منتديات المُنى والأرب

منتديات المُنى والأرب (http://www.arabna312.com//index.php)
-   صفحات من التاريخ وحضارات الأمم (http://www.arabna312.com//forumdisplay.php?f=201)
-   -   معارك وحروب (http://www.arabna312.com//showthread.php?t=12267)

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:48 PM

51

غـزوة الأحزاب
تاريخ الغزوة:

وقعت هذه الغزوة في شوال سنة خمس كما قال ابن إسحاق ومن تابعه، وهو قول الجمهور، وقال الواقدي: إنها وقعت في يوم الثلاثاء الثامن من ذي القعدة في العام الخامس الهجري، وقال ابن سعد: إن الله استجاب لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم فهزم الأحزاب يوم أربعاء من شهر ذي القعدة سنة خمس من مهاجره. ونقل الزهري ومالك بن أنس وموسى بن عقبة أنها وقعت سنة أربع هجرية.

ويرى العلماء أن القائلين بأنها وقعت سنة أربع كانوا يعدون التاريخ من المحرم الذي وقع بعد الهجرة ويلغون الأشهر التي قبل ذلك إلى ربيع الأول، فتكون غزوة بدر عندهم في السنة الأولى، وأحد في الثانية والخندق في الرابعة، وهو مخالف لما عليه الجمهور من جعل التاريخ من المحرم سنة الهجرة. وجزم ابن جزم أنها وقعت سنة أربع لقول ابن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم رده يوم أحد وهي في السنة الثالثة باتفاق وهو ابن أربع عشرة سنة. ولكن البيهقي وابن حجر وغيرهما فسروا ذلك بأن ابن عمر كان يوم أحد في بداية الرابعة عشرة ويوم الخندق في نهاية الخامسة عشرة وهو الموافق لقول جمهور العلماء.

سبب الغزوة:

لم تضع الحرب أوزارها بين مشركي مكة والمسلمين إلا بعد فتح مكة في العام الثامن الهجري، ولذا فمن البدهي أن تحاول قريش في كل مرة القضاء على قوة المسلمين التي ترى فيها تهديداً مستمراً لطرق قوافلها وخطراً على مكانتها بين العرب.

أرادت قريش في هذه المرة أن تحسم هذا الصراع مع المسلمين لصالحها، فحشدت له أكبر قوة ممكنة حيث لجأت إلى التحالف مع كل من له مصلحة في القضاء على المسلمين. ووجدوا أكبر ضالتهم في قريش، فقد التقت أهداف الفريقين، وهو القضاء على المسلمين.

كان أول ما فكر فيه زعماء بني النضير الذين خرجوا إلى خيبر أن يتصلوا بقريش والقبائل الأخرى للثأر لأنفسهم والطمع في العودة إلى ديارهم وأملاكهم في المدينة. فخرج وفد منهم إلى مكة ، منهم : سلام بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وكنانة بن أبي الحقيق النضريون ، وهوذة بن قيس وأبو عمار الوائليان ، في نفر من بني النضير ونفر من بني وائل ، فدعوا قريشاً إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدهم بالقتال معهم ، حتى يستأصلوه ، وأفتوهم بأن دينهم خير من دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنهم أولى بالحق منهم ، وفيهم أنزل الله تعالى : ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا ). ثم اتجهوا بعد هذا إلى قبيلة غطفان النجدية الكبرى وأغروها بالتحالف معهم ومع قريش على حرب المسلمين، على أن يكون لهم نصف ثمر خيبر، إذا اشتركت معهم في الحرب، وكان وافدهم إلى غطفان كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، فأجابه عيينة بن حصن الفزاري إلى ذلك.

وكتب المشركون إلى حلفائهم من بني أسد، فأقبل إليهم طلحة بن خويلد فيمن أطاعه، وخرج أبو سفيان بقريش ومن اتبعه من قبائل العرب، فنزلوا بمر الظهران، فجاءهم من أجابهم من بني سليم مدداً لهم بقيادة سفيان بن عبد شمس والد أبي الأعور وبنو مرة بقيادة الحارث بن عوف وأشجع بقيادة مسعر بن رخيلة ، فصاروا في جمع عظيم ، فهم الذين سماهم الله تعالى الأحزاب ، وذكر ابن إسحاق أن عدتهم عشرة آلاف بينما كان المسلمون ثلاثة آلاف.

تحرك هذا الجيش العرموم من مر الظهران في طريقة إلى المدينة. فنزلت قريش ومن سار معها بمجتمع الأسيال من رومة، بين الجُرُف وغابة. ونزلت غطفان بذنب نقمي إلى جانب أحد، ونزل معهم بنوأسد.

فلما سمع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أجمعوا له من الأمر ، استشار أصحابه ، وقد أشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق في المنطقة الوحيدة المكشوفة أمام الغزاة ، أما الجهات الأخرى فكانت كالحصن تتشابك فيها الأبنية وأشجار النخيل وتحيطها الحرات التي يصعب على الإبل والمشاة التحرك فيها.

ووافق الجميع على هذه الفكرة لعلمهم بكثرة الجموع القادمة لحربهم ، وشرعوا في حفر الخندق الذي يمتد من أجم الشيخين طرف بن حارثة شرقاً حتى المذاذ غرباً ، وكان طوله خمسة آلاف ذراع ، وعرضه تسعة أذرع ، وعمقه من سبعة أذرع إلى عشرة. وكان على كل عشرة من المسلمين حفر أربعين ذراعاً ، والأنصار من حصن ذباب إلى جبل عبيد في الغرب.

وعمل المسلمون في الحفر على عجل، يبادرون قدوم القوم، وقد تراوحت مدة الحفر ما بين ستة أيام وأربعة وعشرين يوماً. فعند ابن عقبة استغرق قريباً من عشرين ليلة ، وعند الواقدي أربعاً وعشرين ليلة ، وفي الروضة للنووي خمسة عشر يوماً ، وعند ابن سعد ستة أيام.

وكان طعامهم القليل من الشعير يخلط بدهن متغير الرائحة لقدمه، ويطبخ فيأكلونه على الرغم من بشاعة طعمه في الحلق ورائحته المنتنة، وذلك لشدة جوعهم. حتى هذا لا يجدونه أحياناً فيأكلون التمر ، وأحياناً لا يجدون هذا ولا ذاك لمدة ثلاثة أيام متتالية ، إلى الحد الذي يعصب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بطنه بحجر من شدة الجوع.

وشارك جميع المسلمين في الحفر، لا فرق بين غني وفقير ومولى وأمير، وأسوتهم في ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم الذي حمل التراب حتى اغبر بطنه ووارى التراب جلده، وكان الصحابة يستعينون به في تفتيت الصخرة التي تعترضهم ويعجزون عنها، فيفتتها لهم. ويردد معهم الأهازيج والأرجاز لتنشيطهم للعمل ، فيقول :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا.......ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا...........وثبت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا.......وإن أرادوا فتنة أبينا

وكان يمد بها صوته بآخرها، ويرتجز المسلمون وهم يعملون:
(نحن الذين بايعوا محمداً..على الإسلام ما بقينا أبدا)
فيجيبهم بقوله:
(اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فبارك في الأنصار والمهاجرة). وربما يبدؤهم بقوله فيردون عليه بقولهم.

من دلائل النبوة أثناء حفر الخندق :

أجرى الله سبحانه وتعالى على يدي نبيه محمد صلى الله عليه وسلم عدة معجزات أثناء حفر الخندق، ومن ذلك:

1- عندما لحظ جابر بن عبد الله رضي الله عنه ما يعانيه الرسول صلى الله عليه وسلم من الجوع، استأذنه وذهب إلى زوجته وأخبرها بما رأى من المخمصة على الرسول صلى الله عليه وسلم وطلب منها أن تصنع له طعاماً، فذبح عناقاً له وطحنت زوجة صاعاً من شعير بقي لهما ، وصنعت برمة ، وذهب جابر فدعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطعام وساوره بكمية الطعام ، وانه طعيم يكفي لرجل أو رجلين ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم كل من كان حاضراً وعددهم ألف ، وتحير جابر وزوجته ، لكن النبي صل الله عليه وسلم بارك في البرمة ، فأكل منها كل الناس حتى شبعوا وتركوا فيها الكثير الذي أكل منه أهل جابر وأهدوا.

2- أخبر عمار بن ياسر، وهو يحفر معهم الخندق، بأن ستقتله الفئة الباغية، فقتل في صفين وكان في جيش علي.

3- وعندما اعترضت صخرة للصحابة وهو يحفرون ، ضربها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات فتفتت. قال إثر الضربة الأولى : (الله أكبر ، أعطيت مفاتيح الشام ،والله إني لأبصر قصورها الحمراء الساعة ، ثم ضربها الثانية فقال : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح فارس والله إني لأبصر قصر المدائن أبيض ، ثم ضرب الثالثة ، وقال : الله أكبر أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذه الساعة) .

وفي هذا الحديث بشارة بأن هذه المناطق سيفتحها المسلمون مستقبلاً ، وكان موقف المؤمنين من هذه البشارة ما حكاه القرآن الكريم (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً ) ، وموقف المنافقين الذين سخروا من البشارة : ( وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً).

وصورت الآيات من 13 إلى 20 من سورة الأحزاب نفسية المنافقين تصويرًا دقيقاً، وحكت أقوالهم في الإرجاف والتخذيل، وأساليبهم في التهرب من العمل في حفر الخندق وجهاد العدو.

وعلى الرغم من تخذيل المنافقين وقلة الطعام وشدة البرد فقد تم حفر الخندق ليكون خط دفاع متيناً ثم جمع النساء والأطفال وأصحاب الأعذار في حصن فارع ، وهو لبني حارثة ، لأنه كان أمنع حصون المسلمين آنذاك.

وكانت خطة المسلمين أن يكون ظهرهم إلى جبل سلع داخل المدينة ووجوههم إلى الخندق الذي يحجز بينهم وبين المشركين الذين نزلوا رومة بني الجرف والغابة ونقمى.

وعندما نظر الرسول صلى الله عليه وسلم في حال العدو وحال المسلمين ورأى ضعف المسلمين وقوة المشركين ، أراد أن يكسر شوكة المشركين ، فبعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة زعيمي الأنصار ، فاستشارهما في الصلح الذي عرضته عليه قبيلة غطفان ، وهو أن يعطوا ثلث ثمار المدينة لعام كي ينصرفوا عن قتال المسلمين ، ولم يبق إلا التوقيع على صحيفة الصلح ، فقال له : (لا والله ما أعطينا الدنية من أنفسنا في الجاهلية فكيف وقد جاء الله بالإسلام). وفي رواية الطبراني أنهما قالا: (يا رسول الله: أوحي من السماء فالتسليم لأمر الله، أو عن رأيك أو هواك ؟ فرأينا تبع هواك ورأيك، فإن كنت إنما تريد الإبقاء علينا، فوالله لقد رأيتنا وإياهم على سواء ما ينالون منا ثمرة إلا شراء أو قرى). فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم المفاوضة مع الأعراب الذين كان يمثلهم الحارث الغطفاني، قائد بني مرة.

وفي الجانب الآخر أراد يهود بني النضير أن يجروا معهم إخوانهم يهود بني قريظة إلى نقض العهد والغدر بالمسلمين والوقوف مع الأحزاب. فأوفدوا حيياً ابن أخطب للقيام بهذه المهمة. فجاء حيي إلى كعب بن أسد القرظي. وبعد حوار طويل بينهما أقنعه بنقض العهد مع المسلمين بحجة قوة الأحزاب ومقدرتهم على استئصال المسلمين ، وأغراه بأن يدخل معه حصنه عندما ينصرف الأحزاب ، بعد أداء مهمتهم.

وكان يوما عصيباً من الدهر ، ذلك اليوم الذي علم فيه المسلمون نقض بني قريظة ما بينهم وبين المسلمين من عهد. وتكمن خطورة ذلك في موقعهم الذي يمكنهم من تسديد ضربة غادرة للمسلمين من الخلف. فقد كانت ديارهم في العوالي، إلى الجنوب الشرقي للمدينة على وادي مهزور.

لقد أتاه الزبير بما يدل على غدرهم، ويومها قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (فداك أبي وأمي، إن لكل نبي حوارياً ، وحواري الزبير).

لزيادة الحيطة والحذر والتأكد من مثل هذه الأمور الخطيرة ، أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وعبد الله بن رواحة وخوات بن جبير ، فجاءوا إلى بني قريظة وتحدثوا معهم ، ووجدوهم قد نكثوا العهد ومزقوا الصحيفة التي بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بني سعية ، فإنهم جاؤوا إلى المسلمين وفاء بالعهد. وعاد رسل المسلمين إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بالخبر اليقين.

وعندما شاع هذا الخبر خاف المسلمون على ذراريهم من بني قريظة، ومروا بوقت عصيب وابتلاء عظيم. ونزل القرآن واصفاً هذه الحالة: (إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا. هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً).

فالذين جاؤوهم من فوقهم هم الأحزاب، وبنو قريظة من أسفل منهم، والذين ظنوا بالله الظنونا هم المنافقون. أما المؤمنون فقد صمدوا لهذا الامتحان. واتخذوا كل الوسائل الممكنة لاجتياز الامتحان، فنظموا فرقاً للحراسة، فكان سلمة بن أسلم الأوسي أمير لمائتي فارس وزيد بن حارثة أمير لثلاثمائة فارس ، يطوفون المدينة ويكبرون لإشعار بني قريظة باليقظة حتى لا تحدثهم أنفسهم بأن يغدروا بالذرية التي في الحصون.

عندما وصلت الأحزاب المدينة فوجئوا بوجود الخندق ، فقاموا بعدة محاولات لاقتحامه ، ولكنهم فشلوا لأن المسلمين كانوا يمطرونهم بوابل سهامهم كلما هموا بذلك ، ولذا استمر الحصار لمدة أربع وعشرين ليلة.

وذكر ابن إسحاق وابن سعد أن بعض المشركين اقتحموا الخندق ، وعد ابن إسحاق منهم : عمرو بن عبد ود وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب وضرار بن الخطاب والشاعر بن مرداس ، وزاد ابن سعد واحدا على هؤلاء وهو : نوفل بن عبد الله. وذكر أن عليا بارز عمرو بن عبد ود – فارس قريش – وقتله ، وأن الزبير قتل نوفلاً وأن ثلاثة الآخرين فروا إلى معسكرهم.

وظلت مناوشات المشركين للمسلمين وتراشقهم معهم بالنبل دون انقطاع طيلة مدة الحصار ، حتى إنهم شغلوا المسلمين يوماً عن أداء صلاة العصر ، فصلوها بعد الغروب ، وذلك قبل أن تشرع صلاة الخوف ، حيث شرعت في غزوة ذات الرقاع على رأي من يرى أن ذات الرقاع كانت بعد غزوة الخندق.

وقتل في هذه المناوشات ثلاثة من المشركين واستشهد ستة من المسلمين منهم سعد بن معاذ ، الذي أصيب في أكحله – عرق في وسط الذراع – رماه حبان بن العرِقة. وقد نصبت له خيمة في المسجد ليعوده الرسول صلى الله عليه وسلم من قريب ، ثم مات بعد غزوة بني قريظة ، حين انتقض جرحه وكانت تقوم على تمريضه رفيدة الاسلمية.

وكان شعارأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق وبني قريظة ( حم ، لا ينصرون).

لقد كفى الله المؤمنين القتال فهزم الأحزاب بوسيلتين : الأولى : تسخير الله نعيم بن مسعود ليخذل الأحزاب ، والثانية : الرياح الهوجاء الباردة.

1- دور نعيم بن مسعود :

روى ابن إسحاق والواقدي وعبدالرزاق وموسى بن عقبة أن نعيم بن مسعود الغطفاني ، أتى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما وعرض عليه أن يقوم بتنفيذ أي أمر يريده النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : (إنما أنت رجل واحد فينا ، ولكن خذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة ).

وقبل أن يعرف إسلام نعيم ، أتى بني قريظة ، فأقنعهم بعد التورط مع قريش في قتال حتى يأخذوا منهم رهائن ، لكيلا يولوا الأدبار ، ويتركوهم وحدهم يواجهون مصيرهم مع المسلمين بالمدينة. ثم أتى قريشا فأخبرهم أن بني قريظة قد ندموا على ما فعلوا ، وأنهم قد اتفقوا سرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يختطفوا عددا من أشراف قريش وغطفان فيسلموهم له ليقتلهم دليلا على ندمهم ، وقال لهم : فإن أرسلت إليكم يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فإياكم أن تسلموهم رجلا منكم. ثم أتى غطفان وقال لهم مثل الذي قاله لقريش. وبذلك زرع بذور الشك بينهم. وأخذ كل فريق يتهم الفريق الآخر بالخيانة.

2- معجزة الرياح :

هبت ريح هوجاء في ليلة مظلمة باردة ، فقلبت قدور المشركين واقتلعت خيامهم وأطفأت نيرانهم ودفنت رحالهم ، فما كان من أبي سفيان إلا أن ضاق بها ذرعا فنادى في الأحزاب بالرحيل. وكانت هذه الريح من جنود الله الذين أرسلهم على المشركين ، وفي ذلك يقول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ، وكان الله بما تعملون بصيرا).

وروى مسلم بسنده عن حذيفة بن اليمان طرفا مما حدث في تلك الليلة الحاسمة ، قال حذيفة : لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب ، وأخذتنا ريح شديدة وقر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ألا رجل يأتني بخبر القوم ، جعله الله معي يوم القيامة) ، فسكتنا فلم يجبه منا أحد ، … (ردد ذلك ثلاثا) ثم قال : ( قم يا حذيفة فأتنا بخبر القوم ) ، فلم أجد بداً إذ دعاني باسمي أن أقوم. قال : ( اذهب فأتني بخبر القوم ولا تذعرهم علي ) . فلما وليت من عنده جعلت كأنما أمشي في حمام ، حتى أتيتهم ، فرأيت أبا سفيان يصلي ظهره بالنار ، فوضعت سهما في كبد القوس ، فأردت أن أرميه ، فذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ولا تذعرهم علي) ، ولو رميته لأصبته ، فرجعت ، وأنا أمشي في مثل الحمام. فلما أتيته فأخبرته بخبر القوم وفرغت، فألبسني رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضل عباءة كانت عليه يصلي فيها. فلم أزل نائما حتى أصبحت فقال : قم يا نومان).

وزاد ابن إسحاق في روايته لهذا الخبر : (… فدخلت في القوم ، والريح جنود الله تفعل بهم ما تفعل لا تقر لهم قدرا ولا إناء ولا بناء ، فقام أبو سفيان ، فقال : يا معشر قريش لينظر امرؤ من جليسه ؟ فأخذت بيد الرجل الذي كان إلى جانبي فقلت له : من أنت ؟ قال : فلان بن فلان. ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش ، إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنو قريظة ، وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون … فارتحلوا فإني مرتحل). وفي رواية الحاكم والبزار : ( … فانطلقت إلى عسكرهم فوجدت أبا سفيان يوقد النار في عصبة حوله ، قد تفرق الأحزاب عنه ، حتى إذا جلست فيهم فحسب أبو سفيان أنه دخل فيهم من غيرهم ، قال : ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه ، فضربت بيدي على الذي على يميني وأخذت بيده ، ثم ضربت بيدي على الذي عن يساري فأخذت بيده ، فلبثت هنيهة ، ثم قمت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم … قلت: يا رسول الله : تفرق الناس عن أبي سفيان فلم يبق إلا عصبة توقد النار قد صب الله عليه من البرد مثل الذي صب علينا ولكنا نرجو من الله ما لا يرجون).

وختم الله هذا الامتحان الرهيب بهذه النهاية السعيدة ، وجنب المسلمين شر القتال ، قال تعالى معلقا على هذه الخاتمة : ( ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خير وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا). وكانت هذه الخاتمة استجابة لضراعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله أثناء محنة الحصار : (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب ، اللهم اهزمهم وزلزلهم).

لقد بذلت الأحزاب أقصى ما يمكنهم لاستئصال المسلمين ، ولكن الله ردهم خائبين ، وهذا يعني أنهم لن يستطيعوا أن يفعلوا شيئا في المستقبل ، ولذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (الآن نغزوهم ولا يغزوننا ، نحن نسير إليهم) ؛ هذا علم من أعلام النبوة ، لأن الذي حدث بعد هذا هو ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم.

حكم وعبر في غزوة الخندق:

1- إن حفر الخندق يدخل في مفهوم المسلمين لقوله تعالى : (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) فينبغي على المسلمين اتخاذ وسائل القوة المتاحة مهما كان مصدرها ، لأن الحكمة ضالة المؤمن ، فحيثما وجدها التقطها.

2- لقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للحكام والمحكومين في العدالة والمساواة وعدم الاستئثار بالراحة يوم وقف جنبا إلى جنب مع أفراد جيشه ليعمل بيده في حفر الخندق. وهذه هي صفة العبودية الحقة التي تجلت في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم.

3- أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا آخر على رأفته بالمؤمنين ، يوم شاركهم في حفر الخندق ويوم أشركهم معه في طعيم جابر ، ولم يستأثر به مع قلة من الصحابة. وفي ضوء هذه المعاني يفهم قول الله تعالى : (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).

4- إن مجموعة المعجزات التي أجرها الله على يد نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أيام الخندق ، سواء التي كانت في حفر الخندق أو تكثير طعيم جابر أو الرياح التي كانت نقمة على المشركين ، لهي مجموعة أخرى في سلسلة المعجزات الكثيرة التي أيد الله بها نبيه ، ليقطع الحجة لدى المعاندين من المنافقين والمشركين وكل صنف من أصناف أعداء الدين.

5- إن الحكمة في استشاراته لبعض أصحابه في الصلح الذي اقترحته غطفان على الرسول صلى الله عليه وسلم ، هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يريد أن يطمئن إلى مدى ما يتمتع به أصحابه من القوة المعنوية والاعتماد على نصر الله وتوفيقه على الرغم من ذلك الذي فوجئوا به من اجتماع أشتات المشركين عليهم في كثرة ساحقة ، إلى جانب خذلان بني قريظة للمسلمين ونقض مواثيقهم معهم.

6- وأما الدلالة التشريعية في هذه الاستشارة ، فهي محصورة في مجرد مشروعية مبدأ الشورى في كل ما لا نص فيه. وهي بعد ذلك لا تحمل أي دلالة على جواز صرف المسلمين أعداءهم عن ديارهم إذا ما اقتحموها ، باقتطاع شيء من أرضهم أو خيراتهم لهم. إذ إن مما هو متفق عليه في أصول الشريعة الإسلامية أن الذي يحتج به من تصرفاته صلى الله عليه وسلم إنما هو أقواله ، وأفعاله التي قام بها ، ثم لم يرد اعتراض عليها من الله في كتابة العزيز.

وليس في هذه الاستشارة دليل على جواز دفع المسلمين الجزية إلى أعدائهم. أما إذ ألجئوا إلى اقتطاع جزء من أموالهم فعليهم التربص بأعدائهم لاسترداد حقهم المسلوب.

7- عندما شغل المشركون الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة، صلوها قضاء بعد المغرب ، وفي هذا دليل على مشروعية قضاء الفائتة.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:49 PM

52

غزوة أحد
تاريخ الغزوة :
اتفق كتاب السيرة على أنها كانت في شوال من السنة الثالثة الهجرية ، واختلفوا في اليوم الذي وقعت فيه. وأشهر الأقوال أنه السبت ، للنصف من شوال.


أسبابها :
لقد كان السبب المباشر لها ، كما أجمع على ذلك أهل السير ، هو أن قريشاً أرادت أن تنتقم لقتلاها في بدر ، وتستعيد مكانتها التي تزعزعت بين العرب بعد هزيمتها في بدر. أما من بين الأسباب الأخرى الهامة التي يمكن استنتاجها من مجريات الأحداث ، فهي أن قريشاً تريد أن تضع حدا لتهديد المسلمين طرق تجارتهم إلى الشام ، والقضاء على المسلمين قبل أن يصبحوا قوة تهدد وجودهم.

عدة المشركين :
خصصت قريش قافلة أبي سفيان التي نجت من المسلمين ، وأرباحها ، لتجهيز جيشهم لغزوة أحد ، وجمعت ثلاث آلاف مقاتل من قريش ومن أطاعها من كنانة وأهل تهامة ، ومعهم مائتا فرس ، وسبعمائة دارع ، وجعلت على الميمنة خالد بن الوليد وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل ، وخرجت معهم مجموعة من النساء لإثارة حماسهم وخوفهم من العار إذا فروا.
وذكر ابن إسحاق أنهن كن ثمانياً ، وقال الواقدي : إنهن كن أربع عشرة ، وقد سمياهن. وقال ابن سعد : إنهن كن خمس عشرة امرأة.

وأري الرسول صلى الله عليه وسلم في منامه ما سيحدث في أحد ، وذكره لأصحابه ، قائلا : ( رأيت في رؤياي أني هززته سيفاً فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد ، ثم هززته أخرى فعاد كأحسن ما كان ، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين ، ورأيت بقرا – والله خير – فإذا هم المؤمنون يوم أحد) وفي رواية أخرى : ( ورأيت أني في درع حصينة فأولتها المدينة). وفسر الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الرؤيا بأن هزيمته وقتلا سيقعان من أصحابه.

عندما علم الرسول صلى الله عليه وسلم بمجيء جيش مكة لحرب المسلمين ، شاور أصحابه ، بين أن يبقوا داخل المدينة أو يخرجوا لملاقاة العدو خارجها. فقال جماعة من الأنصار: (يا نبي الله ، إنا نكره أن نقتل في طرق المدينة ، وقد كنا نمتنع من الغزو في الجاهلية ، فبالإسلام أحق أن نمتنع منه ، فابرز إلى القوم ، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبس لأمته. فتلاوم القوم فقالوا : عرض نبي الله صلى الله عليه وسلم بأمر وعرضتم بغيره ، فاذهب يا حمزة فقل للنبي صلى الله عليه وسلم : (أمرنا لأمرك تبع) ، فأتى حمزة فقال : (يا نبي الله ، إن القوم قد تلاوموا فقالوا : أمرنا لأمرك تبع ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يناجز).

إن ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أن عبدالله بن أبي كان موافقاً لرأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في البقاء داخل المدينة ، فقد روى الطبري عن السدي خلاف ذلك ، وهو أثر إسناده صحيح ورجاله ثقات ولكنه مرسل ، وفيه من يهم ويكثر الخطأ ، ولذلك رجح الباكري رواية ابن إسحاق لصحتها ولإجماع أهل السير على ذلك ، وأن حجة ابن سلول في الرجوع عن أحد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطعه.

ومما ذكره أهل السير أن من دوافع الراغبين في الخروج ، إظهار الشجاعة أمام الأعداء والرغبة في المشاركة في الجهاد لما فاتهم من فضل الاشتراك في بدر. أما دوافع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن كان على رأيه في البقاء داخل المدينة فهو الاستفادة من حصون المدينة وطاقات كل المواطنين مما يرجح فرصة دحر المهاجمين.

وبعد أن حسم الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الخروج رفعت راية سوداء وثلاثة ألوية : لواء للمهاجرين ، حمله مصعب بن عمير ، وحمله بعد استشهاده علي بن أبي طالب ، ولواء للأوس حمله أسيد بن خضير ، ولواء للخزرج ، حمله الحباب ابن المنذر. وبلغ عدد من سار تحتها ألفاً من المسلمين ومن ظاهرهم ، وكان معهم فرسان ومائة دارع. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يرتدي درعين.

وعندما تجاوز الرسول صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى أحد ثنية الوادع رأى كتيبة خشناء ، فقال : ( من هؤلاء ؟ قالوا: هذا عبدالله بن أبي سلول في ستمائة من مواليه من اليهود من أهل قينقاع ، وهو رهط عبدالله بن سلام. قال : وقد أسلموا ؟ قالوا: لا يا رسول الله. قال : قولوا لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين). وإذا صح هذا الخبر يكون جلاء قينقاع بعد أحد.

وعندما وصل جيش المسلمين الشوط – وهو مكان ملعب التعليم بالمدينة الآن - ، انسحب المنافق ابن سلول بثلاثمائة من المنافقين ، بحجة أنه لن يقع قتال المشركين ، ومعترضاً على قرار القتال خارج المدينة ، قائلا : ( أطاع الولدان ومن لا رأي له ، أطاعهم وعصاني ، علام نقتل أنفسنا).

ورأت فرقة من الصحابة قتال هؤلاء المنافقين ، ورأت الفرقة الأخرى عدم ذلك ، فنزلت الآية الكريمة :{ فمالكم في المنافقين فئتين والله أركسهم بما كسبوا}. واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام عند انسحابهم ، وأخذ يقول لهم : ( أذكركم الله أن تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم ، فقالوا : لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم ولكنا لا نرى أن يكون قتال. فلما استعصوا عليه ، قال : أبعدكم الله أعداء الله ، فسيغني الله عنكم نبيه ، وقد أشار القرآن إلى هذا الحوار في قوله تعالى :{ وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين. وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا ، قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم ، هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان ، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم ، والله أعلم بما يكتمون } .
وكادت بنو سلمة – من الخزرج – وبنو حارثة – من الأوس – أن تنخذل مع المنافقين لولا أن الله ثبتهم مع المؤمنين ، وفيهم قال الله عز وجل : { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما … } .

وأنزل الله تعالى النعاس على طائفة المؤمنين الذين اغتموا بما وقع للرسول صلى الله عليه وسلم وإخوانهم يوم بدر فناموا يسيرا ثم أفاقوا وقد قذف الله في قلوبهم الطمأنينة، التي أعادت لهم بعض نشاطهم ليواصلوا الدفاع عن نبيهم.


وكان أبو طلحة الأنصاري فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفه من يده مراراً فيأخذه. وفي ذلك نزل قول الله تعالى: ( ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم)، أما طائفة المنافقين، سواء التي انسحبت مع ابن سلول أو فلولهم التي سارت مع المؤمنين فقد قال الله عنهم في الآية نفسها: ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية، يقولون هل لنا من الأمر شيء قل إن الأمر كله لله ، يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك ، يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا ها هنا ).

لقد حاول المشركون جهد طاقتهم قتل الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن الله عصمه منهم. فقد روي أن أبيا بن خلف كان يتوعد الرسول صلى الله عليه وسلم بمكة بأنه سيقتله يوما ما، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( بل أنا أقتلك إن شاء الله)، فلما كان يوم أحد لحق النبي صلى الله عليه وسلم في الشعب وهو يقـول : أي محمد ، لا نجوت إن نجوت ، فقال القوم : يا رسول الله ، أيعطف عليه رجل منا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعوه. فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة، ثم استقبله فطعنه في عنقه طعنة مال منها على فرسه مرارا، ورجع إلى قريش وبه خدش غير كبير، فاحتقن الدم، فقال : ( قتلني والله محمد !) وطمأنة قومه بأن ليس به بأس، فقال لهم ما قال له محمد صلى الله عليه وسلم بمكة، ثم قال : ( فوالله لو بصق علي لتقلني). فمات عدو الله بسرف، وهم قافلون به إلى مكة. وهذا من علامات ودلائل نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

وعندما صمد المسلمون واستماتوا دفاعا عن النبي صلى الله عليه وسلم فشل المشركون في محاولات الاختراق إليه، وأعيتهم المجالدة، ولم يملك أبو سفيان إلا أن يتوعد المسلمين بحرب أخرى في العام القادم، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك.

وقد ثبت أن أبا سفيان أشرف على المسلمين، وقال: أفي القوم محمد ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لا تجيبوه، فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة ؟ قال: لا تجيبوه ، قال : أفي القوم ابن الخطاب ؟ فقال: إن هؤلاء قتلوا، فلو كانوا أحياء لأجابوا. فلم يملك عمر نفسه، فقال : كذبت يا عدو الله ، أبقى الله عليك ما يحزنك ، قال أبو سفيان : اعل هبل ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أجيبوه ، قالوا : ما نقول؟ قال: قولوا: الله أعلى وأجل. قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أجيبوه، قالوا: ما نقول ؟ قال: قولوا: والله مولانا ولا مولى لكم. قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال. وتجدون مثلة لم آمر بها ولم تسؤني، وفي رواية عند أحمد وابن إسحاق قال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.

وعندما انصرف المشركون مكتفين بما نالوه من المسلمين، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بن أبي طالب، وقال له: ( اخرج آثار القوم ، فانظر ماذا يصنعون وما يريدون ، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ، فإنهم يريدون مكة ، وإن ركبوا الخيل وساقو الإبل ، فإنهم يريدون المدينة ، والذي نفسي بيده لئن أرادوها لأسيرن إليهم فيها ، ثم لأناجزنهم) ، وفعل علي ما أمر به ، فوجدهم قد جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ووجهوا إلى مكة ، وانجلت المعركة عن سبعين شهيداً من المسلمين ، واثنين وعشرين قتيلاً من المشركين.

وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتمس حمزة فوجده ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده، ومثل به، فجدع أنفه وأذناه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأى ما به: ( لولا أن تحزن صفية، ويكون سنة من بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير، ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن لأمثلن بثلاثين رجلا منهم)، فلما رأى المسلمون حزن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيظه على من فعمل بعمه ما فعل، قالوا: والله لئن أظفرنا الله بهم يوما من الدهر لنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب. ونزل قول الله تعالى: (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين). فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصبر ونهى عن المثلة.

وعن قصة التمثيل بجثة حمزة رضي الله عنه، فقد روى موسى بن عقبة أن وحشياً بقر عن كبد حمزة وحملها إلى هند بنت عتبة فلاكتها فلم تستطع أن تستسيغها.

وروى ابن إسحاق أن هنداً هي التي بقرت عن كبد حمزة، وزاد أن هنداً اتخذت من آذان الرجال وأنفهم خدماً (أي خلاخل) وقلائد، وأعطت خدمها وقلائدها وقطرتها وحشياً.

وروى الواقدي أن وحشياً عندما قتل حمزة حمل كبده إلى مكة ليراها سيده جبير بن مطعم.

وذكر الشامي أن الواقدي والمقريزي في الإمتاع رويا أن وحشياً شق بطن حمزة وأخرج كبده وجاء بها إلى هند فمضغتها ثم لفظتها ، ثم جاءت معه إلى حيث جثة حمزة ، فقطعت من كبده وجدعت أنفه وقطعت أذنيه ثم جعلت مسكتين ومعضدين وخدمتين حتى قدمت بذلك مكة.

ولعل رواية الواقدي والمقريزي التي أشار إليها الشامي تفيد الجمع بين روايتي ابن عقبة وابن إسحاق، وتوافقهما في المضمون.

أما التمثيل بجثة حمزة فقد ثبت بطرق صحيحة كما ذكرنا، مما يدل على أن قصة بقر كبد حمزة التي ذكرها بعض أهل المغازي والسير لها أصل.

وسجلت لبعض النساء المسلمات مواقف إيمانية رائعة في تقبلهن مصابهن في أهليهن وفرحهن بحياة الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن أمثلة ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم مر هو وأصحابه بامرأة من بني دينار ، وقد أصيب زوجها وأخوها وأبوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحد ، فلما نعوا لها قالت : فما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا: خيرا يا أم فلان. هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه حتى أنظر إليه ؟ فأشير إليه حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل) أي صغيرة.

وعندما أقبلت صفية أخت حمزة لتنظر إليه ، طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من ابنها الزبير أن يرجعها حتى لا ترى ما بأخيها من مثلة ، فقالت : ولم ؟ وقد بلغني أن قد مثل بأخي ، وذلك في الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ! لأ حتسبن ولأصبرن إن شاء الله. وعندما أخبر الزبير النبي صلى الله عليه وسلم بقولها ، أمره بأن يخلي سبيلها ، فأتته فنظرت إليه ، فصلت عليه واسترجعت واستغفرت له ، ثم أمر به فدفن.

وقد روى البخاري وأبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد، ثم يقول: (أيهم أكثر أخذاً للقرآن ؟ فإذا أشير لأحد قدمه في اللحد، وقال: أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة) وأمر بدفنهم بدمائهم ولم يصل عليهم، ولم يغسلوا، ودفن الاثنان والثلاثة في قبر واحد، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يدفنوا حيث صرعوا، فأعيد من أخذ ليدفن داخل المدينة. وبعد الدفن، صف الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه وأثنى على ربه ثم دعا الله أن يعطيهم نعيم الدنيا والآخرة وأن يقتل الكفرة والمكذبين.

وكان يتمنى أن يمضي شهيدا مع أصحابه الذين استشهدوا يوم أحد، وقد أثنى عليهم عندما سمع عليا يقول لفاطمة: هاك السيف فإنها قد شفتني، فقال له: ( لئن كنت أجدب الضرب بسيفك، لقد أجاد سهل ابن حنيف وأبو دجانة وعاصم بن ثابت الأقلح والحارث بن الصمة.
وبشر الرسول صلى الله عليه وسلم بما نال الشهداء من عظيم الأجر، فقد قال عندما سمع بكاء فاطمة بنت عبدا لله بن عمرو والد جابر: (ولم تبكي ؟ فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه).

ونزل في شهداء أحد قول الله تعالى: ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون). فقد روى مسلم أن الصحابة رضي الله عنهم سألوا ابن مسعود عن هذه الآية، فقال: (أما أنا قد سألنا ذلك. فقال: أرواحهم في جوف طير خضر. لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل)؛ ولذا قال العلماء إن حياة الشهداء حياة محققة حسبما جاء في هذا الحديث.

أحكام وحكم وعظات وعبر من غزوة أحد:

عقد ابن القيم فصلاً فيما اشتملت عليه هذه الغزوة من الأحكام الفقهية، ننقلها هنا باختصار لتعميم الفائدة:

* إن الجهاد يلزم بالشروع فيه، حتى إن استعد له وتأهب للخروج، وليس له أن يرجع عن ذلك حتى يقاتل عدوه.
* إنه لا يجب على المسلمين إذا طرقهم عدوهم في ديارهم الخروج إليه، بل يجوز لهم أن يلزموا ديارهم، ويقاتلوهم فيها إذا كان ذلك أنصر لهم على عدوهم، كما أشار به رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم يوم أحد.
* جواز سلوك الإمام بالعسكر في أملاك رعيته إذا صادف ذلك طريقة، وإن لم يرض المالك، كما كان حال مربع بن قيظي مع الرسول صلى الله عليه وسلم وجيشه.
* إنه لا يأذن لمن لا يطيق القتال من الصبيان غير البالغين، بل يردهم إذا خرجوا، كما رد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمر ومن معه.
* جواز الغزو بالنساء والاستعانة بهن فيما دون القتال مثل السقي والتطبيب.
* جواز الانغماس في العدو، كما انغمس أنس بن النضر وغيره.
* إن الإمام إذا أصابته جراحة صلى بأصحابه قاعداً، وصلوا وراءه قعدواً، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم واستمرت على ذلك سنته إلى حين وفاته.
* جواز دعاء الرجل وتمنيه أن يقتل في سبيل الله، وليس ذلك من تمني الموت المنهي عنه، كما فعل عبد الله بن جحش.
* إن المسلم، إذا قتل نفسه، فهو من أهل النار، كما في حال قزمان.
* السنة في الشهيد أن لا يغسل ولا يكفن في غير ثيابه، بل يدفن فيها بدمه، إلا أن يسلبها العدو، فيكفن في غيرها. والحكمة في ذلك كما روى الترمذي ( حتى يلقوا ربهم بكلومهم – جروحهم - ، ريح دمهم ريح المسك ، واستغنوا بإكرام الله لهم). كما روى ابن إسحاق أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن شهداء أحد: (أنا شهيد على هؤلاء ، ما من جريح يجرح في الله ، إلا والله يبعثه يوم القيامة ، يدمى جرحه ، اللون لون الدم والريح ريح مسك).
* أما الصلاة على الشهيد فقد اختلف فيها العلماء وقد رجح ابن القيم أن الإمام مخير بين الصلاة عليه وتركها لمجيء الآثار بكل واحد من الأمرين.
وقد خرّج محققا الزاد تلك الآثار وبينا درجتها من الصحة ، ثم قالا : ( ففي هذه الأحاديث مشروعية الصلاة على الشهداء لا على سبيل الإيجاب ، لأن كثيرا من الصحابة استشهد في غزوة بدر وغيرها ، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليهم ، ولو فعل لنقل عنه ، وقد جنح المؤلف [ أي ابن القيم ] رحمه الله في (تهذيب السنن : 4/3295) إليه .
* السنة في الشهداء أن يدفنوا في مصارعهم.
* إن من عذره الله في التخلف عن الجهاد ، لمرض أو عرج (شديد أو شيخوخة) يجوز له الخروج إليه ، وان لم يجب عليه ، كما خرج عمرو بن الجموح ، وهو أعرج ، (واليمان والد حذيفة وثابت بن وقش وهما شيخان كبيران).
* إن المسلمين إذا قتلوا واحداً منهم في الجهاد يظنونه كافراً، فعلى الإمام دفع ديته من بيت المال ، كما في واقعة قتل اليمان.

وذكر ابن القيم بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في غزوة أحد.

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى أمهاتها وأصولها في سورة آل عمران حيث افتتح القصة بقوله: (وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال …) إلى تمام ستين آية من هذه السورة.

نذكر هنا باختصار ما ذكره ابن القيم:
* تعريف المؤمنين بسوء عاقبة المعصية والفشل والتنازع ، وأن الذي أصابهم هو لذلك السبب ، كما قال تعالى : (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه ، حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، منكم من يريد الدنيا ، ومنكم من يريد الآخرة ، ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم) فلما ذاقوا عاقبة معصيتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وتنازعهم وفشلهم ، كانوا بعد ذلك أشد حذراً ويقظة وتحرزاً من أسباب الخذلان.
2- إن حكمة الله وسنته في رسله ، وأتباعهم ، جرت بأن يدالوا مرة ويدال عليهم أخرى ، لكن تكون لهم العاقبة ، فإنهم لو انتصروا دائماً لم يحصل المقصود من البعثة والرسالة ، فاقتضت حكمة الله أن جمع لهم بين الأمرين ليتميز من يتبعهم ويطيعهم للحق وما جاؤوا به ممن يتبعهم على الظهور والغلبة ، خاصة وان هذا من أعلام الرسل كما قال هرقل لأبي سفيان : (هل قاتلتموه ؟ قال : نعم. قال : كيف الحرب بينكم وبينه ؟ قال : سجال ، يدال علينا المرة ، وندال عليه الأخرى. قال : كذلك الرسل تبتلى ، ثم تكون لهم العاقبة).
3- ميزت محنة أحد بين المؤمن والمنافق الذي دخل الإسلام ظاهراً بعد انتصار المسلمين ببدر، وفي ذلك قال تعالى : (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب).
4- استخراج عبودية أوليائه وحزبه في السراء والضراء، فإذا ثبتوا على الطاعة والعبودية فيما يحبون وما يكرهون ، فهم عبيده حقاً ، وليسوا كمن يعبد الله على حرف واحد من السراء والنعمة والعافية.
5- لا يصلح عباده إلا السراء والضراء، فهو المدبر لأمر عباده كما يليق بحكمته، فهو (سبحانه) إذا أراد أن يعز عبده ، ويجبره ، وينصره ، كسره أولاً ، ويكون جبره له ، ونصره على مقدار ذله وانكساره ، وهذا ما وقع للمسلمين ببدر (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة) وبحنين ( يوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً) .
6- إنه سبحانه هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته ، لم تبلغها أعمالهم ، ولم يكونوا بالغيها إلا بالبلاء والمحنة ، فقيض لهم الأسباب التي توصلهم إليها من ابتلائه وامتحانه ، كما وفقهم للأعمال الصالحة التي هي من جملة أسباب وصولهم إليها.
7- إن النفوس تكتسب من العافية الدائمة والنصر والغنى طغياناً وركوناً إلى العاجلة ، وذلك مرض يعوقها عن جدها في سيرها إلى الله والآخرة ، فإذا أراد الله بها الرحمة والكرامة قيض لها من الابتلاء ما فيه دواء وشفاء لذلك المرض.
8- إن الشهادة عند الله من أعلى مراتب أوليائه ، ولا سبيل إلى نيل هذه الدرجة إلا بتقدير الأسباب المفضية إليها من تسليط العدو وغيره.
9- إن في الابتلاء من الله تمحيص وتكفير لذنوب عباده وفرصة لهم لنيل الشهادة ، قال تعالى : ( وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ، والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين).
10- إن الأنبياء (عليهم السلام)، إذا أصيبوا ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام تعظيماً لأجرهم تأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره والعاقبة للمتقين ، وهذه سنة الله فيهم.
11- إن اشتراك الرسول صلى الله عليه وسلم في القتال مثله كأي فرد من أفراد جيشه دليل على حرصه صلى الله عليه وسلم على عدم تميزه عن جنده ومساواة نفسه بهم. وفيه دليل على شجاعته وصبره وتحمله الأذى في سبيل دعوته.


صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:51 PM

53

هيروشيما
مقدمة

فى السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين ١٩٤٥، غدَتْ هيروشيما Hiroshima أولَ مدينة فى العالم تعانى من قنبلة ذرية .

مات أكثرُ من مائةِ ألف ١٠٠,٠٠٠ شخص من تلك القنبلة .

نصفُ قرن مضى منذ أن فُتِحَ الستارُ عن العصر النووى .

ولا نزال اليومَ تحت التهديدِ النووى .

ومتحفُ هيروشيما التذكارى للسلام يعملُ من أجلِ وقْفِ الأسلحة النووية ، وإِحلالِ السلام الدائم على العالم .

لقد حوَّلت القنبلةُ الذريةُ هيروشيما على الفور إلى حُطَام . عشراتُ الآلاف من البشر فقدوا حياتَهم .

وكان عمالُ السُّخْرة من كوريا ومن الصين ، من بين الضحايا .

كانت مدرسة هيروشيما للدراسات العليا تعطى للمدينة مكانةً رفيعةً ودائمةً ، باعتبارها مدينةً للتعليم . ولأنها كانت مقرا للفرقة الخامسة من الجيش ، فقد كانت هيروشيما مشهورةً أيضًا باعتبارها مدينة عسكرية .

بعد القنبلة نهضتْ هيروشيما من بين الأنقاض ، وظهرت للوجود من جديد باعتبارها مدينة للسلام .

اليومَ ، هناك الآف من الأسلحة النووية ، لما تزل منتشرة حول العالم .

الدول التى تملك أسلحة نووية بشكل رسمى هى : الولايات المتحدة الأمريكية ، وروسيا ، والمملكة المتحدة ، وفرنسا ، والصين .

وما دامت الأسلحة النووية موجودة ، فلا مفرَّ من احتمالية حرب نووية .



ماذا حدث فى هيروشيما فى السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين ١٩٤٥ ؟

انفجرت قنبلة ذرية ، وتحولت إلى قذيفة عملاقة ، نتجت عنها أشعة حارقة وانفجار مهول ، مما أدى إلى تدمير المبانى والبشر .

ومما زاد الأمر سوءا أن آلافا قد أصابهم الإشعاع .

وما لم يتم منع التجارب النووية ، وتدمير كل الأسلحة النووية ، فإننا قد ندمر بيئة الكرة الأرضية ، ونقضى على كل أشكال الحياة على الأرض . هيروشيما دعوة للوحدة طلبًا لبقاء الإنسان .



هيروشيما قبل القصف الذرى



 ٢ تاريخ هيروشيما ما قبل القنبلة الذرية

هيروشيما ” مدينة الماء “ مبنية على دلتا نهر أوتا Ota . نمت المدينة حول قلعة هيروشيما ، التى كانت قد بنيت قبل ما يزيد على أربعمائة ٤٠٠ عام . وخلال عصر إدوEdo ( ألف وستمائة وثلاثة ١٦٠٣- ألف وثمانمائة وسبعة وستين ١٨٦٧ ) تطورت المدينة لتصبح أول مركز للنقل والتجارة فى منطقة تشوجوكوChugoku - شيكوكو Shikoku . وفى عام ألف وثمانمائة وتسبعة وثمانين ١٨٨٩، افتتحت محافظة هيروشيما Hiroshima مقرا لها فى المدينة التى كانت تتطور بسرعة .

وقد أدى تأسيس مدرسة التعليم العالى وغيرها من المدارس إلى ذيوع صيت هيروشيما باعتبارها ” مدينة التعليم “. ومن جهة أخرى ، كان الجيش قد نشر فرقته الخامسة فى هيروشيما . وكلما كانت اليابان تدخل حربًا كان موظفو الجيش يتجمعون فى هيروشيما فى طريقهم إلى الجبهة . وكانت المرافق العسكرية تتزايد حول المدينة . وهكذا ، كان لهيروشيما جانبان أساسيان : مدينة التعليم ، والمدينة العسكرية .



 ٣ كل شىء من أجل الحرب – دعوات لتجميع المعادن ، ” سندات للحرب “

لقد أدى انطلاق الحرب الصينية اليابانية إلى قيام نظام يستقطب البلد كلها لتأييد الحرب ؛ فقد دخل قانون التعبئة الوطنية حيز التنفيذ فى عام ألف وتسعمائة وثمانية وثلاثين ١٩٣٨، مما أدى إلى تعبئة الناس والإمكانات ، وكل شىء آخر لخدمة المجهود الحربى ، وأخذت الحرب تلون كل جوانب الحياة اليومية .

كان هناك ملصقان يعلنان عن نظام لتجميع المعادن ، وهو النظام المنوط به تجميع المعادن لاستخدامها فى تصنيع الأسلحة . وقد بدأ العمل بالقانون فى عام ألف وتسعمائة وواحد وأربعين ١٩٤١ بمصادرة أجراس المعابد ومصادرة حتى أوانى وأوعية الطبيخ فى المنازل .

كانت الأسهم قد أصدرت ، وعلى يسارها صور لدبابة وطائرة ، وذلك للمساعدة على دفع التكاليف العسكرية . وحتى تغطى الحكومة مصروفاتها العسكرية المهولة ، أصدرت سندات وطنية متعددة ، وأجبرت الناس على شرائها . فى عام ألف وتسعمائة وأربعة وأربعين ١٩٤٤، ومع اقتراب نهاية الحرب ، جعلت الحكومة الأولوية للإنفاق العسكرى ، لدرجة أنه اقتطع ثمانين ٨٠ فى المائة من ميزانية البلاد . كل هذه الجهود كانت تذهب إلى الجيش .



 ٤ مشروع مانهاتن Manhattan

فى أغسطس عام ألف وتسعمائة واثنين وأربعين ١٩٤٢ بدأت الولايات المتحدة برنامجًا بالغ السرية لتصنيع قنبلة ذرية ، وقد أطلق عليه مشروع مانهاتن Manhattan . كان مشروعًا وطنيًا تكلف مبلغًا فلكيًا : اثنين ٢ بليون دولار . وحين كان المشروع فى ذروته ، عمل فيه مائة وتسعة وعشرون ألف ١٢٩,٠٠٠ شخص . وتم اتخاذ القرار باستخدام القنبلة الذرية ضد اليابان فى سبتمبر عام ألف وتسعمائة وأربعة وأربعين ١٩٤٤. وحتى تبرر لعامة الأمريكيين المبالغ المهولة من الأموال والموارد التى تطلبها تطوير القنبلة ، ولكى تحقق تفوقًا استراتيجيًا على الاتحاد السوفيتى بعد الحرب ، سارعت الولايات المتحدة إلى استخدام القنبلة الذرية .



 ٥ انتقاء المدن المستهدفة

فى أبريل عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين ١٩٤٥ اختارت الولايات المتحدة سبع عشرة مدينة فى اليابان أهدافا محتملة للقنبلة الذرية . وفى مايو ، اختُصرت القائمة إلى أربع مدن مرشحة : كيوتو Kyoto ، وهيروشيما ، ويوكوهاما Yokohama ، وكوكورا Kokura . فيما بعد ، تم إدخال تعديلات متعددة على القائمة ، بما فى ذلك استبعاد كيوتو Kyoto مراعاةً لسياسة الاحتلال فيما بعد الحرب .

صدر أمر فى الخامس والعشرين ٢٥ من يوليو يحدد هيروشيما ، وكوكوراKokura ، ونيجاتاNigata ، وناجاساكى Nagasaki ، مدنًا مرشحة . وحدد الأمر النهائى الصادر فى الثانى من أغسطس تاريخ السادس من أغسطس ومدينة هيروشيما كهدف أول ، تليه كوكورا Kokura وناجاساكىNagasaki كهدفين ثان وثالث . وتم تنفيذ الأمر فى السادس من أغسطس .

فى نهاية الحرب بين اليابان وأمريكا فى منطقة المحيط الهادى ، كانت مدن اليابان الأساسية تتعرض للقصف الجوى بشكل شبه يومى ، غير أن أمرًا صدر فى مايو بوقف القصف التقليدى للمدن المرشحة . وكان هذا الأمر لضمان أن تكون آثار القنبلة الذرية آثارًا محققة وأكيدة . كانت هيروشيما ، حين ألقيت القنبلة الذرية ، أكبر مدينة يابانية لم تتعرض للقصف الجوى بعد .



فى الثامنة والربع ١٥: ٨ صباحًا ، السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين ١٩٤٥، ألقت الطائرة بى تسعة وعشرين ٢٩ B ، المعروفة باسم Enola Gay ، القنبلة الذرية . انفجرت القنبلة فى مركز المدينة تقريبًا . وحتى نهاية ديسمبر من ذلك العام أودى هذا الانفجار وحده ، بحياة مائة وأربعين ألف ١٤٠,٠٠٠ شخص .


ولأن المنطقة التى يمثلها هذا النموذج كانت تبعد حوالى خمسمائة ٥٠٠ متر من مركز الانفجار؛ فقد انمحت . وبعد الحرب ، ولدت من جديد باسم الحديقة التذكارية للسلام . وستظل هذه المنطقة تذكرنا إلى الأبد بكارثة القنبلة الذرية ، وتنشر على العالم بلا انقطاع ، روح هيروشيما ، ذكرى هؤلاء الذين فقدوا حياتهم فى هذه القنبلة ، وما أعقبها من رغبة فى السلام .



هيروشيما أثر بعد عين



 ٨ برقيات الاحتجاج

اقرأ من فضلك برقيات الاحتجاج على الجدران من حولك . تلك هى الرسائل التى أرسلها عمد هيروشيما منذ عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين ١٩٦٨ إلى قادة البلدان التى تجرى تجارب نووية . لقد صممت هيروشيما ، بعد أن حولتها القنبلة النووية إلى أنقاض ، أن تزيل الأسلحة النووية ، وأن تنقل تصميمها إلى البلدان الأخرى . وكجزء من السعى لتخليص الأرض من الأسلحة النووية ، يرسل عمدة هيروشيما برقية احتجاج على كل تجربة نووية . ومع كل رسالة احتجاج ، يأمل العمدة أن تكون هذه هى البرقية الأخيرة .



 ٩ قبة القنبلة الذرية

إن قبة القنبلة الذرية اليوم تحاول عبثا أن تستحضر الصرح الشامخ الذى كان مرة باسم قاعة هيروشيما الكبرى للتنمية الصناعية . لقد أدت الحرارة المهولة الناتجة عن الأشعة ، إلى انصهار السقف النحاسى للقبة على الفور . وأدت القذيفة التى سقطت بشكل شبه مباشر ، إلى تدمير كامل المبنى القرميدى الضخم ، فيما عدا منطقة صغيرة فى الوسط ، ومات كل من كان فى المبنى .

. ولأنها تذكرنا بما تبقى من ذلك اليوم الرهيب ؛ فقد ود كثيرون لو تمت إزالتها . وبعد عقود من الجدال ، قررت المدينة أن تبقى عليها مصحوبة بهذه الكلمات : ” فلنسعَ لمستقبل جديد ، ولتكن القبة وسيلتنا لضمان ألا تتكرر أبدًا هذه التجربة البغيضة “. وقد أصبحت القبة فى عام ألف وتسعمائة وستة وتسعين ١٩٩٦ واحدًا من مواقع التراث العالمى المسجلة لدى اليونسكو UNESCO ، يتم توظيفها شاهدَ عيان ينقل مأساة هيروشيما إلى الأجيال المقبلة . إن المبنى الذى تم قصفه على نهر موتوياسو Motoyasu ، سيقف إلى الأبد ، تمامًا كما بدا فى أعقاب القصف .

 ١٠ الحرب ، والقنبلة الذرية ، وأهالى هيروشيما

هذا المعرض يصور تعافى هيروشيما ما بعد الحرب ، والآثار المستمرة لدمار القنبلة الذرية .

أولئك الذين تمكنوا من البقاء ، وأفلتوا من القنبلة الذرية ، فقدوا أماكن عملهم ، وفقدوا بيوتهم . رجع الناس إلى هيروشيما بعد الحرب ليجدوا أن ما قامت عليه حياتهم قد انمحى تمامًا . ومع ذلك ، ورغم ما أحدثته القنبلة من تصدع ، فإن تحولا اجتماعيًا هائلا كان قد تولد عن الاستسلام والاحتلال ، والنقص الحاد فى الأغذية والأموال والمواد الخام ، وبدأ الناس فى بناء حياتهم من جديد . إن دعم البلدان المحيطة باليابان ، ودعم العالم كله ، وخصوصًا تفعيل قانون ترميم مدينة هيروشيما مدينة تذكارية للسلام فى عام ألف وتسعمائة وتسعة وأربعين ١٩٤٩، كل هذا أدى إلى التعافى بخطوات متسارعة .



 ١١ معاناة الأطفال بعد أهليهم

قرب نهاية الحرب ، ترك تلاميذ المدرسة الابتدائية – من الصف الثالث إلى الصف السادس – عائلاتهم ، وتم نقلهم إلى الريف ، هربًا من احتمالية الغارات الجوية المعتادة . ونتيجة لهذا ، فإن الكثير من العائلات قد تقلصت عند نهاية الحرب إلى مجرد أطفال مبعدين ؛ ذلك أن كل أفراد العائلة الذين ظلوا فى المدينة ماتوا . وقد قدر عدد ” يتامى القنبلة الذرية “ الذين فقدوا والديهم فى انفجار القنبلة بين ألفين ٢,٠٠٠ وسبعة آلاف ٧,٠٠٠ يتيم . أما العدد الفعلى فغير معروف .

وتظهر الصورة أطفالا يلمعون الأحذية أمام محطة هيروشيما بعد ثلاث سنوات من القنبلة . كان العيش فى صخب اليابان بعد الحرب مسألة قاسية حتى بالنسبة للكبار . أما بالنسبة للأطفال الذين فقدوا ذويهم ، فقد كانت المصيبة أقسى . تم فتح دور للأيتام ، وظهرت أنواع متعددة من المساعدة ، منها التبرع لهم بالبضائع ، وبرامج تبنيهم أخلاقيا ، لكن شيئا لم يعوضهم عن حزنهم لفقد الأهل .


العصر النووى



 ١٢ العصر النووى

كان قصف هيروشيما وناجاساكى Nagasaki بالقنبلة الذرية قد بشر بالعصر النووى . فمنذ ذلك الوقت وضعت الأسلحة النووية البشرية كلها على حافة الفناء . وآمنت الدول المالكة للأسلحة النووية بنظرية الردع ، وبأن قوة الأسلحة النووية سوف تروع البلدان الأخرى وتحبط أى نية للهجوم . الآن ، ومع اتفاقيات نزع التسلح القائمة ، تظل هناك عشرات الآلاف من الأسلحة النووية . وإذا ما اندلعت حرب نووية فإن هذا لا يزال يعنى نهاية البشرية . إن وقف الأسلحة النووية أمر ضرورى لبقائنا .



 ١٣ العالم النووى

لا يزال كوكبنا تقض مضجعه عشرات الالاف من الأسلحة النووية . ففى عام ألف وتسعمائة وثمانية وستين ١٩٦٨ تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وعبر الجهود المشتركة لكل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى ، معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية .

وقد اعترفت معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية بكل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا والصين دولا مالكة للأسلحة النووية ، وحظرت على الدول الأخرى تطوير أسلحة نووية . كما أنها أوجبت على الدول المالكة للأسلحة النووية أن تتفاوض من أجل نزع الأسلحة النووية بشكل كامل . ومع أنه قد تم ، فى مايو عام ألف وتسعمائة وخمسة وتسعين ١٩٩٥، تمديد العمل بالاتفاقية إلى أجل غير محدود ، فإنه لم توقع عليها كل الدول ، وظل انتشار الأسلحة النووية يمثل تهديدًا .

وقد أجرت الهند وباكستان تجاربهما النووية فى عام ألف وتسعمائة وثمانية وتسعين ١٩٩٨. ومن المعتقد أن دولا أخرى تملك أسلحة نووية . إن عدم التقدم فى مفاوضات نزع الأسلحة النووية بين الدول المالكة لهذه الأسلحة ، ومشكلة تدبير التخلص من مخزون الأسلحة النووية ، وقضايا أخرى – كل هذا أدى إلى استمرار التهديد لبقاء البشرية . إن الأمر الأكثر حيوية بالنسبة للبشرية الآن أكثر من أى وقت مضى ، هو أن نكثف جهودنا لحل مشكلة الأسلحة النووية .



الطريق إلى السلام



 ١٤ احتفالية السلام التذكارية

كل عام ، ومنذ عام ألف وتسعمائة وسبعة وأربعين ١٩٤٧، تقام احتفالية سلام تذكارية فى حديقة السلام التكارية ، وذلك فى السادس من أغسطس . وبعد حوالى عشر ١٠ سنوات من إلقاء القنبلة ، كانت حركة متنامية معارضة للقنابل الذرية والهيدروجينية تقوم بإبلاغ الأمة كلها بأمر هذه الاحتفالية .

وفى الاحتفالية يتم تكريم أسماء من تأكد موتهم من ضحايا القنيلة الذرية منذ العام الماضى ، بأن تضاف أسماؤهم إلى القوائم التى تضم ضحايا القنبلة . فى الثامنة والربع ١٥: ٨ ، موعد إلقاء القنبلة ، تقرع أجراس السلام ، ويشترك الجميع فى لحظة صمت . ثم ينقل عمدة هيروشيما إلى العالم إعلان سلام يعبر عن التعازى للموتى ، ويدعو العالم إلى العمل من أجل وقف الأسلحة النووية وخلق سلام عالمى دائم .

ونظرًا لأن المعاناة التى جلبتها القنبلة الذرية كانت مأساوية ، فإن الإيمان بحتمية إزالة الأسلحة النووية قد استقر تمامًا فى قلوب أهالى هيروشيما . إن ”روح هيروشيما “، ورغبتها فى وقف الأسلحة النووية وبناء سلام عالمى دائم وأصيل ، كل ذلك دفعها إلى ”رحلة من أجل السلام “ على مستوى العالم .



 ١٥ شجرة العنقاء بعد القنبلة الذرية

بعد أن تحولت هيروشيما إلى هشيم محتضر ، سرت إشاعات بأنه لن تنمو نبتة هناك لمدة خمسة وسبعين ٧٥ عامًا . ولكن سرعان ما نمت الحشائش وأطلقت الأشجار أوراقها الخضراء وزهورها البديعة . ولك أن تتخيل ما بعثته الخضرة الجديدة من تشجيع فى الناجين وبقية سكان هيروشيما الذين كانوا ما زالوا يترنحون من هول الانفجار الذى تعرضوا له . وبعد أكثر من نصف قرن ، لا تزال الأشجار الحاملة لندوب القنبلة الذرية ، حية فى مدينة هيروشيما .

كانت شجرة العنقاء الموجودة فى هذه الصورة قد تعرضت للقنبلة على بعد ألف وثلاثمائة وثمانين ١,٣٨٠ مترًا من مركز الانفجار . ويمكنك أن ترى أن أحد جانبى جذع الشجرة قد أصبح مجوفًا من أثر الحرق العميق . فى عام ألف وتسعمائة وثلاثة وسبعين١٩٧٣ ، تم نقل الشجرة إلى حديقة السلام التذكارية ، إلى الشمال مباشرة من هذا المبنى ، حيث لا تزال أوراقها الخضراء ترفرف فى الهواء . كما أن بذورًا من شجرة العنقاء هذه تنمو الآن فى باحات المدارس فى كل أنحاء اليابان ، وتساعد فى إشعار الصغار بأهمية السلام .


السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين 1945



 ١٦ السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين 1945 ( سحابة من عيش الغراب وصورة التقطتها يوشيتو ماتسوشيجيه Yoshito Matsushige)

السحابة التى نتجت عن الانفجار النووى أمكن رؤيتها على مسافة كبيرة من هيروشيما . وهذه الصور كان قد التفطها أناس تظهر حجم هذه السحابة الغريبة التى تكدر السماء .

انظروا من فضلكم إلى هذه الصورة الكبيرة على اليمين . ولأنها التفطت فى الساعة الحادية عشرة ١١ صباح السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين ١٩٤٥، فهى تظهر الناجين ، وكثير منهم مصاب بحروق فظيعة ، أولئك الناجين الذين فروا إلى الطرف البعيد من كوبرى كانت تفصله عن مركز الانفجار مسافة تقدر بألفين ومائتين وسبعين ٢,٢٧٠ مترًا . كان هذا هو المشهد الوحيد من مشاهد الدمار فى المدينة الذى تم التقاطه يوم ألقيت القنبلة . كان مصور صحفى قد جال فى المدينة بكاميرته ليسجل مثل هذه المشاهد فى صورة فيلم . غير أنه حينما رأى آلافا من الجثث المتفحمة ، وحينما رأى أناسًا يعانون إصابات مرعبة ويرقدون هنا وهناك بلا معين ، أصابه الشلل ولم يستطع أن يجعل منهم موضوعه . لم يستطع أن يلتقط فى نهاية المطاف سوى خمس صور .



 ١٧ المراوحة بين الحياة والموت

تحت شعاعات ضاربة إلى الزرقة

تسلَّخ جلدى

وفى عينى المنقوعتين فى الدم

الشمس حالكة

أفر على رمال ناعمة

أسند قدمى المرتعشتين

بعصًا من خيزران

لحمها المهترئ مسلوخ يفضح العظم

والدة تنحنى على الطريق

تعانق طفلا ميتا

وتكح شيئا أسود

” حران ، حران

يا أُمى“

عيناه مفقوءتان

والملابس أحرقتها الأشعة

طالب المدرسة الإعدادية يتلوى على الأرض

نافخا فقاقيع دامية



شعر الرأس واقف

والذراعان مرفوعتان إلى السماء

حيّى أم ميت ؟

ذكر أم أنثى ؟

مجرد وجه رمادى طاف على النهر

( ” هيروشيما “ لناكامورا Nakamura ، من ديوان ” تحت غيمة القنبلة الذرية “ )



فر الناجون عبر حطام مدينتهم . كانت جلودهم ، التى فحمتها سخونة الأشعة الرهيبة الناتجة عن القنبلة الذرية ، قد ذراها الانفجار الذى نزل بهم . كانوا جاهلين بما حدث لهم ، يغطيهم السخام والغبار الناتج عن النيران ، يرتدون بالكاد أسمالاً دامية ؛ فترنحوا يمينًا ويسارًا باحثين عن مكان آمن. قلة من الناس هم الذين استطاعوا فى النهاية أن يجدوا مخرجًا من المدينة المحترقة، ويجدوا سريرًا وعلاجًا ودواء . رقدوا – ببساطة – أينما استطاعوا . ” أعطني ماء “، ” ماء “. لقد أغرت حرارة أغسطس اليرقات المثخنة بجراحها . ومات كثيرون على هذا النحو ، متعطشين للماء ، ودون أن يروا عائلاتهم مرة أخرى .





 ١٨ هيروشيما أثر بعد عين

كانت القنبلة الذرية قد ألقيت فى الثامنة والربع ١٥: ٨ صباح السادس من أغسطس عام ألف وتسعمائة وخمسة وأربعين ١٩٤٥. انفجرت القنبلة مع وميض غامض على بعد حوالى ستمائة ٦٠٠ متر فوق مركز المدينة . وقد وصفت القذيفة البيضاء اللهب بأنها شمس صغيرة . قُدِّرَ عدد الموجودين فى هيروشيما فى ذلك الوقت بحوالى ثلاثمائة وخمسين ألف ٣٥٠,٠٠٠ نسمة . وهذا العدد يتضمن عشرات الآلاف من الكوريين والصينيين ، بما فى ذلك عمال السخرة . وكان من بين الضحايا كذلك طلاب التبادل العلمى من جنوب شرق آسيا ، والأسرى الأمريكيون .

بعد ثانية واحدة من الانفجار أصبحت القذيفة فى دائرة قطرها مائتان وثمانون ٢٨٠ مترًا ، وكانت درجة الحرارة فى مركز القذيفة تتجاوز مليون درجة مئوية . وقد رفعت السخونة المنبعثة من القذيفة درجة الحرارة على سطح الأرض قرب مكان الانفجار إلى ما بين ثلاثة آلاف ٣,٠٠٠ إلى أربعة آلاف ٤,٠٠٠ درجة مئوية .

وعلى مسافة خمسمائة ٥٠٠ متر من مركز الانفجار كان ثقل الانفجار تسعة عشر ١٩ طنًا لكل متر مربع ، وكانت السرعة القصوى للرياح أربعمائة وأربعين ٤٤٠ مترًا فى الثانية . ببساطة ، عصف الانفجار بكل المبانى الخشبية القائمة فى دائرة نصف قطرها كيلومتران .

بعد السخونة ، والانفجار ، والأشعة ، لم تترك النيران التى عصفت بالمدينة إلا أنقاضًا محترقة . وحتى نهاية ديسمبر من ذلك العام كان مائة وأربعون ألفًا ١٤٠,٠٠٠من الضحايا قد ماتوا .

هذه الصورة البانورامية ( بمقياس رسم ألف ١,٠٠٠ إلى واحد ١) نموذج لهيروشيما فى دائرة نصف قطرها ألفان وسبعمائة وخمسون ٢,٧٥٠ مترًا ، ومركزها حيث مركز الانفجار . وكما يمكنكم أن تلاحظوا ، فإن الغالبية العظمى من المبانى كانت قد تهشمت واحترقت .

كانت السحابة التى تمخض عنها الانفجار قد صعدت فى السماء إلى مسافة اثنى عشر ألف ١٢,٠٠٠ متر . فى هذا النموذج ستكون السحابة على ارتفاع اثنى عشر ١٢ مترًا . تحت سحابة عيش الغراب العملاقة تلك ، فقد عشرات الآلاف حياتهم على الفور جراء التفاعل المعقد بين السخونة والانفجار والإشعاع ، وما تلا ذلك من نيران شملت المدينة كلها . واتسع الخراب إلى مدى لم يسبق له مثيل .



 ١٩ القنبلة الذرية الملقاة على هيروشيما

طولها حوالى ثلاثة أمتار ، وزنتها حوالى أريعة أطنان ، كانت هذه هى القنبلة الذرية التى حولت هيروشيما إلى أنقاض . استخدمت قنبلة هيروشيما الطافة الناتجة عن انشطار ذرات اليورانيوم . من كمية اليورانيوم المحدودة الموضوعة فى القنبلة – ما يقرب من خمسين كيلو جرام – حوالى كيلو جرام واحد فقط هو الذى انشطر ، وأدى إلى هذا المدى من الخراب .

لقد نتج عن القنبلة الذرية قوة تدمير فادحة ، مختلفة تمامًا عن القوة التدميرية الناتجة عن قنابل تستخدم المتفجرات التقليدية ، وانبعثت منها أشعة بالغة السخونة وانفجار مريع . غير أن الفارق الحاسم كان فى الإشعاع الهائل الذى أدى إلى ضرر بالغ بكل الكائنات الحية ؛ ذلك أن الأسلحة التقليدية لا ينتج عنها مثل هذا الإشعاع .





شهود عيان



 ٢٠ ساعة جيب

كينجو نيكاوا Kengo Nikawa ، تسع وخمسون ٥٩ سنة ، كان على كوبرى ، يبعد مسافة ألف وستمائة وأربعين ١,٦٤٠ مترًا من مركز الانفجار . أصيب بحروق بشعة فى كتفه وظهره ورأسه . ومع ذلك ، تمكن من الفرار إلى بيت أحد أقاربه فى ضواحى المدينة ، وقد أولاه أهله أفضل رعاية ممكنة ، لكنه توفى فى الثانى والعشرين ٢٢ من أغسطس . ساعة الجيب هذه كانت هدية من أكبر أبنائه كازوو Kazuo ، وقد احتفظ بها كينجو Kengo معه فى كل وقت . الغطاء الزجاجى مفقود . ربما تكسر من جراء الانفجار الذى قذف بالرجل إلى النهر .



 ٢١ زى مدرسى بناتى

نوبوكو شودا Nobuko Shoda، كان عمرها أربعة عشر ١٤ عامًا حين تعرضت للقنبلة فى مكانها عند مبنى متهدم على مسافة ألف ومائتى ١,٢٠٠ متر من مركز الانفجار . حروق بالغة تغطى جسدها كله . تورمت قدماها على نحو خرافى . وجلد ذراعيها تسلخ وتعلق بالأسمال البالية . والدها ميتسووMitsuo ، الذى أصيب هو نفسه إصابة بالغة فى قدمه ، استمات فى البحث عن نوبوكو Nobuko . وفى اليوم التالى ، السابع من أغسطس ، عثر عليها ميتسووMitsuo ووالدتها توشيوكو Toshiko فى نهاية المطاف . حملها ميتسووMitsuo على ظهره إلى مستشفى الصليب الأحمر بهيروشيما . غير أن كل الأدوية ضاعت سدى ، ولم يكن بإمكانها أن تتلقى العلاج المناسب . فى الثامن من أغسطس ، أخذها وعاد إلى بيتهم المتهدم جزئيًا . ماتت نوبوكو Nobuko وعائلتها إلى جانبها ، صبيحة العاشر من أغسطس . هذا هو الزى الذى كانت ترتديه نوبوكو Nobuko حين تعرضت للقنبلة .



 ٢٢ صندل خشب (جيتاgeta )

ميوكو Miyoko ، كانت فى الثالثة عشرة ١٣، تعرضت للقنبلة فى مكان عملها ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على مسافة خمسمائة ٥٠٠ متر من مركز الانفجار. لما لم تعد إلى البيت ، راحت أمها توميكوTomiko تبحث عنها فى المدينة . بحثت عنها يومًا بعد يوم ، لكنها لم تجد لها أثرًا على الإطلاق . أخيرًا ، وفى شهر أكتوبر ، وتحت بلاطة السطح المنصهرة ، وجدت هذا الصندل الخشبى مع بصمة قدم واضحة عليه . لقد أدركت أنها قدم ميوكوMiyoko ؛ لأن توميكوTomiko كانت قد صنعت رباط الصندل بنفسها من كيمونوkimono قد يم.

كانت ميوكوMiyoko تعمل مع خمسمائة وثلاثة وأربعين ٥٤٣ من زملاء الدراسة يقودهم ثمانية من المدرسين. وعلى هذه المسافة القصيرة من مركز الانفجار ، كان الجميع قد صعقتهم سخونة الأشعة والانفجار. ومات الجميع تقريبًا وعلى الفور. وأولئك الذين تمكنوا من الفرار من موت فورى ابتلعتهم النيران التى تلت ذلك. لم يبق منهم أحد.



 ٢٣ علبة غداء

شيجيرو أوريمين Shigeru Orimen ، تعرض للقنبلة فى مكان عمله ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على مسافة ستمائة ٦٠٠ متر عن مركز الانفجار. كان عمره ثلاثة عشر ١٣ عامًا. حين أخفق فى العودة إلى البيت ، راحت أمه شيجيكو Shigeko تبحث عنه فى المدينة. قطعت كل أنحاء المدينة مشيًا ، وفى فجر اليوم الثالث رأت جسد طفل متكوم فى وضع جنينى. وحيث أن اسم أوريمينOrimen كان منقوشًا على علبة الغداء التى كان لا يزال يضمها إلى بطنه ؛ فقد أدركت أن هذا الجسد المحروق هو شيجيروShigeru .كان هناك ثقب فى علبة الغداء ، وكانت محتوياتها متفحمة. علبة الغداء المسودَّة تلك كانت قد أُعدَّتْ بعناية وملئت بغداء مخصوص مكون من حبوب الصويا والشعير مع الخضروات المشوَّحة بالنار. كانت أمه قد صنعت ذلك الغداء من بشائر حصاد الحديقة الخاصة بشيجيرو . Shigeru وحين خرج شيجيروShigeru إلى العمل فى ذلك اليوم ، لا بد أنه كان فى شوق لتناول ذلك الغداء .





 ٢٤ إبريق ماء

تيتسوو كيتاباياشى . Kitabayashi Tetsuo كان عمره اثنى عشر عامًا ١٢حين تعرض للقنبلة فى مكان عمله ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على مسافة ستمائة ٦٠٠ متر من مركز الانفجار. ورغم إصاباته الفظيعة تمكن من العودة إلى مكان قريب من بيته ، حيث عثر عليه والداه هناك ، فاعتنيا به فى بيتهم الذى سقط نتيجة للانفجار. كان وجهه قد احترق تمامًا وانتفخ حتى أصبح كرة من المطاط. كان من المستحيل حتى أن تميز عينيه من أنفه. ومع ذلك فقد كان لسنًا لدرجة أنه كان يحكى ما رآه عند فراره. وقرب غروب اليوم التالى ، السابع من أغسطس ، فقد تيتسوو Tetsuo وعيه ، ثم بدأ يغنى هاذيًا ومات. كان تيتسوو Tetsuo يحمل إبريق الماء هذا حين تعرض للقنبلة.



 ٢٥ محفظة ، شارة مدرسة ، شارة شركة ، مجموعة تذاكر



كيميكو نيشيمارو Kimiko Nishimaru ، ابنة الخمسة عشر ١٥ ربيعًا ، كانت طالبة فى خدمة المجهود الحربى تعمل بالاتصالات. تعرضت للقنبلة فى مركز تشوجوكو Chugoku للقيادة العسكرية ، الذى يبعد سبعمائة وتسعين ٧٩٠ مترًا عن مركز الانفجار. ورغم أنها احترقت بتأثير الأشعة الساخنة فقد سبحت عبر نهر وتمكنت أن تصل إلى ًبيتها. كان وجهها أسود متورمًا ، وكانت ملابسها قد تمزقت إربًا. ولم يعرفها والداها إلا من صوتها. وبعد أن وضعها والداها على فوتون futon فى حديقة خيزران ، اعتنيا بها أفضل عناية ممكنة ، لكنها ماتت فى العاشر من أغسطس. كانت الأسرة قد خزنت كميات كبيرة من الأدوية استعدادًا للغارات الجوية ، لكن الأدوية كلها احترقت مع البيت. كان والدا كيميكوKimiko يبكيان دائمًا لأنهما لم يتمكنا من علاج جروحها بشكل مناسب. والمعروض هنا هو أشياء كوميكوKimiko التى كانت معها فى ذلك اليوم .



 ٢٦ قبعة ، حقيبة ، كتيب لتعليم الخياطة

توشيكو سيكيوكا Toshiko Sekioka ، ثلاثة عشر ١٣ عامًا ، تعرضت للقنبلة فى مكان عملها ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على مسافة ثمانمائة٨٠٠ متر عن مركز الانفجار. كانت والدتها آيكو Aiko على يقين أنها ستعود حية . لكنها بعد حوالى أسبوع ، تلقت هذه القبعة وهذه الحقيبة وعليها اسم توشيكوToshiko . كانت آيكو Aiko شديدة الإحباط لدرجة أنها لم يكن لديها وعى لتسأل من أتاها بهذه الأشياء عن جسد ابنتها الذى لم يُعْثَر عليه قط. فى السادس من أغسطس كانت توشيكو Toshikoقد قالت إنها تعانى من صداع ، ولا تريد الذهاب إلى المدرسة. بعد ذلك قالت آيكو Aiko :  ”لقد أجبرتها على الخروج للعمل من أجل بلدها. أنا قتلتها“ . لقد ظلت آيكو Aiko تعذب نفسها بتأنيب الضمير حتى الموت .



 ٢٧ حقيبة اليد

ميوكو ساواداMiyoko Sawada  . كان عمرها خمسة عشر ١٥ عامًا حين تعرضت للقنبلة فى مكان عملها ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على مسافة خمسمائة ٥٠٠ متر عن مركز الانفجار . مسح والداها وأقاربها المدينة لكنهم لم يعثروا عليها أبدًا . وقرب نهاية أغسطس طلبت الإذاعة من الآباء الذهاب إلى مدارس أولادهم لاستعادة بقاياهم ومتعلقاتهم. ذهب شيزوما Shizuma والد ميوكوMiyoko إلى المدرسة ، ووجد قطعا مجهولة من العظام ملفوفة بقطع من الورق وموضوعة فى صندوق خشبى .كان قد رأى بعض التلاميذ المتفحمين ، ولهذا لم يكن مستغربًا أن كثيرين منهم لم يمكن التعرف عليهم . أخذ الوالد مجموعة عشوائية من العظام وعاد بها إلى البيت وتعامل معها باعتبارها رفات ميوكو Miyoko . كانت هناك فى غرفة منفصلة بعض متعلقات التلاميذ . وبين هذه المتعلقات عثر شيزوما Shizuma على حقيبة اليد هذه . كانت حقيبة قد صنعتها الأم ميتشيكوMichiko خصيصًا لابنتها ميوكوMiyoko . هذه الحقيبة كانت الشىء الوحيد المؤكد ، وبه فقط يمكن أن يتذكروها.



 ٢٨ دراجة ثلاثية ، خوذة معدنية

شين-إيتشى تيتسوتانىShin-ichi Tetsutani ابن الثالثة ، تعرض للقنبلة بينما كان يركب دراجته الثلاثية فى ملعبه الذى يبعد ألف وخمسمائة ١,٥٠٠ متر عن مركز الانفجار . لقد عانى من حروق فظيعة من جراء أشعة القنبلة الذرية الساخنة ومات فى تلك الليلة . ولأن والد شين-إيتشى Shin-ichi لم يتحمل دفن ولده وحيدًا فى قبر بعيد قام بدفنه فى فناء بيتهم مع دراجته الثلاثية التى كان يعشقها ، ووضع الخوذة الحديدية على رأس شين-إيتشى Shin-ichi . فى الصيف الأربعين بعد إلقاء القنبلة ، قام بنقل رفات شين-إيتشى Shin-ichi من فناء البيت ودفنها فى قبر مناسب . لقد نامت هذه الخوذة الحديدية وهذه الدراجة الثلاثية فى فناء البيت مع شين-إيتشى Shin-ichi لمدة أربعين عامًا . الآن ، يعلوهما الصدأ ، وتبدوان قابلتين للزوال فى أى لحظة ، وهو ما يذكرنا بالسنوات العديدة التى مضت منذ تم إلقاء القنبلة .



 ٢٩ متعلقات تلاميذ المدرسة الإعدادية

قبل أن يتم إلقاء القنبلة الذرية ، كانت مبانى هيروشيما قد تم هدمها لصناعة عوازل ضد انتشار الحرائق فى حالة الغارات الجوية التقليدية . كان هذا المشروع – مشروع هدم المبانى – يجرى تنفيذه فى مواقع مختلفة قرب مركز المدينة . كانت مجموعات العمل الطلابى قد شكلت وحدات من الطلاب فى سن الثانية عشرة ١٢ والثالثة عشرة ١٣، وبدأ هؤلاء فى تنفيذ المهمة مع مجموعات أخرى فى الصباح الباكر. وهذه الأشياء تعود إلى ثلاثة تلاميذ انخرطوا فى أعمال الهدم على مسافة تسعمائة ٩٠٠ متر من مركز الانفجار . كانت ملابسهم قد تفحمت وتهرأت وخضبتها الدماء . ومن بين ثمانية آلاف وأربعمائة ٨,٤٠٠ تلميذ كانوا يعملون فى هدم المبانى فَقَدَ حوالى ستة آلاف وثلاثمائة ٦,٣٠٠ تلميذ حياتَهم ، ولم يُعْثَر لكثيرين منهم على أثر .





الأضرار الناتجة عن الأشعة الساخنة



 ٣٠ الأضرار الناتجة عن الأشعة الساخنة

فى غضون ثانية واحدة بعد انفجار القنبلة الذرية تشكلت فى الهواء قذيفة قطرها مائتان وثمانون٢٨٠ مترًا وقد أدت سخونة الأشعة المنبعثة من هذه القذيفة إلى رفع درجة حرارة الغلاف الجوى إلى ما بين ثلاثة آلاف٣,٠٠٠ إلى أربعة آلاف ٤,٠٠٠ درجة مئوية وحافظت على هذه السخونة البالغة لمدة ثلاث ثوان. احترق الجلد البشرى الموجود على مسافة تبعد ثلاتة آلاف وخمسمائة متر من مركز الانفجار . وأولئك الذين تعرضوا للأشعة فى حدود ألف ومائتى ١,٢٠٠ متر تعرضوا لحروق فظيعة وماتوا كلهم تقريبًا فى غضون أيام قليلة .



 ٣١ ظلال بشرية مطبوعة على حجر

هذه السُّلَّمَاتُ الحجرية تقود إلى مدخل بنك سوميتومو - Sumitomoفرع هيروشيما ، الذى يبعد عن مركز الانفجار مسافة مائتين وستين ٢٦٠ مترًا. لقد أحالت الأشعة الذرية البالغة السخونة الحجر إلى اللون الأبيض ، فيما عدا جزء فى الوسط حيث كان شخص ما واقفا. ذلك الشخص الواقف على السلم فى انتظار البنك حتى يفتح ، تعرض للأشعة الساخنة فى كامل قوتها ، ومن الأمام وعلى نحو مباشر ، ومات فى مكانه لا شك . وقد استخدم المبنى لبعض الوقت بعد الحرب . وحين أُعيد بناؤه عام ألف وتسعمائة وواحد وسبعين١٩٧١ ، تم نقل هذه السُّلَّمَاتِ وإحضارُها إلى المتحف .



 ٣٢ أزياء مدرسية وجدول دراسى تعود إلى تلاميذ المدرسة الإعدادية

يعود هذان الزيان المدرسيان إلى إيساو تانيجوتشى Isao Taniguchi وأساهيكو نيشيموتوAsahiko Nishimoto ، كانا فى الثالثة عشرة .١٣ تعرضا للقنبلة فى مكان عملهما ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على بعد ستمائة٦٠٠ متر من مركز الانفجار . ومن المحتمل أن تكون الأشعة قد ضربتهما من الأمام لأن الجانب الأمامى من زيهما تفحم تمامًا .

وفى وقت متأخر من الليلة التى ألقيت فيها القنبلة ، راح والد إيساو Isao وأخوه يبحثان عنه . أخيرًا ، وفى مخبأ قرب مكان عمل الأولاد ، وجدا إيساوIsao وأساهيكوAsahiko اللذين كانا قد فرا معًا. حرقت الأشعة وجهيهما بشكل لا يمكن تصوره ، وذلك كما نرى فى الصورة خلف زييهما . غير أنهما تعرَّفا على إيساوIsao من جاكتته الممزقة ومن صوته . أخذا الولدين معهما إلى البيت. مات أساهيكو Asahiko قرب الفجر . بعدها ، وفى ذلك اليوم ، قال إيساو ” : Isaoإنها تقترب أكثر وأكثر“، وما لبث أن مات هو الآخر .



 ٣٣ شورتات كان يرتديها طالب فى المدرسة الإعدادية

كان هيروآ كى هورىHiroaki Hori فى الثالثة عشرة ١٣ حين تعرض للقنبلة فى مكان عمله ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها . وبعد أن أتت النيران على جسمه كله ، تم نقله إلى نقطة إسعاف. حتى والدُه لم يكن قادرًا على التعرف عليه بين الأطفال الممددين على الأرض محروقين ومتورمين. وقد تعرف على هيروآ كىHiroaki بعد أن رأى الاسم على بنطلونه بصعوبة بالغة .

هيروآ كى Hiroaki ، الذى انزوى فى حالة بين الوعى واللاوعى ، ظل يهذى ويقول” : أما زلتُ حيا ؟ “ ”أعطونى ماء من فضلكم “ ”أسرعوا ، هيا نخرج من هنا .“ومات هيروآ كى Hiroaki فى غضون الليلة الرابعة بعد القنبلة ، بينما كان والده وجدته إلى جواره فى نقطة الإسعاف. مات هيروآ كى Hiroaki كما لو كان ذاهبًا إلى النوم . هذه الشورتات هى كل ما كان يرتديه هيروآ كىHiroaki فى نقطة الإسعاف.



 ٣٤ أظافر سوداء

يوشيوو هاماداYoshio Hamada ، كان فى السادسة والعشرين ٢٦ فى ذلك الوقت ، وقد تعرض للقنبلة فى ثكنته العسكرية على بعد تسعمائة ٩٠٠متر عن مركز الانفجار . كانت يده اليسرى مستندة إلى عتبة الشباك حين انفجرت القنبلة وقد احترق الإصبعان الأوسط والبنصر من يده اليسرى ، إذ تعرضا مباشرة للأشعة الساخنة ، لدرجة أن الجلد والظفر قد تسلخ وتدلى من أطراف أصابعه. لقد فقد وللأبد حوالى سنتيمتر من طرف إصبعيه ، ونمت أظافر مثل هذه : سوداء غريبة لها شكل العصا ، نمت من الجلد فى طرف هذين الإصبعين . وتحتوى هذه الأظافر – على خلاف الأظافر العادية – على شعيرات دموية نشطة . حين تكسرت الأظافر ، سالت كمية كبيرة من الدماء. ولكن بعد أن تحطمت ، استمر نفس النوع من الأظافر السوداء يكبر .



 ٣٥ بنطلون الشغل وملابس داخلية

فى الرابعة والثلاثين ٣٤، تعرضت توشيكو تاكاجى Toshiko Takagi للقنبلة فى مكان عملها ضمن المجهود الحربى لهدم المبانى ونقلها على بعد ألف ومائتى ١,٢٠٠ متر عن مركز الانفجار. تفحم وجهها على نحو بصعب تصوره. ومع ذلك تمكنت أن تجد طريقها بنفسها إلى البيت. ظلت توشيكو فى كوابيس هذيانها تطلب من زوجها تاكايوكىTakayuki أن يكون إلى جوارها . وفى صبيحة العاشر من أغسطس أخذت نفسًا طويلا كان آخر أنفاسها. قام تاكايوكىTakayuki وابنها الأكبر هاروو Haruo بحرق جثتها.

واحتفظ تاكايوكىTakayuki بملابس توشيكو Toshiko التى تهرأت من الأشعة الساخنة والانفجار ، ثم تركها ليذكِّر هاروو Haruo واخته التى كانت قد دخلت المدرسة الابتدائية للتو بأمهما .



 ٣٦ بلاط السطح

الْمِسْ من فضلك بلاط السطح هذا. ستجد أنه مكسو بالنتوءات . هذه النتوءات تشكلت لأن هذه البلاطات تعرضت تعرضًا مباشرًا لأشعة القنبلة الذرية الساخنة. هذه الأشعة ذوبت السطح. وقد تمت رؤية هذه الظاهرة على مسافة الستمائة ٦٠٠متر المحيطة بالانفجار. لقد تغطت الأجزاء الملساء من البلاطات ببلاطات أخرى. ولأن هذه الأجزاء لم تتعرض للأشعة على نحو مباشر ، فقد احتفظت بالسطح الناعم للبلاطة المعتادة .

يتبع هيروشيما

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:52 PM

تابع هيروشيما

الأضرار الناتجة عن الانفجار



 ٣٧ الأضرار الناتجة عن الانفجار

فى اللحظة التى تفجرت فيها القنبلة الذرية خلقت فى المركز ضغطا جويًا يفوق لمئات الآلاف من المرات ضغط الغلاف الجوى. تمدد الهواء المحيط على نحو مريع وولَّد انفجارًا هائلا. حتى على مسافة خمسمائة ٥٠٠ متر من مركز الانفجار كان الضغط مهولا ، يضغط إلى أسفل بقوة تسعة عشر ١٩ طنًا للمتر المربع الواحد. كل الأبنية الخشبية الموجودة إلى مسافة كيلومترين تهشمت . آلاف من الضحايا سُحِقُوا حتى الموت تحت هذه البيوت المنهارة. تَشظَّى زجاجُ النوافذ من جراء الانفجار وطار فى الهواء إلى مسافات مخيفة ، فجَزَّ أُناسًا إلى نصفين ، وأعمى أناسًا ، وأوغل فى أجسادهم.



 ٣٨ محاصرون تحت أنقاض البيوت

أُمٌّ تبكى على جدار بينما تقترب النيران منها تحت أنقاض البيت

”آ آ آ آ آ آ آه“

كانت ابنتها على قيد الحياة. ولكن ...

أخفقت الأم فى فتح ثغرة واسعة تسمح بإنقاذها

)نص على صورة رسمها أحد الناجين(

آلاف عملوا بجنون لمساعدة أفراد العائلة الذين حوصروا بلا حول ولا قوة تحت المبانى ، ولكن فى ظل هرج ومرج وفوضى عارمة ، وقد كان من الصعب أن تجد شخصًا يحضر لك إسعافا. وكان كل ما استطاعوا عمله وهم يرون النيران تلتهم أقرب الناس إليهم أمام أعينهم ، هو صلوات من الصمت المطلق ، مع الاعتذار والفرار مخلفين قلوبهم وراءهم . ”أنا الذى من سوء حظه أنه نجا .“ كانت مثل هذه الهواجس تضاعف من آلام الناجين بعد الحرب .



 ٣٩ شظايا زجاج وأظافر مشوهة

لقد أدى الانفجار الهائل للقنبلة الذرية إلى تهشيم النوافذ وملء الهواء بالزجاج المتطاير . وقع الآلاف ضحايا لسكاكين حادة من كسر الزجاج . لقد وجد آكيهيرو تاكاهاشى Akihiro Takahashi شظية من الزجاج منغرسة فى ظفره . دمرت الأنسجة المنتجة لظفره ، ومن هنا نما فى ذلك الإصبع هذا ”الظفر الأسود“ الغليظ الخشن . شظايا الزجاج المتطاير بقوة هائلة توغلت فى الأجساد . وكان غالبية الضحايا فى ظروف ما بعد الحرب غير قادرين على إزالة كل هذه الشظايا . ولعقود بعد القنبلة أصبح الناجون يشعرون فجأة أن قطعة من زجاج باقية فى أجسادهم وأن عليهم إزالتها بالجراحة.

 ٤٠ إطارات حديد معقوفة

كان انفجار القنبلة الذرية مهولاً فى قوته ، حتى عند مستودع ملابس الجيش ، الواقع على مسافة ألفين وستمائة وسبعين ٢,٦٧٠ مترًا من مركز الانفجار . هذه الإطارات الحديدية المقابلة لمركز الضربة كان قد تم دفعُها وثَنْيُهَا . وكان السطح قد تم تدميره بشدة . إن أحد طلبة المدرسة الإعدادية فى مستودع ملابس الجيش طار فى الهواء لمسافة عدة أمتار . وفى كل أنحاء المدينة كان الانفجار من القوة بحيث ظن كل شخص أنه ضُرِبَ وحدَهُ بقنبلة تقليدية.



 ٤١ عوارض حديدية

كان مبنى فوكوكوFukoku فى هيروشيما مكونا من سبعة طوابق قوائمها من الحديد ، ويقف على مسافة ثلاثمائة وثلاتين٣٣٠ مترًا من مركز الانفجار . وهذه العارضة كانت دعامة يقف عليها سقف الطابق السابع انثنت هذه العارضة وتحطمت من جراء الانفجار الهائل للقنبلة الذرية . فى ذلك الوقت كان مائة وسبعة عشر ١١٧ من الموجودين فى المبنى موظفين فى هيئة تلغراف هيروشيما ، وهى الهيئة التى كانت تشغل المساحة من البدروم إلى الطابق الخامس . مات مائة وسبعة ١٠٧ من هؤلاء . ومات كذلك آخرون كانوا فى المبنى. غير أن العدد الكلى غير معروف.





أضرار ناجمة عن الحرائق الهائلة



 ٤٢ أضرار ناجمة عن الحرائق الواسعة

حين انفجرت القنبلة الذرية استحالت البيوت التى تعرضت مباشرة للضربة ، وعلى الفور ، إلى نار موقدة. بعد وقت قصير تصاعد اللهب إلى عنان السماء وتسربت وامتدت النيران فى كل أنحاء المدينة وظلت مشتعلة طوال الليل. واحترق كل ما هو قابل للاحتراق إلى مسافة كيلومترين من مركز الانفجار. وعلى الأرض المحروقة ، ذاب كل شىء فى اللهب ، وغطى المنطقة كأنه حمم البراكين .





 ٤٣ ما وُجد مافى الأرض المحروقة

فى بلاطات السطح الساخنة من الشمس

حفرنا– أنا وأبى– رويدًا رويدًا

بعزم ودأب

يا إلهى ، لا لا لا

عظام أمّى

لا ، لا يا إلهى. حين أمسكتها تحولت

إلى غبار أبيض راقص هناك فى الريح

عظام أمّى فى فمى

تُشعرنى بالوحشة

أسىً لا يُطاق

يغمر أبى ويغمرنى

تركنا العويل وراءنا

ولملمنا العظام التى

تخشخش بقسوة

فى صندوق حلوى.

)من ” سموات هيروشبما “ لساتشيكو هاياشى Sachiko Hayashi (



يومًا بعد يوم رأيناهم ، يذرعون أرضًا محروقة ، باحثين عن أفراد العائلة الضائعين. لم يكن بإمكانهم القبول بأن أحباءهم– الذين ودعوهم ذلك الصباح فى صحة وسعادة– يمكن أن يكونوا الآن موتى. لم يعثر معظمهم على جثة أبدًا ، أو حتى على عظام أو رفات. إن أية متعلقات تم العثور عليها فى ذلك البحث أُخِذَت إلى البيت عوضًا عن الرفات.





الأضرار الناتجة عن الإشعاع



 ٤٤ جدار أبيض لطخه مطر أسود

بعد عشرين ٢٠ إلى ثلاثين ٣٠ دقيقة من الانفجار ، انتشر الغبار والسخام فى السماء فوق هيروشيما وبدأ يهطل كالمطر على الأقسام الغربية الشمالية من المدينة. سقط هذا المطر على مسافة تمتد إلى تسعة وعشرين ٢٩ كيلومترا من مركز الانفجار ، ملقيًا سخامًا ووسخًا مشعًا عبأ الجو. هذا الجدار القرميدى الأبيض كان جزءا من بيت يبعد حوالى ثلاثة آلاف وسبعمائة٣,٧٠٠ متر عن مركز الانفجار. والبقع السوداء لم تزل ويمكن رؤيتها بوضوح. وقد اكتشفت على تلك البقع معدلات من آثار الأجسام المشعة المتبقية من القنبلة النووية .



 ٤٥ صُرَّةٌ مُلَطَّخَةٌ بمطر أسود

إيتشيوو ميتسوىIchio Mitsui ، كان عمره حينئذ ثلاثة وأربعين٤٣ عامًا ، تعرض للقنبلة وأصيب فى منزله الذى يبعد ألف وخمسمائة١,٥٠٠ متر عن مركز الانفجار. وحين فر حاملا صرته على ظهره مملوءة بإمدادات الإغاثة ، حاصره المطر الأسود الذى كان بالغ اللزوجة ويخلف بقعًا سوداء .

خلال انهمار ذلك المطر هبطت درجة الحرارة على نحو دراماتيكى. وقد قيل إن الناجين الذين ضربتهم قطرات المطر الهائلة كانوا ينتفضون من البرد فى قلب الصيف. وكان كثيرون قد دفعتهم حروقهم البالغة إلى البحث اليائس عن الماء فشربوا المطر المنهمر. غير أن هذا المطر كان يحتوى على السخام وأشياء أخرى مشبعة بالأشعة. ماتت الأسماك فى البرك والأنهار وطفت على السطح. وحيثما سقط ذلك المطر الأسود عانى كثيرون ممن شربوا ماء عذبًا من الإسهال لمدة ثلاثة أشهر .



 ٤٦ آثار فورية

يطلق على التسمم الإشعاعى الذى ظهر على الفور بعد القصف بالقنبلة الذرية” الآثار الفورية .“ لقد كانت السمة المميزة للقنبلة الذرية هى الكمية الهائلة من الإشعاع الناتجة عنها. فالقنابل التقليدية لا ينتج عنها مثل هذا النوع من الإشعاع. وقد ترك هذا الإشعاع أضرارًا فورية فى أجساد الضحايا. فالإشعاع يدمر كريات الخلايا ، ويضر بالنخاع الشوكى ، ويدمر مصنع الدم وأعضاء أخرى تسهم فى تشكيله ، كما أنه يتسبب فى أضرار أخرى خطيرة. وكل من تعرضوا مباشرة للإشعاع فى داخل الألف١,٠٠٠ متر المحيطة بالانفجار تعرضوا لجرعة تهدد حياتهم ، وقد مات معظمهم فى غضون أيام. إن بعض من بدا أنهم لم يتعرضوا لضرر على الإطلاق بدؤوا يتقيئون دمًا ، أو ماتوا ببقع أرجوانية على أجسادهم .



 ٤٧ سقوط الشعر

فى الثامنة عشرة ١٨ من عمرها ، وفى بيتها الواقع على بعد ثمانمائة ٨٠٠ متر من مركز الانفجار ، كانت هيروكوHiroko عرضة للإشعاع ، أصيبت إصابة بالغة وحوصرت تحت أنقاض منزلها. بعد أسبوعين من انفجار القنبلة انتابها إسهال وقىء كما ظهرت عليها أعراض أخرى للتسمم الإشعاعى. ظهرت على جسمها بقع أرجوانية من جراء النزيف الداخلى. وذات يوم سقط شعرها كله بثلاث ضربات فحسب من فرشاة الشعر. ظنت والدة هيروكو Hiroko أنها لن تبقى على قيد الحياة ، ومن ثم أبقت على هذا الشعر ذكرى من بنتها. لحسن الحظ عاشت هيروكو Hiroko بعد صراع مع الإشعاع لمدة ستة أشهر. غير أنها تعرضت للسرطان فيما بعد ، وعانت جسديًا ووجدانيًا على السواء .



 ٤٨ الآثار بعيدة المدى

لم تكن الأضرار الناتجة عن الإشعاع محصورة فى الأسابيع أو الشهور التى تلت إلقاء القنبلة ؛ فقد استمرت النتائج بعيدة المدى تظهر لعقود.

لقد بدا مع نهاية عام ألف وتسعمائة خمسة وأربعين ١٩٤٥ أن الجروح الناتجة عن القنبلة الذرية قد بدأت فى الالتئام. غير أن أمراض الجدرى والمياه الزرقاء وسرطان الدم وغيره من السرطانات ، سرعان ما بدأت تظهر على كثير من الناجين. ولأن هيروشيما كانت أول قنبلة ذرية فى التاريخ ، فإن أحدًا لم يعرف ما يجب توقعه بعد التعرض لمستويات عالية من الإشعاع. اضطر الناجون أن يعيشوا فى بلبلة مستمرة ، غير عارفين على الإطلاق ما الأعراض التى يمكن ظهورها ومتى. ولم تثبت حتى الآن أية آثار على سلالة الناجين.





 ٤٩ طيور الكركى الورقية التى صنعتها ساداكو Sadako

كان عمر ساداكو ساساكى Sadako Sasaki سنتين فى وقت القنبلة. كبرت عَفِيَّةً وبصحة جيدة. بعد عشرة أعوام من سقوط القنبلة تعرضت فجأة لسرطان الدم وماتت بعد صراع مع المرض لمدة ثمانية أشهر. فى غرفتها بالمستشفى كانت ساداكوSadako تلف الورق بلا انقطاع فى صورة طيور الكركى معبرة عن رغبتها فى الحياة. هذه بعض طيور الكركى التى صنعتها. كان موتها الشرارة التى أدت إلى ظهور حملة– معظم أعضائها من الأطفال – لإقامة ” نصب سلام تذكارى للأطفال “، لمواساة أرواح الأطفال الذين قتلتهم القنبلة الذرية ، ولبناء السلام. واليوم تنهال الملايين من طيور الكركى الورقية على ذلك النصب آتية من كل أنحاء العالم. قصة ”ساداكو Sadako وطيور الكركى الورقية “ والرغبة فى السلام هى الآن قصة ذائعة الصيت حول العالم .





جهود الإغاثة



 ٥٠ جهود الإغاثة

لقد حولت القنبلة الذرية هيروشيما فى لحظات إلى مساحة من الأرض المحروقة. إن المكاتب الحكومية وبلدية المدينة ، ومراكز البوليس – كل الفعاليات الحكومية ضاعت. ومع ذلك ، فإن جهود الإنقاذ من خلال الفرق التابعة لمراكز قيادة الجيش ، والجهود الطبية التى قام بها الأطباء والممرضون ممن نجوا ، وجهود التطبيب التى قام بها عمال وافدون من مدن ومقاطعات وقرى أخرى ، كل هذه الجهود بدأت على الفور بعد إلقاء القنبلة. فى اليوم التالى لتفجير القنبلة تم تأسيس مراكز قيادة فرقة الأمن فى هيروشيما. واشترك الجيش والحكومة والشعب لتقديم جهود إغاثة منظمة .



 ٥١ صندوق أدوية عسكرى

ما إن حدث تفجير القنبلة ، تحولت المستشفيات والمدارس والمبانى الأخرى التى نجت من الحريق – تحولت إلى مراكز إسعاف مؤقتة. ويومًا بعد يوم كان آلاف من الناجين يأتون طالبين العلاج. وسرعان ما نفدت الأدوية القليلة التى كانت متاحة. غير أن الأطباء والممرضين وغيرهم فعلوا ما فى وسعهم لتقد يم كل ما يمكنهم من علاج .

إن حقائب طبية مثل هذه كان من المعتاد أن تحتوى على إمدادات طبية لعمليات الجيش فى الميدان. وهذه الحقيبة كانت فى جراج فى مستودع إمدادات الجيش بهيروشيما على مسافة ألف وومائتى١,٢٠٠ متر من مركز الانفجار. وقد استخدم كان -إيتشى سانادا Sanada Kan-ichi ، وهو رقيب رئيسى فى القسم الصحى بالجيش ، الإمدادات التى كانت فى هذه الحقيبة لمعالجة الناجين فى مدرسة فوتشو Fuchu الابتدائية ، التى كانت قد أصبحت مركز إسعاف .



 ٥٢ دفتر التحقيق حول قتلى الحرب

هذا الدفتر سِجِلٌّ بأسماء الضحايا الذين ثَبَتَ موتُهُم نتيجةً للقنبلة الذرية ، وعناوينِهم ، وأسبابِ موتهم. هذه السجلات وقوائم الأسماء كان قد تم نشرها فى مراكز البوليس ومراكز الإسعاف ، والمستشفيات ، وقاعات على أطراف المدينة. ” احتراق الجسد بالكامل“ ” تهشيم الرأس“ ” احتراق أدى إلى الموت“ . ...تقدم السجلات بوضوح وبالتفصيل الظروف السائدة وقت تفجير القنبلة. وقد وجد على أماكن التخلص من الجثث ملاحظات من قبيل ” حرق جماعى“ ” لم يُعْثَرْ على أحد ليأخذ الرفات.“ ووسط البلبلة الفظيعة ، تم حرق رفات بعض الجثث دون أن تتعرف عليها عائلاتها. بعضها لم يتم التعرف عليها لأن العائلة تعرضت للفناء عن بكرة أبيها. بعض المصابين إصابات بالغة حاولوا الفرار إلى ضواحى المدينة طلبًا لمساعدة العائلة أو المعارف ، لكن قواهم استنفدت فى الطريق ، فماتوا هناك دون أن يشعر بهم أحد. وفى حالات كثيرة كانت هذه الملاحظات العامة هى المعلومة الوحيدة التى تلقاها أفراد العائلة عن الكيفية التى مات عليها أحباؤهم .



 ٥٣ أناس يبحثون عن العائلة والأصدقاء

هنا وهناك فى كل أنحاء المدينة ، خطت على عجل رسائل أعلنت عن أماكن الناجين أو الموتى من أفراد العائلة. وراح الناس يبحثون عن العائلة والأصدقاء بين أنقاض البيوت ، وقاموا بجولات على مراكز الإسعاف بحثًا عن رسائل كهذه.

بلاطة السطح فى الصندوق الذى على اليمين ، عَثَرَ عليها تورو ساتوToru Sato الذى كان عمره فى ذلك الحين ثمانية عشر ١٨ عامًا ، عثر عليها فى التاسع من أغسطس بعد ثلاثة أيام من تفجير القنبلة . لقد وجدها بين أنقاض منزله الواقع على بعد ألف١,٠٠٠ متر من مركز الانفجار . مكتوب على بلاطة القنبلة الذرية بعصا متفحمة حروف تعلن: ” عائلة ساتو : Sato أتسوكو Atsuko بخير ، كونيكوKuniko ميتة ، الأب تاتسومىTatsumi وكازويه Kazue مفقودان.“ كان توروToru قادرًا على الانضمام إلى الثلاثة الناجين من أفراد العائلة . ولكن رغم أنه اتضح أن والده وأخت زوجته أتسوكو Atsukoلم يصابا بسوء ؛ فإنهما كليهما توفيا فى سبتمبر بأعراض يُعتَقَد أنها من الآثار الفورية للإشعاع .



 ٥٤ إغاثة طبية من وراء البحار

لما علم الدكتور مارسيل جونو Dr. Marcel Junod ، الممثل الرئيسى للجنة الدولية للصليب الأحمر باليابان ، بالظروف الرهيبة التى يعانى منها الناجون ، تفاوض مع القيادات المركزية العامة للحلفاء ، وحصل على خمسة عشر ١٥طنًا من الإمدادات الطبية. وفى الثامن من سبتمبر ، أى بعد حوالى شهر من تفجير القنبلة ، زار هيروشيما وعمل بنفسه فى مراكز الإسعاف لمعالجة الناجين . ونظرًا للنقص الحاد المستمر فى الإمدادات الطبية بهيروشيما بعد تفجير القنبلة ، فقد كانت الإمدادات التى جاء بها الدكتور جونو Dr. Junod ذات قيمة بالغة . وقد تضمنت الأدوية التى جاء بها الدكتور جونو Dr. Junod محلول ديكستروز الذى كان يصعب الحصول عليه فى ذلك الزمان.



 ٥٥ حياة الناجين

يوشيكو Yoshiko الصغيرة

احترقت

راقدة فى السرير

قالت إنها تود

أن تأكل طماطم

ذهبت أمها

لتشترى واحدة

وبينما كانت هناك

ماتت يوشيكو Yoshiko الصغيرة

صرخت أمها

لم أطعمها سوى البطاطس

لقد قتلتها

أنا أيضًا صرخت

وصرخ كل امرئ



بعد تفجير القنبلة عانت هيروشيما من نقص فظيع فى الإمدادات الطبية. تم تدمير كل أساسيات الحياة. لا مطعم ، لا ملبس ، لا مأوى . كانت حياة الناس من أقسى ما يكون .



 ٥٦ عشب إستوائى يزهر فى الأرض المحروقة

فى هيروشيما سرت شائعات بأن لاشىء سينمو لمدة خمسة وسبعين ٧٥ عامًا

ومع ذلك ، تبرعمت حياة جديدة فى خريف تلك السنة .

وفى أرض فقدت كل علامات الحياة

عادت الخضرة من جديد .

وما أعطته للناس

تلك الحياة الجديدة

لم يكن أقل من

الشجاعة والأمل فى الحياة .



 ٥٧ ساعة جيب وإبزيم

جيرو هاتاجوتشى Jiro Hataguchi ، الذى كان فى الواحدة والثلاثين٣١ ، تعرض للقنبلة بينما كان فى عمله فى مكتب السكك الحديدية بهيروشيما ، على بعد ألف وسبعمائة١,٧٠٠ متر من مركز الانفجار. بعد أربعة أيام ، ذهبت زوجته تشيينوChieno ، التى كانت حاملا فى ذلك الوقت ، إلى هيروشيما لتبحث عن جيرو . Jiro وبين أنقاض المبنى الذى كان يعمل فيه جيروJiro عثرت على شيئين يعتقد أنهما من متعلقاته ، وجدتهما مطروحين تحت خزانة المكتب : ساعة جيب ، وإبزيم حزام. حينئذ أدركت أن زوجها قد مات؛ فأتت بهذه الأشياء إلى البيت وأتت معها بعظام وجدتها بالقرب منها . ابنهما مينورو Minoru ، الذى ولد فى العام التالى ، نادرًا ما سمع أمه تتحدث عن تفجير القنبلة.


صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:53 PM

54

تاريخ الحرب البيولوجية
يمكن إعطاء فكرة عامة عن الحرب البيولوجية، وذلك بالنظر إلى تاريخ هذه الحرب والاستفادة من تجارب الماضي، حيث أن هذا السلاح يسبب الرعب، وينشر الخوف في قلوب الناس. يمكن تقسيم تاريخ الحرب البيولوجية إلى أربع مراحل على النحو التالي:
المرحلة الأولى : وهي تمتد من الأزمان السحيقة حتى السبعينيات من القرن التاسع عشر، فمثلاً استعمل الصليبيون جثث المصابين بالطاعون لمحاربة الأعداء، كما استعمل الطريقة نفسها جنكيز خان وقذف بالجثث المصابة بالطاعون على أسوار المدن التي حاصرها في أوروبا، وأدى ذلك إلى انتشار الطاعون بسبب هرب السكان في شرق البلاد و غربها، وتم القضاء على 25 مليون شخص، أي ثلث سكان القارة الأوروبية في ذلك الزمان، وفي عام 1763 استعملت بريطانيا فيروس الجدري ضد الهنود الحمر في أمريكا، وأدى ذلك إلى إبادة 6 ملايين شخص، كما استعمل الفرنسيون الفيروس نفسه عند احتلال كندا، ويمكن تلخيص هذه المرحلة بالنقاط التالية:
الاستعمال المباشر للعوامل البيولوجية والسموم.
عدم وجود لقاحات ضد العوامل المستعملة.
استخدام عوامل تؤدي إلى انتشار الوباء كوسائل المكر والخديعة.
استخدام سموم الأفاعي والعقارب وسموم أخرى مستخرجة من نباتات وفطريات، أو أنواع الزرنيخ.
ليس للعلماء دور في تطوير أو إنتاج هذه المواد السامة.

لمرحلة الثانية : في الحرب العالمية الأولى ظهر استعمال واسع للأسلحة الكيميائية، ومنها مثلاً: غاز الكلور، وغاز الخردل، والفوسجين، وغيرها. وتم إصابة حوالي مليون ونصف شخص إصابات قاتلة. أدى هذا الاستعمال الرهيب للغازات السامة إلى ظهور اتفاقية جنيف عام 1925 ، والتي تحرم استعمال جميع الغازات السامة وما شابهها في التأثير. ورفضت اليابان والولايات المتحدة التوقيع على معاهدة جنيف، وأسست اليابان وحدة من جيشها متخصصة بالحرب البيولوجية، واستعملت في تجاربها أكثر من ثلاثة آلاف أسير معظمهم من الصين، وكوريا، ومنغوليا، ودرس اليابانيون مسائل هامة منها الجمرة الخبيثة، والكوليرا، والانفلونزا ، والطاعون، والتيفوس، والجدري، والكزاز والكثير غيرها. كما عملوا على بناء معامل بيولوجية في منشوريا. وقد قامت الولايات المتحدة بنقل هذه المعامل والعاملين فيها إلى الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

ويمكن تلخيص هذه المرحلة بالنقاط التالية:
تطور واسع في استخدام الأحياء الدقيقة.
استعمال الإنسان حيوان تجارب تحت إشراف طبي.
إنتاج وتطوير لقاحات.
تحول الاهتمام من العوامل الكيماوية إلى الحرب البيولوجية.
استغلال العلماء في تطوير الأسلحة البيولوجية.
تم انتهاك جميع الإتفاقيات الدولية منذ إعلان بروكسل عام 1874 وحتى بروتوكول جنيف 1925.

المرحلة الثالثة: في هذه المرحلة ظهرت البيولوجيا الجزيئية، وأمكن زيادة فتك العوامل الممرضة، ومن خصائص هذه المرحلة ما يلي:
دراسة المادة الوراثية للجراثيم وإمكانية جعلها أشد فتكاً.
استعمال الطائرات والصواريخ في نقل الأسلحة البيولوجية.
زيادة تفهّم العالم لمشكلات الحرب البيولوجية المدمرة.

المرحلة الرابعة: وهذه بدأت قبل عقدين من الزمن وذلك باستعمال الهندسة الوراثية، ومن خصائص هذه المرحلة ما يلي:
إنتاج عوامل مبتكرة ذات مواصفات مطابقة لشروط معينة.
ابتكار طرق في نشر المواد الفعالة في مختلف الظروف.
إنتاج لقاحات لحماية المواطنين والسكان.

وعندما أدركت الدول العظمى أن بإمكان الدول الصغيرة إنتاج أسلحة بيولوجية، فهذا السلاح فتاك جداً، وسارعت بتقديم مسودة معاهدة الأسلحة البيولوجية وتوقيعها عام1972.

إذ إن استعمال 15 طناً من المواد البيولوجية تعدّ كافية للقضاء على كل مظهر من مظاهر الحياة على الأرض، وأن 225 غم من سم بكتيريا بيتيولينيم كافٍ لقتل جميع سكان المعمورة. ظهر في الفترة الأخيرة استعمال مواد تؤدي إلى فشل العدو وكسر شوكته، ولازال هناك الكثير من الأسئلة حول المرض الذي أصاب عشرات الألوف من الجنود الأمريكيين نتيجة حرب الخليج الأخيرة.

هناك خطورة كبيرة على البشرية جمعاء من الأسلحة البيولوجية المتوفرة في العديد من الدول، ذلك أنها تنتج من منشآت صغيرة، ويمكن إخفاؤها كما أن تكلفتها المادية غير باهظة. والخوف هو إنتاج مواد بيولوجية أشد خطورة، فيمكن مثلاً إنتاج مواد بيولوجية بجيث تؤثر على جنس من البشر دون الآخر، أو يمكن إنتاج مواد تؤثر على الصفات الجسدية، والعقلية بصورة سلبية، أو تسبب التصاق المادة السامة بالمادة الجينية، أو الحصول بالاستنسال ( الاستنساخ) على ما يسبب الإبادة الجماعية.


صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:54 PM

55

حرب فيتنام
حرب فيتنام تُعد من أكبر النزاعات في جنوب شرقي آسيا. فقد بدأت الحرب أهلية للفوز بحكم فيتنام، ثم تطورت إلى نزاع دولي كبير، تورطت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، في أطول حرب شارك فيها الأمريكيون حتى الآن. بدأت هذه الحرب في عام 1957م وانتهت في عام 1975م. وقد قُسِّمت فيتنام، وهي دولة صغيرة تقع جنوب شرقي آسيا، إلى فيتنام الشمالية التي يحكمها الشيوعيون، وفيتنام الجنوبية غير الشيوعية. حاربت فيتنام الشمالية، ومعها الثوار الفيتناميون الجنوبيون الشيوعيون المدربون، جيش فيتنام الجنوبية للاستيلاء على السلطة في فيتنام الجنوبية. فحاولت الولايات المتحدة وجيش فيتنام الجنوبية إيقافهم ولكنهم فشلوا.

كانت حرب فيتنام، في الواقع، المرحلة الثانية من مراحل القتال في فيتنام. ففي المرحلة الأولى التي بدأت عام 1946م، حارب الفيتناميون فرنسا للسيطرة على فيتنام. وقد كانت فيتنام في ذلك الوقت جزءًا من مستعمرة الهند الصينية الفرنسية، وهزم الفيتناميون الفرنسيين في عام 1954م وانقسمت فيتنام إلى شمالية وجنوبية.

سمى الشيوعيون حرب فيتنام حرب التحرير الوطنية. فقد كانوا ينظرون إليها كامتداد للصراع مع فرنسا، وكمحاولة أخرى من قبل قوة أجنبية للسيطرة على فيتنام. وقد أرادت فيتنام الشمالية إنهاء دعم الولايات المتحدة لفيتنام الجنوبية وتوحيد الشمال والجنوب في دولة فيتنامية واحدة وقدمت الصين والاتحاد السوفييتي (السابق) وهما أكبر دولتين شيوعيتين، للفيتناميين الشيوعيين معدات حربية، ولكنهما لم يقوما بتقديم قوات عسكرية.

ساعدت الولايات المتحدة فيتنام الجنوبية غير الشيوعية؛ لأنها كانت تخشى سقوط آسيا في أيدي الشيوعيين، وبالتالي سقوط الدول الأخرى أيضًا الواحدة تلو الأخرى.

مرت الحرب الفيتنامية بعدة فترات. فالفترة من عام 1957م إلى عام 1965م كانت بصفة رئيسية صراعًا بين جيش فيتنام الجنوبية والثوار الفيتناميين الجنوبيين الشيوعيين المدربين المعروفين باسم الفيت كونج. أما الفترة من عام 1965م إلى عام 1969م، فقد قامت فيها فيتنام الشمالية والولايات المتحدة بمعظم القتال، وقامت كل من أستراليا ونيوزيلندا والفلبين وكوريا الجنوبية وتايلاند أيضًا بمساعدة فيتنام الجنوبية.

بدأت الولايات المتحدة في سحب قواتها في عام 1969م. وفي يناير عام 1973م اتخذت الترتيبات اللازمة لوقف إطلاق النار، وغادرت آخر قوات أمريكية برية فيتنام بعد ذلك بشهرين. ولم يلبث أن تجدد القتال مرة أخرى بعدئذ. وانتهت الحرب عندما استسلمت فيتنام الجنوبية في الثلاثين من أبريل عام 1975م.

الأحداث

في عام 1950 أرسل الرّئيس ترومان مجموعة إستشارية عسكرية مكونة من 35 رجل لمساعدة القتال الفرنسي لإبقاء القوّة الإستعمارية في فيتنام.
في عام 1954، وبعد هزيمة الفرنسيين في ديان بيان فو، مهدت اتفاقيات جنيف (يوليو/تموز) لإنسحاب الفرنسيين وفيتمنه لأحد الجهتين من منطقة التخطيط (dmz) مع انتظار إنتخابات إعادة التوحيد، والذي لم يحصل. الرئيسان آيزنهاور وكندي (من 1954 فصاعدا) أرسلا مستشارين مدنيين، ولاحقا أفراد جيش لتدريب الفيتناميين الجنوبيين.

في عام 1960، شكّل الشيوعيون جبهة تحرير وطنية في الجنوب. وبين عامي 1960 و 1963، ارتفع عدد المستشارين العسكريين الأمريكيين في جنوب فيتنام من 900 إلى 15000. في عام 1963، اغتيل رئيس وزراء جنوب فيتنام نغو دنه ديم بعد إنقلاب في 1 نوفمبر.

في 2 أغسطس 1964، هاجمت المراكب الطوربيدية للفيتناميين الشماليين المراكب المدمرات الأمريكية في خليج تونكين. بعد ذلك أمر الرّئيس جونسن بهجمات جويّة إنتقامية. صدّق الكونجرس قرار خليج تونكين في 7 أغسطس، والذي خوّل للرئيس إتّخاذ كلّ الإجراءات الضرورية للربح في فيتنام، وسمح له بالتوسّع الحربي.

في عام 1965، بدأت الطائرات الأمريكية بالمهمات الحربية على جنوب فيتنام. في يونيو/حزيران، تعهد 23000 مستشارياً أمريكياً بالمقاتلة. مع قرب نهاية السنة كان هناك أكثر من 184000 جندي أمريكي في المنطقة.
في 31 يوليو 1966، قصفت قاذفات بي 52 منطقة التخطيط (dmz) بواسطة فيتنام الشمالية للدخول إلى الجنوب.
في 21 أكتوبر 1967، وافقت جمعية جنوب فيتنام الوطنية على إنتخاب نجيين فان ذييو كرئيس.

في عام 1968، كان للولايات المتّحدة ما يقارب 525000 جندي في فيتنام. في هجوم تيت (من يناير إلى فبراير)، هاجم فدائيي فيت كونج منطقة سيجون، وهيو، وبعض العواصم الإقليمية. في 16 مارس في مذبحة ماي لاي، قتل الجنود الأمريكان 300 قرويّ فيتناميين. في 31 أكتوبر، طلب الرّئيس جونسن توقّف القصف الأمريكي لفيتنام الشمالية. انضمت سيجون و Nlf إلى الولايات المتّحدة وفيتنام الشمالية في محادثات باريس للسلام.

في 14 مايو 1969، أعلن الرّئيس نيكسون عرض سلام على فيتنام، وبدأ ذلك بالإنسحابات في يونيو/حزيران. شكّلت فيت كونج حكومة ثورية مؤقّتة. في 25 يونيو دعا مجلس الشيوخ الأمريكي إلى التقيد بالإلتزامات. في 3 سبتمبر توفي هو تشي منه، رئيس فيتنام الشمالية، عن عمر ناهز 79 عاماً؛ فقامت القيادة الجماعية بالإختيار. في 30 سبتمبر، إنسحب حوالي 6000 جندي أمريكي من تايلند و 1000 من جنود البحرية من فيتنام. في 15 أكتوبر، قامت مظاهرات هائلة في الولايات المتحدة إحتجاجاً أو دعماً للسياسات الحربية الأمريكية.

في 1 مايو 1970، غزت القوات الأمريكية كمبوديا لكي تحطّم الملاجئ الفيتنامية الشمالية هناك.
في 1 يناير 1971، منع الكونجرس إستعمال القوّات الحربية في لاووس وكمبوديا، ولكن ليس قوّات السلاح الجوّي. القوّات الفيتنامية الجنوبية، مع التغطية الجوّية الأمريكية، فشلت في لاووس. إنسحبت العديد من القوّات الأرضيّة الأمريكية من معركة فيتنام. نشرت النيويورك تايمز أوراق وزارة الدفاع الأمريكية عن توسّع الحرب في يونيو/حزيران.

في 1 أبريل 1972، ردّ نيكسون على الاندفاع الفيتنامي الشمالي عبر المنطقة المخططة (dmz) بتلغيم موانئ فيتنام الشمالية وقصف مكثّف لمنطقة هانوي هيفونج. في ديسمبر/كانون الأول، أمر نيكسون بما سمي "بقصف عيد الميلاد" للشمال لإستعادة الفيتناميين الشماليين على منضدة المؤتمر.

في 15 يناير 1973، طلب الرّئيس توقّف العمليات الهجومية في فيتنام الشمالية. في 27 يناير، وقع ممثلو شمال وجنوب فيتنام، والولايات المتّحدة، والـ Nlf معاهدات هدنة في باريس، والذي أدت لانتهاء أطول حرب في التأريخ الأمريكي. غادرت القوّات الأمريكية أخيرا في 29 مارس.
في عام 1974، اتّهم كلا الجانبين بعضهم البعض بالإنتهاكات المتكرّرة لإتفاقية وقف إطلاق النار.

في 21 أبريل 1975، استقال رئيس وزراء جنوب فيتنام نجيين فان ذييو. في 30 أبريل، إستسلمت الحكومة الفيتنامية الجنوبية إلى فيتنام الشمالية؛ وقام السفارة البحرية الأمريكية بالحراسة، ورحل جميع المدنيين الأمريكيين. في 6 يونيو، غادر أكثر من 140000 لاجىء فيتنامي بالطائرة وعبر البحر.

في عام 1976، مهّدت إنتخابات الجمعية الوطنية الطريق لإعادة توحيد الشمال والجنوب.


التذمر الأميركي من الحرب


ظهرت دعوات أميركية مكثفة لوقف الحرب وعمت المظاهرات المدن الأميركية وارتفعت الحملات الصحفية، وازدادت قوة الدعوة المطالبة بإيقاف الحرب لما نشرت وسائل الإعلام الأميركية الممارسات البشعة واللاإنسانية التي عامل بها الجيش الأميركي المواطنين الفيتناميين العزل


في 31 مارس/ آذار 1968 أعلن الرئيس جونسون وقف القصف الأميركي لشمال فيتنام، كما أعلن في نفس الوقت تقدمه لولاية رئاسية ثانية. ولم نصل إلى منتصف مايو/ أيار من نفس السنة حتى بدأت المفاوضات بين الفيتناميين والأميركان في باريس.

لم يصل ريتشارد نيكسون إلى رئاسة الولايات المتحدة عام 1969 حتى أعلن أن 25 ألف جندي أميركي سيغادرون فيتنام في أغسطس/ آب 1969، وأن 65 ألفا آخرين سيجري عليهم نفس القرار في نهاية تلك السنة.

غير أنه لا الانسحاب الأميركي من فيتنام ولا موت الزعيم الشمالي هوشي منه يوم 3 سبتمبر/ أيلول 1969، أوقفا الحرب الضارية. فمفاوضات باريس عرفت تصلب الفيتناميين الذين طالبوا وبإلحاح بضرورة الانسحاب الأميركي التام كشرط أساسي لوقف إطلاق النار.

ومع ما تكبدته أميركا من خسائر بشرية ومادية، ظهرت في الشارع الأميركي دعوة إلى إنهاء الحرب الفيتنامية. وتمثلت تلك الدعوة في المظاهرات المكثفة التي عمت المدن الأميركية وفي الحملات الصحفية. وازدادت قوة الدعوة المطالبة بإيقاف الحرب لما نشرت وسائل الإعلام الأميركية الممارسات البشعة واللاإنسانية التي عامل بها الجيش الأميركي المواطنين الفيتناميين. ومن أشهر تلك المظاهر الوحشية: إبادة الملازم الأميركي وليام كالي للمدنيين العزل في قرية لاي عام 1968، وقد تمت محاكمته عسكريا عام 1971.

وشمرت الصحافة الأميركية عن ساعديها -وعلى رأسها جريدة نيويورك تايمز- حين قامت بنشر تقارير حول الطريقة البشعة التي تمت بها الحرب الفيتنامية.

وفي 25 يناير/ كانون الأول 1972 أعلن الرئيس نيكسون طبيعة المفاوضات الأميركية الفيتنامية وما قدمته الإدارة الأميركية بشكل سري للفيتناميين، كما كشف اللثام عن مخطط جديد للسلام مكون من ثماني نقاط بينها إجراء انتخابات رئاسية في الجزء الجنوبي من فيتنام

أما فيتنام الشمالية فكان مخططها للسلام يقوم على ضرورة تنحي الرئيس الفيتنامي الجنوبي "تيو" عن السلطة كشرط أساسي للسلام، والامتناع عن تسليم الأسرى الأميركيين إلا بعد تنازل الولايات المتحدة عن مساندة حكومة سايغون.


بداية النهاية

أخذت الحرب منحى خطيرا حين قامت فيتنام الشمالية يوم 30 مارس/ آذار 1972 بهجوم كاسح نحو الجنوب داخل منطقة "كانغ تري" متجاوزة بذلك المنطقة المنزوعة السلاح، وكان رد الفعل الأميركي مزيدا من القصف الجوي.

وبينما كانت نيران الحرب تشتعل بدأت المفاوضات السرية بين الطرفين، حيث اجتمع مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي يومها هنري كيسنجر بمندوب فيتنام الشمالية دوك تو.

ومع انتعاش الآمال بالوصول إلى حل نهائي وفي محاولة للضغط على الفيتناميين وكسب انتصارات ميدانية تقوي من موقفه، أمر الرئيس نيكسون يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 1972 بقصف هانوي وهايبونغ. فصبت طائرات بي/52 نيرانها على المدينتين في قصف لم تعرف الحرب الفيتنامية نظيرا له. وفقدت أميركا 15 من هذه الطائرات كما فقدت 93 ضابطا من سلاح الطيران الأميركي.

وأعلن في 23 يناير/ كانون الثاني 1973 عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم 28 من نفس الشهر. ويتضمن الاتفاق:

توقف جميع أنواع العداء.
انسحاب القوات الأميركية من جنوب فيتنام خلال الشهرين التاليين للتوقيع، وإطلاق سراح الأسرى من الطرفين خلال 15 يوما من التوقيع.
الاعتراف بالمنطقة المنزوعة السلاح بين الشطرين على أنها مؤقتة لا أنها حدود سياسية.
إنشاء لجنة دولية (مكونة من ممثلين عن كندا وهنغاريا وإندونيسيا وبولونيا) مكلفة بمراقبة تطبيق الاتفاق.
بقاء 145 ألف جندي من شمال فيتنام في الجنوب.
لم ينته مارس/ آذار 1973 حتى تمت مغادرة آخر جندي أميركي من فيتنام، غير أن فضيحة ووترغيت التي أكرهت الرئيس نيكسون على الاستقالة يوم 9 أغسطس/ آب 1974 جعلت أميركا غير قادرة على مساندة حكومة سايغون.

انتهز الشماليون فرصة انشغال واشنطن بووترغيت ومعاداة الرئيس الفيتنامي الجنوبي تيو للشيوعيين الجنوبيين، فشنوا هجوما كاسحا على الجنوب محتلين مدينة فيوك بنه في يناير/ كانون الثاني 1975، وتابعوا هجومهم الكاسح الذي توج بدخول سايغون يوم 30 إبريل/ نيسان من نفس السنة.


خسائر الحرب

خسائر الفيتناميين خلال سنوات الحرب الثماني:

مليونا قتيل
3 ملايين جريح
ما يناهز 12 مليون لاجئ.
أما الأميركيون فقدرت خسائرهم بـ:

57 ألف قتيل
153303 جرحى
587 أسيرا بين مدني وعسكري وقد تم إطلاق سراحهم

السؤال الذى يطرح نفسه لماذا لم تفكر امريكا ان تستخدم السلاح النووى رغم هزيمتها؟

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:55 PM

56

عمليه فاشلة
في 7 يناير 1974م بمدينة ليلهامر بالنرويج أقدم خمسة عملاء من الموساد على قتل «أحمد بوشيقي» من أصل جزائري ويحمل جواز سفر مغربي وذلك عن طريق الخطأ ظنا منهم بأنه «علي أحمد سلامه» رئيس أمن منظمة التحرير الفلسطينية الذي يعتقد أنه المدبر الأول لمذبحة الرياضييين الإسرائيليين بدورة الألعاب الأوليمبية بمدينة ميونيخ عام 1972م،

وعقب عملية الاغتيال ألقت السلطات النرويجية القبض على المتهمين وتمت محاكمتهم والحكم عليهم بالسجن لسنوات مختلفة في الوقت الذي أنكرت فيه إسرائيل مسؤوليتها عن الحادث. بينما تبين فيما بعد أن الحكومة الإسرائيلية قد وافقت على تعويض أسرة أحمد بوشيقي نظير القتل الخطأ وذلك في فبراير 1996م.

* أعلنت سلطات الأمن المصرية عن سقوط سبع شبكات تجسس إسرائيلية خلال عام 1996م.

* في 15 نوفمير 1995م تم اغتيال «إسحق رابين» رئيس وزراء إسرائيل على يد «إيجال أمير» أحد اليهود المتشددين، وعقب عدة نزاعات بشأن فشل جهاز المخابرات في حماية رابين في نفس الوقت الذي تم فيه إغتيال مواطن سويدي ايضا بطريق الخطأ لم يكن هناك مفر من إقالة رئيس المخابرات من منصبه.

* وفي 24 مارس 1996م قرر «شيمون بيريز»رئيس الوزراء إسناد رئاسة جهاز الموساد إلى الجنرال «داني ياتوم»، وهي المرة الأولى في تاريخ إسرائيل التي يتم فيها الإفصاح عن هوية رئيس الموساد.

* في 24 سبتمبر 1997م استطاعت قوة خاصة من الموساد التسلل إلى الأراضي الأردنية بجوازات سفر كندية مزورة في محاولة منها لاغتيال «خالد مشعل» كبير القادة السياسيين بحركة حماس بعد حقنه بمادة مسممة، ولكن السلطات الأردنية إستغلت فشل هذه المحاولة ونجحت في الحصول على اعترافات مثيرة إستطاعت من خلالها ممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإطلاق سراح الشيخ «أحمد ياسين» مؤسس حركة حماس.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 09:59 PM

57

حروب الفجار
بسم الله الرحمن الرحيم

حروب الفجار : أيام الفجار الأول




كانت حروب الفجار بين كنانة وقيس، سميت الفجار لأنها كانت في الأشهر الحرم ، وهي الشهور التي يحرمونها ففجروا فيها ، وهي فجاران ؛ الفجار الأول ثلاثة أيام ، والفجار الثاني خمسة أيام في أربع سنين ، وقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم يوم عكاظ مع أعمامه وكان يناولهم النبل ، وانتهت سنة 589م .

كان بدر بن معشر الغفاري رجلا منيعاً مستطيلاً بمنعته على من ورد عكاظ. وفي أحد المواسم بعكاظ اتخذ مجلساً بها ، وقعد فيه ، وجعل يتطاول على الناس ويقول :
نحن بنو مدركة بن خندق....................... من يطعنوا في عينه لا يطرف
ومن يكونوا قومه بغطرف....................... كأنـهم لجــة بحـــر مسدف
[ ومعنى يغطرف في البيت الثاني مأخوذ من الغطريف وهو السيد الشريف السخي الكثير الخير ، ومسدف أي مظلم ] .

ثم مد رجله وقال : أنا أعز العرب ، فمن زعم أنه أعز منى فليضربها بالسيف ! فوثب رجل من بنى نصر بن معاوية ، فضربه بالسيف على ركبته فأندرها –أي قطعها - ، ثم قال : خذها إليك أيها المخندف - وهو ماسك سيفه - ثم قام رجل من هوازن فقال :
أنا ابن همدان ذو التغطرف....................... بحر بحور زاخر لم ينزف
نحن ضربنا ركبة المخندق.........................إذ مدها في أشهر المعرف
[ ومعنى أشهر المعرف أي الموقف بعرفات ] .

قال أبو عبيدة : فتحاور الحيان عند ذلك ، حتى كاد أن يكون بينهما الدماء ، ثم تراجعوا ورأوا أن الخطب يسير.

اليوم الثاني :

قالوا : إن شباباً من قريش وكنانة كانوا ذوى غرام ، فرأوا امرأة من بنى عامر وضيئة حسانة بسوق عكاظ جالسة ، عليها برقع لها ، وقد اكتنفها شباب من العرب وهي تحدثهم.

فجاء الشباب من قريش وكنانة ، وأطافوا بها وسألوها أن تسفر ، فأبت ، فقام أحدهم فجلس خلفها وحل طرف ردائها ، وشده إلى فوق حجزتها [ أي فوق معقد الإزار من السراويل ] بشوكة وهي لا تعلم، فلما قامت انكشف درعها عن ظهرها ، فضحكوا وقالوا : منعتنا النظر إلى وجهك ، وجُدت لنا بالنظر إلى ظهرك.

فنادت : يال عامر ! فساروا وحملوا السلاح ، وحملته كنانة ، واقتتلوا ، ووقعت بينهم دماء يسيرة ، فتوسط حرب بن أمية ، واحتمل دماء القوم ، وأرضى بني عامر من مثلة صاحبتهم.

اليوم الثالث :

كان لرجل من بني جشم بن بكر بن هوازن دين على رجل من كنانة، فلواه به [ أي ماطله ] وطال اقتضاؤه إياه، فلم يعطه شيئاً ، فلما أعياه وافاه الجشمي في سوق عكاظ بقرد وجعل ينادي : من يبيعني مثل هذا الرباح [ أي القرد ] بمالي على فلان بن فلان الكناني ! من يعطيني مثل هذا بمالي على فلان بن فلان الكناني ! رافعاً صوته بذلك ، فلما طال نداؤه بذلك ، وتعييره به كنانة مر به رجل منهم ، فضرب القرد بسيفه فقتله ، فهتف الجشمي : يا آل هوازن ! هتف الكناني : يا آل كنانة ! فتجمع الحيان حتى تحاجزوا ، ولم يكن بينهم قتلى ، ثم كفوا وقالوا : أفي رباح تريقون دماءكم وتقتلون أنفسكم ! وأصلح عبد الله بن جدعان بينهم.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 10:00 PM

58

معركة عين جالوت
معركة عين جالوت وقعت في 3 سبتمبر 1260 م، تعد من أهم المعارك الفاصلة في تاريخ العالم الإسلامي. انتصر فيها المسلمون المماليك انتصارا ساحقا على المغول وكانت هذه هي المرة الأولى التي يهزم فيها المغول في معركة حاسمة منذ عهد جنكيز خان. أدت المعركة لانحسار نفوذ المغول في بلاد الشام وخروجهم منها نهائيا وإيقاف المد المغولي المكتسح الذي أسقط الخلافة العباسية سنة 1258 م. كما وأدت المعركة لتعزيز موقع دولة المماليك كأقوى دولة إسلامية في ذاك الوقت لمدة قرنين من الزمان أي إلى أن قامت الدولة العثمانية. وقعت المعركة في منطقة تسمى عين جالوت عند مدينة بيسان ونابلس في غور الأردن بفلسطين.

ماقبل المعركة:

اجتاح المغول العالم الإسلامي في بدايات القرن السابع الهجري وكان من أول ما واجهوا في طريقهم دولة الخوارزميين في بلاد فارس وما وراء النهرين، فاكتسحوها وخربوا فيها مدنا وقتلوا خلقا كثيرا، وكان الفعل مشابها تماما لما فعلوا في الدولة العباسية وعاصمتها بغداد. انطلق بعدها المغول بجيش قوامه 120 ألف مقاتل نحو الشام بقيادة هولاكو معه حلفاؤه من أمراء جورجيا وأرمينيا وابتدأو بمدينة ميافارقين بديار بكر والتي كان يحكمها الكامل الأيوبي، قاومت ميافارقين المغول مقاومة عنيفة حتى استسلم أهلها بعد نفاذ المؤن وعدم وصول الدعم من المسلمين.

اتجه المغول بعدها لمدينة حلب فدخلوها بعد حصارها وعاثوا فيها فسادا ثم توجهوا نحو دمشق (في مارس 1260 م/658هـ) -وفي هذا الوقت- وصل بالبريد خبر موت الخاقان الأعظم للمغول منكوخان في قراقورم واستدعي أولاد وأحفاد جنكيز خان إلى مجلس الشورى المغولي (الكوريل تاي Kuriltai) لانتخاب الخان الأعظم الجديد للإمبراطورية؛ فرجع هولاكو (الذي هو أخو منكو خان) وأحد المؤهّلين للعرش بمعظم جيشه إلى فارس، ليتابع أمور العاصمة المغولية، و ترك في بلاد الشام جيشاً من المغول عدده يزيد على عشرين ألف جندي (تومانين بلغة المغول) بقيادة أحد أبرز ضباطه واسمه كتبغا وهو قائد عسكري محنك من قبيلة النايمان التركية. دخل كتبغا دمشق في 1 مارس 1260 م/15 ربيع الأول 658 هـ وهرب حاكمها الناصر يوسف الأيوبي وأرسل يطلب النجدة من حكام مصر المماليك. انطلق المغول بعد السيطرة على دمشق جنوبا في بلاد الشام حتى استولوا على بيت المقدس وغزة والكرك.

كان يحكم دولة المماليك في ذاك الوقت المنصور نور الدين علي بن المعز أيبك وهو صبي صغير، قام السلطان المظفر سيف الدين قطز - وهو من المماليك البحرية- بخلعه وإقناع بقية أمراء ووجهاء الدولة بأنه فعل ذلك للتجهيز والتوحد ضد الخطر المحدق بالدولة المملوكية بشكل خاص والمسلمين بشكل عام. كان الوضع النفسي للمسلمين سيئا للغاية وكان الخوف من التتار مستشريا في جميع طبقات المجتمع الإسلامي وقد أدرك قطز ذلك وعمل على رفع الروح المعنوية لدى المسلمين. استمال قطز منافسيه السياسيين في بلاد الشام وحاول ضمهم إلى صفوفه وكان ممن انضم معه بيبرس البندقداري الذي كان له دور كبير في قتال التتار فيما بعد.

قبل مغادرة هولاكو من بلاد الشام أرسل رسلا لقطز يحملون كتابا كان مما فيه

مِن ملك الملوك شرقاً وغرباً، الخان الأعظم، باسمك اللهم باسط الأرض ورافع السماء.. يعلم الملك المظفر قطز وسائر أمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها ومن الأعمال، إنا نحن جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه وسلّطنا على من حل به غضبه، فلكم بجميع البلاد معتَبَر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم، وأسلموا إلينا أمركم قبل أن ينكشف الغطاء فتندموا ويعود عليكم الخطأ.. وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد وطهرنا الأرض من الفساد وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب وعلينا الطلب. فأي أرض تأويكم؟ وأي طريق تنجيكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبنا كالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون لدينا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع.. فمن طلب حربنا ندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا ولأمرنا أطعتم، فلكم ما لنا وعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم. فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذر من أنذر.. فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب قبل أن تضرب الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزاً ولا كافياً ولا حرزاً، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقد أنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذّرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم [2]

عقد سيف الدين قطز اجتماعا مع وجهاء الدولة وعلمائها كان من بينهم العز بن عبدالسلام وتم الاتفاق على التوجه لقتال التتر إذ لا مجال لمداهنتهم، وكان العز بن عبدالسلام قد أمر أمراء ووجهاء الدولة أن يتقدموا بنفائس أملاكهم لدعم مسيرة الجيش الإسلامي فطلب قطز الأمراء وتكلم معهم في الرحيل فأبوا كلهم عليه وامتنعوا من الرحيل‏، ولما وجد منهم هذا التخاذل والتهاون ألقى كلمته المأثورة «يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاة كارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلى بيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين ». قام قطز بقتل رسل التتر لإيصال رغبته في قتالهم وأنه جاد بذلك.

في 15 شعبان 658هـ/أغسطس 1260 م خرج قطز يسبقه بيبرس البندقداري ليكشف أخبار المغول. واجهت سرية بيبرس طلائع جنود المغول في منطقة قرب غزة، كان قائد المغول في غزة هو بايدر أخو كتبغا الذي أرسل له كتابا يعلمه فيه بتحرك المسلمين، أخذ بيبرس في مناوشة وقتال المغول حتى انتصر عليهم. اتجه بعدها قطز إلى غزة ومنها عن طريق الساحل إلى شمال فلسطين. في تلك الأثناء اجتمع كتبغا الذي كان في بعلبك مع وجهاء جيشه ليستشيرهم، أشار عليه البعض أن لا يمضي إلى قتال قطز حتى يعود سيده هولاكوخان، ومنهم من أشار إليه -اعتمادا على قوة المغول التي لا تقهر- أن ينطلق لقتالهم. اختار كتبغا أن يتجه لقتالهم فجمع جيشه وانطلق باتجاه الجيوش المصرية حتى لاقاهم في المكان الذي يعرف باسم عين جالوت.

المعركة:
التقى الفريقان في المكان المعروف باسم عين جالوت في فلسطين في 25 رمضان 658 هـ/3 سبتمبر 1260 م (وقت وصول الجيشين تماما مختلف فيه). قام سيف الدين قطز بتقسيم جيشه لمقدمة بقيادة بيبرس وبقية الجيش يختبئ بين التلال وفي الوديان المجاورة كقوات دعم أو لتنفيذ هجوم مضاد أو معاكس.

قامت مقدمة الجيش بقيادة بيبرس بهجوم سريع ثم قامت بسحب الخيالة المغولية، متظاهرة بانهزام مزيف هدفه سحب المغول إلى الكمين، في حين كان قطز قد حشد استعدادا لهجوم مضاد كاسح، ومعه قوات الخيالة الفرسان الكامنين حول الوادي.

وانطلت الحيلة على كتبغا فحمل بكل قواه على مقدمة جيش المسلمين واخترقه وبدأت المقدمة في التراجع إلى داخل الكمين، وفي تلك الأثناء خرج قطز وبقية مشاة وفرسان الجيش وعملوا على تطويق ومحاصرة قوات كتبغا ولم يمض كثيرا من الوقت حتى هزم الجيش المغولي واقتيد قائدهم كتبغا أسيرا إلى قطز فأمر بقتله.

وسجل التاريخ في هذه المعركة تمكن فرسان الخيالة الثقيلة المماليك المسلمين من هزيمة نظرائهم المغول بشكل واضح في القتال القريب، وذلك لم يُشهد لأحد غيرهم من قبل.

ويعتبر المؤرخون هزيمة المغول في هذه المعركة -بالإضافة لهزيمتهم التالية في حربهم مع اليابانيين قرب جزيرة أيكي- بداية النهاية للأمبراطورية المنغولية.

مابعد المعركة:

المماليك
بعد المعركة قام ولاة المغول في الشام بالهرب، فدخل قطز دمشق في 27 رمضان 658 هـ، وبدأ في إعادة الأمن إلى نصابه في جميع المدن الشامية، وتعيين ولاة لها. في طريق عودة الجيوش الإسلامية إلى مصر قام بيبرس بالاحتيال على قطز فقتله وتولى هو حكم بلاد المماليك. قام المماليك بطرد آخر الصليبيين من البلاد الإسلامية في عام 1291 م. كانت النتيجة النهائية لهذه المعركة هي توحيد مصر وبلاد الشام تحت حكم سلطان المماليك على مدى ما يزيد عن نحو مئتين وسبعين سنة حتى قام العثمانيون بالسيطرة على أراضيهم في عهد سليم الأول.

المغول

يعد المؤرخون هذه المعركة ونتائجها بداية النهاية للإمبراطورية المغولية إذ لم يهزموا في معركة قط قبلها. كان بيركي ابن عم هولاكو خان قد أعلن إسلامه أيام الغزو المغولي لبلاد المسلمين وكان قد تأثر كثيرا لسقوط الدولة العباسية (دولة الخلافة الإسلامية) على يد ابن عمه وكان يتحين الفرصة للانتقام من هولاكو خان. قام بيركي -بعد أن تحالف مع السلطان المملوكي الظاهر بيبرس- بتجهيز جيوشه (كان بيركي يحكم الأجزاء الجنوبية من الإمبراطورية المغولية وهولاكو يحكم الشمال) واتجه شمالا نحو هولاكو الذي عاد من بلاد الشام، هزم هولاكو هزائم كبيرة من قبل جيوش بيركي ولم يتمكن من مقاومته. تذكر بعض المصادر أن هولاكو أرسل جيوشا إلى بلاد الشام ليستعيدها إلا أن تلك المحاولات باءت بالفشل. دانت أغلب المناطق الشمالية من الإمبراطورية المغولية لبيركي واستمر خلفاؤه في حكم مناطق الدولة الشمالية لمدة تزيد عن الـ200 عاما.

صائد الأفكار 6 - 12 - 2010 10:05 PM

59

الحرب العراقية الإيرانية

--------------------------------------------------------------------------------

لم تكن الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات مجرد حرب عسكرية عادية وإنما تعدّتها لتصبح حربًا نفطية واقتصادية دُمّرت فيها المنشآت النفطية والاقتصادية، وحربًا سياسية وعقائدية وحدودية بين نظامين سياسيين مختلفين، ثم تطورت في أسوأ مراحلها وأبغضها لتصبح حربًا عنصرية بين "العرب" و"الفرس"، أو بين "المسلمين" و"الكفار".

ولم تكن القوى الدولية غائبة عن تأجيج نار تلك الحرب الشرسة لخدمة مصالحها في تصفية نظام الثورة الإسلامية في إيران، ونظام البعث في العراق، ولم تتحرك هذه الدول لوقف هذه الحرب إلا بعد أن امتدت نيرانها إلى ناقلات النفط التي تنقل بترول الخليج إلى الدول الكبرى.

وكانت هذه الحرب فرصة كبرى للولايات المتحدة الأمريكية لتكثف وجودها العسكري في الخليج العربي بصورة تقبلها الدول الخليجية، كما كانت فرصة للاتحاد السوفيتي أن يقترب من الخليج بعد غزوه أفغانستان وينافس الولايات المتحدة في أهم مناطق نفوذها ومصالحها الإستراتيجية في العالم، وبذلك انتقلت تلك الحرب من كونها حربًا إقليمية بين دولتين لتصبح حربًا ذات طبيعة دولية مع ازدياد حدة الحرب الباردة بين القوتين العظميين في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان.

الدوافع والأسباب

بدأت الحرب العراقية الإيرانية يوم [ 13 ذي القعدة 1400 هـ= 22 سبتمبر 1980م) عندما بدأت القوات المسلحة العراقية في غزو الأراضي الإيرانية. وبعد خمسة أيام من اندلاع الحرب أعلن الرئيس العراقي صدام حسين أن مطالب العراق من حربه مع إيران هي: الاعتراف بالسيادة العراقية على التراب الوطني العراقي ومياهه النهرية والبحرية، وإنهاء الاحتلال الإيراني لجزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى في الخليج عند مدخل مضيق هرمز، وكف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية للعراق.

والواقع أن هذه الأهداف العراقية المُعلَنة للحرب تأتي في إطار التنافس بين البلدين في القيام بدور إقليمي مهيمن في منطقة الخليج العربي، إلا أن البداية الحقيقية للحرب كانت مع انهيار نظام الشاه في إيران، وقيام الثورة الإيرانية، وهو ما أزعج العراق بشدة لأسباب متعددة، أهمها وجود أغلبية شيعية كبيرة في العراق، وهناك احتمالات كبيرة لأن تصدّر إيران الثورة إليهم، ومن شأن هذا أن يقلب موازين التوازن السياسي في العراق، كما أن الثورة الإيرانية أحدثت خللا في توازن القوى الإقليمي بين إيران والعراق لصالح العراق بسبب ما أحدثته الثورة من تخريب داخلي وانهيار سياسي امتد إلى الجيش الإيراني وقيادته، وازدياد قوة الحركات الانفصالية الداخلية، مع تدهور حالة الاستقرار السياسي الداخلي، وتعامل قادة الثورة مع الجيش بتوجس وتشكك، وأصبح هذا الجيش القوي الذي أنفق عليه الشاه مليارات الدولارات على وشك الانهيار والسقوط.

هذه الأمور أغرت القيادة العراقية بإمكانية تحقيق نصر عسكري سريع في حرب قصيرة على إيران في ظل تفكك قواتها المسلحة بفعل الثورة لتحقيق عدد من المكاسب، أبرزها فرض المطالب العراقية التي اضطر الرئيس العراقي أن يتنازل عنها في اتفاقية الجزائر في [1395هـ= 1975م] حيث أبرم العراق صفقة سياسية مع شاه إيران السابق، كف فيها الشاه عن مساعدة الثوار الأكراد في العراق، في مقابل تنازل العراق عن بعض حقوقه في شط العرب، وكانت هذه الاتفاقية تصب في المصلحة الإيرانية، واستفاد العراق من هذه الاتفاقية في إيقاف المساعدات الإيرانية لحركة التمرد الكردية التي قادها الملا مصطفى البرزاني، ونجاح النظام العراقي في القضاء على الثورة الكردية.

وقد بادر الرئيس العراقي صدام حسين في جلسة أمام البرلمان - قبل بدء الحرب بخمسة أيام- إلى إعلان إلغاء اتفاقية الجزائر، والتنديد بها ووصفها بأنها "كانت نتيجة الظروف التي أمْلتها، أما شط العرب فيجب أن يظل عراقيًّا اسمًا وفعلا"، وشجع صدام على اتخاذ قرار الحرب عدد من السياسيين والقادة العسكريين الإيرانيين الذين فروا من إيران بعد قيام الثورة، وصوّر هؤلاء لصدام الوضع الداخلي في إيران على أنه شديد التمزق، وأن الحكومة شديدة الضعف، وأن إيران أصبحت هدفًا سهل المنال، وكان دافع هؤلاء من ذلك التحريض هو الانتقام لأنفسهم من الثورة، والأمل الذي كان يراودهم في العودة السريعة إلى طهران، إذا ما نجح العراق في إسقاط النظام القائم في إيران.

الثورة والخليج

أحدثت الثورة الإيرانية نتيجتين على المستوى الإقليمي، أولاهما حدوث اختلال نسبي في القوة لصالح العراق في ظل التداعيات الداخلية في إيران، والنتيجة الثانية أن إيران سعت لتصدير ثورتها إلى دول الخليج، وشكل ذلك تهديدًا حقيقيًا لهذه الدول، عندما وجدت نفسها مستهدفة من هذه الثورة وبخاصة العراق، وكان أبرز شعارات هذه الثورة تغيير النظام العلماني القائم في العراق، وحرّضت المعارضة الشيعية العراقية لتحقيق هذا الشعار، لذلك كان قرار الحرب الذي اتخذه صدام حسين لحماية نظامه السياسي، وتحقيق زعامة العراق على الخليج، في مرحلة اتسمت بغياب مصر عن النظام العربي بعد مقاطعة العرب لها نتيجة اتفاقية كامب ديفيد والصلح مع إسرائيل.

وعلى المستوى الدولي هددت الثورة المصالح الإستراتيجية الأمريكية في الخليج بعد سقوط الشاه الحليف السابق لواشنطن، ورفع الثورة شعارات معادية لواشنطن، باعتبارها الشيطان الأكبر في العالم، وضرورة إبعاد نفوذها عن الخليج في وقت كانت فيه واشنطن شديدة التوتر بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان.

حرب الدعاية

وكان النظام الإيراني الجديد بعد الثورة قد بدأ في تكثيف الهجوم السياسي والدعائي ضد الحكم في العراق، ونظمت السلطات الإيرانية مظاهرات ضخمة طالبت فيها بتأسيس جمهورية إسلامية في العراق، وهدد مسؤولون إيرانيون بمسيرة في بغداد، وأعلن الإمام الخميني أنه سيذهب إلى بغداد لتحرير الشعب العراقي، واعتبر الرئيس الإيراني "بني صدر" أن هذه المقولة ليست من قبيل التدخل في شؤون العراق، وتصاعدت الهجمات الدعائية بين البلدين مع اتهام إيران للعراق بأنه يساعد الصهيونية، ومهاجمة جماعات إيرانية مسلحة قنصليات عراقية، ونشاط الإيرانيين في أوساط العراقيين، فردت بغداد على هذه التحركات بطرد عشرات الآلاف من الشيعة من أصل إِيراني، ثم اعتقلت الإمام محمد باقر الصدر وأعدمته، فأعلنت طهران الحداد ثلاثة أيام، طالبت أثناءها الإذاعة الإيرانية الجيش العراقي بالفرار من الحزب الحاكم وإسقاطه. وعندما تفجرت الحرب كان خطاب الخميني للقوات الإيرانية: "أنتم تقاتلون في سبيل حماية الإسلام، والرئيس العراقي يقاتل في سبيل تدمير الإسلام، إن العدوان العراقي هو ثورة الكفار ضد الإسلام".

والمعروف أن العراق كان يحتضن في أراضيه عددًا من القيادات السياسية والعسكرية الإيرانية من نظام الشاه، ويشجع عمليات الإرهاب والتخريب في الأراضي الإيرانية بعد الثورة؛ لذلك وجه الزعماء الإيرانيون أحاديثهم وإذاعاتهم إلى الشعب العراقي مباشرة يحثونه على "عدم طاعة أعداء القرآن والإسلام"، وشكلوا ما عرف باسم "الجيش الثوري الإسلامي لتحرير العراق من حكم العملاء والظالمين والقتلة"، واتهموا صدام حسين بأنه حوّل العراق إلى "سجن للمؤمنين ومقبرة للحرية".. هذه الشعارات أقلقت النظام في العراق، خاصة أن الشيعة يشكلون أكثر من 60% من الشعب العراقي.

الحرب

بدأت الحرب في وقت كانت فيه القوات المسلحة الإيرانية تعاني من ضعف شديد بسبب وقف الولايات المتحدة والدول الغربية تنفيذ العديد من صفقات الأسلحة الرئيسية التي كان متفقًا عليها مع نظام الشاه قبل سقوطه؛ وهو ما سبب خللا كبيرًا في القدرات القتالية والتسليحية الإيرانية، وقد غالى العراق في الاستناد إليها معتمدًا على التقديرات العربية التي تؤكد أن 90% من الطيران الإيراني قابع على الأرض لعدم وجود قطع غيار، وأنه يمكن للقوات العراقية أن تحتل مقاطعة "خورستان" بالكامل بدون خسائر تذكر لولا بقايا البحرية الإيرانية، وهو ما أقنع بغداد أن طهران الثورة ستستسلم سريعًا أمام الهجوم العسكري العراقي، يضاف إلى ذلك أن العراق كان يعتقد أنه يخوض حربًا بالوكالة عن الدول العربية الخليجية.

واستطاع العراق في الفترة الأولى للحرب والتي استمرت حتى [ رجب 1401 هـ= مايو 1981م] تحقيق بعض التوغل في الأراضي الإيرانية، وامتلاك زمام السيطرة في العمليات الحربية؛ حيث احتل العراقيون في الشهور الأولى من الحرب مدينة "خورمشهر"، ورابطت على أطراف مدينة الأهواز، أما الإيرانيون فأعلنوا إصرارهم على الاستمرار في الحرب لتحقيق انتصار كامل على العراق، وليس سلامًا عن طريق الصلح، واستطاعوا استعادة توازنهم وبدءوا منذ [ شعبان 1401 هـ= يونيو 1981م] في استعادة بعض المواقع الإيرانية المحتلة، ودخول الأراضي العراقية واحتلال بعض الأماكن الهامة ومنها جزيرة "الفاو" العراقية، وفي أعقاب ذلك دخلت الحرب بين البلدين في مرحلة من التدمير المتبادل وقصف المدن وتدمير المنشآت النفطية والبنية الاقتصادية لكل منهما، إلا أن التطور المتواصل في القدرات العسكرية العراقية والدعم العربي الذي حصلت عليه وبخاصة من الخليجيين أتاح للعراق في نهاية المطاف امتلاك زمام المبادرة مرة أخرى وتحقيق انتصارات متوالية على القوات الإيرانية لا سيما في عام [1408هـ= 1988م] الأمر الذي اضطر إيران إلى قبول قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار.

العرب والحرب
خلقت الحرب العراقية الإيرانية مأزقًا حقيقيًّا للدول الخليجية؛ لأن المنتصر في الحرب سوف يكون المهيمن على الخليج، إلا أنها قررت الوقوف بجانب العراق وبخاصة الأنظمة المتقاربة مع الولايات المتحدة، وترتب على هذا الانحياز التزامات سياسية وعسكرية ومالية ونفطية إزاء العراق، وقدرت مساهمة الدول الخليجية للعراق في جهوده الحربية بحوالي مائتي مليار دولار. كما جمعت السعودية والكويت (300) ألف برميل نفط يوميًّا لتعويض العراق عن تراجع إنتاجه النفطي بسبب التدمير الذي لحق بحقوله ومنشآته النفطية، وسمحت السعودية للعراق ببناء خط أنابيب قادر على نقل 1.5 مليار برميل نفط يوميًّا على الشاطئ السعودي في البحر الأحمر، وفي الوقت نفسه اتبعت السعودية سياسة نفطية معادية لإيران أدت إلى خفض أسعار النفط؛ وهو ما سبب خسائر فادحة لإيران، ووصل الأمر بالسعودية إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران [رمضان 1408 هـ= إبريل 1988م].

ورغم هذا الدعم الخليجي للعراق فإنه كان يعتريه تقلبات تبعًا لمسار الحرب، إذ لم تكن هذه الدول تنحاز إلى العراق انحيازًا مطلقًا بقدر انحيازها إلى مصالحها الإستراتيجية العليا التي لم تتغير عن المخاوف من إيران والعراق إذا انتصر أي من الطرفين على الآخر؛ لذلك كان الدعم الخليجي بهدف استمرار الحرب وليس بهدف تحقيق انتصار لأي من الدولتين وهو ما عبر عنه وزير الدفاع السعودي في مقابلة مع إحدى الصحف حيث قال: "لن نسمح بهزيمة العراق ولا بهزيمة إيران".

أما الدول العربية الأخرى فقد انقسمت بين مؤيد للعراق ومؤيد لإيران، حيث أيدت سوريا وليبيا طهران، وأوقفت دمشق تصدير النفط العراقي، ووقّعت اتفاقية لشراء النفط الإيراني، كما أصبحت ليبيا أحد المصادر الهامة في تقديم المساعدات العسكرية لإيران نيابة عن الاتحاد السوفيتي الذي لم يرد الدخول في خلافات مع العراق، وأصبحت مصر بعد تقاربها مع بغداد أهم مصادر الدعم البشري والعسكري للعراق.

ويلاحظ أن سوريا وقفت ضد التهديدات الإيرانية للدول الخليجية، وفي نفس الوقت ساندت إيران ضد العراق، ولكن ليس للدرجة التي تستطيع فيها إيران تحقيق انتصار على العراق؛ خشية أن يؤدي ذلك إلى حدوث تحول في التوازن الإقليمي لصالح إيران.

القوى الدولية والحرب

كانت مواقف الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي تجاه الحرب محكومة بالمصالح الإستراتيجية والاقتصادية لكل منهما في الخليج، وأهمية كل من العراق وإيران لهذه المصالح، ومدى تأثير الحرب على التنافس بينهما، فرغم ما أبدته واشنطن وموسكو من الالتزام بموقف حيادي من الحرب، فإن الواقع كان يؤكد أن الحياد سياسة مدروسة ولها مغزاها وأهدافها، كما أنه كان حيادًا مؤقتًا محكومًا بقدرتهما على إطالة أمد الحرب إلى الوقت الذي تتحقق فيه مصالحهما من الحرب، فالحياد الأمريكي ظهر في بداية الحرب حيث كان العراق مسيطرًا على مقاليد المواجهة العسكرية، واقترن بقطع إمدادات السلاح الأمريكية عن إيران، كما استغلت واشنطن هذه الحرب لتكثيف وجودها العسكري في الخليج والحصول على تسهيلات عسكرية من الدول الخليجية، وبذلك كانت الحرب تتوافق مع المصالح الأمريكية؛ حيث رأت فيها واشنطن بديلا لإسقاط نظام الحكم الإسلامي في إيران أو زعزعة استقراره، وهذا ما يفسر تعمد واشنطن تشجيع إسرائيل لبيع أسلحة لإيران، كما سمحت لأطراف أخرى بإمداد العراق عسكريًّا، لضمان استمرار الحرب، وضمان ضبطهما عند الحدود التي لا تسمح بانتصار أي من الطرفين المتحاربين.

وعندما تغير الموقف العسكري لصالح إيران أنهت واشنطن سياسة الحياد المعلنة وقررت دعم العراق، فأعادت العلاقات الدبلوماسية مع بغداد في [1405هـ= 1984م] وأمدت العراق بمعلومات استخباراتية، ووفرت له مساعدات ومبيعات تكنولوجية وزراعية، ودعمت واشنطن قرارات مجلس الأمن الدول الذي أدان إيران لهجماتها على ناقلات النفط في الخليج. واتخذت إدارة الرئيس ريجان عام [1404 هـ= 1983م] خطوات متزاتيدة لدعم العراق، وكان دافع هذا الحماس الأمريكي توظيف الخطر الإيراني للحصول على الكثير من المكاسب، ونهج سياسة نفطية تحول دون حدوث أزمات نفطية تؤثر على الاقتصاديات الغربية. ويتضح هذا من التناقض بين السياسة الأمريكية المعلنة ضد إيران، والتورط الأمريكي السري في تقديم أسلحة أمريكية إلى إيران بتخطيط من الإدارة الأمريكية، وبدور مميز لمستشار الأمن القومي الأمريكي "روبرت ماكفرفلين" الذي قام بزيارة إلى طهران لهذا الغرض، وهي الصفقة التي عرفت بـ "إيران- كونتراجبت" ومن هنا فإن واشنطن كانت تهدف إلى استنزاف إيران والعراق للتخلص من الخطر الإسلامي والقومي العربي معًا، وإعادة ترتيب الأوضاع في الخليج؛ لتصبح قوة موجودة فيه.

أما السوفيت فكانوا يهدفون إلى إطالة أمد الحرب لأن ذلك يخدم أهدافهم الإستراتيجية في كسر احتكار النفوذ الأمريكي للخليج، فكانت موسكو لا تتجاوب مع مطالب العراق العسكرية رغم معاهدة التعاون والصداقة الموقعة بينهما عام [1392هـ= 1972م] إلا أن موسكو أنهت كثيرًا من مساندتها لإيران بعد عام [1403هـ= 1982م] عندما عبرت القوات الإيرانية إلى داخل العراق، وقدم السوفيت لبغداد صواريخ متوسطة المدى، وأصبحت الممول العسكري الرئيسي لها بقية سنوات الحرب.

قرار رقم 598

اشتدت الاعتداءات على الناقلات النفطية في الخليج العربي، فقامت الكويت بخطوة أدت إلى تدويل الحرب، وتدخل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في أحداثها، إذ تقدمت الكويت بعرض إلى واشنطن تطلب فيه نقل نفطها على ناقلات أمريكية، لكن واشنطن لم تتجاوب مع العرض التجاري الكويتي؛ لأنها كانت تتوقع أن توقع مع الكويت ترتيبات أمنية وليس صفقات تجارية، فبادرت الكويت بالتوجه إلى موسكو بهذا العرض، فوافق السوفيت على تأجير ثلاث ناقلات نفطية للكويت؛ وهو ما دفع واشنطن إلى تقديم عرض مثير للكويت في قبولها تسجيل جميع ناقلات النفط الكويتية لديها، فردت الكويت بأنها ترى أن التعاون بين موسكو وواشنطن ضروري في منطقة الخليج ويؤدي إلى حماية الملاحة البحرية من أي خطر فقبلت واشنطن هذه الرؤية على مضض.

وكانت إيران ترفض أي قرار من مجلس الأمن ما لم يعترف بأن العراق هو البادئ بالاعتداء، وتقرير التعويضات اللازمة لإيران والتي وصلت في بعض المطالب إلى 200 مليار دولار، وإسقاط النظام السياسي في العراق، إلا أن تطورات الأحداث جعلت إيران تسكت عن هذه المطالب، خاصة بعد حدوث مواجهة عسكرية في الخليج العربي بين القوات الأمريكية والبحرية الإيرانية دُمّرت فيها منصتان إيرانيتان للنفط، وأسقت طائرة إيرانية مدنية بصاروخ أمريكي، بالإضافة إلى ما ارتكبه الحُجّاج الإيرانيون أثناء موسم الحج من اضطرابات عام [1408هـ= 1987م] واصطفاف معظم الدول العربية خلف العراق في حربه ضد إيران، كل ذلك جعل إيران تقبل بقرار مجلس الأمن رقم 598 الذي اتُّخذ بقصد وضع حد للحرب الدائرة بين الدولتين. وسبق صدور القرار مشاورات بين الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن استمرت ستة أشهر، وحضر جلسة التصويت عليه كثير من وزراء الخارجية في سابقة لا مثيل لها في تاريخ المجلس، وصدر القرار بالإجماع، وصدر هذا القرار في [رمضان 1405هـ= يوليو 1987م] ولم تضع الحرب أوزارها بين البلدين إلا في [8 محرم 1409هـ= 20 أغسطس 1988م] وبعد توقف الحرب بعشرين يومًا فرضت أمريكا عقوبات على العراق، وامتنعت عن استيراد النفط العراقي.

خسائر لم تنته
انتهت الحرب العراقية الإيرانية بضعف للقوة الإقليمية لكل من البلدين، وأعطت مبررًا قويًا للدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة للتواجد العسكري في الخليج، وكانت إسرائيل هي الطرف الأكثر استفادة من هذه الحرب بإهدار قوة هاتين الدولتين في معارك لا طائل منها.

وقُدرت الخسائر الإجمالية لهذه الحرب بحوالي (500) مليار دولار، منها (280) مليار دولار خسائر إيران و(220) مليار دولار خسائر العراق، إضافة إلى (450) ألف قتيل وأضعافهم من الجرحى والمعوقين، وخسائر في المنشآت النفطية والاقتصادية تقدر بـ (500) مليار دولار للبلدين، أي أن التكلفة الإجمالية لهذه الحرب تقدر بـ(1000) مليار دولار، كما أنها خلقت فجوة نفسية عميقة بين شعبي البلدين ما زالت تطرح ذكرياتها المؤلمة والدموية في كل مناسبة تعوق دون فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين، وما تزال بعض القضايا عالقة بين البلدين بسبب هذه الحرب، أبرزها قضية الأسرى؛ حيث تتهم إيران العراق بالاحتفاظ لديه بآلاف الأسرى الإيرانيين، وينفي العراق ذلك، ويتهم إيران باحتفاظها بأسرى عراقيين، وذلك رغم تبادل عدد كبير من الأسرى بين البلدين عام [ 1418هـ= 1997م].


الساعة الآن 08:31 PM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب

جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى