منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 12 - 8 - 2010 03:55 PM

الخبر عن بني توجين من شعوب بني بادين
من أهل هذه الطبقة الثالثة من زناتة وما كان لهم من الدولة والسلطان بالمغرب الأوسط وأولية ذلك ومصائره كان هذا الحي من أعظم أحياء بني بادين وأوفرهم عدداً‏.‏كانت مواطنهم حفافي وادي شلف قبلة جبل وانشريش من أرض السرسو وهو المسمى لهذا العهد نهر واصل‏.‏وكان بأرض السرسو بجهة الغرب منهم بطون من لواتة وغلبهم عليها بنو وجديجن ومطماطة‏.‏ثم صارت أرض السرسو لبني توجين هؤلاء واستضافوها إلى مواطنهم الأولى‏.‏صارت مواطنهم ما بين موطن بني راشد وجبل دراك في جانب القبلة‏.‏وكانت رياستهم أيام صنهاجة لعطية بن دافلتن وابن عمه لقمان بن المعتز كما ذكره ابن الرقيق‏.‏ولما كانت فتنة حماد بن بلكين مع عمه باديس ونهض إليه باديس من القيروان حتى احتل بوادي شلف تحيز إليه بنو توجين هؤلاء وكانت لهم في حروب حماد آثار مذكورة‏.‏وكان لقمان بن المعتز أظهر من عطية بن دافلتن وكان قومهم يومئذ زهاء ثلاثة آلاف‏.‏وأوفد لقمان ابنه يدر على باديس قبل اللقاء طاعة له وانحياشاً‏.‏فلما انهزم حماد رعى لهم باديس انحياشهم إليه وسوغ لهم ما غنموه وعقد للقمان على قومه ومواطنه وعلى ما يفتحه من البلاد بدعوته‏.‏ثم انفرد برياستهم بعد حين بنو دافلتن‏.‏ويقال إنه دافلتن بن أبي بكر بن الغلب‏.‏وكانت رياستهم لعهد الموحدين لعطية بن مناد بن العباس بن دافلتن وكان يلقب عطية الحيو‏.‏وكانت بينهم لعهده وبين بني عبد الواد حروب كان متولي كبرها من بني عبد الواد شيخهم لذلك العهد أعدوى بن يكنمن بن القاسم فلم تزل تلك الفتنة بينهم إلى أن غلبهم بنو عبد الواد آخراً على مواطنهم كما نذكره‏.‏ولما هلك عطية الحيو قام بأمرهم ابنه العباس وكانت له آخر في الأجلاب على ضواحي المغرب الأوسط‏.‏ونقض طاعة الموحدين إلى أن هلك سنة سبع وستماية دس عليه عامل تلمسان يومئذ أبو زيد بن بوجان من اغتاله فقتله‏.‏وقام بأمرهم من بعده اينه عبد القوي فانفرد برياستهم وتوارثها عقبه من بعده كما نذكر‏.‏وكان من أشهر بطون بني توجين هؤلاء يومئذ بنو يدللتن وبنو نمزي وبنو مادون وبنو زنداك وبنو وسيل وبنو قاضي وبنو مامت ويجمع هؤلاء الستة بنو مدن‏.‏ثم بنوتيغرين وبنو يرناتن وبنو منكوش ويجمع هؤلاء الثلاثة بنو رسوغين‏.‏ونسب بني زنداك دخيل فيهم وإنما هم من بطون مغراوة‏.‏وبنو منكوش هؤلاء منهم عبد القوي بن العباس بن عطية الحيو هكذا رأيت نسبه لبعض مؤرخي زناتة المنكوشي‏.‏وكانت رياسة بني توجين جميعاً عند انقراض أمر بني عبد المؤمن لعبد القوي بن العباس بن عطية الحيو وأحيائهم جميعاً بتلك المجالات القبلية‏.‏فلما وهن أمر بني عبد المؤمنه وتغلب مغراوة على بسائط متيجة ثم على جبل وانشريش نازعهم عبد القوي وقومه أمر وانشريش وغالبوهم إلى أن غلبوهم عليه واستقر في ملكهم‏.‏وأوطنه بنو تيغرين وبنو منكوش من أحيائهم ثم تغلبوا على منداس وأوطنها أحياء بني مدن جميعاً وكان الظهور منهم لبني يدللتن ورياسة بني يدللتن لبني سلامة‏.‏وبقي بنو يرناتن من بطونهم بمواطنهم الأولى قبلة وانشريش‏.‏وكان من أحلاف بني عطية الحيو بنو تيغرين منهم خاصة وأولاد عزيز بن يعقوب ويعرفون جميعاً بالحشم‏.‏ولما تغلبوا على الأوطان والتلول وأزاحوا مغراوة عن المدية ووانشريش وتافركنيت واستأثروا بملكها وملك الأوطان من غربيها مثل منداس والجعبات وتاوغزوت ورئيسهم لذلك العهد عبد القوي بن العباس والكل لأمره‏.‏فصار له ملك بدوي لم يفارق فيه سكنى الخيام ولا إبعاد النجعة ولا إيلاف الرحلتين‏.‏ينتهون في مشاتيهم إلى مصاب والزاب وينزلون في المصايف بلادهم هذه من التل‏.‏ولم يزل هذا شأن عبد القوي وابنه محمد إلى أن تنازع بنوه الأمر من بعده وقتل بعضهم بعضاً‏.‏وتغلب بنو عبد الواد على عامة أوطانهم وأحيائهم واستبد عليهم بنو يرناتن وبنو يدللتن فصاروا إلى بني عبد الواد‏.‏وبقي أعقابهم بجبل وانشريش إلى أن انقرضوا كما نذكر‏.‏وكان عبد القوي لما غلب مغراوة على جبل وانشريش اختط حصن مرات بعد أن كان منديل المغراوي شرع في اختطاطه فبنى منه القصبة ولم يكمله فأكمله محمد بن عبد القوي من بعدهم‏.‏ولما استبد بنو أبي حفص بإفريقية وصارت لهم خلافة الموحدين نهض الأمير أبو زكرياء إلى المغرب الأوسط دخلت في طاعته قبائل صنهاجة وفرت زناتة أمامه‏.‏وردد إليهم الغزو فأصاب منهم‏.‏وتقبض في بعض غزواته على عبد القوي بن العباس من بني توجين فاعتقله بالحضرة‏.‏ثم من عليه وأطلقه على أن يستألف له قومه فصاروا شيعة له ولقومه آخر الدهر‏.‏ونهض الأمير أبو زكرياء بعدها إلى تلمسان فكان عبد القوي وقومه في جملته‏.‏حتى إذا ملك تلمسان ورجع إلى الحضرة عقد لعبد القوي هذا على قومه ووطنه وأذن له في اتخاذ الآلة فكانت أول مراسم الملك لبني توجين هؤلاء‏.‏وكانت حالهم مع بني عبد الواد تختلف في السلم والحرب‏.‏حمولما هلك السعيد على يدي يغمراسن وقومه كما ذكرناه استنفر يغمراسن سائر أحياء زناتة لغزو المغرب ومسابقة بني مرين إليه فنفر معه عبد القوي في قومه سنة سبع وأربعين‏.‏وانتهوا إلى تازى واعترضهم أبو يحيى بن عبد الحق أمير بني مرين في قومه فنكصوا وأتبعهم إلى أنكاد فكان اللقاء وانكشفت جموع بني بادين وكانت الهزيمة التي ذكرناها في أخبار بني عبد الواد‏.‏وهلك عبد القوي مرجعه منها في سنته بالموضع المعروف ماحنون من مواطنهم‏.‏وتصدى للقيام بأمرهم بعده ابنه يوسف فمكث في تلك الأمارة أسبوعاً‏.‏ثم قتله على جدث أبيه أخوه محمد بن عبد القوي وولي عهد أبيه سابع مواراته‏.‏وفر ابنه صالح بن يوسف إلى بلاد صنهاجة بجبال المدية فأقام بها هو وبنوه‏.‏واستقل محمد برياسة بني توجين واستغلظ ملكه وكان الفحل الذي لا يقرع أنفه‏.‏ونازعه يغمراسن أمره ونهض إلى حربه سنة تسع وأربعين وعمد إلى حصن تافراكنيت فنازله وبه يومئذ حافده علي بن زيان بن محمد في عصابة من قومه فحاصره أياماً وامتنعت عليه فارتحل عنها‏.‏ثم تواضعوا أوزار الحرب ودعاه يغمراسن إلى مثل ما دعا إليه أباه من غزو بني مرين في بلادهم فأجاب‏.‏ونهضوا سنة سبع وخمسين ومعهم مغراوة فانتهوا إلى كلدامان ما بين تازى وأرض الريف‏.‏ولقيهم يعقوب بن عبد الحق في جموعه فانكشفوا ورجعوا منهزمين إلى بلادهم كما ذكرناه‏.‏وكانت بينه بعد ذلك وبين يغمراسن فتن وحروب فنازله فيها بجبل وانشريش مرات وجاس خلال وطنه‏.‏ولم يقع بعدها بينهما مراجعة لاستبداد يغمراسن بالملك وسموه إلى التغلب على زناتة أجمع وبلادهم وكانوا جميعاً منحاشين إلى الدعوة الحفصية‏.‏وكان محمد بن عبد القوي كثير الصاغية إلى بالسلطان المستنصر‏.‏ولما نزل النصارى الإفرنجة بساحل تونس سنة ثماني وستين‏.‏وطمعوا في ملك الحضرة بعث المستنصر إلى ملوك زناتة بالصريخ فصرفوا وجوههم إليه وخف من بينهم محمد بن عبد القوي في قومه ومن احتشد من أهل وطنه ونزل على السلطان بتونس‏.‏وأبلى في جهاد العدو وأحسن البلاء وكانت له فى أيامه معهم مقامات مذكورة ومواقف عند الله محتسبة معدودة‏.‏ولما ارتحل العدو عن الحضرة وأخذ محمد بن عبد القوي في الانصراف إلى وطنه أسنى السلطان جائزته وعم بالإحسان وجوه قومه وعساكره وأقطعه بلد مقرة وأوماش من وطن الزاب وأحسن منقلبه‏.‏ولم يزل بعد ذلك متعلقاً بطاعته مستظهراً على عدوه بالانحياش إليه‏.‏ولما استغلظ بنو مرين على يغمراسن بعد استيلائهم على أمصار المغرب واستبدادهم بملكه وصل محمد يده بهم في الاستظهار على يغمراسن وأوفد ابنه زيان بن محمد عليهم‏.‏ولما نهض يعقوب بن عبد الحق إلى تلمسان سنة سبعين وأوقع بيغمراسن في إيسلى من أنكاد الواقعة التي هلك فيها ابنه فارس نهفر إلى محمد بن عبد القوي للقائه‏.‏ومر في طريقه بالبطحاء وهي يومئذ ثغر لأعمال يغمراسن فهدمها‏.‏ولقي يعقوب بن عبد الحق بساحة تلمسان مباهيا بآلته فأكرم يعقوب وفادته وبر مقدمه ونازلوها أياما فامتنعت عليهم وأجمعوا على الإفراج‏.‏وتأذن لهم يعقوب بن عبد الحق ليتلومن عليها إلى أن يلحق محمد وقومه ببلادهم حذراً عليهم من غائلة يغمراسن ففعل وملأ حقائبهم بأتحافه وجنب لهم ماية من الجياد العتاق بالمراكب الثقيلة وأراح عليهم ألف ناقة حلوب وعمهم بالصلات والخلع الفاخرة واستكثر لهم من السلع والفازات والأخبيات والحملان‏.‏وارتحلوا ولحق محمد بن عبد القوي بمكانه من جبل وانشريش واتصلت حروبه مع يغمراسن وكثر إجلابه على وطنه وعيثه في بلاده‏.‏وهو مع ذلك مقيم على موالاة يعقوب بن عبد الحق وإتحافه بالعتاق من الخيل والمستجاد من الطرف‏.‏حتى كان يعقوب إذا اشترط على يغمراسن في مهادنته يجعل سلمهم من سلمه وحربهم من حربه‏.‏وبسببهم كان نهوض يعقوب بن عبد الحق سنة ثمانين لما اشترط عليه ذلك ولج في قبوله فنهض إليه وأوقع به بخرزوزة ثم أناخ عليه بتلمسان‏.‏ووافاه هنالك محمد بن عبد القوي فلقيه في القصبات وعاثوا في نواحي تلمسان نهباً وتخريباً‏.‏ثم أذن يعقوب محمداً وقومه في الانطلاق إلى بلادهم وتلوم هو بمكانه من ضواحي تلمسان بمدة منجاتهم إلى مكانهم من وانشريش حذراً عليهم من اعتراض يغمراسن‏.‏ولم يزل شأنهم ذلك إلى أن هلك يغمراسن بشدبوية من بلاد مغراوة خاتمة إحدى وثمانين‏.‏وفي خلال استغلاظ بني مرين على بني عبد الواد استوسق لمحمد هذا ملكه فتغلب على أوطان صنهاجة بجبال المدية‏.‏وأخرج الثعالبة من جبال تيطرى بعد أن غدر بمشيختهم وقتلهم فانزاحوا عنه الى بسائط متيجة وأوطنوها‏.‏واستولى محمد على حصن المدية وهو المسمى بأهله لمدية - بفتح اللام والميم وكسر الداد وتشديد الياء بعدها وهاء النسب آخرها - وهم بطن من بطون صنهاجة‏.‏وكان المختط لها بلكين بن زيري‏.‏ولما استولى محمد عليها وعلى ضواحيها أنزل بها أولاد عزيز بن يعقوب من حشمه وجعلها لهم موطناً وولاية‏.‏وفر بنو صالح ابن أخيه يوسف بن عبد القوي من مكانهم بين صنهاجة منذ مقتل أبيه يوسف كما ذكرناه‏.‏ولحقوا ببلاد الموحدين بإفريقية فلقوهم مبرة وتكريماً‏.‏وأقطعوا لهم بضواحي قسنطينة وكانوا يعولون عليهم أيام حروبهم وفي مواطن قتالهم‏.‏وكان من أظهرهم عمر بن صالح وابناه صالح ويحيى بن عمر وحافده يحيى بن صالح بن عمر في آخرين مشاهير‏.‏وأعقابهم لهذا العهد بنواحي قسنطينة‏.‏وفي إيالة الملوك من آل أبي حفص يعسكرون معهم في غزواتهم ويبلون في حروبهم ويقومون بوظائف خدمتهم‏.‏وكان الوالي من أولاد عزيز على المدية حسن بن يعقوب وبنوه من بعده يوسف وعلي كانت مواطنهم ما بين المدية موطنهم الأول ماحنون‏.‏وكان بنو يدللتن أيضاً من بني توجين قد استولوا على حصن الجعبات وقلعة تاوغزوت‏.‏ونزل القلعة كبيرهم سلامة بن علي مقيماً على طاعة محمد بن عبد القوي وقومه فاتصل ملك محمد بن عبد القوي في ضواحي المغرب الأوسط ما بين مواطن بني راشد إلى بلاد صنهاجة بنواحي المدية وما في قبلة ذلك من بلاد السرسو وجباله إلى أرض الزاب‏.‏وكان يبعد الرحلة في مشتاه فينزل الدوسن ومقرة والمسيلة ولم يزل دأبه ذلك‏.‏ولما هلك يغمراسن سنة إحدى وثمانين كما ذكرناه استجدت الفتنة بين عثمان ابنه وبين محمد بن عبد القوي فنهد إليه عثمان في جموعه من بني عبد الواد والعساكر سنة اثنتين وثمانين فحاصره بجبل وانشريش وامتنع عليه فعاث في نواحي وطنه وقفل إلى تلمسان‏.‏وهلك محمد بن عبد القوي على إثر ذلك سنة أربع وثمانين وولي من بعده ابنه سيد الناس فلم تطل مدة ملكه‏.‏وقتله أخوه موسى لسنة أو نحوها من بعد مهلك أبيه‏.‏وأقام موسى بن محمد في أمارة بني توجين نحو من عامين‏.‏وكان أهل مرات من أشد أهل وطنه شوكة وأقواهم غائلة فحدثته نفسه أن يستلحم مشيختهم ويريح نفسه من محاذرتهم فأجمع لذلك ونزلها ونذروا بشأنه ورأيه فيهم فاستماتوا جميعاً وثاروا به فقاتلهم‏.‏ثم انهزم مثخناً بالجراحة وألجأوه إلى مهاوي الحصن فتردى منها وهلك‏.‏وولي من بعد عمر ابن أخيه إسماعيل بن محمد مدة أربعة أعوام‏.‏ثم غدر به أولاد عمه زيان بن محمد فقتلوه وولوا كبيرهم ابن زيان وكان حسن الولاية عليهم‏.‏يقال ما ولي فيهم بعد محمد مثله‏.‏وفي خلال هذه الولاية استغلظ عليهم بنو عبد الواد واشتدت وطأة عثمان بن يغمراسن عليهم بعد مهلك أبيهم محمد فنهض إليهم سنة ست وثمانين‏.‏وحاصرهم بجبل وانشريش وعاث في أوطانهم ونقل زروعها إلى مازونة حين غلب عليها مغراوة‏.‏ثم نازل حصن تافركنيت وملكها بمداخلة القائد بها غالب الخصي مولى سيد الناس بن محمد وقفل إلى تلمسان‏.‏ثم نهض إلى أولاد سلامة بقلعة تاوغزوت وامتنعوا عليه مراراً ثم أعطوه اليد على الطاعة ومفارقة بني محمد بن عبد القوي قنبذوا لهم العهد وصاروا إلى إيالة عثمان بن يغمراسن‏.‏وفرضوا لهم المغارم على بني يدللتن‏.‏وسلك عثمان بن يغمراسن مسلك التضريب بين قبائل بني وجين وتحريضهم على إبراهيم بن زيان أميرهم فغدا عليه زكدان بن أعجمي شيخ بني مادون وقتله بالبطحاء في إحدى غزواته لسبعة أشهر من ملكه‏.‏وولي من بعده موسى بن زرارة بن محمد بن عبد القوي بايع له بنو تيغرين واختلف عليه سائر بني توجين فأقام بعض سنة‏.‏وعثمان بن يغمراسن في خلال هذا يستألف بني توجين شعباً فشعباً إلى أن نهض إلى جبل وانشريش فملكه‏.‏وفر أمامه موسى بن زرارة إلى نواحي المدية وهلك في مفره ذلك‏.‏ثم نهض عثمان إلى المدية سنة ثمان وثمانين بعدها فملكها بمداخلة لمدية من قبائل صنهاجة‏.‏غدروا بأولاد عزيز وأمكنوه منها ثم انتقضوا عليه لسبعة أشهر ورجعوا إلى إيالة أولاد عزيز فصالحوا عثمان بن يوسف إلى الإتاوة والطاعة كما كانوا مع محمد بن عبد القوي وبنيه فملك عثمان بن يغمراسن على عامة بلاد بني توجين‏.‏ثم شغل بما دهمه من مطالبة بني مرين أيام يوسف بن يعقوب فولى على بني توجين من بني محمد بن عبد القوي أبو بكر بن إبراهيم بن محمد مدة من عامين أخاف فيها الناس وأساء السيرة ثم هلك فنصب بنو تيغرين بعده أخاه عطية المعروف بالأصم وخالفهم أولاد عزيز وجميع قبائل توجين فبايعوا ليوسف بن زيان بن محمد‏.‏وزحفوا إلى جبل وانشريش فحاصروا عطية وبني تيغرين عاماً أو يزيد‏.‏وكان يحيى بن عطية كبير بني تيغرين هو الذي تولى البيعة لعطية الأصم‏.‏فلما اشتد بهم الحصار واستفحل أمر يوسف بن يعقوب وبني مرين نزع يحيى إلى بني مرين‏.‏وقدم على يوسف بن عبد الحق بمكانه من حصار تلمسان‏.‏ورغبه في ملك جبل وانشريش فبعث معه الجيوش لنظر أخيه أبي سرحان ثم أخيه أبي يحيى‏.‏وكان نهوض أبي يحيى سنة إحدى وسبعماية فتوغل في قاصية الشرق‏.‏ولما رجع صمد إلى جبل وانشريش فهدم حصونه وقفل‏.‏ونهض ثانية إلى بلاد بني توجين فشردهم عنها‏.‏وأطاعه أهل تافركنيت‏.‏ثم انتهى إلى المدية فافتتحها صلحاً واختط قصبتها‏.‏ورجع إلى أخيه يوسف بن يعقوب فانتقض أهل تافركنيت بعد صدوره عنهم‏.‏ثم راجع بنو عبد القوي بصائرهم في التمسك بالطاعة‏.‏ووفدوا على يوسف بن يعقوب فتقبل طاعتهم وأعادهم إلى بلادهم وأقطعهم وولى عليهم علي بن الناصر بن عبد القوي وجعل وزارته ليحيى بن عطية فغلبه على دولته واستقام ملكه‏.‏وهلك خلال ذلك فعقد يوسف بن يعقوب مكانه لمحمد بن عطية الأصم‏.‏واستقام على طاعته وقتاً ثم انتقض بين يدي مهلكه سنة ست وحمل قومه على الخلاف‏.‏ولما هلك يوسف بن يعقوب وتجافى بنو مرين من بعدها لبني يغمراسن عن جميع الأمصار التي تملكوها بالمغرب الأوسط فاستمكن بنو يغمراسن منها ودفعوا للمتغلبين عليها‏.‏ولحق الفل من أولاد عبد القوي ببلاد الموحدين فحلوا من دولتهم محل الإيثار والتكرمة‏.‏وكان للعباس بن محمد بن عبد القوي مع الملوك من آل أبي حفص مقام الخلة والمصافاة إلى أن هلك وبقي عقبه في جند السلطان‏.‏ولما خلا الجو من هؤلاء المرسخين تغلب على جبل وانشريش من بعدهم كبير بني تيغرسن وهو يحيى بن عطية بن يوسف بن المنصور‏.‏ويزعمون أنهم دخلاء في بني تيغرين وأن المنصور هو أحمد بن محمد من أعقاب يعلى بن محمد سلطان بني يفرن‏.‏فأقام يحيى بن عطية هذا في رياستهم أياماً ثم هلك وقام بأمره من بعده أخوه عثمان بن عط‏.‏ثم هلك وولي من بعده ابنه عمر بن عثمان‏.‏واستقل مع قومه بجبل وانشريش‏.‏واستقل أولاد عزيز بالمدية ونواحيها ورياستهم ليوسف وعلي بن حصان بن يعقوب والكل في طاعة أبي حمو سلطان بني عبد الواد بما غلبهم على أمرهم وانتزع الرياسة من بني عبد القوي أمرائهم إلى أن خرج على السلطان أبي حمو محمد ابن عمه يوسف بن يغمراسن‏.‏ولحق بأولاد عزيز فبايعوه‏.‏وداخلوا في شأنه عمر بن عثمان كبير بني تيغرين وصاحب جبل وانشريش فأجابهم وأصفق معهم سائر الأعشار ومنكوشة وبنو يزناتن‏.‏وزحفوا مع محمد بن يوسف إلى السلطان أبي حمو في معسكره بتهل ففضوه وكان من شأن فتنته معهم ما ذكرناه في أخبار بني عبد الواد إلى أن هلك السلطان أبي حمو‏.‏وولي ابنه أبو تاشفين فنهض إليهم في العساكر‏.‏وكان عمر بن عثمان قد لحقته الغيرة من مخالصة محمد بن يوسف لأولاد عزيز دون قومه فداخل السلطان أبا تاشفين في الانحراف عنه‏.‏فلما نزل بالجبل ولحق محمد بن يوسف بحصن توكال ليمتنع به نزع عمر بن عثمان ولحق بأبي تاشفين ودله على مكامن الحصن فدلف إليه أبو تاشفين وأخذ بمخنقه‏.‏وافترق عن محمد بن يوسف أولياؤه وأشياعه فتقبض عليه وقيد أسيراً إلى السلطان أبي تاشفين فقتل بين يديه قعصاً بالرماح سنة تسع عشرة‏.‏وبعث برأسه إلى تلمسان وصلب شلوه بالحصن الذي امتنع به أيام انتزائه‏.‏ورجع أمر وانشريش إلى عمر بن عثمان هذا وحصلت ولايته لأبي تاشفين إلى أن هلك بتلمسان في بعض أيامهم مع بني مرين أعوام نازلهم السلطان أبو الحسن كما ذكرنا في أخبار الحصار‏.‏ثم لما تغلب بنو مرين على الغرب الأوسط استعمل السلطان أبو الحسن ابنه نصر بن عمر على الجبل وكان خير وال وفاء بأزمة الطاعة وخلوصاً في الولاية وصدقاً في الانحياش وإحسانا للملكة وتوفيراً للجباية‏.‏ولما كانت نكبة السلطان أبي الحسن بالقيروان وتطاول الأعياص من زناتة إلى استرجاع ملكهم انتزى بضواحي المدية من آل عبد القوي عدي بن يوسف بن زيان بن محمد بن عبد القوي وناغى الخوارج في دعوتهم واشتمل عليه بنو عزيز هؤلاء وبنو يرناتن جيرانهم وزحف إلى جبل وانشريش لينال من الحشم مديلي أمرهم والمداخلين لعدوهم في قطع دابرهم وكبيرهم يومئذ نصر بن عمر بن عثمان‏.‏وبايع نصر لمسعود بن بوزيد بن خالد بن محمد بن عبد القوي من أعقابهم خلص إليه من جملة عدي بن يوسف حذراً على نفسه من أصحابه‏.‏وقاتلهم عدي وقومه فامتنعوا عليهم ودارت بينهم حروب كانت العاقبة فيها والظهور لنصر بن عمر وقومه‏.‏ثم دخل عدي في جملة السلطان أبي الحسن لما خلص من تونس إلى الجزائر وبقي مسعود بينهم وملكه أبو سعيد بن عبد الرحمن لما ملك بتلمسان هو وقومه‏.‏فلم يزل هنالك إلى أن غلبه السلطان أبو عنان فصار في جملته بعد أن فر إلى زواوة‏.‏واستنزله منها ونقله إلى فاس وانقضى ملكهم ودولتهم وانقطع أثر بني محمد بن عبد القوي‏.‏وأقام نصر بن عثمان في ولاية جبل وانشريش وعقد له السلطان أبو عنان عليه سائر دولته‏.‏ولم يزل قائماً بدعوة بني مرين من بعده إلى أن غلبهم السلطان أبو حمو الأخير وهو موسى بن يوسف على الأمر فأعطاه نصر الطاعة‏.‏ثم اضطرمت نار الفتنة بين العرب وبين بني عبد الواد أعوام سبعين وسبعماية‏.‏وقاموا بدعوة أبي زيان ابن السلطان أبي سعيد عم أبو حمو فانحاش نصر بن عمر إليهم وأخذ بدعوة الأمير أبي زيان حيناً‏.‏ثم هلك أيام تلك الفتنة وقام بأمرهم من بعده أخوه يوسف بن عمر متقبلاً مذاهبه‏.‏وهو لهذا العهد وهو سنة ثلاث وثمانين صاحب جبل وانشريش وحاله مع أبي حمو مختلف في الطاعة والخلاف‏.‏والله مالك الأمور لا رب غيره‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 03:56 PM

الخبر عن بني سلامة أصحاب قلعة تاوغزوت ورؤساء بني يدللتن
من بطون توجين من هذه الطبقة الثالثة وأوليتهم ومصائرهم كان بنو يدللتن هؤلاء من شعوب بني توجين وأشدهم شوكة وأوفرهم عدداً وكان لهم ظهور من بين سائر تلك البطون‏.‏وكان بنو عبد القوي ملوك بني توجين يعرفون لهم ذلك ويوجبون لهم حقه‏.‏ولما دخلوا إلى التلول بعد انقراض بني يلومي وبني ومانوا نزل بنو قاضي منهم وبنو مادون بأرض منداس فأوطنوها‏.‏وجاء بنو يدللتن على أثرهم فأوطنوا الجعبات وتاوغزوت ورياستهم يومئذ لنصر بن سلطان بن عيسى‏.‏ثم هلك فقام بأمرهم ابنه مناد بن نصر ثم أخوه علي بن نصر من بعده ثم ابنه إبراهيم بن علي من بعده‏.‏ثم هلك وقام بأمرهم أخوه سلامة بن علي على حين استفحل ملك عبد القوي وبنيه فاستفحل أمره هو في قومه واختط القلعة تاوغزوت المنسوبة إليه وإلى بنيه وكانت من قبل رباطاً لبعض المنقطعين من عرب سويد‏.‏ويزعم بنو سلامة هؤلاء أنهم دخلاء في نسب توجين وأنهم من العرب ثم من بني سليم بن منصور‏.‏وجاء جدهم عيسى أو سلطان نازعاً عن قومه لدم أصابه فيهم فخلطه شيخ بني يدللتن من بني توجين بنفسه وكفل بنيه من بعده فكانت له سبباً في رياسته على بني يدللتن وبنيه بعده‏.‏ولما هلك سلامة بن علي قام بأمرهم من بعده ابنه يغمراسن بن سلامة على حين استغلظ بنو عبد الواد على بني توجين بعد مهلك محمد بن عبد القوي سلطانهم الأكبر‏.‏فكان عثمان بن يغمراسن يتردد إلى بلادهم بالغزو ويطيل فيها العيث‏.‏ونازل في بعض غزواته قلعتهم هذه وبها يغمراسن فامتنع عليه‏.‏وخالفه يوسف بن يعقوب وبنو مرين إلى تلمسان فأجفل عن القلعة‏.‏وسابق بني مرين إلى دار ملكه‏.‏واتبعه يغمراسن بن سلامة مغيراً في أعقابه فكر إليه بالمكان المعروف بتليوان‏.‏ودارت بينهم هنالك حرب هلك فيها يغمراسن بن سلامة وقام بالأمر بعده أخوه محمد بن سلامة‏.‏فأذعن لطاعة عثمان بن يغمراسن وخالف بني محمد بن عبد القوي وجعل الأتاوة على قومه ووطنه لملوك بني عبد الواد فلم تزل عليهم لملوك تلمسان‏.‏ولحق أخوه سعد بالمغرب وجاء في جملة السلطان يوسف بن يعقوب في غزوته التي حاصر فيها تلمسان حصاره الطويل فرعى لسعد بن سلامة هجرته إليه وولاه على بني يدللتن والقلعة‏.‏وفر أخوه محمد بن سلامة فلحق بجبل راشد‏.‏وأقام هنالك إلى أن هلك يوسف بن يعقوب ورجع أمر المغرب الأوسط لبني عبد الواد فوضعوا الأتاوات على بني توجين وأصاروهم للجباية‏.‏ولم يزل سعد على ولايته إلى أن هلك أبو حمو وولي أبو تاشفين فسخط سعداً‏.‏وبعث عن أخيه محمد من جبل راشد فولاه مكانه‏.‏ولحق سعد بالمغرب وجاء في جملة السلطان أبي الحسن‏.‏ودخل أخوه محمد مع أبي تاشفين فانحصر بتلمسان‏.‏وولي سعد بن سلامة مكانه ثم هلك محمد في بعض أيام الحصار وحروبه‏.‏ولما انقرض أمر بني عبد الواد رغب سعد من السلطان تخلية سبيله لقضاء فرضه فحج وهلك مرجعه من الحج في طريقه‏.‏وعهد إلى السلطان أبي الحسن واستوصاه ببنيه على لسان وليه عريف بن يحيى كبير بني سويد‏.‏فولى السلطان أبو الحسن ابنه سليمان بن سعد على بني يدللتن والقلعة‏.‏وانقرض أمر السلطان أبي الحسن وعاد الأمر إلى أبي سعيد وأبي ثابت ابني عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن فكانت بينه وبينهم ولاية وانحراف‏.‏وكان أولياؤهم من العرب بني سويد من زغبة بما كانوا جيرانهم في مواطنهم من ناحية القبلة فطمع ونرمار بن عريف شيخهم في التغلب على وطن بني يدللتن ومانعه دونه سليمان هذا وبالغ في دفاعه إلى أن ملك السلطان أبو عنان بلاد المغرب الأوسط‏.‏ورعى لونزمار وابنه عريف حق انحياشهم إليه وهجرتهم إلى قومه فأقطع ونزمار بن عريف القلعة وما إليها وجباية بني يدللتن أجمع‏.‏وألحق سليمان بن سعد بن سلامة في جنده ووجوه عسكره إلى أن هلك السلطان وعاد الأمر لبني عبد الواد على يد أبي حمو الأخير فولي سليمان على القلعة وعلى قومه‏.‏واستغلظ العرب عليه فاستراب سليمان هذا ونذر بالشر منه فلحق بأولاد عريف‏.‏ثم راجع الطاعة فتقبض عليه واغتاله وذهب دمه هدراً‏.‏ثم غلبه العرب على عامة المغرب الأوسط وأقطع القلعة وبني يدللتن لأولاد عريف استئلافاً لهم‏.‏ثم أقطعهم بني مادون ثم منداس فأصبحت بطون توجين كلها خولا لسويد وعبيداً لجبايتهم إلا جبل وانشريش فإنه لم يزل لبني تيغرين والوالي عليهم يوسف بن عمر منهم كما قلناه‏.‏ونظم أبو حمو أولاد سلامة في جنده وأثبتهم في ديوانه وأقطعهم القصبات من نواحي تلمسان في عطائهم‏.‏وهم على ذلك لهذا العهد‏.‏ولله الخلق والأمر‏.‏ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.‏


الخبر عن بني يرناتن إحدى بطون توجين
من هذه الطبقة الثانية وما كان لهم من التغلب والأمارة وذكر أوليتهم ومصائرهم كان بنو يرناتن هؤلاء من أوفر قبائل بني توجين وأعزهم جانباً وأكبرهم صيتاً‏.‏ولما دخل بنو توجين إلى تلول المغرب الأوسط أقاموا بمواطنهم الأولى ما بين ماحنون وورينة‏.‏ثم يعودون من القبلة يجولون جانبي نهر واصل من أعلى وادي شلف‏.‏وكانت رياستهم في بني نصر بن علي بن تميم بن يوسف بن بونوال‏.‏وكان شيخهم مهيب بن نصر منهم‏.‏وكان عبد القوي بن العباس وابنه محمد أمراء بني توجين يختصونهم بالأثرة والتجلة لمكانهم من قومهم وما يؤنسون من عظيم عنائهم‏.‏وكان محمد بن عبد القوي في سلطانه يولي عليهم من الحشم أولاد عزيز‏.‏وكان واليهم لعهده وعهد بنيه عبو بن حسن بن عزيز‏.‏وقد كان أصهر مهيب بن نصر إلى عبد القوي في ابنته فأنكحه إياها وولدت له نصر بن مهيب فشرفت خولته بمحمد بن عبد القوي وعلا كعبه في أمارته‏.‏ثم ولي بعده ابنه علي بن نصر وكان له من الولد نصر وعنتر وآخرون يعرفون بأمهم واسمها تاسرغينت‏.‏وولي بعده ابنه نصر بن علي فطال أمد أمارته في قومه‏.‏واختلف بنو عبد القوي وغلبهم بنو عبد الواد على ما بأيديهم فصرفت ملوك زناتة وجه العناية إليه فبعد صيته وعرف بنوه من بعده بشهرته وكان ولوداً‏.‏فيقال أنه خلف ثلاثة عشر من البنين ما منهم إلا صاحب حرب أو مقنب‏.‏ومن مشاهيرهم عمر الذي قتله السلطان أبو الحسن بمرات حين سعى به أنه داخل في اغتياله ففر وأدرك فقتل بمرات‏.‏ومنهم منديل الذي قتله بنو تيغرين أيام ولوا علي بن الناصر وقتلوا معه عبو بن حسن بن عزيز‏.‏ومنهم عنان ومات قتيلا في حصار تلمسان أيام أبي تاشفين‏.‏ومنهم مسعود ومهيب وسعد وداود وموسى ويعقوب والعباس ويوسف في آخرين معروفين عندهم‏.‏هذا شأن أولاد نصر بن علي بن نصر بن مهيب‏.‏وأما ولد عنتر أخيه فكان منهم أبو الفتوح بن عنتر‏.‏ثم من ولده عيسى بن أبي الفتوح فكان رئيساً على بني أبيه‏.‏وكانت إحدى وصائفهم سقطت بدار عثمان بن يغمراسن وادعت الحمل من سيدها أبو الفتوح وجاءت بأخ لعيسى سمي معرفاً فربي بدارهم‏.‏واستوزره أبو حمو وابنه من بعده‏.‏وبلغ المبالغ في دولتهم وكان يدعى معرف الكبير‏.‏ولحق به أيام رياسته في دولة أبي حمو الأول أخوه عيسى بن أبي الفتوح مغاضباً لقومه فسعى له في الولاية على بني راشد وجباية أوطانهم‏.‏وأنزله بلد سعيدة فكانت له بها أمارة‏.‏وكان له من الولد أبو بكر وعبو وطاهر وونزمار‏.‏وعند غلب بني مرين على بني عبد الواد ولاهم السلطان أبو الحسن على بني يرناتن متداولين‏.‏وأما ولد تاسرغينت من بني علي بن نصر بن مهيب فلم يكن لهم ذكر في رياسة قومه‏.‏إلا أن بعض وصائفهم سقطت أيضاً إلى دار أبي تاشفين فولدت غلاماً يعرف بعطية بن موسى‏.‏نشأ في دارهم فنسب إلى بني تاسرغينت مولاه وتناولته النجابة في خدمتهم فولوه الأعمال النبيهة‏.‏وهو لهذا العهد عامل أبي حمو الأخير على شلف وما إليه‏.‏وقد غلب العرب لهذا العهد على وطن بني يرناتن وملكوا عليهم يعود وماحنون‏.‏وبقيت صبابتهم بجبل ورينة‏.‏وعليهم لهذا العهد أمير من ولد نصر بن علي بن نصر بن مهيب يعطون المغرم للسلطان ويصانعون العرب بالأتاوة‏.‏وبيد الله تصاريف الأمور‏.‏بنو مرين وأنسابهم وشعوبهم وما تأثلوا بالمغرب من السلطان والدولة التي استتبعت سائر زناتة وانتظمت كراسي الملك بالعدوتين وأولية ذلك ومصائره قد ذكرنا أن بني مرين هؤلاء من شعوب بني واسين وذكرنا نسب واسين في زناتة وذكرنا أنهم بنو مرين بن ورتاجن بن ماخوخ بن جديج بن فاتن بن يدر بن يخفت بن عبد الله بن ورتنيص بن المعز بن إبراهيم بن سحيك بن واسين وأنهم إخوة بني يلومي ومديونة‏.‏وربما يشهد بذلك جوار مواطنهم قبل الملك ما بين صا وملوية‏.‏وذكرنا كيف اقتسموا الضاحية والقفر مع أخوانهم بني بادين بن محمد وكيف اتصلت فتنتهم معهم سائر أيامهم‏.‏وكان الغلب أولا لبني بادين بن محمد لكثرة عددهم فإنهم كما ذكرنا خمسة بطون بنو عبد الواد وتوجين ومصاب وبنو زردال وإخوانهم بنو راشد بن محمد‏.‏وكانوا أهل تلول الغرب الأوسط دونهم‏.‏وبقي هذا الحي من بني مرين بمجالات القفر من فيكيك إلى سجلماسة إلى ملوية‏.‏وربما يخطون في ظعنهم إلى بلاد الزاب‏.‏ويذكر نسابتهم أن الرياسة فيهم قبل تلك العصور كانت لمحمد بن ورزين بن فكوس بن كوماط بن مرين وأنه كان لمحمد إخوة آخرون يعرفون بأمهم تنالفت‏.‏وكان بنو عمه ونكاسن بن فكوس‏.‏وكان لمحمد من الولد سبعة شقيقان وهما حمامة وعسكر‏.‏وأبناء علات أمهات أولاد وهم سنكمان وسكميان وسكم ووراغ وقزونت وتسمى هذه الخمسة في لسانهم تيريعين ومعناه عندهم الجماعة‏.‏يزعمون أن محمداً لما هلك قام بأمره في قومه ابنه حمامة وكان الأكبر‏.‏ثم من بعده أخوه عسكر وكان له من الولد ثلاثة نكوم وأبو يكنى ويلقب المخضب وعلي ويلقب لاعدر‏.‏ولما هلك قام برياسته فيهم ابنه المخضب فلم يزل أميراً عليهم إلى أن كان أمر الموحدين‏.‏وزحف عبد المؤمن إلى تاشفين بن علي بن يوسف فحاصره بتلمسان‏.‏وسرح الشيخ أبا حفص في العساكر لحرب زناتة بالمغرب الأوسط وجمع له بنو بادين كلهم وبنو يلومي وبنو مرين ومغراوة ففض الموحدون جموعهم واستلحموا أكثرهم‏.‏ثم راجع بنو يلومي وبنو بادين طاعتهم وأخلص بنو عبد الواد في خدمتهم ونصيحتهم‏.‏ولحق بنو مرين بالقفر فلما غلب عبد المؤمن على وهران واستولى على أموال لمتونة وبعث ذخيرتهم بتلك الغنائم إلى جبل تينملل حيث داره ومن أين كان منبعث الدعوة‏.‏وبلغ الخبرإلى بني مرين بمكانهم من الزاب وشيخهم يومئذ المخضب بن عسكر فأجمع اعتراضها بقومه‏.‏ولحق العير بوادي تلاغ فاحتازها من أيدي الموحدين‏.‏واستنفر عبد المؤمن لاستنقاذها أولياءه من زناتة وسرحهم مع الموحدين لذلك فأبلى بنو عبد الواد فيها بلاء حسناً‏.‏وكان اللقاء في فحص مسون وانكشف بنو مرين وقتل المخضب بن عسكر واكتسح بنو عبد الواد حللهم وذلك سنة أربعين وخمسماية‏.‏فلحق بنو مرين بعدها بصحرائهم ومجالات قفرهم وقام بأمرهم من بعد المخضب أبو بكر ابن عمه حمامة بن محمد إلى أن هلك فقام بأمره ابنه محيو ولم يزل مطاعاً فيهم إلى أن استنفرهم المنصور لغزاة الأركة فشهدوها وأبلوا البلاء الحسن‏.‏وأصابت محيو يومئذ جراحة انتقضت عليه مرجعه منها فهلك بصحراء الزاب سنة إحدى وتسعين وخمسماية‏.‏وكان من رياسة عبد الحق ابنه من بعده وبقائها في عقبه ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 03:57 PM

الخبر عن أمارة عبد الحق بن محيو المستقرة في بنيه
وأمارة ابنه عثمان من بعده ثم أخيه محمد بن عبد الحق بعدهما وما كان فيها من الأحداث لما هلك محيو بن أبي بكر بن حمامة من جراحته كما قلناه وكان له من الولد عبد الحق ووسناف ويحياتن‏.‏وكان عبد الحق أكبرهم فقام بأمر بني مرين وكان خير أمير عليهم قياماً بمصالحهم وتعففاً عما في أيديهم وتقويماً لهم على الجادة ونظراً في العواقب واستمرت أيامهم‏.‏ولما هلك الناصر رابع خلفاء الموحدين بالمغرب سنة عشر وستماية مرجعه من غزاة العقاب وقام بأمر الموحدين من بعده ابنه يوسف المستنصر نصبه الموحدون للأمر غلاماً لم يبلغ الحلم‏.‏وشغلته أحوال الصبا وجنونه عن القيام بالسياسة‏.‏وتدبير الملك فأضاع الحزم وأغفل الأمور‏.‏وتواكل الموحدون بما أرخى لهم من طيل الدالة عليه‏.‏ونفس عن مخنقهم من قبضة الاستبداد والقهر فضاعت الثغور وضعفت الحامية‏.‏وتهاونوا بأمرهم وفشلت ريحهم‏.‏وكان هذا الحي لذلك العهد بمجالات القفار من فيكيك إلى صا وملوية كما قدمناه من شأنهم‏.‏وكانوا يطرقون في صعودهم إلى التلول والأرياف منذ أول دولة الموحدين وما قبلها جهات كرسيف إلى وطاط ويأنسون بمن هنالك من بقايا زناتة الأولى مثل مكناسة بجبال تازى وبني يرنيان من مغراوة الموطنين قصور وطاط من أعالي ملوية‏.‏فيتقلبون بتلك الجهات عام المربع والمصيف وينحدرون إلى مشاتيهم بما امتاروه من الحبوب لأقواتهم‏.‏فلما رأوا من اختلال بلاد المغرب ما رأوا انتهزوا قيها الفرصة وتخطوا إليها القفر ودخلوا ثناياه وتفرقوا في جهاته‏.‏وأرجفوا بخيلهم وركابهم على ساكنه واكتسحوا بالغارة والنهب عامة بسائطهم‏.‏ولجأت الرعايا إلى معتصماتهم ومعاقلهم وكثر شاكيهم‏.‏وأظلم الجو بينهم وبين السلطان والدولة فآذنوهم بالحرب وأجمعوا لغزوهم وقطع دابرهم‏.‏وأغرى الخليفة المستنصر عظيم الموحدين أبا علي بن وانودين بجميع العساكر والحشود من مراكش وسرحه إلى السيد أبي إبراهيم ابن أمير الموحدين يوسف بن عبد المؤمن بمكانه من أمارة فاس‏.‏وأوعز إليه أن يخرج لغزو بني مرين وأمره أن يثخن ولا يستبقي‏.‏واتصل الخبر ببني مرين وهم في جهات الريف وبلاد بطوية فتركوا أثقالهم بحصن تازوطا وصمدوا إليهم‏.‏والتقى الجمعان بوادي نكور فكان الظهور لبني مرين والدبرة على الموحدين‏.‏وامتلأت الأيدي من أسلابهم وأمتعتهم ورجعوا إلى تازى وفاس عراة يخصفون عليهم من ورد النبات المعروف عند أهل المغرب بالمشغلة يوارون به سوءاتهم لكثرة الخصب عامئذ واعتمار وصمد بنو مرين بعدها إلى تازى ففلوا حاميتها أخرى‏.‏ثم اختلفت بنو محمد ورؤساؤهم وانتبذ عنهم من عشائرهم بنو عسكر بن محمد لمنافسة وجدوها في أنفسهم من استقلال بني عمهم حمامة بن محمد بالرياسة دونهم بعد أن كان أومض عندهم منها في عسكر وابنه المخضب إيماض من أخلف بارقه‏.‏فحالفوا عبد الحق أميرهم وقومه إلى مظاهرة أولياء الموحدين وحامية المغرب من قبائل رياح الموطنين بالهبط وأزغار لحديث عهدهم بالتوحش والعز منذ إنزال المنصور إياهم بذلك القطر من إفريقية فتحيزوا إليهم وكاثروهم على قومهم‏.‏وصمدوا جميعاً للقاء بني مرين سنة أربع عشرة ودارت بينهم حرب تولى الصبر مقامها‏.‏وهلك فيها أميرهم عبد الحق وكبير بنيه إدريس‏.‏وتذامر لمهلكها بنو مرين‏.‏وجلى في تلك الحومة حمامة بن يصليتن من بني عسكر والأمير ابن محيو السكمي‏.‏فانكشفت رياح آخراً وقتل منهم أبطال‏.‏وولى بنو مرين عليهم بعد مهلك عبد الحق ابنه عثمان تلو إدريس وشهرته بينهم أدرغال ومعناه برطانتهم الأعور‏.‏وكان لعبد الحق من الولد عشرة تسعة ذكور وأختهم ورتطليم فإدريس وعبد الله ورحو لامرأة من بني علي اسمها سوط النساء وعثمان ومحمد لامرأة من بني ونكاسن اسمها النوار بنت تصاليت وأبو بكر لامرأة من بني تنالفت وهي تاغزونت بنت أبي بكر بن حفص وزيان لامرأة من بني ورتاجن وأبو عياد لامرأة من بني دللو إحدى بطون عبد الواد واسمها أم الفرج ويعقوب لأم اليمن بنت محلى من بطوية‏.‏وكان أكبرهم إدريس الهالك مع أبيه عبد الحق فقام بأمر بني مرين من بعد عبد الحق ابنه عثمان بايعه لوقته حمامة بن يصليتن ولمير بن محيو ومن إليهما من مشيخة قومهما‏.‏واتبعوا مهزمة رياح وأثخنوا فيهم‏.‏وثار عثمان بأبيه وأخيه حتى شفا نفسه منهم ولاذوا بالسلم فسالمهم على أتاوة يؤدونها إليه وإلى قومه كل سنة‏.‏ثم استشرى من بعد ذلك داء بني مرين وأعضل خطبهم وكثر الثوار بالمغرب وامتنع عامة الرعايا عن المغرم وفسدت السابلة‏.‏واعتصم الأمراء والعمال من السلطان فمن دونه بالأمصار والمدن وغلبوا أولئك على الضاحية‏.‏وتقلص ظل الحكام عن البدو جملة‏.‏وافتقد بنو مرين الحامية دون الوطن والدفاع فمدوا إلى البلاد يداً‏.‏وسار بهم أميرهم أبو سعيد عثمان بن عبد الحق في نواحي المغرب يتقرى مسالكه وشعوبه ويضع المغارم على أهله حتى دخل أكثرهم في أمره فبايعه من الطواعن الشاوية والقبائل الآهلة هوارة وزكارة ثم تسول ومكناسة ثم بطوية وفشتالة ثم سدراتة وبهلولة ومديونة‏.‏ففرض عليهم الخراج وألزمهم المغارم وفرق فيهم العمال‏.‏ثم فرض على أمصار المغرب مثل فاس وتازى ومكناسة وقصر كتامة ضريبة معلومة يؤدونها إليه على رأس كل حول على أن يكف الغارة عنهم ويصلح سابلتهم‏.‏ثم غزا ظواعن زناتة سنة عشرين وأثخن فيهم حتى أذعنوا وقبض أيديهم عما امتدت إليه من الفساد والنهب‏.‏وعطف بعدها على رياح أهل أزغار والهبط وأثار به بأبيه فأثخن فيهم وأبادهم‏.‏ولم يزل دأبه ذلك إلى أن هلك باغتيال علجة سنة سبع وثلاثين‏.‏وقام بأمر بني مرين من بعده أخوه محمد بن عبد الحق فتقبل سنن أخيه في تدويخ بلاد المغرب وأخذ الضريبة من أمصاره وجباية المغارم والوضائع من ظواعنه وبدوه وسائر رعاياه‏.‏وبعث الرشيد أبا محمد بن وانودين لحربهم‏.‏وعقد له على مكناسة فدخلها وأجحف بأهلها في المغارم‏.‏ثم نزل بنو مرين بتيجدوغير من ضواحيها فنادى في عساكره وخرج إليهم فدارت بينهم حرب شديدة هلك فيها خلق من الجانبين‏.‏وبارز محمد بن إدريس بن عبد الحق قائداً من الروم واختلفا ضربتين هلك العلج بإحداهما وانجرح محمد في وجهة بالأخرى‏.‏واندمل جرحه فصار أثر في وجهه لقب من أجله أبا ضربة‏.‏ثم شد بنو مرين على الموحدين فانكشفوا ورجع ابن وانودين إلى مكناسة مفلولا‏.‏وبقي بنو عبد المؤمن أثناء ذلك في مرض من الأيام وتثاقل عن الحماية‏.‏ثم أومضت دولتهم آخراً إيماض الخمود‏.‏وذلك أنه لما هلك الرشيد بن المأمون سنة أربعين وستماية وولي أخوه علي وتلقب بالسعيد وبايعه أهل المغرب انصرفت عزائمه إلى غزو بني مرين وقطع أطماعهم عما سمت إليه من تملك الوطن فأغزى عسكر الموحدين لقتالهم ومعهم قبائل العرب والمصامدة وجموع الروم‏.‏فنهضوا سنة اثنتين وأربعين في جيش كثيف يناهز عشرين ألفاً فيما زعموا‏.‏وزحف إليهم بنو مرين بوادي ياباش وصبر الفريقان وهلك الأمير محمد بن عبد الحق في الجولة بيد زعيم من زعماء الروم‏.‏وانكشفت بنو مرين واتبعهم الموحدون ودخلوا تحت الليل فلحقوا بجبال غياثة من نواحي تازى واعتصموا بها أياماً‏.‏ثم خرجوا إلى بلاد الصحراء وولوا عليهم أبا يحيى بن عبد الحق فقام بأمرهم على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏


الخبر عن دولة الأمير أبي يحيى بن عبد الحق مديل الأمر لقومه بن مرين
وفاتح الأمصار ومقيم الرسوم الملوكية من الآلة وغيرها لمن بعده من أمرائهم لما ولي أبو يحيى بن عبد الحق أمر بني مرين سنة اثنتين وأربعين كان من أول ما ذهب إليه ورآه من النظر لقومه أن قسم بلاد المغرب وقبائل جبايته بين عشائر بني مرين‏.‏وأنزل كلاً منهم في ناحية تسوغها سائر الأيام طعمة‏.‏فاستركبوا الرجل أتباعهم واستلحقوا من غاشيتهم وتوفرت عساكرهم‏.‏ثم نبضت نار المنافسة بين أحيائهم يخالف بنو عسكر جماعتهم وصاروا إلى الموحدين فحرضوهم على أبي يحيى بن عبد الحق وبني حمامة وأغروهم بهم‏.‏وبعثوا الصريخ إلى يغمراسن بن زيان فوصل في قومه إلى فاس‏.‏واجتمعوا جميعاً إلى قائد الموحدين‏.‏وأعطوا الرهن على صدق البلاء في الأمير أبي يحيى وأتباعه‏.‏وصمدوا إليه حتى انتهوا إلى ورغة ثم إلى كرت‏.‏وأعجزهم فانكفوا راجعين إلى فاس‏.‏ونفر يغمراسن بغدر الموحدين فخرج في قومه مع أوليائه بني عسكر‏.‏وعارضهم الأمير أبو يحيى بوادي سبو فلم يطق حربهم ورجع عنهم عسكر الموحدين بما صرخ في معسكرهم من موت الخليفة السعيد‏.‏ثم بعثوا إليهم لملاطفتهم في الفيئة إلى الطاعة ومذاهب الخدمة القائد عنبر الخصي مولى الخليفة في حصة من الروم والناشبة فتقبض عليهم بنو عسكر وتمسكوا بهم في رهنهم‏.‏وقتلوا كافة النصارى فآطلق أبناءهم ولحق يغمراسن وقومه بتلمسان‏.‏ثم رجع بنو عسكر إلى ولاية أميرهم أبي يحيى‏.‏واجتمع بنو مرين لشأنهم وتملكوا الأعمال‏.‏ثم مدوا عينهم إلى تملك الأمصار فنزل أبو يحيى بجملته جبل زرهون‏.‏ودعا أهل مكناسة إلى بيعة الأمير أبي زكرياء بن أبي حفص صاحب إفريقية لما كان يومئذ على دعوته وفي ولايته فحاصرها وضيق عليها بقطع المرافق وترديد الغارات ومعاودة الحرب إلى أن أذعنوا لطاعته فافتتحها صلحاً بمداخلة أخيه يعقوب بن عبد الحق لزعميها أبي الحسن بن أبي العافية‏.‏وبعثوا بيعتهم إلى الأمير أبي زكرياء وكانت من إنشاء أبي المطرف بن عميرة وكان قاضياً فيهم يومئذ فأقطع السلطان ليعقوب ثلث جبايتها‏.‏ثم أحس الأمير أبو يحيى بن عبد الحق من نفسه الاستبداد ومن قبيله الاستيلاء فاتخذ الآلة‏.‏وبلغ الخبرإلى السعيد بتغلبه على مكناسة وصرفها إلى دعوة ابن أبي حفص فوجم لها وفاوض الملأ من أهل دولته في أمره وأراهم كيف اقتطع الأمر عنهم شيئاً فشيئاً فابن أبي حفص اقتطع إفريقية‏.‏ثم يغمراسن بن زيان وبنو عبد الواد اقتطعوا تلمسان والمغرب الأوسط وأقاموا فيها دعوه أبن أبي حفص وأطمعوه في الحركة إلى مراكش بمظاهرتهم‏.‏وابن هود اقتطع عدوة الأندلس وأقام فيها دعوة بني العباس وابن الأحمر في الجانب الآخر مقيم لدعوة ابن أبي حفص‏.‏وهؤلاء بنو مرين تغلبوا على ضواحي المغرب ثم سموا إلى تملك الأمصار‏.‏ثم افتتح أميرهم أبو يحيى مكناسة وأظهر فيها دعوة ابن أبي حفص وجاهر بالاستبداد‏.‏ويوشك إن رضينا هذه الدنية وأغضينا عن هذه الواقعات أن يختل الأمر أو تنقرض الدعوة‏.‏فتدامروا وامتعضوا وتداعوا للصمود إليهم فجهز السعيد عساكره‏.‏واحتشد عرب المغرب وقبائله واستنفر الموحدين والمصامدة ونهض من مراكش سنة خمس وأربعين يريد مكناسة وبني مرين أولاً ثم تلمسان ويغمراسن ثانياً ثم إفريقية وابن أبي حفص آخراً‏.‏واعترض العساكر والحشود بوادي بهت‏.‏ووصل الأمير أبو يحيى إلى معسكره متوارياً عنهم عيناً لقومه حتى صدقهم كنه الخبر‏.‏وعلم أن لا طاقة له بهم فأفرج عن البلاد‏.‏وتنافر بنو مرين بذلك من أماكنهم فتلاحقوا به واجتمعوا إليه بتازوطا من بلاد الريف‏.‏ونزل سعيد مكناسة‏.‏ولاذ أهلها بالطاعة وسألوا العفو عن الجريرة‏.‏واستشفعوا بالمصاحف برز بها الأولاد على رؤوسهم وانتظموا مع النساء في صعيد حاسرات منكسرات الطرف من الخشوع ووجوم الذنب والتوسل‏.‏فعفا عنهم وتقبل فيئهم وارتحل إلى تازى في إتباع بني مرين‏.‏وأجمع بنو أوطاس الفتك بأبي يحيى بن عبد الحق غيرة ومناسفة ودس إليه بذلك مهيب من مشيختهم فترحل عنهم إلى بلاد بني يزناسن ونزل بعين الصفا‏.‏ثم راجع نظره في مسالمة الموحدين والفيئة إلى أمرهم ومظاهرتهم على عدوهم يغمراسن وقومه من بني عبد الواد ليكون فيها شفاء نفسه منهم فأوفد مشيخة قومه عليه بتازى فأدوا طاعته وفيئته فتقبلها وصفح لهم عن الجرائر التي أتوها‏.‏وسألوه أن يستكفي بالأمير أبي يحيى في أمر تلمسان ويغمراسن على أن يمده بالعساكر رامحة وناشبة فاتهمهم الموحدون وحذروا منهم غائلة العصبية فأمرهم السعيد بالعسكرة معه فأمده الأمير أبو يحيى بخمسماية من قبائل بني مرين‏.‏وعقد عليهم لابن عمه أبي عياد بن يحيى بن أبي بكر بن حمامة وخرجوا تحت رايات السلطان‏.‏ونهض من تازى يريد تلمسان وما وراءها وكان من خبر مهلكه على جبل تامززدكت بيد بني عبد الواد ما ذكرناه في أخبارهم‏.‏ولما هلك وانفضت عساكره متسابقين إلى مراكش وجمهورهم مجتمعون إلى عبد الله بن الخليفة السعيد ولي عهده وتحت رايات أبيه‏.‏وطار الخبر بذلك إلى الأمير أبي يحيى بن عبد الحق وهو بجهات بني يزناسن‏.‏وقد خلص إليه هنالك ابن عمه أبو عياد‏.‏وبعث بني مرين من تيار تلك الصدمة فانتهز الفرصة وأرصد لعسكر الموحدين وفلهم بكرسيف فأوقع بهم وامتلأت أيدي بني مرين من أسلابهم وانتزعوا الآلة من أيديهم‏.‏وأصار إلى كتيبة الروم والناشبة من الغزو واتخذ الموكب الملوكي‏.‏وهلك الأمير عبد الله بن السعيد في جوانب تلك الملحمة ويئسوا للموحدين بعدها من الكرة‏.‏وفهض الأمير أبو يحيى وقومه إلى بلاد المغرب مسابقين إليه يغمراسن بن زيان بما كان ملوك الموحدين أوجدوهم السبيل إلى ذلك باستجاشة على بني مرين أيام فتنتهم معهم فكانوا يبيحونه حرم المغرب ويوطئونه عساكر قومه ما بين تازى إلى فاس إلى القصر مع عساكر الموحدين فكان ليغمراسن وقومه بذلك طمع فيها لولا ما كبحهم فأس بني مرين وجذع من أنوفهم‏.‏وكان أول ما بدأ به أبو يحيى بن عبد الحق أعمال وطاط فافتتح حصونهم بملوية ودوخ جبلهم‏.‏ثم رحل إلى فاس وقد أجمع أمره على انتزاعها من ملكة بني عبد المؤمن وإقامة الدعوة لابن أبي حفص بها وبسائر نواحيها‏.‏والعامل بها يومئذ السيد أيو العباس فأناخ عليها بركابة‏.‏وتلطف في مداخلة أهلها وضمن لهم جميل النظر وحميد السياسة‏.‏وكف الأيدي عنهم والحماية لهم بحسن المغبة وصالح العائلة فأجابوه ووثقوا بعهده وعنائه‏.‏وأووا إلى ظله وركنوا إلى طاعته وانتحال الدعوة الحفصية بأمره‏.‏ونبذوا طاعة بني عبد المؤمن يأسا من صريخهم وكثرتهم‏.‏وحضر أبو محمد الفشتالي وأشهده الله على الوفاء بما اشترط على نفسه من النظر لهم والذب عنهم وحسن الملكة والكفالة‏.‏وتقبل مذاهب العدل فيهم فكان حضوره ملاك تلك العقيدة والبركة التي يعرف أثرها خلفهم في تلك البيعة‏.‏وكانت البيعة بالرابطة خارج باب الفتوح‏.‏ودخل إلى قصبة فاس لشهرين اثنين من مهلك السعيد فاتح ست وأربعين‏.‏وأخرج السيد أبا العباس من القصبة وبعث معه خمسين فارساً أجازوه أم ربيع ورجعوا‏.‏ثم نهض إلى منازلة تازى وبها السيد أبو علي‏.‏فنازلها أربعة أشهر‏.‏ثم نزلوا على حكمه فقتلهم ومن على آخرين منهم‏.‏وسد ثغرها وثقف أطرافها وأقطع رباط تازى وحصون ملوية لأخيه يعقوب بن عبد الحق‏.‏ورجع إلى فاس فوفد عليه بها مشيخة أهل مكناسة وجددوا بيعتهم وعاودوا طاعتهم‏.‏ولحق بهم على أثرهم أهل سلا ورباط الفتح فتملك الأمير أبو يحيى هذه البلاد الأربعة أمهات أمصار المغرب‏.‏واستولى على نواحيها إلى وادي أم ربيع فأقام فيها دعوة ابن أبي حفص وبعث بها إليه‏.‏واستبد بنو مرين بملك المغرب الأقصى وبنو عبد الواد بملك المغرب الأوسط وبنو أبي حفص بإفريقية‏.‏وخمد ذبال آل عبد المؤمن وركدت ريحهم وآذنت بالانقراض دولتهم وأشرف على الفناء أمرهم‏.‏وإلى الله عاقبة الأمور‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 03:57 PM

الخبر عن انتقاض أهل فاس علي أبي يحيي بن عبد الحق
وظفره بهم بعد إيقاعه بيغمراسن وقومه بايسلى لما ملك الأمر أبو يحيى بن عبد الحق بمدينة فاس سنة ست وأربعين استولى على بلاد المغرب بعد مهلك السعيد‏.‏وقام بأمر الموحدين بمراكش أبو حفص عمر المرتضى بن السيد أبي إبراهيم إسحاق الذي كان قائد عسكر الموحدين في حربهم مع بني مرين عام المشغلة ابن أمير المؤمنين أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن‏.‏كان السعيد تركه والياً بقصبة رباط الفتح من سلا فاستدعاه الموحدون وبايعوه بيعة الخلافة‏.‏وقام بأمرهم فلما تغلب الأمير أبو يحيى على بلاد المغرب وملك مدينة فاس كما ذكرناه خرج إلى بلاد فازاز والمعدن لفتح بلاد زناتة وتدويخ نواحيها‏.‏واستعمل على فاس مولاه السعود بن خرباش من جماعة الحشم أحلاف بني مرين وصنائعهم‏.‏وكان الأميرأبو يحيى استبقى بها من كان فيها من عسكر الموحدين من غير عيصهم في السبيل التي كانوا عليها من الخدمة‏.‏وكان فيهم طائفة من الروم استخدمهم إلى نظر قائدهم شأنه وكانوا من حصة السعود هنالك‏.‏ووقعت بينهم وبين شيع الموحدين من أهل البلد مداخلة وفتكوا بالسعود عاملهم وقلبوا الدعوة للمرتضى الخليفة بمراكش سكيت الحلبة ومخلف المضمار‏.‏وكان المتولي لكبر تلك الثورة بن حشار المشرف وأخوه وابن أبي طاطو وابنه اجتمعوا إلى القاضي أبي عبد الرحمن المغيلي زعيم فئة الشورى بينهم يومئذ وتوامروا فيها‏.‏وأغروا قائد الروم بقتل السعود وعدوا عليه بمقعد حكمه من القصبة وهاجوه ببعض المحاورات فغضت‏.‏ووثب عليه الرومي فقتله وطاف برأسه الهاتف بسكك المدينة في شؤال سنة سبع وأربعين‏.‏وانتهبت داره واستبيحت حرمه‏.‏ونصبوا قائد الروم لضبط البلد وبعثوا بيعتهم إلى المرتضى‏.‏واتصل الخبر بالأمير أبي يحيى وهو منازل بلد فازازة فأفرج عنها‏.‏وأغذ السير إلى فاس فأناخ بعساكره عليها‏.‏وشمر لحصارها وقطع السابلة عنها‏.‏وبعثوا إلى المرتضى بالصريخ فلم يرجع إليهم قولاً ولا ملك لهم ضراً ولا نفعاً ولا وجه لما نزل بهم وجهاً‏.‏حاشا إنه استجاش بالأمير أبي يحيى يغمراسن بن زيان على أمره وأغراه بعدوه وأمله لكشف هذه النازلة عمن انحاش إلى طاعته‏.‏وتعلقت أطماع يغمراسن بطروق بلاد المغرب فاحتشد لحركته‏.‏ونهض من تلمسان للأخذ بحجزة الأمير أبي يحيى عن فاس وإجابة صريخ الخليفة لذلك‏.‏وبلغ الأمير أبا يحيى خبر نهوضه إليه لتسعة أشهر من منازلته البلد فجمر الكتائب عليها‏.‏صمد إليه قبل وصوله من تخوم بلاده والتقى الجمعان بإيسلى من بسائط وجدة فتزاحف القوم وأبلوا‏.‏وكانوا ملحمة عظيمة هلك فيها عبد الحق محمد بن عبد الحق بيد إبراهيم بن هشام من بني عبد الواد‏.‏ثم انكشف بنو عبد الواد وهلك يغمراسن بن تاشفين من أكابر مشيختهم ونجا يغمراسن بن زيان إلى تلمسان‏.‏وانكفأ الأمير أبو يحيى إلى معسكره للأخذ بمخنق فاس فسقط في أيدي أهلها ولم يجدوا وليجة كل يرون طاعته فسألوا الأمان وبذله لهم على غرم ما تلف له من المال بداره يوم الثورة وقدره ماية ألف دينار فتحملوها‏.‏وأمكنوه من قياد البلد فدخلها في جمادى من ثمان وأربعين‏.‏وطالبهم بالمال فعجزوا ونقضوا شرطه فحق عليهم القول‏.‏وتقبض على القاضي أبي عبد الرحمن وابن أبي طاطو وابنه وابن حشار وأخيه المتولين كبر الفعلة فقتلهم ورفع على الشرفات رؤوسهم‏.‏وأخذ الباقين بغرم المال طوعاً أو كرهاً فكان ذلك مما عبد رعية فاس وقادهم لأحكام بني مرين‏.‏وضرب الرهب على قلوبهم لهذا العهد فخشعت منهم الأصوات وانقادت الهمم ولم يحدثوا بعدها أنفسهم بغمس يد في فتنة‏.‏والله مالك الأرض ومن عليها‏.‏


الخبر عن تغلب الأمير أبي يحيى علي مدينة سلا وارتجاعها من يده
وهزيمة المرتضي لما كمل للأمير أبي يحيى فتح مدينة فاس واستوسق أمر بني مرين بها رجع ما كان فيه من منازلة بلاد فازاز فافتتحها‏.‏ودوخ أوطان زناتة واقتضى مغارمهم وحسم علل الثائرين فيها‏.‏ثم تخطى إلى مدينة سلا ورباط الفتح سنة تسع وأربعين فملكها وتاخم الموحدين بثغرها‏.‏واستعمل عليها ابن أخيه يعقوب بن عبد الله بن عبد الحق وعقد له على ذلك الثغر وضم إليه الأعمال‏.‏وبلغ الخبربذلك إلى المرتضى فأهمه الشأن‏.‏وأحضر الملأ من الموحدين وفاوضهم واعتزم على حرب في مرين‏.‏وسرح العساكر سنة خمسين فأحاطت بسلا فافتتحوها وعادت إلى طاعة المرتضى‏.‏وعقد عليها لأبي عبد الله بن أبي يعلو من مشيخة الموحدين‏.‏وكان المرتضى قد صمد بنفسه سنة تسع وأربعين إلى محاربة بني مرين في جموع الموحدين وعساكر الدولة صمد بنو مرين للقائه‏.‏والتقى الجمعان بإيملولين ففضوا جموعه وأجمع الدبرة عليه والظهور لهم‏.‏ثم كان بعدها فتح سلا وغلب الموحدين عليهما‏.‏وأجمع المرتضى بعدها على احتشاد أهل سلطانه ومعاودة الخروج بنفسه إلى غزوهم لما خشي من امتداد أمرهم‏.‏وتقلص ملك الموحدين فعسكر خارج حضرته سنة ثلاث وخمسين وبعث الحاشرين في الجهات فاجتمع إليه أمم الموحدين والعرب والمصامدة‏.‏وأغذ السير تلقاءهم حتى إذا انتهى إلى جبال بهلولة من نواحي فاس وصمد إليه الأمير أبو يحيى في عساكر بني مرين ومن اجتمع إليهم من دونهم‏.‏والتقى الجمعان هنالك‏.‏وصدقهم بنو مرين القتال فاختل مصاف السلطان وأنهزمت عساكره وأسلمه قومه‏.‏ورجع إلى مراكش مفلولا‏.‏واستولى القوم على معسكره واستاحوا سرادقه وفساطيطه وانتهبوا جميع ما وجدوا بها من المال والذخيرة واستاقوا سائر الكراع والظهر وامتلأت أيديهم من الغنائم واعتز أمرهم وانبسط سلطانهم وكان يوماً له ما بعده‏.‏وأغرى أثر هذه الحركة عساكر بني مرين تادلا وإستباح بني جابر حاميتها من جشم ببلد أبي نفيس واستلحم أبطالهم وألان من حدهم وخضد من شوكتهم‏.‏وفي أثناء هذه الحروب كان مقتل علي بن عثمان بن عبد الحق وهو ابن أخي الأمير أبي يحيى‏.‏شعر منه بفساد الدخلة والاجتماع للتوثب به فدس لابنه أبي حديد مفتاح بقتله بجهات مكناسة سنة إحدى وخمسين‏.‏والله تعالى أعلم‏.‏


الخبر عن فتح سجلماسة وبلاد القبلة وما كان في ذلك من الأحداث
لما يئس بنو عبد المؤمن من غلبهم بني مرين على ما صار في أيديهم من بلاد المغرب وعادوا إلى مدافعيهم عن صبابة الدولة التي تحلبت إليها شفاههم لو أطاقوا المدافعة عنها وملك بنو مرين عامة بلاد التلول اعتزم الأمير أبو يحيى بعدها على الحركة إلى بلاد القبلة لفتح سجلماسة ودرعة وما إليها سنة ثلاث وخمسين فافتتحها بمداخلة من ابن القطراني‏.‏غدر بعامل الموحدين فتقبض عليه وأمكن منها الأمير أبا يحيى فملكها وما إليها من درعة وسائر بلاد القبلة‏.‏وعقد عليها لابنه أبي حديد‏.‏وبلغ الخبرإلى المرتضى فسرح العساكر سنة أربع وخمسين لاستنقاذها‏.‏وعقد عليهم لابن عطوش من مشيخة الموحدين فأغذ الأمير أبو يحيى السير إليها وابنه أبو حديد مفتاح‏.‏وأحس به ابن عطوش ففر راجعاً إلى مراكش‏.‏ثم نهض سنة خمس وخمسين إلى محاربة يغمراسن‏.‏ولقيه بأبي سليط فأوقع‏.‏به واعتزم على اتباعه فثناه عن رأيه في ذلك أخوه يعقوب بن عبد الحق لعهد تأكد بينه وبين يغمراسن فرجع‏.‏ولما انتهى إلى المقرمدة هذه بلغه أن يغمراسن قصد سجلماسة لمداخلة من بعض أهلها‏.‏أطمعه في ملكها فأغذ السير إليها بجموعه ودخلها‏.‏ولصبيحة دخوله وصل يغمراسن لشأنه‏.‏فلما علم‏.‏بمكان أبي يحيى من البلد سقط في يديه ويئس من غلابه ودارت بينهم حرب تكافيا فيها‏.‏وهلك سليمان بن عثمان بن عبد الحق ابن أخي الأمير أبي يحيى‏.‏وانقلب يغمراسن إلى بلده‏.‏وعقد الأمير أبو يحيى على سجلماسة ودرعة وسائر بلاد القبلة ليوسف بن يزكاسن‏.‏واستعمل على الجباية عبد السلام الأوربي وداود بن يوسف‏.‏وانكفأ راجعاً إلى فاس‏.‏والله

ميارى 12 - 8 - 2010 03:58 PM

الخبرعن مهلك الأمير أبي يحيى وما كان أثر ذلك من الأحداث
التي تمخضت عن استبداد أخيه يعقوب بن عبد الحق بالأمر لما رجع الأمير أبو يحيى من حرب يغمراسن بسجلماسه أقام أياماً بفاس‏.‏ثم نهض إلى سجلماسة متفقداً لثغورها فانقلب منها عليلاً‏.‏وهلك حتف أنفه على سرير ملكه في رجب سنة ست وخمسين أمضى ما كان عزماً وأطول إلى تناول الملك يداً‏.‏اختطفته يد المنون عن شأنه ودفن بمقبرة باب الفتوح من فاس ضجيعاً للمولى أبي محمد الفشتالي كما عهد لأهل بيته‏.‏وتصدى للقيام بأمره ابنه عمر واشتمل عليه عامة قومه ومالت المشيخة وأهل الحل والعقد إلى عمه يعقوب بن عبد الحق وكان غائباً عن مهلك لمخيه بتازى فلما بلغه الخبر أسرع اللحاق بفاس وتوجهت إليه وجوه الأكابر‏.‏وأحس عمر بصاغية الناس إليه‏.‏وحرضه أتباعه على الفتك به فاعتصم بالقصبة‏.‏وسعى الناس في الإصلاح بينهما فتفادى يعقوب من الأمر ودفعه إلى ابن أخيه على أن يكون له بلاد تازى وبطوية وملوية‏.‏ولما لحق بتازى واجتمع إليه كافة بني مرين عذلوه فيما كان منه فاستلام‏.‏وحملوه على العودة في الأمر ووعدوه من أنفسهم المظاهرة والمؤازرة فأجاب وبايعوه وصمدوا إلى فاس‏.‏وبرز عمر للقائه فانتهى إلى المسجدين‏.‏ولما تراءى الجمعان خذله جنوده وأسلموه فرجع إلى فاس مفلولا‏.‏وجه الرغبة إلى عمه أن يقطعه مكناسة‏.‏ونزل له عن الأمر فأجابه إلى ذلك‏.‏ودخل السلطان أبو يوسف يعقوب بن عبد الحق مدينة فاس مملكاً سنة سبع وخمسين وتمشت طاعته في بلاد المغرب ما بين ملوية وأم ربيع وسجلماسة وقصر كتامة‏.‏واقتصر عمر على إمارة مكناسة فتملكها أياماً ثم اغتاله من عشيره عمر وإبراهيم ابنا عمه عثمان بن عبد الحق والعباس ابن عمه محمد بن الحق فقتلوه وثاروا منه بدم كانوا يعتدونه عليه‏.‏وهلك لعام وبعض عام من أمارته فكفى يعقوب شأنه‏.‏واستقام سلطانه وذهب المنازع والمشاق عن أمره‏.‏وكان يغمراسن بعد مهلك قرنه الأمير أبي يحيى سما له الأمل في الأجلاب على المغرب فجمع لذلك قومه واستجاش بني توجين ومغراوة وأطمعهم في غيل الأسود‏.‏ونهضوا إلى المغرب حتى انتهوا إلى كلدامان صمد السلطان يعقوب بن عبد الحق إلى لقائهم فغلبهم ورجعوا على تعبية ومر يغمراسن ببلاد بطوية فأحرق وانتسف واستباح وأعظم فيها النكاية‏.‏ورجع السلطان إلى فاس وتقبل مذهب أخيه الأمير أبي يحيى في فتح أمصار المغرب وتدويخ أقطاره‏.‏وكان مما أكرمه الله به أن فتح أمره باستنقاذ مدينة سلا من أيدي النصارى فكان له فيها أثر جميل وذكر خالد على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏كان يعقوب بن عبد الله قد استعمله الأمير أبو يحيى على مدينة سلا لما ملكها كما ذكرناه‏.‏فلما استرجعها الموحدون من يده أقام يتقلب في جهاتها مرصداً لأهلها وحاميتها‏.‏ولما بويع عمه يعقوب بن عبد الحق أسفته بعض الأحوال فذهب مغاضباً حتى نزل غبولة‏.‏وألطف الحيلة في تملك رباط الفتح وكسلا ليعتدها ذريعة لما أسر في نفسه فتمت له الحيلة وركب عاملها ابن يعلو البحر فاراً إلى أزمور‏.‏وخلف أمواله وحرمه فتملك يعقوب بن عبد الله البلد‏.‏وجاهر بالخلعان وصرف إلى منازعة عمه السلطان أبي يوسف وجوه العزم وداخل تجار الحرب في الإمداد بالسلاح‏.‏فتحاوروا في ذلك وكثرت سفن المترددين بينهم حتى كثروا أهلها واهتبلوا غرة يوم الفطر من سنة ثمان وخمسين عند شغل الناس بعيدهم‏.‏وثاروا بسلا وسبوا الحرم وانتهبوا الأموال وضبطوا البلد‏.‏وامتنع يعقوب بن عبد الله برباط الفتح وطار الصريخ إلى السلطان أبي يوسف‏.‏وكان بتازى متشرفاً لأحوال يغمراسن فنادى في قومه وطاروا بأجنحة الخيول‏.‏ووصلها ليوم وليلة وتلاحقت به أمداد المسلمين من أهل الديوان والمطوعة‏.‏ونازلها أربع عشرة ليلة ثم اقتحمها عليهم عنوة وأثخن فيهم بالقتل‏.‏ثم رم بالبناء ما كان متثلماً من سورها الغربي حيث أمكنت منه الفرصة في البلد‏.‏وتناول البناء فيه بيده‏.‏والله لا يضيع عمل عامل‏.‏وخشي يعقوب بن عبد الله بادرة السلطان فخرج من رباط الفتح وأسلمه فضبطه السلطان وثقفه‏.‏ثم نهض إلى بلاد تامسنا وأنفى فملكها وضبطها‏.‏ولحق يعقوب بن عبد الله بحصن علودان من جبال غمارة فامتنع به‏.‏وسرح السلطان ابنه أبا مالك عبد الواحد وعلي بن زيان لمنازلته‏.‏وسار إلى لقاء يغمراسن لقاءة المهادنة فلقيه بوادي محرمان‏.‏وافترقا على السلم ووضع أوزار الحرب‏.‏ورجع السلطان إلى المغرب فخرج عليه بنو أخيه أولاد إدريس‏.‏ولحقوا بقصر كتامة‏.‏وشايعوا يعقوب ابن عمهم عبد الله على راية واجتمعوا إلى كبيرهم محمد بن إدريس فيمن إليهم من العشير والصنائع فنهض إليهم واعتصموا بجبال غمارة‏.‏ثم استنزلهم واسترضاهم‏.‏وعقد لعامر بن إدريس سنة ستين على عسكر من ثلاثة آلاف فارس أو يزيدون من المطوعة من بني مرين أغراهم إلى العدوة لجهاد العدو وحملهم وفرض لهم‏.‏وشفع بها عمله في واقعة سلا وهو أول جيش أجاز من بني مرين فكان لهم في الجهاد والمرابطة مقامات محمودة وذكر خالد تقبل سبيلهم فيها خلفهم من بعدهم حسبما نذكره‏.‏وأقام يعقوب بن عبد الله خارجاً بالنواحي منتقلاً في الجهات إلى أن قتله طلحة بن محلى بساقية غبولة من ناحية سلا سنة ثمان وستين فكفى السلطان شأنه وكان المرتضى منذ توالت عليهم الوقائع واستمر الظهور لبني مرين انحجز في جدرانه وتوارى بالأسوار عن عدوه فلم يسم إلى لقاء زحف ولا حدث نفسه إلى شهود حرب واستأسد بنو مرين على الدولة وشرهوا إلى التهام البقية وأسفوا إلى منازلة مراكش دار الخلافة كما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏


الخبر عن منازلة السلطان أبي يوسف حضرة مراكش دار الخلافة
وعنصر الدولة وما كان أثرذلك من نزوع أبي دبوس إليه وكيف نهبه للأمر وكان مهلك المرتضى على يده ثم انتقض عليه لما فرغ السلطان من شأن الخوارج عليه من عشيره استجمع لمنازلة المرتف والموحدين في دارهم‏.‏ورأى أنه أوهن دولتهم وأقوى لأمره عليهم‏.‏وبعث قومه واحتشد أهل ممالكه واستكمل تعبيته‏.‏وسار حتى انتهى إلى إيكليز فاعتزم على ذلك ستين وشارف دار الخلافة‏.‏ثم نزل بعقرها وأخذ بمخنقها‏.‏وعقد المرتضى على حربهم للسيد أبي العلاء إدريس المكنى بأبي دبوس ابن السيد أبي عبد الله بن أبي حفص بن عبد المؤمن فعبأ كتائبه ورتب مصافه‏.‏وبرز لمدافعتهم ظاهر الحضرة فكانت بينهم حروب بعد العهد بمثلها استشهد فيها الأمير عبد الله بن يعقوب بن عبد الحق وكانوا يسمون برطانتهم أيعجوب‏.‏ففت مهلكه في عضدهم وإرتحلوا عنها إلى عملهم واعترضتهم عساكر الموحدين بوادي أم ربيع‏.‏وعليهم يحيى بن عبد الله بن وانودين فاقتتلوا في بطن الوادي‏.‏وانهزمت عساكر الموحدين‏.‏وكان في مسيل الوادي كدى تحسر عنها غمر الماء وتبدو كأنها أرجل فسميت الواقعة بها أم الرجلين‏.‏ثم سعى بعض سماسرة الفتن عند الخليفة المرتضى في ابن عمه وقائد حربه السيد أبي دبوس بطلبه الأمر لنفسه‏.‏وشعر بالسعاية فخشي بادرة المرتضى‏.‏ولحق بالسلطان أبي يوسف مدخله إلى فاس من منازلته آخر سنة إحدى وستين نازعاً إليه فأقام عنده ملياً‏.‏ثم سأل منه الإعانة على أمره بعسكر يمده وآلة يتخذها لملكه ومال يصرفه في ضروراته‏.‏على أن يشركه في الغنيمة والفتح والسلطان فأمده بخمسة آلاف من بني مرين وبالكفاية من المال والمستجاد من الآلة‏.‏وأهاب له بالعرب والقبائل من أهل ممالكه ومن سواهم أن يكونوا يدا معه‏.‏وسار في الكتائب حتى شارف الحضرة‏.‏ودس إلى أشياعه ومن يداخله من الموحدين في أمره فثاروا بالمرتضى وأجهضوه عنها فلحق بأزمور مستجيشاً بصهره ابن عطوش‏.‏ودخل أبو دبوس الحضرة في المحرم فاتح خمس وستين وتقبض ابن عطوش عامل أزمور على المرتضى واقتاده أسيراً إلى أبي دبوس‏.‏فبعث مولاه مزاحماً اجتز رأسه في طريقه واستقل بالخلافة وصبابة آل عبد المؤمن‏.‏ثم بعث إليه السلطان في الوفاء بالمشارطة فعتا واستنكف‏.‏ونقض العهد وأساء الخطاب فنهض إليه في جموع بني مرين وعساكر المغرب فخام عن اللقاء وانحجر بمراكش‏.‏ونازله السلطان أياماً تباعاً‏.‏ثم سار في الجهات والنواحي يحطم الزرع وينسف الأقوات‏.‏وعجز أبو دبوس عن دفاعه فاستجاش عليه بيغمراسن بن زيان ليفت في عضده ويشغله من ورائه ويأخذ بحجزته عن التهامه على ما نذكر لو أمهلته الأيام وانفسح له الأجل‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:00 PM

الخبر عن وقيعة تلاغ بين السلطان يعقوب بن عبد الحق ويغمراسن بن زيان
بإغراء أبي دبوس وتضريبه لما نازل السلطان أبو يوسف حضرة مراكش وقعد على براثنه للثوثب عليه لم يجد أبو دبوس وليجة من دون قصده إلا استجاشته بيغمراسن وقومه عليه ليأخذوا بحجزته عنه ويشغلوه من ورائه‏.‏فبعث إليه الصريخ في كشف بلواه ومدافعة عدوه‏.‏وأكد العهد وأسنى الهدية وشمر يغمراسن لاستنقاذه وجذب عدوه من ورائه‏.‏وشن الغارات على ثغور المغرب وأضرمها ناراً فأهاج عليه وعلى قومه من السلطان يعقوب ليثاً عاديفاً وأرهف منه عزماً ماضياً‏.‏وأفرج يعقوب عن مراكش بعزم النهوض إلى تلمسان ونزل بفاس وتلوم بها أياماً حتى أخذ أهبة الحرب وأكمل استعدادها‏.‏ورحل فاتح سنة ست وستين وسلك على كرسيف ثم على تافراطا وتزاحف الفريقان بوادي تلاغ وعبأ كل منهم كتائبه ورتب مصافه‏.‏وبرز النساء سافرات الوجوه في سبيل التحريض يحيين ويعدين ويرغبن‏.‏ولما فاء الفيء ومال النهار وكثر حشود المغرب جموع بني عبد الواد ومن إليهم انكشفوا ومنحوا العدو أكتافهم‏.‏وهلك أبو حفص عمر كبير والد يغمراسن وولي عهده في جماعة من عشيره ذكرناهم في أخباره‏.‏وأخذ يغمراسن بأعقاب قومه فكان له ردءاً إلى أن خلصوا من المعترك ووصلوا إلى بلادهم في جمادى من سنتهم‏.‏وعاد السلطان أبو يوسف إلى مكانه من حصار مراكش‏.‏والله أعلم‏.‏


الخبر عن السفارة والمهاداة التي وقعت بين السلطان يعقوب بن عبد الحق وبين المستنصر الخليفة بتونس
من آل أبي حفص كان الأمير أبو زكرياء يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص منذ دعا لنفسه بتونس سنة خمس وعشرين طموحاً إلى ملك مراكش مقر الدعوة ومنبعث الدولة وأصل الخلافة‏.‏وكان يؤمل لذلك زناتة وإلا فلما دونه من خضد شوكة آل عبد المؤمن وتقليم أظفار بأسهم وردهم على أعقابهم أن يخلصوا إليه‏.‏وتغلب على تلمسان سنة أربعين‏.‏ودخل يغمراسن بن زيان في دعوته وصار فئة له وشيعته على عدوه كما ذكرناه فوصل به جناحه للمدافعة‏.‏وناغاه بنو مرين في مراسلة ابن أبي حفص ومخاطبته وتخفيض الشأن عليه فيما يهمه من شأن عدوه وحمل ما يفتحون من بلاد المغرب على البيعة لى والطاعة مثل فاس ومكناسة والقصر‏.‏وكان هو يلاطفهم بالتحف والهدايا ويريهم البر في الكتاب والخطاب والمعاملة وتكريم الوفد غير سبيل آل عبد المؤمن فكانوا يجنحون بذلك إلى تجديد مراسلته وإيفاد قرابتهم عليه‏.‏وولي ابنه المستنصر من بعده سنة سبع وأربعين فتقبل مذاهب أبيه وأوفى عليها بالإيعاز إليهم بمنازلة مراكش وضمان الإنفاق عليهم فيها فكان يبعث لذلك أحمالاً من المال والسلاح وأعداد وافرة من الخيل بمراكبها للحملان ولم يزل دأبه ذلك معهم‏.‏ولما فعل ابن أبي دبوس فعلته في نقض العهد واستجمع السلطان لمنازلته قدم بين يدي عمله مراسلة الخليفة المستنصر يخبره الخبر ويتلطف له في استنزال المدد فأوفد عليه ابن أخيه عامر بن إدريس بن عبد الحق وأصحبه عبد الله بن كندوز العبد الوادي كبير بني كمي وقريع بني يغمراسن الذي ثار يغمراسن من أبيه كندوز بأبيه زيان كما ذكرناه في أخبارهم‏.‏وكان خلص إليه من حضرة المستنصر فلقاه مبرة وتكريماً‏.‏وأوفد معهما الكاتب أبا عبد الله محمد بن محمد الكناني من صنائع دولة آل عبد المؤمن كان نزع إلى أخيه الأمير أبي يحيى لما رأى من اختلال الدولة وأنزله مكناسة وآثره بالصحبة والخلة‏.‏فجمع له يعقوب بن عبد الحق في هذا الوفد من الأشراف من يحسن الرياسة وبعرب عما في الضمائر ويدل على شرف مرسله‏.‏فوفدوا على المستنصر سنة خمس وستين وأدوا رسالتهم وحركوا له جوار المظاهرة على صاحب مراكش وكبح عنانه فحن واهتز سروراً من أعواده ولقاهم مبرة التكريم وأحسن النزل‏.‏ورد الأمير عامر بن إدريس وعبد الله بن كندوز لوقتهما‏.‏وتمسك بالكناني من بينهم لمصاحبة وفده فطال مقامه عنده إلى أن كان من فتح مراكش ما نذكره‏.‏ثم أوفد المستنصر على السلطان يعقوب بن عبد الحق آخر سنة تسع وستين بعدها شيخ الجماعة من الموحدين لعهده أبا زكرياء يحيى بن صالح الهنتاتي مع جماعة من مشيخة الموحدين في مرافقة محمد الكناني‏.‏وبعث معهم إلى السلطان هدية سنية يلاطفه بها ويتاحفه انتخب فيها من الجياد والسلاح وأصناف الثياب الغريبة العمل ما انتقاه‏.‏ووقف رضاه وهمته على الاستكثار منه فحسن موقعها وتحدث بها‏.‏وانقلب وفده أحسن منقلب بعد أن تلطف محمد الكناني في ذكر الخليفة المستنصر على منبر مراكش فتم له‏.‏وشهده وفد الموحدين فعظم سرورهم وانقلبوا محبورين مسرورين‏.‏واتصلت بعد ذلك مهاداة المستنصر ليعقوب بن عبد الحق إلى أن هلك وجرى ابنه الواثق من بعده على سننه فبعث إليهم سنة سبع وسبعين هدية حافلة بعث بها القاضي أبا العباس الغماري قاضي بجاية فعظم موقعها‏.‏وكان لأبي العباس الغماري بالمغرب ذكر تحدث به الناس‏.‏والله أعلم‏.‏


الخبر عن فتح مراكش ومهلك أبي دبوس وانقراض دولة الموحدين من المغرب
لما رجع السلطان أبو يوسف من حرب يغمراسن ورأى أنه قد كف من غربه ورد من كيده وكيد أبي دبوس صريخه صرف حينئذ عزائمه إلى منازلة مراكش والعودة إلى مضايقتها كما كان لأول أمره‏.‏ونهض لغزاته من فاس في شعبان من سنته‏.‏ولما أجاز أم ربيع بث السرايا وسرح الغارات‏.‏وأطلق الأيدي والأعنة للنهب فحطموا من زروعها وانتسفوا آثارها‏.‏وتقرى نواحيها كذلك بقية عامه‏.‏ثم غزا عرب الخلط من حشم بتادلا وفأثخن فيهم واستباحهم‏.‏ثم نزل وادي العبيد ثم غزا بلاد صنهاجة‏.‏ولم يزل ينتقل بأنحاء البلاد المراكشية وأحوازها حتى حصرت صدور بني عبد المؤمن وقومه‏.‏وأغراهم أولياء الدولة من عرب جشم بنهوض الخليفة لمدافعة عدوه فجمع لذلك وبرز في جيوش ضخمة وجموع وافرة‏.‏واستجره أبو يوسف بالفرار أمامه ليبعد عن مدد الصريخ فيستمكن منه حتى نزول عفو‏.‏ثم كر إليه والتحم القتال فاختل مصافه وفر عساكره‏.‏وانهزم يريد مراكش فأدركوه دون أمله‏.‏وإعتاقه أجله فطعن في مفره وخر صريعاً لليدين والفم واحتز رأسه‏.‏وهلك بمهلكه وزيره عمران وكاتبه علي بن عبد الله‏.‏وارتحل السلطان أبو يوسف إلى مراكش‏.‏وفر من كان بها من الموحدين فلحقوا بجبل تينملل‏.‏وبايعوا لإسحق أخي المرتضى فبقي ذبالة هنالك سنين‏.‏ثم تقبض عليه سنة أربع وسبعين وسيق إلى السلطان هو وأبو سعيد ابن عمه السيد أبي والقبائلي وأولاده فقتلوا جميعاً‏.‏وانقرض أمر بني عبد المؤمن‏.‏والله وارث الأرض ومن عليها‏.‏وخرج الملأ وأهل الشورى من الحضرة إلى السلطان فأمنهم ووصلهم‏.‏ودخل مراكش في بروز فخم فاتح ثمان وستين‏.‏وورث ملك آل عبد المؤمن وتولاه واستوسق أمره بالمغرب وتطامن الناس لبأسه وسكنوا لظل سلطانه‏.‏وأقام بمراكش إلى رمضان من سنته‏.‏وأغزى ابنه الأمير أبا مالك إلى بلاد السوس فافتتحها وأوغل في ديارها ودوخ أقطارها‏.‏ثم خرج بنفسه إلى المغرب لبلاد درعة فأوقع بهم الواقعة المشهورة التي خضدت من شوكتهم‏.‏ورجع لشهرين من غزاته‏.‏ثم أجمع الرحلة إلى داره بفاس فعقد على مراكش وأعمالها لمحمد بن علي من كبار أوليائهم ومن أهل خؤلته وكان من طبقة الوزراء حسبما يأتي التحريف به وبعشيره‏.‏وأنزله بقصبة مراكش وجعل المصالح في أعمالها إلى نظره‏.‏وعهد إليه بتدويخ الأقطار ومحو آثار بني عبد المؤمن‏.‏وفصل إلى حضرته وأراح بسلا فكان من خبر عهده لابنه ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:00 PM

الخبر عن عهد السلطان لابنه أبي مالك
وما كان عقب ذلك من خروج القرابة عليه أولاد أخيه إدريس وإجازتهم إلي الأندلس لما تلوم السلطان بسلا منصرفه من رباط الفتح وأراح بها ركابه عرض له طائف من المرض ووعك وعكاً شديداً‏.‏فلما أبل جمع قومه وعهد بأمره فيهم لابنه أبي مالك عبد الواحد كبير ولده بما علم من أهليته لذلك‏.‏وأخذ له البيعة عليهم وأعطوها طواعية‏.‏وأسف القرابة من ولد أخويه عبد الله وإدريس لأمهما سوط النساء ووجدوا في أنفسهم لما يرون أن عبد الله وإدريس أكابر ولد عبد الحق ولهما التقدم على من بعدهما من ولده وأنهما أحق بالأمر‏.‏فعادت هيف إلى أديانها ونفسوا على ابن السلطان ما أخذ له من البيعة والعهد‏.‏ونزعوا عنه إلى جبل علودان من جبال غمارة عش خلافهم ومدرج فتنتهم وذلك سنة تسع وستين‏.‏ورياستهم يومئذ لمحمد بن إدريس وموسى بن رحو بن عبد الله‏.‏وخرج معهم ولد أبي عباد بن عبد الحق‏.‏وأغزاهم السلطان ولده أبا يعقوب يوسف في خمسة آلاف من عسكره فأحاط بهم وأخذ بمخنقهم‏.‏ولحق به أخوه مالك في عسكره ومعه مسعود بن كانون شيخ سفيان‏.‏ثم خرج في أثرهم السلطان أبو يوسف واجتميم معسكرهم بتافركا ونازلوهم ثلاثاً‏.‏وهلك في حروبهم منديل بن ورتطليم‏.‏ولما رأوا أن قد أحيط بهم سألوا الأمان فبذله وأنزلهم‏.‏واستل سخائمهم ومسح ما في صدورهم ووصل بهم إلى حضرته‏.‏وسألوا منه الإذن فى اللحاق بتلمسان حياء من كبر ما ارتكبوا فأذن لهم‏.‏وأجازوا البحر إلى الأندلس وخالفهم عامر بن إدريس لما أنس من صاغية السلطان إليه فتخلف عنهم بتلمسان حتى توثق لنفسه بالعهد وعاد إلى قومه بعد منازلة السلطان تلمسان كما نذكره الآن‏.‏واحتل بنو إدريس وعبد الله وابن عمهم عياد بالأندلس على حين أقفر من الحامية جوها واستأسد العدو على ثغرها وتحلبت شفاههم لالتهامها فاحتلوها أسوداً ضارية وسيوفا ماضية معودين لقاء الأبطال وقراع الحتوف والنزال‏.‏مستغلظين بخشونة البداوة وصرامة الغزو وبسالة التوحش فعظمت نكايتهم في العدو واعترضوا شجى في صدره دون الوطن الذي كان طعمة له في ظنه‏.‏وارتدوه على عقبه ونشطوا من همم المسلمين المستضعفين وراء البحر وبسطوا من آمالهم لمدافعة طاغيتهم‏.‏وزاحموا أمير الأندلس في رياستها بمنكب فتجافى لهم عن خطة الحرب ورياسة الغزاة من أهل العدوة من أعياصهم وقبائلهم ومن سواهم من أمم البرابرة‏.‏وتناقلوها وساهموه في الجباية بفرض العطاء والديوان فبذله لهم واستمروا على ذلك لهذا العهد‏.‏وحسن أثرهم فيها كما سنذكره بعد في أخبار القرابة‏.‏ثم أعمل السلطان نظره في غزو تلمسان على ما نذكره إن شاء


الخبر عن حركة السلطان أبي يوسف إلى تلمسان
وواقعته على يغمراسن وقومه بإيسلى لما غلب السلطان أبو يوسف على بني عبد المؤمن وفتح مراكش واستولى على ملكهم سنة ثمان وستين وعاد إلى فاس كما ذكرنا تحرك ما كان في نفسه من ضغائن يغمراسن وبني عبد الواد وما أسفوا به من تخذيل عزائمه ومجاذبته عن قصده‏.‏ورأى أن واقعة تلاغ لم تشف صدره ولا أطفأت نار موجدته فأجمع أمره على غزوهم‏.‏واقتدر بما صار إليه من الملك والسلطان على حشر أهل المغرب لحربهم وقطع دابرهم فعسكر بظاهر فاس‏.‏وسرح ولده وولي عهده أبا مالك إلى مراكش في خواصه ووزرائه حاشرين في مدائنها وضواحيها وقبائل العرب والمصامدة وبني ورا وغمرة وصنهاجة وبقايا عساكر الموحدين بالحضرة وحامية الأمصار جند الروم وناشبة الغزو‏.‏فاستكثر من أعدادهم واستوفى حشدهم‏.‏واحتفل السلطان بحركته وارتحل إلى فاس سنة سبعين وستماية وتلوم بملوية إلى أن لحقته الحشود وتوافت إليه أمداد العرب من قبائل جشم أهل تامسنا الذين هم سفيان والخلط والعاصم وبنو جابر ومن معهم من الأثبج وقبائل ذوي حسان والشبانات من المعقل أهل السوس الأقصى وقبائل رياح أهل أزغار والهبط‏.‏فاعترض هنالك عساكره وعبأ مواكبه فيقال بلغت ثلاثين ألفاً‏.‏وارتحل بالأندلس صريخاً على العدو‏.‏ويستجيشون بإخوانهم المسلمين ويسألونه الإعانة فتحركت همته للجهاد ونصر المسلمين من عدوهم‏.‏ونظر في صرف الشواغل عن ذلك وجنح إلى السلم مع يغمراسن‏.‏وصوب الملأ في ذلك رأيه لما كانوا عليه من إيثار الجهاد‏.‏وانتدب جماعة من المشيخة إلى السعي في إصلاح بينهما والكف عن غرب عداوتهما‏.‏وساروا إلى يغمراسن فوافوه بظاهر تلمسان قد أخذ أهبة الحرب واستعد لفقاء‏.‏واحتشد زناتة أهل ممالكه بالشرق من بني عبد الواد وبني راشد ومغراوة وأحلافهم من العرب زغبة‏.‏فلج في ذلك واستكبر وصم عن إسعافهم‏.‏وزحف في جموعه والتقى الجمعان بوادي ايسلى من بسائط وجدة والسلطان أبو يوسف قد عبأ كتائبه ورتب مصافه‏.‏وجعل ولديه الأميرين أبي مالك وأبي يعقوب في الجناحين‏.‏وسار في القلب فدارت بينهم حرب شديدة انجلت عن مهلك فارس بن يغمراسن وجماعة من بني عبد الواد‏.‏وكاثرتهم حشود المغرب الأقصى وقبائله وعسكر الموحدين والبلاد المراكشية فولوا الأدبار‏.‏وهلك عامة عسكر الروم لثباتهم بثبات السلطان فطحنتهم رحى الحرب‏.‏وتقبض على قائدهم بيرنبس‏.‏ونجا يغمراسن بن زيان في فله مدافعاً دون أهله إلى تلمسان‏.‏ومر بفماطيطة فأضرمها ناراً‏.‏وانتهب معسكره واستبيحت حرمه‏.‏وأقام السلطان أبو يوسف على وجدة حتى خربها وأضرع بالتراب أسوارها وألصق بالرغام جدرانها‏.‏ثم نهض إلى تلمسان فحاصرها أياما وأطلق الأيدي في ساحاتها بالنهب والعيث‏.‏وشن الغارات على البسائط فاكتسحها سبياً ونسفها نسفاً‏.‏وهلك في طريقه إلى تلمسان وزيره عيسى بن ماساي وكان من علية وزرائه وحماة ميدانه له في ذلك أخبار مذكورة‏.‏وكان مهلكه في شوال من هذه السنة‏.‏ووصله بمثواه من حصارها محمد بن عبد القوي أمير بني توجين ومستصرخه على بني عبد الواد لما نال منه يغمراسن من صيم القهر وذل الغلب والتحيف‏.‏وصله في كافة قبيله مباهياً بآلته فأكرم السلطان أبو يوسف وفادته واستركب الناس للقائه وبرور مقدمه‏.‏واتخذوا زينة السلاح لمباهاته‏.‏وأقام محاصراً لتلمسان معه أياماً حتى وقع اليأس وامتنع البلد واشتدت شوكة حاميته‏.‏ثم أجمع السلطان أبو يوسف على الإفراج عنها وأشار على الأمير محمد بن عبد القوي وقومه بالفصول قبل قفوله وأن يغذوا السير إلى بلادهم‏.‏وملأ حقائبهم بإتحافه وجنب لهم ماية من المقربات بمراكبها وأراح عليهم ألف ناقة حلوب‏.‏وعمهم بالصلات من الخلع والكساء الفاخرة‏.‏واستكثر لهم السلاح والفازات والفساطيط وحملهم على الظهر وارتحلوا وتلوم السلطان أياما لمنجاتهم إلى مقرهم من جبل وانشريش حذراً من غائلة يغمراسن في انتهاز فرصة فيهم‏.‏ثم قفل إلى فاس ودخلها مفتتح إحدى وسبعين‏.‏وهلك ولده الأمير أبو مالك ولي عهده لأيام من مقدمه‏.‏فأسف لمهلكه‏.‏ثم تعزى بالصبر الجميل عن فقده ورجع إلى حاله في افتتاح بلاد المغرب‏.‏وكان في غزوته هذه ملك حصن تاونت وهو معقل مطغرة وشحنه بالأقوات لما رآه ثغراً مجاوراً لعدوه‏.‏وأسلمه لنظر هارون شيخ مطغرة‏.‏ثم ملك حصن مليلة بساحل الريف مرجعه من غزاته هذه‏.‏وأقام هارون بحصن تاونت ودعا لنفسه‏.‏ولم يزل يغمراسن يردد الغزو إليه حتى فر من الحصن وأسلمه سنة خمس وسبعين‏.‏ولحق بالسلطان أبي يوسف كما ذكرناه في أخباره عند ذكر قبيلة مطغرة‏.‏وكان شأنه شأنه ما ذكرناه هنالك‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:01 PM

الخبر عن افتتاح مدينة طنجة وطاعة أهل سبتة وفرض الأتاوة عليهم
وما قارن ذلك من الأحداث كانت هاتان المدينتان سبتة وطنجة مذ أول دولة الموحدين من أعظم عمالاتهم وأكبر ممالكهم بما كانت ثغر العدوة ومرقى الأساطيل ودار إنشاءة الآلة البحرية وفرضة الجواز إلى الجهاد‏.‏فكانت ولايتها مختصة بالقرابة من السادة بني عبد المؤمن‏.‏وقد ذكرنا أن الرشيد كان عقد على أعمالها لأبي علي بن خلاس من أهل بلنسية وأنه بعد استفحال الأمير أبي زكرياء بإفريقية ومهلك الرشيد صرف الدعوة إليه سنة أربعين‏.‏وبعث إليه بالمال والبيعة مع ابنه أبي القاسم‏.‏وولى على طنجة يوسف بن محمد بن عبد الله بن أحمد الهمداني المعروف بابن الأمين قائداً على الرجل الأندلسيين وضابطاً للقصبة‏.‏وعقد الأمير أبو زكرياء على سبتة لأبي يحيى بن أبي زكرياء ابن عمه يحيى الشهيد ابن الشيخ أبي حفص فنزل بها‏.‏فاستراب أبو علي بن خلاص من العواقب عند مهلك ابنه الوافد على السلطان غريقاً في البحر فرحل بجملته إلى تونس في السفن‏.‏وأراح ببجاية فكان فيها هلاكه سنة ست وأربعين‏.‏ويقال بل هلك في سفينته ودفن ببجاية‏.‏ولما هلك الأمير أبو زكرياء في سنة سبع بعدها انتقض أهل سبتة على ابنه المستنصر وطردوا ابن الشهيد وقتلوا العمال الذين كانوا معه وصرفوا الدعوة إلى المرتضى‏.‏وتولى كبر ذلك حجبون الزنداحي بمداخلة أبي القاسم العزفي كبير المشيخة بسبتة وأعظمهم تجلة‏.‏ونشأ في حجر أبيه الفقيه الصالح أبي العباس أحمد مكفوفاً بالجلالة مغذواً بالعلم والدين بما كان له فيهما قدم إلى أن هلك‏.‏فأوجب أهل البلد لابنه ما عرفوه لحقه وحق أبيه من قبله فكانوا يفزعون إليه في المهمات‏.‏وش‏!‏ فمون له في الشورى فأغرى الزنداحي بهذه الفعلة ففعلها فعقد المرتضى لأبي القاسم العزفي على سبتة مستقلاً من غير إشراف أحد من السادة ولا من الموحدين‏.‏واكتفى بغنائه في ذلك الثغر‏.‏وعقد لحجبون الزنداحي على قيادة الأساطيل بالمغرب فورثها عنه بنوه إلى أن زاحمهم العزفي بمناكب رياسته فقوضوا عن سبتة فمنهم من نزل بمالقة على بني الأحمر ومنهم من نزل ببجاية على آل أبي حفص‏.‏ولهم في الدولتين آثار تشهد برياستهم‏.‏واستقل الفقيه أبو القاسم العزفي برياسة سبتة وأورثها بنيه من بعده على ما نذكره بعد‏.‏وكانت طنجة تالية سبتة في سائر الأحوال وتبعاً لها فاتبع ابن الأمين صاحبها أمارة الفقيه أبي القاسم‏.‏ثم انتقض عليه لسنته واستبد وخطب لابن أبي حفص ثم للعباسي ثم لنفسه‏.‏وسلك فيها مسلك العزفي في سبتة‏.‏ولبثوا كذلك ما شاء الله حتى إذا ملك بنو مرين المغرب وانبثوا في شعابه ومدوا اليد إلى ممالكه فتناولوها ونازلوا معاقله وحصونه فاقتحموها‏.‏وهلك الأمير أبو يحيى بن عبد الحق وابنه عمر من بعده‏.‏وتحيز بنوه في ذويهم وأتباعهم وحشمهم إلى ناحية طنجة وأصيلا فأوطنوا ضاحيتها وأفسدوا سابلتها وضيقوا على ساكنها واكتسحوا ما حواليها‏.‏وشارطهم ابن الأمين على خراج معلوم على أن يكفوا الأذية ويحموا الحوزة ويصلحوا السابلة‏.‏فاتصلت يده بأيديهم وترددوا إلى البلد لاقتضاء حاجاتهم‏.‏ثم مكروا وأضمروا الغدر‏.‏ودخلوا في بعض أيامهم متأبطين السلاح وفتكوا بابن الأمين غيلة فثارت به العامة لحينهم‏.‏واستلحموا لمصرع واحد سنة وستين‏.‏واجتمعوا إلى ولده وبقيت في ملكتهم خمسة أشهر‏.‏ثم استولى عليها العزفي فنهض إليها بعساكره من الرجل براً وبحراً واستولى عليها‏.‏العزفي فضبطها وقام بأمرها وولى عليها من قبله‏.‏وأشرك الملأ من إشرافه في الشورى‏.‏ونازلها الأمير أبو مالك سنة ست وستين فامتنعت عليه‏.‏وأقامت على ذلك ستاً حتى إذا انتظم السلطان أبو يوسف بلاد المغرب في هلكته واستولى على حضرة مراكش ومحا دولة بني عبد المؤمن وفرغ من أمر عدوه يغمراسن وهم بتلك الناحية واستضافة عملها فأجمع الحركة إليها ونازل طنجة مفتتح اثنتين وسبعين بما كانت في البسيط من دون سبتة وأقام عليها أياماً‏.‏ثم اعتزم على الإفراج فقذف الله في قلوبهم الرعب وافترق بينهم‏.‏وتنادى بعض الناشبة من السور بشعاب بني مرين فبادر سرعان الناس إلى تسور حيطانها فملكوه عليهم وقاتلوا أهل البلد ظلام ليلتهم‏.‏ثم دخلوا البلد من صبيحتها عنوة ونادى منادي السلطان في الناس بالأمان والعفو عن أهل البلد فسكن ومهد وفرغ من شأن طنجة‏.‏ثم بعث ولده الأمير أبا يعقوب في عساكر ضخمة لمنازلة العزفي بسبتة وإرغامه على الطاعة فنازلها أياماً ثم لاذ بالطاعة على المنعة‏.‏واشترط على نفسه خراجاً يؤديه كل سنة فتقبل السلطان منه‏.‏وأفرجت عساكره عنهم وقفل إلى حضرته وصرف نظره إلى فتح سجلماسة وإزعاج بني عبد الواد المتغلبين عليها كما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏


الخبرعن فتح سجلماسة الثاني ودخولها عنوة على بني عبد الواد
والمنبات من عرب للمعقل قد ذكرنا ما كان من تغلب الأمير أبي يحيى بن عبد الحق على مدينة سجلماسة وبلاد درعة وأنه عقد عليها وعلى سائر بلاد القبلة ليوسف بن يزكاسن وأنزل معه ابنه مفتاحاً المكنى بأبي حديد في مشيخة لحياطتها‏.‏وأن المرتضى سرح وزيره ابن عطوش سنة أربع وخمسين في العساكر لاسترجاعها فنهض إليه الأمير أبو يحيى وشرده عنها ورجعه على عقبه‏.‏وأن يغمراسن بن زيان من بعد واقعة أبي سليط سنة خمس وخمسين قصدها لعورة دل عليها وغرة أمل أصابتها‏.‏فسابقه إليها أبو يحيى ومانعه من دونها ورجع عنها خائب المسعى مفلول الحامية‏.‏وكان الأمير أبو يحيى من بعد ما عقد عليها ليوسف بن يزكاسن عقد عليها من بعده لسنة ونصفها من ولايته ليحيى بن أبي منديل كبير بني عسكر أقتالهم ومقاسميهم نسب محمد بن ورصيص ثم عقد عليها لشهرين لمحمد بن عمران بن عبلة من بني يرنيان صنائع دولتهم‏.‏واستعمل معه على الجباية أبا طالب بن الحبسي وجعل مصلحة الجند بها إلى نظر أبي يحيى القطراني وملكه قيادتهم‏.‏وأقاموا على ذلك سنتين اثنتين‏.‏ولما هلك الأمير أبو يحيى وشغل السلطان أبو يوسف بحرب يغمراسن ومنازلة مراكش سما للقطراني أمل في الاستبداد بها ودخل في ذلك بعض أهل الفتن وظاهره يوسف بن فرج العزفي وفتكوا بعمار الورندغزاني شيخ الجماعة بالبلد‏.‏وائتمروا بمحمد بن عمران بن عبلة فخرج ولحق بالسلطان فاستبد القطراني بها‏.‏ثم ثار به أهل البلد سنة ثمان وخمسين لسنة ونصفها من لدن استبداده وقتلوه‏.‏وصرفوا بيعتهم إلى الخليفة المرتضى بمراكش‏.‏وتولى كبر ذلك القاضي ابن حجاج وعلي بن عمر فعقد له المرتضى عليهم‏.‏وأقام بها أميراً‏.‏ونازلته عساكر بني مرين والسلطان أبو يوسف سنة ستين‏.‏ونصب عليها آلات الحصار فأحرقوها وامتنعوا فأفرج عنهم‏.‏وأقام علي بن عمر في سلطانه ذلك ثلاث سنين ثم هلك‏.‏وكان الأمير يغمراسن بن زيان منذ غلب الموحدين على تلمسان والمغرب الأوسط وصار في ملكته تحيز إليه من عرب المعقل قبيل المنبات من ذوي منصور بما كانت مجالات المعقل مجاورة لمجالات بني بادين في القفر‏.‏وإنما ارتحلوا عنها من بعد ما جأجأ يغمراسن ببني عامر من مجالاتهم بمصاب ببلاد بني يزيد فزاحموا المعقل بالمناكب عن مجالاتهم ببلاد فيكيك وصا‏.‏ورحلوهم إلى ملوية وما وراءها من بلاد سجلماسة فملكوا تلك المجالات‏.‏ونبذ يغمراسن العهد إلى ذوي عبيد الله منهم‏.‏واستخلص المنبات هؤلاء فكانوا له حلفاً وشيعة ولقومه ودعوته خالصة‏.‏وكانت سجلماسة في مجالاتهم ومنقلب ظعنهم وناجعتهم ولهم فيها طاعة معروفة‏.‏فلما هلك علي بن عمر آثروا يغمراسن بملكها فحملوا أهل البلد على القيام بدعوته‏.‏وخاطبوه وجأجأوا به فغشيهم بعساكره وملكهما وضبطها‏.‏وعقد عليها لعبد الملك بن محمد بن علي بن قاسم بن درع من ولد محمد بن زكدان بن تيدوكسن ويعرف بابن حنينة نسبة إلى أم أبيه أخت يغمراسن بن حمامة‏.‏وأنزل معهما ولده الأمير يحيى لإقامة الرسم الملوكي‏.‏ثم أداله بأخيه من السنة الأخرى وكذا كان شأنه في كل سنة‏.‏ولما فتح السلطان أبو يوسف بلاد المغرب وانتظم أمصاره ومعاقله في طاعته وغلب بني عبد المؤمن على دار خلافتهم ومحا رسمهم وافتتح طنجة وطوع سبتة مرقى الجواز إلى العدوة وثغر المغرب سما أمله إلى بلاد القبلة فوجه عزمه إلى انتزاع سجلماسة من أيدي بني عبد الواد المتغلبين عليها وإدالة دعوته فيها من دعوتهم فنهض إليها في العساكر والحشود في رجب من سنة اثنتين وسبعين‏.‏فنازلها وقد حشد إليها أهل المغرب أجمع من زناتة والعرب والبربر وكافة الجنود والعساكر ونصب عليها آلات الحصار من المجانيق والعرادات وهندام النفط القاذف بحصى الحديد ينبعث من خزانه أمام النار الموقدة في البارود بطبيعة غريبة ترد الأفعال إلى قدرة باريها‏.‏فأقام عليها حولاً كريتاً يغاديها القتال ويراوحها إلى أن سقطت ذات يوم على حين غفلة طائفة من سورها بإلحاح الحجارة من المنجنيق عليه‏.‏فبادروا إلى اقتحام البلد فدخلوها عنوة من تلك الفرجة في صفر من سنة ثلاث وسبعين‏.‏فقتلوا المقاتلة والحامية وسبوا الرعية وقتل القائدان عبد الملك بن حنينة ويغمراسن بن حمامة ومن كان معهم من بني عبد الواد وأمراء المنبات‏.‏وكمل فتح بلاد المغرب للسلطان أبي يوسف وتمشت طاعته في أقطاره‏.‏فلم يبق فيه معقل يدين بغير دعوته ولا جماعة تتحيز إلى غير فيئته ولا أمل ينصرف إلى سواه ولما كملت له نعم الله في استيساق ملكه وتمهيد أمره انصرف أمله إلى الغزو وإيثار طاعة الله بجهاد أعدائه واستنقاذ المستضعفين وراء البحر من عباده على ما نذكر‏.‏ولما انكفأ راجعاً من سجلماسة قصد مراكش من حيث جاء‏.‏ثم قفل إلى سلا فأراح بها أياماً ونظر في شؤونها وسد ثغرها‏.‏وبلغه الخبر بوفادة أبي طالب ابن صاحب سبتة الفقيه أبي القاسم العزفي على فاس فأغذ السير إلى حضرته وأكرم وفادته وأحسن منقلبه إلى أبيه مملوء الحقائب ببره رطب اللسان بشكره‏.‏ثم شرع في إجازة ولده إلى العدو كما نذكر الآن إن شاء الله تعالى‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:02 PM

الخبر عن شأن الجهاد وظهور السلطان أبي يوسف على النصارى
وقتل زعيمهم دننه وما قارن ذلك كانت عدوة الأندلس مذ أول الفتح ثغراً للمسلمين فيه جهادهم ورباطهم ومدارج شهادتهم وسبيل سعادتهم‏.‏وكانت مواطنهم فيه على مثل الرضف وبين الظفر والناب من أسود الكفر لتوفر أمتهم في جوارها وأحاطتهم بها من جميع جهاتها وحجز البحر بينهم وبين إخوانهم المسلمين‏.‏وقد كان عمر بن عبد العزيز رأى أن يخرج المسلمين منها لانقطاعهم عن قومهم وأهل دينهم وبعدهم عن الصريخ‏.‏وشاور في ذلك كبار التابعين وأشراف العرب فرأوه رأياً‏.‏واعتزم عليها لولا ما اعتاقه من المنية‏.‏وعلى ذلك فكان للإسلام فيها اعتزاز على من جاورهم من أهل الكفر بطول دولة العرب من قريش ومضر واليمن‏.‏وكانت نهاية عزهم وسورة غلبهم أيام بني أمية بها الطائرة الذكر الباسطة جناحها على العدوتين منذ ثلاث مئين من السنين أو ما يقاربها‏.‏حتى انتثر سلكها بعد الماية الرابعة من الفجرة وافترقت الجماعة طوائف وفشلت ريح المسلمين وراء البحر بفناء دولة العرب‏.‏واعتز البربر بالمغرب واستفحل شأنهم‏.‏وجاء دولة المرابطين فجمعت ما كان مفترقاً بالمغرب من كلمة الإسلام‏.‏وتمسكوا بالسنة وتشوفوا إلى الجهاد‏.‏واستدعاهم إخوانهم من وراء البحر للمدافعة عنهم فأجازوا إليهم وأبلوا في جهاد العدو أحسن بلاء‏.‏وأوقعوا بالطاغية ابن أذفونش يوم الزلاقة وغيرها‏.‏وفتحوا حصوناً واسترجعوا أخرى‏.‏واستنزلوا الثوار ملوك الطوائف وجمعوا الكلمة بالعدوتين‏.‏وجاء على أثرهم الموحدون سالكين أحسن مذاهبهم فكانت لهم في الجهاد آثار على الطاغية وأيام منها يوم الأرك ليعقوب المنصور وغيره من الأيام‏.‏حتى إذا فشلت ريح الموحدين وافترقت كلمتهم‏.‏وتنازع الأمر سادة بني عبد المؤمن الأمراء بالأندلس وتحاربوا على الخلافة‏.‏واستجاشوا بالطاغية وأمكنوه من كثير من حصون المسلمين طعمة على الاستظهاه فخشي أهل الأندلس على أنفسهم وثاروا بالموحدين وأخرجوهم‏.‏وتولى كبر ذلك ابن هود بمراسية وشرق الأندلس‏.‏وعم بدعوته سائر أقطارها وأقام فيها الدعوة للعباسيين وخاطبهم ببغداد كما ذكرناه في أخباره واستوفينا كلاً مما وصفناه في مكانه‏.‏ثم عجز ابن هود عن الغربية لبعدها عنه وفقده للعصابة المتناولة لها وأنه لم تكن صنعته في الملك مستحكمة‏.‏وتكالب الطاغية على الأندلس من كل جهة‏.‏وكثر اختلاف المسلمين بينهم‏.‏وشغل بنو عبد المؤمن بما دهم المغرب من شأن بني مرين وزناتة فتلافى محمد بن يوسف بن الأحمر أمر الغربية وثار بحصنه أرجونة‏.‏وكان شجاعاً قدماً ثبتاً في الحروب فتلقف الكرة من يد ابن هود‏.‏خلع الدعوة العباسية ودعا للأمير أبي زكرياء بن أبي حفص سنة تسع وعشرين‏.‏فلم يزل في فتنة ابن هود يجاذبه الحبل ويقارعه على عمالات الأندلس واحدة بعد أخرى إلى أن وتكالب العدو خلال ذلك على جزيرة الأندلس من كل جانب‏.‏ووفر له ابن هود في الجزية وبلغ بها أربعماية ألف من الدنانير في كل سنة‏.‏ونزل له عن ثلاثين من حصون المسلمين‏.‏وخشي ابن الأحمر أن يستغلظ عليه بالطاغية فجنح هو إليه وتمسك بعروته ونفر في جملته إلى منازلة إشبيلية نكاية لأهلها‏.‏ولما هلك الأمير أبو زكرياء نبذت دعوة الحفصية واستبد لنفسه وتسمى بأمير المسلمين‏.‏ونازعه بالشرق أعقاب ابن هود وبنو مردنيش‏.‏ودعاه الأمر إلى النزول للطاغية عن بلاد الفرنتيرة فنزل عنها بأسرها‏.‏وكانت هذه المدة من سنة اثنتين وعشرين إلى سنة سبعين فترة ضاعت فيها ثغور المسلمين واستبيح حماهم والتهم العدو بلادهم وأموالهم نهباً في الحرب ووضيعة ومداراة في السلم‏.‏واستولى طواغيت الكفر على أمصارها وقواعدها فملك ابن أذفونش قرطبة سنة ست وثلاثين وجيان سنة أربع وأربعين وإشبيلية سنة ست وأربعين‏.‏وتملك قمص برشلونة مدينة بلنسية سنة سبع وثلاثين إلى ما بينها من الحصون والقواعد والمعاقل التي لا تعد ولا تحصى‏.‏وانقرض أمر الثوار بالشرق وتفرد ابن الأحمر بغرب الأندلس وضاق نطاقه عن الممانعة دون البسائط الفيح من أرض الفرنتيرة وما قاربها‏.‏ورأى أن التمسك بها مع قلة العدد وضعف الشوكة مما يوهن أمره ويطمع فيه عدوه فعقد السلم للطاغية على النزول عنها أجمع‏.‏ولجأ بالمسلمين إلى سيف البحر معتصمين بأوعاره من عدوهم‏.‏واختار لنزله مدينة غرناطة‏.‏وابتنى بها لسكناه حصن الحمراء حسبما شرحنا ذلك كله في مواضعه‏.‏وفي أثناء هذا كله لم يزل صريخه ينادي بالمسلمين من وراء البحر والملأ من أهل الأندلس يفدون على أمير المسلمين أبي يوسف للإعانة ونصر الملة واستنقاذ الحرم والولدان من أنياب العدو‏.‏فلا يجد مفزعاً إلى ذلك بما كان فيه من مجاذبة الحبل مع الموحدين ثم مع يغمراسن‏.‏ثم تشغله بفتح بلاد المغرب وتدويخ أقطاره إلى أن هلك السلطان أبو عبد الله محمد بن يوسف بن الأحمر المعروف بالشيخ وبأبي دبوس لقبين كانا له على حين استكمل أمير المسلمين فتح المغرب وفراغه من شأن عدوه سنة إحدى وسبعين‏.‏على أن بني مرين كانوا يؤثرون الجهاد ويسمون إليه وفي نفوسهم جنوح إليه وصاغية‏.‏ولما استوحش بنو إدريس بن عبد الحق وخرجوا سنة إحدى وستين على السلطان يعقوب بن عبد الحق واستصلحهم انتدب الكثير منهم للغزو وإجازة البحر لصريخ المسلمين بالأندلس‏.‏واجتمع إليهم من مطوعة بني مرين عسكر ضخم من الغزاة ثلاثة آلاف أو يزيدون‏.‏وعقد السلطان على ذلك العسكر لعامر بن إدريس وفصلوا إلى الأندلس فكان لهم فيها ذكر ونكاية في العدو‏.‏وكان الشيخ ابن الأحمر عهد إلى ولده القائم بإلأمر من بعده محمد الشهير بالفقيه لانتحاله طلب العلم أيام أبيه‏.‏وأوصاه بأن يتمسك بعروة أمير المسلمين ويخطب نصره ويدرأ به وبقومه عن نفسه وعن المسلمين تكالب الطاغية‏.‏فبادر لذلك حين مواراة أبيه وأوفد مشيخة الأندلس كافة عليه ولقيه وفدهم منصرفاً من فتح سجلماسة خاتم الفتوح بالثغور المغربية ومقاد الملك‏.‏وتنادوا للإسلام بالثأر وألقوا إليه كنه


الخبر عن كلب العدو على المسلمين
وثقل وطأته فحيا وفادتهم وبر وساهم‏.‏ وبادر لإجابة داعي الله واستنام الجنة‏.‏وكان أمير المسلمين منذ أول أمره مؤثراً عمل الجهاد كلفاً به مختاراً له متى أعطي الخيار من سائر آماله‏.‏حتى لقد كان اعتزم على الغزو إلى الأندلس أيام أخيه الأمير أبي يحيى وطلب إذنه في ذلك عندما ملكوا مكناسة سنة ثلاث وأربعين فلم يأذن له‏.‏وفصل إلى الغزو في حشمه وذويه ومن أطاعه من عشيره‏.‏وأوعز الأمير أبو يحيى لصاحب الأمر بسبتة لذلك العهد أبي علي بن خلاص بأن يمنعه الإجازة ويقطع عنه أسبابها‏.‏ولما انتهى إلى قصر الجواز ثنى عزمه عن ذلك الولي يعقوب بن هارون الخيري ووعده بالجهاد أميراً مستنصراً للمسلمين ظاهراً على العدو فكان في نفسه من ذلك شغل وإليه صاغية‏.‏فلما قدم عليه هذا الوفد نبهوا عزائمه وذكوا همته فأعمل في الاحتشاد وبعث في النفير‏.‏ونهض من فاس في شهر شوال من سنة ثلاث وسبعين إلى فرضة المجاز من طنجة‏.‏وجهز خمسة آلاف من قومه أزاح عللهم واستوفى عطاءهم وعقد عليهم لابنه منديل وأعطاه الراية‏.‏واستدعى من العزفي صاحب سبته السفن لإجازتهم فوافاه بقصو الجواز عشرون من الأساطيل فأجاز العسكر ونزل بطريف‏.‏وأراح ثلاثاً ودخل دار الحرب وتوغل فيها وأجلب على ثغورها وبسائطها‏.‏وامتلأت أيديهم من الغنائم وأثخنوا بالقتل والأسر وتخريب العمران ونسف الآثار‏.‏حتى نزل بساحة شريش فخام حاميتها عن اللقاء وانحجزوا في البلد فقفل عن إلى الجزيرة وقد امتلأت أيديهم من الأموال وحقائبهم من السبي وركابهم من الكراع والسلاح‏.‏ورأى أهل الأندلس أن قد ثاروا بعام العقاب حتى جاءت بعدها الطامة الكبرى على أهل الكفر‏.‏واتصل الخبر بأمير المسلمين فاعتزم على الغزو بنفسه وخشي على ثغور بلاده من عادية يغمراسن في الفتنة فبعث حافده تاشفين بن عبد الواحد في وفد من بني مرين لعقد السلم مع يغمراسن والرجوع إلى الاتفاق والموادعة‏.‏ووضع أوزار الحرب بين المسلمين للقيام بوظيفة الجهاد فأكبر موصله وموصل قومه‏.‏وبادر إلى الإجابة والألفة وأوفد مشيخة بني عبد الواد على السلطان لعقد السلم‏.‏وبعث معهم الرسل وأسنى الهدية‏.‏وجمع الله كلمة المسلمين‏.‏وعظم موقع هذا السلم من أمير المسلمين لما كان في نفسه من الصاغية إلى الجهاد وإيثاره مبرورات الأعمال‏.‏وبث الصدقات بشكر الله على ما منحه من التفرع لذلك‏.‏ثم استنفر الكافة واحتشد القبائل والجموع ودعا المسلمين إلى الجهاد‏.‏وخاطب في ذلك كافة أهل المغرب من زناتة والعرب والموحدين والمصامدة وصنهاجة وغمارة وأوربة ومكناسة وجميع قبائل البرابر وأهل المغرب من المرتزقة والمطوعة‏.‏وأهاب بهم وشرع في إجازة البحر فأجازه من فرضة طنجة لصفر من سنة أربع وسبعين‏.‏واحتل بساحل طريف‏.‏وكان لما استصرخه السلطان ابن الأحمر وأوفد عليه مشائخ الأندلس اشترط عليه النزول عن بعض الثغور بساحل الفرضة لاحتلال عساكره فتجافى له عن رندة وطريف‏.‏ولما احتل بطنجة بادر إليه ابن هشام الثائر بالجزيرة الخضراء أجاز البحر إليه‏.‏ولقيه بظاهر طنجة فأدى له طاعته وأمكنه من قياد بلده وكان الرئيس أبو محمد بن أشقيلولة وأخوه أبو إسحاق صهر السلطان بن الأحمر تبعاً له في أمره ومؤازراً على شأنه كله‏.‏وأبوهما أبو الحسن هو الذي تولى له كبر النورة على ابن هود ومداخلة أهل إشبيلية في الفتك بابن الباجي‏.‏فلما استوت قدمه في ملكه وغلب الثوار بالأندلس واستوى على أمره فسد ما بينهما بعد أن كان ولى أبا محمد على مالقة وأبا إسحاق على وادي آش فامتنع أبو محمد بن أشقيلولة بمالقة واستأثر بها وبغربيتها دونه‏.‏ومع ذلك كانوا على الطاغية فيئة ولحمة‏.‏ولما أحس أبو محمد بن أشقيلولة بإجازة السلطان يعقوب بن عبد الحق قدم إليه الوفد من أهل مالقة ببيعتهم وصريخهم وانحاش إلى جانب السلطان وولايته وأمحضه المخالصة والنصيحة‏.‏فلما احتل السلطان بساحة طريف ملأت كتائبه ساحة الأرض ما بينها وبين الجزيرة وتسابق السلطان ابن الأحمر وهو محمد الفقيه بن محمد الشيخ أبي دبوس صاحب غرناطة والرئيس أبو محمد أشقيلولة صاحب مالقة والغربية وأخوه أبو إسحاق صاحب وادي آش إلى لقاء السلطان‏.‏وتناغوا في برور مقدمه والإذعان له ففاوضهما في أمور الجهاد ورجعهما لحينه إلى بلادهما‏.‏وانصرف ابن الأحمر مغضباً ببعض النزعات أحفظته‏.‏وأغذ السلطان السير إلى الفرنتيرة وعقد لولده الأمير أبى يعقوب على خمسة آلاف من عسكره‏.‏وسرح كتائبه في البسائط‏.‏وخلال المعاقل ينسف الزرع وتحطم الغروس ويخرب العمران وتنتهب الأموال وتكتسح السرح وتقاتل المقاتلة وتسبى النساء والذرية‏.‏حتى انتهى إلى المدور وبايسة وأبدة واقتحم حصن بلمة عنوة‏.‏وأتى على سائر الحصون في طريقه فطمس معالمها واكتسح أموالها‏.‏وقفل والأرض تموج سبياً إلى أن عرس بأستجة من تخوم دار الحرب‏.‏وجاءه النذير باتباع العدو آثارهم لاستنقاذ أسراهم وارتجاع أموالهم‏.‏وإن زعيم الروم وعظيمهم دننه خرج في طلبهم بأمم بلاد النصرانية من المحتلم فما فوقه‏.‏فقدم السلطان الغنائم بين يديه وسرح ألفاً من الفرسان أمامها سار يقفيها‏.‏حتى إذا أطلت رايات العدو من ورائهم كان الزحف فرتب المصاف وحرض وذكر‏.‏وراجعت زناتة بصائرها وعزائمها وتحركت هممها وأبلت في طاعة ربها والذب عن دينها‏.‏وجاءت بما يعرف من بأسها وبلائها فى مقاماتها ومواقعها‏.‏ولم يك إلا كلا ولا حتى هبت ريح النصر وظهر أمر الله وانكشف جموع النصرانية وقتل الزعيم دننه والكثير من جموع أهل الكفر‏.‏ومنح الله المسلمين أكتافهم واحتل القتل فيهم‏.‏وأحصي القتلى في المعركة فكانوا ستة آلاف‏.‏واستشهد من المسلمين ما يناهز ثلاثين أكرمهم الله بالشهادة وآثرهم بما عنده‏.‏ونصر الله حزبه وأعز أولياءه وأظهر دينه وبدا للعدو ما لم يحتسبه بمحاماة هذه العصابة عن الملة وقيامهم بنصر الكلمة‏.‏وبعث أمير المسلمين برأس الزعيم دننه إلى ابن الأحمرة فرده زعموا سراً إلى قومه بعد أن طيبه وأكرمه ولاية أخلصها لهم مداراة وانحرافاً عن أمير المسلمين ظهرت شواهده عليه بعد حين كما نذكره‏.‏وقفل أمير المسلمين من غزاته إلى الجزيرة منتصف ربيع من سنته فقسم في المجاهدين الغنائم وما نفله الله من أموال عدوهم وسباياهم وأسراهم وكراعهم بعد الاستيثار بالخمس لبيت المال على موجب الكتاب والسنة ليصرفه في مصارفه‏.‏ويقال كان مبلغ الغنائم في هذه الغزاة من البقر ماية ألف وأربعة وعشرين ألفاً ومن الأسرى سبعة آلاف وثمانماية وثلانين ومن الكراع أربعة عشر ألفاً وستماية‏.‏وأما الغنم فاتسعت عن الحصر كثرة حتى لقد زعموا بيعت الشاة في الجزيرة بدرهم واحد‏.‏وكذلك السلاح‏.‏وأقام أمير المسلمين بالجزيرة أياماً‏.‏ثم خرج لجمادى غازياً إلى إشبيلية فجاس خلالها وتقرى نواحيها وأقطارها‏.‏وأثخن بالقتل والنهب في جهاتها وعمرانها‏.‏وارتحل إلى شريش فأذاقها وبال العيث والاكتساح‏.‏ورجع إلى الجزيرة لشهرين من غزاته‏.‏ونظر في اختطاط مدينة بفرضة المجاز من العدوة لنزل عسكره منتبذاً عن الرعية لما يلحقهم من ضرر العساكر وجفائهم‏.‏وتخير لها مكاناً لصق الجزيرة فأوعز ببناء المدينة جوارها المشهورة بالبنية‏.‏وجعل ذلك إلى نظر من وثق به من دونه‏.‏ثم أجاز البحر إلى المغرب في رجب سنة أربع وسبعين فكان مغيبه وراء البحر ستة أشهر‏.‏واحتل بقصر مصمودة وأمر ببناء السور على بادس مرفأ الجواز ببلاد غمارة‏.‏وتولى ذلك إبراهيم بن عيسى كبير بني وسناف بن محيو‏.‏ثم رحل إلى فاس فدخلها في شعبان‏.‏وصرف النظر إلى أحوال دولته واختطاط البلد الجديد لنزله ونزل حاشيته واستنزال الثوار عليه بالمغرب على ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:03 PM

الخبر عن اختطاط البلد الجديد بفاس وما كان على تفيئة ذلك من الأحداث
لما قفل أمير المسلمين من غزاته الجهادية وتم صنع الله لديه في ظهور الإسلام على يده واعتزاز أهل الأندلس بفيئته راح بالمغرب إلى نعمة أخرى من ظهور أوليائه وحسم أدواء الفساد في دولته شفعت مواهب السعادة وأكملت عوائد الصنع‏.‏وذلك أن صبابة بني عبد المؤمن وفلهم لما فروا من مراكش عند الفتح لحقوا بجبل تينملل جرثومة أمرهم ومنبعث دعوتهم وملاحد خلفائهم وحضرة سلفهم ودار إمامهم ومسجد مهديهم‏.‏كانوا يعكفون عليه متيمنين بطيره ملتمسين بركة زيارته‏.‏ويقدمون ذلك أمام غزولتهم قربة بين يدي أعمالهم يعتدونها من صالح مساعيهم‏.‏فلما خلص الفل إليه اعتصموا بمعقله وأووا إلى وكونه ونصبوا للقيام بأمرهم عيصاً من أعياص خلفائهم بني عبد المؤمن ضعيف المنية خاسر الصفقة من مواهب الحظ وهو إسحاق أخو عمر المرتضى‏.‏وبايعوه سنة تسع وستين يرجون منه رجع الكرة وإدالة الدولة‏.‏وكان المتولي لكبر ذلك وزير دولتهم ابن عطوش‏.‏ولما عقد السلطان يعقوب بن عبد الحق لمحمد بن علي بن محلى على أعمال مراكش لم يقدم عملاً على محاربتهم وتخذيل الناس عنهم واستمالة أشياعهم‏.‏وجمعوا له سنة أربع وسبعين على غرة ظنوها فأوقع بهم وفل من غربهم‏.‏ثم صمد إلى الجبل لشهر ربيع من سنته فافتض عذرته وفض ختامه واقتحمه عليهم عنوة بعد مداولة النزال والحرب‏.‏وهلك الوزير ابن عطوش في جوانب الملحمة وتقبض على خليفتهم المستضعف وابن عمه أبي سعيد بن السيد أبي الربيع ومن معهما من الأولياء‏.‏وجنبوا إلى مصارعهم بباب الشريعة من مراكش فضربت أعناقهم وصلبت أشلاؤهم‏.‏وكان فيمن قتل منهم كاتبه القبائلي وأولاده‏.‏وعاثت العساكر في جبل تينملل واكتسحت أمواله‏.‏وبعثرت قبور الخلفاء من بني عبد المؤمن‏.‏واستخرج شلو يوسف وابنه يعقوب المنصور فقطعت رؤوسهم‏.‏وتولى كبر ذلك أبو علي الملياني النازع إلى السلطان أبي يوسف من مليانة عش غوايته وموطن انتزائه كما قدمناه‏.‏وكان السلطان أقطعه بلد أغمات إكراماً لوفادته فحضر هذه الغزاة في جملة العساكر‏.‏ورأى أن قد شفا نفسه بإخراج هؤلاء الخلفاء من أرماسهم والعيث بأشلائهم لما نقم منه الموحدون‏.‏وأزعجوه من قراره فنكرها السلطان لجلاله‏.‏وتجاوز عنها للملياني تأنيساً لقربته وجواره وعدها من هناته‏.‏ولما وصل أمير المسلمين إلى حضرته من غزاة الجهاد ترادفت عليه أخبار هذه الملحمة وقطع دابر بني عبد المؤمن فتظاهر السرور لديه وارتفعت إلى الله كلمات الشكر طيبة منه‏.‏ولما سكن غرب الثوار وتمهد أمر المغرب ورأى أمير المسلمين أن أمره قد استفحل وملكه قد استوسق واتسع نطاق دولته وعظمت غاشيته وكثر وافده رأى أن يختط بلداً يتميز بسكناه في حاشيته وأهل خدمته وأوليائه الحاملين سرير ملكه‏.‏فأمر ببناء البلد الجديد لصق فاس بساحة الوادي المخترق وسطها من أعلاه وشرع في تأسيسها لثالث شوال من سنة أربع وسبعين هذه‏.‏وجمع الأيدي عليها وحشد الصناع والفعلة لبنائها‏.‏وأحضر لها الحزى والمعدلين لحركات الكواكب فاعتاموا في الطوالع النجومية ما يرضون أثره ورصدوا أوانه‏.‏وكان فيهم الإمامان أبو الحسن بن القطان وأبو عبد الله بن الحباك المقدمان في الصناعة فكمل تشييد هذه المدينة على ما رسم وكما رضي‏.‏ونزلها بحاشيته وذويه سنة أربع وسبعين كما ذكرناه‏.‏واختطوا بها الدور والمنازل وأجرى فيها المياه إلى قصوره وكانت من أعظم آثار هذه الدولة وأبقاها على الأيام‏.‏ثم أوعز بعد ذلك ببناء قصبة مدينة مكناسة فشرع في بنائها من سنته‏.‏وكان لحين إجازته البحر قافلا من غزاته لحق طلحة بن محلى بجبل أزور نازعاً إلى قبائل زناتة من صنهاجة فأغذ إليه السلطان بعساكره وأناخ عليه‏.‏واستنزله لشهر على ما سأل من الأمان والرتبة‏.‏وحسم الداء من خروجه‏.‏واستوزر صنيعته فتح الله السدراتي وأجرى له رزق الوزارة على عوائدهم‏.‏ثم بعث إلى يغمراسن كفاء هديته التي أتحفه بها بين يدي غزاته‏.‏وكان شغله عنها أمر الجهاد فبعث له فسطاطاً رائقاً كان صنع له بمراكش وحكمات مموهة بالذهب والفضة وثلاثين من البغال الفارهة ذكوراً وإناثاً بمراكبها الفارسية من السروج والنسوانية من الولايا وأحمالاً من الأديم المعروف دباغه بالشركسي إلى غير ذلك مما يباهي به ملوك المغرب وينافسون فيه‏.‏وفي سنة خمس وسبعين من بعدها أهدى له محمد بن عبد القوي أمير بني توجين وصاحب جبل وانشريش أربعة من الجياد انتقاها من خيل المغرب كافة ورأى أنها على قلة عددها أحفل


الخبر عن إجازة أمير المسلمين ثانية وما كان فيها من الغزوان
لما قفل أمير المسلمين من غزاته الأول واستنزل الخوارج وثقف الثغور وهادى الملوك واختط المدينة لنزله كما ذكرنا ذلك كله‏.‏ثم خرج فاتح سنة ست وسبعين إلى جهة مراكش لسد ثغوره وتثقيف أطرافه‏.‏وتوغل في أرض السوس‏.‏وبعث وزيره فتح الله بالعساكر فجاس خلاله ثم انكفأ راجعاً‏.‏وخاطب قبائل المغرب كافة بالنفير إلى الجهاد فتباطأوا واستمر على تحريضهم‏.‏ونهض إلى رباط الفتح وتلوم بها في انتظار الغزاة وثبطوا فخف هو في خاصته وحاشيته‏.‏ واحتل بالفرضة من قصر المجاز‏.‏وتلاحق به الناس فأجاز البحر واحتل بطريف لآخر محرم‏.‏ثم ارتحل إلى الجزيرة ثم إلى رندة‏.‏ووافاه هناك الرئيسان أبو اسحاق بن أشقيلولة صاحب قمارش وأبو محمد صاحب مالقة للغزو معه‏.‏وارتحلوا إلى منازلة إشبيلية فعرسوا عليها يوم المولد النبوي‏.‏وكان بها ملك الجلالقة ابن أذفونش فخام عن اللقاء وبرز إلى ساحة البلد محامياً عن أهلها‏.‏ورتب أمير المسلمين مصافه وجعل ولده الأمير أبا يعقوب في المقدمة‏.‏وزحف في التعبية فأحجز العدو البلد واقتحموا أثرهم الوادي وأثخنوا فيهم‏.‏وباتت العساكر ليلتهم بجولان في متون جيادهم وقد أضرموا النيران بساحتها‏.‏وارتحل من الغد إلى أرض الشرق وبث السرايا والغوار في سائر النواحي‏.‏وأناخ بجمهور العساكر عليها فلم يزل يتقرى تلك الجهات حتى أباد عمرانها وطمس معالمها‏.‏ودخل حصن قطنيانة وحصن جليانة وحصن القليعة عنوة وأثخن بالقتل والسبي‏.‏ثم قفل بالغنائم والأنفال إلى الجزيرة لسرار شهره فأراح وقسم الغنائم في المجاهدين‏.‏ثم خرج غازياً إلى شريش منتصف رببع الآخر فنازلها وأذاقها نكال الحرب‏.‏وأفقر نواحيها وقطع أشجارها وأباد غضراءها وحرق ديارها‏.‏ونسف آثارها وأثخن فيها بالقتل والأسر‏.‏وبعث ولده الأمير أبا يعقوب في سرية من معسكره للغوار على إشبيلية وحصون الوادي فبالغ في النكاية‏.‏واكتسح حسن روطة وشلوقة ومليانة والقناطر‏.‏ثم صبح إشبيلية بغارة فاكتسحها‏.‏وانكفأ إلي أمير المسلمين فقالوا جميعاً إلى الجزيرة وأراح وقسم في المجاهدين غنائمهم‏.‏ثم ندب إلى غزو قرطبة ورغبهم في عمرانها وثروة ساكنها وخصب بلادها فأهطعوا إلى إجابته‏.‏وخاطب ابن الأحمر يستنفره‏.‏وخرج لأول جمادى من الجزيرة‏.‏ووافاه ابن الأحمر بناحية أرشدونة فكرم وصوله وشكر خفوفه إلى الجهاد وبداره‏.‏ونازلوا حصن بني بشير فدخل عنوة وقتلت المقاتلة وسبيت النساء ونقلت الأموال وخرب الحصن‏.‏ثم بث السرايا والغارات في البسائط فاكتسحها وامتلأت الأيدي‏.‏وأثرى المعسكر‏.‏وتقروا المنازل والعمران في طريقهم حتى احتلوا بساحة قرطبة فنازلوها وانحجزت حامية العدو من وراء أسوارها‏.‏وانبثت بعوث المسلمين وسراياهم في نواحيها فنسفوا آثارها وخربوا عمرانها واكتسحوا قراها وضياعها‏.‏وتردد على جهاتها فدخل حصن بركونة عنوة ثم أرجونة كذلك‏.‏وقدم بعثا إلى جيان قاسمها حظها من الخسف والدمار‏.‏وخام الطاغية عن اللقاء‏.‏وأيقن بخراب عمرانه وتلاف بلاده فجنح إلى الصلح‏.‏وخطبه من أمير المسلمين فدفعه إلى ابن الأحمر‏.‏وجعل الأمر في ذلك إليه تكرمة لمشهده ووفاء بحقه فأجابهم ابن الأحمر إليه بعد عرضه إلى أمير المسلمين والتماس إذنه فيه وإبداء ما فيه من المصلحة وجنوح أهل الأندلس إليه منذ المدة الطويلة فانعقد السلم‏.‏وقفل أمير المسلمين من غزاته وجعل طريقه على غرناطة احتفاء بالسلطان ابن الأحمر‏.‏وخلج له عن الغنائم كلها فاحتوى عليها‏.‏ودخل أمير المسلمين إلى الجزيرة في أول رجب من عام يومئذ فأراح ونظر في ترتيب المسالح على الثغور وتملك مالقة كما نذكره‏.‏


الخبر عن تملك السلطان مدينة مالقة من يد ابن أشقيلولة
كان بنو أشقيلولة هؤلاء من رؤساء الأندلس المؤملين لمدافعة العدو وكانوا نظراء لابن الأحمر في الرياسة وهم أبو محمد عبد الله وأبو إسحاق إبراهيم ابنا أبي الحسن بن أشقيلولة‏.‏وكان أبو محمد منهم صهراً له على ابنته فكانوا له بذلك خالصة فأشركهم في أمره‏.‏واعتضد بعصابتهم وبأبيهم من قبل على مقاومة ابن هود وسائر الثوار‏.‏ختى إذا استمكن من فرصته واستوى على كرسيه استبد دونهم وأنزلهم إلى مقامات الوزراء‏.‏وعقد لأبي محمد صهره على ابنته على مدينة مالقة والغربية‏.‏وعقد لأبي لحسن صهره على أخته على وادي آش وما إليه‏.‏وعقد لابنه أبي إسحاق إبراهيم بن علي على قمارش وما إلى ذلك‏.‏ووجدوا في أنفسهم واستمر الحال على ذلك‏.‏ولما هلك الشيخ ابن الأحمر سنة إحدى وسبعين وولي ابنه محمد الفقيه سموا إلى منازعته‏.‏وأوفد أبو محمد صاحب مالقة ابنه أبا سعيد على السلطان يعقوب بن عبد الحق وهو منازل طنجة‏.‏ووفد معه أبو عبد الله بن منديل فكرم وفادتهما وأحسن موعدهما‏.‏وانكفيا راجعين فبعث الرئيس أبو محمد إلى السلطان بطاعته وبيعة أهل مالقة سنة ثلاث وسبعين وعقد له عليها‏.‏ونزع ابنه أبو سعيد فرج إلى دار الحرب‏.‏ثم رجع لسنته فقتل بمالقة‏.‏ولما أجاز السلطان إلى الأندلس إجازته الأولى سنة أربع وسبعين تلقاه أبو محمد بالجزيرة مع ابن الأحمر وفاوضهما السلطان في شؤون الجهاد وردهما إلى أعمالهما‏.‏ولما أجاز إجازته الثانية سنة ست وسبعين لقيه بالجزيرة الرئيسان ابنا أشقيلولة أبو محمد صاحب مالقة وأخوه أبو إسحاق صاحب وادي آش وقمارش فشهدا معه الغزاة‏.‏ولما قفل اعتل أبو محمد صاحب مالقة ثم هلك غرة جمادى من سنته فلحق ابنه محمد بالسلطان آخر شهر رمضان‏.‏وهو متلوم بالجزيرة منصرفه من الغزو كما ذكرناه فنزل له عن البلد ودعاه إلى احتيازها فعقد عليها لابنه أبي زيان منديل فسار إليها في بعث‏.‏وكان ابن أشقيلولة لحين فصوله إلى لقاء السلطان أمر ابن عمه محمد الأزرق بن أبي الحجاج يوسف بن الزرقاء بإخلال منازل للسلطان بالقصبة وإعدادها فتم ذلك لثلاث ليال‏.‏وضرب الأمير أبو زيان معسكره بخارجها‏.‏وأنفذ محمد بن عمران بن عبلة في رهط من رجال بني مرين إلى القصبة فنزلها وملك أمر البلد‏.‏وكان السلطان ابن الأحمر لما بلغه وفاة أبي محمد بن أشقيلولة سما أمله إلى الاستيلاء على مالقة وأن ابن أخته شيعة له‏.‏وبعث لذلك وزيره أبا سلطان عزيز الداني فوافى معسكر الأمير أبي زيان بساحتها‏.‏ورجا أن يتجافى عنها لسلطانه فأعرض عن ذلك وتجهم له‏.‏ودخل إليها لثلاث بقين من رمضان‏.‏وانقلب الداني عنها بخفي حنين‏.‏ولما قضى السلطان بالجريرة صومه ونسكه خرج إلى مالقة فوافاها سادس شوال وبرز إليه أهلها في يوم مشهود احتفلوا له احتفال أيام الزينة سروراً بمقدم السلطان ودخولهم في إيالته‏.‏وأقام فيهم إلى خاتم سنته‏.‏ثم عقد عليها لعمر بن يحيى بن محلى من صنائع دولتهم‏.‏وأنزل معه المسالح وزيان بن أبي عباد بن عبد الحق في طائفة لنظره من أبطال بني مرين‏.‏واستوصاه بمحمد بن أشقيلولة وارتحل إلى الجزيرة‏.‏ثم أجاز إلى المغرب سنة سبع وسبعين وقد اهتزت الدنيا لقدومه‏.‏وامتلأت القلوب بما كنفه الله من نصر المسلمين بالعدوة وعلو راية السلطان على كل راية‏.‏وعظمت لذلك موجدة ابن الأحمر ونشأت الفتنة كما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏


الساعة الآن 10:15 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى