة ست وعشرين وخمسمائة‏.‏ وجعل يوسف مدينة مراكش لنزله لعسكره وللتمرس بقبائل المصامدة المصيفة بمواطنهم بها في جبل درن فلم يكن في قبائل المغرب أشد منهم ولا أكثر جمعاً‏.‏ ثم صرف عزمه إلى مطالبة مغراوة وبني يفرن وقبائل زناتة بالمغرب وجذب الحبل من أيديهم وكشف ما نزل بالرعايا من جورهم وعسفهم فقد كانوا من ذلك على ألم - حدث المؤرخون في أخبار مدينة فاس ودولتهم فيها بكثير منه - فنازل أولاً قلعة فازاز وبها مهدي بن توالي من بني يحفش‏.‏ قال صاحب نظم الجواهر‏:‏ وهم بطن من زناتة وكان أبو توالي صاحب تلك القلعة ووليها هو من بعده فنازله يوسف بن تاشفين‏.‏ ثم استجاش به على فاس مهدي بن يوسف الكزنابي صاحب مكناسة بما كان عدواً لمعنصر المغراوي صاحب فاس فزحف في عساكر المرابطين إلى فاس وجمع إليه معنصر ففض جموعه وارتحل يوسف إلى فاس وتقرى منازلها وافتتح جميع الحصون المحيطة بها وأقام عليها أياماً قلائل وظفر بعاملها بكار بن إبراهيم فقتله‏.‏ ثم نهض إلى صفروي فافتتحها وقتل من كان بها من أولاد وانودين المغراوي ورجع إلى فاس فافتتحها صلحاً سنة خمس وخمسين ثم خرج إلى غمارة ونازلهم وفتح كثيراً من بلادهم‏.‏ وأشرف على طنجة وبها سكوت البرغواطي الحاجب صاحب سبتة وبقية الأمراء من موالي الحمودية وأهل دعوتهما‏.‏ ثم رجع إلى منازلة قلعة فازاز وخالفه معنصر إلى فاس فاستولى عليها وقتل واستدعى يوسف بن تاشفين مهدي بن يوسف صاحب مكناسة ليستجيش به على فاس فاستعرضه معنصر في طريقه قبل أن تتصل بأيديهما وناجزه الحرب ففض جموعه وقتله وبعث برأسه إلى وليه ومساهمه في شدته الحاجب سكوت البرغواطي‏.‏ واستصرخ أهل مكناسة بالأمير يوسف بن تاشفين فسرح عساكر لمتونة إلى حصار فاس فأخذوا بمخنقها وقطعوا المرافق عنها وألحوا بالقتال عليها فمسهم الجهد‏.‏ وبرز معنصر إلى مناجزة عدوه لإحدى الراحتين فكانت الدائرة عليه وهلك‏.‏ واجتمع زناتة من بعده على القاسم بن محمد بن عبد الرحمن من ولد موسى بن أبي العافية كانوا ملوكاً بتازا وتسول فزحفوا إلى عساكر المرابطين والتقوا بوادي صفير فكان الظهور لزناتة‏.‏ واستلحم كثير من المرابطين واتصل خبرهم بيوسف بن تاشفين وهو محاصر لقلعة مهدي من بلاد فازاز فارتحل سنة ست وخمسين ونزل عليها عسكر من المرابطين وصار يتنقل في بلاد المغرب فافتتح بني مراسن ثم فنزلاوة ثم بلاد ورغة سنة ثمان وخمسين‏.‏ ثم افتتح بلاد غمارة سنة ستين‏.‏ وفي سنة اثنتين وستين نازل فاس فحاصرها مدة ثم افتتحها عنوة وقتل بها زهاء ثلاثة آلاف من مغراوة وبني يفرن ومكناسة وقبائل زناتة حتى أعوزت مدافنهم فرادى فاتخذت لهم الأخاديد وقبروا جماعات وخلص من نجا منهم من القتل إلى بلاد تلمسان وأمر بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين القرويين والأندلسيين من عدوتيها وصيرها مصراً واحداً‏.‏ وأدار عليها الأسوار وحمل أهلها على الاستكثار من المساجد ورتب بناءها‏.‏ وارتحل سنة ثلاث وستين إلى وادي ملوية فافتتح بلادها وحصون وطاط من نواحيها‏.‏ ثم نهض سنة خمس وستين إلى مدينة الدمنة فافتتحها عنوة ثم افتتح حصن علودان من حصون غمارة‏.‏ ثم نهض سنة سبع وستين إلى جبال غياثة وبني مكود من أحواز تازا فافتتحها ودوخها‏.‏ ثم قسم المغرب عمالات على بنيه وأمراء قومه وذويه ثم استدعاه المعتمد بن عباد إلى الجهاد فاعتذر له بمكان الحاجب سكوت البرغواطي وقومه من أولياء الدولة الحمودية بسبتة فأعاد إليه ابن عباد الرسل بالمشايعة إليهم فجهز إليهم قائده صالح بن عمران في عساكر لمتونة فلقيه سكوت الحاجب بظاهر طنجة في قومه ومعه ابنه ضياء الدولة فانكشف وقتل الحاجب سكوت ولحق ابنه العزيز ضياء الدولة‏.‏ وكتب صالح بن عمران بالفتح إلى يوسف بن تاشفين‏.‏ ثم أغزى الأمير يوسف بن تاشفين إلى المغرب الأوسط سنة اثنتين وسبعين قائده مزدلي بن تبلكان بن محمد بن وركوت من عثسيره في عساكر لمتونة لمحاربة مغراوة ملوك تلمسان بومئذ الأمير العباس ين يختي من ولد يعلى بن محمد بن الخير بن محمد بن خزر فدوخوا المغرب الأوسط وصاروا في بلاد زناتة وظفروا بيعلى بن الأمير العباسي فقتلوه وانكفأوا راجعين من غزاتهم‏.‏ ثم نهض يوسف بن تاشفين سنة ثلاث بعدها إلى الريف وافتتح كرسيف ومليلة وسائر بلاد الريف وخرب مدينة نكور فلم تعمر بعد ثم نهض في عساكره المرابطين إلى بلاد المغرب الأوسط فافتتح مدينة وجدة وبلاد بني يزتاسن‏.‏ ثم افتتح مدينة تلمسان واستلحم من كان بها من مغراوة وقتل العباس بن بختي أمير تلمسان وأنزل محمد بن المستوفى بها في عساكر المرابطين فصارت ثغراً لملكه‏.‏ ونزل بعساكره واختط بها مدينة تاكرارت بمكان محلته وهو اسم المحلة بلسان البربر‏.‏ ثم افتتح مدينة تنس ووهران وجبل وانشريس إلى الجزائر وانكفأ راجعاً إلى المغرب فاحتل مراكش سنة خمس وسبعين‏.‏ ولم يزل محمد بن تينعمر والياً بتلمسان إلى أن هلك وولي بعده أخوه ثم إن الطاغية تكالب على بلاد المسلمين وراء البحر وانتهز الفرصة فيها بما كان من الفرقة بين ملوك الطوائف فحاصر طليلة وبها القادر بن يحيى بن ذي النون حتى نالهم الجهد وتسلمها منه صلحاً سنة ثمان وسبعين على أن يملكه بلنسية فبعث معه عسكراً من النصرانية فدخل بلنسية وتملكها على حين مهلك صاحبها أبي بكر بن العزيز بين يدي حصار طليلة‏.‏ وسار الطاغية في بلاد الأندلس حتى وقف بفرضة المجاز من صريف وأعيا أمره أهل الأندلس واقتضى منهم الجزية فأعطوها‏.‏ ثم نازل سرقسطة وضيق على ابن هود بها وطال مقامه وامتد أمله إلى تملكها فخاطب المعتمد بن عباد أمير المسلمين يوسف بن تاشفين منتجزاً وكاتبه أهل الأندلس في كافة من العلماء والخاصة فاهتز للجهاد وبعث ابنه المعز في عساكر المرابطين إلى سبتة فرضة المجاز فنازلها براً‏.‏ وأحاطت بها أساطيل ابن عباد بحراً فاقتحموها عنوة في ربيع الآخر سنة ست وسبعين وتقبض على ضياء الدولة وقيد إلى المغرب فقتله صبراً وكتب إلى أبيه بالفتح‏.‏ ثم أجاز ابن عباد البحر في جماعته والمرابطين ولقيه بفاس مستنفراً للجهاد‏.‏ وأنزل له ابنه الراضي عن الجزيرة الخضمراء لتكون رباطاً لجهاده فأجاز البحر في عساكر المرابطين وقبائل المغرب ونزل الجزيرة سنة تسع وثمانين وأربعمائة ولقيه المعتمد ابن عباد وابن الأفطس صاحب بطليوس‏.‏ وجمع ابن أدفونش ملك الجلالقة أمم النصرانية لقتاله ولقي المرابطين بالزلاقة من نواحي بطليوس فكان للمسلمين عليه اليوم المشهور سنة إحدى وثمانين‏.‏ ثم رجع إلى مراكش وخلف عسكراً بالإشبيلية لنظر محمد ومجون بن سيمونن بن محمد بن وركوت من عشيره ويعرف أبوه بالحاج وكان محمد من بطانته وأعاظم قواد تكاليب الطاغية على شرق الأندلس ولم يغن فيه أمراء الطوائف شيئاً فزحف إليه من سبتة ابن الحاج قائد يوسمف بن تاشفين في عساكر المرابطين فهزموا جميع النصارى هزيمة شنيعة‏.‏ وخلع ابن رشيق صاحب مرسية وتمادى إلى دانية ففر علي بن مجاهد أمامه إلى بجاية ونزل على الناصر بن علناس فأكرمه ووصل ابن جحاف قاضي بلنسية إلى محمد بن الحاج مغرياً بالقادر بن ذي النون فأنفذ معه عسكراً وملك بلنسية وقتل ابن ذي النون وذلك سنة خمس وثمانين وانتهى الخبر إلى الطاغية فنازل بلنسية واتصل حصاره إياها إلى أن ملكها سنة خمس وثمانين ثم استخلصتها عساكر المرابطين وولى عليها يوسف بن تاشفين الأمير مزدلي وأجاز يوسف بن تاشفين ثانية سنة ست وثمانين وتثاقل أمراء الطوائف عن لقائه لما أحسوا من نكيره عليهم لما يسمون به عليهم من الظلامات والمكوس وتلاحق المغارم فوجد عليهم وعهد برفع المكوس وتحرى المعدلة فلما أجاز انقبضوا عنه إلا ابن عباد فإنه بادر إلى لقائه وأغراه بالكثير منهم فتقبض على ابن رشيق فأمكن ابن عباد منه العداوة التي بينهما‏.‏ وبعث جيشاً إلى المرية ففر عنها ابن صمادح ونزلى على المنصور بن الناصر ببجاية وتوافق ملوك الطوائف على قطع المدد عن عساكره ومحلاته فساء نظره وأفتاه الفقهاء وأهل الشورى من المغرب والأندلس بخلعهم وانتزاع الأمر من أيديهم وصارت إليه بذلك فتاوى أهل الشرق الأعلام مثل الغزالي والطرطوشي فعهد إلى غرناطة واستنزل صاحبها عبيد الله بن بلكين بن باديس وأخاه تميماً من مالقة بعد أن كان منهما مداخلة الطاغية في عداوة يوسف بن تاشفين‏.‏ وبعث بهما إلى المغرب فخاف ابن عباد عند ذلك منه وانقبض عن لقائه وفشت السعايات بينهما‏.‏ ونهض يوسف بن تاشفين إلى سبتة فاستقر بها وعقد للأمير سير بن أبي بكر بن محمد وركوت على الأندلس وأجازه فقدم عليها وقعد ابن عباد عن تلقيه ومبرته فأحفظه ذلك وطالبه بالطاعة للأمير يوسف والنزول عن الأمر ففسد ذات بينهما وغلبه على جميع عمله‏.‏ واستنزل أولاد المأمون من قرطبة ويزيد الراضي من رندة وقرمونة واستولى على جميعها وقتلهم‏.‏ وصمد إلى إشبيلية فحاصر المعتمد بها وضيق عليه واستنجد الطاغية فعمد إلى إستنقاذه من هذا الحصار فلم يغن عنه شيئاً وكان دفاع لمتونة مما فت في عضده واقتحم المرابطون إشبيلية عليه عنوة سنة أربع وثمانين‏.‏ وتقبض على المعتمد وقاده أسيراً إلى مراكش فلم يزل في اعتقال يوسف بن تاشفين إلى أن هلك في محبسه بأغمات سنة سبعين وأربعمائة ثم عمد إلى بطليوس وتقبض على صاحبها عمر بن الأفطس فقتله وابنيه يوم الأضحى سنة تسع وثمانين بما صح عنده من مداخلتهم الطاغية وأن يملكوه مدينة بطليوس ثم أجاز يوسف بن تاشفين الجواز الثالث سنة تسعين وزحف إليه الطاغية فبعث عساكر المرابطين لنظر محمد بن الحاج فانهزم النصارى أمامه وكان الظهور للمسلمين‏.‏ ثم أجاز الأمير يحيى بن أبي بكر بن يوسف بن تاشفين سنة ثلاث وتسعين وانضم إليه محمد بن الحاج وسير بن أبي بكر واقتحموا عامة الأندلس من أيدي ملوك الطوائف ولم يبق منها إلا سرقسطة في يد المستعين بن هود معتصماً بالنصارى‏.‏ وغزا الأمير مزدلي صاحب بلنسية إلى بلد برشلونة فأثخن بها وبلغ إلى حيث لم يبلغ أحد قبله ورجع‏.‏ وانتظمت بلاد الأندلس في ملكة يوسف بن تاشفين وانقرض ملك الطوائف منها أجمع كأن لم يكن واستولى على العدوتين واتصلت هزائم النصارى على يد المرابطين مراراً وتسمى بأمير المسلمين وخاطب المستنصر العباسي الخليفة لعهده ببغداد وبعث إليه عبد الله بن محمد بن العرب المعافري الإشبيلي وولده القاضي أبا بكر فتلطفا في القول وأحسنا في الإبلاغ وطلبا من الخليفة أن يعقد له على المغرب والأندلس فعقد له وتضمن ذلك مكتوب الخليفة بذلك منقولاً في أيدي الناس وانقلبا إليه بتقليد الخليفة وعهده على ما إلى نظره من الأقطار والأقاليم‏.‏ وخاطبه الإمام الغزالي والقاضي أبو بكر الطرطوشي يحضانه على العدل والتمسك بالخير ويفتيانه في شأن ملوك الطوائف بحكم الله‏.‏ ثم أجاز يوسف بن تاشفين الجواز الرابع إلى الأندلس سنة سبع وتسعين وقد كان ما قدمناه في أخبار بني حماد من زحف المنصور بن الناصر إلى تلمسان سنة سبع وتسعين للفتنة التي وقعت بينه وبين تاشفين بن يتنعمر وافتتاحه أكثر بلادهم فصالحه يوسف بن تاشفين واسترضاه بعدول تاشفين عن تلمسان سنة سبع وتسعين وبعث إليهما مزدلي من بلنسية وولي بلنسية عوضاً عنه أبا محمد ابن فاطمة وكثرت غزواته في بلاد النصرانية‏.‏ وهلك يوسف على رأس المائة الخامسة وقام بالأمر من بعده ابنه علي بن يوسف فكان خير ملك وكانت أيامه صدراً منها وادعة ودولته على الكفر وأهله ظهور وعزة وأجاز إلى العدوة فأثخن في بلاد العدو قتلاً وسبياً وولى على الأندلس الأمير تميم بن‏.‏ وجمع الطاغية للأمير تميم فهزمه تميم ثم أجاز علي بن يوسف سنة ثلاث ونازل طليطلة‏.‏ وأثخن في بلاد النصارى ورجع وعلى أثر ذلك قصد ابن ردمير سرقسطة وخرج ابن هود للقائه فانهزم المسلمون ومات ابن هود شهيداً وحاصر ابن ردمير البلد حتى نزلوا على حكمه‏.‏ ثم كان سنة تسع شأن برقة وتغلب أهل جنوة عليها وخلاؤها‏.‏ ثم رجع العمران إليها على يد ابن تامرظست من قواد المرابطين كما مر في ذكرها عند ذكر الطوائف ثم استمرت حال علي بن يوسف في ملكه وعظم شأنه وعقد لولده تاشفين على غرب الأندلس سنة ست وعشرين وأنزله قرطبة وإشبيلية وأجاز معه الزبير بن عمر وحشد قومه وعقد لأبي بكر بن إبراهيم المسوفي على شرق الأندس وأنزله بلنسية وهو ممدوح بن خفاجة ومخدوم أبي بكر بن باجة الحكيم المعروف بابن الصائغ‏.‏ وعقد لابن غانية المسوفي على الجزائر الشرقية دانية وميورقة واستقامت أيامه ولأربع عشرة سنة من دولته كان ظهور الإمام المهدي صاحب دعوة الموحدين فقيهاً منتحلاً للعلم والفتيا والتدريس آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر متعرضاً بذلك للمكروه في نفسه‏.‏ ونالته ببجاية وتلمسان ومكناسة اذايات من الفسقة ومن الظالمين وأحضره الأمير علي بن يوسف للمناظرة ففلج علي خصومه من الفقهاء بمجلسه ولحق بقومه هرغة من المصامدة‏.‏ واستدرك علي بن يوسف رأيه فتفقده وطالب هرغة بإحضاره فأبوا عليه فسرح إليهم البعث فأوقعوا به وتقاسم معهم هنتاتة وتينملل على إجارته والوفاء بما عاهدهم عليه من القيام بالحق والدعاء إليه حسبما يذكر ذلك كله بعد دولتهم‏.‏ وهلك المهدي في سنة أربع وعشرين وقام بأمرهم عبد المؤمن بن علي الكومي كبير أصحابه بعهده إليه وانتظمت كلمة المصامدة وأغزوا مراكش مراراً‏.‏ وفشل ريح لمتونة بالعدوة الأندلسية وظهر أمر الموحدين وفشت كلمتهم في برابرة المغرب‏.‏ وهلك علي بن يوسف سنة سبع وثلاثين وقام بالأمر من بعده ولده تاشفين وولي عهده وأخذ بطاعته وبيعته أهل العدوتين كما كانوا على حين استغلظ أمر الموحدين واستفحل شأنهم وألحوا في طلبه‏.‏ وغزا عبد المؤمن غزوته المجرى إلى جبال المغرب ونهض تاشفين بعساكره بالبسائط إلى أن نزل تلمسان‏.‏ ونازله عبد المؤمن والموحدون بكهف الضحاك بين الصخرتين من جبل تيطري المطل عليها ووصله هنالك مدد صنهاجة من قبل يحيى بن عبد العزيز صاحب بجاية مع قائده طاهر بن كباب وشرهوا إلى مدافعة الموحدين فغلبوهم‏.‏ وهلك طاهر واستلحم الصنهاجيون وفر تاشفين إلى وهران في موادعة لب بن ميمون قائد البحر بأساطيله‏.‏ واتبعه الموحدون واقتحموا عليه البلد فهلك يقال سنة إحدى وأربعين‏.‏ واستولى الموحدون على المغرب الأوسط واستلحموا لمتونة‏.‏ ثم بويع بمراكش ابنه إبراهيم وألفوه مضعفاً عاجزاً فخلع وبويع عمه إسحق بن علي بن يوسف بن تاشفين‏.‏ وعلى هيئة ذلك وصل الموحدون إليها وقد ملكوا جميع بلاد المغرب عليه فخرج إليهم في خاصته فقتلهم الموحدون‏.‏ وأجاز عبد المؤمن والموحدون إلى الأندلس سنة إحدى وخمسين وملكوا واستحلموا أمراء لمتونة وكافتهم وفروا في كل وجه ولحق فلهم بالجزائر الشرقية ميورقة ومنورقة ويابسة إلى أن جددوا من بعده للملك بناحية إفريقية والله غالب على أمره‏.‏


الساعة الآن 05:20 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى