![]() |
وفاة الأمير أبي عبد الله صاحب بجاية
كان السلطان لما سار إلى فتح تونس ولى على بجاية ابنه محمداً كما مر وأقام له حاجباً وأوصاه بالرجوع إلى محمد بن أبي مهدي زعيم البلد وقائد الأسطول المتقدم على أهل الشطارة والرجولة من رجل البلد ورماتهم فقام هذا الأمير أبو عبد الله في منصب الملك ببجاية أحسن قيام واصطنع ابن أبي مهدي أحسن اصطناع فكان يجري في قصوره وأغراضه ويكفيه مهمة في سلطانه ويراقب مرضاة السلطان في أحواله والأمير يعرف له ذلك ويوفيه حقه إلى أن أدركته المنية أوائل خمس وثمانين فتوفي على فراشة آنس ما كان سرباً وآمن روعاً مشيعاً من رضى أبيه ورعيته بما يفتح له أبواب الرضى من ربه وبلغ نعيه إلى أبيه بتونس فبادر بإنفاذ العهد لابنه أبي العباس أحمد بولاية بجاية مكان أبيه وجعل كفالة أمره لابن أبي مهدي مستبداً عليه واستقامت الأمور على ذلك.حركة السلطان إلى الزاب كنت أنتهي بتأليف الكتاب إلى ارتجاع توزر من يد ابن يملول وأنا يومئذ مقيم بتونس ثم ركبت البحر منتصف أربع وثمانين إلى بلاد الشرق لقضاء الفرض ونزلت بالإسكندرية ثم بمصر وصارت أخبار المغرب تبلغنا على ألسنة الواردين فمن أول ما بلغنا وفاة هذا الأمير ابن السلطان ببجاية سنة خمس وثمانين.ثم بلغنا بعدها حركة السلطان إلى الزاب سنة ست وثمانين وذلك أن أحمد بن مزني صاحب بسكرة والزاب لعهده كان مضطرب الطاعة يجير على السلطان ويمنع في أكثر السنين المغارم معولا على مدافعة العرب الذين ملكوا ضواحي الزاب والتلول دونه وأكثر وثوقه في ذلك بيعقوب ابن علي وقومه الدواودة.وقد مر طرف من أخباره في ذلك مثبوتاً في أخبار الدولة.وكاز ابن يملول قد أوى إلى بلده واتخذ وكراً في وجوه وأجلب على توزر مراراً برأيه ومعونته فأحفظ ذلك السلطان ونبه له عزائمه.ثم نهض سنة ست وثمانين يريد الزاب بعد أن جمع الجموع واحتشد الجنود واستألف العرب من بني سليم فصاروا معه وأوعبوا ومر على فحص تبسة.ثم خرج من طرف جبل أوراس إلى بلد تهودا من أعمال الزاب واعصوصب الدواودة ومن تبعهم من قبائل رياح على المدافعة دون بسكرة والزاب غيرة من بني سليم أن يطرقوا أوطانهم أو يردوا مراعيهم إلا بني سباع بن شبل من الدواودة فإنهم تحيزوا إلى السلطان.واستنفر ابن مزني حماة وطنه ورجالة قومه من الأتبج فغصت بسكرة بجموعهم وتوافت الفريقان وناوشهم السلطان القتال أياماً وهو يراسل يعقوب بن علي ويستحثه لما كان يطمعه به من المظاهرة على ابن مزني ويعقوب يخادعه بانحراف قومه عنه وائتلافهم على ابن مزني ويرغبه في قبول طاعته ووضع أوزار الحرب مع رياح حتى تتمكن له فرصة أخرى فتقبل السلطان نصيحته في ذلك وأغضى لابن مزني ولرياح عنها وقبل طاعته وضريبته المعلومة وانكفأ راجعاً ومر بجبل أوراس ثم إلى قسطنطينة فأراح بها ثم ارتحل إلى تونس فوصل إليها منتصف ست وثمانين. حركة السلطان إلى قابس كان السلطان قد فتح مدينة قابس سنة إحدى وثمانين وانتظمها في أعماله وشرد عنها بني مكي فذهبوا إلى نواحي طرابلس وهلك كبيرهم عبد الملك وعبد الرحمن ابن أخيه أحمد وذهب ابنه يحيى إلى الحج وأقام عبد الوهاب بزنزور ثم رجع إلى جبال قابس يحاول على ملكها.واستتب له ذلك بوثوب جماعة من أهل البلد بعاملها يوسف الأبار من صنائع السلطان لقبح إيالته وسوء سيرته فداخلوا جماعة من شيعة بني مكي في ضواحي قابس وقراها وواعدوهم فجاءوا لميعادهم وعبد الوهاب معهم واقتحموا باب البلد وقتلوا البواب.ثم قصدوا ابن الأبار فقتلوه في مسكنه سنة اثنتين وثمانين.وملك عبد الوهاب البلد واستقل بها كما كان سلفه.وجاء أخوه يحيى من المشرق فأجلب عليه مراراً يروم ملك البلد منه فلم يتهيأ له ذلك ونزل على صاحب الحامة وأقام عنده يحاول أمر البلد منها فبعث عبد الوهاب إلى صاحب الحامة وبذل له المال على أن يمكنه منه فبعث إليه به فاعتقله بقصر العروسيين وأقام يراوغ السلطان عن الطاعة ويبذل ماله في أعراب الضاحية من دباب وغيرهم للمدافعة عنه ومنع الضريبة التي كانوا يؤدونها للسلطان أيام طاعتهم والسلطان مشغول عنهم بمهمه فلما فرغ من شواغله بإفريقية والزاب نهض إليه سنة تسع وثمانين بعد أن اعترض عساكره واستألف من العرب أولياءه وسرب فيهم عطاءه.ونزل على قابس وقد استعد لها وجمع الآلات لحصارها فاكتسح نواحيها وجثم عليهما عساكره يقاتلها ويقطع نخيلها حتى أعاد الكثير من الفرفهة.براحاً وموج الهواء في ساحتها فصح بعد أن كانوا يستوخمونه لاختفائه بين الشجر وفي متكاثف الظلال وما يلحقه بذلك من التعفن فذهب عنها ما كان يعهد فيها من ذلك الوخم رحمه من الله أصابتهم من عذاب هذا السلطان وربما صحت الأجسام بالعلل.ولما اشتد بهم الحصار وضاق المخنق وظن ابن مكي أنه قد أحيط به استعتب للسلطان واستأمن فأعتبه وأمنه ورهن ابنه على الطاعة وأداء الضريبة وأفرج عنه السلطان وانكفأ راجعاً إلى تونس واستقام ابن مكي حتى كان من تغلب عمه يحيى عليه ما نذكره.كان العرب أيام ولاية المنتصر بتوزر قد حمدوا سيرته وأصفقوا على محبته والتشيع له فلما رجع السلطان عن قابس رغبوا إليه في طريقهم أن يولي المنتصر على بلاد الجريد كما كان ويرفد على عمله بتوزر.وتولى ذلك بنو مهلهل وأركبوا نساءهم الظعن في الهوادج واعترضوا بهن السلطات سافرات مولولات دخلاء عليه في إعاجة المنتصر إلى توزر لما لهم فيه من المصالح فقبل السلطان وسيلتهن وأعاده إلى توزر ونقل ابنه زكرياء إلى نفطة وأضاف إليها عمل نفزاوة فسار إليها واستعمله وأظهر من الكفاية والاضطلاع ما تحدث به الناس عنه وكانت ولايته أول سنة تسعين. فتنه الأمير إبراهيم صاحب قسطنطينة مع الدواودة ووفاة يعقوب بن علي ثم وفاة الأمير إبراهيم إثرها كان للدواودة بقسطنطينة عطاء معلوم مرتب على مراتبهم زيادة لما بأيديهم البلاد في التلول والزاب بأقطاع السلطان وضاق نطاق الدولة لهذه العصور فضاقت الجباية وصار العرب يزرعون الأراضي في بلادهم بالتلول ولا يحتسبون بمغارمها فيضيق الدخل ويمنعهم السلطان العطاء من أجل ذلك فتفسد طاعتهم وتنطلق بالعيث والنهب أيديهم.ولما رجع الأمير إبراهيم من حركته في ركاب أبيه إلى قابس وكان منذ أعوام ينقص من عطائهم لذلك ويعللهم بالمواعيد فلما قفل من قابس اجتمعوا إليه وطلبوا منه عطاءهم فتعلل عليهم وجاءه يعقوب بن علي مرجعه من الحج وأشار عليه بإنصاف العرب من مطالبهم فأعرض عنه وارتحل لبعض مذاهبه وتركه ونادى في العرب بالفتنة معه يروم استئلاف أعدائه فأجابه الكثير من أولاد سباع بن شبل وأولاد سباع بن يحيى وباديتهم من ذؤبان رياح وخرج يعقوب من التل فنزل في نقاوس فأقام بها وانطلقت أيدي قومه على تلول قسطنطينة بالنهب وانتساف الزروع حتى اكتسحوا عامتها ولحقوا به مالئي اليد مثقلي الظهر.ثم طرقه المرض فهلك سنة تسعين ونقلوا شلوه إلى بسكرة فدفنوه بها وقام مكانه في قومه ابنه محمد.واستمر على العصيان وصعد إلى التل في منتصف إحدى وتسعين واستألف الأمير إبراهيم أعداءه من الدواودة وأحلافهم من البادية وجنح إليه أبو ستة بن عمر أخو يعقوب بن علي بمن معه من أولاد عائشة أم عمر وخالفه أخوه صميت إلى محمد بن يعقوب.ثم تحاربوا مع الأمير إبراهيم فهزموه وقتل أبو ستة.ثم جمع السلطان لحربهم ودفعهم عن التلول ومنعهم من المصيف عامهم ذلك.وانحدروا إلى مشاتيهم وعجزوا بعدها عن الصعود إلى التلول وقضوا مصيفهم عامهم ذلك بالزاب وانحدروا منه إلى المشاتي فلما رجعوا من مشاتيهم وقد فقدوا الميرة انطلقت أيديهم على نواحي الزاب فانتسفوا زروعه وكاد أن يفسد ما بينهم وبين ابن مزني مظاهرهم على تلك الفتنة.ثم ارتحلوا صاعدين إلى التلول وقد جمع الأمير إبراهيم لدفاعهم عنه.وبينما هو في ذلك ألم به طائف من المرض فتوفي سنة اثنتين وتسعين وافترقت جموعه.وأغذ محمد بن يوسف السير إلى نواحي قسطنطينة فاحتل بها مظاهراً للطاعة متبرياً من الخلاف وناس في أهل البلاد بالأمان والعمارة فصلحت أحوال الرعايا والسابلة.وبعثوا إلى السلطان بتونس مستأمنين مستعتبين فأمنهم وأعتبهم وأقام بقسطنطينة مكان ابنه إبراهيم ابنه وبعث من حضرته محمد بن مولاه بشير لكفالته والقيام بدولته فقام بأمرها وصلحت الأحوال.منازلة نصارى الفرنج للمهدية كانت أمة الفرنج وراء البحر الرومي في الشمال قد صار لهم التغلب ودولة بعد انقراض دولة الروم فملكوا جزائره مثل: دانية وسردانية وميورقة وصقلية وملأت أساطيلهم فضاءه ثم تخطوا إلى سواحل الشام وبيت المقدس فملكوها وعادت لهم سورة التغلب في هذا البحر بعد أن كان سورة المسلمين فيه لا يتقاوم إلى آخر دولة الموحدين بكثرة أساطيله ومران راكبيه فغلبهم الفرنج وعادت السورة لهم وزاحمتهم أساطيل المغرب لعهد بني مرين أياماً.ثم فشل ريح الفرنجة واختل مركز دولتهم بافرنسة وافترقت طوائف في أهل برشلونة وجنوة والبنادقة وغيرهم من أمم الفرنجة النصرانية وأصبحوا دولاً متعددة فتنبهت عزائم كثير من المسلمين بسواحل إفريقة لغزو بلادهم وشرع في ذلك أهل بجاية منذ ثلاثين سنة فيجمع النفراء والطائفة من غزاة البحر ويصنعون الأسطول ويتخيرون له الأبطال الرجال ثم يركبونه إلى سواحل الفرنجة وجزائرهم على حين غفلة فيتخطفون منها ما قدروا عليه ويصاعدون ما يلقون من أساطيل الكفرة فيظفرون بها غالباً ويعودون بالغنائم والسبي والأسرى حتى امتلأت سواحل الثغور الغربية من بجاية بأسراهم تضج طرق البلد بصخب السلاسل والأغلال عندما ينتشرون في حاجاتهم ويغالون في فدائهم بما يتعذر معه أو يكاد فشق ذلك على أمم الفرنجة وملأ قلوبهم ذلا وحسرة وعجزوا عن الثأر به وصرخوا على البعد بالشكوى إلى السلطان بإفرنجة فصم عن سماعها وتطارحوا بثهم وثكلهم فيما بينهم وتداعوا لنزال المسلمين والأخذ بالثأر منهم.وبلغ خبر استعدادهم إلى السلطان فسرح ابنه أبا فارس يستنفر أهل النواحي ويكون رصداً للأسطول هنالك واجتمعت أساطيل جنوة وبرشلونة ومن وراءهم أو مجاورهم من أمم النصرانية وأقلعوا من جنوة فحطوا بمرسى المهدية منتصف اثنتين وتسعين وطرقوها على حين غفلة وهي على طرف من البر داخل في البحر كأنه لسان دالع فأرسوا عندها وضربوا عند أول الطرف سوراً من الخشب بينه وبين البر حتى أصاروا المعقل في حكمهم وعالوا عليه بالأبراج وشحنوها بالمقاتلة ليتمكنوا من قتال البلد ومن يأتيهم من مدد المسلمين وصنعوا برجاً من الخشب من جهة البحر يشرف على أسوار المعقل لتعظم نكايتهم وتحصن أهل البلد وبلغ الخبرإلى السلطان فأهمه أمرها وسرح العساكر تترى إلى مظاهرتهم.ثم خرج أخوه الأمير أبو يحيى زكرياء وسائر بنيه فيمن حضره من العساكر فانطلقوا لجهاد هذا العدو واستنفروا المقاتلة من الأعراب وغيرهم فاجتمعت بساحتها أمم وألحوا على الفرنجة بالقتال ونضح السهام حتى أحجروهم في سورهم.وبرز الفرنجة للقتال فكان بينهم وبين المسلمين جولة جلى فيها أبناء السلطان وكاد الأمير أبو فارس منهم أن يتورى لو لا حماية الله التي وقته.ثم تداركت عليهم الحجارة والسهام والنفط من سور البلد فاحترق البرج المطل عليها من جهة البحر فوجموا لحريقه.ثم ركبوا من الغد أسطولهم وأقلعوا إلى بلادهم وخرج أهل المهدية يتباشرون بالنجاة ويتنادون بشكر الأمراء على ما اعتمدوه في نصرهم " ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال ".وأمر الأمير أبو يحيى برم ما تثلم من أسوارها ولم ما تشعب منها وقفل إلى تونس وقد أنجح الله قصدهم وأظهرهم على عدوهم.انتقاض قفصة وحصارها كان السلطان أبو العباس قد ولي على قفصة عندما ملكها ابنه الأمير أبا بكر وأقام في خدمته من رجال دولتهم عبد الله التريكي من موالي جدهم السلطان أبي يحيى فانتظم به أمره وأقام بها حولا.ثم تجافى عن إمارتها ولحق بأبيه بتونس سنة اثنتين وثمانين فجعل السلطان أمر قفصة لعبد الله التريكي وولاه عليها ثقة بغنائه واضطلاعه.ولم يزل والياً بها إلى أن هلك سنة أربع وتسعين وولى السلطان مكانه ابنه محمداً وكان له أخوة أصاغر أبناء علات فنافسوه في تلك الرتبة وحسدوه عليها وأغراهم به محمد الدنيدون من قرابة أحمد بن العابد كان ينظر في قسمة الماء بالبلد وكان فيها عدلا معقلا فلم تطرقه النكبة كما طرقت قومه وأبقاه السلطان بالبلد فأغرى هؤلاء الأخوة بأخيهم ووثبوا به فاعتقلوه وأظهروا العصيان.ثم حمله أعيان البلد على البراءة من بني عبد الله التريكي استرابة بهم أن يراجعوا طاعة السلطان فتوثب بهم وأخرجهم واستصفاهم واستقل برياسة البلد كما كان قومه والسلطان في خلال ذلك يرعد ويبرق ويواصل الأعذار والإنذار وهم قد لجوا في طغيانهم.ثم جمع جنوده واحتشد واستألف الأعراب ووفر لهم الأعطيات.ونهض إليها حتى نزل بساحتها منتصف خمس وتسعين.وقد استعدوا وتحصنوا فألح عليهم القتال وأذاقهم النكال وقطع عنهم الميرة فضيق مخنقهم.ثم عدا على نخلهم فقطعها حتى صرع جذوعها وفسح المجال بين لفافها.ولما اشتد بهم الحصار وضاق عليهم المخنق خرج شيخهم الدنيدن إلى السلطان يعقد معه صلحاً على بلده وقومه فغدر به وحبسه رجاء أن يملك بذلك البلد.وكان بعض بني العابد اسمه عمر بن الحسن قد انتبذ عن قفصة أيام نكبتهم وأبعد في المغرب ثم رجع ونزل بأطراف الزاب.ولما استقل الدنيدن بقفصة قدم عليه فأقام معه أياماً.ثم استراب به وتقبض عليه وحبسه.فلما غمر به السلطان اجتمعت عليه المشيخة وعقدوا له الإمرة وبعثوا إلى العرب يسترحمونهم ويعطفونهم على ذخيرتهم فيهم.وسربوا إليهم الأموال فتصدى للدفاع عنهم صولة بن خالد بن حمزة أمير أولاد أبي الليل.وزحف إلى السلطان بمعسكره من ظاهر البلد وكان أولياءه من العرب قد ابعدوا عنه في الجهات لانتجاع إبلهم فما راعه إلا إطلاق صولة براياته في قومه فأجفل واتبعوه.وما زال يكر عليهم في بنيه وخواصه حتى ردهم على أعقابهم.وأغد السير إلى تونس وهم في اتباعه ولم يظفروا منه بعقال إلا ما كان من طعن القنا ووقع السيوف حتى وصل إلى حضرته.ثم ندم صولة على ما كان منه وأرسل السلطان بطاعته فلم يقبله وانحدر إلى مشاتيه سنة ست وتسعين.واستدعى ابن يملول من عش نفاقه ببسكرة فخف إليه ودفعه إليها تربه في الغي أحمد بن مزني صاحب الزاب.ووصل ابن يملول إلى صولة فأغراه بحصار توزر ونزل معه عليها بقومه فجلى الأمير المنتصر في دفاعهم والامتناع عليهم حتى يئسوا واضطربت آراؤهم وأفرجوا عنها مفترقين.وصعد صولة إلى التل للمصيف به وعاود الرغبة من السلطان في قبول طاعته.وكان محمد الدنيدن لما أجفل السلطان عن قفصة تركه بتلك الناحية فلما وصل إلى تونس راسل أهل قفصة في الرجوع إليهم فأجابه بعض أشياعه ودخل البلد فنذر به عمر بن العابد وكبسه بمكانه الذي نزل به وقتله واستبد بمشيخة قفصة.وخشي أهل قفصة من عائلة السلطان وسوء مغبة العصيان فبعثوا إلى السلطان بطاعتهم وشرط عليهم نزول عامله عندهم وهذا آخر ما بلغنا عنهم ولم يبلغنا أنه عقد لهم ولا لصولة أمراً والله يصرف الأمور بحكمته. ولاية عمر ابن السلطان على صفاقس واستيلائه منها على قابس وجزيرة جربة هذا الأمير عمر ابن السلطان هو شقيق إبراهيم الذي كان أميراً بقسطنطينة وكان في كفالة أخيه إبراهيم فلما توفي كما مر لحق بالسلطان أبيه وأقام عنه.ولما كان من وفاة أبي بكر بن ثابت شيخ طرابلس ما قدمناه واضطراب قومه من بعده ونزع قائدهم قاسم بن خلف إلى السلطان فبعث معه ابنه عمر هذا سنة اثنتين وتسعين لحصار طرابلس وأقام عليها حولا كريتا يحاصرها ويمنع الأقوات عنها حتى ضجروا وضجر من طول المقامة فدافعوه بالضريبة وانكفأ راجعاً إلى أبيه سنة خمس وتسعين.ووافاه جاثماً على قفصة عندما انتقضوا عليه.وقد كان مر في طريقه على جربة وأراد الدخول إليها فمنعه عامل أبيه بها من الموالي المعلوجي فأنف من ذلك وشكاه إلى أبيه فولاه على صفاقس.ووعده بولاية جربة فسار هو إلى صفاقس وأجاز البحر إلى جزيرة جربة وانضم إليه جميع من بها من القبائل.وامتنع العلج منصور العامل بحصنها المسمى بالقشتيل بلسان الفرنج حتى كاتب السلطان وأمره بتمكين ابنه من الحصن والإفراج له عن الجزيرة أجمع فاستبد بها ثم إن الأمير عمر سما إلى ملك قابس فداخل أهل الحافة جارتها المجلبة عليها على الأيام في ذلك وأجابوه وساروا معه بجموعه سنة ست وتسعين فبيتها وملكها.وقبض على رئيسها يحيى بن عبد الملك بن مكي فضرب عنقه وانقرض أمر بني مكي من قابس واستقل بها الأمير عمر مضافة إلى ما كان بيده والله وارث الأمور. وفاة السلطان أبي العباس وولاية ابنه أبي فارس عزوز كان السلطان أبو العباس قد أزمن به وجع النقرس حتى كان في غالب أسفاره يحمل على البغال في المحفة.ثم اشتد به آخر عمره وأشرف في سنة ست وتسعين على الهلكة.وكان أخوه زكرياء رديفه في الملك والمرشح بعده للأمر وابنه محمد والياً في بونة موضع إمارته من قبل.وكان للسلطان ولد كثيرون يتطاولون إلى مكان أبيهم ويغصون بعمهم زكرياء ويخشون غائلته بعد أبيهم.فلما قارب السلطان منيته اشتد جزعهم وإشفاقهم من عمهم.وبعث السلطان كبيرهم أبا بكر بعهده على قسطنطينة فسار إليها بين أيدي موته واعصوصب الباقون على كبيرهم بعده أبي فارس عزوز فقبضوا على عمهم زكرياء وقد دخل يعود أخاه وأودعوه في بعض الحجر ووكلوا به.وهلك السلطان لثلاث بعدها فبايعوا أخاهم أبا فارس رابع شعبان سنة ست وتسعين وجاء أهل البلد إلى بيعته أفواجاً من الأعيان والكافة فتمت بيعته وأمر بنقل ما في بيوت عمه من الأموال والذخيرة إلى قصره حتى استوعبها وضيق عليه في محبسه وقام بتدبير ملكه وسياسة سلطانه.وولى بعض إخوانه على منابر عمله بإفريقية فبعث أحدهم على سوسة والثاني على المهدية وردف أخاه إسماعيل في ملكه بتونس وأحل الباقين محل الشورى والمفاوضة.وبلغ الخبرإلى أخيه المنتصر بتوزر فاضطرب أمره ولحق بالحامة فأقام بها.وكذلك أخوه زكرياء بنفطة فلحق بجبال نفزاوة.وكان أخوه أبو بكر لما سار إلى قسطنطينة لولاية أبيه قبل وفاته مر ببونة فلقيه صاحبها الأمير محمد ابن عمه زكرياء بما شاء من أنواع الكرامة والمبرة ووافى قسطنطينة فطلب منه القائمون بها كتاب السلطان بعهده عليها فأقرأهم إياه وفتحوا له الأبواب فدخل واستولى على أمرها.وكان خالصة السلطان محمد بن أبي هلال قد بعثه السلطان قبيل موته إلى السلطان أبي فارس عبد العزيز المتولي بالمغرب بعد وفاة أبيه السلطان أبي العباس بن أبي سالم في صفر من شهور السنة وحمله من الهدايا والتحف ما يليق بأمثالهما فسار فلما انتهى إلى ميلة بلغه الخبر بوفاة السلطان مرسله وأوعز إليه الأمير أبو بكر من قسطنطينة بالرجوع إليه فرجع بهديته واستقر عنده هنالك.هذا آخر ما بلغنا من الأخبار الصحيحة عنهم لهذه بني مزني الخبر عن بني مزني أمراء بسكرة وما إليها من الزاب هذا البلد بسكرة هو قاعدة وطن الزاب لهذا العهد وحده من لدن قصر الدوسن بالغرب إلى قصور تنومة وبادس في الشرق يفصل بينه وبين البسيط الذي يسمونه الحضنة جبل جاثم من المغرب إلى المشرق ذو ثنايا تفضي إليه من تلك الحضة وهو أبل درن المتصل من أقصى المغرب إلى قبلة برقة.يعمر ذلك الجبل في محاذاة الزاب من غربيه بقايا عمرت من زناتة ويتصل من شرقيه بجبل أوراس المطل على بسكرة المعترض في ذلك البسيط من القبلة إلى الشمال وهو جبل مشهور الذكر يأتي الخبر عن بعض ساكنيه.وهذا الزاب وطن كبير يشتمل على قرى.متعددة متجاورة جمعاً جمعاً يعرف كل واحد منها بالزاب.وأولها زاب الدوسن ثم زاب طولقة ثم زاب مليلة وزاب سرة وزاب تهودا وزاب بادس.وبسكرة أم هذه القرى كلها وكانت مشيختها في القديم بعد الأغالبة والشيعة لعهد صنهاجة ملوك القلعة في بني رمان من أهلها بما كثروا ساكنها وملكوا عامة ضياعها.كان لجعفر بن أبي رمان منهم صيت وشهرة.وربما نقضوا الطاعة لعهد بلكين بن محمد بن حماد صاحب القلعة في سني خمسين وأربعمائة وضبطوا البلد وامتنعوا.وتولى كبر ذلك جعفر بن أبي رمانة ونازلتهم جيوش صنهاجة إلى نظر الوزير خلف بن آبي حيدرة من صنائع الدولة فاقتحمها عليهم واحتملهم إلى القلعة فقتلهم بلكين جميعاً وجعلهم عظة لمن بعدهم.وأصار أمر الشورى لبني سندي من أهلها.وكان لعروس منهم بعد ذلك خلوص في الطاعة وانحياش إلى الدولة على حين تقلص ظلها وفشل ريحها وألوى الهرم بشبابها.وهو الذي فتك بالمنتصر بن خزرون الزناتي عند وصوله من المشرق واجتلابه على السلطان بقومه من مغراوه وأعراب الأثبج وبني عدي من بني هلال فمكر به السلطان وأقطعه ضواحي الزاب وريغة طعمة.ودس إلى عروس في الفتك به ففعل كما قدمنا ذكره في أخبار آل حماد.وانقرضت رئاسة بني سندي بانقراض أمراء صنهاجة من إفريقية.وجاءت دولة الموحدين والكثرة والبيت لبني رمان.وكان بنو مزني لفقاً من لفائق الأعراب وصلوا إلى إفريقية أحلافاً لطوالع بني هلال بن عامر في المائة الخامسة كما قدمنا.ونسبهم بزعمهم في مازن من فزارة والصحيح أنهم في لطيف من الأثبج.ثم من بني جرى بن علوان بن محمد بن لقمان بن خليفة بن لطيف واسم أبيهم مزنة بن ديفل بن محيا بن جرى هكذا تلقيته من بعض نسابة الهلاليين وشهد لذلك الوطن فإن أهل الزاب كلهم من أفاريق الأثبج عجزوا عن الظعن ونزلوا قراه على من كان بها قبلهم من زناتة وطوالع الفتح.وإنما يرعون عن هذا النسب فزارة لما صار إليه أهل الأثبج بالزاب من المغرم والوضائع فيستنكفون لذلك وينتسبون إلى غرائب الأنساب.وكان أول نزلهم بقرية من قرى بسكرة كانت تعرف بقرية حياس.ثم عفوا وتأثلوا وأخذوا مع أهل بسكرة بحظ وافر في تملك العقار والمياه.ثم انتقلوا إلى البلد واستمتعوا منها بالمنزل والظلال وقاسموا أهلها في الحلو والمر وانتظم كبارهم في أرباب الشورى من المشيخة.ثم استنكف بنو رمان من انتظامهم معهم وحسدوهم ما آتاهم الله من فضله وحذروهم على أنفسهم فاضطرمت بينهم نار العداوة والإحن كان أولها الكلام والترافع إلى سدة السلطان بتونس على حين استقلال أبي حفص بإفريقية ولعهد الأمير أبي زكرياء وابنه السلطان المستنصر.ثم تناجزوا الحرب وتواقعوا سكك المدينة وكانت صاغية الدولة مع بني رمان لقديمهم في البلد.ولما خرج الأمير أبو إسحاق على أخيه محمد المستنصر لأول بيعته ولحق بالدواودة من العرب وبايع له موسى بن محمد بن مسعود البلط أمير البدو يومئذ واعتمل به بسكرة وبلاد الزاب وأناخ عليها بكلكله كما قدمناه.قام يومئذ فضل بن علي بن أحمد بن الحسن بن علي بن مزني بدعوته وأعلن بين أهل البلد بطاعته واتبعوه على كره.ثم عاجلتهم عساكر السلطان وأجهضتهم عن الزاب فاعتلق فضل بن علي به واستمسك بذيله وصحبه في طريقه إلى الأندلس وبدار غربته منها إلى أن هلك المستنصر أخوه.وهيأ الله له من أمر الخلافة ما هيأ حسبما ذكرناه.ولما تم أمره واقتعد بتونس كرسي خلافته عقد لفضل بن علي على الزاب ولأخيه عبد الواحد على بلد الجريد رعياً لذمة خدمتهما وذكراً لائتلافهما في المنزل الخشن وصحبتهما فقدم والياً على الزاب ودخل بسكرة واستكان بنو رمان لصولته وانقادوا في مرضاة الدولة إلى أمره فلم ينبسوا بكلمة في شأنه واضطلع بتلك الولاية ما شاء الله.ثم كان شأن الدعي ابن أبي عمارة وتلبيسه ومهلك السلطان أبي إسحاق على يده.ثم ثار منه السلطان أبو حفص بأخيه واسترجع ما ضاع من ملكهم وكل منهم يثق بغنائه ويعول في أمر الزاب على كفايته.وسيم أعداؤه بنو رمان أيام ولايته فداخلوا أولاد حريز من لطيف أحد بطون الأثابج كانوا نزلوا بقرية ماشاش لصق المدينة حين عجزوا عن الطعن وخالطوا أهل البلد في أحوالهم وامتزجوا معهم بالنسب والصهر فأغروهم بفضل بن علي أن يكون التقدم لهم في الفتك به وتناول الأمر من يده وأن يخربوا بيوتهم من قرية ماشاش بأيديهم ليسكنوا إليهم ويطمئنوا إلى ولايتهم حلفاً عقدوه على المكر بهم.ولما أوقعوا به بظاهر البلد في بعض أيام ركوبه سنة ثلاث وثمانين ونزلوا من أمر الزاب ما كان يتولاه تنكر لهم بنو رمان لحولين من ذلك الحلف ونابذوهم العهد فخرجوا عن البلد وفقدوا المأوى للتمرس بها من قريب فتفرقوا في بلد ريغة.واستبد بنو رمان بشورى بسكرة والزاب منتقضين عليهم وعلى السلطان والدواودة قد تغلبوا عليه وعلى بلاد الحضنة من ورائه نقاوس ومقرة والمسيلة.وكان منصور بن فضل بن علي عند مهلك أبيه بالحضرة في بعض شؤونه فلما هلك أبوه واستبد بنو رفان بعده بثوا السعايات فيه إلى السلطان بالحضرة فأنجحت وتقبض عليه واعتقل أيام السلطان أبي ولما تغلب المولى أبو زكرياء يحيى ابن الأمير أبي إسحاق على بجاية وقسطنطينة وبونة واستقل بأمرها وانقسمت دولة آل أبي حفص بملكه ذلك منها تمسك أهل الزاب بدعوة صاحب الحضرة المولى أبي حفص وفر منصور بن فضل بن علي من محبسه بتونس ولحق ببجاية بعهد مهلك الحاجب القائم بالأمر أبي الحسين بن سيد الناس وتولية السلطان أبي زكرياء مكانه كاتبه أبا القاسم بن أبي يحيى سنة إحدى وتسعين وستمائة فلازم خدمته وخف عليه وصانعه بوجوه التحف وضمن له تحويل الدعوة بالزاب لسلطانه وتسريب أمواله وجبايته إليه واستماله بذلك فعقد له على الزاب وأمده بعسكر فنازل بسكرة.ووفد أهلها بنو رمان على السلطان ببجاية ببيعتهم فرجعهم على الأعقاب إلى عاملهم منصور وكتب إليه بقبول فيئتهم فدخل البلد سنة ثلاث وتسعين وكادهم في بناء القصر لشيعته وتحصن العسكر بسوره.ثم نابذهم العهد وثار بهم وأجلاهم عن البلد واستمكن فيه ورسخت قدم إمارته واستدر جباية السلطان واتسع له نطاق العمالة فاستضاف إلى عمل الزاب جبل أوراس وقرى ريغة وبلاد واركلي وقرى الحضنة: مقرة ونقاوس والمسيلة.فعقد له السلطان على جميعها ودفعه إلى مزاحمة العرب في جبايتها وانتهاش لحومها إذ كانوا قد غلبوا على سائر الضواحي فساهمهم في جبايتها حتى كاد يغلبهم عليها.ووفر أموال الدولة وأنمى الخراج وصانع رجال السلطان فألقوا عليه بالمحبة وجذبوا بضبعه إلى أقصى مراتب الاصطناع فأثرى واحتجن الأموال ووشجت عروق رياسته ببسكرة ورسخت منابت عزه.وهلك المولى أبو زكرياء الأوسط على رأس المائة السابعة وولوا مكانه ابنه الأمير أبا البقاء خالد كما قدمناه وقام بأمره حاجبه أبو عبد الرحمن بن غمر.وكان لمنصور بن فضل هذا اختصاص به واعتلاق بيد جاهه فاستنام إليه وعول في سائر الضواحي من ممالك السلطان على نظره وعقد له على بلاد التل من أرض سدويكش وعياض فاستضافها إلى عمله وجرد عن ساعد كفايته في جبايتها فلقح عقيمها وتفجرت ينابيعها.ثم حدث بينه وبين الدولة منافرة وأجلب على قسطنطينة بيحيى بن خالد ابن السلطان أبي إسحاق جأجأ به تلمسان وبايع له واستأنف الدواودة لمشايعته ونازل به قسطنطينة ثم اطلع على كامن صدره فيه وما طوى عليه من التربص به فحل عقدته ولحق بعسكره ببسكرة وراجع الطاعة.ولحق به يحيى بن خالد فاعتقله إلى أن هلك سنة عشرين وكانت بينه وبين المرابطين أهل السنة من العرب أتباع سعادة المشهور الذكر فتن وحروب طالبوه بترك المغارم والمكوس تخفيفاً عن الرعية وعملا بالسنة التي كانوا ملتزمين لطريقها ونازلوه من أجل ذلك ببسكرة مراراً.ثم هلك سعادة في بعض حروبه على مليلى كما مر في ذكره سنة خمسين وسبعمائة.وجمع منصور بن مزني للمرابطين وبعث عسكره يقوده ابنه علي بن منصور مع علي بن أحمد شيخ الدواودة وعلى المرابطين أبو يحيى بن أحمد أخوه ومعه رجالات المرابطين مثل: عيسى بن يحيى بن إدريس شيخ أولاد عساكر وعطية بن سليمان بن سباع وحسن بن سلامة شيخ أولاد طلحة فهزموا عسكر ابن مزني وقتلوا ابنه علياً وتقبضوا على علي بن أحمد ثم منوا عليه وأطلقوه.ورجعوا إلى بسكرة فنازلوها وقطعوا نخيلها.ثم عاودوه ثانية وثالثة.ولم يزل الحرب بينه وبين هؤلاء المرابطين سائر أيامه.وكان الحاجب ابن غمر قد استخلصه لنفسه وأحله محل الثقة بخلته والاستقامة إلى صفائه. ولما نهض السلطان أبو البقاء إلى تونس صحبه الحاجب في جملته حتى إذا أعمل المكيدة في الانصراف عن السلطان شاركه في تدبيرها إلى أن تمت كما قدمناه.ورجع الحاجب إلى قسطنطينة وصرفه إلى مكان عمله من الزاب.وكان يتردد إليه ببجاية للزيارة والمطالعة في أعماله إلى أن غمر به العرب في بعض طرقه إليها.وتقبض عليه من أمراء الدواودة علي بن أحمد بن عمر بن محمد بن مسعود وسليمان بن علي بن سباع بن يحيى بن مسعود على حين اجتذبا حبل الإمارة من يد عثمان بن سباع بن شبل بن موسى بن محمد واقتسما رياسة الدواودة قومهما فاستمكنا من هذا العامل منصور بن فضل في مرجعه من عمله ببلاد سدويكش وأوثقوه اعتقالاً وهموا بقتله فافتدى منهم بخمسة قناطير من الذهب وارتاشوا بمكسوبهم وصرفوا في وجوه رياستهم إنفاقها.وقبض منصور بن فضل عنانه عن السفر بعدها إلا في الأحايين.وبعد أخذ الرهن من العرب إلى أن كانت حركة مولانا السلطان أبي يحيى إلى تونس سنة سبع عشرة أول حركاته إليها وطالب حاجبه يعقوب بن غمر وهو بثغر بجاية بالأموال للنفقات والاعطيات فبعث إليه بمنصور بن فضل وأشار بعقده له على حجابته ليقوم بأمره ويكفيه مهمات شؤونه.واعتدها منصور على ابن غمر فساء ظنه وتنكر له ابن غمر وحالت صبغة وده وانكفأ السلطان من حركته تلك مخفق السعي بعد أن نزل ظاهر تونس بعساكره كما قدمناه.ولما احتل بقسطنطينة بدت له من يعقوب بن غمر صاحب الثغر مخايل الامتناع فأقصر عن اللحاق به وترددت بينهما الرسل وبعث له ابن غمر في منصور بن فضل.ونذر منه بالشر فأجاب داعيه وصحب قائد السلطان يومئذ محمد بن أبي الحسين بن سيد الناس إليه حتى إذا كان ببعض الطريق عدل إلى بلده وهم به القائد فأجاره أولياؤه من العرب: عثمان بن الناصر شيخ أولاد حربي ويعقوب بن إدريس شيخ أولاد خنفر ومن معهم من ذويهم.ولحق ببسكرة وبلغ الخبرإلى ابن غمر فقرع سن الندم عليه وشايع منصور بن مزني عدوهم صاحب تلمسان أبا تاشفين ودخل في دعوته وأوفد ابنه يوسف عليه بالطاعة والهدية.وملك السلطان خلال ذلك تونس وسائر بلاد إفريقية.وهلك ابن غمر سنة تسع عشرة ولم يزل منصور بن مزني ممتنعاً سائر أيامه على الدولة والعساكر من بجاية تتردد لمنازلته إلى أن هلك سنة خمس وعشرين وسبعمائة وقام بأمره من بعده ابنه عبد الواحد فعقد له السلطان على عمل أبيه بالزاب واستضاف إليه ما وراءه من البلاد الصحراوية: قرى ريغة وواركلي.وكان السلطان قد عقد على الثغر بعد مهلك ابن غمر لمحمد بن أبي الحسين بن سيد الناس وجعل له كفالة ابنه يحيى ودفعه إليه فتجددت الوحشة بين عبد الواحد هذا وبين صاحب الثغر في سبيل المنافسة في المرتبة عند السلطان لما كانوا جميعاً صنائع وبطانة للحاجب ابن غمر.وبعث العساكر لحربه ومنازلة حصنه.وناول عبد الواحد هذا لآل زيان مخانقي الدولة طرفاً من حبل طاعته تقبل فيها مذهب أبيه آخر عمره.وطال تمرس الجيوش به إلى أن استجن منه عبد الواحد بصهر عقد له على ابنته واشتراط المهادنة وتسليم الجباية وتودع أمره إلى أن اغتاله أخوه يوسف سنة تسع وعشرين بمداخلة بطانتهم من بني سماط وبني أبي كواية.ولما أحكم مداخلتهم آذنه عشاء للشورى معه في بعض المهمات وطعنه بخنجره فأشواه وهلك لحينه.واستقل يوسف بن منصور بإمارة الزاب ووصله مرسوم السلطان بالتقليد والخلع على العادة وأجرى الرسم في الدعاء له على منابر عمله.وكان السلطان قد استدعى محمد بن سيد الناس من الثغر لحجابته وفوض له أمور مهلكه فلهجت نار العداوة والإحن القديمة ما بينه وبين يوسف بن منصور عامل الزاب وهم به لولا ما أخذ بحجزته من الشغل الشاغل للدولة بتحيف آل زيان وهلك الحاجب سنة اثنتين وثلاثين في نكبة السلطان إياه كما ذكرناه وعقد لمحمد بن الحكيم على القيادة وجعل بيده زمام العساكر وفوض له في سائر القرى والضواحي فأجره وسنه وحكمه في دولته وتغلب على أمره حين فرغ السلطان من الشغل بمدافعة عدوه وحط ما كان من إصرهم على كاهل دولته.ونهض السلطان أبو الحسن إلى يغفراسن فقدم أظفار أعدائهم وفل شبا عزائمهم كما شرحناه قبل فأذكى القائد محمد بن الحكيم مع يوسف بن منصور نار العداوة.وأثار له من السلطان كامن الحفيظة وصرف وجوه العزائم إلى حمله على الجادة وتقويمه عن المراوغة في الطاعة وناهضه بالعساكر مرات ثلاثاً يدافعه في كلها بتسليم الجباية إليه.ثم كانت بينه وبين علي بن أحمد كبير الدواودة فتن وحروب دعا إليها منافسة علي في استئثاره بمال الجباية دونه فواضعه الحرب ودعا العرب إلى منازلته مموهاً بالدعاء إلى السنة وحشد أهل ريغ لذلك ونازله وانحرف عنه ابنه يعقوب ودخل إلى بسكرة فأصهر له ابن مزني في أخته بنت منصور بن فضل.وعقد له عليها فحسن دفاعه عنه وبعث ابن مزني عن سليمان بن علي كبير أولاد سباع وقريع علي بن أحمد في شوله فكان عنده ببسكرة يغاديه القتال ويراوحه إلى أن امتنع ابن مزني.ورحل علي ابن أحمد بن بسكرة وصار مع ابن مزني إلى الاتفاق والمهادنة أعوام الأربعين من المائة الثامنة.ثم كانت غزاة القائد ابن الحكيم إليه نهض من إفريقية بعد أن نازل بلاد الجريد واقتضى طاعتهم ومغارمهم واسترهن ولد ابن يملول ثم ارتحل إلى الزاب في جنوده ومعه العرب من سليم فأجفل بالزاب ونزل بلد أوماش من قراه وفرت العرب من الدواودة وسائر رياح أمامه ودافعه يوسف بن مزني بهديته دفعها إليه وهو بمكانه من أوماش.وارتحل عنه إلى بلاد ريغ فافتتح تقرت معقلهم واستباحها ودوخ سائر أعماله.ورجع إلى تونس ونكب السلطان قائده محمد بن الحكيم هذا سنة أربع وأربعين وولى ابنه أبا حفص عمر.وخشي الحاجب أبو محمد بن تافراكين بادرة بطانته فلحق بملك المغرب المرهوب الشبا المطل على الممالك يعسوب القبائل والعشائر أبي الحسن وأغراه بملك إفريقية واستجره إليها فنهض في الأمم العريضة سنة ثمان وأربعين كما ذكرنا ذلك كله من قبل.ووفد عليه يوسف بن منصور أمير الزاب بمعسكره من بني حسن فلقاه براً وترحيباً واستتبعه في جملته إلى قسطنطينة.ثم عقد له عنى الزاب وما وراءه من قرى ريغة وواركلي وصرفه إلى عمالته.واستقبل تونس وأمره برفع الجباية إليه مع العمال القادمين من أقصى المغرب على رأس الحول فاستعد لذلك حتى إذا سمع بوصولهم من المغرب لحقهم بقسطنطينة وفجأهم هنالك جميعاً |
الخبر بنكبة السلطان على القيروان
كما ذكرناه فاعتزم على اللحاق ببلاده.واعصوصب عليه يعقوب بن علي بن أحمد أمير البدو بالناحية القريبة من إفريقية لأزمة صهر كانت بينهما ومخالصة.وتحيز إليهم من كان بقسطنطينة من أولياء السلطان وحاشيته وعماله ورسل الطاغية والسودان الوافدين مع ابنه عبد الله من أصاغر بنيه أواهم يوسف بن منصور جميعاً إليه وأنزلهم ببلده وكفاهم مهماتهم شهوراً من الدهر حتى خلص السلطان من القيروان إلى تونس ولحقوا به مع يعقوب بن علي فكانت تلك يداً اتخذها يوسف بن يعقوب عند السلطان أبي الحسن وبنيه باقي الأيام.ثم أتبع ذلك بمخالفة رؤساء النواحي من إفريقية جميعاً في الانتقاض عليه وأقام متمسكاً بطاعته يسرب الأموال إليه بتونس وبالجزائر عند خلوصه إليها من النكبة البحرية كما سنذكره ويدعو له على منابره بعد تقويضه عن الجزائر إلى المغرب الأقصى لاسترجاع ملكه إلى أن هلك السلطان أبو الحسن بجبل هنتاتة من أقصى المغرب سنة اثنتين وخمسين واستقام أمر الدولة المرينية الحية الذكر لابنه السلطان أبي عنان ولما استضاف إلى ملكه ملك تلمسان ومحا ما جدده بنو عبد الواد من رسوم ملكهم وجمع كلمة زناتة وأطل على البلاد الشرقية سنة ثلاث وخمسين بادر يوسف بن منصور بطاعته فأتاها طواعية وأوفد على السلطان رسله بكتاب بيعته.ثم أوفد عليه ثانياً مع حاجبه الكاتب أبي عبد الله محمد بن أبي عمر وبعثه بالعساكر لتدويخ إفريقية وتمهيد ملكه ببجاية كما سنذكره.وأوفد عليه أمراء القبائل والبدو ورؤساء النواحي سنة أربع وخمسين ووفد في جملتهم يوسد بن منصور أمير الزاب ويعقوب بن علي أمير البدو وسائر الدواودة فلقاه السلطان تكرمة ورعياً لأزمة خلوصهم لأبيه وقومه من بين أهل إفريقية وأسنى جوائزهم.وعقد ليوسف بن مزني على الزاب وما وراءه من بلاد ريغة وواركلي على عادته وانقلب محبواً محبوراً.وقد ثبت له من ولاية السلطان ومخالطته حظ ورفع له ببساطه مجلس.ولما نهض السلطان إلى إفريقية لافتتاح قسطنطينة سنة ثمان وخمسين كما سنذكره تلقاه يوسف بن منصور على قسطنطينة فخلطه بأوليائه ونظمه في طبقات وزرائه.واستوحش يعقوب بن علي يومئذ من مطالبته بالرهن له ولقومه وانتقض وأجفلت أحياؤه إلى بلاد الزاب.وخرب بلاد يعقوب بن علي بالزاب والتل بقطع شجرائها وبغور مياهها وبهدم بنائها وبنسف آثارها.ودخل يعقوب بأحيائه الرمل وأعجزوا السلطان فانكفأ راجعاً واحتل بظاهر بسكرة فتلوم بها ثلاثاً لإراحة العساكر وإزاحة عللهم من وعثاء السفر وشعث الصحراء فغرب يوسف بن منصور في قرى عسكره أيام مقامه شملهم فيها من العلوفة والحنطة واللحمان والأدم بما أرغد عيشهم وكفاهم مهمهم.وتحدث بها الناس دهراً ورفع إليه جباية الزاب لعامه قناطير من الذهب دفعه ببيت المال فقبضه القهارمة من ثقاته وأجزل السلطان مثوبته وأسنى عطيته واختضه بكسوة ثيابه وعياله من كسى حرمه وثياب قصره.وانكفأ راجعاً إلى حضرته.ثم أوفد يوسف بن منصور ابنه أحمد على السلطان بسدته من فاس عند منصرف وزيره سليمان بن داود من حركة إفريقية سنة تسع وخمسين وأصحبه هدية من عتاق الخيل وفاره الرقيق.وأقام أياماً في نزل كريم ومحل من المجلس رفيع إلى أن هلك السلطان خاتمة تسع وخمسين فأرغد القائم بالدولة من بعده جائزته وأسنى صلته وصرفه إلى عمله واستوصى به أمراء النواحي والثغور في طريقه.ولم ينشب أن شئت نار الفتنة وانتزى الخوارج بالجهات بعد مهلك السلطان فخلص إلى أبيه بعد عناية وعلى يأس من النحاة بعد أن حصل في قبضة أبي حمو سلطان بني عبد الواد عند استيلائه على تلمسان وهو بها مع بني مرين وقد مر بهم مجازاً إلى وطنه فأجاره عليه صغير بن عامر شيخ بني عامر من زغبة رعياً لأزمة أبيه يوسف صاحب الزاب وتأميلاً للعرب فيه وفي أعماله.وبعد أن بذل له من يده ومن طرف ما وصله بنو مرين من ذخائرهم فبعث معه صغير ركاباً من قومه أبلغوه فكانت إحدى الغرائب في نجاته.واسترجع الموحدون ثغورهم: بجاية وقسطنطينة من يد بني مرين وأزعجوا عنها العساكر المجمرة بها من قبائلهم كما قدمناه فراجع يوسف بن منصور طاعته المعروفة إلى أن هلك سنة سبع وستين ليوم عاشوراء وقام بأمره ابنه أحمد وجرى على سننه وهو لهذا العهد أمير على الزاب بمحل أبيه من إمارته متقبل في مذهبه وطريقه إلا أن خلق أبيه كان سخية وخلق هذا تلهوقا لما فيه من التحذلق وربك يخلق ما يشاء ويختار.وله ولد كبيرهم أبو يحيى من بنت محمد بن يملول أخت يحيى وهو لهذا العهد مرشح لمكانه.ولما حلت بهل الجريد الفاقرة ونزل به يحيى بن يملول المشؤوم على وطنه توجس الخيفة من السلطان وتوقع المطالبة بطاعة غير طاعته المعروفة فسرب الأموال العرب ومد يده إلى حبل صاحب تلمسان ليتمسك به فوجده قاصراً عنه.وأقام يقدم في أمره رجلا ويؤخر أخرى.ثم قذف الله نور الهداية في قلبه وأراه سنن رشده.وبادر إلى الاستقامة في الطاعة والعدول عن المراوغة ووصله وافد السلطان أبي العباس الموحدين أبو عبد الله بن أبي هلال وكشف له قناع المخالصة والانحياش وبعث معه وفده بهديته واستقامته وتقبله السلطان وأعاده إلى أحسن الأحوال من الرضا عنه والله متولي الأمور سبحانه. الخبر عن رياسة بني يملول بتوزر وبني الخلف بنفطة وبني أبي منيع بالحامة زعيم هؤلاء الرؤساء ابن يملول صاحب توزر لاتساع بلده وتمدن مصره واحتلاله منها بأم القرى من قطره وهو يحيى بن محمد بن يملول.ونسبهم بزعمهم في طوالع العرب من تنوخ استقر أولوه بهذا الصقع منذ أول الفتح فعفوا وتأثلوا ووشجت به عروقهم نسباً وصهراً حتى انتظموا في بيوت الشورى المتقدمين للوفادة على الملوك وتلقي العمال القائمين من دار الخلافة والنظر في مصالح الكافة أيام آل حماد بالقلعة وآل عبد المؤمن بمراكش وآل أبي حفص بتونس: مثل بني واطاس وبني فرقان وبني ماردة وبني عوض.وكان التقدم فيهم أيام عبيد الله الشيعي لابن فرقان وهو الذي أخرج أبا يزيد حين شعر أنه يروم القيام على أبي القاسم القائم وأيام آل حماد ليحيى بن واطاس وهو النازع بطاعة أهل قسطنطينة إليهم عن آل بلكين ملوك القيروان حين انقسمت دولة آل زيري وافترق أمرهم.ثم عادت الرياسة لبني فرقان لأول دولة الموحدين ومنهم كان الذي لقي عبد المؤمن وأتاه الطاعة عن نفسه وعن أهل بلده توزر فتقبله ووصله.وصار الأمر للموحدين فمحوا منها آثار المشيخة والاستبداد.ونشأ أحمد هذا الجد مترامياً إلى الرياسة بهذا القطر يدافع عنه بالراح ويزاحم بالمناكب من وجوه البلد وأشراف الوطن.وسعى به إلى شيخ الموحدين وقائد العسكر أيام السلطان أبي حفص محمد الفازاري فنكبه وصادره على مال امتحنه عليه.كانت أول نكباته التي أورت من زناده وأذكت من جمره فخلص إلى الحضرة يؤمل اقتعاد مطيته وثبوت مركزه من دار الخلافة فأوطنها أياماً يباكر أبواب الوزراء والخاصة ويلثم أطراف الأولياء والحاشية ويبذل كرائم ماله فيما يزلفه لديهم ويؤثره بعنايتهم حتى استعمل بديوان البحر مقعد العمال بمرفأ السفن لجباية الأعشار من تخار دار الحرب.ثم استضاف بما كان من غنائه فيها واضطلاعه سائر أعمال الحضرة فتقلدها زعيماً بإمضاء الجرايات وإدرار الجباية واستمرت على ذلك حاله وتضاعفت فائدته فأثرى واحتجن المال واستخلص الذخيرة قاطعاً لألسنة السعاية المصانعة والإتحاف بطرف ما يجلبه الروم من بضائعهم حتى أبطره الغنى ودلت على مكامنه الثروة ورفع أمره إلى الحاجب فخرج التوقيع بالقبض عليه واستصفاء ماله لعهد السلطان أبي يحيى اللحياني فنكب الثانية وصودر على مئتين من آلاف الدنانير وامتحن لها وباع فيها مكسوبه حتى من الكتب.وخلص من النكبة مثلوب الأمانة ممزق الأديم فقيد الرياش أحوج ما كان إلى ما يعوز عن الكن والدفء وبلالة العيش.ولحق ببلده ناجياً بالرمق ضارعاً للدهر.ودفعه الملأ إلى ما يستنكفون عنه من خدمة العمال ومباكرة أبوابهم والامتهان في ضروراتهم وأنجده في ذلك بخت جذب بضبعه.وكان في خلال ذلك شغل الحضرة شأن الثغور الغربية وأمرائها فتقلص ظل الدولة عن هؤلاء بعض الشيء وهملت الرعايا بالبلاد الجريدية وصار أمرها إلى الشورى التي كانت عليها قبل.فلما أدرك أحمد هذه الشورى التي كان يسمو لها سمو حباب الماء ثلج صدره وأنجح سعيه واستبد بمشيخة توزر.وهلك في أعوام ثماني عشرة فخلفه من بعده في سبيله تلك ولده يحيى طموحاً إلى المرتبة منافساً في الاستقلال.وزاحم بيوتات المصر بمناكب استوصلها سائر عمره من الدعار والأوغاد بمعاقرة الخمر والمجاراة في فنون الشباب ليستبد أمره والاستيلاء على نظرائه حتى تطارحوا في هوة المهلك بين قتيل ومغرب ومخيف العمران لم تعطفه عليهم عواطف الرحم ولا زجره وازع التقوى والسلطان حتى خلا له الجو واستوسق الأمر واستقر من أمر البلد والحل والعقد بأوفى من استبداد أبيه.وكان مهلكه قريباً من استبداده لخمس سنين فتلقف الكرة من يده أخوه تربه في الرياسة ومجاريه في مضمارها فأجرى إلى الغاية واقتعد كرسي الرياسة وعفا على آثار المشيخة.واستظهر على أمره بمصانعة أمراء البدو وأولاد أبي الليل والمتات إليهم بصهر كان عقده أبوه أحمد لأبي الليل جدهم على أخته أوعمته.فكانوا رداء له من الدولة فبعد صيته وعظم استيلاؤه وامتدت أيامه وعنى الملوك بخطابه وإسناد الأمور في تلك البلاد إليه خلال ما تعود الكرة وتهب ريح الدولة.وزحف إليه القائد محمد بن الحكيم سنة أربعين فلاذ منه بالطاعة والمصانعة بالمال ورهنه ولده يحيى فرجعه إليه ابن الحكيم وتقبل طاعته من غير رهن استقامة لما ابتلاه من خلوصه.وأقام على ذلك إلى أن هلك أعوام أربعة وأربعين من المائة الثامنة.وتصدى ولده عبد الله للقيام بالأمر فوثب عليه عمه أبو زيد بن أحمد فقتله على جدث أبيه صبح مواراته بعد أن كان أظهر الرضى به والتسليم له فثارت به العامة لحينه وكان مصرعهما واحداً.وقام بالأمر أخوه يملول بن أحمد أربعة أشهر كانت شر مدة وأسوأ ولاية لما أصاب الناس بسوء ملكته من سفك الدماء واستباحة الحرم واغتصاب الأموال حتى كان ينسب إلى الجنون مرة وإلى الكفر مرة أخرى فمرج أمرهم واستولى الضجر على نفوسهم.وكان أخوه أبو بكر معتقلا بالحضرة فراسله أهل توزر سراً وأطلقه السلطان من محبسه بعد أن أخذت عليه المواثيق بالطاعة والوفاء بالجباية فصمد إليها بمن في لفه من الأعراب وحشد نفزاوة المجاورين لها في القرى الظاهرة المقدرة السير وأجلب عليهم ثم بيتها فافتتحها.وبادر الناس إلى القبض على يملول أخيه وأمكنه منه فاعتقله بداره وتبرأ من دمه وأصبح لثالثة اعتقاله ميتاً بمحبسه.وكانت قفصة من قبل ذلك لما صار أمر الجريد إلى الشورى قد استبد بها يحيى بن محمد بن علي بن عبد الجليل بن العابد من بيوتها ونسبهم في زعمهم في بلى ولهم خلف بزعمهم في الشريد من بطون سليم.والله أعلم بأولية نزولهم بقفصة حتى التحموا بأهلها وانتظموا في بيوتاتها.وكانت البيوت بها بيت بني عبد الصمد وبيت بني أبي زيد وكانت رياسته لبعض بني أبي زيد لعهد الأمير أبي زكرياء الأعلى كان يستعمله على جباية أموال الجريد ثم سعى به أنه أصاب منها فنكبه وصودر على آلاف من المال فأعطاها وأقامت رياستهم متفرقة في هذه البيوتات.ولما حدثت العصبية بالبلد أيام صار أمر الجريد إلى الشورى كان بنو العابد هؤلاء أقوى عصبية من سائرهم واستبد بها كبيرهم يحيى بن علي.فلما فرغ السلطان من شغله بزناتة وجثم السلطان أبو الحسن على تلمسان يحاصرها.وأقبل السلطان على النظر في تمهيد ملكه وإصلاح ثغوره وافتتح أمره بغزو قفصة ونهض إليها سنة خمس وثلاثين في عساكره من الموحدين وطبقات الجند والأولياء من العرب فحاصرها شهراً أو نحوها وقطع نخيلها وضاق عنقهم بالحصار وتلاوموا في الطاعة.واستبقوا بها إلى السلطان وفر الكثير من بني العابد فلحقوا بقابس في جوار ابن مكي.ونزل أهل البلد على حكم السلطان فتقبل طاعتهم وأحسن التجاوز عنهم وبسط المعدلة فيهم وأحسب أمل ذوي الحاجات منهم وانكفأ راجعاً إلى حضرته بعد أن آثرهم بسكنى ولده المخصوص بعدئذ بعهده الأمير أبي العباس وأنزله بين ظهرانيهم وعقد له على بلاد الجريد واحتمل مقدم قفصة يحيى بن علي إلى الحضرة فلم يزل بها إلى أن هلك سنة ربع وأربعين وأستبد الأمير أبو العباس بأمر الجريد واستولى على نفطة كما قدمناه.وقتل بني خلف وهم: مدافع وأبو بكر وعبد الله ومحمد وابنه أحمد بن محمد أخوة أربعة وابن أخيهم الخلف بن علي بن الخلف بن مدافع ونسبهم في غسان في طوالع العرب.وانتقل جدهم من بعض قرى نفزاوة إلى نفطة وتأثل بها وكان لبنيه بها بيت.واستبد هؤلاء الأخوة الأربعة أزمان الشورى كما قدمناه.ولما استولى السلطان أبو بكر على الجريد وأنزل ابنه أبا العباس بقفصة وعقد له على سائر أمصاره اقتضى طاعتهم فامتنعوا فسرح إليهم وزيره أبا القاسم بن عتو من مشيخة الموحدين.وجهزت له العساكر من الحضرة ونازلها وقطع نخلها فلاذ أهلها بالطاعة وأسلموا بني مدافع المتغلبين فضرب أعناقهم وصلبهم في جذوع النخل آية للمعتبرين.وأفلت السيف منهم علياً صغيرهم لذمة اعتدها له أبو القاسم بن عتو لنزوعه قبل الحادثة فكانت واقيته من الهلكة.واستولى الأمير أبو العباس على نفطة واستضافها إلى عمله.ثم مرض أبو بكر بن يملول في طاعته فنهض إليه السلطان أبو بكر من تونس سنة خمس وأربعين وكان الفتح كما قدمناه.ولحق أبو بكر بن يملول ببسكرة فلم يزل بها إلى أن أجلب على توزر فنبذ إليه يوسف بن مزني عهده وانتقل إلى حصون وادي ابن يملول المجاورة لتوزر وهلك سنة ست وأربعين.ثم كان مهلك السلطان وابنه الأمير أبي العباس صاحب الأعمال الجريدية إثر ذلك سنة سبع وأربعين ورجع إلى كل مصر من الجريد مقدموه فرجع أحمد بن العابد إلى قفصة من مكانه في جوار ابن مكي واستولى على بلده في مكان ابن عمه يحيى بن علي ورجع علي بن الخلف إلى نفطة واستبد بها ورجع يحيى بن محمد بن أحمد بن يملول إلى توزر من مثوى اغترابه ببسكرة وارتحل إليها مع عمه أبي بكر طفلا فلما خلا الجديد من الإمارة درج يحيى هذا من عشه في جوار يوسف بن منصور بن مزني وأطلقه مع أولاد مهلهل من الكعوب بعد أن وصلهم وشارطهم واسترهن فيه أبناءهم فأوصلوه إلى محل رياسته بتوزر ونصبه شيعته وأولياء أبيه وقاموا بأمره.ورجع أمر الجريد كله إلى رياسة مقدمه كما كان.ثم وفدوا على السلطان أبي الحسن عند زحفه إلى إفريقية ولقوه بوهران فلقاهم مبرة وتكرمة ورجع كلاً إلى بلده ومحل رياسته بعد أن أسنى الجائزة ووفر الإسهام والأقطاع وأنفذ الصكوك والكتب: فرجع إلى توزر يحيى بن محمد بن أحمد بن يملول صبياً مغتلماً وإلى نفطة علي بن الخلف بن مدافع وإلى قفصة أحمد بن عمر بن العابد.وأنزل بكل واحد من هذه الأمصار عاملا وحامية.وعقد على الجريد كله لمسعود بن إبراهيم بن عيسى اليرنياني من طبقة وزرائه واستوصى لهؤلاء الرؤساء خيراً في جواره.حتى إذا كانت نكبة السلطان بالقيروان سنة تسع وأربعين وارتحل عامل الجريد مسعود بن إبراهيم يريد المغرب بمن معه من العمال والحامية ونمي خبره إلى الأعراب من كرفة فصبحوه في بعض مراحل سفره دون أرض الزاب فاستلحموه ومن كان معه من الحامية واستولوا على أبنيتهم وذخيرتهم وكراعهم واستبد رؤساء تلك البلاد بأمصارهم وعادوا إلى ديدنهم من التمريض وآذنوا بالدعاء لصاحب الحضرة منابرهم واستمروا على ذلك.فأما يحيى بن محمد بن يملول فنزع إلى مناغاة الملوك في الشارة والحجاب واتخاذ الآلة والبيت المقصور للصلاة واقتعاد الأريكة وخطاب التمويل.وفسح للمجون والعكوف على اللذات مجالا يرى أن جماع السياسة والملك في إدارة الكأس وافتراش الآس والحجبة عن الناس والتأله على الندمان والجلاس.وفتح مع ذلك على رعيته وأهل إيالته باب العسف والجور.وربما بيت مشاهيرهم غيلة فأتلف نفوسهم وامتد أمده في ذلك إلى أن استولى السلطان أبو العباس على إفريقية وكان من أمره ما نذكره.وأما جاره الجنب علي بن الخلف فلم يلبث لما استبد برياسته أن حج سنة أربع وستين والتزم مذاهب الخير وطرق الرضى والعدالة وهلك سنة خمس بعدها وولي مكانه ابنه محمد جارياً على سننه.ثم هلك لسنة من ولايته وقام بأمره أخوه عبد الله بن علي فأذكى سياسته وأيقظ حزمه وأرهف للناس حلى فنقموا عليه سيرته وسيموا عسفه واستمكن مناهضهم في الشرف ومحاذيهم في رياسة البلد القاضي محمد بن خلف الله من صاحب الحضرة بذمة كانت له في خدمة قديمة استعمله لرعيها في خطة القضاء بحضرته وآثره بالمكان منه والصحبة فسعى بعبد الله هذا عند الخليفة ودله على مكامن هلكته وبصره بعورات بلده.واقتاد عساكر السلطان إليه في زمامه.ولما احتل بظاهر البلد وعبد الله رئيسها أشد ما كان قوة وأكثر جمعاً وأمضى عزماً استألف أخوه الخلف بن علي بن الخلف جماعة المشيخة دونه وحرضهم عليه وداخل القاضي في تبييت البلد وأنه بالمرصاد في اقتحامها حتى إذا كانت الهيعة دس إلى بعض الأوغاد في قتل أخيه عبد الله ومكر بالقاضي والعسكر وامتنع عليهم واعتصم دونهم واستقل برياسة بلده وأقام على ذلك يناغي ابن يملول في سيره ويطارحه الكثير من مذاهبه ويجري في الشأو الذي بلغ إلى غايته وأوفى على ثنيته.وأما أحمد بن عمر بن العابد فلم يزل من لدن استبداده في قفصة سالكاً مسالك الخمول منحطاً عن رتب التكبير منتحلا مذاهب أهل الخير والعدالة في شارته وزيه ومركبه جانحاً إلى التقلل.فلما أوفى على شرف من العمر استبد عليه ابنه محمد وترفع عن حال أبيه بعض الشيء إلى مناغاة هؤلاء المترفين فبينما هؤلاء المتقدمون في هذه الحال من الاستبداد على السلطان والتخفق بأخلاق الملوك والتثاقل على الرعايا بالتعسف والجور واستحداث المكوس والضرائب إذا أطل على مفاحصهم السلطان أبو العباس الحضرة مستبداً بدعوته صارفاً إلى فتحها عزائمه فوجموا وتوجسوا الخيفة منه.وائتمروا في المظاهرة واتصال اليد بعد أن كانوا يستحثونه إلى الحضرة ويبعثون إليه بالانحياش على البعد زبوناً على صاحب الحضرة وتراوغاً عن مصدوقة الطاعة.فلما استبد السلطان أبو العباس بالدعوة استرابوا في أمرهم وسربوا أموالهم في الأعراب المخالفين على السلطان من الكعوب يؤملون مدافعتهم عنهم فشمر لها أولاد أبي الليل بما كان وقع بينهم وبين السلطان من النفرة.ونهض إليهم السلطان فغلبهم على ضواحي إفريقية وعلى الظواعن التي كانت جبايتها لهم من مرنجيزة كما قلناه واكتسحهم فأوهن بذلك من قوتهم.ثم زحف الثانية إلى أمصار الجريد فلاذوا بالامتناع فأناخ السلطان بعساكره وأوليائه من العرب أولاد مهلهل على قفصة فقاتلوها يوماً أو بعض يوم وغدا في ثانيه على خيلهم يقطعها فكأنما يقطع بذلك أمعاءهم فتبرأوا من مقدمهم وشعر بذلك فبادر إلى السلطان ونزل على حكمه فتقبض عليه وعلى ابنه شهر ذي القعدة من سنة ثمانين وتملك البلد واستولى على ديار ابن العابد بما فيها.وكان شيئاً لا يعبر عنه لطول أيامه في الولاية وكثرة احتجانه للأموال.وعقد السلطان على قفصة لابنه أبي بكر وارتحل يريد توزر وطار الخبر لابن يملول في توزر فقوض عنها بأهله ونزل على أحياء مرداس وسرب فيهم المال فرحلوا معه إلى الزاب ولحق ببسكرة مأوى نكباته ومنتهى مفره فنزل بها على أحمد بن يوسف بن مزني وأقام هنالك على قلعة من توقع مطالبة السلطان له ولجاره ابن مزني وخسارة أموالهم في زبون العرب وسوء المغبة إلى أن هلك لسنة أو نحوها.وائتمر أهل توزر بعد تقويضه عنهم وبعثوا إلى السلطان ببيعتهم فلقيته أثناء طريقه وتقدم إلى البلد فنزل بقصور ابن يملول واستولى على ذخيرته وتبرأ إليه أهل البلد من ودائع كانت له عندهم من خالص الذخيرة فرفعوها إلى السلطان.وعقد لابنه المنتصر على توزر واستقدم الخلف بن الخلف من نفطة وكان يخالف أصحابه إلى الطاعة متى نقضوها زبوناً على يملول وسالفة من العداوة كان يتقبلها.فلما أحيط بهم أدركه الدهش بطاعته فأتاها وقدم عليه فتقبل السلطان ظاهره وأغضى له عن غيرها طمعاً في استصلاحه وعقد له على حجابة ابنه المنتصر وأنزله معه بتوزر وأمره بالاستخلاف على بلده نفطة وعقد له على ولايتها وانكفأ راجعاً إلى الحضرة وقدم ابن الخلف على أمره ورأى أنه قد تورط في الهلكة فراسل ابن يملول بمكانه من توزر وعثر أولياء السلطان على كتابه إلى يعقوب بن علي شيخ رياح ومدره حروبهم على صريخ ابن يملول ومعونته فعلموا نكثه ومداجاته وبادروا إلى التقبض عليه وولوا على نفطة من قبلهم وخاطبوا السلطان بالشأن وأقام في اعتقاله إلى أن كانت حادثة قافصة وكان من خبر قفصة أن ابن أبي زيد من مشيختها كان نزع إلى السلطان قبل فتحها هو وأخوه لمنافسة بينهما وبين ابن العابد وهما: محمد وأحمد ابنا عبد العزيز بن عبد الله بن أحمد بن علي بن عمر بن أبي زيد.وقد ذكرنا أوليتهم واستعمال سلفهم أيام الأمير أبي زكرياء الأعلى في جباية الجريد.فلما استولى على البلد رعى لهما تشيعهما وبدارهما إلى طاعته مع قديمهما فأنزلهما مع ابنهما بقفصة وكبيرهما رديف لحاجبه عبد الله من الموالي الأتراك ومدبر لأمور البلد في طاعة السلطان.ثم نزغ الشيطان في صدره وحدثته نفسه بالاستبداد وأقام يتحين له الفرص.وذهب الأمير أبو بكر إلى زيارة أخيه بتوزر فكاده في التخلف عنه وجمع أوشاباً من الغوغاء والزعانف وتقدم بهم إلى القصبة للفتك بعبد الله التريكي ونذر بذلك فأغلق أبواب القصبة وبعث الصريخ في أهل القرى وقاتلهم ساعة من نهار حتى وافى إليه المدد.فلما استغلظ بمدده أدركهم الدهش وانفض الأشرار من حولهم ولجأوا إلى الاختفاء في بيوت البلد وتقبض على الكثير ممن داخلهم في الثورة ووصل الخبر إلى الأمير أبي بكر بتوزر فبادر إلى مكانه وقد سكنت الهيعة فاستلحم جميع من تقبض عليه حاجبه وناس في الناس بالبراءة من أبي زيد فتبرأوا منه.وعثر الحرس عليه وعلى أخيه خارجين من أبواب البلد في زي النساء فقادهما إليه فقتلهما بعد أن مثل بهما.وبادر المولى المنتصر بتوزر لقتل الخلف بن الخلف أن يخوض في مثلها فذهب في غير مرحمة لم يعطف عليه رحم ولا تكنه سماء ولا أرض.واستبد السلطان بالجريد ومحا منه آثار المشيخة وعفا عليها وانتظمه في عمالات السلطان.وأما بلد الحامة وهي من عمالات قسطيلية وتعرف بحامة قابس وحامة مطماطة نسبة إلى أهلها الموطنين كانوا بها من البربر وهم فيما يقال الذين اختطوها وأما الآن ففيها ثلاث قبائل من توجن وبني ورياجن وهم في العصبية فرقتان: أولاد يوسف ورياستهم في أولاد أبي منيع وأولاد جحاف ورياسهم في أولاد وشاح ولا أدري كيف نسب لفرقتين.فأما بنو أبي منيع فالحديث عن رياستهم في قومهم أن جدهم رجا بن يوسف كان له ثلاثة من الولد وهم: بوساك ويحمد وملالت وأن رئاسته بعده كانت لابنه بوساك ثم ابنه أبي منيع من بعده ثم لابنه حسن بن أبي منيع ثم لابنه محمد بن حسن ثم لأخيه موسى بن حسن ثم لأخيهما ابن علان إلى أن كان ما نذكر.وأما أولاد جحاف فكانت أول رياستهم لمحمد بن أحمد بن وشاح وقبله خاله القاضي عمر بن كلى.وكان العمال من الحضرة يتعاقبون فيهم إلى أن أسقط السلطان عنهم الخراج والمغارم بأمرها.وكان مقدمهم لأول دولة السلطان أبي بكر من أولاد أبي منيع وهو موسى بن حسن.وكان المديوني قائد السلطان والياً عليهم وارتاب بهم بعض الأيام وأحبوا الثورة به فدس بها إلى السلطان في بعض حركاته وغزاهم بنفسه ففروا وأدرك سبعة من أولاد يوسف هؤلاء وتقبض عليهم فقتلوا.ثم رجع الأمر وولي موسى بن حسن.ولما هلك ولي بعده أخوه أبو علان وطال أمد ولايته عليهم وكان منسوباً إلى الخير والعفاف.وهلك سنة اثنتين وأربعين وولي بعده ابنه عمر ثم ابنه الآخر أبو زيان.ثم ولي بعدهما ابن عمهما مولاهم ابن محمد.ووفد على السلطان أبي الحسن مع وفد أهل الجريد كما مر.ثم هلك فولي بعده من بني عمهم حسان بن هجرس وثار به محمد بن أحمد بن وشاح من أولاد جحاف المذكوا فعزله وأقام في ولايتها إلى سنة ثمان وسبعين فثار به أهل الحامة وقتلوا عمر بن كلى القاضي وولوا عليهم حسان بن هجرس واليهم.ثم ثار به يوسف واعتقله وهو يوسف بن عبد الملك بن حجاج بن يوسف بن وشاح وهو الآن مقدمها يعطي طاعة معروفة ويستدعي العامل في الجباية ويراوغ عن المصدوقة والغلب والاستيلاء وقد أحاط به من كل جهة.وأملى علي بعض نسابتهم أن مشيخة أهل الحامة في بني بوساك ثم في بني تامل بن بوساك.وأن تامل أول من رأس عليهم وأن وشاحاً من ولد تامل وأن بني وشاح على فرقتين: بنو حسن وبنو يوسف فحسان بن هجرس ومولاهم وعمر وأبو علان كلهم من بني حسن ومحمد بن أحمد بن وشاح من بني يوسف وهذا مخالف للأول والله أعلم بالصحيح في أمرهم.فأما نفزا وأعمال قسطيلية وتنسب لهذا العهد إلى توزر وهي القرى العديدة المقدرة السير يعترض بينها وبين توزر إلى القبلة عنها السبخة المشهورة المانعة من الاعتساف إلا معالم قائمة من الخشب يهتدي بها السالك وربما يضل خائضها فتبتلعه.ويسكن هذه القرى قوم من بقايا نفزاوة من البرابرة البتر أبقوا هنالك بعد انقراض جمهورهم وتحيف العرب لسائر بطون البربر ومعهم معاهدون من الفرنجة ينسبون إلى سردانية نزلوا على الذمة والجزية وبها الآن أعقابهم ثم نزل عليهم من عرب الشريد وزغب من بني سليم كل من عجز عن الظعن وملكوا بها العقار والمياه وكثروا نفزاوة وهم لهذا العهد عامة أهلها وليس في نفزاوه هذه رياسة لصغرها ورجوعها في الغالب إلى أعمال توزر ورياستها.هذا حال للمتقدمين ببلاد الجريد في الدولة الحفصية أوردنا أخبارهم فيها لأنهم من صنائعها وفي عداد ولايتها ومواليها والله متولي الأمور. |
الخبر عن بني مكي رؤساء قابس وأعمالها
كانت قابس هذه من ثغور إفريقية ومنتظمة في عمالاتها وكان ولاتها من القيروان أيام الأغالبة والعبيديين وصنهاجة من لدن الفتح ولما دخل الهلاليون إفريقية واضطربت أمورها واقتسمت دولة صنهاجة طوائف انتزى بقابس من صنهاجة المعز بن محمد الصنهاجي وأدال منه مونس بن يحيى الصنبري من مرداس رياح بأخيه إبراهيم إلى أن هلك وولي أخوه قاضي بن إبراهيم ثم نازله أهل قابس وقتلوه أيام تميم بن باديس وبايعوا لعمر بن المعز بن باديس كان مخالفاً على أخيه وذلك سنة تسع وثمانين وأربعمائة.ثم غلبه عليها أخوه تميم وكان مغلباً للعرب.وكانت قابس وضواحيها في قسم زغبة من عرب هلال.ثم غلبتهم رياح عليها ونزل مكن بن كامل بن جامع من بني دهمان أخوة فادغ وهما معاً من بني علي إحدى بطون رياح فاستحدث بها مكن ملكاً لقومه بني جامع وأورثه بنيه إلى أن استولى الموحدون على إفريقية وبعث عبد المؤمن عساكره إلى قابس ففر عنها مدافع بن رشيد آخرهم وانتظمها كما ذكرناه في أخبارهم وملكها وانقرض ملك بني جامع وصارت قابس وعملها للموحدين وكانت ولاة إفريقية من السادة يولون عليها من الموحدين إلى أن تغلب بنو غانية وقراقش على طرابلس وقابس وأعمالها وكان ما ذكرناه في أخبارهم.ثم غلب الموحدون يحيى بن غانية عليها وأنزلوا بها عمالهم.ولما عاد بنو أبي حفص إلى إفريقية العودة الثانية بعد مهلك الشيخ أبي محمد عبد الواحد وعقد العادل على إفريقية لابنه أبي محمد عبد الله معه على قابس للأمير أبي زكريا أخيه فنزلها أميراً ثم كان من شأن استبداده وخلعه لأخيه ولطاعة بني عبد المؤمن ما ذكرناه.وكان مشيخة قابس لذلك العهد في بيوت من بيوتاتها وهم بنو مسلم ولم يحضرني فيمن هو نسبهم.وبنو مكي ونسبهم في لواتة وهو مكي بن فراج بن زيادة الله بن أبي الحسن بن محمد بن زيادة الله بن أبي الحسين اللواتي.وكان بنو مكي هؤلاء خالصة للأمير أبي زكرياء.ولما اعتزم على الاستبداد داخل أبا القاسم عثمان بن أبي القاسم بن مكي وتولى له أخذ البيعة على الناس فكان له ولقومه بذلك مكان من الموالي أبي زكرياء رعى لهم ذمتها ورفع من شأنهم بسببها ورموا ببني سليم نظرائهم في رياسة البلد بصاغيتهم إلى ابن غانية فأخمدوا ذبالهم واستقلوا بشورى بلدهم.وأقاموا على ذلك أيام المولى أبي زكرياء الأول وابنه المستنصر.ثم كان ما قدمناه من مهلك الواثق ابن المستنصر وبنيه على يد عمهم السلطان أبي إسحاق وما كان من أمر الداعي بن أبي عمارة وكيف شبه على الناس بالفضل ابن المخلوع بحيلة مولاهم نصير رام أن يثار بها من قاتلهم فتمت مكيدته في ذلك لما أراده الله.ولما أظهر نصير أمره وتسايلت العرب إلى بيعته خاطب لأول أمره رئيس قابس لذلك العهد من بني مكي عبد الملك بن عثمان بن مكي فسارع إلى طاعته وحمل الناس عليها وكانت له بذلك قدم في الدولة معروف رسوخه.ولما ألقى الداعي ابن أبي عمارة جسداً على كرسي الخلافة سنة إحدى وثمانين قلده خطة الجباية بالحضرة مستقلاً فيها بالولاية والعزل والفرض والتقدير والحسبان وبعد أن أجزل من بيت المال عطاءه وأسنى رزقه وجرايته وأهدى الجواري من القصر إليه.ولما هلك الداعي واستقلت قدم الخلافة من عثارها كما قدمناه سنة ثلاث وثمانين لحق عبد الحق بن مكي ببلده وامتنع بها على حين ركود ريح الدولة وفشلها ومرض في طاعته ودافع أهل الدولة بالدعاء للخليفة على منابره.ثم جاهر بالخلعان سنة ثلاث وتسعين وبعث بطاعته إلى صاحب الثغور المولى أبي زكرياء الأوسط.وهلك ابنه أحمد ولي عهده سنة سبع وتسعين.ثم هلك هو من بعده على رأس المائة السابعة وتخلف حافده مكياً فنصبوه للملك يفعة وكفله ابن عمه يوسف بن حسن.وقام بالأمر مستبداً عليه إلى أن هلك وخلفه في كفالة أحمد بن ليران من بيوت أهل قابس وأصهار بني مكي.والتاث أمرهم بمهلك يوسف فنقلهم السلطان ابن اللحياني إلى الحضرة ثم هلك خلال ذلك مكي وتخلف صبيين يافعين عبد الملك وأحمد فكفلهما أحمد بن ليران إلى أن شبا واكتهلا ولهما من الامتناع على الدولة والاستبداد بأمر القطر والاقتصار على الدعاء للخليفة مثل ما كان لأبيهما وأكثر لتقلص ظل الملك عن قطرهم.وشغل السلطان بمدافعة آل يغمراسن وعساكرهم عن الثغور الغربية وأجلابهم بالأعياص من أهل البيت على الحضرة.ولما هلك السلطان أبو يحيى اللحياني قفل ابنه عبد الواحد إلى المغرب يحاول أسباب الملك ونزل بساحتهم على ما كان من صنع أبيه إليهم فذكروا العهد وأوجبوا الحق وأتوه بيعتهم.وقام كبيرهم عبد الملك بأمره ودعا الناس إلى طاعته وخالف السلطان أبا يحيى عند نهوضه إلى الثغر ببجاية سنة ثلاث وثلاثين كما قدمناه فدخل الحضرة ولبث بها أياماً لم تبلغ نصف شهر.وبلغ خبرهم إلى السلطان فانكفأ راجعاً وفروا إلى مكانهم من قابس والدولة تنظر لهم الشزر وتتربص بهم الدوائر إلى أن غلب السلطان أبو الحسن على تلمسان ومحا دولة آل يغمراسن وفرغت الدولة من شأنهم إلى تمهيد أعمالها وتقويم المنحرفين عن الطاعة من ولاتها.وقفل حمزة بن عمر بشفاعة من السلطان أبي الحسن إلى السلطان أبي يحيى في شأنه فتقبل وسيلته واستخلصه لنفسه من بعدها واستقام هو على الطاعة التي لم تجد وليجة عنها وسلك سبيله تلك أقتاله من الدولة الطائحين في هوة الشقاق فأوفد عبد الملك هذا شقيقه أحمد على السلطان أبي الحسن متنصلا من ذنوبه لائذاً بشفاعته متوسلا بما قدمناه من خدمته حظاياه في طريقهن إلى الحج ذاهباً وجائياً فخاطب السلطان أبا يحيى في شأنه وأعاده إلى مكانه من اصطناع سلفه واستقام على طاعته.ولما انتظم السلطان أبو يحيى سائر البلاد الجريدية في ملكه وعقد عليها لابنه أبي العباس ولي عهده وأنزله دار إمارتها متردداً ما بين توزر وقفصة إلى أن قفلت عمته من الحج سنة ست وأربعين وخرج للقائها مختفياً بين الظعائن فجمعه مجلسها بأحمد بن مكي كان قد اعتمد تلقيها والقيام بصحابتها في مراحل سفرها من بلده إلى آخر عمله فمسح الأمير أبو العباس الإحن عن صدره وأدال له الأمين والرضى من توحشه واستخلصه لدولته ونجوى أسراره واصطفاه لنفسه وحمله رديفاً لحاجبه فحل من دولته بمكان غبطة فيه امتيازه من أمراء تلك الطوائف.وعقد له السلطان أبو يحيى على جزيرة جربة بوسيلة أبي العباس ابنه وقد كان افتتحها مخلوف بن الكماد من صنائعهم من يد العدو أهل صقلية كما ذكرناه فضمها إليه وصيرها في أعماله.ولم يزل هذا شأنه معه إلى أن هلك أبو العباس ولي العهد بتونس على يد أخيه أبي حفص عمر عندما دخلها بعد مهلك أبيهما كما ذكرناه ولحق أحمد بن مكي ببلده.ثم سار في وفد رؤساء الجريد إلى تلقي السلطان أبي الحسن عند نهوضه إلى إفريقية سنة ثمان وأربعين ولقيه معهم بوهران من أعمال تلمسان وكان قدمه عنده فوق قدمهم.ورجع الوفد على أعقابهم محبورين.وتمسك بأحمد بن مكي في جملته إلى الحضرة ووفد عليه أخوه عبد الملك مؤديًا طاعة السلطان فكرم موصله وأحسن متقلبهما جميعاً إلى بلدهما على ما كان بيدهما من عمل قابس وجربة.ثم كانت نكبة السلطان أبي الحسن على القيروان فوفد عليه أحمد بتونس بعد خلوصه من القيروان مجدداً لعهد طاعته فأرادهم السلطان على الامتنان لعبد الواحد اللحياني سلطانهم الأقدم وعقد له على تلك الثغور الشرقية وأنزله جربة وأمرهما بالطاعة له ما دام في طاعته.وعقد لأبي القاسم بن عتو شيخ الموحدين على توزر وقسطيلية بعد أن كان قطعه عندما تقبض عليه في واقعة السلطان أبي حفص عمر.ثم استقبل رأيه في استخلاصه عندما انتقض عليه أبو محمد بن تافراكين.ولما رجع من القيروان إلى تونس عقد له توزر كما ذكرناه ولعبد الواحد بن اللحياني على قابس وجربة فأسف بذلك بني مكي هؤلاء.وهلك ابن اللحياني لحين نزوله بجربة بما أصابه من علة الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين فانتقض بنو مكي على السلطان أبي الحسن ودعوا إلى الخروج عليه وبايعوا الأفضل ابن السلطان أبي يحيى عندما أفرج عن حصار تونس سنة خمسين وداخلوا أبا القاسم بن عتو وهو إذ ذاك لم يتوزر فأجابهم وكانت من دواعي رحلة السلطان أبي الحسن من إفريقية وتقويضه عنها كما قدمناه.ولما رجع الحاجب أبو محمد بن تافراكين من المشرق واستقل بأمر تونس ونصب الإمام أبا إسحاق ابن السلطان أبي يحيى للخلافة بها في كفالته غصوا بمكانه من التغلب وأنفوا من استبداده وانحرفوا إلى دعوة الأمير أبي زيد صاحب ثغر قسطنطينة.ووفد عليه أحمد بن مكي مع محمد بن طالب بن مهلهل كبير البدو بإفريقية فيمن إليه فاستنهضوه وقلده الأمير أبو زيد حجابته وجعل أمره إليه.وأبرز الحاجب أبو محمد بن تافراكين سلطانه أبا إسحاق في عساكره مع خالد بن حمزة وقومه فالتقى الجمعان بمرمجنة وكانت الدبرة على السلطان أبي إسحاق سنة ثلاث وخمسين وجاءوا على أثرهم فنازلوا تونس أياماً وما أفرجوا عنها إلا للصائح يخبرهم باحتلال عساكر بني مرين بالمرية من آخر أعمال تلمسان وأن السلطان أبا عنان قد استحلم بني عبد الواد وجمع كلمة زناتة واستقام له أمر المغربين.وأطل على الثغور الشرقية فافترق جمعهم.ولحق الأمير أبو زيد بقسطنطينة وأحمد بن مكي بقابس.وسأل من الأمير أبي زيد أن يقسم رسم الإمارة بينهم في قابس وجربة بأخيه السلطان أبي العباس فأذن له في ذلك فكانت أول ولايته السعيدة ومضى إلى قابس فنزلها ثم أجاز البحر إلى جربة ودفع عنها العسكر الذي كان محاصراً للقشتيل من قبل ابن ثابت صاحب طرابلس ورجع إلى قابس حتى كان من أمره ما ذكرناه.وأوفد السلطان أبو العباس أخاه أبا يحيى زكرياء على أبي عنان ملك المغرب صريخاً على شأنه وأوفد ابن مكي رسله متذمماً ومذكراً بوسائله فتقبل وأغضى.ثم كانت واقعة العدو دمره الله بطرابلس سنة أربع وخمسين كما قدمناه فبعث إلى السلطان أبي عنان يسأله فديتها والنظر لها من بين ثغور المسلمين فحمل إليه خمسة أحمال من الذهب العين من بيت المال أوفد بها من أعيان مجلسه: الخطيب أبا عبد الله بن مزروق وأبا عبد الله محمد حافد المولى أبي علي عمر بن سيد الناس.وعقد لأحمد بن مكي على طرابلس فاستقل بها وعقد لأخيه عبد الملك على قابس وجربة وأقاموا على دعوته.ومد أحمد يده إلى صفاقس فنازلها وتغلب عليها سنة سبع وخمسين.وهلك السلطان أبو عنان وقد شرق صدر ابن تافراكين الغالب على الحضرة بعدا وتهمتاً فردد عليهما البعوث براً وبحراً إلى أن استخلص جزيرة جربة من أيديهما أعوام أربعة وستين وعقد عليهما لولده محمد فاستخلف بها كاتبه محمد بن أبي القاسم بن أبي العيون من صنائع الدولة كما ذكرناه.وهلك أحمد بن مكي سنة ست وستين على تفيئة مهلك الحاجب ابن تافراكين بالحضرة فكأنما ضربا موعداً للهلكة وتوافياه.وتخلف ابنه عبد الرحمن بطرابلس في كفالة مولاه ظافر العلج وهلك ظافر إثر مهلكه فاستبد عبد الرحمن بطرابلس وساءت سيرته فيها إلى أن نازله أبو بكر بن محمد بن ثابت في أسطوله كما نذكره سنة اثنتين وسبعين.وأجلب عليه بالبرابرة والعرب من أهل الوطن فانتقض عليه أهل البلد وثاروا به.وبادر أبو بكر بن ثابت لاقتحامها عليه وأسلموه ففر إلى بيت أحد أمراء دباب فأجاره إلى أن أبلغه مأمنه من محلة قومه وإيالة عمه عبد الملك بقابس إلى أن هلك سنة تسع وسبعين.ولم يزل عبد الملك لهذا العهد وهو سنة إحدى وثمانين والياً على عمله بقابس وابنه يحيى مستبد بوزارته وحافده عبد الوهاب لابنه مكي رديف له وقد تراجعت أحوالهم عما كانت وخرجت من أيديهم الأعمال التي كانت في إيالتهم لعهد أخيه أحمد مثل: طرابلس وجزيرة جربة وصفاقس وما إلى ذلك من العمالات حتى كان البخت إنما كان لأخيه واليمن إنما اقترن بحياته وسيرتهما جميعاً من العدالة وتحري مذاهب الخير والسمت والإتسام بسمات أهل الدين وحلية الفقه معروفة حتى كان كل واحد منهم إنما يدعى بالفقيه علماً بين أهل عصره حرصاً على الإنغماس في مذاهب الخير وطرقه.وكان لأحمد حظ من الأدب وكان يقرض الأبيات من الشعر فيجيد عفا الله عنه.وله في الترسيل حظ ووساع بلاغة وخط وينحو في كتابته منحى أهل المشرق في أوضاع حروفهم وأشكال رسومها ولأخيه عبد الملك حظ من ذلك شارك به جهابذة أهل عصره وأفقه.ولما انتظم السلطان أبو العباس أمصار أفريقية في ملكه واستبد بالدعوة الحفصية على قومه داخل أهل الجريد منه الروع وفزعوا إليه للمقاوضة في الإمتناع فداخلهم في ذلك.وأشاروا إلى صاحب تلمسان بالترغيب في إفريقية فعجز عنهم وألحوا عليه فخام عن العداوة.وزحف مولانا السلطان خلال ذلك إلى الجريد فملك قفصة وتوزر ونفطة فبادر ابن مكي إلى التلبيس بالإستقامة وبعث إليه بالطاعة.ثم رجع السلطان إلى الحضرة فرجع هو عن المصدوقة واتهم أهل البلد بالميل إلى السلطان فتقبض على بعضهم وفر آخرون.وانتقض بنو أحمد أهل ضواحيه من دباب فنازلوه وبعثوا إلى الأمير أبي بكر بقفصة في العسكر لمنازلته فبعثه إليهم وأحاطوا به.ثم انتهز الفرصة وداخل بعض العرب من بني علي في تبييت المعسكر وبذل لهم في ذلك المال فبيتوه وانفض وبلغ الخبرإلى السلطان فخرج من حضرته سنة إحدى وثمانين ونزل القيروان وتوافت إليه أحاديات وبعث رسله للأعذار بين يديه فردهم ابن مكي بالطاعة.ثم احتمل رواحله ونزل بأحياء العرب وأغذ السلطان السير إلى البلد فدخلها واستولى على قصورها ولاذ أهل البلد بالبيعة فأتوها واستعمل عليهم من بطانته وانكفأ راجعاً إلى تونس.وهلك عبد الملك لأيام قلائل بين أحياء العرب.وهلك بعده عبد الرحمن ابن أخيه أحمد الذي كان صاحب طرابلس بعد أبيه.ولحق ابنه يحيى وحافده عبد الوهاب بطرابلس فمنعهم ابن ثابت من النزول ببلده لما كان متمسكاً بطاعة السلطان فنزلوا بزنزور من بلاد دباب التي بضاحيتها وأقاموا هنالك.واستقامت النواحي الشرقية على طاعة السلطان وانتظمت في دعوته والله مالك الملك.ثم ذهب يحيى بن عبد الملك إلى المشرق لقضاء فرضه وأقام عبد الوهاب أحياء البربر بالجبال هنالك وكان الوالي الذي تركه السلطان بقابس قد ساء أثره أهلها فدس شيعتهم إلى عبد الوهاب بذلك وجاء إلى البلد فبيتها وثاروا بالوالي فقتلوه سنة ثلاث وثمانين وملك عبد الوهاب قابس وجاء أخوه يحيى من المشرق بعد فرضه فأجلب عليه مراراً يروم ملكها منه ولم يتهيأ له ونزل على صاحب الحمة فداخله عبد الوهاب في أن يمكنه منه ويشترط ما شاء.وتم ذلك بينهما وأوثقه كتافاً وبعث به فاعتقله بقصر العروسيين فمكث في السجن أعواماً.ثم فر من محبسه ولحق بالحامة على مرحلة من قابس مستنجداً بابن وشاح صاحبها فأنجده وما زال يجلب على نواحي قابس إلى أن ملكها وتقبض على عبد الوهاب ابن أخيه مكي فقتله أعوام تسعين وسبعمائة.ولم يزل مستبداً ببلده إلى سنة ست وتسعين.وكان الأمير عمر ابن السلطان أبي العباس قد بعثه أبوه لحصار طرابلس فحاصرها حولاً كما نذكره حتى استقام أهلها على الطاعة وأعطوا الضريبة فأفرج عنها.ورجع إلى أبيه فولاه على صفاقس وأعمالها فاستقل بها ثم داخل أهل الحامة في ملك قابس فأجابوه وساروا معه فبيتها ودخلها وقبض على يحيى بن عبد الملك فضرب عنقه وانقرض أمر بني مكي من قابس ولله الأمر من قبل ومن بعد وهو خير الوارثين. |
الخبر عن بني ثابت رؤساء مدينة طرابلس وأعمالها
قد تقم لنا شأن هذا البلد لأول الفتح الإسلامي وأن عمرو بن العاص هو الذي تولى فتحه وبقي بعد ذلك من جملة أعمال إفريقية تنسحب عليه ولاية صاحبها فلم يزل ثغراً لهذه الأعمال من لدن أمارة عقبة ومن بعده وفي دول الأغالبة.وكان المعز لدين الله من خلفاء الشيعة لما ارتحل إلى القاهرة وعقد على إفريقية لبلكين بن زيري بن مناد أمير صنهاجة عقد على طرابلس لعبد الله بن يخلف من رجالات كتامة.ثم لما ولي الخلافة سنة سبع وستين طلب منه بلكين أن يضيف عمل طرابلس إلى عمله فأجاب وعهد له بها وولى عليها بلكين من رجالات صنهاجة.ثم عقد عليها الحاكم بعد مهلك المنصور بن بلكين ليانس الصقلبي سنة تسعين وثلاثمائة بمداخلة عاملها يمصول من صنهاجة وأعانه على ذلك برجوان الصقلبي المتغلب على الدولة يومئذ لمنافسته ليأنس فوصل إليها في ألف وخمسمائة فارس فملكها فسرح باديس جعفر بن حبيب لحربه في عسكر من صنهاجة وتزاحفا يومين بساحة زنزور ثم انفض عسكر يانس في الثالث وقتل ولحق فله بطرابلس فاعتصموا بها.ونازلهم جعفر بن حبيب القائد وزحف فلفول بن ثم قصد جعفر بن حبيب بمكانه من حصار طرابلس فأفرج عنها جعفر ولحق بنفوسة وأميرهم يحيى بن محمد فامتنع عليهم ثم لحق بالقيروان ومضى فلفول بن سعيد إلى طرابلس فخرج إليه فتوح بن علي ومن معه من أصحاب يأنس فملكوه وقام فيها بدعوة الحاكم من خلفاء الشيعة وأوطنها.وعقد الحاكم عليها ليحيى بن علي بن حمدون أخي جعفر صاحب المسيلة النازع إليه من الأندلس فوصل إليها واستظهر بفلفول على بجاية ونازل قابس فامتنعت عليه.ثم عجز عن الولاية ورأى استبداد فلفول عليه بعصبته فرجع إلى مصر واستبد فلفول بطرابلس وتداولها بنوه مع ملوك صنهاجة إلى أن استبدوا بها آخراً.ودخل العرب الهلاليون إلى إفريقية فخربوا أوطانها وطمسوا معالمها.ولم تزل بأيدي بني خزرون هؤلاء إلى أن غلبهم عليها جرجي بن ميخائيل صاحب أسطول رجار ملك صقلية من الأفرنج سنة أربعين وخمسمائة وأبقى المسلمين بها واستعمل عليهم كما فعل في سواحل إفريقية فأقاموا في ملكة النصارى أياماً.ثم ثار بهم المسلمون بمداخلة أبي يحيى بن مطروح من أعيانهم وفتكوا بهم.ولما افتتح عبد المؤمن المهدية سنة خمس وخمسين وفد عليه ابن مطروح ووجوه أهل طرابلس فأوسعهم تكرمة وردهم إلى بلدهم وولى عليهم ابن مطروح إلى أن كبر سنه وعجز.وارتحل إلى المشرق سنة ست وثمانين بإذن السيد أبي زيد بن عمر بن عبد المؤمن عامل إفريقية من قبل عمه يوسف واستقر وتعاقبت عليها ولاة الموحدين ثم كان من أمر ابن غانية وقراقش ما قدمناه وصارت طرابلس لقراقش.ثم استبد بنو أبي حفص بإفريقية على بني عبد المؤمن.وهلك قراقش وابن غانية وانتظم عمل طرابلس في أعمال الأمير أبي زكرياء وبنيه إلى أن انقسمت دولتهم واقتطعت الثغور الغربية عن الحضرة.وفشل ريح الدولة بعض الشيء وتقلص ظلها عن القاصية فصارت رياسة طرابلس إلى الشورى ولم يزل العامل من الموحدين يجيء إليها من الحضرة إلا أن رئيسها من أهلها مستبد عليها وحدثت العصبية في البلد لحدوث الشورى والمنافسة فيها.ثم نزلها السلطان أبو يحيى بن اللحياني سنة سبع عشرة وسبعمائة حين تجافى عن ملك الحضرة وأحس بزحف السلطان أبي يحيى صاحب بجاية إليها فأبعد عن تونس إلى ثغر طرابلس وأقام بها وأقام أحمد بن عربي من مشيختها بخدمته.ولما فارق ابن اللحياني تونس ويئس الموحدون من عوده أخرجوا ابنه محمد المكنى بأبي ضربة من الاعتقال وبايعوا له.وخرج للقاء السلطان أبي بكر ومدافعته فهزمه السلطان أبو بكر وحمله الأعراب الذين معه على قصد طرابلس لانتزاع الأموال والذخائر الملوكية من يد أبيه.ولما أحس بذلك أبوه ركب البحر من طرابلس إلى الإسكندرية كما هو مذكور في خبره واستخلف على طرابلس صهره محمد بن أبي عمر بن إبراهيم بن أبي حفص فقام بأمرها وولى حجابته رجلاً من أهله يشهر بالبطيسي فساء أثره في أهل طرابلس وحجب عنهم وجه الرضى من سلطانه وحمله على مصادرتهم واستخلاص أموالهم حتى أجمعوا الثورة بالسلطان فركب السفين ناجياً منهم بعد أن تعرض بعضهم لوداعه فأطلعه على سعايات البطيسي بهم فقتلوه لوقته وقتلوا قاضياً بطرابلس من أهل تونس كان يمالئ على ذلك.وتولى كبر ذلك أحمد بن عربي.ثم هلك وقام بأمر طرابلس محمد بن كعبور فقتله سعيد بن طاهر المزوغي وملك أمر البلد وكان معه أبو البركات بن أبي الدنيا فمات حتف أنفه.واستقل ابن طاهر بأمر طرابلس اثنتي عشرة سنة.ثم هلك وقام بأمرها ثابت بن عمار الزكوجي من قبائل هوارة.وثار به لستة أشهر من ولايته أحمد بن سعيد بن طاهر فقتله واستبد به.ثم ثار به جماعة زكوجة وقتلوه في مغتسله عند الأذان بالصبح وولوا محمداً ابن شيخهم ثابت بن عمار أعوام سبعة وعشرين فاستبد بأمر طرابلس نحواً من عشرين سنة وظل الدولة متقلص عنه.وهو يغالط عن الإمارة بالتجارة والإحتراف بها ولبوس شارتها والسعي راجلاً في سكك المدينة يتناول حاجاته وماعونه بيده ويخالط السوقة في معاملاته يذهب في ذلك مذهب التخلق والتواضع يسر منه حسواً في ارتغاء ويطلب العامل من تونس فيبعثه السلطان على طرابلس يقيم عنده معتملاً في تصريفه.وهو يبرأ إليه ظاهراً من الأحكام والنقض والإبرام إلى أن كان تغلب بني مرين على إفريقية.ووصل السلطان أبو الحسن إلى الحضرة على ما نذكره فداوله طرف الحبل وهو ممسك بطرفه ونقل إلى الإسكندرية ماله وذخيرته.ثم اغتاله أثناء ذلك جماعة من مجريش عند داره فقتلوه وثار منهم للحين بطانته وشيعه.وولي بعده ابنه ثابت فتزيا بزي الإمارة في اللبوس والركوب بحلية الذهب واتخاذ الحجاب والبطانة.وأقام على ذلك إلى أن اجتمع بها أسطول من تجار النصارى أغفلوا أمرهم لكثرة طروقهم وترددهم في سبيل التجارة وكثرة ما يغشاها من سفنهم فغدروا بها ليلاً وثاروا فيها وكثروا أهلها فأسلم الحامية إليهم باليد.وفر مقدمهم ثابت إلى حلة أولاد مرغم أمراء الجواري في أنحائها فقتلوه صبراً لدم كان أصابه منهم في رياسته فكانت مدته ست سنين وقتلوا معه أخاه عماراً.واكتسح النصارى جميع ما كان بالبلد من الذخيرة والمتاع والخرثى والماعون وشحنوا السفن بها وبالأسرى من العقائل والحامية مصفدين وأقاموا بالبلد أياماً على قلق ورهب من الكرة لو كان لها رجال.ثم تحدثوا مع من جاورها من المسلمين في فدائها فتصدى لذلك صاحب قابس أبو العباس أحمد بن مكي وبذل لهم فيها خمسين ألفاً من الذهب استوهب أكثرها من جماعة المسلمين بالبلاد الجريدية تزلفاً إلى الله باستخلاص الثغر من يد الكفر وذلك سنة.وخمسين ولحق ولد ابن ثابت بثغر الإسكندرية فأقاموا به يحترفون بالتجارة إلى أن هلك أحمد بن مكي سنة ست وستين وقام بأمره ولده عبد الرحمن فسما أبو بكر بن محمد بن ثابت إلى رياسة أبيه وذكر عهود الصبا في معاهد قومه فاكترى من النصارى سفناً شحنها بصنائعه وموالي أبيه ونازلها سنة إحدى وسبعين في أسطول من أساطيلهم.واجتمع إليه ذؤبان العرب ففرق فيهم الأموال وأجلب عليها بمن في قراها وأريافها من الرجل فاقتحمها على عبد الرحمن بن أحمد بن مكي عنوة وأجاره العرب من أولاد مرغم بن صابر تولى ذلك منهم إلى أن أبلغوه مأمنه في إيالة عمه عبد الملك بمكان إمارتهم بقابس.واستوسق أمر طرابلس لأبي بكر هذا واستقل بولايتها.ودخل في طاعة السلطان أبي العباس بتونس وخطب له على منابره وقام يصانعه بما للسلطان من الضريبة ويتحفه حيناً بعد حين بالهدايا والطرف إلى أن هلك سنة اثنتين وتسعين وولي مكانه علي ابن أخيه عمار وقام بكفالته عمه.وكان قائده قاسم بن خلف الله متهماً بالتشيع للصبي المخلف عن أبي يحيى فارتاب ودفعوه لاقتضاء المغارم من مسرتة فتوحش الخليفة من علي وانتقض.ثم بعث إليه بأمانه فرجع إلى طرابلس ثم استوحش وطلب الحج فخلوا سبيله وركب البحر إلى الإسكندرية.ولقي بها خالصة السلطان محمد بن أبي هلال عام حج فأخذ منه ذمة وكر راجعاً في السفين إلى تونس يستحث السلطان لملك طرابلس.فلما مر بهم راسلوه ولاطفوه واستعادوه إلى مكانه فعاد إليهم.ثم جاءته النفر بالهلكة ففر ولحق السلطان بتونس واستحثه لملك طرابلس.وبلغ الخبرإلى السلطان فبعث معه ابنه الأمير أبا حفص عمر لحصار طرابلس فنزل بساحتها وافترق عرب دياب عليه وعلى ابن ثابت وقام ابن خلف الله في خدمته المقام المحمود ووفر له جباية الوطن ومغارمه ونقل العرب إلى طاعته ويستألفهم به وأقام عليها حولاً كريتا يمنع عنهم الأقوات ويبترزون إليه فيقاتلهم بعض الأحيان.ثم دفعوه بالضريبة التي عليهم لعدة أعوام نائطة وكان قد ضجر من طول المقامة فرضي بطاعتهم وانكفأ راجعاً إلى أبيه سنة خمس وتسعين فولاه على صفاقس وافتتح منها قابس كما قدمناه.وأقام علي بن عمار على إمارته بطرابلس إلى هذا العهد والله مدبر الأمور بحكمته.هذا آخر الكلام في الدولة الحفصية من الموحدين وما تبعها من أخبار المقيمين المستبدين بأمصار الجريد والزاب والثغور الشرقية فلنرجع إلى أخبار زناتة ودولهم وبكمالها يكمل الكتاب إن شاء الله تعالى. |
الخبر عن زناتة من قبائل البربر
يوم كان بين أجيالهم من العز والظهور وما تعاقب فيهم من الدول القديمة والحديثة هذا الجيل في المغرب جيل قديم العهد معروف العين والأثر وهم لهذا العهد آخذون من شعائر العرب في سكنى الخيام واتخاذ الإبل وركوب الخيل والتغلب في الأرض وإيلاف الرحلتين وتخطف الناس من العمران والإباية عن الانقياد للنصفة.وشعارهم بين البربر اللغة التي يتراطنون بها وهي مشتهرة بنوعها عن سائر رطانة البربر.ومواطنهم في سائر مواطن البربر بإفريقية والمغرب.فمنهم ببلاد النخيل ما بين غدامس والسوس الأقصى حتى أن عامة تلك القرى الجريدية بالصحراء منهم كما نذكره.ومنهم قوم بالتلول بجبار طرابلس وضواحي إفريقية وبجبل أوراس بقايا منهم سكنوا مع العرب الهلاليين لهذا العهد وأذعنوا لحكمهم والأكثر منهم بالمغرب الأوسط حتى أنه ينسب إليهم ويعرف بهم فيقال وطن زناتة.ومنهم بالمغرب الأقصى أمم أخرى وهم لهذا العهد أهل دول وملك بالمغربين.وكان لهم فيه دول أخرى في القديم.ولم يزل الملك يتداول في شعوبهم حسبما نذكره بعد لكل شعب منهم إن شاء الله تعالى. الخبر عن نسبة زناتة وذكر الخلاف الواقع فيه وتعديد شعوبهم أما نسبهم بين البربر فلا خلاف بين نسابتهم أنهم من ولد شانا وإليه نسبهم وأما شانا فقال أبو محمد بن حزم في كتاب الجمهرة قال بعضهم: هو جانا بن يحيى بن صولات بن ورماك بن ضري بن رحيك بن مادغيس بن بربر.وقال أيضاً في كتاب الجمهرة: ذكر لي يوسف الوراق عن أيوب بن أبي يزيد يعني حين وفد على قرطبة عن أبيه الثائر بإفريقية أيام الناصر قال: هو جانا بن يحيى بن صولات ورساك بن ضري بن مقبو بو قروال بن يملا بن مادغيس بن زجيك بن همرحق بن كراد بن مازيغ بن لريك بن برا بن بربر بن كنعان بن حام.هذا ما ذكره ابن حزم.ويظهر منه أن مادغيس ليس نسبة إلى البربر وقد قدمنا ما في ذلك من الخلاف وهذا أصح ما ينقل في هذا الآن بن حزم موثوق ولا يعدل به غيره.ونقل عن ابن أبي زيد وهو كبير زناتة ويكون البربر على هذا من نسل برنس فقط والبتر الذين هم بنو مادغيس الأبتر ليسوا من البربر.ومنهم زناتة وغيرهم كما قدمنا لكنهم إخوة البربر لرجوعهم كلهم إلى كنعان بن حام كما يظهر من هذا النسب.ونقل عن أبي محمد بن قتيبة في نسب زناتة هؤلاء أنهم من ولد جالوت في رواية أن زناتة هو شانا بن يحيى بن ضريس بن جالوت وجالوت هو ونور بن هرييل بن جديلان بن جاد بن رديلان بن حصى بن باد بن زجيك بن مادغيس الأبتر بن قيس بن عيلان.وفي رواية أخرى عنه أن جالوت هو ابن جالود بن ديال بن قحطان بن فارس وفارس مشهور.وفي رواية أخرى عنه أنه ابن هوبال بن بالود بن ديال بن برنس بن سفك وسفك أبو البربر كلهم ونسابة الجيل نفسه من زناتة يزعمون أنهم من حمير ثم من التبابعة منهم.وبعضهم يقول إنهم من العمالقة ويزعمون أن جالوت جدهم من العمالقة والحق فيهم ما ذكره أبو محمد بن حزم أولا وما بعد ذلك فليس شيء منه بصحيح.فأما الرواية الأولى عن أبي محمد بن قتيبة فمختلطة وفيها أنساب متداخلة.وأما نسب مادغيس إلى قيس عيلان فقد تقدم في أول كتاب البربر عند ذكر أنسابهم وأن أبناء قيس معروفون عند النسابة.وأما نسب جالوت إلى قيس فأمر بعيد عن القياس ويشهد لذلك أن معد بن عدنان الخامس من آباء قيس إنما كان معاصراً لبختنصر كما ذكرناه أول الكتاب.وأنه لما سلط على العرب أوحى الله إلى أرمياء نبي بني إسرائيل أن يخلص معداً ويسير به إلى أرضه وبختنصر كان بعد داود بما يناهز أربعمائة وخمسين من السنين فإنه خرب بيت المقدس بعد بناء داود وسليمان له بمثل هذه المدة.فمعد متأخر عن داود بمثلها سواء فقيس الخامس من أبنائه متأخر عن داود بأكثر من ذلك فجالوت على ما ذكر أنه من أبناء قيس متأخر عن داود بأضعاف ذلك الزمن.وكيف يكون ذلك مع أن داود هو الذي قتل جالوت بنص القرآن.وأما إدخاله نسب جالوت في نسب البربر وأنه من ولد مادغيس أو سفك فخطأ وكذلك من نسبه إلى العمالقة.والحق أن جالوت من بني فلسطين بن كسلوحيم بن مصرايم بن حام أحد شعوب حام بن نوح وهم إخوة القبط والبربر والحبشة والنوبة كما ذكرناه في نسب أبناء حام.وكان بين بني فلسطين هؤلاء وبين بني إسرائيل حروب كثيرة وكان بالشام كثير من البربر إخوانهم ومن سائر أولاد كنعان يضاهونهم فيها ودثرت أمة فلسطين وكنعان وشعوبها لهذا العهد ولم يبق إلا البربر واختص اسم فلسطين بالوطن الذي كان لهم فاعتقد سامع اسم البربر مع ذكر جالوت أنه منهم وليس كذلك.وأما ما رأى نسابة زناتة أنهم من حمير فقد أنكره الحافظان أبو عمر بن عبد البر وأبو محمد بن حزم وقالا: ما كان لحمير طريق إلى بلاد البربر إلا في أكاذيب مؤرخي اليمن وإنما حمل نسابة زناتة على الانتساب في حمير الترفع عن النسب البربري لما يرونهم في هذا العهد خولاً وعبيداً للجباية وعوامل الخراج.وهذا وهم فقد كان في شعوب البربر من هم مكافئون لزناتة في العصبية أو أشد منهم مثل هوارة ومكناسة وكان فيهم من غلب العرب على ملكهم مثل كتامة وصنهاجة ومن تلقف الملك من يد صنهاجة مثل المصامدة كل هؤلاء كانوا أشد قوة وأكثر جمعاً من زناتة.فلما فنيت أجيالهم أصبحوا مغلبين فنالهم ضر المغرم وصار اسم البربر مختصاً لهذا العهد بأهل المغرم فأنف زناتة منه فراراً من الهضيمة.وأعجبوا بالدخول في النسب العربي لصراحته وما فيه من المزية بتعدد الأنبياء ولا سيما نسب مضر وأنهم من ولد إسماعيل بن إبراهيم بن نوح بن شيث بن آدم خمسة من الأنبياء ليس للبربر إذا نسبوا إلى حام مثلها مع خروجهم عن نسب إبراهيم الذي هو الأب الثالث للخليقة إذ الأكثر من أجيال العالم لهذا العهد من نسله.ولم يخرج عنه لهذا العهد إلا الأقل مع ما في العروبية أيضاً من عز التوحش والسلامة من مذمومات الخلق بانفرداهم في البيداء.فأعجب زناتة نسبهم وزينه فهم نسابتهم والحق بمعزل عنه كونهم من البربر بعموم النسب لا ينافي شعارهم من الغلب والعزة فقد كان الكثير من شعوب البربر مثل ذلك وأعظم منه.وأيضاً فقد تميزت الخليقة وتباينوا بغير واحد الأوصاف والكل بنو آدم ونوح من بعده.وكذلك تميزت العرب وتباينت شعوبها والكل لسام ولإسمعيل بعده.وأما تعدد الأنبياء في النسب فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ولا يضر الاشتراك مع جيل في النسب العام إذا وقعت المباينة لهم في الأحوال التي ترفع عنهم مع أن المذلة بربر إنما هي حادثة بالقلة ودثور أجيالهم بالملك الذي حصل لهم ونفقوا في سبله وترفه كما تقدم لك في الكتاب الأول من تأليفنا.وإلا فقد كان لهم من الكثرة والعز والملك والدولة ما هو معروف.وأما أن جيل زناتة من العمالقة الذين كانوا بالشام فقول مرجوح وبعيد من الصواب لأن العمالقة الذين كانوا بالشام صنفان: عمالقة من ولد عيصو بن إسحق ولم تكن لهم كثرة ولا ملك ولا نقل أن أحداً منهم انتقل إلى المغرب بل كانوا لقلتهم ودثور أجيالهم أخفى من الخفاء.والعمالقة الأخرى كانوا من أهل الملك والدولة بالشام قبل بني إسرائيل وكان أريحاء دار ملكهم.وغلب عليهم بنو إسرائيل وابتزوهم ملكهم بألشام الحجاز وأصبحوا حصائد سيوفهم فكيف يكون هذا الجيل من أولئك العمالقة الذين دثرت أجيالهم.وهذا لو نقل لوقع به الاسترابة فكيف وهو لم ينقل هذا بعيد في العادة.والله أعلم بخلقه.وأما شعوب زناتة وبطونهم فكثير ولنذكر المشاهير منها فنقول: اتفق نساب زناتة على أن بطونهم كلها ترجع إلى ثلاثة من ولد جانا وهم: ودليك وفرني والديرت هكذا في كتب أنساب زناتة.وذكر أبو محمد بن حزم في كتاب الجمهرة له من ولد ورسيك عند نسابتهم مسارت ورغاي وواشروجن ومن واشروجن واريفن بن واشروجن.وقال أبو محمد بن حزم في ولد ورسيك أنهم مسارت وتاجرت وراسين.وأما فرني بن جانا فمن ولده عند نسابة زناتة يزمرتن ومرنجيصة ووركلة ونمالة وسبرترة ولم يذكر أبو محمد بن حزم سبرترة وذكر الأربعة الباقية.وأما الديرت بن جانا فمن ولده عند نسابة زناتة جراو بن الديرت ولم يذكره ابن حزم.وإنما قال عند ذكر الديرت: ومن شعوبه بنو ورسيك بن الديرت وهم بطنان عمر بن ورسيك وزاي بن ورسيك.قال: ودمر لقب واسمه الغانا.قال: فمن ولد زاكيا بنو مغراو وبنو يفرن وبنو واسين.قال: وأمهم واسين مملوكة لأم مغراو وهم ثلاثتهم بنو يصلتن بن مسرا بن زاكيا.ويزيد نسابة زناتة في هؤلاء يرنيان بن يصلتن أخا لمغراو ويفرن وواسين ولم يذكره ابن حزم.قال: وعن ولد دمر ورنيد بن وانتن بن وارديرن بن دمر وذكر لبني عمر أفخاذاً سبعة وهم: غرزول ولقورة وورتاتين وهؤلاء الثلاثة مختصون بنسب عمر وبرزال ويصدرين وصغمان ويطوفت هكذا ذكر أبو محمد بن حزم وزعم أنه من إملاء أبي بكر بن يكنى البرزالي الأباضي وقال فيه: كان ناسكاً عالماً بأنسابهم.وذكر أن بني بواسين وبني برزال كانوا أباضية وأن بني يفرن ومغراوة كانوا سنية.وعند نسابة البربر مثل سابق بن سليمان المطماطي وهانىء بن صدور الكومي وكهلان بن أبي لوا وهو مسطر في كتبهم أن بني ورسيك بن الديرت بن جانا ثلاثة بطون وهم: بنو زاكيا وبنو دمر وآنشة بنو آنش وكلهم بنو وارديرن وورسيك.فمن زاكيا بن وارديرن أربعة بطون: مغراوة وبنو يفرن وبنو يرنيان وبنو واسين كلهم بني يصلتن بن مسرا بن زاكيا.ومن آنش بن وارديرن أربعة بطون: بنو برنال وبنو صقمان وبنو يصدورين وبنو يطوفت كلهم بنو آنش بن وارديرن.ومن دمر بن وارديرن ثلاثة بطون: بنو تقورت وبنو غرزول وبنو ورتاتين كلهم بنو وريند بن دمر هذا الذي ذكره نسابة البربر وهو خلاف ما ذكره ابن حزم.ويذكر نسابة زناتة آخرين من شعوبهم ولا ينسبونهم مثل يجفش وهم أهل جبل قازاز قريب مكناسة وسنجاسن وورسيفان وتحليلة وتيسات وواغمرت وتيغرض ووجديجن وبني يلومي وبني ومانوا وبني توجين.على أن بني توجين ينتسبون في بني واسين نسباً ظاهراً صحيحاً بلا شك على ما يذكر في أخبارهم.وبعضهم يقول في وجديجن وواغمرت بنو ورتنيض أنهم من البرانس من بطون البربر على ما قدمناه.وذكر ابن عبد الحكم في كتابه فتح مصر خالد بن حميد الزناتي وقال فيه: هو من هتورة إحدى بطون زنانة ولم نره لغيره.هذا ملخص الكلام في شعوب زناتة وأنسابهم بما لا يوجد في كتاب.والله الهادي إلى مسالك التحقيق لا رب غيره.فصل تسمية زناتة ومبنى هذه الكلمة اعلم أن كثيراً من الناس يبحثون عن مبنى هذه الكلمة واشتقاقها على ما ليس معروفاً للعرب ولا لأهل الجيل أنفسهم فيقال: هو اسم وضعته العرب على هذا الجيل: بل الجيل وضعوه لأنفسهم أو اصطلحوا عليه.ويقال: هو زانا بن جانا فيزيدون في النسب شيئاً لم تذكره النسابة.وقد يقال إنه مشتق ولا يعلم في لسان العرب أصل مستعمل من الأسماء يشتمل على حروفه المادية.وربما يحاول بعض الجهلة اشتقاقه من لفظ الزنا ويعضده بحكاية خسيسة يدفعها الحق وهذه الأقوال كلها ذهاب إلى أن العرب وضعت لكل شيء اسماً وأن استعمالها إنما هو لأوضاعها التي من لغتها ارتجالا واشتقاقاً.وهذا إنما هو في الأكثر وإلا فالعرب قد استعملت كثيراً من غير لغتها في مسماه إما لكونه علماً فلا يغير مثل: إبراهيم ويوسف من اللغة العبرانية وإما استعانة وتخفيفاً لتداوله بين الألسنة كاللجام والديباج والزنجبيل والنيروز والياسمين والآجر فتصير باستعمال العرب كأنها من أوضاعهم.ويسمونها المعربة وقد يغيرونها بعض التغيير في الحركات أو في الحروف وهو شائع لهم لأنه بمنزلة وضع جديد.وقد يكون الحرف من الكلمة ليس من حروف لغتهم فيبدلونه بما يقرب منه في المخرج فإن مخارج الحروف كثيرة منضبطة وإنما نطقت العرب منها بالثمانية والعشرين حروف أبجد.وبين كل مخرجين منها حروف أكثر من واحد.فمنها ما نطقت به الأمم ومنها ما لم تنطق به ومنها ما نطق به بعض العرب كما هو مذكور في كتب أهل اللسان.وإذا تقرر ذلك فاعلم أن أصل هذه اللفظة التي هي زناتة من صيغة جانا التي هي اسم أبي الجيل كله وهو جانا بن يحيى المذكور في نسبهم.وهم إذا أرادوا الجنس في التعميم ألحقوا بالاسم المفرد تاء فقالوا جانات.وإذا أرادوا التعميم زادوا مع التاء نوناً فصار جاناتن.ونطقهم بهذه الجيم ليس من مخرج الجيم عند العرب بل ينطقون بها بين الجيم والشين وأميل إلى السين.وبقرب للسمع منها بعض الصفير فأبدلوها زايا محضة لاتصال مخرج الزاي بالسين فصارت زانات لفظاً مفرداً دالاً على الجنس.ثم ألحقوا به هاء النسبة وحذفوا الألف التي بعد الزاي تخفيفاً لكثرة دورانه على الألسنة.والله أعلم. فصل في أولية هذا الجيل وطبقاته أما أولية هذا الجيل بإفريقية والمغرب فهي مساوقة لأولية البربر منذ أحقاب متطاولة لا يعلم مبدأها إلا الله تعالى ولهم شعوب أكثر من أن تحصى مثل مغراوة وبني يفرن وجراوة وبني يرنيان ووجد يجن وغمرة وبني ويجفش واسين وبني تيغرست وبني مرين وتوجين وبني عبد الواد وبني راشد وبني برزال وبني ورنيد وبني زنداك وغيرهم.وفي كل واحد من هذه الشعوب بطون متعددة.وكانت مواطن هذا الجيل من لدن جهات طرابلس إلى أوراس والزاب إلى قبلة تلمسان ثم إلى وادي ملوية.وكان الكثرة والرياسة فيهم قبل الإسلام لجراوة ثم لمغراوة وبني يفرن.ولما ملك الإفرنجة بلاد البربر ودانوا لهم بدين النصرانية ونزلوا الأمصار بالسواحل وكان زناتة هؤلاء وسائر البربر في ضواحيهم صاروا يؤدون لهم طاعة معروفة وخراجاً معروفاً مؤقتاً ويعسكرون معهم في حروبهم ويمتنعون عليهم فيما سوى ذلك حتى جاء الله بالإسلام وزحف المسلمون إلى إفريقية وملك الإفرنجة بها يومئذ جرجير زناتة والبربر على شأنه مع المسلمين وانفضوا جميعاً.وقتل جرير وأصبحت أموالهم مغانم ونساؤهم سبايا وافتتحت سبيطلة.ثم عاود المسلمون غزو إفريقية: وافتتحوا جلولاء وغيرها من الأمصار ورجع الإفرنجة الذين كانوا يملكونهم على أعقابهما إلى مواطنهم وراء البحر.وظن البربر بأنفسهم مقاومة العرب فاجتمعوا وتمسكوا بحصون الجبال.واجتمعت زناتة إلى الكاهنة وقومها جراوة بجبل أوراس حسبما نذكر فأثخن العرب فيهم واتبعوهم في الضواحي والجبال والقفار حتى دخلوا في دين الإسلام طوعاً وكرهاً وانقادوا إلى إيالة مصر وتولوا من أمرهم ما كان الإفرنجة يتولونه.حتى إذا انحلت بالمغرب عرى الملك العربي وأخرجهم من إفريقية البربر من كتامة وغيرهم قدح هذا الجيل الزناتي زناد الملك فأورى لهم وتداول فيهم الملك جيلا بعد جيل في طبقتين حسبما نقصه عليك إن شاء الله تعالى. الخبر عن الكاهنة وقومها جراوة من زناتة وشأنهم مع المسلمين عند الفتح كانت هذه الأمة من البربر بإفريقية والمغرب في قوة وكثرة وعديد وجموع وكانوا الإفرنجة بأمصارهم طاعة معروفة وملك الضواحي كلها لهم وعليهم مظاهرة الإفرنجة مهما احتاجوا إليهم.ولما أطل المسلمون في عساكرهم على إفريقية للفتح ظاهروا جرجير في زحفه إليهم حتى قتله المسلمون وانفضت جموعهم وافترقت رياستهم ولم يكن بعدها بإفريقية موضع للقاء المسلمين بجمعهم لما كانت غزواتهم لكل أمة البربر في ناحيتها وموطنها ومع من تحيز إليهم من قبل الإفرنجة.ولما اشتغل المسلمون في حرب علي ومعاوية أغفلوا أمر إفريقية ثم ولاها معاوية بعد عام عقبة بن نافع الفهري فأثخن في المغرب في ولايته الثانية وبلغ إلى السوس وقتل بالزاب في مرجعه.واجتمعت البربر على كسيلة كبير أوربة.وزحف إليه بعد ذلك زهير بن قيس البلوي أيام عبد الملك بن مروان فهزمه وملك القيروان وأخرج المسلمين من إفريقية.وبعث عبد الملك حسان بن النعمان في عساكر المسلمين فهزموا البربر وقتلوا كسيرة واسترجعوا القيروان وقرطاجنة وإفريقية وفر بقية الإفرنجة والروم إلى صقلية والأندلس وافترقت رياسة البربر في شعوبهم.وكانت زنانة أعظم قبائل البربر وأكثرها جموعاً وبطوناً وكان موطن جراوة منهم بجبل أوراس وهم ولد كراو بن الديرت بن جانا.وكانت رياستهم للكاهنة دهيا بنت تابنة بن نيقان بن باورا بن مصكسري بن أفرد بن وصيلا بن جراو.وكان لها بنون ثلاثة ورثوا رياسة قومهم عن سلفهم وربوا في حجرها فاستبدت عليهم وعلى قومها بهم وبما كان لها من الكهانة والمعرفة بغيب أحوالهم وعواقب أمورهم فانتهت إليها رياستهم.قال هاني بن بكور الضريسي: ملكت عليهم خمساً وثلاثين سنة وعاشت مائة وسبعاً وعشرين سنة.وكان قتل عقبة بن نافع في البسيط قبلة جبل أوراس بإغرائها برابرة تهودا عليه وكان المسلمون يعرفون ذلك منها.فلما انقضى جمع البربر وقتل كسيلة زحفوا إلى هذه الكاهنة بمعتصمها من جبل أوراس وقد ضوي إليها بنو يفرن ومن كان بإفريقية من قبائل زناتة وسائر البتر فلقيتهم بالبسيط أمام جبلها.وانهزم المسلمون واتبعت آثارهم في جموعها حتى أخرجتهم من إفريقية وانتهى حسان إلى برقة فأقام بها حتى جاءه المدد من عبد الملك فزحف إليهم سنة أربع وسبعين وفض جموعهم وأوقع بهم وقتل الكاهنة واقتحم جبل أوراس عنوة واستلحم فيه زهاء مائة ألف.وكان للكاهنة ابنان قد لحقا بحسان قبل الواقعة أشارت عليهما بذلك أمهما دهيا لأثارة علم كان لديها في ذلك من شيطانها فتقبلهما حسان.وحسن إسلامهما واستقامت طاعتهما.وعقد لهما على قومهما جراوة ومن انضوى إليهم بجبل أوراس.ثم افترق فلهم من بعد ذلك وانقرض أمرهم.وافترق جراوة أوزاعا بين قبائل البربر وكان منهم قوم بسواحل مليلة وكان لهم آثار بين جيرانهم هناك.وإليهم نزع ابن أبي العيش لما غلبه موسى بن أبي العافية على سلطانه بتلمسان أول المائة الرابعة حسبما نذكره.فنزل إليهم وبنى القلعة بينهم إلى أن خربت من بعد ذلك.والفل منهم بذلك الوطن إلى الآن لهذا العهد مندرجون في يطوفت ومن إليهم من قبائل الخبر عن مبتدأ دول زناتة في الإسلام ومصير الملك إليهم بالمغرب وإفريقية لما فرغ شأن الردة من إفريقية والمغرب وأذعن البربر لحكم الإسلام وملكت العرب واستقل بالخلافة ورياسة العرب بنو أمية اقتعدوا كرسي الملك بدمشق واستولوا على سائر الأمم والأقطار وأثخنوا في القاصية من لدن الهند والصين في المشرق وفرغانة في الشمال والحبشة في الجنوب والبربر في المغرب وبلاد الجلالقة والإفرنجية في الأندلس.وضرب الإسلام بجرانه وألقت دولة العرب بكلكلها على الأمم.ثم جدع بنو أمية أنوف بني هاشم مقاسميهم في نسب عبد مناف والمدعين استحقاق الأمر بالوصية.وتكرر خروجهم عليهم فأثخنوا فيهم بالقتل والأسر حتى توغرت الصدور واستحكمت الأوتار وتعددت فرق الشيعة باختلافهم في مساق الخلافة من علي كرم الله وجهه إلى من بعده من بني هاشم: فقوم ساقوها إلى آل العباس وقوم إلى آل الحسن وآخرون إلى آل الحسين فدعت شيعة آل العباس بخراسان وقام بها اليمنية فكانت الدولة العظيمة الحائزة للخلافة ونزلوا بغداد واستباحوا الأمويين قتلاً وسبياً.وخلص من جاليتهم إلى الأندلس عبد الرحمن بن معاوية بن هشام فجدد بها دعوة الأمويين واقتطع ما وراء البحر عن ملك الهاشميين فلم تخفق لهم به راية.ثم نفس آل أبي طالب على آل العباس ما أكرمهم الله به من الخلافة والملك فخرج المهدي محمد بن عبد الله المدعو بالنفس الزكية في بني أبي طالب على أبي جعفر المنصور وكان من أمرهم ما هو مذكور واستلحمتهم جيوش بني العباس في وقائع عديدة.وفر إدريس بن عبد الله أخو المهدي ناجياً من بعض وقائعهم إلى المغرب الأقصى فأجاره البرابرة من أوروبة ومغيلة وصدينة وقاموا بدعوته ودعوة بنيه من بعده ونالوا به الملك وغلبوا على المغرب الأقصى والأوسط وبثوا دعوة إدريس وبنيه من أهله بعده في أهله من زناتة مثل بني يفرن ومغراوة وقطعوه من ممالك بني العباس واستمرت دولتهم إلى حين انقراضها على يد العبيديين.ولم يزل الطالبيون أثناء ذلك بالمشرق ينزعون إلى الخلافة ويبثون دعاتهم بالقاصية إلى أن دعا أبو عبد الله المحتسب بإفريقية إلى المهدي ولد إسمعيل الإمام ابن جعفر الصادق فقام برابرة كتامة ومن إليهم من صنهاجة وملكوا إفريقية من يد الأغالبة.ورجع العرب إلى مركز ملكهم بالمشرق ولم يبق لهم في نواحي المغرب دولة ووضع العرب ما كان على كاهلهم من أمر المغرب ووطأة مضر بعد أن رسخت الملة فيهم وخالطت بشاشة الإيمان قلوبهم واستيقنوا بوعد الصادق أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده.فلم تنسلخ الملة بانسلاخ الدولة ولا تقوضت مباني الدين بتقويض معالم الملك وعداً من الله لن يخلفه في تمام أمره وإظهار دينه على الدين كله.فتناغى حينئذ البربر في طلب الملك والقيام بدعوة الأعياص من بني عبد مناف يسترون منها حسوا في ارتغاء إلى أن ظفروا من ذلك بحظ مثل كتامة بإفريقية ومكناسة بالمغرب.ونافسهم في ذلك زناد وكانوا من أكثرهم جمعاً وأشدهم قوة فشمروا له حتى ضربوا معهم بسهم فكان لي يفرن بالمغرب وإفريقية على يد صاحب الحمار ثم على يد يعلى بن محمد وبنيه ملك ضخم.ثم كان لمغراوة على يد بني خزر دولة أخرى تنازعوها مع بني يفرن وصنهاجة ثم انقرضت تلك الأجيال وتجرد الملك بالمغرب بعدهم في جيل آخر منهم فكان لبني مرين بالمغرب الأقصى ملك ولبني عبد الواد بالمغرب الأوسط ملك آخر تقاسمهم فيه بنو توجين والفل من مغراوة حسبما نذكر ونستوفي شرحه ونجلب أيامهم وبطونهم على الطريقة التي سلكناها في أخبار البربر والله المعين سبحانه لا رب سواه ولا معبود إلا إياه.الطبقة الأولى من زناتة بنو يفرن ونبدأ منها ب |
الخبر عن بني يفرن وأنسابهم وشعوبهم وبنو يفرن
هؤلاء من شعوب زناتة وأوسع بطونهم وهم عند نسابة زناتة بنو يفرن بن يصلتين بن مسرا بن زاكيا بن ورسيك بن الديرت بن جانا وإخوته مغراوة و يرنيان وبنو واسين والكل بنو يصلتين.ويفرن في لغة البربر هو القار.وبعض نسابتهم يقولون إن يفرن هو ابن ورتنيذ بن جانا وإخوته مغراوة وغمرت ووجديجن.وبعضهم يقول يفرن بن مرة بن ورسيك بن جانا.وبعضهم يقول هو ابن جانا لصلبه والصحيح ما نقلناه عن أبي محمد بن حزم.وأما شعوبهم فكثير ومن أشهرهم بنو واركوا ومرنجيصة.وكان بنو يفرن هؤلاء لعهد الفتح أكبر قبائل زناتة وأشدها شوكة وكان منهم بإفريقية وجبل أوراس والمغرب الأوسط بطون وشعوب فلما كان الفتح غشي إفريقية ومن بها من البربر جنود الله المسلمون من العرب فتطامنوا لبأسهم حتى ضرب الدين بجرانه وحسن إسلامهم.ولما فشا دين الخارجية في العرب وغلبهم الخلفاء بالمشرق واستلحموهم نزعوا إلى القاصية وصاروا يبثون بها دينهم في البربر فتلقفه رؤساؤهم على اختلاف مذاهبه باختلاف رؤوس الخارجية في أحكامهم من أباضية وصفرية وغيرهما كما ذكرناه في بابه ففشا في البربر وضرب فيه يفرن هؤلاء بسهم وانتحلوه وقاتلوا عليه.وكان أول من جمع لذلك منهم أبو قرة من أهل المغرب الأوسط.ثم من بعده أبو يزيد صاحب الحمار وقومه بنو واركوا ومرنجيصة.ثم كان لهم بالمغرب الأقصى من بعد الانسلاخ من الخارجية الخبر عن أبي قرة وما كان لقومه من الملك بتلمسان ومبدأ ذلك ومصادره كان من بني يفرن بالمغرب الأوسط بطون كثيرة بنواحي تلمسان إلى جبل بني راشد المعروف بهم لهذا العهد وهم الذين اختطوا تلمسان كما نذكره في أخبارها.وكان رئيسهم لعهد انتقال الخلافة من بني أمية إلى بني العباس أبو قرة ولا نعرف من نسبه أكثر من أنه منهم.ولما انتقض البرابرة بالمغرب الأقصى وقام ميسرة وقومه بدعوة الخارجية وقتله البرابرة قدموا على أنفسهم مكانه خالد برت حميد من زناتة فكان من حروبه مع كلثوم بن عياض وقتله إياه ما هو معروف.ورأس على زناتة من بعده أبو قرة هذا.ولما استأثلت دولة بني أمية كثرت الخارجية في البربر وملك ورفجومة القيروان وهوارة وزناتة طرابلس ومكناسة سجلماسة وابن رستم تاهرت وقدم ابن الأشعث إفريقية من قبل أبي جعفر المنصورة وخافه البربر فحسم العلل وسكن الحروب.ثم انتقض بنو يفرن تلمسان ودعوا إلى الخارجية وبايعوا أبا قرة كبيرهم بالخلافة سنة ثمان وأربعين ومائة وسرح إليهم ابن الأشعث الأغلب بن سوادة التميمي فانتهى إلى الزاب.وفر أبو قرة إلى المغرب الأقصى ثم راجع موطنه بعد رجوع الأغلب.ولما انتقض البرابرة على عمر بن حفص بن أبي صفرة الملقب " هزارمرد " عام خمسين ومائة وحاصروه بطبنة كان فيمن حاصره أبو قرة اليفرني في أربعين ألفاً صفرية من قومه وغيرهم حتى اشتد عليه الحصار وداخل أبا قرة في الإفراج عنه على يد ابنه على أن يعطيه أربعين ألفا ولابنه أربعة آلاف فارتحل بقومه وانفض البرابرة عن طبنة.ثم حاصروه بعد ذلك بالقيروان واجتمعوا عليه وأبو قرة معهم بثلثمائة وخمسين ألفا: الخيالة منها خمسة وثمانون ألفا.وهلك عمر بن حفص في ذلك الحصار.وقدم يزيد بن حاتم والياً على إفريقية ففض جموعهم وفرق كلمتهم ولحق أبو قرة ببني يفرن أصحابه بمواطنهم من تلمسان بعد أن قتل صاحبه أبو حاتم الكندي رأس الخوارج واستلحم بن يفرن وتوغل يزيد بن حاتم في المغرب ونواحيه وأثخن في أهله إلى أن استكانوا واستقاموا.ولم يكن لبني يفرن من بعدها انتقاض حتى كان شأن أبي يزيد بإفريقية في بني واركوا ومرنجيصة حسبما نذكره إن شاء الله تعالى الكريم.وبعض المؤرخين ينسب أبا قرة هذا إلى مغيلة ولما أظفر بصحيح في ذلك والطرائق متساوية في الجانبين فإن نواحي تلمسان وإن كانت موطنا لبني يفرن فهي أيضاً موطن لمغيله والقبيلتان متجاورتان.لكن بني يفرن كانوا أشد قوة وأكثر جمعاً ومغيلة أيضاً كانوا أشهر بالخارجية من بني يفرن لأنهم كانوا صفرية.وكثير من الناس يقولون إن بني يفرن كانوا على مذهب أهل السنة كما ذكره ابن حزم وغيره والله أعلم.هذا الرجل من بني واركوا إخوة مرنجيصة وكلهم من بطون بني يفرن وكنيته أبو زيد واسمه مخلد بن كيداد لا يعلم من نسبه فيهم غير هذا.وقال أبو محمد بن حزم: ذكر لي أبو يوسف الوراق عن أيوب بن أبي يزيد أن اسمه مخلد بن كيداد بن سعد الله بن مغيث بن كرمان بن مخلد بن عثمان بن ورينت بن حونيفر بن سميران بن يفرن بن جانا وهو زناتة.قال: وقد أخبرني بعض البربر بأسماء زائدة بين يفرن وجانا كلام ابن حزم.ونسبه ابن الرقيق أيضاً في بني واسين بن ورسيك بن جانا وقد تقدم نسبهم أول الفصل.وكان كيداد أبوه يختلف إلى بلاد السودان في التجارة فولد له أبو يزيد بكر كوامن بلادهم وأمه أم ولد اسمها سبيكة ورجع به إلى قيطون زناتة ببلاد قصطيلة.ونزل توزر متردداً بينها وبين تقيوس وتعلم القرآن وتأدب وخالط النكارية فمال إلى مذاهبهم وأخذها عنهم ورأس فيها ورحل إلى مشيختهم.وأخذ عن أبي عبيدة منهم أيام اعتقال عبيد الله المهدي بسجلماسة. ومات أبوه كيداد وتركه على حال من الخصاصة والفقر فكان أهل القيطون يصلونه بفضل أموالهم وكان يعلم صبيانهم القرآن ومذاهب النكارية.واشتهر عنه تكفير أهل الملة وسب علي فخاف وانتقل إلى تقيوس.وكان يختلف بينها وبين توزر وأخذ نفسه بالتغيير على الولاة.ونمي عنه اعتقاد الخروج عن السلطان فنذر الولاة بقسطيلة دمه فخرج إلى الحج سنة عشر وثلثمائة وأرهفه الطلب فرجع من نواحي طرابلس إلى تقيوس.ولما هلك عبد الله أوعز إلى أهل قسطيلة في القبض عليه فلحق بالمشرق وقضى الفرض وانصرف إلى موطنه.ودخل توزر سنة خمس وعشرين مستتراً.وسعى به ابن فرقان عند والي البلد فتقبض عليه واعتقله وأقبل سرعان زناتة إلى البلد ومعهم أبو عمار الأعمى رأس النكارية واسمه كما سبق عبد الحميد.وكان ممن أخذ عنه أبو يزيد فتعرضوا للوالي في إطلاقه فتعلل عليهم بطلبه في الخراج فاجتمعوا إلى فضل ويزيد ابني أبي يزيد وعمدوا إلى السجن فقتلوا الحرس وأخرجوه فلحق ببلد بني واركلا وأقام بها سنة يختلف إلى جبل أوراس وإلى بني برزال في مواطنهم بالجبال قبالة المسيلة وإلى بني زنداك من مغراوة إلى أن أجابوه فوصل إلى أوراس ومعه أبو عمار الأعمى في اثني عشر من الراحلة.ونزلوا على النكارية بالنوالات واجتمع إليه القرابة وسائر الخوارج وأخذ له البيعة عليهم أبو عمار صاحبه على قتال الشيعة وعلى استباحة الغنائم والسبي وعلى أنهم إن ظفروا بالمهدية والقيروان صار الأمر شورى وذلك سنة إحدى وثلاثين.وترصدوا غيبة صاحب باغاية في بعض وجوهه فضربوا على بسيطها واستباح بعض القصور بها سنة اثنتين وثلاثين وغمس بذلك أيدي البربر في الفتنة.ثم زحف بهم إلى باغاية واستولت عليه وعلى أصحابه الهزيمة فلحقوا بالجبل.وزحف إليهم صاحب باغاية فانهزم ورجع إلى بلده فحاصره أبو يزيد وأوعز أبو القاسم القائم إلى كتامة في أمداد كنون صاحب باغاية فتلاحقت به العساكر فبيتهم أبو يزيد وأصحابه ففلوهم وامتنعت عليه باغاية.وكاتب أبو يزيد البربر الذين حول قسطيلة من بني واسين وغيرهم فحاصروا توزر سنة ثلاث وستين ورحل إلى تبسة فدخلها صلحاً ثم إلى بجاية كذلك ثم إلى مرماجنة كذلك وأهدوا له حماراً أشهب فلزم ركوبه حتى اشتهر به.وبلغ خبره عساكر كتامة بالإربس فانفضوا وملك الإربض وقتل إمام الصلاة بها.وبعث عسكراً إلى تبسة فملكوها وقتلوا عاملها.وبلغ الخبرالقائم وهو بالمهدية فهاله وسرح العساكر لضبط المدن والثغور وسرح مولاه بشرى الصقلبي إلى باجة وعقد لميسور على الجيوش فعسكر بناحية المهدية.وسرح خليل بن إسحق إلى القيروان فعسكر بها.وزحف أبو يزيد إلى بشرى بباجة واشتدت الحرب بينهم وركب أبو يزيد حماره وأمسك عصاه فاستمات النكارية وخالفوا بشرى إلى معسكره فانهزم إلى تونس.واقتحم أبو يزيد باجة واستباحها ودخل بشرى إلى تونس وارتدت البرابر من كل ناحية فأسلم تونس ولحق بسوسة.واستأمن أهل تونس إلى أبي يزيد فأمنهم وولى عليهم وانتهى إلى وادي مجردة فعسكر بها.ووافته الحشود هنالك ورعب الناس منه فأجفلوا إلى القيروان وكثرت الأراجيف وسرب أبو يزيد جيوشه في نواحي إفريقية فشنوا الغارات وأكثروا السبي والقتل والأسر.ثم زحف إلى رقادة فانفض كتامة الذين كانوا بها ولحقوا بالمهدية.ونزل أبو يزيد رقادة في مائة ألف.ثم زحف إلى القيروان فانحصر بها خليل بن إسحق.ثم أخذه بعد مراوضة في الصلح وهم بقتله فأشار عليه أبو عمار باستبقائه فلم يطعه وقتله ودخلوا القيروان فاستباحوها ولقيه مشيخة الفقهاء فأمنهم بعد التقريع والعتب وعلى أن يقتلوا أولياء أشيعة.وزحف وبعث رسله في وفد من أهل القيروان إلى الناصر الأموي صاحب قرطبة ملتزماً لطاعته والقيام لدعوته وطالباً لمدده فرجعوا إليه بالقبول والوعد.ولم يزل يردد ذلك سائر أيام الفتنة حتى أوفد ابنه أيوب في آخرها سنة خمس وثلاثين فكان له اتصال الناصر سائر أيامه.وزحف ميسور من المدية بالعساكر وفر عنه بنو كملان من هوارة ولحقوا بأبي يزيد وحرضوه على لقاء ميسور فزحف إليه واستوى اللقاء.واستمات أبو يزيد والنكارية فانهزم ميسور وقتله بنو كملان وبعث برأسه إلى القيروان ثم إلى المغرب واستبيح معسكره.وسرح أبو يزيد عساكره إلى مدينة سوسة فاقتحموها عنوة وأكثروا من القتل والمثلة.وعظم القتل بضواحي إفريقية وخلت القرى والمنازل ومن أفلته السيف أهلكه الجوع واستخف أبو يزيد بالناس بعد قتل ميسور فلبس الحرير وركب الفاره.ونكر عليه أصحابه ذلك وكاتبه به رؤساؤهم من البلاد والقائم خلال ذلك بالمهدية يخندق على نفسه ويستنفر كتامة وصنهاجة للحصار معه.وزحف أبو يزيد حتى نزل المهدية وناوش عساكرها الحرب فلم يزل الظهور عليهم وملك زويلة.ولما وقف بالمصلى قال القائم لأصحابه: من ههنا يرجع واتصل حصاره للمهدية واجتمع إليه البربر من قابس وطرابلس ونفوسة.وزحف إليهم ثلاث مرات فانهزم في الثالثة ولم يقلع وكذلك في الرابعة.واشتد الحصار على أهل المهدية ونزل الجوع بهم.واجتمعت كتابة بقسنطينة وعسكروا بها لإمداد القائم فسرح إليهم أبو يزيد يكموس المزاتي من ورفجومة فانفض معسكر كتامة من قسنطينة.ويئس القائم من مددهم وتفرقت عساكر أبي يزيد في الغارات والنهب فخف المعسكر ولم يبق به إلا هوارة وراس وبنو كملان.وكثرت مراسلات القائم للبربر.واستراب بهم أبو يزيد وهرب بعضهم إلى المهدية ورحل آخرون إلى مواطنهم فأشار عليه أصحابه بالإفراج عن المهدية فأسلموا معسكرهم ولحقوا بالقيروان سنة أربع وثلاثين.ودبروا أهل القيروان في القبض عليه فلم يتهيأ لهم وعذله أبو عمار فيما أتاه من الاستكثار من الدنيا فتاب وأقلع وعاود لبس الصوف والتقشف.وشاع خبر إجفاله عن المهدية فقتل النكارية في كل بلد وبعث عساكره فعاثوا في النواحي وأوقعوا بأهل الأمصار وخربوا كثيراً منها.وبعث ابنه أيوب إلى باجة فعسكر بها ينتظر وصول المدد من البربر وسائر النواحي فلم يفجأه إلا وصول علي بن حمدون الأندلسي صاحب المسيلة في حشد كتامة وزواوة وقد مر بقسنطينة والإربس وسقنبارية واصطحب منها العساكر فبيته أيوب وانفض معسكره وتردى به فرسه في بعض الأوعار فهلك.ثم زحف أيوب في عسكره إلى تونس وقائدها حسن بن علي من دعاة الضيعة فانهزم ثم أتيحت له الكرة.ولحق حسن بن علي ببلد كتامة فعسكر بهم على قسنطينة.وسرح أبو يزيد جموع البربر لحربه.ثم اجتمعت لأبي يزيد حشود البربر من كل ناحية وثابت إليه قوته.وارتحل إلى سوسة فحاصرها ونصب عليها المجانيق.وهلك القائم سنة أربع وثلاثين في شوال وصارت الخلافة لابنه إسمعيل المنصور فبعث بالمدد إلى سوسة بعد أن اعتزم على الخروج إليها بنفسه فمنعه أصحابه.ووصل المدد إلى سوسة فقاتلوا أبا يزيد فانهزم ولحق بالقيروان فامتنعت عليه فاستخلص صاحبه أبا عمار أيديهم وارتحل عنهم.وخرج المنصور من المهدية إلى سوسة ثم إلى القيروان فملكها وعفا عن أهلها وأمنهم وأحسن في مخلف أبي يزيد وعياله.وتوافى المدد إلى أبي يزيد ثالثة فاعتزم على حصار القيروان وزحف إلى عسكر المنصور بساحتها فبيتهم واشتد الحرب واستمات الأولياء وافترقوا آخر نهارهم وعاودوا الزحف مرات ووصل المدد إلى المنصور من الجهات.حتى إذا كان منتصف المحرم كان الفتح وانهزم أبو يزيد وعظم القتل في البربر ورحل المنصور في أتباعه فمر بسبيبة ثم تبسه حتى انتهى إلى باغايه.ووافاه بها كتاب محمد بن خزر بالطاعة والولاية والاستعداد للمظاهرة فكتب إليه بترصد أبى يزيد والقبض عليه ووعده في ذلك بعشرين حملا من المال.ثم رحل إلى طبنة فوافاه بها جعفر بن على عامل المسيلة بالهدايا والأموال.وبلغه أن أبا يزيد نزل بسكرة وأنه كاتب محمد بن خزر يسأله النصرة فلم يجد عنده ما يرضيه فارتحل المنصور إلى بسكرة فتلقاه أهلها.وفر أبو يزيد إلى بني برزال بجبل سالات ثم إلى جبل كتامة وهو جبل عياض لهذا العهد وارتحل المنصور في أثره إلى ومرة وبيته أبو يزيد هنالك فانهزم ولم يظفر وانحاز إلى جبل سالات.ثم لحق بالرمال ورجع عنه بنو كملان وأمنهم المنصور على يد محمد بن خزر.وسار المنصور في التعبية حتى نزل جبل سالات وارتحل وراءه إلى الرمال.ثم ودخل بلاد صنهاجة وبلغه رجوع أبي زيد إلى جبل كتامة فرجع إليه ونزل عليه المنصور في كتامة وعجيسة وزواوة وحشد بني زنداك ومزاتة ومكناسة ومكلاتة.وتقدم سور إليه فقاتلوا أبا يزيد وجموع النكارية فهزموهم واعتصموا بجبل كتامة.ورحل صور إلى المسيلة وانحصر أبو يزيد في قلعة الجبل وعسكر المنصور إزاءها واشتد الحصار وزحف إليها مرات.ثم اقتحمها عليهم فاعتصم أبو يزيد بقصر في ذروة القلعة فأحيط به واقتحم وقتل أبو عمار الأعمى ويكموس المزاتي ونجا أبو يزيد مثخناً بالجراحة محمولاً بين ثلاثة من أصحابه فسقط في مهواة من الأوعار فوهن وسيق من الغداة إلى المنصور فأمر بمداواته.ثم أحضره ووبخه وأقام الحجة عليه وتجافى عن دمه.وبعثه إلى المهدية وفرض له بها الجراية فجزاه خيراً.وحمل في القفص فمات من جراحته سنة خمس وثلاثين.وأمر به فسلخ وحشي جلده بالتبن وطيف به في القيروان.وهرب الفل من أصحابه إلى ابنه فضل وكان مع معبد بن خزر فأغاروا على ساقة المنصور وكمن لهم زيري بن مناد أمير صنهاجة فأوقع بهم.ولم يزل المنصور في أتباعه إلى أن نزل المسيلة قطع أثر معبد ووافاه بمعسكره هنالك انتقاض حميد بن يصل عامل تيهرت من يائهم وأنه ركب البحر من تنس إلى العدوة فارتحل إلى تيهرت وولي عليها وعلى تنس.ثم قصد لواتة فهربوا إلى الرمال.ورجع إلى إفريقية سنة خمس وثلاثين.ثم بلغه فضل بن أبي يزيد أغار على جهات قسطيلة فرحل من سنته في طلبه وانتهى إلى قفصة ثم ارتحل إلى ميطلة من أعمال الزاب وفتح حصن ماداس مما يليه.وهرب فضل في الرمال فأعجزه ورجع إلى القيروان سنة ست وثلاثين.ومضى فضل إلى جبل أوراس سار منه إلى باغاية فحاصرها.وغدر به ماطيط بن يعلى من أصحابه وجاء برأسه إلى منصور وانقرض أمر أبي يزيد وبنيه وافترقت جموعهم.واغتال عبد الله بن بكار من رؤساء مغراوة بعد ذلك أيوب بن أبي يزيد وجاء برأسه إلى المنصور متقرباً إليه.وتتبع المنصور قبائل بني يفرن بعدها إلى أن انقطع أثر الدعوة.والبقاء لله تعالى وحده. الخبر عن الدولة الأولى لبني يفرن بالمغرب الأوسط والأقصى ومبادىء أمورهم ومصايرهم كان لبني يفرن من زناتة بطون كثيرة وكانوا متفرقين بالمواطن فكان منهم بإفريقية بنو واركوا ومرنجيصة وغيرهم كما قدمناه وكان منهم بنواحي تلمسان ما بينها وبين تاهرت أمم كثير عددهم وهم الذين اختطوا مدينة تلمسان كما نذكره بعد.ومنهم أبو قرة المنتزي بتلك الناحية لأول الدولة العباسية وهو الذي حاصر عمر بن حفص بطبنة كما تقدم ولما انقرض أمر أبي يزيد وأثخن المنصور فيمن كان بإفريقية من بني يفرن أقام هؤلاء الذين كانوا بنواحي تلمسان على وفودهم.وكان رئيسهم لعهد أبي يزيد محمد بن صالح.ولما تولى المنصور محمد بن خزر وقومه مغراوة وكان بينه وبين بني يفرن هؤلاء فتنة هلك فيها محمد بن صالح على يد عبد الله بن بكار من بني يفرن كان متحيزاً إلى مغراوة.وولي أمره في بني يفرن من بعده ابنه يعلى فعظم صيته واختط مدينة إيفكان.ولما خطب عبد الرحمن الناصر طاعة الأموية من زناتة أهل العدوة واستالف ملوكهم سارع يعلى لإجابته واجتمع عليها مع الخير بن محمد بن خزر وقومه مغراوة وأجلب على وهران فملكها سنة ثلاث وأربعين وثلاثمائة من يد محمد بن عون وكان ولاه عليها صولات اللميطي أحد رجالات كتامة سنة ثمان وتسعين ومائتين فدخلها يعلى عنوة على بنيه وخربها.وكان يعلى قد زحف مع الخير بن محمد إلى تاهرت وبرز إليه ميسور الخصي في شيعته من لماية فهزموهم وملكوا تاهرت وتقبضوا على ميسور وعبد الله بن بكار فبعث به الخير إلى يعلى بن محمد ليثأر به فلم يرضه كفؤاً لدمه ودفعه إلى من ثأر به من بني يفرن.واستفحل سلطان يعلى في ناحية المغرب وخطب على منابرها لعبد الرحمن الناصر ما بين تاهرت إلى طنجة.واستدعى من الناصر تولية رجال بيته على أمصار المغرب: فعقد على فاس لمحمد بن الخير بن محمد بن عشيرة ونسك محمد لسنة من ولايته واستأذن في الجهاد والرباط بالأندلس فأجاز لذلك واستخلف على عمله ابن عمه أحمد بن عثمان بن سعيد وهو الذي اختط مأذنة القرويين سنة أربع وأربعين كما ذكرناه.ولم يزل سلطان يعلى بن محمد بالمغرب عظيماً إلى أن أغزى المعز لدين الله كاتبه جوهر الصقلي من القيروان إلى المغرب سنة سبع وأربعين.فلما فصل جوهر بالجنود عن تخوم إفريقية بادر أمير زناته بالمغرب يعلى بن محمد اليفرني إلى لقائه والإذعان لطاعته والانحياش إليه ونبذ عهد الأموية وأعمل إلى لقيه الرحلة من بلده إيفكان وأعطاه يد الانقياد.وعهد البيعة عن قومه بني يفرن وزناتة فتقبلها جوهر وأضمر الفتك به وتخير لذلك يوم فصوله من بلده.وأسر إلى بعض مستخلصيه من الأتباع فأوقعوا نفرة في أعقاب العسكر طار إليها الزعماء من كتامة وصنهاجة وزناتة وتقبض على يعلى فهلك في وطيس تلك الهيعة فغص بالرماح على أيدي رجالات كتامة وصنهاجة وذهب دمه هدراً في القبائل.وخرب جوهر مدينة إيفكان وفرت زناتة أمامه وكشف القناع في مطالبتهم.وقد ذكر بعض المؤرخين أن يعلى إنما لقي جوهراً عند منصرفه من الغزاة بمدينة تاهرت وهنالك كان فتكه به بناحية شلف فتفرقت بعدها جماعة بني يفرن وذهب ملكهم فلم يجتمعوا إلا بعد حين على ابنه بدوي بالمغرب كما نذكره.ولحق الكثير منهم بالأندلس كما يأتي خبره في موضعه وانقرضت دولة بني يفرن هؤلاء إلى أن عادت بعد مدة على يد يعلى بفاس.ثم استقرت آخراً بسلا وتعاقبت فيهم هنالك إلى الدولة الثانية لبني يفرن الخبر عن الدولة الثانية لبني يفرن بسلا من المغرب الأقصى وأولية ذلك وتصاريفه لما أوقع جوهر الكاتب قائد المعز بيعلى بن محمد أمير بني يفرن وملك المغرب سنة سبع وأربعين كما ذكرناه وتفرقت جموع بني يفرن لحق ابنه بدوي بن يعلى بالمغرب الأقصى وأحس بجوهر من ورائه فأبعد المفر وأصحر إلى أن رجع جوهر من المغرب.ويقال إن جوهراً تقبض عليه واحتمله أسيراً فاعتقل إلى أن فر من معتقله بعد حين واجتمع عليه قومه من بني يفرن.وكان جوهر عند منصرفه من المغرب ولى على الأدارسة المتحيزين إلى الريف وبلاد غمارة الحسن بن كنون شيخ بني محمد منهم فنزل البصرة.وأجاز الحكم المستنصر لأول ولايته سنة خمس وثلثمائة وزيره محمد بن قاسم بن طملس في العساكر لتدويخ المغرب فجمع له الحسن بن كنون وأوقع به ورجع إلى الأندلس مفلولا فسرح الحكم فولاه غالباً لتدويخ المغرب واقتلاع جرثومة الأدارسة فأجاز في العساكر وغلبهم على بلادهم وأزعجهم جميعاً عن المغرب إلى الأندلس سنة خمس وستين كما ذكرناه.ومهد دعوة الأموية بالمغرب وأقفل الحكم مولاه غالبا ورده إلى الثغر لسده وعقد على المغرب ليحيى بن محمد بن هاشم التجيبي صاحب الثغر الأعلى وكان أجازه مدداً لغالب في رجال العرب وجند الثغور حتى إذا انغمس الحكم في علة الفالج وركدت ريح المروانية بالمغرب واحتاجت الدولة إلى رجالها لسد الثغور ودفاع العدو استدعى يحيى بن محمد بن هاشم من العدوة وأداله الحاجب المصحفي بجعفر بن علي بن حمدون أمير الزاب والمسيلة النازع إليهم من دعوة الشيعة وجمعوا بين الانتفاع به في العدوة والراحة مما يتوقع منه على الدولة ومن البرابرة في التياث الخلافة لما كانوا أصاروا إليه من النكبة وطوقوه من المحنة.ولما كان اجتمع بقرطبة من جموع البرابرة فعقدوا له ولأخيه يحيى على المغرب وخلعوا عليهما وأمكنوهما من مال دثر وكسي فاخرة للخلع على ملوك العدوة فنهض جعفر إلى المغرب سنة خمس وستين وضبطه.واجتمع إليه ملوك زناتة مثل بدوي بن يعلى أمير بني يفرن وابن عمه نوبخت بن عبد الله بن بكار ومحمد بن الخير بن خزر وابن عمه بكساس بن سيد الناس وزيري بن خزر وزيري ومقاتل ابنا عطية بن تبادلت وخزرون بن محمد وفلفول بن سعيد أمير مغراوة وإسمعيل بن البوري أمير مكناسة ومحمد بن عمه عبد الله بن مدين وخزرون بن محمد الأزداجي وكان بدوي بن يعلى من أشدهم قوة وأحسنهم طاعة.ولما هلك الحكم وولي مكانه هشام المؤيد.وانفرد محمد بن أي عامر بحجابته اقتصر من العدوة لأول قيامه على مدينة سبتة فضبطها بجند السلطان ورجال الدولة وقلدها الصنائع من أرباب السيوف والأقلام وعول في ضبط ما وراء ذلك على ملوك زناتة وتعهدهم بالجوائز والخلع وصار إلى إكرام وفودهم وإثبات من رغب في الإثبات في ديوان السلطان منهم فجردوا في ولاية الدولة وبث الدعوة.وفسد ما بين أمير العدوة جعفر بن علي وأخيه يحيى واقتطع يحيى مدينة البصرة لنفسه وذهب بأكثر الرجال.ثم كانت على جعفر النكبة التي نكبه برغواطة في غزاته إياهم واستدعاه محمد بن أبي عامر لأول أمره لما رآه من استقامته إليه وشد أزره به وتلوى عليه كراهية لما يلقى بالأندلس من الحكم.ثم أصلحه وتخلى لأخيه عن عمل المغرب وأجاز البحر إلى ابن أبي عامر فحل منه بالمكان الأثير وتناغت زناتة في التزلف إلى الدولة بقرب الطاعات فزحف خزرون بن فلفول سنة ست وستين إلى مدينة سجلماسة فافتتحها ومحا أثر دولة آل مدرار منها وعقد له المنصور عليها كما ذكرنا ذلك قبل.وزحف عقب هذا الفتح بلكين بن ريري قائد إفريقية للشيعة إلى المغرب سنة تسع وستين زحفه المشهور.وخرج محمد بن أبي عامر من قرطبة إلى الجزيرة لمدافعته بنفسه واحتمل من بيت المال مائة حمل ومن العساكر ما لا يحصى عده.وأجاز جعفر بن علي بن حمدون إلى سبتة وانضمت إليه ملوك زناتة ورجع بكلين عنهم إلى برغواطة إلى أن هلك سنة ثلاث وسبعين ورجع جعفر إلى مكانه من ابن أبي عامر لم يسمح بمقامه عنه.ووصل حسن بن كنون خلال ذلك من القاهرة بكتاب عبد العزيز بن نزار بن معد إلى بلكين صاحب إفريقية في إعانته على ملوك المغرب وإمداده بالمال والعساكر فأمضاه بلكين لسبيله وأعطاه مالاً ووعده بإضعافه.ونهض إلى المغرب فوجد طاعة المروانية قد استحكمت فيه.وهلك بلكين إثر ذلك وشغل ابنه المنصور عن شأنه فدعا الحسن بن كنون إلى نفسه فدعا أبو محمد بن أبي عامر ابن عمه محمد بن عبد الله ويلقب عسكلاجة لحربه سنة خمس وسبعين.وجاء أثره إلى الجزيرة كيما يشارف القصة وأحيط بالحسن بن كنون فسأل الأمان وعقد له مقارعه عمر وعسكلاجة وأشخصه إلى الحضرة فلم يمض ابن أبي مر أمامه ورأى أن لا ذمة له لكثرة نكثه فبعث من ثقاته من أتاه برأسه وانقرض أمر الأدارسة وانمحى أثرهم فأغضب عمر وعسكلاجة لذلك.واستراح إلى الجند بأقوال نميت عنه إلى المنصور فاستدعاه من العدوة وألحقه بمقتوله ابن كنون.وعقد على العدوة للوزير حسن بن أحمد بن الورود السلمي وأكثف عدده وأطلق في المال يده.ونفذ إلى عمله سنة ست فضبط المغرب أحسن ضبط وهابته البرابرة ونزل فاس من العدوة فعز سلطانه وكثر جمعه وانضم إليه ملوك النواحي حتى حذر ابن أبي عامر مغبة استقلاله واستدعاه ليبلو صحة طاعته فأسرع اللحاق به فضاعف تكرمته وأعاده إلى عمله.وكان بدوي بن يعلى هذا من بين ملوك زناتة كثير الاضطراب على الأموية والمراوغة لهم بالطاعة.وكان المنصور بن أبي عامر يضرب بينه وبين قرينه زيري بن عطية ويقرن كلاً منهما بمناغاة صاحبه في الاستقامة وكان إلى زيري أميل وبطاعته أوثق لخلوصه وصدق طويته وانحياشه فكان يرجو أن يتمكن من قياد بدوي بن يعلى بمناغاته.فاستدعى بزيري بن عطية إلى الحضرة سنة سبع وسبعين فبادر إلى القدوم عليه وتلقاه وأكبر موصله وأحسن مقامه ومنقلبه وأعظم جائزته وسام بدوي مثلها فامتنع وقال لرسوله قل لابن أبي عام: متى عهد حمر الوحش تنقاد للبياطرة وأرسل عنانه في العيث والفساد ونهض إليه صاحب المغرب الوزير حسن بن عبد الودود في عساكره وجموعه من جند الأندلس وملوك العدوة مظاهراً عليه لعدوه وزيري بن عطية وجمع لهم بدوي ولقيهم سنة إحدى وثمانين فكان الظهور له.وانهزم عسكر السلطان وجموع مغراوة واستلحموا وجرح الوزير حسن بن عبد الودود جراحات كان فيها لليال مهلكه.وطار الخبر إلى ابن أبي عامر فاغتم لذلك وكتب إلى زيري بضبط فاس ومكاتبة أصحاب حسن وعقد له على المغرب كما نستوفي ذكره عند دولتهم.وغالبه بدوي عليها مرة بعد أخرى ونزع أبو البهار بن زيري بن مناد الصنهاجي عن قومه ولحق بسواحل تلمسان ناقضاً لطاعة الشيعة وخارجاً على ابن أخيه المنصور بن بلكين صاحب القيروان.وخاطب ابن أبي عامر من وراء البحر وأوفد عليه ابن أخيه ووجوه قومه فسرب إليه الأموال والصلات بفاس مع زيري حسبما نذكره وجمع أيديهما على مدافعة بدوي فساء أمره فيهما جميعاً إلى أن راجع أبو البهار ولاية منصور ابن أخيه كما نذكره بعد.وحاربه زيري فكان له الظهور عليه ولحق أبو البهار بسبتة.ثم عاد إلى قومه.واستفحل زيري من بعد ذلك وكانت بينه وبين بدوي وقعة اكتسح زيري من ماله ومعسكره مالا كفؤ له وسبى حرمه.واستلحم من قومه زهاء ثلاثة آلاف فارس.وخرج إلى الصحراء شريداً سنة ثلاث وثمانين.وهلك هناك فولي أمره في قومه حبوس ابن أخيه زيري بن يعلى ووثب به ابن عمه أبو يداس بن دوناس فقتله طمعاً في الرياسة من بعده واختلف عليه قومه فأخفق أمله وعبر البحر إلى الأندلس في جمع عظيم من قومه.وولي أمر بني يفرن من بعده حمامة بن زيري بن يعلى أخو حبوس المذكور فاستقام عليه أمر بني يفرن وقد مر ذكره في خبر بدوي غير مرة وأنه كانت الحرب بينه وبين زيري بن عطية سجالاً وكانا يتعاقبان ملك فاس بتناول الغلب.وأنه لما وفد زيري على المنصور خالفه بدوي إلى فاس فملكها وقتل بها خلقاً من مغراوة وأنه لما رجع زيري اعتصم بفاس فنازله زيري.وهلك من مغراوة وبني يفرن في ذلك الحصار خلق.ثم اقتحمها زيري عليهم عنوة فقتله وبعث برأسه إلى سدة الخلافة بقرطبة سنة ولما اجتمع بنو يفرن على حمامة تحيز بهم إلى ناحية شاله من المغرب فملكها وما إليها من تادلا واقتطعها من زيري ولم يزل عميد بني يفرن في تلك العمالة والحرب بينه وبين زيري ومغراوة متصلة.وكانت بينه وبين المنصور صاحب القيروان مهاداة فأهدى إليه وهو محاصر لعمه حماد بالقلعة سنة ست وأربعمائة وأوفد بهديته أخاه زاوي بن زيري فلقيه بالطبول والبنود.ولما هلك حمامة قام بأمر بني يفرن من بعده أخوه الأمير أبو الكمال تميم بن زيري بن يعلى فاستبد بملكهم وكان مستقيما في دينه مولعاً بالجهاد فانصرف إلى جهاد برغواطة وسالم مغراوة وأعرض عن فتنتهم.ولما كانت أربع وعشرين وأربعماية تجددت العداوة بين هذين الحيين بني يفرن ومغراوة وثارت الإحن القديمة وزحف أبو الكمال صاحب شالة وتادلا وما إلى ذلك في جموع يفرن.وبرز إليه حمامة بن المعز في قبائل مغراوة ودارت بينهم حروب شديدة وانكشفت مغراوة وفر حمامة إلى وجدة واستولى الأمير أبو الكمال تميم وقومه على فاس وغلبوا مغراوة على عمل المغرب.واكتسح تميم اليهود بمدينة فاس واصطلم نعمهم واستباح حرمهم.ثم احتشد حمامة من وجدة سائر قبائل مغراوة وزناتة وبعث الحاشدين في قياطينهم لجميع بلاد المغرب الأوسط ووصل إلى تنس صريخاً لزعمائهم.وكاتب من بعد عنه من رجالاتهم وزحف إلى فاس سنة تسع وعشرين فأفرج عنها أبو الكمال تميم ولحق ببلده ومقر ملكه من شالة وأقام بمكان عمله وموطن أمارته منها إلى أن هلك سنة تسع وأربعين.وولي ابنه حماد إلى أن هلك سنة تسع وأربعين وولي بعده ابنه يوسف إلى أن توفي سنة ثمان وخمسين فولي بعده عمه محمد ابن الأمير أبي تميم إلى أن هلك في حروب لمتونة حين غلبوهم على المغرب أجمع حسبما نذكره والملك لله يؤتيه من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين.وأما أبو يداس بن دوناس قاتل حبوس بن زيري بن يعلى بن محمد فإنه لما اختلف عليه بنو يفرن وأخفق أمله في اجتماعهم له أجاز البحر إلى الأندلس سنة اثنتين وثمانين فرفعه إخوانه أبو قرة وأبو زيد وعطاف فحل كلهم من المنصور محل التكرمة والإيثار ونظمه في جملة الرؤساء والأمراء وأسنى له الجراية والإقطاع وأثبت رجاله في الديوان ومن أجاز من قومه فبعد صيته وعلا في الدولة كعبه.ولما افترقت الجماعة وانتثر سلك الخلافة كان في حروب البربر مع جند الأندلس آثار بعيدة وأخبار غريبة.ولما ملك المستعين قرطبة سنة أربعمائة واجتمع إليه من كان بالأندلس من البرابرة لحق المهدي بالثغور واستجاش طاغية الجلالقة فزحف معه إلى غرناطة وخرج المستعين في جموعه من البرابرة إلى الساحل واتبعهم المهدي في جموعه فتواقعوا بوادي أيرة فكانت بين الفريقين جولة عظم بلاء البرابرة وطار لأبي يداس فيها ذكر وانهزم المهدي والطاغية وجموعهم بعد أن تضايقت المعركة وأصابت أبا يداس بن دوناس جراحة كان فيها مهلكه ودفن هناك.وكان لابنه خلوف وحافده تميم بن خلوف من رجالات زناتة بالأندلس شجاعة ورياسة وكان يحيى بن عبد الرحمن بن أخيه عطاف من رجالاتهم وكان له اختصاص ببني حمود ثم بالقاسم منهم ولاه على قرطبة أيام خلافته والبقاء لله وحده. |
الخبر عن أبي نور بن أبي قرة وما كان له من الملك بالأندلس أيام الطوائف
هذا الرجل اسمه أبو نور بن أبي قرة بن أبي يفرن من رجالات البربر الذين استظهر بهم قومهم أيام الفتنة تغلب على رندة أزمان تلك الفتن وأخرج منها عامر بن فتوح من موالي الأموية سنة خمس وأربعمائة فملكها واستحدث بها لنفسه سلطاناً.ولما استفحل أمر ابن عباد بإشبيلية وأسف إلى تملك ما جاوره من الأعمال والثغور نشأت الفتنة بينه وبين أبي نور هذا.واختلف حاله معه في الولاية والانحراف وسجل له سنة ثلاث وأربعين برندة وأعمالها فيمن سجل له من البربر.واستدعاه بعدها سنة خمسين لبعض ولائمه وكاده بكتاب أوقفه عليه على لسان جارية بقصره تشكو إليه ما نال منها ابنه من المحرم فانطلق إلى بلده وقتل ابنه.وشعر بالمكيدة فمات أسفاً وولي ابنه الآخر أبو نصر إلى سنة سبع وخمسين فغدر به بعض جنده وخرج هارباً فسقط من السور ومات.وتسلم المعتمد رندة من بعد ذلك ويقال إن ذلك كان عند كائنة الحمام سنة خمس وأربعين وإن أبا نور هلك فيها.ولما بلغ الخبرابنه أبا نصر وقع ما وقع والله أعلم. الخبر عن مرنجيصة من بطون بني يفرن وشرح أحوالهم كان هذا البطن من بني يفرن بضواحي إفريقية وكانت له كثرة وقوة.ولما خرج أبو يزيد على الشيعة وكان من أخوالهم بنو واركوا ظاهروه على أمره بما كان له معهم من العصبية.ثم انقرض أمره وأخذتهم دولة الشيعة وأولياؤهم صنهاجة وولاتهم على إفريقية بالسطوة والقهر وإنزال العقوبات بالأنفس والأموال إلى أن تلاشوا وأصبحوا في عداد قبائل الغارمة.وبقيت منهم أحياء نزلوا ما بين القيروان وتونس أهل شاء وبقر وخيام يظعنون في نواحيها وينتحلون الفلح في معاشهم وملك الموحدون إفريقية وهم بهذه الحال وضربت عليهم المغارم والضرائب والعسكرة مع السلطان في غزواته بعدة مفروضة يحضرون بها متى استقروا.ولما تغلبت الكعوب من بني سليم على ضواحي إفريقية وأخرجوا منها الدواودة من رياح أعداء الدولة لذلك العهد.واستظهر بهم السلطان عليهم.اتخذوا إفريقية وطناً من قابس إلى باجة.ثم اشتدت ولايتهم للدولة وعظم الاستظهار بهم وأقطعهم ملك الدولة ما شاؤوه من الأعمال والخراج فكان في إقطاعهم خراج مرنجيصة هؤلاء.ولما كانت وقعة بنو مرين على القيروان وكان بعدها في الفترة ما كان من طغيان الفتنة التي اعتز فيها العرب على السلطان والدولة كان لهؤلاء الكعوب المتغلبين مدد قوي من أحياء مرنجيصة هؤلاء من الخيل للحملان والجباية للإنفاق والإنعام للحمال والخيالة للاستظهار بأعدادهم في الحروب فصاروا لهم لحمة وخولا وتملكوهم تملك العبيد حتى إذا ذهب الله بحمى الفتنة وأقام مائل الخلافة والدولة وصار تراث هذا الملك الحفصي إلى الأحق به مولانا السلطان أبي العباس أحمد فانقشع الجو وأضاء الأفق ودفع المتغلبين من العرب عن أعماله وقبض أيديهم عن رعاياه.وأصار مرنجيصة هؤلاء من صفاياه بعد إنزال العقوبة بهم على لياذهم بالعرب وظعنهم معهم فراجعوا الحق وأخلصوا في الانحياش ورجعوا إلى ما ألفوه من الغرامة وقوانين الخراج وهم على ذلك لهذا العهد.والله وارث الأرض ومن عليها. الخبر عن مغراوة من أهل الطبقة الأولى من زناتة وما كان لهم من الدول بالمغرب ومبدأ ذلك هؤلاء القبائل من مغراوة كانوا أوسع بطون زناتة وأهل البأس والغلب ونسبهم إلى مغراوة بن يصلتين بن مسرا بن زاكيا بن ورسيك بن الديرت بن جانا إخوة بني يفرن وبني يرنيان وقد تقدم الخلاف في نسبهم عند ذكر بني يفرن.وأما شعوبهم وبطونهم فكثر مثل بني يلنت وبني زنداك وبني وراق وورتزمير وبني أبي سعيد وبني ورسيفان ولغواط وبني ريغة وغيرهم ممن لم يحضرني أسماؤهم.وكانت مجالاتهم بأرض المغرب الأوسط من شلف إلى تلمسان إلى جبل مديونة وما إليها ولهم مع إخوانهم بني يفرن اجتماع وافتراق ومناغاة في أحوال البدو.وكان لمغراوة هؤلاء في بدوهم ملك كبير أدركهم عليه الإسلام فأقره لهم وحسن إسلامهم.وهاجر أميرهم صولات بن وزمار إلى المدينة ووفد على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه فلقاه براً وقبولاً لهجرته وعقد له على قومه ووطنه.وانصرف إلى بلاده محبواً محبوراً مغتبطاً بالدين مظاهراً لقبائل مضر فلم يزل هذا دأبه.وقيل إنه تقبض عليه أسيراً لأول الفتح في بعض حروب العرب مع البربر قبل أن يدينوا بالدين فأشخصوه إلى عثمان لمكانه من قومه فمن عليه وأسلم فحسن إسلامه.وعقد له على عمله فاختص صولات هذا وسائر الأحياء من مغرارة بولاء عثمان وأهل بيته من بني أمية وكانوا خاصة لهم دون قريش وظاهروا دعوة المروانية بالأندلس رعياً لهذا الولاء على ما تراه بعد في أخبارهم.أعظم ملوكهم.ثم لما هلك قام بأمره ابنه خزر.وعندما تقلص ظل الخلافة عن المغرب الأقصى بعض الشيء وأطلت فتنة ميسرة الحقير ومطخرة فاعتز خزر وقومه على أمراء المضرية بالقيروان واستفحل ملكهم وعظم شأن سلطانهم على البدو من زناتة بالمغرب الأوسط.ثم انتقض أمر بني أمية.بالمشرق فكانت الفتنة بالمغرب فازدادوا اعتزازاً وعتواً.وهلك خلال ذلك خزر وقام بملكه ابنه محمد وخلص إلى المغرب إدريس الأكبر بن الله بن حسن بن الحسن سنة سبعين ومائة في خلافة الهادي.وقام برابرة المغرب من أوربة ومدينة ومغيلة بأمره واستوثق له الملك واقتطع المغرب عن طاعة بني العباس سائر الأيام.ثم نهض إلى المغرب الأوسط سنة أربع وسبعين فتلقاه محمد بن خزر هذا وألقى إليه المقادة وبايع له عن قومه وأمكنه من تلمسان بعد أن غلب عليها بني يفرن أهلها.وانتظم لإدريس بن إدريس الأمر وغلب على جميع أعمال أبيه وملك تلمسان.وقام بنو خزر هؤلاء بدعوته كما كانوا لأبيه.وكان قد نزل تلمسان لعهد إدريس الأكبر أخوه سليمان بن عبد الله بن حسن بن الحسن القادم إليه من المشرق وسجل له بولاية تلمسان من سجل ابنه إدريس لمحمد ابن عمه سليمان من بعده فكانت ولاية تلمسان وأمصارها في عقبه واقتسموا ولاية ثغورها الساحلية فكانت تلمسان لولد إدريس بن محمد بن سليمان وأرشكول لولد عيسى بن محمد وتنس لولد ولم يزل الملك بضواحي المغرب الأوسط لمحمد بن خزر كما قلناه إلى أن كانت دولة الشيعة واستوثق لهم ملك إفريقية.وسرح عبيد الله المهدي إلى المغرب عروبة بن يوسف الكتامي في عساكر كتامة سنة ثمان وتسعين ومائتين فدوخ المغرب الأدنى ورجع.ثم سرح بعده مصالة بن حبوس إلى المغرب في عساكر كتامة فاستولى على أعمال الأدارسة واقتضى طاعتهم لعبيد الله.وعقد على فاس ليحيى بن إدريس بن عمر آخر ملوك الأدارسة.وخلع نفسه ودان بطاعتهم وعقد له مصالة على فاس وعقد لموسى بن أبي العالية أمير مكناسة وصاحب تازة واستولى على ضواحي المغرب وقفل إلى القيروان وانتقض عمر بن خزر من أعقاب محمد بن خزر الداعية الإدريس الأكبر وحمل زناتة وأهل المغرب الأوسط على البرابرة من الشيعة وسرح عبيد الله المهدي مصالة قائد المغرب في عساكر كتامة سنة تسع ولقيه محمد بن خزر في جموع مغراوة وسائر زناتة ففل عساكر مصاله وخلص إليه فقتله.وسرح عبيد الله ابنه أبا القاسم في العساكر إلى المغرب سنة عشر وعقد له على حرب محمد بن خزر وقومه فأجفلوا إلى الصحراء واتبع آثارهم إلى ملوية فلحقوا بسلجماسة وعطف أبو القاسم على المغرب فدوخ أقطاره وجال في نواحيه وجدد لابن أبي العافية على عمله ورجع ولم يلق كيداً.ثم إن الناصر صاحب قرطبة سما له أمل في ملك العدوة فخاطب ملوك الأدارسة وزناتة وبعث إليهم خالصته محمد بن عبيد الله بن أبي عيسى سنة ست عشرة فبادر محمد بن خزر إلى إجابته وطرد أولياء الشيعة من الزاب.وملك شلب وتنس من أيديهم وملك وهران وولى عليها ابنه الخير وبث دعوة الأموية في أعمال المغرب الأوسط ما عدا تاهرت.وبدأ في القيام بدعوة الأموية إدريس بن إبراهيم بن عيسى بن محمد بن سليمان صاحب أرشكول.ثم فتح الناصر سبتة سنة سبع عشرة من يد الأدارسة وأجاز موسى بن أبي العالية على طاعته واتصلت يده بمحمد بن خزر وتظاهروا على الشيعة.وخالف فلفول بن خزر أخاه محمد إلى طاعة الشيعة وعقد له عبد الله على مغراوة.وزحف إلى المغرب حميد بن يصل سنة إحدى وعشرين في عساكر كتامة إلى عبد الله على تاهرت فانتهى إلى فاس وأجفلت أمامه ظواعن زناتة ومكناسة ودوخ المغرب.وزحف من بعده ميسور الخصي سنة اثنتين وعشرين فحاصر فاس وامتنعت عليه ورجع.ثم انتقض حميد بن يصل سنة ثمان وعشرين وتحيز إلى محمد بن خزر.ثم أجاز إلى الناصر وولاه على المغرب الأوسط.ثم شغل الشيعة بفتنة أي يزيد وعظمت آثار محمد بن خزر وقومه من مغراوة.وزحفوا إلى تاهرت مع حميد بن يصل قائد الأموية سنة ثلاث وثلاثين.وزحف معه الخير بن محمد وأخوه حمزة وعمه عبد الله بن خزر ومعهم يعلى بن محمد في قومه بني يفرن وأخذوا تاهرت عنوة وقتلوا عبد الله بن بكار وأسروا قائدها ميسور الخصي بعد أن قتل حمزة بن محمد بن خزر في حروبها.وكان محمد بن خزر وقومه زحفوا قبل ذلك إلى بسكرة ففتحوا وقتلوا زيدان الخصي.ولما خرج إسمعيل من حصار أبي يزيد وزحف إلى المغرب في أتباعه خشية محمد بن خزر على نفسه لما سلف منه في نقض دعوتهم وقتل أتباعهم فبعث إليه بطاعة معروفة.وأوعز إليه إسمعيل بطلب أبي يزيد ووعده في ذلك بعشرين حملا من مال.وكان أخوه معبد بن خزر في موالاة أبي يزيد إلى أن هلك.وتقبض إسمعيل بعد ذلك على معبد سنة أربعين وقتله ونصب رأسه بالقيروان.ولم يزل محمد بن خزر وابنه خير متغلباً على المغرب الأوسط ومقاسماً فيها ليعلى بن محمد.ووفد فتوح بن الخير سنة أربعين على الناصر مع مشيخة تاهرت ووهران فأجازهم وصرفهم إلى أعمالهم.ثم حدثت الفتنة بين مغراوة وصنهاجة وشغل محمد بن خزر وابنه الخير بحروبهم وتغلب يعلى بن محمد على وهران وخربها وعقد الناصر لحميد بن يصل على تلمسان وأعمالها وليعلى بن محمد على المغرب وأعماله فراجع محمد بن خزر لاعة الشيعة من أجل قريعة يعلى بن محمد.ووفد على المعز بعد مهلك أبيه إسمعيل سنة اثنتين وأربعين فأولاه تكرمة على طاعتهم إلى أن حضر مع جوهر في غزاته إلى المغرب بأعوام سبع أو ثمان وأربعين.ثم وفد على المعز بعد ذلك سنة خمسين وهلك بالقيروان وقد نيف على المائة من السنين.وهلك الناصر المرواني عامئذ على حين انتشرت دعوة الشيعة بالمغرب وانقبض أولياء الأموية إلى أعمال سبتة وطنجة فقام بعده ابنه الحكم المستنصر واستأنف مخاطبة ملوك العدوة فأجابه محمد بن الخير بن حمد بن خزر بما كان من أبيه الخير وجده محمد في ولاية الناصر والولاية التي لبني أمية على آل خزر بوصية عثمان بن عفان لصولات بن وزمار جدهم كما ذكرناه فأثخن في الشيعة ودوخ بلادهم.ورماه معد بقريعه زيري بن مناد أمير صنهاجة فعقد له على حرب زناتة وسوغه ما غلب عليه من أعمالهم وجمعوا للحرب سنة ستين ومائتين فلقي بلكين بن زيري جموعهم بدسيسة من بعض أولياء محمد بن الخير قبل أن يستكمل تعبيتهم فأبلى منهم ثباتاً وصبراً واشتدت الحرب بينهم وانهزمت زناتة حتى إذا رأى محمد بن الخيران قد أحيط به انتبذ إلى ناحية من العسكر وذبح نفسه.واستمرت الهزيمة على قومه وجندل منهم في المعركة سبعة عشر أميراً سوى الأتباع.وتحيز كل إلى فريقه.وولي بعد محمد في مغراوة ابنه الخير وأغرى بلكين بن زيري الخليفة معد وجندل بن جعفر بن علي بن حمدون صاحب المسيلة والزاب بموالاة حمد بن الخير فاستراب جعفر وبعث عنه معد لولاية إفريقية حتى اعتزم على الرحيل إلى القاهرة فاشتدت استرابته ولحق بالخير بن محمد وقومه.وزحفوا إلى صنهاجة فأتيحت لهم الكرة وأصيب زيري بن مناد كبير العصابة وبعثوا برأسه إلى قرطبة في وفد من وجوه بني خزر مع يحيى بن علي أخي جعفر.ثم استراب بعدها جعفر من زناتة ولحق بأخيه يحيى ونزلوا على الحكم.وعقد معد لبلكين بن زيري على حرب زناتة وأمده بالأموال والعساكر وسوغه ما تغلب عليه من أعمالهم فنهض إلى المغرب سنة إحدى وستين وأوغر بالبرابرة منهم وتقرى أعمال طبنة وباغاية والمسيلة وبسكرة وأجفلت زناتة أمامه.وتقدم إلى تاهرت فمحا من المغرب الأوسط آثار زناتة ولحق بالمغرب الأقصى.واتبع بلكين آثار الخير بن محمد وقومه إلى سجلماسة فأوقع بهم وتقبض عليهم فقتله صبراً وفض جموعهم ودوخ المغرب وانكفأ راجعاً.ومر بالمغرب الأوسط فاستلحم بوادي زناتة ومن إليهم من الخصاصين ورفع الأمان عن كل من ركب فرسا أو أشج خيلا من سائر البربر.ونذر دماءهم فأقفر المغرب الأوسط من زناتة وساروا إلى ما وراء ملوية من بلاد المغرب الأقصى إلى أن كان من رجوع بني يعلى بن محمد إلى تلمسان وملكهم إياها ثم هلك بنو خزر بسجلماسة وطرابلس وملك بني زيري بن عطية بفاس ما نحن ذاكروه إن شاء الله تعالى. الخبر عن آل زيري بن عطية ملوك فاس وأعمالها من الطبقة الأولى من مغراوة وما كان لهم بالمغرب الأقصى من الملك والدولة ومبادئ ذلك وتصاريفه كان زيري هذا أمير آل خزر في وقته ووارث ملكهم البدوي وهو الذي مهد الدولة بفاس والمغرب الأقصى وأورثها بنيه إلى عهد لمتونة حسبما نستوفي شرحه.واسمه زيري بن عطية بن عبد الله بن خزر وجده عبد الله أخو محمد داعية الناصر الذي بالقيروان كما ذكرناه وكانوا أربعة إخوة: محمد ومعبد الذي قتله إسمعيل وفلفول الذي خالف محمداً إلى ولاية الشيعة وعبد الله هذا وكان يعرف بأمه واسمها تبادلت.وقد قيل إن عبد الله هذا هو ابن محمد بن خزر وأخوه حمزة بن محمد الهالك في حربه مع ميسور عند فتح تاهرت.ولما هلك الخير بن محمد كما قلناه بيد بلكين سنة إحدى وستين وارتحلت زناتة إلى ما وراء ملوية من المغرب الأقصى وصار المغرب الأوسط كله لصنهاجة واجتمع مغراوة إلى بقية آل خزر وأمراؤهم يومئذ محمد بن خير المذكور ومقاتل وزيري ابنا مقاتل بن عطية بن عبد الله وخزرون بن فلفول.ثم كان ما ذكرناه من ولاية بلكين بن زيري على إفريقية وزحف إلى المغرب الأقصى زحفه المشهور سنة تسع وستين وأجفلت أمامه ملوك زناتة من بني خزر وبني محمد بن صالح وانحازوا جميعاً إلى سبتة.وأجاز محمد بن الخير البحر إلى المنصور بن أبي عامر صريخاً فخرج المنصور في عساكره إلى الجزيرة مدداً لهم بنفسه.وعقد لجعفر بن علي على حرب بلكين وأجازه البحر وأمده بمائة حمل من المال فاجتمعت إليه ملوك زناتة وضربوا مصافهم بساحة سبتة وأظل عليهم بلكين من جبل تطاون فرأى ما لا قبل له به فارتحل عنهم وأشغل نفسه بجهاد برغواطة إلى أن هلك منصرفاً من المغرب سنة اثنتين وسبعين كما ذكرناه.وعاد جعفر بن علي إلى مكانه من الحضرة وساهمه المنصور في حمل الرياسة وبقي المغرب غفلا من الولاية واقتصر المنصور على ضبط سبتة ووكل إلى ملوك زناتة دفاع صنهاجة وسائر أولياء الشيعة.وقام يبلو طاعتهم إلى أن قام بالمغرب الحسن بن كنون من الأدارسة بعثه العزيز نزار من مصر لاسترجاع ملكه بالمغرب وأمده بلكين بعسكر من صنهاجة وهلك على تفيئة ذلك بلكين ودعا الحسن إلى أمره بالمغرب.وانضم إليه بدوي بن يعلى بن محمد اليفرني وأخوه زيري وابن عمه أبو يداس فيمن إليهم من بني يفرن فسرح المنصور لحربه ابن عمه أبا الحكم عمرو بن عبد الله بن أبي عامر الملقب عسكلاجة وبعثه بالعساكر والأموال فأجاز البحر وانحاش إليه ملوك آل خزر محمد بن الخير ومقاتل وزيري ابنا عطية وخزرون بن فلفول في جمع مغراوة وظاهروه على شأنه.وزحف بهم أبو الحكم بن أبي عامر إلى الحسن بن كنون حتى ألجأوه إلى الطاعة وسأل الأمان على نفسه فعقد له عمرو بن أبي عامر ما رضيه من ذلك وأمكن به من قياده وأشخصه إلى الحضرة فكان من قتله وإخفار ذمة أبي الحكم بن أبي عامر وقتله بعده ما تقدم حسبما ذكرنا ذلك من قبل.وكان مقاتل وزيري ابنا عطية من بين ملوك زناتة أشد الناس انحياشاً للمنصور قياماً بطاعة المروانية.وكان بدوي بن يعلى وقومه بنو يفرن منحرفين عن طاعتهم.ولما انصرف أبو الحكم بن أبي عامر عن المغرب عقد المنصور عليه للوزير حسن بن أحمد عبد الودود السلمي وأطلق يده في انتقاء الرجال والأموال فأنفذه إلى عمله سنة ست وسبعين وأوصاه بملوك مغراوة من زناتة واستبلغ بمقاتل وزيري من بنيهم لحسن انحياشهم وطاعتهم وأغراه ببدوي بن يعلى المضطرب الطاعة الشديد المراوغة فنفذ لعمله ونزل بفاس وضبط أعمال المغرب واجتمعت إليه ملوك زناتة.وهلك مقاتل بن عطية سنة ثمان وسبعين واستقل برياسة الظواعن البدو عن مغراوة أخوه زيري بن عطية وحسنت مخاللته لابن عبد الودود صاحب المغرب وانحياشه بقومه إليه.واستدعاه المنصور من محله بفاس سنة إحدى وثمانين إشادة بتكريمه وأغراه ببدوي بن يعلى بمنافسته في الخط وإيثار الطاعة فبادر إلى إجابته بعد أن استخلف على المغرب ابنه المعز وأنزله بتلمسان ثغر المغرب وولى عن عدوة القرويين من فاس علي بن محمود بن أبي علي قشوش وعلى عدوة الأندلسيين عبد الرحمن بن عبد الكريم بن ثعلبة.وقدم بين يديه هدية إلى المنصور ووفد عليه فاستقبله بالجيش والعدة واحتفل للقائه وأوسع نزله وجرايته ونوه باسمه في الوزارة وأقطعه رزقها.وأثبت رجاله الديوان ووصله بقيمة هديته وأسنى فيها وأعظم جائزة وفده وعجل تسريحه إلى عمله فقفل إلى إمارته من المغرب.ونمي عنه خلاف ما احتسب فيه من غمط المعروف وإنكار الصنيع والاستنكاف من لقب الوزارة التي نوه به حتى أنه قال لبعض حشمه وقد دعاه بالوزير: وزير من يا لكع لا والله إلا أمير ابن أمير واعجباً من ابن أبي عامر وخرفته والله لو كان بالأندلس رجل ما تركه على حاله وإن له منا ليوماً والله لقد تأجرني فيما أهديت حطا للقيم ثم غالطني بما بدله تبتيتاً للكرم إلا أن يحتسب بثمن الوزارة التي حطني بها عن رتبتي.ونمي ذلك إلى ابن أبي عامر فصر عليها أذنه وزاد في اصطناعه وبعث إلى يدو بن يعلى اليفرني قريعه في ملك زناتة يدعوه إلى الوفادة فأساء إجابته وقال: متى عهد المنصور حمر الوحش تنقاد إلى البياطرة.وأخذ في إفساد السابلة والأجلاب على الأحياء والعيث في العمالة فأوعز المنصور إلى عامله على المغرب الوزير حسن برت عبد الودود بنبذ العهد إليه ومظاهرة عدوه زيري بن عطية عليه فجمعوا له سنة إحدى وثمانين ولقوه فكانت الدائرة عليهم وتخرم العسكر وأثبتت الوزير ابن عبد الودود جراحة كان فيها حتفه.وبلغ الخبرإلى المنصور فشق عليه وأهمه شأن المغرب وعقد عليه لوقته لزيري بن عطية وكتب إليه بعهده وأمره بضبط المغرب ومكاتبة جند السلطان وأصحاب حسن بن عبد الودود فاضطلع بأعبائه وأحسن الغناء في عمله.واستفحل شأن يدو بن يعلى وبني يفرن واستغلظوا على زيري بن عطية وأصلوه نار الفتنة وكانت حربهم سجالاً.وسيمت الرعايا بفاس كثرة تعاقبهم عليها وانتزائهم على عملها.وبعث الله لزيري بن عطية ومغراوة مدداً من أبي البهار بن زيري بن مناد بما كان انتقص لذلك العهد على أخيه منصور بن بلكين صاحب القيروان وإفريقية ونزع عن دعوة الشيعة إلى المروانية.واقتفى أثره في ذلك خلوف بن أبي بكر صاحب تيهرت لصهر كان بينهما وبين زيري فاقتطعوا أعمال المغرب الأوسط ما بين الزاب ووانشريش ووهران وخطبوا في سائر منابرها باسم هشام المؤيد.وخاطب أبو البهار من وراء البحر المنصور بن أبي عامر وأوفد عليه أبا بكر ابن أخيه حبوس بن زيري في طائفة من أهل بيته ووجوه قومه فاستقبلوا بالجيش ولقاه رحباً وتسهيلاً وأعظم موصله وأسنى جوائز وفده وصلاتهم وأنفذ معه إلى عمه أبي البهار بخمسماية قطعة من صنوف الثياب الخز والعبيد وقيمة عشرة آلاف درهم من الآنية والحلي وبخمسة وعشرين ألفا من الدنانير ودعاه إلى مظاهرة زيري بن عطية على يدو بن يعلى وقسم بينهما عمل المغرب شق الأبلمة حتى لقد اقتسما مدينة فاس عدوة بعدوة فلم يرع ذلك يدو ولا وزعه عن شأنه من الفتنة والأجلاب على البدو والحاضرة وشق عصا الجماعة.وانتقض خلوف بن أبي بكر على المنصور لوقته وراجع ولاية المنصور بن بلكين.ومرض أبو البهار في المظاهرة عليه للوصلة بينهما وقعد عما قام له زيري بن عطية من حرب خلوف بن أبي بكر وأوقع به زيري في رمضان سنة إحدى وثمانين واستلحمه وكثيراً من أوليائه واستولى على عسكره وانحاش إليه عامة أصحابه.وفر عطية شريداً إلى الصحراء ثم نهض على أثرها ليدو بن يعلى وقومه فكانت بينهما لقاءة صعبة انكشف فيها أصحاب يدو واستلحم منهم زهاء ثلاثة آلاف واكتسح معسكره وسبيت حرمه التي كانت منهن أمه وأخته وتحيز سائر أصحابه إلى فئة زيري وخرج شريداً إلى الصحراء إلى أن اغتاله ابن عمه أبو يداس بن دوناس حسبما ذكرناه.وورد خبر الفتحين متعاقبين على المنصور فعظم موقعهما لديه.قيل إن مقتل يدو إنما كان عند إياب زيري من الوفادة وذلك أنه لما استقدمه المنصور ووفد عليه كما ذكرناه خالفه يدو إلى فاس ودخلها وقتل بها من مغراوة خلقا واستمكن بها أمره.فلما رجع زيري من وفادته امتنع به يدو فنازله زيري وطال الحصار وهلك من الفريقين خلق.ثم اقتحمها عليه عنوة فقتل وبعث برأسه إلى سدة الخلافة بقرطبة.إلا أن راوي هذا الخبر يجعل وفادة زيري على المنصور وقتله ليدو سنة ثلاث وثمانين فالله أعلم أي ذلك كان.ثم إن زيري فسد ما بينه وبين أبي البهار الصنهاجي وتزاحفا فأوقع به زيري.وانهزم أبو البهار إلى سبتة مورياً بالعبور إلى المنصور فبادر بكاتبه عيسى بن سعيد بن القطاع في قطعة من الجند إلى تلقيه فحاد عن لقائه.وصعد إلى قلعة جراوة وقد قدم الرسل على ابن أخيه المنصور صاحب القيروان مستميلا إلى أن التحم ذات بينهما.ثم تحيز إليه وعاد إلى مكانه من عمله وخلع ما تمسك به من طاعة الأموية وراجع طاعة الشيعة فجمع المنصور لزيري بن عطية أعمال المغرب.واستكفى به في سد الثغر وعول عليه من بين ملوك المغرب في الذب عن الدعوة وعهد إليه بمناجزة أبي البهار.وزحف إليه زيري في أمم عديدة من قبائل زناتة وحشود البربر وفر أمامه ولحق بالقيروان.واستولى زيري على تلمسان وسائر أعمال أبي البهار.وملك ما بين السوس الأقصى والزاب فاتسع ملكه وانبسط سلطانه واشتدت شوكته وكتب بالفتح إلى المنصور.وبعث إليه بمايتين من عتاق الخيل وخمسين جملاً من المهارى السبق وألف دوقة من جلود اللمط وأحمال من قسي الزان وقطوط الغالية والزرافة وأصناف الوحوش الصحراوية كاللمط وغيره وألف حمل من التمر وأحمال من ثياب الصوف الرفيعة كثيرة فجدد له عهده على المغرب سنة إحدى وثمانين وأنزل أحياءه بأنحاء فاس في قياطنهم.واستفحل أمر زيري بالمغرب ودفع بني يفرن عن فاس إلى نواحي سلا واختط مدينة وجدة سنة أربع وثمانين وأنزلها عساكره وحشمه واستعمل عليها ذويه ونقل إليها ذخيرته وأعدها معتصماً فكانت ثغراً لعمله بين المغرب الأقصى والأوسط.ثم فسد ما بينه وبين المنصور سنة ست وثمانين بما نمي عنه من التأنف لهشام باستبداد المنصور عليه فسامه المنصور الهضيمة.وأبى منها فبعث كاتبه ابن القطاع في العسكر فاستعصى عليه.وأمكنه قائد قلعة حجر النسر منها فأشخصه إلى الحضرة.وأحسن إليه المنصور وسقاه الناصح وكشف زيري وجهه في عداوة ابن أبي عامر والإغراء به والتشيع لهشام المؤيد والامتعاض له من هضيمته وحجره فسخط ابن أبي عامر وقطع عنه رزق الوزارة ومحا اسمه من ديوانها وناس بالبراءة منه.وعقد لواضح مولاه على المغرب وعلى حرب زيري بن عطية وانتقى له الحماة من سائر الطبقات وأزاح عللهم.وأمكنه من الأموال للنفقات وأحمال السلاح والكسى وأصحبه طائفة من ملوك العدوة كانوا بالحضرة منهم: محمد بن الخير بن محمد بن الخير وزيري بن خزر وابن عمهما بكساس بن سيد الناس.ومن بني يفرن أبو نوبخت بن عبد الله بن بكار.ومن مكناسة إسماعيل بن البوري ومحمد بن عبد الله بن مدين ومن أزداجة خزرون بن محمد وأمده بوجوه الجند.وفصل من الحضرة سنة سبع وثمانين وسار في التعبية.وأجاز البحر إلى طنجة فعسكر بوادي ركاب وزحف زيري بن عطية في قومه فعسكر إزاءه وتواقفا ثلاثة أشهر.واتهم واضح رجالات بني برزال بالإدهان فأشخصهم إلى الحضرة.وأغرى بهم المنصور فوبخهم.وتنصلوا فصفح عنهم وبعثهم في غير ذلك الوجه.ثم تناول واضح حصن أصيلا ونكور فضبطهما.واتصلت الوقائع بينه وبين زيري وبيت واضح معسكر زيري بنواحي أصيلا وهم غازون فأوقع بهم.وخرج ابن أبي عامر من الحضرة لاستشراف أحوال واضح وإمداده فسار في التعبئة واحتل بالجزيرة عند فرضة المجاز.ثم بعث عن ابنه المظفر من مكان استخلافه بالزاهرة وأجازه إلى العدوة واستكمل معه أكابر أهل الخدمة وجلة القواد.وقفل المنصور إلى قرطبة واستذاع خبر عبد الملك بالمغرب فرجع إليه عامة أصحاب زيري في ملوك البربر وتناولهم من إحسانه وبره ما لم يعهدوا مثله.وزحف عيد الملك إلى طنجة واجتمع مع واضح وتلوم هنالك مزيحا لعلل العسكر فلما استتم تدبيره زحف في جمع لا كفاء له.ولقيه زيري بوادي منى من أحواز طنجة في شوال من سنة ثمان وثمانين فدارت بينهما حرب شديدة هم فيها أصحاب عبد الملك وثبت هو.وبينما هم في حومة الحرب إذا طعن زيري بعض الموتورين من أتباعه اهتبل الغرة في ذلك الموقف فطعنه ثلاثا في نحره وأشواه بها ومر يشتد نحو المظفر وبشره فاستكذبه به لثبوت رايته.ثم سقط إليه الصحيح فشد عليهم فاستوت الهزيمة وأثخن فيهم بالقتل واستولى على ما كان في معسكرهم مما يذهب فيه الوصف.ولحق زيري بفاس جريحاً في قلة فامتنع عليه أهلها ودافعوه بحرمه فاحتملهن وفر أمام العسكر إلى الصحراء وأسلم جميع أعماله.وطير عبد الملك بالفتح إلى أبيه فعظم موقعه عنده وأعلن بالشكر لله والدعاء وبث الصدقات وأعتق الموالي وكتب إلى ابنه عبد الملك بعهده على المغرب فأصلح نواحيه وسد ثغوره وبعث العمال في جهاته: فأنفذ محمد بن حسن بن عبد الودود في جند كثيف إلى تادلا واستعمل حميد بن يصل الكتامي على سجلماسة فخرج كل لوجهه واقتضوا الطاعة وحملوا إليه الخراج فأقفل المنصور ابنه عبد الملك في جمادى من سنة تسع وثمانين وعقد على المغرب لواضح فضبطه واستقام على تدبيره.ثم عزله في رمضان من سنته بعبيد الله ابن أخيه يحيى ثم ولى عليه من بعده إسماعيل بن البوري ثم من بعده أبا الأحوص مقن بن عبد العزيز التجيبي إلى أن هلك المنصور.وأعاد المظفر المعز بن زيري من منتبذه الأوسط إلى ولاية أبيه بالمغرب فنزل بفاس وكان من خبر زيري أنه لما استقل من نكبته وهزيمة عبد الملك إياه واجتمع إليه بالصحراء من مغراوة وبلغه اضطراب صنهاجة واختلافهم على باديس بن المنصور عند مهلك أبيه وأنه خرج عليه عمومته مع ماكسن بن زيري فصرف وجهه حينئذ إلى أعمال صنهاجة ينتهز فيها الفرصة.واقتحم المغرب الأوسط ونازل تاهرت وحاصر بها يطوفت بن بلكين.وخرج باديس من القيروان صريخاً له.فلما مر بطبنة امتنع عليه فلفول بن خزرون وخالفه إلى إفريقية فشغل بحربه.وقد كان أبو سعيد بن خزرون لحق بإفريقية وولاه المنصور بن بلكين على طبنة كما نذكره فلما انتقض سار إليه باديس ودفع حماد بن بلكين في عساكر صنهاجة إلى مدافعة زيري بن عطية فالتقيا بوادي مناس قرب تاهرت فكانت الدبرة على صنهاجة واحتوى زيري على معسكرهم واستلحم ألوفاً منهم.وفتح مدينة تاهرت وتلمسان وشلف وتنس والمسيلة.وأقام الدعوة فيها كلهما للمؤيد هشام ولحاجبه المنصور من بعده.ثم اتبع آثار صنهاجة إلى أشير قاعدة ملكهم فأناخ عليها.واستأمن إليه زاوي بن زيري ومن معه من أكابر أهل بيته المنازعين لباديس فأعطاه منه ما سأل.وكتب إلى المنصور بذلك يسترضيه ويشترطه على نفسه الرهن والاستقامة أن أعيد إلى الولاية ويستأذن في قدوم زاوي وأخيه خلال وأذن لهما فقدما سنة تسعين وسأل أخوهما أبو البهار مثل ذلك وأنفذ رسله تذكر بقديمه فسوفه المنصور لما سبق من نكثه.واعتل زيري بن عطية وهو بمكانه من حصار أشير فأفرج عنها.وهلك في منصرفه سنة إحدى وتسعين واجتمع آل خزر وكافة مغراوة من بعده على ابنه المعز بن زيري فبايعوه وضبط أمرهم وأقصر على محاربة صنهاجة.ثم استجدى للمنصور واعتلق بالدعوة العامرية وصلحت حاله عندهم.وهلك المنصور خلاك ذلك ورغب المعز من ابنه عبد الملك المظفر أن يعيده إلى عمله على مال يحمله إليه وعلى أن يكون ولده معنصر رهينة بقرطبة فأجابه إلى ذلك وكتب له عهده وأنفذ به وزيره أبا محمد علي بن جدلم ونسخته: بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على سيدنا محمد.من الحاجب المظفر سيف دولة الإمام الخليفة هشام المؤيد أمير المؤمنين أطال الله بقاءه عبد الملك بن المنصور بن أبي عامر إلى كافة مديني فاس وكافة أهل المغرب سلمهم الله.أما بعد أصلح الله شأنكم وسلم أنفسكم وأديانكم فالحمد لله علام الغيوب وغفار الذنوب ومقلب القلوب ذي البطش الشديد المبدي المعيد الفعال لما يريد لا راد لأمره ولا معقب لحكمه بل له الملك والأمر وبيده الخير والشر.إياه نعبد وإياه نستعين وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون.صلى الله على محمد سيد المرسلين وعلى آله الطيبين وعلى جميع النبيين والمرسلين والسلام عليكم أجمعين.وإن المعز بن زيري بن عطية أكرمه الله تابع لدينا رسله وكتبه متنصلا من هنات دفعته إليها ضرورات ومستغفراً من سيئات حطتها من توبته حسنات والتوبة محاء للذنب والاستغفار منقذ من العتب.وإذا أذن الله بشيء يسره وعسى أن تكرهواً شيئاً ولكم فيه خير.وقد وعد من نفسه استشعار الطاعة ولزوم الجادة واعتقاد الاستقامة المعونة وخفة المونة فوليناه ما قبلكم وعهدنا إليه أن يعمل بالعدل فيكم وأن يرفع أحكام الجور عنكم.وأن يعمر سبلكم وأن يقبل من محسنكم ويتجاوز عن مسيئكم إلا في حدود الله تبارك وتعالى.وأشهدنا الله عليه بذلك وكفى بالله شهيداً.وقد وجهنا الوزير أبا محمد علي بن جدلم أكرمه الله وهو من ثقاتنا ووجوه رجالنا ليأخذ ميثاقه ويؤكد العهد فيه عليه بذلك وأمرناه بإشراككم فيه ونحن بأمركم معتنون ولأحوالكم مطالعون وأن يقضي على الأعلى للأدنى ولا يرتضي فيكم بشيء من الأذى فثقوا بذلك واسكنوا إليه.وليمض القاضي أبو عبد الله أحكامه مشدوداً ظهره بنا معقوداً سلطانه بسلطاننا ولا تأخذه في الله لومة لائم.فلذلك طبنا به إذ وليناه وأملنا فيه إذ قلدناه والله المستعين وعليه التكلان لا إله إلا هو.تبلغوا منا سلاماً طيباً جزيلاً ورحمة الله وبركته.ولما وصل إلى المعز بن زيري عهد المظفر إليه بولايته على المغرب ما عدا كورة سجلماسة فإن واضحاً مولى المنصور عهد بها في ولايته على المغرب لوانودين بن خزرون بن فلفول حسبما نذكر بعد فلم تدخل في ولاية المعز هذه.فلما وصله عهد المظفر ضم نشره وثاب إليه نشاطه وبث عماله في جميع كور المغرب وجبا خراجها.ولم تزل ولايته متسعة وطاعة رعاياه منتظمة.ولما افترق أمر الجماعة بالأندلس واختل رسم الخلافة وصار الملك فيها طوائف استحدث المعز رأيا في التغلب على سجلماسة وانتزاعها من أيدي بني وانودين بن خزرون فأجمع لذلك.ونهض إليه سنة سبع وأربعمائة وبرزوا إليه في جموعهم فهزموه.ورجع إلى فاس في فل من قومه.وأقام على الاضطراب من أمره إلى أن هلك سنة سبع عشرة وولي من بعده ابن عمه حمامة بن المعز بن عطية وليس كما يزعم بعض المؤرخين أنه ابنه وإنما هو اتفاق في الأسماء أوجب هذا الغلط فاستولى حمامة هذا على عملهم واستفحل ملكه وقصده الأمراء والعلماء وانتابته الوفود ومدحه الشعراء.ثم نازعه الأمر أبو كمال تميم بن زيري بن يعلى اليفرني في سنة أربع وعشرين من بني يذو بن يعلى المتغلبين على نواحي سلا وزحف إلى فاس في قبائل بني يفرن ومن انضاف إليهم من زناتة.وبرز إليه حمامة في جموع مغراوة ومن إليهم فكانت بينهم حرب شديدة أجلت عن هزيمة حمامة.وهلك من مغراوة أمم واستولى تميم وبنو يفرن على فاس وأعمال المغرب.ولما دخل فاس استباح يهود وسبا حرمهم واصطلم نعمتهم.ولحق حمامة بوجدة فاحتشد من هنالك من قبائل مغراوة من أنجاد مديونه وملوية.وزحف إلى فاس فدخلها سنة تسع وعشرين وتحيز تميم إلى موضع إمارته من سلا وأقام حمامة في سلطان المغرب وزحف إليه سنة ثلاثين وأربعمائة صاحب القلعة القائد ابن حماد في جموع صنهاجة.وخرج إليه حمامة مجمعاً حربه وبث القائد عطاءه في زناتة واستفسدهم على صاحبهم حمامة فأقصر عن لقائه ولاذ منه بالسلم والطاعة فرجع القائد عنه ورجع هو إلى فاس.وهلك سنة إحدى وثلاثين فولي من بعده ابنه دوناس ويكنى أبا العطاف فاستولى على فاس وسائر عمل أبيه وخرج إليه لأول أمره حماد ابن عمه معنصر بن المعز فكانت له معه حروب ووقائع وكثرت جموع حماد فغلب دوناس على الضواحي وأحجره بمدينة فاس وخندق دوناس على نفسه الخندق المعروف بسياج حماد.وقطع حماد جرية الوادي عن عدوة القرويين إلى أن هلك محاصراً لها سنة خمس وثلاثين فاستقامت دولة دوناس وانفسحت أيامه وكثر العمران ببلده.واحتفل في تشييد المصانع وأدار السور على أرباضها وبنى بها الحمامات والفنادق فاستبحر عمرانها ورحل التجار بالبضائع إليها.وهلك دوناس سنة إحدى وخمسين فولي من بعده ابنه الفتوح ونزل بعدوة الأندلس.ونازعه الأمر أخوه الأصغر عجيسة وامتنع بعدوة القرويين وافترق أمرهم بافتراقهما.وكانت الحرب بينهما سجالا ومجالها بين المينتين حيث يفضي باب النقبة لعدوة القرويين لهذا العهد.وشيد الفتوح باب عدوة الأندلسيين وهو مسمى به إلى الآن.واختط عجيسة باب الجيسة وهو أيضاً مسمى به إلى الآن وإنما حذفت عينه لكثرة الدوران في استعمالهم وأقاموا على ذلك إلى أن غدر الفتوح بعجيسة أخيه سنة ثلاث وخمسين فظفر به وقتله ودهم المغرب إثر ذلك على ما دهمه من أمر المرابطين من لمتونة وخشي الفتوح مغبة أحوالهم فأفرج عن فاس.وزحف صاحب القلعة بلكين بن محمد بن حماد إلى المغرب سنة أربع وخمسين على عادتهم في غزوه ودخل فاس واحتمل من أكابرهم وأشرافهم رهناً على الطاعة وقفل إلى قلعته.وولي على المغرب بعد الفتوح معنصر بن حماد بن منصور وشغل بحروب لمتونة.وكانت لهم عليه الواقعة المشهورة سنة خمس وخمسين ولحق بصدينة.وملك يوسف بن تاشفين والمرابطون فاس وخلف عليها عامله وارتحل إلى غمارة فخالفه معنصر إلى فاس وملكها وقتل العامل ومن معه من لمتونة ومثل بهم بالحرق والصلب.ثم زحف إلى مهدي بن يوسف الكزنائي صاحب مدينة مكناسة وقد كان دخل في دعوة المرابطين فهزمه وبعث برأسه إلى سكون البرغواطي الحاجب صاحب سبتة.وبلغ الخبرإلى يوسف بن تاشفين فسرح عساكر المرابطين لحصار فاس فأخذوا خنقها وقطعوا المرافق عنها حتى اشتد بأهلها الحصار ومسهم الجهد.وبرز معنصر لإحدى الراحتين فكانت الدبره عليه وفقد في الملحمة ذلك اليوم سنة ستين وبايع أهل فاس من بعده ابن تميم بن معنصر فكانت أيامه أيام حصار وفتنة وجهد وغلاء.وشغل يوسف بن تاشفين عنهم بفتح بلاد غمارة حتى إذا كانت سنة اثنتين وستين وفرغ من فتح غمارة صمد إلى فاس فحاصرها أياما ثم اقتحمها عنوة وقتل بها زهاء ثلاثة آلاف من مغراوة وبني يفرن ومكناسة وقبائل زناتة.وهلك تميم في جملتهم حتى أعوزت مزاراتهم فرادى فاتخذت لهم الأخاديد وقبروا جماعات.وخلص من نجا من القتل منهم إلى تلمسان وأمر يوسف بن تاشفين بهدم الأسوار التي كانت فاصلة بين العدوتين وصيرها مصراً وأدار عليهما سوراً واحداً وانقرض أمر مغراوة من فاس والبقاء لله. |
الخبر عن بني خزرون ملوك سجلماسة
من الطبقة الأولى من مغراوة و أولية ملكهم ومصادره وكان خزرون بن فلفول بن خزر من أمراء مغراوة وأعيان بني خزر ولما غلبهم بلكين بن زيري وصنهاجة على المغرب الأوسط تحيزوا إلى المغرب الأقصى وراء ملوية.وكان بنو خزر يدينون بالدعوة المروانية كما ذكرناه.وكان المنصور ابن أبي عامر القائم بدولة المؤيد قد اقتصر لأول حجابته من أحوال العدوة على ضبط سبتة برجال الدولة ووجوه القواد وطبقات العسكر ودفع ما وراءها إلى أمراء زناتة من مغراوة وبني يفرن ومكناسة.وعول في ضبط كوره وسداد ثغوره عليهم وتعهدهم بالعطاء وأفاض فيهم الإحسان فازدلفوا إليه بوجوه التقربات وأسباب الوصائل.وإن خزرون بن فلفول هذا زحف يومئذ إلى سجلماسة وبها المعتز من أعقاب آل مدرار انتزى بها أخوه المنتصر بعد قفول جوهر إلى المغرب وظفره بأميرهم الشاكر لله محمد بن الفتح فوثب المسنتصر من أعقابهم بعده على سجلماسة وتملكها.ثم وثب به أخوه أبو محمد سنة اثنتين وخمسين وثلاثماية فقتله وقام بأمر سجلماسة وأعاد بها ملك بني مدرار وتلقب المعتز بالله فزحف إليه خزرون بن فلفول سنة ست وستين في جموع مغراوة وبرز إليه المعتز فهزمه خزرون واستولى على مدينة سجلماسة.ومحا دولة آل مدرار والخوارج منها آخر الدهر وأقام الدعوة بها للمؤيد هشام فكانت أول دعوة أقيمت للمروانية بذلك الصقع ووجد للمعتز مالاً وسلاحاً فاحتقبها وكتب بالفتح إلى هشام وأنفذ رأس المعتز فنصب بباب سدته.ونسب الأثر في ذلك الفتح إلى صحابة محمد بن أبي عامر ويمن طائره وعقد لخزرون على سجلماسة وأعمالها وجاءه عهد الخليفة بذلك فضبطها وقام بأمرها إلى أن هلك فولي أمر سجلماسة من بعده ابنه وانودين.ثم كان زحف زيري بن مناد إلى المغرب الأقصى سنة تسع وستين وفرت زناتة أمامه إلى سبتة.وملك أعمال المغرب وولى عليها من قبله وحاصر سبتة.ثم أفرج عنها وشغل بجهاد برغواطة وبلغه أن وانودين بن خزرون أغار على نواحي سجلماسة وأنه دخلها عنوة وأخذ عامله وما كان معه من المال والذخيرة فرحل إليها سنة ثلاث وتسعين وفصل عنها فهلك في طريقه ورجع وانودين بن خزرون إلى سجلماسه.وفي أثناء ذلك تغلب زيري بن عطية بن عبد الله بن خزر على المغرب وملكه فاس بعد هشام.ثم انتقض على المنصور آخرأ وأجاز ابنه عبد الملك في العساكر إلى العدوة سنة ثمان وثمانين فغلب عليها بني خزر ونزل فاس وبث العمال في سائر نواحي المغرب لسد الثغور وجباية الخراج وكان فيها عقد على سجلماسه لحميد بن يصل المكناسي النازع إليهم من أولياء الشيعة فعقد له على سجلماسه حين فر عنها بنو خزرون فملكهما وأقام فيها الدعوة.ولما قفل عبد الملك إلى العدوة وأعاد واضحاً إلى عمله بفاس استأمن إليه كثير من وجوه بني خزر: كان منهم وانودين بن خزرون صاحب سجلماسة وابن عمه فلفول بن سعيد فأمنهم ثم رجع وانودين إلى عمله بسجلماسة بعد أن تضامن أمرها وانودين وفلفول بن سعيد على مال مفروض وعدة من الخيل والحرق يحملان ذلك إليه كل سنة وأعطيا ابناهما رهناً فعقد لهما واضح بذلك واستقل وانودين بعد ذلك بملك سجلماسة منذ أول سنة تسعين مقيماً فيها للدعوة المروانية.ورجع المعز بن زيري إلى ولاية المغرب بعهد المظفر بن أبي عامر سنة ست وتسعين واستثنى عليه فيها أمر سجلماسة لمكان وانودين بها.ولما انتثر سلك الخلافة بقرطبة وكان أمر الجماعة لطوائف واستبد أمراء الأمصار والثغور وولاة الأعمال بما في أيديهم استبد وانودين هذا بأعمال سجلماسة وتغلب على عمل درعة واستضافه إليه.ونهض المعز بن زيري صاحب فاس سنة سبع وأربعمائة في جموعهم من مغراوة يحاول انتزاع هذه الأعمال من يد وانودين فبرز إليه في جموعه وهزمه وكان ذلك سبباً في اضطراب أمر المعز إلى أن هلك واستفحل ملك وانودين واستولى على صفروي من أعمال فاس وعلى جميع قصور ملوية وولى عليها من أهل بيته.ثم هلك وولي أمره من بعده ابنه مسعود بن وانودين ولم أقف على تاريخ ولايته ومهلك أبيه.ولما ظهر عبد الله بن ياسين واجتمع إليه المرابطون من لمتونة ومسوفة وسائر الملثمين وافتتحوا أمرهم بغزو درعة سنة خمس وأربعين فأغاروا على إبل كانت هنالك في حمى لمسعود بن وانودين حماه لها وهو بسجلماسة فنهض لمدافعتهم وتواقفوا فانهزم مسعود بن وانودين وقتل كما ذكرناه في أخبار لمتونة.ثم أعادوا الغزو إلى سجلماسة من العام المقبل فدخلوها وقتلوا من كان بها من فل مغراوة.تتبعوا من بعد ذلك أعمال المغرب وبلاد سوس وجبال المصامدة واقتحموا صفروي سنة خمس وخمسين وقتلوا من كان بها من أولاد وانودين وبقية مغراوة.ثم اقتحموا حصون ملوية سنة ثلاث وستين وأنقرض أمر بني واندين كأن لم يكن والبقاء لله وحده.وكل شيء هالك إلا وجهه سبحانه وتعالى لا رب سواه ولا معبود إلا إياه وهو على كل شيء قدير. الخبر عن ملوك طرابلس من بني خزرون بن فلفول من أهل الطبقة الأولى وأولية أمرهم وتصاريف أحوالهم كان مغراوة وبنو خزر ملوكهم قد تحيزوا إلى المغرب الأقصى أمام بلكين ثم اتبعهم سنة تسع وستين في زحفه المشهور وأحجرهم بساحه سبتة حتى بعثوا صريخهم المنصور.وجاءهم إلى الجزيرة مشارفا لأحوالهم وأمدهم بجعفر بن يحيى ومن كان معه من ملوك البربر وزناتة فامتنعوا على بلكين ورجع عنهم فتقرى أعمال المغرب وهلك في منصرفه سنة اثنتين وسبعين ورجع أحياء مغراوة وبين يفرن إلى مكانهم منه.وبعث المنصور الوزير حسن بن عبد الودود عاملا على المغرب وقدم سنة ست وسبعين واختص مقاتلاً وزيري ابني عطية بن عبد الله بن خزر بمزيد التكرمة ولحق نظراؤهما من أهل بيتهما الغيرة من ذلك فنزع سعيد بن خزرون بن فلفول بن خزر إلى صنهاجة سنة سبع وسبعين منحرفاً عن طاعة الأموية.ووافى المنصور بن بلكين بأشير منصرفه من إحدى غزواته فتلقاه بالقبول والمساهمة واستبلغ في ترك الإحن.وعقد له على عمل طبنة وعقد لابنه وزو بن سعيد على إحدى بناته إحكاماً للمخالصة فنزل سعيد وأهل بيته بمكان أمارته من طبنة.ووفد على المنصور ثانية بالقيروان سنة إحدى وثمانين وخرح للقائه واحتفل في تكرمته ونزله.وأدركه الموت بالقيروان فهلك لسنته.ووفد ابنه فلول من مكان عمله فعقد له على عمل أبيه وخلع عليه وزف إليه ابنته وسوغه ثلاثين حملاً من المال وثلاثين تختاً من الثياب وقرب إليه مراكب بسروج مثقلة وأعطاه عشرة من البنود مذهبة وانصرف إلى عمله.وهلك المنصور بن بلكين سنة خمس وثمانين وولي ابنه باديس فعقد لفلفول على عمله بطبنة.ولما انتقض زيري بن عطية على المنصور بن أبي عامر وسرح إليه ابنه المظفر في العساكر كما قلناه فغلبه على أعمال المغرب.ولحق زيري بالقفر ثم عرج على المغرب الأوسط ونازل ثغور صنهاجة وحاصر تيهرت وبها يطوفت بن بلكين.وزحف إليه حماد بن بلكين من أشير في العساكر من تلكانة ومعه محمد بن أبي العرب قائد باديس بعثه في عساكر صنهاجة من القيروان مدداً ليطوفت.وأوعز إلى حماد بن بلكين وهو باشير أن يكون معه.ولقيهم زيري بن عطية ففض جموعهم واستولى على معسكرهم واضطرمت إفريقية فتنة وتنكرت صنهاجة لمن كان بجهاتها من قبائل زناتة.وخرج باديس بن المنصور من رقادة في العساكر إلى المغرب.ولما مر بطبنة استقدم فلفول بن سعيد بن خزرون ليستظهر به على حربه فاستراب واعتذر عن الوصول.وسأل تجديد العهد إلى مقدم السلطان فأسعف.ثم اشتدت استرابته ومن كان معه من مغراوة فارتحلوا عن طبنة وتركوها.ولما أبعد باديس رجع فلفول إلى طبنة فعاث في نواحيها ثم فعل في تيجس كذلك ثم حاصر باغاية.وانتهى باديس إلى أشير وفر زيري بن عطية إلى صحراء المغرب ورجع باديس بعد أن ولى على تاهرت واشير عمه يطوفت بن بلكين.وانتهى إلى المسيلة فبلغه خروج عمومته ماكسن وزاوي وعزم ومغنين فخاف أبو البهار إحن زيري ولحق بهم من معسكره.وبعث باديس في أثرهم عمه حماد بن بلكين ورحل هو إلى فلفول بمن سعيد بعد أن كان سرح عساكره إليه وهو محاصر باغاية وهزمهم وقتل قائدهم أبا زعيل.ثم بلغه وصول باديس فأفرج عنها واتبعه باديس إلى مرماجنة فتزاحفوا وقد اجتمع لفلفول من قبائل زناتة والبربر أمم فلم يثبتوا للقاء وانكشفوا عنه.وانهزم إلى جبل الحناش وترك القيطون بما فيه.وكتب باديس بالفتح إلى القيروان وقد كان الأرجاف أخذ منهم المأخذ وفر كثير منهم إلى المهدية وشرعوا في عمل الدروب لما كانوا يتوقعون من فلفول بن سعيد حين قتل أبا زعيل وهزم جيوش صنهاجة وكانت الواقعة آخر سنة تسع وثمانين.وانصرف باديس إلى القيروان ثم بلغه أن أولاد زيري اجتمعوا مع فلفول بن سعيد وعاقدوه ونزلوا جميعاً بحصن تبسة فخرج ياديس من القيروان إليهم فافترقوا ولحق العمومة بزيري بن عطية ما خلا ماكسن وابنه محسن فأنهما أقاما مع فلفول.ورحل باديس في أثره سنة إحدى وتسعين وانتهى إلى بسكرة ففر فلفول إلى الرمال.وكان زيري بن عطية محاصراً لأشير أثناء هذه الفتنة فأفرج عنها ورجع عنه أبو البهار بن زيري إلى باديس وقفل معه إلى القيروان.وتقدم فلفول بن سعيد إلى نواحي قابس وطرابلس فاجتمع إليه من هنالك من زناتة وملك طرابلس على ما نذكر.وذلك أن طرابلس كانت من أعمال مصر وكان العامل عليها بعد رحيل معد إلى القاهرة عبد الله بن يخلف الكتامي.ولما هلك معد رغب بلكين من نزار العزيز إضافتها إلى عمله فأسعفه بها وولى عليها تمصولت بن بكار من خواص مواليه.نقله إليها من ولاية بونة فأقام والياً عليها عشرين سنة إلى أيام باديس فتنكرت له الأحوال عما عهد وبعث إلى الحاكم بمصر يرغب الكون في حضرته وأن يتسلم منه عمل طرابلس.وكان يرجوان الصقلبي مستبداً على الدولة وكان يغص بمكان يأنس الصقلبي منها فأبعده عن الحضرة لولاية برقة.ثم لما تتابعت رغبة تمصولت صاحب طرابلس أشار برجوان ببعث يأنس إليها فعقد له الحاكم عليها وأمره بالنهوض إلى عملها فوصلها سنة تسعين.ولحق تمصولت بمصر وبلغ الخبرإلى باديس فسرح القائد جعفر بن حبيب في العساكر ليصده عنها.وزحف إليه يأنس فكانت عليه الهزيمة وقتل.ولحق فتوح بن علي من قواده بطرابلس فامتنع بها ونازله جعفر بن حبيب وأقام عليها مدة.وبينما هو محاصر لها إذ وصله كتاب يوسف بن عامر عامل قابس يذكر أن فلفول بن سعيد نزل على قابس إلى طرابلس فرحل جعفر عن البلد إلى ناحية الجبل.وجاء فلفول فنزل بمكانه وضاقت الحال بجعفر وأصحابه فارتحلوا مصممين على المناجزة وقاصدين قابس فتخلى فلفول عن طريقهم وانصرفوا إلى قابس.وقصد فلفول مدينة طرابلس فتلقاه أهلها ونزل له فتوح بن علي عن إمارتها فملكها وأوطنها من يومئذ وذلك سنة إحدى وتسعين وبعث بطاعته إلى الحاكم فسرح الحاكم يحيى بن علي بن حمدون وعقد له على أعمال طرابلس وقابس فوصل إلى طرابلس وارتحل معه فلفول بن سعيد وفتوح بن علي بن غفيانان في عساكر زناتة إلى حصار قابس فحصروها مدة ورجعوا إلى طرابلس.ثم رجع يحيى بن علي إلى مصر واستبد فلفول بعمل طرابلس وطالت الفتنة بينه وبين باديس.ويئس من صريخ مصر فبعث بطاعته إلى المهدي محمد بن عبد الجبار بقرطبة وأوفد عليه رسله في الصريخ والمدد وهلك فلفول قبل رجوعهم إليه سنة أربعماية واجتمعت زناتة على أخيه ورو بن سعيد.وزحف باديس إلى طرابلس وأجفل ورو ومن معه من زناتة عنها ولحق بباديس من كان بها من الجند فلقوه في طريقه وتماس إلى طرابلس فدخلها ونزل قصر فلفول.وبعث إليه ورو بن سعيد يسأل الأمان له ولقومه فبعث إليه محمد بن حسن من صنائعه فاستقدم وفدهم بأمانه فوصلهم وولى ورو على نفزاوة والنعيم بن كنون على قسطيلية وشرط عليهم أن يرحلوا بقومهم عن أعمال طرابلس ورجعوا إلى أصحابهم.وارتحل باديس إلى القيروان وولى على طرابلس محمد بن حسن.ونزل ورو بنفزاوة والنعيم بقسطيلية ثم انتقض ورو سنة إحدى وأربعماية ولحق بجبال إيدمر فتعاقدوا على الخلاف.واستضاف النعيم بن كنون نفزاوة إلى عمله.ورجع خزرون بن سعيد عن أخيه ورو إلى السلطان باديس وقدم عليه بالقيروان سنة اثنتين وأربعماية فتقبله ووصله وولاه عمل أخيه نفزاوة وولى بني مجلية من قومه على قفصة وصارت مدن الماء كلها لزناتة.وزحف ورو بن سعيد فيمن معه من زناتة إلى طرابلس.وبرز إليه عاملها محمد بن حسن فتواقفوا ودارت بينهم حرب شديدة انهزم فيها ورو وهلك كثير من قومه.ثم راجع حصارها وضيق على أهلها فبعث باديس إلى خزرون أخيه وإلى النعيم بن كنون أمراء الجريد من زناتة بأن يخرجوا لحرب صاحبهم فخرجوا إليه وتواقفوا بصبرة ما بين قابس وطرابلس.ثم اتفقوا ولحق أصحاب خزرون بأخيه ورو.ورجع خزرون إلى عمله واتهمه السلطان بالمداهنة في شأن أخيه ورو واستقدمه من نفزاوة فاستراب وأظهر الخلاف.وسرح السلطان إليه فتوح بن أحمد في العساكر فأجفل عن عمله.واتبعه النعيم وسائر زناتة ولحقوا جميعاً بورو بن سعيد سنة أربع وتظاهروا على الخلاف ونصبوا الحرب على مدينة طرابلس.واشتد فساد زناتة فقتل السلطان من كان عنده رهن زناتة.واتفق وصول مقاتل بن سعيد نازعاً عن أخيه ورو في طائفة من أبنائه وإخوانه فقتلوا معهم جميعاً.وشغل السلطان بحرب عمه حماد.ولما غلبه بشلف وانصرف إلى القيروان بعث إليه ورو بطاعته.ثم كان مهلك ورو سنة خمس وأربعماية وانقسم قومه على ابنه خليفة وأخيه خزرون بن سعيد واختلفت كلمتهم.ودس محمد بن حسن عامل طرابلس في التضريب بينهم.ثم صار أكثر زناتة إلى خليفة وناجز عنه خزرون الحرب فغلبه على القيطون وضبط زناتة وقام فيهم بأمر أبيه وبعث بطاعته إلى السلطان باديس بمكانه من حصار القلعة فتقبلها.ثم هلك باديس وولي ابنه المعز سنة ست وانتقض خليفة بن ورو عليه وكان أخوه حماد بن ورو يضرب على أعمال طرابلس وقابس ويواصل عليها الغارة والنهب إلى سنة ثلاث عشرة فانتقض عبد الله بن حسن صاحب طرابلس على السلطان وأمكنه من طرابلس.وكان سبب ذلك أن المعز بن باديس لأول ولايته استقدم محمد بن حسن من طرابلس فاستخلف عليها أخاه عبد الله بن حسن وقدم على المعز وفوق إليه تدبير مملكته وأقام على ذلك سبعاً وتمكنت حاله عند السلطان وكثرت السعاية فيه فنكبه وقتله.وبلغ الخبرإلى أخيه فانتقض كما قلناه خليفة بن ورو وقومه من مدينة طرابلس وقتلوا الصنهاجيين واستولوا عليهم.ونزل خليفة بقصر عبد الله وأخرجه عنه واستصفى أمواله وحرمه.واتصل ملك خليفة بن ورو وقومه بني خزرون بطرابلس.وخاطب الخليفة بالقاهرة الظاهر بن الحاكم سنة سبع عشر بالطاعة وضمان السابلة وتشييع الرفاق ويخطب عهده على طرابلس فأجابه إلى ذلك وانتظم في عمله.وأوفد في هذه السنة أخاه حماداً على المعز بهدية فتقبلها وكافأه عليها.هذا آخر ما حدث ابن الرقيق من أخبارهم.ونقل ابن حماد وغيره أن المعز زحف أعوام ثلاثين وأربعماية إلى زناتة بجهات طرابلس فبرزوا إليه وهزموه وقتلوا عبد الله بن حماد وسبوا أخته أم العلو بنت باديس ومنوا عليها بعد حين وأطلقوها إلى أخيها.ثم زحف إليهم ثانية فهزموه.ثم أتيحت به الكرة عليهم فغلبهم وأذعنوا لسلطانه واتقوه بالمهادنة فاستقام أمرهم على ذلك.كان خزرون بن سعيد لما غلبه خليفة بن ورو على زناتة لحق بمصر فأقام فيها بدار الخلافة ونشأ بنوه بها وكان منهم المنتصر بن خزرون وأخوه سعيد.ولما وقعت الفتنة بين الترك والمغاربة بمصر وغلبهم الترك وأجلوهم عنها لحق المنتصر وسعيد بطرابلس وأقاما في نواحيها.ثم ولي سعيد أمر طرابلس ولم يزل بها والياً إلى أن هلك سنة تسع وعشرين.وقال أبو محمد التجاني في رحلته عند ذكر طرابلس: ولما قتلت زغبة سعيد بن خزرون سنة تسع وعشرين وقدم خزرون بن خليفة من القيطون بقومه إلى ولايتها فأمكنه رئيس الشورى بها يومئذ من الفقهاء أبو الحسن بن المنذر المشهور بعلم الفرائض وبايع له وأقام بها خزرون إلى سنة ثلاثين بعدها فقدم المنتصر بن خزرون في ربيع الأول منها ومعه عساكر زناتة ففر خزرون بن خليفة من طرابلس مختفياً وملكها المنتصر بن خزرون وأوقع بابن المثمر ونفاه واتصلت بها إمارته.انتهى ما نقله التجاني.وهذا الخبر مشكل من جهة أن زغبة من العرب الهلاليين وإنما جاءوا إلى أفريقية من مصر بعد الأربعين من تلك الماية فلا يكون وجودهم بطرابلس سنة تسع وعشرين إلا أن كان تقدم بعض أحياهم إلى إفريقية من قبل ذلك.وقد كان ولم تزل طرابلس بأيدي بني خزرون الزناتيين.ولما وصل العرب الهلاليون وغلبوا المعز بن باديس على أعمال إفريقية واقتسموهما كانت قابس وطرابلس في قسمة زغبة والبلد لبني خزرون.ثم استولى بنو سليم على الضاحية وغلبوا عليها زغبة ورحلوهم عن تلك المواطن.ولم تزل البلد لبني خزرون.وزحف المنتصر بن خزرون مع بني عدي من قبائل هلال مجلباً على أعمال بني حماد حتى نزل المسيلة ونزل أشير.ثم خرج إليهم الناصر ففروا أمامه إلى الصحراء ورجع إلى القلعة فرجعوا إلى الأجلاب على أعماله فراسله الناصر في الصلح وأقطعه ضواحي الزاب وريغة.وأوعز إلى عروس بن سندي رئيس بسكرة لعهده أن يمكر به.فلما وصل المنتصر إلى بسكرة أنزله عروس ثم قتله غيلة أعوام ستين وأربعمائة وولي طرابلس واحد من قومه بني خزرون لم يحضرني اسمه واختل ملك صنهاجة واتصل فيهم ملك تلك الأعمال إلى سنة أربعين وخمسماية.ثم نزل بطرابلس ونواحيها في هذه السنة مجاعة وأصابتهم منها شدة هلك فيها الناس وفروا عنها وظهر اختلال أحوالها وفناء حاميتها فجهز إليها رجار طاغية صقلية أسطولا لحصارها بعد استيلائه على المهدية وصفاقس واستقرار ولاته فيهما.ووقع بين أهل طرابلس الخلاف فغلب عليهم جرجي بن ميخائيل قائد الأسطول وملكها وأخرج منها بني خزرون وولى على البلد شيخه أبا يحيى بن مطروح التميمي فانقرض أمر بني خزرون منها.وبقي منهم من بقي بالضاحية إلى أن افتتح الموحدون إفريقية.وكانت ثورة المسلمين بهم وإخراج النصارى من بين أظهرهم كما ذكرناه في أخبار إفريقية آخر الدولة الصنهاجية.والملك لله يؤتيه من يشاء من عباده سبحانه لا إله غيره. |
الخبر عن بني يعلى ملوك تلمسان من آل خزر
من أهل الطبقة الأولى وللإلمام ببعض أحوالهم ومصادرها قد ذكرنا في أخبار محمد بن خزر وبنيه أن محمد بن الخير الذي قتل نفسه في معركة بلكين كان من ولده الخير ويعلى.وأنهم الذين ثاروا منهم بأبيه زيري فقتلوه واتبعهم بلكين من بعد ذلك وأجلاهم إلى المغرب الأقصى حتى قتل محمد منهم صبراً أعوام ستين وثلاثماية بنواحي سجلماسة قبل وصول معد إلى القاهرة وولاية بلكين على إفريقية.وقام بأمر زناتة بعد الخير ابنه محمد وعمه يعلى بن محمد وتكررت إجازة محمد بن الخير هذا وعمه يعلى إلى المنصور بن أبي عامر كما ذكرنا ذلك من قبل.وغلبهم ابنا عطية بن عبد الله بن خزر: وهما مقاتل وزيري على رياسة مغراوة.وهلك مقاتل واختص المنصور زيري بن عطية بإثرته وولاه على المغرب كما ذكرناه.وقارن ذلك مهلك بلكين وانتقاض أبي البهار بن زيري صاحب المغرب الأوسط على باديس فكان من شأنه مع زيري ويدو بن يعلى ما قدمناه.ثم استقل زيري وغلبهم جميعاً على المغرب ثم انتقض على المنصور فأجاز إليه ابنه المظفر وأخرج زناتة من المغرب الأوسط فتوغل زيري في المغرب الأوسط ونازل أمصاره وانتهى إلى المسيلة واشير.وكان سعيد بن خزرون قد برع إلى صنهاجة وملك طبنة واجتمع زناتة بإفريقية عليه وعلى ابنه فلفول من بعده.وانتقض فلفول على باديس عند زحف زيري إلى المسيلة واشير وشغل باديس ثم ابنه المنصور عن المغرب الأوسط بحرب فلفول وقومه ودفعوا إليه حماد بن بلكين فكانت بينه وبين زناتة حروب سجال.وهلك زيري بن عطية واستقل المعز ابنه ملك المغرب سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وغلب صنهاجة على تلمسان وما إليها واختط مدينة وجدة كما ذكرنا ذلك كله من قبل.ونزل يعلى بن محمد مدينة تلمسان فكانت خالصة له وبقي ملكها وسائر ضواحيها في عقبه.ثم هلك حماد بعد استبداده ببلاد صنهاجة على آل بلكين وشغل بنوه بحرب بني باديس فاستوسق ملك بني يعلى خلال ذلك بتلمسان واختلفت أيامهم مع آل حماد سلماً وحرباً.ولما دخل العرب الهلاليون إفريقية وغلبوا المعز وقومه عليها واقتسموا سائر أعمالها ثم تخطوا إلى أعمال بني حماد فأحجروهم بالقلعة وغلبوهم على الضواحي فرجعوا إلى استيلائهم واستخلصوا الأثبج منهم وزغبة فاستظهروا بهم على زناتة المغرب الأوسط وأنزلوهم بالزاب وأقطعوهم الكثير من أعماله فكانت بينهم وبين بني يعلى أمراء تلمسان حروب ووقائع.وكانت زغبة أقرب إليهم بالمواطن.وكان أمير تلمسان لعهدهم بختي من ولد يعلى.وكان وزيره وقائد حروبه أبو سعدى بن خليفة اليفرني فكان كثيراً ما يخرج بالعساكر من تلمسان لقتال عرب الأثبج وزغبة ويحتشد من إليهم من زناتة أهل المغرب الأوسط مثل مغراوة وبني يلوموا وبني عبد الواد وتوجين وبني مرين.وهلك في بعض تلك الملاحم هذا الوزير أبو سعدى أعوام خمسين وأربعمائة.ثم ملك المرابطون أعمال المغرب الأقصى بعد مهلك بختي وولاية ابنه العباس بن بختي تلمسان.وسرح يوسف بن تاشفين قائده مزدلي في عساكر لمتونة لحرب من بقي بتلمسان من مغراوة ومن لحق بهم من فل بني زيري وقومهم فدوخ المغرب الأوسط وظفر بيعلى بن العباس بن بختي برز لمدافعتهم فهزمه وقتله وانكفأ راجعاً إلى المغرب.ثم نهض يوسف بن تاشفين بنفسه في جموع المرابطين سنة ثلاث وسبعين فافتتح تلمسان واستلحم بني يعلى ومن كان بها من مغراوة وقتل العباس ابن بختي أميرها من بني يعلى.ثم افتتح وهران وتنس وملك جبل وانشريش وشلف إلى الجزائر وانكفأ راجعاً وقد محا أثر مغراوة من المغرب الأوسط وأنزل محمد بن تينعمر المسوفي في عسكر من المرابطين بتلمسان واختط مدينة تاكرارت بمكان معسكره وهو اسم محله بلسان البربر وهي التي صارت اليوم مع تلمسان القديمة التي تسمى أكادير بلداً واحداً وانقرض أمر مغراوة من جميع المغرب كأن لم يكن.والبقاء لله وحده سبحانه. الخبر عن أمراء أغمات من مغراوة لم أقف على أسماء هؤلاء إلا أنهم كانوا أمراء باغمات آخر دولة بني زيري بفاس وبني يعلى اليفرني بسلا وتادلا في جوار المصامدة وبرغواطة.وكان لقوط بن يوسف بن علي آخرهم في سني الخمسين وأربعماية وكانت امرأته زينب بنت إسحاق النفزاوية من إحدى نساء العالم المشهورات بالجمال والرياسة.ولما غلب المرابطون على أغمات سنة تسع وأربعين فر لقوط هذا إلى تادلا ونزل على محمد بن تميم اليفرني صاحب سلا أعمالها إلى أن افتتح المرابطون تادلا سنة إحدى وخمسين وقتل الأمير محمد واستلحم بنو يفرن فكان الأمير لقوط فيمن استحلم.وخلفه أبو بكر بن عمر أمير المرابطين على زينب بنت إسحاق حتى إذا ارتحل إلى الصحراء سنة ثلاث وخمسين واستعمل ابن عمه يوسف بن تاشفين على المغرب نزل له عن زوجه زينب هذه فكان لها في سياسة أمره وسلطانه وما أشارت عليه عند مرجع أبي بكر من الصحراء في إظهار الاستبداد حتى تجافى عنه منازعته وخلص ليوسف بن تاشفين ملكه أمر كما ذكرنا في أخبارهم.ولم نقف من أخبار لقوط بن يوسف وقومه على غير هذا الذي كتبناه والله ولي العون. الخبر عن بني سنجاس وريغة والأغواط وبني ورا من قبائل مغراوة من أهل الطبقة الأولى وتصاريف أحوالهم هذه البطون الأربعة من بطون مغراوة وقد زعم بعض الناس أنهم من بطون زناتة غير مغراوة.أخبرني بذلك الثقة عن إبراهيم بن عبد الله التيمزوغتي قال وهو نسابة زناتة لعهده: ولم لزل هذه البطون الأربعة من أوسع بطون مغراوة.فأما بنو سنجاس فلهم مواطن في كل عمل من إفريقية والمغربين فمنهم قبلة المغرب الأوسط بجبل راشد وجبل كريكرة وبعمل الزاب وبعمل شلف.ومن بطونهم بنو غيار ببلاد شلف أيضاً وبنو غيار بعمل قسنطينة.وكان بنو سنجاس هؤلاء من أوسع القبائل وأكثرهم عدداً وكان لهم في فتنة زناتة وصنهاجة آثار بإفريقية والمغرب وأكثرها في إفساد السبيل والعيث في المدن ونازلوا قفصة سنة أربع عشرة وخمسماية بعد أن عاثوا بجهات القصر وقتلوا من وجدوا هنالك من عسكر ملكاتة وخرجت إليهم حامية قفصة فأثخنوا فيهم ثم كثر فسادهم وسرح السلطان قائده محمد بن أبي العرب في العساكر إلى بلاد الجريد فشردهم عنها وأصلح السابلة.ثم عاثوا إلى مثلها سنة خمس عشرة فأوقع بهم قائد بلاد الجريد وأثخن فيهم بالقتل وحمل رؤوسهم إلى القيروان فعظم الفتح فيهم.ولم تزل الدولة تتبعهم بالقتل والإثخان إلى أن خضدوا من شوكتهم.وجاء العرب الهلاليون وغلبوا على الضواحي كل من كان بها من صنهاجة وزناتة وتحيز فلهم إلى الحصون والمعاقل وضربت عليهم المغارم إلا ما كان ببلاد القفر مثل جبل راشد فإنهم لبعدهم عن منازل الملك لا يعطون مغرماً إلا أنهم غلب عليهم هنالك العمور من بطون الهلاليين ونزلوا معهم وملكوا عليهم أمرهم وصاروا لهم فيئة.ومن بني سنجاس من نزل بالزاب وهم لهذا العهد أهل مغارم لمن غلب على ثغورهم من مشايخهم.وأما من نزل منهم ببلاد شلف ونواحي قسنطينة فهم لهذا العهد أهل مغارم الدول وكان دينهم جميعاً الخارجية على سنن زناتة في الطبقة الأولى ومن بقي اليوم منهم بالزاب فعلى ذلك.ومن بني سنجاس هؤلاء بأرض المشنتل ما بين الزاب وجبل راشد أوطنوا جباله في جوار غمرة وصاروا عند تغلب الهلاليين في ملكهم يقبضون الأتاوة منهم.ونزل معهم لهذا العهد السحارى من بطون عروة من زغبة وغلبوهم على أمرهم وأصاروهم خولا.وأما بنو ريغة فكانوا أحياء متعددة.ولما افترق أمر زناتة تحيز منهم إلى جبل عياض وما إليه من البسيط إلى نقاوس وأقاموا في قياطنهم: فمن كان بجبل عياض منهم أهل المغارم لأمراء عياض يقبضونها منهم للدولة الغالبة ببجاية وأما من كان ببسيط نقاوس فهم في أقطاع العرب لهذا العهد.ونزل أيضاً الكثير منهم ما بين قصور الزاب وواركلا فاختطوا قرى كثيرة في عدوة واد ينحدر من الغرب إلى الشرق ويشتمل على المصر الكبير والقرية المتوسطة والأطم قد رف عليها الشجر ونضدت حفافيفها النخيل وانساحت خلالها المياه وزهت بنابعها الصحراء وكثر في قصورها العمران من ريغة هؤلاء وبهم تعرف لهذا العهد وهم أكثرها ومن بني سنجاس وبني يفرن وغيرهم من قبائل زناتة.وتفرقت جماعتهم للتنازع في الرياسة فاستقلت كل طائفة منهم بقصور منها أو بواحد.ولقد كانت فيما يقال أكثر من هذا العدد أضعافاً وأن ابن غانية المسوفي حين كان يجلب على بلاد إفريقية والمغرب في فتنه مع الموحدين خرب عمرانها واجتث شجرها وغور مياهها ويشهد لذلك أثر العمران بها في أطلال الديار ورسوم البناء وأعجاز النخل المنقعر.وكان هذا العمل يرجع في أول الدولة الحفصية لعامل الزاب وكان من الموحدين وينزل بسكرة يتردد ما بينها وبين مقرة.وكان من أعماله قصور واركلة أيضاً.ولما فتك المستنصر بمشيخة الدواودة كما قلناه في أخباره وقتلوا بعد ذلك عامل الزاب ابن عتو من مشيخة الموحدين وغلبوا ضواحي الزاب وريغة وواركلة وأقطعتهم إياها الدول بعد ذلك فصارت في إقطاعهم.ثم عقد صاحب بجاية بعد ذلك على العمل كله لمنصور بن مزني واستقر في عقبه.فربما يسومون بعض الأحيان أهل تلك القصور الغرم للسلطان بما كان من الأمر القديم ويعسكر عليهم في ذلك كتائب من رجالة الزاب وخيالة العرب ويبذرق عليها الأمر الدواوة ثم يقاسمهم فيما يمتريه منهم.وأكبر هذه الأمصار تسمى تقرت مصر مستبحر العمران بدوي الأحوال كثير المياه والنخل ورياسته في بني يوسف بن عبد الله كانت لعبيد الله بن يوسف ثم لابنه داود ثم لأخيه يوسف بن عبيد الله.وتغلب على واركلة من يد أي بكر بن موسى أزمان حداثته وأضافها إلى عمله.ثم هلك وصار أمر تقرت لأخيه مسعود بن عبيد الله ثم لابنه حسن بن مسعود ثم لابنه أحمد ين حسن شيخهما لهذا العهد.وبنو يوسف بن عبيد الله هؤلاء من ريغة ويقال إنهم من سنجاس.وفي أهل تلك الأمصار من مذاهب الخوارج وفرقهم كثير وأكثرهم على دين العزابة ومنهم النكاريه أقاموا على انتحال هذه الخارجية لبعدهم عن منال الأحكام.ثم بعد مدينة تقرت بلد تماسين وهي دونها في العمران والخطة ورياسته لبني إبراهيم من ريغة وسائر أمصارهم كذلك: كل وأما لقواط وهم فخذ من مغراوة أيضاً فهم في نواحي الصحراء ما بين الزاب وجبل راشد ولهم هنالك قصر مشهور بهم فيه فريق من أعقابهم على سغب من العيش لتوغله في القفر وهم مشهورون بالنجدة والامتناع من العرب وبينهم وبين الدوسن أقصى عمل الزاب مرحلتان وتختلف قصودهم إليه لتحصيل المرافق منه.والله يخلق ما يشاء ويختار.وأما بنو ورا فهم فخذ مغراوة أيضاً ويقال من زناتة وهم متشعبون ومفترقون بنواحي المغرب: فمنهم بناحية مراكش والسوس ومنهم ببلاد شلف ومنهم بناحية قسنطينة.ولم يزالوا على حالهم منذ انقراض زناتة الأولين وهم لهذا العهد أهل مغارم وعسكرة مع الدول.وأكثر الذين كانوا بمراكش قد انتقل رؤساؤهم إلى ناحية شلف نقلهم يوسف بن يعقوب سلطان بني مرين في أول هذه الماية الثامنة فلما ارتاب بأمرهم في تلك الناحية وخشي من فسادهم وعيثهم فنقلهم في عسكر إلى موطن شلف لحمايته فنزلوا به.ولما ارتحل بنو مرين بعد مهلك يوسف بن يعقوب أقاموا ببلاد شلف فأعقابهم به لهذا العهد وأحوالهم جميعاً في كل قطر متقاربة في المغرم والعسكرة مع السلطان.ولله الخلق والأمر جميعاً.سبحانه لا إله إلا هو الملك العظيم. |
الخبر عن بني يرنيان إخوة مغراوة وتصاريف أحوالهم
قد ذكرنا بني يرنيان هؤلاء وأنهم إخوة مغراوة وبني يفرن والكل ولد يصليتن.ونسبهم جميعاً إلى جانا مذكور هنالك وهم مبثوثون كثيراً بين زناتة في المواطن.وأما الجمهور منهم فموطنهم بملوية من المغرب الأقصى ما بين سجلماسة وكرسيف كانوا هنالك مجاورين لمكناسة في مواطنهم واختطوا حفافي وادي ملوية قصوراً كثيرة متقاربة الخطة ونزلوها وتعدت بطونهم وأفخاذهم في تلك الجهات.ومنهم بنو وطاط موطنون لهذا العهد بالجبال المطلة على وادي ملوية من جهة القبلة ما بينه وبين تازى وفاس وبهم تعرف تلك القصور لهذا العهد.وكان لبني يرنيان هؤلاء صولة واعتزاز وأجاز الحكم بن المستنصر منهم والمنصور بن أبي عامر من بعده فيمن أجازوه من زناته ثم الماية الرابعة وكانوا من أفحل جند الأندلس وأشدهم شوكة وبقي أهل المواطن منهم في مواطنهم مع مكناسة أيام ملكهم ويجمعهم معهم عصبية يحيى.ثم كانوا مع مغراوة أيضاً أيام ملكهم المغرب الأقصى.ولما ملك لمتونة والموحدون من بعدهم لحق الظواعن منهم بالقفر فاختلطوا بأحياء بني مرين الموالين لتلول المغرب من زناتة وأقاموا معهم في أحيائهم وبقي من عجز عن الظعن منهم بمواطنهم: مثل بني وطاط وغيرهم ففرضت عليهم المغارم والجبايات.ولما دخل بنو مرين إلى المغرب ساهموهم في أقسام أعماله وأقطعوهم البلد الطيب من ضواحي سلا والمعمورة زيادة إلى وطنهم الأول بملوية وأنزلوهم بنواحي سلا بعد أن كان منهم انحراف عن مواطنهم الأولى.ثم أصحبوا ورعى لهم بنو عبد الحق سابقتهم معهم فاصطفوهم للوزارة والتقدم في الحروب ودفعوهم إلى المهمات وخلطوهم بأنفسهم.وكان من أكابر رجالاتهم لعهد السلطان أبي يعقوب وأخيه أبي سعيد الوزير إبراهيم بن عيسى استخلصوه للوزارة مرة بعد أخرى واستعمله السلطان أبو سعيد على وزارة ابنه أبي علي ثم لوزارته.واستعمل ابنه السلطان أبو الحسن أبناء إبراهيم هذا في أكابر الخدام فعقد لمسعود بن إبراهيم على أعمال السوس عندما فتحها أعوام الثلاثين وسبعماية ثم عزله بأخيه حسون وعقد لمسعود على بلاد الجريد من إفريقية عند فتحه إياها سنة ثمان وأربعين وكان فيها مهلكه.ونظم أخاهما موسى في طبقة الوزراء ثم أفرده بها أيام نكبته ولحاقه بجبل هنتاتة واستعمله السلطان أبو عنان بعده في العظيمات وعهد له على أعمال سدويكش بنواحي قسنطينة.ورشح ابنه محمد السبيع لوزارته إلى أن هلك وتقلبت بهم الأيام بعده.وقلد عبد الحليم المعروف بحلي ابن السلطان أبي علي وزارته محمد بن السبيع هذا أيام حصاره لدار ملكهم سنة اثنتين وستين كما نذكره في أخبارهم فلم يقدر لهم الظفر.ثم رجع السبيع بعدها إلى محله من دار السلطان وطبقة الوزارة وما زال يتصرف في الخدم الجليلة والأعمال الواسعة ما بين سجلماسة ومراكش وأعمال تازى وتادلا وغمارة وهو على ذلك لهذا العهد.والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير وجديجن وواغمرت الخبر عن وجديجن وواغمرت من قبائل زناتة ومبادىء أحوالهم وتصاريفها قد تقدم أن هذين البطنين من بطون زناتة من ولد ورتنيص بن جانا وكان لهم عدد وقوة ومواطنهم مفترقة في بلاد زناتة: فأما وجديجن فكان جمهورهم بالمغرب الأوسط ومواطنهم منه منداس ما بين بني يفرن من جانب الغرب ولواتة من جانب القبلة في السرسو ومطماطة من جانب الشرق في وانشريش.وكان أميرهم لعهد يعلى بن محمد اليفرني رجلاً منهم اسمه عنان وكانت بينهم وبين لواتة الموطنين بالسرسو فتنة متصلة يذكر أنها بسبب امرأة من وجديجن نكحت في لواتة وتلا جامعها نساء قيوطنهم فعيرنها بالفقر فكتبت بذلك إلى عنان تدمره فغضب واستجاش بأهل عصبته من زناتة وجيرانه فزحف معه يعلى في بني يفرن وكلمام بن حياتي في مغيلة وغرابة في مطماطة ودارت الحرب بينهم وبين لواتة ملياً.ثم غلبوا لواتة في بلاد السرسو وانتهوا بهم إلى كدية العابد من آخرها.وهلك عنان شيخ وجديجن في بعض تلك الوقائع بملاكو من جهات السرسو.ثم لجأت لواتة إلى جبل كريكرة قبلة السرسو وكان يسكنه أحياء من مغراوة يعرف شيخهم لذلك العهد علاهم ربيب لشيخهم عمر بن تامصا الهالك قبله ومعنى تامصا بلسان البربر الغول.ولما لجأت لواتة إليه غدر بهم وأغرى قومه فوضعوا أيديهم فيهم سلباً وقتلاً فلاذوا بالفرار ولحقوا بجبل لعود وجبل دراك فاستقروا هنالك آخر الدهر.وورثت وجديجن مواطنهم بمنداس إلى أن غلبهم عليها بنو يلومي وبنو ومانو كل من جهته ثم غلب الآخرين عليها بنو عبد الواد وبنو توجين إلى هذا العهد.والله وارث الأرض ومن عليها.وأما واغمرت ويسمون لهذا العهد غمرت وهم إخوة وجديجن ومن ولد بن جانا كما قلناه فكانوا من أوفر القبائل عدداً ومواطنهم متفرقة وجمهورهم بالجبال إلى قبلة بلاد صنهاجة من المشنتل إلى الدوسن.وكان لهم مع أبي يزيد صاحب الحمار في الشيعة آثار وأوقع بهم إسماعيل عند ظهوره على أبي يزيد وأثخن فيهم وكذلك بلكين وصنهاجة من بعده.ولما افترق أمر صنهاجة بحماد وبنيه كانوا شيعاً لهم على بني بلكين.ونزع عن حماد أيام فتنته ابن أبي جلى من مشيختهم وكان مختصًا به فنزع إلى باديس فوصله وحمل أصحابه وعقد له على طبنة وأعمالها.حتى إذا جاء الهلاليون وغلبوهم على الضواحي اعتصموا بتلك الجبال قبلة المسيلة وبلاد صنهاجة وصدوا بها عن الظعن وتركوا القيطون إلى سكنى المدن.ولما غلب الدواودة على ضواحي الزاب وما إليها اقطعتهم الدولة مغارم هذه الجبال التي لغمرت.وهم لهذا العهد في سهمان أولاد يحيى بن علي بن سباع من بطونهم.وكان في القديم من هؤلاء كاهن زناتة موسى بن صالح مشهور عندهم حتى الان ويتناقلون بينهم كلماته برطانتهم على طريقة الرجز فيها أخبار بالحدثان فيما يكون لهذا الجيل الزناتي والدولة والتغلب على الأحياء والقبائل والبلدان.شهد كثير من الواقعات على وفقها بصحتها حتى لقد نقلوا من بعض كلماته تلك ما معناه باللسان العربي أن تلمسان ينالها الخراب وتصير دورها فدنا حتى يثير أرضها حراث أسود بثور أسود أعور.وذكر الثقات أنهم عاينوا ذلك بعد انتشار كلمته هذه أيام لحقها الخراب في دولة بني مرين سني ستين وسبعماية وأفرط الخلاف بين هذا الجيل الزناتي في التشييع له والحمل عليه: فمنهم من يزعم أنه ولي أو نبي وآخرون يقولون كاهن.ولم تقفنا الأخبار على الجلي من أمره.والله أعلم. الخبر عن بني واركلا من بطون زناتة والمصر المنسوب إليهم بصحراء افريقية و تصاريف أحوالهم بنو واركلا هؤلاء إحدى بطون زناتة - كما تقدم - من ولد فريني بن جانا وقد مرذكرهم وإ ن إخوانهم يزمرتن ومنجصة ونمالتة المعروفون لهذا العهد: منهي بنو واركلا وكانت فئتهم قليلة وكانت مواطنهم قبلة الزاب واختطوا المصر المعروف بهم لهذا العهد على ثماني مراحل من بسكرة في القبلة عنها ميامنة إلى المغرب.بنوها قصورا متقاربة الخطة.ثم استبحر عمرانها فائتلفت وصارت مصرًا.وكان معهم هنالك جماعة من بني زنداك من مغراوة وإليهم كان هرب ابن أبي يزيد النكاري عند فراره من الاعتقال لسنة خمس وعشرين وثلاثماية وكان مقامه بينهم سنة يختلف إلى بني برزال بسالات وإلى قبائل البربر بجبل أوراس يدعوهم جميعاً إلى مذهب النكارية إلى أن ارتحل إلى أوراس واستبحر عمران هذا المصر واعتصم به بنو واركلا هؤلاء والكثير من ظواعن زناتة عند غلب الهلاليين إياهم على المواطن واختصاص الأثبج بضواحي القلعة والزاب وما إليها.ولما استبد الأمير أبو زكريا بن أبي حفص بملك إفريقية وجال في نواحيها في أتباع ابن غانية مر بهذا المصر فأعجبه وكلف بالزيادة في تمصيره فاختط مسجده العتيق ومأذنته المرتفعة وكتب عليها اسمه وتاريخ وضعه نقشًا في الحجارة.وهذا البلد لهذا العهد باب لولوج السفر من الزاب إلى المفازة الصحراوية المفضية إلى بلاد السودان يسلكها التجار الداخلون إليها بالبضائع.وسكانها لهذا العهد من أعقاب بني واركلا وأعقاب إخوانهم من بني يفرن ومغراوة ويعرف رئيسه باسم السلطان شهرة غير نكيرة بينهم " ورياسته لهذه الأعصار مخصوصة ببني أبي غبول ويزعمون أنهم من بني واكير إحدى بيوت بني واركلا وهو بذا العهد أبو بكر بن موسى بن سليمان من بني أبي غبول ورياستهم متصلة في عمود هذا النسب.وعلى عشرين مرحلة من هذا المصر في القبلة منحرفا إلى الغرب بيسير بلد تكدة قاعدة وطن الملثمين وركاب الحاج من السودان اختطه الملثمون من صنهاجة وهم ساكنوه لهذا العهد وصاحبه أمير من بيوتاتهم يعرفونه باسم السلطان وبينه وبين أمير الزاب مراسلة ومهاداة.ولقد قدمت على بسكرة سنة أربع وخمسين أيام السلطان أبي عنان في بعض الأغراض الملوكية ولقت رسول صاحب تكدة عند يوسف بن مزني أمير بسكرة وأخبرني عن استبحار هذا المصر في العمارة ومرور السابلة وقال لي: اجتاز بنا في هذا العام سفر من تجار المشرق إلى بلد مالي كانت زكاتهم اثنتي عشرألف راحلة.وذكر لي غيره أن ذلك هو الشأن في كل سنة.وهذا البلد في طاعة سلطان مالي من السودان كما في سائر تلك البلاد الصحراوية المعروفة بأطلستين لهذا العهد.والله غالب على أمره سبحانه. الخبر عن دمر من بطون زناتة ومن ولي منهم بالأندلس وأولية ذلك ومصادره بنو دمر هؤلاء من زناتة وقد تقدم أنهم من ولد ورسيك بن أديدت بن جانا وشهوبهم كثيرة وكانت مواطنهم بإفريقية في نواحي طرابلس وجبالها وكان منهم آخرون ظواعن بالضواحي من عرب إفريقية.ومن بطون إيدمر هؤلاء بنو رغمة وهم لهذا العهد مع قومهم بجبال طرابلس.ومن بطونهم أيضاً بطن متسع كثير الشعوب وهم بنو ور نيد بن وانتن بن وارديرن بن دمر وأن من شعوبهم بني ورتاتين وبني غرزول وبني تفورت وربما يقال إن هؤلاء الشعوب لا ينتسبون إلى دمر من ورنيد كما تقدم وبقايا بني و رنيد لهذا العهد بالجبل المطل على تلمسان بعد أن كانوا في البسيط قبلته فزحمهم بنو راشد حين دخولهم من بلادهم بالصحراء إلى التل وغلبوهم على تلك البسائط فانزاحوا إلى الجبل المعروف بهم لهذا العهد وهو المطل على تلمسانوكان قد أجاز إلى الأند لسمن ايدمر هؤلاء أعيان ورجالات حرب فيمن أجازإليها من زناتةوسائر البربر أيامأخذهم بدعوة الحكم المستنصر فضمهم السلطان إلى عسكره واستظهر بهم المنصور بن أبي عامر من بعد ذلك على شأنه وفرى بهم المستعين أديم دولته ولما اعصوصب البربر على المستعين وبني حمود من بعده وغالبوا جنود من العرب وكانت الفتنة الطويلة بينهم التي نثرت سلك الخلافة وفرقت شمل الجماعة واقتسموا خطط الملك وولايات الأعمال وكان من رجالاتهم نوح الدمري وكان من أصحاب المنصور وولاه المستعين أعمال مودور واركش فاستبد بها سنة أربع في غمار الفتنة وأقام بها سلطانا لنفسه إلى أن هلك سنة ثلاث وثلاثين فولي ابنه أبومناد محمد بن نوح وتلقب بالحاجب عز الدولة لقبين في قرن شأن ملوك الطوائف وكانت بينه وبين ابن عباد صاحب غرب الأندلس خطوب.ومر المعتضد في بعض أسفاره بحصن اركش وتطوف مختفيا فتقبض عليه بعض أصحاب ابن نوح فخلى سبيله وأولاه كرامه احتسبها عنده يدًا.وذلك سنة ثلاث وأربعين فانطلق إلى دار ملكه ورجع بعدها إلى ولاية الملوك الذين حوله من البربر.وأسجل لإبن نوح هذا على عملي أركش ومورور فيمن أسجل له منهم فصاروا إلى مخالصته إلى أن استدعاهم سنة خمس وأربعين بعدها إلى صنيع دعا إليه الجفلى من أهل أعماله واختصهم بدخول حمام أعد لهم استبلاغا في تكريمهم.وتخلص ابن نوح عنده من بينهم فلما حصلوا داخل الحمام طبقه عليهم وسد المنافس للهواء دونهم إلى أن هلكوا.ونجا منهم ابن نوح لسالفة يده وطير في الحين من تسلم معاقلهم وحصونهم فانتظمهم في أعماله.وكان منهم وفدة وشريش وسائر أعمالها.وهلك من بعد ذلك الحاجب أبو مناد بن نوح وولي ابنه أبو عبد الله.ولم يزل المعتضد يضايقه إلى أن انخلع له سنة ثمان وخمسين فانتظمها في أعماله.وصار إليه محمد بن أبي مناد إلى أن هلك سنة ثمان وستين وانقرض ملك بني نوح.والبقاء لله وحده سبحانه. الخبر عن بني برزال إحدى بطون دمر وما كان لهم من الملك بقرمونة وأعمالها بالأندلس أيام الطوائف وأولية ذلك ومصائره قد تقدم لنا أن بني برزال هؤلاء من ولد ورنيد بن وانتن بن وارديرن بن دمر كما ذكره ابن حزم وإن إخوتهم بنو يصدرين وبنو صغمار وبنو يطوفت.وكان بنو برزال هؤلاء بإفريقية وكانت مواطنهم منها جبل سالات وما إليه من أعمال المسيلة وكان لهم ظهور ووفور عدد وكانوا نكارية من فرق الخوارج.ولما فر أبو يزيد أمام إسماعيل المنصور وبلغه أن محمد بن خزر يترصد له أجمع الاعتصام بسالات وصعد إليهم.ثم أرهقته عساكر المنصور فانتقل عنهم إلى كتامة.وكان من أمره ما قدمناه.ثم استقام بنو برزال على طاعة الشيعة وموالاة جعفر بن علي بن حمدون صاحب المسيلة والزاب حتى صاروا له شيعًا.ولما انتقض جعفرعلى معد سنة ستين وثلاثماية كان بنو برزال هؤلاء في جملته ومن أهل خصوصيته فأجازوا به البحر إلى الأندلس أيام الحكم المستنصر فاستخدمهم ونظمهم في طبقات جنده إلى من كان لحق به من قبائل زناتة وسائر البربرأيام أخذهم بالدعوة الأموية ومحاربتهم عليها للأدارسة فاستقروا جميعاً بالأندلس.وكان لبني برزال من بينهم ظهور وغناء مشهور.ولما أراد المنصور بن أبي عامر الاستبداد على خليفته هشام وتوقع النكير من رجالات الدولة وموالي الحكم استكثر ببني برزال وغيرهم من البربر وأفاض فيهم الإحسان فاعتز أمره واشتد أزره حتى أسقط رجال الدولة ومحا رسومها وأثبت أركان سلطانه.ثم قتل صاحبهم جعفر بن يحيى كما ذكرنا ه خشية عصبيته بهم.واستمالهم من بعده فأصبحوا له عصبة وكان يستعملهم في الولا يات النبيهة والأعمال الرفيعة.وكان من أعيان بني برزال هؤلاء إسحاق بن.فولاه قرمونة وأعمالها فلم يزال واليًا عليها أيام بني أبي عامر.وجدد له العقد عليها المستعين في فتنة البرابرة ووليها من بعده ابنه عبد الله.ولما انقرض ملك بني حمود من قرطبة ودفع أهلها القاسم المأمون عنهم سنة أربع عشرة أراد اللحاق بإشبيلية وبها نائبه محمد بن أبي زيري من وجوه البربر وبقرمونة عبد الله بن إسحاق البرزالي فداخلهما القاضي ابن عباد في خلع طاعة القاسم وصده عن العملين فأجابا إلى ذلك.ثم دس للقاسم بالتحذير من عبد اللة بن إسحاق فعدل القاسم عنهم جميعاً إلى شريش واستمد كل منهم بعمله.ثم هلك عبد الله من بعد ذلك وولي ابنه محمد سنة.وكانت بينه وبين المعتضد بن عباد حرب وظاهر عليه يحيى بن علي بن حمود في منازلة إشبيلية سنة ثمان عشرة.ثم اتفق معه ابن عباد بعدها وظاهره على عبد الله بن الأفطس وكانت بينهما حرب وكانت الدبرة فيها على ابن الأفطس.وتحصل ابنه المظفر قائد العسكر في قبضة محمد بن عبد الله بن إسحاق إلى أن من عليه بعد ذلك وأطلقه.ثم كانت الفتنة بين محمد بن إسحاق وبين المعتضد وأغار إسماعيل بن المعتضد على قرمونة في بعض الأيام بعد أن كمن الكمائن من الخيالة والرجل وركب إليه محمد في قومه فاستطرد لهم إسماعيل إلى أن بلغوا الكمائن فثاروا بهم وقتل محمد البرزالي وذلك سنة أربع وثلاثين.وولي ابنه العزيز بن محمد وتلقب بالمستظهر مناغيًا في ذلك لملوك الطوائف في عهده.ولم يزل المعتضد يستولي غرب الأندلس شيئًا فشيئًا إلى أن ضايقه في عمل قرمونة واقتطع منها أسيجة والمدور.ثم انخلع له العزيزعن قرمونة سنة تسع وخمسين ونظمها المعتضد في ممالكه وانقرض ملك بني برزال من الأندلس.تم انقرض بعد ذلك حيهم من جبل سالات وأصبحوا في الغابرين.والبقاء لله وحده سبحانه. |
الساعة الآن 08:00 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |