![]() |
الخبر عن انتقاض الأمير أبي علي وما كان بينه وبين أبيه من الواقعات
كان للسلطان أبي سعيد اثنان من الولد أكبرهما لأمته الحبشية وهو علي والآخر لمملوكه من سبي النصرانية وهو عمر. وكان هذا الأصغر آثرهما لديه وأعلقهما بقلبه منذ نشأ.فكان عليه حدباً وبه مشغوفاً.ولما استولى السلطان على ملك المغرب رشحه لولاية عهده وهو شاب لم يطر شاربه.ووضعوا له ألقاب الأمارة وصير معه الجلساء والخاصة والكتاب وأمره باتخاذ العلامة في كتبه. وعقد على وزارته لإبراهيم بن عيسى اليرنياني من صنائع دولتهم وكبار المرشحين بها.ولما رأى أخوه الأكبر أبو الحسن صاغية أبيهما إليه وكان شديد البرور لوالديه انحاش إليه وصار في جملته وخلط نفسه بحاشيته طاعة لأبيه.واستمرت حال الأمير أبي علي على هذا وخاطبه الملوك من النواحي وخاطبهم وهادوه وعقد الرايات وأثبت في الديوان ومحا وزاد في العطاء ونقص وكاد أن يستبد.ولما قفل السلطان أبو سعيد من غزاته إلى تلمسان سنة أربع عشرة أقام بتازى وبعث ولديه إلى فاس فلما استقر الأمير أبو علي بفاس حدثته نفسه بالاستبداد على أبيه وخلعه وراوضه المداخلون له في المكر بالسلطان حتى يقبض عليه فأبى وركب الخلاف وجاهر بالخلعان.ودعا لنفسه فأطاعه الناس لما كان السلطان جعل إليه من أمرهم.وعسكر بساحة البلد الجديد يريد غزو السلطان فبرز من تازى بعسكره يقدم رجلاً ويؤخر أخرى.ثم بدا للأمير أبي علي في شأن وزيره وحدثته نفسه بالقبض عليه استرابة به لما كان بلغه من المكاتبة بينه وبين السلطان فبعث لذلك عمر بن يخلف الفودودي.وتفطن الوزير لما جاء به من المكرة فتقبض عليه ونزع إلى السلطان أبي سعيد فتقبله ورضي عنه وارتحل إلى لقاء ابنه.ولما تراءى الجمعان بالقرمدة ما بين فاس وتازى اختل مصاف السلطان وانهزم عسكره.وأفلت بعد أن أصابته جراحة في يده وهن لها ولحق بتازى فليلاً جريحاً.ولحق ابنه الأمير أبو الحسن نازعاً إليه من جملة أخيه أبي علي بعد المحنة وفاء بحق أبيه فاستبشر السلطان بالظهور والفتح وحميد المغبة.وأناخ الأمير أبو علي بعساكره على تازى وسعى الخواص بين السلطان وبينه في الصلح على أن يخرج له السلطان عن الأمر ويقتصر على تازى وجهاتها فتم ذلك بينهما وانعقد.وشهد الملأ من مشيخة العرب وزناتة وأهل الأمصار فاستحكم عقده وانكفأ الأمير أبو علي إلى حضرة فاس مملكاً.وتوافت إليه بيعة الأمصار بالمغرب ووفودهم واستوسق أمره.ثم اعتل إثر ذلك واشتد وجعه وصار إلى حال الموت وخشي الناس على أنفسهم تلاشي الأمر بمهلكه فتسايلوا إلى السلطان بتازى.ثم نزع عن الأمير أبي علي وزيره أبو بكر بن النوان وكاتبه منديل بن محمد الكناني وسائر خواصه فلحقوا بالسلطان وحملوه على تلافي الأمر فنهض من تازى واجتمع إليه كافة بني مرين والجند. وعسكر على البلد الجديد وأقام محاصراً لها وابتنى داراً لسكناه.وجعل لابنه الأمير أبي الحسن ما كان لأخيه أبي علي من ولاية العهد وتفويض الأمر.وتفرد أبو علي بطائفة من النصارى المستخدمين بدولته كان قائدهم يمت إليه بالخؤولة وضبط البلد مدة مرضه حتى إذا أفاق وتبين اختلال أمره بعث إلى أبيه في الصفح والرضى وأن ينزل له عفا انتزى عليه من الأمر على أن يقطعه سجلماسة وما إليها ويسوغه ما احتمل من المال والذخيرة من دراهم فأجابه إلى ذلك.وانعقد بينهما سنة خمس عشرة.وخرج الأمير أبو علي بخاصته وحشمه وعسكر بالزيتون من ظاهر البلد.ووفى له السلطان بما اشترط وارتحل إلى سجلماسة.ودخل السلطان إلى البلد الجديد ونزل بقصره وأصلح شؤون ملكه وأنزل ابنه الأمير أبا الحسن بالدار البيضاء من قصورهم وفوض إليه في سلطانه تفويض الاستقلال.وأذن له في اتخاذ الوزراء والكتاب ووضع العلامة على كتابه وسائر ما كان لأخيه.ووفدت عليه بيعات الأمصار بالمغرب ورجعوا إلى طاعته.ونزل الأمير أبو علي بسجلماسة فأقام لها ملكا ودون الدواوين واستلحق واستركب وفرض العطاء.واستخدم ظواعن العرب من المعقل وافتتح معاقل الصحراء وقصور توات وتيكورارين وتمنطيت وغزا بلاد السوس فافتتحها وتغلب على ضواحيها وأثخن في إعرابها من ذوي حسان والشبانات وزكنة حتى استقاموا على طاعته.وبيت عبد الرحمن بن الحسن بن يدر أمير الأمصار بالسوس في تارودانت مقره فاقتحمها عليه عنوة وقتله واصطلم نعمته وأباد سلطانه.وأقام لبني مرين في بلاد القبلة ملكاً وسلطاناً.وانتقض على السلطان سنة عشرين وتغلب على درعا وسما إلى طلب مراكش فعقد السلطان على حربه لأخيه الأمير أبي الحسن وجعله إليه وأغزاه ونهض على أثره فاحتلوا بمراكش وثقفوا أطرافها وحسموا عللها.وعقد عليها لكندوز بن عثمان من صنائع دولتهم وقفلوا بعسكرهم إلى الحضرة.ثم نهض الأمير أبو علي سنة اثنتين وعشرين بمجموعه من سجلماسة وأغذ السير إلى مراكش فاحتلت عساكره بها قبل أن يجتمع لكندوز أمره فتقبض عليه وضرب عنقه ورفعه على القناة وملك مراكش وسائر ضواحيها.وبلغ الخبرإلى السلطان فخرج من حضرته في عساكره بعد أن احتشد وأزاح العلل واستوفى الأعطيات وقدم بين يديه ابنه الأمير أبا الحسن ولي عهده والغالب على أمره في عساكره وجموعه وجاء في ساقته وسارعلى هذه التعبية.ولما انتهى إلى توتو من وادي ملوية نفروا بالبيات من أبي علي وجنوده فحذروهم وأيقظوا ليلتهم.وبيتهم بمعسكرهم ذلك فكانت الدايرة عليهم وفل عسكره.وارتحلوا من الغد في أثره.وسلك على جبال درن وافترقت جنوده في أوعاره ولحقهم من معراتها شناعات حتى ترجل الأمير أبو علي عن فرسه وسعى على قدميه.وخلصوا من ورطة ذلك الجبل بعد عصب الريق ولحق بسجلماسة ومهد السلطان نواحي مراكش واستعمل عليها ورتب الحامية بها.وعقد على جباية أموال المدد مدة ونواحي مراكش لموسى بن علي بن محمد الهنتاتي فعظم عناؤه في ذلك واضطلاعه وامتدت أيام ولايته.وارتحل السلطان إلى سجلماسة فدافعه الأمير أبو علي بالخضوع في الصفح والرضى والعودة إلى السلم فأجابه السلطان لما كان شغفه من حبه فقد كان يؤثر عنه من ذلك غرائب.ورجع إلى الحضرة وأقام الأمير أبو علي بمكانه ذلك من القبلة إلى أن هلك السلطان وتغلب عليه أخوه السلطان أبو الحسن كما نذكره إن شاء الله تعالى. الخبر عن نكبة منديل الكناني ومقتله كان أبو محمد بن محمد الكناني من علية الكتاب بدولة الموحدين ونزع من مراكش عندما انحل نظام بني عبد المؤمن وانفض جمعهم إلى مكناسة فأوطنها في إيالة بني مرين.واتصل بالسلطان يعقوب بن عبد الحق فصحبه فيمن كان يتأثر على صحابته من أعلام المغرب.وسفر عنه إلى الملوك كما ذكرنا في سفارته إلى المستنصر سنة خمس وستين.وهلك السلطان يعقوب بن عبد الحق وازداد الكناني عند ابنه يوسف حظوة ومكانة إلى أن سخطه ونكبه سنة سبع وستين.وأقصاه من يومئذ وهلك في حال سخطته.وبقي من بعده ابنه منديل هذا في جملة السلطان أبي يعقوب متبرماً بمكان عبد الله بن أبي مدين المستولي على قهرمة دار السلطان ومخالصته في خلواته غضباً لذلك متوقعاً للنكبة في أكثر أيامه مضطرمة له بالحسد جوانحه مع ما كان عليه من القيام على حسبان الديوان.عرف فيه بسبقه وشهد به صديقه وعدوه.ولما تغلب السلطان على ضاحية شلف وأمصاره من بلاد مغرارة واستعمله على حسبان الجباية وجعل إليه ديوان العسكر هنالك وإلى نظره اعتراضهم وتمحيضهم فنزل بمليانة مع من كان هنالك من الأمراء مثل علي بن محمد الخيري والحسن بن علي بن أبي الطلاق العسكري إلى أن هلك السلطان أبو يعقوب ورجع أبو ثابت البلاد إلى أبي زيان وأخيه أبو حمو ملوك بني عبد الواد.ونزل لهم عنها فرجع إلى المغرب ولحق بالسلطان أبي ثابت ومر في طريقه بأبي زيان وأخيه أبي حمو فخف عليهما وحلا بعيونهما واستبلغا في تكريمه وانصرف إلى مغربه.وكان أيام معسكر السلطان يوسف بن يعقوب على تلمسان قد صحب أخاه أبا سعيد عثمان بن يعقوب في حال خموله وتأكدت بينهما الخلة التي رعاها له السلطان أبو سعيد.فلما ولي المغرب مت بذلك إليه فعرفه له واختصه وخالصه وجعل إليه وضع علامته وحسبان جبايته ومستخلص أحواله والمفاوضة بذات صدره.ورفع مجلسه وقدمه على خاصته.وكان كثير الصاغية للأمير أبي علي ابنه المتغلب على أبيه أول مرة.ولما استبد وخلع أباه انحاش منديل هذا إليه.ثم نزع عنه حين تبين اختلال أمره.وكان الأمير أبو الحسن يحقد له ولاية أخيه أبي علي لما كان بينهما من المنافسة.وكان كثيراً ما يوغر صدره بإيجاب حق عمر عليه وامتهانه في خدمته.وطوى له على النث حتى إذا انفرد بمجلس أبيه وفصل عمر إلى سجلماسة أحكم السعاية فيه والآلاء في الهلكة التي صر السلطان عليها أذنا واعية حتى تأذن الله بإهلاكه.وكان منديل هذا كثيراً ما يغضب السلطان في المحاورة والخطاب دالة عليه وكبراً فاعتد عليه من ذلك كلمات وأحوالا وسخطه سنة ثمان عشرة.وأذن لابنه أبي الحسن في نكبته فاعتقله واستصفى ماله وطوى ديوانه وامتحنه أياما ثم قتله بمجلسه خنقاً ويقال جوعاً وذهب مثلاً في الغابرين. والله خير الوارثين. |
الخبر عن انتقاض العزفي بسبتة ومنازلته ثم مصيرها إلي طاعة السلطان
بعد مهلكه كان بنو العزفي لما تغلب عليهم الرئيس أبو سعيد ونقلهم إلى غرناطة سنة خمس واستقروا بها في إيالة المخلوع ثالث ملوك بني الأحمر حتى إذا استولى السلطان أبو الربيع على سبتة سنة تسع آذنوا في الإجازة إلى المغرب وأجازوا إلى فاس واستقروا بها.وكان يحيى وعبد الرحمن ابنا أبي طالب من سرواتهم وكبارهم وكانوا يغشون مجالس أهل العلم بما كانوا عليه من انتحال الطب.وكان السلطان أبو سعيد أيام أمارة بني أبيه يجالس بالمسجد الجامع للقرويين شيخ الفتيا أبا الحسن الصغير.وكان يحيى بن أبي طالب يلازمه فاتصل به وصارت له وسيلة يحسبها عنده.فلما ولي الأمر واستقل به رعى لهم زمام صحابتهم ووفى لهم مقاصدهم.وعقد ليحيى على سبتة ورجعهم إلى مقر أمارتهم منها ومحل رياستهم فارتحلوا إليها سنة عشر وأقاموا دعوة السلطان أبي سعيد والتزموا طاعته.ثم تغلب الأمير أبو علي على أمر أبيه واستبد عليه فعقد على سبتة لأبي زكرياء حبون بن أبي العلاء القرشي وعزل يحيى بن أبي طالب عنها.واستقدمه إلى فاس فقدمها هو وأبوه أبو طالب وعمه أبو حاتم واستقروا في جملة السلطان.وهلك أبو طالب.بفاس خلال ذلك حتى إذا كان من خروج الأمير أبي علي على أبيه ما قدمناه لحق يحيى بن أبي طالب وأخوه بالسلطان نازعين من جملة الأمير أبي علي.فلما احتل بالبلد الجديد ونازله السلطان بها فحينئذ عقد السلطان ليحيى بن أبي طالب على سبتة وبعثه إليها ليقيم دعوته بتلك الجهات.وتمسك بابنه محمد رهناً على طاعته فاستقل بأمارتها وأقام طاعة السلطان ودعوته بها.وأخذ بيعته على الناس واتصل ذلك سنين.وهلك عمه أبو حاتم هنالك بعد مرجعه معه من المغرب.ولسنة ست عشرة انتقض على السلطان ونبذ طاعة الأمر ورجع إلى حال سلفه عن أمر الشورى في البلد.واستقدم من الأندلس عبد الحق بن عثمان فقدم إليه وعقد له على الحرب ليفرق به الكلمة ويوهن ببأسه عزائم السلطان في مطالبته.وجهز السلطان إليه العساكر من بني مرين وعقد على حربه للوزير إبراهيم بن عيسى فزحف إليه وحاصره.وتعلل عليهم بطلب ابنه فبعث به السلطان إلى وزيره إبراهيم ليعطي الطاعة فتسلمه وجاءه الخبر من عيون كانت بالعسكر أن ابنه كان في فسطاط الوزير بساحة البحر بحيث يتأتى الفرصة في أخذه فبيت المعسكر وهجم عبد الحق بن عثمان بحشمه وذويه على فسطاط الوزيرة فاحتمله إلى أبيه.وركبت العساكر للهيعة فلم يقفوا على خبر حتى تفقد الوزير ابن العزفي.واتهموا قائدهم إبراهيم بن عيسى الوزير بممالأة العدو على ذلك فاجتمعت مشيختهم وتقبضوا عليه وحملوه إلى السلطان ابتلاء للطاعة واستنصاراً في نصح السلطان فشكر لهم وأطلق وزيره لابتلاء نصيحته. ورغب يحيى بن العزفي بعدها في رضى السلطان وولايته.ونهض السلطان سنة تسع عشرة إلى طنجة لاختبار طاعته فعقد له على سبتة واشترط هو على نفسه الوفاء بجباية السلطان وأسنى هديته في كل سنة. واستمرت الحال على ذلك إلى أن هلك يحيى العزفي سنة عشرين.وقام بالأمر ابنه محمد إلى نظر ابن عمه محمد بن علي بن الفقيه أبي القاسم شيخ قرابتهم.وكان قائد الأساطيل بسبتة ولي النظر فيها بعد أن نزع القائد يحيى الزنداحي إلى الأندلس واختلف الغوغاء بسبتة وانتهز السلطان الفرصة فأجمع على النهوض إليها سنة ثمان وعشرين وبادروا بإيتاء طاعتهم.وعجز محمد بن يحيى عن المناهضة وظنها محمد بن علي من نفسه فتعرض للأمر في أوغاد من اللفيف اجتمعوا إليه.ودافعهم الملأ عن ذلك وحملوهم على الطاعة واقتادوا بني العزفي إلى السلطان فانقادوا.واحتل السلطان بقصبة سبتة وثقف جهاتها ورم منثلمها وأصلح خللها.واستعمل كبار رجالاته وخواص مجلسه في أعمالها فعقد لحاجبه عامر بن فتح الله السدراتي على حاميتها. وعقد لأبي القاسم بن أبي مدين على جبايتها والنظر في مبانيها وإخراج الأموال للنفقات فيها.وأسنى جوائز الملأ من مشيختها ووفر إقطاعاتهم وجراياتهم.وأوعز ببناء البلد المسمى أفراك أعلى سبتة فشروعوا في بنائها سنة تسع وعشرين وانكفأ راجعاً إلى حضرته. الخبر عن استقدام عبد المهيمن للكتابة والعلامة كان بنو عبد المهيمن من بيوتات سبتة ونسبهم في حضرموت. وكانوا أهل تجلة ووقار منتحلين للعلم. وكان أبوه محمد قاضياً بسبتة أيام أبي طالب وأبي حاتم وكان له معهم صهر.ونشأ ابنه عبد المهيمن هذا في حجر الطب والجلالة وقرأ صنعة العربية على الأستاذ الغافقي وحذق فيها.ولما نزلت بهم نكبة الرئيس أبي سعيد سنة خمس واحتملوا إلى غرناطة احتمل فيهم القاضي محمد بن عبد المهيمن وابنه.وقرأ عبد المهيمن بغرناطة على مشيختها وازداد علماً وبصراً باللسان والحديث.واستكتب بدار السلالان محمد المخلوع واختص بوزيره المتغلب على دولته محمد بن عبد الحكم الرندي فيمن اختص به من رؤسائهم بني العزفي ثم رجع بعد نكبة ابن الحكم إلى سبتة وكتب عن قائدها يحيى بن مسلمة مدة.ولما استخلص بنو مرين سبتة سنة تسع اقتصر عن الكتابة وأقام متقبلاً مذاهب سلفه في انتحال العلم ولزوم المروءة.ولما استولى السلطان أبو سعيد على المغرب واستقل بولاية العهد والتغلب على الأمر ابنه أبو علي وكان محباً للعلم مولعاً بأهله منتحلاً لفنونه.وكانت دولته خلواً من صناعة الترسيل منذ عهد الموحدين للبداوة الموجدة في دولتهم.وحصل للأمير أبي علي بعض البصر بالبلاغة واللسان تفطن به لشأن ذلك وخلو دولتهم من الكتاب المرسمين وأنهم إنما يحكمون الخط الذي حذقوا فيه.ورأى فيه الأصابع تشير إلى عبد المهيمن في رياسة تلك الصنائع فولع به.وكان كثير الوفادة مع أهل بلده أوقات وفادتهم فيختصه الأمير أبو علي بمزيد من بره وكرامته ويرفع مجلسه ويخطبه للكتابة وهو يمتنع عليه.حتى إذا مضى عزيمته في ذلك أوعز إلى عامله بسبتة سنة اثنتي عشرة أن يشخصه إلى بابه فقلده كتابته وعلامته.حتى إذا خرج أبو علي على أبيه تحيز عبد المهيمن إلى الأمير أبي الحسن فلما صولح أبو علي على النزول عن البلد الجديد وكتب شروطه على السلطان كان من جملتها كون عبد المهيمن معه وأمضى السلطان له ذلك.وأنف الأمير أبو الحسن منها فأقسم ليقتلنه إن عمل بذلك فرفع عبد المهيمن أمره إلى السلطان ولاذ به وألقى نفسه بين يديه فرق لشكواه وأمره باعتزالهما معاً والرجوع إلى خدمته.وأنزله بمعسكره وقام على ذلك.واختصه منديل الكناني كبير الدولة وزعيم لخاصة وأنكحه ابنته.ولما نكب منديل الكناني جعل السلطان علامته لأبي القاسم بن أبي مدين وكان غفلاً خلواً من الأدوات فكان يرجع إلى عبد المهيمن في قراءة الكتب وإصلاحها وإنشائها حتى عرف السلطان له ذلك فاقتصر عليه وجعل وضع العلامة إليه سنة ثمان عشرة فاضطلع بها.ورسخت قدمه في مجلس السلطان وارتفع صيته.واستمر على ذلك أيام السلطان وابنه أبي الحسن من بعده إلى أن هلك بتونس في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين. والله خير الوارثين. الخبر عن صريخ أهل الأندلس بالسلطان ومهلك بطرة على غرناطة كان الطاغية شانجة بن أدفونش قد تكالب على أهل الأندلس من بعد أبيه هراندة الهالك سنة اثنتين وثمانين. ومنذ غلب على طريف وشغل السلطان يوسف بن يعقوب بعدوه بني يغمراسن ثم تشاغل حفدته من بعده بأمرهم وتقاصرت مددهم وهلك شانجة سنة ثلاث وتسعين وولي ابنه هراندة ونازل الجزيرة الخضراء فرضة الجهاد لبني مرين حولاً كاملاً.ونازلت أساطيله جبل الفتح واشتد الحصار على المسلمين.وراسل هراندة بن أدفونش صاحب برشلونة أن يشغل أهل الأندلس من ورائهم ويأخذ بحجزتهم فنازل المرية وحاصرها الحصار المشهور سنة تسع ونصب عليها الالات.وكان منها برج العود المشهور طال الأسوار بمقدار ثلاث قامات وتحيل المسلمون في إحراقه فأحرق. وحفر العدو تحت الأرض مسرباً عريض المسافة مقدار ما يسير فيه عشرون راكباً.وتفطن لهم المسلمون وحفروا قبالتهم مثاله إلى أن نفذ بعضهم لبعض واقتتلوا تحت الأرض.وعقد ابن الأحمر لعثمان بن أبي العلاء زعيم الأعياص على عسكر بعثه مدداً لأهل المرية فلقيه جمع من النصارى كان الطاغية بعثهم لحصار مرشانة فهزمهم عثمان واستلحمهم.ونزل قريباً من معسكر الطاغية وألح بمغاداتهم ومراوحتهم إلى أن رغبوا إليه في السلم وأفرج عن البلد.وتغلب الطاغية خلال ذلك على جبل الفتح وأقامت عساكره على شمانة واصطبونة.وزحف العباس بن رحو بن عبد الله وعثمان بن أبي العلاء في العساكر لإغاثة البلدين فأوقع عثمان بمعسكر اصطبونة وقتل قائدهم ألفنس بترس في نحو ثلاثة آلاف فارس واستلحموا.ثم زحف عثمان إلى إعانة العباس وكان دخل عوجين فحاصرته جموع النصرانية به فانفضوا لخبر زحفه.وبلغ الخبرإلى الطاغية بمكانه من ظاهر الجزيرة بفتك عثمان في قومه فسرح جموع النصرانية إليه ولقيهم عثمان فأوقع بهم وقتل زعماءهم. وارتحل الطاغية يريد لقاءهم فخالفه أهل البلد إلى معسكره وانتهبوا مخلفاته وفساطيطه.واتيحت للمسلمين عليهم الكرة وإمتلأت الأيدي من غنائمهم وأسراهم.ثم هلك الطاغية إثر هذه الهزيمة سنة اثنتي عشرة وهو هراندة بن شانجة وولي من بعده ابنه الهنشة طفلاً صغيراً جعلوه إلى نظر عمه دون بطرة بن شانجة وزعيم النصرانية جوان فكفلاه.واستقام أمرهم على ذلك.وشغل السلطان أبو سعيد ملك المغرب بشأن ابنه وخروجه فاهتبل النصرانية الغرة في الأندلس وزحفوا إلى غرناطة سنة ثمان عشرة وأناخوا عليها بمعسكرهم وأممهم.وبعث أهل الأندلس صريخهم إلى السلطان واعتذر لهم بمكان أبي العلاء من دولتهم ومحله من رياستهم وأنه مرشح للأمر في قومه بني مرين يخشى معه من تفريق الكلمة.وشرط عليهم أن يدفعوه إليه برمته حتى يتم أمر الجهاد ويعيده إليهم حوطة على المسلمين.ولم يمكنهم ذلك لمكان عثمان بن أبي العلاء بصرامته وعصابته من قومه فأخفق سعيهم واستلحموا.وأحاطت أمم النصرانية بغرناطة وطمعوا في التهامها.ثم إن الله نفس مخنقهم ودافع بيد قدرته عنهم وكيف لعثمان بن أبي العلاء وعصبته واقعة فيهم كانت من أغرب الوقائع. صمدوا إلى موقف الطاغية بجملتهم وكانوا زهاء مايتين أو أكثر. وصابروهم حتى خالطوهم في مراكزهم فصرعوا بطرة وجوان وولوهم الأدبار. واعترضتهم من ورائهم مسارب الماء للشرب من شنيل فتطارحوا فيها. وهلك كثيرهم واكتسحت أموالهم وأعز الله دينه وأهلك عدوه. ونصب رأس بطرة بسور البلد عبرة لمن يتذكر. وهو باق هنالك لهذا العهد. الخبر عن صهر الموحدين والحركة إلى تلمسان على أثره وما تخلل ذلك من الأحداث ولما انفرج الحصار عن ولد عثمان بن يغمراسن ملوك بني عبد الواد سنة ست وتجافى أبو ثابت عن بلادهم ونزل لهم عما ملكه بنو مرين منها بسيوفهم.واستقل أبو حمو بملك بني عبد الواد على رأس الدول منها صرف نظره واهتمامه إلى بلاد الشرق فتغلب على بلاد مغراوة ثم على بني توجين. ومحا أثر سلطانهم. ولحق أعياصهم من ولد عبد القوي بن عطية وولد منديل بن عبد الرحمن بالموحدين آل أبي حفص مع من تبعهم من رؤوس قبائلهم وصاروا في جملة عساكرهم.واستلحق مولانا السلطان أبو يحيى وحاحبه يعقوب بن غمر منهم جنداً كثيفاً أثبتهم في الديوان وغالب بهم الخوارج والمنازعين للدولة. ثم زحف أبو حمو إلى الجزائر وغلب ابن علان عليها ونقله إلى تلمسان ووفى له. وفر بنو منصور أمراء مليكش أهل بسيط متيجة من صنهاجة فلحقوا بالموحدين واصطنعوهم. وتملك قاصية المغرب الأوسط وتاخم عمل الموحدين بعمله.ثم تغلب على تدلس سنة اثنتي عشرة وتجنى على مولانا السلطان أبي يحيى بما وقع بينهم من المراسلة أيام انتزاء ابن خلوف ببجاية كما ذكرناه في أخباره يحث عزائمه لمنازلتها.وطلب بلاد الموحدين وأوطأ عساكره أرضهم ونازل أمصارهم بجاية وقسنطينة.واختص بجاية بشوكته من ذلك.وجهز العساكر مع مسعود إبن عمه أبي عامر إبراهيم لمضايقتها. وكان خلال ذلك ما قدمناه من خروج محمد بن يوسف بن يغمراسن عليه وقيام بني توجين بأمره واقتطاع جبل وانشريش من عمالة ملكه. واستمرت الحال على ذلك حتى هلك السلطان أبو حمو سنة ثمان عشرة. وقام بأمرهم أبو تاشفين عبد الرحمن فصنع له في ابن عمه محمد بن يوسف. ونهض إليه بعساكر بني عبد الواد حتى نازله بمعتصمه من جبل وانشريش.وداخله عمر بن عثمان كبير بني تيغرين في المكربة فتقبض عليه وقتله سنة تسع عشرة.وارتحل إلى بجاية حتى احتل بساحتها. وأمتنع عليه الحاجب ابن غمر فأقام يوماً أو بعضه.ثم انكفأ راجعاً إلى تلمسان ورفد البعوث إلى أوطان بجاية وابتنى الحصون لتجمر الكتائب فابتنى بوادي بجاية من أعلاه حصن بكر ثم حصن تيمزيزدكت يليه.ثم اختط بنيكلات على مرحلة منها بلداً سماه تيمزيزدكت على اسم المعقل الذي كان لأوليهم بالجبل قبالة وجدة. وامتنع يغمراسن به على السعيد كما قدمناه فاختط بلد تيكلات هذه وشحنها بالأقوات والعساكر وصيرها ثغراً لملكه وأنزل بها جنده. وعقد عليها لموسى بن علي العزفي كبير دولته ودولة ابنه. واستحثه أمراء الكعوب من بني سليم لملك إفريقية حين مغاضبتهم لمولانا السلطان أبي يحيى فأغرس معهم جيوش زناتة وعقد على تونس للأعياص من آل أبي حفص الأمير أبي عبد الله محمد بن أبي يحيى اللحياني وأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن عمران وأبي إسحاق بن أبي يحيى الشهيد مرة بعد أخرى كما ذكرناه في أخبارهم جميعاً.وكانت حروبهم سجالاً إلى أن كان بين جيوش زتاتة الموحدين الزحف المشهور بالرياش من نواحي مرماجنة سنة تسع وعشرين زحفت فيه إلى السلطان أبي يحيى عساكر زناتة مع حمزة بن عمر أمير بني كعب ومن إليه من البدو وعليهم يحيى بن موسى من صنائع دولة آل يغمراسن.وقد نصبوا للملك محمد بن أبي عمران بن أبي حفص ومعهم عبد الحق بن عثمان من أعياص بني عبد الحق في بنيه وذويه. وكان نزع إليهم من عند الموحدين كما ذكرناه فاختل مصاف مولانا السلطان أبي يحيى وانهزم واستولوا على فساطيطه بما فيها من الذخيرة والحرم وانتهبوا معسكره.وتقبضوا على ولديه الموليين أحمد وعمر وأشخصوهما إلى تلمسان. واصيب السلطان في بدنه بجراحات أوهنته وخلص إلى بونة ناجيا برمقه. وركب السفين منها إلى بجاية فأقام بها يدامل جراحه. واستولت زناتة على تونس.ودخلها محمد بن أبي عمران سموه باسم السلطان ومقادته في يد يحيى بن موسى أمير زناتة.واعتزم مولانا السلطان أبو يحيى على الوفادة على ملك المغرب السلطان أبي سعيد بنفسه صريخاً على آل يغمراسن. وأشار حاجبه محمد بن سيد الناس بإنفاذ ابنه الأمير أبي زكرياء صاحب الثغر استنكافاً له عن مثلها فتقبل إشارته وأركب ابنه البحر لذلك.وبعث معه أبا محمد عبد الله بن تافراكين من مشيخة الموحدين نافضاً أمامه طرق المقاصد والمجاورات ونزلوا بغساسة من سواحل المغرب. وقدموا على السلطان أبي سعيد بحضرته وأبلغوه صريخ مولانا السلطان أبي يحيى فاهتز لذلك هو وابنه الأمير أبو الحسن وقال للأمير في ذلك المحفل يا بني! لقد أكبر قومنا قصدك وموصلك ووالله لأبذلن في مظاهرتكم مالي وقومي ونفسي ولأسيرن بعساكري إلى تلمسان فأنزلها مع أبيك فانصرفوا إلى منازلهم مسرورين. وكان فيما شرطه عليهم السلطان أبو سعيد مسير مولانا السلطان أبي يحيى بعسكره إلى منازلة تلمسان معه فقبلوا. ونهض السلطان أبو سعيد إلى تلمسان سنة ثلاثين. ولما انتهى إلى وادي ملوية وعسكر بصبرة جاءهم |
الخبر اليقين باستيلاء السلطان أبي يحيى على حضرة تونس وإجهاضه زناتة
وسلطانهم عنها. واستدعى مولانا السلطان الأمير أبا زكرياء يحيى ابنه ووزيره أبا محمد عبد الله بن تافراكين وأمرهم بالانصراف إلى صاحبهم وأسنى جوائزهم وحباءهم وركبوا أساطيلهم عن غساسة.وأرسل معهم للخطبة والصهر إبراهيم بن أبي حاتم العزفي والقاضي بحضرته أبا عبد الله بن عبد الرزاق وانكفأ على عقبه راجعاً إلى حضرته.ولما انعقد الصهر بين الأمير أبي الحسن والسلطان أبي يحيى في ابنته شقيقة الأمير يحيى زفها إليهم في أساطيله مع مشيخة من الموحدين كبيرهم أبو القاسم بن عتو ووصلوا بها إلى مرسى غساسة سنة إحدى وثلاثين بين يدي مهلك السلطان أبي سعيد فقاموا بها على إقدام البر والتكرمة.وبعثوا الظهر إلى غساسة لركوبها وحمل أثقالها وصيغت حكمات الذهب والفضة وقدت ولايا الحرير المغشاة بالذهب واحتفل لوفادها وأعراسها غاية الاحتفال بما لم يسمع مثله في دولتهم.وتولت قهارمة الدار من عجز من النساء ما يتولاه مثلهم من ذلك الصنيع وتحدث الناس به.وهلك السلطان أبو سعيد بين يدي موصلها. والبقاء لله وحده.ولاية ابنه السلطان أبي الحسن الخبر عن مهلك السلطان أبي سعيد عفا الله عنه وولاية ابنه السلطان أبي الحسن وما تخلل ذلك من الأحداث وكان السلطان لما بلغه وصول العروس بنت مولانا السلطان أبي يحيى سنة إحدى وثلاثين واهتزت الدولة لقدومها عليهم تعظيماً لحق أبيها وقومها واحتفاء بها ارتحل السلطان أبو سعيد إلى تازى ليشارف أحوالها بنفسه استبلاغاً في تكريمها وسروراً بعروس ابنه.واعتل هنالك ومرض حتى أشفى على الهلاك وارتحل به ولي العهد الأمير أبو الحسن إلى الحضرة وحمله في فراشه على أكتاف الحاشية والخول حتى نزل بسبو ثم أدخله كذلك ليلا إلى داره.وأدركته المنية في طريقه فقضى رحمة الله عليه فوضوه بمكانه من البيت واستدعى الصالحين لمواراته فووري لشهر ذي الحجة من سنة إحدى وثلاثين. والبقاء لله وحده وكل شيء هالك إلا وجهه.ولما هلك السلطان أبو سعيد اجتمع الخاصة من المشيخة ورجالات الدولة إلى ولي عهده الأمير أبي الحسن وعقدوا له على أنفسهم وأتوه بيعتهم. وأمر بنقل معسكره من سبو وأضرب بالزيتون من ساحة فاس.ولما ووري السلطان خرج إلى معسكره في التعبية واجتمع إليه الناس على طبقاتهم لأداء البيعة وجلس بفسطاطه.وتولى أخذ البيعة له يومئذ على الناس المزوار عبو بن قاسم عريف الوزعة والمتصرفين وحاجب الباب القديم الولاية في ذلك بدارهم منذ عهد السلطان يوسف بن يعقوب.وزفت إليه ليلتئذ عروسه بنت مولانا السلطان أبي يحيى فأعرس بها بمكانه من المعسكر وأجمع أمره على الانتقام لأبيها من عدوه.وبدأ باستكشاف حال أخيه أبي علي وكان السلطان أبوهما يستوصيه به لما كان له بقلبه من العلاقة. وكان ولي العهد هذا يؤثر لرضاه جهده فاعتزم على الحركة إلى سجلماسة لمشارفة أحواله. والله تعالى أعلم. الخبر عن حركة السلطان أبي الحسن إلى سجلمالسة وانكفائه عنها إلى تلمسان بعد الصلح مع أخيه والاتفاق لما هلك السلطان أبو سعيد وكملت بيعة السلطان أبي الحسن وكان كثيراً ما يستوصيه بأخيه أبي علي لما كان كلفاً به شفيقاً عليه فأراد مشارفة أحواله قبل النهوض إلى تلمسان فارتحل من معسكره بالزيتون قاصداً سجلماسة.وتلقته في طريقه وفود الأمير أبي علي أخيه مؤدياً حقه موجباً مبرته مهنياً بما أتاه الله من ملك متجافياً عن المنازعة فيه قانعاً من تراث أبيه بما حصل في يده طالباً العقد له بذلك من أخيه.فأجابه السلطان أبو الحسن إلى ما سأل وعقد له على سجلماسة وما إليها من بلاد القبلة كما كان لعهد أبيهما.وشهد الملأ من القبيل وسائر زناتة والعرب وانكفأ راجعاً إلى تلمسان بإجابة صريخ الموحدين.وأغذ السير إليها.ولما انتهى إلى تلمسان نكث عنها متجاوزا إلى ناحية الشرق لوعد مولانا السلطان أبي يحيى بالنزول معه إلى تلمسان كما كان عليه وفاقهم ومشارطهم مع الأمير أبي زكريا الرسول إليهم فاحتل بتاسالة في شعبان من سنة اثنتين وثلاثين.وتلوم بها وأوعز إلى أساطيله بمراسي المغرب فأغزاها إلى سواحل تلمسان.وجهز لمولانا السلطان أبي يحيى مدداً من محس! كره أركبهم الأساطيل من سواحل وهران وعقد عليهم لمحمد البطوي من صنائع دولته.ونزلوا بجاية ووافوا بها مولانا السلطان أبا يحيى فصاروا في جملته.ونهضوا معه إلى تيكلات ثغر بني عبد الواد المجمرة بها الكتائب لحصار بجاية وبها يومئذ ابن هزرع من قوادهم.وأجفل من كان بها من العساكر قبل وصوله إليهم فلحقوا بآخر عملهم من المغرب الأوسط.وأناخ مولانا السلطان أبو يحيى عليها بعساكره من الموحدين والعرب والبربر وسائر الحشود فخربوا عمرانها وانتهبوا ما كان من الأقوات مختزناً بها وكان بحراً لا يدرك ساحله لما كان السلطان أبو حمو من لدن اختطها قد أوعز إلى العمال بسائر البلاد الشرقية منذ عمل البطحاء أن ينقلوا أعشار الحبوب إليها وسائر الأقوات. وتقبل ابنه السلطان أبو تاشفين مذهبه في ذلك.ولم يزل دأبهم إلى حين حلت بها هذه الفاقرة فانتهب الناس من تلك الأقوات ما لا كفاء له.وأصرعوا مختطها بالأرض فنسفوها نسفاً وذروها قاعاً صفصفاً. والسلطان أبو الحسن خلال ذلك متشرف لأحوالهم منتظر قدوم مولانا السلطان أبي يحيى بعساكره عليه لمنازلة تلمسان حتى وافاه الخبر بانتقاض أخيه كما نذكره فانكفأ راجعاً. واتصل الخبر بمولانا السلطان أبي يحيى فقفل إلى حضرته.وحمل البطوي معه وأسنى جائزته وجوائز عسكره فانصرفوا إلى السلطان مرسلهم في سفنهم.وانقبض عنان السلطان أبي تاشفين عن غزو البلاد الموحدين إلى أن انقرض أمره.والبقاء لله وحده. الخبر عن انتقاض أبي علي ونهوض السلطان أبي الحسن إليه وظفره به لما توغل السلطان أبو الحسن في غزاة تلمسان وتجاوزها إلى تاسالة لموعد مولانا السلطان أبي يحيى دس أبو تاشفين إلى الأمير أبي علي في اتصال اليد والاتفاق على السلطان أبي الحسن وأن يأخذ كل واحد منهما بحجزته عن صاحبه متى هم به وانعقد بينهما على ذلك.وانتقض الأمير أبو علي على أخيه السلطان أبي الحسن ونهض من سجلماسة إلى درعة فقتل بها عامل السلطان واستعمل عليها من ذويه وسرح العسكر إلى بلاد مراكش.واتصل الخبر بالسلطان وهو بمعسكره بتاسالة فأحفظه شأنه وأجمع على الانتقام منه فانكفأ راجعاً إلى الحضرة.وأنزل بثغر تاوريرت تخم عمله عسكراً وعقد عليه لابنه تاشفين وجعله إلى نظر وزيره منديل بن حمامة بن تيربيغين وأغذ السير إلى سجلماسة فنزل عليها وأحاطت عساكره بها وأخذ بمخنقها.وحشد الفعلة والصناع لعمل الآلات لحصارها والبناء بساحتها.وأقام يغاديها القتال ويراوحها حولاً كريتاً.ونهض أبو تاشفين في عساكره وقومه إلى ثغر المغرب ليوطئه عساكره ويعيث في نواحيه ويجاذب السلطان عن مكانه من حصاره.ولما انتهى إلى تاوريرت برز إليه ابن السلطان في وزرائه وعساكره وزحفوا إليه في التعبئة فاحتل مصافه وانهزم ولم يلق أحداً وعاد إلى منحجزه.وبادر إلى إمداد الأمير أبي علي بعسكره فعقد على حصة من جنوده وبعث بهم إليه فتسربوا إلى البلد زرافات ووحداناً حتى استكملوا عنده.وطاولهم السلطان الحصار وأنزل بهم أنواع الحرب والنكال حتى تغلب عليهم واقتحم البلد عنوة وتقبض على الأمير أبي علي عند باب قصره.وسيق إلى السلطان فأمهله واعتقله واستولى على ملكه.وعقد على سجلماسة واستعمل عليها ورحل منكفياً إلى الحضرة فاحتل بها سنة ثلاث وثلاثين.واعتقل أخاه في حدى حجر القصر إلى أن قتله لأشهر اعتقاله خنقاً بمحبسه.وعذر له هذا الفتح بفتح جبل واسترجاعه من يد العدو دمره الله بأيدي عسكره تحت راية ابنه أبي مالك.كما نذكره إن شاء الله تعالى. الخبر عن منازلة جبل الفتح واستئثار الأمير أبي مالك والمسلمين به لما هلك السلطان أبو الوليد ابن الرئيس أبي السعيد المتغلب على ملك الأندلس من يد ابن عمه أبي الجيوش قام بالأمر من بعده ابنه محمد طفلاً صغيراً إلى نظر وزيره محمد بن المحروق من بيوت الأندلس وصنائع الدولة واستبد عليه.فلما شب وناهز وأنف من الاستبداد عليه أغراه المعلوجي من حشمه بالوزير فاغتاله وقتله سنة تسع وعشرين. وشمر للاستبداد وشيد أواخي الملك.وكان الطاغية قد أخذ جبل الفتح سنة تسع وجاورت النصرانية به ثغور الفرضة وصار شجى في صدرها وأهم الملسمين شأنه. وشغل عنهم صاحب المغرب بما كان من فتنة ابنه فرجعوا الجزيرة وحصونها إلى ابن الأحمر منذ سنة اثنتي عشرة لأول الماية الثامنة.واستغلظ الطاغية عليهم بعد ذلك فرجعوا الجزيرة إلى صاحب المغرب سنة تسع وعشرين.وولى عليها السلطان أبو سعيد من أهل دولته سلطان بن مهلهل من عرب الخلط وأخواله.وأسف الطاغية إلى حصونها عند مهلك السلطان أبي سعيد فملك أكثرها ومنع البحر من الإجازة. وقارن ذلك استبداد صاحب الأندلس وقتله لوزيره المحروق.وأهمه شأن الطاغية فبادر إلى إجازة البحر. ووفد على السلطان أبي الحسن بدار ملكه بفاس سنة اثنتين وثلاثين فأكبر موصله وأركب الناس للقائه وأنزله بروض المصارة لصق داره واستبلغ في تكريمه.وفاوضه ابن الأحمر في شأن المسلمين وراء البحر وما أهمهم من عدوهم وشكا إليه حال الجبل واعتراضه شجى في صدر الثغور فأشكاه السلطان.وعامل الله في أسباب الجهاد وكان مشغوفاً به متقبلاً مذهب جده يعقوب فيه.وعقد لابنه الأمير أبي مالك على خمسة آلاف من بني مرين وأنفذه مع السلطان محمد بن إسماعيل لمنازلة الجبل فاحتل بالجزيرة وتتابع إليه الأسطول بالمدد.وأرسل ابن الأحمر حاشرين في الأندلس فتسايلوا إليه وأضربوا معسكرهم جميعاً بساحة الجبل. وأبلوا في حربه ومنازلته البلاء الحسن إلى أن تغلبوا عليه سنة ثلاث وثلاثين واقتحمه المسلمون عنوة.ونقلهم الله من كان به من النصرانية بما معهم ووفاه الطاغية بأمم الكفر لثالثة فتحه وقد شحنه المسلمون بالأقوات نقلوها من الجزيرة على خيولهم.وباشر نقلها الأمير أبو مالك وابن الأحمر فنقلها الناس عامة.وتحيز الأمير أبو مالك إلى الجزيرة وترك بالجبل يحيى بن طلحة بن محلى من وزراء أبيه.ووصل الطاغية بعد ثلاث فأناخ عليه. وبرز أبو مالك بعساكره فنزل قبالته. وبعث إلى الأمير أبي عبد الله صاحب الأندلس فوصل بحشد المسلمين بعد أن دوخ أرض النصرانية.وخرج فنزل بإزاء عسكر الطاغية وتحصن العدو في محلتهم.وأقاموا كذلك عادية لقرب العهد بارتجاعه وخفة ما به من الحامية والسلاح فبادر السلطان ابن الأحمر إلى لقاء الطاغية.وسبق الناس إلى فسطاطه عجلا بائعاً نفسه من الله في رضى المسلمين وسد فرجتهم فتلقاه الطاغية راجلاً حاسراً إعظاماً لموصله.وأجابه إلى ما سأل من الإفراج عن هذا المعقل وأتحفه بذخائر مما لديه وارتحل لفوره.وأخذ الأمير أبو مالك في تثقيف أطراف الثغر وسد فروجه وإنزال الحامية به ونقل الأقوات إليه.وكان فتحاً طوى دولة السلطان أبي الحسن قلادة الفخر آخر الأيام.ثم رجع بعدها إلى شأنه من منازلة تلمسان وحصاره كما سنذكره إن شاء الله تعالى. |
الخبر عن حصار تلمسان
وتغلب السلطان أبي الحسن عليها وانقراض بني عبد الواد بمهلك أبي تاشفين لما تغلب السلطان على أخيه وحسم علة انتزائه ومنازعته وسد ثغور المغرب وعظمت لديه نعمة الله بظهور عسكره على النصرانية وارتجاع جبل الفتح من أيديهم بعد أن أقام في ملكتهم نحواً من عشرين سنة فرغ لعدوه وأجمع على غزو تلمسان.ووفد عليه رسل السلطان أبي يحيى في سبيل التهنئة بالفتح والأخذ بحجزة أبي تاشفين على الثغور.وأوفد السلطان رسله إلى أبي تاشفين شفعاً وأن يتخلى عن عمل الموحدين جملة وينزل لهم عن تدلس ويرجع إلى تخم أعمالهم منذ أول الأمر ولو عامئذ ليعلم الناس جاه السلطان عند الملوك ويقدروه حق قدره.واستنكف أبو تاشفين من ذلك ولج وأغلظ للرسل في القول وأفحش بمجلسه بعض السفهاء من العبدى في الرد عليهم والنيل من مرسلهم فانقلبوا بما أحفظه فانبعثت عزائم السلطان للصعود إليهم.وعسكر بساحة البلد الجديد وبعث وزراءه إلى قاصية البلاد المراكشية لحشد القبائل والعساكر.ثم تعجل فاعترض جنوده وأزاح عللهم وعبأ مواكبه.وسار في التعبئة وفصل بمعسكره من فاس أواسط خمس وثلاثين.وسار يجر الشوك والمدد من أمم المغرب وجنوده. ومر بوجدة فجمر الكتائب لحصارها.ثم مر بندرومة فقاتلها بعض يوم واقتحمها فقتل حاميتها واستولى عليها آخر سنة خمس.ثم سار على تعبئته حتى أناخ على تلمسان وبلغه الخبر بتغلب عساكره على وجدة سنة ست وثلاثين فأوعز إليهم بتخريب أسوارها فأصرعوها بالأرض.وتوافت إليه أمداد النواحي وحشودها وربض على فريسته.ووفدت عليه قبائل مغراوة وبني توجين فأتوه طاعتهم.ثم سرح عساكره إلى الجهات فتغلب على وهران وهنين ثم على مليانة وتنس والجزائر كل ذلك سنة ست وثلاثين. ونزع إليه يحيى بن موسى صاحب القاصية الشرقية من عمله والمتاخم كان لعمل الموحدين والقائم حصار بجاية بعد نكبة موسى بن علي فلقاه مبرة وتكريماً ورفع مجلسه في بساطه ونظمه في طبقات وزرائه وجلسائه.وعقد على فتح البلاد الشرقية ليحيى بن سليمان العسكري كبير بني عسكر بن محمد وشيخ بني مرين وصاحب شوراهم بمجلس السلطان والمخصوص بالصهر من السلطان وعقد له على ابنته فسار في الأولوية والجنود وطوع ضاحية الشرق وقبائله وافتتح أمصاره حتى انتهى إلى المدية.ونظم لبلاد في طاعة السلطان وأحشد مقاتليها إلى معسكره فلحقوا به وكاثروا جنوده.واستعمل السلطان على وانشريش وعمل الحشم من بني توجين.وعقد لسعد بن سلامة بن علي على بني يدللتن. وجعل الوالي بالقلعة إلى نظره.وكان خلص إليه بالمغرب قبل فصوله نازعاً عن أبي تاشفين لمكان أخيه قريعه محمد من الدولة. واستعمل السلطان أيضاً على شلف وسائر أعمال المغرب الأوسط.واختط السلطان بقرب تلمسان البلد الجديد لسكناه.ونزل عساكره وسماه المنصورة.وأدار على البلد المخروب سياجاً من السور ونطاقاً من الخندق.ونصب المجانيق والآلات من وراء خندقه.وشيد قبالة كل برج من أبراج البلد برجاً على ساقه خندقه ينضخ رماته بالنبل رملهم وشغلوهم بأنفسهم حتى شيدوا برجاً آخر أقرب منه وترتفع شرفاته فوق خندقهم.ولم يزل يتقرب بوضع الأبراج من حد إلى ما بعده حتى اختطها من قرب على ساقة خندقهم.وتماصع المقاتلة بالسيوف من أعاليها وقربت المجانيق إلى رجمها ودكها فنالت من ذلك فوق الغاية. واشتد الحرب وضاق نطاق الحصار. وكان السلطان يصابحهم كل يوم بالبكور والطواف على البلد من جميع جهاته لتفقد المقاتلة في مراكزهم وربما ينفرد في تطوافه بعض الأيام عن حاشيته فاهتبلوا الأمر يحسبونه غرة.وصفوا جيوشهم من وراء السور مما يلي الجبل المطل على البلد حتى إذا حاذاه السلطان في تطوافه فتحوا أبوابهم وأرسلوا عليه عقبان جنودهم فاضطروه إلى سفح الجبل حتى لحق بأوعاره وكان أن ينزل عن فرسه هو ووليه عريف بن يحيى أمير سويد.ووصل الصائح إلى المعسكر فركب الأميران ابناه أبو عبد الرحمن وأبو مالك في ججوع بني مرين وتهاوت فرسان المعسكر من كل جانب فشمروا جنود بني عبد الواد إلى مراكزهم.ثم دفعوهم عنها وحملوهم على هوة الخندق فتطارحوا فيها وترادفوا وهلك بالكظيظ أكثر مما هلك بالقتل.واستلحم في ذلك اليوم زعماء ملاحمهم مثل عمر بن عثمان كبير الحشم من بني توجين ومحمد بن سلامة بن علي كبير بني يدللتن منهم أيضاً وغيرهم. وكان يوماً له ما بعده. واعتز بنو مرين عليهم من يومئذ. ونذر بنو عبد الواد بالتغلب عليهم واتصلت الحرب عامين. ثم اقتحمها السلطان غلاباً لسبع وعشرين من رمضان سنة سبع وثلاثين. ووقف أبو تاشفين بساحة قصره مع خاصته.وقاتل هنالك حتى قتل ابناه عثمان ومسعود ووزيره موسى بن علي ووليه عبد الحق بن عثمان بن محمد من أعياص آل عبد الحق.نزع إليه من جملة الموحدين كما أشرنا إليه ونستوفي في أخباره. فهلك هو وابنه وابن أخيه وأثخنت السلطان أبا تاثسفين الجراحات. ووهن لها فتقبض عليه واحتقبه بعض الفرسان إلى السلطان فلقيه الأمير أبو عبد الرحمن صالي تلك الحروب ووارد غمرتها بنفسه فاعترضه وقد غص الطرق بموكبه فأمر به للحين فقتل واحتز رأسه.وسخط ذلك السلطان من فعله لحرصه على توبيخه وتقريعه وذهب مثلا في الغابرين.واقتحم السلطان بكافة عساكره وتواقع الناسى بباب كشوك لجنوبهم من كظيظ الزحام فهلك منهم أمم.وانطلقت أيدي النهب على البلد فلحقت الكثير من أهله معرة في أموالهم وحرمهم.وخلص السلطان إلى المسجد الجامع مع لمة من خواصه وحاشيته.واستدعى شيوخ الفتيا بالبلد أبو زيد وأبو موسى ابنا الإمام وفاء بحق العلم وأهله فخلصوا إليه بعد الجهد ووعظوه وذكروه بما نال الناس من النهب فركب لذلك بنفسه وسكن ووزع جنوده وأشياعه عن الرعية وقبض أيديهم عن الفساد وعاد إلى معسكره بالبلد الجديد.وقد كمل الفتح وعز النصر وشهد ذلك اليوم أبو محمد عبد الله بن تافراكين وافاه رسولاً عن مولانا السلطان أبي يحيى مجدداً للعهد فأعجله السلطان إلى مرسله بالخبر وسابق السابقين.ودخل تونس لسبع عشرة ليلة من نوبة الفتح فعظم السرور عند السلطان أبي يحيى بمهلك عدوه والانتقام منه بشارة واعتدها بمساعيه.ورفع السلطان أبو الحسن القتل عن بني عبد الواد أعدائهم وشفا نفسه بقتل سلطانهم وعفا عنهم وثبتهم في الديوان وفرض لهم العطاء واستتبعهم على راياتهم ومراكزهم.وجمع كلمة بني واسين من بني مرين وبني عبد الواد وتوجين بل وسائر زناتة.وأنزلهم ببلاد المغرب وسد بكل طائفة منهم ثغراً من أعماله.وساروا عصباً تحت لوائه فأنزل منهم بقاصية السوس وبلاد غمارة وأجاز منهم إلى ثغور عمله بالأندلس حامية ومرابطين واندرجوا في جملته واتسع تطاق ملكه. وأصبح ملك زناتة بعد أن كان ملك بني مرين. وسلطان العدوتين بعد أن كان سلطان المغرب. والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين. |
الخبر عن نكبة الأمير أبي عبد الرحمن
بمتيجة وتقبض السلطان عليه ثم مهلكه آخراً قد قدمنا ما كان من اشتراط السلطان أبي سعيد على الموحدين منازلتهم تلمسان مع عساكره وتلوم السلطان أبو الحسن بتاسالة لانتظار مولانا السلطان أبي يحيى. ولما نازل تلمسان بعساكره المرة الثانية لم يطالبهم بذلك.وكان أبو محمد بن تافراكين يتردد إليه وهو بمعسكره من حصار تلمسان مؤدياً حقه مستخبراً مآل عدوهم. فلما تغلب على تلمسان أسر إليه سفيرهما أبو محمد بن تافراكين بأن سلطانه قادم عليه للقائه وتهنئته بالظفر بعدوه.وتشوف السلطان أبو الحسن إليها لما كان يحب الفخر ويعنى به فارتحل من تلمسان سنة ثمان وثلاثين وعسكر ببسيط متيجة منتظراً وفادة مولانا السلطان أبي يحيى عليه.وتكاسل السلطان عنها لما أراه سيفه المتحكم في دولته محمد بن الحكيم من حذر مغبتها وقال له إن لقاء سلطانين لا يتفق إلا في يوم على أحدهما فنكره لذلك السلطان وتقاعد عنه.وطال مقام السلطان أبي الحسن في الموعد الذي ألقي إليه أبو محمد بن تافراكين واعتل لأشهر من مقامه ومرض بفسطاطه. وتحدث أهل المعسكر بمهلكه. وكان ابناه الأميران أبو عبد الرحمن وأبو مالك متناغيين في ولاية عهده منذ أيام جدهما أبي سعيد.وكان السلطان قد جعل لهما من أول دولته ألقاب الأمارة وأحوالها من اتخاذ الوزراء والكتاب ووضع العلامة وتدوين الدواوين وإثبات العطاء واستلحاق الفرسان والانفراد بالمعسكر فكانا من ذلك على ثبج. وجعل لهما مع ذلك الجلوس بمقعد فصله والمناوبة لتنفيذ الأوامر السلطانية فكانا لذلك رديفين له في سلطانه.ولما اشتد وجع السلطان تمشت سماسرة الفتن بين هذين الأميرين وحزبوا أهل المعسكر لهما أحزاباً وبث كل واحد منهما المال وحمله على القربات. وصاروا شيعاً وانقسموا فرقاً.وهم الأمير أبو عبد الرحمن بالتوثب على الأمر قبل أن يتبين حال السلطان بإغراء وزرائه وبطانته بذلك. وتفطن خاصة السلطان لها فأخبروه الخبر وحضوه على الخروج إلى الناس قبل أن يتفاقم الأمر ويتسع الخرق فبرز إلى فسطاط جلوسه. وتسامع أهل المعسكر به فازدحموا على مجلسه وتقبيل يديه. وتقبض على أهل الظنة من العسكر فأودعهم السجن وسخط على الأميرين. ورحل الناس من معسكرهما فردهما إلى معسكره. ثم رجع إلى فسطاطه فارتاب الأميران لذلك ووجما وطفئت نار فتنتهما. وسكن سعي المفسدين عندهما وانتبذ الناس عنهما.واشتدت روعة الأمير أبي عبد الرحمن وركب من فساطيطه وخاض الليل وأصبح بحلة أولاد زغلى أمراء زغبة الموطنين بأرض حمزة فتقبض عليه أميرهم موسى بن أبي الفضل.ورده إلى أبيه فاعتقله بوجدة ورتب العيون لحراسته من حشمه إلى أن قتله بعد ذلك سنة اثنتين وأربعين. توثب بالسجان فقتله. وأنفذ السلطان حاجبه علال بن محمد فقضى عليه.ولحق وزيره زيان بن عمر الوطاسي بالموحدين فأجاروه. ورضي السلطان صبيحة نزوع أبي عبد الرحمن عن أخيه أبي مالك وعقد له على ثغور عمله بالأندلس وصرفه إليها وانكفأ إلى تلمسان. والله أعلم. الخبر عن خروج ابن هيدور وتلبيسه بأبي عبد الرحمن لما تقبض السلطان على ابنه أبي عبد الرحمن وأودعه السجن تفرق خدمه وحشمه انذعروا في الجهات.وهمل جازر من مطبخه كان يعرف بابن هيدور كان شبيهاً له في الصورة فلحق ببني عامر من زغبة.وكانوا لذلك العهد منحرفين عن الطاعة خوارج على الدولة لما كان السلطان وأبوه قد اختص عريف بن يحيى أمير بني سويد أقتالهم منذ نزع إليهم عن أبي تاشفين.فركبوا سنن الخلاف ولبسوا جلدة النفاق وانتبذوا بالقفار.ورياستهم لذلك العهد لصغير بن عامر وإخوته.وعقد السلطان على حربهم لونزمار ابن وليه عريف. وكان سيد البدو يومئذ فجمع لهم وشمر لطلبهم. وأبعدوا إمامه في المذهب وأوقع بهم مراراً. ولحق بهم هذا الجازر وانتسب لهم إلى السلطان أبي الحسن وأنه أبو عبد الرحمن ابنه النازع عنه فشبه لهم. وبايعوه وأجلبوا به على نواحي المدية. وبرز إليهم قائدها مجاهد من صنائع الدولة ففضوا جمعه وانهزم أمامهم.ثم جمع لهم ونزمار وفروا عن تلك النواحي وافترق جمعهم.ونبذوا إلى ذلك الجازر عهده فلحق ببني يراتن من زواوة ونزل على سيدتهم شمسي فقامت بأمره. وحمل بنوها من بني عبد الصمد قومهم على طاعته.وشاع في الناس خبره فمن مصدق ومكذب حتى تبينت حاله ووقفوا على كذبه في انتسابه فنبذوا إليه عهده. ولحق بالدواودة أمراء رياح ونزل على سيدهم يعقوب بن علي وانتسب له في مثل ذلك النسب فأجاره إلى أن صدق نسبه.وأوعز السلطان إلى مولانا السلطان أبي يحيى في شأنه فبعث إلى يعقوب بن علي فيه.وأرسل إليه زيان بن عمر وزير أبي عبد الرحمن النازع إليهم فكشف لهم عن خبثه فتقبض عليه يعقوب وأشخصه إلى السلطان مع ذويه فلحق به بمكانه من سبتة فامتحنه السلطان وقطعه من خلاف وانحسم داؤه. وبقي بالمغرب تحت جراية من الدولة إلى أن هلك الخبر عن شأن الجهاد وإغراء السلطان ابنه الأمير أبا مالك واستشهاده لما فرغ السلطان من أمر عدوه وما تبع ذلك من الأحوال صرف اعتزامه إلى الجهاد لما كان كلفا به.وكان الطاغية منذ شغل بنو مرين عن الجهاد منذ عهد يوسف بن يعقوب وقد اعتزوا على المسلمين بالعدوة.ونازلوا معاقلهم وتغلبوا على الكثير منها وارتجعوا الجبل ونازلوا السلطان أبا الوليد في عقر داره بغرناطة ووضعوا عليهم الجزية فتقبلوها وأسفوا إلى التهام المسلمين بالأندلس.فلما فرغ السلطان أبو الحسن من شأن عدوه وغلب على الأيدي يده وانفسح نطاق ملكه دعته نفسه إلى الجهاد.وأوعز إلى ابنه الأمير أبي مالك أمير الثغور من عمله من الدعوة سنة أربعين بالدخول إلى دار الحرب.وجهز إليه العساكر من حضرته وأنفذ إليه الوزراء فشخص غازياً في الجحفل وتوغل في بلاد الطاغية واكتسحها وخرج بالسبي والغنائم إلى أدنى صدرة من أرضهم وأناخ بها.واتصل الخبر بأن النصارى جمعوا له وأغنوا السير في اتباعه.وأشار عليه الملأ با الخروج عن أرضهم وإجازة الوادي الذي كان تخماً بين أرض الإسلام ودار الحرب.وأن يسير إلى مدن المسلمين فيمتنع يهاة فلج في إبايته وصمم على التعريس.وكان قدماً ثبتاً إلا أنه كان غير بصير بالحروب لمكان سنه فصبحتهم عساكر النصرانية في مضاجعهم قبل أن يستركبوا وخالطوهم في أبياتهم. وأدرك الأمير أبو مالك قبل أن يستوي على فرسه فجدلوه واستلحموا الكثير من قومه واحتووا على المعسكر بما فيه من أموال المسلمين ورجعوا على أعقابهم.واتصل الخبر بالسلطان فتفجع لمهلك ابنه واسترحم له. واحتسب عند الله أجره وفي سبيله قتله. وشرع في إجازة العساكر للجهاد وتجهيز الأساطيل. الخبر عن واقعة الملند والظفر به وظهور أساطيل المسلمين على أسطول النصارى لما بلغ الخبرإلى السلطان باستشهاد ابنه أخرج وزراءه إلى السواحل لتجهيز الأساطيل.وفتح ديوان العطاء واعترض الجنود وأزاح عللهم.واستنفر أهل المغرب وارتحل إلى سبتة ليباشر أحوال الجهاد. وتسامعت النصرانية بذلك فاستعدوا للدفاع.وأضرج الطاغية أسطوله إلى الزقاق ليمنع السلطان من الإجازة.واستحث السلطان أساطيل المسلمين من مرسى العدوة.وبعث إلى الموحدين بتجيهز أسطولهم إليه فعقدوا عليه لزيد بن فرحون قائد أسطول بجاية من صنائع دولتهم وأوفى سبتة في ستة عشر من أساطيل إفريقية كان فيها من طرابلس وقابس وجربة وتونس وبونة وبجاية.وتوافت أساطيل المغربين بمرسى سبتة تناهز الماية. وعقد السلطان عليها لمحمد بن علي العزفي الذي كان صاحب سبتة يوم فتحها وأمره بمناجزة أسطول النصارى بالزقاق.وقد أكمل عديدهم وعدتهم فاستلأموا وتظاهروا في السلاح.وتزاحفوا إلى أسطول النصارى وتواقفوا ملياً. ثم قربوا الأساطيل بعضها إلى بعض وقرنوها للمصاع ولم يكن إلا كلا ولا حتى هبت ريح النصر وأظفر الله المسلمين بعدوهم وخالطوهم في أساطيلهم.واستلحموهم قهراً بالسيوف وطعناً بالرماح وألقوا أشلاءهم في اليم.وقتلوا قائدهم الملند واستاقوا أساطيلهم مجنوبة إلى مرسى سبتة فبرز الناس لمشاهدتها. وطيفت بكثير من رؤوسهم في جوانب البلد. ونظمت أصفاد الأسارى بدار الإنشاء. وعظم الفتح وجلس السلطان للتهنئة وأنشدت الشعراء بين يديه.وكان يوماً من أغر الأيام. والمنة لله سبحانه. |
الخبر عن واقعة طريف وتمحيص المسلمين
لما ظفر المسلمون بأسطول النصارى وخضدوا شوكتهم عن ممانعة الجواز شرع السلطان فى إجازة العسكر الغزاة من المرتزقين.وانتظمت الأساطيل بسلسلة واحدة من العدوة إلى العدوة. ولما استكمل إجازة العساكر أجاز هو في أسطوله وخاصته وحشمه آخر سنة أربعين. ونزل بساحة طريف وأناخ بعساكره عليها واضطرب معسكره بفنائها وبدأ بمنازلتها.ووافاه سلطان الأندلس أبو الحجاج ابن السلطان أبي الوليد بعسكر الأندلس من غزاة زناتة وحامية الثغور ورجل البدو فعسكروا حذو معسكره وأحاطوا بطريف نطاقاً واحداً وأنزلوا بهم أنواع القتال ونصبوا عليها الآلات.وجهز الطاغية أسطولا آخر اعترض به الزقاق لقطع المرافق عن المعسكر وطال ثواهم بمكانهم من حصار البلد ففنيت أزوادهم وافتقدوا العلوفات فوهن الظهر واختلت أحوال لمعسكر. واحتشد الطاغية أمم النصرانية وظاهره البرتغال صاحب أشبونة وغرب لأندلس فجاء معه في قومه.وزحف إليهم لستة أشهرمن نزولهم.ولما قرب من معسكرهم سرب إلى طريف جيشاً من النصارى أكمنهم بها فدخلوها ليلاً على حين غفلة من العسس الذي أرصد لهم.وأحسوا بهم آخر ليلتهم فثاروا بهم من مراصدهم.وأدركوا أعقابهم قبل دخول البلد فقتلوا منهم عدداً ولبسوا على السلطان بأن لم يدخل البلد سواهم حذراً من سطوته.وزحف الطاغية من الغد في جموعه وعبأ السلطان عساكر المسلمين صفوفاً وتزاحفوا.ولما نشب الحرب برز الجيش الكمين من البلد وخالفوهم إلى المعسكر وعمدوا إلى فساطيط السلطان.ودافعهم عنها الناشبة الذين أعدوا لحراستها فاستلحموهم.ثم دافعهم النساء عن أنفسهن فقتلوهن وخلصوا إلى حظايا السلطان عائشة بنت عمه أبي يحيى بن يعقوب وفاطمة بنت مولانا السلطان أبي يحيى ملك إفريقية وغيرهما من حظاياه فقتلوهن واستلبوهن.وانتهبوا سائر الفساطيط وأضرموا المعسكر ناراً.وأحس المسلمون بما وراءهم في معسكرهم فاختل مصافهم وارتدوا على أعقابهم بعد أن كان ابن السلطان صمم في طائفة من قومه وذويه حتى خالطهم في صفوفهم فأحاطوا به وتقبضوا عليه.وولى السلطان متحيزاً إلى فئة المسلمين.واستشهد كثير من الغزاة.ووصل الطاغية إلى فسطاط السلطان من المحلة.ونكر قتل النساء والولدان ووقف منها بمنتهى أثره وانكفأ راجعاً إلى بلاده.ولحق ابن الأحمر بغرناطة وخلص السلطان إلى الجزيرة ثم إلى الجبل.ثم ركب السفين إلى سبتة في ليلته.ومحص الله المسلمين وأجزل مثوبتهم وأرجأ لهم الكرة على عدوهم. الخبر عن منازلة الطاغية الجزيرة ثم تغلبه عليها بعد أن غاب علي القلعة من ثغور ابن الأحمر لما رجع الطاغية من واقعة طريف استأسد على المسلمين بالأندلس وطمع في التهامهم وجمع عساكر النصرانية ونزل قلعة بني سعيد ثغر غرناطة وعلى مرحلة منها.وجمع الآلات والأيدي على حصارها واشتد مخنقها. وأصابهم الجهد من العطش فنزلوا على حكمه سنة اثنتين وأربعين. وأدال الله الطيب منها بالخبيث وانصرف إلى بلده.وكان السلطان أبو الحسن لما أجاز إلى سبتة أخذ نفسه بالعودة إلى الجهاد لرجع الكرة وبعث في الأمصار للاستنفار وأحرج قواده إلى سواحل البحر لتجهيز الأساطيل حتى أكمل له منها عدد.ثم ارتحل إلى سبتة لمشارفتها وقدم عسكره إلى العدوة مع وزيره عسكر بن تاحضريت.وبعث على الجزيرة محمد بن العباس بن تاحضريت من قرابة الوزير وبعث إليها مدداً من العسكر مع موسى بن إبراهيم اليرنياني من المرشحين للوزارة ببابه. وبلغ الطاغية خبره فجهز أسطوله وأجراه إلى بحر الزقاق لمدافعته. وتلاقت الأساطيل فمحص الله المسلمين.واستشهد منهم أعداد. وتغلب أسطول الطاغية على بحر الزقاق وملكوه دون المسلمين.وأقبل الطاغية من إشبيلية يجر عساكر النصرانية حتى أناخ بها على الجزيرة الخضراء مرقى أساطيل المسلمين وفرضة المجاز. وأمل أن ينظمها في ملكته مع جارتها طريف.وحشد الفعلة والصناع للآلات وجمع الأيدي عليها وطاولها الحصار. واتخذ أهل المعسكر بيوتاً من الخشب للمطاولة. وجاء السلطان أبو الحجاج بعساكر الأندلس فنزل قبالة الطاغية بظاهر جبل الفتح في سبيل الممانعة. وأقام السلطان أبو الحسن بمكانه من سبتة يسرب إليها المدد من الفرسان والمال والزرع في أحايين الغفلة من أساطيلهم وتحت جناح الليل فلم يغنهم ذلك واشتد عليهم الحصار وأصابهم الجهد.وأجاز إليه السلطان أبو الحجاج يفاوضه في شأن السلم مع الطاغية بعد أن أذن له الطاغية في الإجازة مكراً به.وترصدته بعض الأساطيل في طريقه فصدقهم المسلمون القتال وخلصوا إلى الساحل بعد عصب الريق فضاقت أحوال هذه الجزيرة ومن كان بها من عساكر السلطان. وسألوا من الطاغية الأمان على أن ينزلوا عن البلد فبذله وخرجوا فوفى لهم.وأجازوا إلى المغرب سنة ثلات وأربعين فأنزلهم السلطان ببلاده خير نزل ولقاهم من المبرة والكرامة ما أعاضهم مما فاتهم أو خلع عليهم وحملهم وأجازهم بما تحدث به الناس.وتقبض على وزيره عسكر بن تاحضريت عقوبة على تقصيره في المدافعة مع تمكنه منها لما كان لديه من العساكر. وانكفأ السلطان إلى حضرته موقناً بظهور أمر الله وإنجاز وعده برجع الكرة وعلو الدين. والله متم نوره ولو كره الكافرون. الخير عن شفاعة صاحب تونس في أولاد أبي العلاء ووصولهم إلى السلطان كان عثمان بن أبي العلاء من أعياص آل عبد الحق شيخ الغزاة المجاهدين من زناتة والبربر بالأندلس.وكان له فيها مقام معلوم في حماية الثغور ومدافعة العدو وغزو دار الحرب ومساهمة صاحب الأندلس الجهاد كما نستوفي في أخباره.وكان السلطان أبو سعيد لما استصرخ به أهل الأندلس اعتنر بمكانه بينهم.واستشرط عليهم أن يمكنوه من قياده حتى يقضي نوبة الجهاد فلم يسعفوه بذلك.ولما هلك عثمان بن أبي العلاء قام بأمره من بعده في مراسم الجهاد بنوه وكانوا يرجعون في رياستهم إلى كبيرهم أبي ثابت عامر.وقويت عصابتهم بالأبناء الموالي وعلت على يد السلطان يدهم واستبدوا عليه في أكثر الأحوال واستنكف لها وكان ذلك مما دعاه إلى القدوم على السلطان أبي الحسن.وارتاب بنو أبي العلاء بإجازته إليه واتهموه على أ انفسهم واستعدهم إلى منازلة جبل الفتح على كره.فلما تغلب المسلمون عليه وقضى ابن الأحمر من مدافعة الطاغية عنه بالرغبة ما قضى كما ذكرناه واعتزم على القفول إلى حضرته أجمعوا الفتك به في طريقه وداخلوا في ذلك مواليه من المعلوجي لما أسفهم به إرهاف حده والتضيق عليهم في جاهه فبرموا وطووا على النث.حتى إذا وجدوا من بني أبي العلاء داعية إلى ذلك خفوا إلى إجابتها.ونذر بهم محمد بن الأحمر فبعث عن السفين يعترضه في طريقه.وساحل إليه وتسابقوا لشأنهم قبل فوته فأدركوه دون حصن أصطبونة.وعتبوه فاستعتب ثم أغلظوا في القول وقتلوا مولاه عاصماً صاحب ديوان العطاء تجنياً عليه.ونكر السلطان ذلك فتناولوه بالرماح طعناً حتى قعصوه.ورجعوا إلى المعسكر فاستدعوا من كان داخلهم من الموالي.وجاءوا بأخيه أبي الحخاج يوسف بن أبي الوليد فبايعوا له وأصفقوا على تقديمه.وسرح لحينه قائمه ابن عزون فاستولى له على دار ملكه وتم أمره.وحجبه رضوان مولى أبيهم واستبد عليه وسكن بين جنبيه من بني أبي العلاء وقتلهم لأخيه داء دخيل.حتى إذا سما السلطان أبو الحسن إلى الجهاد وأجاز المدد إلى ثغور عمله بالأندلس وعقد لابنه الأمير أبي مالك أسر إليهم في شأن بني أبي العلاء ما كان أبوه السلطان أبو سعيد اشترط عليهم في مثلها.ووافق منهم داعية لذلك فتقبض عليهم أبو الحجاج وأودعهم المطبق أجمع.ثم أشخصهم في السفين إلى مراسي إفريقية فنزلوا بتونس على مولانا السلطان أبي يحيى.وبعث فيهم السلطان أبو الحسن إليه فاعتقلهم.ثم أوعز إليه مع عريف الوزعة ببابه ميمون بن بكرون في إشخاصهم إلى حضرته فتوقف عنها.وأبى من إخفار ذمته وتوسوس إليه وزيره أبو محمد بن تافراكين بأن مقصد السلطان فيهم غير ما ظنوا به من الشر.ورغب في منة السلطان ببعثهم إليه والمبالغة في الشفاعة فيهم علماً بأن شفاعته لا ترد فأجابه إلى ذلك وجنبوهم إليه مع ابن بكرون.واتبعهم أبو محمد بن تافراكين بكتابة الشفاعة فيهم من السلطان.وقدموا على السلطان أبي الحسن مرجعه من الجهاد سنة اثنتين وأربعين فتلقاهم بالبر والترحيب إكراماً لشفيعهم.وأنزلهم بمعسكره وجنب لهم القربات بالمراكب الثقيلة وسرب لهم الفساطيط وأسنى لهم الخلع والجوائز وفرض لهم أعلى رتب العطاء وصاروا في جملته.ولما احتل بسبتة لمشارفة أحوال الجزيرة سعى عنده فيهم بأن كثيراً من المفسدين يداخلونهم في الخروج والتوثب على الملك فتقبض عليهم وأودعهم السجن بمكناسة إلى أن كان من خبرهم مع ابنه أبي عنان ما نذكره إن شاء الله تعالى.والله أعلم. |
الخبر عن هدية السلطان إلى المشرق
وبعثه بنسخة المصحف من خطه إلى الحرمين والقدس كان للسلطان أبي الحسن مذاهب في ولاية ملوك المشرق والكلف بالمعاهد الشريفة تقبله من سلفه وضاعفه لديه متين ديانته.ولما قضى من أمر تلمسان ما قضى وتغلب على المغرب الأوسط وصار أهل النواحي تحت ربقة منه واستطال بجناح سلطانه وخاطب لحينه صاحب مصر والشام محمد بن قلاوون الملك الناصر وعرفه بالفتح وارتفاع العوائق عن الحاج في سابلتهم.وكان فرانقه في ذلك فارس بن ميمون بن ودرار.وعاد بجواب الكتاب وتقرير المودة بين السلف.وأجمع السلطان على كتابة نسخة أنيقة من المصحف الكريم بخط يديه ليوقفها بالحرم الشريف قربة إلى الله وابتغاء للمثوبة.فانتسخها وجمع الوراقين لمعاناة تذهيبها وتنميقها والقراء لضبطها وتهذيبها حتى اكتمل شأنها.ووضع لها وعاء مؤلف من خشب الأبنوس والعاج والصندل فائق الصنعة وغشي بصفائح الذهب ونظم بالجوهر والياقوت واتخذت له أصونة الجلد المحكمة الصناعة المرقوم أديمها بخيوط الذهب ومن فوقها غلاف الحرير والديباج وأغشية الكتان.وأخرج من خزائنه أموالاً عيناً لشراء الضياع بالمشرق لتكون وقفاً على القراء فيها.وأوفد على الملك الناصر محمد بن قلاوون صاحب مصر والشام من خواص مجلسه وكبار أهل دولته عريف بن يحيى أمير زغبة والسابق القدم في بساطه على كل خالصة وعطية بن مهلهل بن يحيى كبير الخولة. وبعث كاتبه أبا الفضل بن حمد بن أبي مدين وعريف الوزعة بدولته وصاحب الباب عبو بن قاسم المزوار. واحتفل في الهدية للسلطان صاحب مصر احتفالاً تحدث به الناس دهراً. ووقفت على برنامج الهدية بخط أبي الفضل بن أبي مدين هذا الرسول ووعيته وأنسيته. وذكر لي بعض قهارمة الدار أنه كان فيها خمسماية من عتاق الخيل المقربات بسروج الذهب والفضة ولجمها خالصاً ومغشى ومموهاً.وخمسماية حمل من متاع الغرب وماعونه وأسلحته ومن نسج الصوف المحكم ثياباً وأكسية وبرانس وعمائم وازراً معلمة وغير معلمة. ومن نسج الحرير الفائق المعلم بالذهب ملوناً وغير ملون وسادجاً منمقاً. ومن الدرق المجلوبة من بلاد الصحراء المحكمة بالدباغ المتعارف وتنسب إلى اللمط. ومن حرثى المغرب وماعونه ما يستظرف صناعته بالمشرق حتى لقد كان فيها مكيل من حصى الجوهر والياقوت. واعتزمت حظية من حظايا أبيه على الحج في ركابه ذلك فأذن لها واستبلغ في تكريمها. واستوصى بها وافده وسلطان مصر في كتابه.وفصلوا من تلمسان وأدوا رسالتهم إلى الملك الناصر وهديتهم فتقبلها وحسن لديه موقعها.وكان يوم وفادتهم عليه بمصر يوماً مشهوداً تحدث به الناس دهراً ولقاهم في طريقهم أنواع البر والتكرمة حتى قضوا فرضهم ووضعوا المصحف الكريم بحيث أمرهم صاحبهم.وأسنى هدية السلطان من فساطيطهم الغريبة الهيكل والصنعة بالمغرب ومن ثياب إسكندرية البديعة النسج المرقومة بالذهب ورجعهم بها إلى مرسلهم وقد استبلغ في تكريمهم وصلتهم.وبقي حديث هذه الهدية مذكوراً بين الناس لهذا العهد.ثم انتسخ السلطان نسخة أخرى من المصحف الكريم على القانون الأول ووقفها على القراء بالمدينة وبعثها مع من تخيره لذلك العهد من أهل دولته.واتصلت الولاية بينه وبين الملك الناصر إلى أن هلك سنة إحدى وأربعين. وولي الأمر من بعده ابنه أبو الفداء إسماعيل فخاطبه السلطان وأتحفه وعزاه عن أبيه. وأوفد عليه كاتبه وصاحب ديوان الخراج ببابه أبا الفضل بن عبد الله بن أبي مدين فقضى من وفادته ما حمل.وكان شأنه عجباً في إظهار أبهة سلطانه والإنفاق على المستضعفين من الحاج في سبيلهم وإتحاف رجال الدولة التركية بذات يده والتعفف عما في أيديهم. ثم شرع السلطان بعده عند استيلائه على إفريقية كما نذكره في كتابة نسخة أخرى من المصحف الكريم ليوقفها ببيت المقدس فلم يقدر على إتمامها. وهلك قبل فراغه من نسخها كما نذكره إن شاء الله تعالى. الخبر عن هدية السلطان إلى ملك مالي من السودان المجاورين للمغرب كان للسلطان أبي الحسن مذهب في الفخر معروف يتطاول به إلى مناغاة الملوك الأعاظم واقتفاء سننهم في مهاداة الأقتال والأنظار وإنفاذ الرسل على ملوك القاصية والتخوم البعيدة.وكان ملك مالي أعظم ملوك السودان لعهده مجاوراً لملكه بالمغرب على ماية مرحلة في القفر من ثغور ممالكه القبلية. ولما غلب بني عبد الواد على تلمسان وابتزهم ملكهم واستولى على ممالك المغرب الأوسط وتحدث الناس بشأن أبي تاشفين وحصاره ومقتله وما كان للسلطان في ذلك من سورة التغلب وإهانة العدو شاعت أخبار ذلك في الآفاق.وسما سلطان مالي منسا موسى المتقدم ذكره في أخبارهم إلى مخاطبته فأوفد عليه فرانقين من أهل مملكته مع ترجمان من الملثمين المجاورين لممالكهم من صنهاجة فوفدوا على السلطان في التهنئة بالتغلب والظفر بالعدو فكرم وفادتهم وأحسن مثواهم ومنقلبهم.ونزع إلى طريقته في الفخر فانتخب طرفاً من متاع المغرب وماعونه من ذخيرة داره وأسناها. وعين رجالاً من أهل دولته كان فيهم كاتب الديوان أبو طالب بن محمد بن أبي مدين ومولاه عنبر الخصي.وأنفذهم بها على ملك مالي منسا سليمان بن منسا موسى لمهلك أبيه قبل مرجع وفده.وأوعز إلى أعراب الفلاة من المعقل بالسير معهم ذاهبين وجائين فشمر لذلك علي بن غانم أمير أولاد جار الله من المعقل وصحبهم في طريقهم امتثالاً لأمر السلطان.وتوغل ذلك الركاب في القفر إلى بلد مالي بعد الجهد وطول المشقة فأحسن مبرتهم وأعظم موصلهم وكرم وفادتهم ومنقلبهم.وعادوا إلى مرسلهم في وفد من كبار مالي يعظمون سلطانه ويوجبون حقه ويؤدون من خضوع مرسلهم وقيامه بحق السلطان واعتماله في مرضاته ما استوصاهم به فأدوا رسالتهم.وبلغ السلطان إرباً من اعتزازه على الملوك وخضوعهم لسلطانه. وقضى حق الشكر لله في صنعه. الخبر عن إصهار السلطان إلى صاحب تونس لما هلكت ابنة مولانا السلطان أبي يحيى بطريف فيمن هلك من حظايا السلطان أبي الحسن بفساطيطه بقي في نفسه منها شيء حنيناً إلى ما شغفته من خلالها وعزة سلطانها وقيامها على بيتها وظرفها في تصرفاتها والاستماع بأحوال الترف ولذاذة العيش في عشرتها فسما أمله إلى الاعتياض منها ببعض أخواتها.وأوفد في خطبتها وليه عريف بن يحيى أمير زغبة وكاتب الجباية والعساكر بدولته أبا الفضل بن عبد الله بن أبي مدين وفقيه الفتيا بمجلسه أبا عبد الله محمد بن سليمان السطي ومولاه عنبر الخصي فوفدوا يوم مثنى من سنة ست وأربعين. وأنزلوا منزل البر وأستبلغ في تكريمهم.ودس الحاجب أبو محمد عبد الله بن تافراكين إلى سلطانه غرض وفادتهم فأبى عن ذلك صوناً لحرمه عن جولة الأقطار وتحكم الرجال واستعظاماً لمثل هذا العرس.ولم يزل حاجبه ابن تافراكين يخفض عليه الشأن ويعظم عليه حق السلطان أبي الحسن في رد خطبته مع الأزمة السالفة. بينهما من الصهر والمخالطة إلى أن أجاب وأسعف.وجعل ذلك إليه فانعقد الصهر بينهما. وأخذ الحاجب في شوار العروس وتأنق فيه واحتفل واستكثر وطال ثواء الرسل إلى أن استكمل. وارتحلوا من تونس لشهر ربيع من سنة سبع.وأوعز مولانا السلطان أبو يحيى إلى ابنه الفضل صاحب بونة وشقيق هذه العروس أن يزفها على السلطان أبي الحسن قياماً لحقه.وبعث من بابه مشيخة من الموحدين مقدمهم عبد الواحد بن أكمازير صحبوا ركابها إليه.ووفدوا جميعاً على السلطان. واتصل بهم الخبر أثناء طريقهم بمهلك مولانا أبي يحيى عفا الله عنه فعزاهم السلطان أبو الحسن عنه عندما وصلوا إليه.واستبلغ في تكريمهم وأجمل موعد أخيه الفضل بسلطانه ومظاهرته على تراث أبيه فاطمأنت به الدار إلى أن سار في جملة السلطان وتحت ألويته إلى إفريقية كما نذكر إن شاء الله تعالى.استيلاء السلطان ابي الحسن على افريقية الخبرعن حركة السلطان إلى إفريقية واستيلائه عليها كان السلطان أبو الحسن قد امتدت عينه إلى ملك إفريقية لولا مكان مولانا السلطان أبي يحيى من ولاية صهره وأقام يتحين لها الوفاة.ولما بعث إليه في الصهر وأشيع بتلمسان أن الموحدين ردوا خطبته نهض من المنصورة بتلمسان وأغذ السير إلى فاس. ففتح ديوان العطاء وأزاح علل عساكره.وعقد على المغرب الأقصى لحافده منصور ابن الأمير أبي مالك. وفوض إلى الحسن بن سليمان بن يرزيكن في أحكام الشرطة وعقد له على الضاحية. وارتحل إلى تلمسان مضمر الحركة إلى إفريقية حتى إذا جاءه الخبر اليقين بالإسعاف والزفاف سكن غربه وهدأ طائره.فلما هلك السلطان أبو يحيى في رجب من سنة سبع وأربعين وكان من قيام ابنه عمر بالأمر ونزوع الحاجب أبي محمد بن تافراكين منها في رمضان ما ذكرناه تحركت عزائمه لذلك.ورغبه ابن تافراكين في ملك الموحدين فرغب وجاء على أثره الخبر بما كان من قتل عمر لأخيه أحمد ولي العهد وكان يستظهر على عهده بكتاب أبيه وما أودعه السلطان بطرته من الوفاق على ذلك بخطه اقتفاه منه حاجبه أبو القاسم بن عتو في سفارته إليه فامتعض السلطان لما أضاع عمر من عهد أبيه وهدر من دم أخيه.وارتكب مذاهب العقوق فيهم وخرق السياج الذي فرضه بخطه عليهم فأجمع الحركة إلى إفريقية.ولحق به خالد بن حمزة بن عمر نازعاً إليه مستغذاً مسيره ففتح ديوان العطاء ونادى في الناس بالمسير إلى إفريقية وأزاح عللهم.وكان صاحب بجاية المولى أبو عبد الله حافد مولانا السلطان أبي يحيى وفد على السلطان أبي الحسن إثر مهلك جده يقرر المتات بسفارة أبيه إليه ويطلب الإقرار على عمله.فلما استيأس منه واستيقن حركته بنفسه إلى إفريقية طلب الرجوع إلى مكانه فأسعف وفصل إلى بجاية. ولما قضى السلطان منسك الأضحى من سنة سبع وأربعين عقد لابنه الأمير أبي عنان على المغرب الأوسط وعهد إليه بالنظر في أموره كافة وجعل إليه جبايته وارتحل يريد إفريقية.وسار في جملته هو وخالد بن حمزة أمير البدو.ولما احتل بوهران وافاه هنالك وفد قسطيلية وبلاد الجريد يقدمهم أحمد بن مكي أمير جربة ورديف أخيه عبد الملك في أمارة قابس ويحيى بن محمد بن يملول أمير توزر.سقط إليها بعد خروج الأمير أبي العباس ولي العهد عنها ومهلكه بتونس وأحمد بن عمر بن العابد رئيس نفطة رجعا إليها كذلك بعد مهلك ولي العهد فلقيه هؤلاء الرؤساء بوهران في ملأ من وجوه بلادهم فأتوه بيعتهم وقضوا حق طاعته.وتثاقل محمد بن ثابت أمير طرابلس عن اللحاق فبعث بيعته معهم فأكرم وفدهم.وعقد لهم على أمصارهم وصرفهم إلى أعمالهم.وتمسك بأحمد بن مكي لصحابة ركابه وفي جملته وأغذ السير.ولما احتل ببني حسن من أعمال بجاية وافاه بها منصور بن مزني أمير بسكرة وبلاد الزاب في وفد من أهل وطنه ويعقوب بن علي بن أحمد سيد الدواودة وأمير البدو بضاحية بجاية وقسنطينة فتلقاهم بالمبرة والاحتفاء وألزمهم ساقته.وسرح بين يديه قائده حمو بن يحيى العشري من صنائع أبيه.فلما عسكر بساحة بجاية أبي عبد الله أبى عليه أهل البلد رهبة من السلطان ورغبة فيه.وانفضوا من حوله ولحقت مشيختهم بالقضاة وأهل الفتيا والشورى بمجلس السلطان.وسابقهم إليه حاجبه فارح مولى ابن سيد الناس فأدى طاعته ورجعه إليه بالخروج للقاء ركابه.وارتحل حتى إذا أطلت راياته على البلد بادر المولى أبو عبد الله ولقيه بساحة البلد واعتذر عن تخلفه فتقبل عذره وأحله من البرور والتكرمة محل الولد العزيز.وأقطعه عمل كومية من ضواحي هنين وأسنى جرايته بتلمسان وأصحبه إلى ابنه فأبى عنان صاحب المغرب الأوسط واستوصاه به.ودخل بجاية فرفع عنهم الظلامات وحط عنهم الربع من المغارم.ونظر في أحوال ثغورها فثقف أطرافها وسد فروجها.وعقد عليها لمحمد بن الثوار من طبقة الوزراء والمرشحين لها وأنزل معه حامية بني مرين وكاتب الخراج ببابه بركات بن حسون بن البواق.وارتحل مغذاً سيره حتى احتل بقسنطينة.وتلقاه أميرها أبو زيد حافد مولانا السلطان أبي يحيى وإخوته أبو العباس أحمد وأبو يحيى زكرياء وسائر إخوتهم فأتوه بيعتهم ونزلوا عن عملهم.وأدالهم السلطان منه بندرومة من عمل تلمسان عقد للمولى أبي زيد على أمارتها وجعله أسوة إخوته في إقطاع جبايتها ودخل البلد وعقد عليها لمحمد بن العباس وأنزل معه العباس بن عمر في قومه من بني عسكر.وأمضى إقطاعات الدواودة ووافاه هنالك عمر بن حمزة سيد الكعوب لعهده وأمير البدو مستحثاً لركابه.وأخبره برحيل السلطان عمر بن مولانا أبي يحيى من تونس فيمن اجتمع إليه من أولاد مهلهل أقتالهم من الكعوب متوجهاً إلى ناحية قابس.وأشار على السلطان بتسريح العساكر لاعتراضه قبل أن يخلص إلى طرابلس فسرح معه حمو بن يحيى العشري قائده في عسكر من بني مرين والجند.وارتحلوا في اتباع السلطان أبي حفص.وتلوم السلطان أبو الحسن بقسنطينة واعترض عساكره بسطح الجعاب منها.وصرف يوسف بن مزني إلى عمله بالزاب بعد أن خلع عليه وحمله.ثم عقد للمولى الفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى على مكان عمله ببونة وملأ حقائبه جائزة وخلعا نفيسة وسرحه ثم ارتحل على أثرهم وأغذ حمو بن يحيى السير مع الناجعة من أحياء أولاد أبي الليل ولحقوا بالأمير أبي حفص بمباركه من ناحية قابس فأوقعوا به وتردى عن فرسه في حومة القتال هو ومولاه ظافر السنان لقائم بدولته من المعلوجي فتقبض عليهما وسيقا إلى حمو فاعتقلهما إلى الليل.ثم ذبحهما وأنفذ برؤوسهما إلى السلطان.ولحق الفل بقابس فتقبض عبد الملك بن مكي على أبي القاسم بن عتو صاحب الأمير أبي حفص وشيخ الموحدين وعلى صخر بن موسى شيخ بني سكين فيمن تقبص عليه من ذلك الفل وأشخصهم مقرنين في الأصفاد إلى السلطان.وسرح السلطان عسكره إلى تونس وعقد عليهم ليحيى بن سليمان صهره من بني عسكر على ابنته وأنفذ معه أحمد بن مكي فاحتلوا بتونس واستولوا عليها.وانطلق ابن مكي إلى مكان عمله من هنالك لما عقد له السلطان عليه وسرحه إليه بعد أن خلع عليه وعلى حاشيته وحملهم.ونزل السلطان بباجة فوافاه هنالك البريد برأس الأمير أبي حفص وعظم الفتح.ثم ارتحل إلى تونس واحتل بها يوم الإربعاء الثامن من جمادى الآخرة من سنة ثمان.وتلقاه وفد تونس وملأوها من شيوخ الشورى وأرباب الفتيل فأتوا طاعتهم وانقلبوا مسرورين بملكتهم.ثم عبأ يوم السبت لدخولها مواكبه وصف جنده سماطين من معسكره بسيجوم إلى باب البلد يناهز ثلاثة أميال أو أربعة.وركب بنو مرين في جموعهم على مراكزهم وتحت راياتهم.وركب السلطان من فسطاطه وواكبه من عن يمينه وليه عريف بن يحيى أمير زغبة ويليه أبو محمد عبد الله بن تافراكين.ومن عن يساره الأمير أبو عبد الله محمد أخو مولانا السلطان أبي يحيى ويليه الأمير أبو عبد الله ابن أخيه خالد.كانا معتقلين بقسنطينة مع ولدهما منذ خرج الأمير أبو فارس فأطلقهم السلطان أبو العباس وصحبوه إلى تونس فكانوا طزازاً في ذلك الموكب فيمن لا يحصى من أعياص بني مرين وكبرائهم.وهدرت طبوله وضقت راياته وكانت يومئذ ماية. وجاؤوا لمواكب تجتمع عليه صفاً صفاً إلى أن وصل إلى البلد وقد ماجت الأرض بالجيوش وكان يوماً لم ير مثله فيما عقلناه.ودخل السلطان إلى القصر وخلع على أبي محمد بن تاكراكين كسوته وقرب اليد فرسه بسرجه ولجامه.وطعم الناس بين يديه وانتشروا.ودخل السلطان مع أبي محمد بن تافراكين إلى حجر القصر ومساكن الخلفاء فطاف عليها ودخل منه إلى الرياض المتصلة به المدعوة برأس الطابية فطاف على بساتينه وجوائزه وأفضى منه إلى معسكره وأنزل يحيى بن سليمان بقصبة تونس في عسكر لحمايتها.ووصل إليه فل الأمير أبي حفص والأسرى بقابس مقرنين في أصفادهم فأودعهم السجن بعد أن قطع أبا القاسم بن عتو وصخر بن موسى من خلاف لفتيا الفقهاء بجرايتهم.وارتحل من الغد إلى القيروان فجال في نواحيها.ووقف على آثار الأولين ومصانع الأقدمين والطلول الماثلة لصنهاجة والعبيديين وزار أجداث العلماء والصالحين.ثم سار إلى المهدية ووقف على ساحل البحر ونظر في عاقبة الذين كانوا من قبله أشد قوةوآثاراً في الأرض واعتبر في أحوالهم. ومر في طريقه بقصر الأجم ورباط المنستير وانكفأ راجعاً إلى تونس واحتل بها غرة رمضان. وأنزل المسالح على ثغور إفريقية وأقطع لبني مرين البلاد والضواحي وأمضى إقطاعات الموحدين للغرب.واستعمل على الجهات وسكن القصر وقد كمل الفتح وعظمت في الاستيلاء على الممالك والدول المنة.واتسعت ممالكه ما بين مسراتة والسوس الأقصى من هذه العدوة وإلى رندة من عدوة الأندلس." والملك لله يؤتيه من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ".ورفع إليه الشعراء بتونس يهنونه بالفتح وكان سابقهم في تلك النوبة أبو القاسم الرحوي من ناشئة أهل الأدب لرفع إليه قوله أجابك شرق إذ دعوت ومغرب فمكة هشت للقاء ويثرب وناداك مصر والعراق وشامه بداراً فصدع الدين عندك يشعب وحيتك أو كادت تحيي منابر عليها دعاة الحق باسمك تخطب فسارع كل دان وشاسع إلى طاعة من طاعة الله تحسب وتاقت لك الأرواح حباً ورغبةً وأنت علم الآمال تنأى وتقرب فبالبلدة البيضاء لباك معشر وأنت بأفق الناصرية ترقب ولم تتكأ عن إباء بجاية ولكن تراضي الصعب حينا وتركب تأبت فلما أن أطلت عساكر ترى الشهب مما يستباح وينهب تبادر منهم مذعن ومسلم وأذعن منهم شاغب ومؤلب وما تونس إلا بمصر مروع وفي حرم أمست لديك تسرب وما أهلها إلا بغاث لصائد وبالعز منك استنسروا وتعقبوا وقد كنت قبل اليوم كهف زعيمهم فها أنت كهف للجميع ومهرب فكل يرى أن الزمان أداله بكم فأجاب العيش والعيش مخصب وكد لك ابن طائع وإن اعتلت به السن إجلالاً وأنت له أب وما ذاك إلا أن عدلك ينتمي إلى الخلفاء الراشدين وينسب تساميت في ملك ونسك بخطة حذياك محراب لديها وموكب إذا لذ للأملاك خمر مدارة فلذ لك القرآن تتلو وتكتب وإن أدمن القوم الصبوح فإنما على ركعات بالضحى أنت تدأب كما شدت بيتاً في ذؤابة معشر يزيد بهم قحطان فخراً ويعرب هم التاركو قلب القساور خضعاً وعن شأوهم كفت عبيد وأغلب هم الناس والأملاك تحت جوارهم هم العظم والأرض العظيمة تغرب هم المالكو الملك العظيم ودستهم على كاهل السبع الشداد مطنب لقد أصبحت بغداد تحسد فاسهم ودجلة ودت أن يكون بهاسب تجلت سماء المجد منهم كواكباً لقد حل منها شارق ومغرب فلله منهم ثلة يعربية يروم ثباها الأعجمي فيعرب لقد قام عبد الحق للحق طالباً فما فاته منه الذي قام يطلب وأعقب يعقوباً يؤم سبيله فلم يخطه وهو السبيل الملحب وخلف عثماناً فلله صارم به بأن للإسلام شرع ومذهب فكم في سبيل الله شن إغارة لما شاد أهل الكفر أمست تخرب ولما أراد الله إتمام منة تقلدها منا مطيع ومذنب وأصبح أهل الله أهلاً وشيعةً لكم ولهم منكم مكان ومنصب وحل بأهل الفتك ما حل عزمهم وقام لديهم واعظ ومثوب وجاهدت في الرحمن حق جهاده فراهب أهل الكفر بأسك يرهب وأنقذت من أيدي الإغارة أمة وأولى جهاد كان بل هو أوجب فأصبحت الدنيا عروساً يزفها لأمرك من جاري التقادير مغرب فلا مصر إلا قد تمناك أهله ولا أرض إلا بأذكارك تخصب وما الأرض إلا منزل أنت ربه وما حلها إلا الودود الموجب تملكت شطر الأرض كسباً وشطرها تراثاً فطاب الملك إرثاً ومكسب بجيش على الألواح والماء يمتطي وجيش على الضمر الصوافن يركب وجيش من الإحسان والعدل والتقى وذاك لعمر الله أغلى وأغلب فلا مركب إلا يزين راكباً ولا راكب إلا به ازدان مركب ولا رمح إلا وهو أهيف خاطر ولا سيف إلا وهو أبيض مقضب له من عجيب السحر بالقول أضرب وفي هامة القوم المضارب مضرب فها هو في الأقوال واشٍ محبر وها هو في الأمثال ثاو مجرب ومن ساحب برداً من العلم والتقى عليه ذيول الداودية تسحب له صبغة في العلم جاءت بأصبغ وشهبان فهم لم يشمهن أشهب فيا عسكراً قد ضم أعلام عالم به طاب في الدنيا لنا متقلب هم الفئة العلياء والمشعر الذي إذا حل صعباً فهو للحق مشعب لك الفضل في الدنيا على كل قاطن ومرتحل أنى يجيء ويذهب ويا ملكاً عدلاً رضى متورعاً مناقبه العلياء تعلى وتكتب شرعت من الإحسان فينا شريعة تساوى بها ناء ومن يتقرب وأسميت أهل النسك إذ كنت منهم فمنك أخو التقوى قريب مقرب وأعليت قدر العلم إذ كنت عالماً فقيهاً وفي طلابه لك مأرب فمدحك محتوم على كل قائلٍ ومن ذا الذي يحصي الرمال ويحسب وتوفي على أقصى أمانيك آمناً فلا بر يستعصي ولا يتصعب الخبر عن واقعة العرب مع السلطان بالقيروان.وما تخللها من الأحداث كان هؤلاء الكعوب من بني سليم رؤساء البدو بإفريقية وكان لهم اعتزاز على الدولة لا يعرفون غيره مذ أولها بل وما قبله إذ كان سليم هؤلاء مذ تغلب العرب من مضر على الدول والممالك أول الإسلام انتبذوا إلى الضواحي والقفار وأعطوا من صدقاتهم عن عزة وارتاب الخلفاء بهم لذلك حتى لقد أوصى المنصور ابنه المهدي أن لا يستعين بأحد منهم كما ذكر الطبري.فلما التاثت الدولة العباسية واستبد الموالي من العجم عليهم واعتز بنو سليم هؤلاء بالقفر من أرض نجد واجلبوا على الحاج بالحرمين ونالتهم منهم معرات ولما انقسم ملك الإسلام بين العباسية والشيعة واختطوا القاهرة نفقت لهم إذ ذاك أسواق الفتنة والتعزز وساموا الدولتين بالهضيمة وقطع السابلة.ثم أغزاهم العبيديون بالمغرب وأجازوا إلى برقة على إثر الهلاليين فخربوا عمرانها وأجروا في خلائها. حتى إذا خرج ابن غانية على الموحدين وانتزى بالثغور الشرقية طرابلس وقابس واجتمع معه على ذلك قراقش الغزي مولى بني أيوب ملوك مصر والشام.وانضاف إليهم أفاريق العرب من بني سليم هؤلاء وغيرهم فاجلبوا معهم على الضواحي والأمصار وصاروا في جملتهم ومن ناعق فتنتهم.ولما هلك قراقش وابن غانية واستبد آل أبي حفص بإفريقية واعتز الدواودة على الأمير أبي زكرياء يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص استظهر عليهم ببني سليم هؤلاء وزاحمهم بظواعنهم وأقطعهم بإفريقية ونقلهم من مجالاتهم بطرابلس وأنزلهم بالقيروان فكان لهم من الدولة مكان وعليها اعتزاز.ولما افترق سلطان بني أبي حفص واستبد الكعوب برياسة البدو وضربوا بين أعياصها وسعوا في شقاقها أصابت منهم وأصابوا منها.وكان بين مولانا لأمير أبي يحيى وبين حمزة بن عمر أخي الأمير منازعة وفتن وحرب سجال أعانه عليها إ! ن من زحف بني عبد الواد إلى إفريقية وطمعهم في تملك ثغورها فكالق.يستجر شيوشهم لذلك وينصب الأعياص من آل أبي حفص يزاحمهم بهم ثم غلبه مولانا السلطان أبو بكر آخراً وقاده إلى الطاعة ما كان من قطع كلمة الزبون عن مولانا السلطان أبي يحيى وهلاك عدوه من آل يغمراسن بسيف وليه وظهيره السلطان أبي الحسن فأذعن وسكن غرب اعتزازه.وحمل بني سليم على إعطاء صدقاتهم فأعطوها بالكراهة.ثم هلك باغتيال الدولة له فيما يزعمون وقام بالأمر بنوه فلم يعرفوا عواقب الأمور وبلوا باعتساف الدول. ولم يعهدوا ولا سمعوا لسلفهم غير الاعتزاز فحدثتهم أنفسهم بالفتنة والاعتزاز على قائد الدولة.وحاربوه فغلبوه واجلبوا على السلطان في ملكه ونازلوه بعقر داره سنة اثنتين وأربعين.ولما سامهم الأمير عمر ابن مولانا الأمير أبي يحيى الهضيمة بعد مهلك أبيه نزعوا إلى أخيه ولي العهد فجاء إلى تونس وملكها سبعاً. ثم اقتحمها عليه أخوه الأمير أبو حفص فقتله.وتقبض يوم اقتحامه البلد على أبي الهول بن حمزة أخيهم فقتله صبراً بباب داره بالقصبة فأسفهم بها.وتداعوا إلى السلطان أبي الحسن ورغبوه في ملك إفريقية واستغذوه إليها.ولما تغلب السلطان على الوطن وكانت حاله في اعتزاز على من في طاعته غير حال الموحدين وملكته للبدو غير ملكتهم وحين رأى اعتزازهم على الدولة وكثرة ما أقطعتهم من الضواحي ثم من الأمصار نكره وأدالهم من الأمصار التي أقطعهم الموحدون بأعطيات فرضها لهم في الديوان.واستكثر جبايتهم فنقصهم الكثير منها وشكى إليه الرعية من البدو ما ينالونهم من الظلامات والجور بفرض الأتاوة التي يسمونها الخفارة فقبض أيديهم عنها وأوعز إلى الرعايا بمنعهم منها فارتابوا لذلك. وفسدت نياتهم وثقلت وطأة الدولة عليهم فترصدوا لها.وتسامع ذؤبانهم وبواديهم بذلك فأغاروا على قياطين بني مرين ومسالحهم بثغور إفريقية وفروجها واستاقوا أموالهم وكثر شكاتهم وأظلم الجو بمنهم وبين السلطان والدولة ووفد عليه بتونس بعد مرجعه من المهدية وفد من مشيختهم كان فيهم خالد بن حمزة مستحثه إلى إفريقية وأخوه أحمد وخليفة بن عبد الله بن مسكين وابن عمه خليفة بن بوزيد من أولاد القوس فأنزلهم ثم رفع إليه الأمير عبد الواحد ابن السلطان أبي يحيى زكرياء بن اللحياني كان في جملته.وكان من خبره أنه رجع من المشرق بعد مهلك أبيه بمصر كما قدمناه سنة اثنتين وثلاثين فدعا لنفسه بجهات طرابلس وتابعه أعراب دباب وبايع له عبد الملك بن مكي صاحب قابس.ونهض معه إلى تونس في غيبة السلطان لتخريب تيمزيزدكت كما ذكرناه فملكها أياماً.وأحس بمرجع السلطان فأجفل عنها.ولحق عبد الواحد بن اللحياني بتلمسان إلى أن دلف إليها السلطان أبو الحسن بعساكره ففارقهم وخرج إليه فأحله محل التكرمة والمبرة واستقر في جملته إلى أن ملك تونس.ورفع إليه عند مقدم هذا الوفد أنهم دسوا إليه مع بعض حشمهم وطلبوه في الخروج معهم لينصبوه للأمر بإفريقية وتبرأ إلى السلطان من ذلك فأحضروا بالقصر ووبخهم الحاجب علال بن محمد بن المصمود. وأمر بهم فسحبوا إلى السجن.وفتح السلطان ديوان العطاء وعسكر بسيجوم بساحة البلد بعد قضائه منسك الفطر من سنته.وبعث في المسالح والعساكر فتوافوا ببابه.واتصل الخبر بأولاد أبي الليل القوس باعتقال وفدهم وعسكرة السلطان لهم فضاقت علمهم الأرض بما رحبت وتعاقدوا على موت وبعثوا إلى أقتالهم أولاد مهلهل بن قاسم في أحمد.وكانوا بعد مهلك سلطانهم أبي حفص قد لحقوا بالقفر وانتبذوا عن إفريقية فراراً من مطالبة السلطان بما كانوا شيعة لعدوه فأغذ السير إليهم أبو الليل بن حمزة متطارحماً عليهم بنفسه في الاجتماع للخروج على السلطان فأجابوه وارتحلوا معه.وتوافت أحياء بني كعب وحكيم جميعاً بتوزر من بلاد الجريد فهدروا الدماء بينهم وتدامروا وتبايعوا على الموت والتمسوا من أعياص الملك من ينصبونه للأمر فدلهم بعض سماسرة الفتن على رجل من أعقاب أبي دبوس فريسة بني مرين من حلفاء بني عبد المؤمن بمراكش وكان استولوا عليها.وكان من خبره أن أباه عثمان بن إدريس بن أبي دبوس لحق بعد مهلك أبيه بالأندلس وصحب هنالك مرغم بن صابر شيخ بني دباب وهو أسير ببرشلونة.فلما انطلق من أسره صحبه إلى وطن دباب بعد أن عقد قمص ببرشلونة بينهما حلفاً وأمدهما بالأسطول على مال التزماه له.ونزل بضواحي طرابلس وجبال البربر بها ودعا لنفسه هنالك. وقام بدعوته كافة العرب من دباب وقاتل طرابلس فامتنعت عليه. ثم تابعه أحمد بن أبي الليل شيخ الكعوب بإفريقية وأجلب به على تونس فلم يتم أمره لرسوخ دعوة الحفصيين بإفريقية وانقطاع أمر بني عبد المؤمن منها وآثارهم منذ الأحوال العليلة والآماد المتقادمة فنسي أمرهم.وهلك عثمان بن إدريس هذا بجرة ثم ابنه عبد السلام بعده وترك من الولد ثلاثة أصغرهم أحمد وكان صناع اليدين. ولحقوا بتونس بعدما طوحت بهم طوائح الاغتراب وظنوا أن قد تنوسي شأن أبيهم فتقبض عليهم مولانا السلطان أبو يحيى وأودعهم السجن إلى أن غربهم إلى الإسكندرية سنة أربع وأربعين.ورجع أحمد منهم إلى إفريقية واحتل بتوزر محترفاً بحرفة الخياطة يتعيش منها فاستدعاه بنو كعب هؤلاء حين اتفقت أهواؤهم ومن اتبعهم من أحلافهم أولاد القوس وسائر شعوب علاق.وخرج إليهم من توزر فنصبوه للأمر وجمعوا له شيئاً من الفساطيط والآلة والكسى الفاخرة والمقربات.وأقاموا له رسم السلطان وعسكروا عليه بحللهم وقياطينهم وارتحلوا لمناجزة السلطان.ولما قضى منسك الأضحى من سنة ثمان وأربعين ارتحل من ساحة تونس يريدهم فوافاهم في العرج ما بين بسيط تونس وتبسط القيروان المسمى بالثنية فأجفلوا أمامه وصدقوه القتال منهزمين وهو في اتباعهم إلى أن احتل بالقيروان ورأوا أن لا ملجأ منه فتدامروا واتفقوا على الاستماتة ودس إليهم من عسكر السلطان بنو عبد الواد ومغراوة وبنو توجين فغلبوا بني مرين وعدوهم بالمناجزة صبيحة يومهم ليتحيزوا إليهم براياتهم فصبحوا معسكر السلطان.وركب إليهم في الآلة والتعبئة واحتل المصاف وتحيز إليهم الكثر.ونجا السلطان إلى القيروان فدخلها في الفل من عساكره ثامن المحرم فاتح تسع وعشرين وتدافعت ساقات العرب في أثره.وتسابقوا إلى المعسكر فانتهبوه ودخلوا فسطاط السلطان فاستولوا على ذخيرته والكثير من حرمه. وأحاطوا بالقيروان وأحدقت حللهم بها سياجاً وتعاوت ذيابهم بأطراف القاع وأجلب ناعق الفتنة من كل مكان.وبلغ الخبر إلى تونس فاستحصن بالقصبة أولياء السلطان وحرمه ونزع ابن تافراكين من جملة السلطان بالقيروان إليهم فعقدوا له على حجابة سلطانهم أحمد بن أبي دبوس ودفعوه إلى محاربة من كان بقصبة تونس فأغذ إليها السير.وأجتمع إليه أشياع الموحدين وزعانف الغوغاء والجند وأحاطوا بالقصبة وغاداها بالقتال ونصب المنجنيق لحصارها.ووصل سلطانه أحمد على أثره وامتنعت عليهم ولم يغنوا فيها غناً وافترق أمر الكعوب وخالف بعضهم بعضاً إلى السلطان وتساقطوا إليه فتنفس مخنق الحصار عن القيروان.واختلفت إليه رسل أولاد مهلهل وأحس بهم أولاد أبي الليل.فدخل أبو الليل بن حمزة بنفسه وعاهد السلطان على الإفراج ولم يف بعهده.وداخل السلطان وأولاد مهلهل في الخروج معهم إلى سوسة فعاهدوه على ذلك.وواعد أسطوله بمرساها وخرج معهم ليلاً على تعبية فلحق بسوسة.وبلغ الخبرإلى ابن تافراكين بمكانه من حصار القصبة فركب السفين ليلاً إلى الإسكندرية.وارتاب سلطانهم ابن أبي دبوس لما وقف على خبره فانفض جمعهم وأفرجوا عن القصبة.وركب السلطان أسطوله من سوسة ونزل بتونس آخر جمادى واعتمل في إصلاح أسوارها وإدارة الخندق عليها. وأقام لها من الامتناع والتحصين رسماً ثبت لها من بعده ودفع به نحو عدوه.واستقل من نكبة القيروان وعثرتها وخلص من هوتها.والله يفعل ما يشاء.ولحق أولاد أبي الليل وسلطانهم أحمد بن أبي دبوس بتونس فأحاطوا بالسلطان واستبلغوا في حصاره. وخلصت ولاية أولاد مهلهل للسلطان فعول عليهم ثم راجع بنو حمزة رأيهم في طاعة السلطان ودخل كبيرهم عمر إليه في شعبان وتقبضوا على سلطانهم أحمد بن أبي دبوس وقادوه إلى السلطان استبلاغاً في الطاعة وإمحاضاً للولاية فتقبل فيئتهم وأودع ابن أبي دبوس السجن وأصهر إلى عمر بابنه أبي الفضل فعقد له على بنته.واختلفت أحوالهم في الطاعة والانحراف إلى أن كان ما نذكر.والله غالب على أمره. |
الخبر عن انتقاض الثغور الغربية ورجوعها إلى دعوة الموحدين
كان المولى الفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى لما قدم على السلطان أبي الحسن بتلمسان في زفاف شقيقته سنة سبع وأربعين بعدما اتصل به في طريقه مهلك أبيه أوسع له السلطان كنفه ومهد له جانب كرامته وبره وغمز له بوعد في المظاهرة على ملك أبيه يعزي به عن فقده.وارتحل السلطان إلى إفريقية والمولى أبو الفضل يرجي أن يجعل سلطانها إليه حتى إذا استولى السلطان على الثغرين بجاية وقسنطينة وارتحل إلى تونس عقد له على مكان أمارته أيام أبيه ببونة وصرفه إليها فانقطع أمله وفسد ضميره وطوى إلى النث حتى إذا كانت نكبة السلطان بالقيروان سما إلى التوثب على ملك سلفه.وكان أهل قسنطينة وبجاية قد برموا من الدولة واستثقلوا وطأة الإيالة لما اعتادوا من الملكة الرقيقة فاشرأبوا إلى الثورة عندما بلغهم خبر النكبة.وقد كان توافى بقسنطينة ركاب من المغرب فيه طوائف من الوفود والعساكر وكان فيهم ابن صغير من أبناء السلطان عقد له على عسكر أهل المغرب وأوعز إليه باللحاق بتونس وفيهم عمال المغرب قدموا عند رأس الدول بجبايتهم وحسبانهم.وفيهم أيضاً وفد من زعماء النصارى بعثهم الطاغية ابن أذفونش مع تاشفين ابن السلطان لما أطلقه من الأسر بعد عقد السلم والمهادنة وكان أسيراً عندهم من لدن واقعة طريف كما ذكرناه وكان أصابه مس من الجنون.فلما خلصت الولاية بين السلطان والطاغية وعظم عنده الإتحاف والمهاداة وبلغه خبر السلطان وتملكه إفريقية أطلق ابنه تاشفين.وبعث معه هؤلاء الزعماء للتهنمة وفيهم أيضا وفد من أهل مالي ملوك السودان بالمغرب.أوفدهم ملكهم منسا سليمان للتهنية بسلطان إفريقية.وكان معهم أيضاً يوسف بن مزني عامل الزاب وأميره قدم بجباية عمله. واتصل به خبر الركاب بقسنطينة فلحق بهم مؤثراً صحابتهم إلى سدة السلطان. وتوافى هؤلاء الوفود جميعاً بقسنطينة واعصوصبوا على ولد السلطان. فلما وصل خبر النكبة اشرأب الغوغاء من أهل البلد إلى الثورة وتجلت شفاههم إلى ما بأيديهم من أموال الجباية وأحوال الثروة فنقموا عليهم سوء الملكة ودس مشيختهم إلى المولى الفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى بمكانه من بونة وقد كشف القناع في الانتزاء على عمله والدعاء لنفسه فخطبوه للأمر واستحثوه للقدوم فأغذ السير.وتسامع بخبره أولياء السلطان فخشي ابن مزني على نفسه وخرج إلى معسكره بحلة يعقوب بن علي أمير الدواودة ولجأ ابن السلطان وأولياؤه إلى القصبة. ومكر بهم أهل البلد في الدفاع عونهم حتى إذا أطلت رايات مولانا الفضل وثبوا بهم وأحجروهم بالقصبة. وأحاطوا بهم حتى استنزلوهم على أمان عقدوه لهم. ولحقوا بحلة يعقوب فعسكروا بها بعد أن نقض أهل البلد عهدهم في ذات يدهم فاستصفوه فأشار عليهم ابن مزني باللحاق ببسكرة ليكون ركابهم إلى السلطان فارتحلوا جميعاً في جوار يعقوب لما له من ملك الضواحي حتى لقوا ببسكرة ونزلوا منها على ابن مزني خير نزل وكفاهم كل شيء يهمهم على طبقاتهم ومقاماتهم وعناية السلطان بمن كان وافداً منهم حتى سار بهم يعقوب بن علي إلى السلطان وأوفدهم عليه في رجب من سنته. واتصل الخبر بأهل بجاية بالفعلة التي فعل أهل قسنطينة فساجلوهم في الثورة.وكبسوا منازل أولياء السلطان وعسكره وعماله فاستباحوها واستلبوهم وأخرجوهم من بين ظهرانيهم عراة فلحقوا بالمغرب.وطيروا بالخبر إلى المولى أبي الفضل واستحثوه للقدوم فقدم عليهم.وعقد على قسنطينة وبونة لمن استكفى به من خاصته ورجالات دولته واحتل ببجاية لشهر ربيع من سنته وأعاد ملك سلفه.واستوثق أمره بهذه الثغور إلى أن كان من خبره مع السلطان بعد خروجه من بجاية ما نذكره إن شاء الله تعالى. الخبر عن انتزاء أولاد السلطان بالمغرب الأوسط والأقصى ثم استقلال أبي عنان بملك المغرب كله لما اتصل خبر النكبة على القيروان بالأمير أبي عنان ابن السلطان وكان صاحب تلمسان والمغرب الأوسط. وتساقط إليه الفل من عسكر أبيه عراة زرافات ووحدانا وأرجف الناس بمهلك السلطان بالقيروان فتطاول الأمير أبو عنان للاستئثار بملك أبيه دون الأبناء لما كان له من الإيثار عند أبيه لصيانته وعفافه واستظهار القرآن فكان محلاً بعين أبيه لأمثالها.وكان عثمان بن يحيى بن جرار من مشيخة بني عبد الواد وأولاد تيدوكسن بن طاع الله منهم وكان له محل من الدولة كما ذكرناه في خبره.وكان السلطان أذن له في الرجوع إلى المغرب من معسكره بالمهدية ونزل بزاوية العباد من تلمسان وكان مسمتاً وقوراً جهينة خبر ممتعاً في حديثه.وكان يرجم فيه الوقوف على الحدثان. وكان الأمير أبو عنان متشوقاً إلى أخبار أبيه ففزع إلى عثمان بن جرار في تعرفها.واستدعاه وأنس به وكان في قلبه مرض من السلطان فأودع أذن الأمير أبي عنان ما أراد من الأقاويل من تورط السلطان في المهلكة وبشره بمصير الأمر إليه فصادف منه أذناً واعية.واشتمل عليه ابن جرار من بعد. فلما ورد الخبر بنكبة السلطان أغراه ابن جرار بالوثب على الملك وسول له الاستئثار به على إخوانه تيقناً بمهلك السلطان.ثم أوهمه الصدق بإرجاف الناس بموت السلطان فاعتزم وشحذ عزمه في ذلك ما اتصل به من حافد السلطان منصور ابن الأمير أبي مالك صاحب فاس وأعمال المغرب من الانتزاء علم عمله وأنه فتح ديوان العطاء واستلحق واستركب لغيبة بني مرين عن بلادهم وخلو جوه من عساكرهم.وأظهر العسكر والحشد لاستنقاذ السلطان من هوة القيروان يسر منها حسواً في ارتغاء.وتفطن لشأنه الحسن بن سليمان بن يرزيكن عامل القصبة بفاس وصاحب الشرطة بالضواحي فاستأذنه في اللحق بالسلطان فأذن له راحة من مكانه.وأصحبه عمال المصامدة ونواحي مراكش ليستخدمهم على السلطان بجباياتهم فلحق بالأمير أبي عنان على حين أمضى عزيمته على التوثب والدعاء لنفسه فقبض أموالهم وأخرج ما كان بمودع السلطان بالمنصورة من المال والذخيرة.وجاهر بالدعاء لنفسه وجلس للبيعة بمجلس السلطان من قصره في ربيع من سنة تسع فبايعه الملأ.وقرأ كتاب بيعتهم على الأشهاد ثم بايعه العامة وانفض المجلس وقد انعقد سلطانه ورست قواعد ملكته. وركب في التعبية والآلة حتى نزل بقبة الملعب. وأهم الناس وانتشروا.وعقد على وزارته لحسن بن سليمان بن يرزيكن ثم لفارس بن ميمون بن ودرار وجعله رديفاً له وتبعاً. ورفع مكان ابن جرار عليهم.واختص لولايته ومناجاة خلوته كاتبه أبا عبد الله بن محمد ابن القاضي عبد الله بن أبي عمر وسنذكر خبره.ثم فتح الديوان واستركب من تساقط إليه من فل أبيه وخلع عليهم ودفع إليهم أعطياتهم وأزاح عللهم. وبينما هو يريد الرحلة إلى المغرب إذ بلغه أن ونزمار ابن ولي السلطان وخالصته عريف بن يحيى وكان أمير زغبة لعهده ومقدماً على سائر البدو وبلغه أنه قد جمع له يريد حربه وغلبه على ما صار إليه من الانتزاء والثورة على أبيه. وأنه قصد تلمسان بجموعه من العرب وزناتة المغرب الأوسط فعقد للحسن بن سليمان وزيره على حربه.وأعطاه الآلة وسرحه للقائه وسرح معه من حضره من بني عامر أقتال سويد وارتحل الوزير بعسكره حتى احتل بتاسالة. وناجزه ونزمار الحرب ففلت جموعه ومنحوا أكتافهم واتبع الوزير وعسكره آثارهم واكتسح أموالهم وحللهم وعاد إلى سلطانه بالفتح والغنائم.وارتحل الأمير أبو عنان إلى المغرب وعقد على تلمسان لعثمان بن جرار وأنزله بالقصر القديم منها حتى كان من أمره مع عثمان بن عبد الرحمن ما ذكرنا في أخبارهم.ولما انتهى إلى وادي الزيتون وشي إليه بالوزير الحسن بن سليمان أنه مضمر الفتك به بتازى تزلفاً إلى السلطان ووفاء بطاعته وأنه داخل في ذلك الحافد منصور صاحب أعمال المغرب بما كان يظهر من طاعة جده. وارتاب الأمير أبو عنان به واستظهر واشيه على ذلك بكتابه.فلما قرأه تقبض عليه وقتله بالمساء خنقاً وأغذ السير إلى المغرب. وبلغ الخبرمنصور بن أبي مالك صاحب فاس فزحف للقائه. والتقى الجمعان بساحة تازى وبوادي أبي الأجراف فاختل مصاف منصور وانهزمت جموعه ولحق بفاس.وانحجز بالبلد الجديد وارتحل الأمير أبو عنان في أثره وتسايل الناس على طبقاتهم إليه وأتوه الطاعة.وأناخ بعساكره على البلد الجديد في ربيع الآخر من سنة تسع وأربعين وأخذ بمخنقها وجمع الأيدي والفعلة على الآلات لحصارها.ولحين نزوله على البلد الجليد أوعز إلى الوالي بمكناسة أن يطلق أولاد أبي العلاء المعتقلين بالقصبة فأطلقهم ولحقوا به.وأقاموا معه على حصار البلد الجديد وطال تمرسه بها إلى أن ضاقت أحوالهم واختلفت أهواؤهم ونزع إليه أهل الشوكة منهم.ونزع إليهم إدريس بن عثمان بن أبي العلاء فيمن إليه من الحاشية بإذنه له في ذلك سراً ليمكنه بهم فدس إليه وواعده الثورة بالبلد فثار بها. واقتحمها الأمير أبو عنان عليهم.ونزل منصور بن أبي مالك على حكمه فاعتقله إلى أن قتله بمجبسه واستولى على دار الملك وسائر أعمال المغرب. وتسابقت إليه وفود الأمصار للتهنية والبيعة.وتمسك أهل سبتة بطاعة السلطان والانقياد لعاملهم عبد الله بن علي بن سعيد من طبقة الوزراء حيناً. ثم توثبوا به وعقدوا على أنفسهم للأمير أبي عنان وقادوا عاملهم إليه.وتولى كبر الثورة فيهم زعيمهم الشريف أبو العباس أحمد بن محمد بن رافع من بيت أبي الشريف من آل الحسن كانوا انتقلوا إليها من صقلية واستوسق للأمير أبي عنان ملك المغرب واجتمع إليه قومه من بني مرين إلا من أقام مع السلطان بتونس وفاء بحقه.وحص جناح أبيه عن الكرة على الكعوب الناكثين لعهده الناكبين عن طاعته فأقام بتونس يرجي الأيام ويأمل الكرة. والأطراف تنتقض والخوارج تتجدد إلى أن ارتحل إلى المغرب بعد اليأس كما نذكره إن شاء الله تعالى. |
الخبر عن انتقاض النواحي وانتزاء بني عبد الواد بتلمسان
ومغراوة بشلف وتوجين بالمدية لما كانت نكبة السلطان بالقيروان. وانتثر سلك زناتة وانتقضت قواعد سلطانهم. اجتمع كل قوم منهم لإبرام أمرهم والنظر في شأن جماعتهم وكانوا جميعاً نزعوا إلى الكعوب الخارجين على السلطان وبنزوعهم كانت الدايرة عليه. ولحقوا بتونس مع الحاجب أبي محمد بن تافراكين ليلحقوا منها بأعمالهم.وكان في جملة السلطان جماعة من أعاصيهم منهم عثمان وإخوته الزعيم ويوسف وإبراهيم أبناء عبد الرحمن بن يحيى بن يغمراسن بن زيان سلطان بني عبد الواد. صاروا في أيالة السلطان منذ فتح تلمسان وأنزلهم بالجزيرة للرباط.ثم رجعوا بعد استئثار الطاغية بها إلى مكانهم من دولتهم وساروا إلى القيروان تحت لوائه.ومنهم علي بن راشد بن محمد بن ثابت بن منديل وقد ذكرنا أخبار أبيه.ربي في إيالة السلطان وجو الدولة يتيماً وكفلته نعمتها منذ نشأته حتى كأنه لا يعرف سواها.فاجتمع بنو عبد الواد بتونس وعقدوا على أنفسهم لعثمان بن عبد الرحمن بما كان كبير إخوته.وأتوه ببيعتهم في المصلى العتيق المطل على سيجوم من ساحة البلد لعهده بهم يومئذ.وقد وضعوا له بالأرض درقة من اللمط أجلسوه عليها ثم ازدحموا مكبين على يده يقبلونها للبيعة ثم اجتمع من بعدهم مغراوة إلى علي بن راشد وبايعوه وحفوا به. وتعاهد بنو عبد الواد ومغراوة على الألفة وانتظام الكلمة وهدر الدماء.وارتحلوا إلى أعمالهم بالمغرب الأوسط فنزل علي بن راشد وقومه بموضع عملهم من ضواحي شلف وتغلبوا على أمصاره.وافتتحوا تنس وأخرجوا منها أولياء السلطان وعسكره وقتلوا القاضي بمازونة سرحان كان مقيماً لدعوة السلطان بها ثم سولت له نفسه الانتزاء والتوثب فدعا لنفسه. وقتله علي بن راشد وقومه.وأجاز عثمان بن عبد الرحمن وقومه من بني عبد الواد إلى محل ملكهم بتلمسان ألفوا عثمان بن جرار قد انتزى بها بعد منصرف الأمير أبي عنان ودعا لنفسه فتجهم له الناس لتوثبه على المنصب الذي ليس لأبيه واستمسك بالبلد أياماً يؤمل نزوع قومه إليه.ثم زحف إليه بنو عبد الواد وسلطانهم فصدقوه الزحف وثارت به الغوغاء وكسروا أبواب البلد.وخرجوا إلى السلطان فأدخلوا إلى القصر. واحتل به في جمادى من سنة تسع. وتسابق الناس إلى مجلسه مثنى وفرادى وبايعوه البيعة العامة وتفقد ابن جرار. ثم أغرى به البحث فعثر عليه ببعض زوايا القصر.واحتمل إلى المطبق فأودع به إلى أن سرب إليه الماء فمات غريقاً في هوته. وساهم السلطان أبو سعيد عثمان أخاه أبا ثابت الزعيم في سلطانه وشركه في أمره وأردفه في ملكه وجعل إليه أمر الحرب والضواحي والبدو كلها.واستوزر قريبه يحيى بن داود بن مكن من ولد محمد بن تيدوكسن بن طاع الله واستوسق ملكهم. وأوفدوا مشيختهم على الأمير أبي عنان صاحب المغرب وسلطان بني مرين فعقدوا معه السلم والمهادنة واشترطوا له على أنفسهم دفاع السلطان أبيه عن الخلوص إليه.وزحفوا إلى وهران من ثغور أعمالهم.ونازلوا بها أولياء السلطان وعساكره وعاملها يومئذ عبو بن جانا من صنائع السلطان إلى أن غلبوه عليها واستنزلوه صلحا لأشهر من حصارها. واستمسك أهل الجزائر بطاعة السلطان واعتصموا بها. وعقد عليها لقائده محمد بن يحيى العشري من صنائع أبيه بعثه إليهم من تونس بعد نكبة القيروان. ونجم بالمدية عدي بن يوسف بن زيان بن محمد بن عبد القوي داعياً لنفسه وطالباً سلطان سلفه.وامتنع عليه معقل ملكهم بجبل وانشريش لمكان ولد عمر بن عثمان وقومهم بني تيغرين في رياسته وانحاش إليه أولاد عزيز من بني توجين أهل ضاحية المدية فقاموا أمره واعصوصبوا عليه.وكانت بينه وبين أبناء عمر بن عثمان حرب سجال إلى أن هلك وخلص أمر بني توجين لأبناء عمر بن عثمان وهم على مذهبهم من طاعة السلطان والمسك بدعوته وهو مقيم خلال ذلك بتونس إلى أن أزمع الرحلة واحتل الجزاير كما نذكره إن شاء الله تعالى. الخبر عن رجوع أمراء الثغور الغربية من الموحدين إلى ثغورهم ببجاية وقسنطينة لما توثب الأمير أبو عنان على ملك أبيه وبويع بتلمسان وكانت للأمير أبي عبد الله محمد ابن الأمير أبي زكرياء صاحب بجاية لديه خلة ومصافاة من لدن بعثه إليه السلطان أبوه من بجاية.وأنزله بتلمسان فرعى له السابقة وآثره في الأمارة وعقد له على محل أمارته من بجاية وأمده بما رضيه من المال والسلاح. ودفعه إليها ليكون حجزاً دون السلطان بتونس. وضمن له هذا الأمير صده عن الخلوص إليه وسد المذاهب دونه. وأوعز أبو عنان إلى أساطيله بوهران فركبها الأمير إلى تدلس ودخلها. ونزع إليه صنهاجة أهل ضاحية بجاية عن عمه المولى أبي العباس الفضل واعصوصبوا عليه وقاموا بأمره لقديم نعمته وسالف أمارة أبيه.ولما ارتحل الأمير أبو عنان إلى المغرب رحله في جملته المولى أبو زيد عبد الرحمن ابن مولانا الأمير أبي عبد الله صاحب قسنطينة ومعه إخوته فاختصهم يومئذ بتقريبه وخلطهم بنفسه.فلما غلب الأمير أبو عنانه منصور ابن أخيه أبي مالك على البلد الجديد واستولى على المغرب رأى أن يبعث ملوك الموحدين إلى بلادهم ويدفع في صدر أبيه بمكانهم فسرح المولى أبا زيد وجميع إخوته وكان منهم مولانا السلطان أبو العباس الذي جبر الله به الصدع ونظم الشمل ففصلوا إلى مواطن ملكهم ومحل أمارتهم.وكان مولاهم نبيل حاجب أبيهم قد تقدم إلى بجاية ولحق بالمولى أبي عبد الله بمكانه من حصارها.ثم تقدم إلى قسنطينة وبها مولى من موالي السلطان المتغلب عليها وهو المولى أبو العباس الفضل.فلحين إطلاله على جهاتها وشعور أهلها بمكانه لفحت منهم عزائز المودة وذكروا جميل الإيالة وأجمعوا التوثب بوالديهم.واحتل نبيل بظاهر قسنطينة فشرهت العامة إلى أمارته والقيام بدعوة مواليه.وتوثب أشياعهم على أولياء عمهم فأخرجوهم واستولى القائد نبيل على قسنطينة وأعمالها وأقام دعوة المولى أبي زيد وإخوته كما كانت أول مرة بها وجاء من المغرب إلى مركز أمارتهم ودعوتهم بها قائمة ورايتهم على أنحائها خافقة فاحتلوا بها حلول الآساد بعرينها والكواكب بآفاقها.ونهض المولى أبو عبد الله محمد فيمن اجتمع إليه من البطانة والأولياء إلى محاصره بلده بجاية فأحجز عمه بالبلد وأخذ بمخنقها أياماً ثم أفرج عنها ثم رجع إلى مكانه من حصارها.ودس إلى بعض أشياعه بالبلد وسرب المال بالغوغاء فواعدوه فتح أبواب الربض في إحدى ليالي رمضان سنة تسع وأربعين.واقتحم البلد وملأ الفضاء بهدير طبوله فهب الناس من مراقدهم فزعين وقد ولج الأمير وقومه البلد. ولجأ الأمير أبو العباس الفضل إلى شعاب الجبل وكواريه المطل على القصبة راجلاً حافياً فاختفى إلى أن عثر عليه ضحى النهار وسيق إلى ابن أخيه فمن عليه وأركبه السفين إلى محل أمارته من بونة. وخلص ملك بجاية للمولى الأمير أبي عبد الله هذا واقتعد سرير آبائه بها. وكتبوا للأمير أبي عنان بالفتح وتجديد المخالصة والموالاة والعمل على مدافعة أبيه عن جهاته. والله تعالى أعلم. الخبر عن نهوض الناصر ابن السلطان ووليه عريف بن يحيى من تونس إلى المغرب الأوسط لما بلغ السلطان خبر ما وقع بالمغرب من انتقاض أطرافه وتغلب الأعياص من قومه وسواهم على أعماله ووصل إليه يعقوب بن علي أمير الدواودة بولده وعماله ووفده نظر في تلافي أمره فسرح ولده الناصر إلى المغرب الأوسط لارتجاع ملكهم ومحو آثار الخوارج من أعمالهم.فنهض مع يعقوب بن علي وأصحبه وليه عريف بن يحيى أمير زغبة ليستظهر به على ملك المغرب وقدمهما طليعة بين يديه. وسار الناصر إلى بسكرة واضطرب معسكره بها.ثم فصل من بلاد رياح إلى بلاد زغبة واجتمع إليه أولياؤهم من العرب ومن زناتة من بني توجين أهل وانشريش وغيرهم.وزحف إليهم الزعيم أبو ثابت من تلمسان في قومه من بني عبد الواد وغيرهم للمدافعة.والتقى الجمعان بوادي ورك وانفضت جموع الناصر وانذعروا ورجع على عقبه إلى بسكرة.وخلص عريف بن يحيى إلى قومه سويد ثم قطع القفر إلى المغرب الأقصى.ولحق بالأمير أبي عنان فنزل منه بألطف محل ورجع الناصر إلى بسكرة وارتحل مع أوليائهم أولاد مهلهل لمدافعة أولاد أبي الليل وسلطانهم المولى الفضل عن تونس كما ذكرناه.وأحسوا بهم فنهضوا إليهم وفروا أمامهم إلى أن خلص الناصر إلى بسكرة ثانية واتخذها مثوى إلى أن لحق بالجزائر عند رحتله من تونس إليها كما نذكره إن شاء الله تعالى. |
الخبر عن رحلة السلطان أبي الحسن إلى المغرب
وتغلب المولى الفضل على تونس وما دعا إلى ذلك من الأحوال لما خلص المولى أبو العباس الفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى من نكبته ببجاية وامتن عليه ابن أخيه فلحق بمحل أمارته من بونة ووافته بها مشيخة أولاد أبي الليل أوفدهم عليه بنو حمزة بن عمر يستحثونه لملك إفريقية ويرغبونه فيه فأجاب داعيتهم ونهض إليهم بعد قضاء نسك الفطر من سنة تسع وأربعين. ونزل بحللهم وأرجفوا بخيلهم وركابهم على ضواحي إفريقية وجبوها.وصمدوا إلى تونس فنازلوها وأخذوا بمخنقها أياماً ثم أخذ بحجزتهم عنها شيعة السلطان وأولياؤه من أولاد مهلهل وابنه الناصر عند قفوله من المغرب الأوسط مفلولاً فرحلوا وشردهم. ثم رجعوا إلى مكانهم من حصارها ثم انفضوا عنها.وتحيز خالد بن حمزة إلى شيعة السلطان أبي الحسن من أولاد مهلهل وقومه فاعتزوا به.وذهب عمر بن حمزة إلى المشرق لقضاء فرضه وأجفل أبو الليل أخوه والمولى الفضل إلى القفر حتى كان من دخول أهل الجريد في طاعته ما سنذكر.وكان السلطان لما خلص من القيروان إلى تونس وفد عليه أحمد بن مكي مهنياً ومفاوضاً في شأن الثغر وما مني به من انتقاض الأطراف وفساد الرعية.وتدارك السلطان أمره عند فواته بالتولية على أهل القطر من جنسهم استئلافاً للكافة واستبقاء لطاعتهم. فعقد على عمل قابس وجربة والحمة وما إليها لعبد الواحد ابن السلطان أبي زكرياء بن أحمد اللحياني وأنفذه مع أحمد بن مكي إلى عمله فهلك بجربة لليال من مقدمه بالطاعون وعقد لأبي القاسم بن عتو شيخ الموحدين على توزر ونفطة وسائر بلاد الجريد بعد أن كان استخلصه عند مفر أبي محمد بن تافراكين قريعه وما ظهر من سوء دخلته فنزل بتوزر وجمع أهل الجريد على الولاية والمخالصة.ولما نازل المولى أبو العباس الفضل تونس مرتين وشرد أولاد مهلهل وامتنعت عليه عمد إلى الجريد سنة خمس يحاول فيه ملكاً.وخاطب أبا القاسم بن عتو يذكره عهده وعهد سلفه وحقوقهم فتذكر وحن ونظر إلى ما ناله به السلطان من المثلة في أطرافه.واستثار كامن حقده فانحرف وحمل الناس على طاعة المولى الفضل ابن مولانا السلطان أبي يحيى فسارعوا إلى الإجابة. وبايعه أهل توزر وقفصة ونفطة والحمة. ثم دعا ابن مكي إلى طاعته فأجاب إليها وبايعه أهل قابس وجربة أيضاً. وانتهى الخبر إلى السلطان باستيلاء المولى الفضل على أمصار إفريقية وأنه ناهض إلى تونس فأهمه الشأن وخشي على أمره. وكانت بطانته يوسوسون إليه بالرحلة إلى المغرب لاسترجاع نعمتهم باسترجاع ملكه فأجابهم إليها. وشحن أساطيله بالأقوات وأزاح علل المسافرين ولما قضى منسك الفطر من سنة خمسين ركب البحر أيام استفحال فصل الشتاء. وعقد لابنه أبي الفضل على تونس ثقة بما بينه وبين أولاد حمزة من الصهر وتفادياً بمكانه عن معرة الغوغاء وثورتهم وأقلع من مرسى تونس ولخمس دخل مرسى بجاية وقد احتاجوا إلى الماء فمنعهم صاحب بجاية من الورود. وأوعز إلى سائر سواحله بمنعهم فزحفوا إلى الساحل وقاتلوا من صدهم عن الماء إلى أن غلبوهم عليه واستقوا وأقلعوا.وعصفت بهم الريح ليلتئذ وجاءهم الموج من كل مكان وألقاهم اليم بالساحل بعد أن تكسرت الأجفان وغرق الكثير من بطانة السلطان وعامة الناس وقذف الموج بالسلطان فألقاه إلى الجزيرة قرب الساحل من بلاد زواوة مع بعض حشمه عراة فمكثوا ليلتهم وصبحهم جفن من الأساطيل كان قد سلم من ذلك العاصف فقذفوا إليه حين رأوه وقد تصايح به البربر من الجبال.وتوثبوا إليه فاختطفه أولياؤه من أهل الجفن قبل أن يصل إليه البربر وقذفوا به إلى الجزائر فنزل بها ولأم صدعه.وخلع على من وصل من فل الأساطيل ومن خلص إليه من أوليائه. ولحق به ابنه الناصر من بسكرة. واتصل بالمولى الفضل خبر رحيله من تونس وهو ببلاد الجريد فأغذ السير إلى تونس. ونزل على ابنه ومن كان بها من مخلف أوليائه فغلبوهم عليها.واتصل أهل البلد بهم وأحاطوا يوم منى بالقصبة. واستنزلوا ابن السلطان أبا الفضل الأمير بالقصبة على الأمان فخرج إلى بيت أبي الليل ابن حمزة وأنفذ معه من بلغه إلى مأمنه فلحق بالجزائر بأبيه.وبادر إلى السلطان عدي بن يوسف المنتزي بالمدينة من بني عبد القوي فصار في جملته وخرج له عن الأمر وزعم أنه إنما كان قائماً بدعوته فتقتل منه وأقره على عمله.ووفد عليه أولياؤه من المغرب سويد والحارث وحصين ومن إليهم ممن اجتمع إلى وليه ونزمار بن عريف المتمسك بطاعته.ووفد عليه أيضاً علي بن راشد أمير مغراوة وأغراه ببني عبد الواد واشترط عليه إقراره بوطنه وعمله إذا تم أمره فأبى من قبول الاشتراط ظناً بعهده عن النكث فنزع عنه وصار إلى مظاهرة بني عبد الواد عليه.وبعث أبو سعيد عثمان صاحب تلمسان إلى الأمير أبي عنان في المدد فبعث إليه بعسكر من بني مرين عقد عليهم ليحيى بن رحو بن تاشفين بن معطي من تيربيغين.وزحف الزعيم أبو ثابت إلى حرب السلطان أبي الحسن فيمن اجتمع إليه من عسكر بني مرين ومغراوة.وخرج السلطان من الجزائر وعسكر بمتيجة واحتشد ونزمار سائر العرب بحللهم ووافاه بهم وارتحلوا إلى شلف. ولما التقى الجمعان بشدبونة صدقه مغراوة الحملة. وصابرهم ابنه الناصر وطعن في الجولة فهلك فاحتل مصاف السلطان واستبيح معسكره وانتهبت فساطيطه وخلص مع وليه ونزمار بن عريف وقومه بعد أن استبيحت حللهم فخرجوا إلى جبل وانشريش ثم لحقوا بجبل راشد ورجع القوم عن أتباعهم وانكفؤوا إلى الجزائر فتلغبوا عليها وأخرجوا من كان بها من أولياء السلطان ومحو آثار دعوته من المغرب الأوسط جملة. والأمر بيد الله يؤتيه من يشاء.استيلاء السلطان ابي الحسن على سجلماسة الخبر عن استيلاء السلطان على سجلماسة ثم فراره عنها أمام ابنه إلى مراكش ثم استيلاؤه عليها وما تخلل ذلك لما انفضت جموع السلطان بشدبونة وفلت عساكره وهلك الناصر ابنه خلص إلى الصحراء مع وليه ونزمار ولحق بحلل قومه سويد وأوطانهم قبلة جبل وانشريش وأجمع أمره على قصد المغرب موطن قومه ومنبت عزه ودار ملكه. وارتحل معه وليه ونزمار بالناجعة من قومه وخرجوا إلى جبل راشد. ثم أبعدوا المذهب وقطعوا المفاوز وسلكوا إلى سجلماسة في القفر. فلما أطلوا عليها وعاين أهلها السلطان تهافتوا عليه كتهافت الفراش. وخلص إليه العذارى من وراء ستورهن صاغية إليه وإيثارا لإيالته.وفر العامل بسجلماسة إلى منجاته. وكان الأمير أبو عنان لما بلغه الخبر بقصده سجلماسة ارتحل إليها في قومه وكافة عساكره بعد أن أزاح عللهم وأفاض عطاءه فيهم.وكان لبني مرين نفرة عن السلطان وحذر من غائلته لجناياتهم بالتخاذل في المواقف والفرار عنه في الشدائد ولما كان يبعد بهم في الأسفار ويتجشم بهم المهالك فكانوا لذلك مجتمعين على منابذته ومخلصين في مناصحة ابنه منازعه. فما لبث السلطان أن جاءه الخبر بوصولهم إليه في العساكر الضخمة مغذين السير إلى دفاعه وعلم من حاله أنه لا يطيق لقاءهم. وأجفل عنه ونزمار وليه في قومه سويد.وكان من خبره أن عريف بن يحيى كان نزع إلى الأمير أبي عنان وأحله بمحله المعهود من تشريفهم وولايتهم حتى إذا بلغه الخبر بمناصحة ونزمار للسلطان ومظاهرته وقصده المغرب معه بناجعته زوى عنه وجه رضاه بعض الشيء وأقسم له لئن لم يفارق السلطان لأوقعن بك وبابنك عنتر وكان معه من جملة الأمير أبي عنان. وأمره بأن يكتب له بذلك فآثر ونزمار رضى أبيه.وعلم أن غناءه عن السلطان في وطن المغرب قليل فأجفل عنه ولحق بالزاب وانتبذ عن قومه وألقى عصاه ببسكرة فكان ثواؤه بها إلى أن لحق بالأمير أبي عنان على ما نذكره.ولما أجفل السلطان عن سجلماسة ودخل الأمير أبو عنان إليها وثقف أطرافها وسد فروجها وعقد عليها ليحيى بن عمر بن عبد المؤمن كبير بني ونكاسن.وبلغه قصد السلطان إلى مراكش فاعتزم على الرحلة إليها وأبى عليه قومه فرجع إلى فاس إلى أن كان من خبرهم مع السلطان ما نذكره. |
الساعة الآن 08:25 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |