![]() |
كان ياما كان !..
وكانت السعادة تصيبني بالارتباك .. وحدها تخيفني لأنني لم اعتدها .. فأنا امرأة ألفت الغربة وحفظت أرصفة الوحشة والصقيع وأتقنت أبجدية العزلة والنسيان... وأعرف ألف وسيلة ووسيلة لأحتمل هجرك أو كل الألم الممكن أن تسببه لي ... ما لا أعرف كيف أواجهه هو سعادتي معك ... وحينما أصير مثل آنية كريستال شفافة ممتلئة برحيق الغيطة وبكل الفرح الممكن أرتجف خوفا أمام السعادة ... مثل طفل منحوه أرنبا أبيض ليقبض عليه للمرة الأولى في حياته !.. وكنت دوما اصلي : رب ارحمني من سعادتي أما تعاستي فأنا كفيلة بها .. آه !.. كان ياما كان حب ... وكنت بعد أن أفارقك مباشرة يخترقني مقص الشوق اليك ... وتزدحم في قلبي كل سحب المخاوف والأحزان .. وأشعر بأن البكاء لا يملك لي شيئا فأضحك !! وتركض الي حروفي فأكتبها وأستريح قليلا بعد أن أكتب .. وأفكر بحنان بملايين العشاق مثلي الذين يتعذبون في هذه اللحظة بالذات دون أن يملكوا لعذابهم شيئا وأصلي لأجلي و لأجلهم وأكتب لأجلي ولأجلهم ... وأترك دموعهم تنهمر من عيني وصرختهم تشرق من حنجرتي ... وحكايتهم تنبت على حد قلمي .. مع حكايتي .. وأقول عني وعنهم : كان ياما كان حب ... |
كلمة منسية ... لعينيك
الليلة بحثت عن كلمة صغيرة كلمة عذبة أخلفها على صدرك بعد أن أرحل عنه كلمة بلا شوك وبلا حراشف وبلا هياكل عظمية .. الليلة بحثت عن كلمة منسية في مجزرة اللغة فيها طمأنينة همسات طفلة نائمة وصفاء لهبة القنديل الزيتي الخافت قرب وجهها وبراءة حرارة أنفاسها الخافتة المتلاحقة الليلة بحثت عن كلمة صغيرة وخيل إلي أنني أرى ظل حروفها فوق شفتيك وخشيت أ أقرأها بصوت عال فتروح في محرقة الكلمات |
رافعة علم نزواتي بلا حدود
تحت الثلج الأسود لهذا النهار المسعور .. أعاهد الشيطان بأن لا أحب بصدق أبدا ... تحت المطر المسموم لهذا النهار المسعور أقف حاملة خطيئة الصدق كقتيل يحمل جثة قاتلة .. واصرخ تحت مسامير الرعد التي تصلبني : غفران أيها الشيطان ! أعدني إلى حظيرتك إلى النسيان والخدر واللامبالاة والضحك والفرح الأرعن ... واغفر لي أن عصيتك وأحببت بصدق وخرجت عن سراطك غير المستقيم وضعت في متاهة الحب الحقيقي !.. في الشوارع النازفة مطرا لهذا النهار المسعور أدور وأندف وأتساقط وأنتحب ندما على خطيئتي الكبرى خطيئة الحب الصادق .. فلتجرف المياه الموحلة الراكضة إلى المجارير ذاكرتي معها !.. ليغفر لي سيدي الشيطان الذي أطعمته دائما ومنحني سنوات من الجنون والشبق والفوضى ... وها أنا لأول مرة أخرج عن طاعته وأمنح بصدق واخلاص كجدول ... وها هي عجلات القسوة تدوسني أنا التي جئت حقل الحب عارية من أسلحتي ومن أظافري ومخالبي وأسناني المدببة وفي فمي صلاة ولمسة حنان .. عمدوني بماء النار وركضوا خلفي بالحصى كركض الأطفال خلف مجانين القرى .. من تحت خرائب الفرح لهذا النهار المسعور يطلع جسدي من جديد ويتكون .. ومن رماد الخيبة اتشكل ثانية وأنمو ... كل الذين ظنوا أنهم دفنوني واستراحوا يجهلون أنني أنهض دوما من رمادي وأركض كاهنة للشر الملون مضمخة بعطر دمي وجرحي شاهرة أظافري السود وجمر عيوني في وجه الليل والغربة والوحشة راجعة إلى حظيرة الشيطان الرحيم مؤدية لطاعته رقصة الشهوة المسعورة رافعة علم نزواتي بلا حدود مغتصبة أجمل الملاحين إلى جزري حيث مغاور اللوتس الأسود واللاعودة !... أرمي برأسي على فخذ الشيطان وأصرخ : خذني وامسح جرحي النازف بلسانك الثعباني وعمده باللعنة سبع مرات واغمد اصابعك السكاكين في صدري واستخرج قلبي المجرم بالحب الصادق واغمسه في مستنقعات اللامسؤولية سبع ليال وجففه تحت النجوم السود ولتمر به الساحرات منشدات حوله صرخات الشؤم ولتخرج الضفادع والحراذين والأفاعي والسحالي من أوكارها لتعمده بالسم والنقيق ليصير قلبا صالحا للعيش في هذا العالم غير الصالح ! وبعدها سأخرج من هيكلك حاملة على جسدي بكل فخر لعنات الرجال الذين خنتهم والذين سأخونهم !... والذين غدرت بهم والذين سأغدر بهم دونما ندم دونما ندم ودون أي حس بالإثم ساتابع رقصة الحياة الغجرية أنا الطاعنة المطعونة المشرعة عمرها لما يأتي رافعة علم نزواتي بلا حدود وبلا ندم بلا ندم في أيام مقبلة لا ريب بينما احيل قلوب الرجال حقولا للانتظار والنزوات المجنونة .. والدمع الأسود يتفجر من وقع خطاي كينابيع اللعنة واللذة الحادة كطعنات سكاكين تفرقع كالسياط على جدران معبدي أنا كاهنة الشر الملون في أيام كهذه مقبلة بلا ريب حين يمر اسمك في خاطري لن تدمع عيني ولا قلبي ولكنني سأشهق كسمكة أخرجوها من الماء وكوردة برية زرعوها فوق اسفلت شارع مزدحم !.. |
وها أنا أنساك ..
ها أنا أنساك ... أدمر هيكل الذكرى علي وعليك .. وأترك جثة الذاكرة مشلوحة لصقور الزمن تنهشها وتأتي عليها .. وأصنع من سواد عينيك حبرا لسطوري المتوحشة مرة كان حبك وكان حبك شراع مركب الفرح العتيق ورحيلا من نهر الظلمات والدم إلى جزر الدهشة وصحو مطر النجوم مرة حبك كان عبارة " ممنوع المرور " في وجه قاطرة الحزن حبك رغيفي في قحط التكرار والسأم ... كان حبنا وعلا جميلا كالحرية راكضا كسهم افريقي ملون لكنه حين دخل غابة اشكوك والنزق علق قرناه في أغصان الحزن الكثيفة ورغم كل المرارة التي ما يزال طعمها في فمي كالدم إثر لكمة متفجرة كانت هنالك لحظات في حبنا لحظات مضيئة عانقنا فيها الطفولة والفرح الفرح الفرح ومرت أيام ... صار بيتنا الزلزال واستحال حبنا إلى " هاراكيري " يومية ورسائلنا إلى مجزرة وصار حوارنا جلدا متبادلا بصواعق اللؤم وصار صوتك يخرج إلي من الهاتف مثل لسان أفعى تسكن سماعته !.. يلدغني واغفر ... على أمل أن تشاركني ثقل الليل على صدري ... وثقل الكرة الأرضية فوق رأسي ... واذكر أيامنا : مقهى وديعا أكل البحر أطراف أعمدته ... يهزه صفير قطارات الوداع المتلاحقة حين جاء صفير قطارنا كان لامفر ودعنا المقهى بصمت ودعنا الدرج العتيق بصمت ورحلنا عن ذلك الربيع البحري وفرغت الصدفة من لؤلؤتها وشرارتها وملأها الرمل والضجر والثرثرة الدامعة أتمدد على سريري وأتوهم أنني نمت وحين يغرق في النوم قناعي يستيقظ قلبي العاري يهرب مني راكضا في الشوارع كزعيق سيارة الاسعاف يركض قلبي العاري معولا مطلقا ساقي البكاء للريح ويغلق سكان الحي نوافذهم ويشتمون صوت العاصفة ... إنهم لا يعرفون أن العاصفة هي غبار القلوب المنطفئة ... إن العاصفة هي صوت قلب لم يثأر له !.. إن العاصفة هي صوت بكاء قلب بدأ ينسى ينسى ينسى وهو لا يريد أن ينسى لا تقل لي " ماضينا " معا و " مستقبلنا " ... ها أنا أنساك ... وحبيبي اسمه " الآن " " البارحة " و " الغد " كلمتان أطلقت عليهما الرصاص ولن أهاجر إلى الماضي لأعيش بك فالمهجر إلى الماضي كمحاولة الآقامة في قارة الاتلنطيد التي ابتلعها البحر منذ دهور ... والهجرة إلى المستقبل موعد غرامي فوق سهول القمر في " بحر الهدوء " عام 2020 ! الآن أو أبدا ... وها أنا أنساك ... |
وأنا شريدة في وهج الربيع
نيسان يطلق في الجو صرخته : ها هو ربيع جديد يأتي نيسان يستعيد مملكته صدر الأرض يخفق يتفتح يزدهر يتنهد التراب رائحة زهر الليمون حارة كثيفة موحية كالذكرى ... فأتنهدك أتنهدك أيها الغريب ... نيسان يبسط عباءته الملونة يكسر قارورة الوجود العطرية على شواطئ لبنان وأنا شريدة في وهج الربيع شريدة في الليل العتيق المذهل ليل نيسان الذي يفتح المسامات النفسية للحب والحياة لازدهار الجسد ( ليل الطفلة محروقة الخدين لا ليل المقاهي والأقنعة والكرنفالات الاجتماعية ) فأتنهدك وأذكرك دوما تأتي إلي عبر إيقاع الأرض ومع غليان التراب بالعطاء ... مع رائحة زهر الليمون رائحة الاحتضان دوما تأتي إلي من نزيف ذاكرتي .. وعبثا نفتح في جدار الفراق كوة ... وعبثا ننسى أننا صنعنا الربيع ذات مرة ! أصرخ : من له قلب فليتبعني ... ولكن حين أعانق سواك أيها الشقي أكتشف أنني أعانق أجساد رجال مقطوعي الرؤوس وحتى رأسي أحسه ينفصل عني ليعوم مقطوعا فوق بحر الليل والحزن ... نيسان يطلق في الجو صرخته فأتنهدك وأذكرك وأشم رائحة أيامي معك ... وانتثر في فضاء الليل وأتراكم كالغبار على مرايا أيامنا القديمة وعبثا ألتصق بصورنا الهاربة إلى داخلها ... كيف ضيعتك أيها الشقي يا ربيع القلب ؟.. سعداء كنا ولم نستطع أن يغفر لنا الناس ارتكابنا جرم السعادة ... كان لنا ربيع في قحط شتائهم ... وكان لابد من عقابنا .. وتم اعدام قلبي _ السنونو لأنه طار بعيدا عن قبيلة الغربان والشتاء والروتين واحترف البحث عن الربيع والدهشة ... لكني أتوق اليك حين تصير الأيام مكررة وبلهاء مثل أشرطة تعلم اللغات بالمراسلة ... أتوق اليك حين تصير الوجوه حولي أصناما يغطيها الجليد والرياء وحين يصير الشوق متسولا في دروب مجهولة وحتى الكتابة تصير صدأ في الشرايين أتوق اليك لأن الشمس لفظت أنفاسها وداست جثتها أقدام السكارى ( بالحياة الاجتماعية ) الناجحة أتوق اليك لأنني كلما ازددت ايغالا في أرض الشهرة كلما اكتشفت كم أنا وحيدة وحزينة مثل مرصد مهجور في قمة جبل ... أتوق اليك لأن ذئاب شتاء الحزن انتشرت في دروب أعضائي أتوق اليك لأن القلب الذي عرف معنى مرورك بقريته الكئيبة مرة مازال يتوق لبيارقك الملونة وأناشيدك أتوق اليك لأننا معا ربيع !.. |
أيها الشقي
لو تزهر جذورنا في الأرض الحرقة لو تشق براري الركام لو تعود الريح لتكون صوتنا لو !.. لو أنني لم أتركك تمضي لو أنني لم أصر على أن أمضي لو لو كنت أدري أنني حين أسدل الستار نهائيا على مجزرتنا أكون قد أغلقت أيضا كوة الربيع في عمري .. لو !... لو !... لو عرفنا أننا ساعة افترقنا تدلى ربيعنا إلى الأبد طفلا مشنوقا على شجرة يهتز أمام أعيننا مثل ناقوس هائل في كاتدرائية يقرع لهول عظيم ... لو ... هل يمكن أن ننسى أنه كان لنا ربيع ؟ وأننا ركضنا معا فوق درب المجرة المرسوم باللآلىء ... وراقبنا الكون كيف يزهر الضوء والموسيقى والضحك حين يغسله قلبان بالحب ؟ هل نستطيع أن ننسى ربيع الوجود حين أسرجنا النجوم الملونة وصنعنا منها مركبة للفرح المجنون ونصبنا أرجوحة اللعب إلى الكواكب المشعة وأرحنا خدنا إلى أبراج الأساطير لو !... لو لم نفترق وتنطفئ النجوم كالفقاعات ويعود الكون ليقذفنا من رحمه وتبدو الكواكب من جديد محايدة ولا مبالية وخاضعة لقوانين الفيزياء وحدها !... آه كم افتقد حبك ! ونيسان يطلق صرخته والأرض تمارس الفرح طويل هو شتاء الانتظار بين الحب والموت ... طويلة هي تلك الأيام الممددة في غرفة الجراحة على طاولة طبيب مجنون اسمه " القدر " ... طويلة هي أظافر الليل السود حين يحاصرك بالصحو ويسيجك بالذكرى ويستبيح حجرات النسيان فينبش صناديقها وبالجمر يرسم على صفحة القلب صورة لوجه كان ربيع القلب ... تتأمله وتشهق ويلتحم الضحك بالبكاء وتهرب من فراشك وعبثا تغسل وجهك بالماء البارد ... كيف تطفئ حريق القلب بغسل جلد الحواس ؟ ... تعال يا من وجهك الرحيل ونظرتك الشفرة الرجمية وصوتك الهاوية تعال وأزهر داخل لحمي تدفق في روحي كالنزيف وفجر في ودياني ينابيعك تعال واعبرني كصاعقة وانتشر في كعروق الذهب في الصخر واحتوني كنار تأكل بيدرا تعال كي يزهر البرق في رماد القلب ... أنت يا ربيع القلب ... |
أعلنت عليك الحب
كانت القسوة خطيئتك .. وكان الكبرياء خطيئتي .. وحين التحمت الخطيئتان .. كان الفراق مولودهما الجهنمي .. طالما قررت : حين نفترق سأطلق الرصاص على صوتك .. وأربط جسد ذكراك إلى عمود رخامي وأضرم فيه النار كما كانوا يحرقون السحرة وشرورهم ... واليوم وقد افترقنا أفكر فيك بحنان وحزن ملئ بالصفاء كهمس الصحراء للسراب .. فراق أو لا فراق إني أعلنت عليك الحب .. إني أعلنت عليك السلام .. إني أعلنت عليك الشوق .. إني أعلنت عليك الغفران .. ولست بنادمة لأنني أنفقت عليك جسدي وروحي .. برد برد وسجادة النجاح من الجليد وجوه الأصدقاء حقل مزروع بالألغام ... وأصابعهم خناجر .. وحدك كنت ملاذ القلب _ القنفذ ولأجلك وحدك استحالت اشواكه سنابل ربما لذلك كانت طعنتك الأشد حذقا ونفاذا ... قليل من الشجار ينعش ذاكرة الحب ... قليل من الشجار ينعش قلب الحب .. لكننا شربنا من خمرة الشجار حتى ثملنا وقتل كل منا صاحبه وعربد على جثته حتى دون أن يلحظ ذلك !.. وأيضا أغفر لك أنك حولتني من عصفور الرحيل إلى مسمار في تابوت الغم كنت ممتلئة بك راضية مكتفية بك ولكن زمننا كان مثقوبا .. يهرب منه رمل الفرح بسرعة أتعذب ... بسبب ما فعلته بك ... بعد أن ارغمتني على أن أفعله بك أعلنت عليك الحب أإعلنت عليك السلام أعلنت عليك الغفران بقي أن تعلن على نفسك السلام والغفران أما الحب فأنت جسده ... تم كل شيء بسرعة الصاعقة وامتزجت في حكاياتنا شهقة الولادة بشهقة الاحتضار طويلا تعثرت في شبكة عنكبوت الحيرة ... وكانت كلمة وداعا جسر الفرار الوحيد الباقي .. وكانت كلمة وداعا قاسية كضربة إزميل في رخام .. وها هي ثلوج النسيان تهطل تهطل تهطل وعبثا تغطي معالم حديقة حبنا ... قبل أن انام اطرد صورتك من رأسي بكل تعاويذ العقل وكل القوانين الاجتماعية .. ولكن حبك يقطن تلك الدهاليز في اعماقي التي لا تطالها سلطة الملك _ العقل حبك يتكاثر ويتناثر ويتناثر في داخلي ويصدعني ويتناسل دونما مبالاة بشهادات الميلاد الرسمية ... وهكذا حين أظنني رحلت إلى النوم يظل جزء مني يتابع حياته السرية مسكونا بك .. ممعنا في حبك .. ويوقظني عند الفجر بضربة من فأس الشوق في منتصف رأسي ... أهو صداع ؟ أم تصدع في روحي ؟.. أيها الغريب على مرمى صرخة البعيد على مرمى عمر إني أعلنت عليك الحب إني أعلنت عليك السلام إني أعلنت عليك الغفران رغم كل ما كان وما قد يكون !.. |
وحده حبيبي الحقيقي ...
لقد نضج الموت في حقولي فمتى القطاف ؟ تنسحب الحلزونة إلى صدفتها ينطوي الذئب الجريح على نفسه تنحسر الخلايا داخل متاهاتها وحتى المحيط يحشر نفسه في مغارة والحائر يلتف في قشرة صمته فمتى متى يلملم قلبي الضال مواسم جنونه ومتى تحنو القسوة على ذاتها وترق الشراسة على جروحها ؟ كلهم يتساقطون عني في براري الهرب والغربة يتدثرون بخدرهم كلهم يتناثرون عن مسيرتي الأكيدة نحو قارة الصحو اللامتناهي ... بياض جدران المستشفى بياض أبرة المصل بياض الصمت تنتظم أنفاسها متواترة مع أنفاس الليل الوديع ... وحدها آلامي تتلاحق نبضاتها وتشمخ نائية وتنتصب كعمود النار الراقص ... وسط الغابة الساكنة ... حين يتعب جسدي من الرجال جميعا ... يتسلل " السيد الحزن " ليعانق روحي ... يعرف جيدا رقم هاتفي ... ويعرف طريقه إلى مخدعي ... ويدوس بقدميه الثابتتين جثث عشاقي المتلاشين حولي ... و أستقبله دونما دهشة أو بكاء .. مرصودة له .. وتسجد الضوضاء حين يسعى إلي حبيبي ... ويحبس كوني أنفاسه حين يحتويني حبيبي " السيد الحزن " ... وتتلصص الصقور والغربان لترى عرسي الوحيد الحقيقي ... وحين أتأمل وجه حبيبي " السيد الحزن " حين أتأمل وجهه جيدا أرى وجهي كما لو كنت أحدق في مرآة أتأمل عمري على شاشة الجدار الأبيض : آه كل ذلك الضجيج لا يجدي ... كل ذلك الصخب والعتب ومسرحيات الوصال والشجار وكل ذلك الركض المسعور في الليل والأحاديث الهاتفية الصباحية المحمومة واللمسات المختلسة والنظرات الخجلة المشحونة بالصراخ كل ذلك لا يجدي ... ف " السيد الحزن " يعرف دوما طريقه إلي ... وحين يمد أصابعه الشفافة تنهار كل حصون الزحام والصخب مثل بيوت من ورق اللعب .. هدمتها في غمضة عين رفة عصفور ... لقد جربت كل الوصفات ضد حبيبي الحزن .. وحملت كل الأحاجي العتيقة .. ولففت على جسدي كل التعاويذ .. ومارست كل ما تعرفه المرأة منذ أقدم العصور وكل ما اكتشفته في آخر الزمان .. واتخذت من أوسم الرجال دروعا واختبأت داخل أجسادهم منه ... لكنه يا إلهي كضبع الاساطير وحين يهمس تحت نافذتي لا أملك إلا أن أتبعه مسحورة منومة .. إلى وديان الأنين الباكي .. اسكن قصرا ؟ في الشوارع ينطلق قلبي في الشوارع ينطلق قلبي وحيدا تحت المطر بلا معطف وبلا مظلة بلا مظلة يا حبيبي يا طفلي يا حبيبي يا حصني ضد زحف الكوابيس افتح عينيك ومد اهدابك سقفا فقلبي وحيد وحيد كإصبع مقطوع عن جسده وروحي شهقة بدأت بالتلاشي بالتلاشي ... مغفورة خطايا كل الرجال الذين عرفت مغفورة خطايا الذين احببت فأنا لم أخلص لأحد منهم وكنت باستمرار أخونهم مع حبيبي " السيد الحزن " حتى وأنا معهم بل بالذات وأنا معهم ... الليل طويل طويل لكنه لا يتسع لتنهيدة من صدري ... والشوارع مظلمة مظلمة لكنها تضن بالمفاجأة أو الدهشة ... والأبجدية شاسعة لكن الحوار قد اهترأ ... وحده الحزن يطل لا متناهيا واثقا من نفسه وحده يعرف كيف يمتلكني وفي ملكوته وحده أعرف شهقة التلاشي .. |
معك عرفت أن الأرض مسطحة !...
يا غريب ... لاتصدقني حين أقول لك انني نسيتك ... وان صدرك لم يعد وكري وان عينيك لم تعدا أفقي وان غضبك لم يعد مقصلتي ... فقلبي مايزال كرة ذهبية تتدحرج على سلالم مزاجك وساحات الصحو والمطر في أيامك ... ولا تصدقني حين أقول لك : انتهينا .. وأرمي في وجهك كنوزي التي خزنتها كبخيل : رسائلك وموسيقاك وعقدا من الياسمين الجاف وقارورة عطر فارغة وشمعة نصف منتهية .. لأنني بعد أن تمضي ألملمها عن الأرض بشفتي وأغسلها بنبيذ أساي .. وأستحيل قصبة مثقوبة .. تصفر فيها رياح الندم .. مع كل فجر أعد نفسي للفراق كعروس تزف إلى حبيبها المرصود لها ... وبأحزاني أطعن وجه النهار وأعد نفسي للفراق وأقول لك انتهينا ... لكن حقل الجمر في وادي حبنا مايزال يغلي تحت الرماد ... وشوقي اليك ما يزال مثل طيور البحيرات يهب نحو ضفافك قبلك ! كثيرون .. ولا أحد بعدك ؟ انت !.. قبلك كنت امرأة تتثاءب بينما يقبلها رجل ... وتتابع برامج التلفزيون بينما يحتضنها ... قبلك كنت أحتضر ضجرا مثل نقطة داخل دائرة !.. معك استحال جسدي من صحراء قاحلة إلى عنقود من ضوء ... وصار قلبي غزالا وصارت أصابعي خمس فراشات .. معك وحدك انصهرت رقصت تناثرت استحلت جنية أسطورية عارية تركب حصانا عربيا أصيلا يعدو بها إلى فجر الفرح .. مخلفا مقبرة الماضي خلفه .. معك عرفت سكاكين الانتظار والهاتف الذي يجيء ولا يجيء ( الهاتف الذي ينشر الحب في المدينة كالزكام ) .. معك عرفت أغاني جنيات الشك والخوف من الزمن وكنت قبلك لامبالية كطاحونة هواء وشاردة كسمكة .. معك عرفت أن الأرض مسطحة لأنها ممدودة على طول جسدك وسريرك وتنتهي عند أصابع قدميك معك عرفت أن الأرض لا تدور .. وإنما تتكوم أمامي كقط وديع لاهث ... وحينما تبتسم تستحيل الأرض حلما شفافا وتعوم كالزورق فوق بحيرات قوس قزح ... معك عرفت كيف تستطيع الموسيقى أن تكون حفارة تفجر كل لوعة القلب المرهق .. معك صار جلدي القلق ووسادتي الوساوس ... من سقف الصمت يتدلى صوتك العاتب كالمصباح الشرس .. آه لا تعتب يا غريب .. ليس صحيحا أنني تسيتك .. لكنني كرهت أن أغسل فراقنا المختوم بالدمع وبقايا الكحل وألفه بكفن كلمات الوداع التقليدية لذا أشعلت فيه نيران الكبرياء ورميت برماده في البحر حفنة من الصمت واللامبالاة ... وها هو حبي ينهض من رماده ليحبك من جديد ... كيف تصدقني يا غريب حين أقول لك انني نسيت ؟.. وانني صرت استعرض أيامنا الماضية بحياد عالم آثار أمام رف في المتحف ؟.. كل تلك اللحظات المضيئة كالشموع هل يمكن أن تنطفئ إذا حاصرتها رياح الحزن ؟ كل تلك الأيام الجميلة مثل سرب من الأحصنة البرية انطلقت إلى الأبد في حقول ذكرياتنا .. وستظل تركض تركض داخل عيوننا وتمنع ذاكرتنا من النوم عما كان ... يف تجرؤ على أن تصدقني حين أقول لك أن شرنقة النسيان نبتت حول تلك اللؤلؤة الوحشية السوداء التي كان اسمها حبنا ؟.. هل نسيت ارتجافي بين يديك مثل عصفور لم يتعلم الطيران بعد ؟.. وساعات الهمس ؟.. ومسحوق الجنون وسحابات انين المتعة ؟.. كيف تنسى ؟ وكيف تجرؤ على أن تصدقني حين أقول لك أنني نسيت ؟ وكيف كيف أغفر لك أنك صدقتني حين قلت لك أنني نسيت ؟... |
أيام بين الجمر والرماد
طويلا تمددت على الشفرة بين قارة الحب وقارة الوداع .. وتعذبت بصمت وها قد هبط طائر النسيان أخيرا واستقر فوقي كرخ اسطوري وهيمن على جسدي وروحي وها هو يلفني بجناحيه : جناح النوم وجناح السكينة بعدما عصفت بي رياح الأرق والعذاب وطوحتني في الفراغ ريشة دامية .. اني لاأصدق كيف انتقلت فجأة من مرحلة الجمر على مرحلة الرماد وصار اسمك نبعا للذكريات العذبة الذكريات الذكريات الذكريات : لاأكثر!... وانتهت رحلة الخروج عن منطق الزمان والمكان ... وعاد قلبي ليدق ببطء وانتظام وفقا لقوانين الفيزياء ... بعد أن كانت ضرباته لك قرعات طبل وثني في معبد للعراة والشمس .. وانتهت مرحلة الجمر وها أنا أعود إلى نافذتي العتيقة أتكوم داخل جسدي العتيق أرقب الخريف يزحف إلى الحديقة وفي دمي صهيل أحصنة لا تتعب تحمل إلى باستمرار أفراح الربيع المقبل وفارسه .. عمر الكبرياء عندي أطول من عمر الحب ودوما يشيع كبريائي حبي إلى قبره ولم أدر أبدا جلادا كنت أم ضحية !.. قاتلة أم مقتولة ؟.. في الحب يختلط الدوران من خلف براري الحزن يعود وجهي إلي وقد خلف هناك جسد أيامنا الماضية هامدا ومنسيا ومصلوبا كفزاع طيور ... طالما استيقظت مشنوقة بحبل ياسمين اشتريته لي في الليلة الفئتة .. أتأرجح وأتدلى في الفجر الزجاجي الساخر وأصرخ اسمك بحنجرة مقطوعة ! كان من المستحيل أن ينبت قمحي فوق صخرتك وكنت أعرف ذلك منذ البداية .. ولكنني نشرت فوقك سحبي واحتضنتك كما يحتضن البحر الأفق فالمستحيل حرفتي ظللت زمنا طويلا والكدمات تملأ قلبي والمستحيل حرفتي وأحبك !.. الآن تتناثر أيامنا الجميلة كالغبار المضيء كل ذلك الماضي الذب تحت عجلات قطار الزمن لقد أحببتك زمنا لكنني لم أفقد القدرة أبدا على التمييز بين أعضاء جسدي وأغلالي !.. من اليأس البارد تشرق دوما شمسي السوداء وأعود صلبة وكثيفة وحارة أصير امرأة مسكونة بالآهات التي لم تقتلها !.. تشرق شمسي السوداء وأصير منصهرة وصلبة لأنني أعاود طيراني محرقة ومحترقة دونما نهاية ... لقد احترقت عشرات المرات حتى غادرني غباري وبكائي وغادرني نسيج العنكبوت الذي تحيك منه النساء عادة عواطفهن الميلودرامية ... فشمسي السوداء تشرق دوما من جرحي تحرق رخاوة الخوف والتمهل ... وحين تظنني قد مت أكون قد بدأت استيقظ مثل غابة مسكونة بالأسرار وبأكثر مما نتوقع أو ندري ... وحين تظن أنني قد بدأت أبكي أكون قد اكتشفت كيف أضحك بملء شفاه جرحي !.. أوغلنا معا في غابة الجنون وتجاوزنا كل الأسلاك الشائكة وضحكنا من كل لافتات " ممنوع المرور " وها نحن اليوم نأكل جثة ذكرياتنا على مائدة النسيان ... مباركة كانت أيام الحب ومباركة أيام الاحتضار ومبارك انتحار الذاكرة .. أودعك وأعود إلى حروفي ألفها جبيرة حول أعضاء أيامي التي كسرتها الخيبة .. وحدها عكازي في مسيرة النسيان |
الساعة الآن 01:24 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. منتديات المُنى والأرب
جميع المشاركات المكتوبة تعبّر عن وجهة نظر كاتبها ... ولا تعبّر عن وجهة نظر إدارة المنتدى |