منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب تاريخ ابن خلدون (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=8921)

ميارى 12 - 8 - 2010 04:04 PM

الخبر عن تظاهر ابن الأحمر والطاغية على منع السلطان أبي يوسف
من إجازة البحر وإصفاق يغمراسن بن زيان معهم من وراء البحر على الأخذ بحجزته عنهم وواقعة السلطان علي يغمراسن بخرزوزة لما أجاز أمير المسلمين إلى العدوة إجازته الأولى ولقي العدو بأستجة وقتل الله دننه بأيدي عسكره‏.‏وصنع له من الظهور والعز ما لا كفاء له ارتاب ابن الأحمر بمكانه فبدا له من ذلك ما لم يحتسب‏.‏وظن بأمير المسلمين الظنون واعترض ذكره شأن يوسف بن تاشفين والمرابطين مع ابن عباد سلطان الأندلس‏.‏وأكد ذلك عنده جنوح الرؤساء من بني أشقيلولة وغيرهم إليه وانقيادهم لأمره فغص بمكانه وحذر غوائله‏.‏وتكدر الجو بينهما‏.‏وأجاز إجازته الثانية فانقبض ابن الأحمر عن لقائه ودارت بينهما مخاطبات شعرية في معنى العتاب على ألسنة كتابهما نسردها الآن‏.‏فمن ذلك قصيدة كتبها إليه ابن الأحمر سنة أربع وسبعين بعد واقعة دننه واعتزامه على الرجوع إلى المغرب‏.‏فخاطبه بها ليلة الإقامة بالجزيرة حذراً من غائلة العدو وينحو فيها منحى الاستعطاف وهي من نظم كاتبه أبي عمر بن المرابط هل من معيني في الهوى أو منجدي‏!‏ من متهم في الأرض أو من منجد هذا الهوى داع فهل من مسعف بإجابة وإنابة أو مسعد هذي سبيل الرشد قد وضحت فهل بالعدوتين من امرىء مسترشد يرجو النجاة بجنة الفردوس أو يخشى المسير إلى الجحيم الموقد يا آمل النصر العزيز على العدى أجب الهدى تسعد به وتؤيد سر النجاء إلى النجاة مشمراً إن الهدى لهو النجاة لمن هدي يا من يقول غداً أتوب ولا غد ألديك علم أن تعيش إلى غد لا تغترر بنسيئة الأجل الذي إن لم يحن لك نقده فكأن قد سفر عليك طويلة أيامه لم تستعد لطوله فاستعدد أو ما علمت بأنه لابد من زاد لكل مسافر فتزود هذا الجهاد رئيس أعمال التقى خذ منه زادك لارتحالك تسعد هذا الرباط بأرض أندلس فرح منه لما يرضي إلاهك واغتدي وامح الخطايا بالدموع فربما محت الدموع خطية المتعمد من ذا يتوب لربه من ذنبه أو يقتدي بنبيه أو يهتدي من ذا يطهر نفسه بعزيمة مشحوذة في نصر دين محمد أتعز من أرض العدو مدائن والله في أقطارها لم يعبد وتذل أرض المسلمين وتبتلى بمثلثين سطواً بكل موحد كم جامع فيها أعيد كنيسة فأهلك عليه أسى فلا تتجلد القس والناقوس فوق مناره والخمر والخنزير وسط المسجد أسفاً عليها أقفرت صلواتها من قانتين وراكعين وسجد وتعوضت منهم بكل معاند مستكبر مذ كان لم يتشهد كم من أسير عندهم وأسيرة فكلاهما يبغي الفداء فما فدي كم من عقيلة معشر معقولة فيهم تود لو أنها في ملحد كم من وليد بينهم قد ود من ولداه ودا أنه لم يولد أفلا تذوب قلوبكم إخواننا مما دهانا من ردى أو من ردي أفلا تراعون الأذمة بيننا من حرمة ومحبة وتودد أكذا يعيث الروم في إخوانكم وسيوفكم للثأر لم تتقلد يا حسرة لحمية الإسلام قد خمدت وكانت قبل ذات توقد أين العزائم ما لها لا تنقضي هل يقطع الهندي غير مجرد أبني مرين أنتم جيراننا وأحق من في صرخة بهم ابتدي فالجار كان به يوصي المصطفى جبريل حقاً في الصحيح المسند أبني مرين والقبائل كلها في المغرب الأدنى لنا والأبعد كتب الجهاد عليكم فتبادروا منه إلى فرض الأحق الأوكد وارضوا بإحدى الحسنيين وأقرضوا حسناً تفوزوا بالحسال الخرد هذي الجنان تفتحت أبوابها والحور قاعدة لكم بالمرصد من بائع من ربه من مشتر منه الحصول على النعيم السرمد أنتم جيوش الله ملء فضائه تأسون للدين الغريب المفرد ما ذا اعتذاركم غداً لنبيكم وطريق هذا العذر غير ممهد إن قال لم فرطتم في أمتي وتركتموهم للعدو المعتدي لله لو أن العقوبة لم تخف لكفى الحيا من وجه ذاك السيد إخواننا صلوا عليه وسلموا وسلوا الشفاعة منه يوم المشهد واسعوا لنصرة دينه يسقيكم من حوضه في الحشر أعذب مورد وصدر جوابها من نظم عبد العزيز شاعر السلطان يعقوب بن عبد الحق بما نصه لبيك لا تخش اعتداء المعتدي‏.‏إلى آخرها وكذلك أجاب عنها أيضاً مالك بن المرحل بقوله شهد الإله وأنت يا أرض اشهدي‏.‏إلى آخرها‏.‏فأجابهم أبو عمر بن المرابط كاتب ابن الأحمر بقوله قل للبغاة وللغداة‏.‏الحسد‏.‏إلى آخرها‏.‏ولما أجاز السلطان يعقوب بن عبد الحق إجازته الثانية سنة ست وسبعين كما نذكره وصار ابن الأحمر إلى الاستعتاب والرضى ولقي يعقوب بن عبد الحق فأنشده كاتبه أبو عمر بن المرابط يوم اجتماعهما بقوله ‏"‏ بشرى لحرب الله والإيمان ‏"‏‏.‏إلى آخرها‏.‏ولما انقضى المجلس أمر السلطان شاعره عبد العزيز بمساجلته قصيدته فأنشدها ثاني المجلس بحضرة ابن الأحمر ونصها ‏"‏ اليوم كن في غبطة وأمان ‏"‏ إلى آخرها‏.‏ثم كان أثناء ذلك ما وقع من استيلاء السلطان يعقوب بن عبد الحق على مدينة مالقة والغربية جل عمله بعد مهلك صاحبها أبي محمد بن أشقيلولة فبرم لذلك وخيل عليه ففزع إلى مداخلة الطاغية في شأنه واتصال يده‏.‏وأن يعود إلى مكان أبيه من ولايته ليدفع به السلطان وقومه عن أرضه ويأمن معه من زوال سلطانه لما كانت كلمة الإسلام حجزاً دونه‏.‏فاهتبل الطاغية غرتها وانتكث عهد أمير المسلمين ونقض السلم ونبذ إليه العهد‏.‏وأغزى أساطيله بالجزيرة الخضراء حيث مسالح السلطان وعسكره‏.‏وأرست بالزقاق حيث فراض الجواز‏.‏وانقطع المسلمون من جنود السلطان وقومه وراء البحر ويئسوا من صريخه‏.‏وانتبذ عمر بن يحيى بن محلى عن قومه بمكان إمارته من مالقة‏.‏وكان بنو محلى هؤلاء من كبار قومهم بطوية وكانوا حلفاء بني حمامة بن محمد منذ دخولهم المغرب‏.‏وأصهر عبد الحق أبو ملاك إلى أبيهم محلى في ابنته أم اليمن فكان من ولده السلطان يعقوب بن عبد الحق‏.‏وكانت امرأة صالحة‏.‏خرجت إلى الحج سنة ثلاث وأربعين فقضت فريضة الله عليها وعادت إلى المغرب لرابعة من السنين سنة سبع وأربعين‏.‏ثم خرجت ثانية سنة اثنتين وخمسين فتطوعت بحجة أخرى‏.‏وهلكت بمصر منصرفها من تلك السنة سنة ثلاث وخمسين فكان لبني محلى أبيها مكان من الدولة ودالة على السلطان لخؤولتهم ووشايج قرابتهم وغنائهم في قومهم‏.‏وما استولى السلطان على حضرة الموحدين مراكش عقد لمحمد بن علي بن محلى على جميع أعمالها فكانت له في الاضطلاع بها مقامات محمودة‏.‏واتصلت أيام ولايته عليها من سنة ثمان وستين إلى سنة سبع وثمانين‏.‏ثم كان مهلكه أيام يوسف بن يعقوب كما نذكره‏.‏ولما نزع محمد بن أشقيلولة إلى السلطان بالجزيرة سنة ست وسبعين متجافياً له عن ولاية مالقة بعد وفاة أبيه الرئيس أبي محمد واستولى السلطان عليها واعتزم على الإجازة كما قدمناه عقد على مالقة والغربية وسائر ثغورها وأعمالها لعمر بن يحيى بن محلى‏.‏وكان أخوه طلحة بن يحيى بن محلى ذا بأس وصرامة وقوة شكيمة واعتزاز على السلطان بمكان الخؤلة‏.‏وهو الذي قتل يعقوب بن عبد الحق بغبولة سنة ثمان وستين كما قلناه وظاهر فتح الله السدراتي مولى السلطان ووزيره على قتال أبي العلا بن أبي طلحة بن أبي قريش عامل المغرب بكدية العرائش من ظاهر فاس سنة اثنتين وسبعين‏.‏ونزع سنة أربع وسبعين‏.‏إلى جبل أزور عند مرجع السلطان من إجازته الأولى فاستنزله ورجعه إلى مجلسه من جملته‏.‏ثم نزع من الجزيرة إلى غرناطة سنة ست وسبعين عند مرجع السلطان من أمر مالقة وأجاز البحر إلى بلاد الريف‏.‏ثم رجع إلى القبلة وأقام بين بني توجين‏.‏ثم أجاز إلى الأندلس سنة سبع وسبعين عندما اضطرم نار هذه الفتنة بين السلطان وبين ابن الأحمر والطاغية‏.‏واحتل أسطول النصارى بالزقاق وانقطعت عساكر السلطان وراء البحر‏.‏وأحس أخوه عمر صاحب مالقة بإظلام الجو بينه وبين السلطان بما كان من أمر أخيه طلحة من قبل‏.‏فلاطفه ابن الأحمر عند استقراره بغرناطة في مداخلة أخيه عمر في النزول عن مالقة والاعتياض عنها بشلوبانية والمنكب طعمة‏.‏وخاطبه في ذلك أخوه طلحة فأجاب‏.‏وخرج ابن الأحمر بعساكره إلى مالقة‏.‏وتقبض عمر بن محلى على زيان بن بوعياد قائد بني مرين ومحمد بن أشقيلولة‏.‏وأمكن ابن الأحمر من البلد فدخلها آخر رمضان من سنته‏.‏وأنزل ابن محلى بشلوبانية واحتمل ذخيرته وما كان السلطان ائتمنه عليه من المال والعدة الجهادية‏.‏واتصلت يد ابن الأحمر بيد الطاغية على منع أمير المسلمين من الإجازة وراسلوا يغمراسن بن زيان من وراء البحر وراسلهم في مشاقة السلطان وإفساد ثغوره وإنزال العوائق به المانعة من حركته والأخذ بأذياله عن النهوض إلى الجهاد‏.‏وأسنوا فيما بينهم الإتحاف والمهاداة‏.‏وجنب يغمراسن إلى ابن الأحمر ثلاثين من عتاق الخيل مع ثياب من عمل الصوف‏.‏وبعث إليه ابن الأحمر صحبة ابن مروان التجاني كفاء ذلك عشرة آلاف دينار فلم يرض بالمال في هديته ورده‏.‏واصطفقت أيديهم جميعاً على السلطان ورأوا أن قد بلغوا في إحكام أمرهم وسد مذاهبه إليهم‏.‏واتصل الخبر بأمير المسلمين وهو بمراكش‏.‏كان صمد إليها مرجعه من الغزو في شهر محرم فاتح سبع وسبعين لما كان من عيث العرب جشم بتامسنا وإفسادهم السابلة‏.‏فثقف أطرافها وحسم أدواءها‏.‏ولما بلغه خبر ابن محلى ومالقة ومنازلة الطاغية للجزيرة نهض لثالثة من شوال يريد طنجة‏.‏ولما انتهى إلى تامسنا وافاه الخبر بنزول الطاغية على الجزيرة وإحاطة عساكره بها سادس شوال بعد أن كانت أساطيله منازلتها منذ ربيع وأنه مشرف على التهامها‏.‏وبعثوا إليه يستعدونه فاعتزم على الرحيل‏.‏ثم اتصل به الخبر بخروج مسعود بن كانون أمير سفيان من جشم ببلاد نفيس من المصامدة خامس ذي القعدة وأن الناس اجتمعوا إليه من قومه وغيرهم‏.‏فكر إليه راجعاً وقدم بين يديه حافده تاشفين بن بو مالك ووزيره يحيى بن حازم‏.‏وجاء على ساقتهم وفروا أمام جيوشه وانتهب معسكرهم وحللهم‏.‏واستباح عرب الحارث من سفيان‏.‏ولحق مسعود بمعقل السكسيوي ونازله السلطان بعساكره أياماً‏.‏ثم سرح ابنه الأمير أبا زيان بن منديل إلى بلاد السوس لتمهيدها وتدويخ أقطارها فأوغل في ديارها وقفل إلى أبيه خاتم سنته‏.‏واتصل بالسلطان ما نال أهل الجزيرة من ضيق الحصار وشدة القتال وأعواز الأقوات وأنهم قتلوا الأصاغر من أولادهم خشية عليهم من معرة الكفر‏.‏فأهمه ذلك وأعمل النظر فيه‏.‏وعقد لولي عهده ابنه الأمير أبي يعقوب من مراكش على الغزو إليها‏.‏وأغزى الأساطيل في البحر إلى جهاد عدوهم فوصل إلى طنجة لصفر من سنة ثمان وسبعين‏.‏وأوعز إلى البلاد البحرية لإعداد الأساطيل للغزاة بسبتة وطنجة وسلا وقسم الأعطيات وتوفرت همم المسلمين على الجهاد وصدقت عزائمهم على الموت‏.‏وأبلى الفقيه أبو حاتم العزفي صاحب سبتة لما بلغه خطاب أمير المسلمين في ذلك البلاء الحسن وقام فيه المقام المحمود‏.‏واستنفر كافة أهل بلده فركبوا البحر أجمعين من المحتلم فما فوقه‏.‏ورأى ابن الأحمر ما نزل بالمسلمين في الجزيرة وإشراف الطاغية على أخذها فندم في ممالأته‏.‏ونبذ عهده وأعد أساطيل سواحله من المنكب والمرية ومالقة مدداً للمسلمين‏.‏واجتمعت الأساطيل بمرفأ سبتة تناهز السبعين قد أخذت بطرفي الزقاق في أحفل زي وأحسن قوة وأكمل عدة وأوفر عديد‏.‏وعقد لهم الأمير أبو يعقوب رايته وأقلعوا عن طنجة ثامن ربيع الأول‏.‏وانتشرت قلوعهم في البحر فأجازوه وباتوا ليلة المولد الكريم بمرقى الجبل وصبحوا العدو وأساطيلهم تناهز الأربعماية فتظاهروا في دروعهم وأسبغوا من سكتهم وأخلصوا لله عزائمهم وصدقوا مع اللة نياتهم وتنادوا بالجنة شعارهم‏.‏ووعظ وذكر خطباؤهم والتحم القتال ونزل الصبر‏.‏ولم يك إلا كلا ولا حتى نضحوا العدو بالنبل فانكشفوا وتساقطوا في العباب‏.‏واستلحمهم السيف وغشيهم اليم‏.‏وملك المسلمون أساطيلهم‏.‏ودخلوا مرمى الجزيرة وفرضتها عنوة فاختل معكسر الطاغية‏.‏ودخلهم الرعب من إجازة الأمير أبي يعقوب ومن معه من الحامية فأفرج لحينه عن البلد‏.‏وانتشر النساء والصبيان بساحته وغلبت المقاتلة كثيرا من المعسكر على مخلفهم فغنموا من الحنطة والأدم والفواكه ما ملأ أسواق البلد أياماً حتى وصلتها الميرة من النواحي‏.‏وأجاز الأمير أبو يعقوب لحينه فأرهب العدو في كل ناحية وصلى عن الغزو إلى دار الحرب شأن الفتنة مع ابن الأحمر فرأى أن يعقد مع الطاغية سلما ويصل به لمنازلة غرناطة يداً‏.‏وأجابه إلى ذلك الطاغية رهبة من بأسهم وموجدة على ابن الأحمر في مدد أهل الجزيرة‏.‏وبعث أساقفته لعقد ذلك فأجازهم الأمير أبو يعقوب إلى أبيه أمير المسلمين فغضب لها ونكرها على أبنه‏.‏وزوى عنه وجه رضاه ورجعهم إلى طاغيتهم مخفقي السعي‏.‏وأجاز أبو يعقوب ابن السلطان إلى أبيه ومعه وفد أهل الجزيرة فلقوا السلطان بمكانه من بلاد السوس‏.‏وولى عليهم ابنه أبا زيان منديل فنزل بالجزيرة وأحكم العقدة مع الطاغية‏.‏ونازل مربلة من طاعة ابن الأحمر براً وبحراً فامتنعت عليه‏.‏ورجع إلى الجزيرة وانضوى إليه أهل الحصون الغربية بطاعتهم حذراً من الطاغية فتقبلهم‏.‏ثم جاءه المدد من المغرب ونازل رندة فامتنعت‏.‏والطاغية أثناء ذلك يجوس خلال الأندلس‏.‏وتنازل ابن الأحمر بغرناطة مع بني أشقيلولة وابن الدليل‏.‏ثم راجع ابن الأحمر مسالمة بني مرين وبعث لأبي زيان ابن السلطان بالصلح‏.‏واجتمع معه بأحواز مربلة كما نذكر بعد‏.‏ولما ارتحل السلطان من معسكره على جبل السكسيوي يريد السوس‏.‏ثم أغزى العساكر ورجع من طريقه إلى مراكش‏.‏حتى إذا انقضت غزاة البربر قفل إلى فاس وبعث خطابه إلى الآفاق مستنفراً للجهاد‏.‏وفصل في رجب من سنة ثمان وسبعين حتى انتهى إلى طنجة وعاين ما اختل من أحوال المسلمين في تلك الفترة وما جرت إليه فتنة ابن الأحمر من اعتزاز الطاغية وما حدثته نفسه من التهام الجزيرة الأندلسية ومن فيها‏.‏وظاهره على ابن الأحمر منافسوه في رياسته بنو أشقيلولة فاستجره الرئيس أبو الحسن بن أبي إسحاق صاحب وادي آش ونازل معه غرناطة سنة تسع وسبعين خمسة عشر يوماً‏.‏ثم أفرجوا عنها ولقيتهم عساكر غرناطة من زناتة فعد ذلك من سنتهم‏.‏وعليهم طلحة بن محلى وتاشفين بن معط كبير تيربيغين بحصن المسلى فأظهرهم الله عليهم‏.‏وهلك من النصارى ما يناهز سبعماية من فرسانهم‏.‏واستشهد فيها من أعياص بني مرين عثمان بن محمد بن عبد الحق‏.‏واستجر الطاغية سنة ثمانين بعدها الرئيس أبو محمد عبد الله صاحب وادي آش إلى منازلة غرناطة فنازلها الطاغية وأقام عليها إماماً‏.‏ثم ارتحل وقد اعتز عليهم‏.‏وأشفق السلطان على المسلمين وعلى ما نال ابن الأحمر من خسف الطاغية فراسله في الموادعة واتفاق الكلمة وشرط عليه النزول عن مالقة‏.‏وامتنع فرجع السلطان إلى إزالة العوائق المانعة عن شأنه من الجهاد وكان من أعظمها فتنة يغمراسن‏.‏واستيقن ما دار بينه وبين ابن الأحمر والطاغية وابن أخي أدفونش من الاتصال والإصفاق فبعث إليه في تجديد الصلح والاتفاق فلج وكشف الوجه في العناد‏.‏وأعلن بما وقع بينه وبين أهل العدوة مسلمهم وكافرهم من الوصلة أنه معتزم على وصل بلاد المغرب‏.‏فصرف أمير المسلمين عزمه إلى غزو يغمراسن‏.‏وقفل إلى فاس لثلاث أشهر من نزوله بطنجة فدخلها آخر شوال‏.‏وأعاد الرسل إلى يغمراسن لإقامة الحجة عليه والتجلي بمسالمة بني توجين والتجافي عنهم لموالاتهم أمير المسلمين‏.‏فقام يغمراسن في ركائنه وقعد ولج في طغيانه‏.‏وارتحل أمير المسلمين من فاس خاتمة سنة تسع‏.‏وقدم ابنه أبا يعقوب في العساكر وأدركه بتازى‏.‏ولما انتهى إلى ملوية تلوم في انتظار العساكر‏.‏ثم ارتحل إلى نامة ثم إلى تافنا وصمد إليه يغمراسن بحشود زناتة والعرب بحللهم وكافة ناجعتهم‏.‏والتقت عيون القوم فكانت بينهم حرب‏.‏وركب على آثارهما العسكران فالتحم القتال‏.‏وكان الزحف بخرزوزة من ملعب تيفنى‏.‏ورتب أمير المسلمين مصافه وجعل كتيبته وكتيبة ابنه الأمير أبي يعقوب جناحين للعسكر‏.‏واشتد القتال سائر النهار وانكشف بنو عبد الواد عندما أراح القوم وانتهب جميع مخلفهم وما كان في معسكرهم من المتاع والكراع والسلاح والفساطيط وبات معسكر أمير المسلمين ليلتهم في صهوات خيلهم واتبعوا من الغد آثار عدوهم‏.‏واكتسحت أموال العرب الناجعة الذين كانوا مع يغمراسن وامتلات أيدي بني مرين من نعمهم وشائهم‏.‏ودخلوا بلاد يغمراسن وزناتة‏.‏ووافاه هنالك محمد بن عبد القوي أمير بني توجين لقيه بناحية القصبات وعاثوا جميعاً في بلاده نهباً وتخريباً‏.‏ثم أذن لبني توجين في اللحاق ببلادهم وأخذ هو بمخنق تلمسان متلوماً لوصول محمد بن عبد القوي وقومه إلى منجاتهم من جبل وانشريش حذراً عليهم من غائلة يغمراسن‏.‏ثم أفرج عنها وقفل إلى المغرب ودخل فاس شهر رمضان من سنة ثمانين‏.‏ثم نهض إلى مراكش فاحتل بها فاتح إحدى وثمانين بعدها‏.‏وسرح ابنه الأمير أبا يعقوب إلى السوس لتدويخ أقطاره‏.‏ووافاه بمراكش صريح الطاغية على ابنه شانجة الخارج عليه فاغتنم الفرصة في فساد بينهم لقضاء إربه من الجهاد‏.‏وارتحل مبادرا بالإجازة إلى الأندلس‏.‏والله تعالى أعلم‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:05 PM

الخبر عن إجازة السلطان أبي يوسف ثالثة باستدعاء الطاغية
لخروج ابنه شانجة عليه لما خرج السلطان من غزاة تلمسان إلى فاس وارتحل إلى مراكش وافاه بها وفد الطاغية من بطارقته وزعماء دولته وقواميص ملته صريخاً على ابنه شانجة‏.‏خرج عليه في طائفة من النصارى وغلبوه على أمره فاستنصر أمير المسلمين منهم ودعاه لحربهم‏.‏وأمله لاسترجاع ملكه من أيديهم فأجاب أمير المسلمين داعية رجاء للكرة بافتراقهم‏.‏وارتحل حتى انتهى إلى قصر المجاز وأوعز إلى الناس بالنفير إلى الجهاد‏.‏وأجاز إلى الخضراء فاحتل بها لربيع الثاني من سنة إحدى وثمانين‏.‏واجتمعت إليه مسالح الثغور بالأندلس وسار حتى نزل صخرة عياد فوافاه بها الطاغية ذليلاً لعز الإسلام مؤملاً صريخ السلطان فأكبر وفادته وكرم موصله وعظم قدره وأمده لنفقاته بماية ألف من مال المسلمين استرهن فيها التاج الذخيرة عند سلفه وبقي بدارهم فخراً للأعقاب لهذا العهد‏.‏ودخل معه دار الحرب غازياً حتى نازل قرطبة وبها شانجة ابن الطاغية الخارج عليه مع طائفته فقاتلها أياماً‏.‏ثم أفرج عنها وتنقل في جهاتها ونواحيها‏.‏وارتحل إلى طليطلة فعاث في جهاتها‏.‏وخرب عمرانها حتى انتهى إلى حصن مجريط من أقصى الثغر فامتلأت أيدي المسلمين وضاق معسكرهم بالغنائم التي استاقوها‏.‏وقفل إلى الجزيرة فاحتل بها لشعبان من سنته‏.‏وكان عمر بن محلى نزع إلى طاعة السلطان فهم به ابن الأحمر ونبذ إليه عهده ‏.‏وارتجع المنكب من يده‏.‏ونازله بعساكره فاتح هذه السنة فجهز السلطان إليه لوصوله الجزيرة أسطوله‏.‏وأفرج ابن الأحمر عنه فبادر إلى السلطان طاعته‏.‏ووصل ببيعة شلوبانية فأبقاه فيها بدعوته‏.‏ثم راجع طاعة ابن الأحمر في شوال من سنته فتقبل فيئته وأعاضه عنها بالمنكب‏.‏إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏والله أعلم‏.‏


الخبر عن شأن السلم مع ابن الأحمر وتجافي السلطان عن مالقة
ثم تجديد الغزو بعد ذلك لما اتصلت يد السلطان بيد الطاغية خشي ابن الأحمر غائلته فجنح إلى موالاة شانجة الخارج على أبيه‏.‏ووصل يده بيده وأكد له العقد على نفسه‏.‏واضطرمت له الأندلس ناراً وفتنة‏.‏ولم يغن شانجة عن ابن الأحمر شيئاً‏.‏ورجع السلطان من غزاته مع الطاغية وقد ظهر على ابنه فأجمع على منازلة مالقة‏.‏ونهض إليها من الجزيرة فاتح اثنتين وثمانين فتغلب على الحصون الغربية كلها‏.‏ثم أسف إلى مالقة فأناخ عليها بعساكره‏.‏وضاق النطاق على ابن الأحمر وبدا له سوء المغبة في شأن مالقة ومداخلة ابن محلى في الغدر بها وأعمل نظره في الخلاص من ورطتها‏.‏ولم ير لها إلا ولي عهد السلطان ابنه أبا يوسف فخاطبه بمكانه من المغرب مستصرخاً لرقع هذا الخرق وجمع كلمة المسلمين على عدوهم فأجابه واغتنم المثوبة في مسعاه‏.‏وأجاز لشهر صفر فوافى أمير المسلمين بمعسكره على مالقة‏.‏ورغب منه السلم لابن الأحمر عن شأن مالقة والتجافي له عنها فأسعف رغبة ابنه لما يؤمل في ذلك من رضى الله في جهاد عدوه وإعلاء كلمته‏.‏وانعقد السلم وانبسط أمل ابن الأحمر وتجددت عزائم المسلمين وقفل السلطان إلى الجزيرة‏.‏وبث السرايا في دار الحرب فأوغلوا وأثخنوا‏.‏ثم استأنف الغزو بنفسه إلى طليطلة فخرج غازياً غرة ربيع الثاني من سنة اثنتين وثمانين حتى انتهى إلى قرطبة‏.‏فأثخن وغنم وخرب العمران وافتتح الحصون‏.‏ثم ارتحل نحو البيرة وخلف معسكراً بظاهر بياسة وأغذ السير في أرض قفر‏.‏ولليلتين انتهى إلى البيرة من نواحي طليطلة فسرح الخيل في السائط حتى تقرت جميع ما فيها‏.‏ولم ينته إلى طليطلة لتثاقل الناس بكثرة المغائم وأثخن في القتل‏.‏وقفل على غير طريقه فأثخن وخرب وانتهى إلى أبدة‏.‏ووقف بساحتها والعدو منحجزون ثم رجع إلى معسكره ببياسة وأراح ثلاثاً ينسف آثارها ويقتلع شجراءها‏.‏وقفل إلى الجزيرة فاحتل بها شهر رجب وقسم الغنائم وقفل من الخمس‏.‏وولى على الجزيرة حافده عيسى بن الأمير أبي مالك ابنه فهلك شهيداً بالمعترك لشهرين من ولايته‏.‏وأجاز السلطان غرة شعبان إلى المغرب ومعه ابنه أبو زيان منديل‏.‏وأراح بطنجة ثلاثاً‏.‏وأغذ السير إلى فاس فاحتل بها آخر شعبان‏.‏ولما قضى صيامه ونسكه ارتحل إلى مراكش لتمهيدها وتفقد أحوالها‏.‏وقسم من نظره لنواحي سلا وأزور فأقام برباط الفتح شهرين اتنين‏.‏واحتل مراكش فاتح ثلاث وثمانين‏.‏وبلغه مهلك الطاغية ابن أدفونش واجتماع النصرانية على ابنه شانجة الخارج عليه فتحركت إلى الجهاد عزائمه‏.‏وسرح الأمير أبا يعقوب ولي عهده بالعسكر إلى بلاد السوس لغزو العرب وكف عاديتهم ومحو آثار الخوارج المنتزين على الدولة‏.‏فأجفلوا أمامه واتبع آثارهم إلى الساقية الحمراء آخر العمران من بلاد السوس فهلك أكثر العرب في تلك القفار مسغبة وعطشاً‏.‏وقفل لما بلغه من اعتلال أمير المسلمين ووصل إلى مراكش وقد أبل واعتزم على الجهاد والغزو شكراً لله كما نذكر إن شاء الله تعالى‏.‏


الخبر عن إجازة السلطان أبي يوسف الرابلة ومحاصرة شريش
وما تخلل ذلك من الغزوات لما اعتزم أمير المسلمين على الإجازة واعترض جنوده وحاشيته وأزاح عللهم وبعث في قبائل المغرب بالنفير‏.‏ونهض من مراكش في جمادى الآخرة لثلاث وثمانين‏.‏واحتل رباط الفتح منتصف شعبان فقضى به صومه ونسكه‏.‏ثم ارخل إلى قصور مصمودة وشرع في إجازة العساكر والحشود من المرتزقة والمطوعة خاتمة سنته‏.‏ثم أجاز البحر بنفسه غرة صفر من سنة أربع بعدها‏.‏واحتل بطريف‏.‏ثم سار منهما إلى الخضراء وأراح أياماً‏.‏ثم خرج غازياً حتى انتهى إلى وادي لك‏.‏وسرح الخيول في يلاد العدو وبسائطها تغير وتحرق وتنسف‏.‏فلما خرب بلاد النصرانية ودمر أرضهم قصد مدينة شريش فنزل بساحتها وأناخ عليها وبث السرايا والغارات في جميع نواحيها‏.‏وبعث عن المسالح التي كانت بالثغور فتوافت لديه‏.‏ولحق حافده عمر بن أبي مالك بجمع وافر من المجاهدين من أهل المغرب فرساناً ورجالاً ووافته حصة العزفي من سبتة غزاة ناشبة تناهز خمس ماية من الرجل‏.‏وأوعز إلى ولي عهده الأمير أبي يعقوب باستنفار من بقي بالعدوة من المسلمين إلى الجهاد‏.‏وعقد لحافده الآخر منصور بن عبد الواحد على ألف فارس من الغزاة‏.‏وأعطاه الراية وسرحه لغزو إشبيلية لآخر صفر من سنته فغنموا ومروا بقرمونة في منصرفهم فاستباحوها وأثخنوا بالقتل والأسار ورجعوا وقد امتلأت أيديهم من الغنائم‏.‏وبعث وزيره محمد بن عتو ومحمد بن عمران بن عبلة عيوناً فوافوا حصن القناطر وروطة واستكشفوا ضعف الحامية واختلال الثغور فعقد ثانية لحافده عمر بن عبد الواحد على مثلها من الفرسان لثلاثة من ربيع وأعطاه الراية وسرحه إلى بسائط وادي لك فرجعوا من الغنائم بما ملأ العساكر بعد أن أثخنوا فيها بالقتل والتخريب وتحريق الزروع واقتلاع الثمار وأبادوا عمرانها‏.‏ثم سرح ثامن ربيع عسكراً للإغارة على حصن أركش‏.‏ووافوه على غرة فاكتسحوا أموالهم‏.‏ثم عقد تاسع ربيع لأبنه أبي معروف على ألف من الفرسان‏.‏وسرحه لغزو إشبيلية فسار حتى توقف‏.‏وانحجزت منه حاميتها فخرب عمرانها وحرق زروعها وقطع شجراءها‏.‏وامتلأت أيدي عسكره سبياً وأموالاً ورجع إلى معسكر السلطان مملوء الحقائب‏.‏ثم عقد ثالثة لحافده عمر منتصف ربيع لغزو حصن كان بالقرب من معسكره وسرح معه الرجل من الناشبة والفعلة بالآلات‏.‏وأمده بالرجل من المصامدة وغزاة سبتة فاقتحموه عنوة على أهله‏.‏وقتلوا المقاتلة وسبوا النساء والذرية وأضرعوا خده بالتراب‏.‏ولسبع عشرة من الشهر ركب السلطان إلى حصن سقوط قريباً عن معسكره فخربه وحرقه بالنار واستباحه‏.‏وقتل مقاتلته وسبى أهله‏.‏ولعشرين من شهره وصل ولي عهده الأمير أبو يعقوب من العدوة بنفير أهل المغرب وكافة القبائل في جيوش ضخمة وعسكر موفورة‏.‏وركب أمير المسلمين للقائهم وبرور مقدمهم‏.‏واعترض العساكر الموافية يومئذ فكانت ثلاثة عشر ألفاً من المصامدة وثمانية آلاف من برابرة المغرب المتطوعون كلهم بالجهاد فعقد له السلطان على خمسة آلاف من المرتزقة وألفين من المطوعة وثلاثة عشر ألفاً من الرجل وألفين من الناشبة‏.‏وسرحه لغزو إشبيلية والإثخان في نواحيها فعبأ كتائبه ونهض لوجهه‏.‏وبث الغارات بين يدين فأثخنوا وسبوا وقتلوا‏.‏واقتحموا الحصن واكتسحوا الأموال‏.‏وعاج على الشرف والغابة من بسيط إشبيلية فنسف قراها واقتحم من حصونها عدة‏.‏وقفل إلى معسكر أمير المسلمين ظاهراً عزيزاً غانماً‏.‏ولسادس ربيع الثاني وصل الأمير أبو زيان منديل بن طريف بعسكر وافر من المسلمين فعقد له غداة وصوله وأمده بعكسر آخر‏.‏وأغزاه قرمونة والوادي الكبير فأغار على قرمونة‏.‏وطمعت حاميتها في المدافعة فبرزوا له‏.‏وصدقهم القتال فانكشفوا حتى أحجزوهم في البلد‏.‏ثم أحاطوا ببرج كان قريباً من البلدة قاتلوه ساعة من نهار واقتحموه عنوة ولم يزل يتقرى المنازل والعمران حتى وقف بساحة إشبيلية فأغار واكتسح واقتحم برجاً كان هنالك عيناً على المسلمين وأضرمه ناراً‏.‏وامتلأت أيدي عساكره وقفل إلى معسكر أمير المسلمين‏.‏ولثلاث عشرة من ربيع الثاني عقد للأمير أبي يعقوب لمنازلة جزيرة كبوتر فصمد إليها وقاتلها واقتحمها عنوة‏.‏وفي ثاني جمادى عقد لطلحة بن يحيى بن محلى‏.‏وكان بعد مداخلته أخاه عمر في شأن مالقة سنة خمس وسبعين خرج إلى الحج فقضى فرضه ورجع‏.‏ومر في طريقه بتونس‏.‏واتهمه الدعي ابن أبي عمارة كان بها يومئذ فاعتقله سنة اثتنين وثمانين‏.‏ثم سرحه ولحق بقومه بالمغرب‏.‏ثم أجاز إلى الأندلس غازياً في ركاب السلطان فعقد له في هذه الغزاة على مايتين من الفرسان‏.‏وسرحه إلى إشبيليه ليكون ربية للمعسكر‏.‏وبعث معه لذلك عيوناً من اليهود والمعاهدين من النصارى يتعرفون له أخبار الطاغية شانجة‏.‏وأمير المسلمين أثناء ذلك يغادي شريش ويراوحها بالقتال والتخريب ونسف الآثار وبث السرايا كل يوم وليلة في بلاد العدو‏.‏فلا خلو يوماً عن تجهيز عسكر أو إغزاء جيش أو عقد راية أبو بعث سرية حتى انتسف لعمران في جميع بلاد النصرانية وخرب بسائط إشبيلية ولبلة وقرمونة وأستجة وجبال الشرف وجميع بسائط الفرنتيرة‏.‏وأبلى في هذه الغزوات عياد العاصمي من شيوخ جشم وخضر الغزي أمير الأكراد بلاء عظيماً وكان لهم فيها ذكر‏.‏وكذلك غزاة سبتة وسائر المجاهدين والعرب من جشم وغيرهم‏.‏فلما دمرها تدميراً ونسفها تخريباً اكتسحها غارة ونهباً وزحم فصل الشتاء وانقطعت الميرة عن المعسكر اعتزم على قفول وأفرج عن شريش لأخر رجب‏.‏ووافاه مدد غرناطة من عساكر الغزاة وقائدهم يعلى بن أبي عياد بن عبد الحق بوادي بردة فلقاهم مبرة وتكريماً وانقلبوا إلى أهلهم‏.‏واتصل به أن العدو أوعز إلى أساطيله باحتلال الزقاق والاعتراض دون الفراض فأوعز أمير المسلمين إلى جميع سواحله من سبتة وطنجة والمنكب والجزيرة وطريف وبلاد الريف ورباط الفتح‏.‏واستدعى أساطيله فتوافت منها سنة وثلاثون أسطولا متكاملة في عدتها وعديدها فأحجمت أساطيل العدو عنها وارتدت على أعقابها‏.‏واحتل بالجزيرة غرة رمضان‏.‏واستيقن الطاغية شانجة وأهل ملته أن بلادهم قد فنيت وأرضهم خربت‏.‏وتبينوا العجز عن المدافعة والحماية فجنحوا إلى السلم‏.‏وضرعوا إلى أمير المسلمين في كف عاديته عنهم على ما يذكر‏.‏ووصل إلى السلطان بمكانه من منازلة شريش عمر بن أبي يحيى بن محلى نازعاً إلى طاعته فاتهمه لما سبق من تلاعبه‏.‏وأمر أخاه طلحة بنكبه‏.‏واحتمل إلى طريف فاعتقل بها‏.‏وسار طلحة إلى المنكب فاستصفى أموال أخيه عمر وذخائره وحملها إلى السلطان‏.‏وأقر ثانية أخاه موسى على عمله بالمنكب وأمده بعسكر من الرجل‏.‏ثم أطلق عمر لليال من اعتقاله‏.‏وأجاز طلحة وعمر في ركاب السلطان‏.‏ونزع منصور بن أبي مالك حافد السلطان إلى غرناطة‏.‏ثم لحق منها بالمنكب وأقام مع موسى بن يحيى بن محلى فأقره السلطان ورضي مقامه‏.‏والله تعالى أعلم‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:06 PM

الخبر عن وفادة الطاغية شانجة وانعقاد السلم ومهلك السلطان على تفيئة ذلك
لما نزل بأمم النصرانية في بلاد ابن أدفونش من أمير المسلمين ما نزل من تدمير قراهم واكتساح أموالهم وسبي نسائهم وإبادة مقاتلتهم وتخريب معاقلهم وانتساف عمرانهم زاغت منهم الأبصار وبلغت القلوب الحناجر‏.‏واستيقنوا أن لا عاصم من أمير المسلمين فاجتمعوا إلى طاغيتهم شانجة خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة يتوجعون مما أذاقهم جنود الله من سوء العذاب وأليم النكال‏.‏وحملوه على الضراعة إلى أمير المسلمين في السلم وإنفاذ الملأ من كبار النصرانية عليه في ذلك‏.‏وإلأ فلا تزال تصيبهم منه قارعة أو تحل قريباً من دارهم‏.‏فأجاب إلى ما دعوه إليه من الخسف والهضيمة لدينه‏.‏وأوفد على أمير المسلمين وفداً من بطارقتهم وقمامصتهم وأساقفتهم‏.‏ووضع أوزار الحرب فردهم أمير المسلمين اعتزازاً عليهم‏.‏ثم أعادهم الطاغية بترديد الرغبة على أن يشترط ما شاء من عز دينه وقومه‏.‏فأسعفهم أمير المسلمين وجنح إلى السلم لما تيقن صاغيتهم إليه وذلهم لعز الإسلام‏.‏وأجابهم إلى ما سألوه واشترط عليهم ما تقبلوه من مسالمة المسلمين كافة من قومه وغير قومه والوقوف عند مرضاته في ولاية جيرانه من الملوك أو عداوتهم ورفع الضريبة عن تجار المسلمين بدار الحرب من بلاده وترك التضريب بين ملوك المسلمين والدخول بينهم في فتنة‏.‏وبعث ثقته عبد الحق ابن الترجمان لاشتراط ذلك وأحكام عقده فاستبلغ وأكد في الوفاء‏.‏ووفدت رسل ابن الأحمر على الطاغية وهو عنده لعقد السلم معه دون أمير المسلمين وعلى مدافعته عنه فأحضرهم بمشهد ابن الترجمان وأسمعهم ما عقد لأمير المسلمين على قومه وأهل ملته‏.‏وقال لهم إنما أنتم عبيد آبائي فلستم معي في مقام السلم أو الحرب وهذا ملك المسلمين ولست أطيق مقاومته ولا دفاعه عنكم فانصرفوا‏.‏ولما رأى عبد الحق صاغيته إلى مرضاة السلطان وسوس له بالوفادة لتتمكن الألفة وتستحكم العقدة‏.‏وأراه مغبة ذلك في سل السخيمة وتسكين الحفيظة وتمكين الألفة فصغى إلى وفاقه‏.‏وسأل لقى الأمير أبي يعقوب ولي عهده من قبل ليطمئن عليه فوصل إليه ولقيه على فراسخ من شريش‏.‏وباتا بمعسكر المسلمين هنالك‏.‏ثم ارتحلا من الغد للقاء أمير المسلمين وقد أمر الناس بالاحتفال للقاء الطاغية وقومه وإظهار شعار الإسلام وأبهته فاحتفلوا وتأهبوا وأظهروا عز الملة وشدة الشوكة ووفور الحامية‏.‏ولقيه أمير المسلمين بأحسن مبرة وأتم كرامة يلقى بها مثله من عظماء الملل‏.‏وقدم الطاغية بين يديه هدية أتحف بها أمير المسلمين وابنه من ظرف بلاده كان فيها زوج من الحيوان الوحشي المسمى بالفيل وحمارة من حمر الوحش إلى غير ذلك من الظرف‏.‏تقبلها السلطان وابنه وقابلوها بكفائها ومضاعفتها وكمل عقد السلم‏.‏وتقبل لطاغية سائر الشروط ورضي بعز الإسلام عليه‏.‏وانقلب إلى قومه بملء صدره من الرضى والمسرة‏.‏وسأل منه أمير المسلمين أن يبعث من كتب العلم التي بأيدي النصارى من لدن استيلائهم على مداين الإسلام فاستكثر من أصنافها في ثلاثة عشر حملاً بعث بها إليه فوقفها السلطان بمدرسته التي أسسها بفاس لطلب العلم‏.‏وقفل أمير المسلمين إلى الجزيرة لليلتين بقيتا لرمضان فقضى صومه ونسكه‏.‏وجعل من قيام ليله جزءاً لمحاضرة أهل العلم‏.‏وأعد الشعراء كلمات أنشدوها يوم الفطر بمشهد الملأ في مجلس أمير المؤمنين‏.‏وكان من أسبقهم في ذلك الميدان شاعر الدولة عزوز المكناسي‏.‏ذكر فيها سير أمير المسلمين وغزواته على نسق‏.‏ثم أعمل أمير المسلمين نظره في الثغور فرتب بها المسالح وعقد عليها لابنه الأمير أبي زيان منديل‏.‏وأنزله بزكوان مقربة مالقة واستوصاه بأن لا يحدث في بلاد ابن الأحمر حدثاً‏.‏وعقد لعياد بن أبي عياد العاصمي على مسلحة أخرى وأنزله بأصطبونة‏.‏وأجاز ابنه الأمير أبا يعقوب لتفقد أحوال المغرب ومباشرة أموره فأجاز في أسطول القائد محمد بن أبي القاسم الرنداحي قائد سبتة وأوعز إليه بالبناء على قبر أبيه الملوك عبد الحق وابنه إدريس بتافرطست فاختط هنالك رباطاً وبنى على قبورهم أسنمة من الرخام ونقشها بالكتاب‏.‏ورتب عليها قراء لتلاوة القرآن ووقف على ذلك ضياعاً وفدناً‏.‏وهلك خلال ذلك وزيره يحيى بن أبي منديل العسكري لمنتصف رمضان‏.‏ثم اعتل بعد ذلك أمير المسلمين لشهر في الحجة ومرض واشتد وجعه‏.‏وهلك لآخر محرم سنة خمس وثمانين وستماية من الهجرة‏.‏والله أعلم‏.‏دولة السلطان أبي يعقوب


الخبر عن دولة السلطان أبي يعقوب وما كان فيها من الأحداق
وشأن الخوارج عليه لما أعتل أمير المسلمين أبو يوسف بالجزيرة مرضه نساؤه وطير بالخبر إلى ولي العهد الأمير أبي يعقوب وهو بمكانه من المغرب فأغذ السير‏.‏وقضى أمير المسلمين قبل وصوله فأخذ له البيعة على الناس وزراء أبيه وعظماء قومه‏.‏وأجاز إليهم البحر فجددوا بيعته غرة صفر من سنة خمس وثمانين وأخذوها على الكافة‏.‏وانعقد أمر السلطان يومئذ ففرق الأموال وأجزل الصلات وسرح من في السجون ورفع عن الناس الأخذ بزكاة الفطر ووكلهم فيها إلى أمانتهم‏.‏وقبض أيدي العقال عن الظلم والاعتداء والجور على الرعايا ورفع المكوس ومحى رسوم الرتب وصرف اعتناءه إلى إصلاح السابلة‏.‏وكان أول شيء أحدث من أمره أن بعث عن ابن الأحمر وضرب موعداً للقائه فبادر إليه ولقيه بظاهر مربالة لأول ربيع‏.‏ولقاه مرة وتكريماً وتجافى له عن جميع الثغور الأندلسية التي كانت لمملكته ما عدى الجزيرة وطريف‏.‏وتفرقا من مكانهما على أكمل حالات المصافاة والوصلة ورجع السلطان إلى الجزيرة‏.‏ووافاه بها وفد الطاغية شانجة مجددين حكم السلم الذي عقد له أمير المسلمين عفا الله عنه فأجابهم‏.‏ولما تمهد أمر الأندلس وفرغ من النظر إليها عقد لأخيه أبي عطية العباس على الثغور الغربية والأمارة عليها‏.‏وعقد لعلي بن يوسف بن يزكاسن على مسالحها وأمده بثلاثة آلاف من عساكره‏.‏وأجاز إلى المغرب فاحتل بقصر مصمودة سابع ربيع الثاني‏.‏ثم ارتحل إلى فاس واحتل بها لاثنتي عشرة خلت من جمادى‏.‏ولحين استقراره بدار ملكه خرج عليه محمد بن إدريس بن عبد الحق في إخوته وبنيه وذويهم ولحق بجبال درعة ودعا لنفسه‏.‏وسرح إليهم السلطان أخاه أبا معرف فبدا له في النزوع إليهم فلحق بهم‏.‏وأغزاهم السلطان بعساكره وردد إليهم البعوث والكتائب‏.‏وتلطف في استنزال أخيه فنزل عن الخلاف وعاد إلى حسن طاعته‏.‏وفر أولاد إدريس إلى تلمسان وتقبض عليهم أثناء طريقهم‏.‏وسرح السلطان أخاه أبا زيان إلى تازى وأوعز إليه بقتلهم بمليلى خارج تازى لرجب من سنة خمس وثمانين‏.‏ورهب الأعياص عند ذلك من بادرة السلطان فتفرقوا ولحقوا بغرناطة‏.‏أولاد أبي العلاء إدريس بن عبد اللة بن عبد الحق وأولاد أبي يحيى بن عبد الحق وأولاد عثمان بن يزول‏.‏ورجع أولاد أبي يحيى إلى السلطان بعد انقضاء عهده وأمانه‏.‏وهلك أخوه محمد أجليلد بن يعقوب بن عبد الحق لشعبان من سنته‏.‏ وهلك عمر ابن أخيه أبي مالك بطنجة‏.‏ثم خرج على السلطان عمر بن عثمان بن بوسف العسكري بقلعة قندلاوة ونبذ الطاعة وأذن بالحرب‏.‏وأوعز السلطان إلى بني مسكر ومن إليهم من القبائل المجاورين لها فاحتشدوا له ونازلوه‏.‏ثم نهض بركابه وعساكره إلى منازلته واحتل بنبدورة‏.‏وخافه عمر على نفسه وأيقن أن قد أحيط به فسأل الأمان‏.‏وبذله السلطان على شريطة اللحاق بتلمسان فبعث من توثق له من الخيرة فنزل‏.‏فوفى له السلطان بعده ولحق ثم ارتحل السلطان في رمضان من سنته إلى مراكش لتمهيد أنحائها وتثقيف أطرافها واحتل بها في شوال واعتمل النظر في مصالحها‏.‏ونزع خلال ذلك طلحة بن يحيى بن محلى البطوي إلى بني حسان من المعقل وخرج على السلطان ودعا لنفسه‏.‏وعقد السلطان لمنصور ابن أخيه أبي مالك على العساكر وعهد له بولاية السوس وسرحه لاستنزال الخوارج ومحو آثار الفساد‏.‏وارتاب بمكان أخيه عمرة فغربه إلى غرناطة فقتله أولاد أبي العلاء يوم وصوله إليها فسار الأمير منصور في الجيوش والكتائب وغزا عرب المعقل وأثخن فيهم‏.‏وقتل طلحة بن محلى في بعض حروبهم‏.‏لثلاث عشرة من جمادى سنة ست وثمانين‏.‏وبعث برأسه إلى سدة السلطان فعلق بتازى‏.‏ثم نهض السلطان في رمضان لغزو المعقل بصحراء درعة بما أضروا العمران وأفسدوا السابلة‏.‏وسار إليهم في اثني عشر ألفاً من الفرسان‏.‏ومر على بلاد هسكورة معترضاً جبل درن‏.‏وأدركهم بالقفز نواجع فأثخن فيهم بالقتل والسبي‏.‏واستكثر من رؤوسهم فعلقت بشرفات مراكش وسجلماسة وفاس‏.‏وعاد من غزوه إلى مراكش آخر شوال فنكب محمد بن علي بن محلى عاملها القديم الولاية عليها من لدن غلب الموحدين لما وقع من الارتياب بأولاد محلى بما أتاه كبيره طلحة فنكب غرة المحرم من سنة سبع‏.‏وهلك في محبسه لشهر صفر بعده‏.‏وهلك على أثر ذلك المزوار قاسم بن عبو‏.‏وعقد السلطان على مراكش وأعمالها لمحمد بن عطو الجاناتي من موالي دولتهم ولاء الحلف‏.‏وترك معه ابنه أبا عامر‏.‏ثم ارتحل إلى حضرة فاس فاحتل بها منتصف ربيع‏.‏ووافته بها عروسه ابنة موسى بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق من غرناطة في وفد من وزراء ابن الأحمر وأهل دولته فأعرس بها وكان بعث إلى أبيها من قبل في الإصهار بها‏.‏ووافت معها رسل ابن الأحمر يسألون التجافي عن وادي آش فأسعفهم بها كما نذكر إن شاء الله تعالى‏.‏


الخبر عن دخول وادي آش في طاعة السلطان
ثم رجوعها إلى طاعة ابن الأحمر كان أبو الحسن بن أشقيلولة ظهير السلطان ابن الأحمر على ملكه ومعينه على شأنه وكان له في الدولة بذلك مكان‏.‏ولما هلك خلف من الولدان أبا محمد عبد الله وأبا إسحاق إبراهيم فعقد ابن الأحمر لأبي محمد على مالقة ولأبي إسحاق على قمارش ووادي آش‏.‏ولما هلك السلطان ابن الأحمر حدثت مغاضبات ومنافسات بينهما وبينه وتأدى ذلك إلى الفتنة كما قلناه‏.‏ودخل أبو محمد في طاعة السلطان أبي يوسف‏.‏ثم هلك فلحق ابنه محمد بالسلطان ونزل له عن البلد سنة ست وسبعين‏.‏ثم هلك أبو إسحاق سنة اثنتين وثمانين وغلب ابن الأحمر على حصن قمارش وصار إليه‏.‏وكان الرئيس أبو إسحاق قد عقد لابنه أبي الحسن على وادي آش وحصونها واتصلت الفتنة بينه وبين ابن الأحمر وظاهر أبو الحسن عليه الطاغية‏.‏وأجلب أخوه أبو محمد على غرناطة هو وابن الدليل‏.‏وطال أمر الفتنة بينهم وبين ابن الأحمر‏.‏وأجلب أخوه أبو محمد على غرناطة مع الطاغية‏.‏ثم انعقد السلم بين المسلمين والنصرانية وخشي أبو الحسن بن أشقيلولة على نفسه عادية ابن الأحمر فتذمم بطاعة صاحب المغرب‏.‏وأقام دعوته بوادي آش سنة ست وثمانين فلم يعرض لها ابن الأحمر حتى إذا وقعت المواصلة بينه وبين السلطان أبي يعقوب وكان شأن هذا الصهر على يده بعث رسله إلى السلطان يسأله التجافي عن وادي آش فتجافى له عنها‏.‏وبعث إلى أبي الحسن بن أشقيلولة بذلك فتركها‏.‏وارتحل إليه سنة سبع وثمانين‏.‏ولقيه بسلاة فأعطاه القصر الكبير وأعماله طعمة سوغه إياها‏.‏ثم نزل لبنيه آخر دولتهم‏.‏واستمكن ابن الأحمر في وادي آش وحصونها‏.‏ولم يبق له بالأندلس منازع في قرابته‏.‏والله يؤتي ملكه من يشاء‏.‏


الخبر عن خروج الأمير أبي عامر ونزوعه إلي مراكش ثم فيئته إلى الطاعة
لما احتل السلطان بفاس وأقام بها خرج عليه ابنه أبو عامر ولحق بمراكش ودعا لنفسه أخريات شوال من سنة سبع وثمانين‏.‏وساعده على الخلاف والانتزاء عاملها محمد بن عطو‏.‏وخرج السلطان في أثره إلى مراكش فبرز إلى لقائه فكانت الدائرة عليهم وحاصرهم السلطان بمراكش أياماً‏.‏ثم خلص أبو عامر إلى بيت المال فاستصفى ما فيه وقتل المشرف ابن أبي البركات ولحق بحلل المصامدة‏.‏ودخل السلطان من غده إلى البلد يوم عرفه فعفا وسكن‏.‏ونهض منصور ابن أخيه أبي مالك من السوس إلى حاحة فدوخ أنحاءها‏.‏ثم سرح إليه المدد من مراكش فأوقعوا بزكنة من برابرة السوس‏.‏وقتل منهم ما يناهز أربعين من سرواتهم‏.‏وكان فيمن قتل شيخهم حبون بن إبراهيم‏.‏ثم إن ابنه أبا عامر ضاق ذرعه بسخط أبيه وأجلابه في الخلاف فلحق بتلمسان ومعه وزيره ابن عطو فاتح سنة ثمان وثمانين فأواهم عثمان بن يغمراسن‏.‏ومهد لهم المكان ولبثوا عنده أياما‏.‏ثم عطف السلطان على ابنه رحم لما عطفت ابنته عليه فرضي عنه وأعاده إلى مكانه‏.‏وطالب عثمان بن يغمراسن صاحب تلمسان أن يسلم إليه ابن عطو الناجم في النفاق مع ابنه فأبى من إضاعة جواره وإخفار ذمته‏.‏وأغلظ له الرسول في القول فسطا به واعتقله فثارت من السلطان الحفائظ الكامنة وتحركت الأحن القديمة والتراث المتواترة‏.‏واعتزم على غزو تلمسان‏.‏والله أعلم‏.‏


الخبر عن تجدد الفتنة مع عثمان بن يغمراسن وغزو السلطان مدينة تلمسان
ومنازلته كانت الفتنة بين هذين الحيين قديمة من لدن مجالاتهم بالقفار من صحراء ملوية الى صا إلى فيكيك إلى مصاب‏.‏ولما انتقلوا إلى التلول وتغلبوا على الضواحي بالمغرب الأقصى والأوسط لم تزل فتنتهم متصلة وأيام حروبهم فيها مذكورة‏.‏كانت دولة الموحدين عند اعتلالها والتياثها تستنصر منهما بالتضريب بينهم والفتنة فتأكدت لذلك أحوالها واتصلت أيامها‏.‏وكان بين يغمراسن بن زيان وأبي يحيى بن عبد الحق فيها وقائع ومشاهد نقلنا منها بعضاً من كل‏.‏واستظهر الموحدون بيغمراسن عليه في بعضها‏.‏وكان الغلب أكثر ما يكون لأبي يحيى بن عبد الحق لوفور قبيله‏.‏إلا أن يغمراسن كان يتصدى لمقاومته في سائر وقائعه‏.‏ولما طمس أثر بني عبد المؤمن واستولى يعقوب بن عبد الحق على ملكهم وصارت في جملته عساكرهم فضاعف عليه أسف على ملك يغمراسن ملكه‏.‏وجمع له فأوقع به في تلاغ الواقعة المعروفة‏.‏ثم أوقع به ثانية وثالثة‏.‏ولما استولت قدم يعقوب بن عبد الحق في ملكه واستكمل فتح المغرب وسائر أمصاره وكبح يغمراسن عن التطاول إلى مقاومته وأوهن قواه بفل جموعه ومنازلته في داره ومظاهرة أقتاله من زناتة من بني توجين ومغراوة عليه‏.‏فانصرف بعد ذلك إلى الجهاد فكان له فيه شغل عما سواه كما نقلناه في أخباره‏.‏ولما ارتاب ابن الأحمر بمكان السلطان يعقوب بن عبد الحق من الأندلس وحذره على ملكه وتظاهر مع الطاغية على منعه من الإجازة إلى عدوتهم خشوا أن يستقلوا بمدافعته فراسلوا يغمراسن في الأخذ بحجزته‏.‏وأجابهم إليها وجرد عزائمه لها واتصلت أيديهم في التظاهر عليه‏.‏ثم فسد ما بين ابن الأحمر والطاغية ولم يكن له بد من ولاية يعقوب بن عبد الحق فتولاه بواسطة ابنه يوسف بن يعقوب كما ذكرناه‏.‏وأطلعوه على خباء يغمراسن في مظاهرتهم فأغزاه سنة تسع وسبعين وهزمه بخرزوزة‏.‏ونازله بتلمسان وأوطأ عدوه من بني توجين ساحته كما ذكرناه‏.‏ثم انصرف إلى شأنه من الجهاد‏.‏وهلك يغمراسن بن زيان على تفيئة ذلك سنة إحدى وثمانين وأوصى ابنه عثمان ولي عهده‏.‏زعموا أن لا يحدث نفسه بمقاومة بني مرين ومساماتهم في الغلب وأن لا يبرز إلى لقائهم بالصحراء وأن يلوذ منهم بالجدران متى سحوا إليه‏.‏وألقى إليه زعموا أن بني مرين بعد تغلبهم على مراكش وإضافة سلطان الموحدين إلى سلطانهم ازدادت قوتهم وتضاعف غلبهم وقال له زعموا فيما أوصاه ‏"‏ لا يغرنك أني زحفت بعدها إليهم وبرزت إلى لقائهم‏.‏فإني أنفت أن أرجع عن مقاومتهم بعد اعتيادها وأترك مبارزتهم وقد عرفها الناس‏.‏وأنت فلا يضرك العجز عن مبارزتهم والنكول عن لقائهم فليس لك في ذلك مقام معلوم ولا عادة سالفة واجهد جهدك في التغلب على إفريقية وراءك لإن فعلت كانت المناهضة ‏"‏‏.‏وهذه الوصاة زعموا هي التي حملت عثمان وبنيه من بعده على طلب ملك إفريقية ومنازلته بجاية وحربهم مع الموحدين‏.‏ولما هلك يغمراسن ذهب عثمان ابنه إلى مسالمة بني مرين فبعث أخاه محمدا إلى السلطان يعقوب بن عبد الحق وأجاز البحر إليه بالأندلس‏.‏ووافاه مراكش في إجازته الرابعة سنة أربع وثمانين فعقد له على ما جاء إليه من السلم والمهادنة‏.‏ورجعه إلى أخيه وقومه ممتلياً كرامة وسروراً‏.‏وهلك يعقوب بن عبد الحق إثر ذلك سنة خمس وثمانين وقام بالأمر ابنه يوسف بن يعقوب‏.‏وانتزى الخوارج عليه بكل جهة فشمر لهم واستنزلهم وحسم أدواءهم‏.‏ثم خرج ابنه عليه آخرا كما ذكرناه بممالأة الشيطان محمد بن عطو‏.‏ثم فاء إلى طاعة أبيه ورضي عنه وأعاده إلى مكانه من حضرته‏.‏وطالب عثمان بن يغمراسن كما ذكرناه في ابن عطو المنتزي عليه مع ابنه فأبى عثمان من إسلامه‏.‏وتحركت حفيظة السلطان واعتزم على غزوهم فارتحل من مراكش لصفر من سنة تسع وثمانين‏.‏وعقد عليها لابنه الأمير أبي عبد الرحمن‏.‏ثم نهض لغزاته من فاس آخر ربيع من سنته في عساكره وجنوده‏.‏وحشد القبائل وكافة أهل المغرب وسار حتى نزل تلمسان‏.‏فانحجز عثمان وقومه بها ولاذوا منه بجدارنها‏.‏فسار في نواحيها ينسف الاثار ويخرب العمران ويحطم الزرع‏.‏ثم نزل بذراع الصابون من ساحتها‏.‏تم انتقل منه إلى ثمامة وحاصرها أربعين يوماً وقطع شجراءها وأباد غضراءها‏.‏ولما امتنعت عليه أفرج عنها وانكفأ راجعاً إلى المغرب‏.‏وقضى نسك الفطر بعين الصفا من بلاد بني يزناتن ونسك الأضحى وقربانه

ميارى 12 - 8 - 2010 04:07 PM

الخبر عن انتقاض الطاغية وإجازة السلطان لغزوه
لما رجع السلطان من غزو تلمسان وافاه الخبر بأن الطاغية شانجة انتقض ونبذ العهد وتجاوز التخوم‏.‏وغار على الثغور فأوعز إلى قائد المسالح علي بن يوسف بن يزكاسن بالدخول إلى دار الحرب ومنازالة شريش‏.‏وشن الغارات على بلاد الطاغية فنهض لذلك في ربيع الاخر من سنة تسعين‏.‏وجاس خلالها وتوغل في أقطارها وأبلغ في النكاية‏.‏وفصل السلطان من تازى غازياً على أثره في جمادى واحتل قصر مصمودة واستنفر أهل المغرب وقبائله‏.‏ونفروا وشرع في إجازتهم البحر‏.‏وبعث الطاغية أساطيله إلى الزقاق حجزاً دون الإجازة فأوعز السلطان إلى قواد أساطيله بالسواحل وأغزاهم‏.‏التقت الأساطيل ببحر الزقاق في شعبان فاقتتلوا وانكشف المسلمون ومحصهم الله‏.‏ثم أغزاهم ثانية وخامت أساطيل العدو عن اللقاء وصاعدوا عن الزقاق‏.‏وملكته أساطيل السلطان فأجاز أخريات رمضان واحتل بطريف‏.‏ثم دخل دار الحرب غازياً فنازل حصن بجير ثلاثة أشهر وضيق عليهم‏.‏وبث السرايا في أرض العدو وردد الغارات على شريش وإشبيلية ونواحيهما إلى أن أبلغ في النكاية والإثخان وقضى من الجهاد وطراً‏.‏وزاحمه فصل الشتاء وانقطاع الميرة عن المعسكر فأفرج عن الحصن ورجع إلى الجزيرة‏.‏ثم أجاز إلى المغرب فاتح إحدى وتسعين فتظاهر ابن الأحمر والطاغية على منعه الإجازة كما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏والله أعلم‏.‏


الخبر عن انتقاض ابن الأحمر ومظاهرته الطاغية على طريف أعادها الله
ولما قفل السلطان من غزاته فاتح إحدى وتسعين كما ذكرناه وقد أبلغ في نكاية العدو وأثخن في بلاده فأهم الطاغية أمره وثقلت عليه وطأته والتمس الوليجة من دونه‏.‏وحذر ابن الأحمر غائلته ورأى أن مغبة حاله الاستيلاء على الأندلس وغلبه على أمره ففاوض الطاغية وخلصوا نجياً‏.‏وتحدثوا أن استمكانه من الإجازة إليهم إنما هو بقرب مسافة بحر الزقاق وانتظام ثغور المسلمين حفافيه بتصرف شوانيهم وسفنهم متى أرادوا فضلا عن الأساطيل‏.‏وإن أم تلك الثغور طريف وانهم إذا استمكنوا منها كانت ربيئة لهم على بحر الزقاق‏.‏وكان أسطولهم من مرقاها بمرصد لأساطيل صاحب المغرب الخائضين لجة ذلك البحر فاعتزم الطاغية على منازلة طريف‏.‏وزعم له ابن الأحمر بمظاهرته على ذلك وشرط له المدد والميرة لأقوات العسكر أيام منازلتها على أن تكون له إن حصلت‏.‏وتعاونوا على ذلك وأناخ الطاغية بعساكر النصرانية على طريف‏.‏وألح عليها بالقتال ونصب الآلات وانقطع عنها الملا والميرة‏.‏واحتلت أساطيله ببحر الزقاق فحالت دون الصريخ من السلطان وإخوانهم المسلمين‏.‏وضرب ابن الأحمر معسكره بمالقة قريباً منه وسرب إليه المدد من السلاح والرجال والميرة من الأقوات وبعث عسكراً لمنازلة أصطبونة وتغلب عليه بعد مدة من الحصار‏.‏واتصلت هذه الحال أربعة أشهر حتى أصاب أهل طريف الجهد ونال منهم الحصار فراسلوا الطاغية في الصلح والنزول عن البلد فصالحهم واستنزلهم سنة إحدى وتسعين‏.‏ووفى لهم بعهده‏.‏واستشرف ابن الأحمر إلى تجافي الطاغية عنها كما عهدا عليه فأعرض عن ذلك واستأثر بها بعد أن كان نزل له عن ستة من الحصون عوضاً منها ففسد ذات بينهما‏.‏ورجع ابن الأحمر إلى تمسكه بالسلطان واستغاثته به لأهل ملته على الطاغية‏.‏وأوفد ابن عمه الرئيس أبا سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف ووزيره أبا سلطان عزيز الداني في وفد من أهل حضرته لتجديد العهد وتأكيد المودة وتقرير المعذرة من شأن طريف‏.‏فوافوه مكانه من منازلة تازوطا كما نذكر بعد فأبرموا العقد وأحكموا الصلح‏.‏وانصرفوا إلى ابن الأحمر سنة اثنتين وتسعين بإسعاف غرضه من المؤاخاة واتصال اليد‏.‏وهلك خلال ذلك قائد المسالح بالأندلس علي بن يزكاسن في ربيع سنة اثنتين وتسعين‏.‏وعقد السلطان لابنه وولي عهده الأمير أبي عامر على ثغور الأندلس التي في طاعته وعهد له بالنظر في مصالحها‏.‏وأنفذه إلى المجاز بعسكره فواناه هنالك السلطان ابن الأحمر كما نذكر إن شاء الله


الخبر عن وفادة ابن الأحمر على السلطان والتقائهما بطنجة
لما رجعت الرسل إلى ابن الأحمر وقد كرمت وفادتهم وقضيت حاجاتهم وأحكمت في المؤاخاة مقاصدهم وقع ذلك من ابن الأحمر أجمل موقع وطار سروراً من أعواده‏.‏وأجمع الرحلة إلى السلطان لاستحكام العقد والاستبلاغ في العذر عن واقعة طريف وشأنها واستعدادهم لإغاثة المسلمين ونصرهم من عدوهم‏.‏فاعتزم على ذلك وأجاز البحر ذا القعدة سنة اثنتين وتسعين واحتل بنيونش من ساحة سبتة‏.‏ثم ارتحل إلى طنجة وقدم بين يدي نجواه هدية سنية أتحف بها السلطان كان من أحفلها وأحسنها موقعاً لديه فيما زعموا المصحف الكبير أحد مصاحل عثمان بن عفان الأربعة المنبثقة إلى الآفاق المختص هذا منها بالمغرب كما نقله السلف‏.‏كان بنو أمية يتوارثونه بقرطبة فتلقاه الأمير أبو عامر هنالك وأخوه الأمير أبو عبد الرحمن ابنا السلطان واحتفلا في مبرته‏.‏ثم جاء السلطان على أثرهما من حضرته لتلقيه وبرور مقدمه ووافاه بطنجة وأبلغ في تكرمته وبر وفادته بما يكرم به مثله‏.‏وبسط ابن الأحمر العذر عن شأن طريف فتجافى السلطان عن العذل‏.‏وأعرض عنه وقبل منه وبر واحتفى ووصل وأجزل ونزله له ابن الأحمر عن الجزيرة ورندة والغربية وعشرين حصناً من ثغور الأندلس كانت من قبل لطاعة صاحب المغرب ونزل عساكره‏.‏وعاد ابن الأحمر إلى الأندلس خاتم اثنتين وتسعين محبواً محبوراً‏.‏وأجازت عساكر السلطان معه لحصار طريف‏.‏وعقد على حربها ومنازلتها لوزيره الطائر الذكر عمر بن السعود بن خرباش الجشمي فنازلها مدة وامتنعت فأفرج عنها‏.‏وصرف السلطان همه إلى غزو تلمسان وحصارها كما نذكر إن شاء الله تعالى‏.‏


الخبر عن انتزاء ابن الوزير الوطاسي بحصن تازوطا من جهة الريف
واستنزال السلطان إياه كان بنو الوزير هؤلاء رؤساء بني وطاس من قبائل بني مرين ويرون أن نسبهم دخيل في بني مرين‏.‏وأنهم من أعقاب علي بن يوسف بن تاشفين لحقوا بالبدو ونزلوا على بني وطاس ورسخت فيهم عروقهم حتى لبسوا جلدتهم‏.‏ولم يزل السرو متربعا بين أعينهم لذلك والرياسة شامخة بأنوفهم‏.‏وكانوا يرومون الفتك بالأمراء من أولاد عبد الحق فلم يطيقوه‏.‏ولما احتل السعيد بتازى غازياً إلى تلمسان كما ذكرناه ولحق ببلدهم الأمير أبو يحيى بن عبد الحق ائتمروا في الفتك به‏.‏ونذر بشأنهم فارتحل ففر إلى غبولة وعين الصفا من بلاد بني يزناسن‏.‏وهنالك بلغه خبر مهلك السعيد‏.‏وكانت بلاد الريف لبني وطاس من لدن دخول بني مرين المغرب واقتسامهم لأعماله فكانت ضواحيها لنزلهم وأمصارهما ورعاياها لجبايتهم‏.‏وكان حصن تاوزطا بها من أمنع معاقل المغرب وكان الملوك من أولاد عبد الحق يعتنون بشأنه وينزلون به من أوليائهم من يثقون بغنائه واضطلاعه ليكون آخذاً بناصية من هؤلاء الرهط وشجاً في صدورهم عما يسمون إليه‏.‏وكان السلطان قد عقد عليه لمنصور ابن أخيه الأمير أبي مالك بعد مهلك أبيه أمير المسلمين يعقوب بن عبد الحق‏.‏وكان عمر بن يحيى بن الوزير وأخوه عامر رئيسين على بني وطاس لذلك العهد فاستوهنوا أمر السلطان بعد مهلك أبيه‏.‏وحدثوا أنفسهم بالانتزاء بتازوطا والاستبداد بتلك الناحية فوثب عمر منهم بمنصور ابن أخي السلطان شهر شوال من سنة إحدى وتسعين‏.‏وفتك برجاله وذويه وأزعجه عنه وغلبه على مال الجباية الذي كان بقصره فاستصفاه واستأثر به‏.‏واستبد وشحن الحصن برجاله وحاشيته ووجوه قومه‏.‏ووصل منصور إلى السلطان وهلك لليال من منجاته أسفاً لما أصابه‏.‏وسرح السلطان وزيره الطائر الذكر عمر بن السعود بن خرباش بالعساكر لمنازلته فأناخ عليه‏.‏ثم نهض السلطان على أثره ووافاه وضرب معسكره بساحته‏.‏وخالف عامر أخاه عمر إلى السلطان بقومه حذراً من مغبة الأمر وأشفق عمر لشدة الحصار ويئس من الخلاص وظن أن قد أحيط به‏.‏ودس إلى أخيه عامر فأذن السلطان في مداخلته في النزول عن الحصن فاذن له‏.‏واحتمل ذخيرته وفر إلى تلمسان‏.‏وبدا لعامر في رأيه عندما خلص إلى الحصن وخلا له من عمر أخيه الجو‏.‏وحذر غائلة السلطان وخشي أن يثأر منه بأخيه فامتنع بالحصن‏.‏ثم ندم وسقط في يده‏.‏وفي خلال ذلك كان وصول وفد الأندلس وأرسوا أساطيلهم بمرقى غساسة‏.‏فبعث إليهم عامر أن يشفعوا له عند السلطان لوجاهتهم لديه فتقبلت شفاعتهم على شريطة إجازته إلى الأندلس‏.‏وكره ذلك وقدم بين يديه بعض حاشيته إلى الأسطول مكراً بهم‏.‏وخاض الليل إلى تلمسان فتقبض السلطان على ولده وقتل‏.‏وأسلم أهل الأسطول من كان من حاشيته لديهم وتجافوا عن إجازتهم على السلطان لما مكر بهم عامر‏.‏فاستلحموا مع من كان بالحصن من أتباعهم وقرابتهم وذويهم‏.‏وتملك السلطان حصن تازوطا وأنزل به عماله ومسلحته وقفل إلى حضرته بفاس آخر جمادى من سنة اثنتين وتسعين‏.‏والله تعالى أعلم‏.‏


الخبر عن نزوع أبي عامر ابن السلطان إلى بلد الريف وجبال غمارة
كان الأمير أبو عامر بعد إجازة ابن الأحمر إلى السلطان أبيه ورضاه عنه وتأكيد مؤاخاته وإغزاء وزيره عمر بن السعود لمنازلة طريف واستنزاله أولاد الوزير المنتزين بحصن تازوط رجع من قصر مصمودة إلى بلاد الريف بإيعاز أبيه إليه بذلك لتسكين أحوالها‏.‏وكان أولاد الأمير أبي يحيى بن عبد الحق قد نزعوا إلى تلمسان لسعاية فيهم وقرت في صدر السلطان فأقاموا بها أياماً‏.‏ثم استعطفوا السلطان واسترضوه فرضي وأذن لهم في الرجوع إلى محلهم من قومهم ودولتهم‏.‏وبلغ الخبرالأمير أبا عامر وهو بمعسكره من الريف فأجمع على اغتيالهم في طريقهم يظن أنه يرضي بذلك أباه‏.‏واعترضهم بوادي القطف من بلاد ملوية سنة خمس وتسعين فاستلحمهم‏.‏وانتهى


الخبر إلى السلطان فقام في ركائبه وقعد وتبرأ إلى الله من إخفار ذمته
ومن صينع إبنه‏.‏وسخطه وأقصاه فذهب مغاضباً ولحق ببلاد الريف‏.‏ثم صعد إلى جبال غمارة فلم يزل طريداً بينهم‏.‏ونازلته عساكر أبيه لنظر ميمون بن ودران الجشمي ثم لنظر زيكن بن المولاة تاميمونت‏.‏وأوقع بهم مراراً آخرها بيرزيكن سنة تسع وتسعين‏.‏وذكر الزليخي مؤرخ دولتهم أن خروجه بجبل غمارة كان سنة أربع وتسعين وقتله لأولاد الأمير أبي يحيى كان سنة خمس وتسعين بعدها أغرا بهم من مثوى انتزائه وقتلهم كما ذكرناه والله أعلم‏.‏ولم يزل هذا دأبه إلى أن هلك ببني سعيد من جبال غمارة سنة ثمان وتسعين ونقل شلوه إلى فاس فووري بباب الفتوح بملجد قومهم هنالك‏.‏وأعقب ولدين كفلهما السلطان جدهما فكانا الخليفتين من بعده على ما نذكر إن شاء الله تعالى‏.‏والله أعلم‏.‏كان عثمان بن يغمراسن بعد إفراج السلطان عنه سنة تسع وثمانين وانتقاض الطاغية وابن الأحمر عليه كما قلناه صرف إلى ولايتهما وجه تدبيره‏.‏وأوفد على الطاغية ابن بريدي من صنائع دولته سنة اثنتين وتسعين ورجعه الطاغية مع الريك ريكسن رسول من كبار قومه‏.‏ثم أعاد إليه الحاج المسعود من حاشيته ووصل يده بيده يظن ذلك دافعاً عنه‏.‏واعتدها السلطان عليه وطوى له على النث‏.‏حتى إذا فرغ من شأن الأندلس وهلك الطاغية شانجة سنة ثلاث وتسعين لإحدى عشرة من سني ملكه‏.‏وارتحل السلطان إلى طنجة لمشارفة أحوال الأندلس سنة أربع وتسعين فأجاز إليه السلطان ابن الأحمر ولقيه بطنجة وأحكم معه المؤاخاة‏.‏ولما استيقن سكون أحوالها نزل لابن الأحمر عن جميع الثغور التي بها لطاعته وأجمع غزو تلمسان‏.‏ولحق به بين يحيى ذلك ثابت بن منديل المغراوي صريخاً على ابن يغمراسن ومستجيشاً بقومه فتقبله وأجاره‏.‏وكان أصاب الناس أعوام اثنتين وتسعين وما بعدها قحط ونالتهم سنة وهنوا لها‏.‏ثم إن الله رحم خلقه وأدر نعمته وأعاد الناس إلى ما عهدوه من سبوغ نعمهم وخصب عيشهم‏.‏ووفد عليه سنة أربع وتسعين ثابت بن منديل أمير مغراوة مستصرخاً به من عثمان بن يغمراسن فبعث من كبار قومه موسى بن أبي حمو إلى تلمسان شفيعاً لثابت بن منديل فرده عثمان أقبح رد وأساء في إجابته فعاود الرسالة إليه في شأنه فلم تزدهم إلا ضرراً فاعتزم على غزو بلادهم واستعد لذلك‏.‏ونهض سنة أربع وتسعين حتى انتهى إلى بلاد تاوريرت وكان تخماً لعمل بني مرين وبني عبد الواد في جانبها عامل السلطان أبي يعقوب وفي جانبها الآخر عامل عثمان بن يغمراسن‏.‏فطرد السلطان عامل يغمراسن وتميز بها‏.‏واختط الحصن الذي هنالك لهذا العهد‏.‏تولاه بنفسه يغادي الفعلة ويراوحهم‏.‏وأكمل بناءه في شهر رمضان من سنته واتخذه ثغراً لملكه‏.‏وأنزل بني عسكر لحياطته وسد فروجه‏.‏وعقد عليه لأخيه أبي يحيى بن يعقوب وانكفأ راجعاً إلى الحضرة‏.‏ثم خرج من فاس سنة خمس وتسعين غازياً إلى تلمسان‏.‏ومر بوجدة فهدم أسوارها وتغلب على مسيفة والزعارة‏.‏وانتهى إلى ندرومة ونازلها أربعين يوماً ورماها بالمجانيق‏.‏وضيق عليها فامتنعت عليه فأفرج عنها ثاني الفطر‏.‏ثم غزا تلمسان سنة ست وتسعين وبرز لمدافعته عثمان بن يغمراسن فهزمه وأحجزه بتلمسان ونزل بساحته وقتل خلقاً من أهلها ونازلها أياماً ثم أقلع عنها وقفل إلى المغرب وقضى منسك الأضحى من سنته بتازى‏.‏فأعرس هنالك بحافدة ثابت بن منديل كان أصهر فيها إلى جدها قبل مهلكه سنة ست وتسعين قتيلا ببحيره الزيتون من ظاهر فاس‏.‏قتله بعض بني ورتاجن في دم كان لهم في قومه فثار السلطان به من قاتله وأعرس بحافدته‏.‏وأوعز ببناء القصر بتازى وقفل إلى فاس فاتح سبع وتسعين‏.‏ثم ارتحل إلى مكناسة وانكفأ إلى فاس‏.‏ثم نهض في جمادى غازياً تلمسان‏.‏ومر بوجدة فأوعز ببنائها وتحصين أسوارها واتخذ فيها قصبة وداراً لسكناه ومسجداً وأغزى إلى تلمسان‏.‏ونزل بساحتها وأحاطت عساكره إحاطة الهالة بها ونصب عليها القوس البعيدة النزع العظيمة الهيكل المسماة قوس الزيار ازدلف إليه الصناع والمهندسون بعملها وكانت توقر على أحد عشر بغلاً‏.‏ثم لما امتنعت عليه تلمسان أفرج عنها فاتح سنة ثمان‏.‏ومر بوجدة فأنزل بها الكتائب من بني عسكر لنظر أخيه أبي يحيى بن يعقوب كما كانوا بتاوريرت‏.‏وأوعز إليهم فتردد الغارات على أعمال ابن يغمراسن وإفساد سابلتها‏.‏وضاقت أحوالهم ويئسوا من صريخ صاحبهم فأوفدوا على الأمير أبي يحيى وفداً منهم يسألون الأمان لمن وراءهم من قومهم على أن يمكنوه من قياد بلدهم ويدينوا بطاعة السلطان فبذل لهم من ذلك ما أرضاهم ودخل البلد بعسكره‏.‏واتبعهم أهل تاوونت‏.‏وأوفد مشيختهم جميعاً على السلطان آخر جمادى فقدموا عليه بحضرته‏.‏وأدوا طاعتهم فقبلها‏.‏ورغبوا إليه في الحركة إلى بلادهم ليريحهم من ملكة عدوهم ابن يغمراسن‏.‏ووصفوا من عسفه وجوره وضعفه عن الحماية ما استنهض السلطان لذلك على ما نذكر إن الخبر عن الحصار الكبير لتلمسان وما تخلل ذلك من الأحداث لما توفرت عزائم السلطان على النهوض إلى تلمسان ومطاولة حصارها إلى أن يظفر بها وبقومها واستيقن انه لا مدافع له عن ذلك فنهض من فاس في شهر رجب سنة ثمان وتسعين بعد أن استكمل حشده‏.‏ونادى في قومه واعترض عساكره وأجزل أعطياتهم وأزاح عللهم‏.‏وارتحل في التعبية واحتل بساحه تلمسان ثاني شعبان وأناخ عليها وضرب معسكره بفنائها‏.‏وأحجز عثمان بن يغمراسن وحاميتها من قومه وأدار الأسوار سياجاً على عمرانها كله ومن ورائها نطاق الحفير البعيد المهوى‏.‏ورتب المسالح على أبوابها وفرجها‏.‏وسرح عساكره إلى هنين فافتتحها وأتوا طاعتهم وأوفدوا مشيختهم وسط شعبان‏.‏ثم سرح عساكره لمحاصرة وهران وتقري البسائط ومنازلة الأمصار فأخذت مازونة في جمادى الآخرة من سنة تسع وتسعين‏.‏ونهض في شعبان بعده فافتتح تاللوت والقصبات وتامززدكت في رمضان منه‏.‏وفيه كان فتح مدينة وهران‏.‏وسارت عساكره في الجهات إلى أن بلغت بجاية كما نذكره‏.‏وأخذ الرعب بقلوب الأمم بالنواحي وتغلب على ضواحي مغراوة وتوجين وسارت فيها عساكره ودوختها كتائبه واقتحمت أمصارها راياته مثل مليانة ومستغانم وشرشال والبطحاء ووانشريش والمدية وتافركينت‏.‏وأطاعه زيري المنتزي ببرشك وأتى بيعته‏.‏وابن علان المنبري بالجزائر وأتى بيعته‏.‏وأزعج الناكبين منهم عن طاعته‏.‏واستألف أهل الصاغية كما نذكره‏.‏وحذره الموحدون من ورائهم بإفريقية ملوك بجاية وملوك تونس فمدوا إليه يد المواصلة ولاطفوه بالمتاحفة والمهاداة وخاطب صاحب الديار المصرية ملك الترك وهاداه وراجعه كما نذكره‏.‏ووفد عليه شرفاء مكة بنو أبي نمي كما نذكر‏.‏وهو في خلال ذلك مستجمع لمطاولة الحصار والتضييق متجاف عن القتال إلا في بعض الأيام لم تبلغ زعموا أربعة أو خمسة ينزل شديد العقاب والسطو بمن يميرها ويأخذ بالمراصد على من يتسلل بالأقوات إليها‏.‏قد جعل سرادق الأسوار المحيطة ملاكاً لأمره في ذلك فلا يخلص إليهم الطيف ولا يكاد يصل إليهم العيث مدة مقامه عليها إلى أن هلك بعد ماية شهر كما نذكره‏.‏واختط بمكان فساطيط المعسكر قصراً لسكناه واتخذ فيه مسجداً لمصلاه‏.‏وأدار عليها السور وأمر الناس بالبناء فابتنوا الدور الواسعة والمنازل الرحيبة والقصور الأنيقة واتخذوا البساتين وأجروا المياه‏.‏ثم أمر بإدارة السور سياجاً على ذلك سنة اثنتين وسبعماية وصيرها مصراً فكانت من أعظم الأمصار والمدن وأحفلها اتساع خطة وكثرة عمران ونفاق أسواق واحتفال بناء وتشييد منعة‏.‏وأمر باتخاذ الحمامات والخانات والمارستان وابتنى بها مسجداً جامعاً‏.‏وشيد له مأذنة رفيعة فكان من أحفل مساجد الأمصار وأعظمها وسماها المنصورة واستبحرت عمارتها وهالت أسواقها‏.‏ورحل إليها التجار بالبضائع من الآفاق فكانت أحد مدائن المغرب‏.‏وخربها آل يغمراسن عند مهلكه وارتحال كتائبه عنها بعد أن كان بنو عبد الواد أشرفوا على الهلاك وأذنوا بالانقراض كما نذكره فتداركهم من لطف الله ما شأنه أن يتدارك المتورطين في الهلاك والله غالب على أمره‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:08 PM

الخبر عن افتتاح بلاد مغراوة وما تخلل ذلك من الأحداث
لما أناخ السلطان عن تلمسان وتغلب على ضواحي بني عبد الواد وافتتح أمصارهم سما إلى التغلب على ممالك مغراوة وبني توجين‏.‏وكان ثابت بن منديل قد وفد على السلطان بمقر ملكه من فاس سنة أربع وتسعين وأصهر إليه في حافدته فعقد له عليها‏.‏وهلك ثابت بمكان وفادته من دولتهم وأعرس السلطان بحافدته سنة ست وتسعين كما ذكرنا ذلك كله من قبل فلما تغلب السلطان على أعمال بني عبد الواد جهز عساكره إلى بلاد مغراوة وعقد عليها لعلي بن محمد الخيري من عظماء بني ورتاجن فتغلبوا على الضواحي وشردوا مغراوة إلى رؤوس المعاقل‏.‏واعتصم راشد بن محمد بن ثابت بن منديل صهر السلطان بمليانة فنازلوه بها‏.‏ثم استنزلوه على الأمان سنة تسع وتسعين وأوفدوه على السلطان فلقاه مبرة وتكرمة وخلطه بجملته المكان صهره معه‏.‏ثم افتتحوا مدينة تنس ومازونة وشرشال‏.‏وأعطى زيري بن حماد المنتزي على برشك من بلادهم يد الطاعة‏.‏وأوفد على السلطان للبيعة واستولوا على ضواحي شلف كلها‏.‏ولاذت مغراوة بطاعة السلطان‏.‏وعقد عليهم وعلى جميع بلادهم لعمر بن ويغرن بن منديل فأسف لذلك راشد بن محمد لما كان يراه لنفسه من الاختصاص‏.‏ولما كانت أخته حظية السلطان وكريمته ونافس عمر بن ويغرن في إمارة قومه فلحق بجبال متيجة وأجلب على من هنالك من عمال السلطان وعساكره‏.‏وانحاش إليه مرضى القلوب من قومه فاعصوصبوا عليه‏.‏وداخل أهل مازونة فانتقضوا على السلطان وملكوه أمرهم في شهر ربيع من الماية السابعة‏.‏ثم بيت عمر بن ويغرن بمعسكره من وازمور فقتله واستباح المعسكر‏.‏وبلغ الخبرإلى السلطان فسرح العساكر من بني مرين‏.‏وعقد لعلي بن الحسن بن أبي الطلاق على قومه من بني عسكر ولعلي بن محمد الخيري على قومه من بني ورتاجن وجعل الأمر شورى بينهما وأشرك معهما علياً الحساني من صنائع دولته وأبا بكر بن إبراهيم بن عبد القوي من أعياص بني توجين‏.‏وعقد على مغراوة لمحمد بن عمر بن منديل وأشركه معهم وزحفوا إلى راشد‏.‏ولما أحس بالعساكر لجأ إلى معقل بني بو سعيد فيمن معه من شيعته مغراوة‏.‏وأنزل بمازونة علياً وحمو ابني عمه يحيى بن ثابت واستوصاهم بضبط البلد وأنه مشرف عليهم من الجبل‏.‏وجاءت عساكر السلطان إلى بلاد مغراوة فتغلبوا على البسائط وأناخوا بمازونة وضربوا معسكرهم بساحتها وأخذوا بمخنقها واهتبل علي وقومه غرة في معسكر بني مرين فبيتهم سنة إحدى وسبعماية‏.‏وانفض المعسكر وتقبض على علي بن محمد الخيري ثم امتنعوا عليه وعاد المعسكر إلى مكانه من حصارهم‏.‏وجهدهم حالهم فنزل إليهم حمو بن يحيى على حكم السلطان‏.‏وأنفذوه إليه فتقبض عليه‏.‏ثم نزل علي ثانية من غير عهد فأشخصوه إلى السلطان ولقاه مبرة وتكريماً تأنيسا لراشد المنتزي بمعقله‏.‏واقتحمت مازونة على أهلها عنوة سنة ثلاث فمات منهم عالم واحتملت رؤوسهم إلى سدة السلطان فرميت في حفائر البلد المحصور إرهاباً لهم وتخذيلاً‏.‏ولما عقد السلطان لأخيه أبي يحيى على بلاد الشرق وسرحه لتدويخ التخوم نازل راشداً بمعقله من بني بوسعيد‏.‏فبيت راشد معسكرهم إحدى لياليه فانفضوا وقتل طائفة من بني مرين‏.‏ووجد لها السلطان فأمر بقتل علي وحمو ابني عمه يحيى ومن كان معتقلا معهما من قومهم‏.‏رفعوهم على الجذوع وأثبتوهم بالسهام‏.‏ونزل راشد بعدها عن معقله ولحق بمتيجة وانحاش إليه عمه منيف بن ثابت وأوشاب من مغراوة‏.‏وتحيز الآخرون إلى أميرهم محمد بن عمر بن منديل الذي عقد له السلطان عليهم‏.‏ثم تأشبت على راشد ومنيف خوارج الثعالبة ومليكش وصمد إليهم الأمير أبو يحيى في عساكره ثانية ونازلهم بمعاقلهم ورغبوا في السلم فبذله السلطان لهم‏.‏وأجاز منيف بن ثابت إلى الأندلس فيمن إليه من بنيه وعشيره فاستقروا بها آخر الأيام‏.‏ولحق راشد ببلاد الموحدين‏.‏ووفد محمد بن عمر بن منديل سنة خمس على السلطان فأوسعه حباً وتكريماً‏.‏وتمهدت بلاد مغراوة واستبد بملكها السلطان وصرف إليها العمال ولم يزل كذلك إلى أن هلك سنة ست‏.‏والله تعالى أعلم‏.‏


الخبر عن افتتاح بلاد بني توجين وما تخلل ذلك
لما نازل يوسف بن يعقوب تلمسان وأحاط بها وتغلب على بلاد بني عبد الواد سما إلى تملك بلاد بني توجين‏.‏وكان عثمان بن يغمراسن قد غلبهم على مواطنهم وملك جبل وانشريش وتصرف في بلاد عبد القوي بالولاية والعزل وأخذ الأتاوة سنة إحدى وسبعماية‏.‏وأوعز إليه السلطان ببناء البطحاء التي هدمها محمد بن عبد القوي فبناها وتوغل في قاصية الشرق ثم انكفأ راجعاً إلى حضرة أخيه وعطف على بلاد بني توجين سنة اثنتين وفر بنو عبد القوي إلى ضواحيهم بالقفر ودخل جبل وانشريش وهدم حصونهم به ورجع إلى الحضرة‏.‏ثم بادره أهل تافركنيت سنة ثلاث بإتيان الطاعة ونقضوا بعدها‏.‏ثم بعث أهل المدية بطاعتهم للسلطان فتقبلها وأوعز ببناء قصبتها‏.‏وراجع بنو عبد القوي بعد ذلك بصائرهم في طاعة السلطان ووفدوا عليه بمكانه من المنصورة مدينته المحيطة على تلمسان سنة ثلاث فتقبل طاعتهم وراعى سابقتهم وأعادهم إلى بلادهم وأقطعهم وولى عليهم علي بن الناصر بن عبد القوي‏.‏وأوعز ببناء قصبة المدية سنة أربع وكملت سنة خمس‏.‏وهلك علي بن الناصر خلال ذلك فعقد عليهم لمحمد بن عطية الأصم كما ذكرناه قاستمر على الطاعة‏.‏ثم انتقض سنة ست وحمل قومه على الخلاف وانتبذوا عن الوطن إلى أن هلك يوسف بن يعقوب كما ذكرناه والله تعالى أعلم‏.‏


الخبر عن مراسلة الموحدين ملوك إفريقية بتونس وبجاية وأحواله معهم
كان لبني أبي حفص ملوك إفريقية مع زناتة هؤلاء أهل المغرب من بني مرين وبني عبد الواد سوابق مذكورة فكانت لهم على يغمراسن وبنيه طاعة معروفة يودون بيعتها ويخطبون على منابرهم بدعوتها مذ تغلب الأمير أبي زكرياء يحيى بن عبد الواحد على تلمسان وعقد عليها ليغمراسن واستمر حالهم على ذلك‏.‏وكانت لهم أيضاً مع بني مرين ولاية سابقة بما كان بنو مرين مذ أول أمرهم يخاطبون الأمير أبا زكرياء ويبعثون له ببيعة البلاد التي تغلبوا عليها مثل مكناسة والقصر ومراكش آخرا‏.‏ثم صارت خالصة من لدن عهد المستنصر ويعقوب بن عبد الحق‏.‏وكانوا يتحفونهم بالمال والهدايا في سبيل المدد على صاحب مراكش وقد ذكرنا السفارة التي وقعت بينهما سنة خمس وستين وإن يعقوب أوفد عامر بن إدريس وعبد الله بن كندوز ومحمد الكناني وأوفد عليه المستنصر سنة سبع بعدها كبير الموحدين يحيى بن صالح الهنتاتي في وفد من مشيخة الموحدين ومعهم هدية سنية‏.‏ثم أوفد الواثق ابنه سنة سبع وسبعين قاضي بجاية المذكور أبا العباس أحمد الغماري وأسنى الهدية معه‏.‏ولم يزل الشأن بينهم هذا إلى أن افترق أمر آل أبي حفص‏.‏وصار الأمير أبو زكرياء ابن الأمير أبي إسحاق بن يحيى بن عبد الواحد من عشه بتلمسان في وكر عثمان بن يغمراسن‏.‏وأسف إلى بجاية فاستولى عليها سنة ثلاث وثمانين‏.‏واستضاف إليها قسنطينة وبونة وصيرها عملاً لملكه ونصب بها كرسياً لأمره‏.‏وأسف عثمان بن يغمراسن لفراره من بلده لما كان عليه من التمسك بدعوة عمه أبي حفص صاحب تونس فشق ذلك عليه ونكره واستمرت الحال على ذلك‏.‏ولما أخذ السلطان يوسف بن يعقوب بمخنق تلمسان وأوسع قواعد ملكه بساحتها وسرح عساكره لالتهام الأمصار والجهات توجس الموحدون الخيفة منه على أوطانهم‏.‏وكان الأمير أبو زكرياء في جهات تدلس محامياً عن حوزته وعمله‏.‏ووصله هنالك راشد بن محمد نازعاً عن السلطان أبي يعقوب‏.‏ثم طلعت العساكر على تلك الجهات في أتباعه فزحف إليه عسكر الموحدين سنة تسع وتسعين بناحية جبل الزاب ففضوا جمعه‏.‏وأوقعوا به واستلحموا جنوده واستبحر القتل فيهم وبقيت ورجع الأمير أبو زكرياء إلى بجاية فانحصر بها‏.‏وهلك تفيئة ذلك على رأس الماية السابعة‏.‏وقارن ذلك مغاضبة بينه وبين أمير الدواودة لعهده ضمان بن سباع بن يحيى بن دريد بن مسعود البلط فوفد على السلطان أخريات إحدى وسبعماية‏.‏ورغبه في ملك بجاية واستغذه للسير إليها فأوعز إلى أخيه الأمير أبي يحيى بمكانه من منازلة مغراوة ومليكش والثعالبة بأن ينهض إلى عمل الموحدين‏.‏وسار عثمان بن سباع وقومه بين يدي العساكر يتقصون الطريق إلى أن تجاوز الأمير أبو يحيى بعساكره بجاية‏.‏واحتل بتاكرارت من أوطان سدويكش من أعمال بجاية‏.‏وأطل على بلاد سدوبكش وانكفأ راجعاً فأوطأ عساكره بساحة بجاية وبها الأمير خالد بن يحيى‏.‏وناشبهم القتال ببعض أيام جلا فيها أولياء السلطان أبي البقاء عن أنفسهم وسلطانهم‏.‏وأمر بروض السلطان المسمى بالبديع فخربه وكان من أنيق الرياض وأحفلها‏.‏وقفل إلى مكانه من تدويخ البلاد‏.‏وأعرض عن أعمال الموحدين‏.‏وكان صاحب تونس لذلك العهد محمد المستنصر الملقب بأبي عصيدة بن يحيى الواثق فأوفد على السلطان شيخ الموحدين بدولته محمد بن أكمازير في أسباب الولاية ومحكماً مذاهب الوصلة ومقرراً سوابق السلف فوفد في مشيخة من قومه لشعبان سنة ثلاث‏.‏وناغاه الأمير أبو البقاء خالد صاحب بجاية فأوفد مشيغة من أهل دولته كذلك‏.‏وبر السلطان وفادتهم وأحسن منقلبهم‏.‏ثم عاد ابن أكمازير سنة أربع وسبعماية ومعه شيخ الموحدين وصاحب السلطان أبو عبد الله بن يرزيكن في وفد من عظماء الموحدين‏.‏وأوفد صاحب بجاية حاجبه أبا محمد الرخامي وشيخ الموحدين بدولته عياد بن سعيد بن عثيمن‏.‏ووفدوا جميعاً على السلطان ثالث جمادى فأحسن السلطان في تكرمتهم ما شاء وأوصلهم إلى نفسه بمساكن داره وأراهم أبهة ملكه وأطافهم قصوره ورياضه بعد أن فرشت ونمقت فملأ قلوبهم جلالا وعظمة‏.‏ثم بعثهم إلى المغرب ليطوفوا على قصور الملك بفاس ومراكش وشاهدوا آثار سلفهم وأوعز إلى عمال المغرب بالاستبلاع في تكرمتهم وإتحافهم‏.‏فانتهوا من ذلك إلى الغاية وانقلبوا إلى حضرته آخر جمادى وانصرفوا إلى ملوكهم بالحديث عن شأن رسالتهم وكرامة وفدهم‏.‏ثم أعاد ملوكهم مراسلة السلطان سنة خمس بعدها فوفد أبو عبد الله بن أكمازير من تونس وعياد بن سعيد بن عثيمن من بجاية‏.‏وأوفد السلطان على صاحب تونس مع رسوله صاحب الفتيا بحضرته الفقيه أبا الحسن التنسي وعلي بن يحيى البرشكي رسولين يسألانه المدد بأسطوله فقضوا رسالتهم سنة خمس ووصل بخبرها أبو عبد الله المزعوري من مشيخة الموحدين‏.‏واقترن بذلك وصول حسون بن محمد بن حسون المكناسي من صنائع السلطان‏.‏كان أوفده مع ابن عثيمن على مراسلة الأمير أبي البقاء خالد صاحب بجاية في صلب الأسطول أيضاً فرجعوه بالمعاذير‏.‏وأوفدوا معه عبد الحق بن سليمان فتلقاهم السلطان بالمبرة‏.‏وأوعز إلى عامره بوهران أن يستبلغ في تكريم عمرة الأسطول فجرى في ذلك على مذهبه‏.‏وانقلبوا جميعاً أحسن منقلب‏.‏ وغني السلطان عن أسطولهم لفوات وقت الحاجة إليه من منازلة بلاد السواحل إذ كان قد تملكها أيام مماطلتهم بيعته‏.‏واتصل الخبر بصاحب تلمسان الأمير أبي زيان بن عثمان المبايع أيام الحصار عند مهلك أبيه عثمان بن يغمراسن آخر سنة ثلاث فبلغه صنع الموحدين في موالاتهم عدوهم السلطان يوسف بن يعقوب ومظاهرته بأساطيلهم عليه فأسفه ذلك وأخرس منابرهم عما كانت تنطق به من الدعاء من عهد يغمراسن فلم يراجع دعوتهم من بعد‏.‏ وهلك السلطان على تفيئة ذلك‏.‏ والبقاء لله وحده‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:09 PM

الخبر عن مراسلة المشرق الأقصى ومهاداتهم
ووفادة أمراء الترك على السلطان وما تخلل لما استولى السلطان على المغرب الأوسط بممالكه وأعماله وهنأته ملوك الأقطار وأعراب الضواحي والقفار وصلحت السابلة ومشت الرفاق إلى الآفاق استجد أهل المغرب عزماً في قضاء فرضهم‏.‏ ورغبوا من السلطان إذنه لركب الحاج في السفن إلى مكة فقد كان عهدهم بعد بمثلها لفساد السابلة واستهجان الدول‏.‏فسما للسلطان في ذلك أمل ودخله بحرم الله وروضة نبيه الشوق فأمر بانتساخ مصحف رائق الصنعة كتبه ونمقه أحمد بن حسن الكاتب المحسن‏.‏واستوسع في جرمه وجعل غشاءه من بديع الصنعة واستكثر فيه من مغالق الذهب المنظم بخرزات الدر والياقوت‏.‏ وجعلت منها حصاة وسط المغلق تفوت الحصيات مقداراً وشكلاً وحسناً‏.‏واستكثر من الأصونة عليه ووقفه على الحرم الشريف وبعث به مع الحاج سنة ثلاث‏.‏وعنى بشأن هذا الركب فسرح معهم حامية من زناتة تناهز خمس ماية من الأبطال‏.‏وقلد القضاء عليهم محمد بن زغبوش من أعلام أهل المغرب وخاطب صاحب الديار المصرية واستوصاه بحاج المغرب من أهل مملكته وأتحفه بهدية من طرف بلاد المغرب فاستكثر فيها من الخيل العراب والمطايا الفارهة يقال إن المطايا كانت منها أربعماية‏.‏حدثني بذلك من لقيته إلى ما يناسب ذلك من طرف المغرب وماعونه‏.‏ونهج السبيل بها للحجاج من أهل المغرب فأجمعوا الحج سنة أربع بعدها‏.‏وعقد السلطان على دلالتهم لأبي زيد الغفائري وفصلوا من تلمسان لشهر ربيع الأول‏.‏وفي شهر ربيع الآخر بعده كان مقدم الحاج الأولين حملة المصحف ووفد معهم السلطان الشريف لبيدة بن أبي نمي نازعاً عن سلطان الترك لما كان تقبض على أخويه خميصة ورميتة إثر مهلك أبيهم أبي نمي صاحب مكة سنة إحدى وسبعماية فاستبلغ السلطان في تكريمه وسرحه إلى المغرب ليجول في أقطاره ويطوف على معالم المملكة وقصوره‏.‏وأوعز إلى العمال بتكريمه وإتحافه كل على شاكلته‏.‏ورجع إلى حضرة السلطان سنة خمس وفصل منها إلى المشرق وصحبه من أعلام المغرب أبو عبد الله فوزي حاجاً‏.‏ولشعبان من سنة خمس وصل أبو زيد الغفائري دليل ركب الحاج الآخرين ومعه بيعة الشرفاء أهل مكة للسلطان لما أسفهم صاحب مصر بالتقبض على إخوانهم‏.‏وكان شأنهم ذلك حتى غاضبهم السلطان‏.‏فقد سبق في أخبار المستنصر بن أبي حفص مثلها وأهدى السلطان ثوباً من كسوة البيت شغف به واتخذ منه ثوبا للباسه جمع والأعياد يستبطنه بين ثيابه تبركاً به‏.‏ولما وصلت هدية السلطان إلى صاحب مصر لعهده الملك الناصر محمد بن قلاوون الصالحي حسن موقعها لديه وذهب إلى المكافأة من طرف بلاده من الثياب والحيوان ما يستغرب جنسه وشكله من نوع الفيل والزرافة‏.‏وأوفد بها من عظماء دولته الأمير التليلي وفصل من القاهرة أخريات سنة خمس ووصلت إلى تونس في ربيع من سنة ست بعدها‏.‏ثم كان وصولها إلى سدة السلطان بالمنصورة من البلد الجديد في جمادى الآخرة واهتز السلطان لقدومها واستركب الناس للقائها‏.‏واحتفل للقاء هذا الأمير التليلي ومن معه من أمراء الترك وبر وفادتهم واستبلغ‏.‏في تكريمهم نزلا وقرى وبعثهم إلى المغرب على العادة في مبرة أمثالهم‏.‏وهلك السلطان خلال ذلك وتقبل أبو ثابت سنته من بعده في تكريمهم فأحسن منقلبهم وملأ حقائبهم صلة وبراً‏.‏ وفصلوا من المغرب لذي الحجة سنة سبع‏.‏ولما انتهوا إلى بلاد بني حسن في ربيع من سنة ثمان اعترضهم الأعراب بالقفر فأنهبوهم‏.‏وخلصوا إلى مصر بجريعة الذقن فلم يعاودوا بعدها إلى المغرب سفرا ولا لفتوا إليه وجها‏.‏وطال ما أوفد عليهم ملوك المغرب بعدها من رجال دولتهم من يؤبه به يهادونهم ويكافئون ولا يزيدون في ذلك كله على الخطاب شيئاً‏.‏وكان الناس لعهدهم ذلك يتهمون أن الذين نهبوهم أعراب حصين بدسيسة من صاحب تلمسان أبي حمو لعهدهم منافسة لصاحب المغرب لما بينهم من العداوات والإحن القديمة‏.‏أخبرني شيخنا محمد بن إبراهيم الآبلي قال حضرت بين يدي السلطان وقد وصله بعد الحاج من أهل بلده مستصحباً كتاب الملك الناصر بالعتاب على شأن هؤلاء الأمراء وما أصابهم في طريقهم من بلاده وأهدى له مع ذلك كوزين بدهن البلسان المختص ببلادهم وخمسة مماليك من الترك رماة بخمسة أقواس من قسي الغز المؤنقة الصنعة من العرى والعقب فاستقل السلطان هديته تلك بنسبة ما أهدوا إلى ملك المغرب‏.‏ثم استدعى القاضي محمد بن هدية وكان يكتب عنه فقال له الآن اكتب إلى الملك الناصر ما أقول لك ولا تحرف كلمة عن موضعها إلا ما تقتضيه صناعة الأعراب وقل له أما عتابك على شأن الرسل وما أصابهم في طريقهم فقد حضروا عندي وأبنت لهم الاستعجال حذراً مما أصابهم وأريتهم مخاوف بلادنا وما فيها من غوائل الأعراب فكان جوابهم إنا جئنا من عند ملك المغرب فكيف نخاف مغترين بشأنهم يحسبون أن أمره نافذ في أعراب قبائلنا وأما الهدية فردت عليك أما دهن البلسان فنحن قوم بادية لا نعرف إلا الزيت وحسبنا به دهناً‏.‏وأما المماليك الرماة قد افتتحنا بهم إشبيلية وصرفناهم إليك لتفتح بهم بغداد والسلام‏.‏قال لي شيخنا وكان الناس إذ ذاك لا يشكون أن انتهابهم كان بإذن منه وكان هذا الكتاب دليلاً على ما في نفسه‏.‏وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون‏.‏


الخبر عن انتقاض ابن الأحمر واستيلاء الرئيس أبي سعيد على سبتة
وخروج عثمان بن أبي العلاء في غمارة لما أحكم السلطان عقد المهادنة والولاية مع السلطان ابن الأحمر المعروف الفقيه عند إجازته إليه بطنجة سنة اثنتين وتسعين كما ذكرناه وفرغ لعدوه تمسك ابن الأحمر بولايته تلك إلى أن هلك سنة إحدى وسبعماية في شهر شعبان منه‏.‏وقام بأمر الأندلس من بعده ابنه محمد المعروف بالمخلوع‏.‏واستبد عليه كاتبه أبو عبد الله بن الحكيم من مشيخة رندة كان اصطفاه لكتابته أيام أبيه فاضطلع بأموره وغلب عليه‏.‏وكان هذا السلطان المخلوع ضرير البصر ويقال إنه ابن الحكيم فغلب عليه واستبد إلى أن قتلهما أخوه أبو الجيوش نصر سنة ثمان كما نذكره‏.‏وكان من أول آرائه عند استيلائه على الأمر من بعد أبيه المادرة إلى إحكام ولاية السلطان واتصال يده بيده أوفد عليه لحين ولايته وزير أبيه أبا السلطان عزيز الداني ووزيره الكاتب أبا عبد الله من الحكيم فوفدوا على السلطان بمعسكره من حصار تلمسان وتلقيا بالقبول والمبرة‏.‏وجددت له أحكام الود والولاية وانقلبا إلى مرسلهما خير منقلب‏.‏وتقدم السلطان إليهم في المدد برجل الأندلس وناشبتهم المعودين منازلة الحصون والمناغرة بالربط فبادروا إلى إسعافه وبعثوا حصتهم لحين مرجعهم إلى سلطانهم فوصلت سنة اثنتين وسبعماية‏.‏ وكانت لها نكاية في العدو وأثر في البلد المحروب‏.‏ثم بدا لمحمد بن الأحمر المخلوع في ولاية السلطان بمنافسات جرت إلى ذلك‏.‏وبعث إلى ابن أدفونش هراندة بن شانجة احكم له عقد السلم ولاطفه في الولاية فانعقد ذلك بينهما سنة ثلاث‏.‏واتصل خبره بالسلطان فسخطه‏.‏ورجع إليهم حصتهم آخر سنة ثلاث لسنة من مقدمهم بعد أن أبلو وأثخنوا وطوى لهم على النث واعتمل ابن الأحمر وشيعته في الاستعداد لمدافعة لسلطان والإرصاد لسطوه بهم‏.‏وأوعز إلى صاحب مالقة عمه الرئيس أبي سعيد فرج بن إساعيل بن محمد بن نصر وليه من دون القرابة بما كان له الصهر على أخته والمضطلع بثغر الغربية فأوعز إليه بمداخلة أهل سبتة في خلع طاعة السلطان والقبض على بني العزفي والرجوع إلى ولاية ابن الأحمر‏.‏وكان أهل سبتة منذ هلك إبراهيم لفقيه أبو القاسم العزفي سنة سبع وسبعين قام بأمرهم ولده أبو حاتم‏.‏وكان أخوه أبو طالب رديفاً له في الأمر إلا أنه استبد عليه بصاغيته إلى الرياسة وإيثار أبي حاتم للخمول مع إيجابه حق أخيه الأكبر وإجابته الداعي متى روفع إليه فاستقام أمرهما مدة‏.‏وكان من سياستهما من أول أمرهما الأخذ بدعوة السلطان فيما لنظرهما والعمل بطاعته والتجافي عن السكنى بقصور الملك والتخرج عن أبهة السلطان لمكانهم فأنزلوا بالقصبة عبد الله بن مخلص قائداً من البيوتات اصطنعوه وجعلوا له أحكام البلد وضبط الحامية فاضطلع بذلك سنين‏.‏ثم أسفه يحيى بن أبي طالب ببعض النزعات الرياسية وحجر عليه الأحكام في ذويه‏.‏ثم أغزى به أباه وطالبه بحساب الخراج لعطاء الحامية‏.‏وغفلوا عما وراءها من التظنن فيه والريب به ثقة بمكانه واستنامة إليه‏.‏وهم مع ذلك على أولهم في موالاة السلطان والأخذ بدعوته والوفود عليه في أوقاته‏.‏ولما فسدت ولاية ابن الأحمر للسلطان وعقد على محاولة سبتة وجد السبيل إلى ذلك بما طوى صاحب الأحكام بالقصبة على النث فداخله الرئيس أبو سعيد صاحب الثغر بمالقة جارة سبتة ووعده الغدر ببني العزفي وأن يصبحهم بأساطيله فشرع الرئيس أبو سعيد في إنشاء الأساطيل البحرية واستنفار الناس للمناغرة‏.‏وإن العدو له ولمالقة بمرصد وشحنها بالفرسان والرجل والناشبة والأقوات وأخفى وجه قصده عن الناس حتى أقلعت أساطيله وبيت سبتة لسبع وعشرين من شوال سنة خمس‏.‏وأرسى بساحتها لموعد صاحب القصبة فأدخله إلى حصنه فملكه ونشر رايته بأسوارها‏.‏وسرب جيوشه إلى البلد فتسايلوا‏.‏وركب إلى ثور بني العزفي فتقبض عليهم وعلى ولدهم وحاشيتهم‏.‏وطير الخبر إلى السلطان بغرناطة فوصل الوزير أبو عبد الله بن الحكيم ونادى في الناس بالأمان وبسط المعدلة‏.‏وأركب بني العزفي في السفن إلى مالقة‏.‏ثم أجازوا إلى غرناطة وقدموا على ابن الأحمر فأجل قدومهم وأركب الناس إلى لقائهم‏.‏وجلس له جلوساً فخماً حتى أدوا بيعتهم وقضوا وفادتهم وأنزلوا بالقصور وأجريت عليهم سنيات الأرزاق‏.‏واستقروا بالأندلس إلى أن صاروا إلى المغرب بعد كما نذكر‏.‏واستبد الرئيس أبو سعيد بأمر سبتة وثقف أطرافها وسد ثغورها وأقام دعوة ابن عمه صاحب الأندلس بأنحائها‏.‏وكان عثمان بن أبي العلاء بن عبد الحق من أعياض الملك المريني أجاز معه البحر إليها أميراً على الغزاة الذين كانوا بمالقة وقائداً لعصبتهم تحت لوائه فموه بنصبه للملك بالمغرب‏.‏وخاطب قبائل غمارة بذلك فوقفوا بين الإقدام والإحجام‏.‏واتصل ذلك كله بالسلطان وهو بمعسكره من حصار تلمسان فاستشاط لها غضباً وحمى أنفه بعزه‏.‏واستنفر الصريخ فبعث ابنه الأمير أبا سالم لسد تلك الفرجة‏.‏وجمع إليه العساكر وتقدم إليه بإحشاد قبائل الريف وبلاد تازى فأغذ السير إليها‏.‏وأحاطت عساكره بها فحاصرها مدة‏.‏ثم بيته عثمان بن أبي العلاء فاختل معسكره وأفرج عنها منهزماً فسخطه السلطان وزوى عنه وجه رضاه‏.‏وسار عثمان بن أبي العلاء في نواحي سبتة وبلاد غمارة وتغلب على تيكيساس وانتهى إلى قصر ابن عبد الكريم في آخر سنة ست لسنة من استيلائهم على سبتة مقيماً رسم السلطان منادياً بالدعاء لنفسه فاعتزم السلطان على النهوض إليه عند الفراغ من أمر تلمسان لما كانت على شفا هلكة ومحاينة انفضاض لولا عائق الأقدار بمهلكه كما نذكر إن شاء الله تعالى‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:10 PM

الخبر عن انتقاض بني كمي من بني عبد الواد وخروجهم بأرض السوس
كان هؤلاء الرهط من بني عبد الواد ثم من بطون بني علي من شعب أبي القاسم‏.‏وكانوا يرجعون في رياستهم إلى كندوز بن بن كمي‏.‏ولما استقل برياسة أولاد علي زيان بن ثابت بن محمد من أولاد طاع الله نفس عليه كندوز هذا ما أتاه الله من الرياسة وجاذبه حبلها‏.‏ واحتقر زيان شأنه فلم يحفل به‏.‏ ثم ناشب عليه أخلاط من قومهم وواضعهم الحرب‏.‏ وهلك زيان بيد كندوز وقام بأمر أولاد علي جابر بن يوسف بن محمد‏.‏ثم تناقلت الرياسة فيهم إلى أن عادت في ولد ثابت بن محمد واستقل بها أبو عزة زكدان بن زيان ولم تطل أيامه‏.‏والتحم بين أولاد كمي وبين أولاد طاع الله وتناسوا الإحن وصارت رياسة أولاد طاع الله ليغمراسن بن زيان‏.‏واستتبعوا قبائل بني عبد الواد كافة‏.‏ واعتمل يغمراسن في الثأر بأبيه زيان من قاتله كندوز فاغتاله ببيته‏.‏ دعاه لمأدبة جمع لها بني أبيه حتى إذا اطمأن المجلس تعاوروه بأسيافهم واحتزوا رأسه‏.‏وبعثوا به إلى أمهم فنصبت عليه القدر ثالث أثافيها تشفياً منه وحفيظة‏.‏وطالب يغمراسن بقية بني كندوز ففروا أمام مطالبته وأبعدوا المذهب‏.‏ولحقوا بالأمير أبي زكرياء بن عبد الواحد بن أبي حفص فأقاموا بسدته أحوالا‏.‏ وكانوا يرجعون في رياستهم لعبد الله بن كندوز‏.‏ثم تذكروا عهد البداوة وحنوا إلى عشير زناتة فراجعوا المغرب ولحقوا ببني مرين أقتالهم‏.‏ونزل عبد الله بن كندوز على يعقوب بن عبد الحق خير نزل تلقاه من البر والترحيب بما ملأ صدره وأكد اغتباطه‏.‏وأقطعه بناحية مراكش الكفاية له ولقومه وأنزلهم هنالك‏.‏وجعل انتجاع إبله وراحلته لحسان بن أبي سعيد الصبيحي وأخيه موسى من ذويهم وحاشيتهم وألطف منزلة عبد الله ورفع مكانه بمجلسه واكتفى به في كثير من أموره‏.‏وأوفده على المستنصر صاحب إفريقية سنة خمس وستين مع عامر ابن أخيه إدريس كما قدمناه‏.‏واستمر بنو كندوز هؤلاء بالغرب الأقصى‏.‏ واستمرت الأيام على ذلك وصاروا من جملة قبائل بني مرين وفي عدادهم‏.‏وهلك عبد الله بن كندوز وصارت رياستهم لعمر ابنه من بعلى‏.‏ولما لفت السلطان يوسف بن يعقوب وجه عزائمه إلى النبي عبد الواد ونازل تلمسان وطاول حصارها واستطال بنو مرين وذووهم على بني عبد الواد وأحسوا بها أخذتهم العزة بالإثم وأدركتهم النغرة فأجمع بنو كندوز هؤلاء الخلاف والخروج على السلطان‏.‏ولحقوا بحاحة سنة ثلاث وسبعماية‏.‏ واحتفل الأمير بمراكش يعيش بن يعقوب لغزوهم سنة أربع وسبعماية فناجزوه الحرب بتادرت واستمروا على خلافهم‏.‏ثم قاتلهم يعيش وعساكره ثانية بتامطريت سنة أربع فهزمهم الهزيمة الكبرى التي قصت جناحهم وأوهنت بأسهم‏.‏وقتل جماعة من بني عبد الواد بأرعارن بامكا وأثخن يعيش بن يعقوب في بلاد السوس وهدم تارودنت قاعدة أرضها وأم قراها‏.‏كان بها عبد الرحمن بن الحسن بن يدر من بقية الأمراء على السوس من قبل بني عبد المؤمن وقد مر ذكرهم‏.‏ وكانت بينه وبين عرب المعقل من الشبانات وبني حسان منذ انقرضت دولة الموحدين حروب سجال هلك في بعضها عمه علي بن يدر سنة ثمان وستين‏.‏وصارت أمارته بعد حين إلى عبد الرحمن هذا‏.‏ولم يزالوا في حربه إلى أن تملك السوس يعيش بن يعقوب وهدم تارودانت‏.‏ثم راجع عبد الرحمن أمره وبنى بلده تارودانت هذه سنة ست بعدها‏.‏وتزعم بنويدر هؤلاء أنهم مستقرون بذلك القطر من لدن عهد الطوالع من العرب وأنهم لم يزالوا أمراء بها يعقد لهم ولاية كابر عن كابر‏.‏ولقد أدركت بفاس على عهد السلطان أبي عنان وأخيه أبي سالم من بعده شيخاً كبيراً من ولد عبد الرحمن هذا فحدثني بمثل ذلك‏.‏ وأنهم ولد أبي بكر الصديق‏.‏والله أعلم‏.‏ولم يزل بنو كندوز مشردين بصحراء السوس إلى أن هلك السلطان وراجعوا طاعة الملوك من بني مرين من بعده وعفوا لهم عما سلف من هذه الجريرة وأعادوهم إلى مكانهم من الولاية فأمحضوا النصيحة والمخالصة إلى هذا العهد كما نذكر إن شاء الله تعالى‏.‏


الخبر عن مهلك المشيخة المصامدة بتلبيس أبي الملياني
قد ذكرنا شأن أبي علي الملياني وأوليته في أخبار مغراوة الثانية وما كان من ثورته بمليانة وانتزائه عليها‏.‏ثم إزعاج العساكر إياه منها ولحاقه بيعقوب بن عبد الحق سلطان بني مرين وما أحله من مراتب التكرمة والمبرة‏.‏ وأقطعه بلد أغمات طعمة فاستقر بها‏.‏وما كان منه في العيث بأشلاء الموحدين ونبش أجداثهم وموجدة السلطان والناس عليه لذلك‏.‏وأرصد له المصامدة الغوائل لما كان منه في ذلك‏.‏ولما هلك يعقوب بن عبد الحق استعمله يوسف بن يعقوب على جباية المصامدة فلم يضطلع به‏.‏ وسعى به مشيختهم عند السلطان أنه احتجن المال لنفسه وحاسبوه فصدقوا السعاية فاعتقله السلطان فأقصاه‏.‏وهلك سنة ست وثمانين واصطنع السلطان أحمد ابن أخيه واستمعله في كتابته وأقام على ذلك ببابه وفي جملته‏.‏وكان السلطان سخطه على مشيخة المصامدة علي بن محمد كبير هنتاتة وعبد الكريم بن عيسى كبير كدميوة وأوعز إلى ابنه علي الأمير بمراكش باعتقالهما فيمن لهما من الولد والحاشية‏.‏وأحس بذلك أحمد بن الملياني فاستعجل الثأر‏.‏وكانت العلامة السلطانية على الكتاب في الدولة لم تختص بكاتب واحد بل كل منهم يضع العلامة بخطه على كتابه إذا أكمله لما كانوا كلهم ثقة أمناء وكانوا عند السلطان كأسنان المشط فكتب أحمد بن الملياني إلى ابن السلطان الأمير بمراكش سنة سبع وتسعين كتاباً عن أمر أبيه يأمره فيه بقتل مشيخة المصامدة ولا يمهلهم طرفة عين‏.‏ووضع عليه العلامة التي تنفذ بها الأوامر وختم الكتاب وبعث به مع البريد ونجا بنفسه إلى البلد الجديد وعجب الناس من شأنه‏.‏بما وصل الكتاب إلى ابن السلطان أخرج أولئك الرهط المعتقلين من المصامدة إلى مصارعهم وقتل علي بن محمد وعبد الكريم بن عيشي وولده عيسى وعلي ومنصور أبن أخيه عبد العزيز‏.‏وطير الأمير وزيره إلى أبيه بالخبر فقتله لحينه حنقا عليه وأنفذ بريد باعتقال ابنه‏.‏وحرد على ابن الملياني فافتقد ولحق بتلمسان ونزل على آل زيان ثم لحق بعدها بالأندلس عند إفراج السلطان عنها في تلك السنة كما ذكرناه وبها هلك‏.‏واقتصر السلطان من يومئد في صنع علامته على من يختاره لها من صنائعه ويثق بأمانته‏.‏وجعلها لذلك العهد لعبد الله بن أبي مدين خالصته المضطلع بأمور مملكته فاختصت من بعده لهذا العهد‏.‏والله تعالى أعلم‏.‏


الخبر عن رياسة اليهود بني رقاصة ومقتلهم
كان السلطان يوسف بن يعقوب في صباه مؤثراً للذاته مستتراً بها عن أبيه يعقوب بن عبد الحق لمكانه من الدين والوقار‏.‏وكان يشرب الخمر ويعاقر بها الندمان‏.‏وكان خليفة بن رقاصة من اليهود المعاهدين بفاس قهرماناً لداره على عادة الأمراء في مثله من المعاهدين بكان يزدلف إليه بوجوه الخدم ومذاهبها فاستعمله هذا الأمير في اعتصارها والقيام على شؤونها فكانت له بذلك خلوة منه أوجبت له الحظ عنده‏.‏ حتى إذا هلك يعقوب بن عبد الحق واستقل ابنه يوسف بأعباء ملكه واتصلت خلواته في معاقرة الندمان انفرد ابن رقاصة بخلوته لذلك مع ما كان له من القهرمة فعظمت رياسته وعلا كعبه في الدولة‏.‏وتلقى الخاصة الأوامر منه فصارت له الوجاهة بينهم وعظم قدره بعظم الدولة‏.‏أخبرنا شيخنا الآبلي أنه كان لخليفة هذا أخ يسمى إبراهيم وابن عم يسمى خليفة لقبوه بالصغير لمكانه هو من هذا الاسم‏.‏وكان له صهر يعرفون ببني السبتي كبيرهم موسى وكان رديفه في قهرمته‏.‏فلم يفق السلطان من نشوة صباه وملهاه حتى وجدهم على حال استتبعوا فيها العلية من القبيل والوزراء والشرفاء والعلماء فأهمه ذلك وترصد بهم‏.‏وتفطن لمذهبه فيهما خالصته عبد الله بن أبي مدين فسعى عنده فيهم‏.‏وأوجده السبيل عليهم فسطا بهم سطوة واحدة‏.‏واعتقلوا في شعبان من سنة إحدى وسبعماية بمعسكره من حصار تلمسان‏.‏وقتل خليفة الكبير وأخوه إبراهيم وموسى بن السبتي وإخوته بعد أن امتحنوا ومثل بهم وأتت النكبة على حاشيتهم وذويهم وأقاربهم فلم يبق منهم باقية‏.‏واستبقى منهم خليفة الصغير احتقارا لشأنه حتى كان من قتله بعدما نذكر وعبث بسائرهم وطهرت الدولة من رجسهم وأزيلت عنها معرة رياستهم‏.‏ والأمور بيد الله سبحانه‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:10 PM

الخبر عن مهلك السلطان أبي يعقوب
كان في جملة السلطان وحاشيته مولى من العبدي الخصيان من موالي ابن الملياني يسمى سعادة صار إلى السلطان من لدن استعماله إياه بمراكش وكان على ثبج من الجهل والغباوة‏.‏وكان السلطان يخلط الخصيان بأهله ويكشف لهم الحجاب عن ذوات محارمه ولما كانت واقعة العز مولاه واتهم بمداخلة بعض الحرم وقتل بالظنة واستراب السلطان بكثير من حاشيته الملابسين لداره اعتقل جملة من الخصيان كان فيهم عنبر الكبير عريفهم‏.‏وحجب سائرهم فارتاعوا لذلك وسولت لهذا الخصي الخبيث نفسه الشيطانية الفتك بالسلطان فعمد إليه وهو ببعض الحجر من قصره وآذنه فأذن له فألفاه مستلقياً على فراشه مختضباً بالحناء فوثب عليه فطعنه طعنات قطع بها أمعاءه وخرج هارباً‏.‏وانطلق الأولياء في أثره فأدرك من العشي بناحية تاسالة فتقبض عليه وسيق إلى القصر فقتله العبيد والحاشية‏.‏وصابر السلطان مثبته إلى آخر النهار ثم قضى رحمه الله يوم الأربعاء سابع ذي القعدة من سنة ست وقبل هنالك‏.‏ ثم نقل بعد ما سكنت الهيعة إلى مقبرتهم بشالة فدفن بها مع سلفه‏.‏والبقاء لله وحده‏.‏ولاية السلطان أبي ثابت


الخبر عن ولاية السلطان أبي ثابت واستلحامه المرشحين
وما تخلل ذلك من الأحداث كان الأمير أبو عامر ابن السلطان أبي يعقوب وولي عهده لما هلك طريداً ببلاد بني سعيد من غمارة والريف سنة ثمان وتسعين كما ذكرناه خلف ولديه عامراً وسليمان في كفالة السلطان جدهما فكان لهما بعينه حلاوة وفي قلبه لوطة لمكان حبه لأبيهما واغترابه عنه فحدب عليهما وأنزلهما من نفسه بمكان‏.‏وكان الأمير أبو ثابت عامر منهما صقر قومه إقداماً وشجاعة وجرأة وكانت له في بني ورتاجن خؤولة‏.‏فلحين مهلك السلطان عرضوا له ودعوه للبيعة فبايعوه‏.‏وحصر لها الأمير أبو يحيى بن يعقوب عم أبيه عثر بمجمعهم اتفاقاً وحملوه على الطاعة‏.‏وكان أقرب للأمر منه لو حضره رجال فأعطى القياد في المساعدة وطوى على النث‏.‏وبادر الحاشية والوزراء بالبلد الجديد عند مهلك السلطان فبايعوا ابنه الأمير أبا سالم‏.‏وكان أمر بني مرين أن يفترق وكلمتهم أن تفسد فبعث الأمير أبو ثابت لحينه إلى تلمسان للأمير أبي زيان وأبي حمو ابني عثمان بن يغمراسن‏.‏وعقد لهما حلفاً على الإفراج عنهما على أن يمداه بالآلة ويرفعا له كسر البيت إن كان غير ما أمل وحضر للعقد أبو حمو فأحكمه ومال أكثر بني مرين وأهل الحل والعقد إلى الأمير أبي ثابت‏.‏ وتفرد ببيعة أبي سالم البطانة والوزراء والحاشية والأجناد ومن إليهم وكان مسكنه بالبلد الجديد وأشاروا عليه بالمناجزة فخرج وقد عبأ كتائبه فوقف وبهت وخام عن اللقاء‏.‏ووعدهم الإقدام بالغداة وكر راجعاً إلى قصره‏.‏فيئسوا منه وتسللوا لواذاً إلى الأمير أبي ثابت وهو بمرقب من الجبل يطل عليهم حتى إذا انحجز أبو سالم بالبلد انحاش إليه الجملة دفعة واحدة‏.‏فلما استوفت العساكر والقبائل لديه زحف إلى البلد الجديد مثوى السلطان وسياج قصوره ومختط عزمه وانتهى إلى ساحتها معتماً‏.‏وخرج إليه الوزير يحلف بن عمران الفودودي فأرجل عن فرسه بأمر أبي يحيى وقتل بين يديه قعصاً بالرماح‏.‏وكان قريب عهد بالوزارة استوزره السلطان قبل مهلكه في شعبان من سنة ست‏.‏وفر أبو سالم إلى جهة المغرب وصحبه من عشيره من أولاد رحو بن عبد الله بن عبد الحق العباسي وعيسى وعلي ابنا رحو وابن أخيهم جمال الدين بن موسى‏.‏وأتبعهم الأمير أبو ثابت شرذمة من عسكره أدركوهم بندرومة فتقبضوا عليهم ونفذوا أمر السلطان بقتل أبي سالم وجمال الدين واستبقى الاخرين‏.‏وأمر بإحراق باب البلد ليفتحها العسكر فأطل عليه قهرمان دارهم عبد الله بن أبي مدين الكاتب وأخبره بفرار أبي سالم وباتفاق الناس على طاعته‏.‏ورغب إليه في المسالمة ليلتهم حتى يفجر الصباح خشية على دارهم من معرة العساكر وهجومها ففعل‏.‏وأمره الأمير أبو يحيى باعتقال أبي الحجاج بن أشقيلولة فاعتقله لقديم من العداوة كانت بينهما ثم أمر بقتله وإنفاذ رأسه فقتل‏.‏وأمر السلطان ليلتئذ بإضرام النيران حتى إذا أضاء الظلام بات راكبا‏.‏ودخل القصر لصبحه فوارى جسد السلطان بعد أن صلى عليه‏.‏وغص بمكان الأمير أبي يحيى لما تعدد فيه الترشيح وفاوض في شأنه كبير القرابة يومئذ عبد الحق بن عثمان ابن الأمير أبي معرف محمد بن عبد الحق ومن حضره من الوزراء مثل إبراهيم بن عبد الجليل الونكاسي وإبراهيم بن عيسى اليرنياني وغيرهما من الخاصة فأشاروا بقتله‏.‏ ونميت عنه كلمات في معنى التربص بالسلطان ودولته وابتغاء العصابة لأمره‏.‏وركب الأمير أبو يحيى إلى القصر ثالث البيعة فأخذ السلطان بيده ودخل معه إلى الحرم لعزائهن عن أخيه السلطان‏.‏ثم خرج على الخاصة‏.‏وتخلف عنه السلطان وقد دس إلى عبد الحق بن عثمان أن يتقبض عليه ففعل‏.‏ثم برز السلطان إليهم وهو موثق فأمر بالإجهاز عليه ولم يمهله وألحق به يومئذ وزيره عيسى بن موسى الفودودي‏.‏وفشا الخبر بمهلك هؤلاء الرهط فرغب منه القرابة ففر يعيش بن يعقوب أخو السلطان وابنه عثمان المعروف بأمه قضيب ومسعود بن أبي مالك والعباس بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق‏.‏ ولحقوا جميعاً بعثمان بن أبي العلاء بمكانه من غمارة‏.‏وخلا الجو من المرشحين واستبد السلطان بملك قومه وأمن غوائل المنازعين‏.‏ولما تم له الأمر واستوسق الملك وفى لبني عثمان بن يغمراسن بالإفراج عنهم ونزل لهم عن جميع البلاد التي صارت إلى طاعته من بلاد المغرب الأوسط من أعمالهم وأعمال بني توجين ومغراوة‏.‏ودعاه إلى بدار المغرب ما كان من اختلال عثمان بن أبي العلاء بن عبد الله بن عبد الحق بسبتة ودعائه لنفسه بين يدي مهلك السلطان وخروجه إلى بلاد غمارة واستيلائه على قصر كتامة‏.‏واعتزم على الرحلة إلى المغرب وفوض الأمر في الرحلة بأهل المدينة الجديدة للوزير إبراهيم بن عبد الجليل لما كانت حنيئذ عامرة بالساكن مستبحرة في الاعتمار ممتلئة من الخزائن والآلة فأحسن السياسة في أمرهم وضرب لهم الآجال والمواعد أن استوفوا بالرحلة‏.‏وتركوها قواء خربها بنو عثمان بن يغمراسن عند رحلة بني مرين إلى المغرب وتحينوا لذلك فترات الفتن وطمسوا معالمها طمساً ونسفوها نسفاً‏.‏وقدم السلطان بين يديه من القرابة الحسن بن عامر بن عبد الله أتعجوب في العساكر والجنود وعقد له على حرب ابن أبي العلاء‏.‏وتلوم بالبلد الجديد لموافاة المسالح التي كانت بثغور الشرق لما نزل عنها جميعاً لبني عثمان بن يغمراسن‏.‏ وارتحل غرة ذي القعدة ودخل فاس فاتح سنة سبع وسبعماية‏.‏ والله أعلم‏.‏


الخبرعن انتزاء يوسف في أبي عياد بمراكش وتغلب السلطان عليه
لما فصل السلطان أبو ثابت من معسكرهم بتلمسان إلى الغرب قدم بين يديه من قرابته الحسن بن عامر بن عبد الله أتعجوب ابن السلطان أبي يوسف في العساكر والجنود وعقد له على حرب عثمان بن أبي العلاء كما ذكرنا‏.‏وعقد له على بلاد مراكش ونواحيها لابن عمه الآخر يوسف بن محمد بن أبي عياد بن الحق وعهد له بالنظر في أحوالها فسار إليها واحتل بها‏.‏ثم حدثته نفسه بالانتزاء فقتل الوالي بمراكش واستركب واستلحق واتخذ الآلة وجاهر بالخلعان‏.‏وتقبض على والي البلد فقتله بالسوط في جمادى سنة سبع وسبعماية ودعا لنفسه واتصل الخبر بالسلطان لأول قدومه فسرح إليه وزيره يوسف بن عيسى بن السعود الجشمي ويعقوب بن أصناك في خمسة آلاف من عساكره ودفعهم إلى حربه وخرج في أطرهم بكتائبه‏.‏وبرز يوسف بن أبي عباد وأجاز وادي أم ربيع فانهزم أمام الوزير وعساكره وأتبعه الوزير ففر إلى أغمات‏.‏ ثم فر إلى جبال هسكورة ولحق به موسى بن أبي سعيد الصبيحي من أغمات تدلى من سورها ودخل الوزير يوسف في مراكش‏.‏ثم خرج في أثره ولحقه فكانت بينهما جولة وقتل منهم خلقاً ولحق بهسكورة‏.‏ودخل السلطان أبو ثابت مراكش منتصف رجب من سنة سبع وأمر بقتل أوربة المداخلين كانوا له في انتزائه فاستلحموا‏.‏ولما لحق يوسف بن أبي عباد بجبال هسكورة نزل على مخلوف بن عبو وتذمم بجواره فلم يجره على السلطان‏.‏وتقبض عليه واقتاده إلى مراكش مع ثمانية من أصحابه تولوا كبر ذلك الأمر فقتلوا في مصرع واحد بعد أن مثل بهم بالسياط‏.‏وبعث رأس يوسف إلى فاس فنصب بسورها وأثخن بالقتل فيمن سواهم ممن داخله في الانتزاء فاستحم منهم أمماً بمراكش وأغمات‏.‏وسخط خلال ذلك وزيره إبراهيم بن عبد الجليل فاعتقله واعتقل عشرة من بني دولين من بني ونكاسن وقتل الحسن بن دولين منهم ثم عفا عنهم‏.‏وخرج منتصف شعبان إلى منازلة السكسيوي وتدويخ جهات مراكش فتلقاه السكسيوي بطاعته المعروفة وأسنى الهدية فتقبل طاعته وخدمته‏.‏ثم سرح قائدة يعقوب بن أصناك في اتباع زكنة حتى توغل في بلاد السوس ففروا أمامه إلى الرمال‏.‏ وانقطع أثرهم ورجع إلى معسكر السلطان‏.‏ وانكفأ السلطان بعساكره إلى مراكش فاحتل بها غرة رمضان‏.‏ ثم قفل إلى فاس بعد أن قتل جماعة من شيوخ بني دورا‏.‏وجعل طريقه على بلاد صنهاجة‏.‏وسار في بلاد تامسنا وتلفاه عرب جشم من قبائل الخلط وسفيان وبني جابر والعاصم فاستصحبهم إلى أنفى وتقبض على ستين من أشياخهم فاستحلم منهم عشرين ممن نمي عنهم إفساد السابلة‏.‏ ودخل رباط الفتح أخريات رمضان فقتل هنالك من الأعراب أمة ممن يؤثر عنه الحرابة‏.‏ ثم ارتحل منتصف شوال لغزو رياح أهل أزغار والهبط‏.‏وأثار منهم بالإحن القديمة فأثخن فيهم بالقتل والسبي‏.‏ وقفل إلى فاس فاحتل بها منتصف ذي القعدة‏.‏ وجاءه الخبر بهزيمة عبد الحق بن عثمان واستلحام الروم من عسكره ومهلك عبد الواحد الفودودي من رجالات دولته‏.‏وإن عثمان بن أبي العلاء قد استفحل أمره بجات غمارة فأجمع لغزوه‏.‏والله أعلم‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:11 PM

الخبر عن غزاة السلطان لمدافعة عثمان بن أبي العلاء ببلاد الهبط
ومهلكه بطنجة من بعد ظهوره لما ملك الرئيس أبو سعيد فرج بن إسماعيل بن يوسف بن نصر بسبتة سنة خمس وسبعماية وأقام بها الدعوة لابن عمه المخلوع محمد بن محمد الفقيه بن محمد بن محمد الشيخ بن يوسف بن نصر كما ذكرناه وأجاز معه رئيس الغزاة المجاهدين بمحل أمارته من مالقة عثمان بن أبي العلاء إدريس بن عبد الله بن عبد الحق من أعياص هذا البيت كان مرشحا للملك فيهم‏.‏ واستقدمه معه ليفرق به الكلمة في المغرب ويشغل بفتنة الدولة مدافعة عن سبتة لما كانوا أهاجوا السلطان وقومه بأخذها‏.‏واستنام ملكها وطمع عثمان في ملك المغرب بإمدادهم ومظاهرتهم‏.‏وسولت له نفسه ذلك فخرج من سبتة وولى على جيش الغزاة بعده عمر ابن عمه رحو بن عبد الله‏.‏ ونجم هو ببلاد غمارة فدعا لنفسه وأجابته القبائل منهم‏.‏واحتل بحصن علودان من أمنع معاقلهم وبايعوه على الموت‏.‏ثم نهض إلى أصيلا والعرائش فغلب عليها‏.‏واتصل ذلك كله بالسلطان الهالك أبي يعقوب فلم يدركه استهانة بأمرهم‏.‏وبعث ابنه أبا سالم بالعساكر فنازل سبتة أياماً ثم أقلع عنها‏.‏وبعث بعده أخاه يعيش بن يعقوب وأنزله طنجة وجهز معه الكتائب وجعلها ثغراً‏.‏وزحف إليه عثمان بن أبي العلاء فتأخر عن طنجة إلى القصر‏.‏ثم أتبعه فخرج أهل القصر فرساناً ورجالا ورماة مع يعيش فوصلوا إلى وادي ورا ثم انهزموا إلى البلد‏.‏ومات عمر بن ياسين ونازل عثمان عليهم القصر يوماً ثم دخله من غده‏.‏ثم كان مهلك السلطان ومفر يعيش بن يعقوب خيفة من أبي ثابت فلحق بعثمان بن أبي العلاء‏.‏واستقإم أمره بتلك الجهات برهة‏.‏وكان السلطان أبو ثابت لما احتل بالمغرب شغله ما كان من انتزاء يوسف بن محمد بن أبي عياد بمراكش كما قدمناه فعقد على حرب عثمان بن أبي العلاء مكان عمه يعيش بن يمقوب لعبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق من رجال بيته فزحف إليه‏.‏ونهض عثمان إلى لقائه منتصف ذي الحجة سنة سبع فهزمه واستلحم من كان معه من جند الروم‏.‏وهلك في تلك الواقعة عبد الواحد الفودودي من رجالات السلطان المرشحين ردفاء الوزارة‏.‏وصار عثمان إلى قصر كتامة فنازله واستولى على جهاته‏.‏وعلى تفيئة ذلك كان رجوع السلطان من غزاة مراكش‏.‏وقد حسم الداء ومحا أثر النفاق فاعتزم على الحركة إلى بلاد غمارة ليمحو منها دعوة ابن أبي العلاء التي كانت تلج عليه ممالكه بالمغرب ويرده على عقبه ويستخلص سبتة من يد ابن الأحمر لما صارت ركاباً لمن يروم الانتزاء والخروج من القرابة والأعياص المستنفرين وراء البحر غزاة في سبيل الله فنهض من فاس منتصف ذي الحجة من سنة سبع‏.‏ولما انتهى إلى قصر كتامة تلوم بها ثلاثاً حتى توافت عساكره وحشوده وكمل اعتراضها‏.‏وفر عثمان بن أبي العلاء أمامه‏.‏وارتحل السلطان في اتباعه فنازل حصن علودان واقتحمها عنوة‏.‏واستلحم بها زهاء أربعماية‏.‏ ثم نازل بلد الدمنة فاقتحمها وأثخن فيها قتلاً وسبياً لتمسكها بطاعة ابن أبي العلاء ومظاهرتها له على كبس القصر واستاحته ثم ارتحل إلى طنجة واحتل بها غرة سنة ثمان‏.‏ وانحجز ابن أبي العلاء بسبتة مع أوليائه‏.‏وسرح السلطان عساكره فتقرت نواحي سبتة بالاكتساح والغارة‏.‏وأمر باختطاط بلد تيطاوين لنزول عساكره والأخذ بمخنق سبتة‏.‏وأوفد كبير الفقهاء بمجلسه أبا يحيى بن أبي الصبر إليهم في شأن النزول له عن البلد‏.‏وفي خلال ذلك اعتل السلطان بمرض وقضى لأيام قلائل في ثامن صفر من سنته ودفن بظاهر طنجة‏.‏ ثم حمل شلوه بعد أيام إلى مدفن آبائه بشالة فووري هنالك‏.‏رحمة الله عليه وعليهم‏.‏دولة السلطان أبي الربيع


الخبر عن دولة السلطان أبي الربيع وما كان فيها من الأحداث
لما هلك السلطان أبو ثابت تصدى للقيام بالأمر عمه علي ابن السلطان أبي يعقوب المعروف بأمه رزيكة وخلص الملأ من بني مرين أهل الحل والعقد إلى أخيه أبي الربيع فبايعوه‏.‏وتقبض على عمه علي بن زريكة المستام للأمر فاعتقله بطنجة إلى أن هلك سنة عشر لجمادى وبث العطاء في الناس وأجزل الصلات وارتحل نحو فاس‏.‏واتبعه عثمان بن أبي العلاء في جيش كثيف وبيته وقد نذر به العسكر فأيقظوا ليلهم ووافاهم على الظهر بساحة علودان فناجزهم الحرب‏.‏ وكانت الدائرة على عثمان وقومه‏.‏وتقبض على ولده وكثير من عسكره‏.‏ وأثخن أولياء السلطان فيهم بالقتل والسبي وكان الظهور الذي لا كفاء له‏.‏ ووصل أبو يحيى بن أبي الصبر إلى الأندلس وقد أحكم عقدة الصلح‏.‏وقد كان ابن الأحمر جاء للقاء السلطان أبي ثابت ووصل إلى الجزيرة الخضراء فأدركه خبر مهلكه فتوقف عن الجواز‏.‏وأجاز ابن أبي الصبر بإحكام المؤاخاة‏.‏واجتاز عثمان بن أبي العلاء إلى العدوة فيمن معه من القرابة فلحق بغرناطة‏.‏وأغذ السلطان السير إلى حضرته فدخل فاس آخر ربيع من سنة ثمان‏.‏واستقامت الأمور وتمهد الملك وعقد السلم مع صاحب تلمسان موسى بن عثمان بن يغمراس فأقام وادعاً بحضرته‏.‏وكانت أيامه خير أيام هدنة وسكونة وترفاً لأهل الدولة‏.‏وفي أيامه تغالى الناس في أثمان العقار فبلغت قيمتها فوق المعتاد حتى لقد بيع كثير من الدور بفاس بألف دينار من الذهب العين‏.‏وتنافس الناس في البناء فعالوا الصروح واتخذوا القصور المشيدة بالصخر والرخام وزخرفوها بالزليج والنقوش‏.‏وتناغوا في لبس الحرير وركوب الفاره وأكل الطيب واقتناء الحلى من الذهب والفضة‏.‏واستبحر العمران وظهرت الزينة والترف والسلطان وادع بداره متمل أريكته إلى أن هلك كما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏


الخبرعن مقتل عبد الله بن أبي مدين
كان أبو شعيب بن مخلوف من بني أبي عثمان من قبائل كتامة المجاورين للقصر الكبير وكان منتحلا للدين مشتهراً به‏.‏ ولما أجلب بنو مرين على المغرب وجالوا في بسائطه وتغلبوا على ضواحيه صحب البر منهم والفاجر من أهله‏.‏وكان بنو عبد الحق قد تخيروا شعيباً هذا فيمن تخيروه للصحابة من أهل الدين فكان إمام صلاتهم‏.‏ وكان يعقوب بن عبد الحق أشدهم صحابة له وأوفاهم بها ذماماً فاتصل به حبله واستمرت صحابته وعظم في الدولة قدره‏.‏وانبسط بين الناس جاه ولده وأقاربه وحاشيته‏.‏وربى بنو شعيب هذا عبد الله ومحمد المعروف بالحاج وأبو القاسم من بعدهم من إخوتهم بقصر كتامة في جو ذلك الجاه‏.‏وهلك السلطان يعقوب بن عبد الحق فاستخلصهم يوسف بن يعقوب لخدمته واستعملهم‏.‏على مختصاته‏.‏ ثم ترقى بهم في رتب خدمته وأخصائه درجة بعد أخرى إلى أن هلك أبوهم مدين شعيب سنة سبع وتسعين‏.‏وكان المقدم منهم عند السلطان عبد الله فأوفى به على ثنيات العز والوزارة والخلة والولاية‏.‏وتقدم بحظوته في مجلسه كل حظوة واختصه بوضع علامته على الرسائل والأوامر الصادرة عنه‏.‏وجعل إليه حسبان الخراج والضرب على أيدي العمال وتقييد الأوامر بالبسط والقبض‏.‏ واستخلصه لمناجاة الخلوات والإفضاء بذات الصدرة فوقف ببابه الأشراف من الخاصة والقبيل والقرابة والولد وتوددوا وخطبوا نائله‏.‏وكان عبد الله استعمل مع ذلك أخاه محمداً على جباية المصامدة بمراكش وهنأ أبا القاسم الدعة بفاس فأقام بها متملياً راحته عريضاً جاهه طاعماً كاسياً تتسرب إليه أموال العمال في سبيل الإتحاف وتقف ببابه صدور الركائب إلى أن هلك السلطان أبو يعقوب يوسف‏.‏ويقال إن له خائنة في دمه مع سعاية الملياني‏.‏ولما ولي السلطان أبو ثابت ضاعف رتبته وشفع لديه خطته ورفع على الأقدار قدرة‏.‏ثم ولي من بعده أخوه أبو الربيع فتقبل فيه مذهب سلفه‏.‏وكان بنو رقاصة اليهود حين نكبوا باشر نكبتهم لمكانه من إصدار الأوامر‏.‏ويزعمون أن له فيهم سعاية‏.‏وكان خليفة الأصغر منهم قد استبقي كما ذكرناه فلما أفضى الأمر إلى السلطان أبي الربيع استعمل خليفة بداره في بعض المهن ولابس الخدم حتى اتصل بمباشرة السلطان فجعل غايته السعاية بعبد الله بن أبي مدين‏.‏وكان يؤثر عن السلطان أبي الربيع أنه لا يؤمن بوائقه مع حزم ذويه وتعرف خليفة ذلك من مقالات الناس فدس إلى السلطان أن عبد الله بن أبي مدين يعرض باتهام السلطان في ابنته وأن صدره وغر بذلك وأنه متعرض بالدولة‏.‏وكان يخشى الغائلة لما كان عليه من مداخلة القبيل ولما كان داعية من دعاة آل يعقوب فتعجل السلطان دفع غائلته واستدعاه صبيحة زفاف ابنته زعموا على زوجها فاستحثه قائد الروم من داره بفاس‏.‏ونفر بالشر فلم يغنه النذر‏.‏ومر في طريقه إلى دار السلطان بمقبرة أبي يحيى بن العربي فطعنه القائد هنالك من ورائه طعنة أكبه على ذقنه‏.‏ واحتز رأسه فألقاه بين أيدي السلطان‏.‏ودخل الوزير سليمان بن يرزيكن فوجده بين يديه فذهبت نفسه عليه على مكانه من الدولة حسرة وأسفاً وأيقظ السلطان لمكر اليهودي فوقفه على براءة كان ابن أبي مدين بعثها معه إلى السلطان بالتنصل والحلف فتيقظ وعلم مكر اليهودي به فندم وفتك لحينه بخليفة بن رقاصة وذويه من اليهود المتصدين للخدمة وسطاً بهم سطوة الهلكة فأصبحوا مثلاً للآخرين‏.‏والله أعلم‏.‏


الخبر عن ثورة أهل سبتة بالأندلسيين ومراجعتهم طاعة السلطان
لما قفل السلطان أبو الربيع من غزاة سبتة بعد أن شرد عثمان بن أبي العلاء وأحجزه بسبتة وأجاز منها إلى العدوة ومن كان معه من القرابة كما قلناه بلغه الخبر بضجر أهل سبتة ومرض قلوبهم من ولاية الأندلسيين عليهم وسوء ملكتهم‏.‏ودس إليه بعض أشياعه بالبلد بمثل ذلك فأغزى صنيعته تاشفين بن يعقوب الوطاسي أخا وزيره في عساكر ضخمة من بني مرين وسائر الطبقات من الجند‏.‏وأوعز إليه بالتقدم إلى سبتة ومنازلتها فأغذ إليها السير ونزل بساحتها ولما أحس به أهل البلد بهشت رجالاتهم وتنادوا بشعارهم وثاروا على من كان منهم من قواد ابن الأحمر وعماله وأخرجوا منها حاميته وجنوده‏.‏واقتحمها العساكر‏.‏واحتل تاشفين بن يعقوب بقصبتها عاشر صفر من سنة تسع‏.‏وطير الفوائق بالخبر إلى السلطان فعم السرور وعظم شأن الفتح‏.‏وتقبض على قائد القصبة أبي زكرياء يحيى بن مليلة وعلى قائد البحر أبي الحسن بن كماشة وعلى قائد الحروب بها من الأعياص عمر بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق‏.‏كان صاحب الأندلس عقد له مكان ابن عمه عثمان بن أبي العلاء عند إجازته البحر إلى الجهاد كما ذكرنا‏.‏وكتب إلى السلطان بالفتح وأوفد عليه الملأ من مشيخة سبتة وأهل الشورى‏.‏وبلغ الخبرإلى ابن الأحمر فارتاع لذلك وخشي عادية السلطان وجيوش المغرب حين انتهوا إلى الفرضة‏.‏وكان الطاغية في تلك الأيام نازل الجزيرة الخضراء وأقلع عنها على الصلح بعد أن أذاقها من الحصار شدة وبعد أن نازل جبل الفتح فتغلب عليه وملكه‏.‏وانهزم زعيم من زعمائه يعرف بالفنش هزمه أبو يحيى بن عبد الله بن أبي العلاء صاحب الجند بمالقة لقيه يجوس خلال البلاد بعد تملك الجبل فهزم النصارى وقتلوا أبرح قتل‏.‏وأهم المسلمين شأن الجبل فبادر السلطان أبو الجيوش بإنفاذ رسله راغبين في السلم خاطبين للولاية‏.‏وتبرع بالنزول عن الجزيرة ورندة وحصونها ترغيباً للسلطان في الجهاد فتقبل منه السلطان وعقد له الصلح على ما رغب‏.‏وأصهر إليه في أخته فأنكحه إياها‏.‏وبعث بالمدد للجهاد أموالا وخيولا وجنائب مع عثمان بن عيسى اليرنياني‏.‏واتصلت بينهما المهادنة والولاية إلى مهلك السلطان‏.‏ والبقاء لله وحده‏.‏

ميارى 12 - 8 - 2010 04:12 PM

الخبر عن بيعة عبد الحق بن عثمان بممالأة الوزير والمشيخة
وظهور السلطان عليهم ثم مهلكه بعد ذلك كانت رسل ابن الأحمر خلال هذه المهادنة والمكاتبات تختلف إلى باب السلطان ووصل منهم في بعض أحيانها خلف من مترفيهم فجاهر بالكبائر فكشف صفحة وجهه في معاقرة الخمر والإدمان عليه وكان السلطان منذ شهر جمادى الأول سنة تسع قد عزل القاضي بفاس أبا غالب المغيلي وعهد بأحكام القضاء لشيخ الفتيا المذكور بها أبي الحسن الملقب بالصغير‏.‏ وكان على ثبج من تغيير المنكرات والتعسف فيها‏.‏حتى لقد كان مطاوعاً في ذلك وسواس النسك الأعجمي متجاوزاً بها الحدود المتعارفة من أهل الشريعة في سائر الأمصار‏.‏ وأحضر عنده ذات يوم هذا الرسول ثملا وحضر العدول فاستروحوه ثم أمضى حكم الله فيه وأقام عليه الحدود‏.‏ وأضرمته هذه الموجدة فاضطرم غيظاً‏.‏وتعرض للوزير رحو بن يعقوب الوطاسي منصرفه من دار السلطان في موكبه وكشف عن ظهره يريه أثر السياط وينعي عليهم سوء هذا المرتكب مع الرسل فتبرم لذلك الوزير وأدركته حفيظة وسرح وزعته وحشمه في إحضار القاضي على أسوإ الحالات من التنكيل والتل لذقنه فمضوا لذلك الوجه‏.‏واعتصم القاضي بالمسجد الجامع ونادى المسلمين فثارت العامة بهم ومرج أمر الناس‏.‏واتصل الخبر بالسلطان فتلافاه بالبعث في أولئك النفر من وزعة الوزير وضرب أعناقهم وجعلهم عظة لمن وراءهم فأسوها الوزير في نفسه وداخل الحسن بن علي بن أبي الطلاق من بني عسكر بن محمد شيخ بني مرين والمسلم له في شوراهم وقائد الروم غنصالة المنفرد برياسة العسكر وشوكته وكان لهم بالوزير اختصاص آثروه له على سلطانه فدعاهم إلى بيعة عبد الحق بن عثمان بن محمد بن عبد الحق كبير القرابة وأسد الأعياص وخلع طاعة السلطان فأجابوه وبايعوا له وتم أمرهم نجياً‏.‏ثم خرجوا عاشر جمادى من سنة عشر إلى ظاهر البلد الجديد بمكان الرمكة وجاهروا بالخلعان وأقاموا الآلة وبايعوا سلطانهم عبد الحق على عيون الملأ‏.‏وعسكروا بالعدوة القصوى من سبو تخم بلاد عسكر وإزاء نبدورة من معاقل الحسن بن علي زعيم تلك الثورة‏.‏ثم ارتحلوا من الغد إلى تازى وخرج السلطان في طلبهم فعسكر بسبو وتلوم لاعتراض العساكر وإزاحة العلل واحتل القوم برباط تازى وأوفدوا على موسى بن عثمان بن يغمراسن سلطان بني عبد الواد يدعونه إلى المظاهرة واتصال اليد والمدد بالعساكر والأموال جنوحاً إلى التي هي آثر لديه من تفريق كلمة عدوه فتثاقل عن ذلك لمكان السلم الذي عقد له السلطان أول الدولة وليستبين سبيل القوم‏.‏وقدم السلطان بين يديه يوسف بن عيسى الجشمي وعمر بن موسى الفودودي في جموع كثيفة من بني مرين‏.‏ وسار في ساقتهم فانكشف القوم عن تازى ولحقوا بتلمسان صريخاً‏.‏وحمد السلطان مغبة نظره في التثاقل عن نصرهم ووجد بها الحجة عليهم إذ غاية مظاهراته إياهم أن يملكهم تازى وقد انكشفوا عنها فيئسوا من صريخه‏.‏وأجاز عبد الحق بن عثمان ورحو بن يعقوب إلى الأندلس فأقام رحو بها إلى أن قتله أولاد ابن أبي العلاء ورجع الحسن بن علي إلى مكانه من قبيله ومحله من مجلس السلطان بعد أن اقتضى عهده بالأمان على ذلك‏.‏ولما احتل الحسن بتازى حسم الداء ومحاة أثر الشقاق وأثخن في حاشية الخوارج وذويهم بالقتل والسبي‏.‏ثم اعتل أثناء ذلك وهلك لليال من اعتلاله سلخ جمادى الآخرة من سنة عشر وووري بصحن الجامع الأعظم من تازى‏.‏وبويع السلطان أبو دولة السلطان أبي سعيد


الخبر عن دولة السلطان أبي سعيد وما كان فيها من الأحداث
لما هلك السلطان أبو الربيع بتازى تطاول للأمر عمه عثمان ابن السلطان أبي يعقوب المعروف بأمه قضيب واستلم المنصب وأسدى في ذلك وألحم‏.‏ وحضر الوزراء والمشيخة بالقصر بعد هدوء من الليل فاستشاروا بشيخ القرابة يومئذ وكبير الأعياص المرشحين العالي القعد عثمان بن يعقوب بن عبد الحق‏.‏ ودست أخته عريبة إليهم بالوعد وسربت إليهم الأموال‏.‏وجاءهم عثمان ابن السلطان أبي يعقوب مستاماً فزجروه واستدعوا السلطان أبا سعيد فحضر وبايعوه ليلتئذ وأنفذ كتبه إلى النواحي والجهات باقتضاء البيعة‏.‏وسرح ابنه الأكبر الأمير أبا الحسن إلى فاس فدخلها غرة رجب من سنة عشر‏.‏ودخل القصر واطلع على أمواله وذخيرته‏.‏وفي غد ليلته أخذت البيعة العامة للسلطان بظاهر تازى على بني مرين وسائر زناتة والقبائل والعرب والعساكر والحاشية والموالي والصنائع والعلماء والصلحاء ونقباء الناس وعرفائهم والخاصة والدهماء فقام بالأمر واستوسق له الملك‏.‏وفرق الأعطيات وأسنى الجوائز وتفقد الدواوين ورفع الظلامات وحط المغارم والمكوس‏.‏وسرح أهل السجون ورفع عن أهل فاس وظيفة الرباع‏.‏وارتحل لعشرين من شهر رجب إلى حضرته فاحتل بفاس‏.‏وقدم عليه وفود التهنئة من جميع بلاد المغرب ثم خرج لذي القعدة بعدها إلى رباط الفتح لتفقد الأحوال والنظر في أحوال الرعايا والتهمم بالجهاد وإنشاء الأساطيل للغزو في سبيل الله‏.‏ولما قضى منسك الأضحى بعده رجع إلى حضرته بفاس‏.‏ثم عقد سنة إحدى عشرة لأخيه الأمير أبي البقاء يعيش على ثغور الأندلس الجزيرة ووندة وما إليهما من الحصون‏.‏ثم نهض سنة ثلاث عشرة إلى مراكش لما كان بها من اختلال الأحوال وخروج عدي بن هنو الهسكوري ونقضه للطاعة فنزل به وحاصره مدة واقتحم حصنه عنوة عليه وحمله مقيداً إلى دار ملكه فأودعه الطبق‏.‏ثم رجع إلى غزو تلمسان‏.‏ والله أعلم‏.‏


الخبر عن حركة السلطان أبي سعيد إلى تلمسان أولي حركاته إليها
لما خرج عبد الحق بن عثمان على السلطان أبي الربيع وتغلب على تازى بمظاهرة الحسن بن علي بن أبي الطلاق كبير بني عسكر واختلفت رسلهم إلى أبي حمو موسى بن عثمان سلطان بني عبد الواد أسف ذلك بني مرين وحرك مزاجهم ولما لحق الخارجون على الدولة بالسلطان أبي حمو وأقبل عليهم أضرم ذلك حقد بني مرين‏.‏وولي السلطان أبو سعيد الأمر وفي أنفسهم من بني عبد الواد غصة‏.‏فلما استوسق أمر السلطان ودوخ الجهات المراكشية وعقد على البلاد الأندلسية وفرغ من شأن المغرب اعتزم على غزو تلمسان فنهض إليها سنة أربع عشرة‏.‏ولما انتهى إلى وادي ملوية قدم ابنيه أبا الجسن وأبا علي في عسكرين عظيمين في الجناحين وسار في ساقتهما ودخل بلاد بني عبد الواد على هذه التعبية فاكتسح نواحيها واصطلم نعمها‏.‏ونازل وجدة فقاتلها قتالاً شديداً وامتنعت عليه‏.‏ثم نهض إلى تلمسان فنزل بالملعب من ساحتها‏.‏وانحجز موسى بن عثمان من وراء أسوارها وغلب على معاقلها ورعاياها وسائر ضواحيها فحطمها حطماً ونسف جهاتها نسفاً‏.‏ودوخ جبال بني يزناسن وفتح معاقلها وأثخن فيها وانتهى إلى وجدة‏.‏وكان معه في عسكره أخوه يعيش بن يعقوب وقد أدركته بعض الاسترابة بأمره ففر إلى تلمسان ونزل على أبي حمو ورجع السلطان على تعبيته إلى تازى فأقام بها‏.‏وبعث ولده الأمير أبا علي إلى فاس فكان من خروجه على أبيه ما نذكره إن شاء الله تعالى‏.‏


الساعة الآن 10:10 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى