منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   المكتبة العامة (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=239)
-   -   كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة-من كتاب البداية والنهاية (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=11313)

B-happy 1 - 11 - 2010 11:25 PM

ذكر خيل الجنة

قال الترمذي : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن ، حدثنا عاصم بن علي ، حدثنا المسعودي ، عن علقمة بن مرثد ، عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من خيل ؟ فقال : " إن الله أدخلك الجنة فلا تشاء أن تحمل فيها على فرس من ياقوتة حمراء يطير بك في الجنة حيث شئت " . قال : وسأله رجل فقال : يا رسول الله ، هل في الجنة من إبل ؟ قال : فلم يقل له مثل ما قال لصاحبه ، قال : " إن يدخلك الله الجنة ، يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ، ولذت عينك " . ثم رواه عن سويد ، عن ابن [ ص: 398 ] المبارك ، عن سفيان ، عن علقمة ، عن عبد الرحمن بن سابط ، مرسلا ، قال ؟ وهذا أصح .

وقد روى أبو نعيم في " صفة الجنة " من طريق علقمة بن مرثد ، عن يحيى بن إسحاق ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والفردوس أعلاها سموا ، وأوسعها محلا ، وفيها تفجر أنهار الجنة ، وعليها يوضع العرش يوم القيامة " . فقام إليه رجل ، فقال : يا رسول الله ، إني حبب إلي الخيل ، فهل في الجنة خيل ؟ قال : " إي والذي نفسي بيده ، إن في الجنة لخيلا ، وإبلا هفافة ، تزف بين خلال ورق الجنة ، يتزاورون عليها حيث شاءوا " .

وقال الترمذي : حدثنا محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي ، حدثنا أبو معاوية ، عن واصل بن السائب ، عن أبي سورة ، عن أبي أيوب قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي ، فقال : يا رسول الله ، إني أحب الخيل ، أفي الجنة خيل ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أدخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان ، فحملت عليه ، ثم طار بك حيث شئت " . ثم ضعف الترمذي هذا الإسناد من جهة أبي سورة ابن أخي أبي أيوب ، فإنه قد ضعفه غير واحد ، واستنكر البخاري حديثه هذا . والله أعلم .

[ ص: 399 ] وقال القرطبي : وذكر ابن وهب : حدثنا ابن زيد ، قال الحسن البصري : يذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أن أدنى أهل الجنة منزلة الذي يركب في ألف ألف من خدمه من الولدان المخلدين ، على خيل من ياقوت أحمر ، لها أجنحة من ذهب " ثم قرأ وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا [ الإنسان : 20 ] . قلت : فيه انقطاع بين عبد الرحمن بن زيد - وهو ضعيف - وبين الحسن ، ثم هو مرسل .

وروى أبو نعيم ، عن أبي أيوب مرفوعا : " إن أهل الجنة ليتزاورون على نجائب بيض كأنها الياقوت ، وليس في الجنة من البهائم إلا الخيل والإبل " .

وقال عبد الله بن المبارك : حدثنا همام ، عن قتادة ، عن أبي أيوب ، عن عبد الله بن عمرو قال : في الجنة عتاق الخيل وكرام النجائب ، يركبها أهلها . وهذه الصيغة لا تدل على حصر ، كما دل عليه رواية أبي نعيم في حديث أبي أيوب ، ثم هو معارض بما رواه ابن ماجه في " سننه " عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " الشاة من دواب الجنة " . وهذا منكر أيضا .

[ ص: 400 ] وفي " مسند البزار " عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أحسنوا إلى المعزى وأميطوا عنها الأذى ، فإنها من دواب الجنة " .

وقال أبو الشيخ الأصبهاني : حدثنا القاسم بن زكريا ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا مروان بن معاوية ، عن الحكم بن أبي خالد ، عن الحسن البصري ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل أهل الجنة الجنة جاءتهم خيول من ياقوت أحمر ، لها أجنحة ، لا تبول ولا تروث ، فقعدوا عليها ، ثم طارت بهم في الجنة إلى حيث شاء الله من سلطانه ، فيتجلى لهم الجبار تعالى ، فإذا رأوه خروا له سجدا ، فيقول لهم الجبار تعالى : ارفعوا رءوسكم ، فإن هذا ليس بيوم عمل ، إنما هو يوم نعيم وكرامة . فيرفعون رءوسهم ، فيمطر الله عليهم طيبا ، فيمرون بكثبان المسك ، فيبعث الله ، عز وجل ، على تلك الكثبان ريحا ، فتهيجها عليهم حتى إنهم ليرجعون إلى أهليهم ، وإنهم لشعث غبر " .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثني الفضل بن جعفر ، حدثنا جعفر بن جسر ، [ ص: 401 ] حدثنا أبي ، عن الحسن بن علي ، عن علي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن في الجنة لشجرة يخرج من أعلاها حلل ، ومن أسفلها خيل من ذهب مسرجة ملجمة من در وياقوت ، لا تروث ، ولا تبول ، لها أجنحة ، خطوها مد بصرها ، فيركبها أهل الجنة ، فتطير بهم حيث شاءوا ، فيقول الذين أسفل منهم درجة : يا رب ، بم بلغ عبادك هذه الكرامة كلها ؟ فيقال لهم : كانوا يصلون الليل وكنتم تنامون ، وكانوا يصومون وكنتم تأكلون ، وكانوا ينفقون وكنتم تبخلون ، وكانوا يقاتلون وكنتم تجبنون " .

ذكر تزاور أهل الجنة بعضهم بعضا وتذاكرهم أمورا كانت بينهم في الدنيا من طاعات وزلات

قال تعالى : وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم [ الطور : 25 - 28 ] .

وقال تعالى : فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أإنك لمن المصدقين الآيات إلى قوله : أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم [ الصافات : 50 - 62 ] .

[ ص: 402 ] قال ابن أبي الدنيا : حدثنا سلمة بن شبيب ، حدثنا سعيد بن دينار ، عن الربيع بن صبيح ، عن الحسن ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل أهل الجنة الجنة ، فيشتاق الإخوان بعضهم إلى بعض ، فيسير سرير هذا إلى سرير هذا ، حتى يجتمعا جميعا ، فيقول أحدهما لصاحبه : تعلم متى غفر الله لنا ؟ فيقول صاحبه : كنا في موضع كذا وكذا ، فدعونا الله ، عز وجل ، فغفر لنا " .

وقال تعالى : فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أإنك لمن المصدقين أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما الآيات إلى قوله : فليعمل العاملون [ الصافات : 50 - 61 ] . وهذا القرين يشمل الإنسي والجني ، يقول : كان يوسوس لي بالكفر والمعاصي واستبعاد أمر المعاد ، فبرحمة الله ونعمته نجوت منه . ثم أمر أصحابه أن يطلعوا معه على النار ، لينظر ما حال قرينه ، فاطلع فرآه في سواء الجحيم . أي : في غمراتها يعذب ، فحمد الله تعالى على نجاته مما قرينه فيه من العذاب .

[ ص: 403 ] ثم قال : تالله إن كدت لتردين ولولا نعمة ربي لكنت من المحضرين . أي : معك فيما أنت فيه من العذاب . ثم ذكر الغبطة التي هو فيها ، وشكر الله عليها ، فقال : أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين . أي : أما قد نجونا من الموت والعذاب بدخولنا الجنة ؟ إن هذا لهو الفوز العظيم . وقوله تعالى : لمثل هذا فليعمل العاملون يحتمل أن يكون من تمام مقالة المؤمن ، ويحتمل أن يكون من كلام الله ، عز وجل ، حثا لعباده على مثل هذا الفوز ، وليتنافس المتنافسون في الفوز عنده من النار ، ودخول الجنة ، لا موت فيها . ولهذا نظائر كثيرة ، قد ذكرناها في " التفسير " .

وذكرنا في أول " شرح البخاري " في كتاب الإيمان حديث حارثة حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف أصبحت يا حارثة ؟ " فقال : أصبحت مؤمنا حقا . قال : " فما حقيقة إيمانك ؟ " قال : عزفت نفسي عن الدنيا ، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري ، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا ، وإلى أهل الجنة يتزاورون فيها ، وإلى أهل النار يعذبون فيها . فقال صلى الله عليه وسلم : " عبد نور الله قلبه " .

وقال سليمان بن المغيرة ، عن حميد بن هلال قال : بلغنا أن أهل الجنة يزور الأعلى الأسفل ، ولا يزور الأسفل الأعلى .

قلت : وهذا يحتمل معنيين : أحدهما : أن صاحب المرتبة السافلة لا يصلح له أن يتعداها; لأنه ليس فيه [ ص: 404 ] أهلية لذلك .

الثاني : لئلا يرى من النعيم فوق ما هو فيه ، فيحزن لذلك ، وليس في الجنة حزن ، والله أعلم .

وقد ورد ما قاله حميد بن هلال في حديث مرفوع ، وفيه زيادة على ما قال ; فقال الطبراني : حدثنا الحسين بن إسحاق ، حدثنا سهل بن عثمان حدثنا المسيب بن شريك ، عن بشر بن نمير ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أيتزاور أهل الجنة ؟ قال : " يزور الأعلى الأسفل ، ولا يزور الأسفل الأعلى إلا الذين يتحابون في الله ، عز وجل ، فإنهم يأتون منها حيث شاءوا على النوق محتقبين الحشايا " .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثني حمزة بن العباس ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، أنا ابن المبارك ، أنا إسماعيل بن عياش ، حدثني ثعلبة بن مسلم ، عن أيوب بن بشير العجلي ، عن شفي بن ماتع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن من نعيم أهل الجنة أنهم يتزاورون على المطايا والنجب ، وأنهم يؤتون في الجنة [ ص: 405 ] بخيل مسرجة ملجمة ، لا تروث ولا تبول فيركبونها ، حتى ينتهوا ، حيث شاء الله عز وجل ، فتأتيهم [ 157 ] مثل السحابة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، فيقولون : أمطري علينا ، فما يزال المطر عليهم حتى ينتهي ذلك فوق أمانيهم ، ثم يبعث الله ريحا غير مؤذية ، فتنسف كثبانا من مسك عن أيمانهم وعن شمائلهم فيأخذ ذلك المسك في نواصي خيولهم ، وفي معارفها ، وفي رءوسهم ، ولكل رجل منهم جمة على ما اشتهت نفسه ، فيتعلق ذلك المسك في تلك الجمام ، في الخيل ، وفيما سوى ذلك من الثياب ، ثم ينقلبون حتى ينتهوا إلى ما شاء الله عز وجل ، فإذا المرأة تنادي بعض أولئك : يا عبد الله أما لك فينا حاجة ؟ فيقول : ما أنت ؟ ومن أنت ؟ فتقول : أنا زوجتك وحبك : فيقول : ما كنت علمت بمكانك . فتقول : أوما تعلم أن الله ، عز وجل ، قال : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] . فيقول : بلى وربي . فلعله يشتغل عنها بعد ذلك الوقت أربعين خريفا ، لا يلتفت ولا يعود ، ما يشغله عنها إلا ما هو فيه من النعيم والكرامة ، وهذا حديث مرسل غريب جدا ، والله أعلم .

وقال ابن المبارك : حدثنا رشدين بن سعد ، حدثني ابن أنعم ، عن [ ص: 406 ] أبي هريرة قال : إن أهل الجنة ليتزاورون على العيس الخور ، عليها رحال الميس ، تثير مناسمها غبار المسك ، خطام أو زمام - أحدها خير من الدنيا وما فيها .

وروى ابن أبي الدنيا من طريق إسماعيل بن عياش ، عن عمر بن محمد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سأل جبريل عن هذه الآية : ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله [ الزمر : 68 ] ، قال : هم الشهداء ، يبعثهم الله متقلدين أسيافهم حول عرشه ، فأتاهم ملائكة من المحشر بنجائب من ياقوت ، أزمتها الدر الأبيض ، برحال الذهب ، أعنتها السندس والإستبرق ، ونمارقها من الحرير ، تمتد خطاها مد أبصار الرجال ، يسيرون في الجنة [ ص: 407 ] على خيول ، يقولون عند طول النزهة : انطلقوا بنا ننظر كيف يقضي الله بين خلقه ؟ يضحك الله إليهم ، وإذا ضحك الله سبحانه إلى عبد فلا حساب عليه .

وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروي ، حدثنا القاسم بن يزيد الموصلي ، حدثني أبو إلياس ، حدثني محمد بن علي بن الحسين ( ح )

وروى أبو نعيم من حديث المعافى بن عمران ، حدثني إدريس بن سنان ، عن وهب بن منبه ، عن محمد بن علي ، قال إدريس : ثم لقيته فحدثني ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن في الجنة شجرة ، يقال لها : طوبى . لو سخر الجواد الراكب أن يسير في ظلها لسار فيه مائة عام ، ورقها برود خضر ، وزهرها رياط صفر ، وأقناؤها سندس وإستبرق ، وثمرها حلل ، وصمغها زنجبيل وعسل ، وبطحاؤها ياقوت أحمر وزمرد أخضر ، وترابها مسك ، [ ص: 408 ] وحشيشها زعفران مونع ، والألنجوج يفوح من غير وقود ، ويتفجر من أصلها السلسبيل والرحيق ، وظلها مجلس من مجالس أهل الجنة يألفونه ، ومتحدث لجميعهم ، فبينما هم يوما يتحدثون في ظلها إذ جاءتهم الملائكة يقودون نجائب من الياقوت قد نفخ فيها الروح ، مزمومة بسلاسل من ذهب ، كأن وجوهها المصابيح نضارة وحسنا ، وبرها خز أحمر ومرعزى أبيض مختلطان ، لم ينظر الناظرون إلى مثلها ، عليها رحائل ألواحها من الدر والياقوت ، مفضضة باللؤلؤ والمرجان ، صفائحها من الذهب الأحمر ، ملبسة بالعبقري والأرجوان ، فأناخوا لهم تلك النجب ، ثم قالوا لهم : إن ربكم عز وجل يقرئكم السلام ، ويستزيركم ; لينظر إليكم وتنظروا إليه ، وتحيونه ، ويحييكم ، ويكلمكم وتكلمونه ، ويزيدكم من فضله ، إنه ذو رحمة واسعة وفضل عظيم . فيتحول كل رجل منهم على راحلته ، ثم انطلقوا صفا واحدا معتدلا ، لا يفوت شيء منه شيئا ، ولا تفوت أذن ناقة أذن صاحبتها ، ولا [ ص: 409 ] يمرون بشجرة من أشجار الجنة إلا أتحفتهم من ثمرها ، ورحلت لهم عن طريقهم كراهة أن تثلم صفهم ، أو تفرق بين الرجل ورفيقه ، فلما رفعوا إلى الجبار تعالى أسفر لهم عن وجهه الكريم ، وتجلى لهم في عظمته العظيم ، فحياهم بالسلام ، فقالوا : ربنا أنت السلام ، ومنك السلام ، ولك حق الجلال والإكرام . فقال لهم ربهم عز وجل : إني أنا السلام ومني السلام ، ولي حق الجلال والإكرام ، مرحبا بعبادي الذين حفظوا وصيتي ، ورعوا حقي ، وخافوا بالغيب وكانوا مني على كل حال مشفقين . قالوا : وعزتك وجلالك وعلو مكانك ما قدرناك حق قدرك ، أدينا إليك كل حقك فأذن لنا في السجود لك . فقال لهم ربهم : إني قد وضعت عنكم مؤنة العبادة ، وأرحت لكم أبدانكم ، فطالما أنصبتم لي الأبدان ، وأعنيتم لي الوجوه ، فالآن أفضيتم إلي روحي ورحمتي وكرامتي ، فسلوني ما شئتم ، وتمنوا علي أعطكم أمانيكم ، فإني لن أجزيكم اليوم بقدر أعمالكم ، ولكن بقدر رحمتي وفضلي وطولي وكرامتي وعلو مكاني وعظمة شأني فما يزالون في المسألة والأماني والعطايا والمواهب ، حتى إن المقصر في أمنيته ليتمنى مثل جميع الدنيا منذ خلقها الله إلى يوم أفناها ، فقال لهم ربهم : لقد قصرتم في أمانيكم ، ورضيتم بدون ما يحق لكم ، فقد أوجبت لكم ما سألتم وتمنيتم ، وألحقت بكم ذريتكم ، [ ص: 410 ] وزدتكم أضعاف ما قصرت عنه أمانيكم " . وهذا مرسل ضعيف غريب جدا ، وفيه ألفاظ منكرة وأحسن أحواله أن يكون من بعض كلام التابعين ، أو من كلام بعض السلف ، فوهم بعض الرواة فجعله مرفوعا ، وليس كذلك . والله أعلم .

B-happy 1 - 11 - 2010 11:28 PM

ذكر أول من يدخل الجنة

[ 581 و ] ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الأنبياء كلهم ثم أمته قبل الأمم ، كما ثبت ذلك في " صحيحمسلم " عن أنس ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنا أول من يقرع باب الجنة " . وعنده أيضا عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إني آتي باب الجنة فأستفتح ، فيقول الخازن : من أنت ؟ فأقول : محمد . فيقول : بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك " .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن السائب بن مالك ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء " .

وقال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا يزيد بن هارون ، أنبأ هشام [ ص: 411 ] الدستوائي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عامر العقيلي ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عرض علي أول ثلاثة من أمتي يدخلون الجنة ، وأول ثلاثة يدخلون النار ، فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة ; فالشهيد ، وعبد مملوك لم يشغله رق الدنيا عن طاعة ربه ، وفقير متعفف ذو عيال ، وأما أول ثلاثة يدخلون النار ; فأمير مسلط ، وذو ثروة من المال لا يؤدي حق الله من ماله ، وفقير فخور " .

وكذا رواه أحمد ، عن إسماعيل ابن علية ، عن هشام ، وأخرجه الترمذي ، من حديث علي بن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، وقال : هذا حديث حسن .

وفي حديث غالب القطان ، عن الحسن ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا وقف العباد للحساب جاء قوم واضعي سيوفهم على رقابهم تقطر دما ، فازدحموا على باب الجنة ، فقيل : من هؤلاء ؟ قالوا : الشهداء ، كانوا أحياء يرزقون . ثم نادى مناد : ليقم من أجره على الله ، فليدخل الجنة . ثم نادى الثانية : ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة . قالوا : ومن الذي أجره [ ص: 412 ] على الله ؟ قال : العافون عن الناس . ثم نادى الثالثة : ليقم من أجره على الله فليدخل الجنة . فقام كذا وكذا ألفا ، فدخلوا بغير حساب " .

وفي حديث حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الحمادون الذين يحمدون الله في السراء والضراء " . وثبت في " الصحيحين و " سنن النسائي " ، واللفظ له ، من طريق عبد الله بن طاوس ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، نحن أول الناس دخولا الجنة " . الحديث بطوله .

وفي " صحيح مسلم " عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " نحن الآخرون الأولون يوم القيامة ، ونحن أول من يدخل الجنة " .

وروى الحافظ الضياء ، من طريق عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن عمر بن الخطاب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ ص: 413 ] " إن الجنة حرمت على الأنبياء كلهم حتى أدخلها ، وحرمت على الأمم حتى تدخل أمتي " .

" سنن أبي داود " من حديث أبي خالد الدالاني ، عن أبي خالد مولى آل جعدة ، عن أبي هريرة ، قال : " أتاني جبريل ، فأخذ بيدي فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي " . فقال أبو بكر : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وددت أني كنت معك حتى أنظر إليه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي " . وتقدم في الصحيح : " أدخل من لا حساب عليه من أمتك من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس في سائر الأبواب . وقد تقدم في الحديث الصحيح : " من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي ( . من أبواب الجنة وللجنة . ثمانية أبواب ) الحديث بطوله . وفي " الصحيحين " من حديث سهل بن سعد قال : " للجنة [ ص: 414 ] ثمانية أبواب ، منها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون فإذا دخلوا منه أغلق فلم يدخل منه أحد غيرهم ) " .

باب جامع لأحكام تتعلق بالجنة وأحاديث شتى وردت فيها

قال الله تعالى : والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء [ الطور : 21 ] ، أي أن الله تعالي يرفع درجة الأولاد في الجنة إلى درجة الآباء ، وإن لم يعملوا بعملهم ، ولا ينقص الآباء من أعمالهم حتى يجمع بينهم في الدرجة العالية ليقر أعينهم باجتماعهم هم وذرياتهم .

قال الثوري ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : إن الله ليرفع ذرية المؤمن في درجته ، وإن كانوا دونه في العمل ليقر بهم عينه . ثم قرأ : ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ) . هكذا رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم في " تفسيريهما ، عن الثوري موقوفا . وكذا رواه ابن جرير ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة ، عن سعيد ، عن ابن عباس موقوفا ، [ ص: 415 ] ورواه البزار في " مسنده " وابن مردويه في " تفسيره " ، من حديث قيس بن الربيع ، عن عمرو ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه سلم . ورواية الثوري وشعبة أثبت . والله أعلم .

وروى ابن أبي حاتم من حديث الليث ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في هذه الآية ، قال : هم ذرية المؤمن يموتون على الإيمان ، فإن كانت منازل آبائهم أرفع من منازلهم ألحقوا بآبائهم ، ولم ينقصوا من أعمالهم التي عملوا شيئا .

وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن غزوان ، حدثنا شريك ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أظنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده ، فيقال : إنهم لم يبلغوا درجتك . فيقول : يا رب ، قد عملت لي [ ص: 416 ] ولهم . فيؤمر بإلحاقهم به " . وقرأ ابن عباس : ( والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان ) الآية .

وقال العوفي ، عن ابن عباس ، في هذه الآية : والذين أدرك ذريتهم الإيمان ، فعملوا بطاعتي ألحقتهم بإيمانهم إلى الجنة ، وأولادهم الصغار تلحق بهم . وهذا التفسير هو أحد أقوال العلماء في معنى الذرية هنا ، أهم الصغار فقط ، أم يشمل الصغار والكبار أيضا ، لقوله : ومن ذريته داود وسليمان [ الأنعام : 84 ] ، وقال : ذرية من حملنا مع نوح [ الإسراء : 3 ] ، وقال : ذرية بعضها من بعض [ آل عمران : 34 ] ، فأطلق الذرية على الكبار ، كما أطلقها على الصغار ، وتفسير العوفي ، عن ابن عباس يشملهما ، وهو اختيار الواحدي وغيره ، وهذا كله إنما هو إلى الله عز وجل ، فإن الخير في يديه ، والخلق له والأمر له ، وهذا القول محكي عن الشعبي ، وأبي مجلز ، وسعيد بن جبير ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، وأبي صالح ، والربيع بن أنس . وهذا من فضل الله ورحمته على الأبناء ببركة عمل الآباء ، فأما فضله على الآباء ببركة دعاء الأبناء ، فقد قال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا حماد بن [ ص: 417 ] سلمة ، عن عاصم بن أبي النجود ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله ، عز وجل ، ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة ، فيقول : يا رب ، أنى لي هذه ؟ فيقول : باستغفار ولدك لك " .

وهذا إسناد صحيح ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب ، ولكن له شاهد في " صحيح مسلم " ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ; صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له " .

ذكر دخول الفقراء الجنة قبل الأغنياء

[ 1591 و ] ، قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم ، وهو خمسمائة عام " . وأخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث محمد بن عمرو . قال الترمذي : حسن صحيح .

وله طرق عن أبي هريرة ، فمن ذلك ما رواه الثوري ، عن محمد بن زيد ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن فقراء المؤمنين [ ص: 418 ] يدخلون الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم ، وذلك خمسمائة عام " . الحديث بطوله .

وقال أحمد : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حيوة ، هو ابن شريح ، أخبرني أبو هانئ أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي ، يقول : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة - يعني إلى الجنة - بأربعين خريفا " . وكذا رواه مسلم من حديث أبي هانئ حميد بن هانئ ، به .

وقال أحمد : حدثنا حسين ، هو ابن محمد ، حدثنا داود ، هو ابن نافع ، [ ص: 419 ] عن سلم بن بشير ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " التقى مؤمنان على باب الجنة ، مؤمن غني ، ومؤمن فقير ، كانا في الدنيا ، فأدخل الفقير الجنة ، وحبس الغني ، ما شاء الله أن يحبس ، ثم أدخل الجنة ، فلقيه الفقير ، فقال : يا أخي ، ماذا حبسك ؟ والله لقد احتبست حتى خفت عليك ، فيقول : أي أخي ، إني حبست بعدك محبسا فظيعا كريها ، وما وصلت إليك حتى سال مني من العرق ما لو ورده ألف بعير ، كلها أكلت حمضا لصدرت عنه رواء " .

وثبت في " الصحيحين " من حديث أبي عثمان النهدي ، عن أسامة بن زيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قمت على باب الجنة فإذا عامة من دخلها المساكين ، وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء " . وفي " صحيح البخاري " ، من حديث سلم بن زرير ، عن أبي رجاء ، عن عمران بن [ ص: 420 ] حصين مثله .

ورواه عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أبي رجاء عمران بن ملحان ، عن عمران بن حصين قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " نظرت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، ونظرت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء " .

وروى مسلم ، عن شيبان بن فروخ ، عن أبي الأشهب ، عن أبي رجاء ، عن ابن عباس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطلع في النار ، فرأى أكثر أهلها النساء ، واطلع في الجنة ، فرأى أكثر أهلها الفقراء . وقال أحمد : ثنا عبد الله بن محمد ، ثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن السائب بن مالك ، عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها الأغنياء والنساء " . وتقدم من حديث ابن أبي شيبة : " عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة . . " . إلى آخره . وهو في الذين يحمدون الله في السراء والضراء 0000 الجامع لأحكام الجنة .
فصل

والجنة والنار موجودتان الآن ، فالجنة معدة للمتقين ، والنار معدة للكافرين ; كما نطق بذلك القرآن العظيم ، وتواترت بذلك الأخبار عن رسول رب العالمين ، وهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة ، رحمهم الله أجمعين ، المتمسكين بالعروة الوثقى ، وهي السنة إلى قيام الساعة ، خلافا لمن زعم أنهما لم يخلقا بعد وإنما يخلقان يوم القيامة ، وهذا القول قاله من لم يطلع على الأحاديث المتفق على صحتها ، وإخراجها في " الصحيحين " وغيرهما من كتب الإسلام المعتمدة المشهورة بالأسانيد الصحيحة والحسنة ، مما لا يمكن دفعه ولا رده ، لتواتره واشتهاره .

قال الله تعالى : وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ آل عمران : 133 ] . وقال فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين [ البقرة : 24 ] . وقال : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب [ غافر : 46 ] . وقال : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] .

وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا [ ص: 422 ] خطر على قلب بشر ، دخرا ، بله ما أطلعكم عليه " .

وفي " الصحيحين " من حديث مالك عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " .

، وفي " صحيح مسلم " عن ابن مسعود قال : " أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ، لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل " . وذكر الحديث .

وروينا في " مسند الإمام أحمد بن حنبل " ، ثنا محمد بن إدريس الشافعي ، عن مالك ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة ، حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده يوم يبعثه " .

[ ص: 423 ] وتقدم الحديث المتفق على صحته من طريق أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات " .

وذكرنا الحديث المروي من طريق حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعا : " لما خلق الله تعالى الجنة قال لجبريل : اذهب فانظر إليها " . وكذلك قال في النار .

وكذلك في الحديث الآخر : لما خلق الله تعالى الجنة قال لها : تكلمي . فقالت : قد أفلح المؤمنون " .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشتكت النار إلى ربها ، فقالت : يا رب ، أكل بعضي بعضا . فأذن لها بنفسين ; نفس في الشتاء ونفس في الصيف ، فأشد ما تجدون من الزمهرير من بردها ، وجميع ما تجدون من الحر من فيحها ، فإذا كان الحر فأبردوا عن الصلاة " .

وفي " الصحيحين " من طريق عبد الرزاق ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة - وعند مسلم عن أبي سعيد - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 424 ] " تحاجت الجنة والنار ، فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين . وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم وغرتهم ؟ فقال الله تعالى للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي ، وقال للنار : أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ، ولكل واحدة منكما ملؤها . فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع قدمه عليها ، فتقول : قط قط . فهنالك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعض ، ولا يظلم الله من خلقه أحدا ، وأما الجنة فينشئ الله لها خلقا " . لفظ مسلم .

وفي " الصحيحين " عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تزال جهنم يلقى فيها ، وتقول : هل من مزيد . حتى يضع رب العزة فيها قدمه ، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول : قط قط ، بعزتك وكرمك . ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقا ، فيسكنهم فضل الجنة " .

وقد ثبت في " الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى الجنة والنار ليلة أسري به .

[ ص: 425 ] فأما ما وقع في " صحيح البخاري عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه تعالى ينشئ للنار من يشاء ، فيلقى فيها ، فتقول : هل من مزيد ؟ " . فقد قال بعض الحفاظ : هذا غلط من بعض الرواة ، وكأنه اشتبه عليه ، ودخل عليه لفظ في لفظ ، فنقل هذا الحكم من أهل الجنة إلى النار .

قلت : فإن كان محفوظا فيحتمل أنه تعالى يمتحنهم في العرصات ، كما يمتحن غيرهم ممن لم تقم عليه الحجة في الدنيا ، فمن عصى منهم أدخله النار ، ومن استجاب أدخله الجنة ; لقوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [ الإسراء : 15 ] . وقال تعالى : رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما [ النساء : 165 ] .

فصل

وقد ذكرنا فيما سلف صفة أهل الجنة حال دخولهم إليها ، وقدومهم عليها ، وأنهم يحول خلقهم إلى طول ستين ذراعا في عرض سبعة أذرع ، وأنهم يكونون جردا مردا مكحلين في سن أبناء ثلاث وثلاثين ، وأنهم يعربون .

قال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثني القاسم بن هاشم ، حدثنا صفوان بن [ ص: 426 ] صالح ، حدثني رواد بن الجراح العسقلاني ، حدثنا الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ، ستين ذراعا بذراع الملك ، على حسن يوسف ، وعلى ميلاد عيسى ثلاث وثلاثين ، وعلى لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، جرد مرد مكحلون " .

وروى داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لسان أهل الجنة عربي .

وقال عقيل ، عن الزهري قال : لسان أهل الجنة عربي .

وروى البيهقي من طريقين فيهما ضعف ، عن أبي كريمة المقدام بن معديكرب ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من أحد يموت سقطا ولا هرما وإنما الناس فيما بين ذلك إلا بعث ابن ثلاثين سنة - وفي رواية : ثلاث وثلاثين سنة - فإن كان من أهل الجنة كان على مسحة آدم ، [ ص: 427 ] وصورة يوسف ، وقلب أيوب ، مردا مكحلين ، أولي أفانين ، ومن كان من أهل النار عظموا وفخموا كالجبال " . وفي رواية : حتى يصير جلده أربعين باعا ، وحتى يصير ناب من أنيابه مثل أحد " .

وثبت أنهم يأكلون ويشربون ، ولا يبولون ، ولا يتغوطون ، إنما يكون منصرف طعامهم أنهم يعرقون ويتجشئون كرائحة المسك ، ونفسهم تسبيح وتحميد وتكبير ، وأول زمرة منهم تدخل الجنة منهم على صورة القمر ، ثم الذين يلونهم في البهاء كأضوأ كوكب دري في السماء ، وأنهم يجامعون ولا يولد لهم ، إلا من شاء منهم ، وأنهم لا يموتون ولا ينامون ، لكمال حياتهم ، وكثرة لذاتهم ، وتوالي نعيمهم ومسراتهم ، وكلما ازدادوا خلودا ازدادوا حسنا وجمالا وشبابا وقوة ، وازدادت لهم الجنة حسنا وبهاء وطيبا وضياء ، وكانوا أرغب شيء فيها وأحرص عليها ، وكانت عندهم أعز وأغلى وألذ وأحلى ، كما قال تعالى : خالدين فيها لا يبغون عنها حولا [ الكهف : 108 ] . وهذا عكس حال أهل الدنيا ، ولو كان أحدهم في ألذ عيش .
وأعلى الخلق في الجنة منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو أول من يدخلها ، وأمته أول الأمم دخولا إليها ، وأول من يدخلها من هذه الأمة أبو بكر الصديق ، رضي الله عنه ، وتقدم أن هذه الأمة يكونون في الجنة أكثر الأمم ، وأنهم يكونون ثلثي أهل الجنة أو شطرهم ، كما تقدم : " أهل الجنة مائة وعشرون صفا ، هذه الأمة ثمانون صفا منها " .

وفي " المسند " ، و " جامع الترمذي " ، و " سنن ابن ماجه " ، من حديث محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعا : " يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بنصف يوم ، وهو خمسمائة عام " . وإسناده على شرط مسلم . وقال الترمذي : حسن صحيح .

وروى الطبراني من حديث الثوري ، عن محمد بن زيد ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة مرفوعا مثله .

[ ص: 429 ] وروى الترمذي من طريق الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد مرفوعا مثله ، وحسنه ، والذي رواه مسلم من طريق أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا " .

وللترمذي عن جابر بن عبد الله مرفوعا مثله ، وصححه ، وله عن أنس أيضا نحوه ، واستغربه .

قلت : فإن كان الأول محفوظا ، فيكون باعتبار دخول أول الفقراء وآخر الأغنياء ، وتكون الأربعون خريفا باعتبار دخول آخر الفقراء وأول الأغنياء . والله أعلم .

وقد روى الإمام أحمد عن إسماعيل ابن علية ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون ، كلاهما عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير ، عن عامر العقيلي ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة من أمتي ، وأول ثلاثة يدخلون النار " . [ ص: 430 ] وذكر الحديث كما تقدم قريبا .

ورواه الترمذي من طريق ابن المبارك ، عن يحيى بن أبي كثير ، وقال : حسن . ولم يذكر الثلاثة الذين هم من أهل النار .

وثبت في " صحيح مسلم " ، من حديث عياض بن حمار المجاشعي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أهل الجنة ثلاثة ، ذو سلطان مقسط متصدق موفق ، ورجل رحيم القلب بكل ذي قربى ومسلم ، وعفيف متعفف ذو عيال . وأهل النار خمسة ، الضعيف الذي لا زبر له ، الذين هم فيكم تبعا ، لا يبغون أهلا ولا مالا ، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك " . وذكر البخل والكذب ، " والشنظير الفحاش .

[ ص: 431 ] وتقدمت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء والأغنياء " .

وتقدم الحديث الوارد من طريق حبيب بن أبي ثابت ، عن سعيد ، عن ابن عباس مرفوعا : " أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الحمادون الذين يحمدون الله في السراء والضراء " .

وثبت في " الصحيحين " من حديث سفيان الثوري ، وشعبة ، عن معبد بن خالد ، عن حارثة بن وهب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره ، ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل عتل جواظ مستكبر .

وقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن إسحاق ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا موسى بن علي بن رباح ، سمعت أبي يحدث عن عبد الله بن عمرو ، عن رسول [ ص: 432 ] الله صلى الله عليه وسلم قال : " أهل النار كل جعظري جواظ مستكبر ، جماع مناع ، وأهل الجنة الضعفاء المغلوبون " .

وقال الطبراني : حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا أبو هلال الراسبي ، حدثنا عقبة بن أبي ثبيت الراسبي ، عن أبي الجوزاء ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أهل الجنة من ملأ أذنيه من ثناء الناس خيرا وهو يسمع ، وأهل النار من ملأ أذنيه من ثناء الناس شرا وهو يسمع " .

وكذا رواه ابن ماجه من حديث مسلم بن إبراهيم .

وقال القاضي أبو عبيد " علي بن الحسين بن حربويه ، حدثنا محمد بن صالح ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة ؟ النبي في الجنة ، والصديق في الجنة ، والشهيد في الجنة ، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر لا يزوره إلا لله في الجنة ، ونساؤكم من أهل الجنة العئود الودود الولود ، التي إذا غضب زوجها أو غضبت جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها ، [ ص: 433 ] ثم تقول : لا أذوق غمضا حتى ترضى " . وروى النسائي بعضه ، من حديث خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم يحيى بن دينار ، به .
هذه الأمة أكثر أهل الجنة ، وأعلاهم منازل ، وأول من يدخل الجنة صدرها ، كما قال تعالى في صفة المقربين : ثلة من الأولين وقليل من الآخرين [ الواقعة : 13 ، 14 ] . وقال في صفة أهل اليمين : ثلة من الأولين وثلة من الآخرين [ الواقعة : 39 ، 40 ] .

وثبت في " الصحيحين " : " خير القرون قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم . ثم يكون قوم يحبون السمن أو السمانة ، ينذرون ولا يفون ، ويشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون " .

وخيار الصدر الأول الصحابة ، كما قال ابن مسعود : من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات ، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمد ، أبر هذه الأمة قلوبا ، وأصدقها ألسنة ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، [ ص: 434 ] قوم اختارهم الله لصحبة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم حقهم ، واقتدوا بهم; فإنهم كانوا على الهدى المستقيم .

وتقدم أن هذه الأمة يدخل منهم إلى الجنة سبعون ألفا بغير حساب .

وفي " صحيح مسلم " : " مع كل ألف سبعون ألفا " . وفي رواية أحمد : " مع كل واحد سبعون ألفا " . وهذا ذكر أطراف الحديث ، وإشارة إلى طرقه وألفاظه .

وفي " الصحيحين " من رواية حصين بن عبد الرحمن ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عرضت علي الأمم ، فرأيت النبي ومعه الرهط ، والنبي ومعه الرجل والرجلان ، والنبي وليس معه أحد ، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي ، فقيل لي : هذا موسى وقومه ، ولكن انظر إلى الأفق . فنظرت فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : هذه أمتك ، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ، ولا عذاب " . وفيه : " هم الذين لا يكتوون ، ولا يسترقون ، ولا يتطيرون ، وعلى ربهم يتوكلون " . فقام عكاشة بن محصن . وقد تقدم هذا كله .

[ ص: 435 ] وقال هشام بن عمار خطيب دمشق ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، واللفظ له : حدثنا إسماعيل بن عياش ، أخبرني محمد بن زياد الألهاني ، سمعت أبا أمامة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا ، مع كل ألف سبعين ألفا ، لا حساب عليهم ، ولا عذاب ، وثلاث حثيات من حثيات ربي ، عز وجل " .

وكذا رواه أبو بكر بن أبي عاصم ، عن دحيم ، عن الوليد بن مسلم ، عن صفوان بن عمرو ، عن سليم بن عامر ، وأبي اليمان عامر بن عبد الله بن لحي الهوزني ، عن أبي أمامة ، فذكر مثله .

وروى الطبراني ، من حديث عامر بن زيد البكالي ، عن عتبة بن عبد السلمي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . ورواه أيضا من طريق أبي أسماء الرحبي ، عن ثوبان مثله ، ولم يذكر : " ثلاث حثيات " . وله من حديث قيس الكندي ، عن أبي سعيد الأنماري مثله ، وذكر فيه : " ثلاث حثياث " . وقد قدمنا بقية طرقه بألفاظها . والله سبحانه أعلم .

B-happy 1 - 11 - 2010 11:29 PM

فصل في بيان وجود الجنة والنار ، وأنهما مخلوقتان موجودتان ، خلافا لمن زعم خلاف ذلك

قال الله تعالى : وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين [ آل عمران : 133 ] . وقال : أعدت للذين آمنوا بالله ورسله [ الحديد : 21 ] . وقال : واتقوا النار التي أعدت للكافرين آل عمران : [ 131 ] وقال تعالى في حق آل فرعون : النار يعرضون عليها غدوا وعشيا غافر : [ 46 ] الآية . وقال : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [ السجدة : 17 ] .

وفي " الصحيحين " ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يقول الله تعالى : أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، دخرا ، بله كل ما أطلعكم عليه " . ثم قرأ : فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون [ السجدة : 17 ] .

وفي " الصحيحين " من حديث مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة " .

[ ص: 437 ] وفي " صحيح مسلم " عن ابن مسعود : " أرواح الشهداء في حواصل طير خضر ، تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى قناديل معلقة في العرش " . وذكر الحديث .

وروينا في " مسند الإمام أحمد بن حنبل " ، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي ، عن مالك ، عن الزهري ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله ، إلى جسده يوم يبعثه " .

وتقدم الحديث المتفق على صحته ، من طريق أبي الزناد ، عن الأعرج " عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات " .

وذكرنا الحديث المروي من طريق حماد بن سلمة ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعا : " لما خلق الله الجنة قال لجبريل اذهب فانظر إليها " . وكذلك قال في النار .

وكذلك الحديث الآخر : " لما خلق الله الجنة قال لها : تكلمي . فقالت : قد أفلح المؤمنون " .

وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة ، وعند مسلم عن أبي سعيد ، عن [ ص: 438 ] النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تحاجت الجنة والنار " . الحديث .

وفيهما عن ابن عمر مرفوعا : " الحمى من فيح جهنم " .

وفيهما عن أبي ذر مرفوعا : " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم " .

وفي " الصحيحين " عن أبي هريرة : " إذا جاء شهر رمضان فتحت أبواب الجنة ، وغلقت أبواب النار ، وصفدت الشياطين " . وقد ذكرنا في حديث الإسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الجنة والنار ليلتئذ ، قال الله تعالى : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى [ النجم : 13 - 15 ] . وقال في صفة سدرة المنتهى : " إنه يخرج من أصلها نهران ظاهران ونهران باطنان " . وذكر أن الباطنين في الجنة .

وفي " الصحيحين " : " ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ، وإذا ترابها المسك " .

وفي " صحيح البخاري من حديث قتادة ، عن أنس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 439 ] قال : " بينما أنا أسير في الجنة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدر المجوف فقلت : ما هذا يا جبريل ؟ قال : هذا الكوثر الذي أعطاك ربك " .

وفي مناقب عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " دخلت الجنة فرأيت جارية توضأ عند قصر ، فقلت : لمن أنت ؟ فقالت لعمر بن الخطاب . فأردت أن أدخله فذكرت غيرتك " . فبكى عمر ، رضي الله عنه ، وقال : أوعليك أغار يا رسول الله ؟ ! والحديث في " الصحيحين " عن جابر .

وقال عليه السلام لبلال : " أدخلت الجنة فسمعت خشف نعليك أمامي ، فأخبرني بأرجى عمل عملته في الإسلام " . فقال : ما توضأت إلا وصليت ركعتين . الحديث .

وأخبر عن الرميصاء أنه رآها في الجنة . أخرجاه عن جابر .

وأخبر في يوم صلاة الكسوف أنه عرضت عليه الجنة والنار - وفي رواية : دنت منه الجنة والنار - وأنه هم أن يأخذ من الجنة قطفا من عنب ، وقال : " لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا " .

[ ص: 440 ] وفي " الصحيحين " من طريق الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار " .

وقال في الحديث الآخر : " ورأيت فيها صاحب المحجن " . وقال : " دخلت امرأة النار في هرة حبستها حتى ماتت لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، فلقد رأيتها تخمشها " . وأخبر عن الرجل الذي نحى غصن شوك عن طريق الناس ، قال : " فلقد رأيته يستظل به في الجنة " . وهو في " صحيح مسلم " عن أبي هريرة بلفظ آخر .

وفي الصحيحين " عن عمران بن حصين ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء " .

وفي " صحيح مسلم " من طريق المختار بن فلفل ، عن أنس ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلا ولبكيتم [ ص: 441 ] كثيرا " . قالوا : يا رسول الله ، وما رأيت ؟ قال : " رأيت الجنة والنار " . وأخبر أن المتوضئ إذا قال بعد وضوئه : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . فتحت له أبواب الجنة الثمانية ، يدخل من أيها شاء .

وفي " صحيح البخاري " من حديث شعبة ، عن عدي ، عن البراء بن عازب قال : لما توفي إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن له مرضعا في الجنة " .

وقال الله تعالى : وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة [ البقرة : 35 ] . والجمهور على أن هذه الجنة جنة المأوى ، وذهب طائفة آخرون إلى أنها جنة في الأرض خلقها الله له ، ثم أخرجه منها ، وقد تقدم ذلك مبسوطا في هذا الكتاب في أوله في قصة آدم .

وقال البيهقي : حدثنا الحاكم ، حدثنا الأصم ، حدثنا حميد بن عياش الرملي ، حدثنا مؤمل بن إسماعيل ، حدثنا سفيان ، عن عبد الرحمن الأصبهاني ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة " . وكذا رواه وكيع ، عن سفيان ، وهو الثوري ، والأحاديث في هذا كثيرة جدا ، وقد [ ص: 442 ] أوردنا كثيرا منها بأسانيدها ومتونها فيما تقدم .

وثبت في " صحيح مسلم " ، عن عبد الله بن عمرو ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا " . وكذا روى الترمذي ، من حديث جابر وصححه ، وأنس واستغربه ، وللترمذي من حديث أبي هريرة وصححه وأبي سعيد وحسنه : " بنصف يوم خمسمائة عام " . وقد تقدم هذا كله .

قلت : فإن كان هذا محفوظا كما صححه الترمذي ، فيحتمل أن يكون ذلك باعتبار دخول أول الفقراء وآخر الأغنياء ، وتكون الأربعون خريفا باعتبار ما بين دخول آخر الفقراء وأول الأغنياء . والله أعلم .

وقد أشار إلى ذلك القرطبي في " التذكرة ، حيث قال : وقد يكون ذلك باختلاف أحوال الفقراء والأغنياء . يشير إلى ما ذكرناه .
قال الزهري : كلام أهل الجنة عربي . وقال سفيان الثوري : بلغنا أن الناس يتكلمون يوم القيامة بالسريانية ، فإذا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية .
في المرأة تتزوج في الدنيا بأزواج ثم تدخل الجنة ; فلمن تكون منهم ؟ فذكر القرطبي في " التذكرة " من طريق ابن وهب عن مالك : أن أسماء بنت أبي بكر شكت زوجها الزبير إلى أبيها ، فقال : يا بنية ، اصبري ، فإن الزبير رجل صالح ، ولعله يكون زوجك في الجنة . قال : ولقد بلغني أن الرجل إذا ابتكر المرأة تزوجها في الجنة . قال أبو بكر بن العربي : هذا حديث غريب .

وقد روي عن أبي الدرداء ، وحذيفة بن اليمان أن المرأة تكون لآخر أزواجها في الدنيا .

[ ص: 444 ] وجاء أنها تكون لأحسنهم خلقا . قال أبو بكر النجاد : حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر ، حدثنا عبيد بن إسحاق العطار ، حدثنا سنان بن هارون ، عن حميد ، عن أنس ; أن أم حبيبة قالت : يا رسول الله ، المرأة يكون لها الزوجان في الدنيا فأيهما يكون في الآخرة ؟ فقال : " لأحسنهما خلقا ، كان معها في الدنيا " . ثم قال : " يا أم حبيبة ، ذهب حسن الخلق بخير الدنيا والآخرة " . وقد روي عن أم سلمة نحو هذا .

والله أعلم .

آخر الكتاب والحمد لله

عاشق تراب الأقصى 1 - 11 - 2010 11:49 PM




جزاك الله خيرا على نقلك الكتاب
وأثابك الجنة وجعله في ميزان حسناتك




شكرا على الإفادة والطرح
ولي عودة لأهمية الطرح


sad one 5 - 11 - 2010 01:53 AM

بارك الله بكم هابي

عاشق تراب الأقصى 6 - 11 - 2010 08:16 PM

اختي الكريمة

http://forum.brg8.com/images/smilies/wallah.gif
http://forum.brg8.com/images/smilies/wallah.gif
http://forum.brg8.com/images/smilies/wallah.gif

انه موضوع هام جدا
حسنا ان نقلتيه لنا
كل مرة ادخل الموضوع ادعو لك لاخير والفرج بارك الله بك
واتمنى من الله سبحانه ان يدخلنا جنانه من اوسع الابواب ويغفر لنا

الغراب الأسود 11 - 11 - 2010 10:04 PM


أبو جمال 26 - 1 - 2015 02:46 AM

رد: كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة-من كتاب البداية والن
 
جزاك الله الخير اختي بي هابي
تحياتي واحترامي

ليل الغريب 8 - 2 - 2015 12:07 AM

رد: كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة-من كتاب البداية والن
 
جزاك الله خيراا

المُنـى 8 - 2 - 2015 12:15 AM

رد: كتاب الفتن والملاحم وأشراط الساعة والأمور العظام يوم القيامة-من كتاب البداية والن
 
طرح مميز
شكرا لك مع التحية


الساعة الآن 07:57 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى