منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 12 - 8 - 2010 03:36 PM

الخبر عن بني ومانوا وبني يلومي
من الطبقة الأولى من زناتة وما كان لهم من الملك والدولة بأعمال المغرب الأوسط ومبد أ ذلك وتصاريفه هاتان القبيلتان من بطون زناتة ومن توابع الطبقة الأولى ولم نقف على نسبها إلى جانا إلا أن نسابتهم متفقون على أن يلومي وورتاجن الذي هو أبو مرين أخوان وإن مديون أخوهما للأم ذكر لي ذلك غير واحد من نسابتهم‏.‏وبنو مرين لهذا العهد يعرفون لهم هذا النسب ويوجبون لهم العصبية به‏.‏وكانت هاتان القبيلتان من أوفر بطون زناتة وأشدهم شوكة ومواطنهم جميعاً بالمغرب الأوسط‏.‏وبنو ومانوا منهم إلى جهة الشرق عن وادي ميناس في منداس ومرات وما إليها من أسافل شلف وبنو يلومي بالعدوة الغربية منه بالجعبات والبطحاء وسيك وسيرات وجبل هوارة وبني راشد‏.‏وكان لمغراوة وبني يفرن التقدم عليهم في الكثرة والقوة‏.‏ولما غلب بلكين بن زيري مغراوة وبني يفرن على المغرب الأوسط وأزاحهم إلى المغرب الأقصى بقيت هاتان القبيلتان بمواطنهما واستعملتهم صنهاجة في حروبهم حتى إذا تقلص ملك صنهاجة عن المغرب الأوسط اعتزوا عليهم‏.‏واختص الناصر بن علناس صاحب القلعة ومختط بجاية بني ومانوا هؤلاء بالولاية فكانوا سيفاً لقومه دون بني يلومي‏.‏وكانت رياسة بني ومانو في أبيت منهم يعرفون ببني ماخوخ‏.‏وأصهر المنصور بن الناصر إلى ماخوخ منهم في أخته فزوجها إياه فكان لهم بذلك مزيد ولاية في الدولة‏.‏ولما ملك المرابطون تلمسان أعوام سبعين وأربعماية وأنزل يوسف بن تاشفين بها عامله محمد بن تينعمر المسوفي ودوخ أعمال المنصور وملك أمصارها إلى أن نازل الجزائر وهلك فولي أخوه تاشفين على عمله فغزا أشير وافتتحها وخربها‏.‏وكان لهذين الحيين من زناتة أثر في مظاهرته وإمداده أحقد عليهم المنصور بعدها وغزا بني ومانوا في عساكر صنهاجة وجمع له ماخوخ فهزمه واتبعه منهزماً إلى بجاية فقتل لمدخله إلى قصره وقتل زوجه أخت ماخوم تشفياً وضغناً‏.‏ثم نهض إلى تلمسان في العساكر واحتشد العرب من الأثبج ورياح وزغبة ومن لحق به من زناتة وكانت الغزاة المشهورة سنة ست وثمانين أبقى فيها على ابن تينعمر المسوفي بعد استمكانه من البلد كما ذكرناه في أخبار صنهاجة‏.‏ثم هلك المنصور وولي ابنه العزيز وراجع ماخوخ ولايتهم وأصهر إليه العزيز أيضاً في ابنته فزوجها إياه‏.‏واعتز البدو في نواحي المغرب الأوسط واشتعلت نار الفتنة بين هذين الحيين من بني ومانوا وبني يلومي فكانت بينهم حروب ومشاهد‏.‏وهلك ماخوخ وقام بأمره في قومه بنوه تاشفين وعلي وأبو بكر وكان أحياء زناتة الثانية من عبد الواد وتوجين وبني راشد وبني ورسيفان من مغراوة مدداً للفريقين وربما ماد بنو مرين إخوانهم بني يلومي لقرب مواطنهم منهم إلا أن زناتة الثانية لذلك العهد مغلبون لهذين الحيين وأمرهم تبع لهم إلى أن ظهر أمر الموحدين‏.‏وزحف عبد المؤمن إلى المغرب الأوسط في أتباع تاشفين بن علي وتقدم أبو بكر بن ماخوخ ويوسف بن يدر من بني ومانوا إلى طاعته ولحقوه بمكانه من أرض الريف فسرح معهم عساكر الموحدين لنظر يوسف بن وانودين وابن يغمور فأثخنوا في بلاد بني يلومي وبني عبد الواد ولحق صريخهم بتاشفين بن علي بن يوسف فأمدهم بالعساكر ونزلوا منداس‏.‏واجتمع لبني يلومي بنو ورسيفان من مغراوة وبنو توجين من بني بادين وبنو عبد الواد منهم أيضاً وشيخهم حمامة بن مظهر وبنو يكاسن من بني مرين وأوقعوا ببني ومانوا وقتلوا أبا بكر بن ماخوخ في ستماية منهم واستنقذوا غنائمهم‏.‏وتحصن الموحدون وفل بني ومانوا بجبال سيرات ولحق تاشفين بن ماخوخ صريخاً بعبد المؤمن وجاء في جملته حتى نازل تاشفين بن علي بتلمسان‏.‏ولما ارتحل في أثره إلى وهران كما قدمناه سرح الشيخ أبا حفص في عساكر الموحدين إلى بلاد زناتة فنزلوا منداس وسط بلادهم وأثخنوا فيهم حتى أذعنوا للطاعة ودخلوا في الدعوة‏.‏ووفد على عبد المؤمن بمكانه من حصار وهران بمشيختهم يقدمهم سيد الناس بن أمير الناس شيخ بني يلومي وحمامة بن مظهر شيخ بني عبد الواد وعطية الخير شيخ بني توجين وغيرهم فتلقاهم بالقبول‏.‏ثم انتقضت زناتة بعدها وامتنع بنو يلومي بحصنهم الجعبات ومعهم شيوخهم سيد الناس وبدرح ابنا أمير الناس فحاصرهم عساكر الموحدين وغلبوهم عليها وأشخصوهم إلى المغرب‏.‏ونزل سيد الناس بمراكش وبها كان مهلكه أيام عبد المؤمن‏.‏وهلك بعد ذلك بنو ماخوخ‏.‏ولما أخذ أمر هذين الحئين في الأنتقاض جاذب بني يلومي في تلك الأعمال بنو توجين وشاجروهم في أحواله ثم واقعوهم الحرب في جوانبه‏.‏وتولى ذلك فيهم عطية الخير كبير بني توجين وصلى بنارها منهم معه بنو منكوش من قومه حتى غلبوهم على مواطنهم وأذلوهم وأصاروهم جيراناً لهم في قياطنهم واستعلى بنو عبد الواد وتوجين على هذين الحيين وغيرهم بولايتهم للموحدين ومخالطتهم إياهم فذهب شأنهم وافترق قيطونهم أوزاعاً في زمانه الوارثين أوطانهم من بني عبد الواد وتوجين والبقاء لله وحده‏.‏ومن بطون بني ومانوا هؤلاء قبائل بني يالدس وقد يزعم زاعمون أنهم من مغراوة ومواطنهم متصلة قبلة المغرب الأقصى والأوسط وراء العرق المحيط بعمرانهم المذكور قبل‏.‏اختطوا في تلك المواطن القصور والأطم واتخذوا بها الجنات من النخيل والأعناب وسائر الفواكه‏:‏ فمنها على ثلاث مراحل قبلة سجلماسة وتسمى وطن توات وفيه قصور متعددة تناهز المئين آخذة من الغرب إلى الشرق وآخرها من جانب الشرق يسمى تمنطيت رهو بلد مستبحر في العمران وهو ركاب التجار المترددين من المغرب إلى بلد مالي من السودان لهذا العهد ومن بلد مالى إليه بينه وبين ثغر بلد مالي المسمى غار المفازة المجهلة لا يهتدى فيها للسبل ولا يمر الوارد إلا بالدليل الخريت من الملثمين الظواعن بذلك القفر يستأجره التجار على البذرقة بهم بأوفى الشروط‏.‏ولقد كانت بلد بودي وهي أعلى تلك القصور بناحية المغرب من ناحية السوس هي الركاب إلى والاتن الثغر الأخير من أعمال مالي‏.‏ثم أهملت لما صارت الأعراب من بادية السوس يغيرون على سابلتها ويعترضون رفاقها فتركوا تلك ونهجوا الطريق إلى بلد السودان من أعلى تمنطيت‏.‏ومن هذه القصور قبلة تلمسان وعلى عشر مراحل منها قصور تيكورارين وهي كثيرة تقارب الماية في بسيط واد منحدر من الغرب إلى الشرق واستبحرت في العمران وغصت بالساكن‏.‏وأكثر سكان هذه القصور الغربية في الصحراء بنو يالدس هؤلاء ومعهم من سائر قبائل زناتة والبربر مثل ورتطغير ومصاب وبني عبد الواد وبني مرين هم أهل عديد وعدة وبعد عن هضيمة الأحكام وذل المغارم وفيهم الرجالة والخيالة وأكثرهم معاشهم من فلح النخل وفيهم التجر إلى بلد السودان وضواحيها كلها مشتاة للعرب ومختصة بعبيد الله من المعقل عينتها لهم قسمة الرحلة‏.‏وربما شاركهم بنو عامر من زغبة في تيكورارين فتصل إليها ناجعتهم بعض السنين‏.‏وأما عبيد الله فلا بد لهم في كل سنة من رحلة الشتاء إلى قصور توات وبلد تمنطيت ومع ناجعتهم تخرج قفول التجار من الأمصار والتلول حتى يخطوا بتمنطيت ثم يبذرقون منها إلى بلد السودان‏.‏وفي هذه البلاد الصحراوية إلى وراء العرق غريبة في استنباط المياه الجارية لا توجد في تلول المغرب وذلك أن البئر تحفر عميقة بعيدة الهوى‏.‏وتطوى جوانبها إلى أن يوصل بالحفر إلى حجارة صلدة فتحت بالمعاول والفؤس إلى أن يرق جرمها ثم تصعد الفعلة ويقذفون عليها زبرة من الحديد تكسر طبقها عن الماء فينبعث صاعداً فيفعم البئر ثم يجري على وجه الأرض وادياً‏.‏ويزعمون أن الماء ربما أعجل بسرعته عن كل شيء‏.‏وهذه الغريبة موجودة في قصور توات وتيكورارين وواركلا وريغ‏.‏والعالم أبو العجائب‏.‏ والله الخلاق العليم‏.‏وهذا آخر الكلام في الطبقة الأولى من زناتة ولنرجع إلى أخبار الطبقة الثانية منهم وهم الذين اتصلت دولتهم إلى هذا العهد‏.‏الطبقة الثانية من زناتة أخبار الطبقة الثانية من زناتة وذكر أنسابهم وشعوبهم وأوليتهم قد تقدم لنا في تضاعيف الكلام قبل انقراض الملك من الطبقة الأولى من زناتة ما كان على يد صنهاجة والمرابطين من بعدهم وأن عصبة أجيالهم افترقت بانقراض ملكهم ودولهم وبقيت منهم بطون لم يمارسوا الملك ولا أخلقهم ترفه فأقاموا في قياطنهم بأطراف المغربين ينتجعون جانبي القفر والتل ويعطون الدول حق الطاعة‏.‏وغلبوا على بقايا الأجيال الأولى من زناتة بعد أن كانوا مغلبين لهم فأصبحت لهم السورة والعزة وصارت الحاجة من الدول إلى مظاهرتهم ومسالمتهم حتى انقرضت دولة الموحدين فتطاولوا إلى الملك وضربوا فيه مع أهله بسهم‏.‏وكانت لهم دول نذكرها إن شاء الله‏.‏وكان أكثر هذه الطبقة من بني واسين بن يصلتين إخوة مغراوة وبني يفرن‏.‏ويقال إنهم من بني وانتن بن ورسيك بن جانا إخوة مسارت وتاجرت وقد تقدم ذكر هذه الأنساب‏.‏وكان من بني واسين هؤلاء ببلاد قسطيلية‏.‏وذكر ابن الرقيق أن أبا يزيد النكاري لما ظهر بجبل أوراس كتب إليهم بمكانهم حول توزر يأمرهم بحصارها فحاصروها سنة ثلاث وثلاثين وثلاثماية‏.‏وربما أن منهم ببلد الحامة لهذا العهد ويعرفون ببني ورتاجن إحدى بطونهم‏.‏وأما جمهورهم فلم يزالوا بالمغرب الأقصى ما بين ملوية إلى جبل راشد‏.‏وذكر موسى بن أبي العافية في كتابه إلى الناصر الأموي يعرفه بحربه مع ميسور مولى أبي القاسم الشيعي وبمن صار إليه من قبائل البربر وزناتة فذكر فيهم من كان على ملوية وصا من قبائل بني واسين وبني يفرن وبني ورتاسن وبني وريمت ومطماطة فذكر منهم بني واسين لأن تلك المواطن هي مواطنهم قبل الملك‏.‏وفي هذه الطبقة منهم بطون‏:‏ فمنهم بنو مرين وهم أكثرهم عدداً وأقواهم سلطاناً وملكاً وأعظمهم دولة ومنهم أبو عبد الواد تلوهم في الكثرة والقوة وبنو توجين من بعدهم كذلك‏.‏هؤلاء أهل الملك من هذه الطبقة‏.‏وفيها من غير أهل الملك‏:‏ بنو راشد إخوة بني بادين كما نذكره وفيها أهل الملك أيضاً من غير نسبهم بقية من مغراوة بمواطنهم الأولى من وادي شلف نبضت فيهم عروق الملك بعد انقراض جيلهم الأول فتجاذبوا حبله مع أهل هذا الجيل‏.‏وكانت لهم في مواطنهم دولة كما نذكره‏.‏ومن أهل هذه الطبقة كثير من بطونها ليس لهم ملك‏:‏ نذكرهم الآن حين تفصيل شعوبهم‏.‏وذلك أن أحياءهم جميعاً تشعبت من زحيك بن واسين فكان منهم بنو سادين بن محمد وبنو مرين بن ورتاجن‏:‏ فأما بنو ورتاجن فهم من ولد ورتاجن بن ماخوخ بن وجديج بن فاتن بن يدر بن يخفت بن عبد الله بن ورتنيد بن المغر بن إبراهيم بن زحيك‏.‏وأما بنو مرين بن ورتاجن فتعددت أفخاذهم وبطونهم كما نذكره بعد حتى كثروا سائر شعوب بني ورتاجن وصار بنو ورتاجن معدودين في جملة أفخاذهم وشعوبهم‏.‏وأما بنو بادين بن محمد فمن ولد زحيك ولا أذكر الآن كيف يتصل نسبهم به‏.‏وتشعبوا إلى شعوب كثيرة‏:‏ فكان منهم بنو عبد الواد وبنو توجين وبنو مصاب وبنو أزردال يجمعهم كلهم نسب بادين بن محمد‏.‏وفي محمد هذا يجتمع بادين وبنو راشد ثم اجتمع محمد مع ورتاجن في زحيك بن واسين وكانوا كلهم معروفين بين زناتة الأولى ببني واسين قبل أن تعظم هذه البطون والأفخاذ وتشعبت مع الأيام‏.‏وبأرض إفريقية وصحراء برقة وبلاد الزاب منهم طوائف من بقايا زناتة الأولى قبل انسياحهم إلى المغرب‏:‏ فمنهم بقصور غدامس على عشرة مراحل قبل سرت وكانت مختطة منذ عهد الإسلام وهي خطة مشتملة على قصور وآطام عديدة وبعضها لبني واطاس من أحياء بني مرين يزعمون أن أوائلهم اختطوها وهي لهذا العهد قد استبحرت في العمارة واتسعت في التمدن بما صارت محطاً لركاب الحاج من السودان وقفل التجار إلى مصر والإسكندرية عند إراحتهم من قطع المفازة ذات الرمال المعترضة أمام طريقهم دون الأرياف والتلول وبابا لولوج تلك المفازة والحاج والتجر في مرجعهم‏.‏ومنهم ببلاد الحمة على مرحلة من غربي قابس أمة عظيمة من بني ورتاجن‏.‏وفرت منهم حاميتها واشتدت شوكتها وارتحل إليها التجر بالبضائع لنفاق أسواقها وتبحر عمارتها وامتنعت لهذا العهد على من يرومها ممن يجاورها فهم لا يودون خراجاً ولا يسمامون بمغرم حتى كأنهم لا يعرفونه عزة جناب وفضل بأس ومنعة‏.‏يزعمون أن سلفهم من بني ورتاجن اختطوها ورياستهم في بيت منهم يعرفون ببني وشاح وربما طال على رؤسائهم عهد الخلافة ووطأة الدول فيتطاولون إلى التي تنكر على السوقة من اتخاذ الآلات ويبرزون في زي السلطان أيام الزينة تهاوناً بشعار الملك ونسياناً لمألوف الانقياد شأن جرانهم رؤساء توزر ونفطة‏.‏وسابق الغاية في هذه المضحكة هو يملول مقدم توزر‏.‏ومن بني واسين هؤلاء بقصور مصاب على خمس مراحل من جبل تيطري في القبلة بما دون الرمال وعلى ثلاث مراحل من قصور بني ريغة في المغرب وهذا الاسم اسم للقوم الذين اختطوها ونزلوها من شعوب بني بادين حسبما ذكرناهم الآن‏.‏ووضعها في أرض حرة على آكام وضراب ممتنعة في قننها‏.‏وبينها وبين الأرض الحجرة المعروفة بالحمادة في سمت العرق متوسطة فيه قبالة تلك البلاد فراسخ في ناحية القبلة وسكانها لهذا العهد شعوب بني بادين من بني عبد الواد وبني توجين ومصاب وبني زردال فيمن يضاف إليهم من شعوب زناتة وإن كانت شهرتها مختصة بمصاب وحالها في المباني والأغراس وتفرق الجماعة بتفرق الرياسة شبيهة بحال بلاد بني ريغة والزاب‏.‏ومنهم بجبل أوراس بإفريقية طائفة من بني عبد الواد موطنوه منذ العهد الأقدم لأول الفتح معروفون بين ساكنيه‏.‏وقد ذكر بعض الإخباريين أن بني عبد الواد حضروا مع عقبة بن نافع في فتح المغرب عند إيغاله في ديار المغرب وانتهائه إلى البحر المحيط بالسوس في ولايته الثانية وهي الغزاة التي هلك في منصرفه منها وأنهم أبلوا البلاء الحسن فدعا لهم وأذن في رجوعهم قبل استتمام الغزاة‏.‏ولما تحيزت زناتة إلى المغرب الأقصى أمام كتامة وصنهاجة اجتمع شعوب بني واسين هؤلاء كلهم ما بين ملوية وصا كما ذكرناه‏.‏وتشعبت أفخاذهم وبطونهم وانبسطوا في صحراء المغرب الأقصى والأوسط إلى بلاد الزاب وما إليها من صحارى إفريقية إذ لم يكن للعرب في تلك المجالات كلها مذهب ولا مسلك إلى الماية الخامسة كما سبق ذكره‏.‏ولم يزالوا بتلك البلاد مشتملين لبوس العز مستمرين للأنفة وكان جل مكاسبهم الأنعام والماشية وابتغاؤهم الرزق من تحيف السابلة وفي ظل الرماح المشرعة وكانت لهم في محاربة الأحياء والقبائل ومنافسة الأمم والدول ومغالبة الملوك أيام ووقائع تلم بها ولم تعظم العناية باستيعابها فتأتي به‏.‏والسبب في ذلك أن اللسان العربي كان غالباً بغلب دولة العرب وظهور الملة العربية بالكتاب والخط بلغة الدولة ولسان الملك واللسان العجمي مستتر بجناحه مندرج في غماره ولم يكن لهذا الجيل من زناتة في الأحقاب القديمة ملك يحمل أهل الكتاب على العناية بتقييد أيامهم وتدوين أخبارهم ولم تكن مغالطة بينهم وبين أهل الأرياف والحضر حتى يشهدوا آثارهم لإبعادهم في القفار كما رأيت في مواطنهم وتوحشهم عن الانقياد فبقيت غفلاً إلى أن درس منها الكثير ولم يصل إليها منها بعد مهلكهم إلا الشارد القليل يتبعه المؤرخ المضطلع في مسالكه ويتقراه في شعابه ويستثيره من مكامنه وأقاموا بتلك القفار إلى أن تسنموا منها هضبات الملك على ما نصفه‏.‏ على المماليك والدول وذلك أن أهل هذه الطبقة من بني واسين وشعوبهم التي سميناها كانوا تبعا لزناتة الأولى ولما انزاحت زناتة إلى المغرب الأقصى أمام كتامة وصنهاجة خرج بنو واسين هؤلاء القفر ما بين ملوية وصا فكانوا يرجعون إلى ملوك المغرب لذلك العهد‏.‏مكناسة أولا ثم مغراوة من بعدهم‏.‏ثم حسر تيار صنهاجة عن المغرب وتقلص ملكهم الشيء وصاروا إلى الاستجاشة على القاصية بقبائل زناتة فأومضت بروقهم ورفت في ممالك زناتة منابتهم كما قدمناه‏.‏واقتسم أعمالها بنو ومانو وبنو يلومي ناحيتين وكانت ملوك صنهاجة أهل القلعة إذا عسكروا للمغرب يستنفرونهم لغزوه ويجمعون حشدهم للتوغل فيه‏.‏وكان بنو واسين هؤلاء ومن تشعب منهم من القبائل الشهيرة الذكر‏:‏ مثل بني مرين وبني توجين ومصاب قد ملكوا القفر ما بين ملوية وأرض الزاب وامتنعت عليهم الأرياف من المغربين بمن ملكها من زناتة الذين ذكرناهم وكان أهل الرياسة بتلك الأرياف والضواحي من زناتة مثل بني ومانوا وبني يلومي بالمغرب الأوسط وبني يفرن ومغراوة بتلمسان يستجيشون ببني واسين هؤلاء ويستظهرون بجموعهم على من زاحمهم أو قارعهم من ملوك صنهاجة وزناتة وغيرهم يجأجئون بهم من مواطنهم لذلك ويقرضونهم القرض الحسن من المال والسلاح والحبوب المعوزة لديهم بالقفار فيتأثلون منهم ويرتاشون‏.‏وعظمت حاجة بني حماد إليهم في ذلك عندما عصفت بهم ريح العرب الطوالع من بني هلال بن عامر وأصرعوا دولة المعز وصنهاجة بالقيروان والمهدية وألانوا من حدهم وزحفوا إلى المغرب الأوسط فدافع بنو حماد عن حوزته وأوعزوا إلى زناتة بمدافعتهم أيضاً فاجتمع لذلك بنو يعلى ملوك تلمسان من مغراوة وجمعوا من كان إليهم من بني واسين هؤلاء من بني مرين وعبد الواد وتوجين وبني راشد‏.‏وعقدوا على حرب الهلاليين لوزيرهم بو سعدى خليفة اليفرني فكان له مقامات في حروبهم ودفاعهم عن ضواحي الزاب والمغرب الأوسط إلى أن هلك في بعض أيامه معهم‏.‏وغلب الهلاليون قبائل زناتة على جميع الضواحي وأزاحوهم عن الزاب وما إليه من بلاد إفريقية وانشمر بنو واسين هؤلاء من بني مرين وعبد الواد وتوجين عن الزاب إلى موطنهم بصحراء المغرب الأوسط من مصاب وجبل راشد إلى ملوية وفيكيك ثم إلى سجلماسة ولاذوا ببني ومانوا وبني يلومي ملوك الضواحي بالمغرب الأوسط وتفيأوا ظلهم واقتسموا ذلك القفر بالمواطن فكان لبني مرين الناحية الغربية منها قبلة المغرب الأقصى بتيكورارين ودبدوا إلى ملوية وسجلماسة وبعدوا عن بني ومانوا وبني يلومي إلا في الأحايين وعند الصريخ‏.‏وكان لبني بادين منها الناحية الشرقية قبلة المغرب الأوسط ما بين فيكيك ومديونة إلى جبل راشد ومصاب وكانت بينهم وبين بني مرين فتن متصلة باتصال أيامهم في تلك المواطن سبيل القبائل الجيران في مواطنهم وكان الغلب في حروبهم أكثر ما يكون لبني بادين لما كانت شعوبهم أكثر وعددهم أوفر فإنهم كانوا أربعة شعوب‏:‏ بني عبد الواد وبني توجين وبني زردال وبني مصاب وكان معهم شعب آخر وهم إخوانهم بنو راشد لأنا قدمنا أن راشد أخو بادين‏.‏وكان موطن بني راشد الجبل المشهور بهم بالصحراء ولم يزالوا على هذه الحال إلى أن ظهر أمر الموحدين فكان لعبد الواد وتوجين ومغراوة من المظاهرة لبني يلومي على الموحدين ما هو مذكور في أخبارهم‏.‏ثم غلب الموحدون على المغرب الأوسط وقبائله من زناتة فأطاعوا وانقادوا وتحيز بنو عبد الواد وبنو توجين إلى الموحدين وازدلفوا إليهم بأمحاض النصيحة ومشايعة الدعوة وكان التقدم لبني عبد الواد عون الشعوب الأخرى وأمحضوا النصيحة للموحدين فاصطنعوهم عون بني مرين كما نذكر في أخبارهم‏.‏وأقطعهم الموحدون ضواحي المغرب الأوسط كما كانت لبني يلومي وبني ومانوا فملكوها‏.‏وتفرد بنو مرين بعد دخول بني بادين إلى المغرب الأوسط بتلك الصحراء لما اختار الله لهم من وفور قسمهم في الملك واستيلائهم على سلطان المغرب الذي غلبوا به الدول واشتملوا الأقطار ونظموا المشارق إلى المغارب واقتعدوا كراسي الدول المسامتة لهم بأجمعها ما بين السوس الأقصى إلى إفريقية‏.‏والملك لله يؤتيه من يشاء من عباده‏.‏فيه لزناتة عولة وسلطاناً في الأرض واقتادوا الأمم برسن الغلب وناغاهم في ذلك الملك البدوي إخوانهم بنو توجين‏.‏وكانت في هذه الطبقة الثانية بقية أخرى مما ترك آل خزر من قبائل مغراوة الأولى كانوا موطنين بقرار عزهم ومنشأ جيلهم بوادي شلف فجاذبوا هؤلاء جبل الملك وناغوهم في أطوار الرياسة واستطالوا بمن وصل جناحهم من هذه فتطاولوا إلى مقاسمتهم في الملك ومساهمتهم في الأمر‏.‏وما زال بنو عبد الواد في الغض من عنانهم وجدع أنوف عصيانهم حتى أوهنوا من بأسهم وخصت الدولة العبد الوادية ثم المرينية بسمة الملك المخلفة من جناح تطاولهم وتمحض ذلك كله عن استبداد بني مرين واستتباعهم بجميع هؤلاء العصائب كما نذكر لك الان دولتهم واحدة بعد أخرى ومصاير أمور هؤلاء الأربعة التي هي رؤوس هذه الطبقة الثانية من الملك لله يؤتيه من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين‏.‏ولنبدأ منها بذكر مغراوة بقية الطبقة الأ ولى وما كان لرؤسائهم أولاد منديل من الملك في هذه الطبقة الثانية‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 03:37 PM

الخبر عن أولاد مند يل
من الطبقة الثانية وما أعادوا لقومهم من مغراوة من الملك بموطنهم الأول من شلف وما إليه من نواحي المغرب الأوسط لما ذهب الملك عن مغراوة بانقراض ملوكهم آل خزر واضمحلت دولتهم بتلمسا ن وسجلماسة وفاس وطرابلس وبقية قبائل مغراوة متفرقة في مواطنهم الأولى بنواحي المغربين وإفريقية والصحراء والتلول والكثير منهم بعنصرهم ومركزهم الأول بموطن شلف وما إليه فكان به بنو ورسيفان وبنو ورتزمان وبنو أيليت ويقال إنهم من ورتزمان وبنو سعيد وبنو زجاك وبنو سنجاس وربما يقال إنهم من زناتة وليسوا من مغراوة وكان بنوخزرون الملوك بطرابلس فأقام بجبل أوراس مدة ثم انتقل إلى زواوة فأقام بينهم أعواما‏.‏ثم ارتحل عنهم فنزل على بقايا قومه مغراوة بشلف من بني ورسيفان وبني ورتزمين وبني بو سعيد وغيرهم فتلقوه بالمبرة والكرامة وأوجبوا له حق البيت الفي ينتسب إليه‏.‏وأصهر إليهم فأنكحوه وكثر ولده وعرفوا بينهم ببني محمد ثم بالخزرية نسبة إلى سلفه الأول‏.‏وكان من ولده الملقب أبو ‏"‏ بن عبد الصمد بن وارجيع بن عبد الصمد وكان منتحلا للعبادة والخيرية وأصهر سإليه بعض ولد ماخوخ ملوك بني ومانوا بابنته فأنكحه إياها فعظم أمره عندهم بقومه ونسبه وصهره‏.‏وجاءت دولة الموحدين على إثرذلك فرمقوه بعين التجلة لما كان عليه من طرق الخير فأقطعوه بوادي شلف وأقام على ذلك‏.‏وكان له من الولد وارجيع وهو كبيرهم وعزيز ويغريان وماكور ومن بنت ابن ماخوخ عبد الرحمن وكان أجلهم شأنا عنده وعند قومه عبد الرحمن هذا لما يوجبون له بولادة ماخوخ ويزعمون أنه لما ولد خرجت به أمه إلى الصحراء فألقته إلى شجرة وذهبت في بعض حاجتها فأطاف به يعسوب من النحل متواقعين عليه‏.‏وبصرت به على البعد فجاءت تعدو لما أدركها من الشفقة وقال لها بعض العرافين احتفظي عليه فوالله ليكونن له شأن‏.‏ونشأ عبد الرحمن هذا في حق هذه التجلة مدلاً بنسبه وبأسه‏.‏وكثر عشيره من بني أبيه واعصوصب عليه قبائل مغراوة فكان له بذلك شوكة وفي دولة الموحدين تقدمة لما كان يوجب لهم على نفسه من الانحياش والمخالطة والتقدم في مذاهب الطاعة‏.‏وكان السادة منهم يمرون به في غزواتهم إلى إفريقية ذاهبين وراجعين فينزلون منه خير نزل وهم ينقلبون بحمده والشكر لمذهبه فيزيد خلفاؤهم اغتباطًا به‏.‏وأدرك بعض السادة وهو بأرض قومه


الخبر بمهلك الخليفة بمراكش
فخلف الذخيرة والظهر أسلمها إلى عبد الرحمن هذا فنجا بدمائه بعد أن صحبه إلى تخم وطنه فكانت له فيها ثروة أكسبته قوة وكثرة فاستركب من قومه واستكثر من عصابته وعشيره‏.‏وهلك خلال ذلك وقد فشل ريح بني عبد المؤمن وضعف أمر الخلافة بمراكش‏.‏وكان له من الولد منديل وتهيم وكان أكبرهما منديل فقام بأمر قومه على حين عصفت رياح الفتنة وأجلب ابن غانية على أعمال المغرب الأوسط‏.‏وسما لمنديل أمل في التغلب على ما يليه فاستأسد في عرينه وحمى عن أشباله‏.‏ثم فسح خطوته إلى ما جاوره من البلاد فملك جبل وكان بسيط متيجة لهذا العهد مستبحرًا بالعمران آهلاً بالقرى والأمصار‏.‏ونقل الإخباريون أن أهل متيجة لذلك العهد كانوا يجمعون في ثلاثين مصرًا فجاس خلالها وأوطأ الغارات ساحتها وخرب عمرانها حتى تركها خاوية على عروشها‏.‏وهو في ذلك يوهم التمسك بطاعة الموحدين وأنه سلم لمن سالمهم وحرب على من عاداهم‏.‏وكان ابن غانية منذ غلبه الموحدون على إفريقية قد أزاحوه إلى قابس وما إليها ونزل الشيخ أبو محمد بن أبي حفص بتونس فدفعه عن إفريقية إلى أن هلك سنة ثمان عشرة فطمع يحيى بن غانية في استرجاع أمره وأسف إلى الثغور والأمصار يعيث فيها ويخربها ثم تجاوز إفريقية إلى بلاد زناتة وشن عليها الغارات واكتسح البسائط وتكررت الوقائع بينه وبينهم‏.‏وجمع له منديل بن عبد الرحمن ولقيه بمتيجة وكانت الدبرة عليه وانفضت عنه مغراوة فقتله ابن غانية صبراً سنة اثنتين أو ثلاث وعشرين‏.‏وتغلب على الجزائر إثر نكبته فصلب بها شلوه وصيره مثلاً للآخرين‏.‏وقام بأمره في قومه بنوه وكانوا نجباء فكان لهم العدة والشرف وكانوا يرجعون في أمرهم إلى كبيرهم العباس فتقبل مذاهب أبيه وأقصر عن بلاد متيجة‏.‏ثم غلبهم بنو توجين على جبل وانشريش وضواحي المرية وما إلى ذلك‏.‏وانقبضوا إلى مراكزهم الأولى بشلف وأقاموا بها ملكًا بدويًا لم يفارقوا فيه الظعن والخيام والضواحي والبسائط‏.‏واستولوا على مدينة مليانة وتنس وبرشك وشرشال مقيمين فيها الدعوة الحفصية واختطوا قرية مازونة‏.‏ولما استوسق الملك بتلمسان ليغمراسن بن زيان واستفحل سلطانه بها وعقد له عليها ولأخيه من قبله بنو عبد المؤمن سما إلى التغلب على أمصار المغرب الأوسط وزاحم بني توجين وبني منديل هؤلاء بمناكبه فلفتوا وجوههم جميعاً إلى الأمير أبي زكريا بن أبي حفص مديل الدولة بإفريقية من آل عبد المؤمن وبعثوا إليه الصريخ على يغمراسن فاحتشد لها جموع الموحدين والعرب وغزا تلمسان وافتتحها كما ذكر ناه‏.‏ولما قفل إلى الحضرة عقد مرجعه لأمراء زناتة كل على قومه ووطنه‏:‏ فعقد للعباس بن منديل على مغراوة ولعبد القوي على توجين ولأولاد حبورة على ملكيش وسوغ لهم اتخاذ الآلة فاتخذوها بمشهد منه‏.‏وعقد العباس السلم مع يغمراسن ووفد عليه بتلمسان فلقاه مبرة وتكريمًا وذهب عنه بعدها مغاضبًا‏.‏يقال إنه تحدث بمجلسه يومًا فزعم أنه رأى فارسًا واحدًا يقاتل مايتين من الفرسان فنكر ذلك من سمعه من بني عبد الواد وعرضوا تكذيبه فخرج العباس لها مغاضبًا حتى أتى قومه وأتى يغمراسن مصداق قوله فإنه كان يعني بذلك الفارس نفسه‏.‏ وهلك العباس لخمس وعشرين سنة من بعد أبيه سنة سبع وأربعين وقام بالأمر بعده أخوه محمد بن منديل وصلحت الحال بينه وبين يغمراسن وصاروا إلى الاتفاق والمهادنة‏.‏ونفر معه بقومه مغراوة إلى غزو المغرب سنة كلدمان وهي سنة سبع وأربعين وستماية وهزمهم فيها يعقوب بن عبد الحق فرجعوا إلى أوطانهم وعاودوا شأنهم في العداوة‏.‏وانتقض عليهم أهل مليانة وخلعوا الطاعة الحفصية‏.‏وكان من خبر هذا الانتقاض أن أبا العباس أحمد الملياني كان كبير وقته علماً وديناً ورواية وكان عالي السند في الحديث فرحل إليه بالأعلام وأخذ عنه الأئمة وأوفت به الشهرة على ثنايا السيادة فانتهت إليه رياسة بلده على عهد يعقوب المنصور وبنيه‏.‏ونشأ ابنه أبو علي في جو هذه العناية وكان جموحاً للرياسة طامحاً إلى الاستبداد وهو مع ذلك خلو من المغارم‏.‏فلما هلك أبوه جرى في شاو رئاسته طلقاً ثم رأى ما بين مغراوة وبني عبد الواد من الفتنة فحدثته نفسه بالاستبداد ببلده فجمع لها جراميزه وقطع الدعاء للخليفة المستنصر سنة تسع وخمسين‏.‏وبلغ الخبرإلى تونس فسرح الخليفة أخاه أبا حفص في عسكر من الموحدين في جملته ‏"‏ دون الريك بن هراندة ‏"‏ من آل أذفونش ملوك الجلالقة وكان نازعاً إليه عن أبيه في طائفة من قومه فنازلوا مليانة أياماً‏.‏وداخل السلطان طائفة من مشيخة البلد المنحرفين عن أبي علي الملياني فسرب إليهم جندا بالليل واقتحموها من بعض المداخل وفر أبو علي الملياني تحت الليل‏.‏وخرج من بعض قنوات البلد فلحق بأحياء العرب ونزل على يعقوب بن موسى أمير العطاف من بطون زغبة فأجاره إلى أن لحق بعدها بيعقوب بن عبد الحق فكان من أمره ما ذكرناه في أخبارهم‏.‏وانصرف عسكر الموحدين والأمير أبو حفص إلى الحضرة وعقدوا لمحمد بن منديل على مليانة فأقام فيها الدعوة الحفصية على سنن قومه‏.‏ثم هلك محمد بن منديل سنة اثنتين وستين لخمس عشرة من ولايته قتله أخواه ثابت وعياد بمنزل ظواعنهم بالخميس من بسيط بلادهم وقتل معه عطية ابن أخيه منيف‏.‏وشاركه ثابت في الأمر واجتمع إليه قومه وتقطع بين أولاد منديل وخشنت صدورهم‏.‏واستغلظ يغمراسن بن زيان عليهم وداخله عمر بن منديل أخوهم في أن يمكنه من مليانة ويشد عضده على رياسة قومه فشارطه على ذلك وأمكنه من أزمة البلد سنة ثمان وستين ونادى بعزل ثابت ومؤازرة عمر على الأمر فتم لهما ما أحكماه من أمرهما في مغراوة‏.‏واستمكن بها يغمراسن من قياد قومه‏.‏ثم تناغى أولاد منديل في الازدلاف إلى يغمراسن بمثلها نكاية لعمر فاتفق ثابت وعايد أولاد منديل على أن يحكماه في تنس فأمكناه منها سنة اثنتين وسبعين على اثني عشر ألفاً من الذهب‏.‏واستمرت ولاية عمر إلى أن هلك سنة ست وسبعين فاستقل ثابت بن منديل برياسة مغراوة وأجاز عايد أخوه إلى الأندلس للرباط والجهاد مع صاحبه زيان بن محمد بن عبد القوي وعبد الملك بن يغمراسن فحول زناتة واسترجع ثابت بلاد تنس ومليانة من يد يغمراسن ونبذ إليه العهد‏.‏ثم استغلظ يغمراسن عليهم واسترد تنس سنة إحدى وثمانين بين يدي مهلكه‏.‏ولما هلك يغمراسن وقام بالأمر ابنه عثمان انتقضت عليه تنس ثم ردد الغزو إلى بلاد توجين ومغراوة حتى غلبهم آخراً على ما بأيديهم وملك المرية بمداخلة بني لمدية أهلها سنة سبع وثمانين‏.‏وغلب ثابت بن منديل على مازونة فاستولى عليها ثم نزل له عن تنس أيضاً فملكها‏.‏ولم يزل عثمان مراغماً لهم إلى أن زحف إليهم سنة ثلاث وتسعين فاستولى على أمصارهم وضواحيهم وأخرجهم عنها وألجأهم إلى الجبال‏.‏ودخل ثابت بن منديل إلى برشك ممانعاً دونها فزحف إليه عثمان وحاصره بها حتى إذا استيقن أنه أحيط به ركب البحر إلى المغرب ونزل على يوسف بن يعقوب سلطان بني مرين صريخاً سنة أربع وتسعين فأكرمه ووعده بالنصرة من عدوه وأقام بفاس‏.‏وكانت بينه وبين ابن الأشهب من رجالات بني عسكر صحابة ومداخلة فجاء بعض الأيام إلى منزله ودخل عليه من غير استئذان وكان ابن الأشهب تملا فسطا به وقتله‏.‏وثار السلطان به منه وانفجع لموته‏.‏وكان ثابت بن منديل قد أقام ابنه محمداً للأمر في قومه وولاه عليهم لعهده واستبد بملك مغراوة دونه ولما انصرف أبوه ثابت إلى المغرب أقام هو بأمارته على مغراوة‏.‏وهلك قريباً من مهلك أبيه فقام بأمرهم من بعده شقيقه علي ونازعه الأمر أخواه رحمون ومنيف فقتله منيف ونكر ذلك هو منهم وأبوا من أمارتهما عليهم فلحقا بعثمان بن يغمراسن فأجازهما إلى الأندلس‏.‏وكان أخوهما معمر بن ثابت قائداً على الغزاة بالبغيرة فنزل لمنيف عنها فكانت أول ولاية وليها بالأندلس‏.‏ولحق بهم أخوهم عبد المؤمن فكانوا جميعاً هنالك‏.‏ومن أعقاب عبد المؤمن يعقوب بن زيان بن عبد المؤمن ومن أعقاب منيف بن عمر بن منيف وجماعة منهم هم لهذا العهد بوطن الأندلس‏.‏ولما هلك ثابت بن منديل سنة أربع وتسعين كما قلناه كفل السلطان ولده وأهله وكان فيهم حافده راشد بن محمد فأصهر إليه في أخته فأنكحه إياها‏.‏ونهض إلى تلمسان سنة ثمان وتسعين فأناخ عليها واختط مدينة لحصارها وسرح عساكر في نواحيها‏.‏وعقد على مغراوة وشلف لعمر بن ويغرن بن منديل وبعث معه جيشاً فافتتح مليانة وتنس ومازونة سنة تسع وتسعين ووجد راشد في نفسه إذ لم يوليه على قومه وكان يرى أنه الأحق بنسبه وصهره فنزع عن السلطان ولحق بجبال متيجة ودس إلى أوليائه في مغراوة حتى وجد فيهم الدخلة فأغذ السير ولحق بهم فافترق أمر مغراوة‏.‏وداخل أهل مازونة فانتقضوا على السلطان وبيت عمر بن ويغرن بأزمور من ضواحي بلادهم فقتله‏.‏واجتمع عليه قومه وسرح السلطان إليه الكتائب من بني عسكر لنظر الحسن بن علي بن أبي الطلاق ومن بني ورتاجن لنظر علي بن محمد الخيري من بني توجين لنظر أبي بكر بن إبراهيم بن عبد القوي ومن الجند لنظر علي بن حسان صبحي من صنائعه‏.‏وعقد على مغراوة لمحمد بن عمر بن منديل وزحفوا إلى مازونة وقد ضبطها راشد وخلف عليها علياً وحمو ابني عمه يحيى بن ثابت‏.‏ولحق هو ببني بو سعيد مطلاً عليهم وأناخت العساكر بمازونة ووالوا عليها الحصار سنتين حتى شهدوهم‏.‏وبعث علي بن يحيى أخاه حمو إلى السلطان من غير عهد فتقبض عليه‏.‏اضطره الجهد إلى مركب الغرور فخرج إليهم ملقياً بيده سنة ثلاث‏.‏وأشخصه إلى سلطان فعفا عنه واستبقاه واحتسبهما تأنيساً واستمالة لراشد‏.‏ثم سرح العساكر إلى قاصية الشرق لنظر أخيه أبي يحيى بن يعقوب فنازل راشد بن محمد في معقل بني بو سعيد وطال حصاره إياه وأمكنته الغرة بعض الأيام في العساكر وقد تعلقوا بأوعار الجبل زاحفين إليه فهزمهم‏.‏وهلك في تلك الواقعة خلق من بني مرين وعساكر السلطان وذلك سنة أربع وسبعماية‏.‏وبلغ الخبرإلى السلطان فأحفظه ذلك عليهم وأمر بابن عمه علي بن يحيى وأخيه حمو ومن معهم من قومهم فقتلوا رشقاً بالسهام واستلحمهم‏.‏ثم سرح أخاه أبا يحيى بن يعقوب ثانية سنة أربع فاستولى على بلاد مغراوة ولحق راشد بجبال صنهاجة من متيجة ومعه عمه منيف بن ثابت ومن اجتمع إليهم من الثعالبة فنازلهم أبو يحيى بن يعقوب‏.‏وراسل راشد يوسف بن يعقوب فانعقدت بينهما السلم ورجعت العساكر عنهم‏.‏وأجاز منيف بن ثابت مع بنيه وعشيرته إلى الأندلس فاستقروا هنالك آخر الأيام‏.‏ولما هلك يوسف بن يعقوب بمناخه على تلمسان آخر سنة ست وانعقدت السلم بين حافده أبي ثابت وبين أبي زيان بن عثمان سلطان بني عبد الواد على أن يخلي له بنو مرين عن جميع ما ملكوه من أمصارهم وأعمالهم وثغورهم وبعثوا في حاميتهم وعمالهم وأسلموها لعمال أبي زيان‏.‏وكان راشد قد طمع في استرجاع بلاده وزحف إلى مليانة فأحاط بها‏.‏فلما نزل عنها بنو مرين لأبي زيان وصارت مليانة وتنس له أخفق سعي راشد وأفرج عن البلد‏.‏ثم كان مهلك أبي زيان قريباً وولى أخوه أبو حمو موسى بن ضمان‏.‏واستولى على المغرب الأوسط فملك تافر كينت سنة سبع وملك لعدها مليانة والمرية ثم ملك تنس وعقد عليها لمسامح مولاه وقارن ذلك حركة صاحب بجاية السلطان أبي البقاء خالد ابن مولانا الأمير أبي زكريا ابن السلطان أبي إسحاق إلى متيجة لاسترجاع الجزائر من يد ابن علان الثائر عليهم فلقيه هنالك راشد بن محمد وصار في حملته وظاهره على شأنه‏.‏ولقاه السلطان تكرمة وبراً وعقد له ولقومه حلفاً مع صنهاحة أولياء الدولة والمتغلبين على ضاحية بجاية وجبال زواوة فاتصلت يد راشد بيد زعيمهم يعقوب بن خلوف أحد وزراء الدول‏.‏ولما نهض السلطان خالد للاستئثار بملك الحضرة تونس استعمل يعقوب بن خلوف على بجاية وعسكر راشد معه بقومه وأبلى في الحروب بين يديه وأغنى في مظاهرة أوليائه حتى إذا ملك حضرتهم واستولى على تراث سلفهم أسف حاجب الدولة راشد هذا وقومه بإمضاء الحكم في بعض حشمه لعرض للخرابة في السابلة فتقبض عليه ورفع إلى سدة السلطان فأمضى فيه حكم الله‏.‏وذهب راشد مغاضباً ولحق بوليه ابن خلوف ومضطربه من زواوة‏.‏وكان يعقوب بن خلوف قد هلك وولى السلطان مكانه ابنه عبد الرحمن فلم يرع حق أبيه في إكرام صديقه راشد‏.‏وتشاجر معه في بعض الأيام مشاجرة نكر عبد الرحمن فيها ملاحاة راشد له وأنف منها وأدل فيها راشد بمكانه من الدولة وببأس قومه فلذعه بالقول وتناوله عبد الرحمن وحشمه وخزاً بالرماح إلى أن أقعصوه‏.‏وانذعر جميع مغراوة ولحقوا بالثغور القاصية فأقفر منهم شلف وما إليه كأن لم يكونوا به‏.‏وأجاز منهم بنو منيف وبنو ويغرن إلى الأندلس للمرابطة بثغور المسلمين فكانت منهم حامية موطنة هنالك أعقابهم لهذا العهد‏.‏وأقام في جوار الموحدين فل آخر من أوساط قومهم كانوا شوكة في عساكر الدولة إلى أن انقرضوا‏.‏ولحق علي بن راشد طفلا بعمته في قصر بني يعقوب بن عبد الحق فكفلته وصار أولاد منديل عصباً إلى وطن بني مرين فتولوهم وأحسنوا جوارهم وأصهروا إليهم سائر الدولة إلى أن تغلب السلطان أبو الحسن على المغرب الأوسط ومحا دولة آل زيان وجمع كلمة زناتة وانتظم مع بلادهم بلاد إفريقية وانتقضت العمالات والأطراف وانتزى أعياص الملك بمواطنهم الأولى فتوثب علي بن راشد بن محمد بن ثابت بن منديل على بلاد شلف وتملكها وتغلب على أمصارها‏:‏ مليانة وتنس وبرشك وشرشال وأعاد ما كان لسلفه فيها من الملك على طريقتهم البدوية وأرهفوا حدهم لمن طالبهم من القبائل‏.‏وخلص السلطان أبو الحسن من ورطته بإفريقية ثم من ورطة البحر بمرسى بجاية إلى الجزائر يحاول استرجاع ملكه المفترق فبعث إلى علي بن راشد وذكره ذمته فتذكر وحن وأشترط لنفسه التجافي عن ملك قومه بشلف على أن يظاهره على بني عبد الواد فأبى السلطان أبو الحسن من اشتراط ذلك له فتحيز عنه إلى فيئة بني عبد الواد الناجمين بتلمسان كما ذكرناه قبل وظاهرهم عليه‏.‏وبرز إليهم السلطان أبو الحسن من الجزائر والتقى الجمعان بشربوبة سنة إحدى وخمسين فاختل مصاف السلطان أبي الحصن وانهزم جمعه وهلك ابنه الناصر طاح عمه في مغراوة هؤلاء‏.‏وخرج إلى الصحراء ولحق منها بالمغرب الأقصى كما نذكره بعد‏.‏وتطاول الناجمون بتلمسان من آل يغمراسن إلى انتظام بلاد مغراوة في ملكهم كما كان لسلفهم فنهض إليهم بعساكر بني عبد الواد رديف سلطانهم وأخوه أبو ثابت الزعيم بن عبد الرحمن بن يغمراسن فأوطأ قومه بلاد مغراوة سنة اثنتين وخمسين وفل جموعهم وغلبهم على الضاحية والأمصار‏.‏وأحجر علي بن راشد بتنس في شرذمة من قومه وأناخ بعساكره عليه وطال الحصار ووقع الغلب‏.‏ولما رأى علي بن راشد أن قد أحيط به دخل إلى زاوية من زوايا قصره وانتبذ فيها عن الناس وذبح نفسه بحد حسامه وصار مثلاً وحديثاً للآخرين‏.‏واقتحم البلد لحينه واستلحم من عثر عليه من مغراوة لآخرون إلى أطراف الأرض ولحقوا بأهل الدول فاستركبوا واستلحقوا وصاروا جنداً للدول وحشماً وأتباعا وانقرض أمرهم من بلاد شلف‏.‏ثم كانت لبني مرين الكرة الثانية إلى تلمسان وغلبوا آل زيان ومحوا آثارهم‏.‏ثم فاء ظلهم بملك السلطان أبي عنان وحسر تيارهم‏.‏وجدد الناجمون من آل يغمراسن دولة ثالثة بمكان عملهم على يد أبي حمو الأخير ابن موسى بن يوسف كما نذكره في أخبارهم‏.‏ثم كانت لبني مرين الكرة الثالثة إلى بلد تلمسان ونهض السلطان لعزيز ابن السلطان أبي الحسن إليها فاتح سنة اثنتين وسبعين وسرح عساكره في أتباع أبي حمو الناجم بها من آل يغمراسن حين فر أمامه في قومه وأشياعه من العرب كما لك كله‏.‏ولما انتهت العساكر إلى البطحاء تلوموا هنالك أياما لإزاحة عللهم‏.‏وكان في جملتهم صبي من ولد علي بن راشد الذبيح اسمه حمزة ربي يتيماً في حجر دولتهم لذمام الصهر الذي لقومه فيهم فكفلته نعمتهم وكنفه جوهم حتى شب واستوى وسخط رزقه ديوانهم وحاله بين ولدانهم‏.‏واعترض بعض الأيام قائد الجيوش الوزير أبا بكر بن غازي شاكياً فجبهه وأساء رده فركب الليل ولحق بمعقل بني بوسعيد من بلد شلف فأجاروه ومنعوه ونادى بدعوة قومه فأجابوه‏.‏وسرح إليهم السلطان عبد العزيز وزيره عمر بن مسعود بن منديل بن حمامة كبير تيربيغين في جيش كثيف من بني مرين والجند فنزل بساحة ذلك الجبل فحاصرهم حولاً كريتاً ينال منهم وينالون منه وامتنعوا عليه واتهم السلطان وزيره بالمداهنة وسعى به منافسوه فتقبض عليه وسرح وزيره الآخر أبا بكر بن غازي فنهض يجر العساكر الضخمة والجيوش الكثيفة إلى أن نزل بهم وصبحهم القتال فقذف الله في قلوبهم الرعب وأنزلهم من معقلهم‏.‏وفر حمزة بن علي في فل من قومه فلحق ببلاد حصين المنتقضين كانوا على الدولة أبي زيان بن أبي سعيد الناجم من آل يغمراسن حسبما نذكر‏.‏وأتى بنو أبي سعيد طاعتهم وأخلصوا الضمائر في مغيبهم وحسن موقعها‏.‏وبدا لحمزة في الرجوع إليهم فأغذ السير في لمة من قومه حتى إذا ألم بهم نكروه لمكان ما اعتقلوا به من حبل الطاعة فتسهل إلى البسائط وقصد تيمزوغت يظن بها غرة ينتهزها‏.‏وبرزت إليه حاميتها ففلوا حده وردوه على عقبه وتسابقوا في أتباعه إلى أن تقبضوا عليه وقادوه إلى الوزير ابن غازي بن الكاس‏.‏وأوعز إليه السلطان بقتله في جملة أصحابه فضرب أعناقهم وبعث بها إلى سدة السلطان‏.‏وصلب أشلاءهم على خشب مسندة نصبها لهم ظاهر مليانة وامحى أثر مغراوة وانقرض أمرهم وأصبحوا خولا للأمراء وجندا في الدول وأوزاعاً في الأقطار كما كانوا قبل هذه الدولة الأخيرة لهم‏.‏والبقاء لله وحده وكل شيء هالك إلا وجهه‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 03:38 PM

الخبر عن دولة بني عبد الواد
من هذه الطبقة الثانية وما كان لهم بتلمسان وبلاد المغرب الأوسط من الملك والسلطان وكيف كان مبدأ أمرهم ومصائر أحوالهم قد تقدم لنا في أول هذه الطبقة الثانية من زناتة ذكر بني عبد الواد هؤلاء وأنهم من ولد بادين بن محمد إخوة توجين ومصاب وزردال وبني راشد وأن نسبهم يرتفع إلى زحيك بن واسين بن ورشيك بن جانا وذكرنا كيف كانت حالهم قبل الملك في مواطنهم تلك‏.‏وكان إخوانهم بمصاب وجبل راشد وفيكيك وملوية ووصفنا من حال فتنتهم مع بني مرين إخوانهم المجتمعين معهم بالنسب في زحيك بن واسين‏.‏ولم يزل بنو عبد الواد هؤلاء بمواطنهم تلك وكان إخوانهم بنو راشد وبنو زردال وبنو مصاب منجدين إليهم بالنسب والحلف وبنو توجين منابذين لهم أكثر أزمانهم ولم يزالوا جميعاً متغلبين على ضاحية المغرب الأوسط عامة الأزمان وكانوا تبعاً فيه لبني ومانوا وبني يلومي حين كان لهم التغلب فيه‏.‏وربما يقال إن شيخهم لذلك العهد كان يعرف بيوسف بن تكفا حتى إذا نزل عبد المؤمن والموحدون نواحي تلمسان وسارت عساكرهم إلى بلاد زناتة تحت راية الشيخ أبي حفص فأوقعوا بهم كما ذكرناه حسنت بعد ذلك طاعة بني عبد الواد وانحياشهم إلى الموحدين وكانت بطونهم وشعوبهم فية أظهرها فيما يذكرون ستة‏:‏ بنو ياتكين وبنو وللو وبنو ورصطف ومصموحة وبنو تومرت وبنو القاسم‏.‏ويقولون بلسانهم ايت القاسم وايت حرف الإضافة النسبية عندهم‏.‏ويزعم بنو القاسم هؤلاء أنهم من ولد القاسم بن إدريس‏.‏وربما قالوا في هذا القاسم أنه ابن محمد بن إدريس أو ابن محمد بن عبد الله أو ابن محمد بن القاسم وكلهم من أعقاب إدريس مزعماً لا مستند له إلا اتفاق بني القاسم هؤلاء عليه مع أن البادية بعداء عن معرفة مثل هذه الأنساب‏.‏والله أعلم بصحة ذلك‏.‏وقد قال يغمراسن بن زيان أبو ملوكهم لهذا العهد لما رفع نسبهم إلى إدريس كما يذكرونه فقال برطانتهم ما معناه‏:‏ إن كان هذا صحيحاً فينفعنا عند الله‏.‏وأما الدنيا فإنما نلناها بسيوفنا‏.‏ولم تزل رياسة بني عبد الواد في بني القاسم لشدة شوكتهم واعتزاز عصبتهم وكانوا بطونا كثيرة‏:‏ فمنهم بنو يكنيمن بن القاسم‏.‏وكان منهم ويغرن بن مسعود بن يكنيمن وأخواه يكنيمن وعمر وكان أيضاً أعدوي بن يكنيمن الأكبر ويقال الأصغر‏.‏ومنهم أيضاً عبد الحق بن منغفاد من ولد ويغرن‏.‏وكانت الرياسة عليهم لعهد عبد المؤمن لعبد الحق بن منغفاد واعدوى بن يكنيمن‏.‏وعبد الحق بن منغفاد هو الذي استنفد الغنائم من يد بني مرين وقتل المخضب بمسوف حين بعثه عبد المؤمن مع الموحدين لذلك‏.‏والمؤرخون يقولون عبد الحق بن معاد بميم وعين مهملة مفتوحتين وألف بعدها دال وهو غلط وليس هذا اللفظ بهذا الضبط من لغة زناتة وإنما هو تصحيف منغفاد بميم ونون بعدها مفتوحتين وغين بعدهما معجمة ساكنة وفاء مفتوحة والله أعلم‏.‏ومن بطون بني القاسم بنو مطهر بن يمل بن يزكن بن القاسم‏.‏وكان حمامة بن مطهر من شيوخهم لعهد عبد المؤمن وأبلى في حروب زناتة مع الموحدين ثم حست طاعته وانحياشه ومن بطون بني القاسم أيضاً بنو علي وإليهم انتهت رياستهم وهم أشدهم عصبية وأكثرهم جمعاً وهم أربعة أفخاذ‏:‏ بنو طاع الله وبنو دلول وبنو كمي وبنو معطي بن جوهر والأربعة بنو علي‏.‏ونصاب الرياسة في بني طاع الله لبني محمد بن زكدان بن تيدوكسن بن طاع الله‏.‏هذا ملخص الكلام في نسبهم‏.‏ولما ملك الموحدون بلاد المغرب الأوسط وبلوا من طاعتهم وأنحياشهم ما كان سبباً لاستخلاصهم فأقطعوهم عامة بلاد بني يلومي وبني ومانوا وأقاموا بتلك المواطن وحدثت الفتنة بين بني طاع الله وبني كمي إلى أن قتل كندوز من بني كمي زيان بن ثابت كبير بني محمد بن زكدان وشيخهم‏.‏وقام بأمرهم بعده جابر ابن عمه يوسف بن محمد فثار من كندوز بزيان ابن عمه وقتله به في بعض أيامهم وحروبهم‏.‏ويقال قتله غيلة وبعث برأسه ورؤوس أصحابه إلى يغمراسن بن زيان بن ثابت فنصبت عليها القدور أثافي شفاية لنفوسهم من شأن أبيه زيان‏.‏وافترق بنو كمي وفر بهم عبد الله كندوز كبيرهم فلحقوا بتونس‏.‏ونزل على الأمير أبي زكرياء كما سنذكره بعد‏.‏واستبد جابر بن يوسف بن محمد برياسة بني عبد الواد‏.‏وأقام هذا الحي من بني عبد الواد بضواحي المغرب الأوسط حتى إذا فشل بني عبد المؤمن وانتزى يحيى بن غانية على جهات قابس وطرابلس وردد الغزو والغارات على بسائط إفريقية والمغرب الأوسط فاكتسحها وعاث فيها وكبس الأمصار فاقتحمها وانتهب بلاد زناتة وقتل أمراءهم ودخل تلمسان ووهران واستباحهما وغيرهما من بلاد المغرب الأوسط وألح على تاهرت بالغارة وإفساد السابلة وانتهاب الزرع وحطم النعم إلى أن خربت وعفى رسمها لسني الثلاثين من الماية السابعة‏.‏وكانت تلمسان لذلك العهد نزلاً للحامية ومناخاً للسيد من القرابة الذي يضم نثرها ويذب عن أنحائها‏.‏وكان المأمون استعمل على تلمسان أخاه السيد أبا سعيد وكان غفلا ضعيف التدبير‏.‏وغلب الحسن بن حبون من مشيخة قومه كومية وكان عاملاً على الوطن وكانت في نفسه من بني عبد الواد ضغائن جرها ما كان حدث لهم من التغلب على الضاحية وكان في حامية تلمسان لمة من بقايا لمتونة تجافت الدولة عنهم وأثبتهم عبد المؤمن في الديوان وجعلهم مع الحامية‏.‏وكان زعيمهم في ذلك العهد إبراهيم بن إسماعيل بن علان وشفع عندهم في المشيخة المعتقلين من بني عبد الواد فردوه فغضب وحمى أنفه وأجمع الانتقاض والقيام بدعوة ابن غانية فجدد ملك المرابطين من قومه بقاصية الشرق فاغتار الحسن بن حبون لحينه وتقبض على السيد أبي سعيد وأطلق المشيخة من بني عبد الواد ونقض طاعة المأمون وذلك سنة أربع وعشرين‏.‏فطير إلى ابن غانية فأغذ إليه السير‏.‏ثم بدا له في أمر بني عبد الواد ورأى أن ملاك أمره في حضد شوكتهم وخفض جناحهم فحدث نفسه بالفتك بمشيختهم ومكر بهم في دعوة واعدهم لها‏.‏وفطن لتدبير ذلك جابر بن يوسف شيخ بني عبد الواد فواعده اللقاء والمؤازرة وطوى له على النث وخرج إبراهيم بن علان إلى لقائه ففتك به جابر‏.‏وبادر إلى البلد فنادى بدعوة المأمون وطاعته وكشف لأهلها القناع عن مكر ابن علان بهم وما أوقعهم فيه من ورطة ابن غانية فحمدوا رأيه وشكروا جابراً على صنيعه وجددوا البيعة للمأمون‏.‏واجتمع إلى جابر في أمره هذا كافة بني عبد الواد وأحلافهم من بني راشد وبعث إلى المأمون بطاعته واعتماله في القيام بدعوته فخاطبه بالشكر وكتب له العهد على تلمسان وسائر بلاد زناتة على رسم السادة الذين كانوا يلون ذلك من القرابة فاضطلع بأمر المغرب الأوسط وكانت هذه الولاية ركابا إلى صهوة الملك الذي اقتعدوه‏.‏ثم انتقض عليه أهل ندرومة بعد ذلك فنازلهم وهلك في حصارها بسهم غرب أثبته سنة تسع وعشرين‏.‏وقام بالأمر من بعده ابنه الحسن وجدد له المأمون عهده بالولاية ثم ضعف عن الأمر وتخلى عنه لستة أشهر من ولايته‏.‏ودفع إليه عمه عثمان بن يوسف وكان سيء الملكة كثير العسف والجور فثارت به الرعايا بتلمسان وأخرجوه سنة إحدى وثلاثين وارتضوا لمكانه ابن عمه زكران بن زيان بن ثابت الملقب بأبي عزة فاستدعوه لها وولوه على أنفسهم وبلدهم وسلموا له أمرهم‏.‏وكان مضطلعاً بأمر زناتة مستبداً برياستهم ومستولياً على سائر الضواحي فنفس أبو مطهر عليه وعلى قومه بني علي إخوانهم ما آتاهم الله من الملك وأكرمهم به من السلطان‏.‏وجسدوا زكران وسلفه فيما صار لهم من الملك فشاقوه ودعوا إلى الخروج عليه‏.‏واتبعهم بنو راشد بن محمد أحلافهم منذ عهد الصحراء وجمع لهم أبو عزة سائر قبائل بني عبد الواد فكانت بينه وبينهم حرب سجال هلك في بعض أيامها سنة ثلاث وثلاثين‏.‏وقام بالأمر من بعده أخوه يغمراسن بن زيان فوقع التسليم والرضى به من سائر القبائل ودان له بالطاعة جميع الأمصار‏.‏وكتب له الخليفة الرشيد بالعهد على عمله وكان له ذلك سلماً إلى الملك الذي أورثه تلمسان




ميارى 12 - 8 - 2010 03:38 PM

الخبر عن تلمسان
وما تأدى إلينا من أحوالها من لدن الفتح إلي أن تأثل بها سلطان بني عبد الواد ودولتهم هذه المدينة قاعدة المغرب الأوسط وأم بلاد زناتة اختطها بنو يفرن بما كانت في مواطنهم ولم نقف على أخبارها فيما قبل ذلك‏.‏وما يزعم بعض العوام من ساكنها أنها أزلية البناء وإن الجدار الذي ذكر في القرآن في قصة الخفر وموسى عليهما السلام هو بناحية أكادير منها فأمر بعيد عن التحصيل لأن موسى عليه السلام لم يفارق المشرق إلى المغرب وبنو إسرائيل لم يتسع ملكهم لإفريقية فضلا عما وراءها وإنما هي من مقالات التشيع المجبول عليه أهل العالم في تفضيل ما ينسب إليهم أو ينسبون إليه من بلد أو أرض أو علم أو صناعة‏.‏ولم نقف لها على خبر أقدم من خبر ابن الرقيق بأن أبا المهاجر الذي ولي إفريقية بين ولايتي عقبة بن نافع الأولى والثانية توغل في ديار المغرب ووصل إلى تلمسان وبه سميت عيون المهاجر قريباً منها‏.‏وذكرها الطبري عند ذكر أبي قرة اليفرني وأجلابه مع أبي حاتم والخوارج مع عمر بن حفص بطبنة‏.‏ثم قال فأفرجوا عنه وانصرف أبو قرة إلى مواطنه بنواحي تلمسان‏.‏وذكرها ابن الرقيق أيضاً في أخبار إبراهيم بن الأغلب قبل إستبداده بإفريقية وأنه توغل في غزوه إلى المغرب ونزلها واسمها في لغة زناتة مركب من كلمتين تلم سين ومعناهما تجمع من اثنين يعنون إلى البر والبحر‏.‏ولما خلص إدريس الأكبر بن عبد الله بن المحسن إلى المغرب الأقصى واستولى عليه نهض إلى المغرب الأوسط سنة أربع وسبعين فتلقاه محمد بن خزر بن صولات أمير زناتة وتلمسان فدخل في طاعته وحمل عليها مغراوة وبني يفرن وأمكنه من تلمسان فملكها واختط مسجدها وصنع منبره وأقام بها أشهراً وانكفأ راجعاً إلى المغرب‏.‏وجاء على أثره من المشرق أخوه سليمان بن عبد الله فنزلها وولاه أمرها‏.‏ثم هلك إدريس وضعف أمرهم‏.‏ولما بويع لابنه إدريس من بعده واجتمع إليه برابرة المغرب نهض إلى تلمسان سنة تسع وتسعين وماية فجدد مسجدها وأصلح منبرها وأقام بها ثلاث سنين ودوخ فيها بلاد زناتة واستوسقت له طاعتهم‏.‏وعقد عليها لبني محمد ابن عمه سليمان‏.‏ولما هلك إدريس الأصغر واقتسم بنوه أعمال المغربين بإشارة أمه كنزة كانت تلمسان في سهمان عيسى بن إدريس بن محمد بن سليمان وأعمالهما لبني أبيه محمد بن سليمان‏.‏فلما انقرضت دولة الأدارسة من المغرب وولي أمره موسى بن أبي العافية بدعوة الشيعة نهض إلى تلمسان سنة تسع عشرة وغلب عليها أميرها لذلك العهد الحسن بن أبي العيش بن عيسى بن إدريس بن محمد بن سليمان ففر عنها إلى مليلة وبنى ولما تغلب الشيعة على المغرب الأوسط أخرجوا أعقاب محمد بن سليمان من سائر تلمسان فأخذا بدعوة بني أمية من وراء البحر وأجازوا إليهم‏.‏وتغلب يعلى اليفرني على بلاد زناتة والمغرب الأوسط فعقد له الناصر الأموي عليها وعلى تلمسان أعوام أربعين وثلاثماية‏.‏ولما هلك يعلى وقام بأمر زناتة بعده محمد بن الخير بن محمد بن خزر داعية الحكم المستنصر فملك تلمسان أعوام ستين‏.‏وهلك في حروب وغلبوهم على بلادهم وانجلى إلى المغرب الأقصى‏.‏ودخلت تلمسان في عمالة صنهاجة إذ انقسمت دولتهم وافترق أمرهم‏.‏واستقل بإمارة زناتة وولاية زيري بن عطية وطرده المنصور بن أبي عامر عن المغرب فصار إلى بلاد صنهاجة وأجلب عليها ونازل معاقلها وأمصارها‏:‏ مثل تلمسان ووهران وتنس وأشير والمسيلة‏.‏ثم عقد المظفر بعد حين لابنه المعز بن زيري على عمل المغرب سنة ست وسبعين واستعمل على تلمسان ابنه يعلى بن زيري واستقرت ولايتها في عقبه إلى أن انقرض أمرهم على يد لمتونة‏.‏وعقد يوسف بن تاشفين عليها لمحمد بن تينعمر المسوفي مهإخيه تاشفين من بعده واستحكمت الفتنة بينه وبين المنصور بن الناصر صاحب القلعة من ملوك بني حماد ونهض إلى تلمسان وأخذ بمخنقهاوكان يغلب عليهاكما ذكرنا ذلك في مواضعه ولما غلب عبد المؤمن لمتونة وقتل تاشفين بن علي بوهران خربها وخرب تلمسان بعد أن قتل الموحد ون عامة أهلها وذلك أعوام أربعين من الماية السادسة‏.‏ثم راجع رأيه فيها وندب الناس إلى عمرانها وجمع الأيدي على رم ما تثلم من أسوارها وعقد عليها لسليمان بن وانودين من مشايخ هنتاتة وآخى بين الموحدين وبين هذا الحي من بني عبد الواد بما بلى من طاعتهم وانحياشهم ثم عقد عليها لابنه السيد أبي حفص ولم يزل آل عبد المؤمن من بعد ذلك يستعملون عليها من قرابتهم وأهل بيتهم ويرجعون إليه أمر المغرب كله وزناتة أجمع اهتمامًا بأمرها واستعظامًا لعملها‏.‏وكان هؤلاء الأحياء من زناتة بنو عبد الواد وبنو توجين وبنو راشد قد غلبوا على ضواحي تلمسان والمغرب الأوسط وملكوها وتقلبوا في بسائطها واحتازوا بأقطاع الدولة الكثير من أرضها والطيب من بلادها والوافر للجباية من قبائلها فإذا خرجوا إلى مشايخهم بالصحراء خلفوا أتباعهم بالتلول لاعتمار أرضهم وازدراع فدنهم وجباية الخراج من رعاياهم‏.‏وكان بنو عبد الواد من ذلك فيما بين البطحاء وملوية ساحله وريفه وصحراءه‏.‏وصرف ولاة الموحدين بتلمسان من الساعة نظرهم واهتمامهم إلى تحصينها وتشييد أسوارها وحشد الناس إلى عمرانها والتناغي في تمصيرها واتخاذ الصروح والقصور بها والاحتفال في مقاصر الملك واتساع خطة الدور‏.‏وكان من أعظمهم اهتماماً بذلك وأوسعهم فيه نظراً السيد أبو عمران موسى ابن أمير المؤمنين يوسف العشري ووليها سنة ست وخمسين على عهد أبيه يوسف بن عبد المؤمن‏.‏واتصلت أيام ولايته فيها فشيد بناءها وأوسع خطتها وأدار سياج الأسوار عليها‏.‏ووليها من بعد السيد أبو الحسن بن السيد أبي حفص بن عبد المؤمن وتقبل فيها مذهبه‏.‏ولما كان من أمر بني غانية وخروجهم من ميورقة سنة إحدى وثمانين ما قدمناه وكبسوا بجاية فملكوها وتخطوا إلى الجزائر ومليانة فغلبوا عليهما تلافى السيد أبو الحسن أمره بإمعان النظر في تشييد أسوارها والاستبلاع في تحصينها وسد فروجها وأعماق الحفائر نطاقاً عليها حتى صيرها أمنع معاقل المغرب وأحسن أمصاره‏.‏وتقبل ولاتها بهذا المذهب من بعده في المعتصم بها‏.‏واتفق من الغريب أن أخاه السيد أبا زيد هو الذي دفع لحرب بني غانية فكان لهما في رقع الخرق والمدافعة عن الدولة آثار‏.‏وكان ابن غانية قد اجتمع إليه ذؤبان العرب من الهلاليين بإفريقية وخالفهم زغبة إحدى بطونهم إلى الموحدين وتحيزوا إلى زناتة المغرب الأوسط وكان مفزعهم جميعاً ومرجع نقضهم وإبرامهم إلى العامل بتلمسان من السادة في مثواهم وحامي حقيقتهم‏.‏وكان ابن غانية كثيراً ما يجلب على ضواحي تلمسان وبلاد زناتة ويطرقها بمن معه من ناعق الفتنة إلى أن خرب الكثير من أمصارها مثل تاهرت وغيرها فأصبحت تلمسان قاعدة المغرب الأوسط وأم هؤلاء الأحياء من زناتة المغرب والكافلة لهم المهيئة في حجرها مهاد نومتهم بما خربت المدينتان اللتان كانتا من قبل قواعد الدول السالفة والعصور الماضية وهما‏:‏ أرشكول بسيف البحر وتاهرت فيما بين الريف والصحراء قبلة البطحاء‏.‏وكان خراب هاتين المدينتين فيما خرب من أمصار المغرب الأوسط فى فتنة ابن غانية وبأجلاب هؤلاء الأحياء من زناتة وطلوعهم على أهلها بسوم الخسف والعيث والنهب وتخطف الناس من السابلة وتخريب العمران ومغالبتهم حاميتها من عساكر الموحدين‏:‏ مثل قصر عجيسة وزرقة والخضراء وشلف ومتيجة وحمزة ومرسى الدجاج والجعبات والقلعة فلم تبصر بها نار ولا لفحت بها لنافح ضرمة ولا صرخت لها آخر الدهر ديكة‏.‏ولم يزل عمران تلمسان يتزايد وخطتها تتسع والصروح بها بالآجر والقرميد تعالى وتشاد إلى أن نزلها آل زيان واتخذوها داراً لملكهم وكرسياً لسلطانهم فاختطوا بها القصور المونقة والمنازل الحافلة واغترسوا الرياض والبساتين وأجروا خلالها المياه فأصبحت أعظم أمصار المغرب‏.‏ورحل إليها الناس من القاصية ونفقت بها أسواق العلوم والصنائع فنشأ بها العلماء واشتهر فيها الأعلام‏.‏وضاهت أمصار الدول الإسلامية والقواعد الخلافية‏.‏والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏


الخبر عن استقلال يغمراسن بن زيان بالملك والدولة بتلمسان وما إليها
وكيف مهد الأمر لقومه و أصاره تراثاً لبنيه كان يغفراسن بن زيان بن ثابت بن محمد من أشد هذا الحي بأساً وأعظمهم في النفوس مهابة وجلالة وأعرفهم بمصالح قبيله وأقواهم كاهلا على حمل الملك واضطلاعاً بالتدبير والرياسة مهدت له بذلك آثار قبل الملك وبعده‏.‏وكان مرموقاً بعين التجلة مؤملاً للأمر عند المشيخه‏.‏وتعظمة من أمره عند الخاصة ويفزع إليه في نوائبه العامة‏.‏فلما ولي هذا الأمر بعد مهلك أخيه أبي عزة زكدان بن زيان سنة ثلاث وثلاثين فقام به أحسن قيام واضطلع بأعبائه وظهر على بني مطهر وبني راشد الخارجين على أخيه وأصارهم فى جملته وتحت سلطانه‏.‏وأحسن السيرة في الرعية واستمال عشيره وقبيله وأحلافهم من زغبة بحسن السياسة والاصطناع وكرم الجوار واتخذ الآلة ورتب الجنود والمسالح واستلحق العساكر من الروم والغز رامحة وناشبة‏.‏وفرض العطاء واتخذ الوزراء والكتاب وبعث في الجهات العمال ولبس شارة الملك والسلطان واقتعد الكرسي ومحا من آثار الدولة المؤمنية وعطل من الأمر والنهي دستها ولم يترك رسوم دولتهم وألقاب ملكهم إلا الدعاء على منابره للخليفة بمراكش وتناول التقليد والعهد من يده تأنيساً للكافة ومرضاة للأكفاء من قومه‏.‏ووفد عليه لأول دولته ابن وضاح إثر دولة الموحدين أجاز البحر مع جالية المسلمين من شرق الأندلس فآثره وقرب مجلسه وأكرم نزله وأحله من الخلة والشورى بمكان اصطفاه له‏.‏ووفد في جملته أبو بكر بن الخطاب المبايع لأخيه بمرسيه وكان مرسلاً بليغاً وكاتباً مجيداً وشاعراً محسناً فاستكتبه وصدر عنه من الرسائل في خطاب خلفاء الموحدين بمراكش وتونر في عهود بيعاتهم ما تنوقل وحفظ‏.‏ولم يزل يغمراسن محامياً عن غيله محارباً لعدوه‏.‏وكانت له مع ملوك الموحدين من آل عبد المؤمن ومديلهم من آل أبي حفص مواطن في التمرس به ومنازلة بلده نحن ذاكرون كذلك‏.‏وبينه وبين أقتاله بني مرين قبل ملكهم المغرب وبعد ملكه وقائع متعددة‏.‏وله على زناتة الشرق من توجين ومغراوة في فل جموعهم وانتساف بلادهم وتخريب أوطانهم أيام مذكورة وآثار معروفة نشير الى جميعها إن شاء الله تعالى‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 03:39 PM

الخبر عن استيلاء الأمير أبي زكرياء علي تلمسان ودخول يغمراسن في دعوته
ولما استقل يغمراسن بن زيان بأمر تلمسان والمغرب الأوسط وظفر بالسلطان وعلا كعبه على سائر أحياء زناته نفسوا عليه ما آتاه اللة من العز وكرمه به من الملك فنابذوه العهد وشاقوه الطاعة وركبوا له ظهر الخلاف والعداوة فشمر لحربهم ونازلهم في ديارهم وأحجرهم في حصونهم ومعتصماتهم من شواهق الجبال وممتنع الأمصار‏.‏وكانت له عليهم أيام مشهورة ووقائع مذكورة معروفة وكان متولي كبر هذه المشاقة عبد القوي بن العباس شيخ بن توجين أقتالهم من بني بادين والعباس بن منديل بن عبد الرحمن وإخوته أمراء مغراوة‏.‏وكان المولى الأمير أبو زكرياء بن أبي حفص منذ استقل بأمر إفريقية واقتطعها عن الإيالة المؤمنية سنة خمس وعشرين كما ذكرناه متطاولاً إلى احتياز المغرب والاستيلاء على كرسي الدعوة بمراكش وكان يرى أن بمظاهرة زناتة له على شأنه يتم ما يسمو إليه من ذلك فكان يداخل أمراء زناتة فيرغبهم ويراسلهم بذلك على الأحياء من بني مرين وبني عبد الواد وتوجين ومغراوة‏.‏وكان يغمراسن منذ تقلد طاعة آل عبد المؤمن أقام دوعوتهم بعمله متحيزاً إليهم سلماً لوليهم وحرباً على عدوهم‏.‏وكان الرشيد منهم قد ضاعف له البر والخلوص وخطب منه مزيد الولاية والمصافاة وعاوده الإتحاف بأنواع الألطاف والهدايا عام سبعة وثلاثين تقمناً لمسراته وميلاً إليه عن جانب أقتاله بني مرين المجلبين على المغرب والدولة‏.‏واحفظ الأمير أبا زكرياء يحيى بن عبد الوأحد صاحب إفريقية ما كان من اتصال يغمراسن بالرشيد وهو من جواره بالمحل القريب واستكره ذلك‏.‏وبينما هو على ذلك إذ وفد عليه عبد القوي بن العباس وولد منديل بن محمد صريخاً على يغمراسن فسهلوا له أمره وسولوا له الاستيلاء على تلمسان وجمع كلمة زناتة واعتداد ذلك ركاباً لما يرومه من امتطاء ملك الموحدين وانتظامه في أمره وسلماً لارتقاء ما يسمو إليه من ملكه وباباً للولوج على أهله فحركه أملاؤهم وهزه إلى النعرة صريخهم وأهاب بالموحدين وسائر الأولياء والعساكر إلى الحركة على تلمسان واستنفر لذلك سائر البدو من الأعراب الذين في عمله من بني سليم ورياح بظعنهم فأهطعوا لداعيه ونهض سنة تسع وثلاثين في عساكر ضخمة وجيوش وافرة وسرح إمام حركته عبد القوي بن العباس وأولاد منديل بن محمد لحشد من بأوطانهم من أحياء زناتة وأتباعهم وذؤبان قبائلهم وأحياء زغبة أحلافهم من العرب وضرب لهم موعداً لموافاتهم في تخوم بلادهم‏.‏ولما نزل زاغر قبلة تيطرى منتهى مجالات رياح وبني سليم في المغرب وافته هنالك أحياء زغبة من بني عامر وسويد وارتحلوا معه حتى نازل تلمسان فجمع عساكر الموحدين وحشد زناتة وظعن المغرب بعد أن قدم إلى يغمراسن الرسل من مليانة والأعذار والبراءة والدعاء إلى الطاعة فرجعهم بالخيبة‏.‏ولما حلت العساكر الموحدين بساحة البلد وبرز يغمراسن وجموعه للقاء نضحتهم ناشبة السلطان بالنبل فانكشفوا ولاذوا بالجدران وأعجزوا من حماية الأسوار فاستمكنت المقاتلة من الصعود‏.‏ورأى يغمراسن أن قد أحيط بالبلد فقصد باب العقبة من أبواب تلمسان ملتفاً على ذويه وخاصته واعترضته عساكر الموحدين فصمم نحوهم وجندل بعض أبطالهم فأفرجوا له ولحق بالصحراء‏.‏وانسلت الجيوش إلى البلد من كل حدب فاقتحموه وعاثوا فيه بقتل النساء والصبيان واكتساح الأموال‏.‏ولما تجلى غشي تلك الهيعة وحسر تيار الصدمة وخمدت نار الحرب راجع الموحدون وأنعم الأمير أبو زكرياء نظره فيمن يقلده أمر تلمسان والمغرب الأوسط وينزله بثغرها لإقامة دعوته الدائلة من دعوة عبد المؤمن والمدافعة عنها‏.‏واستكبر ذلك أشرافهم وتدافعوه وتبرأ أمراء زناتة منه ضعفاً عن مقاومة يغمراسن وعلماً بأنه الفحل الذي لا يقرع أنفه ولا يطرق غيله ولا يصد عن فريسته‏.‏وسرح يغمراسن الغارات في نواحي المعسكر فاختطفوا الناس من حوله وأطلوا من المراقب عليه‏.‏وخاطب يغمراسن خلال ذلك الأمير أبا زكرياء رغباً في القيام بدعوته بتلمسان فراجعه بالإسعاف واتصال اليد على صاحب مراكش وسوغه على ذلك جباية اقتطعها له وأطلق أيدي العمال ليغمراسن لجبايتها‏.‏ووفدت أمه سوط النساء لاشتراط القبول فأكرم موصلها وأسنى جائزتها وأحسن وفادتها ومنقلبها وارتحل إلى حضرته لسبع عشرة ليلة من نزوله‏.‏وفي أثناء طريقه وسوس إليه بعض الحاشية باستبداد يغمراسن عليه وأشاروا بإقامة منافسيه من زناتة وأمراء المغرب الأوسط شجا في صدره ومعترضاً عن مرامه وإلباسهم ما لبس من شارة السلطان وزيه فأجابهم‏.‏وقلد عبد القوي بن عطية التوجيني والعباس بن منديل المغراوي وعلي بن منصور المليكشي من قومهم ووطنهم وعهد إليهم بذلك وأذن لهم في اتخاذ الآلة والمراسم السلطانية على سنن يغمراسن قريعهم فاتخذوها بحضرته وبمشهد من ملوك الموحدين وأقاموا مراسمها ببابه وأغذ السير إلى تونس قرير العين بامتداد ملكه وبلوغ وطره والإشراف على إذعان المغرب لطاعته وانقياده لحكمه وإدالة دعوة بني عبد المؤمن فيه بدعوته‏.‏ودخل يغمراسن بن زيان ووفى للأمير أبي زكرياء بعهده وأقام له الدعوة على سائر منابره وصرف إلى مشانيه من زناتة وجوه عزائمه فأذاق عبد القوي بن العباس وأولاد منديل نكال الحرب وسامهم سوء العذاب والفتنة وجاس خلال ديارهم وتوغل في بلادهم وغلبهم على الكثير من ممالكهم وشرد من الأمصار والقواعد ولاتهم وأشياعهم ودعاتهم ورفع عن الرعية ما نالهم من عدوانهم وسوء ملكتهم وثقل عسفهم وجورهم‏.‏ولم يزل على تلك الحال إلى أن كان من حركة صاحب مراكش بسبب أخذ يغمراسن بالدعوة الحفصية ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 03:40 PM

الخبر عن نهوض السعيد صاحب مراكش ومنازلته يغمراسن بجبل تامز زدكت ومهلكه هنالك
لما انقضت دولة بني عبد المؤمن وانتزى الثوار والدعاة بقاصية أعمالهم وقطعوها عن ممالكهم فاقتطع ابن هود ما وراء البحر من جزيرة الأندلس واسبتد بها وورى بالدعاء للمستنصر بن الظاهر خليفة بغداد من العباسيين لعهده ودعا الأمير أبو زكريا بن أبي حفص بإفريقية لنفسه وسما إلى جمع كلمة زناتة والتغلب على كرسي الدعوة بمراكش فنازل تلمسان وغلب عليها سنة أربعين‏.‏وقارن ذلك ولاية السعيد علي بن المأمون إدريس بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وكان شهماً حازماً يقظاً بعيد الهمة فنظر في أعطاف دولته وفاوض الملأ في تثقيف أطرافها وتقويم مائلها‏.‏وأثار حفائظهم ما وقع من بني مرين في ضواحي المغرب ثم في أمصاوه واستيلائهم على مكناسة وإقامتهم الدعوة الحفصية فيها كما نذكره‏.‏فجهز العساكر وأزاح عللهم واستنفر عرب المغرب وقبائله واحتشد كافة المصامدة‏.‏ونهض من مراكش آخر سنة خمس وأربعين يريد القاصية ويشرد بني مرين عن الأمصار الدانية‏.‏واعترض العساكر والحشود بوادي بهت وأغذ السير إلى تازي فوصلته هنالك طاعة بني مرين كما نذكره‏.‏ونفر معه عسكر منهم ونهض إلى تلمسان وما وراءها‏.‏ونجا يغمراسن بن زيان وبنو عبد الواد بأهليهم وأولادهم إلى قلعة تامز زدكت قبلة وجدة فاعتصموا بها‏.‏ووفد على السعيد الفقيه عبدون وزير يغمراسن مؤدياً للطاعة ثابتاً في مذاهب الخدمة ومتولياً من حاجات الخليفة بتلمسان لما يدعوه إليه ويصرفه في سبيله ومعذراً و يغمراسن عن وصول يغمراسن فلج الخليفة في شأنه ولم يعذره‏.‏وأبى إلا مباشرة طاعته بنفسه وساعده ذلك كانون بن جرمون السفياني صاحب الشورى بمجلسه ومن حضر من الجلة رجعوا عبدونا لاستقدامه فتثاقل خشية على نفسه‏.‏واعتمد السعيد الجبل في عساكره وأناخ بها في ساحه وأخذ بمخنقهم ثلاثاً ولرابعتها ركب مهجراً على حين غفلة من قايلتهم ليتطوف على المعتصم ويتقرى مكانه‏.‏وبصر به فارس من القوم يعرف بيوسف بن عبد المؤمن الشيطان كان أسفل الجبل للاحتراس وقريباً منه يغمراسن بن زيان وابن عمه يعقوب بن جابر فانقضوا عليه من بعض الشعاب وطعنه يوسف فأكبه عن فرسه‏.‏وقتل يعقوب بن جابر وزيره يحيى بن عطوش‏.‏ثم استلحموا لوقتهم مولييه ناصحاً من المعلوجي وعنبراً من الخصيان وقائد جند النصارى أخو القمط ووليداً يافعاً من ولد السعيد‏.‏ويقال إنما كان يوم عبأ العساكر وصعد الجبل للقتال وتقدم أمام الناس فاقتطعه بعض الشعاب المتوعرة في طريقه فتواثب به هؤلاء الفرسان وكان ما ذكرناه وذلك لصفر من سنة ست وأربعين‏.‏


الخبر فأجفلوا وبادر يغمراسن إلى السعيد
وهو صريع بالأرض فنزل إليه وحياه وفداه وأقسم له على البراءة من هلكته والخليفة واجم بمصرعه يجود بنفسه إلى أن فاض وانتهب المعسكر بجملته وأخذ بنو عبد الواد ما كان به من الأخبية والفازات‏.‏واختص يغمراسن بفسطاط السلطان فكان له خالصة دون قومه واستولى على الذخيرة التي كانت فيه‏:‏ منها مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه يزعمون أنه أحد المصاحف التي انتسخت لعهد خلافته وأنه كان في خزائن قرطبة عند ولد عبد الرحمن الداخل حتى صار في ذخائر لمتونة فيما صار إليهم من ذخائر ملوك الطوائف بالأندلس ثم إلى ذخائر الموحدين من خزائن لمتونة وهو لهذا العهد في خزائن بني مرين بفاس فيما استولوا عليه من ذخيرة آل زيان حين غلبهم إياهم على تلمسان واقتحامها عنوة على ملكها منهم عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن يغمراسن فريسة السلطان أبي الحسن مقتحمها غلاباً سنة سبع وثلاثين كما نذكره‏.‏ومنها العقد المنتظم من خرزات الياقوت الفاخرة والدرر المشتمل على مئين متعددة من حصبائه يسمى بالثعبان وصار في خزائن بني مرين منذ ذلك الغلاب فيما اشتملوا عليه من ذخيرتهم إلى أن تلف في البحر عند غرق الأسطول بالسلطان أبي الحسن بمراسي بجاية مرجعه من تونس حسبما نذكره بعد إلى ذخائر من أمثاله وطرف من أشباهه بما يستخلصه الملوك لخزائنهم ويعنون به من ذخائرهم‏.‏ولما سكنت النغرة وركد عاصف تلك الهيمة نظر يغمراسن في شأن مواراة الخليفة فجهز ورفع علي الأعواد إلى مدفنه بالعباد بمقبرة الشيخ أبي مدين عفا الله عنه‏.‏ثم نظر في شأن حرمه وأخته تاعزونت الشهيرة الذكر بعد أن جاءها واعتذر إليها مما وقع وأصحبهن جملة من مشيخة بني عبد الواد إلى مأمنهم ألحقوهن بدرعة عند تخوم طاعتهم فكان له بذلك حديث جميل في الإبقاء على الحرم ورعى مراتب الملك‏.‏ورجع إلى تلمسان وقد خضدت شوكة بني عبد المؤمن وأمنهم على سلطانه‏.‏والبقاء لله وحده قد ذكرنا ما كان من هذين الحيين من المناغاة والمنافسة منذ الآماد المتطاولة بما كانت مجالات الفريقين بالصحراء متجاورة وكان التخم بين الفريقين من وادي صا إلى فيكيك‏.‏وكان بنو عبد المؤمن عند فشل الدولة وتغلب بني مرين على ضاحية المغرب يستجيشون ببني عبد الواد مع عساكر الموحدين على بني مرين فيجوسون خلال المغرب ما بين تازى إلى فاس إلى القصر في سبيل المظاهرة للموحدين والطاعة لهم‏.‏وسنذكر في أخبار بني مرين كثيراً من ذلك‏.‏فلما هلك السعيد وأسف بنو مرين إلى ملك المغرب سما ليغمراسن أمل في مزاحمتهم‏.‏وكان أهل فاس بعد تغلب أبي يحيى بن عبد الحق عليهم قد نقموا على قومه سوء السيرة وتمشت رجالاتهم في اللياذ بطاعة الخليفة المرتضى ففعلوا فعلتهم في الفتك بعامل أبي يحيى بن عبد الحق والرجوع إلى طاعة الخليفة‏.‏وأغذ أبو يحيى السير إلى منازلهم فحاصرهم شهورا‏.‏وفي أثناء هذا الحصار اتصلت المخاطبة بين الخليفة المرتضى ويغمراسن بن زيان في الأخذ بحجرة أبي يحيى بن عبد الحق عن فاس فأجاب يغمراسن داعيه واستنفر لها إخوانه من زناتة فنفر معه عبد القوي بن عطية بقومه من بني توجين وكافة القبائل من زناتة والمغرب ونهضوا جميعاً إلى المغرب‏.‏وبلغ خبرهم إلى أبي يحيى بن عبد الحق بمكانه من حصار فاس فجمر كتائبه عليها ونهض للقائهم في بقية العساكر والتقى الجمعان بايسلى من ناحية وجدة‏.‏وكانت هنالك الواقعة المشهورة بذلك المكان انكشفت فيها جموع يغمراسن وهلك منهم يغمراسن بن تاشفين وغيره ورجعوا في فلهم إلى تلمسان‏.‏واتصلت بعد ذلك بينهم الحروب والفتنات سائر أيامه وربما تخللتها المهادنات قليلا‏.‏وكان بينه وبين يعقوب بن عبد الحق ذمة مواصلة أوجب له رعيها وكثيراً ما كان عنه أخاه أبا يحيى من أجلها‏.‏ونهض أبو يحيى بن عبد الحق سنة خمس وخمسين إلى قتاله وبرز إليه يغمراسن وتزاحفت جموعهم بأبي سليط فانهزم يغمراسن واعتزم أبو يحيى على أتباعه فثناه عن ذلك أخوه يعقوب بن عبد الحق‏.‏ولما قفلوا إلى المغرب صمد يغمراسن إلى سجلماسة لمداخلة كانت بينه وبين المنبات من عرب المعقل أهل مجالاتها وذئاب فلاتها حدثته نفسه اهتبال الغرة في سجلماسة من أجلها وكانت قد صارت إلى إيالة أبي يحيى بن عبد الحق منذ ثلاث كما ذكرناه في أخبارهم ونذر بذلك أبو يحيى فسابق إليها يغمراسن بمن حضره من قومه فثقفها وسد فرجها‏.‏ووصل يغمراسن عقب ذلك بعساكره وأناخ بها وامتنعت عليه فأفرج عنها قافلاً إلى تلمسان‏.‏وهلك أبو يحيى بن عبد الحق إثر ذلك منقلبه إلى فاس فاستنفر يغمراسن أولياءه من زناتة وأحياء زغبة‏.‏ونهض إلى المغرب سنة سبع وخمسين وانتهى إلى كلدمان‏.‏ولقيه يعقوب بن عبد الحق في قومه فأوقع به وولى يغمراسن منهزماً‏.‏ومر بطريقه بتافرسيت فانتسفها وعاث في نواحيها‏.‏ثم تداعوا للسلم ووضع أوزار الحرب وبعث يعقوب بن عبد الحق ابنه أبا مالك لذلك فتولى عقده وإبرامه‏.‏ثم كان التقاؤهما سنة تسع وخمسين براجر قبالة بني يزناسن واستحكم عقد الوفاق بينهما بعد ذلك واتصلت المهادنة إلى أن كان بينهما ما نذكره إن شاء اللة تعالى‏.‏


الخبر عن كائنة النصاري وإيقاع يغمراسن بهم
كان يغمراسن من بعد مهلك السعيد وانفضاض عساكر الموحدين قد استخدم طائفة من جند النصارى الذين كانوا في جملته مستكثراً بهم معتداً بمكانهم ومباهياً بهم في المواقف والمشاهد‏.‏وناولهم طرفاً من حبل عنايته واعتزوا به واستفحل أمرهم بتلمسان حتى إذا كانت سنة اثنتين وخمسين بعد مرجعه من بلاد توجين في إحدى حركاته إليها كانت قصة غدرهم الشنعاء التي أحسن الله في دفاعها عن المسلمين‏.‏وذلك أنه ركب في بعض أيامه لاعتراض الجنود بباب المغرمادين من أبواب تلمسان‏.‏وبينما هو واقف في موكبه عند قايلة الضحى عدا عليه قائدهم وبادر النصارى إلى محمد بن زيان أخي يغمراسن فقتلوه وأشار له بالنجوى فبرز من الصف لإسراره وأمكنه من أذنه فتنكبه النصراني وقد خالطه روعة أحس منها يغمراسن بمكره فانحاص منه‏.‏وركض النصراني أمامه يطلب النجاة‏.‏وتبين الغدر وثارت بهم الدهماء من الحامية والرعايا فأحيط بهم من كل جانب وتناولتهم أيدي الهلاك في كل مهلك قعصاً بالرماح وهبراً بالسيوف وشدخاً بالعصي والحجارة حتى استلحموا وكان يوماً مشهوداً‏.‏ولم يستخدم من بعدها جند النصارى بتلمسان حذراً من غائلتهم‏.‏ويقال إن محمد بن زيان هو الذي داخل القائد في الفتك بأخيه يغمراسن وأنه إنما قتله عندما لم يتم لهم الأمر تبرياً من مداخلته فلم يمهله غاشي الهيعة للتثئت في شأنها‏.‏والله أعلم‏.‏


الخبر عن تغلب يغمراسن على سجلماسة ثم مصيرها بعد إلي أيالة بني مرين
كان عرب المعقل منذ دخول عرب الهلاليين إلى الصحراء المغرب الأقصى أحلافاً وشيعاً لزناتة وأكثر انحياشهم إلى بني مرين إلا ذوي عبيد الله منهم بما كانت مجالاتهم لصق مجالات بني عبد الواد أو مشاركة لها‏.‏ولما استفحل شأن بني عبد الواد بين أيدي ملكهم زاحموهم عنها بالمناكب ونبذوا إليهم العهد واستخلصوا دونهم المنبات من ذوي منصور أقتالهم فكانوا حلفاء وشيعة ليغمراسن ولقومه‏.‏وكان سجلماسة في مجالاتهم ومنقلب رحلتهم وكانت قد صارت إلى ملك بني مرين ثم استبد بها القطراني ثم ثاروا به ورجعوا إلى طاعة المرتضى‏.‏وتولى كبر ذلك علي بن عمر كما ذكرناه في أخبار بني مرين‏.‏ثم تغلب المنبات على سجلماسة وقتلوا عاملها علي بن عمر سنة اثنتين وستين وآثروا يغمراسن بملكها وداخلوا أهل البلد في القيام بدعوته وحملوهم عليها‏.‏وجأجأوا بيغمراسن فنهض إليها في قومه وأمكنوه من قيادها فضبطها وعقد عليها لولده يحيى‏.‏وأنزل معه ابن أخته حنينة واسمه عبد الملك بن محمد بن علي بن قاسم درع من ولد محمد وأنزل معهما يغمراسن بن حمامة فيمن معهم من عشائرهم وحشمهم‏.‏فأقام ابنه يحيى أميراً عليها إلى أن هلك فأدال منه بعبد الملك ابن أخته فلم يزل والياً عليها إلى أن غلب يعقوب بن عبد الحق الموحدين على دار خلافتهم‏.‏وأطاعته طنجة وعامة بلاد المغرب فوجه عزمه إلى انتزاع سجلماسة من طاعة يغمراسن‏.‏وحف إليها في العساكر والحشود من زناتة والعرب والبربر ونصبوا عليها آلات الحصار إلى أن سقط جانب من سورها فاقتحموها منه عنوة في صفر سنة ثلاث وسبعين واستباحوها وقتل القائدان عبد الملك بن حنينة ويغمراسن بن حمامة ومن معهم من بني عبد الواد وأمراء المنبات وصارت إلى طاعة بني مرين آخر الأيام‏.‏والملك لله يؤتيه من يشاء من عباده‏.‏


الخبر عن حروب يغمراسن مع يعقوب بن عبد الحق
قد ذكرنا ما كان من شأن بني عبد المؤمن عند فشل دولتهم واستطالة بني مرين عليهم في الاستظهار ببني عبد الواد واتصال اليد بهم في الأخذ بحجرة عدوهم من بني مرين عنهم ولما هلك المرتضى وولي أبو دبوس سنة خمس وستين وحمي وطيس فتنته مع يعقوب بن عبد الحق فراسل يغمراسن في مدافعته وأكد العهد وأسنى الهدية فأجابه إليها يغمراسن وشن الغارات على ثغور المغرب وأضرمها ناراً‏.‏وكان يعقوب بن عبد الحق محاصراً لمراكش فأفرج عنها ورجع إلى المغرب واحتشد جموعه ونهض إلى لقائه‏.‏وتزاحف الفريقان بوادي تلاغ وقد استكمل كل تعبيته وكانت الوقيعة على يغمراسن استبيحت فيها حرمه واستلحم قومه وهلك ابنه عمر أبو حفص أعز ولده عليه في أتراب له من عشيره‏:‏ مثل ابن عبد الملك بن حنينة وابن يحيى بن مكن وعمر بن إبراهيم بن هشام فرجع عنه يعقوب بن عبد الحق إلى مراكش حتى انقضى شأنه في التغلب عليها ومحا أثر بني عبد المؤمن منها وفرغ لمحاربة بني عبد الواد‏.‏وحشد كافة أهل المغرب من المصامدة والجموع والقبائل‏.‏ونهض إلى بني عبد الواد سنة سبعين فبرز إليه يغمراسن في قومه وأوليائهم من مغراوة والعرب وتزاحفوا بايسلي من نواحي وجدة فكانت الدبرة على يغمراسن‏.‏وانكشفت جموعه وقتل ابنه فارس ونجا بأهله بعد أن أضرم معسكره ناراً تفادياً من معرة اكتساحه‏.‏ونجا إلى تلمسان فانحجر بها وهدم يعقوب بن عبد الحق وجدة ثم نازله بتلمسان واجتمع إليه هنالك بنو توجين مع أميرهم محمد بن عبد القوي وصل يده بيد السلطان على يغمراسن وقومه وحاصروا تلمسان أياماً فامتنعت عليهم وأفرجوا عنها‏.‏وولى كل إلى عمله ومكان ملكه حسبما نذكره في أخبارهم‏.‏وانعقدت بينهما المهادنة من بعد ذلك وفرغ يعقوب بن عبد الحق للجهاد ويغمراسن لمغالبة توجين ومغراوة على بلادهم إلى أن كان من شأنهم ما نذكره‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 03:41 PM

الخبرعن شأن يغمراسن مع مغراوة وبني توجين وما كان بينهم من الأحداث
كانت أحياء من مغراوة في مواطنهم الأولى من نواحي شلف قد سالمتهم الدول عند تلاشي ملكهم وساموهم الجباية فرضوا بها‏:‏ مثل بني ورسيفين وبني يليت وبني ورتزمير‏.‏وكان فيهم سلطان لبني منديل بن عبد الرحمن من أعقاب آل خزر ملوكهم الأولى ومنذ عهد الفتح وما بعده على ما ذكرناه في خبرهم‏.‏فلما انتثر عقد الخلافة بمراكش وتشظت عصاها وكثر الثوار والخوارج بالجهات واستقل منديل بن عبد الرحمن وبنوه من بعده بتلك الناحية وملكوا مليانة وتنس وبرشك وشرشال وما إليها وتطاولوا إلى متيجة فتغلبوا عليها‏.‏ثم مدوا أيديهم إلى جبل وانشريش وما إليه فتناولوا الكثير من بلاده ثم أزاحهم عنها بنو عطية وقومهم من بني توجين المجاورون لها في مواطنهم بأعلى شلف شرقي أرض السرسو وكان ذلك لأول دخول أحياء زناتة الناجعة بأرض القبلة إلى التلول فتغلب بنو عبد الواد على نواحي تلمسان إلى وادي صا‏.‏وتغلب بنو توجين على ما بين الصحراء والتل من بلد المدية إلى جبل وانشريش إلى مرات إلى الجعبات‏.‏وصار التخم لملك بني عبد الواد سيك والبطحاء‏:‏ فمن قبليها لمواطن بني توجين ومن شرقها مواطن مغراوة‏.‏وكانت الفتنة بين بني عبد الواد وبين هذين الحيين منذ أول دخولهم إلى التلول وكان المولى الأمير أبو زكرياء بن أبي يستظهر بهذين الحيين على بني عبد الواد ويراغمهم بهم حتى كان من فتح تلمسان ما قدمناه وألبس جميعهم شارة الملك على ما ذكرناه ونذكره في أخبارهم فزاحموا يغمراسن بعدها بالمناكب وصرف هو إليهم وجه النقمات والحروب‏.‏ولم يزل الشأن ذلك حتى انقرض ملك الحيين لعهد ابنه عثمان بن يغمراسن وعلى يده ثم على يد بني مرين كما يأتي ذكره‏.‏ولما رجع يغمراسن بن زيان من لقاة بني مرين بايسلي من نواحي وجدة التي كانت سنة سبع وأربعين وكان معه فيها عبد القوي بن عطية بقومه من بني توجين وهلك مرجعه منها فنبذ يغمراسن العهد إلى ابنه محمد الأمير بعده وزحف إلى بلاده فجاس خلالها ونازل حصونها فامتنعت عليه‏.‏وأحسن محمد بن عبد القوي في دفاعه ثم زحف ثانية سنة خمسين إليهم فنازل حصن تافركينت من حصونهم‏.‏وكان به على بني زيان حافد محمد بن عبد القوي فامتنع به في طائفة من قومه‏.‏ورحل عنه يغمراسن كظيماً ولم يزل يغمراسن بعدها يشن الغارة على بلادهم ويجمر الكتائب على حصونهم‏.‏وكان بتافركنيت صنيعه من صنائع بني عبد القوي ونسبه في صنهاجة أهل ضاحية بجاية اختص بهذا الحصن ورسخت قدمه فيه واعتز بكثرة ماله وولده فأحسن الدفاع عنه وكان له مع يغمراسن في الامتناع عليه أخبارمذكورة حتى سطا به بنو محمد بن عبد القوي حين شرهوا إلى نعمته وأنفوا من استبداده فأتلفوا نفسه وتخطفوا نعمته فكان حتف ذلك الحصن في حتفه كما يأتي ذكره‏.‏وعندما شبت نار الفتنة بين يغمراسن وبين محمد بن عبد القوي وصل محمد يده يعقوب بن عبد الحق‏.‏فلما نازل يعقوب تلمسان سنة سبعة بعد أن هدم وجدة وهزم يغمراسن بايسلي جاءه محمد بن عبد القوي بقومه من بني توجين وأقام معه على حصارها‏.‏ورحلوا بعد الامتناع عليهم فرجع محمد إلى مكانه ثم عاود يعقوب بن عبد الحق منازلة تلمسان سنة ثمانين وستماية بعد إيقاعه بيغمراسن في خرزوزة فلقيه محمد بن عبد القوي بالقصبات‏.‏واتصلت أيديهم على تخريب بلاد يغمراسن ملياً فنازلوا تلمسان أياماً ثم افترقوا ورجع كل إلى بلده‏.‏ولما خلص يغمراسن بن زيان من حصاره زحف إلى بلادهم وأوطأ عساكره أرضهم وغلب على الضاحية وخرب عمرانها إلى أن تملكها بعده ابنه عثمان كما نذكر‏.‏وأما خبره مع مغراوة فكان عماد رأيه فيهم التضريب بين بني منحيل بن عبد الرحمن للمنافسة التي كانت بينهم في رياسة قومهم‏.‏ولما رجع من واقعة تلاغ سنة ست وستين وهي الواقعة التي هلك فيها ولده عمر زحف بعدها إلى بلاد مغراوة فتوغل فيها وتجاوزها إلى من وراءهم من مليكش والثعالبة وأمكنه عمر من مليانة سنة ثمان وستين على شرط المؤازرة والمظاهرة على إخوته فمالكها يغمراسن يومئذ وصار الكثير من مغراوة إلى ولايته وزحفوا إلى المغرب سنة سبعين‏.‏ثم زحف بعدها إلى بلادهم سنة اثنتين وسبعين فتجافى له ثابت بن منديل عن تنس بعد أن أثخن في بلادهم ورجع عنها فاسترجعها ثابت‏.‏ثم نزل له عنها ثانياً سنة إحدى وثمانين بين يدي مهلكه عندما تم له الغلب عليهم والإثخان في بلادهم إلى أن كان الاستيلاء عليها لابنه عثمان على ما نذكره‏.‏


الخبر عن انتزاء الزعيم ابن مكن ببلد مستغانم
كان بنو مكن هؤلاء من عالية القرابة من بني زيان يشاركونهم في نسب محمد بن زكدان بن تيدوكسن بن طاع الله وكان لمحمد هذا أربعة من الولد كبيرهم يوسف‏:‏ ومن ولده جابر بن يوسف أول ملوكهم وثابت بن محمد‏.‏ومن ولده زيان بن ثابت أبو الملوك من بني عبد الواد ودرع بن محمد‏.‏ومن ولده عبد الملك بن محمد بن علي بن قاسم بن درع المشتهر بأمه حنينة أخت يغمراسن بن زيان ومكن بن محمد‏.‏وكان له من الولد يحيى وعمرش وكان من ولد يحيى الزعيم وعلي وكان يغمراسن بن زيان كثيراً ما يستعمل قرابته في الممالك ويوليهم على العمالات وكان قد استوحش من يحيى بن مكن وابنه الزعيم وغربهما إلى الأندلس فأجازا من هنالك إلى يعقوب بن عبد الحق سنة ثمانين ولقياه بطنجة في إحدى حركات جهاده‏.‏وزحف يعقوب بن عبد الحق إلى تلمسان عامئذ وهما في جملته فأدركتهما النعرة عنى قومهما وآثرا مفارقة السلطان إليهم فأذن لهما في الانطلاق ولحقا بيغمراسن بن زيان‏.‏حتى إذا كانت الواقعة عليه بخرزوزة سنة ثمانين كما قدمناه وزحف بعدها إلى بلاد مغراوة وتجافى له ثابت بن منديل عن مليانة وانكفأ راجعاً إلى تلمسان استعمل على ثغر مستغانم الزعيم بن يحيى بن مكن‏.‏فلما وصل إلى تلمسان انتقض عليه ودعا إلى الخلاف ومالأ عدوه من مغراوة على المظاهرة عليه فصمد إليه يغمراسن وأحجره بها حتى لاذ منه بالسلم على الإجازة فعقد له وأجازه‏.‏ثم أجاز له على أثره أباه يحيى واستقر بالأندلس إلى أن هلك يحيى سنة اثنتين وتسعين‏.‏ووفد الزعيم بعد ذلك على يوسف بن يعقوب وسخطه لبعض النزعات فاعتقله وفر من محبسه‏.‏ولم يزل الاغتراب مطوحاً به إلى أن هلك‏.‏والبقاء لله‏.‏ونشأ ابنه الناصر بالأندلس فكانت مثواه وموقف جهاده إلى أن هلك‏.‏وأما أخوه علي بن يحيى فأقام بتلمسان وكان من ولده داود بن علي كبير مشيخة بني عبد الواد وصاحب شوراهم‏.‏وكان منهم أيضاً إبراهيم بن علي عقد له أبو حمو الأوسط على ابنته فكان منها ولد ذكر وكان لداود ابنه يحيى بن داود استعمله أبو سعيد بن الرحمن في دولتهم الثانية على وزارته فكان من شأنه ما نذكره في أخبارهم‏.‏والأمر لله‏.‏


الخبر عن شأن يغمراسن في معاقدته مع ابن الأحمر والطاغية على فتنة يعقوب بن عبد الحق والأخذ بحجرته
كان يعقوب بن عبد الحق لما أجاز إلى الجهاد وأووقع بالعدو وخرب حصونهم نازل إشبيلية وقرطبة وزلزل قواعد كفرهم‏.‏ثم أجاز ثانية وتوغل في دار الحرب وأثخن‏.‏فيها وتخلى له ابن أشقيلولة عن مالقة فملكها‏.‏وكان سلطان الأندلس يومئذ الأمير محمد المدعو بالفقيه ثاني ملوك بني الأحمر هو الذي استدعى يعقوب بن عبد الحق للجهاد بما عهد له أبوه الشيخ بذلك‏.‏فلما استفحل أمر يعقوب بالأندلس وتعاقب الثوار إلى اللياذ به خشيه ابن الأحمر على نفسه وتوقع منه مثل فعلة يوسف بن تاشفين بابن عباد فاعتمل فى أسباب الخلاص مما توهم‏.‏وداخل الطاغية في اتصال اليد والمظاهرة في وكانت مالقة لعمر يحيى بن محلى استعمله عليها يعقوب بن عبد الحق حين ملكها من يد ابن أشقيلولة فاستماله ابن الأحمر وخاطبه مقارنة ووعداً وأداله بشلوبانية من مالقة طعمة خالصة له فتخلى عن مالقة إليها‏.‏وأرسل الطاغية أساطيله في البحر لمنع الزقاق من إجازة السلطان وعساكره وراسلوا يغمراسن من وراء البحر في الأخذ بحجرة يعقوب وشن الغارات على ثغوره ليكون ذلك شاغلاً له عنهم‏.‏فبادر يغمراسن بإجابتهم وترددت الرسل منه إلى الطاغية ومن الطاغية إليه كما نذكره‏.‏وبث السرايا والبعوث في نواحي المغرب فشغل يعقوب عن شأن الجهاد حتى لقد سأله المهادنة وأن يفرغ لجهاد العدو فأبى عليه وكان ذلك مما دعى يعقوب إلى الصمود إليه ومواقعته بخرزوزة كما ذكرناه‏.‏ولم يزل شأنهم ذلك مع يعقوب بن عبد الحق وأيديهم متصلة عليه من كل جهة وهو ينتهز الفرصة في كل واحد متى أمكنه منهم حتى هلك وهلكوا‏.‏والله وارث الأرض‏.‏


الخبر عن شأن يغمراسن مع الخلفاء من بني حفص الذين
كان يقيم بتلمسان دعوتهم ويأخذ قومه بطاعتهم كان زناتة يدينون بطاعة خلفاء الموحدين من بني عبد المؤمن أيام كونهم بالقفار وبعد دخولهم إلى التلول‏.‏فلما فشل أمر بني عبد المؤمن ودعا الأمير أبو زكرياء بن أبي حفص بإفريقية لنفسه ونصب كرسي الخلافة للموحدين بتونس انصرفت إليه الوجوه من سائر الآفاق بالعدوتين وأملوه للكرة وأوفد زناتة عليه رسلهم من كل حي بالطاعة‏.‏ولاذ مغراوة وبنو توجين بظل دعوته ودخلوا في طاعته واستنهضوه لتلمسان فنهض إليها وافتتحها سنة أربعين‏.‏ورجع إليها يغمراسن واستعمله عليها وعلى سائر ممالكها فلم يزل مقيماً لدعوته‏.‏واتبع أثره بنو مرين في إقامة الدعوة له فيما غلبوا عليه من بلاد المغرب وبعثوا إليه ببيعة مكناسة وتازى والقصر كما نذكره في أخبارهم إلى ما دانوا به ولابنه المستنصر من بعده من خطاب التمويل والإشادة بالطاعة والانقياد حتى غلبوا على مراكش وخطبوا باسم المستنصر على منابرها حيناً من الدهر‏.‏ثم تبين لهم بعد متناول تلك القاصية عليه فعطلوا منابرهم من أسماء أولئك وأقطعوهم جانب الوداد والموالاة‏.‏ثم سموا إلى اللقب والتفنن في الشارة الملوكية كما تقتضيه طبيعة الدول وأما يغمراسن وبنوه فلم يزالوا آخذين بدعوتهم واحداً بعد واحد متجافين عن اللقب أدباً معهم مجددي البيعة لكل من يتجدد قيامه بالخلافة منهم يوفدون بها كبار أبنائهم وأولي الرأي من قومهم‏.‏ولم يزل الشأن ذلك‏.‏ولما هلك الأمير أبو زكرياء وقام ابنه محمد المستنصر بالأمر من بعده وخرج عليه أخوه الأمير أبو إسحاق في إحياء الدواودة من رياح ثم غلبهم المستنصر جميعاً ولحق الأمير أبو إسحاق بتلمسان في أهله فأكرم يغمراسن نزلهم وأجاز إلى الأندلس للمرابطة بها والجهاد حتى إذا هلك المستنصر سنة خمس واتصل به خبر مهلكه ورأى أنه أحق بالأمر فأجاز البحر من حينه ونزل بمرسى هنين سنة سبع وسبعين‏.‏ولقاه يغمراسن مبرة وتوقيراً واحتفل بقدومه وأركب لتلقيه وأتاه بيعته على عادته مع سلفه ووعده النصرة من عدوه والمؤازرة على أمره وأصهر إليه يغمراسن في إحدى بناته المقصورات في خيام الخلافة بابنه عثمان ولي عهده فأسعفه وأجمل في ذلك وعده‏.‏وانتقض محمد بن أبي هلال عامل بجاية على الواثق وخلع طاعته ودعا للأمير أبي إسحق واستحثه للقدوم فأغذ السير من تلمسان وكان من شأنه أن ما قدمناه في أخباره‏.‏فلما كانت سنة إحدى وثمانين وزحف يغمراسن إلى بلاد مغراوة وغلبهم على الضواحي والأمصار بعث من هنالك ابنه إبراهيم وتسميه زناتة برهوم ويكنى أبا عامر‏.‏أوفده في رجال من قومه على الخليفة أبي إسحاق لأحكام الصهر بينهما فنزلوا منه على خير نزل من أسناء الجرالة ومضاعفة الكرامة والمبرة وظهر من آثاره في حروب أبن أبي عامر ما مد الأعناق إليه وقصر الشيم الزناتية على بيته‏.‏ثم انقلب آخراً بظعينته محبواً محبوراً وابتنى بها عثمان لحين وصولها وأصبحت عقيلة قصره فكان ذلك مفخراً لدولته وذكراً له ولقومه‏.‏ولحق الأمير أبو زكرياء ابن الأمير أبي إسحاق بتلمسان بعد خلوصه من مهلكة قومه في واقعة الداعي ابن أبي عمارة عليهم بمرماجنة سنة اثنتين وثمانين فنزل من عثمان بن يغمراسن صهره خير نزل براً واحتفاء وتكريماً وملاطفة‏.‏وسربت إليه أخته من القصر أنواع التحف والأنس ولحق به أولياؤه من صنائع دولتهم وكبيرهم أبو الحسن محمد ابن الفقيه المحدث أبي بكر بن سيد الناس اليعمري فتفيأوا من كرأمة الدولة بهم ظلاً وافراً واستنهضوه إلى تراث ملكه‏.‏وفاوض أبا مثواه عثمان بن يغمراسن في ذلك فنكره لما كان قد أخذه بدعوة صاحب الحضرة‏.‏وأوفد عليه رجال دولته بالبيعة على العادة في ذلك فحدث الأمير أبو زكرياء نفسه بالفرار عنه‏.‏ولحق بداود بن هلال بن عطاف أميراً‏.‏و من بني عامر إحدى بطون زغبة فأجاره وأبلغه مأمنه بحي الدواودة أمراء البدو بعمل الموحدين‏.‏نزل منهم على عطية بن سليمان بن سباع كما قدمناه واستولى على بجاية سنة أربع وثمانين بعد خطوب ذكرناها واقتطعها وسائر عملها عن ملك عمه صاحب الدعوة بتونس أبي حفص ووفى لداود بن عطاف وأقطعه بوطن بجاية عملا كبيراً أفرده لجبايته كان فيه أيقدارن بالخميس من وادي بجاية‏.‏واستقل الأمير أبو زكرياء بمملكة بونة وقسنطينة وبجاية والجزائر والزاب وما وراءها‏.‏وكان هذا الصهر وصلة له مع عثمان بن يغمراسن وبنيه‏.‏ولما نزل يوسف بن يعقوب تلمسان سنة ثمان وتسعين بعث الأمير أبو زكرياء المدد من جيوشه إلى عثمان بن يغمراسن وبلغ الخبربذلك إلى يوسف بن يعقوب فبعث أخاه أبا يحيى في العساكر لاعتراضهم والتقوا بجبل الزاب فكانت الدبرة على عسكر الموحدين واستلحموا هنالك‏.‏وتسمى المعركة لهذا العهد بمرسى الرؤوس‏.‏واستحكمت من أجل ذلك صاغية الخليفة بتونس إلى بني مرين وأوفد عليهم مشيخة من الموحدين يدعوهم إلى حصار بجاية وبعث معهم الهدية الفاخرة‏.‏وبلغ خبرهم إلى عثمان بن يغمراسن عن وراء جدرانه فتنكر لها وأسقط ذكر الخليفة من منابره ومحاه من عمله

ميارى 12 - 8 - 2010 03:43 PM

الخبر عن مهلك يغمراسن بن زيان وولاية ابنه عثمان
وما كان فى دولته من الأحداث كان السلطان يغمراسن قد خرج من تلمسان سنة إحدى وثمانين واستعمل عليها ابنه عثمان وتوغل في بلاد مغراوة وملك ضواحيهم‏.‏ونزل له ثابت بن منديل عن مدينة تنس فتناولها من يده‏.‏ثم بلغه الخبر بإقبال أخيه أبي عامر برهوم من تونس بابنة السلطان أبي إسحاق عرس ابنه فتلوم فنالك إلى أن لحقه بظاهو مليانة فارتحل إلى تلمسان وأصابه الوجع في طريقه‏.‏وعندما احتل شربويه اشتد به وجعه فهلك هنالك آخر ذي القعدة من سنته‏.‏والبقاء له وحده‏.‏فحمله ابنه أبو عامر على أعواده وواراه في خدر مورياً بمرضه إلى أن تجاوز بلاد مغراوة إلى سيك‏.‏ثم أغذ السير إلى تلمسان فلقيه أخوه عثمان بن يغمراسن ولي عهد أبيه في قومه فبايعه الناس وأعطوه صفقة أيمانهم‏.‏ثم دخل إلى تلمسان فبايعه العامة والخاصة‏.‏وخاطب لحينه الخليفه بتونس أبا إسحاق وبعت إليه ببيعته فراجعه بالقبول وعقد له على عمله على الرسم‏.‏ثم خاطب يعقوب ين عبد الحق يطلب منه السلم لما كان أبوه يغمراسن أوصاه به‏.‏حدثنا شيخنا العلامة أبو عبد الله محمد بن إبواهيم الآبلي قال‏:‏ سمعت من السلطان أبو حمو موسى بن عثمان وكان قهرماناً بداره قال‏:‏ أوصى دادا يغمراسن لدادا عثمان - ودادا حرف كناية عن غاية التعظيم بلغتهم - فقال له يا بني إن بني مرين بعد استفحال ملكهم واستيلائهم على الأعمال الغربية وعلى حضرة الخلافة بمراكش لا طاقة لنا بلقائهم إذا جمعوا لوفود مددهم ولا يمكنني أنا القعود عن لقائهم لمعرة النكوص عن القرن التي أنت بعيد عنها‏.‏فإياك واعتماد لقائهم وعليك باللياذ بالجدران متى دلفوا إليك وحاول ما استطعت في الاستيلاء على ما جاورك من عمالات الموحدين وممالكهم يستفحل به ملكك وتكافىء حشد العدو بحشدك‏.‏ولعلك تصير بعض الثغور الشرقية معقلاً لذخيرتك‏.‏فعلقت وصية الشيخ بقلبه واعتقد عليها ضمائره وجنح إلى السلم مع بني مرين ليفرغ عزمه لذلك‏.‏وأوفد أخاه محمد بن يغمراسن على يعقوب بن عبد الحق بمكانه من العدوة الأندلسية في إجازته الرابعة إليها فخاض إليه البحر ووصله باركش فلقاه براً وكرامة وعقد له من السلم ما أحب‏.‏وانكفأ راجعا إلى أخيه فطابت نفسه وفرغ لافتتاح البلاد الشرقية كما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏


الخبر عن شأن عثمان بن يغمراسن مع مغراوة وبني توجين وغلبه على معاقلهم والكثير من أعمالهم
لما عقد عثمان بن يغمراسن السلم مع يعقوب بن عبد الحق صرف وجهه إلى الأعمال الشرقية من بلاد توجين ومغراوة وما وراءها من عمل الموحدين فتغلب أولاً ضواحي بني توجين ودوخ قاصيتها وصار إلى بلاد مغراوة كذلك ثم إلى متيجة فانتسق نعمها وخطم زروعها‏.‏ثم تجاوز إلى بجاية فحاصرها كما نذكره بعد‏.‏وامتنعت فليه وانكفأ راجعاً في طريقه بمازونة فحاصرها وأطاعته وذلك سنة ست وثمانين‏.‏و له ثابت بن منديل أمير مغراوة عن تنس فاستولى عليها وانتظم سائر بلاد مغراوة أيالته‏.‏ثم عطف في سنته على بلاد توجين فاكتسح حبوبها واحتكرها بمازونة استعداداً لما يتوقع من حصار مغراوة إياها‏.‏ثم دلف إلى تافر كنيت فحاصرها وأخذ بمخنقها‏.‏وداخل قائدها غالباً الخصي من موالي محمد بن عبد القوي كان مولى سيد الناس منهم فنزل له غالب عنها واستولى عليها واكفأ إلى تلمسان‏.‏ثم نهض إلى بلاد توجين سنة سبع وثمانين فغلبهم على وانشريش مثوى ملكهم ومنبت عزهم وفر أميرهم مولى بني‏.‏زرارة من ولد محمد بن عبد القوي‏.‏وأخذ الحلف منهم فدمواحي المدية في الأعشار وأولاد عزيز من قومه‏.‏واتبع عثمان بن يغمراسن آثار وشزدهم عن تلك الضاحية‏.‏وهلك مولى زرارة في مفره‏.‏وكان عثمان قبل ذلك قد دوخ بلاد بني يدللتين من بني توجين ونازل رؤساءهم أولاد سلامة بالقلعة المنسوبة إليهم مرات فامتنعوا عليه ثم أعطوه أيديهم على الطاعة ومفارقة قومهم بني توجين إلى سلطان بني يغمراسن فنبذوا العهد إلى بني محمد بن عبد القوي أمرائهم منذ العهد الأول‏.‏ووصلوا أيديهم بعثمان وألزموا رعاياهم وأعمالهم المغارم له إلى أن وصارت بلاد بني توجين كلها من عمله واستعمل الحشم بجبل وانشريش‏.‏ثم نهض بعدها إلى المدية وبها أولاد عزيز من توجين فنازلها وقام بدعوته فيها قبائل من صنهاجة يعرفون بلمدية وإليهم تنسب فأمكنوه منها سنة ثمان وثمانين وبقيت في إيالته سبعة أشهرة ثم انتقضت عليه‏.‏وزحف إلى إيالة أولاد عزيز وصالحوه عليها وأعطوه من الطاعة ما كانوا يعطونه لمحمد بن عبد القوي وبنيه فاستقام أمره في بني توجين ودانت له سائر أعمالهم‏.‏ثم خرج سنة تسع وثمانين إلى بلاد مغراوة لما كانوا ألبًا عليه لبني مرين في إحدى حركاتهم على تلمسان فدوخها وأنزل ابنه أبا حمو بشلف مركز عملهم فأقام به وقفل هو إلى الحضرة‏.‏وتحيز فل مغراوة إلى نواحي متيجة وعليهم ثابت بن منديل أميرهم فلم يزالوا بها‏.‏ونهض عثمان إليهم سنة ثلاث وتسعين من بعدها فانحجزوا بمدينة برشك وحاصرهم بها أربعين يوما ثم افتتحها‏.‏وخاض ثابت بن منديل البحر إلى المغرب فنزل على يوسف بن يعقوب كما ذكرناه ونذكره‏.‏واستولى عثمان على سائر عمل مغراوة كما استولى على عمل توجين فانتظم بلاد المغرب الأوسط كلها وبلاد زناتة الأولى ثم شغل بفتنة بني مرين كما نذكره بعد‏.‏والملك لله وحده‏.‏


الخبر عن منازلة بجاية وما دعا إليها
قد ذكرنا أن المولى أبا زكريا الأوسط ابن السلطان أبي إسحاق من بني أبي حفص لحق بتلمسان عند فراره من بجاية أمام شيعة الدعي ابن أبي عمارة ونزل على عثمان بن يغمراسن خير نزل‏.‏ثم هلك الدعي ابن أبي عمارة واستقل عمه الأمير أبو حفص بالخلافة وبعث إليه عثمان بن يغمراسن بطاعته على العادة وأوفد عليه وجوه قومه ودس الكثير من أهل بجاية إلى المولى أبي زكريا يستحثونه للقدوم ويعدونه إسلام البلد إليه‏.‏وفاوض عثمان بن يغمراسن في ذلك فأبى عليه فألحق البيعة بعمه الخليفة بالحضرة فطوى عنه الخبر وتردد في القبض أيامًا‏.‏ثم لحق بأحياء زغبة في مجالاتهم بالقفر ونزل على داود بن هلال بن عطاف‏.‏وطلب عثمان بن يغمراسن من داود إسلامه فأبى عليه وارتحل معه إلى أعمال بجاية ونزلوا إلى أحياء الدواودة كما قدمناه‏.‏ثم استولى المولى أبو زكريا بعد ذلك على بجاية في خبر طويل قد ذكرناه في أخباره‏.‏واستحكمت القطيعة بينه وبين عثمان وكانت سببًا لاستحكام الموالاة بين عثمان وبين الخليفة بتونس‏.‏فلما زحف إلى عمل مغراوة سنة ست وثمانين وتوغل في قاصية المشرق أعمل الرحلة إلى عمل بجاية ودوخ سائر أقطارها‏.‏ثم نازلها من بعد ذلك يروم كيدها بالاعتمال في مرضاة الخليفة بتونس ويسر بذلك حسوًا في ارتغاء فأناخ عليها بعساكره سبعًا ثم أفرج عنها منقلبًا إلى المغرب الأوسط فكان من فتح مازونة وتافركنيت ما قدمناه‏.‏


الخبر عن معاودة الفتنة مع بني مرين وشأن تلمسان في الحصار الطويل
لما هلك يعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين على السلم المنعقدة بينه وبين بني عبد الواد لشغله بالجهاد وقام بالأمر من بعده في قومه ابنه يوسف كبير ولده على حين أتبعهم أنفسهم شأن الجهاد‏.‏وأسفهم يغمراسن وابنه بممالاة الطاغية وابن الأحمر يوسف السلم مع الطاغية لحينه ونزل لابن الأحمر عن ثغور الأندلس التي كانت لهم وفرغ لحرب بني عبد الواد واستتب له ذلك لأربع من مهلك أبيه دلف إلى تلمسان سنة تسع وثمانين ولاذ منه عثمان بالأسوار فنازلها أربعين صباحًا وقطع شجراءها ونصب عليها المجانيق والآلات‏.‏ثم أحس بامتناعها فأفرج عنها وانكفأ راجعًا‏.‏وتقبل عثمان بن يغمراسن مذهب أبيه في مداخلة ابن الأحمر والطاغية وأوفد رسله فلم يغن ذلك عنه شيئًا وكان مغراوة قد لحقوا بيوسف بن يعقوب على تلمسان فنالوا منها أعظم النيل‏.‏فلما أفرجوا عن تلمسان نهض عثمان إلى بلادهم فدوخها وغلبهم عليها وأنزل بها ابنه أبا حمو كما قدمناه‏.‏فلما كانت سنة خمس وتسعين نهض لميف بن يعقوب حركته الثانية فنازل ندرومة ثم ارتحل عنها إلى ناحية وهران‏.‏وأطاعه جبل كيذرة وتاسكدلت رباط عبد الحميد أن الفقيه أبي زيد اليزناسني ثم كر راجعاً إلى المغرب‏.‏وخرج عثمان بن يغمراسن فأثخن في تلك الجبال لطاعتهم عدوه واعتراضهم جنده واستباح رباط تاسكدلت‏.‏ثم غزاه يوسف بن يعقوب ثالثاً سنة ست وتسعين ورجع إلى المغرب‏.‏ثم أغزاه رابع سنة سبع وتسعين فنازل تلمسان وأحاط بها معسكره وشرعوا في البناء‏.‏ثم أفرج عنها لثلاثة أشهر ومر في طريقه بوجدة فأمر بتجديد بنائها وجمع الفعلة عليها‏.‏واستعمل أخاه أبا يحيى بن يعقوب على ذلك فأقام لشأنه ولحق يوسف بالمغرب‏.‏وكان بنو توجين قد نازلوا تلمسان مع يوسف بن يعقوب وتولى كبر ذلك منهم أولاد سلامة أمراء بني يدللتن منهم وأصحاب القلعة المنسوبة إليهم‏.‏فلما أفرج عنها خرج إليهم عثمان بن يغمراسن فدوخ بلادهم وحاصرها بالقلعة ونال منهم أضعاف ما نالوا منه‏.‏وطال مغيبه في بلادهم فخالفه أبو يحيى بن يعقوب إلى ندرومة فاقتحمها بعسكره بمداخلة من قائدها زكرياء بن يخلف بن المطغرى صاحب تاونت‏.‏فاستولى بنو مرين على ندرومة وتاونت‏.‏وجاء يوسف بن يعقوب على أثرها فوافاهم ودلفوا جميعاً إلى تلمسان‏.‏وبلغ الخبرإلى عثمان بمكانه من حصار القلعة فطوى المراحل إلى تلمسان فسبق إليها يوسف بن يعقوب ببعض يوم‏.‏ثم أشرفت طلائع بني مرين عشي ذلك اليوم فأناخوا بها في شعبان سنة ثمان وتسعين وأحاط العسكر من جميع جهاتها‏.‏وضرب يوسف بن يعقوب عليها سياجاً من الأسوار محيطاً بها وفتح فيه أبواباً مداخل لحربها واختط لنزله إلى جانب الأسوار مدينة سماها المنصورة‏.‏وأقام على ذلك سنين يغاديها بالقتال ويرواحها‏.‏وسرح عساكر لافتتاح أمصار المغرب الأوسط وثغوره فملك بلاد مغراوة وبلاد بني توجين كما ذكرناه في أخباره‏.‏وجثم هو بمكانه من حصار تلمسان لا يعدوها كالأسد الضاري على فريسته إلى أن هلك عثمان وهلك هو من بعده كما نذكره‏.‏وإلى الله المصير‏.‏


الخبر عن مهلك عثمان بن يغمراسن وولاية ابنه أبي زيان وانتهاء الحصار من بعده إلى غايته
لما أناخ يوسف بن يعقوب بعسكره على تلمسان انحجر بها عثمان وقومه واستسلموا والحصار آخذ بمخنقهم‏.‏وهلك عثمان لخامسة السنين من حصارهم سط ثلاث وسبعماية وقام بالأمر من بعده ابنه أبو زيان محمد‏.‏أخبرني شيخنا العلامة محمد بن إبراهيم الأبلي وكان في صباه قهرمان دارهم قال‏:‏ هلك عثمان بن يغمراسن بالديماس وكان قد أعد لشربه لبناً‏.‏فلما أخد منه الديماس وعطش دعا بالقدح وشرب اللبن ونام فلم يكن بأوشك إن فاضت نفسه‏.‏وكنا نرى معشر الصنائع أنه داف فيه السم تفادياً من معرة غلب عدوهم إياهم قال‏:‏ وجاء الخادم إلى قعيدة بيته زوجه بنت السلطان أبي إسحاق ابن الأمير أبي زكرياء بن عبد الواحد بن أبي حفص صاحب تونس وأخبرها الخبر فجاءت ووقفت عليه واسترجعت وخيمت على الأبواب بسدادها‏.‏ثم بعثت عن ابنيه محمد أبي زيان وموسى أبي حموا فعزتهما عن أبيهما‏.‏وأحضر مشيخة بني عبد الواد وعرضوا لهم بمرض السلطان فقال أحدهم مستفهماً عن الشأن ومترجماً عن القوم‏:‏ السلطان معنا آنفاً ولم يمتد الزمن لوقوع المرض فإن يكن هلك فخبرونا فقال له أبو حمو‏:‏ وإذا هلك فما أنت صانع فقال‏:‏ إنما نخشى من مخالفتك وإلا فسلطاننا أخوك الأكبر أبو زيان‏.‏فقام أبو حمو من مكانه وأكب على يد أخيه يقبلها وأعطاه صفقة يمينه‏.‏واقتدى به المشيخة فانعقدت بيعته لوقته‏.‏واشتمل بنو عبد الواد على سلطانهم واجتمعوا إليه وبرزوا لقتال عدوهم على العادة فكأن عثمان لم يمت‏.‏وبلغ الخبرإلى يوسف بن يعقوب بمكانه من حصارهم فتفجع له وعجب من صرامة قومه من بعده‏.‏واستمر حصارله إياهم إلى تمام ثماني سنين وثلاثة أشهر من يوم نزوله نالهم فيها من الجهد والجوع ما لم ينل أمة من الأمم واضطروا إلى أكل الجيف والقطط والفيران حتى لزعموا أنهم أكلوا فيها أشلاء الموتى من الأناسي وخربوا السقف للوقود وغلت أسعار الأقوات والحبوب وسائر المرافق بما تجاوز حدود العرائد‏.‏وعجز وجدهم عنه فكان ثمن مكيال القمح الذي يسمونه البرشالة ويتبايعون به مقداره اثنتي عشر رطلاً ونصف مثقالين ونصف من الذهب العين وثمن الرأس الواحد من البقر ستين مثقالا ومن الضأن سبعة مثاقيل ونصف‏.‏وأثمان اللحمان من الجيف‏:‏ الرطل من لحم البغال والحمير بثمن المثقال ومن الخيل بعشرة دراهم صغار من سكتهم والرطل من الجلد البقري ميتة أو مذكى بثلاثين درهماً والهر الواحد بمثقال ونصف والكلب بمثله والفأر بعشرة دراهم والحية بمثله والدجاجة بستة عشر درهماً والبيض واحدة بستة عراهم والعصافير كذلك‏.‏والأوقية من الزيت باثنتي عشر درهماً ومن السمن بمثلها ومن الشحم بعشرين‏.‏ومن الفول بمثلها‏.‏ومن الملح بعشرة ومن الحطب كذلك‏.‏والأصل الواحد من الكرنب بثلاثة أثمان المثقال‏.‏ومن الخس بعشرين درهماً ومن اللفت بخمسة عشر درهماً‏.‏والواحدة من القثاء والفقوس بأربعين درهماً والخيار بثلاثة أثمان الدينار والبطيخ بثلاثين درهماً والحبة من التين ومن الإجاص بدرهمين واستهلك الناس أموالهم وموجودهم وضاقت أحوالهم‏.‏ واستفحل ملك يوسف بن يعقوب بمكانه من حصارها واتسعت خطة مدينة المنصورة المشيدة عليها‏.‏ورحل إليها التجار بالبضائع من الآفاق واستبحرت في العمران بما لم تبلغه مدينة وخطب الملوك سلمه ووده ووفدت عليه رسل الموحدين وهداياهم من تونس وبجاية وكذلك رسل صاحب مصر والشام وهديتهم واعتز اعتزازاً لا كفاء له كما يأتي في أخباره‏.‏وأنهك الجهد حامية بني يغمراسن وقبيلتهم وأشرفوا على الهلاك فاعتزموا على الإلقاء باليد والخروج بهم للاستماتة فكيف الله لهم الصنع الغريب‏.‏ونفس عن مخنقهم بمهلك السلطان يوسف بن يعقوب على يد خصي من العبدي أسخطته بعض النزعات الملوكية فاعتمده في كسر بيته ومخدع نومه وطعنه بخنجر قطع أمعاءه وأدرك فسيق إلى وزرائه ومزقوا أشلاءه فلم يبوء وأذهب الله العناءة عن آل زيان وقومهم وساكني مدينتهم فكأنما نشروا من الأجداث‏.‏وكتبوا لها في سكتهم ما أقرب فرج الله استغراباً لحادثتها‏.‏حدثني شيخنا محمد بن إبراهيم الأبلي قال‏:‏ جلس السلطان أبو زيان صبيحة يوم ذلك الفرج وهو يوم الأربعاء في خلوة من زوايا قصره واستدعى ابن حجاف خازن الزرع فسأله كم بقي من الأهراء والمطامير المختومة فقال له‏:‏ إنما بقي عولة اليوم وغد‏!‏ فاستوصاه بكتمانها‏.‏وبينما هم في ذلك دخل عليه أخوه أبو حمو فأخبره فوجم لها وجلسوا سكوتاً لا ينطقون وإذا بالخادم دعد قهرمانة القصر من وصايف بنت السلطان أبي إسحاق حظية أبيهم خرجت من القصر إليهم فوقفت وحيتهم تحيتها وقالت‏:‏ تقول لكم حظايا قصركم وبنات زيان حرمكم ما لنا وللبقاء وقد أحيط بكم وأسف لالتهامكم عدوكم ولم يبق إلا فواق بكيئة لمصارعكم فأريحونا من معرة السبي وأريحوا فينا أنفسكم وقربونا إلى مهالكنا‏.‏فالحياة في الذل عذاب والوجود بعدكم عدم‏.‏فالتفت أبو حمو إلى أخيه وكان من الشفقة بمكان وقال‏:‏ لقد صدقتك الخبر فما تنتظر فيهم‏.‏فقال‏:‏ يا موسى‏!‏ أرجئني ثلاثاً لعل الله يجعل بعد عسر يسراً ولا تشاورني بعدها فيهن بل سرح اليهود والنصارى إلى قتلهن وتعال إلي نخرج مع قومنا إلى عدونا فنستميت ويقضي الله ما شاء‏.‏فغضب له أبو حمو ونكر الإرجاء في ذلك وقال‏:‏ إنا نحن والله نتربص المعرة بهن وبأنفسنا وقام عنه مغضباً وجهش السلطان أبو زيان بالبكاء‏.‏قال ابن حجاف‏:‏ وأنا بمكاني‏.‏بين يديه واجم لا أملك متأخراً ولا متقدماً إلى أن غلب عليه النوم فما راعني إلا حرسي الباب يشير إلي أن إذن السلطان بمكان رسول من معسكر بني مرين بسدة القصر فلم أطق أرجع جوابه إلا بالإشارة‏.‏وانتبه السلطان من خفيف إشارتنا فزعاً فأذنته واستدعاه‏.‏فلما وقف بين يديه قال له‏:‏ إن يوسف بن يعقوب هلك الساعة وأنا رسول حافده أي ثابت إليكم‏.‏فاستبشر السلطان واستدعى أخاه وقومه حتى أبلغ الرسول رسالته بمسمع منهم وكانت إحدى المقربات في الأنام‏.‏وكان من خبر هذه الرسالة أن يوسف بن يعقوب لما هلك تطاول للأمر الأعياص من إخوته وولده وحفدته وتحيز أبو ثابت حافده إلى بني ورتاجن لخؤلة كانت له فيهم فاستجاش بهم واعصوصبوا عليه‏.‏وبعث إلى أولاد عثمان بن يغمراسن أن يعطوه الآلة ويكونوا مفزعاً له ومأمنا إن أخفق مسعاه‏.‏على أنه إن تم أمر وقوض عنهم معسكر بني مرين فعاقدوه عليها‏.‏ووفى لهم لما تم أمره ونزل لهم عن جميع الأعمال التي كان يوسف بن يعقوب استولى عليها من بلادهم‏.‏وجأجأ بجميع الكتائب التي أنزلها في ثغورهم وقفلوا إلى أعمالهم بالمغرب الأقصى‏.‏واستمكن السلطان أبو زيان من ثغور المغرب الأوسط كلها إلى أن كان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏كان من أول ما افتتح به السلطان أبو زيان أمره بعد الخروج من هوة الحصار وتناوله الأعمال من أيدي بني مرين أن نهض من تلمسان ومعه أخوه أبو حمو آخر ذي من سنة ست وسبعماية‏.‏فقصد بلاد مغراوة وشرد من كان هنالك منهم في طاعة بني مرين واحتاز الثغور من أيدي عمالهم ودوخ قاصيتها‏.‏ثم عقد عليها لمسامح مولاه ورجع عنها‏.‏ونهض إلى السرسو وكان العرب قد تملكوه أيام الحصار وغلبوا زناتة عليه من سويد والديالم ومن إليهم من بني يعقوب بن عامر فأجفلوا أمامه‏.‏واتبع آثارهم إلى أن أوقع بهم وانكفأ راجعاً‏.‏ومر ببلاد بني توجين فاقتضى طاعة من كان بقي بالجبل من بني عبد القوي والحشم فأطاعوه ورياستهم يومئذ لمحمد بن عطية الأصم من بني عبد القوي‏.‏وقفل إلى تلمسان لتسعه أشهر من خروجه وقد ثقف أطراف ملكه ومسخ أعطاف دولته‏.‏فنظر في إصلاح قصوره ورياضه ورم ما تثلم من بلده‏.‏وأصابه المرض خلال ذلك فاشتد وجعه سبعاً ثم هلك أخريات شوال من سنة سبع‏.‏والبقا لله وحده‏.‏


الخبر عن محو الدعوة الحفصية من منابر تلمسان
كانت الدعوة الحفصية بإفريقية قد انقسمت بين أعياصهم في تونس وبجاية وأعمالها وكان التخم بينها بلد عجيسة ووشتاتة وكان الخليفة بتونس الأمير أبوحفص ابن الأمير أبي زكرياء الأول منهم وله الشفوف على صاحب بجاية والثغور الغربية بالحضرة‏.‏فكانت بيعة بني زيان له ودعاؤهم على منابرهم باسمه وكانت لهم مع المولى الأمير أبي زكرياء الأوسط صاحب بجاية وصلة لمكان الصهر بينهم وبينه وكانت الوحشة قد اعترضت ذلك عندما نازل عثمان بجاية كما قدمناه‏.‏ثم تراجعوا إلى وصلتهم واستمروا عليها إلى أن نازل يوسف بن يعقوب تلمسان والبيعة يومئذ للخليفة بتولس السلطان أبي عصيدة بن الواثق والدعوة على منابر تلمسان باسمه وهو حاقد عليهم ولايتهم للأمير أبي زكرياء الأوسط صاحب الثغر‏.‏فلما نزل يوسف بن يعقوب على تلمسان وبعث عساكره في قاصية المشرق واستجاش عثمان بن يغمراسن بضاحية بجاية فسرح عسكراً من الموحدين لمدافعتهم عن تلك القاصية‏.‏والتقوا معهم بجبل الزان فانكشف الموحدون بعد معترك صعب واستلحمهم بنو مرين‏.‏ويسمى المعترك لهذا العهد بمرسى الرؤوس لكثرة ما تساقط في ذلك المجال من الرؤوس واستحكمت المنافرة لذلك بين يوسف بن يعقوب وصاحب بجاية فأوفد الخليفة بتونس على يوسف بن يعقوب مشيخة الموحدين تجديداً لوصلة سلفهم مع سلفه وإغراء بصاحب بجاية وعمله‏.‏فساء موقع ذلك من عثمان بن يغمراسن وأحفظه موالاة الخليفة لعدوه فعطل منابره من ذكره وأخرج قومه وإيالته عن دعوته‏.‏وكان ذلك دولة أبي حمو الأوسط


الخبر عن دولة أبي حمو الأوسط موسي بن عثمان وما كان فيها الأحداث
لما هلك الأمير أبو زيان قام بالأمر من بعده أخوه السلطان أبو حمو في أخريات سنة سبع كما قدمناه وكان صارماً يقظاً حازماً داهية قوى الشكيمة صعب العريكة شرس الأخلاق مفرط الذكاء والحدة وهو أول ملوك زناتة‏.‏رتب مراسم الملك وهذب قواعده وأرهف لذلك لأهل ملكه حده وقلب لهم مجن بأسة حتى دلوا لعز الملك وتأدبوا بآداب السلطان‏.‏سمعت عريف بن يحيى أمير سويد من زغبة وشيغ المجالس الملوكية زناتة يقول ويعنيه‏:‏ موسى بن عثمان هو معلم السياسة الملوكية لزناتة وإنما كانوا رؤساء بادية حتى قام فيهم موسى بن عثمان فحد حدودها وهذب مراسمها‏.‏ولقن عنه ذلك أقتاله وأنظاره منهم فتقبلوا مذهبه واقتدوا بتعليمه‏.‏انتهى كلامه‏.‏ولما استقل بالأمر افتتح شأنه بعقد السلم مع سلطان بني مرين لأول دولته فأوفد كبراء دولته على السلطان أبي ثابت وعقد له السلم كما رضي‏.‏ثم صرف وجهه إلى بني توجين مغراوة فردد إليهم العساكر حتى دوخ بلادهم وذلل صعابهم‏.‏وشرد محمد بن عطيه الأصم عن نواحي وانشريش وراشد بن محمد عن نواحي شلف وكان قد لحق بها بعد مهلك يوسف بن يعقوب فأزاحه عنها‏.‏واستولى على العملين واستعمل عليها وقفل إلى ثلمسان‏.‏ثم خرج سنة عشر في عساكره إلى بلاد بني توجين ونزل تافركنيت وسط بلادهم‏.‏فشرد الفل من أعقاب محمد بن عبد القوي عن وانشريش واحتاز رياستهم في بني توجين دونهم‏.‏وأدال منهم بالحشم وبني تيغرين‏.‏وعقد لكبيرهم يحيى بن عطية على رياسة قومه في جبل وانشريش وعقد ليوسف بن حسن من أولاد عزيز على المدية وأعمالها وعقد لسعد من بني سلامة بن علي على قومه بني يدللتن إحدى بطون بني توجين وأهل الناحية الغربية من عملهم‏.‏وأخذ من سائر بطون بني توجين الرهن على الطاعة والجباية واستعمل عليهم جميعاً من صنائعه قائده يوسف بن حبون الهواري وأذن له في اتخاذ الآلة‏.‏وعقد لمولاه مسامح على بلاد مغراوة‏.‏وأذن له أيضاً في اتخاذ الآلة‏.‏وعقد لمحمد ابن عمه يوسف على مليانة وأنزله بها وقفل إلى تلمسان‏.‏والله أعلم‏.‏


الخبر عن استنزال زيرم بن حماد بن ثغر برشك
وما كان من قتله كان هذا الغمر من مشيخة هذا المصر لوفور عشيره من مكلاته داخله وخارجه واسمه زيري بالياء فتصرفت فيه العامة وصار زيرم بالميم‏.‏ولما غلب يغمراسن على بلاد مغراوة دخل أهل هذا المصر في طاعته‏.‏حتى إذا هلك حدثت هذا الغمر نفسه بالانتزاء والاستبداد بملك برشك ما بين مغراوة وبني عبد الواد ومدافعة بعضهم ببعض‏.‏فاعتزم على ذلك وأمضاه وضبط برشك لنفسه سنة ثلاث وثمانين‏.‏ونهض إليه عثمان بن يغمراسن سنة أربع بعدها ونازله فامتنع‏.‏ثم زحف سنة ثلاث وتسعين إلى مغراوة فلجأ ثابت بن منديل إلى برشك وحاصره عثمان بها أربعين يوماً‏.‏ثم ركب البحر إلى المغرب كما قلناه وأخذ زيرم بعده بطاعة عثمان بن يغمراسن دافعه بها وانتقض عليه مرجعه إلى تلمسان‏.‏وشغل بنو زيان بعدها بما دهمهم من شأن الحصار فاسبتد زيرم هذا ببرشك واستفحل شأنه بها‏.‏واتقى بني مرين عند غلبهم على أعمال مغراوة وتردد عساكرهم فيها بإخلاص الطاعة والانقياد‏.‏فلما انقشع إيالة بني مرين بمهلك يوسف بن يعقوب وخرج بنو عثمان بن يغمراسن من الحصار رجع إلى ديدنه من التمريض في الطاعة ومقاولة طرفها على البعد‏.‏حتى إذا غلب أبو حمو على بلاد مغراوة وتجاوزت طاعته هذا المصر إلى ما وراءه خشيه زيري على نفسه وخطب منه الأمان على أن ينزل له عن المصر‏.‏فبعث إليه صاحب الفتيا بدولته أبا زيد عبد الرحمن بن محمد الإمام كان أبوه من أهل برش وكان زيري قد قتله لأول ثورته غيلة‏.‏وفر ابنه عبد الرحمن هذا وأخوه عيسى ولحقا بتونس فقرآ بها ورجعا إلى الجزائر فأوطناها‏.‏ثم انتقلا إلى مليانة واسنعملهما بنو مرين في خطة القضاء بمليانة‏.‏ثم وفدا بعد مهلك يوسف بن يعقوب على أبي زيان وأبي حمو مع عمال بني مرين وقوادهم بمليانة‏.‏وكان فيهم منديل بن محمد الكناني صاحب أشغالهم المذكور في أخبارهم‏.‏وكانا يقرئان ولده محمد فأشاد على أبي زيان وأبي حمو بمكانهم من العلم ووقع ذلك من أبي حمو أبلغ المواقع حتى إذا استقل بالأمر ابتنى المدرسة بناحية المطمر من تلمسان لطلب العلم‏.‏وابتنى لهما دارين عن جانبيها وجعل لهما التدريس فيها في إيوانين معدين لذلك‏.‏واختصهما بالفتيا والشورى فكانت لهما في دولته قدم عالية‏.‏فلما طلب زيري هذا الأمان من أبي حمو وأن يبعث إليه من يأمن معه في الوصول في بابه بعث إليه أبا زيد عبد الرحمن الأكبر منهما فنهض لذلك بعد أن استأذنه أن يثأر منه بأبيه إن قدر عليه فأذن له‏.‏فلما احتل ببرشك أقام بها أياماً يناديه فيها زيري ويراوحه بمكان نزله وهو يعمل الحيلة في اغتياله حتى أمكنته‏.‏فقتله في بعض تلك لأيام سنة ثمان وسبعماية وصار أمر برشك إلى السلطان أبي حمو وانمحى منها أثر المشيخة والاستبداد‏.‏والأمور بيد الله سبحانه‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 03:44 PM

الخبر عن طاعة الجزائر واستنزال ابن علان منها
وذكر أوليته كانت مدينة الجزائر هذه من أعمال صنهاجة وحطها بلكين بن زيري ونزلها بنوه من بعده‏.‏ثم صارت إلى الموحدين وانتظمها بنو عبد الرحمن في أمصار المغربين وإفريقية‏.‏ولما استبد بنو أبو حفص بأمر الموحدين وبلغت دعوتهم بلاد زناتة‏.‏وكانت تلمسان ثغراً لهم واستعملوا عليها يغمراسن وبنيه من بعده وعلى ضواحي مغراوة بني منديل بن عبد الرحمن وعلى وانشريش وما إليه من عمل بني توجين محمد بن عبد القوي وبنيه‏.‏وبقي ما وراء هذه الأعمال إلى الحضرة لولاية الموحدين من أهل دولته فكان العامل على الجزائر من الموحدين أهل الحضرة‏.‏وفي سنة أربع وستين انتقضوا على المستنصر ومكثوا في ذلك الانتقاض سبعاً‏.‏ثم أوعز إلى أبي هلال صاحب بجاية بالنهوض إليها في سنة إحدى وسبعين فحاصرها أشهراً وأفرج عنها‏.‏ثم عاودها بالحصار سنة أربع وسبعين أبو الحسن بن ياسين بعساكر الموحدين فاقتحمها عليهم عنوة واستباحها‏.‏وتقبض على مشيختها فلم يزالوا معتقلين كلا إلى أن هلك المستنصر‏.‏ولما انقسم أمر بني أبي حفص واستقل الأمير أبو زكرياء الأوسط بالثغور الغربية وأبوه وبعثوا إليه بالبيعة وولى عليهم ابن أكمازير‏.‏وكانت ولايتها لبطة من قبل فلم يزل هو والياً عليها إلى أن أسن وهرم‏.‏وكان ابن علان من مشيخة الجزائر مختصاً به ومتصرفاً في أوامره ونواهيه ومصدراً لأمارته‏.‏وحصل له بذلك الرياسة على أهل الجزائر سائر أيامه‏.‏فلما هلك ابن أكمازير حدثته نفسه بالاستبداد والانتزاء بمدينته فبعث عن أهل الشوكة من نظرائه ليلة هلاك أميره‏.‏وضرب أعناقهم وأصبح منادياً بالاستبداد واتخذ الآلة واستركب واستلحق من الغرباء والثعالبة عرب متيجة واستكثر من الرجال والرماة‏.‏ونازلته عساكر بجاية مراراً فامتنع عليهم‏.‏وغلب مليكش على جباية الكثير من بلاد متيجة ونازله أبو يحيى بن يعقوب بعساكر بني مرين عند استيلائهم على البلاد الشرقية وتوغلهم في القاصية فأخذ بمخنقها وضيق عليها‏.‏ومر بابن علان القاضي أبو العباس الغماري رسول الأمير خالد إلى يوسف بن يعقوب فأودعه الطاعة للسلطان‏.‏والضراعة إليه في الإبقاء فأبلغ ذلك عنه وشفع له فأوعز إلى أخيه أبي يحيى بمصالحته‏.‏ثم نازله الأمير خالد من بعد ذلك فامتنع عليه‏.‏وأقام على ذلك أربع عشرة سنة وعيون الخطوب تحرزه والأيام تستجمع لحربه‏.‏فلما غلب السلطان أبو حمو على بلاد بني توجين واستعمل يوسف بن حيون الهواري على وانشريش ومولاه مسامحاً على بلاد مغراوة ورجع إلى تلمسان‏.‏ثم نهض سنة اثنتي عشرة إلى بلاد شلف فنزل بها وقدم مولاه مسامحاً في العساكر فدوخ متيجة من سائر نواحيها وترس الجزائر وضيق حصارها حتى مسهم الجهد‏.‏وسأل ابن علان النزول على أن يستشرط لنفسه فتقبل السلطان اشتراطه‏.‏وملك السلطان أبو حمو الجزائر وانتظمها في أعماله‏.‏وارتحل ابن علان في جملة مسامح ولحقوا بالسلطان بمكانه من شلف فانكفأ إلى تلمسلن وابن علان في ركابه فأسكنه هنالك ووفى له بشرطه إلى أن هلك‏.‏والبقاء لله وحده‏.‏


الخبر عن حركة صاحب المغرب إلى تلمسان وأولية ذلك
لما خرج عبد الحق بن عثمان من أعياص الملك على السلطان أبي الربيع بفاس وبايع له الحسن بن علي بن أبي الطلاق شيخ بني مرين بمداخلة الوزير رحو بن يعقوب كما قدمناه في أخبارهم‏.‏وملكوا تازى وزحف إليهم السلطان أبو الربيع فبعثوا وفدهم إلى السلطان أبو حمو صريخاً‏.‏ثم أعجلهم أبو الربيع وأجهضهم على تازى فلحقوا بالسلطان أبي حمو ودعوه إلى المظاهرة على المغرب ليكونوا رداء له دون قومهم‏.‏وهلك السلطان أبو الربيع خلال ذلك‏.‏واستقل بملك المغرب أبو سعيد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق فطالب السلطان أبا حمو بإسلام أولئك النازعين إليه فأبى من إسلامهم وإخفار ذمته فيهم‏.‏وأجازهم البحر إلى العدوة فأغضى له السلطان أبو سعيد عنها وعقد له السلم‏.‏ثم استراب يعيش بن يعقوب بن عبد الحق بمكانه عند أخيه السلطان أبي سعيد لما سعى به عنده فنزع إلى تلمسان‏.‏وأجاره السلطان أبو حمو على أخيه فأحفظه ذلك ونهض إلى تلمسان سنة أربع عشرة‏.‏وعقد لابنه الأمير أبي علي وبعثه في مقدمته وصار هو في الساقة‏.‏ودخل أعمال تلمسان على هذه التعبية فاكتسح بسائطها‏.‏ونازل وجدة فقاتلها وضيق عليها‏.‏ثم تخطاها إلى تلمسان فنزل بساحتها‏.‏وانحجز موسى بن عثمان من وراء أسوارها وغلب على ضواحيها ورعاياها وسار السلطان أبو سعيد في عساكره يتقرى شعارها وبلادها بالحطم والانتساف والعبث‏.‏فلما أحيط به وثقلت وطأة السلطان عليه وحذر المغبة منهم ألطف الحيلة في خطاب الوزراء الذين كان يسرب أمواله فيهم ويخادعهم عن نصائح سلطانهم حتى اقتضى مراجعتهم في شأن جاره يعيش بن يعقوب وإدالته من أخته ثم بعث خطوطهم بذلك إلى السلطان أبي سعيد فامتلأ قلبه منها خشية واستراب بالخاصة والأولياء ونهض إلى المغرب على تعبيته ثم كان خروج ابنه عمر عليه بعد مرجعه وشغلوا عن تلمسان وأهلها برهة من الدهر حتى تم أمر الله في ذلك عند وقته‏.‏والله تعالى أعلم‏.‏


الخبر عن مبدأ حصار بجاية وسرح الداعية إليه
لما خرج السلطان أبو سعيد إلى المغرب وشغل عن تلمسان فرغ أبو حمو لأهل القاصية من عمله‏.‏وكان راشد بن محمد بن ثابت بن منديل قد جاء من بلاد زواوة أثناء هذه الغمرة فاحتل بوطن شلف واجتمع إليه أوشاب قومه‏.‏وحين تجلت الغمرة عن السلطان أبي حمو نهض إليه بعد أن استعمل ابنه أبا تاشفين على تلمسان وجمع له الجموع ففر أمامه ناجياً إلى مثوى اغترابه ببجايه‏.‏وأقام بنو أبي سعيد بمعقلهم من جبال شلف على دعوته فاحتل السلطان أبو حمو بوادي نهل فخيم به‏.‏وجمع أهل أعماله لحصار بني أبي سعيد شيعة راشد بن محمد واتخذ هنالك قصره المعروف باسمه‏.‏وسرح العساكر لتدويخ القاصية ولحق به هنالك الحاجب ابن أبي حي مرجعه من الحج سنة إحدى عشرة وسبعماية فأغراه بملك بجايه ورغبه فيه‏.‏وكان له فيها طمع منذ رسالة السلطان أبي يحيى إليه‏.‏وذلك أنه لما انتقض على أخيه خالد دعى لنفسه بقسنطينة‏.‏ونهض إلى بجاية فانهزم عنها كما قدمناه في أخباره‏.‏وأوفد على السلطان أبي حمو بعض رجال دولته مغرياً له بابن خلوف وبجاية‏.‏ثم بعث إليه ابن خلوف أيضاً يسأله المظاهرة والمدد فأطمعه ذلك في ملك بجايه‏.‏ولما هلك ابن خلوف كما قدمناه لحق به كاتبه عبد الله بن هلال فأغراه واستحثه وعداه عن ذلك شأن الجزائر‏.‏فلما استولى على الجزائر بعث مسامحاً مولاه في عسكر مع ابن أبي حي فبلغوا إلى جبل الزان‏.‏وهلك ابن أبي حي ورجع مسامح‏.‏ثم شغله عن شأنها زحف‏.‏وفرغ من أمر عدوه ونزل بلد شلف كما ذكرنا آنفاً‏.‏ولحق به عثمان بن سباع بن يحيى وعثمان بن سباع بن شبل أمير الدواودة يستحثونه لملك الثغور الغربية من عمل الموحدين فاهتز لذلك وجمع له الجموع‏:‏ فعقد لمسعود ابن عمه أبي عامر برهوم على عسكر وأمره بحصار بجاية وعقد لمحمد ابن عمه يوسف قائد مليانة على عسكر ولمولاه مسامح على عسكر آخر‏.‏وسرحهم إلى بجاية وما وراءها لتدويخ البلاد‏.‏وعقد لموسى بن علي الكردي على عسكر ضخم وسرحه مع العرب من الدواودة وزغبة على طريق الصحراء‏.‏وانطلقوا إلى وجههم ذلك وفعلوا الأفاعيل كل فيما يليه‏.‏وتوغلوا في البلاد الضرقية حتى انتهوا إلى بلاد بونة‏.‏ثم انقلبوا من هنالك ومروا في طريقهم بقسنطينة ونازلوها أياما‏.‏وصعدوا جبل ابن ثابت المطل عليها فاستباحوه‏.‏ثم مروا ببني باورار فاستباحوها وأضرموها واكتسحوا سائر ما مروا عليه‏.‏وحدثت بينهم المنافرة حسداً ومنافسة فافترقوا ولحقوا بالسلطان‏.‏وأقام مسعود بن برهوم محاصراً لبجاية وبنى حصناً بأصفوان لمقامته‏.‏وكان يسرح الجيوش لقتالها فتجول في ساحتها ثم رجع إلى الحصن‏.‏ولم يزل كذلك حتى بلغه خروج محمد بن يوسف فأجفل عنها على ما نذكره الآن فلم يرجعوا لحصارها إلا بعد مدة‏.‏والله تعالى أعلم‏.‏


الخبر عن خروج محمد بن يوسف ببلاد بني توجين وحروب السلطان معه
لما رجع محمد بن يوسف من قاصية المشرق كما قدمناه وسابقه إلى السلطان موسى بن علي الكردي وجوانحه تلتهب غيظاً وحقداً عليه‏.‏وسعى به عند السلطان فعزله عن مليانة فوجم لها‏.‏وسأله زيارة ابنه الأمير أبي تاشفين بتلمسان وهو ابن أخته فأذن له‏.‏وأوعز إلى ابنه بالقبض عليه فأبى عن ذلك‏.‏وأراد هو الرجوع إلى معسكر السلطان فخلى سبيله‏.‏ولما وصل إليه تنكر له وحجبه فاستراب وملأ قلبه الرعب‏.‏وفر من المعسكر ولحق بالمدية‏.‏ونزل على يوسف بن حسن بن عزيز عاملها للسلطان من بني توجين‏.‏فيقال إنه أوثقه اعتقالا حتى غلبه قومه على بغيته من الخروج معه لما كان السلطان أبو حمو يوسقهم به من نزعاته‏.‏فأخذ له البيعة على قومه ومن إليهم من العرب‏.‏وزحفوا إلى السلطان بمعسكره من نهل فلقيهم في عساكره فكانت الدبرة على السلطان ولحق بتلمسان وغلب محمد بن يوسف على بلاد بني توجين ومغراوة ونزل مليانة وخرج السلطان من تلمسان لأيام من دخولها وقد جمع الجموع وأزال العلل‏.‏وأوعز إلى مسعود ابن عمه برهوم بمكانه من حصار بجاية بالوصول إليه بالعساكر ليأخذ بحجرتهم من ورائهم‏.‏وخرج محمد بن يوسف من مليانة لاعتراضه واستعمل على مليانة يوسف بن حسن بن عزيز فلقيه ببلاد مليكش وانهزم محمد من يوسف‏.‏ولجأ إلى جبل موصاية وحاصره بها مسعود بن برهوم أياماً ثم أفرج عنه‏.‏ولحق بالسلطان فنازلوا جميعاً مليانة‏.‏وافتتحها السلطان عنوة وجيء بيوسف بن حسن أسيراً من مكمنه ببعض المسارب فعفا عنه وأطلقه‏.‏ثم زحف إلى المدية فملكها وأخذ الرهن من أهل تلك النواحي وقفل إلى تلمسان‏.‏واستطال محمد بن يوسف على النواحي ففشت دعوته في تلك القاصية‏.‏وخاطب مولانا السلطان أبا يحيى بالطاعة فبعث إليه بالهدية والآلة وسوغه سهام يغمراسن بن زيان من إفريقية‏.‏ووعده بالمظاهرة وغلب سائر بلاد بني توجين‏.‏وبايع له بنو تيغرين أهل جبل وانشريش فاستولى عليه‏.‏ثم نهض السلطان إلى الشرق سنة سبع عشرة وملك المدية واستعمل عليها يوسف بن حسن لمدافعة محمد بن يوسف واستبلغ في أخذ الرهن منه ومن أهل العمالات وقبائل زناتة والعرب حتى من قومه بني عبد الواد‏.‏ورجع إلى تلمسان ونزلهم بالقصبة وهي الغور الفسيحة الخطة تماثل بعض الأمصار العظيمة اتخذها للرهن‏.‏وكان يبالغ في ذلك حتى كان يأخذ الرهن المتعددة من البطن الواحد والفخذ الواحد والرهط‏.‏وتجاوز ذلك إلى أهل الآمصار والثغور من المشيخة والسوقة فملأ تلك القصبة بأبنائهم وأخوانهم‏.‏وشحنها بالأمم تلو الأمم وأذن لهم في ابتناء المنازل واتخاذ النساء‏.‏واختط لهم المساجد فجمعوا بها لصلاة الجمعة‏.‏ونفقت بها الأسواق والصنائع‏.‏وكان حال هذه البنية من أغرب ما حكي في العصورعن سجن‏.‏ولم يزل محمد بن يوسف بمكان خرو‏.‏من بلاد بني توجين إلى أن هلك السلطان‏.‏والبقاء لله وحده‏.‏


الخبر عن مقتل السلطان أبي حمو وولاية ابنه أبي تاشفين من بعده
كان السلطان أبو حمو قد اصطفى مسعود ابن عمه برهوم وتبناه من بين عشيرته وأولي قرباه لمكان صرامته ودهائه واختصاص أبيه برهوم المكنى أبا عامر بعثمان بن يغمراسن شقيقه من بين سائر الإخوة فكان يؤثره على بنيه ويفاوضه في شؤونه ويصله إلى خلواته وكان قد دفع إلى ابنه عبد الرحمن أبا تاشفين أتراباً له من المعلوجي يقومون بخدمته في مرباه ومنشأه كان منهم هلال المعروف بالقطلاني ومسامح المسمى‏.‏بالصغير وفرج بن عبد الله وظافر ومهدي وعلي بن تكرارت وفرج الملقب شقورة وكان ألصقهم وأعقهم بنفسه تلاد له منهم يسمى هلالاً وكان أبو حمو كثيراً ما يقرعه ويوبخه إرهافاً في اكتساب الخلال وربما يقذع في تقريعه لما كان عفا الله عنه فحاشا فتحفظه لذلك‏.‏وكان مع ذلك شديد السطوة متجاوزاً بالعقاب حدوده في الزجر والأدب فكان أولئك المعلوجي تحت رهب عنه وكانوا يغرون لذلك مولاهم أبا تاشفين بأبيه ويبعثون غيرته بما يذكرون له من اصطفائه ابن أبي عامر دونه‏.‏وقارن ذلك أن مسعود بن أبي عامر أبلى في لقاء محمد بن يوسف الخارج على أبي حمو البلاء الحسن عندما رجع من حصار بجاية فاستحمد له السلطان ذلك وعير ولده عبد الرحمن بمكان ابن عمه هذا من النجابة والصرامة يستجد له بذلك خلالاً ويغريه بالكمال وكان عمه أبو عامر إيراهيم بن يغمراسن مثرياً بما نال من جوائز الملوك في وفاداته وما أقطع له أبوه وأخوه سائر أيامهما‏.‏ولما هلك سنة ست وتسعين استوصى أخاه عثمان بولده فضمهم ووضع تراثهم بمودع ماله حتى يؤنس منهم الرشد في أحوالهم‏.‏حتى إذا كانت غزاة ابنه أبي سرحان مسعود هذه وعلا فيها ذكره وبعد صيته رأى السلطان أبو حمو أن يدفع إليه تراث أبيه لاستجماع خلاله فاحتمل إليه من المودع‏.‏ونمي الخبر إلى ولده أبي تاشفين وبطانته السوء من المعلوجي فحسبوه مال الدولة قد احتمل إليه لبعد عهدهم عما وقع في تراث أبي عامر أبيه واتهموا السلطان بإيثاره بولاية العهد دون ابنه فأغروا أبا لاشفين بالتوثب على الأمر وحملوه على الفتك بمشتويه مسعود بن أبي عامر واعتقال السلطان أبي حمو ليتم له الاستبداد‏.‏وتحينوا لذلك قايلة الهاجرة عند منصرف السلطان من مجلسه وقد اجتمع إليه ببعض حجر القصر خاصة من البطانة وفيهم مسعود بن أبي عامر والوزراء من بني الملاح‏.‏وكان بنو الملاح هؤلاء قد استخلصهم السلطان لحجابته سائر أيامه وكان مسمى الحجابة عندهم قهرمانة الدار والنظر في الدخل والخرج وهم أهل بيت من قرطبة كانوا يحترفون فيها بسكة الدنانير والدراهم وربما دفعوا إلى النظر في ذلك ثقة بأمانتهم ونزل أولهم بتلمسان مع جالية قرطبة فاحترفوا بحرفتهم الأولى وزادوا إليها الفلاحة‏.‏واتصلوا بخدمة عثمان بن يغمراسن وابنه وكان لهم في دولة أبي حمو مزيد حظوة وعناية فولى على حجابته منهم لأول دولته محمد بن ميمون بن الملاح ثم ابنه محمد الأشقر من بعده ثم ابنه إبراهيم بن محمد من بعدهما‏.‏واشترك معه من قرابته علي بن عبد الله بن الملاح فكانا يتوليان مهمة بداره ويحضران خلوته مع خاصته فحضروا يومئذ مع السلطان بعد انقضاء مجلسه كما قلناه ومعه من القرابة مسعود القتيل وحماموش بن عبد الملك بن حنينة ومن الموالي معروف الكبير ابن أبي الفتوح بن عنتر من ولد نصر بن علي أمير بني يزناتن من توجين وكان السلطان قد استوزره فلما علم أبو تاشفين باجتماعهم هجم ببطانته عليهم وغلبوا الحاجب على بابه حتى ولجوه متسايلين بعد أن استمسكوا من إغلاقه حتى إذا توسطوا الدار اعتوروا السلطان بأسيافهم فقتلوه‏.‏وخام أبو تاشفين عنها فلم يعرجوا عليه‏.‏ولاذ أبو سرحان منهم ببعض زوايا الدار واستمكن من غلقها دونهم فكسروا الباب وقتلوه واستلحموا من كان هنالك من البطانة فلم يفلت إلا الأقل‏.‏وهلك الوزراء بنو الملاح واستبيحت منازلهم‏.‏وطاف الهاتف بسكك المدينة بأن أبا سرحان غدر بالسلطان وأن ابنه أبا تاشفين ثار منه فلم يخف على الناس الشأن‏.‏وكان موسى بن علي الكردي قائد العساكر قد سمع الصيحة وركب إلى القصر فوجده مغلقاً دونه فظن الظنون وخشي استيلاء مسعود على الأمر فبعث عن العباس بن يغمراسن كبير القرابة فأحضره عند باب القصر حتى إذا مر بهم الهاتف واستيقن مهلك أبي سرحان رد العباس على عقبه إلى منزله‏.‏ودخل إلى السلطان أبي ثاشفين وقد أدركه الدهش من الواقعة فثبته ونشطه لحقه وأجلسه بمجلس أبيه وتولى له عقد البيعة على قومه خاصة وعلى الناس عامة وذلك آخر جمادى الأولى من تلك السنة‏.‏وجهز السلطان إلى مدفنه بمقبرة سلفه من القصر القديم وأصبح مثلاً في الآخرين والبقاء لله‏.‏وأشخص السلطان لأول بيعته سائر القرابة الذين كانوا بتلمسان من ولد يغمراسن وأجازهم إلى العدوة حذراً من مغبة ترشيحهم وما يتوقع من الفتن على الدولة من قبلهم وقلد حجابته مولاه هلالاً فاضطلع بأعبائها واستبد بالعقد والحل والإبرام والنقض صدراً من دولته إلى أن نكبه حسبما نذكره‏.‏وعقد ليحيى بن موسى السنوسي من صنائع دولهم على شلف وسائر أعمال مغراوة وعقد لمحمد بن سلامة بن علي على عمله من بلاد بني يدللتن من توجين وعزل أخاه سعداً فلحق بالمغرب‏.‏وعقد لموسى بن علي الكردي على قاصية الشرق وجعل له حصار بجاية وأغرى دولته بتشييد القصور واتخاذ الرياض والبساتين فاستكمل ما شرع فيه أبوه من ذلك وأربى عليه فاحتفلت القصور والمصانع في الحسن ما شاءت واتسعت أخباره على ما نذكره‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 03:45 PM

الخبر عن نهوض السلطان أبي تاشفين إلى محمد بن يوسف بجبل وانشريش واستيلائه عليه
كان محمد بن يوسف بعد مرجع السلطان أبي حمو عنه كما ذكرناه قد تغلب على جبل وانشريش ونواحيه واجتمع إليه الفل من مغراوة فاستفحل أمره واشتدت في تلك النواحي شوكته‏.‏وأهم السلطان أبا تاشفين أمره فاعتزم على النهوض إليه وجمع لذلك وأزاح العلل‏.‏وخرج من تلمسان سنة تسع عشرة واحتشد سائر القبائل من زناتة والعرب وأناخ على وانشريش وقد اجتمع به توجين ومغراوة مع محمد بن يوسف‏.‏وكان بنو تيغرين من بني توجين بطانة ابن عبد القوي يرجعون في رئاستهم إلى عمر بن عثمان بن عطية حسبما نذكره وكان قد استخلص سواه من بني توجين دونه فأسفه بذلك وداخل أبا تاشفين ووعده أن ينحرف عنه فاقتحم السلطان عليهم الجبل وانحجروا جميعاً بحصن توكال فخالفهم عمر بن عثمان في قومه إلى السلطان بعد أن حاصرهم ثمانياً فتخرم الجمع واختل الأمر وانفض الناس فاقتحم الحصن‏.‏وتقبض على محمد بن بوسف وجيء به أسيراً إلى السلطان وهو في موكبه فعدد عليه ثم وخزه برمحه‏.‏وتناوله الموالي برماحهم فأقعصوه وحمل رأسه على القناة إلى تلمسان فنصب بشرفات البلد‏.‏وعقد لعمر بن عثمان على جبل وانشريش وعمال بني عبد القوي ولسعيد العربي من مواليه على عمل المدية‏.‏فزحف إلى الشرق فأغار على أحياء رياح وهم بوادي الجنان حيث الثنية المفضية من بلاد حمزة إلى القبلة وصبح أحياءهم فاكتسح أموالهم ومضى في وجهه إلى بجاية فعرس بساحتها ثلاثاً وبها يومئذ الحاجب يعقوب بن عمر فامتنعت عليه فظهر له وجه المعذرة لأوليائهم في استحصانها لهم‏.‏وقفل إلى تلمسان إلى أن كان من أمره ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏


الخبر عن حصار بجاية والفتنة الطويلة مع الموحدين التي كان فيها حتفه وذهاب سلطانه
لما رجع السلطان أبو تاشفين من حصار بجاية سنة تسع عشرة اعتمل في ترديد البعوث إلى قاصية الشرق والإلحاح بالغزو على بلاد الموحدين فأغزاها جيوشه سنة عشرين فدوخوا ضواحي بجاية وقفلوا‏.‏ثم أغزاهم ثانية سنة إحدى وعشرين وعليهم موسى بن علي الكردي فانتهى إلى قسنطينة وحاصرها فامتنعت عليه فأفرج عنها وابتنى حصن بكر لأول مضيق الوادي وادي بجاية‏.‏وأنزل به العسكر لنظر يحيى بن موسى قائد شلف وقفل إلى تلمسان‏.‏ثم نهض موسى بن علي ثالثة سنة اثنتين وعشرين فدوخ نواحي بجاية ونازلها أياماً‏.‏وامتنعت عليه فأفرج عنها‏.‏ووفد سنة ثلاث وعشرين على السلطان حمزة بن عمر بن أبي الليل كبير البدو بإفريقية صريخاً على صاحب إفريقية مولانا السلطان أبي يحيى فبعث معه العساكر من زناتة وعامتهم من بني توجين وبني راشد وأمر عليهم القواد وجعلهم لنظر قائده موسى بن علي الكربي ففصلوا إلى إفريقية فخرج السلطان للقائهم فانهزموا بنواحي مرمجنة‏.‏وتخطفتهم الأيدي فاستلحموا وقتل مسامح مولاه ورجع موسى بن علي بالفل فاتهمه السلطان بالادهان وكان من نكبته ما نذكر في أخباره‏.‏وسير العساكر سنة أربع وعشرين فدوخت نواحي بجاية ولقيه ابن سيد الناس فهزموه ونجا إلى البلد‏.‏ووفد على السلطان سنة خمس وعشرين مشيخة سليم‏:‏ حمزة بن عمر بن أبي الليل وطالب بن مهلهل الفحلان المتزاحمان في رياسة الكعوب‏.‏ومحمد بن مسكين من بني القوس كبراء حكيم فاستحثوه للحركة واستصرخوه على إفريقية وبعث معهم العساكر لنظر قائده موسى بن علي‏.‏ونصب لهم إبراهيم بن أبي بكر الشهيد من أعياص الحفصيين‏.‏وخرج مولانا السلطان أبو يحيى من تونس للقائهم وخشيهم على قسنطينة فسابقهم إليها فأقام موسى بن علي بعساكره على قسنطينة‏.‏وتقدم إبراهيم بن أبي بكر الشهيد في أحياء سليم إلى تونس فملكها كما ذكرناه في أخبارهم‏.‏وامتنعت قسنطينة على موسى بن علي فأفرج عنها لخمس عشرة ليلة من حصارها وعاد إلى تلمسان‏.‏ثم أغزاه السلطان سنة ست وعشرين في الجيوش وعهد إليه بتدويخ الضاحية ومحاصرة الثغور فنازل قسنطينة وأفسد نواحيها‏.‏ثم رجع إلى بجاية فحاصرها حتى إذا اعتزم على الإقلاع ورأى أن حصن بكر غير صالح لتجمير الكتائب عليها لبعده ارتاد للبناء عليها فيما هو أقرب منه فاختط بمكان سوق الخميس على وادي بجاية مدينة لتجهيز الكتائب بها على بجاية وجمع الأيدي على بنائها من الفعلة والعساكر فتمت لأربعين يوماً وسموها تامز يزدكت باسم الحصن القديم الذي كان لبني عبد الواد قبل الملك بالجبل قبلة وجدة وأنزل بها عسكراً يناهز ثلاثة آلاف‏.‏وأوعز السلطان إلى جميع عماله ببلاد المغرب الأوسط بنقل الحبوب إلى حيث كانت والأدم وسائر المرافق حتى الملح وأخذوا الرهن من سائر القبائل على الطاعة واستوفوا جبايتهم‏.‏فثقلت وطأتهم على بجاية واشتد حصارها وغلت أسعارها‏.‏وبعث مولانا السلطان أبو يحيى جيوشه وقواده سنة سبع وعشرين فسلكوا إلى بجاية على جبل بني عبد الجبار وخرج بهم قائدها أبو عبد الله بن سيد الناس إلى ذلك الحصن‏.‏وقد كان موسى بن علي عند بلوغ خبرهم إليه استنفر الجنود من ورائه وبعث إلى القواد قبله بالبراز فالتقى الجمعان بناحية تامز يزدكت فانكشف ابن سيد الناس ومات ظافر الكبير مقدم الموالي من المعلوجي بباب السلطان واستبيح معسكرهم‏.‏ولما سخط السلطان قائده موسى بن علي ونكبه كما نذكره في أخباره أغرى يحيى بن موسى السنوسي في العساكر إلى إفريقية ومعه القواد فعاثوا في نواحي قسنطينة وانتهوا إلى بلد بونة ورجعوا‏.‏وفي سنة تسع وعشرين بعدها وفد حمزة بن عمر على السلطان أبي تاشفين صريخاً ووفد معه أو بعده عبد الحق بن عثمان فحل الشول من بني مرين‏.‏وكان قد نزل على مولانا السلطان أبي يحيى منذ سنين فسخط بعض أحواله ولحق بتلمسان فبعث السلطان معهم جميع قواده بجيوشه لنظر يحيى بن موسى‏.‏ونصب لهم محمد بن أبي بكر بن أبي عمران من أعياص الحفصيين ولقيهم مولانا السلطان أبو يحيى بالرياس من نواحي بلاد هوارة وانخذل عنه أحياء العرب من أولاد مهلهل الذين كانوا معه وانكشفت جموعه واستولوا على ظعائنه بما فيها من الحريم‏.‏وعلى ولديه أحمد وعمر فبعثوا بهم إلى تلمسان ولحق مولانا السلطان أبو يحيى بقسنطينة وقد أصابه بعض الجراحة في حومة الحرب‏.‏وسار يحيى بن موسى وابن أبي عمران إلى تونس استولوا عليها‏.‏ورجع يحيى بن موسى عنهم بجموع زناتة لأربعين يوماً من دخولها قفل إلى تلمسان وبلغ الخبرإلى مولانا السلطان أبي يحيى بقفول زناتة عنهم فنهض إلى تونس وأجهض عنها ابن أبي عمر بعد أن كان أوفد من بجاية على ملك الغرب ابنه أبا زكرياء يحيى ومعه أبو محمد بن تافراكين من مشيخة الموحدين صريخاً على أبي تاشفين فكان ذلك داعية إلى انتقاض ملكه كما نذكره بعد‏.‏وداخل السلطان أبو تاشفين بعض أهل بجاية ودلوه على عورتها واستقدموه فنهض إليها ودخلها ونذر بذلك الحاحب ابن سيد الناس فسابقه إليها ودخلها يوم نزوله عليها وقتل من اتهمه بالمداخلة وانحسم الداء‏.‏وأقلع السلطان أبو تاشفين عنها وولى عيسى بن مزروع من مشيخة بني عبد الواد على المجيش الذي بتامز يزدكت وأوعز إليه ببناء حصن أقرب إلى بجاية عن تامز يزدكت فبناه بالياقوتة من أعلى الوادي قبالة بجاية‏.‏فأخذ بمخنقها واشتد الحصار إلى أن أخذ السلطان أبو الحسن بحجرتهم فانجفلوا جميعاً إلى تلمسان وتنفس مخنق الحصار عن بجاية‏.‏ونهض مولانا السلطان أبو يحيى جيوشه من تونس إلى تامز يزدكت سنة اثنتين وثلاثين فخربها في الخبر عن معاودة الفتنة مع بني مرين وحصارهم تلمسان ومقتل السلطان أبي تاشفين بن أبي حمو كان السلطان أبو تاشفين قد عقد السلم لأول دولته مع السلطان أبي سعيد ملك المغرب فلما انتقص عليه ابنه عمر سنة اثنتين وعشرين من بعد المهادنة الطويلة من لدن استبداده بسجلماسة بعث ابنه القعقاع إلى أبي تاشفين في الأخذ بحجرة أبيه عنه ونهض إلى مراكش فدخلها‏.‏وزحف إليه السلطان أبو سعيد فبعث أبو تاشفين قائده موسى بن علي في العساكر إلى نواحي تازى فاستباح عمل كارت واكتسح زروعه وقفل‏.‏واعتدها عليه السلطان أبو سعيد وبعث أبو تاشفين وزيره داود بن علي بن مكن رسولاً إلى السلطان أبي علي بسجلماسة فرجع عنه مغاضباً‏.‏وجنح أبو تاشفين بعدها إلى التمسك بسلم السلطان أبي سعيد فعقد لهم ذلك وأقاموا عليها مدة‏.‏فلما وفد ابن مولانا السلطان أبي يحيى على السلطان أبي سعيد ملك المغرب وانعقد الصهر بينهم كما ذكرناه في أخبارهم وهلك السلطان أبو سعيد نهض السلطان أبو الحسن إلى تلمسان بعد أن قدم رسله إلى السلطان أبي تاشفين في أن يقلع جيوشه عن حصار بجاية ويتجافى للموحدين عن عمل تدلس فأبى وأساء الرد وأسمع الرسل بمجلسه هجر القول‏.‏وأقذع لهم الموالي في الشتم لمرسلهم بمسمع من أبي تاشفين فأحفظ ذلك السلطان أبا الحسن ونهض في جيوشه سنة اثنتين وثلاثين إلى تلمسان فتخطاها إلى تاسالة وضرب معسكره وأطال المقامة‏.‏وبعث الممد إلى بجاية مع الحسن البطوي من صنائعه وركبوا في أساطيله من سواحل وهران‏.‏ووافاهم مولانا السلطان أبو يحيى ببجاية وقد جمع لحرب بني عبد الواد وهدم تامزيزدكت وجاء لموعد السلطان أبي الحسن معه أن يجتمعا بعساكرهما لحصار تلمسان فنهض من بجاية إلى تامزيزدكت وأجفل منها عسكر بني عبد الواد وتركوها قواء‏.‏ولحقت بها عساكر الموحدين فعاثوا فيها تخريبًا ونهبًا‏.‏وانطلقت الأيدي على الاكتساح بما كان فيها من الأقوات والأدم فنسفت والصقت جحرانها بالأرض‏.‏وتنفس مخنق بجاية من الحصار وانكمش بنو عبد الواد إلى وراء تخومهم‏.‏وفي خلال ذلك انتقض أبوعلي ابن السلطان أبي سعيد على أخيه وصمد من مقره بسجلماسة إلى درعة وفتك بالعامل وأقام فيها دعوته كما نذكر ذلك بعد‏.‏وطار الخبر إلى السلطان أبي الحسن بمحله من تاسالة فنكص راجعًا إلى المغرب لحسم دائه وراجع السلطان أبو تاشفين عزه وانبسطت عساكره في ضواحي عمله وكتب الكتائب وبعث بها مددًا للسلطان أبي علي‏.‏ثم استنفر قبائل زناتة وزحف إلى تخوم المغرب سنة ثلاث وثلاثين ليأخذ بحجرة السلطان أبي الحسن على أخيه وانتهى إلى ثغر تاوريرت‏.‏ولقيه هنالك تاشفين ابن السلطان أبي الحسن في كتيبة جمرها أبوه معه هنالك لسد الثغور ومعه منديل بن حمامة شيخ تيم بيغين من بني مرين في قومه‏.‏فلما برزوا إليه انكشف ورجع إلى تلمسان‏.‏ولما تغلب السلطان أبو الحسن على أخيه وقتله سنة أربع وثلاثين جمع لغزو تلمسان وحصارها ونهض إليها سنة خمس وقد استنفد وسعه في الاحتفال بذلك‏.‏وأحاطت بها عساكره وضرب عليها سياج الأسوار وسراد قات الحفائرأطبقت عليهم حتى لا يكاد الطيف يخلص منهم ولا إليهم‏.‏وسرح كتائبه إلى القاصية من كل جهة فتغلب على الضواحي وافتتح الأمصار جميعًا وخرب وجدة كما يأتي ذكر ذلك كله‏.‏وألح عليها بالقتال يغاديها ويراوحها ونصب المجانيق وانحجر بهما مع السلطان أبي تاشفين زعماء زناتة من بني توجين وبني عبد الواد وكان عليهم في بعض أيامها اليوم المشهور الذي استلحمت فيه أبطالهم وهلك أمراؤهم‏.‏وذلك أن السلطان أبا الحسن كان يباكرهم في الأسحار فيطوف من وراء أسواره التي ضرب عليهم شرطا يرتب فيه المقاتلة ويثقف الأطراف ويسد الفروج ويصلح الخلل وأبو تاشفين يبث العيون في ارتصاد فرصة فيه‏.‏وأطاف في بعض الأيام منتبذًا عن الجملة فكمنوا له حتى إذا سلك ما بين البلد والجبل انقضوا عليه يحسبونها فرصة قد وجدوها وضايقوه حتى كاد سرعان الناس أن يصلوا إليه‏.‏وأحس أهل المعسكر بذلك فركبوا زرافات ووحدانًا وركب ابناه الأميران أبو عبد الرحمن وأبو مالك جناحا عسكره وعقابا جحافله وتهاوت إليهم صقور بني مرين من كل جو فانكشف عسكر البلد ورجعوا القهقرى ثم ولوا الأدبار عنه منهزمين لا يلوي أحد منهم على أحد‏.‏واعترضهم مهوى الخندق فتطارحوا فيه وتهافتوا على ردمه فكان الهالك يومئذ بالروم أكثرمن الهالك بالقتل‏.‏وهلك من بني توجين يومئذ عمر بن عثمان كبير الحشم وعامل جبل وانشريش ومحمد بن سلامة بن علي كبير بنى يدللتن وصاحب القلعة تاوعزدوت وما إليها من عملهم وهما ما هما في زناتة إلى أشباه لهما وأمثال استحلموا في هذه الوقائع فقص هذا اليوم جناح الدولة وحطم منها واستمرت منازلة السلطان أبي الحسن إياها إلى آخر شهر رمضان من سنة سبع وثلاثين فاقتحمها يوم السابع والعشرين منه غلابًا‏.‏ولجأ السلطان أبوتاشفين إلى باب قصره في لمة من أصحابه ومعه ولدان عثمان ومسعود ووزيره موسى بن علي وعبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق من أعياص بني مرين وهو الذي لحق بهم من تونس كما ذكرناه‏.‏وسيأتي ذكره وخبره‏.‏ومعه يومئذ ابنا أخيه أبو رزين وأبو ثابت فمانعوا دون القصر مستميتين إلى أن استلحموا ورفعت رؤوسهم على عصي رماح فطيف بها‏.‏وغضت سكك البلد من خارجها وداخلها بالعساكر وكظت أبوابها بالزحام حتى لقد كب الناس على أذقانهم وتواقعوا فوطئوا بالحوافر وتراكمت أشلاؤهم ما بين البابين حتى ضاق المذهب بين السقف ومسلك الباب فانطلقت الأيدي على المنازل نهبًا واكتساحًا‏.‏وخلص السلطان إلى المسجد الجامع واستدعى رؤوس الفتيا والشورى‏:‏ أبا زيد عبد الرحمن وأبا موسى عيسى ابني الإمام قدمهما من أعماله لمكان معتقلى في أهل العلم فحضرا ورفعا إليه أمر الناس وما نالهم من معرة ووعظاه فأناب‏.‏ونادى مناديه برفع الأيدي عن ذلك فسكن الاضطراب وأقصر العيث‏.‏وانتظم السلطان أبو الحسن أمصار المغرب الأوسط وعمله إلى سائر أعماله وتاخم الموحدين بثغوره وطمس رؤوس الملك لآل زيان ومعالمه واستتبع زناتة عصبًا تحت لوائه من بني عبد الواد وتوجين ومغراوة وأقطعهم ببلاد المغرب أسهامًا أدالهم بها من تراثهم بأعمال تلمسان فانقرض ملك آل يغمراسن برهة من الدهر إلى أن أعاده منهم أعياص سموا إليه بعد حين عند نكبة السلطان أبي الحسن بالقيروان كما ننكره فأومض بارقة وهبت ريحه‏.‏والله يؤتي ملكه من يشاء‏.‏


الساعة الآن 08:14 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى